صبرى محمد خليل
عدد الرسائل : 187 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| موضوع: مفهومي الحياة و الموت في الفكر الاسلامى المقارن الخميس نوفمبر 15, 2012 7:56 am | |
| مفهومي الحياة و الموت في الفكر الاسلامى المقارن د.صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم Sabri.m.khalil@hotmail.com أولا:مفهومي الحياة والموت في الفلسفات الدينية الشرقية القديمة: عرض نقدي مقارن: البراهميه :يستند مفهومي الحياة والموت عند البراهميه إلى تصورها للإله باعتباره روح سارية في جميع الموجودات بدرجات متفاوتة ، فمنه صدرت جميع الموجودات، وسرى روح بدرجات متفاوتة في الجماد والنبات والحيوان ، والنفس صدرت منه ، ثم تعود كالقطرة من الماء تصعد من البحر إلى السماء ، ثم تسقط على قمم الجبال ، وتجرى في الأنهار، ثم ترجع إلى أصلها اى المحيط ، فالنفس تهبط من السماء إلى الجسد، ولما ينحل الجسد بالموت تطير إلى الأقطار العلوية، التي يعاين فيها الصالحين الإله، أما نفوس الفاسدين فترتد إلى الأرض ثانيه ، والروح خالدة ، فهي لا تفنى بعد الموت، بل تتقمص جسدا جديدا عندما يبلى جسدها القديم لتثاب في الأرض أو تعاقب ، لكنها لا تدرك ذلك . وهكذا فان البراهميه تستند في تصورها لمفهومي الحياة والموت إلى مفهوم وحده الوجود الذى يرى أن للإله وحده وجود حقيقي ، لما المخلوقات فوجودها وهمي، وهو مفهوم يتعارض مع الإسلام كدين ، لأنه يلزم منها وحده الخالق والمخلوق، وهو ما يتعارض مع مفهوم التنزيه ، كما أن البراهميه أقرت بخلود النفس، لكنها استندت في ذلك إلى مفهوم تناسخ الأرواح، وهو مفهوم غريب عن الإسلام، وتناسخ الأرواح هو امتداد للنزعة الحيوية التي ترفض تقسيم الوجود إلى جمادات وأحياء ،وترى أن كل الموجودات حيه بدرجات متفاوتة، وهذه النزعة هي معادل لمفهوم وحده الوجود. البوذية: لم تسلم البوذية بخلود النفس الإِنسانية، لكنها أقرت بالتناسخ إقرارا سلبيا من خلال تقريرها ان التناسخ سببه إتباع الشر في حياه سابقه،وبالتالي فان الخلاص من الشر هو وسيلة النجاة من العودة إلى الحياة مره أخرى،وهنا نجد التناقض بين نفى خلود النفس واثبات التناسخ. الكنفوشيوسيه: أما كنفوشيوس فقد كان يتجنب البحث فيما وراء الطبيعة، ويحاول أن يصرف عقول أتباعه عن أمور الغيب، فكان إذا وجه إليه سؤال في أمور الدين أجاب إجابة سلبية، فعندما سأله بعض تلامذته قائلا : هل لدى الأموات علم بشيء أو هل هم بغير علم " أبى أن يجيب جوابا صريحا . وعندما سأله آخر عن " خدمة الأرواح " ( أرواح الموتى ) أجابه " إذا كنت عاجزاً عن خدمة الناس فكيف تستطيع أن تخدم أرواحهم ". وسأله آخر قائلا : "هل أجرؤ على أن أسألك عن الموت" فأجابه:" إذا كنت لا تعرف الحياة فكيف يتسنى لك أن تعرف شيئا عن الموت". وهكذا فان الكنفوشيوسيه ركزت على مفهوم الحياة وتجاهلت مفهوم الموت. الجينية : أما الجينية فقد تناولت مفهوم الحياة والموت من خلال تصور معين للرغبة (الكارمـــا) باعتبارها كائن مادي يخالط الروح ويحيط بها، ولا سبيل لتحرير الروح منها إلا بشدة التقشف والحرمان من الملذات، لذا يظل الإِنسان يولد ويموت ما دامت الكارما متعلقة بروحه ولا تطهر نفسه حتى تتخلص من الكارما، حيث تنتهي رغباته وعندها يبقى حياً خالداً في نعيم النجاة، وتؤمن الجينية بالانتحــار البطــيء حيث يترك الرهبان الطعام لعدم الإِحساس بالجوع ولقطع الروابط التي تربطهم بالحياة ،مما يؤدي إلى الانتحار البطيء عن طريق التجويع الذاتي.والوصول إلى هذه المرحلة يعني أن الشخص قد خرج عن سلطان جسده الفاني، والانتحار مرتبة لا يصل إليها إلا خواص الخواص من الرهبان الجينيين، ولا يصلون إلى هذه المرحلة إلا بعد أن يقضوا ثلاثة عشر عاماً في مبادئ الجينية وتعاليمها القاسية الرهيبة.أما العامة من الجينيين فيكتفون بأن لا يقتلوا نفساً وبأن لا يأكلوا لحماً والبعد عن إيقاع الأذى بإنسان أو حيوان، وبقهر الرغبات المادية. وهكذا فان الجينية بتطرفها في التأكيد على البعد الروحي للإنسان، وإلغائها لبعده المادي ، انتهت إلى اباحه الانتحار الذى نه عنه الإسلام وكافه الأديان السماوبه. الزرادشتيه : يؤمنون الزاردشتيون بالبعث ،ويعتقدون أن روح الميت الصالح إذا فارقت الجسد استقبلها الإله ،وان الصراط فوق جهنم ، وان الرجل الصالح تصحبه أعماله حتى يعبره إلى الجنة ،أما الأشرار فيقعون في النار ، ويستمر هذا الحال حتى يفنى أهرمان ويبقى مزدا . وهكذا فان الزرادشتيه قد أقرت بخلود النفس ولجزاء الاخروى، لكن استنادا إلى الثنائية (اى القول بوجود الهين احدهما للخير والآخر للشر) وهى شكل من أشكال تعدد الالهه اى الشرك. ثانيا: مفهومي الحياة والموت في الفلسفة الغربية :عرض نقدي مقارن: سقراط: يفرق سقراط بشكـل قطعي بين الروح والبدن، فالبدن مرهون بما هو طبيعي خاضع لتغيراته، في حين ستستقل الروح بحريتها وبارتفاعها عن الزمن، وأي زعم باختلاطها بالبدن سيجعلها عرضة للقلق والخوف أمام موتها، لذلك كانت الحياة النفسية عند سقراط مرانا طويلا إراديا لتخليص الروح من البدن. وهكذا فان سقراط يؤسس للفلسفة المثالية الغربية التي تتناول مفهومي الحياة والموت من خلال تصور للوجود الانسانى يقوم على التطرف في التأكيد على البعد الروحي للإنسان إلى درجه إلغاء بعده المادي . أفلاطون: أما أفلاطون فيستند إلى نظريه المثل القائلة بان للوجود قسمان: عالم المثل ذو الوجود الحقيقي، والعالم المحسوس الذي هو مجرد ظلال وإشباع تحاكى المثل وليس له وجود حقيقي، ومصدر اعتقادنا بكونه حقيقي خداع الحواس. والعقل أو النفس هي ما يقابل عالم المثل ،أما الجسد فهو ما يقابل العالم المحسوس.فالمادة( الجسم) هي مصدر الشر، والعقل( الروح) هي مصدر الخير. والوجود الإنساني لا يتحقق إلا بالتحرر من المادة والجسد( يتحقق التحرر الجزئي بالزهد والتأمل و يتحقق التحرر الكلى بالموت).وهكذا فان تصور أفلاطون للحياة والموت يستند إلى التصور السقراطي للوجود انسانى والقائم على التطرف في التأكيد على البعد الروحي للإنسان إلى درجه إلغاء بعده المادي . كيركيجارد : أما كيركيجارد فيرى أن الموت شيء لا يمكن تجنبه من حيث أننا أشخاص تاريخيون حقا. ولهذا السبب فإنه ليس حيلة أو خدعة قاسية من الطبيعة، ولا هو شيء مفروض غير عادل من القدر. فليس هناك أي شر في الموت. وفي الحقيقة ليس هناك شيء نهائي يمكن أن يقال عن الموت، لأن المــوت هو في نهايـة الأمر مجــرد حدث في تيار الصيرورة الذي لا يتوقف. وهكذا فان تصور كيركيجارد للحياة والموت يستند إلى تصور للوجود الانسانى يركز على البعد الذاتي للإنسان ويتجاهل بعده الموضوعي. نيتشه : أما نيتشه فينظر إلى الموت باعتباره اختيارا وحرية، وهو بذلك، يدعو إلى تخير أوانه عن طريق تحقيق النضج في الحياة وبلوغ المقصد. فيكون الموت تتويجا أخيرا لحياة ناضجة ومليئة بالمكاسب. إن الموت بالنسبة إليه مصير طبيعي يؤول إليه الجسد بابتهاج، وليس عقابا ميتافيزيقيا، لذلك يطلب من الناس المبادرة إلى إيجاد الإنسان المتفوق SUPERMAN . فهذا الإنسان هو الذي يستطيع أن يعيش الحياة كما ينبغي أن تعاش. وهو في النهايــة يستطيــع أن يموت باختيــار وحرية في الوقت المناسب.(الموت بين الأسطورة والفلسفة/عبد السلام المُساوي).وهكذا فان نيتشه الغي البعد الغيبي للموت، فضلا عن إلغاء الطابع الحتمي له. ثالثا: المفهوم الاسلامى للحياة والموت: أما المفهوم الاسلامى للحياة والموت فيستند إلى المفاهيم القرانيه الكلية ( التوحيد والتسخير والاستخلاف )، والتي ينطلق منها المفهوم الاسلامى للوجود . مفهوم التوحيد: مضمون مفهوم التوحيد هو إفراد الربوبية والالوهيه لله تعالى ، ومضمون توحيد الربوبية أن الله تعالى ينفرد بكونه الفاعل المطلق ،يقول ابن تيميه في معرض رفضه لاستدلال المتكلمين على وجود الله بطريقه الأعراض الدالة على حدوث الأجسام( إن هذا المسلك مبنى على امتناع دوام كون الرب فاعلا وامتناع قيام الأفعال الاختيارية بذاته) (ابن تيميه، درء التعارض،1/98.). و مضمون توحيد الإلوهية أن الله تعالى ينفرد بكونه الغاية المطلقة، يقول ابن تيمية ( .... ولكن المراد المستعان على قسمين: منه ما يراد لغيره ..... ومنه ما يراد لنفسه فمن المرادات ما يكون هو الغاية المطلوب فهو الذي يذل له الطالب ويحبه وهو الإله المعبود ومنه ما يراد لغيره)..واستنادا إلى هذا المفهوم فان المفهوم الاسلامى للحياة والموت ينطلق – استنادا إلى مفهوم توحيد الربوبية -من أن الإحياء والاماته هما من صفات الربوبية التي ينفرد بها الله تعالى ، و استنادهما إلى سواه هو شرك في الربوبية . والحياة الدنيا (عالم الشهادة) قائمه على ظهور صفات الربوبية" اى ما دل على الفعل المطلق الذى ينفرد به الله تعالى" يقول ابن القيم( فالكون كما هو محل الخلق والأمر مظهر الأسماء والصفات فهو بجميعه شواهد وأدله وآيات دعا الله سبحانه عباده إلى النظر فيها )، ولهذا الظهور شكلان تكويني: يتمثل في الكون، والسنن الإلهية التي تضبط حركته يقول ابن تيميه(المخلوقات كلها آيات للخالق والفرق بين الايه والقياس إن الايه تدل على عين المطلوب الذي هو أيه وعلامة عليه)( ابن تيميه، مجموع الفتاوى،1/48)، وتكليفي :يتمثل في الوحي يقول ابن القيم( القران كلام الله وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته)، أما الحياة الاخره فهي قائمه على الظهور الذاتي(التجلي)الذى يترتب عليه تغيير الوجود الشهادى، المحدود بالزمان والمكان ، والقائم على الظهور الصفاتى، بوجود غيبي( يوم يبدل الله الأرض غير الأرض والسماوات)، غير أن هذا الظهور الذاتي (التجلي) "بالنسبة إلي الناس" ليس شاملا لجميعهم، بل هو مقصور على المؤمنين ،وهو ما عبر عنه أهل السنة برؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة. ،استدلالا بالعديد من النصوص كقوله تعالى (وجوهٌ يومئذٍ ناضرة، إلى ربِّها ناظرة)،وفي السنة روى الإمام أبو يعلى (إنَّ الله يتجلَّى للمؤمنين، فيقول: سلوني، فيقولون رضاك). واستنادا إلى ما سبق فان الحياة والموت في المفهوم الاسلامى هما - في الحياة الدنيا - ظهور صفاتي للفعل المطلق الذى ينفرد به الله تعالى، وبالتالي فان مضمونهما هنا دال على هذا الفعل المطلق ، كما أنهما -في الحياة الاخره - ظهور ذاتي للفعل المطلق الذى ينفرد به الله تعالى، وبالتالي فان مضمونهما هناك عين هذا الفعل المطلق.. مفهوم التسخير: ومضمون مفهوم التسخير هو أن الكائنات التي لها درجه التسخير، تظهر صفات ربوبية والوهيه الله تعالى على وجه الإجبار، فهي دائما آيات داله علي وجوده تعالى.وطبقا لهذا المفهوم فان الكائنات التي لها درجه التسخير تنقسم في المفهوم الاسلامى إلى نوعين: الأول : الكائنات الحية إلى تخضع حتما لدوره الحياة والموت، والكائنات الجامدة التي لا تخضع لهذه الدورة، حيث يصفها القران بأنها ميته. رفض الإسلام للنزعة الحيوية : بناءا على ما سبق فان المفهوم الاسلامى يرفض النزعة الحيوية التي ترفض تقسيم الوجود إلى جمادات وأحياء ،وترى أن كل الموجودات حيه بدرجات متفاوتة، فضلا عن أن هذه النزعة هي معادل لمفهوم وحده الوجود،الذى يتناقض مع الإسلام ومفهومه في التنزيه.بناء على هذا فإننا نرى خطاْ المذهب الذى يقول به بعض المفكرين الإسلاميين المعاصرين ، الذى يحاول إثبات أن النزعة الحيوية لا تتعارض مع الإسلام ،من خلال الاستدلال بالنصوص التي تفيد رفض السموات والأرض حمل الامانه وإشفاقها منها ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا )( الأحزاب : 72 )، أو التي تفيد تسبيح السموات والأرض بحمد الله تعالى، كما في قوله تعالى( تُسَبّحُ لَهُ السّمَاوَاتُ السّبْعُ وَالأرْضُ وَمَن فِيهِنّ وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـَكِن لاّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ).فهذه النصوص لا تفيد أن الجمادات حيه ، بل تفيد أن الوجود بما فيه الوجود الجامد، له بعد غيبي بالاضافه إلى بعده الشهادى (المادي)، هذا البعد الغيبي يتضح من خلال أن ظاهر الايه الأولى يفيد أن عرض الامانه على السموات والأرض جاء قبل هبوط ادم (عليه السلام )الى الأرض ، ورد في تفسير ابن كثير( قَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس يَعْنِي بِالْأَمَانَةِ الطَّاعَة عَرَضَهَا عَلَيْهِمْ قَبْل أَنْ يَعْرِضهَا عَلَى آدَم فَلَمْ يُطِقْنَهَا فَقَالَ لِآدَم : إِنِّي قَدْ عَرَضْت الْأَمَانَة عَلَى السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال فَلَمْ يُطِقْنَهَا فَهَلْ أَنْتَ آخِذ بِمَا فِيهَا ؟ قَالَ يَا رَبّ وَمَا فِيهَا ؟ قَالَ إِنْ أَحْسَنْت جُزِيت وَإِنْ أَسَأْت عُوقِبْت فَأَخَذَهَا آدَم فَتَحَمَّلَهَا فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا " )، كما ان هذا البعد الغيبي يتضح لنا من تقرير الايه الثانية انه رغم أن كل شيء يسبح بحمده تعالى، فان الناس لا يفقهون تسبيحهم ، ورد فى تفسير ابن كثير( يقول تعالى: تقدسه السموات السبع والأرض ومن فيهن, أي من المخلوقات, وتنزهه وتعظمه وتبجله وتكبره عما يقول هؤلاء المشركون, وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وإلهيته...وقوله: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} أي وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} أي لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس, لأنها بخلاف لغاتكم, وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات, وهذا أشهر القولين). مفهوم الاستخلاف : ومضمون مفهوم الاستخلاف هو إظهار الإنسان لربوبيه وألوهيه الله تعالى في الأرض ، وهو ما يكون بالعبودية والعبادة، وذلك على المستوى الصفاتى، اى إظهار لصفات ربوبيه والوهيه الله تعالى(ما دل على وجوده المطلق فعلا وغاية )، في الأرض (عالم الشهادة المحدود بالزمان والمكان )،قدر طاقته المحدودة. يقول الالوسى ( فلابد من إظهار من تم استعداده وقابليته ليكون مجليا لي ومراه لاسمائى وصفاتي)( روح المعنى،ص223) ،وهو ما يتحقق عندما تأخذ أن تأخذ حركه الإنسان شكل فعل غائي محدود بغاية مطلقه(الالوهيه) وفعل مطلق( الربوبيه)، اى كدح إلي الله بالتعبير القرانى( يا أيها الإنسان انك كادح إلي بربك كدحا فملاقيه)،فالحياة الدنيا في المفهوم الاسلامى هي كدح إلى الله تعالى، بينما الحياة الاخره هي ملاقاة الله تعالى. أبعاد الوجود الانسانى: الوجود الانسانى وجود مركب وليس وجود بسيط، لذا تعددت أبعاد هذا الوجود، فهناك بعده المادي العضوي الفسيولوجي ممثلا في البدن، وهناك بعده الروحي وله مستويين: المستوى الأول هو مستوى مطلق ويتضمن: أولا: البعد الغيبي للإنسان ، ثانيا: دلالات مصطلح الروح المتصلة بماهية الحياة ، المستوى الثاني وهو مستوى مقيد ويتضمن: أولا: دلالات مصطلح الروح المتصلة بكيفية الحياة. ثانيا: التدين بما كسب بشرى، مضمونه معرفه والتزام انسانى(محدود بالزمان والمكان) بالدين كوضع الهي (مطلق عن قيود الزمان والمكان). وهناك البعد الذاتي للإنسان ويتضمن الأفكار والعواطف.. وكل ما هو نفسي ،وهناك البعد الموضوعي للإنسان ويتضمن الأفعال والسلوك.والمفهوم الاسلامى للحياة والموت – استنادا إلى مفهوم الوسطية الذي أشارت إليه العديد من النصوص كقوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا )(البقرة:143)، يرفض التطرف في التأكيد على بعد معين للإنسان إلى درجه إلغاء البعد الأخر، ويقوم على التأكيد على كل أبعاد الإنسان, فهو على سبيل المثال يرفض الاعتقادات والفلسفات، التي تتطرف في التأكيد على البعد المادي للإنسان، لدرجه إلغاء بعده الروحي، وبالتالي تركز على الحياة(الدنيا) وتتجاهل الموت وما يليه(من حياه آخره) كما في قوله تعالى ( ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه) وقوله تعالى (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)(الجاثية:24). كما يرفض الاعتقادات والفلسفات التي تتطرف في التأكيد على البعد الروحي للإنسان، إلى درجه إلغاء بعده المادي، وبالتالي تركز على الموت وما يليه(من حياه آخره) وتتجاهل الحياة(الدنيا) كما في قوله تعالى(وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ). ويقوم على التأكيد على البعدين الروحي والمادي للإنسان دون إلغاء لأحدهما، باعتبار أن الإنسان وحده نوعيه من الروح والمادة، فالروح والمادة في الإنسان متصلين وغير منفصلين، وبالتالي يدعو إلى تحقيق التوازن بين الحياة (الدنيا)والموت وما يليه(من حياه آخره) كما في قوله تعالى﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾(القصص:77)، وقوله تعالى( وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). مذاهب في تحديد دلالات المصطلحات: وفى إطار الفكر الاسلامى فان هناك ثلاثة مذاهب فى تحديد دلالات المصطلحات المستخدمة في وصف الحياة الاخره: المذهب الأول : يجعل العلاقة بين مصطلحي الحقيقي والمادي علاقة تطابق،لذا يصف الحياة الاخره باعتبارها وجود مادي، فيمهد بذلك للتجسيم . المذهب الثاني: يجعل العلاقة بين مصطلحي الروحي والغيبي علاقة تطابق، لذ يصف الحياة الاخره باعتبارها وجود روحي، فيمهد بذلك لنفى كثير من مظاهر الحياة الاخره التي أشارت لها النصوص، فضلا عن انه ويعتقد انه بذلك يتجاوز التجسيم ، بينما قوله هو شكل (تجريدي) للتجسم . المذهب الثالث: يرى أن مصطلح حقيقي اشمل من مصطلح مادي 0فللنفس مثلا وجود حقيقي لكنه ليس وجود مادي، كما يرى أن مصطلح غيبي اشمل من مصطلح روحي، فالروح غيب لكن الملائكة والجنة والنار أيضا غيب.هذا المذهب يصف الحياة الاخره باعتبارها وجود حقيقي(اشمل من مادي) غيبي(اشمل من روحي).وبهذا فان هذا المذهب يحول دون الوقوع فى التجسيم او نفى كثير من مظاهر الحياة الاخره التي أشارت لها النصوص. المفهوم الاسلامى للوجود:يقوم المفهوم الاسلامى الوجود ،على أن الوجود لا يقتصر على الوجود الشهادي،المحدود بالحركة خلال الزمان والتغيير في المكان، والذي يمكن للإنسان أن (يشاهده) بحواسه ،وبالتالي يدركه بوعيه ،ويشمل الوجود ألتسخيري (الطبيعة) و ألاستخلافي (الإنسان). بل يمتد ليشمل الوجود الغيبي بشكليه المحدود (غير القائم بذاته "كوجود الملائكة") والمطلق (القائم بذاته"وكل وجود سواه "سواء كان وجود شهادي أو غيبي" قائم به وهو وجود الله تعالى)، فهو (غائب) عن حواس الإنسان، وبالتالي عن إدراكه وتصوره. ويترتب على هذا المفهوم: الحياة والموت مظاهر للوجود: أن مفهومي الحياة والموت فى المفهوم الاسلامى لا يقابلان مفهومي الوجود والعدم كما في المعتقدات و الفلسفات التي تنكر الجزاء الاخروى، بل هما مظاهر متعددة ومتصلة للوجود، فالحياة (الدنيا) تمثل المرحلة الأولى من مراحل الوجود الانسانى، كما أن الموت يمثل نهاية هذه المرحلة، وبداية مرحله جديدة للوجود الانسانى هي الحياة الاخره.هذه الحقيقة تتضح من خلال تقريرالقرآن أنّ الموت ليس أمراً عدميّاً، بل هو أمرٌ وجوديّكما فى قوله تعالى ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً ﴾(الملك:2).يقول القرطبي في تعريفه: "قال العلماء: الموت ليس بعدمٍ مَحْض، ولا فناء صِرْف، وإنما هو انقطاع تعلُق الروح بالبدن، ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتَبَدُّل حالٍ، وانتقال من دار إلى دار". مراحل الحياة:أن الحياة في المفهوم الاسلامى غير مقصورة على الحياة الدنيا، بل تمتد فتشمل الحياة البرزخية"عذاب القبر ونعيمه" والحياة الاخره "القيامة ". يقول ابن القيم ( "إن اللـه تعالى قد جعل الدور ثلاثة، وهى: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار...وجعل اللـه لكل دار أحكاماً تختص بها، فجعل اللـه الأحكام في دار الدنيا تسير على الأبدان، والأرواح تبع لها، وجعل الأحكام في دار البرزخ تسرى على الأرواح، والأبدان تبع لها، وجعل الأحكام في دار القرار تسرى على الأرواح والأبدان معاً). وقد اجمع أهل السنة على إثبات عذاب القبر ونعيمه، استدلالا بالعديد من النصوص، كقوله تعالى في حق آل فرعون ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر:46]، وقوله تعالى في حق الشهداء (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله) (آل عمران : 169 – 170)، وقوله صلى الله عليه وسلم (القبرُ إمَّا رَوْضَةٌ مِنْ رياضِ الجنَّةِ وإمَّا حُفْرةٌ مِنْ حُفَرِ النيرانِ). أولا: الحياة الدنيا: فكما سبق ذكره فان الحياة (الدنيا) تمثل المرحلة الأولى من مراحل الوجود الانسانى، كما أن الموت يمثل نهاية هذه المرحلة، وبداية مرحله جديدة للوجود الانسانى هي الحياة الاخره. مفهوم الروح وتعدده الدلالي في القران الكريم: أصل الروح في اللغة الريح، وأصل (الياء) في الريح (الواو)؛ وإنما قُلبت ياء لكسرة ما قبلها.أما اصطلاحا فقد ورد مفهوم الروح في القرآن بدلالات متعددة ، ومن هذه الدلالات: أولا: الدلالة المتعلقة بما استأثر الله تعالى بعلمه كما في قوله تعالى(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي)(الإسراء:85) ورد في تفسير ابن كثير(...وقد اختلف المفسرون في المراد بالروح ههنا على أقوال (أحدها) أن المراد أرواح بني آدم... وقيل: المراد بالروح ههنا جبريل... وقيل المراد به ههنا ملك عظيم بقدر المخلوقات كلها... وقوله" قل الروح من أمر ربي" أي من شأنه ومما استأثر بعلمه دونكم...) . ثانيا:الدلالة المتعلقة بالنفس المتصلة بالبدن واصلها كما ورد في تفسير ابن كثير للايه (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي )(...ثم ذكر السهيلي الخلاف بين العلماء في أن الروح هي النفس أو غيرها, وقرر أنها ذات لطيفة كالهواء, سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر, وقرر أن الروح التي ينفخها الملك في الجنين هي النفس بشرط اتصالها بالبدن واكتسابها بسببه صفات مدح أو ذم, فهي إما نفس مطمئنة أو أمارة بالسوء, كما أن الماء هو حياة الشجر ، ثم يكسب بسبب اختلاطه معها اسماً خاصاً, فإذا اتصل بالعنبة وعصر منها صار إما مصطاراً أو خمراً, ولا يقال له ماء حينئذ إلا على سبيل المجاز, وكذا لا يقال للنفس روح إلا على هذا النحو, وكذا لا يقال للروح نفس إلا باعتبار ما تؤول إليه, فحاصل ما نقول: إن الروح هي أصل النفس ومادتها, والنفس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن, فهي هي من وجه لا من كل وجه, وهذا معنى حسن, والله أعلم).وهى دلاله متصله بكيفية الحياة.ثالثا:الدلالة المتعلقة إيجابا بجعل البدن حيا كما في قوله تعالى (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) ورد في تفسير الجلالين( "فإذا سويته" أتممته "ونفخت" أجريت "فيه من روحي" فصار حيا وإضافة الروح إليه تشريف لآدم "فقعوا له ساجدين" سجود تحية بالإنحناء). رابعا:ألدلاله المتعلقة سلبا بعمليه توقف حياة الجسد حين الاحتضار كما في قوله تعالى (فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ* وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ *وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لّا تُبْصِرُونَ* فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ* تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)(الواقعة:83-87) ورد في تفسير ابن كثير(يَقُول تَعَالَى " فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتْ " أَيْ الرُّوح " الْحُلْقُوم " أَيْ الْحَلْق وَذَلِكَ حِين الِاحْتِضَار... وَقَوْله تَعَالَى " فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْر مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا " مَعْنَاهُ فَهَلَّا تُرْجِعُونَ هَذِهِ النَّفْس الَّتِي قَدْ بَلَغَتْ الْحُلْقُوم إِلَى مَكَانهَا الْأَوَّل وَمَقَرّهَا مِنْ الْجَسَد إِنْ كُنْتُمْ غَيْر مَدِينِينَ قَالَ اِبْن عَبَّاس يَعْنِي مُحَاسَبِينَ ... وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ" فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْر مَدِينِينَ " غَيْر مُصَدِّقِينَ أَنَّكُمْ تُدَانُونَ وَتُبْعَثُونَ وَتُجْزَوْنَ فَرُدُّوا هَذِهِ النَّفْس...). وهذه الدلالة والدلالة السابقة لها متصلتان بماهية الحياة.خامسا: مَلَك من الملائكة كما في قوله تعالى(يوم يقوم الروح والملائكة صفا) (النبأ:38). سادسا:القرآن والوحي كما في قوله تعالى(وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) (الشورى:52). جبريل كما في قوله تعالى (قل نزله روح القدس من ربك) (النحل:102). سابعا:النصر كما في قوله تعالى قوله تعالى: (وأيدهم بروح منه) (المجادلة:22). ثامنا: الرحمة كما في قوله تعالى(ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (يوسف:87). تاسعا: الراحة من الدنيا كما في تفسير ابن عباس لقوله تعالى (فروح وريحان وجنة نعيم) (الواقعة:89 ) . اضافه الروح إلى الله تعالى للملك وليس للتبعيض:وقد أضاف القران الروح إلى الله تعالى كما في قوله تعالى )فإذا سويته ونفخت فيه من روحي)،وقد فسر البعض هذه بالاضافه بأنها اضافه وصف أو تبعيض، بمعنى أن روح الله تعالى أو بعضها توجد داخل الإنسان، وهذا التفسير خاطئ، فضلا عن انه قد يمهد إلى القول بالحلول،اى حلول روح الله تعالى بالإنسان.والتفسير الصحيح - الذى يتسق مع التصور التنزيهى لله تعالى -هو أن الاضافه هنا اضافه ملك لا اضافه وصف أو تبعيض، يقول ابن تيمية (...فإضافة الروح إلى الله إضافة ملك، لا إضافة وصف ؛ إذ كل ما يضاف إلى الله إن كان عيناً قائمة بنفسها فهو ملك له ، وإن كان صفة قائمة بغيرها ليس لها محل تقوم به ؛ فهو صفة لله ((مجموع الفتاوى:9/290)، ويقول ابن كثير في تفسير (وَرُوحٌ مِنْهُ ) (كقولـه : وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا: أي : من خلقه ومن عنده ، وليست (من) للتبعيض ؛ كما تقول النصارى...) الروح مخلوقه: والروح طبقا لدلالاتها المتعلقة بسوي الله تعالى وصفاته من علم ورحمه... كدلالتها المتعلقة بالنفس المتصلة بالجسد واصلها محدثه ومخلوقه يقول ابن القيم (... فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة ، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ؛ كما يُعلم بالاضطرار من دينهم أنَّ العالم حادث ، وأن معاد الأبدان واقع ، وأن الله وحده الخالق ، وكل ما سواه مخلوق له ) (كتاب الروح:ص 501)، إما قول البعض بأنها قديمه ، فهو يعبر عن تأثرهم بالتصور الافلاطونى ، الذى يرى أن الروح ذات وجود مطلق ، ويرتب على هذا التطرف في التأكيد على البعد الروحي للإنسان لدرجه إلغاء بعده المادي. مفهوم الخلود: الخلود لغةً من "الخلد" وهو دوام البقاء، واصطلاحاً: لا يختلف معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي. في الحياة الدنيا:وقد نفت النصوص الخلود بمعناه المطلق عن الوجود الإنساني في مرحلته الأولى اى الحياة الدنيا، كما في قوله تعالى(وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ. كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)، لكن النصوص أثبتت الخلود بمعناه المقيد للوجود الانسانى في هذه المرحلة كما في قوله صلى الله عليه وسلم(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علمٍ يُنتفع به أو ولدٍ صالح يدعو له)(رواه مسلم)، فالحديث يشير إلى بقاء (مقيد) لعمل الإنسان بعد الموت في بعض الحالات. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه، وقد فسر بعض العلماء معنى ان ينساْ له في أثره بقاء ذكره الجميل، يقول الإمام النووي (وأجاب العلماء بأجوبة الصحيح منها :... والثالث أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده، فكأنه لم يمت، حكاه القاضي، وهو ضعيف أو باطل والله أعلم). في الحياة الاخره: وقد أثبتت النصوص الخلود بمعناه المطلق للوجود الانسانى في مرحلته الثانية اى الحياة الاخره كما فى قوله تعالى } يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا{ (الفرقان 69)، و قوله تعالى: } ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود{ (ق 34). تفسير الايه (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ ): أما وصف القران لأهل الجنة وأهل النار بأنهم خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ في قوله تعالى (وَأَمّا الّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلاّ مَا شَآءَ رَبّكَ)،وقوله تعالى( فَأَمّا الّذِينَ شَقُواْ فَفِي النّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلاّ مَا شَآءَ رَبّكَ) فلا يعنى نفى الخلود فى الاخره ،وانما خاطب القران العرب في هذا الموضع بما هو معروف في لغتهم من التعبير عن الشيء الدائم البقاء بشبيه دوامه بدوام السماء والأرض، يقول الطبري في تفسيره( ويعني بقوله: ما دامت السموات والأرض: أبدا: وذلك أن العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدًا قالت: هذا دائم دوام السموات والأرض، بمعنى أنه دائم أبدًا، وكذلك يقولون: هو باقٍ ما اختلف الليل والنهار. وما سمر ابنا سَمِير، وما لألأت العُفْرُ بأذنابها، يعنون بذلك كله: أبدا. فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفون به بينهم فقال: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض، والمعنى في ذلك: خالدين فيها أبدًا). الموت: وقد عبر القران عن الموت بمصطلحات متعددة، ذات دلالات متعددة أيضا: مفهوم الموت وتعدده الدلالي في القران الكريم : الموت لغة : السكون ، وكل ما سكن فقد مات ، فتراهم يقولون : ماتت النار موتاً : إذا برد رمادها ، فلم يبق من الجمر شيء ، وماتت الريح : ركدت وسكنت .أما اصطلاحا فقد ورد المصطلح في القران بدلالات متعددة منها أولا:الموت كنهاية لمرحله الحياة الدنيا ، وبداية لمرحله الحياة الاخره كما في قوله تعالى (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ )(الزمر:30 )،وقوله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)(العنكبوت57). ثانيا:القوّة النامية الموجودة في الحيوان والنبات كما في قوله تعالى (يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) (الروم: 50). ثالثا:زوال القوّة الحسّيّة كما في قوله تعالى (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا ) (مريم: 23). رابعا:زوال القوّة العاقلة، وهي الجهالة، كما في قوله تعالى (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) (النمل (80.. خامسا:الخوف والحزن المكدّر للحياة كما في قوله تعالى: (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ) (إبراهيم: 17) . سادسا:النطفة كما في قوله تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُم). سابعا:الضلال كما في قوله تعالى (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) ثامنا: الجدب كما فى قوله تعالى (حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ). تاسعا: الحرب كما في قوله تعالى (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)(لسان العرب، ابن منظور، دار الفكر ودار صادر، بيروت،عن طبعة القاهرة، مطبعة الأميريّة، 1300هـ : ج 2 ص92 ). أنواع الموت: وقد أشار القران الكريم إلى أنواع الموت وحكم كل نوع من هذه الأنواع: القتل: وقد ورد النهى عنه كما في قوله تعالى ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93). الانتحار: وقد ورد النهى عنه كما في قوله (صلى الله عليه وسلم) ( مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ) (رواه البخاري /5442) ومسلم /109) . الشهادة: ورد مصطلح الشهادة ومشتقاته بدلالات متعددة في القران الكريم منها: اولا: الفعل (شهد يشهد) بمعنى حضر حدثاً كما في قوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)( البقرة: 15(،ثانيا: الشهيد هو الشاهد على معاملة الدين(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ) (البقرة: 282 ( ، ثالثا: الشهداء هم الحضور لحدث)أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ) (البقرة 133، رابعا: الشهيد من أسماء الله الحسنى(وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ) المجادلة: 6)،خامسا: المقتول في سبيل الله ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) آل عمران). شهيد الاخره وشهداء الدنيا: وقد ميز العلماء بين شهيد الاخره ، وهو المقتول في سبيل الله ،وشهداء الدنيا الذين أشارت إليهم جمله من النصوص منها: قوله ( صلى الله عليه و سلم )( الشهداء خمسة : المبطون ، و المطعون ، و الغريق ، و صاحب الهدم ، و الشهيد في سبيل الله عز و جل) وقوله ( الله صلى الله عليه و سلم )( من قتل دون ماله فهو شهيد ، و من قتل دون دمه فهو شهيد ، و من قتل دون دينه فهو شهيد ، و من قتل دون أهله فهو شهيد . ) ، وقوله ( صلى الله عليه و سلم )( من قتل دون مظلمة فهو شهيد). حول جواز القول فلان شهيد: وقد اختلف العلماء حول جواز القول فلان شهيد إلى مذهبين : أولا الجواز: استنادا إلى العديد من النصوص التي أشارت إلى وصف بعض الصحابة بالشهداء ، غير هذه النصوص مقصورة على وصف من شهد له الرسول(صلى الله عليه وسلم) بالشهادة ،أو اتفقت الأمة على الشهادة له ، لذلك ترجم البخاري باب(لا يقال فلان شهيد)، ثانيا: المنع استنادا إلى العديد من النصوص التي تفيد بعدم امكانيه العلم بحال الميت كقوله صلى الله عليه وسلم )إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ. فَقَدْ قِيلَ)(رواه مسلم .( وقوله (صلى الله عليه وسلم) ( إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة)( رواه البخاري( .. وكذلك نهى عُمَرَ بن الخطاب (رضي الله عنه) عن القول فلان شهيد ( تَقُولُونَ فِي مَغَازِيكُمْ فُلانٌ شَهِيدٌ وَمَاتَ فَلانٌ شَهِيدًا وَلَعَلَّهُ قَدْ يَكُونُ قَدْ أَوْقَرَ رَاحِلَتَهُ أَلا لا تقولوا ذَلِكُمْ وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ) . ان كلا المذهبين السابقين هما مذاهب اجماليه،والمذهب الذى نرجحه هو مذهب التفصيل ، ومضمونه التمييز بين كيفيه الحكم، فان كان الحكم على سبيل القطع والتعيين فان حكمه هو المنع ، أما إذا كان الحكم على سبيل الظن والرجاء والإجمال فان حكمه هو الاباحه ، وهو التفصيل الذى قرره عدد من العلماء ، يقول الحافظ ابن حجر ( قَوْله : " بَابُ لا يُقَالُ فُلَانُ شَهِيدٌ " أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ بِذَلِكَ إِلا إِنْ كَانَ بِالْوَحْي وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ " تَقُولُونَ فِي مَغَازِيكُمْ فُلانٌ شَهِيدٌ وَمَاتَ فَلانٌ شَهِيدًا وَلَعَلَّهُ قَدْ يَكُونُ قَدْ أَوْقَرَ رَاحِلَتَهُ أَلا لا تقولوا ذَلِكُمْ وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ ...فالمراد النهي عن تعيين وصف واحد بعينه بأنه شهيد بل يجوز أن يقال ذلك على طريق الإجمال )( الفتح : 7/175ـ 176 ) ويقول أيضا ( فقال : " أي على سبيلِ القطعِ … وإن كان مع ذلك يُعطى حكم الشهداءِ في الأحكامِ الظاهرةِ ، ولذلك أطبق السلفُ على تسميةِ المقتولين في بدرٍ وأحدٍ وغيرهما شهداء ، والمرادُ بذلك الحكم الظاهرُ المبنيُّ على الظنِ الغالبِ ، والله أعلم ) (الفتح :6/106) مفهوم الوفاة وتعدده الدلالي في القران الكريم: الوفاة لغة: التمام والكمال، جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس( وَفَى: الواو والفاء والحرف المعتل: كلمة تدل على إكمال وإتمام). وقد ورد مصطلح الوفاة في القرآن بدلالات متعددة منها:اولا: النوم كما في قوله تعالى قال تعالى: {وهو الذي يتوفاكم بالليل)( الأنعام: 60)،وقوله تعالى( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ،وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا (الزمر:42)، لذا قال العلماء ان هناك وفاه صغرى هي النوم ووفاه كبرى هي الموت.ثانيا:الموت كما في قوله تعالى( قل يتوفاكم ملك الموت)(السجدة: 11). مفهوم الأجل وتعدده الدلالي فى القران الكريم : الأجل لغةً مدّة الشيء، أما اصطلاحا فقد ورد المصطلح في القران بدلالات متعددة منها: أولا:حلول وقت الموت كما فى قوله تعالى (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ). ثانيا:المدّة المعيّنة لاتّفاق الدائن والمدين لاستحقاق الدَين كما فى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ...) (البقرة/ 282). ثالثا: المدّة المعلومة للعمل كما في قوله تعالى(قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ...) (القصص/ 28. رابعا:حلول نهاية المدّة الزمنية المحدّدة كما في قوله تعالى(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف/ 34.وقوله تعالى: (وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) (الحج/ 5 الأجل المطلق والأجل المقيد: وقد قسم العلماء الأجل إلى قسمين : اجل مطلق ينفرد بعلمه الله تعالى،واجل مقيد يعلمه ما سواه تعالى من الملائكة وغيرهم ويتصل بقوله تعالى (يمحو الله ما يشاء ويثبت )،وقد استدلوا في هذا التقسيم إلى قوله صلى الله عليه وسلم ) من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ( يقول ابن تيميه (والأجل أجلان أجل مطلق يعلمه الله وأجل مقيد، وبهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم : من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ،فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلا وقال " إن وصل رحمه زدته كذا وكذا" ،والملك لا يعلم أيزداد أم لا لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر فإذا جاء ذلك لا يتقدم ولا يتأخر ) (مجموع الفتاوى :ج8/ص517).يقول الإمام النووي (وأجاب العلماء بأجوبة الصحيح منها :الأول : أن هذه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات... والثاني: أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة، إلا أن يصل رحمه فإن وصلها زيد له أربعون،وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك وهو من معنى قوله تعالى " يمحو الله ما يشاء ويثبت ... والثالث : أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت حكاه القاضي وهو ضعيف أو باطل والله أعلم )( شرح النووي على صحيح مسلم ج16/ص 114) ويقول ابن حجر ( قال ابن التين ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ) والجمع بينهما من وجهين أحدهما : أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة...ثانيهما : أن الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر ،وأما الأول الذي دلت عليه الآية فبالنسبة إلى علم الله تعالى ... فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص ،واليه الإشارة بقوله تعالى : يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ((لرعد/39) ثانيا: الحياة البرزخية: البرزخ هو الفاصل بين الحياة الدنيا(عالم الشهادة)، والحياة الاخره (عالم الغيب )، كما في قوله تعالى(ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)،والحياة البرزخية هي التي عبرت عنها النصوص بعذاب القبر نعيمه لمن يستحقه يقول ابن القيم ( مما ينبغي أن يُعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ, فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه قُبر أولم يُقبر, فلو أكلته السباع أو أُحرق حتى صار رمادا ونُسف في الهواء أو صُلب أو غرق في البحر ،وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى القبور) ( كتاب الروح)، تصحيح المفاهيم: وهنا يجب تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عن الحياة البرزخية : أولا: أن الحياة البرزخية لا تقتصر على عذاب القبر ، بل هي تتضمن عذاب القبر لمن يستحقه، ونعيمه لمن يستحقه، وهو واضح في النصوص كقوله صلى الله عليه وسلم (القبرُ إمَّا رَوْضَةٌ مِنْ رياضِ الجنَّةِ وإمَّا حُفْرةٌ مِنْ حُفَرِ النيرانِ) ، ورد في شرح العقيدة الطحاويه (الإيمان بعذاب القبر لمن كان له أهلا )(ص 387). وتأكيدا لذلك أشارت العديد من النصوص ، إلى العديد من الأحوال التي لا يعذب فيها الميت في القبر كقوله (صلى الله عليه وسلم) (للشهيد عند الله ست خصال: يُغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القير...)، وقوله (صلى الله عليه وسلم )( من يقتله بطنه فلن يُعذّب في قبره)( رواه الترمذي) ، وقوله(صلى الله عبه وسلم )( ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله تعالى فتنة القبر). ثانيا: أن عذاب القبر ونعيمه ليس عذاب أو نعيم روحي كما يقول البعض ، كما أنهما ليسا عذاب او نعيم مادي كما يقول البعض، بل هما عذاب أو نعيم حقيقي وغيبي، يقول ابن القيم(واعلم أن سعة القبر، وضيقه، ونوره، وناره ليس من جنس المعهود للناس في عالم الدنيا) ،وورد شرح العقيدة الطحاويه (ويجب أن يعلم أن النار التي في القبر والنعيم ليس من جنس نار الدنيا ولا نعيمها) (طبعه مكتبه الدعوة الاسلاميه ، القاهرة، ص392). ثالثا: الحياة الاخره: وهى القيامة والبعث الاخروى. القيامة الصغرى والكبرى: وقد أشار العلماء إلى أن موت الفرد هو القيامة الصغرى ، بينما البعث الاخروى هو القيامة الكبرى استنادا إلى الحديث الوارد فى صحيح البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رجال من الأعراب يأتون النبي - صلى الله عليه وسلم - فيسألونه عن الساعة، فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: (إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم)، يقول ابن كثير( والمراد انخرام قرنهم ودخولهم في عالم الآخرة، فإن كل من مات فقد دخل في حكم الآخرة). البعث بالروح والبدن: وتقرير علماء أهل السنة ،أن البعث هو بعث للروح والبدن ، هو الذى يتسق مع المفهوم الاسلامى للوجود الانسانى، والقائم على عدم تجاهل الأبعاد الروحية والمادية للإنسان ، أما قول بعض الفلاسفة الإسلاميين بالبعث الروحي ، فهو تعبير عن تأثرهم بالتصور الافلاطونى، القائم على التأكيد على البعد الروحي للإنسان وتجاهل بعده المادي، ولا يقتضى ذلك الأخذ بتصور مادي تجسيمي، لان النصوص تشير إلى البعث باعتباره خلق جديد كما في قوله تعالى .فهي بالتالي تتحدث عن بعث الأبدان لكن في شكل غيبي. الجزاء الاخروى الحقيقي الغيبي:والجزاء الاخروى المتضمن للعذاب(النار) أو النعيم (الجنة)هو ليس عذاب أو نعيم روحي كما يقول البعض ، كما أنهما ليسا عذاب أو نعيم مادي كما يقول البعض، بل هما عذاب أو نعيم حقيقي وغيبي. وهو الأمر الذى أشارت إليه العديد من النصوص كقوله تعالى (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة:17)، يقول ابن كثير (وَقَوْله تَعَالَى " فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن " الْآيَة أَيْ فَلَا يَعْلَم أَحَد عَظَمَة مَا أَخْفَى اللَّه لَهُمْ فِي الْجَنَّات مِنْ النَّعِيم الْمُقِيم وَاللَّذَّات الَّتِي لَمْ يَطَّلِع عَلَى مِثْلهَا أَحَد لَمَّا أَخْفَوْا أَعْمَالهمْ كَذَلِكَ أَخْفَى اللَّه لَهُمْ مِنْ الثَّوَاب جَزَاء وِفَاقًا فَإِنَّ الْجَزَاء مِنْ جِنْس الْعَمَل) . والحديث القدسي الذى رواه البخاري ومسلم ولفظه: عن أبي هريرة( رضي الله عنه) قال: قال رسول | |
|