العمل الحرفي : فلسفته ومعوقات واليات تطويره
د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفة القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم
sabri.m.khalil@hotmail.com
فلسفه العمل الحرفي في الفكر الفلسفي الغربي: تناولت الفلسفة الغربية مفهوم العمل بصوره عامه ، ومفهوم العمل الحرفي بصوره خاصة ، من خلال تناولها لقضية العلاقة بين النظر العقلي والتطبيق العملي،حيث قدمت حلين لهذه القضية:
الحل الأول: الفصل: الحل الأول يقوم على فصل النظر العقلي عن التطبيق العملي ، تمهيدا للقول باولويه النظر العقلي على التطبيق العملي، ومن الفلاسفة والمدارس الفلسفية التي قالت بهذا الحل:الفيثاغوريه والايليه و أفلاطون وأرسطو والرواقية والابيقوريه في الفلسفة اليونانية، وديكارت في الفلسفة ألحديثه..
الحل الثاني: الدمج: أما الحل الثاني فيقوم على دمج النظر العقلي مع التطبيق العملي، هذا الحل يربط بين النظر العقلي والتطبيق العملي، لكنه يتطرف في الربط بينهما إلى درجه إلغاء او التقليل من دور النظر العقلي ، ومن الفلاسفة والمدارس الفلسفية التي قالت بهذا الحل : السوفسطائيه في الفلسفة اليونانية،و نيتشه و الماركسية في الفلسفة الحديثة ، و البراجماتيه في الفلسفة المعاصرة..
فلسفه العمل الحرفي في الفكر الاقتصادي والاجتماعي الاسلامى:
أما موقف الفكر الاقتصادي والاجتماعي الاسلامى من مفهوم العمل بصوره عامه ، ومفهوم العمل الحرفي بصوره خاصة، فيستند إلى الحل الذى قدمه الفكر الاقتصادي والاجتماعي الاسلامى- ممثلا في أصوله النصية الثابتة- لقضية العلاقة بين النظر العقلي والتطبيق العملي،حيث يقوم هذا الحل على اعتبار أن العلاقة بينهما هي علاقة وحده ارتباط(وليس دمج) وتمييز (وليس فصل)، فهو حل يقوم على التأكيد على القيمة المتساوية لكل من النظر العقلي والتطبيق العملي،والإقرار بالتأثير المتبادل بينهما،وهو ما يستنبط من ربط القران بين الإيمان والعمل الصالح (والعصر،إن الإنسان لفي خسر ، إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات)،وهذا الموقف يتسق مع عمليه جدل المعرفة– والتي تتسق مع منهج المعرفة الاسلامى- والقائمة على الانتقال من العيني (المشكلة ) إلى المجرد (الحل النظري)إلى العيني مره أخرى من اجل تغييره (بالعمل).وبناءا على ما سبق اتخذ الفكر الاسلامى موقفا ايجابيا من العمل بصوره عامه، والعمل الحرفي بصوره خاصة،حيث نجد أن القران الكريم يحث على العمل بأنماطه المختلفة، قال تعالى( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )،وقال تعالى( وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله )، كما أشار القران الكريم إلى العديد من الحرف كصناعة الحديد كما في قوله تعالى( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) ، والبناء والمعمار كما في قوله تعالى( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا) (الأعراف:74)،وصناعة السفن كما في قوله تعالى( وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) (هود:37). كما حثت السنة النبوية على العمل والعمل الحرفي قال الرسول( صلى الله عليه وسلم) ( ما أكل أحدٌ طعاماً قَطُّ خيراً من أن يأكل من عمل يده) (رواه البخاري)، واتساقا مع هذا الموقف الايجابي نجد تقرير وتأكيد كل من القران والسنة على أن الأنبياء (عليهم السلام ) قد مارسوا أنواع مختلفة من العمل الحرفي كالرعي, وصناعة الحديد, والتجارة, قال تعالى (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ) (القصص : 27). وقال الرسول( صلى الله عليه وسلم )( ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم, وأنا كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط)( رواه البخاري, ح/)2102. وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم ) (وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)( رواه البخاري, ح/1930). غير إن هذا الموقف الايجابي للفكر الاسلامى، ممثلا في أصوله النصية الثابتة،من العمل بصوره عامه والعمل الحرفي بصوره خاصة ، قد حل محله موقف سلبي للكثير من المسلمين من العمل والعمل الحرفي، وذلك في مراحل تاريخيه متاخره، نتيجة لعوامل متعددة متفاعلة. وهنا يجب الاشاره إلى أن أهم أسباب بطاْ تقدم المجتمعات المسلمة في مجال العمل الحرفي، في مراحل تاريخيه متاخره،هو تخلف النمو الحضاري لهذه المجتمعات، كمحصله لعوامل داخليه وخارجية متفاعلة، وبالتالي شيوع مظاهره الذاتية ممثله في شيوع نمط التفكير البدعى شبه الخرافي وشبه الأسطوري ، وهو ما أدى إلى تخلف نمو كافه مظاهر النشاط الحضاري ومنها العمل الحرفي،واتساقا مع الموقف السلبي من العمل الحرفي، والقائم على اعتباره ادني درجات النشاط المعرفي والعملي، والذي يتناقض مع الفكر الاسلامى على مستوى أصوله النصية الثابتة.
معوقات تطوير العمل الحرفي:وقد أشار الخبراء إلى الكثير من معوقات تطوير العمل الحرفي ومنها:
• شيوع الموقف السلبي من العمل الحرفي في المجتمع.
• عدم وجود ضوابط دقيقه للعمل الحرفي.
• عدم وجود مراكز كافيه لتأهيل وتدريب الحرفيين.
• عدم وجود بحوث ودراسات علميه كافيه عن العمل الحرفي.
• إهمال التعليم التقني،وشيوع الموقف السلبي منه، والذي يتضمن اعتبار انه آخر خيار للطالب، وهو موقف قائم على التصور التقليدي للذكاء،والذي يحصره في نمط معين ،هو الذكاء الاكاديمى (التجريدي)،وهو تصور اثبت العلم خطاْه ، فالذكاء يتضمن أنماط متعددة،بعضها تجريدي نظري وبعضها عملي تطبيقي.
آليات تطوير العمل الحرفي: كما اقترح الخبراء الكثير من آليات تنميه وتطوير العمل الحرفي ومنها:
• تنظيم العمل الحرفي، ووضع ضوابط للعمل الحرفي، على وجه يحفظ حقوق الحرفيين ، ويضمن تلقى الحرفي لقدر كافي من التأهيل والتدريب، وبالتالي يضمن جوده العمل الحرفي .
• تحويل الموقف السلبي من الحرف إلى موقف ايجابي.
• تفعيل دور الإعلام في تطوير العمل الحرفي.
• تنمية قدرات ومهارات الحرفيين من خلال إنشاء مراكز تدريب وتأهيل الحرفيين
• العمل على توفير التسهيلات اللازمة في منح تراخيص العمل الحرفي .
• توفير الخدمات اللازمة للعمل الحرفي.
• الاهتمام بالدراسات والبحوث المتعلقة بالعمل الحرفي وسبل تطويره.
• العمل على إدخال بعض المهارات العملية والحرفية في المناهج الدراسية.
• العمل على توفير قروض لتمويل المشـروعات الحرفيـة بفوائد قليلة وآجال طويلة .
-للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان (http://drsabrikhalil.wordpress.com).