صبرى محمد خليل
عدد الرسائل : 187 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| موضوع: الرد الشرعي على القول بوجوب اتخاذ جميع المسلمين لعلم معين واحد الجمعة مايو 15, 2015 4:22 pm | |
| الرد الشرعي على القول بوجوب اتخاذ جميع المسلمين لعلم معين واحد د. صبري محمد خليل /أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم sabri.m.khalil@hotmail.com تمهيد:هذه الدراسة هي رد شرعي على القول بان الإسلام اوجب على جميع المسلمين اتخاذ علم معين واحد. أولا: وجوب التمييز بين دلالات مصطلحي الراية والعلم :هذا القول يقوم على الخلط بين دلالات مصطلحي الراية والعلم ، استنادا إلى الاشتراك في المعنى بين المصطلحين في معناهم اللغوي. الراية تنظيم عسكري للجيوش في الحرب : حيث أن دلاله مصطلح الراية في النصوص تتصل بالقتال ، فهي جزء من آليات التنظيم العسكري للجيوش في حاله الحرب، وهذه الدلالة واضحة في النصوص ومنها: قال الرسول( صلى الله عليه وسلم)( من قاتل تحت راية عُمِّيَّةٍ يغضب لعصبة أو يدعو إلى عُصبةٍ، أو ينصر عصبة فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِليّة )(رواه مسلم.) ،و روى الهيثمي في (مجمع الزوائد) عن عبد الله بن عباس(أنَّ رايةَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانت تكون مع عليِّ بنِ أبي طالبٍ، ورايةَ الأنصارِ مع سعدِ بنِ عبادةَ، وكان إذا استَحَرَّ القتالُ كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مما يكون تحتَ رايةِ الأنصارِ)، وقد أشار العلماء الى هذه الدلاله ، يقول الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (الراية بمعنى اللواء، وهو العلم الذي في الحرب يُعرف به موضع صاحب الجيش، وقد يحمله أمير الجيش، وقد يدفعه لمقدم العسكر) اتخاذ الرايات سنه وليس واجب: وحكم اتخاذ الريات في الحرب ليس الوجوب ، بحيث يأثم تاركه، بل الاستحباب والندب ، يقول الإمام ابن القيم في ( زاد المعاد” في ذكر فوائد وفد صداء: (فيها استحباب عقد الألوية والرايات للجيش، واستحباب كون اللواء أبيض، وجواز كون الراية سوداء من غير كراهة). تعدد رايات الرسول (صلى الله عليه وسلم) : ولم يتخذ المسلمين في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) راية واحده في حاله الحرب بل رايات متعددة، فكان للمهاجرين راية وللأنصار راية، و لكل قبيلة راية، قال الإمام الشافعي في كتاب الأم: (وجعل النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجرين شعاراً وللأوس شعاراً وللخزرج شعاراً وعقد النبي صلى الله عليه وسلم الألوية عام الفتح فعقد للقبائل قبيلةً قبيلة حتى جعل في القبيلة ألوية كلُّ لواء لأهله وكلُّ هذا ليتعارف الناس في الحرب وغيرها وتخفُّ المؤنة عليهم باجتماعهم وعلى الوالي كذلك)، وجاء في المغازي عن العباس يوم الفتح (ومرت به القبائل على راياتها) ، اتساقا مع هذا أباح العلماء تعدد رايات الجيش ، يقول الماوردي (فتكون راية كل قوم مخالفة لراية غيرهم)، وقال صاحب كشاف القناع(ويَعْقدُ لهم الرّايات وهي أعلامٌ مُربّعةٌ ويُغايرُ ألوانها). العلم تنظيم ادارى حديث للدولة : أما دلاله مصطلح العلم فتتصل بالدولة، فهي جزء من آليات التنظيم الادارى الحديث للدولة ، في حالات الحرب والسلم على السواء. اشاره العلماء إلى التمييز بين دلالات مصطلحي الراية والعلم :وقد أشار بعض العلماء إلى التمييز بين دلالات مصطلحي الراية والعلم كما اشرنا إليه سابقا ، يقول الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” ( “قال أبو بكر بن العربي: اللواء غير الراية، فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه، والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح، وقيل: اللواء دون الراية، وقيل: اللواء العلم الضخم والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار، والراية يتولاها صاحب الحرب) الأصل في اتخاذ العلم الاباحه ما لم يتضمن محرم : والأصل في اتخاذ العلم كتنظيم أدارى حديث للدولة هو الاباحه ما لم يتضمن ما هو محرم " كالصليب مثلا "، وهذا الحكم يستند إلى استنادا قاعدة الأصل في الأشياء الاباحه ما لم يرد دليل تحريم ، كما يستند إلى أن الصحابة (رضي الله عنهم ) اخذوا كثير من آليات التنظيم الادارى من مجتمعات أخرى معاصره لم ، ومنعها – على سبيل المثال لا الحصر- اخذ عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) بفكره تدوين الدواوين من الفرس، يقول ابن الأثير(الديوان هو الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء، وأول من دون الدواوين عمر، وهو فارسي معرب). ولا يمكن القول بان اتخاذ المسلمين في دوله معينه لعلم معين هو بدعه، إلا في حاله اعتقادهم أن اتخاذهم لهذا العلم هو أصل من أصول الدين ، اذ البدعة هي اضافه إلى أصول الدين، وبالتالي فان هذا القول (اى كون اتخاذ علم معين هو بدعه )، ينطبق ايضا على القول بان الإسلام اوجب على جميع المسلمين اتخاذ علم معين واحد. لم يتخذ الرسول شكل أو لون معين للرايات : والثابت في السيرة النبوية ان الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يتخذ لونٌ واحد أو شكلٌ واحد لرايات الحرب، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له راية سوداء، وأحياناً بيضاء، وقيل أيضًا صفراء وحمراء :جاء في الصحيح “أنَّ رايةَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ كانَت سَوداءَ ولواؤُهُ أبيضُ” (رواه ابن ماجة وغيره)، وعن جابر: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح ولواؤه أبيض(رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه) ، وعن البراء بن عازب وقد سئل عن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانت؟ فقال: “كانت سوداء مربعة من نمرة”. رواه أبو داود والترمذي،و روى أبو داود عن رجل من قوم سماك أنّه قال: “رأيت راية رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم صفراء” (سنن أبي داود)، وروى ابن أبي عاصم في “كتاب الجهاد” عن كُرْزِ بْنِ سَامَةَ قال: “وإنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَدَ رَايَةَ بَنِي سُلَيْمٍ حَمْرَاءَ”.وقد علَّل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" تعدد رايات الرسول وألوانها باختلاف الأوقات والحالات.وقد أشار الإمام السرخسي في(شرح السير الكبير)إلى أن اتخاذ رايات سود ليس واجب بل مستحب ،ويجوز اتخاذ رايات لي ضاو صفر او حمر (وإنّما اُستُحِبَّ في الراياتِ السوادُ لِأنَّهُ عَلَمٌ لأَصحابِ القتال، وكلُّ قومٍ يُقَاتلون عندَ رايتهمْ، وإذا تفرَّقوا في حالِ القتال يتمكَّنُون مِنْ الرُّجوع إلى رايَتهمْ، والسَّوادُ في ضوْء النَّهار أَبْيَنُ وأَشْهَرُ مِنْ غَيْرِهِ خُصُوصًا في الْغُبَارِ. فلهذا اُسْتُحِبَّ ذلك. فأَمَّا مِنْ حَيثُ الشَّرعُ فلا بأْس بِأَنْ تُجْعَلَ الراياتُ بِيضًا أَو صفرًا أَو حُمْرًا، وإِنَّما يُخْتَارُ الْأبيَضُ في اللِّوَاءِ لقوله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ أَحبَّ الثِّيابِ عِنْدَ اللَّه تعالى الْبِيضُ، فَلْيَلْبَسْهَا أَحْياؤُكُمْ وَكَفِّنُوا فيها موْتاكُمْ”. واللِّواءُ لا يكونُ إلَّا واحدًا في كُلِّ جيْشٍ، ورُجوعُهُمْ إليهِ عنْدَ حاجَتهمْ إلى رَفْعِ أُمورهِمْ إلى السُّلْطَانِ. فَيُخْتَارُ الأَبيَضُ لذلكَ ليَكُونَ مُمَيَّزًا مِنْ الرَّاياتِ السُّودِ الَّتي هيَ للْقُوَّادِ).كما تعددت ألوان الرايات عبر التاريخ الاسلامى ، فالراى الغالب عند المؤرخين ان راية الأمويين خضراء، يقول القلقشندى( أن بني أمية كان شعارهم الخضرة) (مآثر الأناقة، ج2، ص 805 -806)،وقال بعض المؤرخين أنها بيضاء،أما راية العباسيين فقد اتفق المؤرخين أنها سواء، وان اختلفوا فى السبب، فقال الماوردي (أن النبي "صلى اله عليه وسلم" عقد لعمه "العباس" رضي الله عنه في يوم حنين ويوم الفتح راية سوداء) (الحاوي الكبير في الفقه)وقال ابن خلدون (ان رايتهم كانت سوداء حزنا على شهدائهم من بني هاشم، ونعيا على بني أمية في قتلهم ولذلك سموا المسودة،)(المقدمة، ج2، ص806). إقرار علماء أهل السنة جواز تعدد البيعات " الحكام" على وجه الاضطرار:كما يمكن الاستدلال على جواز اتخاذ المسلمين لأعلام متعددة بتعدد دولهم ، من إقرار علماء أهل السنة جواز تعدد البيعات، وبالتالى تعدد الحكام (الائمه)- على مستوى ما هو كائن" اى على وجه الاضطرار،خوفا من الفتن ، التي تهدد استقرار المجتمعات المسلمة " ، دون إنكار وجوب الامامه الكبرى "الخلافة"- على مستوى ما ينبغي أن يكون- ومن هؤلاء العلماء: القرطبي، وابن تيمية، والشوكاني، والصنعاني، وصديق حسن خان، يقول ابن تيمية(والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد, والباقون نوابه, فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها, وعجز من الباقين, أو غير ذلك, فكان لها عدة أئمة, لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود, ويستوفي الحقوق) (مجموع الفتاوى34/175) ، ويقول صديق حسن خان(فلا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين, وتجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه, وكذلك صاحب القطر الآخر)( الروضة الندية ، 2/774. ) )، و يقول الشوكانيُّ (وأمَّا بعدَ انتشار الإسلام، واتِّساع رُقعته، وتباعُد أطرافه، فمعلومٌ أنَّه قد صار في كلِّ قطر أو أقطار الولاية إلى إمامٍ أو سلطان، وفي القُطر الآخَر أو الأقطار كذلك، ولا ينفُذ لبعضهم أمرٌ ولا نهيٌ في قُطر الآخَر وأقطاره التي رجعتْ إلى ولايته؛ فلا بأس بتعدُّد الأئمَّة والسَّلاطين، ويجب الطاعةُ لكلِّ واحد منهم بعدَ البَيعة له على أهل القُطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القُطر الآخَر) (السيل الجرار:4/512). غير أن القول بجواز اتخاذ المسلمين لأعلام متعددة بتعدد دولهم، لا يمنع اتخاذ المسلمين علم واحد، ليكون رمز لوحده المسلمين ، بشرط اتفاقهم جميعا عليه .. إقرار الإسلام علاقة الانتماء الوطنية :و بالاضافه إلى كون العلم تنظيم ادارى حديث للدولة ، فانه رمز لعلاقة الانتماء الوطنية التي اقرها الإسلام كدين – بجانب إقراره لعلاقات الانتماء الأخرى - لم تقم على التعصب ، أو يترتب على الإقرار بها إثم ، قال الرسول ( صلى الله عليه وسلم) ( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا لمكة أو أشد) ( رواه البخاري ومالك في الموطأ والإمام أحمد ) ، وفي معرض شرح الحديث :عن انس بن مالك (رضي الله تعالى عنه) قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته أي أسرع بها وإذا كانت دابة حركها من حبها) (أخرجه البخاري)، قال ابن عبد البر ( وفيه بيان ما عليه أكثر الناس من حنينهم إلى أوطانهم ، وتلهفهم على فراق بلدانهم التي كان مولدهم بها ومنشأهم فيها)( الاستذكار)،وقال ابن حجر في الفتح والعيني في عمدة القارئ ( فيه دلاله على فضل المدينة وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه). عدم ثبوت كتابه الشهادتين على رايات الرسول(صلى اله عليه وسلم ) على وجه القطع : كما انه لم يثبت على وجه القطع كتابة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” على رايات الرسول(صلى الله عليه وسلم ) ، حيث أن الحديث الذي يفيد ذلك ، هو الحديث الذي رواه الطبراني في الأوسط من طريق حيان بن عبيد الله، عن أبي مجلز، عن ابن عباس، قال: “كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، ولواؤه أبيض، مكتوب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله”.وهذا الحديث تعرض للنقد من كثير من العلماء ، قال الطبراني(لا يروى هذا الحديث عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، تفرد به: حيان بن عبيد الله ) وقد رواه ابن عدي في (الكامل في الضعفاء) في ترجمة حيان هذا، وقال(وَلِحَيَّانَ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُ مِنَ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ بِالْكَثِيرِ وَعَامَّةُ مَا يرويه إفرادات ينفرد بها)، وأعله الهيثمي في (مجمع الزوائد)بحيان. والحديث ضعفه الشوكاني في (نيل الأوطار)، وقال ابن حجر في (فتح الباري)( سنده واه .)، أما كتابه محمد رسول الله من اعلي إلى أسفل ، فهو خاتم الرسول (صلى الله عليه وسلم )، وليس لم يثبت كتابته على الرايات. .. للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة المواقع التالية : 1- د.صبري محمد خليل Google Sites https://sites.google.com/site/sabriymkh 2- د.صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات https://drsabrikhalil.wordpress.com
| |
|