سراج منير
عدد الرسائل : 38 تاريخ التسجيل : 24/01/2017
| موضوع: اياك والتكفير وهذا الدليل السبت أبريل 21, 2018 4:23 am | |
| اياك والتكفير وهذا الدليل
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: في الحقيقة أن مسألة التكفير ليس فقط للحكام ؛ بل وللمحكومين أيضاً هي فتنة قديمة، تبنتها فرقة من الفرق الإسلامية القديمة، وهي المعروفة ب-(الخوارج). والخوارج طوائف مذكورة في كتب الفرق، ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى﴾.لم يقل هكذا؛ وإنما أضاف إلى مشاقة الرسول اتباع غير سبيل المؤمنين، فقال:﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ من تلك الأحاديث المعروفة كما أشرت آنفاً حديث الفرق الثلاث والسبعين، ولا أحد منكم إلا وهو يذكره، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: " تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة" قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي".
يشبه هذا الحديث تماماً حديث الخلفاء الراشدين، الذي ذكر في السنن من رواية العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه، قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وَجِلَت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: كأنها موعظة مُودّع فأوصنا يا رسول الله! قال: "أوصيكم بالسمع والطاعة، وإن ولي عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي،...." إلى آخر الحديث. أصل التكفير الذي ذر قرنه في هذا الزمان، الآية التي يدندنون حولها دائماً وأبداً ؛ ألا وهي قوله تبارك وتعالى: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾[المائدة: 44]، ونعلم جميعا أن هذه الآية جاءت في خاتمتها بألفاظ ثلاثة، وهي: ﴿فأولئك هم الكافرون﴾، ﴿فأولئك هم الظالمون﴾ [المائدة: 45]، ﴿فأولئك هم الفاسقون﴾ [المائدة: 47]. فمن جَهْل الذين يحتجون بهذه الآية باللفظ الأول منها :﴿فأولئك هم الكافرون﴾: أنهم لم يُلِمّوا على الأقل ببعض النصوص التي جاء فيها ذكر لفظة (الكفر)، فأخذوا لفظة الكفر في الآية على أنها تعني الخروج من الدين، وأنه لا فرق بين هذا الذي وقع في الكفر، وبين أولئك المشركين من اليهود والنصارى وأصحاب الملل الأخرى الخارجة عن ملة الإسلام. بينما الكفر في لغة الكتاب والسنة لا تعني هذا الذي يدندنون حوله، ويسلطون هذا الفهم الخاطئ عل كثير من المسلمين، وهم بريئون من ذاك التكفير الذي يطبقونه على هؤلاء المسلمين.
شأن لفظة التكفير من حيث أنها لا تدل على معنى واحد - وهو الردة والخروج عن الملة شأن اللفظين الآخرين اللذين ذكرا في الآيتين الأخريين الفاسقين والظالمين، فكما أنه ليس كل من وُصف بأنه كفر لا يعني أنه ارتد عن دينه، كذلك لا يعني أن كل من وُصف بأنه ظالم أو فاسق بأنه مرتد عن دينه. هذا التنوع في معنى اللفظ الواحد هو الذي يدل عليه اللغة، ثم الشرع الذي جاء بلغة العرب - لغة القرآن الكريم - كما هو معلوم. من أجل ذلك كان من الواجب على كل من يتصدى بالحكم بما أمر الله عز وجل - لست أعني الآن الحكام - وإنما أعني أولئك الذين يصدرون الأحكام على المسلمين - سواء كانوا حكاماً أم محكومين - كان من الواجب على هؤلاء أن يكونوا على علم بالكتاب والسنة، و منهج السلف الصالح.
والكتاب لا يمكن فهمه - وكذلك ما ضم إليه - إلا بطريق معرفة اللغة العربية معرفة فاضية
﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾، هل من الضروري أن يكون هذا اللفظ: ﴿ فأولئك هم الكافرون﴾، أنه يعني كفرا خروجا عن الملة؟ أم قد يعني هذا وقد يعني ما دون ذلك ؟. هنا الدقة في فهم هذه الآية، هذا الآية الكريمة:﴿ فأولئك هم الكافرون﴾،
قد تعني أي: الخارجون عن الملة؛ وقد تعني أنهم خرجوا عمليا عن بعض ما جاءت به الملة، الملة الإسلامية. يساعدنا على ذلك قبل كل شيء ترجمان القرآن، ألا وهو عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه؛ لأنه سند الصحابة الذين اعترف المسلمون جميعاً - إلا من كان من تلك الفرق الضالة - على أنه كان إماما في التفسير؛ ولذلك سماه بعض السلف من الصحابة ولعله هو عبد الله ابن مسعود بترجمان القرآن.
هذا الإمام في التفسير والصحابي الجليل كأنه طرق سمعه يومئذ ما نسمعه اليوم تماماً أن هناك أناساً يفهمون هذه الآية على ظاهرها دون التفصيل الذي أشرت إليه آنفا؛ وهو أنه: قد يكون أحيانا المقصود بالكافرين المرتدين عن دينهم وقد يكون ليس هو المقصود وإنما هو دون ذلك، فقال ابن عباس رضي الله عنه:" ليس الأمر كما يذهبون أو كما يظنون، وإنما هو كفر دون كفر".
ولعله كان يعني بذلك الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين ، ثم كان من عواقب ذلك أنهم سفكوا دماء المؤمنين، وفعلوا فيهم ما لم يفعلوا بالمشركين: فقال: ليس الأمر كما قالوا، أو كما ظنوا، وإنما هو كفر دون كفر؛ كفر دون كفر. هذا الجواب المختصر الواضح من ترجمان القرآن في تفسير هذه الآية هو الذي لا يمكن أن يُفهم سواه من النصوص التي أشرت إليها آنفا في مطلع كلمة هذه .
أن كلمة (الكفر) ذُكرت في كثير من النصوص، مع ذلك تلك النصوص لا يمكن أن تُفسر بهذا التفسير الذي فسروا به الآية؛ أو لفظ الكفر الذي جاء في تلك النصوص لا يمكن أن يفسر بأنه يساوي الخروج من الملة، فمن ذلك مثلاً الحديث المعروف في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر".
قتاله كفر: عندي هو تفنن في الأسلوب العربي في التعبير لأنه لو قال قائل: سباب المسلم وقتاله فسوق يكون كلام صحيح، لأن الفسق هو المعصية، وهو الخروج عن الطاعة، لكن الرسول عليه السلام - باعتباره أفصح من نطق بالضاد قال:" سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر".
تُرى؛ هل يجوز أنا أن أفسر الفقرة الأولى من هذا الحديث – "سباب المسلم فسوق" - بالفسق المذكور في اللفظ الثاني أو الثالث في الآية السابقة:
﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون﴾؟. ﴿فأولئك هم الفاسقون﴾ هو "سباب المسلم فسوق"، نقول: قد يكون الفسق أيضا مرادفاً للكفر الذي هو بمعنى الخروج من الملة، وقد يكون الفسق أيضا مرادفاً للكفر الذي لا يعني الخروج عن الملة، وإنما يعني ما قاله ترجمان القرآن إنه كفر دون كفر.
وهذا الحديث يؤكد أن الكفر قد يكون بهذا المعنى لماذا ؟؛ لأن الله عز وجل ذكر في القرآن الكريم الآية المعروفة : ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله﴾.
إذ قد ذكر هنا ربنا عز وجل هنا الفرقة الباغية التي تقاتل الفرقة الناجية؛ الفرقة المحقة المؤمنة، ومع ذلك فما حكم عليها بالكفر، مع أن الحديث يقول: "… وقتاله كفر". إذاً قتاله كفر دون كفر، كما قال ابن عباس في تفسير الآية السابقة . فقتال المسلم للمسلم بغيٌ واعتداءٌ، وفسقٌ وكفرٌ، ولكن هذا يعني أن الكفر قد يكون كفراً عملياً، وقد يكون كفراً اعتقادياً.
فإذا قوله صلى الله عليه وسلم "… وقتاله كفر" لا يعني الخروج عن الملة.
والأحاديث كثيرة جدا وكثيرة جداً، لو جمعها المتتبع لخرج منها رسالة نافعة في الحقيقة فيها حجة دامغة لأولئك الذين يقفون عند الآية السابقة، ويلتزمون فقط تفسيرها بالكفر الاعتقادي.
بينما هناك نصوص كثيرة وكثيرة جدا التي فيها لفظة الكفر ولا يُعنى أنها تعني الخروج عن الملة. فحسبنا الآن هذا الحديث؛ لأنه دليل قاطع على أن قتال المسلم لأخيه المسلم هو كفر، بمعنى الكفر العملي، وليس الكفر الاعتقادي. ". والأحاديث الواردة في هذا المعنى كثيرة وكثيرة جداً، نذكِّر بهذه المناسبة بقصة ذلك الصحابي الذي بارز مشركا، فلما رأى المُشرك أنه صار تحت ضربة سيف المسلم الصحابي، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فما بالاها الصحابي فقتله، فلما بلغ خبره النبيَ صلى الله عليه وسلم أنكر عليه ذلك أشد الإنكار -كما تعلمون - فاعتذر الرجل بأنه ما قالها إلا خوفاً من القتل، فكان جوابه صلى الله عليه وسلم: "هلاّ شققت عن قلبه؟!".
إذاً الكفر الاعتقادي ليس له علاقة بالعمل له علاقة بالقلب، ونحن لا نستطيع أن نعلم ما في قلب الفاسق، الفاجر، السارق، الزاني، المرابي… إلخ ، إلا إذا عبّر عما في قلبه بلسانه، أما عمله فعمله يبنئ أنه خالف الشرع مخالفة عملية.
فنحن نقول: إنك خالفت، وإنك فسقت، و فجرت، لكن لا نقول: إنك كفرت، والحمد لله رب العالمين
| |
|
SaraAdel
عدد الرسائل : 4 تاريخ التسجيل : 01/03/2021
| موضوع: رد: اياك والتكفير وهذا الدليل الخميس مارس 11, 2021 5:15 pm | |
| جزاكم الله خيراً
وصلى الله على محمد وعلى آل محمد عليهم الصلاة والسلام | |
|