حقوق المراْه في المنظور الاجتماعي الاسلامى
د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
مصطلحات الحقوق والحرية والتحرير: استخدم الخطاب الاجتماعي المعاصر مصطلحي حقوق المراه و تحرير المراه للدلالة على معنى واحد ، بينما مصطلح التحرر- أو التحرير- هو تعبير عن الجانب السلبي للحرية، متمثلا في تحرير الإنسان من القيود التي تعوق فاعليته – لذا يشيع استخدامه في المنظور الليبرالي الذي يركز- استنادا إلى مفهوم القانون الطبيعي - على هذا البعد السلبي للحرية - بينما مصطلح الحقوق هو تعبير عن الجانب الايجابي للحرية، فالحريات في المجتمع تصبح حقوقا، اى إمكانيات للفعل ، محدودة بواسطة القانون بمجالات أخرى، على أبعاد المجتمع الأخرى.
المفاهيم الكلية للفلسفة الاسلاميه لحقوق المراْه : تنطلق الفلسفة الاسلاميه لحقوق المراه، من جمله من المفاهيم ألقرانيه الكلية كالتوحيد والاستخلاف ...
مفهوم التوحيد: من هذه المفاهيم الكلية مفهوم توحيد"الربوبية"، ومضمونه إفراد الفعل المطلق" الذي عبر عنه ابن تيميه بمصطلح دوام كون الرب فاعلا" لله تعالى، يقول ابن تيميه في معرض رفضه لاستدلال المتكلمين على وجود الله بطريقه الأعراض الدالة على حدوث الأجسام ( أن هذا المسلك مبنى على امتناع دوام كون الرب فاعلا، وامتناع قيام الأفعال الاختيارية بذاته)( ابن تيميه، درء التعارض،1/98)، و توحيد الربوبية في المنظور العقدي الاسلامى هو ضمان موضوعي مطلق لتحرير المراْه – ومن ثم منحها حقوقها - متمثلا في تحرير فعلها – بما هو فعل انسانى - من أي فعل مطلق زائف ، وهو ما عبر عنه القرآن بالاستكبار، فالاستكبار هو إسناد الفعل المطلق لسواه تعالى ، وهو ما يؤدي إلي إلغاء فعل الآخرين، وبالتالي إلغاء المساواة بين الناس ، ونشؤ علاقة ذات طرفين المستكبر والمستضعف، ومن أنواعه الاستكبار الاجتماعي ، والذي يتضمن إلغاء فعل المراْه ، وإلغاء المساوه بينهما وبين الرجل ، ونشوْ علاقة طرفيها الرجل المستكبر والمراْه المستضعفة ، ويقدم القران نموذجا لهذا الاستكبار الاجتماعي بالمجتمع العربي القبلي الجاهلي، الذي كانت فيه المراْه مستضعفه، فسلب منها حق الحياة (وإذا المؤودة سألت بأي ذنب قتلت)، كما كان يعتبر مجرد وجودها عار على أهلها (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم , يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ) ، كما كانت محرومة من كافه حقوقها الاجتماعية، فكان الابن يرث زوجه ابيه ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) (النساء:19).). ومن هذا المنطلق العقائدي كانت دعوه المنظور الاجتماعي الاسلامى إلى تحرير المراْه من الاستضعاف ومنحها كافه حقوقها ، قال تعالى ( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ) (النساء:75).
مفهوم الاستخلاف : ومن هذه المفاهيم الكلية مفهوم الاستخلاف ويتضمن تعريفه إظهار الإنسان لربوبية الله تعالى في الأرض بالعبودية ، يقول الماتريدى(وجائز أن يكونوا خلفاء في إظهار أحكام الله ودينه) ( تأويلات أهل السنة، ج 1)، والعبودية في المنظور العقدي الاسلامى هي ضمان موضوعي مطلق لتحرير المراْه - ومن ثم منحها حقوقها- ويتمثل في أن تحديد فعل المراْه - بما هو فعل انسانى- بالفعل المطلق الذي ينفرد به الله تعالى، هو ضمان موضوعي مطلق لاستمرار فاعليته.وقد قرر الإسلام أن المراْه مشاركه للرجل فى درجه الاستخلاف، ومن أدله ذلك عموم آيات الاستخلاف كما في قوله تعالى(وهو الذي جعلكم خلائف فى الأرض فمن كفر فعليه كفره)( فاطر:39)، وكذلك تقرير القران أن شرطي الاستخلاف" الإيمان والعمل الصالح " في قوله تعالى(وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض) يمكن أن يتوفرا في المراْه كما يمكن أن يتوافرا في الرجل (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) (النحل: 97)
مشاركه المراْه : وقد دعي المنظور الاجتماعي الاسلامى إلى مشاركه المراه في حركه المجتمع المسلم ، وهو ما عبر عنه القران بمصطلح الموالاه (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله)(التوبة).
حول تفسير الايه (وقرن في بيوتكن) : ورد أمر القرانى للنساء بان يقرن في بيوتهن في قوله تعالى (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)(الأحزاب) غير أن هذا الأمر القرانى لا يلغى مشاركه المراه في حركه المجمع المسلم ، لأنه لا يعنى ملازمه البيت وعدم الخروج منه مطلقا ، بل أن تكون الاسره اهتمام المراْه الاساسى ، وان يكون خروجها وفق الضوابط الشرعيه، بدليل أن عمرين الخطاب ( رضي الله عنه) راْى سوده بنت زمعه خارجه فقال: كيف تخرجين، فانقلبت راجعه إلى الرسول( صلى الله عليه وسلم) فأخبرته بما كان ، فنزل عليه الوحي فى ذلك وقال آذن لكن أن تخرجن لحاجتكن (رواه البخارى) ، وبدليل قوله تعالى فى الايه( ولا تبرجن تبرج الجاهليه الأولى)، والامر بالاحتشام يكون حين الخروج من المنزل ، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم (لا تمنعوا اماء الله دور الله )(متفق عليه) .وعن اسماء بنت ابى بكر قالت (كنت انقل النوى من ارض الزبير وهى ثلثى فرسخ فجئت يوما والنوى على راسى فلقيت رسول الله ومعه نفر من أصحابه فدعاني)(رواه مسلم) ، يقول سيد قطب(ليس معنى هذا الامر ملازمه البيوت فلا يبرحنها اطلاقا، إنما هي إيماءه لطيفه إلى ان يكون البيت هو الأصل في حياتهن وهو المقر، وما عداه استثناء طارئا لا يثقلن فيه )(ظلال القران،ص 082).
مفهوم الخلوه: كما نهت جمله من الأحاديث عن الخلوة كقول الرسول (صلى الله عليه وسلم ) (ما اختلى رجل بامراْه الا و كان ثالثهما الشيطان)(متفق عليه) ، و (لا يخلو رجل بامراْه الا مع ذي محرم) غير ان هذا النهى النبوي عن الخلوة لا تلغى مشاركه المراه في حركه المجتمع المسلم لان الخلوة المنهي عنها هي اجتماع الرجل والمراْه فى مكان منعزل ، و ليست مطلق اجتماع بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ( إلا مع ذي محرم)،.لذا يقول الماوردى عن المحتسب(وإذا رأى وقفه رجل مع امراْه في طريق سابل لم تظهر منهما امارات لم يتعرض لهما بزجر ولا انكار فما يجد الناس بد من هذا)(الأحكام السلطانية).
عن الضوابط الاسلاميه لزى المراه : وضع الإسلام ضوابط عامه لزى المراه، تحقق مقاصده في الاحتشام ، الذي يؤدى إلى احترام المراْه باعتبارها إنسان مشارك للرجل ومساو له في درجه الاستخلاف ، في كل المجتمعات فى كل مكان وزمان، مع مراعاته ان الأزياء هي جزء من عرف المجتمعات البشرية . ويترتب على هذا انه من الخطأ القول ان الإسلام فرض زى واحد للمراْه فى كل زمان ومكان ، أطلق عليه البعض اسم الحجاب، وهذا الاسم غير صحيح ، فالحجاب هو ستر من القماش على الباب او الجدار كما فى الايه (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ)، والأصح هو الخمار وهو واحد الخُمُر التي جاءت في قوله تعالى ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) ( النور: 31 (، ولكن شاع استخدام مصطلح الحجاب .ومن هذه الضوابط العامة:
النهى عن التبرج : من هذه الضوابط النهى عن التبرج الذي يحيل المراْه إلى مجرد أداه- موضوع لاثاره الرجل، فهو بالتالي شكل من أشكال عبودية المراْه للرجل ، قال تعالى ( ولا تبرجن تبرج الجاهليه الأولى).
ستر البدن عدا الوجه والكفين : ومن هذه الضوابط وجوب ستر سائر البدن عدا الوجه واليدين بادله منها: قوله تعالى(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور:31). قال الأعمش عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس رضي الله عنهما (هي وجهها وكفاها والخاتم). والحديث(يا أسماء إذا بلغت المراْه المحيض لم يصلح ان يرى منها إلا هذا وهذا ، وأشار إلى وجهه ثم امسك بين يديه وكفه مثل قبضه أو قبضتبين)(رواه ابوداؤود)..
النقاب بين الاستحباب والوجوب :غير ان هناك مذهب يرى وجوب ستر الوجه (النقاب) استدلالا بادله منها قول عائشة رضي الله عنها ( كنا إذا مر بنا الركبان – في الحج- سدلت إحدانا الجلباب على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه) وهو مذهب الإمام أحمد ، ويرى البعض انه الصحيح من مذهب الشافعي.والمذهب الراجح عند جمهور من العلماء هو ان تغطية الوجه والكفين مباحه او مستحبه- و هو مذهب أبي حنيفة ومالك- ولكنها ليست واجبه - الا عند خوف الفتنه منها( بأن تكون المرأة ذات جمال فائق) ،او خوف الفتنه بها (بان يفسد الزمان، بكثرة الفساد وانتشار الفساق )عند بعض علماء الحنفية والمالكية
جذور معاداة الضوابط الاسلاميه لزى المراه :وهنا لابد من الاشاره إلى ان معاداة الضوابط الاسلاميه للزى أو حظرها يتناقض مع الليبرالية كمنهج يركز على الحرية الفردية ، بما هي تعبير عن الجانب السلبي للحرية ممثلا فى عدم منع الفرد فى ان فعل ما يشاء ، ومرجع هذه المعاداة للضوابط الاسلاميه للزى في إطار بعض المجتمعات الغربية العنصرية الحضارية ، كما ان مرجعها فى المجتمعات المسلمة التغريب
الحقوق الاساسيه للمراه في المنظور الاجتماعي الاسلامى:وقد اقر المنظور الاجتماعي الاسلامى الحقوق الاساسيه للمراه وهى :
أولا:حق المعرفة والتعليم: اقر المنظور الاجتماعي الاسلامى حق المراْه في المعرفة والتعليم . ومن أدله ذلك: قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم) (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، وأضاف بعضهم للرواية "ومسلمه "، وقال البعض بعدم وجوده في الحديث، إنما لفظ مسلم يقع على الذكر والأنثى، وهو اصطلاح الشارع في سائر الخطاب الشرعي(يا أيها الذين امنوا..). وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم (خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء ). وجاء في كتاب الطبقات الكبرى أن عدد من روى عن الرسول(صلى الله عليه وسلم ) من النساء نيف وسبعمائه امراْه .
حق التعبير عن الراْى: كما اقر المنظور الاجتماعي الاسلامى حق المراْه في التعبير عن رأيها في المشاكل الاجتماعية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية... ومن أدله ذلك إعطاء القران حق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر للمراْه مثل الرجل قال تعالى (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..). واخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم ) براى النساء كما هو الحال مع أم سلمه في صلح الحديبيه، وقال (حبذا رأيك يا أم سلمه لقد انجى الله المسلمين بك من عذاب اليم)( رواه الشيخان). وان سمراء بنت نهيك الاسديه أدركت الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعمرت وكانت تمر بالاسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. وخروج عائشه( رضى الله عنها) يوم الجمل . واعتراض المراْه على عمر(رضي الله عنه) حين فكر فى تحديد المهور فقال عمر (أصابت امراْه واخطأ عمر)
حق العمل: كما اقر المنظور الاجتماعي الاسلامى حق المراه في العمل ، ومن أدله ذلك: اعتبار القران العمل أساسا للجزاء الدنيوي والاخروى للرجال والنساء (فاستجاب لهم ربهم انى لا أضيع اجر عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض...). وقد عملت المراْه في عهد الرسول فى مجالات عديدة ، فقد اشتهر في الطب والتمريض رفيده الانصاريه، التي ورثت الطب عن أبيها في الجاهلية، فلما أسلمت جعل لها خيمه في مسجد الرسول تداوى فيها الرجال والنساء جميعا (أسد الغابة، ج7)( طبقات ابن سعد،ج8). ولما أصيب سعد بن معاذ فى الخندق قال صلى الله عليه وسلم( انقلوه إلى خيمه رفيده )،وفى مجال الحرب أورد البخاري بابا كاملا اسماه باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال)( صحيح البخارى، ط المجلس الاعلى للشئون الاسلاميه، ج5، ص84 ).وولى عمر الشفاء على سوق المدينة ، وكذلك ولى سمراء الاسديه . ولم يعترض الفقهاء -إجماعا - على حق المراْه في العمل سوى الامامه الكبرى(الخلافة) التي رفضها اغلب العلماء استنادا إلى الحديث (لن يفلح قوم ولوا امرهم امراْه). اما القضاء فقد قال الجمهور الذكوره شرط في صحة الحكم فقط ، وقال أبو حنيفة يجوز أن تكون قاضيا فى الأموال ، وقال الطبري يجوز أن تكون قاضيا على الاطلاق، وقال ابن حزم جائز ان تلى المراْه الحكم- القضاء-وهو قول أبو حنيفة(محمد المهدي الجحوى، المراْه بين الشرع والقانون ص37).
مفهوم المساواة: وفى إطار الفكر الاجتماعي الاسلامى الحديث والمعاصر نجد مذهبين في الموقف من المساواة بين المراْه والرجل :
المذهب الأول ( نفى المساواة) : المذهب الأول يقوم على نفى المساواة بين المراْه والرجل استنادا إلى العديد من الادله أهمها أولا:نفى القران الكريم أن يكون الذكر كالأنثى(وليس الذكر كالأنثى).ثانيا: تقرير الشريعة الاسلاميه لجمله من الأحكام الخاصة بالمراه .
تقويم للمذهب والرد على أدلته: غيران نفى القران الكريم أن يكون الذكر كالأنثى هو نفى للمثلية، اى نفى أن تكون المراْه مثل الرجل في التكوين والامكانيات و المقدرات الذاتية ، وليس نفى للمساواة التي تتعلق – في المنظور الاجتماعى الاسلامى- باالمساواه في الحقوق والواجبات ، دون نفى تفاوت المراه والرجل في التكوين والمقدرات والامكانيات الذاتية ، وبالتالي فان إقرار الشريعة الاسلاميه لجمله من الأحكام الخاصة بالمراه ، هو من باب مراعاة هذا التفاوت وليس من باب نفى المساواة .
المذهب الثاني : (إقرار المساواة ونفى المثلية ” المفهوم الاسلامى للمساواة” ): أما المذهب الثاني فيقوم على الإقرار بالمساواة بين المراْه والرجل، طبقا للمفهوم الاسلامى للمساواة، والذي مضمونه ان تحكم العلاقة بين والرجل في المجتمع، قواعد عامه مجرده ، سابقه على نشاْه تلك العلاقات ، وهو ما يتحقق في الشريعة بما هي وضع الهي مطلق. ومن الادله على تقرير الإسلام للمساواة بين الرجل والمراه على الوجه السابق بيانه :قوله تعالى( ولهن مثل الذي لهن بالمعروف.( وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) (إنما النساء شقائق الرجال)(أخرجه احمد في مسنده) . وكذلك تقرير الإسلام ان المراْه مساويه للرجل في سائر التكاليف الشرعية .وكذلك تقريره ان المراْه مساويه للرجل في المسؤليه(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمراْه راعيه فى بيت زوجها وهى مسئوله عن رعيتها…)
نفى المثلية : كما يقوم هذا المذهب على رفض المثلية ، التي تعنى ان تكون المراْه مثل الرجل فى التكوين والامكانيات و المقدرات الذاتية، وهو ما نفاه القران ( و ليس الذكر كالأنثى)، حيث ان التفاوت فى المقدرات الذاتية سنه إلهيه تشمل الناس كلهم ، وهو جزء من مفهوم الدرجيه الذي يقرر تفاوت الناس فى المقدرات والامكانيات الذاتية دون ان يلغى ذلك المساواة بينهم.
واستنادا الى المفهوم الاسلامى للمساواه نتناول بعض الاحكام الشرعيه التى يتخذها كل من تيارى التقليد والتغريب - رغم تناقضهما - كادله على نفى المساواه بين المراْه والرجل فى الاسلام :
القوامه: من هذه الاحكام قوامه الرجال على النساء لقوله تعالى( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) (النساء:34). وهذا الحكم يستند الى ان المنظور الاجتماعى الاسلامى يرى ان من السنن الالهيه التى تضبط حركه اى مجتمع ، انه لا وجود لاى جماعه انسانيه بدون سلطه تنظم حركتها ، وقد اسند الاسلام السلطه فى الاسره كجماعه انسانيه للرجل(الرجال قوامون على النساء) استنادا الى امكانيات ومقدرات ذاتيه تتوافر فى الرجل( بما فضل الله بعضهم على بعض) واستنادا الى التكليف بالانفاق( وبما انفقوا ). غير ان اسناد السلطه لشخص معين ، لا يعنى بالضروره انها سلطه استبداديه قائمه على الانفراد بالراى او العلم او العمل لحل المشكلات المششركه ، فقد تكون سلطه قائمه على الشورى اى تبادل الراى والعلم والعمل لحل هذه المشكلات وهى القوامه المقصوده ، بدليل سياقات اخرى ورد فيها لفظ قوامه كما فى قوله تعالى(ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) حيث قرنت الايه القوامه بالعدل.
الميراث: ومن هذه الاحكام جعل نصيب المراْه من الميراث نصف نصيب الرجل كما فى قوله تعالى (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)[النساء: 176 . والحكم هنا مبنى على ان الشريعه جعلت نفقه المراْه على الرجل ولو كانت غنيه، وليس نفيا للمساوه بدليل انه فى احوال اخرى تكون المراْه مساويه للرجل فى الارث ومنها:اذا كانت المراْه اختا للام مع اخيها، واذا كانت اما فهى ترث وزوجها ولدا...
شهاده المراْه: ومن هذه الاحكام اشتراط الشريعه شهاده رجل او امراْتين كما فى الايه الكريمه، وهذا الاشتراط لايرجع الى نفى الشريعه للمساواه بين الرجل والمراْه، بل الى زياده منها فى التوثيق وحفظا للحقوق ،على قله خبره المراْه بالقضايا الماليه، كما اشترطت اربعه شهود من الرجال فى اثبات جريمه الزنا لخطورتها، مع ملاحظه ان هناك حالات تكفى فيها شهاده مراْه واحده كما فى الولاده. يقول الشيخ مصطفى الشسباعى( من الواضح ان هذا التفاوت لا علاقه له بالانسانيه ولا بالكرامه ولا بالاهليه... وان شهاده المراْه فى حق يتعلق بالمعاملات الماليه بين الناس لا يقع الا نادرا... والحقوق لابد من التثبت فيها... فليست مساله كرامه او اهانه او اهليه وعدمها وانما مساله تثبت فى الاحكام والاحتياط فى القضاء فيها)( المراْه بين الفقه والقانون ،ص31-32) ويقول المستشار سالم البهنساوى(وهذا النقصان ليس له اثر فى الفقه الاسلامى الا فى الشهاده على الاموال وذلك حفظا للحقوق كما هو الحال فى اشتراط اربع شهود من الرجال لاقامه حد الزنا وشهاده المراْه وحدها فى الولاده)(السنه المفترى عليها،ص232).
تعدد الزوجات: ومن هذه الاحكام اباحه الشريعه الاسلاميه لتعدد الزوجات كما فى قوله تعالى (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ...). غير انه يجب تقرير ان الفهم الصحيح لهذا الحكم الشرعى يقضى الالتزام بجمله من الضوابط منها:
اختلف العلماء فى ايهما الاصل فى الزواج ، فقال بعض العلماء ان الأصل هو التعدُّد بادله منها أن آية التعدد بدأتْ بذكْر التعدُّد: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}، ثم نقلت العاجز عن هذه الرتب إلى منتهى قُدرته، وهي الواحدة.ومنها ماروى عن سعيد بن جبير، قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجتَ؟ قلت: لا، قال: \"تزوَّج؛ فإنَّ خير هذه الأمة أكثرها نساءً\" ( رواه البخاري، كتاب النكاح، باب كثرة النساء، برقم /5069/، ص907.). غير جمهور من العلماء يرون ان الاصل فى الاسلام التفرد لا التعدد، اى ان التعدُّد الاستثناء وليس القاعدة بادله منها: (1)قوله تعالى (أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)(2) ورود الحكم بالاباحه مقرونا بشرط معين هو الخوف من عدم القسط فى اليتامى كما فى قوله تعالى)وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ )(3) تذييل الآية التي تبيح التعدُّد بقوله تعالى{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3](4)قوله تعالى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129) ثم قوله صلى الله عليه وسلم (مَن كان له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل)، وكون التعدد مباح وليس واجب ...
و حكم التعدد الاصلى هو الاباحه - لا الوجوب او الندب - إلاّ إذا اعتراه ما يغيّر حكمه من الإباحة إلى غيرها؛ إما الاستحباب أو الوجوب أو الكراهة او التحريم. فيكون مستحبًّا إذا كان فعله يؤدي إلى أمر مستحب كرعايه أرامل المسلمين، و يكون واجباً إذا كان عدمه يؤدّي إلى محرََّم أو يمنع من واجب، كمن اذا لم يعدِّد وقع في الزنا ، ويكون مكروهاً إذا كان فعله يؤدِّي إلى مكروه، كطلاق الزوجة الأولى (هناك من الفقهاء من قالوا بكراهية الثاني والثالث والرابع منهم البهوتي( البهوتي، كشاف القناع 5/7 ،و يكون محرّماً إذا كان يعتريه ما يحرِّمه كأن يجمع بين المرأة وأختها، او إذا غلب على الزوج الظن أنه لن يستطيع العدل بين زوجاته فيما يجب عليه العدل ، (سؤالات في تعدد الزوجات، الشيخ محمد بن سعد الشهراني ، تقدّيم الشيخ ابن جبرين، مؤسسة الريان،بيروت) فاباحه التعدد اذا ليست مطلقه بل لها شروط وضوابط منها: أن لا يزيد التعدد عن أربع في وقت واحد ، و أن يعدل الرجل بين جميع زوجاته ويسوي بينهن في الحقوق ، و ان توافر القدرة على الإنفاق لقوله صلى الله عليه وسلم ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج )...وقد جعل الشرع من حقِّ المرأة أو وليِّها أن يشترط ألا يتزوَّج الرجل عليها، فلو شرطت المرأة ذلك صحَّ الشرط ولزم، وكان لها حقُّ فسخ الزواج إذا لم يفِ لها بالشرط، ولا يسقط حقُّها في الفسخ إلا إذا أسقطته ورضيت بمخالفته، على تفصيلٍ كبيرٍ في كتب الفقهاء.
حديث نقصات عقل ودين: كما اتخذ البعض الحديث الذى يقرر ان النساء ناقصات عقل ودين كدليل على نفى الاسلام المساواه بين المراْه والرجل ، وان ملكاتها و مقدراتها العقليه_الذكاء- اقل من ملكات ومقدرات الرجل بالاطلاق. وهذا فهم خاطىْ مرجعه القراءه الجزئيه لنص الحديث ، وعزله عن النصوص الاخرى، وعدم فهمه فى اطار المفهوم الاسلامى للمساوه.
فنص الحديث كاملا هو (عن أبي سعيد الخدري قال خرج رسول الله في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال … معشر النساء تصدقن واكثرن الاستغفار فانى رايتكن اكثر اهل النار، فقالت امراْه منهن جزله: ومالنا يارسول الله اكثر اهل النار؟ قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير وما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل قلن بلى قال فذلك من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم، قلن بلى قال فذلك من نقصان دينها) (بخارى رقم: 298|) .فالحدبث يشير الى مراْه جزله وهى ذات العقل والراى . كما ان نص الحديث يشير الى تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من مقدرات النساء وان الواحده تغلب الرجل اللبيب اى الذكى . كما ان الخطاب موجه الى النساء المسلمات ، ومتعلق بالاحكام الشرعيه الخاصه بالنساء فى الشهاده والصلاه والصوم ، وانها مبنيه على تميز تكوين المراْه ومقدراتها الذاتيه عن تكوين ومقدرات الرجل، وليس امتياز تكوين ومقدرات الاخيرعليها. وفهم الحديث على انه يشير الى ان عقل المراْه اقل من عقل الرجل بالاطلاق يعنى فهمه على انه يشير الى ان دين المراْه - اى تدينها - اقل من دين الرجل بالاطلاق ، وهو ما يتناقض مع تقرير كثبر من النصوص على تفضيل كثير من النساء فى الدين على كثبر من الرجال كزوجه فرعون وام موسى و زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابيات..
فالمقصود بالعقل فى الحديث اذا ليس الفاعليه المعرفيه المشتركه بين كل الناس رجالا ونساءا، بل انماط هذه الفاعليه التى تتميز - ولا تمتاز –نتيجه لتميز ضوابط هذه الفاعليه المعرفيه التكوينيه(التكوين البيولوجى والسيكولوجى) والتكليفيه (الاحكام الشرعيه( .
اباحه ضرب الزوجه: ومن هذه الاحكام اباحه الشريعه ضرب الزوجه لقوله تعالى(وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) (النساء:34). فالايه تقرر ان الضرب هو اخر خيار يمكن ان يلجاْ اليه الزوج حال نشوز الزوجه (بعد الوعظ والهجر) ، فهو استثناء وليس اصل للعلاقه بين الرجل وزوجته لقوله تعالى ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ ). وهذا الحكم هو من باب التدرج فى الانتقال مما هو كائن( الضرب كوسيله عقاب) الى ما يبغى ان يكون(استخدام خيارات اخرى للعقاب) بدليل تقرير الشريعه انه مع اباحه الضرب بشروطه الا ان تركه افضل : قال صلى الله عليه وسلم ( لقد طاف بآل محمد الليلة سبعون امرأة كلهن يشتكين الضرب وأيم الله لا تجدون أولئك خياركم ) (رواه النسائي في الكبرى ( 9167 ) وصححه ابن حبان (4189)) قال الإمام الشافعي ) فجعل لهم الضرب وجعل لهم العفو وأخبر أن الخيار ترك الضرب ( )الأم 5/112 (وقال الحافظ ابن حجر) فيه دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة ومحل ذلك أن يضربها تأديبا إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل ( )فتح الباري 9/304 وانظر : عون المعبود 6/128(.وعن عَائِشَةَ - رضي الله عنه - قالت : ما ضَرَبَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شيئا قَطُّ بيده ولا امْرَأَةً ولا خَادِمًا إلا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيلِ اللَّهِ (رواه مسلم (2328 ( قال النووي ) فيه أن ضرب الزوجة والخادم والدابة وإن كان مباحا للأدب فتركه أفضل ) ( شرح صحيح مسلم 15/84). وقال القاري ) خصا بالذكر اهتماماً بشأنهما ولكثرة وقوع ضرب هذين والاحتياج إليه وضربهما وإن جاز بشرطه فالأولى تركه قالوا بخلاف الولد فإن الأولى تأديبه (( مرقاة المفاتيح 10/ 488 (.
كما ان لهذا الحكم شروط منها: ان يكون الضرب غير مبرح بسواك أو بمنديل ملفوف لا بسوط ولا بعصى أو نحوه - فعن عطاء قال : قلت لابن عباس : ما الضرب غير المبرح ؟ قال : السواك وشبهه يضربها به .( رواه ابن جرير 5/68 ) ، ويحرم ضرب الوجه والمقاتل، فعن جَابِرٍ -رضي الله عنه- قال : نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الضَّرْبِ في الْوَجْهِ .( رواه مسلم (2116( .
خاتمه : المجتمعات المسلمه المعاصره وحقوق المراْه : اذا فقد ظهرالاسلام فى مجتمع يعيش في ظلام التخلف الحضارى ، ولازم ذلك فرضه لكثير من القيود التى تعوق فاعليه المراْه كعضو فيه، وهضمه لحقوقها، فانتقل به في فتره وجيزه إلي نور التقدم الحضارى ،ولازم ذلك عمله على تحرير المراْه من هذه القيود ، ومنحها كافه حقوقها.غير انه فى مراحل تاليه ونسبة لظروف خارجية( الغزو المغولي،الصليبي، الاستعمار القديم والجديد...) وداخليه (الاستبداد، شيوع نمط التفكير البدعى متمثلا فى أنماط من الفهم الخاطئ للإسلام التي تكتسب قدسية نسبتها إلى الدين، شيوع انماط التفكير الخرافى والاسطورى ، شيوع نمط التفكير الجماعى... ) حدث تخلف فى النمو الحضارى والاجتماعى لهذه المجتمعات، و لازم ذلك فرض قيود على فاعليه المراْه كعضو فيها ،وهضم كثير من حقوقها،خلافا للموقف الحقيقى- الايجابى - للاسلام كدين من هذه الحقوق ، وبناء على هذا فان استعاده المراه لحقوقها فى المجتمعات المسلمه انما يتم من خلال محاربه الفهم الخاطى للاسلام،وتقديم الفهم الصحيح له،ومحاربه العادات التى تتعارض مع هذا الفهم الصحيح للدين.