يضيق صدر الكوني .................
ومن قال أن الأنبياء والأولياء لا يتعبون ؟؟!!
ومن قال أنهم لا يعيل صبرهم وتضيق صدورهم ؟؟!!
هذا يونس يقبع ضجرا في بطن الحوت .
وذاك موسى يتوسل : ربي اشرح لي صدري .
وأيوب الصابر كم عاتب الله في بلوائه ، وكم أنّ وفقد صبره .
و نوح بلغ به التعب حدّ أن دعا على قومه ، وتوسل لله ألا يترك منهم ديّارا .
حتى محمد يخاطبه الله : إنا لنعلم أنه يضيق صدرك ،
ثم ينزل إليه قوله : ألم نشرح لك صدرك .
والله الذي معه ، يسمع ويرى ، رأى عينه في السماء ترعاه ،
وسمعه يقول : أنت بعيني فلا تحزن ،
وهاهو يشرح له صدره ، ويؤازره ، وييسر أمره ،
ويهبه صبر الجبال وثبات الرجال " والرجالُ قليلُ "
فيعود ليجادلهم بالتي هي أحسن ، ويدفع بالحسنة السيئة ، في انتظار وعد الله ، ووعد الله حق بنصرة المستضعفين في الأرض .
وكيف لا ، وهو من اختار حمل الأمانة التي عجزت عنها السموات والأرض ، ليكون الظلوم الجهول .
وبذات النظرة المُحِبة يخاطبهم ، ورجاؤه بالله لا ينقطع :
يا قوم .. كأنكم لم تعرفوني يوما . كأنكم ما رأيتم مني طيب الأخلاق لسنين خلت .
كأني ما كنت فيكم الصادق الأمين .
إني لأشهد تكرار القصة في كل زمان وكان . تختلف الرسوم والحقيقة واحدة .
هذا القرآن يقص قصتي وقصة كلّ وليّ
ألست وإياك يا فرعون ، الكتاب المبين الذي يظهر المضمر بأحرفه ؟؟
وهل أنا أو أنت إلا آدم المجتبى كخليفة ليحقق اسم إنسان عبر البشرية ؟؟
وأيّ عدل لله أن يقتصر مدده على أناس ، ويكون محظورا عن سواهم ؟؟
أم أن قوله " وفيك انطوى العالم الأكبر " لفئة مجتباة دون سواها ؟؟!!
فاقض ما أنت قاض يا فرعون .. إنما تقضي هذه الحياة الدنيا .
لقد آمنت بوجودك ، ورأيتك بي القوس الآخر المكمل للوجود ،
قبل أن أراك في الآخر
وضرورة عرفتك ليعرف الضد بالضد ،
تملأ كل الفراغات في الحضور الإنساني ،
التي لم يملأها الخير .
رأيتك مع كل رسول ونبي وولي ،
بل رأيتك مع كل إنسان ملازما .. مجربا ومعلما .
لكنني يوما ، في سواد وجهك لم أر إلا النور ، وفي دمامتك لم ألمح إلا الجمال .
تعال معي يا قريني أرفعك بالمحبة حتى سدرة المنتهى
تعال إلى حيث .. لا أضداد ولا تفرقة ، بل وحدة جامعة ، ونور غامر .
إلى حيث هو هو .. ولا سواه
إلى حيث لا إله إلا الله
واحشد خيلك ورجالك وجندك ما طاب لك .. يا أنا
ستجدني على ما عهدتني ، الصابر المسلّم الراضي بحكم الله ،
كسائر الربانيين ، وأهل الله .
انصاع للناموس وانقاد له ، ولا يسأل من سلّم نفسه للناموس لما ولا كيف ومتى .
أحببتني ببغضك ، فرثيت لك وأشفقت عليك ، وأحببتك كما يحب الربّ مربوبيه .
فلئن بسطت يدك لتقتلني ، ما أنا بباسط يدي .
وشرف لي أن أموت مظلوما ، على أن أموت ظالما .
قلبي عليك يا من اخترت الغيّ على الرشد ، أراك رهين الخوف والقلق ،
لا سكينة تعرف طريقها إليك ، ولا قوة تهبك الطمأنينة ،
وما عرفت عن السلام إلا اسمه ، مذ تنازعتك قوى النفس ،
وراحت شياطينك تئزك أزّا ،
يكفيني أن وزيرك هامان ووزيري هارون .
ولكن من قال أن فرعون يسمع أو يرى ؟؟
إنه لا يصغي إلا لأفكاره وخيالاته ،
رسمها وأحكم بنيانها حتى حسبها حقيقة ،
ووفقها قدر وكفّر وعادى وحارب وقتل وظلم .
ولو استفتى قلبه لحظة ، " وقلب المرء دليله " ،
لما كذب وتولى ، ولا استكبر وأنكر .
ولو آمن بالقلب مركزاً وكعبة ومهبطاً للوحي ،
ولو أغلق عين رأسه وأبصر بعين قلبه ،
أتراه كان ضلّ وأضلّ .
ويشتد سعير النار .. يصلونها ويزكونها لتضطرم أكثر .. فإذا بها برد وسلام عليه .
رباه كيف صارت النار نورا ، وكيف جهنم تغدو جنة .
يا لدبيب الحياة ما أجمله .. يسري في عروقه .
يا لجدب الصحراء يخضوضر شيئا فشيئا ، كأن عصا سحرية لامسته .
ويا للسجن يلقاه ساحات حرية .
الحريّة ................
بدمه سيخط أسطر كتابها للأجيال القادمة
لن يحدثهم عنها
سيترك قصة حياته تحكي
فقد ضاق الربّ بركام الكتب تقدم قرابين إليه
وصراخ البشر ما عاد يصل إليه
جعجعة بغير طحين خطاباتهم وأفكارهم
ويسأل أينه العاشق أقبّله فأذبحه
إني هو يا أبتِ
أبدع يزيد بقتل حبيبي الحسين
وما زال لإبداع الشر فنون وفنون
ليعتدل الميزان
فانظر أية طريقة تنقلني بها إليك
حرّ أنا يا الله
حرّا خلقتني
حرّا أعود إليك
طير عاف الأرض إلى السماء
فليضيقوا الخناق ما شاءوا
وليحاصروني ما طاب لهم
كذلك شأنهم منذ بدء الخلق
وسيبقى
إلى أن ترث الأرض ومن عليها
لعلهم يوما يعرفون أن الحرّ هو الأقدر على المحبة والغفران ،
لأنه يرى بعين قلبه التي لم تتفتح إلا بإغلاق عين البصر ،
ثم بعين فؤاده التي تغلق عين القلب
فلا تفتح عين إلا بإغلاق أخرى
لأنه أعطي أن يرى بإحاطة وشمول ،
لأنه علّم الأسماء كلّها
لأنه السيد الربّ أحاط كل شيءٍ علما
والحمد لله رب العالمين
***
ثناء درويش
سوريا - مصياف[/size]