صبرى محمد خليل
عدد الرسائل : 187 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| موضوع: الاقتتال بين المسلمين:حكمه وأقسامه وضوابطه الأربعاء أبريل 15, 2015 4:32 pm | |
| الاقتتال بين المسلمين:حكمه وأقسامه وضوابطه د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم أقسامه: ينقسم الاقتتال بين المسلمين إلى قسمين : قسم أصلى (غير مشروع ) : الأصل في الاقتتال بين المسلمين انه غير مشروع ، لان الإسلام كدين جعل الأصل والقاعدة في العلاقة بين الناس عامه والمسلمين خاصة هو المشاركة ، لذا عبر القران الكريم عنها بمصطلحات ايجابيه كالتالف كما في قوله تعالى (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)، والتعاون كما في قوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى )(2: المائدة)،والموالاة كما في قوله تعالى (المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)(7: التوبة) .أما الصراع- فهو الفرع والاستثناء ، لذا عبر عنه القران الكريم بمصطلحات سلبيه كالعداوة والبغضاء كما في قوله تعالى ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء)(91: المائدة) ،والعدوان كما في قوله تعالى (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) . وهناك العديد من النصوص التي تفيد عدم مشرعيه اقتتال المسلمين ومنها: أولا: قال تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا… ) (الحجرات: 9).فجعلت الايه الأصل هو الصلح بين المسلمين المتقاتلين.ثانيا: قال الرسول (صلى الله عليه وسلم )(إذا الْتَقَى المسلمانِ بسَيْفَيهمَا فالقاتلُ والمقتولُ في النارِ) (رواه البخاري ومسلم) . ثالثا: وقد وردت الكثير من النصوص التي تدل على حرمة دم المسلم ، وهو ما يفيد أن الأصل هو عدم مشرعيه اقتتال المسلمين ، لأنه يلزم منه - حتما - انتهاك هذه الحرمة، ومن هذه النصوص: قوله تعالى( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)(النساء: 93 )، وقوله تعالى(… وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )(الأنعام: 151) . وروى البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا).وروى البخاري أيضاً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ( إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ). قسم فرعى (مشروع): غير أن الشريعة الاسلاميه أباحت في حالات معينه قتال المسلم، لكن من باب الضرورة وكالاستثناء من القاعدة،ومن هذه الحالات: الدفاع عن النفس والمال والعِرْض: وقد وردت فيها الكثير من النصوص ومنها الحديث : "مَن قُتِلَ دونَ ماله فهو شهيد..." قتال الفئة الباغية : وقد أشارت إليه الايه (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )(الحجرات: 9). ورد فى تفسير الطبري ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَعْتَدِّي، وَتَأْبَى الْإِجَابَةَ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ "حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ" يَقُولُ: حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ فِي كِتَابِهِ بَيْنَ خَلْقِهِ " فَإِنْ فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ" يَقُولُ: فَإِنْ رَجَعَتِ الْبَاغِيَةُ بَعْدَ قِتَالِكُمْ إِيَّاهُمْ إِلَى الرِّضَا بِحُكْمِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ، فَأَصْلِحُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى الَّتِي قَاتَلَتْهَا بِالْعَدْلِ: يَعْنِي بِالْإِنْصَافِ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ الَّذِي جَعَلَهُ عَدْلًا بَيْنَ خَلْقِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ) .وورد في تفسير القرطبي ( في هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ قِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ الْمَعْلُومُ بَغْيُهَا عَلَى الْإِمَامِ أَوْ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَعَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ مَنَعَ مِنْ قِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قِتَالُ الْمُؤْمِنِ كُفْرٌ. وَلَوْ كَانَ قِتَالُ الْمُؤْمِنِ الْبَاغِي كُفْرًا لَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِالْكُفْرِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ! وَقَدْ قَاتَلَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ تَمَسَّكَ بِالْإِسْلَامِ وَامْتَنَعَ مِنَ الزَّكَاةِ،) الاقتتال بين المسلمين لا يدخل تحت باب الجهاد: غير أن الاقتتال بين المسلمين في قسمه المشروع لا يدخل تحت باب الجهاد، لان الجهاد هو قتال الكافر المحارب ، يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق-رحمه الله- في كتاب (بيان للناس) (إن الحرب الإسلامية التي تُعَدُّ جهادًا في سبيل الله، والتي مِن أحكامها أن الشهداء لا يُغَسَّلون ولا يُصلَّى عليهم، وهم أحياء عند ربهم يُرزقون ـ هي الحرب بين المسلمين والكفَّار التي يأذن فيها الإمام، وبدون ذلك لا تكونُ جهادًا في سبيل الله، وما بين المسلمين يدخل تحت الحديث "إذا الْتَقَى المسلمانِ بسَيْفَيهمَا فالقاتلُ والمقتولُ في النارِ". (رواه البخاري ومسلم) .والواجب على الأمة الإسلامية التدخُّلُ للصُّلْح بمُقتضى قوله تعالى: (وإنْ طائفتانِ مِنَ المؤمنينَ اقْتَتَلُوا فأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ...)....هذا، والواجب في قَتْلَى هذه المعارك مُعاملتُهم كبقية الموتَى، مِن وُجوب غُسْلهم والصلاة عليهم، وإذا كانوا مُتطوِّعين في هذه الحروب فهم آثِمونَ، فإنْ كانوا مُكرَهينَ فالإثْم إثْمُ مَن أكرَههم. هذا حُكم الحرب العدوانية، أمَّا إذا كانت الحرب ردًّا للعدوان فهي حرب مشروعة مِن باب الدفاع عن النفس والمال والعِرْض، وقد سبق فيها حديث: "مَن قُتِلَ دونَ ماله فهو شهيد..." إلاّ إن حكم هؤلاء الشهداء أُخرويٌّ؛ بمعنى أنه يُكرمون عند الله بما يُكرم به شهداء الجهاد في سبيل الله، أما مُعاملتم في الدنيا فهي كمُعاملة غيرهم مِن المَوْتَى يُغسَّلون ويُصلَّى عليهم. والله أعلم) .ويدل على هذا أن علماء أهل السنة تحدثوا عن قتال الفئة الباغية باعتباره فرع- استثناء- مشروط بكثير من الضوابط ، وليس أصل مطلق عن كل ضابط، يقول الحافظ ابن عبد البر في التمهيد (21/ 283):(وفي قوله: {فقاتلوا} دليل على أن الباغي إذا انهزم عن القتال أو ضعف عنه بما لحقه من الآفات المانعة للقتال حرم دمه لأنه غير مقاتل ولم نؤمر بقتاله إلا إذا قاتل؛ لأن الله تعالى قال: {فقاتلوا} ولم يقل فاقتلوا، والمقاتلة إنما تكون لمن قاتل والله أعلم.).ويقول الإمام النووي في شرحه لمسلم (4/ 27) (قَالَ الْقَاضِي : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْخَوَارِج وَأَشْبَاهَهُمْ مِنْ أَهْل الْبِدَع وَالْبَغْي مَتَى خَرَجُوا عَلَى الْإِمَام وَخَالَفُوا رَأْي الْجَمَاعَة وَشَقُّوا الْعَصَا وَجَبَ قِتَالهمْ بَعْد إِنْذَارهمْ ، وَالِاعْتِذَار إِلَيْهِمْ . قَالَ اللَّه تَعَالَى " فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ " لَكِنْ لَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحهمْ وَلَا يُتْبَعُ مُنْهَزِمُهُمْ ، وَلَا يُقْتَل أَسِيرهُمْ ، وَلَا تُبَاح أَمْوَالهمْ، وَمَا لَمْ يَخْرُجُوا عَنْ الطَّاعَة وَيَنْتَصِبُوا لِلْحَرْبِ لَا يُقَاتَلُونَ ، بَلْ يُوعَظُونَ وَيُسْتَتَابُونَ مِنْ بِدْعَتهمْ وَبَاطِلهمْ.) ضوابط الاقتتال المشروع : وإذا كان الاقتتال بين المسلمين في قسمه المشروع لا يدخل تحت باب الجهاد، إلا انه يخضع لضوابط الجهاد ومنها: القتال مع جماعة المسلمين وإمامهم وليس آحاد الناس أو جماعه من المسلمين : قال تعالى(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا )( التوبة :38) ، ويترتب على هذا أن القتال إنما يكون مع الإمام ، يقول الرسول(صلى الله عليه وسلم)(إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَعَدَلَ، كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ، وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ) ، يقول الإمام أحمد بن حنبل ) والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة – البر والفاجر – لا يترك)، ويقول أبو جعفر الطحاوي )والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين برِّهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء و لا ينقضهما)، ويقول ابن قدامه (وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك) ، ويقول ابن تيمية (ويرون – اى أهل السنة والجماعة- إقامة الحج والجهاد والجُمع مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً). حرمه قتل المعاهدين والمستأمنين: قال الرسول(صلى الله عليه وسلم)(مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)(رواه البخاري في صحيحة( . عدم جواز نقض العهود والمواثيق : قال تعالى (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ) ، ولذا قرر الفقهاء أن الإمام إذا عاهد قومًا، أو أَمَّنَهُم لزم من تحت يده أن يلتزموا بما صدر من الإمام من عهد وميثاق، ويحرم عليهم أن ينقضوا ذلك العهد، يقول الإمام ابن قدامة (وَيَصِحُّ أَمَانُ الْإِمَامِ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ وَآحَادِهِمْ، لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَامَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) ( المغني (9242) ، فإذا خِيفَ أن يقاتل العدو المسلمين في وقت العهد والميثاق فإنه حينئذ يُبَلَّغُ بانتهائه، كما قال تعالى(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ )( الأنفال : 58 )، و لذا حرمت الشريعة الخيانة ، يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم)(يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ ). عدم جواز قتل المدنيين كالنساء والولدان و الشيوخ و الأجراء و الرهبان : روى عن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ): أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان إذا بعث جيشاً قال : ( انطلقوا باسم الله لا تقتلوا شيخاً فانياً و لا طفلاً صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)( رواه أبو داود في السنن )، ووجد النبي )صلى الله عليه وسلم ( في بعض مغازيه امرأة مقتولة، فقال: «مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ فِيمَنْ يُقَاتِلُ) أخرجه أحمد (3/488، رقم (16035 )، و جاء في وصيه ابوبكر الصديق )رضي الله عنه) للجيوش والسرايا(لا يقتلوا وليدًا، ولا شيخًا فانيًا، ولا امرأة، ولا معتزلا في صومعة، وهم في هذا مقتدون بالنبي -صلى الله عليه وسلم فإنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا) | |
|