سنة الحق الأولى هي الجمع
اخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- في حديث جابر:" أول ما خلق الله روح نبيك يا جابر" .اعلم ان هذه الروح كانت الروح الأولى الكاملة الجامعة ,وان أول ما فاض عن الله هو النور المحمدي أو الحقيقة المحمدية فخلق محمد – عليه السلام- من نور الله وأن الكون بما فيه خلق من نور محمد , وأن به وفيه ومن أجله خلق الله الخلق فهو أول الخلق والسر الساري في كل الموجودات , واعلم أن الله أودع في رسول الله – صلى الله عليه وسلم- جميع ما قسمه لخلقه من فيض العلوم والمعارف والأسرار والتجليات والأنوار .
توضيح :هذا ما كان في بدء الخلق من روح جامعة لكل الأرواح , والواجب الآن العودة إليها مرة أخرى عن طريق جمع القلوب المتجهة إلى الحق في روح واحدة يفيض عليها الحق بما شاء .
إشارة : اعلم أن من يحمل واجب الجمع أولا هم من كان في قلبه رشة من نور , وهم من كان نظرهم إلى الحق .ثم بعد ذلك ينضم إليهم باقي الخلق , فيصلح الكون والإنسان صلاحا تاما .
التفرق من اجل الشعور بالحاجة إلى الجمع
اعلم أن الله خلق ادم جسدا واحدا , ثم خلق منه زوجه , ثم ذريته , التي تفرقت إلى قبائل وشعوبا , قال تعالى : "وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء" , وبدأ تفرق الناس على أسس مختلفة, فكل امة حدت حولها الحدود , ودخلت في اطر وتعصبت لها , ثم تشعبت كل امة إلي جماعات اصغر ووضعت حدود أضيق لها على أساس المكان أو العرق أو ما شابه , وكان هذا التفرق على أساس إتباع امة لرسول من الرسل أي على أساس الدين . ثم تفرق الدين إلى طوائف وشيع , حتى وصلنا في هذا الزمان أن كل شخص يضع له حدودا ويعيش في ذاته , أي وصلنا إلى اصغر وحدة ممكنة من التفرق وهو الإنسان , فالإنسان الآن يعيش في داخله ولا يشعر بالآخرين .
إذن التفرق سنة سنها الله للإنسان ,لكن هذه السنة ليست الأصل بل هي البلاء ,حيث كان سببها عصبان ادم لربه , وهبوطه إلى الأرض , فكانت العداوة والتفرق , قال تعالى :" اهبطوا بعضكم لبعض عدو" , وكان الخطاب للجماعة فقال اهبطوا أي لذريتهم , فلم يقل اهبطا . واعلم أن السنة الأولى هي الجمع , فقبل ادم الجسد كانت الروح الجامعة , روح محمد عليه السلام , فلما وصلت السنة الثانية إلى أقصاها في التفرق , أرسل الله محمدا الجسد لنعود إلى السنة الأولى وهي الجمع , قال عليه السلم :" كنت نبيًا وآدم بين الطين والتراب " ,فأرسل خاتم الأنبياء لناس كافة , ليجمعهم ويؤلف بين قلوبهم , قال تعالى : وما أرسلناك إلا كافة للناس .
إشارة : ظهور محمد الجسد علامة على وجوب الجمع في هذا العالم , فانظر كيف تأخرنا في ذلك ازمان , وازددنا فرقة .
توضيح : لا يشعر الإنسان بالحاجة إلى الشيء , إلا بعد أن يعيش في نقيضه , فالحاجة إلى الطعام تأتي بعد الجوع , وكذلك الحاجة إلى الجمع بعد التفرق