الصراط لغة : هو الطريق .
وفي القرآن الكريم وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم (45) مرة بصيغ مختلفة ، منها قوله تعالى : قُلْ إِنَّني هَداني رَبّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ ديناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهيمَ حَنيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكينَ الأنعام : 161 .
وفي الاصطلاح الصوفي يقول السيد محمود أبو الفيض المنوفي : « الصراط في الدنيا : هو خط من السير قويم ، أوله ملة الإسلام ، وهي الشريعة ، ووسطه مقامات الإيمان : وهي الطريقة ، وآخره رتبة الإحسان : وهي مقام الشهود والأعيان » .
ويقول الدكتور عبد المنعم الحفني : « الصراط : هو الطريق إلى الكشف عن تنوعات تجليات الحق تعالى لنفسه بنفسه » .
أما الصراط المستقيم وتعريفه ، فيقول الإمام جعفر الصادق - عليه السلام- : الصراط المستقيم هو طريق من القلب إلى الله بالإعراض عما سواه ، ويقول أيضاً : « الصراط المستقيم : هو طريق الخروج عن المرسومات والتحقق بالحق » .
ويقول القشيري : « الصراط المستقيم : هو شهود الرب بنعت الانفراد في جميع الأشياء ، وفي الإيجاد ، والاستسلام لقضايا الإلزام بمواطأة القلب من غير استكراه الحُكم » ، الصراط المستقيم : هو ما عليه من الكتاب والسنة دليل ، وليس للبدعة عليه سلطان ولا إليه سبيل ، وهو ما شهدت بصحته دلائل التوحيد ، ونبهت عليه شواهد التحقيق ، وهو ما باين الحظوظ سالكه ، فارق الحقوق قاصده ، وهو ما يفضي بسالكه إلى ساحة التوحيد ، ويشهد صاحبه أثر العناية والجود ، لئلا يظنه موجب ببذل المجهود ، وهو صراط من لم تطفئ شموس معارفهم أنوار ورعهم ، ولم يضيعوا شيئاً من أحكام الشرع ، وهو صراط الذين أنعم عليهم بالعبودية عند ظهور سلطان الحقيقة .
وعلق الدكتور إبراهيم بسيوني على النص قائلاً : « نلاحظ أن القشيري يلح كثيراً على التزام آداب الشريعة مهما غلبت على العبد سطوة الانمحاء ، واستلبه سلطان الفناء » .
وأما ما يخص مراتب الصراط بحسب شروط اليقين ، فيقول القشيري : « الصراط المستقيم طريق المسلمين ، فهذا للعوام بشرط علم اليقين ، ثم طريق المؤمنين وهو طريق الخواص ، بشرط عين اليقين ، ثم طريق المحسنين وهو طريق خاص الخاص ، بشرط حق اليقين ، فهؤلاء بنور العقل أصحاب البرهان ، وهؤلاء بكشف العلم أصحاب البيان ، وهؤلاء بضياء المعرفة بالوصف كالعيان » .
ويقول الشيخ نجم الدين الكبرى : « الصراط المستقيم : هو الدين القويم ، وهو ما يدل عليه القرآن العظيم ، وهو خلق سيد المرسلين فيما قال تعالى : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ القلم : 4 ، ثم هو أما إلى الجنة وذلك لأصحاب اليمين ، كما قال تعالى : واللَّهُ يَدْعو إِلى دارِ السَّلامِ يونس : 25 ، وأما إلى الله تعالى وهذا للسابقين المتقربين ، كما قال تعالى : إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ . صِراطِ اللَّهِ الشورى : 52-53 » .
والشيخ عبد الحميد التبريزي يقول : « الصراط المستقيم : هو الحد الأوسط في جميع الأعمال والأفعال ، والتجاوز عما شرعه الشارع » .
والشيخ عبد الله خورد يقول : « الصراط المستقيم : هو الوجود ، وهو المتحرك ، وهو الحركة ، وهو المسافة ، وهو المقصود وهذا هو ... الذي يطلب من الله الهداية إليه » .
ويقول الشيخ أبو العباس التجاني : « الصراط المستقيم : هو النبي ، وسمي به لكونه طريقاً ممدوداً إلى الحق ، لا وصول لأحد إلى الحضرة القدسية وذوق أسرارها والابتهاج بأنوارها إلا بالسلوك على الصراط المستقيم ، وهو باب الله الأعظم » .
والشيخ عبد القادر الجزائري يقول : « الصراط المستقيم : هو مظهر الاسم الجامع وهو الله » .
والشيخ سعيد النورسي يقول : « الصراط المستقيم : هو العدل الذي هو ملخص الحكمة والعفة والشجاعة » .
وفي اصطلاح الكسنزان نقول : الصراط المستقيم : هو حضرة الرسول الأعظم ، هو القرآن الكريم ، هو المشايخ ، هو الطريقة ، الصراط المستقيم : هو معرفة الله تعالى .
والصراط المستقيم : هي حدود الله والرسول ومشايخ الطريقة ، وهو أرفع من الشعرة وأحد من السيف ، الصراط المستقيم : هو طريق أو جسر يعبر عليه ( أو من خلاله ) على النار للوصول إلى الجنة ، وهو يمتد من الدنيا معنوياً متمثلاً بأوامر ونواهي الشريعة والطريقة التي تمنع من الحرام والشبهة ، وهما الجانب المعنوي لنار الآخرة الحسية أو حجابها ، ليصل إلى الآخرة فيكون في يوم القيامة مادياً أو حسب طبيعة ذلك العالم .
[ تفسير صوفي ] : في تأويل قوله تعالى : اهْدِنا الصِّراطَ الْمُسْتَقيمَ الفاتحة : 6 ، نقول : يعني اهدنا إلى نفسك يا الله ، إلى رسولك يا الله ، إلى أحبائك يا الله ، اهدنا إلى الطريقة إلى بيتك يا الله ( بيت ذكر الله ) بيت فاطمة وعلي عليهما السلام ، بيت الكيلاني والكسنزان .
[ تفسير صوفي ] : في تأويل قوله تعالى : اهْدِنا الصِّراطَ الْمُسْتَقيمَ الفاتحة : 6 ، يقول الشيخ جمال الدين الخلوتي : « أي ثبتنا في طريق التوحيد الذاتي » .
وفي مسألة أن الصراط المستقيم دائرة يقول الشيخ عبد القادر الجزائري : « استقامة هذا الصراط هو كونه ترجع نهايته إلى بدايته ، فإن استقامة كل شيء بحسب المقصود المراد منه ، فاستقامة الدائرة المرادة هي كونها يتصل آخرها بأولها ، على أول نقطة ، فلو مشت خطاً من غير استدارة ما كانت مستقيمة ، فلو كان هذا الصراط خطأ لوصل إلى العدم ، لأنه خرج من الوجود ، فاستقامته عوده إلى ما منه ابتدأ ، عود آخر الدائرة إلى بدايتها ، وبذلك استقامتها » .
المصدر :
موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه أهل التصوف والعرفان للشيخ محمد الكسنزان –ج15 ص147 - 153