منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 7:21 am

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية

الفقرة الأولي :
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :

 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :(لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه: فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرأة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل و لا تجليه له .
و قد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة.
و من شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا و يقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، و ما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل و لا يزال.
و ما بقي إلا قابل، و القابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس .
فالأمر كله منه، ابتداؤه و انتهاؤه، «و إليه يرجع الأمر كله»، كما ابتدأ منه.
فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة و روح تلك الصورة، و كانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم «بالإنسان الكبير».
فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية و الحسية التي في النشأة الإنسانية.
فكل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها، و أن فيها، فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال و منزلة رفيعة عند الله، لما عندها من الجمعية الإلهية مما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، و إلى جانب حقيقة الحقائق، و- في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف- إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه و أسفله .
و هذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه.
فسمي هذا المذكور إنسانا و خليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته و حصره الحقائق كلها.
و هو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، و هو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم .
فهو الإنسان الحادث الأزلي و النشء الدائم الأبدي، و الكلمة الفاصلة الجامعة ، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، و هو محل النقش و العلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته.
و سماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.
ألا تراه إذا زال و فك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها و خرج ما كان فيها و التحق بعضه ببعض، و انتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا ؟
فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة.
فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه .
فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، و لا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته، و ليس للملائكة جمعية آدم، و لا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، و سبحت الحق بها و قدسته، و ما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها و لا قدسته تقديس آدم .
فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
و ليس إلا النزاع و هو عين ما وقع منهم.
فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق.
فلولا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه و هم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، و لو علموا لعصموا. ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح و التقديس.
و عند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها و لا قدسته عنها تقديس آدم و تسبيحه.
فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده و نتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به و حاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال و لا نحن منه على علم فنفتضح؟
فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.
ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية و إن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني .
و لها الحكم و الأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، و لم تزل عن كونها معقولة في نفسها.
فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها.
فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، و لا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة.
و سواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت، نسبة المؤقت و غير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة.
غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم، و الحياة إلى الحي. فالحياة حقيقة معقولة و العلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة ، كما أن الحياة متميزة عنه.
ثم نقول في الحق تعالى إن له علما و حياة فهو الحي العالم.
و نقول في الملك إن له حياة و علما فهو العالم و الحي.
و نقول في الإنسان إن له حياة و علما فهو الحي العالم.
و حقيقة العلم واحدة، و حقيقة الحياة واحدة، و نسبتها إلى العالم و الحي نسبة واحدة.
و نقول في علم الحق إنه قديم، و في علم الإنسان إنه محدث.
فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، و انظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات و الموجودات العينية.
فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه.
و معلوم أن هذه الأمور الكلية و إن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.
فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة و لا تقبل التفصيل و لا التجزي فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل و لم تتعدد بتعدد الأشخاص و لا برحت معقولة. و إذا كان الارتباط بين من له وجود عيني و بين من ليس له وجود عيني قد ثبت، و هي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع- و هو الوجود العيني- و هناك فما ثم جامع.
و قد وجد الارتباط بعدم الجامع فبالجامع أقوى و أحق.
و لا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه و افتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.
و لا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، و هو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه.
و لما اقتضاه لذاته كان واجبا به. و لما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شي ء من اسم و صفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث و إن كان واجب الوجود و لكن وجوبه بغيره لا بنفسه.
ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث و ذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه.
فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي .
فلما علمناه بنا و منا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. و بذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، و إذا شهدنا شهد نفسه.
و لا نشك أنا كثيرون بالشخص و النوع، و أنا و إن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، و لو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد.
فكذلك أيضا، و إن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، و ليس إلا افتقارنا إليه في الوجود و توقف وجودنا عليه لإمكاننا و غناه عن مثل ما افتقرنا إليه.
فبهذا صح له الأزل و القدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.
فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول. و لهذا قيل فيه الآخر.
فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.
و إنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، و الأول في عين آخريته .
ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن ، فأوجد العالم عالم غيب و شهادة لندرك الباطن بغيبنا و الظاهر بشهادتنا.
و وصف نفسه بالرضا و الغضب، و أوجد العالم ذا خوف و رجاء فيخاف غضبه و يرجو رضاه.
و وصف نفسه بأنه جميل و ذو جلال فأوجدنا على هيبة و أنس.
و هكذا جميع ما ينسب إليه تعالى و يسمى به.
فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهنا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم و مفرداته.
فالعالم شهادة و الخليفة غيب، و لذا تحجب السلطان.
و وصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية و هي الأجسام الطبيعية، و النورية و هي الأرواح اللطيفة.
فالعالم بين كثيف و لطيف، و هو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه .
فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره.
و لكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.
فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق و شهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك.
فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
و لهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟
و ما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم و صورة الحق، و هما يدا الحق.
و إبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.
و لهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، و إن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- و إلا فليس بخليفة عليهم. فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم و صوره و أنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.
و لذلك قال فيه «كنت سمعه و بصره» ما قال كنت عينه و أذنه: ففرق بين الصورتين.
و هكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود.
و لكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع.
و لو لا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.
و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني 
فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة.
و قد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق. 
و قد علمت نشأة رتبته و هي المجموع الذي به استحق الخلافة.
فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.
و هو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، و اجعلوا ما بطن منكم، و هو ربكم،
وقاية لكم: فإن الأمر ذم و حمد: فكونوا وقايته في الذم و اجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين .
ثم إنه سبحانه و تعالى أطلعه على ما أودع فيه و جعل ذلك في قبضتيه:
القبضة الواحدة فيها العالم، و القبضة الأخرى فيها آدم و بنوه. و بين مراتبهم فيه.
قال رضي الله عنه: و لما أطلعني الله سبحانه و تعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر.
جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب و لا العالم الموجود الآن.
فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه و سلم:
موضوعات فصوص الكتاب
حكمة إلهية في كلمة آدمية، و هو هذا الباب. 
ثم حكمة نفثية في كلمة شيئية.
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية.
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية.
ثم حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية.
ثم حكمة حقية في كلمة إسحاقية.
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية.
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية.
ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية.
ثم حكمة أحدية في كلمة هودية.
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية.
ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية.
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية.
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية.
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية.
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية.
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية.
ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية.
ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية.
ثم حكمة جلالية في كلمة يحياوية.
ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية.
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية.
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية.
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية.
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية.
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية.
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية.
و فص كل حكمة الكلمة التي تنسب إليها. فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب. 
فامتثلت ما رسم لي، و وقفت عند ما حد لي، و لو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك و الله الموفق لا رب غيره.
و من ذلك:  ).

متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم بارك علي وتممه
1. نقش فص حكمة إلهية في كلمة آدمية :
اعلم أن الأسماء الحسنى تطلب بذواتها وجود العالم .
فأوجد الله العالم جسداً مسوى .
وجعل روحه آدم عليه السلام .
وأعني بآدم وجود العالم الإنساني وعلمه بالأسماء كلها .
فإن الروح هو مدبر البدن بما فيه من القوى.
وكذلك الأسماء للإنسان الكامل بمنزلة القوى .
لهذا يقال في العالم : " إنه الإنسان الكبير " .  ولكن بوجود الإنسان فيه .
وكان الإنسان مختصراً من الحضرة الإلهية .
ولذلك خصه بالصورة فقال : " إن الله خلق آدم على صورته "
وفي رواية : " على صورة الرحمن " .
وجعل الله العين المقصودة من العالم كالنفس الناطقة من الشخص الإنساني . ولهذا تخرب الدنيا بزواله وتنتقل العمارة إلى الآخرة من أجله .
فهو عبد الله ورب بالنسبة للعالم .
ولذلك جعله خليفة وابناءه خلفاء .
ولهذا ما ادعى أحد من العالم الربوبية إلا الإنسان لما فيه من القوة .
وما أحكم أحد من العالم مقام العبودية في نفسها إلا الإنسان .
فعبد الحجارة والجمادات التي هي أنزل الموجودات .
فلا أعز من الإنسان بربوبيته . ولا أذل منه بعبوديته .
فإن فهمت فقد أبنت لك عن المقصود بالإنسان فانظر إلى عزته بالأسماء الحسنى وطلبها إياه تعرف عزته .
ومن ظهوره بها تعرف ذلته . فافهم .
ومن هنا تعلم أنه نسخة من الصورتين : الحق والعالم .
الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
1 -  فك ختم الفص الادمى
1 - واما اختصاص هذه الكلمة الادمية بحضرة الالوهية ، فذلك بسبب الاشتراك من احدية الجمع ، فكما ان الحضرة  الالوهية المعبر عنها بالاسم اللهتشتمل على خصائص الأسماء كلها وأحكامها التفصيلية ونسبها المتفرعة عنها اولا والمنتهية الحكم إليها آخرا .
ولا واسطة بينهما وبين الذات من الأسماء - كما هو الامر في شأن غيرها من بيان غير الأسماء بالنسبة إليها اعنى بالنسبة الى الحضرة الإلهية - كذلك الإنسان .
فإنه من حيث حقيقته ومرتبته لا واسطة بينه وبين الحق ، لكون حقيقته عبارة عن البرزخية الجامعة بين احكام الوجوب واحكام الإمكان ، فله الاحاطة بالطرفين .
2 - ولهذا الاعتبار قال رحمه الله فيه : انه الإنسان الحادث الأزلي والنشأة الدائم الأبدي ، فله الاولية والتقدم على الموجودات من هذا الوجه .
3 - واما سر آخريته فمن حيث انتهاء الاحكام والآثار اليه واجتماعها ظاهرا وباطنا فيه ، كانبثاثها  اولا منه وذلك انه لما كان حكم شأن الحق الجامع للشئون كلها وأحكامها دوريا وكان حكم ذلك الشأن ولوازمه من امهات الشئون ايضا كذلك وهي المعبر عنها بمفاتيح الغيب .
ظهر سر الدور في احوال الموجودات وأحكامها وذواتها ، فالعقول والنفوس من حيث حكمها بالأجسام وعلمها ، كافلاك المعنوية ، ولما كانت الأفلاك ناتجة عنها وظاهرة منها ، ظهرت هذا الوصف الاحاطى والدورة صورة ومعنى .
4 - ولما كانت العقول والنفوس متفاوتة المراتب من حضرة الحق بسبب كثرة الوسائط وقلتها وقلة احكام الكثرة في ذواتها وكثرتها ، تفاوتت الأفلاك في الحكم والاحاطة ، فاقربها نسبة الى اشرف العقول أكثرها احاطة وأقلها كثرة والامر بالعكس فيما نزل عن درجة الأقرب - كما ترى لما أشرنا اليه.
5 - ولما كان الامر كذلك في عرصة العقل المنور والشهود المحقق ، اقتضى الامر والسنة الإلهية ان يكون وصول الأمداد الى الموجودات وعود الحكم في الجناب الإلهي المشار اليه في الاخبارات الإلهية والتنبيهات النبوية والمشهود كشفا وتحقيقا ، وصولا وعودا دوريا .
6 - فالمدد الإلهي يتعين من مطلق الفيض الذاتي بالبرزخية المشار إليها ويصل الى الحضرة العقل الأول المكنى عنه بالقلم ثم باللوح ثم العرش ثم الكرسي ثم باقى الأفلاك - فلكا بعد فلك - ثم يسرى في العناصر ثم المولدات وينتهى الى الإنسان منصبغا بجميع خواص كل ما مر عليه .
7 - فان كان الإنسان المنتهى اليه ذلك ممن سلك وعرج واتحد بالنفوس والعقول وتجاوزها بالمناسبة الاصلية الذاتية حتى اتحد ببرزخيته التي هي مرتبة الاصلية ، فان المدد الواصل اليه بعد انتهائه في الكثرة الى اقصى درجات الكثرة وصورتها ، يتصل باحديتها ، اعنى احدية تلك الكثرة الى تلك البرزخية التي من جملة نعوتها الوحدانية التالية الاحدية فيتم الدائرة بالانتهاء الى المقام الذي منه تعين الفيض الواصل الى العقل.
8 - وهذا سر من لم يعرفه ولم يشهده لم يعرف حقيقة قوله تعالى : " وإِلَيْه يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّه " 123 سورة هود.
9 - ومن هذا شأنه فهو الذي قيل فيه من حيث صورته العنصرية الاخرية الجامعة : انه خلق في احسن تقويم ، ومن حيث حقيقته : ان اجره غير ممنون ، ومن لم يكن كذلك فهو المنتهى الى اسفل السافلين ، لبعده بكثرته عن أصله الذي هو المقام الوحدانى الإلهي الاولى ، لأنه نزل من اعلى الرتب وهي البرزخية المذكورة الى اقصى درجات الكثرة والانفعال ووقف عندها .
بخلاف الكمل الذين تمت لهم الدائرة ، لأنهم وان انحدروا ، فهم مرتفعون في انحدارهم ، كما قال بعض التراجمة في مدح نبينا صلى الله عليه وسلم :
تخيرك الله من ادم    ..... فما زلت منحدرا ترتقى  
10 - والواقفون في اسفل السافلين ليسوا كذلك ، فإنهم لم يتجاوزوا نصف الدائرة فاعلم ذلك ، فهذا سر اختصاص آدم بالحضرة الإلهية وسبب أوليته من حيث المعنى وآخريته من حيث الصورة وجمعه بين الحقيقة الوحدانية التي هي محتد احكام الوجوب وبين الكثرة التي هي محتد احكام الإمكان ، وانتهاء الامر آخرا الى الوحدانية من حيث انه : ما جاوز الحد انعكس الى الضد .
11 - فتدبر ما سمعت فإنه من لباب المعرفة الإلهية والانسانية ، فإنك ان عرفت ما ذكرنا لك ، عرفت مراتب الأسماء وتفاوت درجاتها وتفاوت درجات الموجودات من حيثها .
وعرفت سر قوله تعالى " وعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّها " 31 سورة البقرة .
وان سر الخلافة الجمع بين الوحدة والكثرة ، لكن على الوجه المذكور وعرفت سر الأمداد والاستمداد ، وعرفت سر ظهور المعلولات بصور عللها .
وعرفت سر قوله صلى الله عليه وسلم : ان الله خلق آدم على صورته ، وان تفاوت المدرك في الظهور والحكم لتفاوت الاستعدادات  القابلة ، وعرفت غير ذلك مما يطول ذكره فتدبر ترشد ان شاء الله تعالى.
سر تسمية الأنبياء بالكلمات
12 - واما سر تسمية الأنبياء بالكلمات وكذلك تسمية الحق سبحانه الأرواح بهذا الاسم - بل الموجودات - فموقوف على معرفة كيفية الإيجاد والمادة التي منها وبها وفيها وقع الإيجاد ، وهذا من اعظم العلوم واغمضها وأشرفها وبيانه يحتاج الى فصل بسيط ليس هذا موضعه ، على انه قد ذكرت أصوله في تفسير الفاتحة وفي كتاب النفحات ، وسأذكر هاهنا على سبيل التنبيه ما يحتمل هذا الالماع .
13 -  فأقول : قد كنى الحق سبحانه في الكتب المنزلة عن التأثير الايجادى بالقول ، وهو قوله تعالى : إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناه . . .40 سورة  النحل .
14 - فاعلم ان فعل الحق ان كان بذاته بمعنى ان الفعل يليه لما يتوسط بين ذاته وبين المفعول الا نسب معقولة يتميز بتعينها الإطلاق الذاتي عما تعينت به ، كان اسم ذلك الفعل كلاما والظاهر به كلمة ، وان توسط بين الفاعل الحق وبين ما يوجد ، آلة وجودية او صورة مظهرية بعينها ويستدعيها مرتبة المفعول التي هي محل ايقاع الفعل ومنزل نفوذ الاقتدار كان قولا ، لان التأثير الإلهي في
كل مؤثر فيه انما يصدر ويتعين بحسب مرتبة المفعول ، وكذلك الالة والمظهر الذي هو صورة الحيثية التي من جهتها صدر ذلك الموجود .
الحروف الاصلية الإلهية
15 - وإذا عرفت هذا فاعلم ان الحروف الاصلية الإلهية عبارة عن تعقلات الحق الأشياء من حيث كينونتها في وحدانيته ، ونظير ذلك التصور النفساني الإنسان قبل تعينات صورها بعلمه في ذهنه ، وهي تصورات مفردة خالية عن التركيب المعنوي والذهني والحسي ، وهي المفاتيح الأول المعبر عنها بمفاتيح الغيب ، وهي الأسماء الذاتية وامهات الشئون الاصلية التي الماهيات هي من لوازمها ، ونتائج التعقل تعريفاتها.
حضرة الارتسام
16 - والتعقل الثاني تعقل الماهيات في عرصة العلم الذاتي من حيث الامتياز النسبي وهو حضرة الارتسام الذي يشير اليه أكابر المحققين والمتألهين من الحكماء بان الأشياء مرتسمة في نفس الحق .
والفرق بين الحكيم والمحقق في هذه المسألة هو ان الارتسام عند المحقق وصف العلم من حيث امتيازه النسبي عن الذات ، ليس هو وصف الذات من حيث هي ولا من حيث ان علمها عينها .
فتعقل الماهية من حيث افرازها عن لوازمها في حضرة العلم هي حرف غيبى معنوى ، وتعقلها مع لوازمها قبل انبساط الوجود المفاض عليها وعلى لوازمها ، هي كلمة غيبية معنوية .
وباعتبار تعقل تقدم اتصال الوجود بها قبل لوازمها يكون حرفا وجوديا ، وباعتبار انبساط الوجود عليها وعلى لوازمها الكلية تكون كلمة وجودية .
17 - وكما ان تركيب الكلمات في النسخة الانسانية ينشأ من حرفين و ينتهى الى خمسة متصلة ومنفصلة كذلك الامر هناك .
فنظير درجات التركيب هنا الأصول الخمسة المذكورة في ما بعد ، وللنفس الرحمانى السراية في هذه الأصول الخمس وامهات مخارج الحروف الانسانية ايضا خمسة ، وهي :
باطن القلب  - ثم الصدر - ثم الحلق  - ثم الحنك - ثم الشفتان
وهي نظائر مراتب الأصول ، وباقى المخارج يتعين بين كل اثنين من هذه الأمهات . فافهم
العقل الأول
18 ثم أقول : فابسط الموجودات الذي هو العقل الأول له ضرب واحد من التركيب لا غير وهو ان له ماهية متصفة بالوجود ، فله من احكام الكثرة الامكانية حكم واحد ، وهو انه في نفسه ممكن ، وهو من حيث ما عدا هذا الاعتبار الواحد واجب بسيط ، وكذا شأن بقية العقول من هذا الوجه ، لكن بسبب توسط العقل بينها وبين ذات الحق تزداد حكما واحكاما توجب تعقل كثرة ما في مرتبتها ، لكن ليست كثرة وجودية تفضي بان يحكم عليها بالتركيب .
19 - واما النفوس الفلكية : ففي ثالث مرتبة الوجود الواحد ثم يتنازل الامر في التركيب الى خمس مراتب ، فالذي يلي النفوس الأجسام البسيطة ، ثم المرتبة الخامسة الأجسام المركبة ، فهذا هي الأصول المشار إليها من قبل .
20 - وقد روعي هذا الترتيب الايجادى هذا في كل كلام الهى ينزل : فحرف ثم كلمة ثم آية ثم سورة ، والكتاب جامعها .
21 - واما الكتب ، فهي من حيث الأمهات ايضا أربعة كالاجناس :
التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، وجامعها القرآن.
22 - ولما كانت الحيازة للإنسان لجمعيته احكام الوجوب الكلية والاحكام الامكانية سمى كتابا ، وتفاوت حيطة الكتب وما تضمنه يشهد ويوضح سر تفاوت الأمم المنزلة هي عليها ، وسر الرسول المبلغ ما انزل إليهم .
فاعلم ذلك تعرف سر تسمية الأنبياء بالكلمات ، وكذلك سر تسمية الأرواح والموجودات بها ولهذا الأصل فروع كلية :
منها : ما ذكرته في التفسير .
ومنها : ما ذكرته في مفتاح غيب الجمع وتفصيله .
ومنها : ما ذكرته في النفحات فمن أراد الاحاطة بأكثر اصول هذا العلم فليجمع الى هذا الأصل ما تقدم ذكره يستشرف على علوم غزيرة غامضة شريفة جدا .
والله المرشد والهادي .


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس سبتمبر 12, 2019 7:10 am عدل 7 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الأولى الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 7:42 am

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الأولى الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الأولى : الجزء الثاني
كلمات و مصطلحات وردت في فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية وفى كتاب فصوص الحكم :
قبل ان نبدأ فى السفر في هذه الأسفار وجب التعرف على الحقائق التي عليها أهل الكشف العارفين بالله فنحن الأن على شاطئ بحر الإحسان والإبحار فى مقام الإحسان من الرسالة المحمدية الخاتمة وقف على ساحله ، المرسلين والأنبياء وتابعيهم بإحسان فيمن كانوا قبلنا.
و مقام الإحسان شرطه أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن "فنيت فى الله بالكلية" تراه فإنه يراك "بسمعه وبصره ولسانه ويده ورجله ...".
فإعلم أن الإحسان ليس هو الإيمان ولكنه يحتويه وكذلك الإحسان ليس هو الإسلام ولكنه يحتويه.
فالإسلام يكفيه شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله و الصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت لمن استطاع اليه سبيلا.
فينجو من النار ويدخل الجنة . والإحسان ليس كذلك لأنه العلم بالله من الله تعالى والنظر به والسمع به والتكلم به السعي به والبطش به "الحديث". والتعليم المباشر من الله تعالى كما علم الخضر عليه السلام فتؤتي رحمة وعلما وحكمة وترى ما لا يراه الناظرون
الإسلام ليس هو الإيمان "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ (15) الحجرات.
والإيمان ليس هو الإحسان يتولاك الله بالتربية فيه  "فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا " (48) الطور ،  "وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)" طه
فالإحسان مقام التحقيق و التمكين والتمليك بحقائق ومعارف قول الله تعالى : "وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) سورة الشورى".

1 - عن الخلق 
تقول الدكتورة سعاد الحكيم عن ملامح ( الخلق ) عند الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:
أبرز ملامح الخلق عند حكيم مرسيه نلخصها في النقاط التالية :
1. إن الخلق ليس من العدم ، بل من وجود علمي إلى وجود عيني ، فـ ( الله خالق ) في فكر الشيخ ابن العربي  تعني أن الله يظهر أو يخرج الأعيان الثابتة إلى الوجود الظاهر المحسوس الخارجي ، وهذا لله وحده فليس في طاقة مخلوق أن تتعلق إرادته باظهار الأعيان الثابتة .
2. إن الخلق لم يحدث في زمن معين بل هو دائم مع الأنفاس ، فالحق لا يزال دائما أبدا خالقا والعالم لا يزال دائما أبدا فانيا .
3. إن فعل الخلق لا يستدعي اثنينية الخالق والمخلوق ، ومن هنا استبدل الشيخ الشيخ ابن العربي بلفظ ( خلق ) عبارات وتمثيلات حاول ان يشرح فيها تلك العلاقة بين وجهي الحقيقة الواحدة ، فنراه أحيانا يلجأ إلى النور والظلال ، إلى الصور والمرايا ، إلى الظاهر والمظاهر .
كل ذلك ليسكب تلك الأثنينية المشهودة في الحس والمتوهمة في وحدة إيمانية أو شهودية كشفية .
فالخلق هو : تجلي الحق في صور العالم ، فهو الظاهر في كل مظهر .
"فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) سورة البقرة ، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) سورة القصص "

4. نظر الشيخ الشيخ ابن العربي إلى لفظ الخلق من وجوه أربعة :
أ. الخلق = خلق إيجاد : وهو تعلق الإرادة بإظهار عين المراد إظهاره .
ب. الخلق = خلق تقدير : وهو تعيين الوقت لإظهار عين الممكن .
ج. الخلق = فعل الخلق .
د. الخلق = اسم ، بمعنى المخلوق ، وهو أحد وجهي الحقيقة الواحدة : حق خلق ، وهو يمثل كل صفات الانفعال والتأثر والفقر والمعلولية في مقابل كل صفات الفعل والتأثر والغنى والعلية ( حق ) كما أن كل مخلوق له بعد واحد هو بعد الخلق أي المخلوق ما عدا الإنسان فإنه يتميز ببعدين : خلق وحق فهو خلق حق .

يقول الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي عن حقيقة إخراج الخلق:
" الله لم يخرجنا من العدم المحض المطلق ، بل من وجود لم ندركه إلى وجود أدركناه .

تقول الدكتورة سعاد الحكيم الخَلق الجديد عند الشيخ ابن العربي :
" إن تصور الشيخ الأكبر للعالم ، تصور حي حركي يضاهي التصورات العلمية الحديثة بعد استكشاف الذرة وحركتها الدائمة ، فالعالم يفنى ويخلق في كل لحظة خلقا أزليا أبديا . "بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ" (15) سورة ق


[right] يقول الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي عن حقيقة إخراج الخلق:
" الله لم يخرجنا من العدم المحض المطلق ، بل من وجود لم ندركه إلى وجود أدركناه .

تقول الدكتورة سعاد الحكيم الخَلق الجديد عند الشيخ ابن العربي :
" إن تصور الشيخ الأكبر للعالم ، تصور حي حركي يضاهي التصورات العلمية الحديثة بعد استكشاف الذرة وحركتها الدائمة ، فالعالم يفنى ويخلق في كل لحظة خلقا أزليا أبديا . "بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ" (15) سورة ق

أما المقدمات التي ألزمت الشيخ ابن العربي بهذه النتيجة فهي :أولا : أن لكل ظهور في العالم أصلا إلهيا .
والأصل الإلهي القائل : كل يوم هو في شأن " يستدعي التغير والتبدل والتحول المستمر في صور الكائنات .
كما أن الأصل الإلهي الثاني : الوسع الإلهي ، يقتضي أن لا يتكرر تجل أصلا ، فكل تحول يحدث نتيجة الأصل الأول يؤدي إلى ( مثل ) نتيجة الأصل الثاني .
وثمة أصل ثالث إلهي يقول : إن الله خالق على الدوام ، وهذا يستدعي مضافا إلى الأصلين السابقين : دوام ، تحول صور الكائنات إلى أمثالها .
ثانيا : أما من ناحية الممكنات فقد ساعدت صفاتها الخاصة على تحقق الأصول الثلاثة المتقدمة وتتلخص هذه الصفات بـ:
أ. إن الممكنات والأعيان الثابتة لا تزال في العدم ما شمت رائحة الوجود ، ودوام ظهورها في الحس يقتضي دوام إيجادها في كل لحظة ؛ لأنها فانية معدومة دائما.
ب. إن الممكنات لها الافتقار الذاتي ، فلو استمرت زمنين لاتصفت بالغنى عن الخالق ، وذلك ينافي التفرقة التي شدد عليها الشيخ ابن العربي بين الصفات الذاتية للحق وللخلق ، فالخلق له دوام الافتقار إلى الإيجاد والظهور .
ثالثا : إن التفرقة بين الحق والخلق هي تفرقة اعتبارية محضة ، فالوجود واحد هو الحق الذي يتجلى في كل لحظة فيما لا يحصى عدده من الصور .
إذن : إن الخلق في تغير دائم مستمر أو هو على الدوام في خلق جديد ، بمعنى أن التجلي الإلهي الدائم لم يزل ولا يزال ، ظاهرا في كل آن في صور الكائنات ، وهذا الظهور مع كثرته ودوامه لا يتكرر أبدا ، فالمخلوقات في كل لحظة تفنى أي تذهب صورتها لتظهر مثليتها في اللحظة التالية ، ويجب ألا نقول بوجود فاصل أو انفصال زمني ، بل زمان ذهاب الصورة هو عين زمان وجودها الجديد ، وهذا الخلق الجديد يلتبس على غالبية المخلوقات فيظنون المثل الظاهر في اللحظة الثانية هو عين الأول ، ولا يخلص من هذا اللبس إلا أهل الكشف .

يقول الشيخ عبد القادر الجزائري في الفرق بين الخلق التقديري والخلق الإيجادي:
" ثم بعد ما أوجد الله تعالى الأرواح العالية إيجادا عينيا شهاديا .
عين الله تعالى مرتبة الطبيعة .
ثم عين بعدها مرتبة الهباء ، وهو المسمى بالهيولى في اصطلاح الحكماء .
ثم عين تعالى بعدها مرتبة الجسم الكل .
ثم عين الشكل الكل .
وهذه الأربعة يطلق عليها اسم : الخلق التقديري ، لا الخلق الإيجادي .
فإنها غير موجودة في أعيانها ، وإنما هي أمور كلية معقولة كالأسماء الإلهية ، ومعنى قولنا في هذه الأربعة أنه تعين كذا ثم كذا : أنه تعالى لو أوجدها في العيان لكانت هذه مراتبها مرتبة كما ذكرناها .

يقول الباحث محمد غازي عرابي :
" تنازعوا في الخلق :   فقالوا : من عدم . وقالوا : من وجود أولي هيولي .
وقال العارفون المحققون : الأمر أيسر من هذا وذاك ، فكما تعطي الشجرة ثمرها كذلك ينتج الخلق عن الله . فالفصل غير وارد ما دامت الثمار على الشجرة .
و أقول :
قال تعالى : وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) الأنعام
قال تعالى : قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) سورة طه
قال تعالى : وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) سورة الفرقان

وقالوا : الخلق فعل إلهي في ديمومة ، فكأنما ذاته تقتضي أن تبرأ وتظهر بلا إيجاد من عدم ولا إيجاد من وجود ، بل تتشكل من مادة تكون هيولي ، ثم تتكون ، ثم تعود هيولي في حلقة ليس لها بداية ولا نهاية "كالدائرة" . هكذا تحقيق الأمر عند الشيخ ابن العربي ...
فالله  يدبر الأمر في دوائر فلا عدم مطلق ولا فناء مطلق ولا خلق ولا إخراج ، إذ في كل هذا فصل دون وصل  . ووصل دون فصل .
إذ ليس في الدائرة ثمة فصل ولا وصل وإن كانت كل نقطة في الدائرة قائمة بذاتها مكتملة المعالم والأركان.

يقول الشيخ الحسين بن منصور الحلاج في أصول خلق الخلق:
" خلق الله تعالى الخلق فاعتد لها على أربعة أصول :
1 - الربع الأعلى إلهية .
2 - والربع الآخر آثار الربوبية .
3 - والربع الآخر النورية بين فيها التدبير والمشيئة والعلم والمعرفة والفهم والفطنة والفراسة والإدراك والتمييز ولغات الكلام.
4 - والربع الآخر الحركة والسكون .

يقول الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي في أنواع الخلق:
" يقول الله : " أفمن يخلق كمن لا يخلق " ، فخلق الناس التقدير ، وهذا الخلق الآخر الإيجاد .

ويقول الشيخ نجم الدين الكبرى في أنواع الخلق:" ستة أنواع من المخلوقات وهي : الأرواح والأشباح والنفوس والقلوب والأسرار وسر الأسرار .
فلا مخلوق إلا وهو داخل في جملتها .

ويقول الشيخ حسين الحصني في أنواع الخلق:
" الخلق خلقان : خلق تقدير وخلق إيجاد ، والأمر جبروت بينهما برزخ لا يبغيان"

ويقول الشيخ عبد القادر الجزائري في أنواع الخلق:
" قال تعالى : " الله خالق كل شيء " ، الخلق خلقان:
خلق تقدير منفك ، عن الإيجاد ، وهو المشار إليه بقوله : " وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا " ، أي : قدرتك في العدم ، ولم تك شيئا مقدرا ثابتا في مرتبة الثبوت ، العارية عن الوجود ...
والخلق الثاني مقرون بإيجاد خارجي ، وهو المشار إليه بقوله : " ما غرك بربك الكريم . الذي خلقك فسواك فعدلك " .

يقول الشيخ نجم الدين الكبرى عن أطوار الخلق:
" الله تعالى خلق الخلق أطوارا :
فخلق طورا منها للقرب والمحبة : وهم أهل الله وخاصته إظهارا للحسن والجمال وكانوا به يسمعون كلامه وبه يبصرون جماله وبه يعرفون كماله .
وخلق طورا منها للجنة ونعيمها ، إظهارا للطف والرحمة ، فجعل لهم قلوبا يفقهون بها دلائل التوحيد والمعرفة وأعينا يبصرون بها آيات الحق .
وخلق طورا منها للنار وجحيمها : وهم أهل النار ، إظهارا للقهر والعزة ، أولئك كالأنعام لا يحبون الله ولا يطلبونه بل هم أضل ، لأنه لم يكن للإنعام استعداد الطلب والمعرفة ، وأنهم كانوا مستعدين للمعرفة والطلب ، فأبطلوا الاستعداد الفطري للمعرفة الطلب : بالركون إلى شهوات الدنيا ، وزينتها ، واتباع الهوى ، فباعوا الآخرة بالأولى ، والدين بالدنيا ، وتركوا طلب المولى ، فصاروا أضل من الأنعام لإفساد الاستعداد ، أولئك هم الغافلون عن الله .

يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني في أقسام الخلق:
" الخلق كلهم قسمان أما أهل نظر واستدلال وأما أهل كشف وعيان ".

ويقول الشيخ عبد الغني النابلسي في أقسام الخلق:
" الخلق جميعا على قسمين : موجود ومعدوم .
والمعدوم على قسمين : معدوم وجد ثم انعدم ، ومعدوم لم يوجد بعد .
والمعدوم الذي وجد ثم انعدم على قسمين : 
معدوم حضر وقت وجوده.ومعدوم لم يحضر وقت وجوده ، بل هو سابق عليه بأزمان طويلة ، فيعتقد في المعدوم الذي وجد ثم انعدم ولم يحضر وقت وجوده .

والمعدوم الذي لم يوجد بعد : إن مفعول هذين القسمين غيب عنه ، غير محكوم عنده بشيء من أحوالهما إلا ما أخبره به الصادق في القرآن أو حديث ، من إيمان أو كفر ، أو طاعة أو معصية ، أو ضلال أو هداية ، ونحو ذلك كأحوال الأمم الماضين في إيمانهم وتكذيبهم بالمرسلين.
وكأحوال ما سيحدث في الدنيا من أمور الخلق عند خروج الدجال ودابة الأرض.
وأما القسم الموجود من الخلق ، فعلى قسمين مكلفين ، وغير مكلفين .

يقول الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي عن أجناس الخلق:
" الخلق ... على ثلاثة أجناس :
جنس من الخلق مآلهم إلى أثر الفعل الإلهي : وهو النور ، ومنه الحور والقصور والفرح والسرور ...
وجنس منهم مآلهم إلى الفعل الإلهي ، ومنه معرفة صفات الله تعالى والعلم بالموصوف والمذكور .
وجنس منهم مآلهم إلى الفاعل المختار ، فهم أهل الله وأهل بيته وآله ، فهم أهل النظر إلى وجهه الكريم .
وأهل النظر : أهل السعة الإلهية ، وأهل روح الله وبركاته ، وأهل تحياته وسلامه .

يقول الشيخ نجم الدين الكبرى " إن الله تعالى خلق الخلق على ثلاثة أصناف :
صنف منها الملك الروحاني العلوي اللطيف النوراني ، وجعل غذاءهم من جنس الذكر ، وخلقهم للعبادة .
وصنف منها الحيوان الجسماني السفلي الكثيف الظلماني ، وجعل غذاءهم من جنسهم الطعام ، وخلقهم للعبرة والخدمة .
وصنف منها الإنسان المركب من الملكي الروحاني والحيواني الجسماني ، وجعل غذاءهم من جنسهم لروحانيهم الذكر ولجسمانيهم الطعام ، وخلقهم للعبادة والمعرفة .
فمنهم : ظالم لنفسه ، وهو الذي غلبت حيوانيته على روحانيته ، فبالغ في غذاء جسمانيته وقصر في غذاء روحانيته حتى مات روحه واستولت حيوانيته " أولئك كالأنعام بل هم أضل " ..
ومنهم : مقتصد ، وهو الذي تساوت روحانيته وحيوانيته ، فغذى كل واحدة منهما غذاءها " خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم ".
ومنهم : سابق بالخيرات ، وهو الذي غلبت روحانيته على حيوانيته ، فبالغ في غذاء روحانيته ، وهو الذكر وقصر في غذاء حيوانيته ، وهو الطعام حتى ماتت نفسه واستوت قوى روحه : " أولئك هم خير البرية " .

يقول الشيخ أبو بكر الكلاباذي في خلق أفعال العباد:
" أجمعوا على أن الله تعالى ، خالق لأفعال العباد كلها ، كما أنه خالق لأعيانهم ، وأن كل ما يفعلونه من خير أو شر فبقضاء الله وقدره ، وإرادته ومشيئته ، ولولا ذلك لم يكونوا عبيدا ولا مربوبين ولا مخلوقين ، وقال جل وعز : " قل الله خالق كل شيء " ...
فلما كانت أفعالهم أشياء ، وجب أن يكون الله خالقها ، ولو كانت أفعال غير مخلوقة لكان الله جل وعز خالق بعض الأشياء دون جميعها ."

يقول الشيخ أبو العباس التجاني :" ما خلق الله لنفسه إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، والباقي من الوجود كله مخلوق لأجله معلل بوجوده .
لولا أنه خلق سيدنا محمد ما خلق شيئا من العوالم ، فبان لك أن الوجود كله مخلوق لأجله .

يقول الشيخ عبد القادر الجزائري في أن المخلوق مرآة الخالق:" يقال في العلم الإلهي : المخلوق مرآة الخالق - تعالى - يرى فيها أسماءه ، أو قل : يرى ذاته متعينة ببعض أسمائه . والخالق تعالى النور الوجود مرآة المخلوق ، يرى المخلوق صورته في مرآة الوجود النور- تعالى - فإنه كالمرآة لظهور صورة المخلوق به.


يقول الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي في حكمة خلق الخلق:" خلق الله الخلق ليكمل مراتب الوجود ، وليكمل المعرفة في الوجود أي ليكمل وجود تقاسيم المعرفة ، فخلق الخلق ليعرفوه ... فبقي من مراتب المعرفة أن يعرفه الكون فتكمل المعرفة ، فأوجد الخلق وأمرهم بالعلم به ، وكذلك الوجود ينقسم إلى قديم ومحدث ، فلو لم يخلق الكون ما كملت مراتب الوجود .

يقول الشيخ أبو بكر الواسطي في حكمة خلق الدنيا:
" الله تعالى خلق الدنيا إظهارا لقدرته .

يقول الشيخ ابن عطاء الأدمي في حكمة خلق العرش:" خلق تعالى العرش إظهارا لقدرته لا مكانا لذاته .

يقول الغوث الأعظم عبد القادر الجيلاني في تأويل قوله تعالى : "ثم أنشأناه خلقا آخر ":
" الخلق الأول مشترك . وهذا الخلق مفرد .
يفرده عن إخوانه وأبناء جنسه من بني آدم يغير معناه الأول ويبدله ، يصير عاليه سافله ، يصير ربانيا روحانيا يضيق قلبه عن رؤية الخلق ، وينسد باب سره عن الخلق ، يصور له الدنيا والآخرة والجنة والنار وجميع المخلوقات والأكوان شيئا واحدا ، ثم يسلم ذلك الشيء إلى يد سره فيبتلعه ولا يتبين فيه : يظهر فيه القدرة كما أظهرها في عصا موسى عليه السلام ."

يقول الإمام القشيري :
" وإنما يمتاز العوام عن البهائم بسوية الخَلق ، ويمتاز الخواص عن العوام بسوية الخُلق ."

يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي :وما الخلق في التمثال إلا كثلجة    ..... وما الثلج في تحقيقنا غير مائه
ولكن يذوب الثلج يرفع حكمه ......     تجمعت الأضداد في واحد إليها
وأنت بها الماء الذي هو تابع ......     وغير أن في حكم دعته الشرائع
ويوضع حكم الماء والأمر واقع  ..... وفيه تلاشت وهو عنهن ساطع

يقول الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي :" حق الخلق : هي عبوديته ، فنحن عبيد وإن ظهرنا بنعوته ، وهو ربنا وإن ظهر بنعوتنا .

يقول الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي في الفرق بين عالم الخلق وعالم الأمر:
" عالم الأمر ما وجد عن الله لا عند سبب حادث ، وعالم الخلق ما أوجده الله عند سبب حادث ، فالغيب فيه مستور" .

يقول الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي عن الخُلق الإلهي :" لكل جزء من الأرض روحانية علوية تنظر إليه ، ولتلك الروحانية حقيقة إلهية تمدها ، وتلك الحقيقة هي المسماة : خُلقا إلهيا".


مصطلح : الإنسان الكبير - الإنسان الصغير

أطلق الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي اسم الإنسان الكبير على العالم ، وفي نفس الوقت أطلق لفظ العالم الصغير على الإنسان محققا بذلك ثنائية لفظية نهج عليها الصوفية مع بعض الاختلافات ، فيقول :
1- " أن العالم بأسره إنسان كبير وروحه الإنسان الكامل من نوع الإنسان الصغير الذي هو رابطة الاستمداد والإمداد  .
2- " الإنسان عالم صغير ، والعالم إنسان كبير  .
3- " الإنسان وإن صغر جرمه عن جرم العالم فإنه يجمع جميع حقائق العالم الكبير ، ولهذا يسمي العقلاء العالم إنسانا كبيرا ، ولم يبق في الإمكان معنى إلا وقد ظهر في العالم فقد ظهر في مختصره " .


يقول الشيخ محمد أبو المواهب الشاذلي :
الإنسان الكبير من ظهر بمختلفات التقدير"  .


يقول الشيخ ابن قضيب البان عن الإنسان الكبير :
: " الإنسان الكبير : هو ثمرة من عرش الشجرة الكونية ، وهو الوجه الذي به عرفت الصورة الوجودية ، وبه خص شهود معرفتها  .

 
تقول الدكتورة سعاد الحكيم مصطلح الإنسان الكبير عند الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:
" بماذا أغنى ابن العربي الطائي الحاتمي مفهوم هذا المصطلح الإنسان الكبير ؟
وهل فرق بين حدي التشبيه ، أي بين الإنسان الصغير والإنسان الكبير ، أم تركهما على مطابقتهما السابقة في الفلسفات التي تقدمت عصره ؟ " .
وتقول : " إن العالم أو الإنسان الكبير عند الحاتمي ، حصر في كونه جميع حقائق الخلق والإمكان ، فكان أحد وجهي الحقيقة الكبرى ( وجه الخلق في مقابل وجه الحق ) .
ولكن لا تكتمل للعالم هذه الجمعية إذا أخرجنا الإنسان من جملته ، فبه تكتمل صورة العالم . أما إذا استثنينا منه الإنسان كان كالجسد دون روح ، إذن فقد الجمعية والصورة .
إن الإنسان جزء من صورة العالم بينما العالم ليس جزءا من صورة الإنسان فالإنسان وحده عالم بذاته ، والعالم ليس عالما بذاته من دون الإنسان . يقول ابن العربي الطائي الحاتمي :
" فإنه ( الإنسان ) مجموع العالم من حيث حقائقه ، فهو عالم مستقل وما عداه فإنه جزء من العالم ... فالإنسان روح العالم والعالم الجسد ، فبالمجموع يكون العالم كله هو الإنسان الكبير والإنسان فيه   .


يقول في خصائص الإنسان الكبير الشيخ عبد الحميد التبريزي :
الإنسان الكبير : هو العالم ، بدنه : الأفلاك ، العناصر : أخلاط بدنه ، النفس الكلية : نفسه ، العقل الكلي : عقله ، حقيقة الحقائق : روحه ، سره وخفاه : الحق تعالى  .

يقول الشيخ عبد الغني النابلسي في ذكر بعض خصائص الإنسان الكبير:
" بالروح والجسم يتم الإنسان الكبير ومثله الإنسان الصغير ، وكما أن الروح لا تفتر عن الخواطر ليلا ونهارا فكذلك روح الإنسان الكبير لا تفتر عن نفخ الأرواح المظلمة والمنورة ، كما أن الجسم لا يخلو من عمل حسن أو قبيح ، فكذلك جسم الإنسان الكبير لا يخلو من تصوير الأجسام الحسنة والقبيحة  .

يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي عن الإنسان الكل :
الإنسان الكل : على الحقيقة هو القرآن العزيز"  .


يقول الشيخ عبد الحميد التبريزي عن الإنسان الكلي:
" الإنسان الكلي : هو العالم مثل الإنسان الجزئي بعينه "  .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي عن الإنسان المفرد :
الإنسان المفرد هو العبد الكامل الذي يمشي في منازل الأسماء الإلهية ، وهي تسعة وتسعون ، التاسع والتسعين منها هي الوسيلة ، وليست إلا لمحمد ، والثمانية والتسعون لنا كالثمانية والعشرين من المنازل للقمر .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي عن رأس الأسماء :
" رأس الأسماء الذي استوجب منه جميع الأسماء : إنما هو الإنسان الكبير ، وهو الكامل  .

تقول الدكتورة سعاد الحكيم : " المطول البسيط : عند ابن العربي هو اسم آخر للعالم : الإنسان الكبير ، في مقابل الإنسان المختصر  .
 
ويقول كمال الدين القاشاني عن العالم  :
" العالم : هو ظل الثاني ، وليس إلا وجود الحق الظاهر بصور الممكنات كلها ، فلظهوره بتعيناتها سمى باسم السوى والغير ، باعتبار إضافته إلى الممكنات إذ لا وجود للممكن إلا بمجرد هذه النسبة وإلا فالوجود عين الحق . والممكنات ثابتة على عدميتها في علم الحق وهي شؤونها الذاتية ، فالعالم صورة الحق والحق هوية العالم وروحه .
وهذه التعينات في الوجود الواحد أحكام إسمه الظاهر الذي هو مجلى لاسمه الباطن.
ويقول : " العوالم : يعنون به عالم الجبروت وعالم الملكوت وعالم الشهادة".

يقول الشريف الجرجاني :
" العالم : عبارة عن كل ما سوى الله من الموجودات ، لأنه يعلم به الله من حيث أسمائه وصفاته"  .
 
بقول الشيخ أحمد السرهندي العالم :
"هو مرايا للكمالات الصفاتية ، ومجالي للظهورات الأسمائية ، وهذا المظهر ليس عين الظاهر ، اذ الظل ليس نفس الأصل.
ويقول : " العالم : هو عبارة عن العدمات التي انعكست عليها أسماء الواجب وصفاته في موطن العلم ، ووجدت تلك العدمات مع تلك العكوس في الخارج بإيجاد الحق سبحانه بوجود ظلي.

تقول الدكتورة سعاد الحكيم " العالم عند ابن العربي : هو الإنسان الكبير  .

يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي :
" النفس الكلي : هو النور الإلهي المنطبع فيه الموجودات"  .

يقول الشيخ عبد الحميد التبريزي :
" النفس الكلية : وهي جوهرة روحانية بسيطة قابلة للصور والفضائل من العقل الفعال على الترتيب والنظام "  .
ويقول : " النفس الكلية : هي نفس الإنسان الكبير الذي بدنه جسم الكل ، فهي نور بسيط مجرد تطلع من شمس عالم الملكوت التي هي العقل الكلي على عالم الشهادة كلها عاليها وسافلها كليها وجزئيها ، ونسبتها إلى جميع الأفراد بالسوية ويتعين بالصورة الجسمية ، ويصير بها جسم كليا ، فالجسم لباسها وصورتها  .

تقول الدكتورة سعاد الحكيم عن ميزان العالم : " ميزان العالم عند ابن العربي هو الانسان ، وذلك للمثلية .
فالعالم هو الانسان الكبير والإنسان : هو العالم الصغير .
ولهذه المثلية كان الإنسان ميزان العالم ، كما كان يحفظ العالم بوجوده من الاندراج في العدم  .


مصطلح الإنسان : الإنسان
الإنسان في اللغة : 1. كائن بشري . 2. من يتميز بسمو خلقه  .
 
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي عن الإنسان :
الإنسان : هو سر الأعيان  .
الإنسان : هو الفاتحة التي هي الكتاب الجامع  .
ويقول : " الإنسان : هو مجموع ما عند الله  .
ويقول : " الإنسان : كتاب جامع لجميع الكتب الإلهية والكونية  .
ويقول : " الإنسان ( بالحقيقة ) : هي النفس العاقلة ، وهي جوهر واحد في جميع الناس .
يقول : " الإنسان : مخلوق في أحسن تقويم ، مردود إلى أسفل سافلين ، يعلم المجهول ويجهل المعلوم ، له التكوين والتمكين ، إن رقي فإلى الغاية ، وإن هبط فإلى النهاية .
وهو المبدأ به في العد والتعيين ، الوجود منه أخذ ؛ والكل عنه وارد فالمطلوب أنت لو كشف لك عنك ، والسر فيك لو برز لك منك .
الحجاب أنت لو أزلته ، والنور ظاهر فيك لو شهدته . ما برز عنك إلا بما بطن فيك ، ولا بطن فيك إلا بما ظهر عنك .
نورك سابق لظلمتك ، وتوحيدك مركوز في أصل فطرتك ، مقيد أنت بتركيب صورتك ، مطلق ببسط روحانيتك . الجمال يحييك ويثبتك ، والجلال يعفيك ويمحقك .

يقول الشيخ فريد الدين العطار :
" الإنسان : هو صورة الله ، ليس ماء وطينا ولكنه سر قدسي  .

يقول الشيخ نجم الدين الكبرى :
" الإنسان : هو مركب من عالمي الأمر والخلق . فله روح نوراني من عالم الأمر وهو الملكوت الأعلى ، وله نفس ظلمانية سفلية من عالم الخلق ، ولكل واحدة منهما ميل إلى عالمهما فقصد الروح إلى جوار رب العالمين وقربه ، وقصد النفس إلى اسفل السافلين وغاية البعد عن الحق  .


يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي عن الإنسان :
" الإنسان : نسخة  الحق عز وجل كاملة .
ويقول : " الإنسان ... هو من له جسد وهو صورته ، وروح وهو معناه ، وسر وهو الروح ، ووجه وهو المعبر عنه : بروح القدس ، وبالسر الإلهي ، والوجود الساري  ."

 يقول الشيخ علي الخواص الإنسان :
هو مجموع العقل والنفس والروح وفيه انطوى العالم الأكبر  .

يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني :
" الإنسان : هو اسم الله الأعظم  .
ويقول : " الإنسان : ظل الله  .
 
يقول الشيخ ابن قضيب البان :
" الإنسان : هو نقطة الفلك لمدار الوجود .
الإنسان : هو ثمرة شجرة الكون المبنية ، ونواتها المغروسة في الأرض البيضاء.

يقول الشيخ محمد بهاء الدين البيطار :
" الإنسان :حقيقة واحدة ظهرت بحكمين مختلفين واسمين متقابلين ، فبهذا الاعتبار كان المؤمن مرآة أخيه فإن ظهر الحق فالخلق باطنه ، وإن بدا الخلق فالحق باطنه ، ولولا هذا الاختلاف الحكمي لانطمس اسم الحق واسم الخلق في عين الذات ، فلأجل هذه الحكمة لا يشهد في مرآة الذات إلا الأسماء ، ولا يشهد في مرآة الأسماء إلا الذات فنحن الإنسان الأسماء وهو الذات  .
ويقول : " الإنسان : هو حقيقة واحدة هي الظاهرة في صور مراتب الوجود "..

 يقول الشيخ أحمد بن عجيبة :
الإنسان : هو الناشئ في العالم المتوسط بين ملكه وهو بشريته ، وملكوته وهو روحانيته أو بين ملكه وهو عالم الأشباح وملكوته وهو عالم الأرواح ، فهو من ملك وملكوت  .
ويقول : " الإنسان : هو المجموع من الجسد والروح ، فهو بنفسه عالم متوسط أي مركب من ملك وملكوت إنما يكون نسخة من العالم أو كونا صغيرا ما لم تغلب روحانيته على بشريته ومعناه على حسه ونوره على ظلمته ، وأما إن غلبت روحانيته ومعناه على حسه فقد صار ملكوتيا جبروتيا ، قد استولى على الكون بأسره ، وصار هو العالم الأكبر والكون نسخة منه  .

 
يقول الشيخ عبد القادر الجزائري :
" الإنسان : هو حضرة الجمع والوجود ، فليس لحضرة الجمع والوجود صورة إلا الصورة الإنسانية ، لأنها بسطت فيه ولم تنقبض عنه . إذ لا مرتبة أنزل من هذه المرتبة ، فهو غاية تنزلها ، والحق غاية عروجها . فكان الإنسان صورة حضرة الجمع والوجود فرجعت إليه حقائق الموجودات بأسرها ، رجوع الفرع إلى الأصل ... ولذلك صار مظهرا لجميع الحقائق ؛ لأن حضرة الجمع والوجود متصور بصورة كل حقيقة من حقائق الموجودات وهي الإنسان . ومن ثم كان الإنسان وجودا مطلقا لسريان حكمه في أقسام الوجود ظاهرا بظاهر ، وباطنا بباطن ، علويا بعلوي وسفليا بسفلي . ومن ثم استحق الخلافة ووجب أن يسجد له من استخلف عليهم  .


تقول الدكتورة سعاد الحكيم ( الإنسان ) في اصطلاح الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
أولا : الإنسان من جهة إطلاق اللفظ
ترى الدكتورة أن المراد بلفظة ( الإنسان ) عند الشيخ الأكبر هي المرتبة الإنسانية وهي واحدة لا غير ، تتحقق بشكلها الكامل في ( الإنسان الكامل ) ، والذي يعتبر عند الشيخ الأكبر هو الإنسان فقط ، وما عداه يطلق عليه اسم إنسان لتشابهه مع ( الإنسان الكامل ) في أمرين :

1. التشابه في الشكل
كل فرد من أفراد الجنس البشري يسمى إنسانا ، سواء تحقق بالمرتبة الإنسانية أو لم يتحقق ، ولكن تعميم التسمية بهذا الشكل غير جائز عند الشيخ ؛ لأن منطلق هذا التعميم هو الشبه الصوري بين أفراد الجنس البشري ليس إلا .
فالإنسان الكامل والإنسان الحيوان يطلق عليهما نظرا للتشابه في الشكل لفظ ( إنسان ) .

يقول ابن العربي الطائي الحاتمي :
" تقول في زيد إنه إنسان ، وفي عمرو إنه إنسان ، وإن كان زيد قد ظهرت فيه الحقائق الإلهية وما ظهرت في عمرو ، فعمرو على الحقيقة حيوان في شكل إنسان.

2. التشابه في صفة:
يطلق ابن العربي الطائي الحاتمي لفظ الإنسان على ثلاث مراتب وجودية مختلفة نتيجة لتشابهها بصفة معينة وهذه المراتب هي :
أ . مرتبة الإنسانية أو ( الإنسان الكامل ) .
ب . مرتبة العالم أو الإنسان الكبير .
ج . مرتبة القرآن أو الإنسان الكلي .
يقول ابن العربي الطائي الحاتمي : " ما في الوجود إلا ثلاث أناسي :
الإنسان الأول الكل الأقدم ، والإنسان العالم ، والإنسان الآدمي  .
 

ثانيا : الإنسان من جهة المضمون
الآن وبعد أن بحثنا كلمة ( إنسان ) من جهة اللفظ ، ننتقل إلى المضمون وسبب التسمية ، نبدأ أولا باستبعاد التعريف الارسطي للإنسان بأنه ( حيوان ناطق ) وبيان أنه لا يتفق مع ما يستنبط شهود أهل الكشف في القرآن والحديث .


يقول ابن العربي الطائي الحاتمي :
" فالكل ( الجماد والنبات والحيوان ) عند أهل الكشف حيوان ناطق بل حي ناطق ، غير أن هذا المزاج الخاص يسمى إنسانا لا غير بالصورة ووقع التفاضل بين الخلائق بالمزاج ...
قال تعالى :" وإن من شيء إلا يسبح بحمده " وشيء نكرة ، ولا يسبح إلا حي عاقل عالم بمسبحه ، وقد ورد : " أن المؤذن يشهد له مدى صوته من رطب ويابس "  .
يتضح من النص أن النطق ليس صفة خاصة بالإنسان ، بل الكل حتى الجماد هو ناطق عند أهل الكشف ، ويقدم أبن عربي دليلين من القرآن والسنة .
إذن ، التعريف الارسطي لا يتفق وشهود أهل الكشف ، فلننظر ماذا يقدمون ؟

يقول ابن العربي الطائي الحاتمي :
" فأراد ( الهو ) أن يرى نفسه رؤية كمالية تكون لها ويزول في حقه حكم ( الهو ) فنظر في ( الأعيان الثابتة ) فلم ير عينا يعطي النظر إليها هذه الرتبة
( الأنانة ) إلا عين الإنسان الكامل ، فقدرها عليه وقابلها له ، فوافقت إلا حقيقة واحدة نقصت عنه ، وهي وجودها لنفسها ، فأوجدها لنفسها ، فتطابقت الصورتان من جميع الوجوه .
وقد كان قدر تلك العين على كل ما أوجده قبل وجود الإنسان من عقل ونفس وهباء وجسم وفلك وعنصر ومولد ، فلم يعط شيء منها رتبة كمالية إلا الوجود الإنساني ، وسماه إنسانا : لأنه أنس الرتبة الكمالية ، فوقع بما رآه الأنس له ، فسماه إنسانا  .
ويقول : " إن معنى الإنسانية هو : الخلافة عن الله ، وأن الخلافة عن الله مرتبة
تشمل : الولاية ، والنبوة ، والرسالة ، والإمامة ، والأمر والملك . فالكمال الإنساني بكمال هذه المراتب ، وهو مركوز في الإنسان بالقوة منذ آدم إلى آخر مولود ...  .

نخلص من النصين السابقين إلى :
1. أن حقيقة الإنسان مرآة رأى فيها ( الهو ) نفسه ، وظهر بتلك الرؤية ، وإمكانية تلك الرؤية نتجت عن حقائق أتاحت للإنسان المضاهاة ، فهو وحده اختصر في كونه الحقائق الإلهية فكان مرآة أنست الرتبة الكمالية لكمال حقيقتها الجامعة لجميع الحقائق الإلهية والكونية ، ولذلك سميت تلك الحقيقة إنسانا .

2. الإنسانية مرتبة الخلافة عن الله ، وكل


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد يوليو 07, 2019 11:28 pm عدل 8 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثانية الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 7:45 am

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثانية الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثانية الجزء الأول :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
1 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
قوله رضي الله عنه :  (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه .)
1- فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا فص الحكمة الآدمية بدأ به لأن الله تعالى بدأ هذه النشأة الإنسانية بآدم عليه السلام فهو مفتاح باب العالم الكمالي.
(فص) وهو موضوع النقش من الخاتم والخاتم، هو الدائرة الواقعة في الأصبع، والدائرة منقلبة دائمة فهي القلب.
وفي الحديث: «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن» والإصبعان تثنية إصبع.
"رواه مسلم في صحيحه بلفظ: «إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء".
ثم قال رسول الله : «اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك».
وكون قلب المؤمن بين إصبعين، أي لا يتخلى عنه إصبع منهما، فهو منتقل من أحدهما إلى الآخر.
ولهذا تجد القلب تارة في خاطر خير وتارة في خاطر شر، وخاطر المباح من خاطر الخير.
لأن المؤمن لا يضيع له عملا بلا قصد حسن، والنيات تجعل العادات عبادات، فالقلب هو الدائرة المستديرة على إصبع الحق تعالى من حيث اسمه الرحمن.
وفص الخاتم هو الجسد الآدمي الجامع بالإجمال والاستعداد لكل ما هو مرشح له من أنواع الكمال.
كما أن النواة تجمع النخلة وتحويها إجمالا واستعدادا، والأرض والماء والتربة تخرجها منها .
ثم إن هذا الفص منقوش بجميع ما تضمنته تلك النفس من الكمالات والعلوم، والمقصود من الخاتم إنما هو الفص، والمقصود من الفص النقش فيه.
فالنقش سر الخاتم وهو الذي يظهر للوارث النبوي من علم مورثه، وهو المراد هنا بذكر جميع الفصوص.
(حكمة) أي نشأة، ولما كان هذا الهيكل الجسماني ظاهرة في هذا العالم الذي هو عالم الحكمة، يسمى حكمة لجريان أموره في دنياه على ما تقتضيه الحكمة، وأما في عالم الآخرة وهو عالم القدرة.
فالظهور للنفس لا للجسم، فكما أن النفس في الجسم في الدنيا .
فالجسم في النفس في الآخرة والحكمة باطنة في الآخرة.
والقدرة ظاهرة وفي الدنيا بالعكس
(إلهية) أي منسوبة إلى الإله تعالى وهو المعبود، والمعبود يلزم أن يكون عنده حاجة كل عبد، فيلزم أن يكون موصوف بجميع الصفات الكمالية والجلالية والجمالية، والصفات إذا ظهرت كانت أسماء.
قال تعالى : "وعلم آدم الأسماء كلها" 31 سورة البقرة.
وهذا التعليم لآدم ?ان بإظهاره تعالى الحقيقة الآدمية جامعة لآثار جميع التجليات الإلهية فهي ظهورات الصفات ، فهي الأسماء التي علمها، وحين علمها إنما علم نفسه فعلم ربه .
وفي الحديث : «من عرف نفسه فقد عرف ربه» .
(في كلمة)، أي حقيقة من حقائق الحق تعالى على حد ما سبق بيانه في الكلم (آدمية)، أي منسوبة إلى آدم عليه السلام أبي البشر.
واعلم أن فص هذه الحقيقة الآدمية وكذلك فصوص بقية الحقائق الآتية إنما تظهر للوارث ويقرأ نقشها في كل وقت على حسب استعداده في ذلك الوقت .
فيتكلم على حسب ذلك الاستعداد ويظهر له في وقت آخر أعلى من ذلك أو أدنى منه، وكذلك يظهر لغيره من تلك الحقيقة غير ذلك.
فيكون الكلام على حسب الوقت، وهذه عادة أهل الله على الدوام، فلا تظن أن التكلم على هذه الحقائق النبوية بهذه الكلمات يحصر هذه الحقائق فيما ذكر.
ولا تظن أيضا أن المتكلم بهذه الكلمات في هذه الحقائق انحصر علمه بها فيما تكلم به من ذلك والله أعلم.
لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله، لكونه متصفا بالوجود، ويظهر به سره إليه.
فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرأة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل و لا تجليه له.
(لما شاء)، أي حين أراد، وهذا من ضرورة التعبير، وإلا فإن مشيئة الله تعالی لا تتقيد بزمان .
(الحق) وهو الله تعالى من حيث تحققه وثبوته في ذاته العلية لا من جميع الحيثيات، إذ العالم كله إنما هو موجود ووجد ويوجد في حضرة واحدة من حضرات الله تعالى.
وهي حضرة الحق وباقي الحضرات لا وجود للعالم فيها أبدا، ولما كانت كل حضرة إلهية جامعة لكل الحضرات جمعت حضرة الحق المذكورة التي وجد فيها هذا العالم لجميع الحضرات الإلهية .
ومن المعلوم أن كل حضرة إذا جمعت جميع الحضرات ?ان جمعها لذلك على حسبها لا على حسب ما الحضرات عليه بالنسبة إليها فقط .
فحضرات حضرة الحق كلها حق، فأول حضرة ظهرت فيها حضرة الله، ثم حضرة الرحمن، ثم حضرة الرب، ثم باقي الحضرات.
وكل حضرة من هذه الحضرات الظاهرة جامعة لجميع الحضرات أيضا على وجه مخصوص
( سبحانه) تنزيها له تعالى عن خطرات الأوهام وعن لمحات الأفهام.
ثم لما كان الاسم الحق وكذلك جميع الأسماء الإلهية دالة على شيئين : الذات وما يعينها عند الغير من الخصوصيات، وكان الكلام الآن في صدد بيان هذه النشأة الآدمية.
قال (من حيث)، أي من جهة (أسمائه)، أي أسماء الحق تعالى ولم يقل أوصافه، لأن الوارد في الكتاب والسنة لفظ الأسماء لا الأوصاف ، ولأن الاسم غير الصفة بحسب المفهوم.
وأقرب الوسائط إلى الكائنات بين الحق تعالى وبين الكائنات الأسماء والأوصاف أعلى منها، فالوصف ما قام بالموصوف والاسم ما عين للمسمى عند غيره (الحسنی)، أي ذات الحسن بمعنى النزاهة التامة عن مشابهة الحوادث التي لا يبلغها)، أي لا يحويها ولا يحيط بها
(الإحصاء)، أي العدد الضبط، وذلك ، لأن الله تعالى في ظهور كل ذرة من ذرات السموات والأرض وذرات كل شيء ظهور اسم إلهي خاص، لا ظهور له في تلك الذرة ولا في غيرها من الذرات قبل ذلك ولا بعده .
وهكذا الشأن دائما من ابتداء فتق الوجود إلى ما لا نهاية له في نار أو جنة فلهذا كانت أسماء الله تعالى لا تبلغ الإحصاء. ..
واعلم أن الحق تعالی من حيث ذاته العلية لا خبر عنه في الأكوان ولا كلام فيه عند ذوي الكمال والنقصان، لأنه من هذه الحيثية غني عن العالمين ومجهول على الإطلاق عند جميع المخلوقين.
وأما من حيث أسمائه الحسني التي لا يبلغها الإحصاء فهو الموصوف المعروف المخبر عن نفسه الظاهر الباطن في حضرات قدسه
وقد شاء أزلا من هذه الحيثية (أن يرى)، أي يعاين ويشاهد (أعيانها)، أي أعيان تلك الأسماء الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء.
والمراد بأعيانها ذاته العلية متعينة في كل حضرة منها.
(وإن شئت قلت) في هذا المعنى بعبارة أخرى وهي لما شاء الحق سبحانه من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء.
(أن يرى عينه)، أي ذاته ظاهرة (في) صورة (?ون)، أي خلق، ولا يلزم من كونه يرى ذاته ظاهرة في صورة كون أن تكون ذاته من حيث هي تحولت عن إطلاقها الكلي إلى صورة من الصور الممكنة.
وصارت في حد ذاتها صورة كون، وإنما المراد رؤيتها كذلك ، فإن من يرى ذاته رؤية حقيقية مطلقة من سائر القيود على ما هي عليه في نفسها يقدر أن يراها ظاهرة في الصورة التي يمكن أن تظهر له فيها من غير أن يتغير عما هي عليه
(جامع) ذلك الكون لجميع المؤتلفات والمختلفات (يحصر) ذلك الكون الجامع الأمر الإلهي المطلق فيظهر به مقيدا  (لكونه)، أي لكون الجامع (متصفا بالوجود)
بعد الاتصاف بالعدم، ومعلوم أن الوجود للأمر الإلهي فإذا اتصف المعدوم به ?ان ذلك الاتصاف بسبب حصره للأمر الإلهي، وظهر الأمر الإلهي كله به.
وفي نسخة أخرى لكونه متصفا بالوجوه، أي لكون هذا الكون الجامع متصفا بالوجوه الكثيرة والاعتبارات المختلفة والنسب التي لا تحصى.
كما قالوا إن الله تعالى في طي هذا العالم عوالم كثيرة لا يعلم بعدها إلا الله تعالى . وقال بعض المریدین : أدخلني شيخي خمسمائة عالم هذه السموات والأرض عالم منها.
(ويظهر) معطوف على يحصر أي يتضح وينكشف (به)، أي بذلك الكون الجامع (سره)، أي سر الحق سبحانه وسره تعالى ذاته من حيث كونها معلومة له، والسر هو الأمر الخفي وذاته تعالى لولا علمه تعالى بها لخفيت عنه (إليه)، أي إلى الحق تعالى إذ هو العالم والمعلوم والشاهد والمشهود.
ولهذا قالوا : إن علم الله تعالى بالعالم كله هو علمه بذاته تعالى من غير مغايرة.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه .)
1 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
اعلم أن الفص في هذا الكتاب على أربعة معان:
أحدها: الفص الكلمة نص على ذلك بقوله: وفص كل حكمة الكلمة المنسوبة إليها بجعل الفص مبتدأ والكلمة خبرا.
و بقوله : فتم العالم بوجوده فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم فبهذا المعنى يكون أرواح الأنبياء بمنزلة الفص من الخاتم و وجوداتهم بمنزلة الخاتم من الفم .
وثانيها: الفص القلب وإليه أشار بقوله: نص حكمة نفثية و غيره من الفصوص المذكورة بعده بجعل الفص مبتدأ والظرف أعني في كلمة سادا مسد الخبر .
وحينئذ يكون قلوب الأنبياء بمنزلة الفص من الخاتم وأرواحهم بمنزلة الخاتم من الفص.
وثالثها: الفص الحكمة أي العلوم المنتقشة في أرواحهم وإن شئت قلت : في قلوبهم لقوله : منزل الحكم على قلوب الكلم وحينئذ يكون علومهم بمنزلة الفص من الخاتم وأرواحهم بمنزلة الخاتم من الفص .
وإليه أشار بقوله : ومما شهدته مما نودعه حكمة إلهية ولم يذكر الفصوص في عدد الحكم إشعارة بإطلاق النص على الحكمة .
ورابعها: الفص خلاصة الحكمة فقد نص عليه بقوله فأول ما ألقاه المالك على العبد في حكمة إلهية الخ .
فيكون الخلاصة بمنزلة الفم من الخاتم والحكمة بمنزلة الخاتم من النص .
فبهذه الأربعة تم الغرض من التشبيه وهو إعلام دورية الوجود في المراتب كلها (فأول ما ألقاه) مبتدأ و(فص) خبره مضاف إلى (الحكمة) إضافة العام إلى الخاص وهي بمعنی من لجواز إطلاق النص عليها و (في كلمة آدمية) ظرف للحكمة الإلهية فيكون المعنى فأول ما ألقاه المالك على العبد خلاصة العلوم الإلهية الحاصلة في كلمة آدمية .
فظهر لك أن المراد بالفص ههنا بمعنى الخلاصة وإنما قدم ببان هذا النص علی تعداد حكمه مع أن دأب المصنفين عكسه تعظيما لشأنه لاشتماله على جميع ما يشتمل عليه الفصوص المذكورة في الكتاب مع زيادة .
فكأنه يستحق أن يكون كتابة مستقلا مقابلا لسائر الحكم. (لما شاء الحق) أي لما اقتضى الحق بالحب الذاتي.
هذا شروع في بيان حقيقة الكلمة الآدمية مع لوازمها من الحتمية والخلافة والفصية وغيرها إلى قوله : "ثم نرجع إلى الحكمة" لتوقف معرفة الحكمة على معرفتها حتى نعلم منه حكمة إيجاد العالم لما ههنا عبارة عن الإمداد المعنوي من الأزل إلى الأبد بمقارنة المشية الأزلية .
ولم يقل لما أراد جريا للكلام على عادة الناس فإن عادتهم في حصول مراداتهم التعليق بالمشيئة لا بالإرادة .
الحق هو اسم للذات الثابت بنفسه المثبت لغيره ولم يقل الله مع أنه أنسب للمادة ليعلم أن السلطنة في إيجاد الكون الجامع لهذا الاسم وسائر الأسماء الحسنی توابعه لذلك، ذلك فردا.
حيث قال : لما شاء الحق وجمعا بقوله من حيث أسماؤه الحسنى فإنه من الأسماء الحسنی فقد ذ?ر ت?رارا إجمالا وتفصيلا تعظيما لشأنه (من حيث أسمائه الحسنى) أي من حيث أنه جامع لأسمائه الحسنى (التي لا يبلغها الإحصاء) أي لا يمكن العد إلا لله لأنها غير متناهية.
(أن يري أعيانها) هذه صفة لله تعالى وعلة غائية لايجاد الكون الجامع لاقتضاء هذه الإيجاد أن يكون علته الغائية من جانب الموجود و من كمالاته.
وأما قوله تعالى : "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " 56 سورة الذاريات.
أي ليعرفون فهو صفة للمخلوقات وعلة غائبة لإعطاء الحق وجوداتهم الخاصة بهم بحسب الأوقات .
فذلك الإيجاد يقتضي أن تكون العلة الغائية من طرف المعلول و?مالاته فلا وجه لإيراد الشارح في هذا المقام .
قوله تعالى : "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف " الحديث . لأنه صريح في بيان العلة لإيجاد الجزئيات .
والمقصود ههنا بيان العلة الغائية لإيجاد المادة الكلية فتختلف العلتان الغائیتان باختلاف الإيجادین.
(وإن شئت قلت أن يرى عينه) فقد أسند المشية المتعلقة بالرؤية بقوله أن يرى أعيانها إلى الفيض المقدس وإلى الفيض الأقدس.
بقوله : أن يرى عينه وأشار إلى اتحادهما بقوله: وإن شئ (في كون) أي في موجود (جامع بحصر الأمر) المطلوب رؤيته .
وهو أعيانها أو عينه قوله : لكونه علة للحصر أي الموجود الجامع متصفا بالوجود الجامع بين النشأة الروحانية والجسمانية.
كما قال فيما بعد فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود (ويظهر به) أي بسبب الكون الجامع (سره) أي سر الحق وهو عينه (إليه) أي إلى الحق لكونه محلا بالجزء الأخير الذي هو آدم فقوله : ويظهر إشارة إلى أنه لا بد من الجلاء لعدم الظهور بدونه
وقوله : في كون جامع يحصر الأمر يدل على العلة المادية بالمطابقة و علی الصورية بالتضمن وعلى الفاعلية بالالتزام.
وقوله : ويظهر يدل على العلة الغائية فالتعريف مشتمل على العلل الأربع:
يعني لما اقتضت ذات الحق بالحب الذاتي أن يرى ذاته بجميع أسمائه في خارج علمه في مرآة يحصل مراد الله تعالى فيها
وقد علم الله في علمه الأزلي أن هذه المرأة هي الموصوفة بالصفة المذكورة
أوجده من العلم إلى العين فهي النشأة الإنسانية المسماة بكلمة آدمية
فجواب لما شاء محذوف للعلم به أي لما شاء أن يرى عينه في العين أوجد الكلمة الآدمية من العلم إلى العين ليوصل مطلوبه تعالى فتم المقصود .
وهو رؤية الله تعالى عينه في الموجود المكمل بالصفات المذكورة .
وهي الجمع والحصر وإظهار سره إليه .
فإنه إذا لم يكن على هذه الصفة لم يكن مرآة للرؤية المطلوبة ويظهر بالرفع معطوف على يحصر ولا يحسن أن يعطف على يري لمنع الضمير العائد في به إلى الكون .
كما لا يخفى مع أن قوله أن يرى عينه دون أن يقول أن يبصر أو يعلم أو يظهر أو غير ذلك من الصفات التي تحصل له بوجود هذا الكامل .
إيماء وتنبيه على أن تعلق الحب الذاتي أولا وبالذات إلى الرؤية وإلى غيرها بتبعية الرؤية .
فإنه تعالى أشد شوقا إلى اتصافه بهذه الصفة من غيرها .
فإذا عطف قوله ويظهر على قوله : يرى تفوت هذه الفائدة، و لأن الظهور من أسباب الرؤية .
فما لم يكن الشيء ظاهرة لم يكن مرئيا فلا يعطف عليه في هذا المحل المطلوب سببیته .
يعني ويظهر به سره إليه حتى يرى عينه لظهور سره إليه بسبب الكون الجامع. ولما يوهم كلامه سؤالا وهو أن ما ذكرتم من أن المقصود من إيجاد العالم رؤية الله تعالى نفسه.
يدل على أن الرؤية علة غائية للإيجاد وليس كذلك لأن رؤية الله تعالى نفسه صفة أزلية ثابتة له قبل وجود العالم.
والعلة الغائية بحسب الوجود الخارجي يجب أن يكون موجودة بعد وجود المعلول فلا يتوقف ثبوت الرؤية له على وجود العالم.
بل الذات تستقل بها كسائر الصفات فلا يتعلق الغرض لأجلها إلى إيجاد العالم أراد أن يجيب عنه ويثبت دعواه على طريق الشكل الأول.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه .)
فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
قلت: يعني أن العالم الكبير كالخاتم وآدم بمنزلة الفص منه و نقش الخاتم بمنزلة ما أودع آدم، عليه السلام، من علم الأسماء كلها قال تعالى: "علم آدم الأسماء كلها" (البقرة: 31).
قوله: "لما شاء الله من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها".
وإن شئت قلت: أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر، لكونه متصفا بالوجود. "
قلت: استعمل لفظ «لما» مجازا، لأن مشية الله تعالی لیست زمانية.
وقوله: "من حيث أسماؤه الحسنى" إشارة إلى ما أودع آدم، عليه السلام، من الأسماء الحسنى التي اقتضت حقائقها أن تظهر في كون جامع، والمراد بالكون الجامع ههنا هو آدم، عليه السلام.
ومعنى قوله"أن يرى أعيانها"، أي يرى كونا من الأكوان محسوسا في الوجود العینی، پری الاسم الحی حقیقته فيه مثلا، فكان ذلك الكون هو آدم، عليه السلام، حيث اتصف بالحياة، فسمي الحي.
فقد رأى الاسم الحي عينه محسوسة من حيث هي في محسوس ولولاه أو أمثاله كان الاسم الحي معقولا فقط، بل لا يكون معقولا بل معلوما الله تعالی فقط، وكان الاسم الحي طلب الظهور في حضرة المحسوس وهو آدم وبنوه مضافا إلى ظهوره في حضرة العلم الإلهي وكذلك القول في كل اسم من الأسماء الحسنی.
قال: وإن شئت قلت أن يرى عينه يعني الحق تعالی وذلك لأن آدم، عليه السلام، مجموع أسمائه تعالى في وجود، هو في الحقيقة من عين وجوده تعالی فإذا نظر الحق تعالى إلى آدم، عليه السلام، رأى نفسه وهذا أمر سوف يذكره، رضي الله عنه، فيما يأتي في هذا الفص من هذه الحكمة التي نحن في شرحها.
فإن قلت: إنك قدمته أن أسمائه تعالى لا يبلغها الاحصاء أي أنها لا تتناهي وقد علمت أن ما لا يتناهى لا يقول له مجموع.
فالجواب: أنها تتجمع في الكليات فيدرك الكلي ويدرك أن مفرداته هي غير متناهية فقد أدركنا ما لا يتناهى من كليات هي مفردة وسيأتي بيان أن الحقيقة الإنسانية أيضا لا تتناهي فيدرك من ظهرت به من تلك الحقيقة من آدم أو من بنيه بها ما لا يتناهى.
ومعنى قوله: يحصر الأمر كله، لكونه متصفا بالوجود.
قلت: يعني أن حقيقة آدم بمنزلة المركز والأسماء الإلهية والكونية ومعاني الكليات أيضا بمنزلة النقط في محيط الدائرة ولا شك أن المركز يواجه كل نقطة في المحيط بمواجهة غير مواجهة النقطة الأخرى والمركز في نفسه لا ينقسم ولا يتجزأ ولا يقدح تعدد النقاط ومواجهاتها في وحدانيته.
قوله: "ويظهر به سره إليه".
قلت: يعني يظهر ما كان سرا في قوة قدرته تعالى التي تظهر أحكامها بظهور المقدورات ولا شك أن ظهور ما بالقوة إلى الفعل أكمل من بقائه في القوة وكمال الجناب المقدس في قوته ما لا يتناهى من الأكملیات فيقتضي الحال ظهورها فهي تظهر في الأعيان فيراها تعالى رؤية منزهة لكن من حضرة الحسیات وقد أودع تعالى جميع معاني الأسماء الكونية في آدم مرتبطة بالأسماء الإلهية وكلا الأمرين كان سانحا له في سر علمه الأقدس.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه .)
1. فصّ حكمة إلهية في كلمة آدميّة
قال رضي الله عنه : ( وأوّل ما ألقاه المالك على العبد من ذلك ) .
خصّص رضي الله عنه إضافة الإلقاء إلى المالك إشارة إلى أنّه محكوم مأمور أمين على ما يذكره ، فقد ملَّكه الله المالك في الصور المحمدية ، فهو يتلقّى ما يلقى إليه .
ويلقي ، ويلقى منه وإليه وعليه : يملي ويملى ، فأوّل ما تعيّن من النقوش الحكميّة نقش الحكمة الإلهية الأحدية الجمعية .
قال رضي الله عنه : ( فصّ حكمة إلهية في كلمة آدميّة ).
قد سبق الكلام في الفصّ والحكمة ، وأمّا اختصاصها بآدم فهو أنّ كلّ واحدة من " الحكمة " و "الكلمة " حقيقة ظاهر الأحدية الجمعية الكمالية الكلَّية في مرتبتي الفاعل والقابل .
فالحكمة الإلهية ظاهرية أحدية جمع الحكم الكمالية الأسمائية الكلَّية في الحقائق العقلية المؤثّرة.
والكلمة الآدمية ظاهرية جمع المظهريات الجمعية الكمالية الإنسانية البشرية فإنّه أبو البشر ، والبشر منسوبون موصوفون ببنوّته وهو منعوت بأبوّتهم ، وكلَّهم أولاده ، وجميع هذه الأشخاص البشرية صور تفصيل بشريّته وآدميّته .
وهو أحديّة جمعهم قبل التفصيل إذ للأحدية الجمعية الكمالية مرتبتان إحداهما قبل التفصيل لكون كلّ كثرة مسبوقة بواحد هي فيه بالقوّة ، هو يذكَّر قوله تعالى :
"وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ من بَنِي آدَمَ من ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ " آية 172 سورة الأعراف.
فإنّه لسان من ألسنة شهود المفصّل في المجمل مفصّلا ، ليس كشهود العالم من الخلق في النواة الواحدة النخيل الكامنة الكائنة فيها بالقوّة فإنّه شهود المفصّل في المجمل مجملا لا مفصّلا .
وشهود المفصّل في المجمل مفصّلا يختصّ بالحقّ وبمن شاء الحقّ أن يشهد من الكمّل ، وهو خاتم الأولياء وخاتم الأنبياء وورثتهما ، فافهم .
فكما أنّ الإلهية في حقائق الأسماء عينها آخرا ، والأسماء فيها عين الإلهية كذلك أوّلا قبل التفصيل الوجودي وبعده هو فيهم هم ، كما قال تعالى : " خَلَقَكُمْ من نَفْسٍ واحِدَةٍ " آية 1 سورة النساء.
وقد ذكر سرّ أحدية الجمع في مواضع من هذا الشرح على ما سيأتيك في شرح الفصّ الشيثي إن شاء الله تعالى .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( لمّا شاء الحقّ سبحانه) أضاف المشيّة إلى الاسم « الحقّ » لكون هذه المشيّة متعلَّقة بالإيجاد ، حتى تتحقّق الأسماء في مظهريته موجودة في أعيانها ، وتظهر في مظاهرها ، وتظهر آثارها محقّقة مشهودة في محالّ مناظرها ومجالي محالَّها ومظاهرها لأنّ الاسم " الحق "يعطي الحقّيّة بالتحقيق والوجود ، والأسماء الإلهية كانت في قبضة قهر الأحدية الجمعية الإلهية الذاتية أحدية لا ظهور لها لعدم مظاهرها في أعيانها .
وهي العوالم « و كان الله ولا شيء معه غيره » وكانت كثرة الأسماء " كنت كنزا مخفيّا " أشار إلى عينه من حيث تعيّنه بكناية حرف التاء وهو تعيّنه بذات اللاهوت كنزا جامعا لجواهر حقائق الأسماء والمسمّيات.
إذ الكنز ذهب وفضّة وجواهر مجتمعة في الغيب .
والكنز مخفيّ عن الأغيار وإن كان ظاهر التحقّق والتعيّن في عينه « فأردت أن أعرف ».
أي يعرفني كلّ تعيّن تعيّن من تعيّناتي في مظاهري ومرائيّ ومجاليّ التي ليست ذات الألوهية بل نسبتها ، فهذه المشيّئة تجلّ من الله من حيث حقائق التعيّنات الأسمائية المستهلكة للأعيان.
فشاء الحقّ من حيث الأسماء أن يعطيها التحقّق في أعيانها بالوجود والإيجاد ، والتحقّق في حاقّ حقائقها للشهود والإشهاد على رؤوس الأشهاد ولأنّ تحقّق هذه المشيّة مسبوق بتحقّق الذوات في نفسها ، وتحقّق المشيّة المطلقة مطلق للذات وعينها .
ولهذا أشار بقوله : " لمّا شاء "  فإنّ هذه العبارة دالَّة على المسبوقية في الرتبة والحقيقة والعين ، لا في الزمان والوجود الظاهر ، فافهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( من حيث أسمائه الحسني التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها وإن شئت قلت : أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كلَّه لكونه متّصفا بالوجود) .
فصرّح أنّ هذه المشيّة من قبل الأسماء وحقائقها من كونها فيه هو .
وفي قوله : " لا يبلغها الإحصاء " يشير إلى أنّ شخصيات الأسماء لا تحصى فإنّها لا تتناهى لكون الأسماء تعيّنات إلهية في حقائق الممكنات التي لا تتناهى على ما يأتيك إن شاء الله تعالى وإن كانت أمّهات الأسماء محصاة من حيث تعيّناتها الكلَّية.
وهي مائة إلَّا واحدا هو عين الكلّ ، أو ألف وواحد فأضاف المشيّة إلى الاسم « الحق » من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء لأنّ هذه الإضافة إلى الاسم « الحق » أحقّ إذ هو حق كلّ اسم ، وبه حقيقة ذلك الاسم وتحقّقه .
والاسم هو الحق المتعيّن في أيّة مرتبة إلهية كان بالوجود .
ثم الاسم يستدعي تسمية ومسمّى ومسمّيا .
والمسمّى اسم مفعول هو الحق ، والمسمّي اسم فاعل هو القابل المعيّن للوجود الواحد المطلق عن قيد التعيّن من حيث ما فيه صلاحية قبول التعيّن لا من حيث اللاتعين والإطلاق مطلقا .
والتسمية هي التعيين لفعل القابل وتأثيره في الوجود المطلق والفيض الخالص الحقّ بالتعيين والتقييد ، فالاسم علامة على المسمّى بخصوص حقيقته التي بها يمتاز عن غيرها من الحقائق .
ولكل اسم اعتباران :
اعتبار من حيث الذات المسمّاة ، واعتبار من حيث ما به يمتاز كل اسم عن الآخر وهو حجابية الاسمية .
فإن اعتبرنا المسمّى ، فهو الحق المتعيّن في مرتبة ما من المراتب التعيّنية ، وإن اعتبرنا الاسمية ، فعلامة خاصّة ودلالة معيّنة معيّنة للمدلول المطلق بخصوص مرتبتها ، فنفس تعيّن الوجود الحقّ بالإلهية في كل قابل قابل هو الاسم .
ولمّا كانت تعيّنات الوجود الحقّ وتنوّعات تجلَّيه وظهوره في قابليات الممكنات غير المتناهية غير متناهية .
لذلك  قال رضي الله عنه: « لا يبلغها الإحصاء » لأنّ الذي يبلغها الإحصاء متناه ، والتعيّنات الوجودية بالنفس الرحماني لا تتناهى ، فلا تحصى فلا يبلغها الإحصاء .
وأمّا أسماء الإحصاء ، فهي كلَّيات حقائق الوجوب والفعل والتأثير ، فهي مائة إلَّا واحدا .
وبيان سرّ ذلك أنّ الأسماء في حقائقها تنقسم إلى أسماء ذاتية ، وإلى أسماء صفاتية ، وإلى أسماء فعلية.
فإذا ضربنا الثلاثة الفردية في نفسها للتفصيل والبسط ، خرجت تسعة ، وهي آخر عقود الآحاد في مرتبة الأعداد .
والتسعة في مرتبة العشرات تسعون ، وهي مرتبة المجازاة الثانية ، فإنّ الواحدة بعشر أمثالها .
كما قال تعالى :"من جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَه ُعَشْرُ أَمْثالِها " لكون المجازاة لها المرتبة الثانية من عمل الإحصاء.
إذ المجازاة إنّما تقع من الأسماء الإلهية المحصاة في أعيان أعمال العباد ، والعشرة نظير الواحد في المجازاة .
ونسبة الواحد إلى العشرة كنسبة العشرة إلى المائة ونسبة المائة إلى الألف كذلك نسبة الواحد إلى العشرة .
فالواحد في الحقيقة هو العشرة والمائة والألف في مراتب العشرات والمئات والألوف ، ولهذا وقع في الواقع في الأعداد الهندسيّة إشارة من باب الإشارات .
فلمّا كانت أسماء الإحصاء هي المجازية للعبيد المتخلَّقين والمتحقّقين بها ، والعشرة هي الكاملة في المجازاة ، ظهرت التسعة في مرتبة العشرة تسعين ، وأضيفت إلى الأصل وهي التسعة الحاصلة من ضرب الثلاثة المرتبيّة في نفسها كما مرّ فكانت تسعة وتسعين ، فافهم .
ولأنّ هذه الأسماء من وجه عين المسمّى بها ، ومن وجه غيرها ، كان المسمّى وهو الحقّ الظاهر في مراتب وجوده ، والمتعيّن بالتجلَّي في عين القابل المتجلَّى له وتعديده وتعيينه وتقييده وتكييفه وتحديده.
كان المسمّى بهذه الأسماء التي هو مدلولها تمام المائة من حيث كونها غيرها ، وغير محصى بالتعيين لكونها عينها .
فلهذا قال : « إنّ لله تعالى مائة اسم إلَّا واحدا » ، فهذا الواحد هو عين التسعة والتسعين ، وعين الألف والواحد على ما روي في مرتبة الإحصاء أنّها ألف وواحد ، ظهر في آخر كلَّيات مراتب العدد ، كما خفي في أوّلها وأوسطها .
وهو أيضا كذلك عين الأسماء التي لا يبلغها الإحصاء فإنّها التعينات الوجودية النورية ، وتنوّعات التجلَّيات النفسية الجودية ، والكمالات الإلهية لا تنفد ، ولا يبلغها الإحصاء ، ولا يحصرها تعديد النعماء والآلاء ، فافهم .
واعلم : أنّ الحقّ من حيث هذه التجلَّيات والتعينات الذاتية أزلا وأبدا يريد أن يرى أعيانها في كون جامع يحصر الأمر ، فإنّه كان ظاهرا قبل ظهورها لأنفسها له تعالى ، ورؤيتها إيّاها أيضا في مظاهر غير جامعة ولا حاصرة لحقائق السرّ والجهر ودقائق البطن والظهر .
وتجلَّيه تعالى في المظاهر النورية الجمالية يخالف تجلَّيه في المجالي الظلالية الجلالية .
وظهوره في القوالب السفلية ، وجميع هذه المظاهر غير جامع لرؤيته نفسه ولا حاصر للأمر .
ولهذا قال رضي الله عنه : " لمّا شاء الحق " على صيغة تقتضي المسبوقية بعدم هذه المشيّة المقتضية لظهوره له في الكون الجامع ، بعد ظهوره في الأكوان غير الجامعة وإن كانت مشيّته في رؤيته.
ورؤيته لأسمائه وصفاته ونسب ذاته سابقة التعلَّق على الظهور الأسمائي في العالم قبل الكون الجامع.
ولكن من حيث ظهور الإنسان من حيث الصورة العنصرية لمظهريّتها .
فإنّ تعلَّق المشية آخر بموجب الترتيب الحكمي الوجودي .
فإنّ الإنسان أوّل بالحقيقة ، والآية في البداية ، آخر في الغاية والنهاية ، ظاهر بالصورة ، باطن بالسرّ والصورة جامع بين الأوّلية والآخرية ، والباطنية والظاهرية .
وجمعيّته لكونه برزخا جامعا بين بحري الوجوب والإمكان والحقّية والخلقية .
وأمّا حصره الأمر فلكونه موجودا بالرتبة الكلَّية الجامعة بين المراتب ، ولكون الأمر محصورا في نفسه بين الوجود والمرتبة .
فلمّا كانت مرتبته كلية جامعة بين مرتبتي الحقّية والخلقية ، والربانية والعبدانية ، تمّ بعين الوجود الحق في مظهريته بحسبها كليا جمعيا أحديا ، والمرتبة منحصرة بين الحق الواجب والخلق الممكن ، معمورة  بهما ، فالحق أبدا حق ، والخلق أبدا خلق .
والوجود في مرتبة الحقية حق ، وفي مرتبة الخلقية خلق ، وفي النشأة الجامعة حق خلق جامع بينهما مطلقا عن الجمع بينهما أيضا ، فالدائرة الوجودية كما سبق محيطة بقوسين ، ومنقسمة بقسمين ، ومنصّفة بشطرين على قطرين :
فالشطر الأعلى للحقيّة والوجوب ، فإنّ الفوقية والعلوّ حق الحق.
والشطر الأدنى للكون والخلق .
والبرزخ يظهر بالنعتين ، ويصدق عليه إطلاق الحكمين ، وله الجمع بين البحرين ، وليس له نعت ذاتي سوى الجمعية والإطلاق فله أن يظهر مظهرية الأسماء والمسمّيات والذات على الوجه الأوفى .
وفي حقّه يصحّ أن يقال :
يرى أعيانها أو يرى الحقّ نفسه في كون جامع .
فإنّ رؤية الحقّ نفسه في كون غير جامع لما هو عليه ليست كرؤيته نفسه في مرآة كاملة جامعة لظهور آثاره وأحكامه تماما .
كما قال : ( أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر لكونه متّصفا بالوجود ) فإنّه كان يرى عينه في عينه رؤية ذاتية عينية غيبية ، ويرى حقائق أسمائه وصفاته مستهلكة في ذاته رؤية أحدية ، وشهوده عينه وأعيان أسمائه في الكون الجامع شهود جمعيّ بين الجمع والتفصيل .
ويجوز أن يقول :
أن يرى أعيانها ، أو يرى عينه فرادى وجمعا .
ويجوز أن يقول   : الكلمة مبنيّة للمفعول في الوجهين ، فانظر ما ذا ترى .
قال رضي الله عنه : ( ويظهر به سرّه إليه ).
وفي " يظهر " أيضا يصدق جميع الوجوه المذكورة من الإعراب لكونه عطفا على « يرى » ، ثم الضمير في « إليه » و " به " سائغ العود إلى الحقّ وإلى المظهر الجامع .
فإنّ ظهور السرّ الكامل الكامن إنّما يكون بالحق المتجلَّي بالتجلَّي التعريفي في قوله : « أحببت أن أعرف فخلقت الخلق وتعرّفت إليهم فعرفوني ».
[size=24]ولكن في الكون الجامع وبالكون الجامع ، فإنّ الحقّ تعالى شأنه من حيث كونه أحبّ إظهار سرّه الكامن ، وجلا حسنه الباطن إبداء ك


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:41 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثانية الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 7:50 am

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثانية الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثانية الجزء الثاني:
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه .)
1 -  فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
لما استعار الفص لنوع الإنسان وحقيقته المعبر عنه بآدم ، كما قال في نقش الفصوص وأعنى بآدم وجود العالم الإنسانى ، على أن العالم كالخاتم والإنسان كفصه كان قلب كل إنسان عارف باللَّه كامل فصا هو محل حكمته المخصوصة به .
كما قال : منزل الحكم على قلوب الكلم ، فإن لكل نبى مرتبة من الكمال هي جملة علوم وحكم متحدة بأحدية الاسم الإلهي الذي هو ربه .
فلذلك نقل الفص من قلبه الذي هو محل حكمته إلى الفص المشتمل على تلك الحكمة وسماه به للمناسبة .
ثم لما كان الإله المطلق الذي هو معبود الكل بذاته وجميع صفاته لا يتجلى إلا في هذا النوع فخص الفص المشتمل على الحكمة الإلهية بالكلمة الآدمية
( لما شاء الحق سبحانه ) المشيئة : اقتضاء الذات لما يقتضيه العلم فهي لازمة لجميع الأسماء ، لأن كل اسم إلهى هو الذات مع صفته فمقتضى الذات لازم لكل اسم
ولهذا قال ( من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء ) أي لما شاء مشيئة ذاتية أزلية نافذة في جميع الأسماء بحسب تطلب الكل أي الذات مع جميع الأسماء
( أن يرى أعيانها ) بظهورها وظهورها اقتضاؤها لوجود العالم مع ما فيه حتى الإنسان ولهذا قال ( وإن شئت قلت أن يرى عينه ) لأن أعيانها عينه باعتبار كثرة التعينات والنسب ( في كون جامع يحصر الأمر كله ) وهو الإنسان الكامل والعالم معه .
قوله ( لكونه متصفا بالوجود ) علة لرؤيته تعالى عينه في الكون الجامع أي لكون ذلك الكون الجامع متصفا بالوجود وذلك لأن الوجود الإضافي عكس الوجود الحقيقي المطلق.
فإن الحقيقي المطلق الواجب المقوم لكل شيء الذي هو الحق تعالى إذا ظهر في الممكن تقيد به وتخصص بالمحل فكان ممكنا من حيث التخصيص والتقيد .
وكل مقيد اسم فهو اسمه النور من حيث الظهور وكان كعكس صورة الرائي في المرآة المجلوة التي يرى الناظر صورته فيها. وفي بعض النسخ لكونه متصفا بالوجوه .
فهو علة للحصر أي يحصر الأمر الإلهي كله لكونه متصفا بالوجوه الأسمائية فإن كل اسم وجه يرى الحق نفسه فيه بوجه ويرى عينه من جميع الوجوه في الإنسان الكامل الحاصر للأسماء كلها واللام في الأمر للاستغراق أي يحصر الأمور كلها أو بدل من المضاف إليه بمعنى أمره وهو إيجاده
( ويظهر به سره إليه ) منصوب عطفا على يرى ، أي يرى عينه في كون جامع ويظهر بذلك الكون سره ، أي وجوده الخفي إليه أو مرفوع عطفا على يحصر ، أي في كون يحصر الأمر ويظهر سر الحق تعالى به إليه وإليه صلة ظهر بمعنى له يقال ظهر له وإليه بمعنى .
وقد وجدت في نسخة قرأها الشيخ العارف مؤيد الدين الشارح للكتاب هذا على الشيخ الكامل صدر الدين القنوى بخطه بالوجوه .
وفي نسخة : ويظهر بالنصب والرفع معا.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه .)
1 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
قوله: (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء) شروع في المقصود.
ولما كان وجود العالم مستندا إلى الأسماء وكان الإنسان مقصودا أصليا من الإيجاد، أولا في العلم وآخرا في العين ، نبه على أن الحق تعالى من حيث أسمائه الحسنى أوجد العالم.
وبين العلة الغائية من إيجاد العالم الإنساني، وهي رؤيته تعالى ذاته بذاته في مرآة عين جامعة إنسانية من مرايا الأعيان .
كما قال: "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فتحببت إليهم بالنعم، فعرفوني".
فهذا القول كتمهيد أصل يترتب عليه ظهورالحكم الكلية من الأسماء الإلهية في مظاهرها.
واستعمل (لما شاء) مجازا، إذ هو مشعر بحصول المشية بعد أن لم تكن، وليس كذلك، لكونها أزلية وأبدية.
وجواب (لما) محذوف. تقديره: لما شاء الحق أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كله، لكونه متصفا بالوجود ويظهر به سره، أوجد آدم، عليه السلام.
أو يكون قوله: (فاقتضى الأمر) جواب (لما) ودخول الفاء في الجواب للاعتراض الواقع بين الشرط والجزاء وهو قوله: (وقد كان الحق أوجد العالم)... والأول أظهر.
ومشيئته تعالى عبارة عن تجليه الذاتي والعناية السابقة لإيجاد المعدوم، أو إعدام الموجود. وإرادته عبارة عن تجليه لإيجاد المعدوم. فالمشيئة أعم من الإرادة.
ومن تتبع مواضع استعمالات(المشية) و (الإرادة) في القرآن يعلم ذلك، وإن كان بحسب اللغة يستعمل كل منهما مقام الآخر، إذ لا فرق بينهما فيها
والمراد بالأسماء الحسنى، الأسماء الكلية والجزئية، لا التسعة والتسعون فقط المروية في الحديث.
لذلك قال: (التي لا يبلغها الإحصاء) أي، العدد. فإن الأسماء الجزئية غير متناهية، وإن كانت كلياتها متناهية.
وقد سبق معنى (الاسم)و (اسم الاسم) في الفصل الثاني من المقدمات.
وإنما جاء بالحق الذي هو اسم الذات ليتبين أن هذه المشية والإرادة للذات بحكم المحبة الذاتية التي منها وإليها، لكن ليس للذات من حيث هي هي مع قطع النظر عن الأسماء والصفات، وليست لها، أيضا، من حيث غنائها عن العالمين، بل من حيث سمائها الحسنى التي بذواتها وحقائقها تطلب المظاهر والمجالي، لتظهر أنوارها المكنونة وتنكشف أسرارها المخزونة فيها التي باعتبارها .
قال تعالى: "كنت كنزا مخفيا". - الحديث.
قوله: (أن يرى أعيانها وإن شئت قلت أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كله)
بيان متعلق المشية. والمراد بقوله: (أعيانها) يجوز أن يكون الأعيان الثابتة التي هي صور حقائق الأسماء الإلهية في الحضرة العلمية.
ويجوز أن يكون نفس تلك الأسماء التي هي أرباب الأعيان والماهيات الكونية.
ويجوز أن يكون تلك الأعيان، الأعيان الخارجية.
لذلك قال: (وإن شئت قلت، أن يرى عينه) أي، عين الحق.
فإن جميع الحقائق الأسمائية في الحضرة الأحدية عين الذات وليست غيرها، وفي الواحدية عينها من وجه وغيرها من آخر.
و (الكون) في اصطلاح هذه الطائفة، عبارة عن وجود العالم، من حيث هوعالم، لا من حيث إنه حق، وإن كان مرادفا للوجود المطلق، عند أهل النظر.
وهو هنا بمعنى المكون. أي، شاء أن يرى أعيان أسمائه أو عين ذاته في موجود جامع لجميع حقائق العالم، مفرداتها ومركباتها، بحسب مرتبته يحصر ذلك الموجود أمر الأسماء والصفات من مقتضياتها وأفعالها وخواصها ولوازمها كلها.
و (اللام) في قوله (الأمر) للاستغراق، أي جميع الأمور الإلهية، أو عوض من الإضافة.
و (الأمر) بمعنى الفعل. أو يحصر الشأن الإلهي في مرتبته فيكون بمعنى الشأن، وهو أعم من الفعل لأنه قد يكون حالا من الأحوال من غير فعل.
أويحصر ما تعلق به الأمر الذي هو قوله: (كن). فحينئذ يكون مجازا من قبيل إطلاق الملزوم وإرادة اللازم.
و (الكون الجامع) هو الإنسان الكامل المسمى بـ (آدم). وغيره ليس له هذه القابلية والاستعداد.
والسر في هذه المشيئة والحصر، أن الحق تعالى كان يشاهد ذاته وكمالاته الذاتية المسماة بـ (الأسماء)، ومظاهرها كلها في ذاته بذاته في عين أوليته وباطنيته مجموعة مندمجة بعضها في بعض.
فأراد أن يشاهدها فيحضرة آخريته وظاهريته كذلك، ليطابق الأول الآخر والظاهر والباطن، ويرجع كل إلى أصله.
فقوله: (لكونه متصفا بالوجود ويظهر به سره إليه) تعليل للحصر لا للرؤية.
فإن الحق يعلم الأسماء وأعيانها ومظاهرها، ويراها ويشاهدها من غير ظهور الإنسان الكامل ووجوده في الخارج.
كما قال أمير المؤمنين على، كرم الله وجهه: "بصير إذ لا منظور إليه من خلقه".
إلا أن تحمل "الرؤية" على الرؤية الحاصلة في المظهر الإنساني، فإن هذه الرؤية أيضا للحق. وحينئذ يكون تعليلا لها فيكون معناه: إنه شاء أن يرى الأعيان أو عينه بآدم في آدم لكونه متصفا بالوجود الحق، إذ هو من حيث ذاته معدوم ومن حيث الوجود الحق موجود.
وله قابلية ظهور جميع أسرار الوجود فيه، فصار بالاتصاف به، والقابلية المذكورة كونا حاصرا لجميع أمر الأسماء وخصوصياتها.
لأن وجود الملزوم يوجب وجوداللازم، سواء كان بالواسطة أو غيرها.
وقوله: "ويظهر به سره إليه" يجوز أن يعطف على قوله: "يحصر الأمر"
فيرفع وإنما أخره عن قوله: "لكونه متصفا بالوجود" ليكون تتمة من التعليل، يجوز أن يعطف على "يرى" فينصب.
وضمير "به" عائد إلى "الكون الجامع".
وضمير "سره" و "إليه" عائد إلى "الحق".
و (إليه) صلة (يظهر) يقال: ظهر له وإليه. والمراد ب "السر"عين الحق وكمالاته الذاتية، فإنها غيب الغيوب كلها.
كما قيل: "وليس وراء عبادان قرية". أي، شاء أن يشاهد عينه وكمالاته الذاتية التي كانت غيبا مطلقا في الشهادة المطلقة الإنسانية في مرآة الإنسان الكامل .
ويجوز أن يقال، إنه تعليل للرؤية من غير أن يحمل أنها في المظهر الإنساني، ومعناه: أنه تعالى، وإن كان مشاهدا نفسه وكمالاته في غيب ذاته بالعلم الذاتي ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
لكن هذا النوع من الرؤية والشهود الذي يحصل بواسطة المرايا، لم يكن حاصلا بدونها، لأن خصوصيات المرايا تعطى ذلك، فشاء الحق أن يشاهدها كذلك أيضا.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه .)
"فص: في اللغة، عبارة عن ملتقى الحكم الإلهية المشتملة على قوسي الأحدية والواحدية، فالملتقى هو الوحدة الصرفة التي هي القلب المحمدي وقلب كل نبي قبله، والحكمة هي العلم بوضع الأشياء موضعها.
والإلهية هي مرتبة جامعة لجميع الأشياء، والكلمة هي العين الفاضلة الجامعة الفاصلة المانعة كأعيان الأنبياء عليهم السلام، 
والأدمية هي المنسوبة إلى آدم عليه السلام حقيقة الحقائق الإنسانية، وأراد رضي الله عنه بآدم وجود العالم الإنساني."
(لما) أي: ما يتزين به، ويكمل العلم اليقيني المتعلق بحقائق الأسماء الإلهية، وظهوراتها بصورها وآثارها ظهر ذلك العلم بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى آدم أبي البشر اللي حيث علم الأسماء كلها، وهي الأسماء الإلهية والكونية بظهورها فيه، واطلاعه على ما ظهر فيه لما جواب الشرط، وهو أوجد آدم محذوف بقرينة قوله.
فكان آدم عين جلاء تلك المرآة، (شاء الحق تعالی) اختار هذا اللفظ لثبوت معناه لله عز وجل في كل حال من غير توقف على أمر بخلاف بعض أسمائه تعالى الدالة على النسب؛ فإن اعتبارها يتوقف على المنتسبين، وإن كان الكل قديما في الواقع (من حيث أسمائه) لا الذات وحدها.
فإنه باعتباره غني عن العالمين، فالتجلي الذاتي لا بد وأن يكون مع اسم، وإن لم يلتفت إليه، والأسماء تطلب الظهور في المظاهر الكونية من حيث تضمنها النسب، ووصف الأسماء بقوله: (الحسنی)؛ لأن التجلي، وإن كان باسم جلالي؛ فهو أيضا من حيث الظهور له جمال.
ولذلك قيل: لكل جلال جمال هو دنوه من المظاهر وتأنسه بها، وبقوله: (التي لا يبلغها الإحصاءأشار إلى أن لكل كلي وجزئي من العالم اسما خاصا إلهيا يؤتيه، ولا نهاية لها، وأراد الله عز وجل أن يظهر بها في الكون الجامع مجتمعة كاملة يحصل لظهوره بها إجمال بعد التفصيل، وهو الظهور في الأكوان المتفرقة القاصرة. (أن يرى أعيانها) أي: صورها الكاملة
كأنها أعياها لكمال هذا المظهر الذي هو في غاية الصقالة بحيث تتم مطابقة الصور الظاهرة فيه لدى الصورة بخلاف سائر المظاهر .
(وإن شئت قلت) لما شاء الحق من حيث أسمائه الحسنى (أن يرى عينه)؛ لأنها عند اجتماعها لا تغاير الذات مغایرتها عند افتراقها لعدم اعتبار مفهوماتها المتغايرة حينئذ يكون لها أحدية الجمع بالرجوع إلى الإجمال بعد التفصيل
(في كون) أي: موجود حادث (جامع) لأسرار الأسماء الإلهية والكونية بحيث
(يحصر الأمر) أي: شأن الظهور الإلهي من جميع وجوهه (لكونه متصفا بالوجود) أي: وجوه ظهوراته في أسمائه، وسائر مظاهره، وفي أكثر النسخ «بالوجود) أي: بصورته الكاملة التي كأنها نفسه، فاجتمعت وجوه ظهوراته في ظهوره فيه، (ويظهر به سره إليه) أي: وشاء أيضا أن يجعله عارفا بسه، وهو الذات والصفات بجعله مظهرا الصور الأسماء الإلهية وآثارها كلها التي كانت فيه بالقوة بحيث يصير الكل سرا واحدا بعد التفرق في العالم ليعود إلى وحدته التي كان عليها في مرتبة الذات.
وهذه المعرفة مقصودة بالذات كما قال: "?نت ?نزا مخفيا؛ فأحببت أن أعرف".

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه .)
اعلم أنّ الحقائق الكشفيّة والمعارف الحقيقيّة التي هي مدلولات الألفاظ بالذات إذا أريد دلالتها عليها بحسب مفهوماتها الوضعيّة ومعانيها اللغويّة والعرفيّة تنزّلا إلى مدارك الأفهام ، لا يتصوّر ذلك إلَّا بضرب من التمثيل ونوع توسّل إلى وجوه المناسبات بين المعاني المتداولة العاميّة وبين تلك الحقائق ، ضرورة سعة دائرة المعاني وضيق مجال تلك المدلولات الجعليّة .
ثمّ إنّ « الفصّ » له وجوه من الخصوصيّات والنسب التمثيليّة بها يستكشف ما قصد منه من المعارف ، ومنها يستنبط ما أراد به من دقائق الحقائق :
منها أنّه قد انطوى على قوسي الخاتم ، واشتمل على أحديّة جمع دائرته .
ومنها أنّه الخاتم بما انطبع فيه من الصور المعرب عن كليّتها .
ومنها أنّه تابع لقالبه من الخاتم في المربعيّه والمثلثيّة والمدوّريّة وغيرها ، ومستتبع لما يرد عليه ويحويه .
ولمّا كان قلب الإنسان الكامل له الانطواء على قوسي الوجوب والإمكان وله الانطباق على أحديّة جمع خاتم الكمال بضلعي الوجود والشهود ، كما أنّ له أن يعرب عمّا فيه من صور الحقائق ، وينبئ عن أحديّة جمعيّتها ، وكذلك له صورة تابعة لمزاج الشخص ، كما أنّ له أن يستتبع تجلَّي الحقّ ويصوّره بصورته .
 على ما نصّ عليه الشيخ في الفصّ الشعيبي : « إنّ القلب من العارف والإنسان الكامل بمنزلة محلّ الخاتم » في تصوير التجلَّي بصورته - وسّم الفصل المعرب عمّا اختصّ به كلّ من الكمّل وتحقّق به قلبه من صورة تجلَّى الحقّ فيه ب « الفصّ » تنبيها على ذلك كلَّه .
و «الحكمة» عبارة عن حقائق كلّ ما تضمّنه التجلَّي المذكور ، من الحيثيّة الكماليّة الظاهرة بحسب الاسم المناسب للمتجلَّى له ، المعبّر عنه بـ «الكلمة» ، وفصّها هو أحديّة جمع تلك الحقائق ، وفوقيّة صورتها التماميّة الختميّة .
التي بها يتشخّص ويصير واحدا ، فهو عين الكلمة ووجهها الوجودي الظاهر هي به إلى الأبد ، فإنّ لها الوجه الكوني المعدوم به من الأزل ، فالظرف مستقرّ على أنّه حال أو صفة . 
وبيان المناسبة بين الاسم والكلمة هو أنّ مبدأ هذا الاسم وخصوصيّته إنّما هو أحديّة جمع خصوصيّات الأسماء ، كما أنّ تعيّن الكلمة هو أحديّة جمع تعيّنات الأعيان ، ومن ثمّة ترى صاحب المحبوب قد لوّح عليه بأنّ الكلمة هذه إنّما ركَّبت من ألف الابتداء وميم المنتهى ودال الامتداد بين الابتداء ومنتهاه .
مناسبة اسم الفصّ وكلمته مع التسعة اعلم أنّ التسعة المشتركة بين الاسم والكلمة  لها الإحاطة الإطلاقيّة بما فيها من السعة التي تسع كلّ المراتب ، ولا تسعها مرتبة ، إلَّا أنّ الاسم لما له من المبدئيّة والبطون قد تقوّم فيه التسعة بالإفراد من الخمسة وما انطوت عليه منها ، تلويحا إلى أنّه صورة بسط الخمسة إفرادا ، وفي امّ الكتاب ما يطلعك عليه إن طالعته بإمعان .
والكلمة بما فيها من الجامعيّة مع توغَّلها في ظرف الظهور تقوم فيها التسعة بالزوجين وفرد واحد ، إذ الفرد له طرف البطون ، كما أنّ الزوج له الظهور ،لقوله تعالى : "خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً". 
وأيضا الكلمة قد ظهرت بما غلب فيه حكم المرتبة الكونية ، بخلاف الاسم ، فإن ما غلب عليه ذلك الحكم قد تبطَّن فيه .
وممّا يؤيّد هذا أنّ الكلمة زاد على الاسم عند التفصيل بهذا العدد ( 45 9 36 ) فهي الظاهرة عليه به . 
هذا إذا حوسبا كتابا ، فأمّا إذا حوسبا كلاما ، فالمشترك فيه حينئذ هو العشرة الكاملة ، التي هي الواحد الجامع الظاهر بصورة وحدته الزوجيّة ، وهاهنا سرّ يطلع منه على أصول من الحكم  فليتدبّر .
الألف في اسم الفص وكلمته إنّ الألف قد تنزّل في الاسم والكلمة من صرافة إطلاقه واستقامة خطيّته ، تدرجا في اعوجاجه وتقوّسه إلى أن يتمّ الدائرة بكمالها ، ولكن ذلك في الكلمة أتمّ وأظهر على ما لا يخفى .
والذي يدلّ على أوّليّة هذا الفصّ وتقدّمه بالطبع من الحقائق الحكميّة ما سبق تحقيقه آنفا من أنّ غير هذا الفصّ إنّما هو بيان مدارج بني آدم ، أعني بعض جزئيّات ما عقد الفصّ هذا على كشفه ، ممّا يتوقّف عليه .
وأمّا من الدقائق التلويحيّة فهو أنّ «الإله» في الكلام هو الأول عددا كما أنّ «الألف» الذي هو الأول في الكتاب رقما إنّما ظهرت صورته وفصّلت آياته الفرقانيّة والقرآنيّة في «آدم» عندما لوحظ بيّناته الكاشفة ، كما يلوح لك في هذه الأرقام ، مع دقائق جليلة لو تدبّرت فيها بعض التدبّر - 191 ل ف ا ل ي م 
ثمّ ليعلم أنّ الأمر الإلهي له مدرجتان في التنزّل :
أحدهما ذاتي بلا واسطة يتوجّه إلى تحقّق الأعيان أنفسها .
والآخر بالواسطة إنّما يتوجّه إلى أحكام أفعال الأعيان ولوازمها .
والحاصل من الأوّل هو الشيء ، فهو المشيّة , ومن الثاني الشرع ، فهو التشريع .
والأوّل لعظم شأنه وقوّة سلطانه كما صرح به الشيخ حاكيا عن أبي طالب : «أنّه جعلها عرش الذات» لا يخالف بخلاف الثاني . 
فلذلك نسبها إلى الحقّ قائلا : ( لما شاء الحقّ ) ضرورة أنّ المتوجّه لتحقّق الأشياء ليس إلَّا الذات باعتباره ثمّ إنّ حضرة الأسماء لما كانت موطن النسب المستتبعة لكمالها المسمّى بـ «الحسن» الذي هو من الصفات اللازمة لها.

قال : ( من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء ) فإنّها من حيث كلَّيات مراتبها وأجناسها القابلة للإحصاء لا يمكن أن يتوجّه نحو الغاية المطلوبة ها هنا .
فإنّها إنّما تتحقّق بعد تنزّلها في المواد الهيولانيّة وتشخّصها بالصور والأعراض الكائنة الجسمانيّة التي لا نهاية لكلّ منها فالأسماء إذن من هذه الحيثيّة لا بدّ وأن تكون غير قابلة للإحصاء عدّا ، كما أنّ الذات في كنه بطونها غير قابلة له حدّا ، فهي صورة مثليّتها في مرآة التقابل .
وإظهار الأوّل يناسب منصب النبوّة ويفصح عنه كلامها ، كما أنّ الثاني يوافق طور الولاية  ويؤدّيه كتابها . 
الحاء والقاف في لفظ الحق «الحقّ» حرفان :
أحدهما  له الوحدة الجمعيّة بها يناسب الذات ويدلّ عليها . 
والآخر له الكثرة الكماليّة والسعة الأسمائيّة ولذلك ترى الحضرة الختميّة اختار ذلك العقد عند التعبير عن إحصاء الأسماء في المرتبتين الأوليين مشيرا إلى المرتبة الثالثة بما ينبئ عن الجهة الاتحاديّة العينيّة التي للأسماء في هذه المرتبة ، على ما هو مدلول الحرف الآخر باعتبار مسمّاه 
 .
وأمّا باقي اسمه فهو صورة دور التسعة وهيئة جمعيّتها الوحدانيّة ، وهي مؤدى الحرف الأوّل اسما. 
وأمّا مؤداه مسمّى فهو أنهى مراتب الزوج الذي هو
 طرف الظهور، الذي هو مقتضى الأسماء، وإنّما أشير إلى هذه المراتب لأنّ الأسماء منها ما هو في:
المرتبة الأولى الذاتيّة ومنها ما هو في 
المرتبة الثانية الصفاتيّة ومنها ما هو في 
المرتبة الثالثة الفعليّة
 .
وهذه هي التي لها الجهة الاتحاديّة وعدم الإحصاء، وهي مؤدى الحرف الدالّ على الذات منهما، فلا تغفل عن دقائق الإشارات والتلويحات.
ثمّ إنّ غاية هذه المشيّة ومنتهى إرادة الحقّ فيها من حيث تلك الأسماء ( أن يرى أعيانها وإن شئت قلت : أن يرى عينه ) 
فلئن قيل : « متعلَّق المشيّة على ما سبق من البيان إنّما هو التحقّق نفسه ، لا الرؤية » ؟

قلنا : إنّ رؤية العين في الكون إنّما هي في أنهى مراتب التحقّق وأقاصى دركاته الكونيّة ، فلا تتحقّق إلَّا بالمشيّة ، على أنّ الرؤية نفسها من المتحقّقات أيضا ، وإن كانت تابعة لمتحقّق آخر فيه .
ثمّ إنّ في تنويع العبارة هاهنا وتسوية أدائهما للمقصود بيانا لما يتبادر إلى الأفهام من لزوم التغاير والتقابل بين الرائي والمرئي ، أنّه بمجرّد الاعتبار فقط ، ولا تغاير بالذات ها هنا. وإشارة إلى الجهة الاتحاديّة المنبّه عليها في أسماء الإحصاء من الكلام النبوي ، بقوله: « تسعة وتسعين اسما ، مائة إلَّا واحدة » .
إذ بها ينوط اسميّة الاسم ، وتنبيها إلى صافيّ منحل الحيّ الختميّ وخالص توحيدهم ، حيث أنّ محوضة الوحدة الإطلاقيّة لديهم ليس ليست مما يشوب به شيء من ضروب الإضافات وصنوف التقابلات ، حتّى تقابلة الكثرة وتعاندها .
وهاهنا لطيفة قد احتوى عليها بديع مسلكه هذا ، من باب الإشارات الخفيّة العالية عن المدارك المعتورة بين أرباب الرسوم ، وهي أنّ المشيّة التي هي مبدأ أمر الظهور والإظهار بعد رؤية الحقّ من حيث أسمائه الحسنى أعيانها تصلح أن تستند إلى المخاطب ضرورة أنّ الرؤية المذكورة مستتبعة للاتحاد .
ومستلزمة لطيّ بساط التقابل والتكثّر على ما عرفت وحينئذ تصير مصدرا للقول الفصل ، والكلام الكامل ، وبه تتعلَّق الرؤية المذكورة إلى عين الحقّ ، ويرتفع تقابل حكم الرائي والمرئي ، إلَّا اعتبار محضا - على ما ستطلع عليه .
وكثيرا ما يجد الفطن عندما تأنّس فهمه بإدراك الإشارات الخفيّة ، وفتح عليه أبواب اللطائف المرموزة في الكلام المنزل الختمي ، اعتبار هذا المسلك ، كقوله تعالى : " ثُمَّ سَوَّاه ُ وَنَفَخَ فِيه ِ من رُوحِه ِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصارَ وَالأَفْئِدَةَ ".
واعلم أنّ الحروف العاليات إذا نزلت في سطور مراتب الوجود إلى حيث يتميّز سواد تلك الحروف عن بياضها يسمّى بـ "العين" لاستحصالها بـ "كن" .
هذا إذا اعتبرت خصوصيّة كلّ منها منفردة ، أمّا إذا اعتبرت مجموعة بأحديّة جمعيّتها الكماليّة ، يسمّى ب « العالم » وصورة تماميّته حيث يكون الحرف مستقلا بنفسه في الظهور .
فإنّ المراتب منها ما ليس لتلك الحروف فيها سوى نسب معنويّة كليّة راجعة إلى حقيقة واحدة ، تسمّى بذلك الاعتبار « اسما » كما أنّه يسمّى ب « الحضرة الواحديّة » ، ومنها ما انفصلت عنه واستقلَّت بالاعتبار وإن تبعته بالوجود ، ويسمّى بـ «الأعيان الثابتة» ، كما أنّه يسمّى بـ «الحضرة العلميّة» ، ومنها ما استقلت تلك الحروف فيه بالوجود مستتبعة إيّاه ، وحينئذ يسمّى بـ « العين » مطلقا ، كما أنّه يسمّى بـ "العالم" .
وفيه تلويح يكشف عن مراتب العوالم بترتيبه ، والكون الجامع لها بعينه ، وغير ذلك  .
ثمّ إنّ العين تتدرج في ذلك الاستقلال بحسب تلك المراتب إلى أن تنتهي إلى كثائف وضعيّة هيولانيّة ، يمكن أن تتعاكس أشعّة شمس الحقيقة من تلك الكثائف المسمّاة بـ « الكون » إلى المشاعر الحسّية المعبّر عن أتمّ أنواعها بـ « الرؤية » مسترجعة في ذلك من الكثائف الحاجبة إلى اللطائف الكاشفة ، متدرّجة إلى أن تنتهي إلى الحقيقة القلبيّة ، التي تسع الوحدة الحقيقيّة بإطلاقها ، وتتمّ على عرش شعورها الدائرة بقوسيها .
ولذلك جعل الرؤية غاية للمشيّة ، إذ بها يعرج السافر السائر نحو المقصد الأقصى من غور دركات الحجب الغيريّة ، إلى نجد درجات الحقائق الوجوديّة الاتحاديّة .
وبنقطة النطق ينطبق قوس البطون على الظهور ، وبها يصير دائرة كاملة ، على ما حقّق أمره في المقدّمة .
فتلك الرؤية إنّما تتصوّر ( في كون جامع يحصر الأمر) وذلك لأنّ الكون إذا اتّصف بالوجود وظهر به ، تحصّل منه هويّة جامعة بين الأوّل والآخر والظاهر والباطن كما لا يخفى وهو على ما نبّهت عليه في المقدّمة عند الفحص عن مبدأ منع الشركة يقتضي حصر الأمر .
وذلك لأنّ الأمر لغة يطلق على ما يعمّ الأفعال والأقوال.
وتحقيقا على أوّل ممتد إلى الآخر مرتبط به ، وهو إنّما يصدق على كل ظاهر منبئ عن الباطن كالأفعال الإدراكيّة التي للقوى من الإشارات الخفيّة والكلمات الجليّة . 
ويلوّح على ذلك ظهور راء « الصورة » فيه ببيّنات لام « الكلام » الكاشفة عن كنه المرام .
ومن ثمّة ترى الهويّة المذكورة قد استتبعت العلم بكلّ شيء ، على ما هو مؤدّى الآية الكريمة ، وبيّن أنّ ظهور ذلك الأمر إنّما يتصوّر من الصورة الاعتداليّة القلبيّة ، التي لا يماثلها شيء.
فإنّك قد عرفت فيما سلف لك أنّ الأكوان على اختلاف أنواعها وتكثّر شجونها إنّما تصلح لأن تكون مصدرا للتعاكس المذكور ، ومظهرا لعرش الشعور ، ما استحصل منها صورة اتحاديّة ومزاج اعتداليّ يمكن أن تتكوّن فيه الحقيقة القلبيّة ، التي بها أصبح مجمع بحري الإلهي والكياني حاصرا لتنوّعات تموّجاتها  بأنواعها وأشخاصها ، لكون الكون المذكور بانطوائه على تلك الحقيقة متّصفا بالوجود الواحد الحقيقي ، ظاهرا به ومظهرا هو إيّاه بتفاصيل تنوّعاته كلَّها بكمالها ، منصبغة بسرّه الخاصّ به .
فعلى هذا قوله : ( لكونه متّصفا بالوجود ) علَّة للحصر ، ويمكن أن يجعل علة لرؤية الحقّ عينه في الكون المذكور ، فإنّ ذلك لا يتصوّر إلَّا فيما يتّصف بالوجود ويستقل به ، ضرورة أنّ العين لا يدرك ولا يرى إلَّا بالعين .
وكذلك قوله : ( ويظهر به سرّه إليه ) يمكن أن يجعل عطفا على « يحصر » وعلى « يرى » والثاني منهما يناسب ثاني التقديرين ، ويؤيّده نسخة « الوجوه » ، والأوّل أوّلهما ، أي يظهر بالكون الجامع سرّ الحقّ له وهو سرّ الكون وخصوصيّته فهو صفته الكاشفة له عن صورته ، كما أنّ الأولى كاشفة عن مادّته . 
هذا على أوّل الاحتمالين ، وأمّا على الثاني ، فالوجه فيه أن يحمل ما يظهر بالكون على الكلام الكامل الذي يكشف عن سرّه وكنه ما هو عليه ، جمعا بين المشعرين الشريفين في الغاية المذكورة ، وفق ما أفصح عنه التنزيل القرآني الختمي " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ". " أَبْصِرْ به وَأَسْمِعْ ".

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه .)
الفص الأدمي
1 . فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء
فص الشيء خلاصته و زبدته و فص الخاتم ما یزین به الخاتم وی?تب علیه اسم صاحبه .
قال ابن الس?یت : ?ل ملتقی عظمین ف?و فص .
والإلهية اسم مرتبة جامعة لمراتب الأسماء والصفات كلها.
ففص الحكمة الإلهية عبارة عن خلاصة العلوم والمعارف المتعلقة بالمرتبة الإلهية.
أو عبارة عن محل يتنفس بها وهو قلب الإنسان الكامل، فإن الفص، كما أنه قد انطوى عني قوسي حلقة الخاتم وانطبق على أحدية جمعهما.
وكما أنه يختم بما ينطبع فيه من الصور ويعرب عن كليتها.
وكما أنه تابع لقالبه من التربیع و التثلیث والتدویر و غیرها.
و مستتبع لما یرد علیه ?ذلك قلب الانسان ال?امل، له الإنطراء على قوسى الوجوب والإمكان والانطباق على أحدية جمعهما .
وله أن يعرب عما فيه من صور الحقائق وينبىء عن أحدية جمعها .
وكذلك له صورة تابعة لمزاج الشخص، كما أن له أن يستتبع تجلي الحق ويصوّره بصورته .
على ما نص عليه الشيخ رضي الله عنه في الفص الشعيبي .
ولا يبعد أن يجعل الفص عبارة عن أحدية جمع تلك العلوم والمعارف بناء على أن أحدية جمع الأشياء زبدتها وخلاصتها.
أو على أن الفصل الذي هو ملتقى قوسي حلقة الخاتم أو ملتقى كل عظمين بمنزلة أحدية جمعهما.
والمراد بال?لمة من ?ل موضع فی هذا ال?تاب عین النبی المذ?ور فیه من حیث خصوصیته و حظه المتعين له ولأمته من الحق سبحانه .
فالحاصل أن أول ما ألقاه المالك عليه خلاصة علوم ومعارف متعلقة بالمرتبة الإلهية متحققة في كلمة آدمية.
أو خلاصة تلك العلوم والمعارف ، أو المحل القابل لها، أو أحدية جمعها متحققة في كلمة آدمية.
وإنما خصت الحكمة الإلهية بالكلمة الآدمية فإنها كما كانت المرتبة الإلهية عبارة عن أحدية جمع الأسماء الإلهية كذلك كانت الكلمة الآدمية عبارة عن أحدية جميع مظاهر آياتها فناسب أن تخص بها.
(لما شاء الحق سبحانه) بمشيئة أزلية هي الاختيار الثابت له سبحانه وليس أختباره سبحانه على النحو المتصور من اختبار الخلق الذي هو تردد واقع بين أمرین ?ل منهما ممكن الوقوع عنده فيترجح أحدهما لمزيد فائدة ومصلحة.
لأن هذا مستنكر في  حقه سبحانه اذ لیس لدیه تردد و لا امكان حكمین مختلفین بل لا یم?ن غیر ما هو المعلوم المراد في نفسه .
فأن قلت : ف?یف یصح قولهم إن شاء أوجد العالم وإن شاء لم أوجد قلت : صدق الشرطية لایقتضی صادق المقدم أو ام?انه، فقوله : ان لم یشاء غیر صادق بل غير ممكن.
فإن قلت: قد قال بعضهم في قوله تعالى: {ألم تر.إلي ربك كيف مدّ الظلّ}. أي ظل التكوين على المكونات {ولو شأء لجعله ساكنا} 45 سورة الفرقان.
ولم يمده فإن الحق لو لم يشاء إيجاد العالم لم يظهر ، وكان له أن لا يشاء فلا يظهر.
قلت :هذا إما لنفي الإيجاب المتوهم للعقول الضعيفة، وإما باعتبار ذاته الأحدية غني عن العالمين .
فإذا نظر العقل إلى غناه وعدم اقتضائه لذاته أحد المتقابلات حكم بأن له أن لا يشاء وجود العالم فلم يظهر العالم .
وأما إذا نظر إلى علمه الشامل ح?م بعدم مشیئته بل بعدم ام?انها (من حیث آسمانه) ?لها (الحسنی) ای المتناسبة فی بلوغها إلى مرتبة الكمال وترتب آثارها عليها (التي لا يبلغها الإحصاء) وألعد من حيث جریانها وإن ?انت ?لیاتها منحصرة فی تسعة و تسعین آلف و واحد ؛ وإنما قید بالحيثية، لأن ذات الحق سبحانه باعتبار إطلاقها له مرتبة الغنى عن العالمين ليس نسبته اقتضاء شيء من العالم.
ومشيئته إليها أولى من نسبة عدمها، وباعتبار تقيدها ببعض الأسماء لا يقتضي المظهر الجامع بل ما يكون مظهرا له فقط .
فاقتضاؤها المظهر الجامع لا يكون إلا من حيث جميع أسمائها الحسنى .
"أعیانیها وان شئت قلت آن یری عينة گون جامع یحصر الامُر ?له ۔
لكونه مقصفاً بالوجود، و یظهر به سرهٔ الیه ."
فلهذا قيد المشيئة بهذه الحيثية (أن يرى أعيانها) المتمايزة بعضها عن بعض في التعقل وذلك باعتبار مرتبة الواحدية (وإن شئت قلت أن يرى عينه) المتحدة الغير المتميز فيها اسم عن اسم وذلك باعتبار مرتبة الأحدية .
ويمكن أن يقال : تجويز العبارتين إنما هو بالنسبة إلى المرتبة الواحدية، فإن للأسماء فيها اعتبارین :
أحدهما: اعتبار و حدة الذات
و ثانیه ما : اعتبار ?ثرة النسب و الاعتبارات،
فالعبارة الأولى بملاحظة الاعتبار الثاني والثانية بملاحظة الأول (في كون) أي ما كون (جامع) وحداني يظهر فيه اسم وشأن وصفة بصورة الجمع وصفه وحكمه بحيث يضاهي الشأن الكلي الذي هو التعيين الأول .
وهذه الجمعية إنما تكون بأمرين:
أحدهما : أشتماله على الأسماء كلها بحيث لا يشذ شيء منها،
وثانيهما : صلاحية مظهريته بها كلها، فإن مجرد الاشتمال لا يستلزم صلاحية المظهرية وإلا لكان كل موجود مظهراً جامعاً .
وإلى الأوّل أشار بقوله: (يحصر الأمر) أي أمر الأسماء كأنها، وعلله بقوله: لكونه (متصفاً بالوجود) لأن اتصافه بالوجود إنما يكون بتجلى الوجود يرى فيه بأحدية جمع جميع شؤونه وأسمائه وإلى الثاني مما عطف عليه أعني قوله (ويظهر به)، أي بال?ون الجامع (سره) أي سر الحق وهو أسماؤه المست?نة فی غیب ذاته (إليه) .
أي إلی الحق سبحانه .
و یحتمل آن ی?ون قوله: یظهر به بالنصب عطفاً علی یری .

وی?ون قوله : لكونه موجوداً متعلقاً بقوله: يرى على أنه علة مصححة للرؤية، فإن الشيء ما لم يكن موجودا لم تصبح رؤيته ، فتعلق المشیئة الذي هو المعنى المقصود الأصلى والعلة الغائية من اتحاد العالم ظهور الحق سبحانه فی هدا المظهر الجامع وشهوده فيه شؤونه و صفاته على وجه ينصبغ كل منها بأحكام الأخر كما مر .


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:39 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثانية الجزء الثالث .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 7:51 am

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثانية الجزء الثالث .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثانية : الجزء الثالث
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه.  )
1 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( لما شاء الحق سبحانه من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها وإن شئت قلت أن يرى عينه في  كون جامع يحصر الأمر كله. لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه . )

قال الشارح رحمة الله 
(فص حكمة إلهية في كلمة آدمية كل ملتقى العظمين) . فص هكذا في اللغة، فهو عبارة عن ملتقى الحكم الإلهية المشتملة على قوسي الأحدية و الواحدية، فالملتقى هو الوحدة الصرفة التي هي القلب المحمّدي و قلب كل نبي قبله، و الحكمة هي العلم بوضع الأشياء موضعها، و الإلهية هي مرتبة جامعة لجميع الأشياء، و الكلمة هي العين الفاضلة الجامعة الفاصلة المانعة كأعيان الأنبياء عليهم السلام، و الآدمية هي المنسوبة إلى آدم حقيقة الحقائق الإنسانية، و أراد رضي الله عنه بآدم وجود العالم الإنساني . 

قال في الفصوص : 
( لما شاء الحق من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها و إن شئت قلت أن يرى عينه في كون جامع ).
(لما شاء الحق ): أي لما نظر الحق سبحانه في حضرة غيب الذات، نظر تنزه في الكمال الذاتي المطلق الذي لا يتوقف ثبوته له على أمر خارجي إذ ما ثم يخرج عنه . 
و بهذا صحّ الفناء الذاتي، فشاهد تعالى بالنظر المذكور على النحو المذكور، كمالا أخر مستحبا في غيب هويته غير الكمال الأول، و إذا رقيقة متصلة بين الكمالين اتصال تحبب تام، فكان ذلك الكمال الثاني هو الكمال الأسمائي من حيث النسبة الشهودية كمال الجلاء و استجلاء وعلم .
"" اضاف المحقق : قال سيدي محمد وفا رضي الله عنه : 
الفناء هو اضمحلال كل متعرض متوهم لا ينتهي إلى غاية محققة، وحقيقته: صدق العدم الذاتي على كل موجود بالعرض في المجاز ، وغايته: صادق من العلم يمحق كل كاذب من الوهم وهو الهلاك الحقيقياهـ ""

إن هذا الكمال الأسمائي لا يظهر بدون الغير، فشاء ما شاء، و فعل ما أراد فالمشيئة عرش الذات.
"الكمال: التنزيه عن الصفات وآثارها. أي: عن كل ما يقيد ذات الموت، وحقيقته فيخرجها عن إطلاقها، صفة، وتجردها عن الاعتبارات مطلق إبقاؤها على الإطلاق الذاتي، والذي حكمه مع سائر القيود على السواء، وذلك هو الكمال الحقيقي، فافهم." 
وإنما قلنا بالمشيئة لأنه لو كان العالم أعني وجوده لذات الحق لا للمشيئة لكان العالم مشاركا للحق في الوجود، و ليس كذلك فالمشيئة حكم لذات الحق أزلا و هي تطلب تأخر وجود العالم عن وجود الحق، فيصح حدوث العالم و ليس ذلك إلا بنسبة المشيئة و سبق العلم بوجوده، فكان وجود العالم مرجّحا على عدمه، و الوجود و المرجح ساوق الوجود الذاتي الذي لا يتصف بالترجيح في مرتبة العلم، فافهم . 
و إنما قال رضي الله عنه: شاء، و لم يقل
أراد إشارة إلى أن التوجّه كان من مرتبة الذات من الفيض الأقدس، فإن المشيئة توجّه الذات نحو حقيقة الشيء كان ما كان، والإرادة تعلق بتخصيص تخصيص أحد الجائزين من طرفي الممكن أعني:
وجوده في مقام الألوهية، فالمشيئة عين الذات و عرشها.
و قد يكون متعلقها الإرادة إذا شاء أراد، و الإرادة من الصفات الموجبة للاسم المريد المقتضي للوجود و هي عرش الألوهية.
فالمشيئة أقدم و أعم من الإرادة، فقد تتعلق المشيئة بالإرادة التي تقتضي الوجود فتتعلق بالإيجاد، و قد تعلق بالمعدوم لبقائه على أصله، فمتعلق المشيئة العدم و الوجود بخلاف الإرادة، فإن متعلقها الوجود . 
قال الله تعالى:"إنْ يشأْ يذْهِبْكُمْ أيُّها النّاسُ ويأتِ بآخرين وكان اللّهُ على لذك قدِيرًاً "[ النساء: 133] .
و قال تعالى في الإرادة: "إنّما أمْرهُ إذا أراد شيْئاً أنْ يقُول لهُ كُنْ فيكُونُ" [ يس: 82].
فلمّا كان المقام مقام الأقدم لا القديم، وتعلق. التوجّه بالأمر المعدوم.

فقال رضي الله عنهلما شاء، فافهم . 
وهنا مسألة في المشيئة في "غرائب الفتوحات" فأذكرها: فإنه رضي الله عنه ما كتب شيئا ولا ذكره الا للاستمتاع والانتفاع . 
فاعلم ان العدم يحكم على صور الممكنات بالذهاب والرجوع إليه رجوعا ذاتيا، فالممكنات بين إعدام من العدم وإيجاد من الواجب الموجود، فحكم العدم يتوجه على ما وجد من الصور، وحكم الإيجاد من واجب الوجود، يعطي الوجود. 
فلمّا قال تعالى: "إنْ يشأْ يذْهِبْكُمْ و يأتِ بخلْقٍ جدِيدٍ" [ إبراهيم: 19]
من باب الإشارة إلى غوامض الأسرار لأولي الأفهام وهو أنه عين كل منعوت بحكم من وجود، و عدم و وجوب و إمكان و محال فما ثمة عين توصف بوصف، أو تحكم بحكم إلا و هو ذلك العين، و هذه مسألة تضمنها هذا المقام و لو لا ذلك ما ذكرنا . 

قال رضي الله عنه في الباب الثالث و السبعين و ثلاثمائة 
و ما تقدّم لهذا ذكر في كتاب " الفتوحات" غير هذا الموضع، و لن تراها في غيره إلا في الكتب المنزّلة من عند الله كالقرآن و غيره، و منها أخذناها بما رزقنا الله من الفهم في كلامه" انتهى كلامه رضي الله عنه . 
و هنا مسألة أخرى أذكرها لك فإنها من الغرائب و هي أنه رضي الله عنه ذكر في الوصل الخامس من الخزائن من "الفتوحات " : وليس الحق بمحل للجواز لما يطلبه الجواز من الترجيح من المرجح . فمحال على الله الاختيار في المشيئة , لأنه محال عليه الجواز .
لأنه محال أن يكون لله مرجح يرجح له أمرا دون أمر فهو المرجح لذاته .
فالمشيئة أحدية التعلق لا اختيار فيها ولهذا لا يعقل الممكن أبدا إلا مرجحا .
إلا أن الحق من كونه غفورا أرسل ستره وحجابه بين بعض عباده وبين إحالة رجوع الحق إلى نفسه في غناه عن العالم . فقال في ذلك الستر : فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ. فافهم
فإذا قلنا: إن العلم تابع المعلوم و لا أثر للعلم في المعلوم، و المشيئة تابع للعلم، و الإرادة تابع المشيئة، بل عين المشيئة في الخارج، فيظهر رائحة الخير .
قال تعالى: "ما يبدّلُ القوْلُ لديّ " [ ق: 29] ما شاء الله كان، و المحال ليس بمشاء.
فكم يكن هذا القدير العزيز الحكيم، و الحكمة تمنع الحكيم أن يفعل بغير حكمة , وإلا لم يكن حكيما و هو حكيم عالم، فافهم الحق .
إنما قال رضي الله عنه: الحق، و لم يقل الله لأن المشيئة عرش الذات الحق من المقام الأقدم، و اللّه اسم المرتبة من مقام القديم وهي الألوهية، و عرشها الإرادة . قال تعالى"فعّالٌ لما يريدُ " [ هود: 107]

""  الإرادة: وهي لوعة في القلب. يريد قدس سره: قلب من تنبه للنهوض بقدم حاله إلى وجهته العليا في الحق، وهي وجهة موليها، وهي مختاره الأصلي، ومستنده الغائي.
وقد زاد قدس سره في معناها قيدا آخر، وهو قوله في الفتوحات المكية:
« و يحول بينه وبين ما كان عليه مما يحجبه عن مقصوده». .
والإرادة في الحقيقة لا تتعلق دائما بالعدم، فإنها صفة تخصص أمرا إما بحصوله، أو وجوده.
كما قال تعالى وتقدس"إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون" [يس: 82]. وشيئية المراد هنا شيئية الثبوت لا شيئية الوجود.
فإن قلت: قد تتعلق الإرادة موجود لمحوه، وإعدامه.
قلت: هذه مشيئة الإرادة. كما قال تعالى : "يمحوا الله ما يشاء ويثبت" [الرعد: 39] فلو تعلقت الإرادة بالموجود لتخصيص وجوده لزم تحصيل الحاصل.
فالمراد: حالة تعلق الإرادة به معدوم قطعا. فإن العقاب، وملذوذ وحده بالعذاب، حالة تعلق الإرادة به، وكان معدوما في حقه، فخصص ذلك بإرادته ليوجد في حقه، فإذا وجد، تعلقت إرادته باستمرار ما حصل، وهو معدوم إذ ذاك .
فالإرادة إن نشأت في القلب على مقتضى غلبة الحكم القلبي فيطلقونها ويريدون ما إرادة التمني سواء تعلقت بالمطالب العالية أن الدانية.
ولذلك قال : وهي يعني إرادة التمي منه، أي: من القلب يريدون بها أيضا.
إرادة الطبع: إن نشأت من القلب على مقتضى غلبة حكم النفس عليه ، فإنها إذن تحديد إلى شبح الطبيعة القاضي بإتيانه اللذات العاجلة والآجلة أيضا، كتقييد القلب مثلا في مناهج ارتقائه بلذات، مشاهدة نتائج الأحوال في الحال، أو نتائج الأعمال، بحكم المحازاة في المال.
آذاك قال : "و متعلقها الحظ النفسي فإن علة تقييد القلب هنالك وجود اللذة، ويطلقوها و يريدون بها: إرادة الحق"
إرادة الحق: إن نشأت من القلب، على مقتضى غلبة الحق عليه، سواء كان ذلك من أحكامه الظاهرة أو الباطنة، ومتعلقها الإخلاص، والقاضي بتحقيق توحيده الذاتي، وقطع تعلقها عن السوي، بل عن الأسماء من حيث كونها مشعرة بالكثرة المعقولة، بحسب نسب إحاطاتها.
ولهذا قال علي كرم الله وجهه: «وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه».  ""

( من حيث أسمائه الحسنى) يعني: لما شاء من حيث الأسماء و اقتضائها يرى أنوار أسمائه المصونة، و أثار أسراره المكنونة المخزونة في المظهر الجامع كما سيجيئ لا من حيث الذات البحت، فإنها لا يضاف إليها شيء سوى الغنى عن العالمين، و كان ذلك: أي ما شاء بحركة حبية، و تنفس رحماني : 
"كنت كنزا مخفيا، فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق لأعرف فتعرّفت بهم، فعرفوني".
أما الاسم في التحقيق، فهو التجلي المظهر لعين الممكن الثابتة في العلم، و لكن من حيث تعين ذلك التجلي المنبعث من الغيب المطلق في مرتبته، و التجلي من حيث تعينه اسم دال على الغيب المطلق الغير المتعين، و التسمية عبارة عن نفس دلالة الاسم على الأصل الذي تعين منه، و دلّ عليه، فافهم، إنه أصل عزيز شريف . 
( التي لا يبلغها الإحصاء): أي باعتبار الجزيئات الظاهرة في كل آن، فإنها غير متناهية دنيا، أو آخرة، أو فيهما، و أمّا باعتبار الكليات والأمهات، فهي محصورة كما في الخبر الصحيح: "  ومن أحصاها " الحديث خبر من صادق عن إمكان الإحصاء . 
و هكذا إذا نظرت إلى العالم مفصّلا بحقائقه، ونسبه وجدته محصور الحقائق والنسب، معلوم المنازل و الرتب متناهي الأجناس بين متماثل ومختلف وذلك لأن الأسماء هكذا وهي صور الأسماء، فافهم . 
إرادة الحق: إن نشأت من القلب، على مقتضى غلبة الحق عليه، سواء كان ذلك من أحكامه الظاهرة أو الباطنة، و متعلقها الإخلاص، و القاضي بتحقيق توحيده الذاتي، و قطع تعلقها عن السوى، بل عن الأسماء من حيث كونها مشعرة بالكثرة المعقولة، بحسب نسب إحاطاتها، و لهذا قال علي كرم الله وجهه: "و كمال الإخلاص له نفى الصفات عنه ".  
( أن يرى أعيانها ): أي أعيان الأسماء الخارجية من العلم إلى العين و هي تعيناتها، و أمّا حقائقها التي عين كل فرد من أفراد العالم منها، فمظهر اسم من الأسماء، وعين من الأعيان، وأفرادها غير متناهية كالأسماء التي لا تحصى .

و أمّا قول الشارح القيصري رحمه الله: 
إن المراد من الأعيان الأعيان الثابتة، فليس بظاهر لأمرين:
أحدهما: أن الأعيان الثابتة  كانت مربية له تعالى قبل مشيئة الخلق بلا أمر . 
و الثاني: أنه ما مضى ذكر الأعيان الثابتة حتى يرجع الضمير إليه لا لفظا، ولا حكما، بل الصحيح الظاهر أن الضمير إلى الأسماء، فافهم . 
( وإن شئت قلت ): أي إن شئت الترقي قلت، (أن يرى عينه ): أي ذاته فالأولى رؤية الكامل، والثانية رؤية الأكمل.
(في  كون جامع) والجامع نعت إلهي، وهو الذي لم يخرج عنه معلوم أصلا لا حق، و لا خلق، و لا يمكن، و لا واجب، و لا محال، و هو حضرة لها الدوام و البقاء، و لا تعقل إلا جامعة و ما لها أثر إلا الجمع، و ما تفرق إلا ليجتمع . 
قال تعالى: "و ما تفرّق الّذِين أوتوا الكِتاب إلّا مِنْ بعْدِ ما جاءتْـهُمُ البيِّنةُ" [ البينة: 4]: أي الكتاب الجمعي . 
بينة الفرق على الجمع الشاهد على عين العيان، فذلك هو عين الجمع و الوجود، و مقام السكوت و الخمود، فافهم . 
فالكون الجامع هو جامع الضدين: أي العدم و الوجود، و الجمع و الفرق، و القدم و الحدوث، و الحقية و الخلقية و هو الإنسان الكلي الكامل لأنه برزخ بين الحق و العالم، فجمع طرفي الأضداد . 
و من هذا المقام قال الخراز قدّس سره: عرفت الله بجمع الأضداد: أي ذوقا و وجدانا.
يشير إلى التحقيق بالصورة، بل الكون الجامع هو عين الضدين . 
كما ذكر الشيخ رضي الله عنه عن شخص من أصحابه اسمه تاج الدين الأخلاطي أنه قال له حين سمع منه رضي الله عنه هذه الرواية: أي رواية الخراز.
فقال: هو عين الضدين معا و قول الخراز يوهم أن ثمة عينا ليست هي عين الضدين، لكنها تقبل الضدين معا و الأمر في نفسه ليس كذلك.
بل هو عين الضدين إذ لا عين زائدة، فالظاهر عين الباطن، و الأول عين الأخر، و كذلك الرّاد فيما نحن فيه أن الكامل كون جامع هو عين المجموع لا عين جامع للمجموع إذ لا عين زائدة قابلة جامعة، فافهم . 
( يحصر الأمر كله ): أي أمر الأسماء الإلهية كلها، أو الأمر الإلهي ذاتا، و اسما، و صفة و إنابة.
و الأولى باعتبار العبارة الأولى، و هي أن يرى أعيانها.
و الثانية باعتبار العبارة الثانية و هي أن يرى عينه لكونه متعلق بقوله يحصر: أي يحصر الأمر (لكونه) الكون الجامع (متصفا) بالوجود، و كل ما اتصف بالوجود دخل تحت حيطة الحصر، فانحصر الوجود الجامع كان ما كان، فافهم .

قال الشارح الشيخ عبد الرازق الكاشي قدّس سره: 
إن قوله: (لكونه) علة لرؤيته تعالى عينه في الكون الجامع . 

و قال الشيخ عبد الرحمن الجامي: 
إن قوله: لكونه متعلق بقوله: يرى، على أنه علة مصححة للرؤية، فإن الشيء ما لم يكن موجودا لم يصح رؤيته، أطلق الكلام و لم يقيداه

مع أن الشيخ الأكبر رضي الله عنه ذكر في هذه المسألة: إن شرط الرؤية إمكان الوجود لا الوجود . 

و صرّح رضي الله عنه بهذه المسألة في الباب السادس و الأربعين من "الفتوحات":
و قال :  فإنا لا نعلل الرؤية للأشياء أن يكون المرئي مستعدا لقبول تعلق الرؤية سواء كان معدوما، أو موجودا، أو كل ممكن مستعد للرؤية و الممكنات، و إن لم يتناهى فهي مرئية لله تعالى لا من حيث نسبة العلم، بل من نسبة أخرى تسمّى رؤية كانت ما  كانت 
قال تعالى: "ألمْ يعْلمْ بأنّ اللّه يرى" [ العلق: 14] انتهى كلامه رضي الله عنه . 

فصل  العالم مدرك الله تعالى في حال عدمه
اعلم أن العالم مدرك الله تعالى في حال عدمه، فهو معدوم العين، مدرك لله تعالى، يراه فيوجد لنفوذ الاقتدار الإلهي فيه، ففيض الوجود العيني إنما وقع على تلك المربيات لله في حال عدمها، و إنها رؤية حقيقية لا شك فيها.
و لا يتصف الحق بأنه لم يكن يراه، بل لم يزل يراه، فمن قال بقدم العالم، قال بهذا الاعتبار.
و من قال بحدوثه نظر إلى تغير العالم بعينه كنفسه في كل إن لم يكن له هذا الحال قبله، ثم كان فقال بالحدوث. 
و من هنا تعلم أن علة رؤية الرأي الأشياء ليست كونها موجودة كما رأى العقلاء، فافهم، ذكره رضي الله عنه في"الفتوحات": 
( و يظهر به) من باب الأفعال منصوبا بالعطف على قوله: إن يرى عينه: أي يظهر به: أي بعين العبد لا بالحق، فإنه من مقام قرب الفرائض، و الثاني مقام قرب النوافل فالأول للعالمين، و الثاني للعارفين . 
( سره ): أي سره و حقيقته، فإنه سرّ الأسماء (إليه) إلى الكون الجامع الذي هو العبد الظاهر بصورة السيد و هو سر أن الله خلق آدم على صورته، فإن أراد أن يظهر رضي الله عنه حكمة المشيئة . 
.



عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:37 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثالثة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 7:52 am

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثالثة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثالثة :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له.
وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة.)
(فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه) من غير أمر آخر (ما هي مثل رؤيته نفسه) بنفسه في أمر آخر غير نفسه
(يكون) ذلك الأمر الآخر (له كالمرآة) من الزجاج مثلا يقابلها بنفسه
(فإنه يظهر له نفسه) فيها (في صورة يعطيها المحل المنظور فيه)، وهو المرأة الصغيرة مثلا .فيها صورة وجه الناظر صغيرة . والكبيرة صورة وجه الناظر فيها كبيرة . والطويلة طويلة وهكذا
(مما)، أي من الشأن والحال الذي (لم يكن يظهر له)، أي لذلك الناظر
(من غير وجود هذا المحل) المنظور فيه
(ولا تجليه)، أي ظهور ذلك الناظر بنفسه (له)، أي لذلك المحل إذ لولا تجلي الناظر بنفسه للمراة المنظور فيها
ولولا وجود المراة المنظور فيها، أيضا لما ظهرت هذه الصورة التي لوجه الناظر في المرآة على حسب كبر المرآة وصغرها ونحو ذلك.
ومن رأى صورة وجهه في المرآة لا يرى في ذلك الوقت جرم المرأة بل يحتجب عنه جرمها بصورة وجهه فيها وهو متحقق بأن وجهه فيها.
لم يحل في المرآة ولا حلت المرأة فيه.
ولا اتحد وجهه مع الصورة التي في المرآة.
وليست الصورة التي في المرآة غير صورة وجهه.
ولا تشابه صورة وجهه من جهة كونها معدومة الحقيقة ظاهرة العين وصورة وجهه محققة.
ولا يمكن أن تكون صورة المرأة على خلاف صورة وجهه.
بل جميع ما هو مصور في المرأة هو صورة ما عليه وجهه مع أنها على خلاف صورة وجهه من جهة أن يمينها شمال وجهه وبالعكس.
(وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة.)
وقد قال وجهه لها قولا بلا حرف ولا صوت ?ن فتكونت على طبق ما أراد منها من غير معالجة ولا مماسة، إلى غير ذلك من العبر و بمرآة غير مجلوة مستعدة للجلاء. قال : بحسب الأول

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له.
وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة.)
بقوله: (فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي)، أي في الحكم (مثل رؤية نفسه) وإنما قلنا في الحكم إذ هما متحدان في حقيقة الرؤيا فلا معنى لنفي المثلية مطلقة بل في الحكم(في أمر آخر يكون له كالمرآة) .
وإنما لم يقل ما هي عين رؤية نفسه إيذانا بعينيتهما بحسب الأحدية لجواز سلب مثلية الشيء عن نفسه.
يقال الشيء ليس مثل نفسه وإنما لم يقل في المرأة .
لأن عدم المماثلة في المرأة الحسية لم يشتبه على أحد من الناس وإنما الاشتباه في مثلها.
فلذلك قال المرأة ليعم الدليل (فإنه) الضمير للشأن (يظهر له) أي للشيء (نفسه في صورة بعطيها) أي يظهره.
(المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له) أي للشيء (من غير وجود هذا المحل) كما قال وقد كان الحق أوجد العالم (ولا تجليه) أي من غير تجلي المحل له أي للشيء الناظر.
ومعنى تجلي المحل ظهوره إليه على الجلاء كما قال فكان آدم عين جلاء تلك المرآة.
(وقد كان الحق أوجد العالم كله) من العلم إلى العين قبل إيجاد آدم (وجود شبح مسوی لا روح فيه) مثل الطين في حق آدم والنطفة في حق أولاده وهو ظلمة وخلق محض لا يهتدي به إلى شيء وإنما أوجده أولا على هذا الطريق ثم جلي بآدم لأن المرآة لا تكون غير مجلوه إلا من كثيف ظلماني ولطيف نوراني (فكان) العالم بدون آدم (كمرآة غير مجلوة) .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له. وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة.)
قوله: "فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له في نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له."
قلتالتي تظهر أحكامها بظهور المقدورات ولا شك أن ظهور ما بالقوة إلى الفعل أكمل من بقائه في القوة وكمال الجناب المقدس في قوته ما لا يتناهى من الأكملیات فيقتضي الحال ظهورها فهي تظهر في الأعيان فيراها تعالى رؤية منزهة لكن من حضرة الحسیات وقد أودع تعالى جميع معاني الأسماء الكونية في آدم مرتبطة بالأسماء الإلهية وكلا الأمرين كان سانحا له في سر علمه الأقدس فأظهره في مرآة آدم، عليه السلام، وتجلي لتلك المرآة فأبدي فيها معاني المتجلي عليها، جل جلاله فقد ظهر سره إليه، وباقي الكلام ظاهر.
قوله: "وقد كان الحق أوجد العالم كله وجود شبح مسوي لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة".
قلت: معناه أن الحق تعالی اقتطع قطعة من نوره بسيطة لاصورة فيها وسماها القلم الأعلى وهي، والله أعلم، التي تسميها الحكماء «العقل الأول» الذي زعموا أنه أول صادر عنه تعالی وسماه شبحا للعالم لأنه مبدأ العالم.
ومعنى لا روح فيه، أنه تعين أول ومن شأن القدرة الإلهية أن كل ما استعد لشيء تعلق به من الصور، ما هو روح له بحسب استعداده.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له. وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة.)
قال رضي الله عنه : " فإنّ رؤية الشيء نفسه في نفسه ليست مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة فإنّه يظهر له نفسه" .
يعني في المرآة "في صورة يعطيها المحلّ المنظور فيه ، ممّا لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحلّ ولا تجلَّيه له".
قال العبد أيّده الله : اعلم شرح الله صدرك بنوره ، وأسرّ إلى سرّك بسروره :
أنّ الحقّ الواجب الوجود في كماله الذاتي وغناه الأحديّ يرى ذاته بذاته رؤية ذاتية غير زائدة على ذاته ولا متميّزة عنها ، لا في التعقّل ولا في الواقع .
ويرى أسماءه وصفاته ونعوته وتجلَّياته أيضا كذلك نسبا ذاتية لها وشئونا عينيّة غيبية مستهلكة الأحكام تحت قهر الأحدية .
غير ظاهرة الآثار ولا متميّزة الأعيان بعضها عن البعض في حيطة  جمال الصمدية .
وكينونته  فيها إنّما هي ككينونة النصفية والثلثيّة والربعية والخمسية وغيرها من النسب في الواحد فإنّ الواحد هو النصف والثلث والربع والخمس كما مرّ مرارا.
فهو من حيث صلاحيته لاتّصاف هذه النسب إليه يصحّ إطلاق أسمائها عليه ككون المسمّى بالأسماء المحصاة تمام المائة .
والواحد في ذاته ومن حيث إنّ واحديّته غير زائدة عليه مع قطع النظر عن الاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة لا نصف ولا ثلث ولا ربع ولا خمس .
فكذلك الحقّ من حيث ذاته الأحدية لا ظهور فيه لنسبة من هذه النسب لكنّه إن شاء أن يظهرها من حيث كماله الأسمائي ، أظهرها في مظاهرها ومجاليها ، ونظر إليها في منصّاتها ومرائيها فإنّ ثبوت الكمال الذاتي للحقّ من وجهين :
أحدهما : كماله من حيث الذات كما مرّ وهو عبارة عن ثبوت وجودها منها لا من غيرها ، فهي عينه في وجودها وبقائها ودوامها عن سواها ، فمهما تعلَّقت هذه النسب أو أضيفت أو شوهدت في الذات من حيث الكمال الذاتي ، فإنّها تشهد وتعلم أحدية لكون الحقائق المعقولة في كل مرتبة بحسبها .
والكمال الثاني : هو كمال نفسي للحق تفصيلي من حيث الأسماء الحسنى وصورها ، فهو كمال صورة الحق ، وذلك يكون بظهور آثار النسب المرتبيّة والحقائق الأسمائية ، وتعود أحكامها في عوالمها ومظاهرها .
وهذا الكمال الثاني ثابت للحق من حيث مرتبته الذاتية التي يقتضيها لذات الألوهية ، وهي نسبة كلَّية جامعة لجميع النسب الأسمائية .
فشاء الحقّ من حيث أسمائه الحسنى وتجلَّياته العليا تعيّناته القصوى ، فتجلَّت تجلَّيا جمعيا ، وانبعثت انبعاثا حسبيّا إلى المظهر الكلَّي والكون الجامع الأصلي الحاصر للأمر الإلهي فامتدّت رقائق النسب إلى متعلَّقاتها واشرأبّت حقائق الوجود إلى متعلَّقاتها ، فطلبت الربوبية المربوب ، والإلهية المألوه المحبوب .
فقامت بظاهرياتها مظاهر لباطنها ، وبشهادتها مجالي لغيبها ، فهي الظاهرة بمظاهر هي عينها ، والناظرة من مناظر هي عينها ، وفيها أينها ، فظهرت الحقائق الوجوبية والنسب التي اقتضتها  الربوبية في متعلَّقاتها ومظاهرها ومجاليها.
وزهرت أنوار التجلَّيات في مراتبها ومرائيها ، فرأت أنفسها متمايزة الأعيان والآثار ، متغايرة الظلم والأنوار ، وتعيّنت أحكامها ولوازمها ممتازة ، وتبيّنت عوارضها ولواحقها إلى أحيازها منحازة .
فأعيان الموجودات العلوية وأشخاص المخلوقات السفلية مظاهر النسب الوجوبية ومجالي تعيّنات أسماء الربوبية ، فيرى الحقّ فيها حقائق الأسماء وأعيان الاعتلاء مستوية على عروشها ، ومحتوية على جنودها وجيوشها ، فما منّا إلَّا له من الحق مقام معلوم ، ومن الوجود رزق مقسوم ، فانظر الفرق بين الرؤيتين والشهودين ، والتفاصيل بين الكمالين والوجودين .
ثمّ اعلم : أنّ المناظر والمجالي والمظاهر والمرائي التي يرى الحقّ فيها نفسه إنّ لم تكن لها حيثيّة خصيصة واستعداد معيّن تمتاز بها عن الظاهر فيها ، كان الظاهر الحقّ فيها غير متغيّر عن عينه .
وإن لم تكن كذلك ، ظهرت الصورة بحسب المحلّ كظهور الحق في مرتبة من المراتب جزئية كانت أو كلَّية إنّما يكون بحسب المحلّ .
ولا يكون ذلك المظهر بحسب الحق فإنّ ظهور الحق مثلا في العالم الروحاني ليس كظهوره في العالم الطبيعي .
فإنّه في الأوّل بسيط ، نوري ، فعلي ، نزيه ، شريف ، وحداني .
وفي الثاني ظهوره على خلاف ذلك من التركيب ، والظلمة ، والانفعال ، والخسّة ، والكثرة ، والكدر.
ومن المظاهر ما ليس له حسب معيّن وحسبيّة يوجب انصباغ الظاهر فيه بصبغه ، ولا يكسب الحقّ المتجلَّي فيه أثرا من خصوص وصفه وصفة عينه بحيث يخرجه عن طهارته الأصلية ومقتضى حقيقته الكلَّية كالمظاهر الإنسانية الكمالية الكلَّية البرزخية ليست لها حسبيّة تخرج الحقّ عن مقتضى حقيقته لما بيّنّا أنّ البرازخ ما لها حقيقة تمتاز بها عن الطرفين.
وهذا هو سرّ الإمامة ولا يصل كلّ واحد من الطرفين إلَّا ما تقتضيه حقيقته ، بخلاف المظاهر البرزخية فإنّها تقبل ما يصلح للجمعية .
وكلّ موجود من العوالم الأمرية الروحانية والأعيان الجسمانية الملكية مظهر ومرآة لاسم مخصوص وصفة جزئية أو كلَّية من الأسماء والصفات الإلهية والحقائق الذاتية الكلَّية .
وإن كان لسائر الأسماء في ذلك مدخل بحكم التتبّع كالطالع من الفلك يقتضي لصاحبه خصوص حكم مع شركة سائر البروج .
وليس شيء منها علوا وسفلا مظهرا تامّا كاملا للذات المطلقة الكاملة الجزء الجزئية في حقيقته ، وإلَّا لانقلبت الحقائق وخرجت عن ذاتياتها ، فصار المطلق مقيّدا وبالعكس ، فظهور الحق بالوجود فيها لا يكون إلَّا بقدر قابليته واستعداده .
وهو سبحانه وتعالى يقتضي لذاته أن يظهر بالكلّ ويظهر به الكلّ ظهورا أحديا جميعا ، وظهوره في الكلّ بحسب الكلّ ، فلا يظهر الحق لنفسه بدون مظهر منها بما يقتضيه المظهر ، بل بالمظهر .
فهذا معنى قوله : " فإنّه يظهر لنفسه في صورة يعطيها المحلّ ممّا لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحلّ " .
كما أنّ الناظر في المرآة المتشكَّلة بشكل خاصّ من الطول والتدوير وغيرهما لا تظهر صورته بذلك إلَّا بحسب المحلّ لا بحسب الذات خارج المرآة .
فافهم من هذا المثال ظهور الحق في كلّ شيء بحسبه " وَلِلَّه ِ الْمَثَلُ الأَعْلى " وهاهنا أسرار " وَالله يَهْدِي من يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ "  .
قال رضي الله عنه : ( وقد كان الحقّ سبحانه أوجد العالم  وجود شبح مسوّى لا روح فيه ، فكان كمرآة غير مجلوّة ) .
يعني رضي الله عنه : أنّ المراد المطلوب والعلَّة الغائيّة المقصودة من إيجاد العالم ظهور الحق وإظهاره نفسه لنفسه ظهورا وإظهارا فعليا تفصيليا كما اقتضت ذاته المطلقة تكميلا لمرتبتي الجمع والفرقان ، والغيب والشهادة ، والإخفاء والإعلان ، فكمال الجلاء والاستجلاء وإحاطة الشهود بالغيب والشهادة هو السرّ المطلوب والعلَّة الغائيّة من العالم .
فإذا لم يحصل كمال الظهور والإظهار على النحو المطلوب ، لم يكن له سرّ وروح ، والعالم كلَّه أعلاه وأسفله ، وأمره وخلقه ، ظلمانيته ونورانيته كما قلنا مظاهر الأسماء الإلهية ، فما من موجود منها إلَّا والغالب على وجوده حكم بعض الأسماء على سائرها .
فذلك البعض سنده وإليه مستنده ، والحق من حيث ذلك الاسم ربّه ومعبوده ، ومن حضرته فاض عليه وجوده وهو عند التجلَّي مشهوده .
فظهور الحق وإن وجد قبل الكون الجامع والمظهر الكامل والمجلى الشامل نحوا من الظهور تفصيليا فرقانيا ، ولكنّ المطلوب بالقصد الأوّل هو كمال الجلاء والاستجلاء ، فحيث لم يوجد كمال الظهور في المظهر الأكمل ، لم يحصل المراد المطلوب من إيجاد العالم لعدم قابلية العالم بدون الإنسان لذلك ، وقصوره عن كمال مظهريته تعالى ذاتا وصورة جمعا وتفصيلا ، ظاهرا وباطنا ، فكان كمرآة غير مجلوّة ، أي غير قابلة لروح التجلَّي المطلوب والمراد المقصود المرغوب ، فكان العالم بمنزلة شبح مسوّى لا روح فيه لأنّ الروح إنّما يتعيّن في المحلّ بعد التسوية .
كما قال تعالى مقدّما للتسوية على النفخ في قوله : " فَإِذا سَوَّيْتُه ُ وَنَفَخْتُ فِيه ِ من رُوحِي ".
فالتسوية عبارة عن حصول القابلية في المحلّ للنفخ الإلهي ، وهو عبارة عن التوجّه النفسي الرحماني بالفيض الوجودي والنور الجودي.

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له. وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة.)
قوله ( فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤية نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة ) تعليل للمشيئة المذكورة يتضمن الجواب عن اعتراض مقدر .
وهو أن الله تعالى أزلى الذات والصفات ، وهو بصير في الأزل بذاته وغيره : كما قال أمير المؤمنين على رضى الله عنه :
بصير إذ لا منظور إليه من خلقه ، فلا يحتاج في رؤية عينه إلى مظهر كوجود العالم يرى عينه فيه ، فأجاب أن بين الرؤيتين فرقا بينا وليست الرؤية الأولى مثل الثانية وبين الفرق
بقوله ( فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له )
وهي تعليل لنفى المماثلة بين الرؤيتين والضمير للشأن والجملة خبره أو للحق أي أن الحق يظهر له عينه في صورة المرآة وهي المحل المنظور فيه من وجه لم يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه لنفسه فيه ، فإن الظهور في المحل رؤية عينية منضمة إلى علمية وفي غير المحل رؤية علمية فقط .
كما أن تخيل الإنسان صورة حسنة جميلة في نفسه لا يوجب له من الاهتزاز والبهجة ما توجب مشاهدة لها ورؤيته إياها .
قوله ( وقد كان الحق أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه وكان كمرآة غير مجلوة ) جملة اعتراضية بين الشرط وجوابه والشرط مشيئته لرؤية أعيان الأسماء أو عينه في كون جامع ، والأسماء مقتضية لوجود العالم اقتضاء كل اسم جزءا منه ، فقد كان العالم موجدا باقتضائها له قبل وجود الإنسان الذي هو الكون الجامع .
لأن كل اسم يطلب بانفراده ظهور ما اشتمل عليه وهو الذات مع صفة ما : أي وجودا مخصوصا بصفة ، والاسم الآخر وجودا مخصوصا بصفة أخرى ، فلم يكن لشيء من الأسماء اقتضاء وجود اتحد به جميع الصفات إذ ليس لأحد من الأسماء أحدية الجمع بين الصفات ، فلم يكن للعالم مظهرية أحدية جميع الوجود ولذلك شبهه قبل وجود الإنسان فيه بأمرين شبح مسوى لا روح فيه أو مرآة غير مجلوة ، إذ لم يظهر فيه وجه الله بل وجوه أسمائه ، فوجود شبح نصب على المصدر أي أوجده وجودا مثل وجود شبح مسوى لا روح فيه

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له. وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة.)
ويؤيد هذا المعنى قوله: (فإن رؤية الشئ نفسه بنفسه، ما هي مثل رؤيته نفسه في أمرآخر يكون له كالمرآة، فإنه تظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له هذا).
تعليل للمشية وإيماء إلى سؤالمقدر، وهو أن الله بصير قبل أن يوجد العالم الإنساني، فكيف شاء ذلك؟ فأجاببأنه ليس رؤية الشئ نفسه بنفسه في نفسه، كرؤية نفسه في شئ آخر يكون لهذلك الشئ مثل المرآة. وذلك لأن المرآة لها خصوصية في ظهور عين ذلكالشئ، وتلك الخصوصية لا يحصل بدون تلك المرآة، ولا بدون تجلى ذلك الشئ لها، كاهتزاز النفس والتذاذها عند مشاهدة الإنسان صورته الجميلة في المرآة الذي هو غير حاصل له عند تصوره لها.
وكظهور الصورة المستطيلة في المرآة المستديرة مستديرة، والصورة المستديرة في المرآة المستطيلة مستطيلة، وكظهورالصورة الواحدة في المرايا المتعددة متعددة، وأمثال ذلك.
لا يقال، حينئذ يلزم أن يكون الحق مستكملا بغيره، لأن هذا الشئ الذي هو له كالمرآة من جملة لوازم ذاته ومظاهرها التي ليست غيره مطلقا، بل من وجه عينه ومن آخر غيره، كما مر في الفصل الثالث من أن الأعيان الثابتة أيضا عين الحق ومظاهره العلمية.
فلا يكون مستكملا بالغير وإلى هذا المعنى أشاربقوله: (يكون له كالمرآة) ولم يقل: في المرآة. لأن المرآة غير الناظر فيها من حيث تعيناتهما المانعان عن أن يكون كل واحد منهما عين الآخر. وليس هنا كذلك، لأن التعين الذاتي أصل جميع التعينات التي في المظاهر فلا ينافيها  
وقوله: (في أمر آخر) أي، بحسب الصورة لا بالحقيقة.
وقوله: (فإنه يظهر) تعليل عدمالمماثلة. والضمير للشأن تفسره الجملةالتي بعده.
و (من) في (مما) للبيان. أي، تظهر له نفسه في صورة من الصور التي لم تكن تظهر للرائي بلا وجود هذا المحل ولا بقابلة له.
ولما كان الرائي ههنا هوالحق، عبر عن التقابل بالتجلي. فضمير (تجليه) للحق، وضمير (له) للمحل. وقرأ بعضهم: (ولا تجلية) بالتاء على وزن تفعلة. أي، منغير وجود هذا المحل ومن غير تجليته للمحل من الجلاء.
قوله: (وقد كان الحق أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان) . أي العالم "كمرآة غير مجلوة."

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له. وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة.)
ثم أشار إلى تعليل ذلك بقوله: (فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه، في أمر آخر يكون له كالمرآة؛ فإنه تظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه، مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل، ولا تجليه له)
أي: إنما شاء الحق من حيث أسمائه الحسنى، أن يرى أعيانها أو عينه في الأكوان الجزئية، أو في كون جامع؛ لأنه تعالى، وإن كان يرى ذاته وأسمائه وصفاته في الأزل .
فتلك الرؤية، وإن كانت كما له يستغني بها عن رؤية أخرى، فليست مثل رؤيته ذاته وأسمائه وصفاته في الأكوان الجزئية متفرقة، أو في الكون الجامع مجتمعة، فإن الرؤية فيها تختلف باختلاف المظاهر، كما تختلف صورة أحدنا في المرآة استقامة، واعوجاجا، واستدارة، واستطالة.
وهي كمال آخر الظهورها مستغن عنه بالنظر إلى الذات والأسماء والصفات من حيث تعلقها بالذات؛ فهي غیر مستكملة بها في أنفسها بل في ظهوراتها، ومن شأن الكامل التكميل.
على أنه يجوز أن يقال: إنها كمال الأسماء من حيث تعلقها بالأكوان، وظهور صورها وآثارها، وهي وإن كانت كاملة أزلية؛ ففيها جهة إمكان من حيث إنها غير قائمة بأنفسها بل بالذات، وهي باعتبار ذلك تطلب الكمالات الإمكانية؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم.
ثم أشار الى سبب ظهوره في الكون الجامع كآدم بعد ظهوره في العالم.
فقال: (وقد كان الحق) قبل خلق آدم (أوجد العالم كله وجود شبح مستو، لا روح فيه) "لفقد عين الإنسان الذي هو إنسان العين، والذي لم يكن شيئا مذكورا".
أما كونه كالشبح المستوى فباعتبار انتظام بعض أجزائه ببعض.
وإفاضة الأرواح الغير الإنسانية على الأجسام مثل انتظام أمر المركبات العنصرية مستوية المزاج، وإفاضة الأرواح المناسبة لها، وأما كونه لا روح فيه مع ذلك فباعتبار عدم ما هو المقصود بالذات من خلقه، وهو الكون الجامع لظهورات الأسماء والصفات على نهج الاجتماع كما كان في الذات.
وإنما أوجد الحق العالم قبل كذلك؛ لأن الجمعية تفتقر إلى الأجزاء، فأوجد أجزاء العالم؛ ليكون كالأجزاء لتلك الجمعية.
ويكون العالم كالبدن الجامع للأجزاء، وتكون الجمعية بمنزلة الروح للبدن، إذ هذه الجمعية هي المقصودة؛ لأن المعرفة التامة المقصودة من خلق العالم لا تحصل بدونها، إذ لا يعرف أحد ما ليس فيه.
(فكان) العالم قبل آدم ?مرآة غير مجلوة، أما كونه كالمرآة فلشموله على صور الأسماء بحيث تصح إفاضة روح الجمعية عليها شمول المرأة على الأجزاء القابلة لفيضان صور الأشياء عليها، وأما كونه
(?مرآة غير مجلوة )؛ فلأنه وإن ظهر في بعض أجزائه الأرواح المناسبة لها لم تظهر فيه الروح المقصود بالذات الذي هو صورة الجمعية الإلهية.
"قال رضي الله عنه : غير مجلوة أراد بعدم جلائها احتجابها بذاتها، فلا ترى نفسها إلا بعينها لا بعين الرب ، فأوجد آدم على صورة الكون: أي جميع الكائنات غيبا باطنا وظاهرا شهادة؛ ليقابل بغيبه الغيب، وبشهادته الشهادة ليتجلى له بجميع الأسماء، وينظر للكون ببصر وبصيرة الله فافهم."

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له. وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة.)
ثمّ إنّك قد عرفت أنّ للكتاب المبصر اختصاصا بطرف الولاية ، كما أنّ للكلام المسموع بطرف النبوّة ، فلذلك عند الإفصاح بغاية المشيّئة صرح بالأوّل وأبهم في الثاني وفاء بما هو مقتضى منصبه ، ومن هاهنا تراه قد ظهر له هذا الفيض المذكور من الخاتم في مبشّرته مرئيّا بصورة الكتاب في يده ، وما ظهر مسموعا بصورة الكلام في فمه .
وها هنا تلويح لا بدّ من التنبيه عليه : وذلك أنّه كأنّك قد نبّهت أنّ الوحدة الحقيقيّة من حيث هي هي إنّما تظهر في الكثرة بحسب غلبة أحكامها ، وبيّن أنّ نهاية أمر الكثرة وغاية سلطان التفرقة في الاثنين ما لم يحصل لهما ثالث يجمعهما بالنسبة الامتزاجيّة التي بينهما ،وما سوى الاثنتين من المراتب لا يخلو عن تلك النسبة أصلا .
ثمّ إنّه من تفطَّن لهذا الأصل لا يخفى عليه وجه اشتمال عباراته هاهنا على الوجهين المتقابلين ، وكذلك انطواء الآية الكريمة المفصحة عن التوحيد حقّه على المتقابلين مرّة بعد أخرى . 
وما من آية دالة ولا كلمة كاشفة عن التوحيد إلَّا وفيها وجه من وجوه الكثرة ، وكلَّما كان ذلك الوجه فيها أكمل وأتمّ ، كان دلالتها عليه أظهر ، فلا تغفل عن وجه ما نحن فيه من احتمال كلامه للوجهين.
     
ثمّ أنّ ظهور السرّ وإن كان بالأخرة للحقّ ، لكن أوّل ما يظهر إنّما هو للعبد الكائن بحسب تقرّبه إليه بقرب النوافل والفرائض ، ولا يبعد أن يكون استعمال الظهور هاهنا ب « إلى » إيماء إليه .
نكتة حكميّة : الكون الجامع حاصر للأمر إذ قد تبيّن أنّ من الخواصّ اللازمة البيّنة للهويّة المطلقة جمعيّة الأضداد .
وتعانق الأطراف حسبما عرفت فالذي يصلح لأن يظهر به عينها لا بدّ وأن يكون له صورة من تلك الجمعيّة، أشار إلى ذلك بأن الكون الجامع حاصر للأمر الذي لا يبلغه الإحصاء، فهو الجامع بين الإحصاء وعدمه، وهذا من صور سرّه الذي يظهر به .
ثمّ إذ قد احتاج أمر ظهور السرّ المذكور بالكون الجامع لما فيه من الإجمال لفظا والخفاء معنى إلى زيادة من البيان والتوضيح، صوّره في صورة التمثيل ببيان يندفع به ما يمكن أن يورد ها هنا  وهو : 
«إنّ الحقّ في التجلَّي الأوّل شاهد لعينه وجميع أسمائه ومراتبه بنفسه ، فلا يحتاج في رؤيته ذلك إلى الغير ، وبعد تسليم ذلك ، فإنّ في القلم الأعلى والعقل الأوّل من الجمعيّة والإظهار ما يغنيه عن الكون الجامع» ؟

بقوله : (فإنّ رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة) وتلخيص ذلك أنّ الرؤية التي هي غاية المشيّة والأمر الإيجادي إنّما هي الرؤية الخاصّة التي عند تعاكس صورة الرائي من القابل المقابل النازل منزلة المرآة له (فإنّه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه ،مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ، ولا تجلية له) ، وذلك أنّ للمرآة خصوصيّات زائدة على صورة الرائي من حيث هي هي ، مختفية عنه بدونها ، فهي سرّه الذي يظهر بها ، وذلك مما لم يمكن أن يظهر له بدون وجود محلّ هو بمنزلة المادّة لهذا الأمر ، وتجلَّيه له هو بمنزلة الصورة .
فالأوّل هو العالم كلَّه ، والثاني هو آدم نفسه ، فاندفع حينئذ ما ذكر .
أمّا الأوّل فظاهر ، لعدم المغايرة هناك .
وأمّا الثاني فلأنّ القلم لكونه صورة العلم الإجمالي - المكنى عنه بـ «نون» يجب مطابقته للعلم التابع للمعلوم ، فالصورة التي فيه ليست ممّا لم يكن بدونه يعطيها ، فإنّ سلطنة الإعطاء مختصّة بأصل القابل وصميم هيولاه ، فلا يكون له منزلة المرآة ذات الخصوصيّات والأسرار - على ما ستطَّلع عليها .
أمّا الأوّل : فهو أنّ الوحدة الحقيقيّة على ما عرفت غير مرّة آبية عن ثنويّة التقابل ، فكلَّما كانت جهات الكثرة في مظهرها أشمل ، كان ظهورها فيه أتمّ ، ووجهها فيه أجمع .
وأمّا الثاني فهو أنّ صورة الجمع بين طرفي الإجمال من النون وتفصيله ، هي النقطة ، كما أنّ القلم هو الألف ، وهذا يناسب ثاني الاحتمالين . 
فقوله : « ولا تجلية له » تفعلة على هذا التقدير ، ويمكن أن يقرء : « تجليه » بالإضافة إلى فاعله ، والأول أوفق لسياق الكلام على ما لا يخفى .
وقوله ( وقد كان الحقّ أوجد العالم كلَّه ) جملة حاليّة ، لا اعتراضيّة فإنها مبيّنة لأمر الكون المذكور بأنّه موجود بمادّته ، فلا بدّ مما يجعله بالفعل ، وهي الصورة ، وهو أوّل الأمرين الموقوف عليهما ظهور السرّ .
والتعبير عنه بالماضي إشارة إلى ما للمادّة من التقدّم الذاتي ، وأنّ الفاعل عند تحصيل هذه الغاية الكماليّة وإظهارها مشغول عن جعل المادّة وإيجادها إلى تصويرها بالفعل ، فلذلك ما نسب الإيجاد بإطلاقه إلى العالم بل خصّصه و من ها هنا اختصّ مباشرة اليد بآدم في قوله : "خمّرت طينة آدم بيدي" .
ثمّ إنّه كما أنّ لآدم كمالا بحسب الإظهار وله منزلة التجلية للمرآة ، له الكمال بحسب الظهور أيضا ، وله منزلة الروح في الشبح . 
فقوله : ( وجود شبح مسوّى لا روح فيه ) إشارة إلى الثاني "آدم".

وقوله : ( فكان كمرآة غير مجلوّة ) إلى الأوّل "العالم كله" تطبيقا لصورة مسألته بالمثال مادّة وصورة .
ثمّ لمّا بيّن وجود المادّة وتقدّمها الذاتي موميا إلى أنّها من حيث هو قابل فارغ عنه الفاعل ، غير محتاج هو إليه كما ستطلع على تحقيقه أشار إلى بيان نسبة الإيجاد من الفاعل ، والقبول من القابل بحيث ينطبق على ما ذهب إليه من التوحيد الذاتي ، ويوافق ما أشار إليه في صدر الفصّ من تسوية العبارتين في مادة الشبح المسوّى ، الغالب عليها قهرمان الكثرة .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له. وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة.)
قوله : "فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرأة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له "
أعلم أن رؤية الحق سبحانه أعيان الأسماء في الكون الجامع ينبغي أن يكون غير العلم بها.
فإن العلم بها ثابت أزلاً وأبداً لا احتياج فيه إلى مظهر ولا سبق مشيئة،
فالمراد بها : إما العلم بعد الوجود فيكون التغير في المعلوم لا في العلم ، فالعلم بالشيء قبل وجوده علم وبعد وجوده رؤية وشهود، وليس فيه مزيد فائدة.
وأما الإبصار إما نظراً إلى مقام الجمع على أن يثبت البصر للحق سبحانه مغايراً لنسبة العلم سواء كانت صفة وجودية أو نسبة اعتبارية.
فالشيء قبل وجوده معلوم وبعد وجوده مرئي مبصر،فإن الشيء ما لم يوجد لم يبصر.
وإما نظراً إلى مقام الفرق فتكون الأشياء مرئية للحق سبحانه باعتبار ظهوره فی المظاهر فی?ون مرائیاً فی المظاهر، ?ما آنه مرئی فیها .
فان قلت : آعيان الأسماء أمور معقولة فكيف تتعقل الرؤية لها.
قلت ذلك إنما هو باعتبار اتحاد المظاهر بالمظهر .
فإن قلت: بعض المظاهر أيضاً غير مدركة بالبصر كالمجردات.
قلت : إذا كان البصر مستنداً إلى مقام الجمع فيمكن أن لا يكون مشروطاً بأن يكون المبصر مادياً.
وإذا كان مستنداً إلى مقام الفرق فيمكن أن يكون المراد به قوة العلم والحضور سواء كان بالبصر أو البصيرة .
فإن قلت : أعيان بعض الأسماء وآثارها إنما تدرك بسائر القوى ?السمع واللمس  والذوق والشام والقوى الباطنة ، فما وجه التخصيص بالرزية .
قلت : المراد بالرؤية : إما الإحساس مطلقاً بل الإدراك بعد الوجود أو ترك ما عداها، لأنه يعرف بالمقايسة.
ولما كان القائل أن يقول : إن الحق سبحانه كان يعلم الأسماء وأعيانها ويراها ويشاهدها أزلاً في مجلى التعيين الأوّل والثاني من غير وجود الكون الجامع في الخارج ، فأي حاجة إلى وجوده علل المشيشة.
دفعاً لذلك بقوله: (فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه) من غير توسط ظهوره في المظهر (ما هي) أي تلك الرؤية (مثل رؤية نفسه في أمر آخر يكون) هذا الأمر.
أي كذلك الشيء (كالمرآة) لانطباع صورته فيه (فإنه)، أي ذلك الشیء حین یظهر فی المظهر (تظهر له نفسه فی صورة یعطیها المحل المنظور فیه) بحسب قابليته لتجليه(مما لم يكن)، أي من صورة لم تكن (يظهر) هذه الصورة (له)، أي لذلك "من غير وجود هذا المحل و لا تجليه له."
"و قد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة."
الشيء بنفسه (من غير وجود هذا المحل) المنظور فيه (ولا تجليه)، أي تجلي ذلك الشيء (له) أي لهذا المحلي .
ولما كان الرائي ههنا هو الحق سبحانه عبر عن التقابل بالتجلي .
وقرأ بعضهم : ولا تجلية بالتاء على وزن تفعلة، أي ومن غير تجلية للمحل من الجلاء.
ثم إنه كذلك القائل أن يعود ويقول : كما كان الحق سبحانه يعلم نفسه بدون الكون الجامع كذلك كان تعليمها ما يلحقها عند ظهورها فيه، فأي حاجة إلى وجوده فعلة المشيئة في الحفيقة هي الرؤية المغايرة للعلم على أي وجه كانت لا غير.
لا يقال : يلزم من ذلك است?ماله سبحانه بغیره.
لانه یقال : هذا الشيء له ?المرآة من مظاهره التي لیست غیره مطلقاً بل من وجه لا يخفى ما فى هذا الجواب ، فإن مرآئية هذا الشىء إنما هى من جهة المغایرة ، فیلزم الاست?مال به من حیث إنه غیر و يعسر لا المحذور . فالحق في الجواب أن يقال : إن للحق سبحانه كمالين : ذاتياً وإسمياً.
وامتناع استكماله بالغير إنما هو في ال?مال ألذاتي لا الأسمائي.
فإن ظهور أيام لأسماء تمتنع بدون ان مظاهر ال?ونیة، ولما بین رضي اللّه عنه تعلق المشینة بوجود ال?ون الجامع أردفه بذ?ر وجود شرائط وجوده بل موجباته بجملة حالية.
فقال : (وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم ?له)، أی أفاض علی أعيانه الثابتة وجوداً يماثل (وجود شبح مسوّى) معدل (لا روح فيه)، فإن كلاً من الموجودين  يستتبع وجود أمر آخر فوجوب العالم يستتبع ال?ون العالم .
ووجود الشبح المسوي يستتبع وجود الروح و نفخه فيه (ف?ان) ، أي العالم  بلا وجود ال?ون الجامع الذي هو بمنزلة الروح له (?مرآة غیر مجلوة)،  لأن الروح للشبح المسوى بمنزلة الجلاء للمرأة إذ بهماً كمالهما.  ثم أنه رضي الله عنه بين حال الممثل به ليعلم حال الممثل له .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:36 pm عدل 4 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثالثة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 7:53 am

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثالثة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثالثة : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (  فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له.  وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة فإنه تظهر له نفسه هي صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل و لا تجليه له ) . 

قال الشارح رحمة الله : 
و قال رضي الله عنه : (إن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤية نفسه في أمر آخر)، هذا دفع اعتراض متوهم، و هو أن الله تعالى أزلي الذات، و أزلي الصفات، فكان بصيرا بذاته في الأزل و لا  شيء معه، فكان يرى الأعيان في العدم في القدم . 
فأجاب رضي الله عنه بأن له تعالى الرؤية، و لكن رؤية  الشيء بنفسه كرؤية الحق الأعيان الثابتة في نفسه و ذاته في حضرة اتحاد العالم، و المعلوم، و العلم ليس كرؤية نفسه في أمر آخر. أي الذي يرى نفسه بنفسه في نفسه ليس مثل ما يرى نفسه في أمر آخر.
و إنما قال رضي الله عنه في أمر آخر، و ما قال في الغير لأنه لا غير عنده، و لكن كأنه غيره من بعض الوجوه و التجلي ما خرج عن الأقدس الذاتي . 
فحاصل كلامه رضي الله عنه: إن الرؤية قد تتعلق بالمعدوم في الخارج، و قد تتعلق بالموجود فيه، فإذا تعلقت بالموجود في الخارج تعلقت بحسبه، فإنها تابعة للمرئي كالعلم فإنه تابع للمعلوم مطلقا حقا أو خلقا، فافهم .

"" أضاف المحقق قال سيدي علي وفا رضي الله عنه : 
إذا أفادك الحق نفسه بكشفه وبيانه فحصلت لك رؤيته والتحقق به ، فإنما رآه و تحقق به نفسه التي أفادك إياها، فهو لا يراه إلا إياه، ولا يتحقق به سواه، و كل صديق لصادقه هو، يتحقق به ويراه، فنفاة الرؤية و مثبتوها على صواب كما سمعت، فافهم.
قال تعالى : " قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ" [يونس: 108]، إنما يعني هنا أنا المستحق الأصيل إن عرفتم حقي الجميل الجليل، فافهم. ""
( يكون له ): أي أمر آخر يكون لذلك  الشيء في الرؤية (كالمرآة ) المصقولة الصحيحة المقابلة، فإنه يرى فيها بحسبها لا بحسب الرائي.
فإنه تظهر له : أي للشيء نفسه في صورة يعطيها: أي استعداد المرآة و هي المحل المنظور فيه و هو العالم، أو الإنسان الكامل، كالوجه يرى في المرآة بحسبها مختلفة كالاستطالة و الاستدارة و غيرهما مع وحدة الوجه الناظر فيها، و ما ذلك إلا لاختلاف الاستعدادات و القابليات في ذات المرآة . 
( مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل) الذي بمنزلة المرآة و المجلي، (و لا تجليه له ) عطف على يظهر: أي لا يظهر له و لا تجلى من غير هذا المحل، فلمّا كان الرائي هو الحق عبر عن التقابل و التواجه بالتجلي لاستلزامه العلم.
و الشعور بالمتجلي كما هو المصطلح: أي و لا يظهر تجليه: أي تجلي الحق له: أي للمحل من غير هذا الوجه، و هو الوجود الخارجي . 

ذكر الشيخ عين القضاة قدّس سره في بعض تصانيفه عن شيخه الشيخ أحمد الغزالي: 
إن شيخه أبا بكر النسّاج قال في مناجاته: إلهي ما الحكمة في خلقي؟
فقال له: الحكمة في خلقك رؤيتي في مرآتك روحك، و محبتي في قلبك . 
ذكره الشيخ عبد الرحمن الجامي قدّس سره في "النفحات" . 
قال الشيخ قدس الله سره: (و قد كان الحق أوجد العالم كله وجود شبح مسوّى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوّة)
( و قد كان) اعلم أن لفظ كان يعطي التقييد الزماني، و ليس المراد هنا به ذلك و لا في الإلهيات، كما قال سبحانه: "و كان اللّهُ غفُورًاً رحِيماً" [ الفرقان: 70].
و إنما المراد به: الكون الذي هو الوجود، فتحقيق كان أنه حرف وجودي لا لفعل بطلب الزمان، و لهذا لم يرد ما يعتقدون علماء الرسوم، و لا كما قيل في قوله صلى الله عليه و سلم:" كان الله و لا  شيء معه "الحديث.
و هو الآن كما كان زيادة مدرجة في الحديث ممن لا يلاحظ معنى كان في الإلهيات، و لا سيما في أمثال هذه المواضع، فلهذا أسماها و أخواتها بعض النحاة حروفا تعمل على الأفعال، و هي عند سيبويه حرف وجودي، و لو تخيل فيه الزمان لوجود التصرف من كان يكون، فهو كائن . 
هذا الذي سقناه إنما هو على قول الولي إذا قال مثل هذا اللفظ.
أو نطق به من مقام ولايته لأن مقام المرتبة التي منها بعث رسولا، فإن الرسول إذا قال مثل هذا اللفظ في المعرفة بالله من مقامه الاختصاصي فلا كلام لنا فيه، و لا ينبغي لنا أن نشرع فيما ليس بذوق لنا .  
و أمّا بلسان الولاية فنحن نترجم عنه بأعلى وجه يقتضيه حالها هذا غاية الولي في ذلك، فإذا عرفت أنه ليس المراد من لفظ  كان معنى القبلية الزمانية، بل أنه أداة توصيل تدل على نسبة يحصل بها المقصود في نفس السامع . 
فاعلم أنه رضي الله عنه يشير بقوله: قد كان إلى المساوقة لمن وقف عليها ألا يتقيد وجود الحق مع  وجود العالم بين الإيجاد و المشيئة الأزلية، و إن كانت العبارة توهم بالمسابقة، و لكن ما يقول بها عقل، و لا يقدر على إقامة البرهان على ما ادّعاه.
و إنما قلنا بالمساوقة لأن الحقائق أعطت لمن وقف عليها أن لا يتقيد وجود الحق تعالى مع وجود العالم بقبلية، و لا معيّ ة و لا بعدية .
فإن هذه كلها أحكام الزمان، و أحكام الزمان في الإلهيات قد رمت به الحقائق في وجه القائل بها: اللهم إلا أن يقول للتوصيل، و التعميم إذ ليس كل أحد أعطي الكشف على حقائق الأمور.
فلا نقول من لسان الحقائق على ما هو الأمر عليه في نفسه أن العالم موجود بعد الحق، كما لا نقول أنه موجود قبل الحق، و لا مع الحق فإن الحق هو الذي أوجده من العدم هو فاعله و موجده و مخترعه، فلا قدم له مع الحق بجميع الوجوه من الوجوه.
و لكن نقول الحق موجود بذاته، و العالم موجود به تعالى في حال لا قبل، و لا بعد، و لا مع لأنها كلها علل، و المقام مقام التنزه عن الآفات و العلل، و أين أنت من أن الزمان مقدر حركة الفلك؟ و متى كان الفلك؟
و متى كان حركته حتى يعتبر مقدارها زمانا؟
و هو من عالم الحق، و كلامنا من فوق عالم الأمر . 
فإن قال متوهّم، فمتى كان وجود العالم من وجود الحق؟
قلنا: السؤال عن متى سؤال عن زمان، و هو من عالم النسب، و عالم النسب من عالم الخلق، و هو مخلوق لله تعالى، فلا نحكم على ما فوقه . 
فانظر كيف تسأل، و إياك أن تحجبك آلات التوصيل، و أدوات التفصيل عن تحقيق المعاني الصرفة التي لا يحتملها، أو إلى الحروف و الاصطلاحات، و لا تسعها قوالب الألفاظ، و ظروف العبارات . 
و هكذا الأمر هنا في نفس الأمر، فإنه قال رضي الله عنه: لما شاء الحق تعالى، ثم قال: و كان الحق أوجد، و هما يطلبان التقدّم، و التأخّر، أو المعية، و مثل هذه وقع في التنزيل، و هو قوله: "و كان عرْشُهُ على الماءِ" [  هود: 7] . 
حتى فهموا من هذا السوق قدمهما، فإذا تقرّر هذا، فقد تبين أن هذه الألفاظ الموهمة هي من الآيات المتشابهة الواجبة التأويل، و من أدوات التعليم و التفهيم و التوصيل، و ينبغي لكل عالم على حسب فهمه، و قوة نفوذه، وحدة بصيرته و بصره أن يفهم المعاني من وراء حجاب الألفاظ، و يغالط نفسه، و لا يغالط نفسه، فافهم .
فإن الأمر أنزه أن يعبر، وأعزّ من أن يشار إليه و يفسّر، وهنا سر آخر وهو من بعض محتملاته، وهو أنه ورد في الخبر الصحيح :" كان الله ولا شيء معه"  
ثم أدرج فيه العارف، و قال: الآن كما كان: أي لم ترجع إليه من إيجاده العالم صفة لم يكن عليها أزلا، بل كان موصوفا لنفسه، و مسمّى قبل خلقه بالأسماء التي يدعونه بها.
فلما أراد وجود العالم، فانفعلت الحقيقة الكلية المسمّاة بالهباء التي هي بمنزلة طرح الجص للبناء ليفتح فيها ما يشاء من الصور و الأشكال، و هي أول موجود العالم، فتمددت تلك الحقيقة الجصية المطروحة بمدد و ممدد ذاتي و اقتضاء أصلي أشباحا و أشكالا و صورا بلا أرواح على الحسب التقدير السابق، و تفصيله القائم بنفس الموجد الحق سبحانه.
فإن علم العالم و قدره بعلمه، و علمه تابع للمعلوم، و المعلوم عين ذاته لأنه في مقام وحدة العلم و العالم و المعلوم، فافهم هذا المبهم، و لا تخف إن ما في الوجود غيره، و كل ما في الوجود مراتب التنزلات الإلهية 
أما ترى إشارة قوله سبحانه: "إنّما قوْلنا لشيْءٍ إذا أردناهُ أنْ نقُول لهُ كُنْ فيكُونُ" [ النحل: 40] إنه تعالى أثبت له نحو وجوده ليسمع، و يطيع خطاب كن فيكون، فالقول قديم، و ثبوت  الشيء باعتبار عينه الثابتة أقدم، فافهم . 
و تحقيق هذه المسألة للأعيان الثابتة في حال عدمها وجوديا علما بالنسبة إلى الحق، و خاليا بالنسبة إلى الإنسان الكامل المتحقق بالحق: أي بمرتبته.

فيقول الحق تعالى له :  "كن فيكون" لسامع هذا الأمر الإلهي وجودا حسيا.
أي يتعلق به الحس في الوجود الحسي كما يتعلق به الخيال في الوجود الخيالي .
و هنا حارت الألباب هل الموصوف (بالوجود) المدرك بهذه الحواس هو العين الثابتة؟ أم لا؟ فافهم، ذكره رضي الله عنه في  حضرة الخالق من "الفتوحات" : 
و أيضا أن للممكن حضرية العدم، و الوجود عارض له، قال تعالى إشارة إلى هذه النكتة: "و آيةٌ لهُمُ اللّيْلُ نسْلخُ مِنْهُ النّهار" [ يس: 37].
فقدّم رتبة الليل الذي هو صورة العدم على رتبة النهار الذي هو صورة الوجود.
فحكم العدم يتوجّه على ما وجد من الصور العلمية في ثبوتها.
و حكم الإيجاد من واجب الوجود ما كان ما يكون بحسب اقتضاء الأعيان.
فالذي برز في الوجود من الصور هو علمه بالعالم، و علمه بالعالم عين علمه بنفسه، و علمه بنفسه كان أزلا أبدا .
لا عن عدم نعلمه بالعالم  كذلك، فالعالم كذلك، و لكن تقدّم الحق تعالى لأنه صفة له و صفات الحق قديمة بقدمه، فافهم . 
فإني أدرجت لك في هذا ملاك التصوف إن كنت صافيا، و فهمت في ضمن هذا السوق أن المسابقة على وزن المساوقة، و حكمها سواء و ذلك لأن الأشياء لها مواطن و أحكامها بحسبها، و ليست هذه المسألة من  مدركات العقل . 
و من أغرب أحكام هذا العالم، و أعجبها أن العقل بحكمه ضرورة على العلة، أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له، و لا المعلول سابق العلة، هذا حكم العقل السليم المستقيم لا خفاء فيه، بخلاف العلم التجلي فإنه يحكم أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له، و المعلول سابق العلة، و ذلك لوحدة العين، و صاحب العقل يرمي هذا الذوق، و أرباب الوهم بالذوق منه فيه . 
هذا هو جمع الأضداد الذي أشار إليه، و إلى تحققه وجه من وجوه الحق بقوله : 
عرفت الله بجميع الأضداد، ثم تلا: "هُو الْأوّلُ و الْآخِرُ و الظّاهِرُ و الباطِنُ" [ الحديد: 3] . 
و لا نقول بالاعتبارين لأنه سائغ في كل الأمور.
بل باعتبار واحد من عين واحدة، و نسبة واحدة، هذا هو الذوق الذي ذاقه أرباب الكشف و الشهود و المعتني الذي اعتنى بالقول بوحدة الوجود، هؤلاء القوم قد فارقوا المعقول، و لم تقيدهم العقول، هم الإلهيون حقا المحقّقون الذين حقّقهم الله بما أشهدهم صدقا . 
قال تعالى: "و ما رميت إذْ رميت و لكِنّ اللّه رمى"  [ الأنفال: 17] فأثبت، و نفي، و عرا و كسا حسبنا الله و كفى . 
فإذا فهمت ما قلناه إن شئت قلت بالإيجاد، و الخلوة و التأثير، أو بالظهور و البروز و الإبراز، و الإظهار فلا مناقشة في الألفاظ . 
قال تعالى: "يخْلقُ ما يشاءُ و يخْتارُ" [ القصص: 68]، "و على اللّهِ قصْدُ السّبيلِ" [ النحل: 9] . 
( الحق تعالى) إنما قال: الحق، و لم يقل: الله إذ لا يطلب الحق إلا بالحق، فالأعيان لو لا ما تستحق أن تكون مظاهرا لما ظهر الحق فيها . 
( أوجد ): أي أظهر العالم من العلم إلى العين .
  

 اعلم أن الخلق خلقان:
خلق تقدير و هو الذي يتقدّم الأمر الإلهي كما قدّمه في قوله تعالى: "ألا لهُ الخلْقُ و الْأمْرُ" [ الأعراف: 54] . 
و خلق آخر بمعنى الإيجاد، و هو الذي يساوق الأمر الإلهي بالتكوين بين خلقين خلق تقدير، و خلق إيجاد، فمتعلق الأمر خلق الإيجاد، و متعلق خلق التقدير تعيين الوقت لإظهار عين الممكن، فيتوقف الأمر الإلهي عليه.
و هكذا تعلق علم الباري بها أزلا، فلا يوجدها إلا بصورة ما علمه في ثبوتها في حال الثبوت، فالأمر الإلهي يساوي الخلق الإيجادي في الوجود.
فعين قوله: كن عين قبول الكائن للتكوين فكان فالفاء للتعقيب، و ليس هنا تعقيب إلا في الرتبة، فافهم 
( العالم كله) العالم مأخوذ من العلامة، و هو عبارة عن كل ما سوى اللّه، و العوالم كثيرة جدا، و أمهاتها هي الحضرات الوجودية، و أول العوالم المتعينة من العماء عالم المثال المطلق، ثم عالم الرسم، ثم عالم القلم و اللوح، ثم عالم الطبيعة من حيث ظهور حكمها في الأجسام تحقيقي الهيولي و الجسم الكل، ثم العرش، ثم هكذا على الترتيب إلى أن ينتهي الأمر إلى الإنسان في عالم الدنيا، ثم عالم البرزخ، ثم عالم الحشر، ثم عالم جهنم، ثم عالم الجنان، ثم عالم الكثيب، ثم حضرة أحدية الجمع و الوجود الذي هو ينبوع جميع العوالم كلها، هكذا كاشفه صاحب الكشف الأتم، فافهم و الله الهادي و المفهم . 
( العالم كله) العالم مأخوذ من العلامة، و هو عبارة عن كل ما سوى الله.
و العوالم كثيرة جدا، و أمهاتها هي الحضرات الوجودية:
و أول العوالم المتعينة من العماء عالم المثال المطلق.
ثم عالم الرسم.
ثم عالم القلم و اللوح.
ثم عالم الطبيعة من حيث ظهور حكمها في الأجسام تحقيقي الهيولي .
و الجسم الكل.
ثم العرش.
ثم هكذا على الترتيب إلى أن ينتهي الأمر إلى الإنسان في عالم الدنيا.
ثم عالم البرزخ.
ثم عالم الحشر.
ثم عالم جهنم.
ثم عالم الجنان.
ثم عالم الكثيب.
ثم حضرة أحدية الجمع و الوجود الذي هو ينبوع جميع العوالم كلها.
هكذا كاشفه صاحب الكشف الأتم، فافهم و الله الهادي و المفهم .
( وجود شبح) : أي كوجود جسم مسوى التسوية غير التعديل، لعل التسوية اعتبار كمية الأجزاء و التعديل باعتبار كيفية الأعضاء لتحصيل المزاج و هو كيفية مشابهة لا كما تبادر لبعض الأفهام، حتى أنه فسّر التسوية بالتعديل . 
أما ترى قوله تعالى:" الّذِي خلقك فسوّاك فعدلك . في أي صُورٍة ما شاء رّكبك" [الانفطار:7،8] جعل التعديل بعد التسوية لا عينها . 
و قال رضي الله عنه: إن الله ما جمع التسوية و التعديل و النفخ.
و قوله: كن إلا في الإنسان، فجعل التعديل غير التسوية، بل جعل الخلق رباعيا، فافهم . 
( لا روح فيه) لفقد عين الإنسان الذي هو إنسان العين، و لم يكن شيئا مذكورا .
( فكان كمرآة غير مجلوّة ): أي كان العالم  كله أعلاه، و أسفله كمرآة مسودّة غير مجلوّة إشارة إلى الجسم الكل الظاهر من وجود الهيولي ، و الطبيعة الكل ظلما مسودا يسمّى شبحة سوداء لهذه الظلمة الطبيعية التي فيه لأن الطبيعة ظل نفس الكل المعبر عنها بلسان الشرع باللوح المحفوظ، فإذا احتدّ إلى ذات الهيولي الكل يظهر من جوهر الهيولي، و الطبيعة جسم مظلم سمّي الجسم الكل.
تتوجّه إليه النفس بإنارته فتنشر الحياة في جميع أعضائه، فتلك عبارة عن نفخ الروح في عالم الأجسام العلوي و السفلي، فافهم.
فإن هذا ملخّص كلام الشيخ الإمام رضي الله عنه في "الفتوحات" و في غيره .
قال رضي الله عنه: غير مجلوّة أراد بعدم جلائها احتجابها بذاتها، فلا ترى نفسها إلا بعين الاتحاد لا بعين الامتياز.
فأوجد آدم على صورة الكون: أي جميع الكائنات غيبا باطنا و ظاهرا شهادة ليقابل بغيبة الغيب، و بشهادته الشهادة ليتجلى له بجميع الأسماء، فافهم 
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:35 pm عدل 4 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الرابعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 7:55 am

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الرابعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الرابعة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال.
وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.)
(ومن شأن)، أي عادة (الحكم الإلهي) الجاري في الخلق (أنه) أي الحكم الإلهي (ما سوی محلا) أي جسدة (إلا ولا بد أن يقبل روحا)، أي إمداد (إلهية)، له على طريق التدبير المستقل (عبر) في الشرع (عنه بالنفخ فيه).
قال تعالى: " ونفخت فيه من روحي" 29 سورة الحجر.
فالروح عامة في الحيوان والنفخ خاص في الإنسان (وما هو)، أي النفخ فيه
(إلا حصول الاستعداد) التام وهو التهيؤ (من تلك الصورة المسواة)، قبل ذلك. (لقبول فيض التجلي)، أي الظهور من الحق تعالى (الدائم) الأبدي في الدنيا والآخرة .
فهو تعالى المتجلي والمتجلى له من حيث إنه معطي الفيض وواضع الاستعداد، والفيض والاستعداد ظهوران له تعالى لا ينقضيان وتجليان لحضرته العلية أبديان.
(الذي) نعت للفيض (لم يزل) من الأزل حيث لم يكن شيء من العوالم غیر القوابل المتجلي هو لها من اسمه الباطن
(ولا يزال) في الأبد أيضا كل شيء ظاهر بما استعد له من اسمه الباطن. والتجلي هو السائق للعالم من الأزل إلى الأبد، وهو وصف فعلي من حيث القوابل، انفعالي من حيث الفيض الدائم.
(وما بقي) مما يسمى روح إلهية (إلا قابل)، أي مستعد للفيض الدائم من التجلي والقابل هو ذلك الجسد المسوي.
فالروح الإلهي هو ذلك الجسد المسوی من حيث إنه قابل لا مطلقا .
والحاصل أن الفرق بين الجسد المسوی والروح الإلهي بوضع القبول لذلك الفيض والاستعداد له. وهو أمر واحد ظهر في عالم الخلق بصورة جسد مسوي.
فإن انجلت الصورة وقويت من حيث تصويرها واستعدت لقبول الكمال الفياض من حضرة الجود الإلهي.
فذلك هو الروح الإلهي المنفوخ في ذلك الجسد المسوي وإن انجلت بعض الإنجلاء بحيث استعدت لإدراك المحسوسات فقط بقوة عرضية سارية في أجزاء الهيكل الجسماني. فهي الروح الحيوانية التي إذا فارقته مات.
ومن التنبيه على ذلك نزول جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي وفي صورة أعرابي ومجيئه المريم عليها السلام في صورة بشر سوي.
فإن ذلك الجسد البشري هو بعينه حقيقة جبريل عليه السلام وجبريل ما تغير عن حقيقته.
غير أن الله تعالى أعطى حقيقته الملكية لخصوصية فيها أنه متى فعل كذا من فعل مخصوص ظهر في صورة كذا، أو فعل كذا أو هكذا الأرواح الجنية في تشكلها.
(والقابل) المذكور (لا يكون) قابلا بوضع القابلية فيه من الأزل (إلا من فيضه) سبحانه وتعالى (الأقدس) المتنزه عن شائبة الحدوث والنقصان.
والحاصل أن الحق تعالى له تجليان أزليان :
تجلي ذاتي أعطى الاستعدادات  لجميع الكائنات، وتجلي صفاتي أعطى تلك الكائنات ما استعدت له .
وإن شئت قلت : تجلي واحد رسم الكائنات ثم نقشها وأثبتها ثم قواها في ذلك الإثبات فالاستعداد أو الرسم أو الإثبات هو الروح الأمري الإلهي وإعطاء كل مستعد استعداده ونقش الرسم وتقوية الإثبات هو الجسد المسوي .
فإن قلت : يلزم من هذا أن يكون الروح الأمري الإلهي سابقا على الجسد المسوي، وقوله تعالى: "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي" 29 سورة الحجر.
يقتضي سبق الجسد المسوى على نفخ الروح.
قلت : نعم الروح الأمري الإلهي سابق بدليل قوله عليه السلام: «إن الله خلق الأرواح قبل الأجسام بألفي عام».
وكذلك النفخ متوجه على ذلك الجسد، أي مقبل على تسويته قبل ظهور التسوية ، ولكن ظهور ذلك النفخ فيه بعد تمام تسويته.
فالروح الأمري هو الأول المتقدم على الجسد وهو الآخر عنه.
والجسد هو الأول في التوجه والإقبال على تسويته، وهو الآخر في ظهوره.
كما أن الروح هو الظاهر من حيث الأعمال والباطن من حيث عدم الإحاطة.
وكذلك الجسد هو الظاهر من حيث الصورة والباطن من حيث إنه توجه روحاني من ذلك الروح الأمري، فهو عين النفخ الإلهي، والنفخ الإلهي باطن فهو باطن من هذا الوجه .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال.
وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.)
(ومن شأن الحكم الإلهي). أي وقد كان من اقتضاء حكم الحق (أنه ما سوی محلا إلا ولا بد أن يقبل) ذلك المحل روحا إلهية بسبب تسوية الله تعالى (عبر عنه) أي عن الروح الإلهي (بالنفخ فيه) .
وأما القول بإرجاع ضمير عنه إلى القبول فليس بمناسب إذ القبول صفة المحل القابل والنفخ بمعنى إعطائه القابلية والاستعداد صفة لله تعالى .
لا بمعنى إخراج الهواء من جوف النافخ وإدخاله في جوف المنفوخ فيه فإنه محال في حقه تعالى فلا يعبر أحدهما بالآخر (وما هو) أي ليس ذلك القبول (إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المساواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال) فالعالم المسوی بدون الروح الإلهي بمنزلة المرآة الغير الصقيلة وبالروح الإلهي بمنزلة الصقيلة فكما أن المرأة بسبب جلاله تقبل صورة من يحاذيها وتعطيها لصاحبها .
كذلك العالم بسبب قبول الروح الإلهي يقبل التجلي الدائم الذي هو ظهور عينه إليه في ذلك المحل المكمل.
(وما بقي) شيء من المذكور لم يعلم حاله (إلا قابل) فإنه لما ذكر ولم يبين أنه أثر للحق أم الإلزام بيانه حتي پنكشف حقيقة الحال.
فقال (والقابل) في المادة القابلة للتسوية واستعدادها للروح الإلهي وقبولها لها وغير ذلك من لوازمها الذاتية .
كل ذلك (لا يكون) أي لا يحصل (إلا من فيضه) أي من تجليه (الأقدس ) من الكثرة الإسمائية فهذه كلها غير مجعولة إذ كل ما حصل من التجلي الأقدس غير مجعول كالماهيات و استعداداتها الحاصلة منه .
وأما استعدادها لقبول التجلي الدائم الذي من الفيض المقدس فهو مجعول إذ لا يحمل هذا الاستعداد إلا من قبول الروح الإلهي وهر أي نفخ الروح من الفيض المقدس.
والمراد بالفيض كون الجود الإلهي سببا لحدوث أنوار الوجود في كل ماهية قابلة للوجود بلا انفصال من الله تعالى .
واتصال إلى الماهية القابلة كفيضان الصورة على المرآة فإن صورة الإنسان مثلا سبب لحدوث صورة تماثلها في المرآة المقابلة بمحاذاة الصورة فليس فيهما انفصال واتصال.
وكذلك نور الشمس سبب لحدوث شيء يناسبه في النورية على الحائط لا بمعنى أنه ينفصل شعاع من جرم الشمس ويتصل بالحائط ويبسط عليه وهو خطأ.
وأما فيضان الماء من الإناء على اليد فإنه انفصال جزء من الماء عن الإناء واتصاله على اليد هذا ما ذكره الإمام محمد الغزالي قدس سره .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال. وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.)
قوله:  "ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوی محلا إلا ولا بد أن يقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال."
قلت: فإن ذلك الشبح المشار إليه هو القلم الأعلى وأنه استعد أن يظهر فيه روح تخصه، وتلك الروح هنا هي اللوح المحفوظ والحكم الذي يتعين في القابل نفس حصوله في تلك الحالة هو بمدد إلهي هو المسمى بالنفخ.
وقوله: "ما هو إلا حصول الاستعداد" معناه ما الشأن والقصة إلا حصول الاستعداد لقبول التجلي المسمى نفخا وذلك هو تجل دائم لم يزل ولا يزال والضمير الذي في قوله: ما هو إلا، يرجع إلى النفخ.
قوله: "وما بقى إلا قابل والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس".
قلت: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: هذا الاستعداد المشار إليه من أين هو؟
فأجاب لسان الحال: أنه من الفيض الإلهي الأقدس فإذا القابل والمقبول والقبول الجميع منه تعالى رحمة إيجادية.
وأقول في بسط حال هذا الشبح المسوي"الصورة":
إن الحق تعالى من الحضرة الذاتية المقدسة قال بلسان حال ذاتي لنور من أنوار قدسه، وأنوار قدسه نور واحد بسيط لا يوصف بالنهاية فقال له: «?ن» أولا لآخر، فحصل له من قوله «?ن» تعين فقط لا أكثر من ذلك فيتحقق فيه الأولية.
ولو كان فيه أكثر من حقيقة ذلك التعين لكانت الأولية لأحدهما دون الآخر.
أو يكون كل واحد منهما أولا فيكون القول منه تعالی برز لاثنين لا لواحد، فإذن ما حصل لذلك النور إلا تعينه فقط لكن حقيقته الأولية تستدعي آخرا وإلا لم يتحقق الأولية ولا بد منها ليظهر حكم «?ن» فحصل لذلك النور بالتعين المذكور أن يتميز عن بقية الأنوار.
وأن يكون فيه قابلية للظهور بصورة ثاني يكون لأوليته ذلك الثاني آخرا كما قلنا، فتعين ذلك النور تعينا آخر فكان كون آخر غيره فسمي النور في مرتبة التعين الأول قلما أعلى . وسمي هو بعينه في مرتبة التعين الثاني لوحا محفوظا.
لكن التعين الأول الذي هو القلم الأعلى شهد في قول الحق تعالی له: «?ن» أولا لآخر، يعني تهيئة لظهور اللوح المحفوظ منك. فقالت ذاته بلسان الحال: سمعا وطاعة.
فإن القول في تلك المراتب ليس إلا بلسان الحال فقول الحق تعالی له: تهيئا هو المعنى الذي عبر عنه. بأنه قال له: أقبل فأقبل وأدبر فأدبر.
فقال له تعالى: "وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أكرم علي منك، فبك آخذ وبك أعطي".
هكذا نقل الناقلون، فذلك التهيؤ منه هو قبول صور العالم وسري معنى ذلك التهيؤ المذكور في اللوح المحفوظ، فكان ت?یوه تسوية أخرى، فقبل اللوح بهذه التسوية المختصة به روحا هي مادة الجسم قبل ظهور صورته، فسميت كتابة معنوية من ذلك القلم الأعلى في اللوح المحفوظ ثم ظهرت حروف تلك الكتاب جسمان فكانت هي الكرات وهي أكوان حصلت كلها من معنوية قوله: "?ن" وبمعنوية "كن" حصل المدد من القلم الأعلى فيضا مستمرا، كان اللوح المحفوظ يقبله في ذاته، ثم يسترسل من ذاته في ذات المادة المذكورة.
فلما حصل لتلك المادة الجمود الذي به صارت أجراما جسمية اقتضى اليبوسة الحاصله لها من جهة الحقيقة الجسمية أن لا تقبل ذلك المدد في ذواتها كله بل مقدار ما يدوم لها وجودها به فقط.
فبقي باقي المدد يطلب النفوذ في حقيقة الجسم، فمنعه الجسم ذلك لجموده فقهره المدد بقوته فأدار الأفلاك ومخضها مخضا، فاندفع منها كل جزء إلى مشابهة فأخذت كل كرة ما ناسبها وبقي الثقل السخيف.
فاندفع إلى الوسط لما استدارت عليه الأفلاك، ف?انت منه الأرض لكن الأرض لما اندفعت إلى حقيقة الوسط استصحب بعض اللطائف وهي كثيفة فاقتضى الحال أن ينفصل منها ما لا يلائمها.
فأول ما انفصل منها ما هو أقرب إلى شبهها في الكثافة وكانت البحار فتميزت البحار عنها، إلا أن الماء وجد في ذاته ما هو ألطف منه، فلم يمكن أن يبقى معه فتصعد بخارا وهو الهواء، إلا أنه فيه بعد بعض كثافة الماء، فتميز ذلك البخار فما كان كثيفا يشبه الماء، دفعته الرياح التي هي في الحقيقة هواء، إلا أنها متدافعة فجمعت ذلك الكثيف الذي يشبه الماء، فانضم بعضه إلى بعض، فازداد كثافة ألحقته بالماء في الكثافة.
فنزل أمطارا فالتحق بكرة الماء، وكان قد انكشف من الأرض بعضها، فأصاب ذلك البعض من الأمطار ما رأيتهم واستمر الحال، فكل ما كثف من الهواء بواسطة ما يصعد إليه انعكس أمطارا.
ثم إن ذلك الهواء رقي منه لطيفه إلى سطح المقعر من باطن السماء الدنياء، واحتد لسخافته ورقته وقرب حركة فلك القمر منه، فسمى نارا لذلك الاحتداد الذي حصل له، فحصل في باطن سماء الدنياء أربعة أفلاك سماها الحكماءنارا وهواء وماء وترابا.
هذا ومدد القلم الأعلى متصل وكلما اتصل، اتصل دوران الأفلاك وكانت في الأفلاك أجرام هي أصفى جوهرا في الجسمية من بقية الأجسام الفلكية، فكانت هي الكواكب، و لصفاء جوهرها صارت لها أشعة فوقعت الأشعة على سطح الأرض وسطح الماء.
فأثرت في الماء فصعد البخار من البحار وأثرت في التراب تسخينه فقط، فسرت حرارة ذلك التسخين في باطن الأرض، فوجدت باطنها قابلا للتكوين المودع في ذلك المدد مما أودعه الله في القلم الأعلى فتكون في باطن الأرض أكوان أربعة:
"الكون الأول": أكثفها الجماد المعدني، فتحركت المعادن بالحركة الايجادية في بطن الأرض ومنعتها الكثافة أن تشق الأرض وتخرج منها إلا النادر.
والكون الثاني: النبات فإنه تكون تحت الأرض ولم يكن فيه كثافة المعدن ولا بلغ من اللطافة ما يفصله عن الأرض، فشق الأرض وخرج إلى الهواء، ولكن بقي رأسه في الأرض، فاغتذي برأسه منها وجسمه كله في الهواء.
والكون الثالث: هو الحيوان فإنه تكون في بطن الأرض وتحرك فيه كما تحرك المعدن والنبات بالحركة الإيجادية وزاد على النبات بأنه شق الأرض كما شقها النبات وخرج منها كما خرج النبات، وحصلت له زيادة وهي الانتقال من مكان إلى مكان فوق سطح الأرض، وتخلص رأسه من الأرض لكن ما بعد رأسه عنها، بل بقي مكبوبا منحنيا، فاغتذي من وجه الأرض وشرب من الماء كما شرب النبات.
والكون الرابع: هو آدم، عليه السلام، فإنه تكون أيضا تحت الأرض وتحرك كما تحركت الأكوان الثلاثة، وزاد عليها أنه تخلص رأسه تخلصا كاملا فانتصب وانتهى إليه الإيجاد.
فأعطاه القلم الأعلى معناه وهو العقل، وحقيقة اللوح المحفوظ وهو النفس، لأنها هي التي تقبل الكتابة وهي العلوم، وحقيقة المادة وصورتها الجسمية وهو جسم آدم، عليه السلام، وحقيقة الأركان الأربعة وهي النار والهواء والماء والتراب.
وذلك هو الصفراء التي في جسمه المشابهة للنار في الحرارة واليبوسة، والدم الذي هو مشابه للهواء في حرارته ورطوبته، والبلغم الذي هو مشابه للماء في برودته ورطوبته، والسوداء التي هي مشابهة للتراب في برودته ويبوسته.
وفيه أيضا ما يشابه المولدات منها وهي الثلاثة:
ففيه العظام كالمعادن - والنبات كالشعر - والحيوان كجسمه المحس.
ففيه صور العالم الكبير مجملة وأما ما فيه من المعاني والأسماء فسوف نذكره إن شاء الله تعالی.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال. وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.)
يعني رضي الله عنه : ليست تسوية الحقّ للمحلّ لقبول الروح إلَّا حصول الاستعداد ، فـ " هو " في قوله : « وما هو لسان الحكم الإلهي » .
وفي قوله : " عبّر عنه " يعود الضمير إلى الروح ، لا بمعنى أنّ الروح هو النفخ ، بل بمعنى أنّ الله ذكر تعيّن الروح في المحلّ بعد التسوية بهذه العبارة ، فقال :" وَنَفَخْتُ فِيه ِ من رُوحِي " .
ثمّ اعلم : أنّ تسوية الحق للمحلّ أن يعطيه الاستعداد والقابلية ، أي يظهر استعداده الذاتيّ غير المجعول ، فإنّه إن لم يكن له استعداد ذاتي لقبول هذا الاستعداد المجعول هذه الصورة المذكورة هيولى مستعدّة لقبول صورة بعدها إلى أن تنتهي في الصورة الإنسانية الكمالية .. "ثُمَّ الله يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ " 29 سورة العنكبوت.
وكلّ هذه الصور صور مراتب التسوية والإعداد لقبول تجلّ بعدها .
وكذلك صورة الحنطة هيولى مسوّاة لقبول صورة الدقيق ، وهي هيولى لصورة العجين ، وهي أيضا هيولى مسوّاة لصورة الخبز ، وهي هيولى لصورة الكيلوس أو الكيموس.
وكذلك إلى الصورة الدمويّة ، ثم اللحمية والعظمية وغيرها ممّا يطول ذكرها ، كذلك العالم صورة مسوّاة لقبول تجلّ كلَّي فرقاني تفصيلي أسمائي .
وبعده يستعدّ لقبول تجلّ كلَّي إنساني قرآني إلهي ذاتي ، وأسمائي جمعي بين الجمع والتفصيل أحديّ ، وهذا السرّ سار في جميع الصور ، فتدبّرها تدقيقا وتحقيقا ، إن شاء الله .
ثمّ اعلم : أنّ التسوية والتعديل لا يكونان إلَّا بأحدية فيما به الاشتراك بين الأجزاء الكلَّية ، المتميّز بعضها عن البعض بالذات والخصوصيات .
وتوحّد الجميع لسراية الوجود بالوحدة في حقائق المراتب ، وتوحيد تعديداتها وتمييزاتها بالوجود الواحد الظاهر بها والظاهرة هي به وفيه .
فإذا توحّدت الآحاد والأفراد بالوجود الواحد الموحّد بسرّ أحدية الجمع السارية في حقائق القابل والمقبول ، والحامل والمحمول ، والظاهر والمظهر ، والمتجلَّي والمجلى ، اضمحلَّت أحكام ما به المباينة والامتياز والاثنينيّة .
وتلاشت آثار النسب التعديدية حين استعداد القابل لقبول نفخ الروح الإلهي بالتوجّه النفسي الرحماني ، فلمّا ظهر الحق بأسمائه في العالم بصورة الكثرة الفرقانية التفصيلية ، استعدّ لنفخ روح الأحدية الجمعية الإنسانية ، فما بعد التفصيل إلَّا الجمع ، فافهم .
وقول الشيخ رضي الله عنه : ( لقبول الفيض التجلَّي الدائم ) إن كان"الدائم" مجرورا ، فـ "التجلَّي" بدل عن « الفيض » .
بمعنى أنّ التجلَّي الدائم هو الفيض ، أو عطف بيان ، ويسوغ إسقاط لام التعريف من « الفيض » وإضافته إلى « التجلَّي »
فيقال :لقبول فيض التجلَّي ويجوز أيضا إبقاء اللام في « الفيض » بحالها ونصب الياء من
" التجلَّي " ورفع محلّ " الفيض " المجرور بإضافة « قبول » إليه.
يعني أنّ الفيض الأوّل المعدّ لقبول التجلَّي يكون هو القابل للتجلَّي ثانيا .
والفيض بعد تعيّنه في قابلية الماهية القابلة له بحسبها يستعدّ استعدادا ثانيا وجوديا قابلا للتجلَّي ، فيكون حينئذ قابل الحقّ إنّما هو الحقّ .
والفيض الأوّل الذي وجد به القابل أوّل مرّة يقبل التجلَّي الدائم الذي لم يزل ولا يزال لكون الحق المتجلَّي دائم التجلَّي بالاقتضاء الذاتي ، فإنّه فيّاض النور أبدا الآبدين .
وقوله رضي الله عنه : (وما بقي إلَّا قابل ، والقابل من فيضه الأقدس) بعد ذكر ما ذكر وإن أوهم أهل الوهم أنّه كالتكرار ، ولكن ليس كذلك ، ولكن ما ذكر إنّما ذكر بالضمن .
وهذا عطف على قوله : « وكان الحق أوجد العالم » وما بقي إلَّا قابل .
وما ذكر في البين هو حشو اللوزينج لزيادة البيان .
ولمّا كان الفيض دائما والقبول كذلك أيضا ، وجب لقابل الفيض أن يقبل بعد التلبّس بأحكام ماهية العالم وحقيقته ، والانصباغ بأحكام حقائقه تجلَّيات أخر لا تتناهى دائما أبدا الآبدين فإنّ ما دخل في الوجود ، وصار واجب الوجود بالوجود الحق الدائم ، فإنّه لا ينقلب عدما ، ولكنّ التعيّنات والظهورات والنشآت تنقلب عليه .
فإنّ قيل : قوله تعالى : " كُلُّ من عَلَيْها فانٍ "، وانقراض المشهود من الدنيا دليل صريح على انعدام الموجودات .
قلنا : متعلَّق الانعدام والفناء إنّما هو التعيّن الشخصي لا الوجود  المتعيّن في الحقيقة المعيّنة ، فيفنى تعيّن الوجود في مادّة تعيّن ، ويظهر في أخرى برزخيّ وحشريّ وجناني ، أو جهنّمي أو كينيّ ، هكذا إلى الأبد .
فالقابل والمقبول باقيان دائمان بالحق الدائم الباقي ، فافهم إن شاء الله تعالى فها هنا مزلَّة أقدام الكثيرين من الأوّلين والآخرين ، والله يثبّتنا وإيّاك بالقول الثابت الحق إنّه عصمة المعتصم به وهو حسبنا وكفى ، والحمد لله .
وأمّا كون القابل من فيضه الأقدس فهو ، يعني : أنّ الحقائق والأعيان الثابتة في العلم الإلهي الأزلي قوابل الفيض الوجودي العيني ، وهي شؤون ذاتية وتجلَّيات ذاتيات اختصاصيات ، وتعيّنات علميات ، فإنّ مبدأ تعيّنات التجلَّيات الذاتيات .
هذه التعيّنات العلمية بأعيان العالم ، وحقائقها ومعنوياتها معان مجرّدة ونسب علمية متمايزة بالخصوصيات ، كتمايز النصفيّة والثلثية والربعية والخمسية في علم العالم بالواحد في مراتب العدد فتعيّن بهذا التجلَّي العلمي تميّز كلّ عين عين من الأعيان عن غيرها بموجب الخصوصيات الذاتية.
فتعيّن المعلومات في العلم الأزلي أزلا إنّما هو بالفيض الذاتي الأوّل الأقدس أوّلا ، فحصلت بهذا الفيض الأقدس الأوّل على وجود علمي وثبوت أزلي .
أعني تحقّق العلم بالمعلومات المعيّنة ، فتعيّنت الأعيان الثابتة من عين الأعيان بهذا الفيض الأوّل الأقدس ، كما أشرنا إلى ذلك في الغرّاء التائيّة بقولنا شعر :
وإذ عيّن الأعيان في علم ذاته   ..... على صور علمية أزلية
تعيّن بي معنى المعاني بعينه    ..... وعيني حرف الأحرف المعنوية
ثم تعلَّقت النسبة المخصّصة للإيجاد ، وهي المشيّة والإرادة الكليّة الذاتية ، وهي التعرّف والظهور التّام ثم تعلَّقت النسبة الاقتدارية أيضا بمتعلَّقها وهو المقدور بالتدبير والإعداد للتمكَّن عن قبول ما يفيض عليه النسبة الجودية الوهبيّة الذاتية للإيجاد.
ثم تداخلت كلَّيات النسب في أمّهاتها ، واشتكت وانتسبت الصورة الإلهية بأسمائها .
وتمثّلت الصورة المثلية المثالية فرقانية تفصيلية في مثال العالم ، وقرآنية جمعية كمالية في الصورة التي حذي عليها آدم ، فوجدت العوالم في أعيانها ، وشهدت الحقائق ، وزهرت الأنوار والأزهار والشقائق ، في الدرج والدقائق .
وثبتت الحروف في ألواح الوجود ، وارتسمت بحسب ما تعيّنت في صفحة أمّ الكتاب العلمي الأنفس بالفيض النفسي القدسي ، وارتقمت فكتبت الآيات البيّنات ، وسطرت الكلمات التامّات والسور الكاملات ، وملئت الصحف الزاهرات الطاهرات ، بالألسنة الإلهية الوجودية الظاهرات.
فالفيض الأوّلي في أوّل الانبعاث النفسي الرحماني ، تجلّ ذاتي نفسيّ في حضرتي العلم والشهود الذاتيين للحق ، وكما تعلَّقت النسبة العلمية والنسبة الشهودية بالمعلومات والمشهودات ، علم الحق بعضها قابلا للوجود ، وشهده حريّا بالفيض والإحسان والجود .
فأعطاه التمكَّن من القبول ، والتهيّؤ والاستعداد لقبول الوجود العيني الكمالي ، حتى قبل الوجود في عينه لنفسه ، وفي التجلَّي العلمي الأوّل كان وجوده وتحقّقه للحق في الحق لا في عينه ولا لعينه فالفيض الوجودي الأوّل العيني المقبول هو القابل ثانيا للتجلَّي الوجودي العيني الوارد عليه ، فافهم .
فهذا معنى قوله : " والقابل من فيضه الأقدس " فإنّ الأقدسية مبالغة في القدس وهو النزاهة والطهارة والتجليات الأسمائية الموجبة لوجود العالم كلَّها قدسيّة ، ولكنّ التجلَّي الذاتيّ والفيض الغيبيّ من غيوب الشؤون الذاتية وهو الفيض الأقدس ، فافهم .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال.
وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.)
(ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ولا بد أن يقبل روحا إليها عبر عنه بالنفخ فيه)
معناه موقوف على معرفة حكمه وهو أن حكم الله تعالى أمره أي إيجاد الأشياء بقوله كن والله عين الوجود المحض المطلق الذي هو أظهر الأشياء ونور الأنوار فهو يتجلى بذاته لذاته دائما فتسويته للمحل ظهوره في صورة اسم .
وذلك الاسم هو عينه مقيدا بصفة من الصفات القابلية فلا يظهر فيه إلا عينه ، وذلك الظهور قبوله للروح وعينه هو الموصوف بكل صفة إلا أنه لا يظهر في ذلك المحل إلا بصفة واحدة من الصفات الفاعلية ، وذلك هو الخلق باليدين فهو روح إلهى ومعنى النفخ فيه هو الظهور فيه بتلك الصفة
ولذلك قال ( وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال )
أي لقبول الفيض الذي هو التجلي الدائم فهو بمعنى اسم الإشارة كما في قول رؤبة :
فيها خطوط من سواد وبلق   .... كأنه في الجلد توليع البهق
أي كان ذلك بمعنى وما ذلك وهو إشارة إلى ما ذكر من قوله ما سوى محلا إلا ولا بد أن يقبل روحا إلهيا ، أي اقتضاء تسوية المحل لقبول الروح الإلهي ، مثاله الشهب وهي الأبخرة المستعدة للاشتعال في حيز النار إذ ولا بد لها من الاشتعال ، ولما ذكر الاستعداد والفيض لزم وجود المستعد الذي هو القابل .
قوله ( وما بقي إلا قابل ) اعتراض منه على نفسه كأنه قيل إذا كان الاستعداد والفيض منه فما المستعد القابل
فقال ( والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس ) وقد فسر الفيض بالتجلى ، فكأنه قال له تجليان ذاتى وهو ظهوره في صورة الأعيان الثابتة القابلة في الحضرة العلمية الأسمائية وهي الحضرة الواحدية ، فذلك الظهور ينزل عن الحضرة الأحدية إلى الحضرة الواحدية وهو فيضه الأقدس أي تجلى الذات بدون الأسماء الذي لا كثرة فيه أصلا فهو الأقدس أي أقدس من التجلي الشهودى الأسمائى الذي هو بحسب استعداد المحل لأن الثاني موقوف على المظاهر الأسمائية التي هي القوابل بخلاف التجلي الذاتي لأنه لا يتوقف على شيء فيكون أقدس ، فمنه الابتداء بالتجلى الذاتي كما ذكر في المقدمة وإليه الانتهاء بالتجلى الشهودى ( فالأمر ) أي الشأن وهو الإيجاد والتصريف والتكميل.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال.
وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.)
"ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ولا بد أن يقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال".
إعتراض وقعبين الشرط والجزاء، على أن قوله: (فاقتضى) جواب (لما)(الواو) للحال.
وقوله: (وجود شبح) صفة مصدر محذوف. أي، أعطى وجودا مثل وجود شبح.
ومعناه: أن الحق تعالى قد كان أوجد الأعيان الثابتة التي للعالم الكبيردون الصغير الإنساني بالوجود العيني مفصلا كالموجود الذي لا روح فيه، والمرآة التي لا جلاء لها.
وكان من شأن الحق وحكمة الإلهي وسنته أنه ما أوجد شيئا وسواه إلا ولا بد أن يكون ذلك الموجود قابلا للروح الإلهي، ليكون به حياته ويترتب عليه كمالاته وتظهر به الربوبية فيه، وذلك القبول هو المعبر ب (النفخ) فيه.
قال تعالى، في آدم، عليه السلام: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحيفقعوا له ساجدين). فنفخه تعالى إعطاؤه القابلية والاستعداد.
وقوله: (وما هو) أي، ليس ذلك (النفخ) إلا حصول الاستعداد من الصورة المسواة، أي، من ذلك الموجود لقبول الفيض المقدس الذي هو التجلي الدائم الحاصل عليه وعلى غيره لم يزل ولا يزال، إذ لو فرض انقطاعه آنا واحدا لعدم الأشياء كلها، سواء كانت موجودة بالوجود العلمي أو العيني.
فـ (التجلي) بدل الكل من (الفيض).
وفي بعض النسخ: (لقبول فيض التجلي) بالإضافة. فمعناه: لقبول الفيض الحاصل من التجلي.
ولا يكون ذلك الفيض نفس التجلي حينئذ بل حاصلا منه، ولا ينبغي أن يتوهم أن هذه الأعيان
كانت موجودة زمانا من الأزمنة والإنسان معدوم فيه مطلقا، وإلا يلزم وجودها مع عدم روحها. وأيضا، الإنسان أبدى بحسب النشأة الأخروية، وكل ما هوأبدى فهو أزلي كعكسه.
بل لا بد أن يعلم أنه من حيث النشأة العنصرية بعد كلموجود بعدية زمانية ، لتوقفها على حصول الاستعداد المزاجي الحاصل من الأركان العنصرية بالفعل والانفعال والتربية.
كما أشار إليه بقوله تعالى: "خمرت طينة آدم بيدي أربعين صباحا" وإنه من حيث النشأة العلمية قبل جميع الأعيان لأنها تفاصيل الحقيقة الإنسانية، كما مر بيانه في المقدمات.
ومن حيث النشأة الروحانية الكلية أيضا قبل جميع الأرواح، كما أشار إليه النبي، صلىالله عليه وسلم، بقوله: "أول ما خلق الله نوري".
ومن حيث النشأة الروحانية الجزئية التي في العالم المثالي أيضا من قبيل المبدعات، وإن كان متأخرا عن العقول والنفوس الفلكية تأخرا ذاتيا لا زمانيا، فلا يكون معدوما في الخارج مطلقا ،لذلك قيل في حقه قبل نشأته العنصرية: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء".
وأخرج من الجنة بالمخالفة لأمر الله تعالى. هذا مع أن صاحب الشهود والمحقق العارف بمراتب الوجود، يعلم أنه موجود في جميع المظاهر السماوية والعنصرية، ويشاهده فيها بالصور المناسبة لمواطنها ومراتبها عند التنزل من الحضرة العلمية إلى العينية ومن العينية إلى الشهادة المطلقة قبل ظهوره في هذه الصورة الإنسانية الحادثة الزمانية، شهودا محققا.
ولا يحيط بما أشرنا إليه إلا من أحاط بسر قوله تعالى: "وقد خلقكم أطوارا."
قوله: "وما بقى إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس" تتميم لما ذكره.
لأن القابل الذي يقبل الروح الإلهي هو أيضا يستدعى من يستند وجوده إليه، لأنه بالنظر إلى ذاته معدوم.
ولما كان كذلك، بين أنه أيضا مستند إلىالحق تعالى فائض منه، لذلك قال: “والقابل لا يكون" أي، لا يحصل إلا من " فيضه الأقدس” أي، الأقدس من شوائب الكثرة الأسمائية ونقائص الحقائق
الإمكانية.
وقد علمت فيما مر من المقدمات أن الأعيان التي هي القوابلللتجليات الإلهية كلها فائضة من الله بـ "الفيض الأقدس".
وهو عبارة عن التجلي الحبى الذاتي الموجب لوجود الأشياء واستعداداتها في الحضرة العلمية، ثم العينية كما قال: "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف...". و "الفيض المقدس" عبارة عن التجليات الأسمائية الموجبة لظهور ما يقتضيه استعدادات تلك الأعيان في الخارج.
فـ "الفيض المقدس" مترتب على "الفيض الأقدس".
وإذا علمت هذا، علمت أن لا منافاة بين هذا القول وبين قوله في "الفص العزيري" وغيره:
"إن علم الله في الأشياء على ما أعطته المعلومات بما هي عليه مننفسها".
وقوله: "فلله الحجة البالغة".
وقوله: "فالمحكوم عليه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك".
وقوله، صلى الله عليه وسلم: "من وجد خيرا، فليحمد الله. ومن وجد دون ذلك، فلا يلومن إلا نفسه."

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال. وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.)
(ومن شأن الحكم الإلهي) وهو القضاء الأزلي الذي أعطى كل شيء خلقه أي: قدر لكل مستحق حقه (أنه ما سوى محلا) أي: ما سوی مزاج شيء من الفلكيات أو العنصريات(إلا ولا بد أن يقبل روحا إلهيا) أي: فائضا من جنابه بحسب ما يليق بذلك المحل كالقوى المعدنية والنباتية والحيوانية، فكذلك العالم إذا تم تسويته لم يكن له بد من قبول الروح المقصود من خلقه.
وهو الإنسان الكامل (عبر عنه) أي: عن ذلك الحكم الإلهي بإفاضة الروح اللائق بالمحل (بالنفخ) أي: بنفخ الإله الروح (فيه)؛ لأن حصل له من النفس الرحماني الذي تنفس به عن آثار الأسماء التي كانت فيها بالقوة.
فكانت تلك الآثار قبل ظهورها المطلوب للأسماء كالكرب لها فأخرجها عن الباطن إخراج الهواء عنه دفعا لذلك الكرب.
وبهذا أول قوله تعالى: "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " [الحجر: 29].
وذلك لتعذر النفخ الحقيقي، وهو إخراج الهواء عن جوف النافخ إلى محل الاشتعال، فالمراد إفاضة الروح الموجب اشتعال المحل بنوره المشابه للنار في التأثير والإشراق.
وما هو إلا لحصول الاستعداد من تلك الصورة المساة لقبول الفيض التكلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال، وما بقي ثمة إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه.
ثم أشار إلى تعليل اقتضاء التسوية لقبول الروح الإلهي بقوله: "وما هو" أي: ليس تسوية المحل بمعنی تساوي تقادير الأجزاء، وطبائعها على ما يوهمه اللفظ.
وإلا كان روح كل مثل روح الأخر من كل وجه للاتفاق على أن اختلاف الأرواح بحسب اختلاف الأمزجة .
بل (ما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض) أي: قبول الروح بطريق فيضان نور الشمس على المحل القابل لنورها، وليس بانفصال شيء منها، وانتقاله إلى المحل بل بحدوث ما يناسب نورها في ذلك المحل.
فكذلك فيض الروح أثر (التجلي الدائم الذي لم يزل، ولا يزال) قبل حدوث هذا المحل؛ فليس التجلي حادثا بحدوث المحل بل ظهور أثر التجلي فيه يتوقف على حصوله، وتسويته توقف فيضان الصور على المرآة على تصقیلها وتسوية أجزائها، وإن كانت تلك الصور موجودة قبل المرآة.
وهذه الروح حاصلة في كل صورة فلكية أو عنصرية، إذ لا تخلو عن القوى المحركة بالطبع، أو الإرادة بل كل شيء يسبح بحمده، ولكن لا يفقه غير أهل الكشف تسبيحه، وكما أن لكل جزء من العالم روحا يدبره، فكذا لمجموعة لا بد من روح يدبرها، وهو المقصود بالذات، وهو الإنسان الكامل.
ثم استشعر سؤالا: وهو أنكم قد خصصتم التجلي بفيضان الروح؛ فمن أين فيضان القابل؟
فإن كان من التجلي؛ فلا بد له من تسوية المحل، ولا يحل قبل القابل، وإن كان من غيره بطلت قاعدة التوحيد.
فقال: (وما بقي) أي: بعد البحث عن فيضان الروح (إلا قابل) أي: بحث فيضان القابل للأرواح المذكورة الأجزاء العالم الكبير أو الإنسان.
ثم أجاب عنه فقال: (والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس)، وهو الفيض الحاصل من التجلي الإلهي بالأسماء لا واسطة القوابل الظاهرة، بخلاف فيضان الأرواح بواسطة هذه القوابل فإنه مقدس، وأما القوابل الباطنة أعني: الأعيان الثابتة فلا تعد وسائط لعدميتها، ولا من الفيض إذ لا معنى له سوى إشراق نور الوجود ?فیضان نور الشمس على المحل القابل له، ولو كانت من الفيض لكانت مجعولة وحمل القابل عليها في الكتاب مخل بالنظم على ما لا يخفى.
وإنما كان فيض الروح مقدسا مع براءته عن المواد الجسمانية المظلمة باعتبار تعلقه بالجسم المظلم لا في نفسه، فإنه أقدس من فيض القوابل أيضا فافهم، فإنه مزلة للقدم.
""أي: المنزه عن الجعل والتأثير؛ وذلك لأن المراتب كلها إلهية بالأصالة، وظهرت أحكامها باقتضاء ذاتي، فالأمر قبول ذاتي، وحصول استعدادي، وظهور، وبروز له تعالى لذاته بذاته لا غير. وقبول هذا لازم لفهم سريان النور الأزلي والفيض الألهي الساري في الوجود كله، فافهم.
أن هذه المسألة من أساس معارف الشيخ رضى الله عنه  ولا تغفل عنها، ولا تأخذ عنها بدلا فإنها ?شف أوسع الكشوف، وإن اعترضوا علينا بذكر هذه المسألة، فليس بأقل منع جرى على طلل، "وأن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم"، والله المستعان، فافهم"".
وإذا كان فيضان الأرواح والقوابل منه.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :[/


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:33 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الرابعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 7:58 am

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الرابعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الرابعة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال.
وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.)
(ومن شأن)، أي عادة (الحكم الإلهي) الجاري في الخلق (أنه) أي الحكم الإلهي (ما سوی محلا) أي جسدة (إلا ولا بد أن يقبل روحا)، أي إمداد (إلهية)، له على طريق التدبير المستقل (عبر) في الشرع (عنه بالنفخ فيه).
قال تعالى: " ونفخت فيه من روحي" 29 سورة الحجر.
فالروح عامة في الحيوان والنفخ خاص في الإنسان (وما هو)، أي النفخ فيه
(إلا حصول الاستعداد) التام وهو التهيؤ (من تلك الصورة المسواة)، قبل ذلك. (لقبول فيض التجلي)، أي الظهور من الحق تعالى (الدائم) الأبدي في الدنيا والآخرة .
فهو تعالى المتجلي والمتجلى له من حيث إنه معطي الفيض وواضع الاستعداد، والفيض والاستعداد ظهوران له تعالى لا ينقضيان وتجليان لحضرته العلية أبديان.
(الذي) نعت للفيض (لم يزل) من الأزل حيث لم يكن شيء من العوالم غیر القوابل المتجلي هو لها من اسمه الباطن
(ولا يزال) في الأبد أيضا كل شيء ظاهر بما استعد له من اسمه الباطن. والتجلي هو السائق للعالم من الأزل إلى الأبد، وهو وصف فعلي من حيث القوابل، انفعالي من حيث الفيض الدائم.
(وما بقي) مما يسمى روح إلهية (إلا قابل)، أي مستعد للفيض الدائم من التجلي والقابل هو ذلك الجسد المسوي.
فالروح الإلهي هو ذلك الجسد المسوی من حيث إنه قابل لا مطلقا .
والحاصل أن الفرق بين الجسد المسوی والروح الإلهي بوضع القبول لذلك الفيض والاستعداد له. وهو أمر واحد ظهر في عالم الخلق بصورة جسد مسوي.
فإن انجلت الصورة وقويت من حيث تصويرها واستعدت لقبول الكمال الفياض من حضرة الجود الإلهي.
فذلك هو الروح الإلهي المنفوخ في ذلك الجسد المسوي وإن انجلت بعض الإنجلاء بحيث استعدت لإدراك المحسوسات فقط بقوة عرضية سارية في أجزاء الهيكل الجسماني. فهي الروح الحيوانية التي إذا فارقته مات.
ومن التنبيه على ذلك نزول جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي وفي صورة أعرابي ومجيئه المريم عليها السلام في صورة بشر سوي.
فإن ذلك الجسد البشري هو بعينه حقيقة جبريل عليه السلام وجبريل ما تغير عن حقيقته.
غير أن الله تعالى أعطى حقيقته الملكية لخصوصية فيها أنه متى فعل كذا من فعل مخصوص ظهر في صورة كذا، أو فعل كذا أو هكذا الأرواح الجنية في تشكلها.
(والقابل) المذكور (لا يكون) قابلا بوضع القابلية فيه من الأزل (إلا من فيضه) سبحانه وتعالى (الأقدس) المتنزه عن شائبة الحدوث والنقصان.
والحاصل أن الحق تعالى له تجليان أزليان :
تجلي ذاتي أعطى الاستعدادات  لجميع الكائنات، وتجلي صفاتي أعطى تلك الكائنات ما استعدت له .
وإن شئت قلت : تجلي واحد رسم الكائنات ثم نقشها وأثبتها ثم قواها في ذلك الإثبات فالاستعداد أو الرسم أو الإثبات هو الروح الأمري الإلهي وإعطاء كل مستعد استعداده ونقش الرسم وتقوية الإثبات هو الجسد المسوي .
فإن قلت : يلزم من هذا أن يكون الروح الأمري الإلهي سابقا على الجسد المسوي، وقوله تعالى: "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي" 29 سورة الحجر.
يقتضي سبق الجسد المسوى على نفخ الروح.
قلت : نعم الروح الأمري الإلهي سابق بدليل قوله عليه السلام: «إن الله خلق الأرواح قبل الأجسام بألفي عام».
وكذلك النفخ متوجه على ذلك الجسد، أي مقبل على تسويته قبل ظهور التسوية ، ولكن ظهور ذلك النفخ فيه بعد تمام تسويته.
فالروح الأمري هو الأول المتقدم على الجسد وهو الآخر عنه.
والجسد هو الأول في التوجه والإقبال على تسويته، وهو الآخر في ظهوره.
كما أن الروح هو الظاهر من حيث الأعمال والباطن من حيث عدم الإحاطة.
وكذلك الجسد هو الظاهر من حيث الصورة والباطن من حيث إنه توجه روحاني من ذلك الروح الأمري، فهو عين النفخ الإلهي، والنفخ الإلهي باطن فهو باطن من هذا الوجه .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال.
وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.)
(ومن شأن الحكم الإلهي). أي وقد كان من اقتضاء حكم الحق (أنه ما سوی محلا إلا ولا بد أن يقبل) ذلك المحل روحا إلهية بسبب تسوية الله تعالى (عبر عنه) أي عن الروح الإلهي (بالنفخ فيه) .
وأما القول بإرجاع ضمير عنه إلى القبول فليس بمناسب إذ القبول صفة المحل القابل والنفخ بمعنى إعطائه القابلية والاستعداد صفة لله تعالى .
لا بمعنى إخراج الهواء من جوف النافخ وإدخاله في جوف المنفوخ فيه فإنه محال في حقه تعالى فلا يعبر أحدهما بالآخر (وما هو) أي ليس ذلك القبول (إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المساواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال) فالعالم المسوی بدون الروح الإلهي بمنزلة المرآة الغير الصقيلة وبالروح الإلهي بمنزلة الصقيلة فكما أن المرأة بسبب جلاله تقبل صورة من يحاذيها وتعطيها لصاحبها .
كذلك العالم بسبب قبول الروح الإلهي يقبل التجلي الدائم الذي هو ظهور عينه إليه في ذلك المحل المكمل.
(وما بقي) شيء من المذكور لم يعلم حاله (إلا قابل) فإنه لما ذكر ولم يبين أنه أثر للحق أم الإلزام بيانه حتي پنكشف حقيقة الحال.
فقال (والقابل) في المادة القابلة للتسوية واستعدادها للروح الإلهي وقبولها لها وغير ذلك من لوازمها الذاتية .
كل ذلك (لا يكون) أي لا يحصل (إلا من فيضه) أي من تجليه (الأقدس ) من الكثرة الإسمائية فهذه كلها غير مجعولة إذ كل ما حصل من التجلي الأقدس غير مجعول كالماهيات و استعداداتها الحاصلة منه .
وأما استعدادها لقبول التجلي الدائم الذي من الفيض المقدس فهو مجعول إذ لا يحمل هذا الاستعداد إلا من قبول الروح الإلهي وهر أي نفخ الروح من الفيض المقدس.
والمراد بالفيض كون الجود الإلهي سببا لحدوث أنوار الوجود في كل ماهية قابلة للوجود بلا انفصال من الله تعالى .
واتصال إلى الماهية القابلة كفيضان الصورة على المرآة فإن صورة الإنسان مثلا سبب لحدوث صورة تماثلها في المرآة المقابلة بمحاذاة الصورة فليس فيهما انفصال واتصال.
وكذلك نور الشمس سبب لحدوث شيء يناسبه في النورية على الحائط لا بمعنى أنه ينفصل شعاع من جرم الشمس ويتصل بالحائط ويبسط عليه وهو خطأ.
وأما فيضان الماء من الإناء على اليد فإنه انفصال جزء من الماء عن الإناء واتصاله على اليد هذا ما ذكره الإمام محمد الغزالي قدس سره .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال. وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.)
قوله:  "ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوی محلا إلا ولا بد أن يقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال."
قلت: فإن ذلك الشبح المشار إليه هو القلم الأعلى وأنه استعد أن يظهر فيه روح تخصه، وتلك الروح هنا هي اللوح المحفوظ والحكم الذي يتعين في القابل نفس حصوله في تلك الحالة هو بمدد إلهي هو المسمى بالنفخ.
وقوله: "ما هو إلا حصول الاستعداد" معناه ما الشأن والقصة إلا حصول الاستعداد لقبول التجلي المسمى نفخا وذلك هو تجل دائم لم يزل ولا يزال والضمير الذي في قوله: ما هو إلا، يرجع إلى النفخ.
قوله: "وما بقى إلا قابل والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس".
قلت: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: هذا الاستعداد المشار إليه من أين هو؟
فأجاب لسان الحال: أنه من الفيض الإلهي الأقدس فإذا القابل والمقبول والقبول الجميع منه تعالى رحمة إيجادية.
وأقول في بسط حال هذا الشبح المسوي"الصورة":
إن الحق تعالى من الحضرة الذاتية المقدسة قال بلسان حال ذاتي لنور من أنوار قدسه، وأنوار قدسه نور واحد بسيط لا يوصف بالنهاية فقال له: «?ن» أولا لآخر، فحصل له من قوله «?ن» تعين فقط لا أكثر من ذلك فيتحقق فيه الأولية.
ولو كان فيه أكثر من حقيقة ذلك التعين لكانت الأولية لأحدهما دون الآخر.
أو يكون كل واحد منهما أولا فيكون القول منه تعالی برز لاثنين لا لواحد، فإذن ما حصل لذلك النور إلا تعينه فقط لكن حقيقته الأولية تستدعي آخرا وإلا لم يتحقق الأولية ولا بد منها ليظهر حكم «?ن» فحصل لذلك النور بالتعين المذكور أن يتميز عن بقية الأنوار.
وأن يكون فيه قابلية للظهور بصورة ثاني يكون لأوليته ذلك الثاني آخرا كما قلنا، فتعين ذلك النور تعينا آخر فكان كون آخر غيره فسمي النور في مرتبة التعين الأول قلما أعلى . وسمي هو بعينه في مرتبة التعين الثاني لوحا محفوظا.
لكن التعين الأول الذي هو القلم الأعلى شهد في قول الحق تعالی له: «?ن» أولا لآخر، يعني تهيئة لظهور اللوح المحفوظ منك. فقالت ذاته بلسان الحال: سمعا وطاعة.
فإن القول في تلك المراتب ليس إلا بلسان الحال فقول الحق تعالی له: تهيئا هو المعنى الذي عبر عنه. بأنه قال له: أقبل فأقبل وأدبر فأدبر.
فقال له تعالى: "وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أكرم علي منك، فبك آخذ وبك أعطي".
هكذا نقل الناقلون، فذلك التهيؤ منه هو قبول صور العالم وسري معنى ذلك التهيؤ المذكور في اللوح المحفوظ، فكان ت?یوه تسوية أخرى، فقبل اللوح بهذه التسوية المختصة به روحا هي مادة الجسم قبل ظهور صورته، فسميت كتابة معنوية من ذلك القلم الأعلى في اللوح المحفوظ ثم ظهرت حروف تلك الكتاب جسمان فكانت هي الكرات وهي أكوان حصلت كلها من معنوية قوله: "?ن" وبمعنوية "كن" حصل المدد من القلم الأعلى فيضا مستمرا، كان اللوح المحفوظ يقبله في ذاته، ثم يسترسل من ذاته في ذات المادة المذكورة.
فلما حصل لتلك المادة الجمود الذي به صارت أجراما جسمية اقتضى اليبوسة الحاصله لها من جهة الحقيقة الجسمية أن لا تقبل ذلك المدد في ذواتها كله بل مقدار ما يدوم لها وجودها به فقط.
فبقي باقي المدد يطلب النفوذ في حقيقة الجسم، فمنعه الجسم ذلك لجموده فقهره المدد بقوته فأدار الأفلاك ومخضها مخضا، فاندفع منها كل جزء إلى مشابهة فأخذت كل كرة ما ناسبها وبقي الثقل السخيف.
فاندفع إلى الوسط لما استدارت عليه الأفلاك، ف?انت منه الأرض لكن الأرض لما اندفعت إلى حقيقة الوسط استصحب بعض اللطائف وهي كثيفة فاقتضى الحال أن ينفصل منها ما لا يلائمها.
فأول ما انفصل منها ما هو أقرب إلى شبهها في الكثافة وكانت البحار فتميزت البحار عنها، إلا أن الماء وجد في ذاته ما هو ألطف منه، فلم يمكن أن يبقى معه فتصعد بخارا وهو الهواء، إلا أنه فيه بعد بعض كثافة الماء، فتميز ذلك البخار فما كان كثيفا يشبه الماء، دفعته الرياح التي هي في الحقيقة هواء، إلا أنها متدافعة فجمعت ذلك الكثيف الذي يشبه الماء، فانضم بعضه إلى بعض، فازداد كثافة ألحقته بالماء في الكثافة.
فنزل أمطارا فالتحق بكرة الماء، وكان قد انكشف من الأرض بعضها، فأصاب ذلك البعض من الأمطار ما رأيتهم واستمر الحال، فكل ما كثف من الهواء بواسطة ما يصعد إليه انعكس أمطارا.
ثم إن ذلك الهواء رقي منه لطيفه إلى سطح المقعر من باطن السماء الدنياء، واحتد لسخافته ورقته وقرب حركة فلك القمر منه، فسمى نارا لذلك الاحتداد الذي حصل له، فحصل في باطن سماء الدنياء أربعة أفلاك سماها الحكماءنارا وهواء وماء وترابا.
هذا ومدد القلم الأعلى متصل وكلما اتصل، اتصل دوران الأفلاك وكانت في الأفلاك أجرام هي أصفى جوهرا في الجسمية من بقية الأجسام الفلكية، فكانت هي الكواكب، و لصفاء جوهرها صارت لها أشعة فوقعت الأشعة على سطح الأرض وسطح الماء.
فأثرت في الماء فصعد البخار من البحار وأثرت في التراب تسخينه فقط، فسرت حرارة ذلك التسخين في باطن الأرض، فوجدت باطنها قابلا للتكوين المودع في ذلك المدد مما أودعه الله في القلم الأعلى فتكون في باطن الأرض أكوان أربعة:
"الكون الأول": أكثفها الجماد المعدني، فتحركت المعادن بالحركة الايجادية في بطن الأرض ومنعتها الكثافة أن تشق الأرض وتخرج منها إلا النادر.
والكون الثاني: النبات فإنه تكون تحت الأرض ولم يكن فيه كثافة المعدن ولا بلغ من اللطافة ما يفصله عن الأرض، فشق الأرض وخرج إلى الهواء، ولكن بقي رأسه في الأرض، فاغتذي برأسه منها وجسمه كله في الهواء.
والكون الثالث: هو الحيوان فإنه تكون في بطن الأرض وتحرك فيه كما تحرك المعدن والنبات بالحركة الإيجادية وزاد على النبات بأنه شق الأرض كما شقها النبات وخرج منها كما خرج النبات، وحصلت له زيادة وهي الانتقال من مكان إلى مكان فوق سطح الأرض، وتخلص رأسه من الأرض لكن ما بعد رأسه عنها، بل بقي مكبوبا منحنيا، فاغتذي من وجه الأرض وشرب من الماء كما شرب النبات.
والكون الرابع: هو آدم، عليه السلام، فإنه تكون أيضا تحت الأرض وتحرك كما تحركت الأكوان الثلاثة، وزاد عليها أنه تخلص رأسه تخلصا كاملا فانتصب وانتهى إليه الإيجاد.
فأعطاه القلم الأعلى معناه وهو العقل، وحقيقة اللوح المحفوظ وهو النفس، لأنها هي التي تقبل الكتابة وهي العلوم، وحقيقة المادة وصورتها الجسمية وهو جسم آدم، عليه السلام، وحقيقة الأركان الأربعة وهي النار والهواء والماء والتراب.
وذلك هو الصفراء التي في جسمه المشابهة للنار في الحرارة واليبوسة، والدم الذي هو مشابه للهواء في حرارته ورطوبته، والبلغم الذي هو مشابه للماء في برودته ورطوبته، والسوداء التي هي مشابهة للتراب في برودته ويبوسته.
وفيه أيضا ما يشابه المولدات منها وهي الثلاثة:
ففيه العظام كالمعادن - والنبات كالشعر - والحيوان كجسمه المحس.
ففيه صور العالم الكبير مجملة وأما ما فيه من المعاني والأسماء فسوف نذكره إن شاء الله تعالی.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال. وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.)
يعني رضي الله عنه : ليست تسوية الحقّ للمحلّ لقبول الروح إلَّا حصول الاستعداد ، فـ " هو " في قوله : « وما هو لسان الحكم الإلهي » .
وفي قوله : " عبّر عنه " يعود الضمير إلى الروح ، لا بمعنى أنّ الروح هو النفخ ، بل بمعنى أنّ الله ذكر تعيّن الروح في المحلّ بعد التسوية بهذه العبارة ، فقال :" وَنَفَخْتُ فِيه ِ من رُوحِي " .
ثمّ اعلم : أنّ تسوية الحق للمحلّ أن يعطيه الاستعداد والقابلية ، أي يظهر استعداده الذاتيّ غير المجعول ، فإنّه إن لم يكن له استعداد ذاتي لقبول هذا الاستعداد المجعول هذه الصورة المذكورة هيولى مستعدّة لقبول صورة بعدها إلى أن تنتهي في الصورة الإنسانية الكمالية .. "ثُمَّ الله يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ " 29 سورة العنكبوت.
وكلّ هذه الصور صور مراتب التسوية والإعداد لقبول تجلّ بعدها .
وكذلك صورة الحنطة هيولى مسوّاة لقبول صورة الدقيق ، وهي هيولى لصورة العجين ، وهي أيضا هيولى مسوّاة لصورة الخبز ، وهي هيولى لصورة الكيلوس أو الكيموس.
وكذلك إلى الصورة الدمويّة ، ثم اللحمية والعظمية وغيرها ممّا يطول ذكرها ، كذلك العالم صورة مسوّاة لقبول تجلّ كلَّي فرقاني تفصيلي أسمائي .
وبعده يستعدّ لقبول تجلّ كلَّي إنساني قرآني إلهي ذاتي ، وأسمائي جمعي بين الجمع والتفصيل أحديّ ، وهذا السرّ سار في جميع الصور ، فتدبّرها تدقيقا وتحقيقا ، إن شاء الله .
ثمّ اعلم : أنّ التسوية والتعديل لا يكونان إلَّا بأحدية فيما به الاشتراك بين الأجزاء الكلَّية ، المتميّز بعضها عن البعض بالذات والخصوصيات .
وتوحّد الجميع لسراية الوجود بالوحدة في حقائق المراتب ، وتوحيد تعديداتها وتمييزاتها بالوجود الواحد الظاهر بها والظاهرة هي به وفيه .
فإذا توحّدت الآحاد والأفراد بالوجود الواحد الموحّد بسرّ أحدية الجمع السارية في حقائق القابل والمقبول ، والحامل والمحمول ، والظاهر والمظهر ، والمتجلَّي والمجلى ، اضمحلَّت أحكام ما به المباينة والامتياز والاثنينيّة .
وتلاشت آثار النسب التعديدية حين استعداد القابل لقبول نفخ الروح الإلهي بالتوجّه النفسي الرحماني ، فلمّا ظهر الحق بأسمائه في العالم بصورة الكثرة الفرقانية التفصيلية ، استعدّ لنفخ روح الأحدية الجمعية الإنسانية ، فما بعد التفصيل إلَّا الجمع ، فافهم .
وقول الشيخ رضي الله عنه : ( لقبول الفيض التجلَّي الدائم ) إن كان"الدائم" مجرورا ، فـ "التجلَّي" بدل عن « الفيض » .
بمعنى أنّ التجلَّي الدائم هو الفيض ، أو عطف بيان ، ويسوغ إسقاط لام التعريف من « الفيض » وإضافته إلى « التجلَّي »
فيقال :لقبول فيض التجلَّي ويجوز أيضا إبقاء اللام في « الفيض » بحالها ونصب الياء من
" التجلَّي " ورفع محلّ " الفيض " المجرور بإضافة « قبول » إليه.
يعني أنّ الفيض الأوّل المعدّ لقبول التجلَّي يكون هو القابل للتجلَّي ثانيا .
والفيض بعد تعيّنه في قابلية الماهية القابلة له بحسبها يستعدّ استعدادا ثانيا وجوديا قابلا للتجلَّي ، فيكون حينئذ قابل الحقّ إنّما هو الحقّ .
والفيض الأوّل الذي وجد به القابل أوّل مرّة يقبل التجلَّي الدائم الذي لم يزل ولا يزال لكون الحق المتجلَّي دائم التجلَّي بالاقتضاء الذاتي ، فإنّه فيّاض النور أبدا الآبدين .
وقوله رضي الله عنه : (وما بقي إلَّا قابل ، والقابل من فيضه الأقدس) بعد ذكر ما ذكر وإن أوهم أهل الوهم أنّه كالتكرار ، ولكن ليس كذلك ، ولكن ما ذكر إنّما ذكر بالضمن .
وهذا عطف على قوله : « وكان الحق أوجد العالم » وما بقي إلَّا قابل .
وما ذكر في البين هو حشو اللوزينج لزيادة البيان .
ولمّا كان الفيض دائما والقبول كذلك أيضا ، وجب لقابل الفيض أن يقبل بعد التلبّس بأحكام ماهية العالم وحقيقته ، والانصباغ بأحكام حقائقه تجلَّيات أخر لا تتناهى دائما أبدا الآبدين فإنّ ما دخل في الوجود ، وصار واجب الوجود بالوجود الحق الدائم ، فإنّه لا ينقلب عدما ، ولكنّ التعيّنات والظهورات والنشآت تنقلب عليه .
فإنّ قيل : قوله تعالى : " كُلُّ من عَلَيْها فانٍ "، وانقراض المشهود من الدنيا دليل صريح على انعدام الموجودات .
قلنا : متعلَّق الانعدام والفناء إنّما هو التعيّن الشخصي لا الوجود  المتعيّن في الحقيقة المعيّنة ، فيفنى تعيّن الوجود في مادّة تعيّن ، ويظهر في أخرى برزخيّ وحشريّ وجناني ، أو جهنّمي أو كينيّ ، هكذا إلى الأبد .
فالقابل والمقبول باقيان دائمان بالحق الدائم الباقي ، فافهم إن شاء الله تعالى فها هنا مزلَّة أقدام الكثيرين من الأوّلين والآخرين ، والله يثبّتنا وإيّاك بالقول الثابت الحق إنّه عصمة المعتصم به وهو حسبنا وكفى ، والحمد لله .
وأمّا كون القابل من فيضه الأقدس فهو ، يعني : أنّ الحقائق والأعيان الثابتة في العلم الإلهي الأزلي قوابل الفيض الوجودي العيني ، وهي شؤون ذاتية وتجلَّيات ذاتيات اختصاصيات ، وتعيّنات علميات ، فإنّ مبدأ تعيّنات التجلَّيات الذاتيات .
هذه التعيّنات العلمية بأعيان العالم ، وحقائقها ومعنوياتها معان مجرّدة ونسب علمية متمايزة بالخصوصيات ، كتمايز النصفيّة والثلثية والربعية والخمسية في علم العالم بالواحد في مراتب العدد فتعيّن بهذا التجلَّي العلمي تميّز كلّ عين عين من الأعيان عن غيرها بموجب الخصوصيات الذاتية.
فتعيّن المعلومات في العلم الأزلي أزلا إنّما هو بالفيض الذاتي الأوّل الأقدس أوّلا ، فحصلت بهذا الفيض الأقدس الأوّل على وجود علمي وثبوت أزلي .
أعني تحقّق العلم بالمعلومات المعيّنة ، فتعيّنت الأعيان الثابتة من عين الأعيان بهذا الفيض الأوّل الأقدس ، كما أشرنا إلى ذلك في الغرّاء التائيّة بقولنا شعر :
وإذ عيّن الأعيان في علم ذاته   ..... على صور علمية أزلية
تعيّن بي معنى المعاني بعينه    ..... وعيني حرف الأحرف المعنوية
ثم تعلَّقت النسبة المخصّصة للإيجاد ، وهي المشيّة والإرادة الكليّة الذاتية ، وهي التعرّف والظهور التّام ثم تعلَّقت النسبة الاقتدارية أيضا بمتعلَّقها وهو المقدور بالتدبير والإعداد للتمكَّن عن قبول ما يفيض عليه النسبة الجودية الوهبيّة الذاتية للإيجاد.
ثم تداخلت كلَّيات النسب في أمّهاتها ، واشتكت وانتسبت الصورة الإلهية بأسمائها .
وتمثّلت الصورة المثلية المثالية فرقانية تفصيلية في مثال العالم ، وقرآنية جمعية كمالية في الصورة التي حذي عليها آدم ، فوجدت العوالم في أعيانها ، وشهدت الحقائق ، وزهرت الأنوار والأزهار والشقائق ، في الدرج والدقائق .
وثبتت الحروف في ألواح الوجود ، وارتسمت بحسب ما تعيّنت في صفحة أمّ الكتاب العلمي الأنفس بالفيض النفسي القدسي ، وارتقمت فكتبت الآيات البيّنات ، وسطرت الكلمات التامّات والسور الكاملات ، وملئت الصحف الزاهرات الطاهرات ، بالألسنة الإلهية الوجودية الظاهرات.
فالفيض الأوّلي في أوّل الانبعاث النفسي الرحماني ، تجلّ ذاتي نفسيّ في حضرتي العلم والشهود الذاتيين للحق ، وكما تعلَّقت النسبة العلمية والنسبة الشهودية بالمعلومات والمشهودات ، علم الحق بعضها قابلا للوجود ، وشهده حريّا بالفيض والإحسان والجود .
فأعطاه التمكَّن من القبول ، والتهيّؤ والاستعداد لقبول الوجود العيني الكمالي ، حتى قبل الوجود في عينه لنفسه ، وفي التجلَّي العلمي الأوّل كان وجوده وتحقّقه للحق في الحق لا في عينه ولا لعينه فالفيض الوجودي الأوّل العيني المقبول هو القابل ثانيا للتجلَّي الوجودي العيني الوارد عليه ، فافهم .
فهذا معنى قوله : " والقابل من فيضه الأقدس " فإنّ الأقدسية مبالغة في القدس وهو النزاهة والطهارة والتجليات الأسمائية الموجبة لوجود العالم كلَّها قدسيّة ، ولكنّ التجلَّي الذاتيّ والفيض الغيبيّ من غيوب الشؤون الذاتية وهو الفيض الأقدس ، فافهم .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال.
وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.)
(ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ولا بد أن يقبل روحا إليها عبر عنه بالنفخ فيه)
معناه موقوف على معرفة حكمه وهو أن حكم الله تعالى أمره أي إيجاد الأشياء بقوله كن والله عين الوجود المحض المطلق الذي هو أظهر الأشياء ونور الأنوار فهو يتجلى بذاته لذاته دائما فتسويته للمحل ظهوره في صورة اسم .
وذلك الاسم هو عينه مقيدا بصفة من الصفات القابلية فلا يظهر فيه إلا عينه ، وذلك الظهور قبوله للروح وعينه هو الموصوف بكل صفة إلا أنه لا يظهر في ذلك المحل إلا بصفة واحدة من الصفات الفاعلية ، وذلك هو الخلق باليدين فهو روح إلهى ومعنى النفخ فيه هو الظهور فيه بتلك الصفة
ولذلك قال ( وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال )
أي لقبول الفيض الذي هو التجلي الدائم فهو بمعنى اسم الإشارة كما في قول رؤبة :
فيها خطوط من سواد وبلق   .... كأنه في الجلد توليع البهق
أي كان ذلك بمعنى وما ذلك وهو إشارة إلى ما ذكر من قوله ما سوى محلا إلا ولا بد أن يقبل روحا إلهيا ، أي اقتضاء تسوية المحل لقبول الروح الإلهي ، مثاله الشهب وهي الأبخرة المستعدة للاشتعال في حيز النار إذ ولا بد لها من الاشتعال ، ولما ذكر الاستعداد والفيض لزم وجود المستعد الذي هو القابل .
قوله ( وما بقي إلا قابل ) اعتراض منه على نفسه كأنه قيل إذا كان الاستعداد والفيض منه فما المستعد القابل
فقال ( والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس ) وقد فسر الفيض بالتجلى ، فكأنه قال له تجليان ذاتى وهو ظهوره في صورة الأعيان الثابتة القابلة في الحضرة العلمية الأسمائية وهي الحضرة الواحدية ، فذلك الظهور ينزل عن الحضرة الأحدية إلى الحضرة الواحدية وهو فيضه الأقدس أي تجلى الذات بدون الأسماء الذي لا كثرة فيه أصلا فهو الأقدس أي أقدس من التجلي الشهودى الأسمائى الذي هو بحسب استعداد المحل لأن الثاني موقوف على المظاهر الأسمائية التي هي القوابل بخلاف التجلي الذاتي لأنه لا يتوقف على شيء فيكون أقدس ، فمنه الابتداء بالتجلى الذاتي كما ذكر في المقدمة وإليه الانتهاء بالتجلى الشهودى ( فالأمر ) أي الشأن وهو الإيجاد والتصريف والتكميل.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال.
وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.)
"ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ولا بد أن يقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال".
إعتراض وقعبين الشرط والجزاء، على أن قوله: (فاقتضى) جواب (لما)(الواو) للحال.
وقوله: (وجود شبح) صفة مصدر محذوف. أي، أعطى وجودا مثل وجود شبح.
ومعناه: أن الحق تعالى قد كان أوجد الأعيان الثابتة التي للعالم الكبيردون الصغير الإنساني بالوجود العيني مفصلا كالموجود الذي لا روح فيه، والمرآة التي لا جلاء لها.
وكان من شأن الحق وحكمة الإلهي وسنته أنه ما أوجد شيئا وسواه إلا ولا بد أن يكون ذلك الموجود قابلا للروح الإلهي، ليكون به حياته ويترتب عليه كمالاته وتظهر به الربوبية فيه، وذلك القبول هو المعبر ب (النفخ) فيه.
قال تعالى، في آدم، عليه السلام: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحيفقعوا له ساجدين). فنفخه تعالى إعطاؤه القابلية والاستعداد.
وقوله: (وما هو) أي، ليس ذلك (النفخ) إلا حصول الاستعداد من الصورة المسواة، أي، من ذلك الموجود لقبول الفيض المقدس الذي هو التجلي الدائم الحاصل عليه وعلى غيره لم يزل ولا يزال، إذ لو فرض انقطاعه آنا واحدا لعدم الأشياء كلها، سواء كانت موجودة بالوجود العلمي أو العيني.
فـ (التجلي) بدل الكل من (الفيض).
وفي بعض النسخ: (لقبول فيض التجلي) بالإضافة. فمعناه: لقبول الفيض الحاصل من التجلي.
ولا يكون ذلك الفيض نفس التجلي حينئذ بل حاصلا منه، ولا ينبغي أن يتوهم أن هذه الأعيان
كانت موجودة زمانا من الأزمنة والإنسان معدوم فيه مطلقا، وإلا يلزم وجودها مع عدم روحها. وأيضا، الإنسان أبدى بحسب النشأة الأخروية، وكل ما هوأبدى فهو أزلي كعكسه.
بل لا بد أن يعلم أنه من حيث النشأة العنصرية بعد كلموجود بعدية زمانية ، لتوقفها على حصول الاستعداد المزاجي الحاصل من الأركان العنصرية بالفعل والانفعال والتربية.
كما أشار إليه بقوله تعالى: "خمرت طينة آدم بيدي أربعين صباحا" وإنه من حيث النشأة العلمية قبل جميع الأعيان لأنها تفاصيل الحقيقة الإنسانية، كما مر بيانه في المقدمات.
ومن حيث النشأة الروحانية الكلية أيضا قبل جميع الأرواح، كما أشار إليه النبي، صلىالله عليه وسلم، بقوله: "أول ما خلق الله نوري".
ومن حيث النشأة الروحانية الجزئية التي في العالم المثالي أيضا من قبيل المبدعات، وإن كان متأخرا عن العقول والنفوس الفلكية تأخرا ذاتيا لا زمانيا، فلا يكون معدوما في الخارج مطلقا ،لذلك قيل في حقه قبل نشأته العنصرية: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء".
وأخرج من الجنة بالمخالفة لأمر الله تعالى. هذا مع أن صاحب الشهود والمحقق العارف بمراتب الوجود، يعلم أنه موجود في جميع المظاهر السماوية والعنصرية، ويشاهده فيها بالصور المناسبة لمواطنها ومراتبها عند التنزل من الحضرة العلمية إلى العينية ومن العينية إلى الشهادة المطلقة قبل ظهوره في هذه الصورة الإنسانية الحادثة الزمانية، شهودا محققا.
ولا يحيط بما أشرنا إليه إلا من أحاط بسر قوله تعالى: "وقد خلقكم أطوارا."
قوله: "وما بقى إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس" تتميم لما ذكره.
لأن القابل الذي يقبل الروح الإلهي هو أيضا يستدعى من يستند وجوده إليه، لأنه بالنظر إلى ذاته معدوم.
ولما كان كذلك، بين أنه أيضا مستند إلىالحق تعالى فائض منه، لذلك قال: “والقابل لا يكون" أي، لا يحصل إلا من " فيضه الأقدس” أي، الأقدس من شوائب الكثرة الأسمائية ونقائص الحقائق
الإمكانية.
وقد علمت فيما مر من المقدمات أن الأعيان التي هي القوابلللتجليات الإلهية كلها فائضة من الله بـ "الفيض الأقدس".
وهو عبارة عن التجلي الحبى الذاتي الموجب لوجود الأشياء واستعداداتها في الحضرة العلمية، ثم العينية كما قال: "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف...". و "الفيض المقدس" عبارة عن التجليات الأسمائية الموجبة لظهور ما يقتضيه استعدادات تلك الأعيان في الخارج.
فـ "الفيض المقدس" مترتب على "الفيض الأقدس".
وإذا علمت هذا، علمت أن لا منافاة بين هذا القول وبين قوله في "الفص العزيري" وغيره:
"إن علم الله في الأشياء على ما أعطته المعلومات بما هي عليه مننفسها".
وقوله: "فلله الحجة البالغة".
وقوله: "فالمحكوم عليه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك".
وقوله، صلى الله عليه وسلم: "من وجد خيرا، فليحمد الله. ومن وجد دون ذلك، فلا يلومن إلا نفسه."

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال. وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.)
(ومن شأن الحكم الإلهي) وهو القضاء الأزلي الذي أعطى كل شيء خلقه أي: قدر لكل مستحق حقه (أنه ما سوى محلا) أي: ما سوی مزاج شيء من الفلكيات أو العنصريات(إلا ولا بد أن يقبل روحا إلهيا) أي: فائضا من جنابه بحسب ما يليق بذلك المحل كالقوى المعدنية والنباتية والحيوانية، فكذلك العالم إذا تم تسويته لم يكن له بد من قبول الروح المقصود من خلقه.
وهو الإنسان الكامل (عبر عنه) أي: عن ذلك الحكم الإلهي بإفاضة الروح اللائق بالمحل (بالنفخ) أي: بنفخ الإله الروح (فيه)؛ لأن حصل له من النفس الرحماني الذي تنفس به عن آثار الأسماء التي كانت فيها بالقوة.
فكانت تلك الآثار قبل ظهورها المطلوب للأسماء كالكرب لها فأخرجها عن الباطن إخراج الهواء عنه دفعا لذلك الكرب.
وبهذا أول قوله تعالى: "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " [الحجر: 29].
وذلك لتعذر النفخ الحقيقي، وهو إخراج الهواء عن جوف النافخ إلى محل الاشتعال، فالمراد إفاضة الروح الموجب اشتعال المحل بنوره المشابه للنار في التأثير والإشراق.
وما هو إلا لحصول الاستعداد من تلك الصورة المساة لقبول الفيض التكلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال، وما بقي ثمة إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه.
ثم أشار إلى تعليل اقتضاء التسوية لقبول الروح الإلهي بقوله: "وما هو" أي: ليس تسوية المحل بمعنی تساوي تقادير الأجزاء، وطبائعها على ما يوهمه اللفظ.
وإلا كان روح كل مثل روح الأخر من كل وجه للاتفاق على أن اختلاف الأرواح بحسب اختلاف الأمزجة .
بل (ما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض) أي: قبول الروح بطريق فيضان نور الشمس على المحل القابل لنورها، وليس بانفصال شيء منها، وانتقاله إلى المحل بل بحدوث ما يناسب نورها في ذلك المحل.
فكذلك فيض الروح أثر (التجلي الدائم الذي لم يزل، ولا يزال) قبل حدوث هذا المحل؛ فليس التجلي حادثا بحدوث المحل بل ظهور أثر التجلي فيه يتوقف على حصوله، وتسويته توقف فيضان الصور على المرآة على تصقیلها وتسوية أجزائها، وإن كانت تلك الصور موجودة قبل المرآة.
وهذه الروح حاصلة في كل صورة فلكية أو عنصرية، إذ لا تخلو عن القوى المحركة بالطبع، أو الإرادة بل كل شيء يسبح بحمده، ولكن لا يفقه غير أهل الكشف تسبيحه، وكما أن لكل جزء من العالم روحا يدبره، فكذا لمجموعة لا بد من روح يدبرها، وهو المقصود بالذات، وهو الإنسان الكامل.
ثم استشعر سؤالا: وهو أنكم قد خصصتم التجلي بفيضان الروح؛ فمن أين فيضان القابل؟
فإن كان من التجلي؛ فلا بد له من تسوية المحل، ولا يحل قبل القابل، وإن كان من غيره بطلت قاعدة التوحيد.
فقال: (وما بقي) أي: بعد البحث عن فيضان الروح (إلا قابل) أي: بحث فيضان القابل للأرواح المذكورة الأجزاء العالم الكبير أو الإنسان.
ثم أجاب عنه فقال: (والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس)، وهو الفيض الحاصل من التجلي الإلهي بالأسماء لا واسطة القوابل الظاهرة، بخلاف فيضان الأرواح بواسطة هذه القوابل فإنه مقدس، وأما القوابل الباطنة أعني: الأعيان الثابتة فلا تعد وسائط لعدميتها، ولا من الفيض إذ لا معنى له سوى إشراق نور الوجود ?فیضان نور الشمس على المحل القابل له، ولو كانت من الفيض لكانت مجعولة وحمل القابل عليها في الكتاب مخل بالنظم على ما لا يخفى.
وإنما كان فيض الروح مقدسا مع براءته عن المواد الجسمانية المظلمة باعتبار تعلقه بالجسم المظلم لا في نفسه، فإنه أقدس من فيض القوابل أيضا فافهم، فإنه مزلة للقدم.
""أي: المنزه عن الجعل والتأثير؛ وذلك لأن المراتب كلها إلهية بالأصالة، وظهرت أحكامها باقتضاء ذاتي، فالأمر قبول ذاتي، وحصول استعدادي، وظهور، وبروز له تعالى لذاته بذاته لا غير. وقبول هذا لازم لفهم سريان النور الأزلي والفيض الألهي الساري في الوجود كله، فافهم.
أن هذه المسألة من أساس معارف الشيخ رضى الله عنه  ولا تغفل عنها، ولا تأخذ عنها بدلا فإنها ?شف أوسع الكشوف، وإن اعترضوا علينا بذكر هذه المسألة، فليس بأقل منع جرى على طلل، "وأن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم"، والله المستعان، فافهم"".
وإذا كان فيضان الأرواح والقوابل منه.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :[/


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:32 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الرابعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 8:00 am

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الرابعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الرابعة : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عته: ( ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال.  وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس. )
قال الشيخ قدس الله سره : (ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ولا بد أن يقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال . وما بقي ثمة إلا قابل، والقابل لا يكون إلّا من فيضه الأقدس)
قال الشارح رجمه الله :
(و من شأن الحكم الإلهي) و هو قول: (كن) أنه ما سوى محلا إلا و لا بد أن يقبل روحا، فما من صورة محسوسة، أو خيالية، أو معنوية إلا و لها قبول التسوية و التعديل كما يليق بها و بمقامها، فإذا ساداها و عدلها، يسلمها إلى الرحمن، فوجّه عليها نفسه بالقبح، و روحه و هو روح الحق تعالى المشار إليه في قوله: "فِإذا سوّْيـتهُ و نفخْتُ فِيهِ مِنْ روحِي" [الحجر: 29]، و هو عين هذا النفس بفتح الفاء، فقبلته الصورة على حسب استعدادها، و قابليتها . 
و أمّا الروح، فيطلق علي معان مختلفة عند أهل الطريق، فالروح الذي نحن بصدد بيانه بمعنى ما ينفخ فيه عند كمال التسوية، و هي نفس رحماني من عالم الأمر كما قال تعالى: "قلِ ُّ الروحُ مِنْ أمْرِ ربِّي" [ الإسراء: 85] .
و إنما قال رضي الله عنه: و لا بد أن يقبل الروح، و لم يقل لا بد أن يفيض روحا لأن الأمر من القابل و ما بقي إلا قابل، فافهم . 
فإن الأمر قبول و اقتضاء كما سبق، و لا تنس الأسلوب و الساق إلهيا . 
إنما قال رضي الله عنه: إلهيا لأن الحكم صدر من مرتبة الألوهية كما قال رضي الله عنه، و من شأن الحكم الإلهي، فما ظهر ما ظهر إلا باعتبار اسمه النور، و هو عين الوجود . 
قال تعالى: "اللّهُ نورُ السّماواتِ و الْأرضِ" [ النور: 35] .
( عبر عنه ): أي عن القبول بالنفخ فيه: أي في المحل، (و ما هو ): أي القبول إلا حصول الاستعداد.
أراد رضي الله عنه التوطئة لقولهو ما يطئ الأ قابل، فنفى التأثيرات الخارجية، فقال أولا، فكان الحق تعالى أوجد إشارة إلى مساوقة الإيجاد بالمشيئة الأزلية، فصار أزليا . 
قال: و من شأن الحكم الإلهي أن ما سواه يقبل الروح.
ثم قال: قبول الروح من (حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة) للفيض الأزلي الأبدي، فالأمر كله قبول و تأثر و استعداد (لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال). 
فقال: (و ما بقى إلا قابل، و القابل لا يكون إلا من الفيض الأقدس) المنزه عن جعل الجاعل، فالقابل من الفيض الأقدس، و القبول من الأقدس لا بإفاضة المفيض من الخارج.
و التسوية من مقتضى أحكام الأعيان باقتضاء ذاتي بلا جعل، فالقابل غير مجعول، و القبول غير مجعول، و التسوية غير مجعول، و النفخ الذي هو القبول غير مجعول، فافهم حتى تعرف الأمر.
إلى أن يؤول يزيد رضي الله عنه من هذه المقدمات أن الأمر ما يخرج عنه بل منه فيه باقتضاءات ذاتية.
و هو مذهب الشيخ رضي الله عنه كما فهمناه من كتبه، و كتاب "الفتوحات" و غيرها، و يخالف هذا كلام ما سوّاه ولا يعتمد عليه ، حتى لا ينقص عليك أصل من الأصول، و أنت ما تدري من أين جاءك؟ فافهم.
فـ رضي الله عنه عبر عن حسن القبول، و المطاوعة بالنفخ، و إفاضة الروح . 
قال الشارح الجامي رضي الله عنه في قوله: عبر عنه: أي عن ذلك القبول و فيه مسامحة لأن قبول الروح لازم النفخ لا عينه، فاللائق أن يجعل عبارة عن إفاضة الروح لا عن قبوله لأن النفخ صفة النافخ لا المنفوخ فيه . 
ثم جعل قدّس سره ضمير و ما هو أيضا راجعا إلى الروح، ثم قال: و فيه مسامحة أخرى، فإذا رددت الضمائر إلى القبول سومحت هذه المسامحات بلا إشكال و لا مسامحة، و هو أوفق على ظاهر عبارة الشيخ رضي الله عنه حيث قال: عبر عنه بالنفخ، و ما هو إلا حصول الاستعداد، فإن استعارة القبول بالحصول أنسب من الإفاضة، و غيرها، بل أن  القبول هو الحصول فقط بلا أمر زائد، و هذا الواقع في نفس الأمر، فافهم . 

"" إضافة الجامع : معنى الفيض والفرق بين الفيض الأقدس والفيض المقدس :-
الفيض في اللغة :
. فاض الماء ونحوه : كثر حتى سال .
2. فاض الخير وغيره : كثر. 
في الاصطلاح الصوفي
يقول الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي: " الفيض هو زيادة على ما يحمله المحل " .
و أضاف الشيخ قائلا : " وذلك أن المحل لا يحمل إلا ما في وسعه أن يحمله ، وهو القدر والوجه الذي يحمله المخلوق وما فاض من ذلك . وهو الوجه الذي ليس في وسع المخلوق أن يحمله ، يحمله الله . فما من أمر إلا وفيه للخلق نصيب ولله نصيب . فنصيب الله أظهره التفويض ، فينزل الأمر جملة واحدة وعينا واحدة إلى الخلق ، فيقبل كل خلق منه بقدر وسعه ".
وما زاد على ذلك وفاض أنقسم الخلق فيه على قسمين :
فمنهم من جعل الفائض من ذلك إلى الله تعالى فقال : "وأفوض أمري إلى الله ".
وينسب ذلك الأمر إلى نفسه , لأنه لما جاءه ما تخيل أنه يفضل عنه وتخيل أنه يقبله كله ، فلما لم يسعه بذاته رده إلى ربه .
ومنهم : من لم يعرف ذلك فرجع إلى الفائض إلى الله من غير علم من هذا الذي حصل منه ما حصل فهو إلى الله على كل وجه وما بقي الفضل إلا فيمن يعلم ذلك فيفوض أمره إلى الله فيكون له بذلك عند الله يد .
ومنهم : من لا يعلم ذلك عند الله بذلك منزلة ولا حق بتوجه .
وأعلم أن العبد القابل أمر الله لا يقبله إلا باسم خاص إلهي ، وأن ذلك الاسم لا يتعدى حقيقته .
فهذا العبد ما قبل الأمر إلا بالله من حيث الاسم ، فما عجز العبد ولا ضاق عن حمله ، فإنه محل لظهور أثر كل أسم إلهي ، فعن الاسم الإلهي فاض لا عن العبد ، فلما فوضه بقوله : " وأفوض أمري إلى الله" .
ما عين اسما بعينه ، وإنما فوضه إلى الاسم الجامع فيتلقاه منه ما يناسب ذلك الأمر من الأسماء في خلق آخر .
فإنه ما لا يحمله زيد وضاق عنه , لكون الاسم الإلهي الذي قبله به ما أعطت حقيقته إلا ما قبل منه وقد يحمله عمر ، ولأنه أوسع من زيد ، بل لأنه أوسع من زيد ، ولكن عمرو في حكم اسم أيضا إلهي قد يكون أوسع إحاطة من الاسم الإلهي الذي كان عند زيد  .
الشيخ مصطفى بالي أفندي يقول :
المراد بـ الفيض كون الجود الإلهي سببا لحدوث أنوار الوجود في كل ماهية قابلة للوجود بلا انفصال من الله تعالى واتصال إلى الماهية القابلة كفيضان الصورة على المرآة فإن صورة الإنسان مثلا سبب لحدوث صورة تماثلها في المرآة المقابلة بمحاذاة الصورة فليس فيهما انفصال واتصال. 
الشيخ قطب الدين البكري الدمشقي يقول :
الفيض هو شراب وفي الفيض تصريح موصل الوصول. 
الشيخ أبو العباس التجاني يقول:
" الفتح عبارة عن زوال الحجاب وما بزغ بعده من حقائق المعاني المذكورة يسمى فيضا لأنه فاض بعد حبسه " . 
الدكتور عبد المنعم الحفني يقول :
" الفيض هو ما يفيده التجلي الإلهي فإن ذلك التجلي هيولاني الوصف ، وإنما يتعين ويتقيد بحسب المتجلي ، فإن كان التجلي له عينا ثابتة غير موجودة يكون هذا التجلي بالنسبة إليه تجليا وجوديا فيفيد الوجود ، وإن كان المتجلى له موجودا خارجيا كالصورة المسواة يكون التجلي بالنسبة إليه بالصفات ويفيد صفة غير الوجود كصفة الحياة ونحوها . 
الدكتور حسن الشرقاوي يقول :
" يستخدم الصوفية لفظ الفيض بمعنى أن الحق تعالى يسبغ بعض نعمه على أحبائه ظاهرة وباطنة ، بفتح رباني " . 
الدكتورة نظلة الجبوري تقول :
" مفهوم الفيض : في نظر ابن العربي الطائي الحاتمي هو الحدث ، به ينتج الفضل الإلهي ، نور الوجود ، في كل جوهر يستقبل الكائن من دون أن يحصل انفصال بين الصورة المدركة في علم الله والله نفسه ، كما تستقبل المرآة صور الإنسان من دون أن ينفصل الإنسان نفسه عن وجهه المنعكس في المرآة " .
وتقول : " الفيض هو التجلي باصطلاح ابن العربي الطائي الحاتمي " . 
الباحث محمد غازي عرابي يقول : 
" الفيض : هو ورود الصور في شريط الخيال و معنونة بالرموز التي يتعلم السالك تأويلها بالمقارنة . قال سبحانه : "ولنعلمه من تأويل الأحاديث".
فالفيض بدء مرحلة تعليم التأويل الذي هو من اختصاص الله عز وجل:
وليس إلا صاحب الكشف يمكنه من أن يضرب بسهم في هذا الميدان .
فلو أن عالما أراد أن يقف على أسرار علوم التأويل وتهيأ لها وجند من أجلها كل طاقاته وإمكاناته ، ثم استمر على التعليم والتهيؤ عشرات السنين لما استطاع أن يأتي بتفسير واحد من مستوى تأويل آية من آيات الله .
لذلك خصت الصوفية بهذا العلم المبارك وتميزوا به عن الآخرين .
في تنوع الفيض الإلهي يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" فيض الله تعالى لا يتصور فيه مسك ولا قبض ولا انقطاع وهو يتنوع بتنوع المحال فيكون نورا في المنور وظلمة في المظلم ونون في المتوان وحركة في المتحرك وعملا في العالم وإرادة في المريد وحفاظا في المحفوظ " .

الفيض الأقدس
يقول الإمام فخر الدين بن شهريار العراقي  :
الفيض الأقدس هو المتعين به الأسماء الإلهية والأعيان الثابتة.
الشيخ عبد القادر الجزائري يقول :
الفيض الأقدس عند الطائفة العلية عبارة عن التجلي الحبي الذاتي الموجب لوجود الأشياء واستعداداتها في الحضرة العلمية ثم العينية " .
يقول الباحث محمد غازي عرابي :
الفيض الأقدس هو فيضان الأنوار القهارة في سماء الكشف الإلهي . وتدفق هذا الفيض هو النعمة التي خص الله بها عبادة الأبرار " .
الفيض الأقدس: الفيض هو التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال، أو هو كون الجود الإلهي سببا لحدوث أنوار الوجود في كل ماهية قابلة للوجود.
والفيض الأقدس: هو التجلي من الكثرة الأسمائية غير المجعولة، أو هو عبارة عن التجلي الحي الذاتي الموجب الوجود الأشياء واستعداداتها في الحضرة العلمية.
أو هو التجلي الذاتي والفيض الغيبي من غيوب الشؤون الذاتبة؛ أو هو تعين المعلومات في العلم الأزلي.


الفيض المقدس
يقول الشريف الجرجاني :
الفيض المقدس : هو عبارة عن التجليات الأسمائية الموجبة لظهور ما يقتضيه استعدادت تلك الأعيان في الخارج .
الفيض المقدس : هو التجلي الوجودي العيني، أو وجود العلم في أعبائها، أو ثبوت الحروف المعلومات أو الأعيان الثابتة في العلم في ألواح الوجود و ارتسامها بحسب ما تعينت في صفحة أم الكتاب العلمي الأنفس،
أو هو عبارة عن التجلي الوجودي الموجب لظهور ما تقتضيه تلك الاستعدادات في الخارج .

في الفرق بين الفيض الأقدس والفيض المقدس
يقول الشيخ عبد القادر الجزائري :
الفيض المقدس مرتب على الفيض الأقدس :
فـ بالأول تحصل الأعيان الثابتة واستعداداتها الأصلية في العلم .
وبالثاني تحصل تلك الأعيان في الخارج مع لوازمها وتوابعها .
ويقول الشيخ عبد الحميد التبريزي :
رأى ذاته المقدسة مستورة بسواتر العظمة والكبرياء فأحب أن تظهر وتعرف فأبدع بفيضه الأقدس أعيان الأشياء ما كان وما يكون .
وفيضه المقدس المصون القيوم الذي قامت بأمره السماوات والأرضون.

المفيض
أولا : بمعنى الرسول  يقول الشيخ أبو مدين المغربي:
المفيض : هو اسم من اسماء النبي , وذلك لأن النفوس قبل إفاضة التوفيق للهداية من الحق بواسطته كانت بيوتا مظلمة وأقطارا سودا مدلهمة ، فلما غشيها نور هذا المفيض أضاءت وأشرقت ، كما تضيء الأقطار وتشرق إذا غشيها نور الشمس.
الشيخ كمال الدين القاشاني يقول :
المفيض : اسم من أسماء النبي , لأنه المتحقق بأسماء الله تعالى ومظهر إفاضة نور الهداية عليهم وواسطتها .
ثانيا : بالمعنى العام 
يقول 
الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي:
المفيض : هو خليفة الله في الأرض .  أهـ ""

و أما قول الشارح قدّس سره: فاللائق أن يجعل عبارة عن إفاضة الروح، فكيف يرجع الضمير إلى ما مضى ذكره، فإن لفظة الإفاضة ما مضى ذكرها لا لفظا و لا معنى مع أن الإفاضة لفظ مؤنث، و ضمير مذكر مع أن جل مراد الشيخ رضي الله عنه في هذا المقام منع الإفاضة الخارجية في هذا المبحث، و من تتبع كلام الشيخ علم ما قلنا .
و هذه من أمهات المسائل، فإن الأمر ليس من الخارج بل في نفسه بنفسه فيه المؤثر و فيه المتأثر و فيه الأثر، فافهم . 
( من تلك الصورة) لا من أمر خارج، (المسواة) الظاهرة بالتسوية، (لقبول الفيض) يتعلق بحصول: أي حصول الاستعداد لقبول الفيض التجلي الدائم . 
( الذي لم يزل ): أي لا أول له من الأزل، (و لا يزال ): أي إلى الأبد، (و ما بقي) بهذه التوطية التي مضت إن فهمتها . 
( ثمة إلا قابل) و ذلك لأن جميع مراتب التنزلات تنزلات ذاتية باقتضاء ذاتي، و القابل له مزاج الانفعال فأطفأ بالنفس وأشعل و أمات و أحيى، فهو الذي أضحك و أبكى، فينسب الفعل إليه و إن لم يعول عليه، و ذلك لعدم الإنصاف في تحقيق الأوصاف، فهو المجهول المعلوم، و عليه صاحب الذوق يحوم، فافهم . 

قال رضي الله عنه في "الفتوحات ":
فما ثم مستقل بالتأثير إلا القابل لأثر إن له أثر بالقبول في نفسه كما للقادر على التأثير فيه، و من حيث أن المنفعل يطلب أن يفعل فيه ما هو طالب له، ففعل المطلوب منه ما طلبه هذا الممكن، فهو تأثير . 

هذا عين ما قال رضي الله عنه: إن الفاعل منفعل للفعل الممكن المنفعل في الواجب الفاعل، فإنه جعله أن يفعل ففعل، كما قال: أجيب دعوة الداعي إذا دعاني، فالدعاء أثر الإجابة، و الإجابة التأثير . 
و قال رضي الله عنه في الفص الزكريوي:
و قد ذكرنا في "الفتوحات" أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم، و سواء كان المتأثر موجود، أو معلوما و هو غريب، و مسألة نادرة، و شيء مهيب بل هي درة يتيمة ما لها من أخت و ذلك لأن الأثر للأسماء، و الأسماء ليست بأعيان موجودة، و إنما هي نسب، و هي مستند الآثار.

و هو أمر عدمي ذكره رضي الله عنه في الباب الثالث و التسعين و ثلاثمائة، فإن كنت خفت من هذه الكلمة السهلة الصعبة المنورة المظلمة، فأرجع، و أقول بلسان من يفري الحقائق، و يغزل الغزل الدقائق و يحاك الحلل الدقائق، بحيث لم يكن لأحد في مهمز، و لا لقائل في مغمز . 

إنه قال رضي الله عنه في النص الإلياسي:
إن الأمر ينقسم إلى مؤثر، و مؤثر فيه و لهما عبارتان، فالمؤثر بكل وجه و على  كل حال، و في كل حال هو الله، و المؤثر فيه بكل وجه هو العالم، فإذا ورد عليك أمثال هذا الكلام من الشيخ رضي الله عنه، فألحق كل شيء بأصله الذي يناسب مذهبه، فإن الوارد لا بد أن يكون فرعا لأصله أبدا .
و هذا المذهب: أي تأثير العدم في  الوجود سائغ في الكلمات النبوّات، و شائع بين الناس أما ترى أن النوافل أثر المحبة و الدعاء أثر الإجابة، فافهم .
أن هذا مقرّر من الشارع لا يمكن إنكاره إن كنت ذا فهم، فافهم أني أديت الأمانة بالإشارة و العبارة بالصريح و الكتابة، فلا تخف من القابلة، فإن الحق واحد في أسمائه و ذاته، فما في الوجود من جميع الوجوه إلا واحد.

فأين التأثير؟ و أين المؤثر؟ و المؤثر فيه؟
بل ما ظهر العالم إلا بالنسب، و لا حصل القبول من العالم لما يقبله من العالم أيضا إلا بالنسب، فالموجد بالنسب، و القابل بالنسب فالحكم لها، و قد علمت نسبة النسب و هي أمر عدمي ما لها عين، فافهم . 
ذكر الشيخ رضي الله عنه هذه المسألة في الباب الثالث و التسعين و ثلاثمائة من "الفتوحات" فافهم . 
و ذلك لأن (القابل ): أي للتجليات الذاتية المنزهة عن الكثرة (لا يكون إلا من فيضه الأقدس) المنزه عن الجعل و التأثير و ذلك لأن المراتب كلها إلهية بالأصالة، و ظهرت أحكامها باقتضاء ذاتي، فالأمر قبول ذاتي، و حصول استعدادي، و ظهور، و بروز له تعالى لذاته بذاته لا غير، و قبول هذا من لوازم قبول وحدة الوجود و فروعها.
فافهم أن هذه المسألة من أساس معارف الشيخ رضي الله عنه و لا تمل عنها، و لا تأخذ عنها بدلا فإنها كشف أوسع الكشوف.
و إن اعترضوا علينا بذكر هذه المسألة، فليس بأقل منع جرى على طلل، و أن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم، و الله المستعان، فافهم 

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:31 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الخامسة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 8:01 am

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الخامسة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الخامسة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فالأمر كله منه، ابتداؤه وانتهاؤه، «وإليه يرجع الأمر كله»، كما ابتدأ منه.
فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة، وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم «بالإنسان الكبير». فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية التي في النشأة الإنسانية.)
قال رضي الله عنه : (فالأمر) الذي هو مجموع هذا الوجود (كله)، روحانية وجسمانية وقابله ومقبوله وأوله وآخره وظاهره وباطنه
(منه) تعالى لأنه تفصيل مجمله وتبيين مشكله (ابتداؤه) في الظهور والبطون (وانتهاؤه) في السعادة والشقاوة .
وقال تعالى: "وأن إلى ربك المنتهى" 42 سورة النجم.
"وأنه هو أضحك " 43 سورة النجم .يعني أهل الجنة وأبكى  یعني أهل النار.
ثم لما انتهى الكل إليه زال الضحك والبكاء ("واليه")، أي إلى ذاته وأسمائه وأفعاله وأحكامه ("يرجع الأمر") المذكور ("كله ") 123 سورة هود.
فلا يخرج عنه شيء منه ولهذا كان: "ليس كمثله شيء " فإن البعض لا يشبه الكل، والكل بعضا فلا يشبه شيء ولا كل شيء، لأنه خلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ، فقد فصل كل شيء من مجمله.
وهو بمجمله عليم كما (ابتدأ) الأمر كله (منه) تفصيلا من إجمال، فإنه يرجع إليه مجملا  من تفصيل.
وحيث تقرر لك في هذا الكلام أن الحق تعالى أراد أن يرى ذاته متعينة في أعيان صفاته مسماة بحقائق أسمائه في جميع حضراته، لأن رؤية التفصيل غير رؤية الإجمال.
وإن شئت قلت : أن یری ذاته المجمل في مرآة الإمكان التفصيلية، لأن رؤية النفس ظاهرة بصورة الغير ما هي مثل رؤية النفس من دون ذلك الغير.
وقد كان ابتداء الحق تعالى هذا الأمر من غير إتمام حيث خلق العالم كله روحانية وجسمانية فكان بمنزلة الجسد المحتوى الذي لا روح فيه، أو بمنزلة المرأة الغير المجلوة، وكل جسد مسوی مستعد لروح أمري إلهي وكل مرآة غير مجلوة مستعدة للجلاء.
فاقتضى الأمر الإلهي لأجل إتمام ما أراده تعالى من خلق جسد العالم وإظهار مرآته الغير المجلوة.
(جلاء مرآة العالم) بإزالة الكثافة منها، ومسحها من أوساخ القصور والنقصان، وامدادها بالإشراق والصقالة.
(فكان آدم) عليه السلام من حيث روحه وعقله ونفسه وجسده.
(عين جلاء تلك المرآة)، فروحه جلاء العالم الأرواح، وعقله جلاء لعالم العقول، ونفسه جلاء العالم النفوس، وجسده جلاء العالم الأجساد، فبسبب خلق آدم عليه السلام انجلت مرآة العالم كمال الانجلاء .
فظهر له تعالى وجهه متنوعة بعد تنوعات ما يقتضيه صفاته وأسماؤه
كما قال تعالى : "فأينما تولوا فه وجه الله إن الله واسع عليم" 115 سورة البقرة. ومن وسعه كان جميع ما ظهر من صور وجهه الواحد في مرآة العالم بالنسبة إلى ما لم يظهر ?لا شيء بالنسبة إلى شيء لا نهاية له (وكان) آدم عليه السلام (روح تلك الصورة) التي هي جسد العالم المسوي، فقد أمد الله تعالى عالم الروحانيات بروح آدم عليه السلام.
وأمد عالم العقول بعقله، وأمد عالم النفوس بنفسه، وأمد عالم الأجساد بجسده.
فكان روح هذا الجسد المسؤى، وهذا حكمة تأخير خلقه عليه السلام عن خلق جميع أنواع العالم.
وحيث كان آدم عليه السلام حين خلق الله تعالی روح جسد العالم، وقد كانت الملائكة عليهم السلام قبله أجزاء من جسد العالم بمنزلة العروق والأعصاب المتهيئة لسريان القوى الروحانية فيها عند نفخ الروح قال رضي الله عنه :
(وكانت الملائكة) عليهم السلام يعني بعد خلق آدم عليه السلام ونفخه، روح أمرية إلهية في جسد العالم المسوی.
(من بعض قوى تلك الصورة) المسواة (التي هي صورة العالم) كله (المعبر عنه في اصطلاح القوم) الصوفية من أهل الله تعالی (بالإنسان الكبير).
لأن هذا الإنسان الصغير الذي هو آدم عليه السلام مختصر منه واسمه إنسان، وهو على صورته لمقابلة كل روحاني منه روحانية من العالم.
وكل جسماني منه جسمانية من العالم، والروح النفخي الأمري الإلهي قدر زائد في آدم عليه السلام ليس موجودا في شيء من العالم غيره، وبهذا الروح النفخي المذكور انجلت مرآة العالم، وتم ظهور الله تعالى بنفسه لنفسه .
فكانت الملائكة عليهم السلام (له)، أي لهذا الإنسان الكبير (كالقوى الروحانية) العاقلة والمفكرة والمخيلة والوهمية في الدماغ، و الهاضمة والجاذبة والطباخة ونحو ذلك في المعدة.
(و) القوى (الحسية) الباصرة والسامعة والذائقة والشامة واللامسة (التي في النشأة الإنسانية).
فكان العالم قبل خلق آدم عليه السلام بمنزلة القالب المسوى من الطين.
ثم أفرغ آدم عليه السلام فيه بنفخ الله تعالى روحه في جسده المجموع من أجزاء العالم كلها.
فظهر في آدم عليه السلام جميع ما في العالم.
ولكن اختلف الاسم ففي القالب المسوی ملائكة. وفي آدم عليه السلام قوى روحانية وحسية.
وفي القالب عناصر وطبائع. وفي آدم أخلاط وطبائع.
وفي القالب ?وا?ب وأفلاك.  وفي آدم أعضاء وحواس. وهكذا.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فالأمر كله منه، ابتداؤه وانتهاؤه، «وإليه يرجع الأمر كله»، كما ابتدأ منه.
فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة، وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم «بالإنسان الكبير». فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية التي في النشأة الإنسانية.)
(فالأمر) أي كل الموجود سوى الله تعالى من الموجودات العلمية والعينية (كله) تأكيد للاستغراق (منه) أي حصل من الله تعالى على الوجه المذكور.
(ابتداؤه وانتهاؤه وإليه يرجع الأمر كله) باستهلا?ه بتجلي الحق كل آن أو بتجليه عند القيمة الكبرى فبقي مجردة عن اللواحق العارضة ويتصل إليه تعالى.
(كما ابتدأ منه) يعني على الهيئة التي تكون الابتداء عليها يعني أن ذوات الأشياء وأحوالها من الابتداء والانتهاء والرجوع إليه تعالى.
كل ذلك من الله تعالى، ويلزم على أرباب العقول أن يقال : إذا كان جميع ذوات الأشياء وجميع أحواله من الأوصاف والأفعال والأقوال من الله تعالی يلزم الجبر المحض وهو خلاف ما ذهب إليه أهل السنة.
فنقول: إنما يلزم ذلك أن لو كان القوابل من الفيض المقدس وليس كذلك وقد صرح بقوله: والقابل لا يكون إلا بالفيض الأقدس وإنما لم يقل وما بينهما تحقيقا لما ذهب إليه من أن العالم كله عرض لا يبقى زمانين إذ لا بين حينئذ .
وهو ابتداء وانتهاء بالجهتين ومقصوده رضي الله عنه من هذا الكلام بيان كمال إحاطة الحق للأشياء .
ليزول ما ذهب إليه من العقول الضعيفة من أن الكون إذا كان سببا لرؤية الحق عينه كان محتاجا إليه للحق تعالى في حصول ذلك الكمال له.
تعالى عن الاحتياج إلى ما سواه وليزول الشبهة المعارضة لها من أن ما ذكرتم من القوابل ليس بأثر للحق تعالى لأن القوابل هي الماهيات والماهيات ليست بمجعولة فلم يجز في استكمال بعض ?مالاته أن يتخذ أسبابة مغايرة لذاته تعالى خارجة عن صنعه.
فلما قال : وما بقي إلا قابل إلى قوله : فاقتضى الأمر زالت الشبهتان معا لثبوت أن كونه محتاجا إليه من الله تعالى .
وأن القوابل فائضة منه بالفيض الأقدس فالله تعالى قادر بذاته على إيجاد الكمالات التي توجد بسبب الغير لكن وجودها به أكمل من وجودها بدونه.ولذلك وقعت به ولم تقع بدونه .
فلا نقص في حق الله تعالى في استكمال ذلك الكمال بالعالم بل هو من أكمل ?مالانه إذ كله صنيع الحق سواء كان فائضا بالفيض الأقدس أو المقدس .
فسبحان الله دبر العالم بالعالم كما لا نقص في احتياجه إلى صفاته في إيجاد الخلق إذ كلها ليس غير ذاته تعالى .
والتعبير بلفظ الاحتياج في حقه تعالى وإن كان سوء الأدب لكن يقتضي بيان المحل لتلك العبارة والله أعلم.
واعلم أن الله تعالى حزم على الإنسان بعض الأفعال وأحل بعضها فإذا فعلت فعلا شرعا وجد منه شيء وجود شبح مسوي لا روح فيه وهو بمنزلة .
قوله : وقد كان أوجد العالم كله وجود شبح مسوی لا روح فيه فاقتضى الأمر جلاء ذلك الموجود وهو بمنزلة.
قوله : فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم فكان جلاوه ونور الاسم الذي يحكم عليك في صدور هذا الفعل منك .
وهو بمنزلة قوله : فكل آدم عين جلاء تلك المرآة فحينئذ رأيت نفسك في فعلك فإذا رأيت نفسك رأيت ربك لأنك تعريفه الرسمي .
فإذا رأيت ربك فقد رأى ربك نفسه في مرآة فعلك كما رأى في مرآة العالم، فعلى هذا يجري فعلك على طريق فعل الله تعالى وينتج نتيجة فعله وإذا تحققت بأخلاقه وفعلت ما أمره وأعطيته ما طلبه منك وهو المرأة على نوع مخصوص بحسب الفعل المخصوص والوقت المعين .
فقد وجدت سعادة بسبب إطاعتك الشرع لا غير لأجل هذا أمر منها ما أمر بخلاف ما إذا
ارتكب المعاصي فإنه وإن كان يوجد شيء منها لكن لا يمكن به السلوك بهذا المسلك فلا يكون مرآة لصاحبها وربه .
والمقصود منك ليس إلا هو لذلك نهي منها ما نهى فتحفظ.
فإن هذه المسألة روح الشريعة وركن الطريقة فمن عرفها على وجه اليقين بريء عن شبهات المباحین.
(فكان آدم) أي الروح الكلي (عين جلاء تلك المرأة وروح تلك الصورة) ليحصل المطلوب من تلك الصورة وهو رؤية الله تعالى ذاته بها.
فإنه بدون الجلاء لا يحصل هذا المطلوب (وكانت الملائكة) أي كل ما يطلق عليه اسم الملك فيتناول الملائكة المهيمون وغيرها من الأملاك .
وقد أنجز الكلام إلى بيان القوى ليكون توطئة تذكر ما جرى بين الملائكة وآدم حتى نتعلم الأدب مع الله تعالى .
لذلك خص ذكر القوى بالملائكة لعدم هذه الفائدة في غيرها وعدم انضباطها لكثرتها لذلك قال : (من بعض القوي) يعني أن الملائكة مع كثرتهم بعض قوى (تلك الصورة) إلى حد يقبل التبعيض و التنصيف .
وهو كناية عن عدم الإحصاء (التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم) أي الصوفية (بالإنسان الكبير) فتكون الملائكة تابعة لآدم في المعنى ذلك أمرت بالسجود ليطابق الصورة بالمعنى.
(فكان الملائكة له) بالنسبة إلى الإنسان الكبير وهو صورة العالم (كالقوى الروحانية والحسية التي هي في النشأة الإنسانية) العنصرية فلا مجاز في إسناد الزعم إلى النشأة في قوله فيما تزعم حتی احتاج الكلام إلى تقدير المضاف من الأمل أو الأفراد تكون المراد النشأة الموجودة في الخارج لأن النشأة الكلية الموجودة في العقل .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فالأمر كله منه، ابتداؤه وانتهاؤه، «وإليه يرجع الأمر كله»، كما ابتدأ منه. فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة، وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم «بالإنسان الكبير». فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية التي في النشأة الإنسانية.)
قوله رضي الله عنه :  "والأمر كله منه، ابتداؤه وانتهاؤه "وإليه يرجع الأمر كله" (هود: 123) كما ابتدأ منه. فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة."
إن الحق تعالى من الحضرة الذاتية المقدسة قال بلسان حال ذاتي لنور من أنوار قدسه، وأنوار قدسه نور واحد بسيط لا يوصف بالنهاية فقال له: «?ن» أولا لآخر، فحصل له من قوله «?ن» تعين فقط لا أكثر من ذلك فيتحقق فيه الأولية.
ولو كان فيه أكثر من حقيقة ذلك التعين لكانت الأولية لأحدهما دون الآخر.
أو يكون كل واحد منهما أولا فيكون القول منه تعالی برز لاثنين لا لواحد، فإذن ما حصل لذلك النور إلا تعينه فقط لكن حقيقته الأولية تستدعي آخرا وإلا لم يتحقق الأولية ولا بد منها ليظهر حكم «?ن» فحصل لذلك النور بالتعين المذكور أن يتميز عن بقية الأنوار.
وأن يكون فيه قابلية للظهور بصورة ثاني يكون لأوليته ذلك الثاني آخرا كما قلنا، فتعين ذلك النور تعينا آخر فكان كون آخر غيره فسمي النور في مرتبة التعين الأول قلما أعلى .
وسمي هو بعينه في مرتبة التعين الثاني لوحا محفوظا.
لكن التعين الأول الذي هو القلم الأعلى شهد في قول الحق تعالی له: «?ن» أولا لآخر، يعني تهيئة لظهور اللوح المحفوظ منك. فقالت ذاته بلسان الحال: سمعا وطاعة.
فإن القول في تلك المراتب ليس إلا بلسان الحال فقول الحق تعالی له: تهيئا هو المعنى الذي عبر عنه. بأنه قال له: أقبل فأقبل وأدبر فأدبر.
فقال له تعالى"وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أكرم علي منك، فبك آخذ وبك أعطي".
قلت: يعني أن آدم هو الناطق المخبر عن العالم الكبير، علوه وسفله، وكذلك بنوه أخبروا عن العقل الأول وهو القلم.
وأخبروا عن النفس الكلية وهي اللوح.
وأخبروا عن الهيولى والصورة وهي الجسم.
وأخبروا عن الأركان الأربعة والمولدات ومما في العالم من الكميات والكيفيات والإضافات والمكان والزمان والملكات والانفعالات والأفعال.
ووصفوا هيئات الأفلاك وكواكبها وحركاتها وتداخلها، وعرفوا منافعها ومضارها وخواصها وأعراضها.
وعطفوا على أجسامهم، فعلموا تشريحها وعدد عروقها وأنواع ما فيها كما فعل جالینوس وشيعته إلى غير ذلك.
وأشرف من هذا كله ما وهبه الله تعالى أولياءه من شهود حضرته القدسية وما خص به محمدا رسول الله، عليه السلام، من إحاطة الخلافة بسائر مراتب خلفاء الله تعالى مما لا ينحصر في مقال ولا يسع ذكره الأيام والليالي.
قوله: "وروح تلك الصورة".
قلت: يعني بالصورة الأفلاك من محدب التاسع إلى نقطة مركز الأرض وهو العالم الكبير وهذا العالم جسم و آدم روحه في التمثيل والتشبيه وجعله روحا مجازا.
قوله:  "وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم بالإنسان الكبير، فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية التي في النشأة الإنسانية " 
قلت: يعني أن قوى العالم تسمى ملائكة أيضا وهي له كالقوى التي في الإنسان الروحانية والجسمانية الحسية ، وباقي هذا الفصل ظاهر في كلام الشيخ لا يحتاج إلى شرح.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فالأمر كله منه، ابتداؤه وانتهاؤه، «وإليه يرجع الأمر كله»، كما ابتدأ منه.
فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة، وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم «بالإنسان الكبير». فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية التي في النشأة الإنسانية.)
قال رضي الله عنه : ( فالأمر كلَّه منه ، ابتداؤه وانتهاؤه " وَإِلَيْه ِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّه ُ " ، كما ابتدأ منه ) .
يعني رضي الله عنه : مبدأ أمر الوجود ومنتهاه من الحق ، وهذا غير مناف لكون المنتهى إليه فإنّه منه بدأ وإليه يعود ، وما ثمّ إلَّا هو ، فهو القابل من حيث ظاهريته ومظهريته ، وهو المقبول من حيث باطنه وعينه ، فالوجود المقبول المتعيّن ، والمرتبة القابلة المتعيّنة  له للمتبيّن.
والأمر محصور بين الوجود والمرتبة ، والمرتبة المظهر ، والمتعيّن بها الظاهر الوجود الحقّ الباطن ، والظاهر مجلى للباطن ، والباطن عين الظاهر بالمظاهر وفيها ، والكلّ من العين الغيبيّة .
ثم دائما من الغيب إلى الشهادة ، ومن الشهادة إلى الغيب ، ومن العلم إلى العين ومن العين إلى العين ، وما ثمّ إلَّا هو ، هو هو ، إليه المصير .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم ، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة ) .
قال العبد : ولمّا كان المراد بالإيجاد هو كمال الجلاء والاستجلاء ولم يحصل إلَّا بالإنسان وفي الصورة الإنسانية المثلية الكمالية الإلهية التي حذاها الله حذو صورته المقدّسة.
كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : " خلق الله آدم على صورته ".
وفي رواية " على صورة الرحمن ".
وجاء في أوّل التوراة كما ذكرنا أوّلا : " نريد أن نخلق إنسانا على مثالنا وشكلنا وصورتنا ".
كما قال الله تبارك وتعالى ، وكما أنّ صورة الرحمن مستوية على عرش الوجود .
كذلك صورة الله مستوية على عرش قلب العبد المؤمن ، كشفا وشهودا وإيمانا وصدقا وحقّا موجودا . قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حكاية عن الله تعالى : "ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن ".
فالعبد المؤمن هو القابل للكلّ ، والكون الجامع الإلَّيّ الذي يظهر به الأسماء والصفات والذات على ما هي عليها من الكمال يؤمن بقابليّته الكلَّية المحيطة .
ويعطي الأمان صور الذات والأسماء والصفات الظاهرة في مظهريته عن التغيّر والتحريف ، فيظهر صورها في مرآته الكاملة كاملة ومؤمن أيضا ، أي معطي الأمان صور النسب وحقائقها أيضا من عدم ظهور آثارها من خفاء حكم الغيب والعدم .
بإظهارها في محالّ أحكامها وأسرارها في حقائق مظهرياته المعنوية والروحانية والطبيعية والعنصرية والمثالية .
فالإنسان هو المظهر الكلَّي والمقصد الغائي الأصلي ، حامل الأمانة الإلهية ، وصاحب الصورة المثلية المنزّهة عن المثلية .
فقبوله للتجلَّي الإلهي أكمل القبول ، لأنّه ما من قابل من القوابل يقبل الفيض على نحو من القبول وتعيّن الصورة الإلهية بمظهريته إلَّا وفي الإنسان الكامل مثال ذلك على الوجه الأكمل والأتمّ فروحانيته أتمّ الروحانيات وأكملها ، وطبيعته العنصرية أجمع الأمزجة وأعدلها .
ونشأته أوسع النشآت وأفضلها وأشملها ، واستعداده لظهور الحق وتجلَّيه أعمّ المظهريات والاستعدادات وأقبلها .
وتعيّن صورة الحق والخلق في مظهريته أكمل التعيّنات وأجلَّها ، وبه حصل كمال الجلاء والاستجلاء ، وبه اتّصل كمال الذات بكمال الأسماء .
وكان آدم عليه السّلام أوّل الصورة الإنسانية العنصرية ، فهو عين جلاء تلك المرآة المسوّاة شبحا لا روح فيه قبل وجود هذه النشأة الإنسانية الكمالية ، وجلى الحقّ هذا المجلى الأتمّ والمظهر الأعمّ ، وجلا به الصدأ الذي كان في شخص العالم .
وتجلَّى له فيه تجلَّيا كاملا ، فرأى نفسه فيه ، كما تقتضيه ذاته الكمالية ، وظهر لنفسه فيه ظهورا جامعا بين الكمال الأسمائي والكمال الذاتي ، وكمل به العالم أيضا .
فظهر الحق به على أكمل صورة لأنّه على صورة آدم الذي هو على صورة الحق ، فكان آدم عين قابلية العالم وإنسان عينه وعين جلاء قلبه القابل للتجلَّي الكمالي الجمعي الإلهي.
فالصورة الإلهية الظاهرة في مرآتيته هي روح العالم ، والمظهرية الإنسانية هو القلب القابل المؤمن لصورة الحق الظاهر فيه وبه عن التغيّر والتحريف عمّا هي عليه في نفسها ، فافهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : (وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبّر عنه في اصطلاح القوم بالإنسان الكبير ).
قال العبد أيّده الله به : اعلم : أنّ الملائكة هي أرواح القوى القائمة بالصورة الحسّيّة الجسمية ، والأرواح النفسية والعقلية القدسية ، وتسميتها ملائكة لكونها روابط وموصلات للأحكام الربانية والآثار الإلهيّة إلى العوالم الجسمانية فإنّ الملك في اللغة هو القوّة والشدّة ، فلمّا قويت هذه الأرواح بالأنوار الربانية ، وتأيّدت واشتدّت بها ، وقويت النسب الربانية والأسماء أيضا بها وعلى إيقاع أحكامها وآثارها وإيصال أنوارها وإظهارها ، سمّيت ملائكة .
وهم ينقسمون إلى:
علويّ روحاني . -  وسفلي طبيعي . - وعنصري . ومثالي نوراني .
فمنهم: المهيّمون ، ومنهم المسخّرون ، ومنهم المولَّدة من الأعمال والأقوال والأنفاس ، والصافّون والحافّون والعالمون . 
ثم العلوي الروحاني :
إمّا مجرّد عن المادّة والطبيعة وهم عالم العقول والمهيّمة ، وإمّا متعلَّقة بالمادّة ، والمتعلَّق بالمادّة إمّا متعلَّق بمادّة معيّنة ،أو بمادّة غير معيّنة وللمحقّق المكاشف.
هاهنا بحث مع غير المكاشف منهم وذلك أنّ مشرب التحقيق الأتمّ يقضي أن لا تخلو الأرواح عن مادة ما فإنّ الصور لا تستغني في الوجود عن المادّة.
فكذلك الصور الروحية والصور العقلية المتمايز بعضها عن بعض والمتغاير بعضها بعضها لا بدّ لها من مادّة صالحة لتصوّر تلك الصورة.
ولكن لا يلزم أن تكون مادتها طبيعية أو عنصرية ، بل تكون مادّتها من نور النفس الرحماني ، أو تكون مادتها من نور التجلَّي الوجودي ، أو نفس النفس ، أو من العماء الآتي حديثه فيما بعد وغيره والمقدّم أيضا ذكره فيما سلف في أسرار حروف الاسم" الله " فتذكَّر .
فالعقول والأرواح العالية المجرّدة عند الحكيم المكاشف إنّما هي وجودات متعيّنة في الماهيات والحقائق البسيطة ، صوّرها الله من العماء.
وهو النفس المتضاعف المتكاثف بتوالي الفيض النفسي الرحماني المنفّس عن القابل ، والقابل من تأثير القابل المتعيّن والانفعال والانعقاد صورا نورية .
فمادّة هذه الصور العقلية والأرواح العليّة الإلَّيّة هي العماء ، حقيقة الحقائق وجوهر الجواهر وهويّة الكلّ وأصلها وهيولاها الحاملة لصور وجوبها وإمكانها ، وهي الهيولى السابقة .
ولقد استقصينا القول فيه في هذا الكتاب ،وسنعيد الكلام عليه ، فلا تظنّها تكرارا ، لعلّ الله يجود بلائحة من علمها لأهل الاستعداد ، والله الموفّق للرشاد .
فإنّ العلم بها لا يحصل إلَّا بتعليم الحق وتجلَّيه وتعريفه بما يخصّ به بعض عبيده الصالحين ، ولا يعرفه العقلاء بالفكر النظري والقانون الفكري من تركيب المقدّمات وترتيب المفردات.
بل بالتخلَّي عن الشواغل والعلائق ، والتوجّه التامّ بأحدية العزيمة ، وصمود القلب إلى الموجد المتجلَّي بالعلم الحقيقي والبرهان الكشفي والاطَّلاع الشهودي والتعريف الإلهي الوجودي بعد المناسبة الذاتية والمرتبية .
ثم الملائكة العالية الموجودة من المادّة العمائيّة هم الأرواح العالية المهيّمة .
ومنهم العقل الأوّل أبو العقول وهو القلم الأعلى ، وفي مرتبته النفس الكلَّيّة من وجه ، وهي اللوح المحفوظ في العرف الشرعي ، والمادّة العمائية التي قبلت هذه الصور النورية الروحية هي النون أعني الدواة التي أقسم الله بها في القرآن العزيز بقوله : " ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ".
ودون هذه المرتبة الأرواح التي مادّتها مثاليّة نورانية مطلقة ، وطبيعية نورانية ، وعنصرية غير نورانية ، ومثالية مقيّدة خيالية .
يوجدها الله من الأعمال والأنفاس والأخلاق وهي الملائكة المولَّدة .
فعلى هذا لا يخلو روح عن مادّة يفعل فيها ما يشاء من الصور ، فإمّا أنفسيّة حقيقية ، وإمّا ربّانية إلهية حقانية وذلك في عماء الربّ وإمّا عمائيّة كيانية .
إمّا نفسية رحمانية ، أو مثالية نورانية ، أو طبيعية كلَّية عرشية محيطة وفلكية كذلك ، أو عنصرية سماوية أو كوكبيّة أسطقسّيّة مائية وهوائية ونارية وأرضية ، والموادّ من الأرضية ما يغلب على نشأته الأرضية وكذلك غيرها .
ثم اعلم : أنّ الملائكة لا تنحصر عددا إلَّا بسدنة الأسماء الإلهيّة التي لا تنحصر ، والكلمات والآيات التي لا تنفد ولا تتناهى .
وهي أرواح القوى المنبثّة في العوالم العلوية والسفلية ، والخواصّ المنتشرة اللازمة للأعيان الوجودية المتصوّرة المتعيّنة بحسب الخصوصيات ، وبمقتضى القوابل غير مجعولة الاستعداد ، لكل قوّة من هذه القوى روح من الأرواح له صورة نورية طبيعية وعنصرية على اختلافها وكثرتها ، وقد يتوسّع في إطلاق بعض صورها روحا للبعض الآخر بالأشرفية والأفضلية المرتبية .
كما أنّ الروح الملكي الذي هو روح درجة الطالع أفضل وأشرف وأصفى وأنور وأقرب إلى الوحدة والبساطة من الروح المدبّر لهذا الهيكل العنصري من وجه لأنّ علَّته وسببه أفضل وأعلى وأقدم وأبقى ، والأرواح المدبّرة للأجسام العنصرية فائضة من الأرواح العلوية السماوية .
وإن كان بعض الأرواح المدبّرة لبعض الأجسام البشرية أكمل من سائر الأرواح العلوية والسفلية ، فإنّ ذلك لا ينافي ما ذكرنا لكون ذلك باعتبار حصول التجلَّي الكمالي الإلهيّ الأحدي الجمعي .
وأمّا الأرواح المدبّرة للأجسام البشرية من نوع الإنسان الحيوان فلا خلاف في قصورها مطلقا عن درجة أيّ روح فرضنا من الأرواح الملكية والفلكية ، فاعلم ذلك .
ولمّا كانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم ، تبيّن فيما سلف أن ليس فيها قوّة القيام بمرآتية الذات من حيث هي هي ولا من حيث أحدية جمع الذات ، ولا بمظهرية الأسماء جمعا وفرادى .
وأنّ المظهر الكامل الجامع لمظهريات التجلَّيات الذاتية الكمالية الكلَّية هو الإنسان الكامل الجامع بين مظهرية الذات المطلقة بإطلاق قابليته الكلَّية ، وبين مظهرية الأسماء والصفات والأفعال.
بما في نشأته الكلَّية من الجمعية والاعتدال ، وبما في مظهريته من الحيطة والسعة والكمال ، وهو كذلك جامع أيضا بين الحقائق الحقيّة الوجوبية ونسب الأسماء الإلهيّة الربوبية ، وبين الحقائق الإمكانية والأعيان الكيانية.
وأمّا كماله فلإحاطته بين الحقيقتين ، وشموله لجميع ما في العالمين ولجمعه كذلك بين البحرين ، فهو المظهر الأتمّ ، والمنشأ الجامع الأعمّ ، والبحر المحيط الزاخر الخضمّ ، والطود الراسخ الأشمخ الأشمّ.
فكانت الملائكة صور قواه الروحانية لأنّ فيها قوى كثيرة غير القوى التي للملائكة المنبثّة في العالم صورها التفصيلية .
فإنّ الأرواح الخبيثة والشياطين والعفاريت والمردة أيضا من صور بعض قواها ، وكذلك جميع الحيوانات الماشية الساعية والسابحة والطائرة .
وكذلك الأسماء الإلهية صور قوى هذا الإنسان ، وكذلك الدوابّ والبهائم والحشرات والسباع وغير ذلك ممّا لا نذكره اعتمادا على فهمك " وَالله يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ".
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فكانت الملائكة له كالقوّة الحسيّة والروحانية التي في النشأة الإنسانية .
قال العبد أيّده الله به : القوى الحسّية التي في نشأة الإنسان هي التي متعلَّقاتها المحسوسات كالإبصار والسماع والشّم والذوق واللمس وما تحت هذه الكلَّيات من الأنواع والشخصيات .
وأمّا القوى الروحانية فكالمتخيّلة والمفكَّرة والحافظة والذاكرة والعاقلة والناطقة .
وهذه القوى الكلَّية وشخصياتها في حيطة الروح النفساني ، ومنشؤها ومجاري تصرّفاتها وأحكامها وآثارها الدماغ ، فكالقوى الطبيعية مثل الجاذبة والماسكة والهاضمة والغاذية والمنمية والمربيّة والمولَّدة والمصوّرة والدافعة وشخصياتها راجعة إلى الروح الطبيعي .
وكالعلم والحلم والوقار والإناءة والشجاعة والعدالة والسياسة والنخوة والرئاسة وغيرها ممّا تحتها من المشخّصات والأنواع بالمماثلة والمشاكلة والمباينة والمنافرة عائدة إلى الروح الحقيقي الحيواني والنفساني .
وكما أنّ هذه القوى منبثّة في أقطار نشأة الإنسان وإن كان لكل جنس وصنف ونوع من هذه القوى محلّ خصيص بها .
هو محلّ ظهور أحكامه وآثاره ومنشأ حقائقه وأسراره ، ولكن حكم جمعيّة الإنسان سار في الكلّ بالكل فكذلك العالم الذي هو الإنسان الكبير في زعمهم .
كلَّيات هذه القوى وأمّهاتها بجزئياتها وأنواعها وشخصياتها منتشرة ومنبثّة في فضاء السماوات والأرضين وما بينهما وما فوقهما من العوالم ، وتعيّنات هذه القوى والأرواح في كلّ حال بما يناسبه ويوافقه على الوجه الذي يلائمه ويطابقه .
وبها ملاك الأمر النازل من حضرات الربوبية ، وهي في الحقيقة صور متعلَّقات للنسب الربانية ، وبها يقوى الوجود النفسي على التعيّنات وتنوّعات الظهور والتجلَّيات ، فافهم .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فالأمر كله منه، ابتداؤه وانتهاؤه، «وإليه يرجع الأمر كله»، كما ابتدأ منه.
فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة، وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم «بالإنسان الكبير». فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية التي في النشأة الإنسانية.)
( كله منه ابتداؤه وانتهاؤه وإليه يرجع الأمر كله كما ابتدأ منه ) .
قوله ( فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم ) جواب لما ، ولما وسط بين لما وجوابه علة المشيئة وانجر الكلام إلى اقتضاء أسمائه تعالى وجود العالم المحتاج إلى الجلاء وجب إيراد فاء السببية في جوابه ، لأن تعليل المشيئة المخصوصة تسبب للجلاء وإن كان لما لم يقتض ذلك لأنها تقتضي مقارنة الشرط والجزاء فحسب فجمع بين السببية والمقارنة ( فكان آدم ) أي حقيقة الإنسان
كما ذكر ( عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة ) بمناسبة أحدية الجمع فإن الحضرة
الإلهية جامعة الأسماء كلها لا واسطة بينها وبين الذات فكذلك الحضرة الإنسانية جامعة لها ، إذ الوجود ينزل من أحدية جمع الذات إلى الحضرة الإلهية وفاض في مراتب الممكنات على الصورة الانتشارية .
حتى انتهى إلى الإنسان منصبغا بصبغ جميع المراتب فصار الإنسان برزخا جامعا لأحكام الوجوب والإمكان كما كانت الحضرة الإلهية جامعة للذات والأسماء كلها .
فظهر فيه ما في الحضرة الإلهية فكان العالم بوجوده مرآة مجلوة ولم تبق واسطة بين الحضرة الإنسانية والذات الأحدية ، وإذا كان جلاء مرآة العالم كان روح صورته
وكانت ( الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم بالإنسان الكبير ،فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية التي في النشأة الإنسانية)
فكانت القوى الروحانية والنفسانية ملائكة وجود الإنسان ، لأن قوى العالم اجتمعت فيه بأسرها فالإنسان عالم صغير والعالم إنسان كبير لوجود الإنسان فيه ، إلا أن أحدية جمع الوجود التي ناسب بها العالم الحضرة الإلهية لم توجد في جميع أجزائه إلا في الإنسان فكان الإنسان مختصرا من الحضرة الإلهية ولهذا قال “ خلق آدم على صورته “ .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فالأمر كله منه، ابتداؤه وانتهاؤه، «وإليه يرجع الأمر كله»، كما ابتدأ منه.
فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة، وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم «بالإنسان الكبير». فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية التي في النشأة الإنسانية.)
قوله: (فالأمر كله منه، ابتداؤه وانتهاؤه، وإليه يرجع الأمر كله، كما ابتدأ منه) جواب شرط مقدر.
أي، إذا كان القابل ما يترتب عليه من الاستعدادات والكمالات والعلوم والمعارف وغيرها فائضا من الحق تعالى حاصلا منه، فالأمر،أي الشأن بحسب الإيجاد والتكميل، كله منه ابتداء وانتهاء. والمراد بـ (الأمر) المأمور بالوجود بقول (كن).
كما قال: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون).
وكما كان هو (أولا) ومبدء لكل شئ، كذلك كان (آخرا) ومرجعا لكل شئ.
قال تعالى: (وإليه يرجع الأمر كله). أي، ما حصل بالأمر.
وهذا الرجوع إنما يتحقق عند القيامة الكبرى بفناء الأفعال والصفات والذات فيأفعاله وصفاته وذاته الموجب لرفع الإثنينية وظهور حكم الأحدية.
هذا إنجعلنا (وإليه يرجع الأمر كله) تكرارا مؤكدا للأول.
وإن حملناه على التجليات الفائضة بالفيض المقدس كل حين، فنقول أن الحق يتجلى بحكم (كل يوم هو في شأن).
كل لحظة، بل عند كل آن، لعباده، فينزل الأمر الإلهي من الحضرة الأحدية، ثم الواحدية إلى المرتبة العقلية الروحية، ثم اللوحية، ثم الطبيعة الكلية، ثم الهيولى الجسمية، ثم العرش، ثم الكرسي والسماوات السبع منحدرا من المراتب الكلية إلى الجزئية، إلى أن ينتهى إلى الإنسان منصبغا بأحكام جميع ما مر عليه، في آن واحد من غير تخلل زمان، كذلك إذا انتهى إليه وانصبغ بأحكام الغالبة عليه، ينسلخ منه انسلاخا معنويا ويرجع إلى الحضرة الإلهية.
فإن كان المنتهى إليه من الكمل، فالنازل يكون قد تم دائرته وصارت آخريته عين أوليته لأنه مظهر المرتبة الجامعة الإلهية.
وإن كان من السائرين الذين قطعوا بعض المنازل والمقامات، أو الباقين في أسفل السافلين والظلمات، فيكون قطع نصف الدائرة أو أكثر، ثم انسلخ ورجع إلى الحضرة بالحركة المعنوية. فمعنى قوله: (وإليه يرجع الأمر كله) أي، إلى الله يرجع الأمر التجلي الإلهي النازل كللحظة إلى العالم الإنساني، كما ابتدأ منه.
قوله: (فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة). رجوع إلى ما كان بصدد بيانه، أو جواب (لما) والفاء للسببية.
أي، بسبب أن الحق أوجد العالم وجود شبح لا روح فيه وكان كمرآة غير مجلوة، اقتضى الأمر الإلهي جلاء مرآة العالم ليحصل ما هو المقصود منها، وهوظهور الأسرار الإلهية المودعة في الأسماء والصفات التي مظهر جميعا الإنسان إجمالا وتفصيلا.
وكان آدم، أي الإنسان الكامل، عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة، إذ بوجوده تم العالم وظهر أسراره وحقائقه.
فإن ما في العالم موجود ظهر له حقيقته وحقيقة غيره بحيث إنه علم أن عين الأحدية هي التي ظهرت وصارت عين هذه الحقائق إلا الإنسان.
وإليه الإشارة بقوله: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض) أي، على أهل السماوات والأرض من ملكوتها وجبروتها.
(فأبين أن يحملنها) حيث ما أعطيت استعداداتهم تحملها.
(وحملهاالإنسان) لما في استعداده ذلك. (إنه كان ظلوما جهولا). أي، ظلوما على نفسه مميتا إياها مفنيا ذاته في ذاته تعالى، جهولا لغيره.
ناسيا لما سواه نافيا لما عداه بقوله: (لا اله إلا الله) فالأرواح المجردة وغيرهم وإن كانوا عالمين بالأشياء المنتقشة فيهم الصادرة عن الحق بواسطتهم، لكنهم لم يعلموا حقائقها وأعيانها الثابتة كما هي، بل صورها ولوازمها، ولذلك أنبأهم آدم بأسمائهم عند عجزهم عن الإنباء واعترافهم بقولهم: (لا علم لنا إلا ما علمتنا).
وإليه الإشارة بقوله تعالى: (وما منا إلا له مقام معلوم). أي، لا نتعدى طورنا.
كما قال جبرئيل،عليه السلام: (لو دنوت أنملة لاحترقت.)
قوله: (وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم بالإنسان الكبير) عطف على قوله: (فكان آدم).
والمراد بـ (الملائكة) هنا غير أهل الجبروت والنفوس المجردة.
لذلك قال: (من بعض قوى تلك الصورة) إذ أنواع الروحانيات متكثرة: منهم أهل الجبروت،كالعقل الأول والملائكة المهيمة والعقول السماوية والعنصرية البسيطة والمركبةالتي هي المولدات الثلاث على اختلاف طبقاتها وصنوفها ودرجاتها، ومنهم أهل الملكوت، كالنفس الكلية والنفوس المجردة السماوية والعنصرية البسيطة والمركبة.
على أن ما في الوجود شئ إلا وله من الجبروت والملكوت عقل ونفس، ومنهم النفوس المنطبعة في الأجرام العلوية والسفلية.
ومنهم القوى الجسمانية التي هي سدنة النفوس المنطبعة، ومنهم الجن والشياطين.
ولا يطلق القوى إلا على التوابع من القوى الروحانية والنفوس المنطبعة وتوابعها كما يقال: قوى الروح وقوى القلب.
[si


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:29 pm عدل 4 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الخامسة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 8:02 am

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الخامسة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الخامسة : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (  فالأمر كله منه، ابتداؤه وانتهاؤه، «وإليه يرجع الأمر كله»، كما ابتدأ منه.  فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة، وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم «بالإنسان الكبير».  فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية التي في النشأة الإنسانية. )
قال المصنف  رضي الله عنه :  ( فالأمر كله منه ابتداؤه و انتهاؤه: و إليْهِ يـرجعُ  الْأمْرُ كُلُّهُ [ هود: آية 123] كما ابتدأ منه . فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة و روح تلك الصورة .   و كانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم بـ : "الإنسان الكبير "). 

قال الشارح رحمه الله : 
( فالأمر ): أي إذا كان الأمر على هذا المنوال، و ما  شيء من خارج بل منه فيه فقال رضي الله عنه: أمر الوجود . 
( كله منه ): أي ظهور أم الوجود كله من القائل و ليس في الوجود من يسع الحق سوى القابل، و ما وسعه إلا بقبول الصورة، فهو مجلى الحق، و الحق مجلي حقائق العالم بروحه الذي هو القابل . 
قال رضي الله عنه في الباب الأربعين و أربعمائة من الفتوحات :
و عندي أن العالم هو عين العلة، و المعلول ما أقول أن الحق علة له كما يقول بعض النظار، فإن ذلك غاية الجهل بالأمر، فإن القابل بذلك ما عرف الوجود و لا من هو الموجود، فلا بد أن ينتهي الأمر إلى واجب الوجود الذي هو نهاية العلل، فافهم انتهى كلامه رضي الله عنه . 
و ذلك لأن الذات المقدّسة من حيث أحديتها ليست مصدر الشيء و لا متصفة بصفات، و لا مسمّاة باسم البتة.
هذا ذوق سيدي الإمامي رضي الله عنه و عدم التصديق لهذه المسألة هو المصيبة الآزفة التي ليس لها من دون الله كاشفة، فافهم . 
شرحت لهذا الذكر صدرا، و رفعت لأعلام المعارف قدرا، و إياك و المغالطة! فإن الناقد يصير و إليه الأمور تصير، فافهم .
( فمنه ابتداؤه) حقيقة و روحا قال صلى الله عليه و سلم : "كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين" .
و قال صلى الله عليه و سلم : " أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فقال: يا رب ما أكتب؟  
قال: "أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة من مات على غير هذا فليس مني" رواه عبادة بن الصامت . 
و في رواية :  "فأمره أن يكتب كل شيء يكون " رواه ابن عباس رضي الله عنه .
هذا معنى "كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين" لأنه كان عين القلم الأعلى، و العقل الأول بعلم و شعور، فافهم . 
( و انتهاؤه إليه ): أي إلى القابل، فإنه أول الخلق حقيقة، و آخر الخلق صورة و جسما، و أعطاه الله: أي هذا القابل التجلي الآخرية لأنه آخر نوع ظهر فهو الأول من حيث الصورة الإلهية، و الآخر من حيث الصورة الكونية . 
( و إليه يرجع الأمر كله ): أي الوجود كله ذاتا و اسما و صفة لأنه الظاهر بالصورتين . 
قد علمنا بالخبر الصحيح أن أعمالنا ترد علينا، فإليه يرجع الأمر كله، فالعبد بحسب ما عمل فهو المقدس إن كان عمله التقديس والتنزيه والمعظم إن كان عمله التعظيم. 
لما لاحظ من أصل الكشف هذه الرجعة، قال: سبحاني ، فأعاد التنزيه عليه لفظا، كما عاد حكما، هكذا من مقام سبح اسم ربك .

و كما قال الآخر في هذا: أنا الله، فإنه ما عبد إلا ما اعتقده، و ما اعتقده إلا ما أوجده في نفسه، فما عبد إلا مجعولا مثله، فظهر لك بهذا السرد إن كنت ذا لب، أن أمر الوجود كله يرجع إلى العبد لأنه ظاهر بالصورتين، و باطن عن الصورة الكونية بما عنده من الصورة الإلهية أن الله خلق آدم على صورته.
فمن هنا يظهر رجوع الحق إلى العباد من نفسه مع غنائه عن العاملين، فلمّا خلقهم لا يمكن إلا الرجوع إليهم، و الاشتغال بهم، سنفرغ لكم و هو عين الحفظ الإلهي، فإنه ما أوجده عبثا، فيرجع إليه سبحانه أنه تواب: أي رجّاع .
يشير إلى مبالغة في الرجوع، و حكم عموم الرجوع الإلهي إلى العباد، كما قال تعالى: "ثمّ  تاب عليْهِمْ ليتوبوا إنّ اللّه هُو التّـوّابُ الرّحِيمُ" [ التوبة: 118] .
أقدم و أكثر رجوعا إلى العباد من العباد إليه، فإن العبد تارة يرجع إلى نفسه، و تارة إليه سبحانه بخلاف الحق فما كانت له رجعة إلى نفسه إلا الرجعة الأولى المعبر عن ذلك بابتداء العالم فما له رجوع إلا إلى عباده فافهم ذكره رضي الله عنه في "الخزائن".
و يحتمل أن يكون المراد بقوله رضي الله عنه: (و إليه يرجع الأمر كله) إشارة إلى أن هذا القائل يجمع كل حقيقة في العالم، كما أن كل اسم إلهي يجمع كل اسم إلهي: أي باعتبار الذات، فالثاني  كشف إلى القاسم القسي صاحب "خلع النعلين" و الأول كشف شيخنا . 

قال رضي الله عنه في "الفتوحات" في الباب السابع و التسعين و المائتين:
بهذا الكشف انفردت من دون الجماعة الإلهيين، فلا أدري هل عثر عليه أحد غيره، و كوشف به أم لا من جنس المؤمنين من أهل الولاية، لا من جنس الأنبياء عليهم السلام أهل الاختصاص . 
فرحم الله عبدا بلغه أن أحدا، قال بهذا عن نفسه و عن غيره، فيلحقها في كتابي هذا استشهاد إلى فيما أدّعيته، فإني لا أحب المخالفة، بل أحب الموافقة لا أنفرد  بشيء دون أصحابي، و الله يقول الحق، و هو يهدي السبيل كما ابتدأ منه . 
ورد في الخبر الصحيح أنه قال صلى الله عليه و سلم : "أول ما خلق الله روح نبيك يا جابر"  
فيكون للآخر الأول الباطن الظاهر بجمع الأضداد، بل عين الأضداد و وجد مع الحق تعالى هؤلاء هو قوله: "و ما رميت إذْ رميْت و لكِنّ اللّه رمى"  [ الأنفال: 17]، فختم بما بدأ فيا ليت شعري! فمن بينهما فالأمر كله منك و فيك .

قال الشيخ رضي الله عنه في الفص الشيثي: 
فما في أحد من الله شيء، و ما في أحد من سوى نفسه شيء، و إن تنوّعت عليه الصور انتهى كلامه رضي الله عنه فما ثم أمر خارج عنك، فلا ترجو أن تعرف نفسك بسواك، فإنه ما ثم سوى، فأنت دليل عليك، و دليل عليه من عرف نفسه، فقد عرف ربه، و ما ثم سوى من هو دليل عليك، فافهم . 
قال رضي الله عنه: إن الولاية لها الأولية، ثم تسحب و تثبت و لا تزول و لها حكم الأول، و الآخر، و الظاهر، و الباطن و لا ينقطع، فإن الاسم الولي يحفظه، فافهم . 
( فاقتضى الأمر) يعني: لما شاء الحق ما شاء، و العالم القابل كمرآة غير مجلوّة، فاقتضى أمر القابل اقتضاء ذاتيا و ذلك لأنه لما أوجد الله تعالى القابل، و اقتضت ذات القابل الاقتضاءات الذاتية بما ركبه الله عليه من الحقائق، و الاستعدادات لقبول تلك الاقتضاءات، طلب بذاته العوارض الإمكانية التي تراها في القابل.
فمن القابل من له قصد في ذلك الطلب، و هو تعين عارض، خاص كقائم يطلب القعود ممن يعقل، و منهم من يطلبه من غير قصد كالشجرة تطلب السقي لأجل الثمر التي خلفت لها، و طلبها لذلك ذاتي على مقدار معلوم، إن زاد على ذلك لحال كان حكمه، حكم نقصانه في الهلاك، فلا بد من حافظ يحفظ عليه القدر المعلوم.
و هو الخالق فهذه الاقتضاءات الذاتية من القابل منها، و ما يقابل فيه صلاح، و منها فساد بحسب الحكمة الواقعة الحاكمة عليها . 
و أمّا الأحوال كالأحمر لمن قامت به الحمرة للمعاني، فإنها أحكامها و ليس لها وجود و لا هي معدومة هذا حكم لا يتصف بالخلق لأنه معقول لا عين له في الوجود العيني، بل المعاني كلها التي أوجبت أحكامها لمن اتصف بها نسب عدمية لا عين لها في الوجود، و لها الحكم و الحال و لا عين لحكمها و حالها في الوجود.
فصار الحاكم و المحكوم به في الحقيقة أمورا عدمية مع أنها معقولة فعل الحقيقة لا أثر الموجود في موجود، و إنما الأثر للمعدوم في المعدوم، و تأثير العدم إنما يظهر بالبديهة في أحكام المراتب، فإن الآثار للمراتب لا للأعيان كمرتبة السلطنة في النوع الإنساني مثلا يحكم بما يريد لرتبة السلطنة، و ليس للسلطنة وجود عين، و كل غافل يرى، و يعلم أن المتحكّم في المملكة إنما هي المراتب لا عين صاحب الرتبة، إذ لو كان ذلك لكونه إنسانا، فلا فرق بينه و بين كل إنسان، بل إذا عزل عن المرتبة، فلا له الحكم، و لا التحكم كما كان في السلطنة . 
المرتبة أمر اعتباري لا عين لها في الوجود، فلا أثر لموجود في موجود، إنما الأثر لمعدوم في معدوم أو لا أثر، و لا تأثير أصلا بل اقتضاءات ذاتية ظهرت من البطون إلى الظهور، و من الغيب إلى الشهادة هذا مخ التصوف، و المعارف للإمامي رضي الله عنه الذي هو المقتدي و المعتني .
( جلاء مرآة العالم) لأن المرآة المجلوّة هي التي ترى صورة الرأي دون غيرها مما لا صقاء له فيه، و لا صفاء . 
( فكان آدم) مشتق من الأديم، و هو الجلد الظاهر من الحيوان، و إنما سمّي آدم لحكم ظاهرة عليه، فإنه ما عرف منه إلا ظاهره،  كما أن الحق ما عرف منه إلا الاسم الظاهر و هو المرتبة الإلهية و الذات مجهولة، و كذلك آدم كان مجهول الذات و الحقيقة عند العالم . 

""  الحقيقة: سلب أثار أوصافك عنك بأوصافه. ومن آثارها تقيدك وتلبسك بها، فالسلب إنما يتوجه إلى آثر الأوصاف، لا إلى الأوصاف.
فإن وجودك عين وجوده، وأوصافك عين أوصافه وهو أحدية جمع كثرتها، فإنه الفاعل بك فيك من لا أنت. وقد أيد معنى كونه أحدية جمع الكثرة، وكونه فاعلا لها.
ومحصل المعني: الحقيقة اسم أطلق على الحق عند تحقیق ?ونه عين وجود العبد وأوصافه، وقد تبين سقوط إضافتها عنه، فإنه تحققه بالوجود و أوصافه باق على عدمية، ومن ذلك قوله: «و إذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا".  فليس للعبد في وجود الحق إلا الحكم، لا العين. فافهم. ""

فلهذا حكمت الملائكة عليه الفساد: أي بالإفساد بظاهر نشأته لما رأوها قامت من طبائع مختلفة متنافرة، عقلت أن هذا الإفساد، و السفك لا يقعان إلا ممن له حكم، و لا حكم إلا لمن له التقدم، و الرئاسة، و إنفاذ الأوامر، فافهم. و المراد من آدم: وجود العالم الإنساني بأسره، كما صرّح رضي الله عنه في نقش الفصوص .
( عين جلاء تلك المرآة) فالمرآة حضرة الإمكان، و الحق الرائي فيها، و صورة الكامل فيها و جلاؤها، و هي عينه لا غيره، فافهم لأن كل ما يتصور التصور فهو عينه، و لا بد للعالم أن يكون متصورا للحق على ما يظهر عينه، فخرج آدم على الصورة، فظهر فيها كل  شيء كظهور الصور في المرائي، فما هو عين الرأي لما فيها من حكم المجلي، و لا عين الجلي لما فيها فما يخالف حكم المجلي و ما ثم أمر ثالث من خارج يقع عليه الإدراك، و قد وقع .
فما هو هذا المدرك؟ و من الخلق؟ و من الظاهر؟ و من المظهر؟
فإن كان النسب فهي معدومة إلا أن علة الرؤية استعداد المرئي بقبول الإدراك فيرى المعدوم، سلمنا أن المعدوم يرى فمن الرائي؟ فإن كان نسبة فكما في المرئي بالشرح، و إن لم يكن نسبة و كان وجوديا، فكان هو الرائي و هو المرئي أن الله نراه و يرانا، فافهم، فإن الأمر بينهم، فلا تهتم. 
( و روح تلك الصورة )، فكمال العالم بالإنسان ككمال المرآة بالصقالة و كمال الجسد بالروح.
فالإنسان روح منفوخ في جسم العالم، و هو العين المقصود لله تعالى و هو المحل لظهور الأسماء الإلهية و الكونية، و هو مرآة جامعة لصور حقائق العالم كله من ملك، و فلك، و روح، و جسم، و طبيعة، و جماد، و نبات، و حيوان إلى ما خصّ به من علم الأسماء الإلهية مع صغر حجمه و جرمه، بل العالم كله تفصيل آدم.
و آدم هو الكتاب الجامع، فالإنسان روح العالم، و العالم جسده، فبالمجموع يكون العالم كله، فإذا نظرت إلى العالم بلا هذا الإنسان وجدته كالجسم المستوي بغير روح . 

قال رضي الله عنه: كما أن الإنسان جسم صغير، كذلك ملك حقير من جهة الحدوث و صحّ له التأله لأنه خليفته في العالم، و العالم مسخّر له مألوه كما أن الإنسان مألوه لله تعالى، و هو روح العالم . 
اعلم أن الذاتي الحق لما ظهرت أعيان الممكنات في مرآة ذاته أدركها في نفسه بنوره، فلحقه المرئي بالرأي حيث أدركه في ذاته، و هو واحد في الوجود لأن الممكنات المربية في هذه الحالة منعوتة بالعدم، فلا وجود لها مع ظهورها للرأي، كما ذكرناه .
فسمّي هذا الظهور توحيد إلحاق: أي الحق الممكن بالواجب، فأوجب للممكن ما هو عليه الواجب لنفسه من النسب الأسمائية حتى الوجوب، و لا نقول بالغير لأنه قلة الإيجاد على الإطلاق ما عدا نفسه تعالى، فالخيال موجد لله تعالى في حضرة الوجود و الحق موجود للخيال في حضرة الانفعال الممثل.
فإذا ثبت إلحاق الخيال في قوة الإيجاد بالحق ما عدا نفسه فهو على الحقيقة المعبر عنه بالإنسان الكامل الذي هو جلاء المرآة و روح تلك الصورة.
فإنه ما ثمّ على الصورة الحقيقية مثله فإنه يوجد في نفسه كل معلوم ما عدا نفسه، و يسمى هذا توحيد الوصلة و الاتصال و توحيد الإلحاق، فإن توحيد الخيال مع كونه من الموجودات الحادثة صعب التصور إلا هذا الاختصاص الإلهي الذي أعطته حقيقته، فما قبل شيء من المحدثات صورة الحق سوى الخيال، فإذا تحققت ما قلناه علمت أنه في غاية الوصلة .
و من هذا الذوق قال العارف : 
 رقّ الزجاج و رقت الخمر .....  فتشاكلا فتشابه الأمر
فكأنما خمر و لا قدح .....   و كأنما قدح و لا خمر
فهذه أنوار مندرجة بعضها في بعض مثل اندراج المثل في المثل، و اندراج الظل في الظل، و النور في النور، فافهم . 
( فكانت الملائكة) فاتخذ الله الملائكة رسلا إليه، و لهذا سمّاهم ملائكة: أي رسلا وهو من المقلوب، وأصله مألكه، والألوه هي الرسالة والمالكة الرسالة.

ذكره رضي الله عنه في " الفتوحات" . 
ثم اعلم أن الأرواح على ثلاثة أصناف: 
الصنف الأول الـ مهيمون لما أوجدهم الله تعالى، و تجلّ ى لهم بالاسم الجميل . 
فهيمهم فلا يعرفون نفوسهم و لا من هاموا فيه، و هم الذين أوجدهم من أبنية السماء، و هم أعلى الأرواح العلوية . 
قال تعالى لإبليس: "أسْتكْبرْت أمْ كُنت مِن العالين" [ ص: 75] . 
و ليسوا بملائكة من حيث الاسم، فإنها موضوعة لرسالة خاصة، وماهم برسل .
قال رضي الله عنه: في الفتوحات المكية الباب السابع والخمسون ومائة في معرفة مقام النبوة الملكية
أوحى الإله إلى الأملاك تعبده ... يأمره ما لهم في النهي من قدم
وهم عبيد اختصاص لا يقابله ... ضد وقد منحموا مفاتح الكرم
لا يعرفون خروجا عن أوامره ... ورأسهم ملك سماه بالقلم
أعطاه من علمه ما لا يقدره ... خلق وان له في رتبة القدم
حكما كما قال في العرجون خالقنا ... في سورة القلب جل الله من حكم
هم انبياء أحباء بأجمعهم ... بلا خلاف وهم من جملة الأمم
لكل شخص من الأملاك نرتبة ... معلومة ظهرت للعين كالعلم
وهم على فضلهم على التفاضل في ... تقريبهم ولهم جوامع الكلم
قال الله تعالى لإبليس: “استكبرت أم كنت من العالين” . 
وهم أرفع الأرواح العلوية وليسوا بملائكة من حيث الاسم فانه موضوع للرسل منهم خاصة .
فمعنى الملائكة الرسل وهو من المقلوب وأصله مألكة والألوكة الرسالة والمألكة الرسالة فما تخص بجنس دون جنس ، ولهذا دخل إبليس في الخطاب بالأمر بالسجود لما قال الله للملائكة اسجدوا .
لانه ممن كان يستعمل في الرسالة فهو رسول فأمر الله فأبى واستكبر وقال : "انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين".
فالرسالة جنس حكم يعم الأرواح الكرام البررة السفرة والجن والانس فمن كل صنف من أرسل ومنه من لم يرسل ، فالنبوءة الملكية المهموزة لا ينالها إلا الطبقة الأولى الحافون من حول العرش ولهذا "يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ".
وأفراد من ملائكة الكرسي والسموات وملائكة العروج وآخر نبي من الملائكة إسماعيل صاحب سماء الدنيا .
وكل واحد منهم على شريعة من ربه متعبد بعبادة خاصة وذلك قولهم "وما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ" فاعترفوا بأن لهم حدودا يقفون عندها لا يتعدونها ." أهـ.

قال رضي الله عنه في الباب التاسع و الأربعين و ثلاثمائة من "الفتوحات ":
إن الملائكة أجسام نورية فلهم هذه القوي من حيث أجسامهم فإنهم مركبون كالأجسام الطبيعية فالملك صاحب القوتين على تركيب النبات .
وصاحب الثلاث على تركيب الحيوان .
وصاحب الأربع على تركيب الإنسان .
وانتهت المولدات فانتهت قوى الملائكة والجسم يجمع الكل فله الإحاطة فقبلت الملائكة الأجسام النورية من العماء الذي ظهر فيه الجسم النوري الكل وقبل الشكل والصور وفيه نظهر الأرواح الملكية والعماء لهذا الجسم الكل وما يحمله من الصور والأشكال الإلهية والروحانية بمنزلة الهيولى في الأجسام الطبيعية سواء .
والتفصيل في ذلك يطول ومن هذا النور الذي فوق الطبيعة تنفخ الأرواح في الأجسام الطبيعية فما تحت الطبيعة إلى العناصر أنوار في ظلال .
وما تحت العناصر من الأجسام العنصرية أنوار في ظلمة .
وما فوق الطبيعة من الأجسام النورية أنوار في أنوار .
وإن شئت أنوار في أنفاس رحمانية .
وإن شئت أنوار في عماء كيفما شئت عبر إذا عرفت الأمر على ما هو عليه
واعلم إن كل روح مما هو تحت العقل و حيطته صاحب الكلمة هو ملك، و ما فوقه هو روح لا ملك . 
و الصنف الثاني: الملائكة المسخّرة، و رأسهم القلم الأعلى و هو العقل الأول سلطان عالم التدوين و التسطير، و كان وجودهم مع المهيمة، و لكن حجبهم الله تعالى عن التجلي الذي يهيمهم لما أراد الله تعالى أن يعطيهم رتبة الإمامة في العالم و يستغفرون للذين آمنوا . 
و الصنف الثالث: ملائكة التدبير و هي الأرواح المدبرة للأجسام كلها الطبيعية النورية، و الهبائية و الفلكية و العنصرية، فالمراد من الملائكة في المتن هذان الصنفان لا الأول . 
( من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم) هم عقلاء الصوفية و حكماؤهم: (بالإنسان الكبير) . 
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:27 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة السادسة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 8:03 am

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة السادسة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السادسة :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فكل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها، وأن فيها، فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال ومنزلة رفيعة عند الله، لما عندها من الجمعية الإلهية مما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، وإلى جانب حقيقة الحقائق، و- في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف- إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله.)
قال رضي الله عنه : (وكل قوة) في جسد هذا العالم (منها)، أي من تلك القوى الروحانية والحسية التي هي حقائق الملائكة (محجوبة) عن إدراك حقيقة غيرها (بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها )لاشتغالها بكمالها عن معرفة كمال غيرها من بقية القوى.
(و) ترى (أن فيها فيما تزعم) لا في حقيقة الأمر (الأهلية)، أي الاستعداد التام (لكل منصب عالي) من مراتب القرب الإلهي.
(و) ?ل (منزلة رفيعة عند الله) تعالى (لما عندها)، أي عند كل قوة من تلك القوى (من الجمعية) لكل وصف إلهي واسم رباني (الإلهية) المنسوبة إلى الإله الذي توجه على خلق تلك القوة بكله.
ولكن ما أودع فيها إلا ما أراد من حضرته.
وكل حضرة من حضراته جامعة لجميع الحضرات، لكن لا من حيث تلك الحضرة المتعينة.
بل من حيث ذلك الحاضر بها في رتبة الذات، ورتبة الموجود الأول قبل كل شيء، ولهذا قال : (دائرة بين ما يرجع من ذلك)، أي من تلك القوة المذكورة.
(إلى الجناب الإلهي) الجامع المتجلی بذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله وأحكامه.
(إلى جناب حقيقة الحقائق)، كلها الجامعة وهي نور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أول مخلوق، وقد خلق الله تعالى منه كل شيء، فهو حقيقة كل حقيقة .
والحاصل أن كل قوة من قوى العالم، بل كل ذرة منه جامعة لكل قوة وكل ذرة، والعلم بشيء من العالم بكل شيء منه.
وكل كمال في العالم جامع لكل كمال منه، ولكن هذا كله بالنظر إلى حقيقة تلك القوة وحقيقة تلك الذرة.
فإن حقيقة الحق تعالى هي حقيقة ذلك في عالم الأمر، وحقيقة النور المحمدي هي حقيقة ذلك في عالم الخلق.
ولا شك أن الحقيقة الإلهية والحقيقة المحمدية جامعة لكل كمال.
فما دامت كل قوة وكل ذرة محجوبة بنفسها من غيرها لا جمعية فيها عند نفسها، فإذا ادعت الجمعية والاستعداد التام ادعت ما ليس عندها.
وحقائق الملائكة بل حقيقة كل شيء محجوبة بنفسه تزعم الجمعية والجمعية فيها وهي منحجبة عنها بنفسها ، فلو زال انحجابها صحت دعواها .
(وفي النشأة) الإنسانية (الحاملة) بإمدادها (لهذه الأوصاف) المذكورة من القوى الروحانية والحسية.
(إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية) التي هي أصل الطبائع الأربع الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.
وليست واحدة منها والذي تقتضيه الطبيعة الكل هو جميع العناصر الأربعة المتكاثفة عن تلك الطبائع، وهي: النار والهواء والماء والتراب.
والمواليد الأربعة المتكاثفة عن تلك العناصر، وهي: الجماد والنبات والحيوان والإنسان.
ولهذا قال: (التي حصرت قوابل) جمع قابل وهو: الجسد المستوى المستعد للروح الطبيعي أو العنصري أو الجمادي أو النباتي أو الحيواني أو الإنساني العالم الطبيعي.
(?له أعلاه) وهم الملائكة وكلهم طبيعيون (وأسفله) وهم العالم الجسماني العنصري.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فكل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها، وأن فيها، فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال ومنزلة رفيعة عند الله، لما عندها من الجمعية الإلهية مما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، وإلى جانب حقيقة الحقائق، و- في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف- إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله.)
(وكل قوة منها) أي من القوى الروحانية والجسمانية التي في النشأة الإنسانية ولا حاجة لتعميم القوي إلى ما خرج من النشأة الإنسانية لأن المراد بيان المشبه به.
وهو القوى الإنسانية ليعرف منه أحوال المشبه وهو القرى الخارجة عن النشأة الإنسانية كالملائكة التي نازعت في آدم (محجوبة بنفسها) .
لذلك لا ترى أي لا تعلم (أفضل من ذاتها)، بل تعلم أن ذاتها أفضل من غيرها وترجع بذلك نفسها على غيرها وليس ذلك العلم صوابا منها.
(وإن فيها) أي في النشأة (فيما تزعم) أى في زعمها وهو بدل الاشتمال من قوله فيها وهو خبر إن كما في زعمها (الأهلية) منصوبة على أنها إسم إن.
(لكل منصب عال ومنزلة رفيعة لما عندها من الجمعية الإلهية) فلا ترى أفضل من ذاتها فادعت أنها مستحقة بها بالفعل لاحتجابها بالجمعية الإلهية كما احتجبت قواها بنفسها .
لكن هذه الدعوى والزعم ليس بصواب منها فإن الأنبياء وأهل التحقيق إذا أدعوا لا يدعون إلا ما يتحققون به .
فلم يكن الإنسان أهلا بالفعل بمنزلة رفيعة إلا بالتحقق بها وبعد تحصيلها بمباشرة الأسباب لا بسبب الجمعية الإلهية إذ ما من موجود إلا وعنده من الجمعية الإلهية في التحقيق .
وإنما اختصت بالذكر بالنشأة لظهورها فيها دون غيرها (بين ما يرجع من ذلك) أي هذه الجمعية حاصلة لها ودائرة بين شيء يرجع ذلك فمن زائدة في الموجب على مذهب أبي الحسن وإنما اختاره مع أن سيبويه لم يجز ذلك لمشابهة هذا الكلام صورة بالنفي أو ليجانس ما قبله (إلى الجانب الإلهي) وهو الحضرة الواحدية.
(وبين شيء) يرجع ذلك الشيء (إلى جانب حقيقة الحقائق) وهي الحضرة الإمكانية وفي قوله : (وفي النشأة الحاملة لهذه الأوصاف إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية) تقديم وتأخير وتقدير الكلام هكذا وبين شيء يرجع ذلك الشيء إلى ما يقتضيه الطبيعة الكلية في النشأة العنصرية الحاملة لهذه الأوصاف أي القوى الروحانية والجسمانية جميعا.
(التي) أي الطبيعة الكلية (حصرت قوابل العالم) أي صورة القابلة لأرواحه (كله) تأكيد (أعلاه) رهر العالم الروحاني (وأسفله) وهو العالم الجسماني وهو مبدأ الفعل والانفعال والقابلة بجميع التأثيرات الأسمائية والمراد بمقتضى الطبيعة الكمالات الحاصلة لمن عنده هذه الجمعية.
وإنما اختار التقديم والتأخير لئلا يتوهم في أول التوجه أن تكون الصفة صفة لغير موصوفها.
ولما كانت هذه المسألة محل دقة وأشد صعوبة وأهم مهم من مسائل الكتاب أعلم للطالبين من أهل العقل الطريق الموصل إليها ونفي الطريق الغير الموصل حتى تر?وا نظرهم العقلي وتمسكوا بأسباب الفن .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فالأمر كله منه، ابتداؤه وانتهاؤه، «وإليه يرجع الأمر كله»، كما ابتدأ منه. فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة، وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم «بالإنسان الكبير». فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية التي في النشأة الإنسانية.)
قوله رضي الله عنه : "والأمر كله منه، ابتداؤه وانتهاؤه "وإليه يرجع الأمر كله" (هود: 123) كما ابتدأ منه. فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة."
إن الحق تعالى من الحضرة الذاتية المقدسة قال بلسان حال ذاتي لنور من أنوار قدسه، وأنوار قدسه نور واحد بسيط لا يوصف بالنهاية فقال له: «?ن» أولا لآخر، فحصل له من قوله «?ن» تعين فقط لا أكثر من ذلك فيتحقق فيه الأولية.
ولو كان فيه أكثر من حقيقة ذلك التعين لكانت الأولية لأحدهما دون الآخر.
أو يكون كل واحد منهما أولا فيكون القول منه تعالی برز لاثنين لا لواحد، فإذن ما حصل لذلك النور إلا تعينه فقط لكن حقيقته الأولية تستدعي آخرا وإلا لم يتحقق الأولية ولا بد منها ليظهر حكم «?ن» فحصل لذلك النور بالتعين المذكور أن يتميز عن بقية الأنوار.
وأن يكون فيه قابلية للظهور بصورة ثاني يكون لأوليته ذلك الثاني آخرا كما قلنا، فتعين ذلك النور تعينا آخر فكان كون آخر غيره فسمي النور في مرتبة التعين الأول قلما أعلى .
وسمي هو بعينه في مرتبة التعين الثاني لوحا محفوظا.
لكن التعين الأول الذي هو القلم الأعلى شهد في قول الحق تعالی له: «?ن» أولا لآخر، يعني تهيئة لظهور اللوح المحفوظ منك. فقالت ذاته بلسان الحال: سمعا وطاعة.
فإن القول في تلك المراتب ليس إلا بلسان الحال فقول الحق تعالی له: تهيئا هو المعنى الذي عبر عنه. بأنه قال له: أقبل فأقبل وأدبر فأدبر.
فقال له تعالى: "وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أكرم علي منك، فبك آخذ وبك أعطي".
قلت: يعني أن آدم هو الناطق المخبر عن العالم الكبير، علوه وسفله، وكذلك بنوه أخبروا عن العقل الأول وهو القلم.
وأخبروا عن النفس الكلية وهي اللوح.
وأخبروا عن الهيولى والصورة وهي الجسم.
وأخبروا عن الأركان الأربعة والمولدات ومما في العالم من الكميات والكيفيات والإضافات والمكان والزمان والملكات والانفعالات والأفعال.
ووصفوا هيئات الأفلاك وكواكبها وحركاتها وتداخلها، وعرفوا منافعها ومضارها وخواصها وأعراضها.
وعطفوا على أجسامهم، فعلموا تشريحها وعدد عروقها وأنواع ما فيها كما فعل جالینوس وشيعته إلى غير ذلك.
وأشرف من هذا كله ما وهبه الله تعالى أولياءه من شهود حضرته القدسية وما خص به محمدا رسول الله، عليه السلام، من إحاطة الخلافة بسائر مراتب خلفاء الله تعالى مما لا ينحصر في مقال ولا يسع ذكره الأيام والليالي.
قوله: "وروح تلك الصورة".
قلت: يعني بالصورة الأفلاك من محدب التاسع إلى نقطة مركز الأرض وهو العالم الكبير وهذا العالم جسم و آدم روحه في التمثيل والتشبيه وجعله روحا مجازا.
قوله:  "وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم بالإنسان الكبير، فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية التي في النشأة الإنسانية " 
قلت: يعني أن قوى العالم تسمى ملائكة أيضا وهي له كالقوى التي في الإنسان الروحانية والجسمانية الحسية ، وباقي هذا الفصل ظاهر في كلام الشيخ لا يحتاج إلى شرح.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فكل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها، وأن فيها، فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال ومنزلة رفيعة عند الله، لما عندها من الجمعية الإلهية مما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، وإلى جانب حقيقة الحقائق، و- في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف- إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله.)
قال رضي الله عنه : "وكلّ قوّة منها محجوبة بنفسها ، لا ترى أفضل من ذاتها " .
ولأنّ كلّ قوّة منها مجلى لتجلَّي الأحدية الجمعية ، ولكن تعيّن سرّ الجمع والأحدية فيه ليس إلَّا بحسبه ، وظهور التجلَّي فيه يقتضي خصوصيّته ، فكانت كل قوّة منها لهذا محجوبة بنفسها .
لا ترى أفضل من ذاتها ، وذلك كذلك ، لكون الكلّ في الكلّ ولكنّها غابت عن أشياء كثيرة بمحبّتها لنفسها ، كما قال : « حبّك الشيء يعمي ويصمّ » فإنّ كون الكلّ في كل منها بحسبه لا بحسب الكلّ ، وظهور الكلّ بحسب الكلّ لا يكون إلَّا في الكلّ .
ولكنّ الكلّ له ثلاث مراتب :
الأولى  : مرتبة جمع الجمع والأحدية ، وهي الحقيقة الإنسانية الإلهية التي حذي آدم عليها .
والثانية : صورة التفصيل الإنساني الإلهيّ ، أعني العالم بشرط وجود الإنسان الكامل في العالم .
والثالثة صورة أحدية جمع الجمع الإنساني الكمالي ، فظهور الكلّ في مرتبة جمع الجمع الأحدي لا تفصيل فيه ، وأنّه مرتبة الإجمال.
وظهور الكلّ في مرتبة أحدية جمع الجمع الإنساني ظهور كامل جامع بين الجمع والتفصيل ، والقوّة والفعل ، فإنّ الكلّ في الكلّ إنسان كامل بالقوّة دفعة بالفعل في كل زمان بالتدريج ، كما قال المترجم ، شعر :
تجمّعت في فؤاده همم   .... ملء فؤاد الزمان إحداها
فإن أتى دهره بأزمنة   ..... أوسع من ذا الزمان أبداها
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وأنّ فيها ) يعني في كلّ قوّة منها ( فيما تزعم الأهلية لكل منصب عال ، ومنزلة رفيعة عند الله ، لما عندها من الجمعية الإلهية بين ما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي ، وإلى جانب حقيقة الحقائق ) .
قال العبد : يعني رضي الله عنه : أنّ كلّ قوّة من هذه القوى والأرواح الملكية تزعم في نفسها أنّ لها أهلية كلّ منزلة عالية وفضيلة سامية عند الله من القيام بمظهريات الأسماء والصفات والشؤون والتجلَّيات والسمات والسبحات .
لما تحقّق في نفسها أنّ لها مرتبة الجمعية الإلهية بين ما هو راجع من تلك المناصب والمنازل الرفيعة إلى الحضرة الإلهية الوجوبية وحقائق نسب الربوبية ، وبين ما يرجع منها إلى جانب حقيقة الحقائق المظهرية الكيانية .
فإن لحقيقة حقائق العالم وحضرة الإمكان جمعية خصيصة بها ، ولكلّ منها خصوص في جمعية ليس للآخر كما ستعلم . وقد علمت أنّ الكمالات في الجمع والاستيعاب والإحاطة .
فلمّا رأت وظنّت كلّ قوّة منها أنّ فيها الجمعية بين الجمعية الإلهية والجمعية الكيانية ، زعمت أنّ لها أهلية كلّ فضيلة وكمال فحبست بهذا الزعم عن كمال الحق الظاهر في الكلّ بعين الكلّ ، فزكَّت نفسها وجرحت غيرها وخرجت عن الإنصاف .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( و في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلَّية التي حصرت قوابل العالم كلَّه أعلاه وأسفله ) .
عطف على قوله : " إلى جانب الحق ، وإلى جانب حقيقة الحقائق " وإلى ما تقتضيه الطبيعة الكليّة في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف . وفيه تقديم وتأخير .
والطبيعة الكلّ هي الطبيعة الكليّة و « الكلّ » في هذه العبارة بدل أو عطف بيان ، بمعنى أنّ الكلّ طبيعة واحدة والطبيعة التي هي الكلّ والطبيعة الكلَّية في مشرب التحقيق إشارة إلى الحقيقة الإلهية الكلَّية الحاصرة لقوابل العالم وموادّها الفعّالة للصور كلَّها .
وهي ظاهرية الألوهية وباطنها الإلهية ، وهذه الحقيقة تفعل الصور الأسمائية بباطنها في المادّة العمائية وهي منها وعينها ، ولا امتياز بينهما إلَّا في التعقّل لا في العين ، فإنّ النشأة واحدة جامعة بحقيقتها للصور الحقّانية الوجوبية والصور الخلقية الكونية .
ثم اعلم أنّ الحقائق ثلاث :
الأولى  : حقيقة مطلقة بالذات ، فعّالة ، مؤثرة ، واحدة ، عالية واجب لها [ الوجود ] بذاتها من ذاتها ، وهي حقيقة الله سبحانه وتعالى .
والثانية : حقيقة مقيّدة ، منفعلة ، متأثّرة ، سافلة ، قابلة للوجود من الحقيقة الواجبة بالفيض والتجلَّى وهي حقيقة العالم .
وحقيقة ثالثة : أحدية جامعة بين الإطلاق والتقييد ، والفعل والانفعال ، والتأثير والتأثّر ، فهي مطلقة من وجه ونسبة ، ومقيّدة من أخرى ، فعّالة من جهة ، منفعلة من أخرى . وهذه الحقيقة أحدية جمع الحقيقتين ، ولها مرتبة الأوليّة الكبرى والآخرية العظمى ، وذلك لأنّ الحقيقة الفعّالة المطلقة في مقابلة الحقيقة المنفعلة المقيّدة ، وكلّ مفترقين فلا بدّ لهما من أصل هما فيه واحد مجمل ، وهو فيهما متعدّد مفصّل ، إذ الواحد أصل العدد والعدد تفصيل الواحد .
وكل واحدة من هذه الحقائق الثلاث حقيقة الحقائق التي تحتها ، ولمّا سرت أحدية جمع الوجود في كل حقيقة من الجزئيات والشخصيات ، انبعثت إنائيّة كلّ تعيّن تعين بأنّ له استحقاق الكمال الكلَّي الأحدي من حيث ما أشرنا إليه وما تحقّقت من أنّ تعيّن الكمال الأحدي الجمعي الأكبر إنّما يكون بحسب القابل واستعداده كما مرّ .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فكل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها، وأن فيها، فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال ومنزلة رفيعة عند الله، لما عندها من الجمعية الإلهية مما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، وإلى جانب حقيقة الحقائق، و- في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف- إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله.)
قوله رضي الله عنه : ( وكل قوة منها محجوبة بنفسها ) إذ لم يكن عندها إلهيته الاجتماعية فلا تدرك ما ليس فيها .
فهي ( لا ترى شيئا أفضل من ذاتها ) لمعرفتها بنفسها وما تحتها واحتجابها عما فوقها .
قوله ( وإن فيها فيما تزعم الأهلية لكل منصب عال ومنزلة رفيعة عند الله ) بكسر إن وإن في هذه النشأة على حسب زعمها أي زعم النشأة الأهلية .
لما ذكر بالحقيقة أو بفتحها عطفا على أفضل أي لا ترى أن في هذه النشأة على زعمها الأهلية وفي بعض النسخ وإن فيها ما يزعم الأهلية أي شيئا يزعم الأهلية وهو قلبه لا غير أي نفسه الناطقة وحقيقته لأن القوى محجوبة عنها ولفظة ما على الأول مصدرية وعلى الثاني موصوفة .
قوله ( لما عندها ) تعليل لدعوى الأهلية المذكورة .
أي لما عندها ( من الجمعية الأهلية بين ما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي وإلى جانب حقيقة الحقائق وفي هذه النشأة الحاملة لهذه الأوصاف إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم أعلاه وأسفله )
أي من بين ثلاثة أشياء :
أحدها الجناب الإلهي وهو الحضرة الواحدية .
والثاني : حقيقة الحقائق أي الأحدية وهي الذات التي بتجليها يتحقق الحقائق كلها وهي حقيقة الوجود من حيث هو هو ، فهي بحقيقتها تحقق حقائق العالم العلوي والسفلى ولهذا وسطها بين العالم الروحاني وبين العالم الجسماني .
والثالث : الطبيعة الحاصرة للقوابل كلها ، فهذه الجمعية هي أحدية حقيقة الحقائق في معانى الأسماء وعوالم الروحانيات .
وفي صور الأسماء وعوالم الجسمانيات فلا يخرج من أحدية الجمعية الإنسانية شيء وفي الكلام تقديم وتأخير تقديره وإلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله في هذه النشأة الحاملة لهذه الأوصاف .
والكل بدل من الطبيعة أو عطف بيان لها ، والمراد الطبيعة الكلية الجسمانية الحاصرة لطبائع أنواع الأجسام الفلكية والعنصرية.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فكل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها، وأن فيها، فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال ومنزلة رفيعة عند الله، لما عندها من الجمعية الإلهية مما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، وإلى جانب حقيقة الحقائق، و- في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف- إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله.)
قوله(وكل قوة منها محجوبة بنفسها، لا ترى أفضل من ذاتها) أي، كلواحدة من هذه القوى الروحانية سواء كانت داخلية في النشأة الإنسانية أو خارجية منها، محجوبة بنفسها، لا ترى أفضل من نفسها، كالملائكة التي نازعت في آدم.
وكالعقل والوهم، فإن كلا منهما يدعى السلطنة على هذا العالم الإنساني ولا ينقاد لغيره، إذ العقل يدعى أنه محيط بإدراك جميع الحقائق والماهيات، على ما هي عليه، بحسب قوته النظرية.
وليس كذلك، ولهذا انحجب أرباب العقول عن إدراك الحق والحقائق لتقليدهم عقولهم.
وغاية عرفانهم العلم الإجمالي بأن لهم موجدا ربا منزها عن الصفات الكونية، ولا يعلمون من الحقائق إلا لوازمها وخواصها.
وأرباب التحقيق وأهل الطريق علموا ذلك مجملا وشاهدوا تجلياته وظهوراته مفصلا، فاهتدوا بنوره وسروا في الحقائق سريان تجليه فيها وكشفوا عنها خواصها ولوازمها، كشفا لا تمازجه شبهة، وعلموا الحقائق علما لا يطرأ عليه ريبة.
فهم عباد الرحمان الذين يمشون في أرض الحقائق هونا وأرباب النظر عباد عقولهم الصادر فيهم: (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم).
أي، جهنم البعد والحرمان عن إدراك الحقائق وأنواره، أي، لا يقبلون إلا ما أعطته عقولهم. وهكذا الوهم يدعى السلطنة و يكذبه في كل ما هو خارج عن طوره، لإدراكه المعاني الجزئية دون الكلية. ولكل منهما نصيب من السلطنة.
قوله: (وأن فيها فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال ومنزلة رفيعة عند الله، لما عندها من الجمعية الإلهية) جملة ابتدائية أو حالية أو عطف على (أفضل).
وعلى الأول (إن) مكسورة، وعلى الثاني والثالث مفتوحة. وضمير
(فيها) على التقادير الثلاثة عائد إلى (النشأة) وفاعل (تزعم) ضمير يرجع إليها أيضا.
و (ما) (فيما تزعم) مصدرية. و (الأهلية) منصوب على أنها اسم (أن).
وضمير (لما عندها) عائد إلى (النشأة). فمعناه، على كسر الهمزة: وإنفي النشأة الإنسانية الأهلية لكل منصب عال، كما في زعمها لما عندها من الجمعية الإلهية.
وعلى فتحها حالا: أي، والحال أن في النشأة الإنسانية الأهلية كما فيزعمها لما عندها من الجمعية الإلهية.
وإسناد (الزعم) إلى (النشأة) مجاز. أي، كما في زعم أهلها. إذ كل فرد من أفراد هذا النوع يزعم أن له الأهلية لكل منصب عال.
وعلى فتحها عطفا، معناه: أن كل قوة محجوبة بنفسها لا ترى أفضل منذاتها ولا ترى أن في النشأة الإنسانية الأهلية لكل منصب عال، كما تزعم هذه النشأة بسبب الجمعية التي عندها، لاحتجابها بنفسها عن إدراك كمال غيرها لزعمها أن لها الأهلية، لا للنشأة.
وفي بعض النسخ: (مايزعم). أي، شيئا يزعم وهو القلب أو العقل أو الوهم:
أما القلب فلكونه سلطانا في هذه النشأة، وأما العقل فلادعائه إدراك الحقائق كلها، وأماالوهم فلسلطانه على العالم الحسى و إدراكه المعاني الجزئية.
فيكون (الأهلية) منصوبة بيزعم، و (ما) اسما. و الظاهر أنه تصرف ممن لا يقدر على حل تركيبه، لأن أكثر النسخ المعتبرة المقروة علىالشيخ وتلاميذه بخلاف ذلك.
قوله: (بين ما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، وإلى جانب حقيقة الحقائق و، في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف، إلى ما يقتضيه الطبيعة الكلية).
وفي بعض النسخ: (الطبيعة الكل). فـ (الكل) بدل منها أو عطف بيان لها.
قوله: (التي حضرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله) إشارة إلى أن هذهالجمعية حاصلة لها من أمور ثلاثة دائرة بينها:
أولها، راجع إلى الجناب الإلهي. وهو الحضرة الواحدية، حضرة الأسماء والصفات التي لكل موجود منها وجه خاص إليه من غير واسطة. كما مر تقريره.
ثانيها، راجع إلى الحضرة الإمكانية الجامعة لحقائق الممكنات الموجودة والمعدومة.
وهو الوجه الكوني الذي به تميزت عن الربوبية واتصفت بالعبودية وحقيقة الحقائق كلها.
وإذ كانت هي الحضرة الأحدية والواحدية لكن لما جعلها قسيما ومقابلا للجناب الإلهي الشامل للحضرة الأحدية والواحدية وكان المراد منها الحقائق الكونية فقط لا الإلهية، حملناها على حضرة الإمكان.
وقد تطلق ويراد بها حضرة الجمع والوجود، وهي مرتبة الإنسان الكامل، كما ذكره شيخنا، قدس الله روحه، في كتاب المفتاح.
وقد يطلق أيضا ويراد بها (الجواهر)، كماصرح به الشيخ في كتاب إنشاء الدوائر. وذكر فيه أنه أصل العالم كله. وهذاالنص يؤكد ما ذهبنا إليه من أن المراد بها ما يجمع حقائق الكونية لا الإلهية، لذلكجعلها قسيما للجناب الإلهي.
وثالثها، راجع إلى الطبيعة الكلية وهي مبدأ الفعل والانفعال في الجواهر كلها، وهي القابلة لجميع التأثيرات الأسمائية.
وذلك إشارة إلى (ما) فيقوله: (ما يرجع). و (من) زائدة. أي، تلك الجمعية دائرة بين شئ يرجع ذلك الشئ إلى الجناب الإلهي، وبين شئ يرجع إلى جناب حقيقة الحقائق، وبين شئ يرجع إلى ما يقتضيه الطبيعة الكلية.
والمراد بقوله: (وإلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية) الاستعداد الخاص الحاصل لصاحب هذه الجمعية وقابليته فيهذه النشأة الطبيعية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله.
ففي قوله: "وفي النشأة الحاملة لهذه الأوصاف، إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية" تقديم وتأخير. تقديره: وإلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية في هذه النشأة الحاملة لهذه الأوصاف.
والمراد بـ (النشأة) هنا النشأة العنصرية، إذ للإنسان ثلاث نشآت:
روحية، وطبيعية عنصرية، ومرتبية، وهي مقام الجمع بينهما.
والمراد ب (الأوصاف) الكمالات الإنسانية. ويجوز أن يكون المراد بها القوى الروحانية والجسمانية، لذلك قال: (في النشأة الحاصلة لهذه الأوصاف) أي،النشأة التي تحمل هذه القوى جميعا لتضاهي به مقام الجمع الإلهي والكمالات لا توصف بالمحمولية.
وإنما سماها (أوصافا) مجازا، لأنها لا يقوم بنفسها، كما لا يقوم الصفات إلا بموصوفها، ولأنها مبدأ الأوصاف، فأطلق اسم الأثر على المؤثر مجازا.
وكل من المعنيين يستلزم الآخر، إذ بين الأثر والمؤثر ملازمة من الطرفين.
والمراد بـ (العالم) يجوز أن يكون عالم الملك السماوي والعلوي والعنصري السفلى، ويجوز أن يراد به العالم كله، الروحاني والجسماني.
لان مرتبة الطبيعة الكلية محيطة بالعالم الروحاني والجسماني وحاصرة لقوابلهما، والعلو والسفل يكونان فيهما بحسب المرتبة، فالعلو للعالم الروحاني والسفل للعالم الجسماني.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فكل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها، وأن فيها، فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال ومنزلة رفيعة عند الله، لما عندها من الجمعية الإلهية مما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، وإلى جانب حقيقة الحقائق، و- في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف- إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله.)
فقال:(وكل قوة) منها أي: من قوى العالم والإنسان (محجوبة بنفسها) ترى الكمال لأنفسها وأفعالها من الإدراكات، وغيرها (لا ترى أفضل من ذاتها).
ولذلك اعترضت الملائكة على آدم، ولا ينقاد الوهم للعقل، ولا العقل للوهم، و«إن» بالكسر على أن الجملة حالية، وبالفتح على أنه عطف على قوله: "بنفسها"
أي: ومحجوبة (بأن فيها) أي: في تلك القوى فيما تزعم «ما» مصدرية، والجار والمجرور متعلق بقوله: «فیها».
(الأهلية لكل منصب عال) ?الخلافة، والتصرف في كل العالم.
(ومنزلة رفيعة عند الله) من تحصيل المعارف الإلهية على الكمال مع العبادة التامة (لما) هو متعلق بقوله: «محجوبة» أي: بقوله لا ترى أي: بقوله تزعم (عندها) أي: في أنفسها أو قوابلها (من الجمعية الإلهية) أي: من جمع الله تعالی فيها.
(بين ما يرجع من ذلك) أي: مما عندها (إلى الجناب الإلهي) أي: عالم الأسماء باعتبار ظهورها في ذلك، وبين ما يرجع (إلى جانب حقيقة الحقائق) عالم الإمكان المشتمل على حقائق المم?نات، وهذا يعم كل قوة في العالم أو الإنسان.
ثم أشار إلى ما يختص بالقوى الإنسانية؛ فقال: وبين ما يرجع (في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف) أي: في نشأة الإنسان الحاملة الأهلية كل منصب عال، ومنزلة رفيعة، ذكر ذلك مبالغة في التعجب من احتجاجها بأنفسها مع كونها في هذه النشأة (إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية)؛ فإن هذه القوى الروحانية في الإنسان، إنما حصلت من امتزاج الطبائعالعنصرية، وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والفلكية فيه.
فلذلك قيد الطبيعة بالكلية، ثم صرح بقوله: (التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله)، وهذا هو الذي أكد احتجابها إذ بذلك نظرت أنها جامعة للأسرار الإلهية والكونية لكنه غلط إذا لو تم جمعها التم تصرفها في العالم كتصرف روح الإنسان الكامل فيه.
"" قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات المكية باب السادس والمائتين  : أما أنوار الطبيعة فهي أنوار يكشف بها صاحبها ما تعطيه الطبيعة من الصور في الهباء وما تعطيه من الصور في الصورة العامة التي هي صورة الجسم الكل وهذه الأنوار إذا حصلت على الكمال تعلق علم صاحبها بما لا يتناهى وهو عزيز الوقوع عندنا وأما عند غيرنا فهو ممنوع الوقوع عقلا حتى إن ذلك في الإله مختلف فيه عندهم وما رأينا أحدا حصل له على الكمال ولا سمعنا عنه ولا حصل لنا وإن ادعاها إنسان فهي دعوى لا يقوم عليها دليل أصلا مع إمكان حصول ذلك وأنوار الطبيعة مندرجة في كل ما سوى الحق وهي نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية وأدرجها الله في الأفلاك والأركان وما يتولد من الأشخاص إلى ما لا يتناهى.""


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فكل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها، وأن فيها، فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال ومنزلة رفيعة عند الله، لما عندها من الجمعية الإلهية مما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، وإلى جانب حقيقة الحقائق، و- في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف- إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله.)
قال رضي الله عنه : ( وكلّ  قوّة منها محجوبة بنفسها ، لا ترى أفضل من ذاتها ، وأنّ فيها فيما تزعم) أي لا ترى أنّ في تلك الصورة فيما تزعمه كل قوّة منها من الشرف والعلو ( الأهليّة لكلّ منصب عال ) علوّ ظهور وغلبة ( ومنزلة رفيعة ) رفعة معرفة وعلم ، قدسيّا كان ذلك المنصب أو ما يقابله ، أو مقدّسا منهما .
ويمكن أن يجعل هذا جملة حاليّة بكسر إنّ لكن الأول أدقّ ، وعلى التقادير فالضمير في «فيها» عائد إلى « الصورة » ، لا إلى النشأة ، لعروّ الكلام حينئذ عن ملابس الانتظام و «ما» في « فيما تزعم » موصولة لا مصدريّة ، وفاعل « تزعم » ضمير ما يرجع إليه فاعل ترى ، لا ما يرجع إليه « فيها » على ما لا يخفى على الفطن ، إذ أهليّة آدم ليست ادعائيّة وفي زعمه ، كغيره من القوى. وكان قوله : ( عند الله ) لرفع هذا الوهم .
ثمّ هاهنا دقيقة لا بدّ للمستكشف من تذكَّرها ، وهي أنّه قد ظهر لك ممّا مرّ أنّ الوحدة الحقيقيّة الذاتيّة التي قد أشير إليها  في طيّ تسوية العبارتين إنّما يظهر صور سرّها في المحلّ المنظور فيه ، الذي هو القابل المقابل ، الذي هو قبل كل قبل .
وليس ذلك غير حصول الاستعداد من القابل ، الذي هو عين النفخ من الفاعل ، فتبيّن أنّه قد انخلع في طيّ طوى جلال القابل نعلا ثنويّة التقابليّة .
ثمّ إذا تذكرت هذا فاعلم أنّه ليس بين الصيغ المتداولة عند الناس بدلالاتها الوضعيّة ما يدلّ على ذلك الواحد دلالة المصدر وما يجري مجراه من الأوصاف المنسوبة ، ومن هاهنا ترى أئمّة العربيّة يجعلون دلالته على متقابلي التذكير والتأنيث والواحد والكثير متساوية النسب .
وأيضا فإنّ الأمور الدالَّة على النسبة وجه دلالتها على ذلك الواحد أظهر ، ضرورة انطوائها على الثلاثة مع الجهة الجمعيّة الوحدانيّة ، فهي أتمّ بيان عنه ، ومن ثمّة ترى العبارات المعربة القرآنيّة كثيرا ما تدلّ عندما يفصح عنه على القرب والمعيّة وما يحذو حذوها .
فلا يخفى على من وقف على هذه الدقيقة وجه اختياره لفظ «الأهليّة» دون «الأهل» في قوله : «أنّ فيها فيما تزعم الأهليّة» ولفظ «عندها» دون «فيها» في قوله : "لما عندها" .
فقوله ( لما عندها من الجمعيّة الإلهيّة ) تعليل لما ادّعاه في تلك الصورة مما لا يراه قواها الجزئية من الأهلية لسائر المناصب العلية والمنازل الرفيعة .
وذلك لما عند تلك الصورة التي روحها آدم من الأحدية الجمعية الإلهية و الإحاطة التامة الإطلاقية التي لايشذ منها شيء .
من عاليات الأعيان إلى سافلات الأكوان مع ما في النشأة الحاملة لمقتضى الطبيعة الكل ، الحاصرة قوابل العالم ، حصر امتزاج واتحاد ، بحيث تتعاكس فيه خصائص الكل ، وتتبين فيه رقائق الارتباط والاتحاد من الكل بالكل .
منها أوائل غلب عليها أحكام الوجود ، وظهر منها آثار الوجوب ، بها نسبت إلى الجناب الإلهي ، لأن مرجع تلك الأحكام إنما هو إليه ، فلها أهلية التجرد والتنزه وشرف الاستغناء والتفرد .
ومنها أواخر غلب عليها الأحكام العدمية الكونية وظهر منها آثار الإمكان ، بها نسبت إلى جانب حقيقة الحقائق ، ضرورة أن للآخر تقدما ذاتيا في أزل الآزال.
الذي فيه يتحقق الحقائق كما سبق التنبيه عليه فهى المنتسب إلى حقيقة الحقائق ، ولها أهلية التعلق والتشبه ، وختة الاحتياج والتكثر .
[size=24]ومنها النشأة الجامعة بينهما ، الطبيعة الكل ، الحاصرة للقوابل كلها حصرا جميعا اتحادیا .
فعلم على ذلك أن صورة آدم هي التي عن


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:26 pm عدل 4 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة السادسة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 8:04 am

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة السادسة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السادسة :الجزء الثاني 
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (  فكل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها، وأن فيها، فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال ومنزلة رفيعة عند الله، لما عندها من الجمعية الإلهية مما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، وإلى جانب حقيقة الحقائق، و- في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف- إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية و الحسية التي هي النشأة الإنسانية . و كل قوة محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها . و أن فيها فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال و مرتبة رفيعة عند الله لما عندها من الجمعية الإلهية . بين ما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، و إلى جانب حقيقة الحقائق، و في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف، إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه و أسفله ] 

قال الشيخ الشارح رحمة الله : 
و لم يبق في الإمكان معنى إلا و قد ظهر في العالم بأتم ما يكون . 
(فكانت الملائكة ): أي المسخّرة للإنسان. الكبير (كالقوى الروحانية) .
و الملائكة المدبرة كالقوى النفسانية، و الحسية (التي في النشأة الإنسانية) : أي النشأة الإنسانية الصغرى، فإنها مقابلة للإنسانية الكبرى كل ما فيها نظيره فيها.

""في النشأة الإنسانية قال أبو المعالي صدر الدين القونوي النشأت أربعة :
أولها النشاة العنصرية وهي كالذرة لباقي النشأت، ولها الإدماج والجمع الأكبر .
وبعدها نشأة البرزخ، و إنما منتشئة من بعض صور أحوال الخلق، وبعض أعمالهم، وظنونهم و تصوراتهم، و أخلاقهم، وصفاتهم
وأما الباقيتان من النشأت:
فأحدهما: «النشأة الحشرية».
وثانيهما: «النشأة الاستقرارية في إحدى الدارين» وقد سبق التنبيه عليهما، والله الميسر.""
(وكل قوة منها ): أي من الملائكة (محجوبة بنفسها) معجبة بها لتقديسها الذاتي، و هم الذين يسب حون الليل و النهار، و لا يفترون: أي ما ينزهون ذواتهم عن التقديس العرضي بالشهود الدائم و هذا مقام ما ناله أحد من البشر إلا من استصحب حقيقته من حين خلقت شهود الاسم الإلهي الذي هي عنه تكونت، فهي مقدّسة الذات عن الغفلات، فلم تشغله نشأته النورية الطبيعية عن تسبيح خالقها علىالدوام مع كونهم يختصمون من حيث النشأة، و بهذا القدر تبين فضل الملائكة على الإنسان في العبادة لكونها لا تفتر، فإن نشأتها تعطي ألا تفتر لأن تقديسها ذاتي، و شهودها دائم .

قال رضي الله عنه: ما عندي خير من جانب الحق أنه هل نال هذا المقام أحد من البشر أم لا؟
إن نال أحد قال محمد صلى الله عليه و سلم : "كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين"  .
فاستصحبه إلى أن وجد اسمه الشريف، و في حياته كان يقول "تنام عيناي و لا ينام قلبي"  .
فكذلك موته صلى الله عليه و سلم إنما مات حسّا لا حقيقة، فاستصحبه حياة المشاهدة من الأزل إلى الأبد . 
وأما قول ذي النون حين سئل عن قوله: بلى في أخذ الميثاق فقال:
 إلا في أذني يشير إلى علمه بتلك الحالة، فإن كان عن استصحاب، فلم أنكره و لم أشهد له لأن الله تعالى لم يعلمني بذلك، انتهى كلامه . 
و أظن و الله أعلم أن خاتم الولاية له في هذا المقام قدم راسخ بحسن الاتباع، و له أسوة حسنة في خاتم النبوة، فافهم أنه خبر وارث، فافهم . 

( لا ترى أفضل من ذاتها) فإن أخذ الأفضل من فضل الله تعالى بقوله: هذا أفضل عندي فلا تحجبن عليه تعالى بفضل من يشاء من عباده، و إن أخذ التفضيل من حيث الكمال، فيجادلهم بالتي هي أحسن .
قال تعالى: لقدْ خلقنا الِْإنسان في أحْسنِ تقْويمٍ [ التين: 4] و هو تعديله على الصورة التي خصّه بها، و هي التي أعطته هذه المنزلة، فكان أحسن تقويم في حقّه لا عن مفاضلة مثل قوله: الله أكبر لا عن مفاضلة، بل الحسن المطلق للعبد الكامل  كالكبرياء المطلق الذي للحق سبحانه، فهو أحسن تقويم لا عن كذا فافهم . 
و إن قال تعالى فيهم: "العالين" [ ص: 75]، قال فينا: "وأنْـتمُ الْأعْلوْن" [ محمد: 35] . 
ورد في الحديث : " المؤمن أكرم على الله من الملائكة المقرّبين ". رواه ابن النجار عن حكامة عن أبيها عن أخيه مالك بن دينار عن أنس رضي الله عنه، رواه في "جمع الجوامع" . 
و في هذا التفضيل: أي تفضيل الملك على البشر، أو بالعكس، اختلف آراء الناس، و اضّطربت أفكارهم، و كثر الخلاف و العويل بما لا طائل تحته، فأذكر هنا ما يغني للمستبصر الرشيد . 
اعلم أيدك الله تعالى بروح منه أن الملك جزء من الإنسان الكامل كما سيجي ء بيانه، فالجزء من الكل .

و لا يقول العاقل: إن الجزء أشرف من الكل، فإن كان و لا بد يقال: إن أشرف أجزائه الجزء الفلاني، فإذا علمت هذا علمت مقام الملك من الإنسان، فلم يخرج عنك، و أصبت الأمر على ما هو عليه و أنصفت، و عرفت من أين أتى على من أتى عليه في باب المفاضلة . 
قال رضي الله عنه في رسالة القدس:
لا تقل إنك أرفع من الملك، و لا أحط منه، فإنك في طور آخر مفردا يخصّك، و ذلك أن الله تعالى قد وهبك سر الجمعية العامة الكبريائية  
و هو الذي حجبك عن عبوديتك، و به ترأست حين قيل للملائكة: بل عباد مكرمون، فافهم ما ترأسوا قط لعدم سرّ الجمعية العامة الكبريائية من حقائقهم فكانوا عبيدا .
و بهذا صحّ لك مقام الخلافة على العامة، و به طلبت التقدم و الرئاسة، و احتجبت عن الله، فلست من نمط العالم في شي ء، و لا تتميز معهم البتة، فإنك انفصلت عنهم بسر الألوهية، فإذا تميز الإنسان مع العالم بسر الجمعية الكبريائية، فلا يقال من أشرف الملك، أو الإنسان، فإن التفاضل ما يقع إلا من جنس واحد و الإنسان قد خرج عن أن يكون جنس العالم، بل يزاحم الألوهية لوقوفه على الأسماء كلها من جهة سرّ الجمع العام الكبريائي المثبوت فيه . 

و ذكر رضي الله عنه في "الفتوحات" في فضل الغني و الفقير:
إن الغنى صفة إلهية، و الفقر صفة العبد، و لا يقال أن هذا أفضل من هذا العدم المناسبة بينها، و هكذا الأمر هنا فافهم . 
و أيضا لما كان الوجود كله فاضلا مفضولا لا أدري ذلك المساواة، و إن يقال لا فاضل و لا مفضول، بل وجود شريف كامل تام لا نقص فيه . 
كما قال الإمام الغزالي رحمه الله: 
إنه أبدع ما يكون، و ذلك لأنه ليس في المخلوقات بأسرها على اختلاف ضروبها أمر إلا هو مستند إلى حقيقة و نسبة إلهية و لا تفاضل في الله لأن الأمر لا يفضل نفسه، فلا مفاضلة بين العالم في هذا الباب هو الذي يرجع إليه الأمر من قبل، و من بعد، و عليه عول أهل الجمع و الوجود و بهذا سمّوا أهل الجمع لأنهم أهل عين واحدة . 
قال تعالى: "وما أمْرنا إ لّا واحِدةٌ "القمر: 50] فافهم، فإذا فهمت فهم ذوق، ظهر لك ما قلته أنه بحث لا طائل تحته، فافهم ثم تنزل .

و نقول: إن للشيخ رضي الله عنه نصوصا في "الفتوحات" و في غيرها، بعضها يفهم بتفضيل البشر إلى الملك، و بعضها يوهم تفضيل الملك على البشر، و الجامع بين التفضيلين ما نصّ رضي الله عنه في "الفتوحات" في وصل في فصل عزر الشهر من كتاب " الصوم ":
"إن الإنسان أكمل نشأة و الملك أكمل منزلة، كذا قال صلى الله عليه و سلم في مشهد واقعة أبصرته فيه، انتهى كلامه . 

و قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": 
إن الجماعة من أصحابنا غلطوا في هذا التفضيل فإنهم فضّلوا على الإطلاق، و لم يقيدوا لعدم الكشف و الاعتناء بالنظر و الفكر، انتهى كلامه رضي الله عنه فافهم، فليت لك قلبا ما ورائه قلبا و بيانا . 
( و أن فيها ): أي ترى أن فيها، (فيما تزعم) و اعتذر لهم حيث جعلهم رضي الله عنهم بمنزلة المجتهدين الذين لهم أجر الاجتهاد، و الأهلية أهلية الشي ء لأمر إنما هو نعت ذاتي فلا يقع فيه مشاركة لغيره إلا بنسبة بعيدة، كما يقال أهل النار و أهل الجنة و هم الذين لا يخرجون منها رأسا لأنهم أهل لها، فافهم . 
( لكل منصب عال ): أي حمل الأمانة و الإمامة (ومنزلة رفيعة ): أي الخلافة، إنما قلنا الخلافة لأن الملائكة حين قالت ما قالت . 
قال الله تعالى: "و أعْلمُ ما تُـبْدُون" [ البقرة: 33]: أي من التخريج و التزكية و ما كنتم تكتمون من طلب الخلافة، يعني: أنا أعلم بمطلوبكم منكم، و حملتهم عليهم السلام على هذه الغيرة التي فطروا عليها عند الله: أي عند الاسم الجمع لجميع الأسماء مع أنه قال تعالى عنهم: "وما مِ نّا إلّا  لهُ مقامٌ معْلومٌ " [ الصافات: 164] فأين المقيد عن المطلق، فافهم .
( لما عندهم) يريد رضي الله عنه أن يعرف بوجه الاشتباه الذي حصل لها، و هو أنها زعمت أن عندها الجمعية التي هي علة الأهلية لما عندها (من الجمعية الإلهية) و هي أحدية جمع الأسماء و الصفات الوجوبية و الحقائق المظهرية الإمكانية، و الحقيقة الثابتة الطبيعية الإنسانية الدائرة بين ما يرجع كذا و يرجع كذا و يرجع كذا .
بين ما يرجع من ذلك الجناب الإلهي و جانب حقيقة الحقائق و في النشأة الطبيعية، و العنصرية الحاملة لهذه الأوصاف . 
فالحاصل أن الجمعية الإلهية دائرة بين ما يرجع إلى الأسماء الإلهية المؤثرة الفعّالة و بين ما يرجع إلى حقيقة الحقائق الكلية المنفعلة المؤثرة، و بين ما يرجع إلى ما يقتضيه الطبيعة الكل في النشأة الطبيعية و العنصرّيّة الحاملة لهذه الأوصاف و الحقائق الإمكانية الراجعة إلى الجناب الإلهي، و في أصل العبارة تقديم و تأخير و هذا تقديره و تقريره، فافهم . 

فهذه ثلاث حضرات حضرة الحقيقة المطلقة الفعالة:
وهي حضرة الوجوب.
وحضرة الحقيقة المقيدة المنفعلة القابلة للوجود من الواجب وهي حضرة الإمكان.
وحضرة أحدية جامعة بين الإطلاق و التقييد والفعل و الانفعال والتأثير والتأثر، فهي مطلقة من وجه، و مقيدة من وجه و مؤثرة من وجه ومتأثرة من وجه . 
وهذه النشأة أحدية جمع الحقيقتين، ولها مرتبة الأولية الكبرى، والآخرية العظمى وهي النشأة الطبيعية الجامعة لجميع النشآت . 
(إلى ما تقتضيه الطبيعة الكل) و هي عبارة عن أمور أربعة إذا تألفت تألفا خاصا حدث عنه ما يناسب تلك الألفة بتقدير العزيز العليم . 
قوله رضي الله عنه: الكل بدل أو عطف بيان، و في بعض النسخ بدل الكل الكلية . 

قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الثامن و التسعين من "الفتوحات ":
إن الطبيعة مرتبة معقولة لا عين لها في الوجود، فلكل معدوم العين ظاهر الحكم و الأثر، فهو على الحقيقة المعبر عنه بالغيب، فإنه من غاب في عينه فهو الغيب، و الطبيعة غائبة العين عن الوجود و عن الثبوت، فليس لها عين فيهما فهي العالم الغيب المحقق و هي معلومة لنا، كما أن المحال معلوم غير أن الطبيعة كانت مثل المحال في رفع الثبوت و الوجود عنها، فلها أثر و تظهر عنها صور، و المحال ليس  كذلك، و مفاتح هذا الغيب هي الأسماء الإلهية التي لا يعلمها إلا هو، و الأسماء الإلهية نسب غيبية لا عين لها، و الغيب لا يكون مفتاحه إلا الغيب، فبالمشيئة ظهر أثر الطبيعة و هي غيب، و المشيئة نسبة إلهية لا عين لها، فالمفتاح غيب .

قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الثامن و التسعين من "الفتوحات ":
إن الطبيعة مرتبة معقولة لا عين لها في الوجود، فلكل معدوم العين ظاهر الحكم و الأثر، فهو على الحقيقة المعبر عنه بالغيب، فإنه من غاب في عينه فهو الغيب، و الطبيعة غائبة العين عن الوجود و عن الثبوت، فليس لها عين فيهما فهي العالم الغيب المحقق و هي معلومة لنا، كما أن المحال معلوم غير أن الطبيعة كانت مثل المحال في رفع الثبوت و الوجود عنها، فلها أثر و تظهر عنها صور، و المحال ليس  كذلك، و مفاتح هذا الغيب هي الأسماء الإلهية التي لا يعلمها إلا هو، و الأسماء الإلهية نسب غيبية لا عين لها، و الغيب لا يكون مفتاحه إلا الغيب، فبالمشيئة ظهر أثر الطبيعة و هي غيب، و المشيئة نسبة إلهية لا عين لها، فالمفتاح غيب .
فهذا المعلوم هو القابل الذي قبل جمع الأضداد و التأثير و التأثر بمقتضى ذاتي و هو الغيب، و هو النور الساطع العام الذي به ظهر الوجود و ما له في عينه نور و لا ظهور كالضوء فإنه به ظهر كل  شيء و ليس له عين ظاهرة في الظاهر ممتازة في المرئيات فافهم، فإنه من أم الكتاب و عليه الاعتماد في جميع الفصول و الأبواب بل هو فصل الخطاب . 

قال رضي الله عنه في الباب التاسع و الثمانين و مائتين من "الفتوحات ": 
و لو لم تكن الطبيعة نورا في أصلها من النور لما وجدت بين النفس الكل و بين الهباء الذي هو الهيولي الكل، و بما هي في أصلها من النور قبلت جميع الصور النورية للمناسبة فانتفت ظلمتها بنور صورها، فنسب إلى الطبع الظلمة في اصطلاح العقلاء و عندنا ليس كذلك، و لو لا أن الظلمة نور ما صحّ أن يدرك، و الظلمة هي الغيب . 
فلهذا لا يدركه إلا الحق، و الطبيعة الكل قد خلقها الله تعالى دون النفس الكل و فوق الهباء .

وهو رأي الإمام الغزالي رحمه الله و لا يمكن أن تكون مرتبتها إلا هنالك، فكل جسم قبل الهباء إلى آخر موجود من الأجسام هو الطبيعي، و ما ثم عندنا إلا جسم طبيعي أو عنصري لا غير، و العناصر أجسام طبيعية و أن تولد عنها أجزاء أخر، و أمّا الهباء فجوهر مظلم ملأ الخلاء بذاته ثم تجلى له الحق تعالى باسم النور فانصبغ به ذلك الجوهر، و زال عنه حكم الظلمة هو العدم، فاتصف بالوجود فظهر لنفسه بنفسه بذلك النور و كان ظهوره به على صورة الإنسان.

و بهذا يسمّيه أهل الله الإنسان الكبير و يسمّى مختصر الإنسان الصغير لأنه فيه جميع ما في العالم بالإجماع، فخرج على صورة العالم مع صغر حجمه و العالم على صورة الحق : 
و تزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم فالإنسان على صورة الحق .
و هو قوله"إن خلق آدم على صورته" فكل ذلك من آثار الله تعالى فيما خلق عليها الطبيعة . 
( التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه و أسفله) فكل ما تولد من الأجسام و الأرواح، و الملائكة، و الأنوار كلها للطبيعة عليه حكم، و لكن حكم الطبيعة ظاهر من الهباء إلى ما دونه، و أمّا ما فوق النفس الكل فلا يظهر حكم للطبيعة فيه أصلا، فالطبيعة الكل محيطة بالكل حاصرة لقوابلها من أطباع أنواع الأجسام الطبيعية الفلكية و الملكية و العنصرية من الأجسام . 

قال رضي الله عنه: إن للطبيعة أنوارا يكشف بها صاحبها ما تعطيه الطبيعة من الصور في الهباء، و ما تعطيه من الصورة العامة التي هي صور الجسم الكل، و هذه الأنوار إذا حصلت على الكمال تعلق علم صاحبها بما لا يتناهى و هو عزيز الوقوع عندنا، و أمّا عند غيرنا فممنوع عقلا حتى إن ذلك في الإلهيات مختلفة فيه عندهم . 

و قال أيضا رضي الله عنه في »الفتوحات «: 
و ما رأينا أحدا حصل له هذا العلم على الكمال و لا سمعنا عنه و لا حصل لنا و إن ادّعاها إنسان فهي دعوى لا يقوم عليها الدليل أصلا مع إمكان حصول ذلك، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
فإن من عباد الله من يحصل لنفسه في بعض الأحيان عند هبوب النفحات الجودية الإلهية أحوال توجب لها الأعراض عما سوى الله، و الإقبال بوجود قلوبها بعد التفريغ التام على حضرة الغيب الإلهي المطلق في أسرع لمح البصر، فيدرك من  الأسرار الإلهية و الكونية ما شاء الحق. 
و قد تعرف تلك النفس هذه المراتب و التفاصيل أو بعضها، و قد لا تعرف مع تحققها بما حصل لها من العلم.
و هذا تصديق قوله صلى الله عليه و سلم : " علمت بها علم الأولين والآخرين"
و لو لم يكن هذا في آن واحد فما فائدة إخباره بقوله صلى الله عليه و سلم فهمت، فافهم . 

فإنهم عباد الله المكرمون المتحققون بمعرفته دون واسطة، لعلمه تعالى أن هممهم قد خرقت حجب الكون، و أنفت الأخذ عن سواه فتجلى لهم تجلي الكل في الكل . 
كما ورد في الخبر عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال في حديث طويل : "وضع  كفّه بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي فتجلى لي كل شيء عرفته" الحديث .  رواه الترمذي و قال: حسن صحيح عن معاذ بن جبل، ذكره السيوطي في "جمع الجوامع" و هذا من الذوق الذي ذكرناه فافهم فإنه مهم . 
و أنوار الطبيعة مندرجة في كل ما سوى الحق و هي نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية.
و أدرجها في الأفلاك والأركان و ما يتولد منها من الأشخاص الغير المتناهية. 
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:25 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة السابعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:17 pm

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة السابعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السابعة :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
(وهذا) يعني جمع الإنسانية الكبرى والصغرى لجميع ما تقتضيه الطبيعة الكل من قوابل العالم كله أعلاه وأسفله. وكذا كل ما كان من هذا القبيل من علوم المعرفة
(لا يعرفه) معرفة تامة لما هو عليه في حقيقة ثبوته (عقل) ?امل (بطریق نظر ف?ري) .
إذ النظر الفكري يثبت في العقل حقيقة الشيء تابعة لما يقتضيه ذلك العقل من القوة الخيالية , لا تابعة لما عليه ذلك الشيء في نفسه.
ولم يقل لا يعرفه عقل مطلقا، إذ العقل في إدراكه للعلوم له طريقان:
طريق النظر الفكري وهو طريق خطئه في الغالب.
وطريق قبوله ما يلقى إليه بالفيض الرباني بعد وزنه بالميزان الشرعي ونقده بمحك الكتاب والسنة إذا كان مؤيدة بها معرفة وإتقانه .وهذا طريق صوابه دائما.
وقد أشار إلى الثاني بقوله :
(بل هذا الفن) الذي هو فن المعارف الإلهية والعلوم الربانية بالحقائق الغيبية والشهودية (من الإدراك) الإنساني (لا يكون)، أي لا يوجد دائما (إلا عن كشف) بت?میل قصور الإدراك حتى يجد الأمر ظاهرة على ما هو عليه، غير أن الإدراك كان قاصرة عنه فقوي في معرفته .
(إلهي)، أي منسوب إلى الإله، وهو الكشف الصحيح المؤيد بالكتاب والسنة كما ذكرنا.
(منه)، أي من ذلك الكشف الإلهي (يعرف ما)، أي: أي شيء
(أصل صور العالم) المعقولة والمحسوسة (القابلة لأرواحه) المختلفة الملكية والحيوانية والنباتية وغير ذلك.
فإن الأرواح كلها متعينة أولا في حقيقة القلم الأعلى الذي هو النور الأول.
مثل تعيين الحروف الحاملة للمعاني في المداد المحمول في رأس القلم.
ثم تفصلت منه بكتابتها في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض.
مثل تفصيل الحروف المكتوبة في قرطاس بماء البصل، حيث لا يستبين على القرطاس من كتابتها شيء منها .
وهذه الحروف هي صور المعاني والمعاني أرواحها المخلوقة قبلها.
أي المعينة لها وتلك المعاني موجودة في هذه الحروف، ولكن وجود دلالة وتدبير لهذه
الحروف لا وجود حلول واتحاد، وهي لم تبرح من قلب المتوجه على كتابة الحروف .
ثم إن تلك الحروف المكتوبة بماء البصل إذا مسها حرارة النار تبينت حروف مرسومة يخالف لونها لون القرطاس فتظهر للقارىء فيقرأها فيفهم معانيها الظاهرة فيها.
وههنا تتوجه تلك الأرواح المتعينة في حقيقة القلم الأعلى التي رسمت في اللوح المحفوظ صورة وأشكالا غیر متبينة على تلك الصور والأشكال بسبب التوجه الأصلي من همة الكاتب الحامل لأرواح هذه الصور والأشكال :
فتنبعث الحرارة الغريزية والحركة الشرقية الروحانية، فتتبين بذلك تلك الصور والأشكال في عالمها المخصوص الذي هو عالم الطبائع والعناصر.
فإذا تم تبينها وهو المراد بتسوية الجسد قوي التوجه المذكور.
فسرت الروح النباتية النامية بعد الروح الجمادية المظهرة لصورة الجسد فقط،.
ثم تسري الروح الحيوانية المحركة.
ثم الروح الإنسانية المكملة للظهور الإلهي على أتم الوجوه الممكنة.
فتتحقق صورة الإنسان وتتميز عن غيرها في هذه الأكوان.
(فسمي هذا المذكور) الجامع لقوابل العالم كله أعلاه وأسفله كما ذكرنا (إنسانا) وهو الاسم الأصلي (وخليفة) وهو الاسم اللقبي.
(فأما إنسانيته) التي سمي بها أولا (فلعموم نشأته)، أي سريانها في كل نشأة روحانية أو طبيعية أو عنصرية وحصره الحقائق العلوية والسفلية.
(كلها) بحيث لا تبقى حقيقة في العالم إلا وفيه منها رقيقة متصلة يمدها بروحه الأمري الإلهي.
وتمده هي بروحها الجمادي والنباتي والحيواني ولهذا لا غناء له عن الغذاء المحسوس.
فهو لعموم نشأته يمدها وبذلك شرف عليها وصار مكرمة.
قال تعالى : "ولقد كرمنا بني آدم "70 سورة الإسراء.
و بحصره الحقائق كلها فيه تمده هي لسبقها عليه ولكبرها بالنسبة إليه .
كما قال تعالى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس" 57 سورة غافر . (وهو)، أي هذا الإنسان المذكور (للحق) تعالى النافخ فيه من روحه الأمري الإلهي النوري الذي هو المخلوق الأول من جهة إمداده تعالی ?ل حقيقة كونية من حقيقة هذا الإنسان كما ذكرنا.
(بمنزلة إنسان العين)، وهو نورها الذي يظهر سوادا تبصر به بحيث لو زال أو قل زال أبصارها (من العين) الإنسانية أو الحيوانية (الذي به ی?ون)، أي يوجد (النظر)والإدراك للأشياء على وجه التمييز بين حسنها وقبيحها.
(وهو المعبر عنه بالبصر)، وإنما يظهر سوادة وهو نور مشرق، لأن جميع ما يقابله ظلمة بالنسبة إليه.
لأنه الروح الأمري المنفوخ وهو روح ?ل جماد ونبات وحيوان وإنسان وملك وجن.
ولكن ما قبل كمال الظهور إلا في الإنسان الكامل فقط دون غيره فنسب إليه، وسمي في غيره باسم أنزل منه، كما أن الآدمي ظهر في هذا العالم بالعصيان والمخالفة لأمر الله تعالى.
ولا عصيان ولا مخالفة في الحقيقة غير عدم قبول بقية العالم لكمال ظهور الروح الأمري.
ظهر ذلك ظلمة وسواد في نور مرآة الروح الأمري فكان سوادة في إدراك كل رائي.
قال تعالى : " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها" 27 سورة الأحزاب.
وهذا حقيقة العصيان والمخالفة الظاهرة في آدم عليه السلام وبنيه إلى يوم القيامة ، والمراد بالجبال كل منجبل من العناصر الأربعة والطبائع الأربع وإنما عوقب بذلك من عوقب من بني آدم لغلبة حيوانيته على إنسانيته .
(فلهذا)، أي لأنه من الحق بمنزلة إنسان العين من العين (سمي إنسانا فإن به)، أي بهذا الإنسان الكامل (نظر الحق) تعالى (إلى خلقه) جميعهم (فرحمهم) بإمدادهم منه، فلا إمداد لشيء إلا منه ، لأنه محل نظر الله تعالى لخلقه.
وقلبه محل الوسع الإلهي الذي ضاقت عنه السموات والأرض مع كبرها بالنسبة إليه.
كما ورد في الحديث القدسي: "ما وسعني سماواتي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن التقى" وهو العبد الكامل في رتبة العبودية.
هو واحد في كل زمان إلى يوم القيامة، وإن تعدد من حيث الظهور الجسماني .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
وأشار إليها فقال : (وهذا) المذكور أمر (لا يعرفه) على ما هو عليه (عقل بطريق فكري بل هذا الفن) بجميع مسائله (من الإدراك لا يكون) أي لا يحصل للعقل.
(إلا عن كشف إلهي) فهذا المذكور لا يعرفه العمل إلا بالكشف الإلهي لأنه مسألة من مسائله بل هو أم الفصوص وأصل جميع مسائل الفن.
فيحتاج إلى الكشف كمال الاحتياج (منه) أي من الكشف (یعرف) على الوجه اليقين (ما أصل) يعني أن شيء حقيقة (صور العالم) المساواة القابلة لأرواحه وهي حقيقة الحقائق كلها وهي الذات الإلهية من حيث أسمائه الحسنى منه متعلق بيعرف قدم للحصر .
فإن قلت : إن كان الطالب من أهل النظر فلا حظ له من الفن لأنه قال في حقه لا يعرفه عقل .
وإن كان من أهل الكشف فلا يحتاج إلى إبراز الكتاب لأنه قال في حقه إلا عن ?شف.
فما معنى قوله : وأخرج به إلى الناس ينتفعون به حكاية عن الرسول عليه السلام .
وقوله : ثم منوه على طالبيه بإسناده إلى نفسه.
قلت : أما أهل النظر فيحصل له في قراءة ذلك الكتاب من أهل الكشف واليقين منافع كثيرة وإن لم يحصل له كمال المنفعة فيدخل تحت قوله تعالی : "أو ألقى السمع وهو شهيد"37 سورة ق . بسبب قراءته كما لا يخفى .
وأما أهل الكشف فيحتاج إلى مطالعة الكتاب في إدراك المعاني المعتبرة بألفاظ منتظمة فيه فلا يكفي مجرد ?شفه بل مع مطالعته إن كان من أهل
المطالعة أو القراءة إن كان من أهله فإن مفردات القرآن الكريم وأجزائه معروفة للعرب قبل نزول القرآن العظيم .
وأما المعاني المبينة بالقرآن الحكيم فيحتاج في إدراكها إلى الكلام القديم.
فهذا الكتاب كرامة قوليه له: لا يأتي مثله في هذا الفن أحد من المصنفين لا قبله ولا بعده .
فلا يتصور إدراك هذه المعاني بالكشف إلا من جهته كما لا يصل العلم إلى معاني القرآن إلا من الجهة القرآنية .
فمن لم يصل إليه بعد إبرازه مع القدرة فلا نصيب له من معانيه ولو كان أهل ?شف فاجتهد.
فإن المراد بإبراز الكتاب منفعتنا به فهو مأمور بالإبراز بصيغة الأمر الحضوره فيه بقوله : خذه واخرج به إلى الناس ونحن مأمورون بصيغة الغيبة لغيبتنا فيه.
بقوله ينتفعون به فوجب به علينا الانتفاع.
فالكامل والناقص بعد إبراز الكتاب سواء في احتياج الانتفاع فلا يليق لنا ترك أمر الرسول عليه الصلاة والسلام.
(فسمي هذا المذكور)، وهو الكون الجامع (إنسانا وخليفة فأما إنسانيته فلعموم نشانه) وهي المرتبة الجامعة بين النشأة الروحانية وهي على صورة الحق والجسمانية وهي من حقائق العالم وصوره.
(وحصره الحقائق كلها) من الإلهيات والكونيات، فإنه حينئذ يونس جميع الحقائق فهو من الإنس (وهو) بيان لوجه تسمية أخرى (للحق بمنزلة إنسان العين) بفتح الهمزة (من العين الذي به يكون النظر وهو المعبر عنه بالبصر فلهذا) أي فلأجل أنه للحق بمنزلة إنسان العين من العين .
(سمي إنسانا) بكسر الهمزة للفرق (فإنه) تعليل لقوله وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين أي أن الشأن (به) أي بالمذكور لا بغيره (نظر الحق إلى خلقه) أي إلى موجوداته الخارجية بعد إيجادها به .
فالمقصود الأصل بإيجاد الإنسان الكامل النظر به وهو النظر بالغير في النظر بالذات لا كالنظر بالواسطة إلى خلقه فأحب النظر إليهم بالحب الذاتي (فرحمهم) بسبب نظره الحبي إليهم وأعطى حوائجهم على حسب استعدادهم .
وإنما قال : فرحمهم مع أن المقصود يتم بدونه وهر بيان لوجه التسمية إشارة إلى أن نظر الحق إلى عباده نظر عناية أزلية .
فإن الله تبارك وتعالى أحب أن ينظر إليهم على الدوام بحسب العوالم ومن لا يحبه شيئا لم ينظر إليه .
فنظر إليهم بعد إيجادهم بسبب حبه فرحمهم بسبب نظره ففيه بشارة للمذنبين حتى لا يقنطوا من رحمة الله .
وإنما فسرنا الخلق بالموجودات فإن النظر بالغير لا يتعلق بالمعدوم كالصورة الحاصلة في المرأة.
فإنه لا يتعلق النظر بها إلا بعد وجودها في المرآة فإن مآل النظر ونتيجته الرحمة والشفقة للمنظور إليه الذي يمسه العذاب ولو مغضوبا للناظر فضلا عن أن يكون محبوبا له .
بخلاف العلم الخالي عن النظر فهو نظر الرحمة والشفقة لا نظر الوجود ولو ?ان نظر الوجود .
كما قال الشيخ رضى الله عنه في التدبيرات الإلهية القطب معلوم غير معين وهو خليفة الزمان ومحال النظر والتجلي ومنه يصدر الآثار على ظاهر العالم وباطنه وبه يرحم ويعذب من يعذب.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
و قوله رضي الله عنه : "وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر ف?ری بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه، فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها، وهو للحق تعالی بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر وهو المعبر عنه بالبصر فلهذا سمي إنسانا فإنه به نظر الحق تعالى إلى خلقه فرحمهم"
قلت: يريد بالنظر استعمال المقدمات والنتائج لكن يعرفه العقل من حيث ما هو قابل للتجلي الإلهي .
فإذن العقل له اعتباران:
أحدهما من جهة ما هو فاعل بالفكر ومن هذه الجهة لا يدرك هذه الأمور.
والآخر من جهة ما هو قابل وهذه هي جهة الكشف.
فالأولى طريقة الفكر وهذه الثانية طريقة الذكر.
والأولى طريقة الفلاسفة والمتكلمين
وهذه الثانية طريقة طالبي الحق تعالى من المتشرعين ..
قوله: وسمي إنسانا إلى آخر المعنى. قلت: والشيخ قد ذكر لأي شيء قد سمي إنسانا وهو التشبيه بإنسان العين.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكريّ بل هذا الفنّ من الإدراك لا يكون إلَّا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه ).
قال العبد أيّده الله به : هذا إشارة إلى علم الطبيعة الكلّ التي حصرت قوابل العالم أعلاه وأسفله ، والطبيعة الكلَّية إشارة إلى ظاهرية الحقيقة الفعّالة للصور ، كما ذكرنا .
واعلم : أنّ الصور أعمّ ممّا عرفت عرفا في تعريف العرف الفلسفي الظاهر والنظر الرسمي ، والكشف والتحقيق يقضيان بأنّها اعمّ ممّا عرفوا وعرّفوا ، ولا تختصّ بالجسمانية ، بل قد تكون الصور عقلية وخيالية وذهنية ونورية وروحانية وإلهية.
كما جاء في الصحيح : « إنّ الله خلق آدم على صورته » فللَّه تعالى صورة إلهية نورية لائقة بجنابه تعالى.
ويقال : صورة المسألة وصورة الحال .
وقال : " رأيت ربّي في أحسن صورة ".
وكان الروح الأمين يأتي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في صورة " دحية " وغيره .
وقد تمثّل لمريم " بَشَراً سَوِيًّا " مع تحقّق أنّ الأرواح غير متحيّزة .
فكان  ظهور روحانيّ في صورة مثالية ، وحقيقة الصورة هيئة اجتماعية من أوضاع شكلية في أي مادّة فرضت في أيّ أجزاء قدّرت ومثّلت ، فافهم .
وإذا تحقّقت حقيقة الصورة ، علمت أنّها أعمّ ممّا قيل ، والصور في طور التحقيق الكشفي علوية وسفلية :
والعلوية حقيقية وهي صور أسماء الربوبية والحقائق الوجوبية ، ومادّة هذه الصور وهيولاها عماء الربّ ، والحقيقة الفعّالة ، لها أحدية جمع ذات الألوهة ، وظاهرها الطبيعة الكلية . والعلوية الإضافية هي حقائق الأرواح العقلية والأرواح المهيّمة والأرواح النفسية والملكية المهيّميّة ، ومادّة هذه الصور الروحانية في مشرب التحقيق والكشف النور .
وأمّا الصور السفلية الإمكانية من الحقائق الكيانية مطلقة فهي صور الحقائق الإمكانية والنسب المظهرية الكيانية .
وهذه الصور أيضا منقسمة إلى علوية وسفلية ، فالعلوية منها ما ذكرنا من عالم الأمر أنّها علوية إضافية ، فإنّها علوية بالنسبة إلى الحقائق الجسمانية ، وموادّها وهيولاها عماء المربوب والكون من النفس الرحماني ، ويسمّى هذا العماء عماء ، لكونه مشوبا بالظلمة .
ومن الصور العلوية الكونية صور عالم المثال المطلق والمقيّد وعالم البرازخ ، ومادّة هذه الصور وهيولاها الأنفاس والأعمال والأخلاق والملكات والنعوت والصفات .
وأمّا السفلية الكونية فهي صور عالم الأجسام ، وهي أيضا علوية وسفلية :
فالعلويات هي العرش والكرسي والأفلاك والكواكب والسماوات ، ومادّتها الجسم الكلَّي .
والسفلية الجسمانية منها فهي العناصر والعنصريات ، وهي أيضا علوية وسفلية :
فالعلوية منها هي صور الأرواح الهوائية والنارية والمارجية ، ومادّة هذه الصور الهواء والنار وما اختلط منهما مع باقي الثقلين من الأركان المغلوبين في الخفيفين كما ذكرنا في الموضع الأنسب بذلك.
والسفلية الحقيقية هي ما غلب في نشأته الثقيلان وهما الأرض والماء على الخفيفين وهما النار والهواء
وهي ثلاث :
صور معدنية . -  وصور نباتية . - وصور حيوانية .
وكل عالم من هذه العوالم يشتمل على صور شخصيات لا تتناهى ولا يحصيها إلَّا الله تعالى .
والطبيعة هي الحقيقة الحاملة لهذه الصور كلَّها من كونها عين المادّة من وجه ، ومن وجه أخرى الفعّالة لهذه الصور كلَّها ، وحقيقتها هي الأحدية الجمعية الذاتية الفعّالة لصورتها في نفسها بنفسها . فالطبيعة الكلّ وإن كانت مظهر الفعل الذاتي الإلهي .
ولكن حقيقتها حقيقة أحدية جمع الصور الفعلية والانفعالية في العوالم الربانية والعوالم الكيانية ، والصورة الكلية المطلقة منفعلة على الإطلاق في المادّة العمائية الكلَّية الكبرى عن هذه الحقيقة الفعلية الذاتية للحقيقة الإلهية الكامنة في التعيّن الأوّل ، وهي منه وفيه ، والفاعل هو الله .
والطبيعة باعتبار آخر من قوى النفس الكليّة سارية في الأجسام الطبيعية السفلية والأجرام العلوية ، فاعلة لصورها المنطبعة في موادّها الهيولانية المعلومة لحكماء الرسوم .
وبالاعتبار الأوّل قوّة كلَّية من قوى النفس الإلهية الفعّالة للصور كلَّها معنويّها العلمية الإلهية الأزلية والعقلية والروحانية والنفسانية والمثالية والنورية والطبيعية والعنصرية والخيالية والذهنية والتصوريّة واللفظية النفسية الإنسانية من صور الحروف والكلمات ، والرقية كذلك ، فافهم .
وما أظنّك تفهم فادرج ، فليس نفسك إن كنت مقيّدا للحق .
وقد أشار الله تعالى إلى نفسه التي من قوّتها هذه الطبيعة الكلَّية بقوله :" وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَه " , " وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي " .
فالطبيعة الكلية بهذا الاعتبار قوّة من قوى النفس الإلهية الذاتية الكلية التي لا يعلم ولا يحيط بما فيها إلَّا الله .
كما قال الله تعالى إخبارا وحكاية عن العبد الصالح : " تَعْلَمُ ما في نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما في نَفْسِكَ ". وكما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : " أنت كما أثنيت على نفسك لا أحصي ثناء عليك لا أبلغ كلّ ما فيك " .
فلمّا كانت أحدية الجمعية الإلهية ، وأحدية الجمعية التي بحقيقة الحقائق ، وأحدية الجمع التي للطبيعة الكلية في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف كلَّها من الحقيّة والخلقية وما تحتهما سارية بالنفس الرحماني إلى الحقائق والقوى كلَّها بالكمالات والمناصب الراجعة إلى هذه الجمعيات وفي كل ملك ملك.
وقوّة قوّة وصورة صورة ، زعمت أنّ لها أهلية هذه الكمالات كلَّها ، وأنّى لها ذلك ؟
وما لكلّ منها إلَّا مقام معلوم ، فافهم .
فإنّ هذا الكشف من أصعب العلوم الخصيصة بكشف مرتبة الكمال المحمدي الختمي ، ولا يناله إلَّا من ورث خاتم النبيين ومشكاة خاتم الأولياء المحمديين .
حقّقنا الله والإخوان والأودّاء الإلهيين بعلومه ومقاماته وأحواله ومشاهده ومنازلاته ومعاريجه ، إنّه عليم قدير حكيم خبير .
ثم اعلم : أنّ الكشف عبارة عن رفع الحجب الظلمانية والنورية التي بين الحقيقة وبين المدرك منّا ، فإن كان المدرك النفس أو العقل ، والمدارك قواهما النفسانية النظرية والفكرية بطريق ترتيب المقدّمات وترتيب المبادئ والمفردات على الوجه المؤدّي إلى الغايات.
فهو طريق البرهان والاستدلال باللوازم القريبة والبعيدة على الملزومات ، فهي وإن كانت في زعم أهلها موصلة إلى إدراك الحقائق ، فليست موصلة إلى الحقائق من حيث هي هي في العلم الأزلي مجرّدة عن النسب والإضافات .
بل من كونها موجودات وملزومات ومعروضات للعوارض ولوازم ، لا من حيث هي حقائق مطلقة فإنّ ذلك لا يكون إلَّا بكشف حجب هذه اللوازم والعوارض من حيث هي حجب.
كذلك فإنّ الملزومية والعارضية والمعروضية نسب عارضة على الحقائق عند تلبّسها بالوجود العيني ، فإنّها في علم الله حقائق غيبيّة معنوية عريّة عن الوجود العيني .
أو قل : هي نسب علمية أزليّة ، أو صور معلوميّات الأشياء ، أو حروف الكلمات النفسية الرحمانية ، أو شؤون ذات اللاهوت ، أو الأعيان الثابتة في العلم الذاتي ، أو الماهيات ، أو هويات الموجودات من شأنها أنّها إذا وجدت لأعيانها ، كان بعضها ملزومات ومعروضات ، وبعضها لوازم وعوارض ولواحق .
كلّ هذه الاعتبارات والعبارات صادقة ، ويتداولها طائفة من المحقّقين في عرفهم الخاصّ بهم ، وهي في عرصة العلم الذاتي متمايزة بخصوصياتها الذاتية يدركها المكاشف عند رفع الأستار ، والتجلَّي والشهود متمايزة الحقائق لخصوصياتها ، ولا يدركها المفكَّر كذلك .
بل إنّما يدرك هذه الحقائق متلبّسة بالوجود العيني الموجب للتوحيد ، والرافع للتمييز والتعديد ، ونظنّ أنّها لم تزل على هذا ، وليس ذلك كذلك .
فإذا انشرحت العقول عن حجابيّات قيود العادات ، وانطلقت عن عقال ضمنيات الكائنات ، ويخلص السرّ الإلهيّ من أحكام التعيّن وآثار القيود الحجابية ، وانكشفت عن بصائرها وأبصارها الأستار ، حينئذ تأتّى للمدرك أن يدرك الحقائق على ما هي عليها في عالم الحقائق والمعاني .
وقد يظنّ العامّة من ظاهرية المتفلسفة ، أنّ علم الحقائق على ما هي عليها عبارة عن إدراكها في هذه اللوازم والعوارض واللواحق وأنّها لا تحقّق لحقائق بدونها في الخارج .
وهذا المتفلسف المدّعي للحكمة ما عرف الفرق بين حقائق الأشياء وبين أعيانها فإنّه ما أدرك إلَّا أعيان الموجودات ولم يدرك الحقائق من حيث إطلاقها وباطنها الحقيقية مجرّدة عن هذه العوارض واللوازم واللواحق ، وهو معذور لكون هذا العلم والشهود فوق طور العقل ، وراء طور الفكر ، والفرق بين المقامين بيّن ، فانظر ما ذا ترى ؟
وإذا تحقّقت ما ذكرنا ، علمت أنّ من الكشف ما هو عقلي وهو الذي يدركه العقل بجوهره النوري المطلق عن قيود الفكر والمزاج .
ومنه ما هو نفسانيّ وهو ما يحصل للنفوس المطلقة عن قيودها المزاجية بإدمان الرياضات والمجاهدات من النفوس الكلَّية العالية ، بكشف حجاب ما به المباينة والممايزة .
ومن الكشف ما هو روحاني ، وذلك بعد كشف الحجب النفسانية والعقلية ومطالعة الروح الإنساني لمطالع الأنفاس الرحمانية .
ومن الكشف ما هو رباني بطريق التجلَّي ، إمّا بالتنزّل والتدلَّي ، أو بالمعراج والتسلَّي ، أو بالمنازلات بأسرار التولَّي والتجلَّي ، أو بالجمع والتجلَّي بعد التخلَّي من الربّ المتولَّي .
وهو متعدّد بحسب تعدّدات الحضرات الأسمائية فإنّ للحق تجلَّيا من كل حضرة ، ومن الحضرات.
وأعلى التجلَّيات الأسمائية هو التجلَّي الإلهيّ الجمعيّ الأحديّ الذي يعطي المكاشفات الكلَّية الأحدية الجمعية ، وليس كلّ كشف كذلك.
وفوقها التجلَّي الذاتيّ الاختصاصيّ الذي يعطي الكشف بحقيقة الحقائق ومراتبها ، وبحقيقة النفس والعلماء ، وبالحقيقة الإلهية ، وبحقيقة الطبيعة الكلَّية ، فافهم واعرف قدر ما دسّيت لك من الأسرار ، والله وليّ التوفيق والتحقيق .
ثمّ أعلم : أنّ « الحقيقة » يصدق إطلاقها على كل ما له تحقّق في الجملة بالإطلاق العامّ ، فثمّ حقيقة تحقّقها بذاتها وهي حقيقة الحق ، وقد تكون حقيقة تحقّقها لا بذاتها .
بل تحقّقها بما هو متحقّق بذاته من ذاته ، إمّا في العلم أو في العين أو في بعض مراتب الوجود أو في جميعها دائما أو لا دائما ، بل في وقت دون وقت .
وعلى هذا يصدق إطلاق الحقيقة على الحق والخلق وعلى النسب والإضافات والجواهر والأعراض ، إن قلنا إنّ الخلق له تحقّق ، وقد تكون الحقيقة واحدة وكثيرة ، ومطلقة ومقيّدة ، فاعلم ذلك .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فسمّي هذا المذكور إنسانا وخليفة . فأمّا إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلَّها .
وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر وهو المعبّر عنه بالبصر ، فلهذا سمّي إنسانا فإنّه به ينظر الحقّ إلى خلقه ، فيرحمهم ) .
يعني رضي الله عنه : أنّ اعتبار الحقيقة الإنسانية على وجه يكون الاشتقاق اللفظي محفوظا فيه ، إن كان بمعنى الأنس من كونها مؤنسة للحقائق ومأنوسة.
وليس سائر الحقائق كذلك لكون كلّ حقيقة غيرها ممتازة عن غيرها بخصوصها المباين الموجب للغيرية بخلاف الحقيقة الإنسانية فإنّها أحدية جمع جميع الحقائق الحقيّة والخلقية والبرزخية .
فما امتازت الحقيقة الإنسانية عنها إلَّا بأحدية جمع الجمع والإحاطة ، وبها أنست بالكلّ ، وأنس بها الكلّ بعضه بالبعض .
ولهذا لم يكن مثله شيئا لعموم نشأته جميع النشئات ، وعدم عموم غيرها لأنّها ما من نشأة من النشآت إلَّا وفي نشأته نظيرتها .
وما من حقيقة  من الحقائق إلَّا وفي الحقيقة الإنسانية محتدها وأصلها لأنّ العوالم كلَّها على صورة الإنسان .
كما أنّ الإنسان على صورة الله فما من عرش ولا كرسي ولا فلك ولا روحاني ولا كوكب ولا منازل ولا بروج ولا سماوات ولا أرضين ولا نار ولا هواء ولا تراب ولا ماء ولا مولَّد من معدن ونبات وحيوان ماش أو ساع أو سائح أو طائر أو ناش إلَّا وفي النشأة الإنسانية أمثالها ونظائرها .
ولهذا قيل : الإنسان هو العالم الصغير .
وقالوا : العالم الإنسان الكبير .
وفيه نظر على ما سنبيّنه في موضعه ، فهو بصورته الطبيعية وبروحه جامع لخصائص عالم الأرواح من المهيّمة ومن العقول والنفوس والملائكة والجنّ ، وكذلك يجمع بحقيقته الإنسانية البرزخية بين بحريّ الوجوب والإمكان  وبين الإطلاق والتعيّن .
وقابليته أجمع القابليات ، ومظهريته أكمل المظهريات ، وما يخصّه من الفيض والتجلَّي أتمّ وأكمل وأعمّ وأشمل .
وبهذا استحقّ الخلافة وسجود الملائكة فإنّ السجود هو الدخول في الطاعة والتذلَّل والانقياد والخضوع.
فلمّا جمعت النشأة الإنسانية الكمالية بسعة قابليته وحيطة دائرة استعداده جميع الحقائق والقوى القائمة بصور العالم ، والمنتشرة والمطويّة منها في أعلاه وأسفله ، سجدت الملائكة التي هي عبارة عن صور أرواحها لآدم هو أوّل مظهر إنساني لافتقار العالم في كماله إلى وجوده واستغناء الإنسان بنشأته الكاملة عن العالم وما فيه .
فهو على حدته مغن عن العالم ، أو كان في مظهرية التجلَّي الذاتي الأحدي الجمعي والأسماء التفصيلية الفرعية .
والعالم بلا إنسان كامل غير كامل ولا كاف فيما ذكر .
ولهذا ما عرفته الملائكة إلَّا أسماء حين سألهم الحق عنها بقوله : " أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ " ، أي هؤلاء النسب والحقائق الإلهية الزمانية ، إشارة إلى حقائق الأسماء متجلَّية في صورها النورية وحقائق الموجودات القابلة لتلك التجليات .
فلمّا لم يعرف الملائكة أسماء تلك الصورة النورانية والحقائق المعنوية من حيث التمايز والخصوصيات التي تقوّمت بها نشأتهم .
قال الله تعالى : " يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ " أي أعلمهم وأخبرهم بأسمائهم .
أي بيّن المظاهر وأسماء الحق ، التي هم مستندون إليها في وجودهم فإنّ كلّ واحد منهم مظهر لحقيقة مخصوصة من حقائق أسماء الواجب الوجود ، وخادم لاسم معيّن ، وسادن لنسبة ربانية من النسب الإلهية ، فكلّ منهم لا يعرف الحقّ إلَّا من حيث مظهريته المعيّنة وقابليته الجزئية واستعداداته الخصوصية.
فالحق المسمّى بفتح الميم وآدم المسمّى بكسر الميم والملائكة لا يعرفون الحق ولا أنفسهم ولا ما يستند إليه من الأسماء إلَّا من وجه جزئي تعيّنيّ .
ولهذا لمّا أنبأهم آدم بأسمائهم في الحضرات الأسمائية ، وأظهر خصوصيات عبدانيات كلّ واحد منهم لاسم هو ربّه ، وأنبأهم بأسماء الحق ، التي هم مستندون إليها التي لها السلطان والحكم عليها.
قالوا : " سبحانك لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ".
فلهذا أنس بهذه الحقيقة الإنسانية الكلّ ، وأنس بالكلّ ، فسمّي الوجود الحق المتعيّن في هذه الحقيقة الكلَّية المطلقة إنسانا .
وهو « فعلان » من الأنس على صيغة المبالغة .
وسمّي أيضا إنسان العين إنسانا بهذا الاعتبار لأنّ العين تأنس بكلّ ما تقع عليه ولا يناسبه أيضا نور الحق المتعيّن بالجمع في نار الفرق .
وإيناس النور في النور مؤنس يعطي الأنس لناظر الناظر ، ولأنّ الإنسان من عين الإنسان آلة النظر ، وإدراك ظاهرية المبصرات وإبصار كلّ ذي بصر إنّما هو بحسبه .
وكان نظر الله أحديا جمعيا بأحدية جمع العلم والشهود لظاهرية أحدية جمعيات الحقائق والأشياء ، ولم يكن في الموجودات والحقائق حقيقة جمعية أحدية جامعة لجميع الجمعيات إلَّا هذا المظهر الأعمّ الأكمل ، والمنظر الأتمّ الأجمع الأوسع الأشمل ، به نظر الله في إبصاره لظاهريات الحقائق كلَّها ، فهو مجلى النظر الإلهي وإنسان العين المنزّهة ، فسمّاه بهذه الاعتبارات إنسانا .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
( وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكرى )
فإن العقل من الجناب الإلهي التي هي الحضرة الواحدية فلا يدرك إلا الحقائق المتعينة الكلية مع لوازمها في عالمها الروحاني .
وأما الجزئيات الجسمانية التي هي ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم فلا يعرفها وكذلك لا يعرف الحقيقة التي تحقق الحقائق الكلية والجزئية أي الذات التي تحقق بفيضها الأقدس أي تجلى الذاتي حقائق الروحانيات والجسمانيات وبتجليها الشهودى واسمها النور يظهر الكل .
فإنها لا يعرفها إلا عينها ، قوله وفي هذه النشأة الحاملة لهذه الأوصاف من القوى الروحانية ولوازمها من الحياة والقدرة والعلم والإرادة وأمثالها .
يشعر بأن الأوصاف المحمولة من النشأة المعنوية الروحانية المعبر عن عالمها بالجناب الإلهي .
قوله ( بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهى منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه )
إشارة إلى أن صورة العالم أيضا حقائق وأعيان وأصل الحقائق هو الذات الأحدية فحقيقة الحقائق كما تحقق الحقائق الروحانية في العالم الذي سماه الجناب الإلهي لتحقق أسماء الألوهية فيه فهي تحقق الحقائق الجسمانية في العالم السفلى بتجل واحد ذاتى .
فأصل الجميع أي الجناب الإلهي وما تقتضيه الطبيعة الكلية الحاصرة للقوابل واحد ، وهو الذات الأحدية السارية في الكل ولهذا قال عليه الصلاة والسلام « لو دلى أحدكم دلوه لهبط على الله وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله » .
وكيف يدرك العقل هذا المعنى فإنه لا يدركه إلا هو نفسه ، ولا يكشف إلا على من يأخذه من نفسه بنفسه.
( فسمى هذا المذكور إنسانا وخليفة ، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها ) أي لأن نشأته تحوى الحقائق كلها ، وجميع مراتب الوجود العلوية والسفلية بأحدية الجمع التي ناسب لها حقيقة الحقائق.
وهي الجمعية المذكورة إذ لا شيء في النشأتين إلا وهو موجود فيه أي لا مرتبة في الوجود إلا وشيء منها فيه فناسب وجود الكل مؤانسا به ، فسمى إنسانا لأنه عالم صغير ، والعالم يسمى إنسانا كبيرا ، أو باعتبار آخر ( وهو ) أنه ( للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر وهو المعبر عنه بالبصر )
لأن الله تعالى نظر به إلى الخلق فرحمهم ( فلهذا سمى إنسانا ) أيضا .
والمعنى أنه المقصود من خلق العالم لأنه الحامل للسر الإلهي وأمانته أي معرفته والمقصود من الكل معرفته ،.
كما قال « فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق »
فلو لا محبة المعرفة لم يخلق الخلق فلا يعرفه من العالم إلا الإنسان فلو لا الإنسان العارف باللَّه لم يخلق العالم فالعالم تابع لوجوده
( فإنه به نظر الحق إلى خلقه فرحمهم ) أي فهو الذي نظر به إلى الخلق الموقوف هو عليهم فرحمهم بالإيجاد.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
قوله: (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه) .
أي، هذا الأمر المذكور وتحقيقه، على ما هو عليه، طور وراء أطوار العقل، أي النظري، فإن إدراكه يحتاج إلى نور رباني يرفع الحجب عن عين القلب ويحدبصره فيراه القلب بذلك النور، بل يكشف جمع الحقائق الكونية والإلهية.
وأما العقل بطريق النظر الفكري وترتيب المقدمات والأشكال القياسية، فلا يمكن أن يعرف من هذه الحقائق شيئا، لأنها لا تفيد إلا إثبات الأمور الخارجية عنها اللازمة إياها لزوما غير بين. والأقوال الشارحة لا بد وأن يكون أجزاؤها معلومة قبلها إنكان المحدود مركبا، والكلام فيها كالكلام في الأول.
وإن كان بسيطا لا جزء له في العقل ولا في الخارج، فلا يمكن تعريفه إلا باللوازم البينة، فالحقائق على حالها مجهولة.
فمتى توجه العقل النظري إلى معرفتها من غير تطهير المحل من الريون الحاجبة إياه عن إدراكها، كما هي، يقع في تيه الحيرة وبيداء الظلمة ويخبط خبطةعشواء.
وأكثر من أخذت الفطانة بيده وأدرك المعقولات من وراء الحجاب لغاية الذكاء وقوة الفطنة من الحكماء زعم أنه أدركها على ما هي عليه، ولما تنبه في آخر أمره، إعترف بالعجز والقصور. كما قال أبو على عند وفاته عن نفسه:
يموت وليس له حاصل * سوى علمه أنه ما علم وقال أيضا:
إعتصام الورى بمغفرتك  .... عجز الواصفون عن صفتك
تب علينا فإننا بشر   ..... ما عرفناك حق معرفتك
وقال الإمام:
نهاية إدراك العقول عقال  ..... وغاية سعى العالمين ضلال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا  ..... سوى أن جمعنا فيه قيل وقال
وأما الذات الإلهية فحار فيها جميع الأنبياء والأولياء، كما قال، صلى الله عليه وسلم: "ما عرفناك حق معرفتك" و "ما عبدناك حق عبادتك".
وقال أبو بكر،رضى الله عنه: "العجز عن درك الإدراك إدراك"
وقال آخر:
قد تحيرت فيك خذ بيدي   ..... يا دليلا لمن تحير فيكا
وقال الشيخ:
ولست أدرك من شئ حقيقته  .... وكيف أدركه وأنتم فيه
[size=23:d651


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:23 pm عدل 4 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة السابعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:18 pm

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة السابعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السابعة الجزء الثاني:
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه.  فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها.  وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر.  فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
ولذلك قال تعريضا بهم : ( وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكريّ ، بل هذا الفنّ من الإدراك لا يكون إلَّا عن كشف إلهيّ ، منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه ) فإنّك قد عرفت أنّ القابل وأصله راجع إلى الفيض الأقدس عن ثنويّة القابل والفاعل والكاسب والمكتسب منه ، فهو إذن بمعزل عن أن تقتنص شوارد حقائقه بمخالب قوى العقل وجوارحه .
أو يصل إليه أحد بسلاليم الأقيسة الفكريّة ومدارج مقدّماتها ، ضرورة أنّ الثنويّة التقابليّة غالبة في نشأة العقل وجبلَّته القدسيّة العالميّة على ما يظهر من تلويحه أيضا سيما فيما يدركه باستعانة من قواه وتوسّل إليها . 
نعم ، يمكن له الوصول إليه عند انطواء الأسباب والآلات التعمّليّة والاكتسابيّة ، وانطفاء مشاعل مشاعره الجزئيّة ، عند سطوع تباشير إصباح المكاشفات الإلهيّة ، وشروق أنوار شمس الحقيقة من مطلع الوهب والامتنان ، وافق اليقين ، الخالص عن شوائب الحجج والبرهان  .
ثمّ إنّه بعد تحقيق الحقيقة الآدميّة وتفصيل جمعيّتها التامّة شرع في تبيين أساميها ، كشفا عن كنه أحكامها ولوازمها المعربة عن تمام ذلك التفصيل ، وما له من كماليّة في الظهور والإظهار ، فإنّك قد عرفت أنّ حقيقة كلّ شيء بخواصّها ولوازمها إنّما تستعلم من أساميها وألفاظها المختصّة بها ، بقوله : ( فسمّي هذا المذكور « إنسانا » و « خليفة » ) بحسب كمالية الأوّل والآخر (فأمّا إنسانيّته : فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلَّها ) حصرا جميعا امتزاجيّا يتعاكس فيه النسب من الكلّ على الكلّ ، ويأنس بها الكلّ إلى  الكل.
( وهو للحقّ بمنزلة إنسان العين من العين ) أي كما أنّ إنسان العين من العين الشخصي فيه مثال الشخص بعينه حاصر الجميع أجزائه بأوضاعها وأشكالها ، كذلك الإنسان مثله من العين الوجودي ، وليس كمثله شيء ، أو كما أن بإنسان العين ينظر على الشيء ، فكذلك بحقيقته الأصليّة السابقة على الكلّ نظر الحقّ إلى العالم بعينه ، حسبما سمعه من ألسنة قابليّاتهم ، فرحمهم بوجوده .
فالإنسان بحقيقته هو ( الذي يكون به النظر ، وهو المعبّر عنه بالبصر ) في قوله : " وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "  ( فلهذا سمّي إنسانا ، فإنّه به نظر الحقّ إلى الخلق ) .
ورآهم بصورهم التي صوّرهم بها ألسنة قابليّاتهم في صيغ صبغ تعيّناتهم ( فرحمهم ) بالوجود التامّ المترتّب على ما حصل من المشعرين من العلم الكامل وكأنّك قد نبّهت على سبب طيّ أحد المشعرين في عبارته .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
قوله رضي الله عنه : "وهذا لا يعرفه عقل بطریق نظر ف?ري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه ."
(وهذا)، أي حصر الطبيعة قوابل العالم كله (لا بعرفه عقل بطریق نظر فكري)، بأن تتحرك من الطالب المشعور بها توجه إلى مباديها المعلومة ومنها إلى تلك المطالب.
وذلك لأن معرفة هذا الحصر لا تحصل إلا بمعرفة الطبيعة، ومعرفتها على ما يؤدي إليه النظر الفكري لا يتجاوز عما هو معلوم لعلماء الرسوم من اختصاصها بالأجسام السفلية والأجرام العلوية (بل هذا الفن)، أي النور (من الإدراك) و المعرفة (لا يكون إلا عن كشف إلهي) حاصل بالتوجيه والافتقار التام إلى الله سبحانه وتفريغ القلب.
وتعريته بالكلية من جميع التعلقات الملكوتية والعلوم والقوانين الرسمية (منه)، أي من ذلك الكشف الإلهي (يعرف ما أصل صورة العالم) المنطبعة في مواده بفعل تأثير من ذلك الأصل (القابلة) لتلك الصورة (لأرواحه) المنفوخة فيها إن كانت من الصور المجردة.
فالمراد بأرواحها الأسماء التي هي مظاهر لها فإن نسبة الظاهر إلى المظهر نسبة الروح إلى الصورة المساواة له.
اعلم أن الطبيعة في عرف علماء الرسوم قوة بين قوى النفس الكلية سارية في الأجسام الطبيعية السفلية والأجرام العلوية فاعلة تصورها المنطبعة في موادها الهيولانية.
وفي سر من مشرب الكشف والتحقيق إشارة إلى حقيقة إلهية فعالة للصور كلها . وهذه الحقيقة بفعل الصورة الاسمانية بباطنها في المادة العلمية فإن النشأة واحدة جامعة تحقيقها للصور الحقانية الوجوبية والصور الخلقية الكونية روحانية كانت أو مادية أو جسمانية بسيطة أو مركبة.
والصور في صور التحقيق الكشفي علوية وسفلية ؛ فالعلوية حقيقة وهي صور الأسماء الربوبية والحقائق الوجوبية ومادة هذه الصور الروحانية هي النور.
وأما الصور السفلية في صور الحقائق الإمكانية .
وهي أيضا منقسمة إلى علوية وسفلية ؛ فمن العلوية ما سبق من الصور الروحانية، ومنها صور عالم المثال المطلق والمقيد.
وأما السفلية فمنها صور عالم الأجسام للغير العنصرية كالعرش والكرسي ومادتها الجسم الكل ومنها صور العناصر والعنصريات.
ومن العنصريات الصور الهوائية والنارية والمازجية.
مادة هذه الصور الهواء والنار وما اختلط معهما من الثقيلين الباقين من الأركان المغلوبين في الخفيفين.
ومنها الصور السفلية حقيقة وهي ما غلب في نشأته
الثقيلان وهما : الأرض والماء .
على الخفيفين وهما النار والهواء.
وهي ثلاث صور معدنية وصور نباتية وصور حيوانية وكل عالم من هذه العوالم تستعمل على صور شخصية لا تتناهى ولا يحصيها إلا الله سبحانه. والحقيقة الفعالة الإلهية فاعلة بباطنها الصور الأسمائية وظاهرها الذي هو الطبيعة الكلية تفعل ما عداها من الصور.
فالحقيقة الإلهية أصل جميع الصور والطبيعة الكلية التي هي مظهرها أصل صور العالم كله
قوله رضي الله عنه : "فسمي هذا المذكور إنسانا و خليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحضرة الحقائق كلها وهو يلحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر وهو المعبر عنه بالبصر . فإنه به نظر الحق تعالى إلى خلقه فرحمهم ."
(تسمى هذه) الكون الجامع (المذكور إنسانا وخليفة فأما إنسانيته فلعموم نشأته) المرآتية .
فإن له ثلاث نشأت :
نشأة روحية  -   ونشأة عنصرية  - ونشأة مرآتية هي أحدية جمعهما
والعموم أهل المرآتية (وحصره الحقائق كلها) إلهية كانت أو كونية (وهو)، أي الكون الجامع (للحق سبحانه بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر وهو)، أي إنسان العين (هو المعبر عنه بالبصر) الذي به يبصر الشيء ويؤنس (فلهذا)، أي لمعنى الإبصار المتضمن للإنسان (سمي) إنسان العين (إنسانا) وهو فعلان من الأنس للمبالغة فيه (فإنه) الضمير للشأن أو للكون الجامع (به)، أي بالكون الجامع المذكور (نظر الحق سبحانه إلى خلقه فرحمهم).
قوله : فلعموم نشأته مقدمة تقوله :
فإنه به نظر الحق فإنه لو لم تكن نشأته عامة حاصرة للحقائق كلها لم يمكن به النظر إلى خلفه كله.
وتوصيف إنسان العين بقوله :  الذي يكون النظر واردة فالوصف بقوله : وهو المعبر عنه بالبصر إشارة إلى وجه تسمية إنسان العين بالإنسان وهو كونه بحيث يبصر ويؤنس به.
ولهذا فرع عليه قوله : فلهذا سمي إنسانا.
وقوله : وهو للحق بمنزلة إنسان العين إشارة إلى أن وجه التسمية كما أنه متحقق في إنسان العين كذلك متحقق في الكون الجامع.
وقوله : فإنه به نظر الحق تعليل له.
ولو حمل قوله : فلهذا سمي إنسانا على أن معناه فلكون الكون الجامع بمنزلة إنسان العين للحق سبحانه . سمي ذلك الكون الجامع إنسانا .
و جعل قوله : فإنه نظر الحق علة له لا لما ذكر في الوجه الأول كان علة للعلية كما لا يخفى.
وإذا تحقق وجه تسمية إنسان العين بالإنسان الكون الجامع فكما يناسب تسمية إنسان العين به كذلك يناسب تسمية الكون الجامع بالإنسان بواسطة تسمية إنسان العين به ، فإن العكس أولى كما لا يخفى وعلى هذا التقدير هذا الكلام وجه واحد للتسمية لا رجحان.
ويمكن أن يجعل وجهين :
أحدهما : قوله لعموم النشأة، فإن عموم النشأة وحضرة الحقائق كلها تقتضي أن يكون له مع كل حفيفة نسبة مخصوصة بها أنس بال?ل وأنس الكل به ، فيتحقق معنى الأنس فيه .
وثانيها : قوله: وهو للحق بمنزلة إنسان العين لأنه يفهم منه وجه تسمية إنسان العين به وهو متحقق بعينه في الكون الجامع ?ما عرفت.
ثم اعلم أن الشيخ الكبير رضي الله عنه أورد في كتاب "الفكوك" أن الإنسان الكامل الحقيقي هو البرزخ بين الوجوب والإمكان والمرأة الجامعة بين صفات القدم وأحكامه و بين صفات الحدثان .
وهو الواسطة بين الحق والخلق وبه ومن مرتبته يصل فیض الحق والعدد الذي هو سبب بقائه ما سوى الحق إلى العالم كله علوا وسفلا.
ولولاه من حيث برزخيته التي تغاير الطرفين لم يقبل شيء من العالم المدد الإلهي الوحداني لعدم المناسبة والارتباط ولم يصل إليه . انتهى كلامه.
وكان الشيخ رضي الله عنه ما أراد بنظر الحق به إلى خلقه ورحمته عليهم إلا وصول الفيض من مرتبته إليهم
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:21 pm عدل 4 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة السابعة الجزء الثالث .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:19 pm

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة السابعة الجزء الثالث .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السابعة : الجزء الثالث
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها.
وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم. )
قال المصنف رضي الله عنه : ([ وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكريّ، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه . 
فسمي هذا المذكور إنسانا و خليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته و حصره الحقائق كلها و هو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر و هو المعبر عنه بالبصر . (فإنه به نظر الحق تعالى إلى خلقه فرحمهم . )

قال الشارح رضي الله عنه :
( و هذا لا يعرفه عقل) لأن هذه المعرفة تحتاج إلى معرفة الطبيعة، و معرفتها على ما يؤدي إليه النظر و الفكر لا يتجاوز عمّا هو موهوم علماء الرسوم من اختصاصها بالأجسام السفلية و العلوية، و هذا ما هو معرفة الطبيعة من حيث الحقيقة بل هي نهاية نظرهم، و غاية معرفتهم معرفة خواصها و لوازمها و عوارضها الذاتية لأن اللوازم الذاتية، و عوارضها لا تعرف إلا بمعرفة الذات لأنها نسب لها، فافهم . 
فما ذلك إلا الظن ، وهو لا يغني من الحق شيئا، و أن الشي ء كان ما كان ما يدركه بما يغايره في الحقيقة، و قد بسطت لك في هذا العلم قبل هذا في الفصول . 
أما ترى أن العقول اضطربت آراؤهم في الطبيعة حتى قالوا بتأثيرها، بل الطبيعيون اعتقدوا وحدانية الطبيعة، فكل ما ظهر من الموجودات الطبيعة، قالوا: هذا من الطبيعية، فوحّدوا الأمر و حصروه في الطبيعة كما وجدنا الإله في خلقه و كذلك الدهرية، و ما لهم بذلك من علم، بل يظنون بالله الظنون . 
و هنا مسألة أخرى و هي: إن الله تعالى تسمّى لنا بالدهر، و ما تسمّى بالطبيعة لأنها ليست بغير من وجد عنها عينا، فهي عين كل موجود، و طبيعي بخلاف الدهر ما هو عين الكون، و رأينا الطبيعة عين الكون، فتسمّى بالدهر للمغايرة المفهومة منه فافهم، فإن هذا من غرائب "الفتوحات المكية" . 
( بطريق نظر فكري) لأن علوم النبوّة و الولاية الصرفة، وراء طور العقل بمعنى : 
إنه ليس للعقل فيه دخول بفكر، و نظر لكن له القبول خاصة عند تسليم العقل الذي  
لم يغلب عليه شبه خيالية فكرية، يكون من ذلك فساد نظره لأن الله تعالى ما خلق للنفس آلة للإدراك غير العقل .
( بل هذا الفن ): أي هذا الضرب من (الإدراك) و هو إدراك الجمعية المذكورة في النشأة الطبيعية العنصرية، و إدراك حقائقها لا يكون إلا عن كشف إلهي: أي لا عن كشف صوري رحماني، و لا عن تعريف رباني، لهن كشف ذاتي بارتفاع حكم النسب الجزئية و الصفات الكونية التقليدية عن العارف حال تحققه بمقام قرب النوافل و بالمرتبة التي فوقها المجاوزة لها و هي مقام قرب الفرائض، و بقرب المقامين أو أدنى تنقلب كل صفة و قوة من صفات العبد و قواه إلى أخلاق إلهية، و يبقى العبد مستورا خلف حجاب عين ربه.
فينشد لسان حقيقة لا مجازا كما قيل :
تسترت عن دهري بظل جناحه    ..... فعيني ترى دهري و ليس يراني
فلو تسأل الأيام ما اسمي ما      ...... و أين مكاني ما درين مكاني
لأنه عين الزمان و الوقت و لا وقت و لا مكان له و لا زمان، فانكشف الأمر كله له بهذا الكشف الذاتي الإلهي، (منه ): أي من هذا الكشف تعرف (ما أصل صور العالم) . 

قال الشيخ رضي الله عنه : 
انظر إلى الكون في تفصيله عجبا     ....... و مرجع الكل في العقبى إلى
في الأصل متفق في الصور .......    و لا ترى الكون إلا الله بالله
فمن الكشف الإلهي تعرف صور العالم من الأعلى إلى الأدنى إنها تطورات الفيض الأقدس و تجليات الذات المقدّسة تجلت بصور العالم، و ظهرت بصور المظاهر و ذلك لأن الطبيعة قابل للأمر الإلهي و محل طهور الأعيان جسما و جسدا و الصور فيها تتكون، و عنها تظهر فالأمر الإلهي بلا طبيعة لا يكون و الطبيعة بلا أمر لا تكون، فالأمر في نفس الأمر متوقف على الأمرين، و ظهوره في الأمر بالأمر هو عين ظهوره في المأمور لا بأمر زائد، و لكن باختلاف الصور، و اختلافها باختلاف القوابل، فافهم . 
فإن التجلي ما زال في الأحدية و الفيض فيض الأقدس، و ما بقى إلا حكم القابل، فإن قيل: إن الله قادر على إيجاد الأشياء من غير أن ينفعل شيء آخر كالطبيعة، و غيرها قلنا: ردّ الله عليك هذا النبأ . 
و قال: " إنّما قوْلنا لشيْءٍ إذا أردناهُ أنْ نقُول لهُ كُنْ فيكُونُ" [ النحل: 40] .
فإذا ظهرت الطبيعة به، ظهرت الأجسام و الأجساد، و ظهرت بها الصور و الأشكال و الأعراض فالأبعاد و جميع القوى و الروحانية و الجسمانية و هو غير المعبر عنه بلسان الشرع العماء الذي هو للحق قبل الخلق ما تحته هواء، و ما فوقه هواء، فافهم . 
فمن عرف الله بهذه المعرفة عرف نعم الله التي أسبغها عليه الظاهرة و الباطنة، فتبرأ من المجادلة في الله بغير علم، و هي ما أعطاه الدليل النظري لا كتاب منير، و لا تعريف إلهي مستنير . 
قال تعالى عنهم: "ومِن النّاسِ منْ يجادِلُ في اللّهِ بغيْرِ عِلْمٍ "الحج: 3] بمجرد الفكر المخالف للكشف، و التجلي الإلهي، و لا مرتبة أنزل من هذا في الجهل، فافهم . 
وأمّا الصور التي في العالم كلها نسب و إضافات و أحوال لا موجودة و لا معدومة، و إن كانت مشهودة من وجه فليست بمشهورة من وجه آخر، و عين زمان فناء تلك الصورة عين زمان وجود الأخرى لا أنه بعد الفساد تحدث الأخرى . 
هكذا ذكر صاحب الكشف الأتم الأوفى الذي هو أولى بالتحقيق و أحرى، فماذا يرجع ما يدركه المدرك من تحول العين الواحدة في الصور في نظر الناظر؟
هل هي في نفسها على ما يدركها البصر؟
أو هي على ما هي عليه في نفسها لم تتقلب عينها؟ . 
وهذا راجع إلى ما يرى من الأعيان، ويحكم عليها أنها أعيان هل تكثرت بأعراض، أو بجواهر؟ فإن الصور تختلف في النظر دائما و كل منظور إليه بالبصر من الأجسام جسم، فالجسمية حكم عام و يرى فيها صورا مختلفة منها ما يكون سريع الزوال، و منها ما يعطي البطء في النظر و الجسم لا يتبدل، و ليس الموصوف بما ظهر إلا الجسم، و كذلك الصور الروحانية و التجلي الإلهي .

قال رضي الله عنه في الباب الرابع و الستين و ثلاثمائة من "الفتوحات ":
إن هذا علم فيه إشكال عظيم و التخلص منه بطريق النظر الفكري عسير جدا . 
و أمّا بطريق الكشف و علم التجلي، فإن العارف يرى ما أنكره العاقل بنظره، و فكره كدخول الجمل في سمّ الخياط، فإن الكاشف يراه بنظر الحس و الشهادة القابلة لأرواحه . 
اختلفوا في مسألة روح صورة هذا العالم الذي هو الإنسان الكبير، و أرواح صور العالم العلوي و السفلي، فها أنا أبسطها لك من كلامه رضي الله عنه و على الله قصد السبيل . 
اعلم أيدك الله و إيانا بروح منه أن روح العالم الكبير هو الغيب الذي خرج عنه، فافهم.
و يكفيك أنه المظهر الأكبر الأعلى إن عقلت، و عرفت قوله تعالى: "ألمْ تر إلى ربِّك  كيف مدّ الظِّلّ" [ الفرقان: 45] . 
و بعد أن بان لك روح العالم الكبير، فبقى لك أن تعلم أرواح صور الأعضاء للإنسان الصغير كالقدرة و هي روح اليد و السمع روح الأذن و البصر روح العين، فاعلم أن التحقيق في ذلك عند الشيخ الأكبر رضي الله عنه أن الأرواح المدبرة للصور كانت الموجودة في حضرة الإجمال كالحروف الموجودة بالقوة في المداد، فلم يتميزه لأنفسها.
فإذا كتب القلم في اللوح طهرت صورة الحروف مفصّلة بعد ما كانت مجملة متصلة في الدواة و المداد، فقيل: هذه ألف، و هذه باء و هي أرواح البسائط و قيل في أرواح الأجسام المركبة: هذا زيد، و هذا قائم . 
و يشير إلى هذه المراتب قوله تعالى: "ن والقلمِ وما يسْطرُون" [ القلم: 1] . 
فإن النون: هي مرتبة الإجمال.
و القلم: هو الكاتب،
و ما يسطرون: مراتب الأرواح البسيطة المسطرة.
و لما سوّى الله تعالى صور العالم: أي عالم شاء كان الروح الكل كالقلم، و اليمين الكاتبة، و الأرواح كالمداد في القلم، و الصور كمنازل الحروف في اللوح، فنفخ الروح في صورة مميزة بصورها، فقيل: هذا زيد، و هذا عمر، و هذا فرس فمن الناس من منع ذلك، و لكل واحد وجه يستند إليه في ذلك .
و الطريقة الوسطى ما ذهبت إليه أمة وسطا كالشيخ الأكبر رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: " ثمّ أنشأناهُ خلْقاً آخر" [ المؤمنون: 14] فإنه قال فيه: و إذا سوّى الله الصورة الجسمية، فأي صورة شاء من الصور الروحية رّكّبها . 
قال الله تعالى: "في أي صُورٍة ما شاء رّكبك" [ الانفطار: 8] .
إن شاء في صورة إنسان أو حيوان أو نبات على ما قدّره العزيز الحكيم القوي العليم، فثمّ شخص الغالب عليه البلادة، فروحه تقرب إلى روح الحمار في أصل المزاج.
و هكذا الأمر كله فامتازت الأرواح بصورها فمن عرف كشفا أو تعريفا أن الصور المختلفة الظاهرة في الوجود هي أحكام استعدادات أعيان الممكنات، عرف كشفا و شهودا أو تعريفا أنه عين مظاهره لا غير . 
و بيان ذلك أنه لما أراد الله تعالى وجود الممكنات، و أمرها بالتكوين، و لم يوجد وجود يتصف به، إذا لم يكن ثمة إلا وجود الحق تعالى، فظهرت صورا في الوجود الحق، فتداخلت الصفات الإلهية و الكونية.
فوصف الحق بصفات الكون، و وصف الحق بصفات الحق.
فمن قال: ما رأيت إلا الله صدق، و من قال: ما رأيت إلا العالم ما كذب.
و من قال: ما رأيت العالم إلا و رأيت الله قبله، أو بعده، أو معه صدق.
و من قال: ما رأيت شيئا صدق لسرعة الاستحالة، وعدم الثبات، وعين الوجود، و هو عين الفساد لا أنه بعد الفساد يوجد العين . 
هذه المسألة رباعية من مسائل اجتماع الضدين فافهم،
فإذا عرفت جميع ما ذكرته، عرفت أن الذات الأحدية هي السارية في الكل بالكل .
قال صلى الله عليه و سلم مشيرا إلى هذا المقام : "لو دلي أحدكم دلوه لهبط على الله"  .
قال تعالى"و هُو الّذِي في السّماءِ إلهٌ وفي الْأرضِ إلهٌ "[ الزخرف: 84].
و كيف يدرك العقل المعقول هذا المطلق المجهول، بل أن الله قد أودع اللوح المحفوظ علمه في خلقه بما يكون منهم إلى يوم القيامة، و لو سئل اللوح ما فيك؟ أو ما خطّ فيك القلم؟ ما علم . 
قال الصدّيق الأكبر رضي الله عنه: و العجز عن درك الإدراك إدراك . 

و قال الشيخ رضي الله عنه في بعض قصائده الإلهية و هو يناجي ربه تعالى : 
و لست أدرك من  شيء .....      و كيف أدركه و أنتم فيه
فسمّي هذا المذكور: أي آدم، فإنه ذكر و لم يكن شيئا مذكورا، أو الجلاء، أو الكون الجامع، و كلها ترجع إلى معنى واحد كما قيل : 
عباراتنا شتى و حسنك       ..... و كلّ إلى ذاك الجمال يشير
اعلم أنه لم يكن في الأزل شيء يقدر به ما يكون في الأبد إلا الهو، فأراد الهو أن يرى نفسه رؤية  كمالية أسمائية كانت لهو، و تزول في حقه حكم الهو، فنظر في الأعيان الثابتة فلم ير عينا يعطي النظر إليها هذه الرتبة الإنابية إلا عين الإنسان الكامل، فإنه كان إنسان العين، و عين الإنسان فقدرها و قابلها به، فوفت له الحقائق إلا حقيقة واحدة نقصت عنه و هو أن يكون وجوده لنفسه، فتطابقت الصورتان من جميع الوجوه، و قد كان قدر تلك العين على كل ما أوجده قبل وجود الإنسان من عقل و نفس و هباء و جسم و فلك، و ملك و عنصر و مولد، فلم يعط  شيء منها رتبة كمالية أسمائية إلا الوجود الإنساني، فأعطاه مرتبة العقل الأول، و علمه ما لم يعلم . 
العقل الأول من الحقيقة الحقية التي هي الوجه الخاص له من جانب الحق، و بها زاد على جميع المخلوقات، فلم تظهر الصور الحقية إلا به، فالعقل مع عظمته جزء من الصورة و هكذا كل موجود إنما هو في البعضية، فافهم .
( إنسانا) من أنست الشي ء إذا أبصرته، قال سبحانه عن نبيه عليه السلام أنه:" آنس مِنْ جانبِ الطُّورِ نارًاً " [ القصص: 29]:
أي أبصر، و إنما قلنا: أنس بمعنى: أبصر لأنه كان به بصيرا، و هو المثال الذي في العين لغة، ذكره في القاموس . 
فسمّي الإنسان إنسانا لكونه مثال ما في العين الوجود، أو مثال ما في العين الثابت، أو مثال ما في العلم فافهم.
أو من الإنس لأنه أنس الرتبة الكمالية الأسمائية، و إنما قدمت الوجه الأول لأنه أوجه بمراد المصنف رضي الله عنه . 
ثم اعلم أنه تعالى قال: "هلْ أتى على الِإنسانِ حِينٌ مِن الدّهْرِ لمْ يكُنْ شيْئاً مذكُورًاً" [ الإنسان: 1] فإنه أحد الموجود، و أول المقصود، و أمّا تأخيره لأنه في الحقيقة حضرة التصوير، و حضرة التصوير هي آخر حضرة الخلق، و ليس ورائها حضرة للخلق، و الإبداع جملة واحدة . 
أما ترى قوله تعالى: "هُو اللّهُ الخالقُ البارئُ المُصِورُ" [ الحشر: 24] .

أخّر درجة التصوير عن درجة الخلق و الإبداع فهي المنتهي و العلم أولها، و الهوية هي المنعوتة بهذا كله، فابتدأ بقوله: هو في العلم ثم ختم بها، و قال: إن الله خلق آدم على صورته فتنبه، و على الله قصد السبيل، و هو على التحقيق . 
ألا إن التقدّم و التأخّر من مقتضى ذات الكون، و أن الأمر الإلهي الذي هو القول له وحدة العين، و الكثرة الموهومة من أعمال الوهم في عين الخيال، و الأمر في نفس الأمر ليس كما يتوهم في الحق تعالى أنه لا يقول لشي ء كن إلا إذا أراده و رأيت الموجود، و يتأخر وجود بعضها عن بعض، و كل موجود لابد أن يكون مرادا بالوجود، و لا يتكون إلا بأن يقول له:
كن على جهة الأمر، فيتوهم الإنسان، أو ذو القوة الوهمية أن الأوامر كثيرة لكل كون أمر إلهي، و لم نقل الحق إلا عند إرادة تكوينه، فبهذا الوهم عينه بتقدم الأمر الإلهي الإيجابي: أي الوجود لأن الخطاب الإلهي على لسان الرسول صلى الله عليه و سلم يقتضي ذلك العموم، فيصوّره مقدما و إن كان الدليل العقلي لا يتصوره و لا يقول به، و لكن الوهم يحصره، و يصوره كما يصور المحال، و يتوهم صورة وجودية ما لا يقع في الوجود الحسّي أبدا، و هكذا الأعيان مفصّلة في الثبوت الإمكاني، فافهم 
إن التقدّم و التأخّر من مقتضى ذات الكون، و أن الأمر الإلهي الذي هو القول له وحدة العين، و الكثرة الموهومة من أعمال الوهم في عين الخيال، و الأمر في نفس الأمر ليس كما يتوهم في الحق تعالى أنه لا يقول لشي ء كن إلا إذا أراده و رأيت الموجود، و يتأخر وجود بعضها عن بعض، و كل موجود لابد أن يكون مرادا بالوجود، و لا يتكون إلا بأن يقول له: كن على جهة الأمر، فيتوهم الإنسان، أو ذو القوة الوهمية أن الأوامر كثيرة لكل كون أمر إلهي، و لم نقل الحق إلا عند إرادة تكوينه، فبهذا الوهم عينه بتقدم الأمر الإلهي الإيجابي: أي  الوجود لأن الخطاب الإلهي على لسان الرسول صلى الله عليه و سلم يقتضي ذلك العموم، فيصوّره مقدما و إن كان الدليل العقلي لا يتصوره و لا يقول به، و لكن الوهم يحصره، و يصوره كما يصور المحال، و يتوهم صورة وجودية ما لا يقع في الوجود الحسّي أبدا، و هكذا الأعيان مفصّلة في الثبوت الإمكاني، فافهم .

فالتقديم و التأخير في قبول الوجود باعتبار السماع من العين لا باعتبار القول لأنه واحد العين . 
قال تعالى: "و ما أمْرنا إلّا واحِدةٌ كلمْحٍ بالبصر" [ القمر: 50] .
فيتعلق بالعين الحس في الوجود الحسّي، كما تعلق به الخيال في الوجود الخيالي، و هنا حارت الألباب هل الموصوف بالوجود المدرك بهذه الإدراكات الحسية هو العين الثابتة انتقلت من حال العدم إلى حال الوجود؟ أو حكمها.
تعلق تعلقا خاصا ظهوريا تعلق ظهور المرائي في المرآة بعين الوجود الحق.
و هي في حال عدمها، كما هي ثابتة بنعوته بتلك الصفة، فتدرك أعيان الممكنات بعضها بعضا في عين مرآة وجود الحق، أو الأعيان الثابتة على ترتيبها الواقع عندنا في الإدراك على ما هو عليه من العدم كالمرائي، و يكون الحق الوجودي ظاهرا في تلك الأعيان، و هي له مظاهر فيدرك بعضها بعضا عند ظهور الحق تعالى فيها، فيقال قد استفادت الوجود، و ليس إلا ظهور الحق، فصاحب الكشف الأتم الأوسع يرى الاثنين صحيحين، و من يكون دونه ينكشف واحد دون واحد، و ليس هذا الكشف إلا لأهل هذه الطريقة المثلى .

و أمّا علماء الرسوم في هذه المسألة على قسمين : 
طائفة تقول: لا عين للممكن في حال العدم، وإنما عينه عين وجوده كالأشاعرة رحمهم الله تعالى. 
و طائفة أخرى قالت: إن لها أعيانا ثبوتية هي التي توجد بعد إن لم يكن، و ما لا يمكن وجوده كالمحال، و لا عين له ثابتة، و هم كالمعتزلة عفا الله عنهم .
و المحققون من أهل الله يجمعون بينهما كما سبق آنفا بيانه، يرون الأعيان في المرآة الموجود في المرائي الأعيان، فافهم . 
(و خليفة) ورد في الخبر الصحيح : "أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل".  و هما اسمان من أسماء الله تعالى . 
قال تعالى: "إنِّي جاعِلٌ في الْأرضِ خلِيفةً قالوا أتجْعلُ  فيها منْ يـفْسِدُ فيها و يسْفِكُ ِّ الدماء و نحْنُ نسبِّحُ بحمْدِك و نقِّدسُ لك قال إنِّي أعْلمُ ما لا تعْلمُون" [ البقرة: 30].
جعل آدم خليفة، و أعطاه حكم الخلافة، و الخليفة لفظة مؤنثة لأنها محل التكوين، و بها ظهر الكون، و من هذا قال رضي الله عنه في بعض أشعاره : 
نحن إناث لما فينا نولده  فليحمد الله ما في الكون من و هي زبدة مخضة الطبيعة التي ظهرت بتحريك الأفلاك و هي روح اللبن، فإذا خرج من العالم، فالعالم يكون كالنفل لا عبرة به، فافهم . 
( و أمّا إنسانيته )، فلعموم نشأته و حضرة الحقائق كلها، و هو عين كل  شيء فبعمومه، و حصره جميع الأشياء و به كل شي ء، فأنس به كل  شيء من مقام كل شيء، كما ذكر خاتم النبوة إشارة إلى المقام الأسنى في حديث طويل : "فتجلى لي كل شيء وعرفت".  
الحديث رواه الترمذي و قال: حديث صحيح عن معاذ بن جبل ذكره السيوطي في جمع الجوامع . 
و هذا حكم الولاية المحمدية من الأسوة، فإنه ذكر رضي الله عنه في "الفتوحات" . 
و قال: لأنا توحدت بهذا المشهد دون إخواني، و بيان ذلك أن الإنسان نسخة جامعة مختصرة من الحضرة الإلهية و الكونية، فكل شي ء فيها لأن التجلي وحداني في جميع المواطن، و هو بكليته يتجلى لكل  شيء، و إن لم يكن مدركا لكل أحد للقرب المفرط، و الإدماج الذي توجبه غلبة حكم الوحدة على الكثرة، فإذا قام شي ء لشي ء في مقام المحاذاة المعنوية، و الروحانية كالمرآة، صار ذلك سببا لظهور صورة الشي ء و معناه المحاذي، و لا يظهر هذا إلا في الإنسان الكامل، و كماله لخاتم النبوة أصالة، و لخاتم الولاية المحمّدية كمالة وارثة، فافهم .

( و هو للحق تعالى بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر، و هو) : 
أي الإنسان المذكور المعبر عنه بالبصر، فيبصر بالإنسان الكامل الكمالات الأسمائيّ ة بجملتها هذا من مقام قرب الفرائض،  كما أنه بقرب النوافل يكون الحق تعالى بصره الذي به يبصر، كذلك في هذا المقام القرب الفرائض، يبصر الحق تعالى بالإنسان الكامل، و في الأول كان الحق بصر العبد، و في الثاني العبد بصره، و به يبصر و يرحم، يشير إلى هذا المقام قوله تعالى حكاية عن أعلم الخلق بالله تعالى:"  إنّك  كُنْت بنا بصِيرًاً" [ طه: 35].
و قوله تعالى: "إنّ  رّبهُ كان بهِ بصِيرًاً " [ الانشقاق:   . [15
فهذا من إشكال المسائل كيف يوجب المعنى حكمه لغير من قام به، فتشبه هذه المسألة مسألة قرب النوافل، والوجه الجامع بين المسألتين وجود الحكم المضاف إلى المعنى في غير المحل الذي قام به ذلك المعنى، وهل البصر يختلف حكمه باختلاف المبصرين؟ أم هل يستويان؟ مثلا يقوم زيد، ويبصر به عمرو، وهذا محال عقلا. و لكن أذكر لك مسألة متفق عليها، و هي ما ورد في الخبر الصحيح بالتنبيه عليها، و شهد الكشف الصريح . 

فاعلم أن الحق سبحانه منزه عن الحلول ، و الحدوث، و أن الإنسان يبصر ببصره، و يسمع بسمعه لا بسمع غيره، و هذه قوى قائمة بجوارحه.


""قال الشيخ رضي الله عنه في نفى القول بالحول و الإتحاد ""
"" قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات المكية الباب التاسع والخمسون وخمسمائة في معرفة أسرار وحقائق من منازل مختلفة :
ومن قال بالحلول فهو معلول وهو مرض لا دواء لدائه ولا طبيب يسعى في شفائه مريض الكون إذا بل أعل فإن الحدوث له لازم به وقائم فمرضه دائم لا يزال على فراشه ملقى ومن سهام نوائب زمانه غير موقى فلا يزال غرضا مائلا وهدفا نائلا فهو الصحيح العليل والكثيب المهيل علته صحيحه وألسن عباراتها بالحال عنها فصيحة فإن كان الحق قواه فقد بري ء من علته وقواه فإن الحق سمعه فانجبر صدعه وإنه بصره فقد نفذ نظره وإنه لسانه فقد فهم بيانه وإنه رجله فقد استقام ميلة وإنه يده فما يطلب من يعضده فمن عرف هذه النحل فقد بري ء من جميع العلل فالله شفاؤه وهو داؤه فالمتكبر مقصوم ومن كان الحق صفته فهو معصوم. أهـ""

"" قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات المكية الباب التاسع والخمسون وخمسمائة :
وهذا يدلك على إن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا كما تحدث صورة المرئي في المرآة ينظر الناظر فيها فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها ولا يدري ما يحدث فيها ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور هذا أعطاه الحال فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة ونظرك فيها مثل قوله" إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ"""

""وقال رضي الله عنه فى الإجابة على السؤال الحادي والخمسون في الباب الثالث والسبعون من الفتوحات : 
قال تعالى :"واعْبُدْ رَبَّكَ نسبة خاصة حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" فتعلم من عبده ومن العابد والمعبود .
قال تعالى : "ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ "
"وأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ". "اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ " ."أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ " . "صِراطِ الله الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الْأَرْضِ " ." أَلا إِلَى الله تَصِيرُ الْأُمُورُ"." وإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ". " وإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ" ." فَاعْبُدْهُ ".
لا تعبد أنت فإن عبدته من حيث عرفته فنفسك عبدت وإن عبدته من حيث لم تعرفه فنسبته إلى المرتبة الإلهية عبدت وإن عبدته عينا من غير مظهر ولا ظاهر ولا ظهور بل هو هو لا أنت وأنت أنت لا هو فهو قوله فاعبده فقد عبدته.
وتلك المعرفة التي ما فوقها معرفة فإنها معرفة لا يشهد معروفها فسبحان من علا في نزوله ونزل في علوه ثم لم يكن واحدا منهما ولم يكن إلا هما لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ." أهـ. ""


"" قال رضي الله عنه في الباب الثاني والتسعين ومائتين الفتوحات لنفي قول الحلول والإتحاد :
كذلك الاقتدار الإلهي إذا تجلى في العبيد فظهرت الأفعال عن الخلق فهو وإن كان بالاقتدار الإلهي ولكن يختلف الحكم لأنه بوساطة هذا المجلى الذي كان مثل المرآة لتجليه وكما ينسب النور الشمسي إلى البدر في الحس والفعل لنور البدر وهو للشمس فكذلك ينسب الفعل للخلق في الحس والفعل إنما هو لله في نفس الأمر ولاختلاف الأثر تغير الحكم النوري في الأشياء فكان ما يعطيه النور بوساطة البدر خلاف ما يعطيه بنفسه بلا واسطة كذلك يختلف الحكم في أفعال العباد ومن هنا يعرف التكليف على من توجه وبمن تعلق.
وكما تعلم عقلا إن القمر في نفسه ليس فيه من نور الشمس شيء وأن الشمس ما انتقلت إليه بذاتها وإنما كان لها مجلى وأن الصفة لا تفارق موصوفها والاسم مسماه .
كذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه وإنما هو مجلى له خاصة ومظهر له وكما ينسب نور الشمس إلى البدر كذلك ينسب الاقتدار إلى الخلق حساأهـ. ""

"" قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الرابع عشر وثلاثمائة من الفتوحات :
وكيف يخرج عن إنسانيته الإنسان أو عن ملكيته الملك ولو صح هذا انقلبت الحقائق وخرج الإله عن كونه إلها وصار الحق خلقا والخلق حقا وما وثق أحد بعلم وصار الواجب ممكنا ومحالا والمحال واجبا وانفسد النظام فلا سبيل إلى قلب الحقائق وإنما يرى الناظر الأمور العرضية تعرض للشخص الواحد وتنتقل عليه الحالات ويتقلب فيها فيتخيل أنه قد خرج عنها وكيف يخرج عنها وهي تصرفه وكل حال ما هو عين الآخر فطرأ التلبيس من جهله بالصفة المميزة لكل حال عن صاحبه .أهـ "  ""

ثم أن هذا الشخص يعمل بعمل زائد عن الفرض الذي افترض الله تعالى عليه من نوافل الخيرات، فينتج له هذا العمل نفي بصره، و سمعه، و جميع قواه التي كانت توجب له أحكامها، فكان ينطلق عليه من أحكامها أنه بصير إلى هذا: أنه بصير سميع إلى ذلك، فصار يسمع بالله بعد ما كان يسمع بسمعه، و يبصر بالله بعد ما كان يبصر ببصره مع العلم بأن الله تعالى تقدّس أن تكون الأشياء محلا له أو يكون هو تعالى محلا لها، فقد بصر العبد بما لم يقم به، و سمع بما لم يقم به فكان الحق سمعه، و بصره و هكذا في مسألتنا قرب الفرائض، و المناسبة بين القربين ظاهرة، و هي منشأ القياس بلا فارق، فافهم .

( فلهذا سمّي إنسانا ): أي لهذا الإبصار سمّي الإنسان إنسانا، و هو فعلان صيغة مبالغة للمبالغة فيه، فما كل عين ناظر لهذه المرتبة إلا عين الإنسان، و لو لا إنسان العين ما نظرت عين الإنسان، فبالإنسان نظر إلى الإنسان، كما أن المرآة إن  كانت تامة الخلق مجلية، فلا تكمل إلا بتجلي صورة الإنسان الناظر الذي هو العلة الغائبة فافهم . 

قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": 

فإذا علمت أنه ما في الوجود إلا ثلاثة أناسا :
الإنسان الأول الكل الأقدم
والإنسان العالم
والإنسان الآدمي
فانظر ما هو الأتم من هؤلاء الثلاثة ، انتهى كلامه . 

( فإنه به نظر إلى خلقه فرحمهم ): أي الحق بالإنسان نظر إلى خلقه، فرحمهم كما جاء في الخبر الصحيح :  "فبهم يرحمون و الله الرحمن الرحيم".
أما ترى أن موسى عليه السلام و على نبينا صلى الله عليه و سلم كيف طلب شرح الصدر، و وزارة الأخ و هو رحمة، ثم أعقبه بقوله:" إّنك  كُنْت بنا بصِيرًاً " [ طه: 35].
فما رحمهما إلا بعد أن بصرهما بهما، فالعبد آله الرب للإبصار، و هذا من مقام قرب الفرائض، فأوجب المعنى كلمة لغير من قام به . 
و من هنا برقت بارقة لمن قال من أهل النظر: إن البارئ مريد بإرادة حادثة لم تقم به تعالى لأنه ليس محل الحوادث، فخلق الإرادة لا في محل، فأراد بها، فأوجبت الإرادة حكمها لمن لم يقم به، كما ظنت المعتزلة في الكلام.
وأمّا الذي يرى أن المعاني لا توجب إلا لمن قامت به، طرأ عليه الغلط لكونه أثبت الصفات أعيانا متعددة وجودية، لا تقوم بنفسها، بل تستدعي موصوفا بها، تقوم به فيوصف بها فلو علم أن ذلك كله نسب و إضافات لا عين لها في عين واحدة، تكون تلك بالنسبة إلى كذا عالمة و إلى كذا قادرة، و إلى كذا غنية، و إلى كذا عزيزة، هكذا سائر الصفات و الأسماء، فيهون أمثال هذا عليه .
أما سمعت خبر : "كنت سمعه و بصره".  
فالعبد هو الرائي ببصره، و البصر هوية الحق، و كذلك السمع لا حال و لا محل، فإنه تعالى لا يحل في شيء، و لا يحل فيه شيء، و لابد من عين العبد، و لا بد من عين هوية الحق، فرأى بغير ما قام به فافهم، فإنه من مشكلات هذا الفن، ذكرتها بالتقريب .

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:19 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثامنة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:20 pm

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثامنة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثامنة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته. وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
(فهو الإنسان) من حيث جمعيته المذكورة (الحادث) من حيث ظهوره في هذا العالم بجميع ما تشتمل عليه حقائق هذا العالم (الأزلی) من حيث انمحاقه في الحقيقة الإلهية الممدة له باطنا وظاهرا بالروح الأمري المنفوخ فيه زيادة على أرواح جميع العالم.
(والنشء الدائم) من الدنيا إلى الآخرة ومن الآخرة إلى ما لا نهاية له (الأبدي) بتأييد الله تعالى وجميع من هو دونه من العوالم، معدوم زائل لا يبقى غير من قاربه من الحيوان.
ولم يظهر فيه الروح الأمري بكماله، فإنه محبوس في جنسهم إلى أمد مخصوص إن تقارب كماله.
أو محبوس دائما إن ضعف تقارب كماله .
(والكلمة) الإلهية (الفاصلة) بين الحق والباطل (الجامعة)، لمعاني جميع الكلم كما قال عليه السلام : «أوتيت جوامع الكلم» وغيره من بقية العالم كلمات الله غير التامات.
كما قال تعالى : "مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة " 24 سورة إبراهيم.
وقال: "ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيئة " 26 سورة إبراهيم: 26.
ثم قال : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت " 27 سورة إبراهيم.
وهو راجع إلى الكلمة الطبية وقال: " ويضل الله الظالمين" 27 سورة إبراهيم.
وهو راجع إلى الكلمة الخبيثة (فتم)، أي كمل (العالم كله) أعلاه وأسفله (بوجوده)، أي هذا الإنسان الكامل .
(فهو من العالم) كله (?فص الخاتم من الخاتم)وهو وجه آخر في تسميته فصوص الحكم غير ما ذكرنا فيما سبق.
(وهو)، أي الإنسان الكامل الذي هو من العالم كفص الخاتم من الخاتم (محل)، أي موضع (النقش)، أي الكتابة المقصودة من وضع الخاتم وصياغته، ومعلوم أن المنقوش في فص الخاتم اسم صاحب الخاتم.
وهنا الله هو صاحب الخاتم، فاسمه الأعظم هو المنقوش على هذا الفص .
كما قال تعالى : " بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم" 49 سورة العنكبوت.  وهو خاتم سليمان عليه السلام الذي ملك به ما ملك.
(و) هو محل (العلامة التي بها يختم الملك)، أي السلطان وهو الحق تعالی (علی خزائنه)، التي هي كل شيء.
كما قال تعالى: "وإن ممن شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم" 21 سورة الحجر.
والختم هو منع الإمداد لشيء من العالم إلا من حقيقة هذا الإنسان الكامل وتنزيله بقدر معلوم هو الإمداد الحاصل للأشياء من هذا الكامل كما ذكرنا .
(وسماه)، أي سمي الحق تعالى هذا الإنسان الكامل (خليفة)
في قوله تعالى : "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" 30 سورة البقرة.
وقوله : "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض " 26 سورة ص .
وقوله :" جعلكم خلائف الأرض" 165 سورة الأنعام.
"وأنفقوا مما جعل مستخلفين فيه" 7 سورة الحديد. والخطاب كله للإنسان الكامل.
(من أجعل هذا)، المعنى المذكور وهو كونه ختم به على خزائنه (لأنه)، أي الإنسان الكامل هو (الحافظ خلقه)، أي خلق الله تعالى بظهور اسم الله تعالى الحفيظ فيه.
(كما يحفظ الختم الخزائن)، إذا طبع به على الشمع الموضوع فوق القفل ونحوه فلا يجسر أحد أن يحتال لفتح ذلك القفل خوفا من تغير صورة ذلك الطبع في الشمع فيشعر الملك بذلك .
(فما دام ختم الملك عليها)، أي على تلك الخزائن (لا يجسر أحد على فتحها)، بفك ختمها (إلا بإذنه) وكذا هذا .
(فاستخلفه في حفظ العالم) جسمانیه بجسمانیه روحانيه بروحانيه .
(فلا يزال العالم محفوظا) لا يقدر أحد على فتح خزائنه شيء من الأشياء واستخراج ما فيها من الأسرار إلا باستئذان الملك .
وفك هذا الختم وهو مفتاح كل خزانة مقفلة والمفتاح لا يفتح بغیر ید محركة.
واليد المحركة إنما تتحرك بالله تعالى، فالفاتح هو الله لا غيره.
(ما دام فيه)، أي في هذه العالم (هذا الإنسان الكامل) المذكور.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته. وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
(فهو الإنسان)، لكونه سببا النظر الحق به إلى خلفه (الحادث) بالحدوث الذاتي لعدم اقتضاء ذاته الوجود (الأزلی) لكونه غير مسبوق بالعدم الزماني.
(والنشأ الدائم الأبدي فلا انتهاء له) بحسب المستقبل كما لا ابتداء له بحسب الماضي هذا باعتبار النشأة الروحانية وإما باعتبار النشأة الجسمانية لا أزلي ولا أبدي.
(والكلمة) لكونه مركبا من الحروف العاليات بالنشأت الروحانيات (الفاصلة) الحافظة من التلاشي بین حضرتي الوجود والإمكان (الجامعة) بجميع الحقائق الإلهية والكونية(فتم العالم بوجوده) أي بالإنسان لكونه آخر العمل منه يدل عليه قوله الذي هو محل النقش.
(فهو من العالم ?فص الخاتم من الخاتم الذي هو محل النقش والعلامة التي بها)
لا بغيرها (يختم الملك على خزائنه وسماه) الله تعالى (خليفة) بقوله تعالى : " إني جاعل في الأرض خليفة " 30 سورة البقرة.
(من أجل هذا) أي من أجل كونه من العالم كفص الخاتم من الخاتم أو من أجل كونه منصفا بالصفات المذكورة (لأنه) تعليل لقوله فهو من العالم ?فص الخاتم من الخاتم.(الحافظ خلقه كما يحفظ الختم الخزائن فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ العالم)
وكان هو الحافظ قبله (فلا يزال العالم) أي عالم الدنيا محمولة ما دام فيه (هذا الإنسان الكامل) لأنه من أكمل ?مالاته تدبير العالم بالمعالم.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته. وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن. فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
و قوله رضي الله عنه: "فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشاء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، فتم العالم بوجوده، فهو من العالم ?فص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم الملك على خزائنه وسماه خليفة لأجل هذا، لأنه الحافظ خلقه كما يحفظ الختم الخزائن. فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ العالم فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل."

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته. وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو الإنسان الحادث الأزلي ، والنشء الدائم الأبدي ) .
قال العبد أيّده الله به : أمّا حدوثه فهو من جهة صورته العنصرية خاصّة فإنّ له صورا علويّة فيما فوق العنصريات فقديمة ، علمية ونورية ، نفسية وروحية ، عقلية ونفسية ، ومثالية وطبيعية ، عرشية وملكية .
فالعلمية أزلية قائمة بقيام العلم ودائمة بدوام العالم الحق المشاهد الناظر بهذا الإنسان .
معنى قولهم : " الإنسان أزلي " وأمّا أزليّته فلأنّه العلَّة الغائيّة من التجلَّي الإيجادي.
وبه كمال الجلاء والاستجلاء ، والظهور الكلي المطلق بالإظهار والإنباء .
فهو أزليّ بأزليّة علم العالم ، كما أنّ العلم عين العالم ، فيصدق عليه أنّه أزليّ نسبة إلى الأزل ، وهو الضيق والضنك الذي كان لحقائق المعلومات حين استهلاكها في عين الذات العالم بها .
وأمّا كونه نشئا دائما أبدا فلأنّ الحقيقة الإنسانية هي المرآة الكلَّية الإلهية الأحدية ، والنشأة الدائمة الأبدية . وكما أنّه أحدية الجمع الأوّل الأزليّ .
فكذلك هو تفصيل ذلك الجمع وأحدية جمع جمع التفصيل والجمع ، وما ثمّ إلَّا هو ، فهو النشء الدائم الذي لا أوّل له إذ هو الأوّل والأبدي الذي لا آخر له إذ هو الآخر بعين ما هو الأوّل ، فهو الدائم . والنشء الذي هو الارتفاع في النموّ ، والازدياد والربوّ باعتبار أنّ العين الواحدة بتعيّنها في جميع مراتبها فرع زاد على اعتبار الأصل .
الذي هو عين الذات الواحدة التي اندمجت وتوحّدت فيها التعيّنات غير المتناهية لعدم تناهي التجلَّيات ، فبظهور ما كان كامنا في العين من أعيان النسب غير المتناهية تتحقّق حقيقة البشر لتلك العين الواحدة المنفصلة ، في مراتب الأعداد ، وكمال نشئها بكمال النشأة الإنسانية .
بل جميع مراتب النشء له فهو النشء الدائم ، وأوّل مراتب النشء الذاتيّ الدائم مرتبة النفس الرحماني بالنور الوجودي والفيض الجودي المنبعث من باطن قلب التعيّن الأوّل ، حاويا محيطا بجميع ما ينطوي عليه التعيّن الأوّل .
وينفعل انبعاث النفس الأحدي الجمعي وامتداده وتعاليه إلى الغاية المطلوبة التي تعلَّق بها التعيّن الأوّل الذي هو تاء الكناية في قوله :
" أردت " أو " أحببت " ، وهو كمال الجمع بين كمال الظهور وكمال البطون ، والكمال الذاتي والأسمائي ينشئ مراتب الوجود وذلك لأنّ النفس بخار هوائي أو هواء بخاري خارج من بطن المتنفّس إلى ظاهر الهواء .
هذا في الأنفاس المعهودة الجسمانية ، فاعلم في النفس الرحماني مثل ذلك فإنّ القلب الذي هو التعيّن الأوّل منطو على حقائق المظهرية والظاهرية والانفعالية التي هي الأجزاء الأرضية نظائرها .
وعلى خصائص النسب الوجودية وحقائق أسماء الربوبية التي بها ومنها حياة الحقائق المظهرية ولبنها ، وهي ضرب مثل للأجزاء الماديّة في نشء النفس والبخار لكون كل بخار أحدية جمع الأجزاء :
الهوائية ، والمائية ، وما تشبّث بهما من الأجزاء الأرضية المحلولة ، والنارية المذيبة الحلَّالة لتلك الأجزاء .
فامتدّ النفس الرحماني جامعا لحقائق الفعل والانفعال في حق حضرة الإمكان مقيّدة ، عقده برودة القوابل الأرضية المظهرية التي في عين الجوهر النفسي فإنّ فيها الفاعل والقابل .
فانعقدت الصور العمائية في هذا البخار المعنوي النوري ، فظهر النشء العمائي الأكبر ، فامتدّ النشء بسبب حقائقة الثلاث الذاتية على أنحاء ثلاثة في جهات ثلاث معنوية ، علوا وسفلا ووسطا ، جميعا أحديا برزخيا .
وتعيّن في عين النفس جميع الحقائق الفعلية والانفعالية ، فتعيّنت في النفس المتعالي الحقائق الإلهية المؤثّرة الفعّالة المنوّرة الشريفة صورا إلهية ربانية وتعيّنات وجوبية حقّانية ، وامتدّ النشء النفسي الممتدّ المنطوي على الحقائق المظهرية الأرضية الانفعالية إلى التحت والسفل بالطبيعة لما تقتضيه مرتبة الانفعال والتأثّر المظهري الكياني .
فملأ العماء بصورة المذكورة محيط فلك الإشارة ، وعقدها برودة جوّ الإمكان ، وانعقدت صور كيانية ، وتعيّنات وجودية إمكانية ، وتنوّعات تجلَّيات تقييدية روحانية ، وجسمانية ملكية وملكوتية ، غيبية وعينية وجبروتية .
فانتشأ النشء الكوني والعالم الخلقي ، وأوّل هذا النشء الكوني العقل والقلم واللوح والعرش والكرسي ، ثم طبقات السماوات ، ثم الأرضيّات على الترتيب المذكور.
حتى حصلت النشأة البشرية الإنسانية ، وجميع هذه النشآت نشأة هذا المسمّى إنسانا ومع قطع النظر عن الإنسان ، فإنّ الذات المطلقة مع تجلّ عن النشء والانتشاء 
فالإنسان الحقيقي هو النشء الدائم الأزلي الأبدي ، فما ثمّ إلَّا نشأة الإنسان في عالم الفرقان ، وفي مقام الجمع والقرآن .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( والكلمة الفاصلة الجامعة ) .
يشير رضي الله عنه إلى ما بيّنّا فيما تقدّم أنّ الكلام  ثلاث :
كلمة جامعة لحروف الفعل والتأثير وأخرى جامعة لحروف الانفعال والتأثّر
وكلمة جامعة لحروف الجمع البرزخي الرابط بين الأعلى والأسفل ، والظاهر والباطن .
وهذه الحقائق والحروف والكلمات البرزخية جامعة بين حقائق الوجوب وحقائق الإمكان من وجه ، وفاصلة بينها أيضا باعتبار .
ومع كونها جامعة وفاصلة ليست لها عين زائدة ممتازة عن الطرفين امتيازا خارجا مخرجا عن كونها أحدية جمعها ، فهو الجامع الفاصل بهذا الاعتبار .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فتمّ العالم بوجوده ، فهو من العالم كفصّ الخاتم من الخاتم وهو محلّ النقش والعلامة ) .
يشير رضي الله عنه إلى ما سلف آنفا أنّه لولا الإنسان في العالم ، لم يحصل كمال الجلاء والاستجلاء ، الذي هو العلَّة الغائية من الإيجاد .
وأمّا قوله : « تمّ العالم بوجوده » ولم يقل «به» فلأنّ الإنسان له تعيّن أزلي علمي وبانسحاب الفيض الجودي العيني عليه تكمل مراتب ظهوره ونشره.
وأمّا كونه فصّ الخاتم فلأنّه محلّ نقش الحكمة الكلية المنقوشة بأحدية جمع نقوش الفصوص الحكمية كلَّها ، كما سبق ، فتذكَّر .

قال الشيخ رضي الله عنه : ( هو محلّ النقش ، والعلامة التي بها يختم الملك على خزانته وسمّاه خليفة من أجل هذا لأنّه تعالى الحافظ خلقه كما يحفظ الختم الخزائن ، فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلَّا بإذنه ، فاستخلفه في حفظ العالم ، فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل ) .
قال العبد أيّده الله به : « نقش الفصّ » هو الكلام المحتوي على الحكمة التي اقتضت وجود العالم على الترتيب المشهود والنظام الموجود .
و « العلامة » هي خصوص المقام المحمدي من تلك الحضرة التي منها بحسبها تنزل الحكمة الخاصّة بذلك الفصّ فإنّ قلب كل نبيّ كامل هو محلّ نقش الحكمة والعلامة هي خصوص الحكمة المحمدية الإلهية من ذلك الاسم الذي تستند إليه حكمته المنزلة عليه ، وعلامة هذه الحكمة الإلهية أحدية جمع جميع التجلَّيات الأسمائية .
وبها يختم الملك بقوّته وشدّته ، فما يسدّ الخلل الذي تقتضيه التفرقة المباينة التي في حقائق العالم من الخصوصيات التي بها يتميّز بعضها عن بعض إلَّا بأحدية الجمع الجامع لصدعها ، والموجود لتفرقة جمعها .
وبها يقوى على حفظ خزائن العالم فيها ، وبها سرى سرّ أحدية الجمع النفسي الرحماني بالتجلَّي الوجودي الإحساني ، وجمع بين الحقائق المتبوعة وتوابعها .
والنسب الملزومة ولوازمها وعوارضها ولواحقها بعد التمييزات الذاتية التي لها في عالم المعاني من حضرة العلم الذاتي ، فإذا جمعها الوجود الواحد في هذه المثاني والمعاني ، وراب صدعها ، وشعب شعثها وجمعها .
انحفظت العوالم كلَّها ما دامت الخزائن مختومة بختم علامة أحدية الجمع الخصيص بالحكمة التي هي معنوية النقش المحيط بجميع النقوش الحكمية التفصيلية فتلك العلامة عبارة عن الإنسان الكامل الذي هي أحدية جمع جميع الجمعيات لأنّه الاسم الأعظم .
والاسم الأعظم هو العلامة على مسمّاه ، فهو ظاهرية الإنّيّة الإلهية ، والله هويّته وباطنه ، ولهذا سمّاه خليفة إذ الخليفة ظاهر بصورة مستخلفه في حفظ خزائنه.
والله تعالى هو الحافظ لخلقه بختمه على خزائنه ، فما دام هذا الختم الأحدي الجمعي عليها لا تتسلَّط على فتحها الحقائق المباينة والمتمايزة التي في حقائق خزائن العالم إلَّا بإذن الله .
فإذا أذن لهذا الخاتم الإنساني الكمالي الأحدي الجمعي بالخروج عن الدنيا ، وأمره بالانفكاك عن جزئيتها إلى الأخرى ، انتهت الجزئية وخرجت عنها السكينة .
وأمّا تسمية العالم بالجزئية فلما ذكرنا في شرح الخطبة أنّ حقائق العالم القابلة لتعيّنات التجلَّيات الوجودية بخصوصياتها هي التي تحقّقت بها حقائق الأسماء والصفات التي هي خزائن الآلاء والهبات ، ومنها ومن حضراتها تتنزّل البركات .
فحقائق العالم خزائن هذه الخزائن الأسمائية ، فلا تزال خزائن العالم محفوظة ما دام فيها الإنسان الكامل ، فافهم .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته. وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
( فهو الإنسان الحادث ) بجسده ( الأزلى ) بروحه ( والنشء الدائم الأبدى ) بحقيقته الجامعة بجسمانيته وروحانيته لأنه إذا انتقل من هذا العالم إلى الآخرة يعمر الآخرة في النشأة الثانية
( والكلمة الفاصلة ) أي المميزة للحقائق ( الجامعة ) لعموم نشأته كما ذكر ( فتم العالم بوجوده ) لمظهريته أسماءه كلها .
قوله ( فهو من العالم كفصّ الخاتم من الخاتم وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم الملك على خزائنه ) معلوم من المقدمة الثالثة
( وسماه خليفة لأجل هذا ) أي لأن نقش اسمه الأعظم وهو الذات مع الأسماء كلها منقوش في قلبه ، الذي هو فص الخاتم فيحفظ به خزانة العالم بجميع ما فيه على النظام المعلوم والفسق المضبوط
( لأنه الحافظ خلقه كما يحفظ بالختم الخزائن ) أي لأن الإنسان الكامل هو الحافظ خلق الله بالحكمة الأحدية والواحدية الأسمائية البالغة التي هي نقش قلبه وهي العدالة أعنى صورة الواحدة في عالم الكثرة الذي هو خزانة القوابل والآلاء كلها كما يحفظ الختم الخزائن
( فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه ) لأن الختم صورة الجمعية الإلهية والعلامة التي هي نقش الفص هو الاسم الأعظم فلا يجسر أحد من خصوصيات طبائع العالم التي هي الأسماء الفاصلة على فتحها إلا بإذن خاص من الله على مقتضى حكمته
( فاستخلفه في حفظ العالم ) لأنه مظهر الأحق الأعظم والله باطنه فيحفظ بإذنه وما جعل في يده من المفاتيح الأسمائية صورة العالم
( فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل ) لأن الخليفة ظاهر بصورة مستخلفه في حفظ خزائنه والله يحفظ صور خلقه في العالم بصورته فإنها طلسم الحفظ من حيث مظهريته لأسمائه وواسطة تدبيره بظهور تأثيرات أسمائه فيها.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته. وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
قوله: (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي والكلمة الفاصلة الجامعة) نتيجة لما ذكر.
أي، إذا كان به نظر الحق إلى خلقه فرحمهم بإعطاء الوجود، فهو الحادث الأزلي: أما حدوثه الذاتي فلعدم اقتضاء ذاته من حيث هي هي الوجود.
وإلا لكان واجب الوجود، وأما حدوثه الزماني فلكون نشأته العنصرية مسبوقة بالعدم الزماني، وأما أزليته فبالوجود العلمي، لأن العلم نسبة بين العالم والمعلوم وهو أزلي، فعينه الثابتة أزلية، وبالوجود العيني الروحاني، فلأنه غير زماني متعال عنه وعن أحكامه مطلقا.
وإليه أشار النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله: (نحن الآخرون السابقون).
والفرق بين أزلية المبدع إياها أن أزلية الحق تعالى نعت سلبي ينفى الأولية بمعنى افتتاح الوجود
عن العدم لأنه عين الوجود، وأزليتها دوام وجودها بدوام الحق مع افتتاح الوجودعن العدم لكونه من غيرها.
وأما دوامه وأبديته، فلبقائه ببقاء موجده دنيا وآخرة وأيضا، كل ما هو أزلي فهو أبدى وبالعكس.
وإلا يلزم تخلف المعلول عن العلة، أو التسلسل في العلل، لأن علته إن كانت أزلية لزم التخلف، وإن لم يكن كذلك، لزم استنادها أيضا إلى علة حادثة بالزمان.
وحينئذ إن كان للزمانفيها مدخل، يجب أن يكون معلولها غير أبدى لكون أجزاء الزمان متجددة متصرمة بالضرورة والفرض بخلافه، وإن لم يكن له فيها مدخل، فالكلام فيها كالكلام في الأول، فيتسلسل.
والتسلسل في العلل التي لا مدخل للزمان فيها باطل، وإلا يلزم نفى الواجب.
فالأبديات مستندة إلى علل أزلية أبدية، كما أن الحوادث الزمانية مستندة إلى علل متجددة متصرمة.
والنفوس الناطقة الإنسانية حدوثها بحسب التعلق إلى الأبدان لا بحسب ذواتها.
والصور الأخراوية كما أنها أبدية، كذلك أزلية حاصلة في الحضرة العلمية والكتب العقلية والصحف النورية وإن كانت ظهورها بالنسبة إلينا حادثا بالحدوث الزماني فلا تردد وأماكونه كلمة فاصلة، فلتميزه بين المراتب الموجبة للتكثر والتعدد في الحقائق، بل هو المفصل لما تحويه ذاته بظهوره بحسب غلبة كل صفة عليه في صورة تناسبهاعلما وعينا، وإليه الإشارة بكونه، عليه السلام: (قاسما بين الجنة والنار).
إذ هذه القسمة واقعة أزلا، والآخر مطابق للأول. وأما كونه كلمة جامعة، فلإحاطة حقيقته بالحقائق الإلهية والكونية كلها علما وعينا.
وأيضا، هو الذي يفصل بين الأرواح وصورها في الحقيقة، وإن كان الفاصل ملكا معينا لأنه بحكمه يفصل، وكذلك هو الجامع بينهما، لأنه الخليفة الجامعة للأسماء ومظاهرها.
قوله: (فتم العالم بوجوده) أي، لما وجد هذا الكون الجامع، تم العالمبوجوده الخارجي لأنه روح العالم المدبر له والمتصرف فيه.
ولا شك أن الجسد لا يتم كماله إلا بروحه التي تدبره وتحفظه من الآفات.
وإنما تأخر نشأته العنصرية في الوجود العيني لأنه لما جعلت حقيقته متصفة بجميع الكمالات جامعة لحقائقها، وجب أن يوجد الحقائق كلها في الخارج قبل وجوده حتى تمر عند تنزلاته عليها فيتصف بمعانيها طورا بعد طور من أطوار الروحانيات والسماويات والعنصريات، إلى أن يظهر في صورته النوعية الحسية.
والمعاني النازلة عليه من الحضرات الأسمائية لا بد أن تمر على هذه الوسائط أيضا، إلى أن يصل إليه وتكمله.
وذلك المرور إنما هو لتهيئة استعداده للكمالات اللائقة به، ولاجتماعما فصل من مقام جمعه من الحقائق والخصائص فيه، وللإشهاد والاطلاع على ماأريد أن يكون خليفة عليه، ولهذا لا تجعل خليفة وقطبا إلا عند انتهاء السفر الثالث، ولولا هذا المرور لما أمكن العروج للكمل، إذ الخاتمة مضاهية للسابقة وبه تتم الحركة الدورية المعنوية.
وما يقال: (إن علم الأولياء تذكري لا تفكري).
وقوله، عليه السلام: "الحكمة ضالة المؤمن" . إشارة إلى هذا المعنى، لا إلى أنه وجد في النشأة العنصرية مرة أخرى، ثم عرض له النسيان بواسطة التعلق بنطفة أخرى ومرور الزمان عليه إلى أوان تذكره، كما على رأى أهل التناسخ.
وأيضا، لما كان عينه في الخارج مركبا من العناصر المتأخر عن الأفلاك وأرواحها وعقولها، وجب أن توجد قبله لتقدم الجزء على الكل بالطبع.
قوله: (فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم الذي هو محل النقش والعلامة التي بها يختم الملك على خزائنه وسماه (خليفة) من أجل هذا) شروع في بيان تسميته بـ(الخليفة).
شبه حال الإنسان باعتبارية:
إعتبار كونه من العالم، واعتبار كونه عالما آخر برأسه، له شأن آخر بالفص، لأن الفص أيضا قد يكون جزء من الخاتم وهو محل النقش، وقد يكون مركبا عليه.
وإنما يركب في الخاتم ليكون جزء منه عند الفراغ من عمله فهو آخر العمل، كذلك الإنسان نوع من الحيوان وآخر ما ينتهى به دائرة وجود العيني.
وكما أن الفص له شأن آخر وهو كونه محل النقوش التي بها يختم ويحفظ الخزائن، كذلك الإنسان هو محل جميع نقوش الأسماء الإلهية والحقائق الكونية التي يتمكن بها من (الخلافة). وبهذاالاعتبار سماه الحق (خليفة) بقوله: "إني جاعل في الأرض خليفة"
قوله: (لأنه الحافظ خلقه كما يحفظ بالختم الخزائن، فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه.
فاستخلفه في حفظ العالم ، فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل) تعليل لتسميته بالخليفة .
وذلك لأن الملك إذاأراد أن يحفظ خزائنه عند غيبته عنها، يختم عليها لئلا يتصرف فيها أحد فيبقى محفوظة، فالختم حافظ لها بالخلافة لا بالأصالة.
فكذلك الحق يحفظ خلقه بالإنسان الكامل عند استتاره بمظاهر أسمائه وصفات عزه، وكان هو الحافظ لها قبل الاستتار والاختفاء وإظهار الخلق، فحفظ الإنسان لها بالخلافة، فسمى بـ (الخليفة) لذلك.
وحفظه للعالم عبارة عن إبقاء صور أنواع الموجودات على ما خلقت عليها الموجب لإبقاء كمالاتها وآثارها باستمداده من الحق التجليات الذاتية والرحمة الرحمانية والرحيمية بالأسماء والصفات التي هذه الموجودات صارت مظاهرها ومحل استوائها.
إذ الحق إنما يتجلى لمرآة قلب هذا الكامل، فينعكس الأنوار منقلبه إلى العالم، فيكون باقيا بوصول ذلك الفيض إليها، فما دام هذا الإنسان موجودا في العالم يكون محفوظا بوجوده وتصرفه في عوالمه العلوية والسفلية.
فلا يجسر أحد من حقائق العالم وأرواحها على فتح الخزائن الإلهية والتصرف فيها إلا بإذن هذا الكامل، لأنه هو صاحب الاسم الأعظم الذي به يرب العالم كله.
فلا يخرج من الباطن إلى الظاهر معنى من المعاني إلا بحكمه، ولا يدخل من الظاهر في الباطن شئ إلا بأمره، وإن كان يجهله عند غلبة البشرية عليه، فهو البرزخ بين البحرين والحاجز بين العالمين.
وإليه الإشارة بقوله: "مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ".

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته. وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
فالإنسان: هو العلة الغائية من إيجادهم، وإذا كان هو العلة الغائية (فهو الإنسان الحادث الأزلي) إذ العلة الغائية متأخرة في الواقع عن سائر العلل متقدمة عليها في ذهن الفاعل ?الجلوس على السرير متقدم في ذهن النجار على سائر علل السرير، ومتأخر عن تمامه في الواقع.
فالإنسان من حيث تأخره في الواقع عن سائر الموجودات حادث قريب الحدوث، ومن حيث تقدمه في العلم الإلهي رتبة عليها أقدم منها. "اعلم أنه لا إشكال في هذا ولا كفر، ولا زلل ولا خلل.
أما أزلية هذا الإنسان : فباعتبار صورة حقيقته العلمية فى أراده الله خلقه وإيجاده ليكون خليفته ويدير ما يوكله اليه  .
وأما حدوثه : فباعتبار وقت خلقه وإظهاره إلى العالم المحسوس عالم الشهود .
فلا زلل ولا خلل في قوله: الحادث الأزل فهو الحادث بخلقه وإظهاره الأزل فى علم الله سبحانه."
(والنشؤ الدائم الأبدي)؛ لأن الحكيم إذا ظفر بمطلوبه بعد ترتیب مقدمات كثيرة لا يعدمه بالكلية.
بل غاية ما يفعل به أن ينقله من مقام إلى آخر، (والكلمة الفاصلة الجامعة)، فإنه من حيث جمعيته الأسرار الإلهية والكونية أشبه الكلمة في جمعها للحروف.
ومن حيث إنه مقصود بالذات انفصل عما عداه مع أنه جمع مقاصد كل ما عداه فصارت فاصلة جامعة.
وإذا كان هو المقصود من خلق العالم وروحه، (فتم العالم لوجوده)، إذ ما ليس بمقصود بالذات لا يتم بدونه، وكذا الجسم لا يتم بدون الروح.
وإذا كان تمام العالم به (فهو من العالم ?فص الخاتم من الخاتم) به يتم الخاتم، وإذا كان كفص الخاتم، وفص الخاتم محل النقش (الذي) به يعلم الملك ما يختم من خزائنه.
(فهو) أي: الإنسان (محل النقش والعلامة) أي: محل النقش صورة الجمعية الإلهية التي يعلم بها ما يختم من خزائن العالم المملوء بصور أسمائه الحسنى كما أن فص الخاتم الملك محل العلامة (التي بها يختم الملك على خزائنه) ليحفظها.
وكذلك الحق حفظ بعلامة نقش جمعيته خزائن العالم.
(وسماه) أي: المذكور وهو آدم (خليفة من أجل هذا) أي: من أجل حفظه الخزائن العالم مع احتجاب الحق عنها كحفظ الحق إياها بدون الحجاب، وهذا هو فعل الخليفة في حفظ المدينة عند غيبة الملك عنها.
وإليه الإشارة بقوله: (لأنه) أي: المذكور، وهو آدم (الحافظ به خلقه) الذي هو صدر تجليات أسمائه بكونه مقصودا منها، وهو يحتاج إليها من حيث إنها مقدماته أو متمماته .
(كما يحفظ الختم) أي: ختم الملك بنقش فص خاتمه (الخزائن) لا من حيث إنه ختم بل من حيث إنه قائم مقام حضور الملك .
(فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها)، لإخراج ما فيها من المخزونات (إلا بإذنه).
فكذلك ما دام ختم الحق على خزائن العالم لا يجسر أحد من الأسماء القهرية، ومظاهرها على فتح خزائن العالم لإخراج ما فيه إلا بإذن الاسم الأعظم الذي هو رب الإنسان الكامل.
فلما كان له استعداد الختم على خزائن العالم (فاستخلفه في حفظ العالم) بتدبيره إياه بما تحقق به من حقائق الأسماء الإلهية اللطيفة.
(فلا يزال العالم) الدنيوي (محفوظا) عن الهلاك الكلى، (ما دام فيه هذا الإنسان) الذي هو ختم على خزائن عالم الدنيا.
""فكما أن الفص محل النقش، كذلك الإنسان الكامل محل ظهور صور الأسماء الإلهية، وكما أن في الفص علامة تدل على صاحب الخاتم، كذلك العالم بمنزلة الخاتم، وفصه الإنسان الكامل، وفيه علامة تدل على الحق تعالی؛ لظهور جميع أسمائه فيه الدالة عليه.""
وقد ورد"لا تقوم الساعة ما دام يقال في الأرض: الله الله" وهو اسم الذات المستجمع جميع الصفات فلا ينطق به على ما هو عليه إلا الإنسان (الكامل) بقدر الطاقة البشرية.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته.  وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن. 
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)

ثمّ إنّ المثلية والتماميّة في المظهريّة إنّما تستدعي استيعاب الأوصاف المتقابلة والأحكام المتناقضة من أوّل الأزل إلى آخر الأبد ، مع الكليّة الجمعيّة التي هي الفاصلة بين الكلّ في جمعه ، فأشار إلى ذلك 
قائلا رضي الله عنه : ( فهو الإنسان الحادث الأزلي ) بحسب أوّليّته بالحقيقة ، وسابقيّته بها ، ومسبوقيّته بالظهور ، وتحقّقه بتمامه ( والنشء الدائم الأبديّ ) بحسب آخريّته في قبول تمام الكمال وانتهائه في أمد الإظهار ، وترتيبه الامتزاجيّ الجمعيّ ، فإنّ « الإنشاء » لغة هو الإيجاد مع الترتيب
 .
واعلم أنّ الآخريّة ذلك ليست آخريّة انقطاع وانتهاء انصرام ، كما أنّ الأوّليّة المذكورة ليست أوليّة إحداث وإبداء . 
( والكلمة الفاصلة ) بين الأوّل والآخر ( الجامعة ) بين الظاهر والباطن بحسب كليّة أمره وأحديّة جمع نشأتيه الفاصلة في عين الجمع ، الجامعة في عين الفصل .
واعلم أنّ هذه ثلاثة أسامي له بحسب ما اشتمل عليه من الأجزاء المذكورة آنفا على الترتيب ، إلَّا أنّ الاسم لكونه كاشفا عن كنه المسمّى قد انطوى كلّ منه على ثلاث مراتب من الأوصاف إعرابا عن السعة التماميّة الإطلاقيّة ، فلذلك حمل الكلّ على "هو".
وهو أنّ السعة الإطلاقيّة التسعيّة المنطوي عليها آدم ، قد فصّلت في الإنسان بمثليّته المظهرة ثلاث جمل تامّات ، كلّ منها إشارة إلى نشأة من تلك النشآت التي له .
وأنّ البرزخ الواقع بمنزلة كلمته الكاملة ورتبته الجامعة ، تفرقته عين الجمع ، وكثرته عين الوحدة ، حيث أنّ اسمه عين مسمّاه ، فلهذا قد اختصّ بين الحروف بأنّه قلب القرآن  .
وإذ قد ظهر من احتواء الإنسان للأطراف بحسب أطواره ونشآته ما يتبيّن به
أنّه الواصل من الجمعيّة إلى أقصى مراتبها وهو المراد بالتمام ( فتمّ العالم بوجوده ) .
هذا كلَّه بحسب كماله الأوّل ، الذي به يسمّى « إنسانا » وأمّا بحسب كماله الآخر الذي به يسمّى « خليفة » : ( فهو ) أنّه وقع ( من ) دائرة ( العالم كفصّ الخاتم من الخاتم) ، حيث أنّه المتمّم لأمره ، المخصّص له بين الدوائر والحلق بالخاتميّة ، وحيث أنّه به يتّصل قوس الظاهر بالباطن ويجمع به الفرق ويتّحد الكلّ ، فأصبح به مراتب تنزّلات الوجود دائرة واحدة كاملة على ما سبق تحقيقه في المقدّمة .
ثمّ إنّ من أجلّ وجوه المناسبات وأجلاها ، أنّ الفصّ محلّ نقش الملك وعلامته الخاصّة التي بها يختم الخزائن ، ويكتم نفائسها عن نظر العامّة واحتظائهم منها ، فإنّه ممّا يوجب الفساد في الملك والاختلال في نظام أمره .
إذ الحكمة البالغة حاكمة بأنّ الاطلاع على خصائص خزائن الملك وذخائر جواهره العزيزة محرّمة ، الَّا للندر من خلَّص أخصّائه المأذونين في ذلك من المؤتمنين  . 
وكذلك الإنسان محلّ نقوش الحروف المنزلة والعلامة العلميّة الخاصّة بالحقّ وهي التي بها يحفظ نظام خلقه عن تطرّق الاخترام وطريان الفساد والانصرام .
فإنّ لتلك النقوش ظاهرا وهي المفهومات الوضعيّة والحقائق العرفيّة التي عليها مباني أصول الشرايع وبها تستفاد من تلك النقوش والعلامات الأحكام الظاهرة من العقائد الأصليّة والأحكام الفرعيّة التي بها تنضبط صور العالم وتنحفظ عن تطرّق الاختلال ، فهي الختم على خزانة صورة الدنيا ، التي في صدد الزوال ، وهذا للإنسان بحسب كماله الأوّل .
وباطنا وهي اللطائف الذوقيّة والحقائق الكشفيّة التي تستفاد من تلك النقوش والعلائم بدون توسّط تلك النسب الوضعيّة والامتزاجات التركيبيّة الجعليّة ، وبها تنضبط حقائق المعاني والحكم في سلك التبيان ، وتنطبق أصول الإجمال والجمع منها على فروع التفرقة والتفصيل .
ومنها ينح


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:18 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثامنة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:21 pm

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثامنة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثامنة :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته.
وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل. )
قال المصنف رضي الله عنه : [فهو الإنسان الحادث الأزلي و النشؤ الدائم الأبديّ، و الكلمة الفاصلة الجامعة .  فتم العالم بوجوده]

قال الشارح رحمة الله :
(فهو الحادث ): أي من حيث صورته، و تعينه (الأزلي ): أي من حيث عينه و ذاته . 
أمّا الأزل نفي الأولية، و نسبة الأزل للحق كنسبة الزمان الماضي للخلق، فلهذا يقال: كان ذلك في الأزل، فحدوثه باعتبار نشأته الظاهرة الجسمانية، و أزليته باعتبار الحقيقة و الروحانية
قال رضي الله عنه : 
حقق بعقلك إن فكرت    ...... نفيا لنفي و إثباتا لإثبات
من أعجب الأمر أني لم أزل  ..... و إنني مع هذا محدث الذات
و سرّ ذلك أن الإنسان الكامل منخلعا عن نفسه، مختلعا بخلعة الصور الإلهيّة .
وهو كالظل للشخص الذي لا يفارقه على كل حال غير أنه يظهر الحس تارة و يخفى تارة أخرى، فإذا خفي فهو معقول فيه، و إذا ظهر فهو مشهود بالبصر لمن يراه، فالإنسان الكامل في الحق معقول فيه كالظل إذا خفي في الشخص، فلا يظهر فلم يزل الإنسان أزلا، فلهذا كان مشهودا للحق من كونه موصوفا بأن له بصرا و هو الإنسان، فإنه معبر عنه كما ذكر في المتن . 
و على الجملة أن في العلم الأول لما تميزت عنده الحقائق المعنوية فهي: أي تلك الحقائق المجردة للحق معلومات و للخلق معقولات و لا وجود لها في الوجوب الوجودي و لا في الوجوب الإمكاني، فيظهر حكمها في الحق، فتنسب إليه، و سمّيت أسماء إلهية، فينسب إليها من نعوت الأزل ما ينسب إلى الحق تعالى، و ينسب أيضا إلى الخلق ما يظهر من حكمها فيه، فينسب إليها من نعوت الحدوث ما ينسب إلى الخلق فهي: أي الحقائق المذكورة هي الحادثة القديمة، و الأبدية الأزلية فافهم .

قال رضي الله عنه في الباب السادس و الأربعين و ثلاثمائة: 
إن الإنسان الكل الكامل الكلي لم يزل مع الله، فلا يزال مع الله، فهو باق ببقاء الله، و ما عدا الإنسان الكامل، فهو باق بإبقاء الله تعالى . 
و هنا مسألة أخرى أذكرها لتعريف الفرق بين الأزلين و هي:
إن الموصوفين بالأزل نفيا، أو إثباتا لا بتقدم أحدهما على الآخر لأن الأزل لا يصح فيه التقدّم و التأخّر، و لكن الفرق بينهما أن أزلية الأعيان هي دوام وجودها بدوام الحق مع افتتاح الوجود عن العدم بكونها من غيرها، و أزلية المبدع نعت سيي ينفي الأولية بمعنى افتتاح الوجود عن العين لأنه عين الوجود، فافهم . 
( و النشؤ الدائم الأبدي) و الأبد نفي الآخرية و عدم انتهائها، و كل أزلي أبدي و لا بالعكس، و أمّا النشؤء هو إنما أعم من أن يكون من النشأة الدنيوية، أو الأخروية . 
أمّا في النشأة الدنيوية فنشؤه ظاهر بدنا و روحا، إمّا بدنا في النشأة الدنيوية فلأنه دائم التحليل، فدائم الغذاء لبدل ما تحلل منه، فدائم الزيادة و النشأ و النمو . 
أمّا باعتبار الروح في النشأة الدنيوّيّة، فلأن غذاؤها العلوم و المعارف، و هما على الدوام و إن لم يظهر لكل أحد . 
قال رضي الله عنه: إن الإنسان في زيادة علم أبدا دائما من جهة ما تعطيه حواسه و تقلبات أحواله في نفسه و خواطره، فهو مزيد علوم . 
و أمّا النمو البدني من جهة الآخرة، فإن الغذاء قد ثبت بالأخبار الصحيحة و الغذاء هو ما يصير جزء للمتغذي . 
و أمّا ما سمّي غذاء أما ترى أن الخبر الصادق كيف عين مخارج الفضلات في النشأة الأخروية إنما تخرج عرقا، و لو لا الغذاء المعتاد في دار الآخرة ما عين هذا فافهم . 

و إنما نموّه  و زيادته في الآخرة من حيث الروحانية والعلم، فقد ورد في الأخبار ما يدل عليه كحديث الرؤية: " وإن لنا في الآخرة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت "الحديث ، و يحصل هذا من غير تقدم علم به، هذا زيادة في العلم . 
و قوله صلى الله عليه و سلم : "إنه يحمد الله في يوم القيامة عند سؤاله في الشفاعة بمحامد لم يعلمها الآن".
لأنها يقتضيها الموطن، و هذا كله نشأ و نما، و زيادة في الباطن و الظاهر في الدنيا و الآخرة، فافهم . 
( و الكلمة) و هي مجموع من الحروف العاليات، و هي روح الكامل تسمّى كلمة لأثرها في العالم، سمّي بذلك عيسى عليه السلام كلمة الله الفاصلة بين الحق و الباطل، يتميز الفرق بينهما تارة بنظر الجمع، و تارة برؤية الفرق، و تارة بالجمع بينهما .
فلهذا قال رضي الله عنه: (الجامعة) بين الحق و الباطل برؤية الجمع في الكل، و هو جمع الجمع .
ومن هذا الذوق ما حكي عن بعض المشايخ، أو الشيخ أبي مدين قدّس سره  قال رضي الله عنه :
لا تنكر الباطل في طوره   ...... فإنه بعض ظهوراته
فسدّ جفاء الفرق، و الفصل بلطف الجمع و الوصل، فافهم . 
( فتمّ العالم بوجوده) بأتم ما يكون إذ لا أكمل من صورته . 

قال الإمام الغزالي رحمه الله من هذا المشهد: ما في الإمكان أبدع ما كان، فدار العالم، و ظهر الوجود الإمكاني بين نور، و ظلمة، و طبيعة، و روح، و غيب، و شهادة، و سنن، و نفي، و إثبات . 
فما ولي من الوجود المحض كان نورا، و روحا، و ما ولي من العدم المحض، كان ظلمة، و جسما، و بالمجموع تكون الصورة، و به تحقق الكون الجامع، و المجلى المجلو الساطع، و لا ينظر الله إلا إليه و هو الحجاب الأعلى، و الستر الأزهى، و القوام الأبهى فلما حذاه حذوا معنويا على حضرة الأسماء الإلهية بعد ما حصلت فيه قواها، فظهر بها في روحه، و باطنه، فظاهر الإنسان خلق، و باطنه حق . 
قال المصنف رضي الله عنه :  ( فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، الذي هو محل النقش و العلامة التي بها يختم الملك على خزانته، و سماه خليفة من أجل هذا . 
لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه، فاستخلفه في حفظ العالم فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
قال الشارح رضي الله عنه : 
( فهو من العالم) لما وجّه وجه كونه إنسانا، أراد رضي الله عنه أن يوجّه كونه خليفة .
و قال : إن الإنسان الكامل من العالم (كفص الخاتم للخاتم و هو محل النقش و العلامة) . 
كما أن الفص محل النقش، كذلك الإنسان الكامل محل ظهور صور الأسماء الإلهية، وكما أن في الفص علامة تدل على صاحب الخاتم، كذلك العالم بمنزلة الخاتم، و فصّه الإنسان الكامل، وفيه علامة تدل على الحق تعالى لظهور جميع أسمائه فيه الدّالة عليه . 
فمن هذا ورد في الخبر: "من عرف نفسه فقد عرف ربه".

قال رضي الله عنه في الفصل الثامن و مائة من "الفتوحات ": 
إن الإنسان الكامل يدل بذاته من أول البديهة على ربه لأنه على الصورة، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
و قال أبو يزيد قدّس سره: من هذا الذوق إما دلّ على هويته من كلمة الله عليها، و كذلك سمّاني كلمة، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
وقال صلى الله عليه و سلم : "إن أولياء الله الذين إذا رأوا ذكر الله". فالكامل من أعلى العلامات التي تدل عليه.
"سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أولياء الله -تعالى-؟ 
قال: الذين إذا رأوا ذكر الله حنت قلوبهم إليه". المطالب العلية للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني
حديث عبد الرحمن ابن غنم: " خيار عباد الله الذين إذا رأوا ذكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ". أخرجه أحمد ابن حنبل و في إتحاف المهرة للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني
( التي بها يختم الملك على خزائنه): أي العلامة التي تحفظ الملك بالختم بها ما في الخزائن من نفائس الجواهر، والعروض . 
يريد رضي الله عنه أن يمثل تمثيلا يناسب الإنسان الكامل، بل الأكمل الفرد الختم مع العالم، و يتبين فيه نسبته معه :
و عني بالتلويح مفهم ذائق      ...... غنى عن التصريح للمتعنت
فإن نسبته الأكمل الكل مع العالم نسبة الختم على الخزانة، فكما تختم الخزانة المشحونة بنفائس الجواهر التي فيها عن تناول أيدي النفود و الفناء، و لا يجسر كل أحد أن يتصرف فيها . 

كذلك الإنسان الكامل الكل، فإنه ختم به على خزائن العالم على النفاد، و لا تجسر أيدي الحوادث، و أيدي الزمان على فكّ هذا الختم بالتغير و الإنسان . 
( و سمّاه خليفة من أجل هذا ): أي من أجل أنه استخلفه، يحفظ ما في خزائن العالم و الوجود أنه حفيظ عليم، سمّاه خليفة، و الخليفة صورة مستخلفة، فما حفظ إلا بنفسه، فاحتفظت نفسه بنفسه، فبنفسه عين العلامة على نفسه، فافهم . 
( لأنه سبحانه الحافظ) خلقه من حفظ  الشيء نفسه لأن الوجود عينه، و ما في العالم سواه . 
( كما يحفظ الختم الخزائن) بالعلامة التي في الختم، و هي صورة اسمه، و الاسم عين المسمّى، و بالعين يحرس العالم . 
و الختم ثلاثة :
ختم الولاية العامة الظاهرة في هذه الأمة، و هو المهدي . 
و ختم الولاية المطلقة و هو عيسى عليه السلام . 
و ختم الولاية المحمّدية، فأمّا ختم الولاية المحمّدية، و هو الختم الخاص، فيدخل في ضمنه الختمان السابقان، و إن كان مطلقين و عامين.
فهما مختومان، و تحت الختم المحمّدي، و له التحقق بالبرزخية الثابتة بين الذات و الألوهية لأن ختمية النبوّة تختص بحضرة الألوهية، و له جمع الجمع لا جامع بعده مثله و لا حائز لكل الموارث غيره، و له كمال الآخرية المستوعبة، فله حكم الكل دون سواه، فلهذا لا يعرفه غير مولاه، و هو أعلم الخلق بالله، لا يكون في زمانه، و لا بعد زمانه، أعلم بالله، و بمواقع الحكم منه، فهو و القرآن إخوان، كما أن المهدي و السيف إخوان . 

قال رضي الله عنه: علمت حديث هذا الختم المحمّدي بـ "فاس" من بلاد المغرب، و هو شعرة واحدة من جسده صلى الله عليه و سلم.
و لهذا يشعر به إجمالا، و لا يعلم تفصيلا إلا من أعلمه الله، أو من صدّقه أن عرّفه بنفسه دعواه، ذكره رضي الله عنه في الباب الثاني و الثمانين و ثلاثمائة من "الفتوحات" .
( فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه) فالختم دائما أبدا دنيا و آخرة، فإن الختمية ثابتة غيرمزالة، فافهم الإشارة تكن من أولي الألباب فإن هذا التمثيل خلاصة الخلاصة، و لباب هذا الباب فإن توهّمت فرض الإزالة في النشأة الدنيوية فهي ثابتة من وجه آخر لا محالة و هو النشأة الأخروية، فالختم دائما أبدا، فافهم . 
( فاستخلفه في حفظ العالم فلا يزال العالم محفوظا فيه ما دام فيه هذا الإنسان) الذي هو الختم الدائم الجامع السرمدي، و ذلك العبد هو المقصود من العالم النائب عن العالم كله الذي لو غفل العالم كله أعلاه، و أسفله زمنا عن ذكر الله، و ذكره هذا العبد، قام في ذلك الذكر عن العالم كله، و حفظ به على العالم وجوده، و لو غفل العبد الإنساني المذكور عن الذكر زمنا فردا لم يقم العالم مقامه في ذلك و خرب منه . 
و قال صلى الله عليه و سلم : "لا تقوم الساعة و في الأرض من يقول الله الله"  .
إشارة إلى ذلك الذكر، قال رضي الله عنه في الباب الثالث و السبعين من "الفتوحات ": 
إن في العالم قطبا ينظر الحق تعالى إليه، فيبقى به هذا النوع الإنساني في هذا الدار، و لو كفر الجميع و هو ذا جسم طبيعي، و روح موجود يجسّده، و حقيقته يتغذى بجسمه و روحه، و هو مجلى الحق من آدم إلى يوم القيامة .
كما أبقى الله بعد الرسول صلى الله عليه و سلم أربعة من الرسل أحياء في هذه الدار الدنيا:
و هو عيسى، و إدريس، و إلياس، و خضر عليهم السلام، و هذه المعرفة التي أبرزنا عينها للناظرين لا يعرفها من أهل طريقتنا إلا منا، فيبقى الأمر محفوظا بهؤلاء الأحياء و ثبت الدين قائما بحمد الله ما انهدم منه ركن إذا كان له حافظ يحفظه، و إن ظهر الفساد في العالم إلى أن يرث الأرض و من عليها، و هذه نكتة فاعرف قدرها، فإنك لست تراها في كلام أحد أبدا، و لو لا ما ألقى عندي في إظهارها ما أظهرتها لسرّ يعلمه الله ما أعلمنا به، و لا يعرف ما ذكرناه إلا نوّابهم خاصة لا غيرهم من الأولياء . 
فاحمدوا الله يا إخواننا حيث جعلكم الله ممن قرع سمعه أسرار الله المخبؤة في خلقه التي اختصّ الله بها من يشاء من عباده، انتهى كلامه . 
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:17 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة التاسعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:22 pm

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة التاسعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة التاسعة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟ . فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )
(ألا تراه إذا زال)، بالانتقال إلى عالم الآخرة (و ) ختمه (من خزانة الدنيا) قامت الساعة وخربت الدنيا (ولم يبق فيها)، أي في الدنيا (ما اختزنه) (الحق تعالی فيها)، من الحكم الإلهية والأسرار الربانية الظاهرة في صور السموات والأرض وما بينهما.
(وخرج ما كان) موجودة (فيها) من المواليد الأربعة:
الجماد والنبات والحيوان والإنسان.
وكذلك الملك والجني إلى عالم الآخرة فحشرت إلى ربها كما قال تعالى: "وإذا الوحوش حشرت" 5 سورة التكوير.
وفي الحديث يشهد للمؤذن مد صوته من رطب ويابس وقال تعالى:"ويوم يقوم الأشهاد" 51 سورة غافر .
فالحشر عام في كل شيء (والتحق بعضه)، أي بعض ما كان فيها من ذلك (ببعضه)، فالتحق الجماد والنبات والحيوان بالتراب حتى يقول الكافر يومئذ : "يا ليتني كنت ترابا"40 سورة النبأ.
والتحق الإنسان والجني حيث غلب فيهما الجزء الناري بالنار.
وحيث غلب فيهما الجزء النوري بالنور وهو الملك.
ثم التحق النور بالإنسان الكامل وظهرت حقيقة ختمه للعالم النوراني.
(وانتقل الأمر إلى الآخرة وكان ختمة على خزانة الآخرة)، فبنوره على خزانة العالم النوري وبناره على خزانة العالم الناري والنار نور مترا?م وهو شوق الإنسان الكامل إلى ربه في وقت زیادة قربه.
والشوق شيئان لذة وألم فاللذة في الجنة والألم في النار (ختمة أبدية) لا نهاية له وقد ظهر سر هذا الختم على خزانة الآخرة في الدنيا .
كما قال تعالى : "كان الناس " 213 سورة البقرة . أي المكلفون وغيرهم "أمة واحدة " 213 سورة البقرة .
لا يوصفون بإيمان ولا كفر ولا طاعة ولا معصية لأن ذلك معروف شرعا الا عقلا.
فبعث الله النبيين يفرقون ویمیزون بنفس تبليغهم عن ربهم. فمن صدقهم آمن ومن كذبهم كفر.
والمصدق لهم إن تبعهم أطاع وإن خالفهم عصی، وليس لهم من الأمر شيء.
وإنما كانوا مبشرين من صدقهم واتبعهم بالدرجات النورية، ومنذرين من كذبهم وخالفهم بالدركات النارية.
وعلى قدمهم جميع الورثة لهم إلى يوم القيامة، فقد ظهر في الدنيا ?يفية ختمهم على جميع الخزائن في الآخرة.
ثم لما علمت وتقرر عندك أن الإنسان الكامل مخصوص بظهور الروح الأمري فيه دون غيره من العالم.
فاعلم أن هذا الروح الأمري هو ظهور الصورة الإلهية التي هي ليست بكيفية ولا هيئة ، وإنما هي مجموع صفات قدسية وأسماء غيبية تنزيهية .
ولهذا قال : (فظهر جميع ما في الصورة الإلهية) المنزهة عما نفهم أو نعقل من جميع التصورات (من الأسماء) الغيبية بيان لما في الصورة الإلهية.
(في هذه النشآت الإنسانية) الكاملة (فحازت) هذه النشآت المذكورة (رتبة الإحاطة والجمع لهذا الوجود)، ?له أعلاه وأسفله .
فجمع بروحه الأمري المنفوخ فيه حضرة التجلي الذاتي الإلهي، وأحاط بجميع التجليات الصفاتية والاسمائية من حيث إمداده الأبدي.
وجمع بنفسه وجسمه بين جميع النفوس الفلكية والحيوانية وأحاط بجميع ذلك علما فهو المضاهي بباطنه للحضرة الإلهية.
وبظاهره للحضرة الكونية فيستمد من الله تعالى ويمد الكون.
فهو البرزخ بين الحق والخلق (وبه)، أي بهذا الإنسان الكامل (قامت الحجة الله تعالى على الملائكة).
لما قال لهم: "إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك و نستغفر لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون" 30 سورة البقرة .
ثم إنه تعالى أظهر لهم ما لا يعلمون.
فخلق آدم عليه السلام ونفخ فيه من روحه الأمري وعلمه الأسماء كلها وأقام عليهم الحجة بذلك.
فاعترفوا بعد ذلك بالحق و و"قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا " 32 سورة البقرة.
وكان ينبغي لهم أن يقولوا ذلك من أول الأمر قبل طعنهم ومدح أنفسهم لمن يعلم ما لا يعلمون.
ولكن إنما ظهر منهم ما هم فيه من القصور عن المرتبة الآدمية الكاملة.
كما سبق أنهم بمنزلة قوى جسد العالم وكل قوة منها محجوبة بنفسها ألا ترى أفضل من ذاتها إلى آخره .
ولولا عصمة الله تعالى وحفظه للملائكة لجحدوا وعاندوا كما جحد إبليس.
وعاند وجحدت أولاده وعاندت إلى يوم القيامة.
(فتحفظ) يا أيها السالك في طريق الله تعالى واحترز من الوقوع في مثل ذلك من الطعن في غيرك ولو بقلبك .
حيث أمرك الله تعالى بالسجود التعظيمي الاحترامي الأحد من الكاملين وإن كنت في التقوى والديانة مثل الملائكة المعصومین.
فلا تغتر بذلك واحترز من مدح نفسك بالنظر إلى أكمل منك.
وإن وقعت في شيء من ذلك فتدارك نفسك بالتوبة منه والسجود في الحال لما أنت مأمور بالسجود له من أهل عصرك سجود الإنصاف والاعتراف بالحق.
ولا تجحد وتعاند كما جحد إبليس وعاند فيطردك الله عن حضرته ويلعنك كما لعن غيرك قبلك .
واعلم أن الملائكة ما طعنت في آدم عليه السلام كما طعن فيه إبليس ولا مدحت نفسها كما مدح إبليس نفسه.
وإلا لما وفقت الملائكة للسجود لآدم وانجبر بذلك نقصانهم عند الله تعالى.
وبيان ذلك أن الملائكة طعنت في آدم عليه السلام قبل أن يخلقه الله تعالى ويظهره في هذا العالم وقبل أن يعلمه الأسماء ويفضله عليهم.
فطعنهم في الحقيقة ليس في شخص معين موجود في الخارج، وإنما كان طعنهم في شخص مفروض وجوده على حسب ما استعدوا له من إدراكه.
ثم لما خلقه الله تعالى و أنبأهم بالأسماء أذعنوا للحق و انقادوا له فجبر السجود ما وقعوا فيه من الذلة ولم يصروا وبادروا بالمطلوب .
وأما إبليس فقد طعن في آدم عليه السلام بعد أن خلقه الله تعالى وأظهر فضيلته بین الملأ الأعلى بالإنباء بالأسماء ومدح نفسه.
فقال : "أنا خير منه"  فقد وصلته فضيلة عن الله تعالى وكذب فلم ينلها .
كما قال عليه السلام: "من بلغه عن الله فضيلة فلم يصدق بها لم ينلها" أخرجه السيوطي في الجامع الصغير ، فاحذر أن يكون طعنك كطعن إبليس فإنك تشقى شقاء الأبد.
وإذا كان طعنك كطعن الملائكة نقصت درجتك عن درجة من طعنت فيه.
فقط إن انقادت له ظاهرا وباطنا استمطرت سماء إلهاماته ، فتأمل قبل الموت على الباطل.
فقد وعظك الله تعالى (بغيرك)، في واقعة آدم والملائكة وإبليس التي قصها الله عليك في القرآن العظيم فاعتبر بها.
(وانظر من أين أتى) بالبناء للمفعول (على من أتى)، بالبناء للمفعول أيضا (عليه)، وهم الملائكة وإبليس فإنهم تداركوا أمرهم فنجوا، وفرط إبليس فهلك.
وكان سبب ذلك القياس العقلي:
فقاست الملائكة آدم عليه السلام على من كان قبله في الأرض فأخطأوا.
وقاس إبليس أيضا آدم عليه السلام على مقتضى ما يظهر من الطين الكثيف بفكره ونظره فأخطأ .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟ . فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )
(ألا تراه) وهو إتيانه الدليل للمحجوبين يكون العالم محفوظا بالإنسان الكامل وخرابة بدونه (إذا زال وفك) هذا الختم (من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها) بأسرها دفعة واحدة إلى الشهادة الدنيوية (والتحق بعضه) أي جزء ما خرج من الخزينة أو جزء العالم
(ببعض) أي بجزء منه أي لا يمازجان فمارت السماء وسارت الجبال وخربت الدنيا لعدم الامتزاج الاعتدالي بين أجزائها .
(وانتقل)، الأمر الإلهي والموجود بالوجود الدنيوي بسلب هذا الوجود عنه (إلى الآخرة) بنقل الخليفة إليها فيكون كل ما كان موجودا بالوجود الدنيوي موجودا بالوجود الأخروي.
(فكان ختما على خزانة الآخرة ختمة أبدية فظهر) إليه تعالی (جميع) ما حصل في (الصبور الإلهية) بحيث يكون كل فرد من أفراد العالم مظهر الاسم من أسماء الله تعالى وهي العالم بأسره (من الأسماء) وهي سره كما قال.
ويظهر إليه سر بيان لما (في هذه النشأة الإنسانية فجازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود) الجامع بين حقائق العالم وبين الأسماء الإلهية .
فشاهد عينه من حيث أسماء الحسني في هذه النشأة على ما اقتضاه ذاته وهو رؤية ذاته من حيث أسمائه في كون جامع .
فهذه هي الكلمة الآدمية والكون الجامع الذي اقتضى ذاته أن يرى عينه من حيث أسمائه الحسنى على ما ذكره.
(وبه) أي وبهذا الوجود الجامع وهو وجود آدم دون غيره (قامت الحجة على الملائكة) لاقتضاء ذواتهم إقامتها عليهم الاحتجابهم بأنفسهم فبعد إقامة الحجة عليهم زال حجابهم فعرفوا مرتبتهم .
و علموا أن لله تعالى أسماء ما وصل علمها إليهم فاعترفوا بقصورهم وعجزهم بأن "قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا" 32 سورة البقرة .
(فتحفظ) واعمل فإنه كفاك واعظا (فقد وعظك الله تعالى بغيرك) وهو الملائكة (وانظر) بنظر العبرة إلى قصة الملائكة مع آدم الذي سنذكره وازجر نفسك عن مذمة الغير والدعاوى التي ما أنت متحقق بها وسوء الأدب مع الله حتى لا تكون عبرة لغيرك كما يكون غيرك عبرة لك .
هذا معنى قوله : (من أين أتي على من اني) وأتي وجاء تستعملان بمعنی الفعل يعني من أين فعل على من يقع (عليه) الفعل على وجه التوبيخ والملائكة فإنه قد هلك من هلك وبوخ من يوبخ بأمثال هذه الصفات التي تصدر من عدم العلم بأنفسهم ومرتبة غيرهم.
ولما كانت هذه القصة أعظم القصص موعظة وهدى للناس وأهم للطالبين أوصى أولا بالحفظ والنظر .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟ . فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )
قوله رضي الله عنه : "ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا."
قلت: معناه إذا انقرض نسل آدم فإنما يكون بانحراف مزاج هذا العالم وذلك هو موت الإنسان الكبير وفيه جسم الإنسان الصغير فيموت بموته وذلك هو القيامة الكبرى
قوله: "فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية، فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود وبه قامت الحجة الله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتى على من أتى عليه" .
قلت: يعني بالصورة الإلهية، الأسماء التي جمعت لأدم من قوله تعالى: "علم آدم الأسماء كلها" (البقرة: 31).
قوله: وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة، قلت: يعني قوله تعالى: " قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم" إلى آخر الآية (البقرة: 33).
قوله: وتحفظ فقد وعظك الله تعالى بغيرك، قلت: يعني وعظك الله بحال الملائكة حيث اعترضوا على ربهم تعالى في قوله: " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء"في الآية (البقرة:30).

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه : (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟ . فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ألا تراه إذا زال وفكّ الختم عن خزانة الدنيا ، لم يبق فيها ما أخزنه الحق ، وخرج ما كان فيها ، والتحق بعضه ببعضه ، وانتقل الأمر إلى الآخرة ، وكان  ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا ) .
قال العبد : اعلم : أنّ دار الوجود واحدة ، وانقسامها إلى الدنيا والآخرة بالنسبة إليك لأنّهما صفتان للنشأة الإنسانية ، فأدنى نشأته الوجودية العينية النشأة العنصرية ، فهي الدنيا لدناءتها بالنسبة إلى نشأتها النورية الإلهية ، أو لدنوّها من فهم الإنسان الحيوان .
ولمّا كانت النشأة الإنسانية الكليّة في الدنيا نشأتين : نشأة فرقانية تفصيلية ، ونشأة أحدية جمعية قرآنية ، وهذه النشأة الدنياوية كثيفة ، وصورتها مقيّدة سخيفة من مادّة جامعة بين الظلمة والنور ، مشوبة فيها بأكدار الغصص والمحن نوريّة السرور .
وهي أيضا من قبيل النفس الناطقة ، والنفس الناطقة من بعض قواها القوّة العملية ، وهي ذاتية لها ، وبها يعمل الله لأجلها في كلّ نشأة وموطن صورة هيكلية ينزّل معانيها فيها ، ويظهر قواها وخصائصها وحقائقها بها ، ويحفظها ، ويقيها .
وكانت هذه النشأة الجامعة بين النور والظلمة لا تقتضي الدوام على هذه النظام والقوام ، ولا بدّ لها من الانخزام والانصرام ، لأنّ قوى مزاجه العنصرية غير وافية ، ولا لجميع ما في النفس من الحقائق والدقائق بكافية .
وهذه الحقيقة على العقول المنوّرة الصافية غير خافية فإنّ في النفس من الحقائق ما لا يظهر بهذه النشأة العنصرية الثقيلة ، مثل كون صورته روحانية نورانية لطيفة ملائمة للروح ، وخصائصه بحسب الروح لا بحسب المزاج ، بخلاف هذه النشأة العنصرية السفلية الثقيلة فإنّ الروح والنفس فيها بحسبها ، وكذلك خواصّهما وحقائقهما .
فلمّا لم تف هذه النشأة بذلك لكونها من مادّة متنافرة متضادّة وهيولى متباينة متحادّة ، وقد حصل لها بحمد الله في مدّة عمرها التي كانت تعمر فيها أرض جسدها من الأخلاق الفاضلة ، والملكات الكاملة والعلوم والأعمال الصالحة الحاصلة كمال فعلي لما صار لها جميع ما كان بالقوّة بالفعل .
فينشئ الله تعالى من ذلك بالقوّة العملية الذاتية للنفس ما إذا فكّ عن خزانة الدنيا ، وقبض الله إليه أنوار أسمائه التي هي حقائق خزائن النعم والآلاء الإلهية ، وأسرار خزائن خزائنه المذكورة قبضا يسيرا ، فتقلَّصت أنوار التجلَّيات إلى الحضرات .
والأرواح الجزئية المدبّرة إلى كلَّيات أرواح السماوات ، والتحق كلّ فرع في هذه النشأة إلى أصله الذي منه انبعث ، ولم يبق فيها مخزونات نعم الأسرار والأنوار ، وأرزاق الأحكام والآثار لاختلال القابل ، وزوال المظهر الزائل كما ذكرنا صورة أخراوية روحانية ملائمة للنفس الناطقة في جميع أفاعيلها وخصائصها بحسبها من مادّة روحانية حاصلة للنفس من تلك الأخلاق والأعمال والقوى والملكات الصالحة .
فتظهر بحقائقها وخصائصها وآثارها في تلك الصورة ظهورا يقتضي الدوام إلى الأبد غير مقيّدة بأجل معيّن وأمد معين واحد لأنّ مادّتها روحانية وحدانية نورية ، بخلاف هذه النشأة العنصرية الثقيلة المظلمة الحاصلة للنفس من عناصر مختلفة متباينة متضادّة تقتضي لحقائقها الانفكاك لولا جمع أحدية الجمع  النفسي النفسي لها بحياته الروحية النورية الباقية .
فاقتضت تلك النشأة الروحانية البقاء والدوام لرسوخ حقائقها وأصولها الروحانية في جوهر الروح أعني الأخلاق والنعوت والصفات والعلوم ودوام التجلَّي النفسي الإلهي فيها فإذا انتقل الأمر إلى الآخرة ، وظهرت النفوس والأرواح الإنسانية في صورها الروحانية البرزخية والمثالية والحشرية ، وغلبت الروحية على الصورية ، والنورية على الظلمة ، واختزن الحق الأسرار والأنوار والحقائق في تلك الصور الأخراوية ، " وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ ".
كان الإنسان بأحدية جمعه ختما على تلك النشأة الأخراوية إلى الأبد ، فافهم .
قال رضي الله عنه : ( فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية ) .
يعني رضي الله عنه على الوجه الأفضل الأكمل ، فإنّ ظهور الحقائق الأسمائية في الصور الكليّة الأحدية الجمعية الكمالية ظهور جمعي أحدي كمالي ، بخلاف ظهورها في الصور التفصيلية الفرقانية فإنّ ظهورها فيها متفرّق تفصيليّ .
بمعنى أنّ ظهور الحقائق الأسمائية الإلهية في كل كامل كامل جمعي أحدي كلي بحسب المظهر الأجمع الأكمل ، وظهورها في كل جزء من العالم جزئي بحسبه كذلك.
وقد لا يظهر في أكثر أجزاء العالم أكثر الأسماء فضلا عن أن تظهر تماما بكمالها ، وذلك في أسماء مخصوصة بالإنسان ، وظهورها في الإنسان تماما على الوجه الأكمل .
قال رضي الله عنه : ( فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود ، وبه قامت الحجّة لله تعالى على الملائكة ) .
يعني رضي الله عنه : في قوله تعالى : " أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ " .
قال رضي الله عنه : ( فتحفّظ بما وعظك الله بغيرك ، وانظر من أين أتي على من أتي عليه ) .
يريد إتيان المعاتبة وتوجّه المطالبة من قبل الحقّ على الملائكة في اعتراضهم على الحق وجرحهم لآدم وتزكيتهم أنفسهم .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟
فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )
( ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما ابديا سرمديا ) أي زال لأن النشأة العنصرية الدنيوية لا تحتمل دوام الحفظ .
فلم يبق فيها ما اختزنه من العلوم والمعارف الكلية والجزئية والأخلاق الإلهية .
وفارقتها نشأته الروحانية أي فطرته الأولى بخراب دنياه أي نشأته الصورية والتحق الجزء الروحاني بالروحانيات في الحضرات أي البرازخ العلوية وما فوقها والجسماني كل جزء بكله من الجسمانيات .
وانتقل العمارة إلى الآخرة أي العوالم الروحانية أو النشأة الثانية في القيامة .
قوله ( فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية ، فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة فتحفظ ، فقد وعظك الله بغيرك وانظر من أين أتى على من أتى عليه ) أي حج من حج وبكت من بكت ظاهر وأصل أتى عليه أي أهلكه ، ويستعمل في كل مكروه .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟ . فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )
قوله: (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم تبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها، والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة، فكانختما على خزانة الآخرة ختما أبديا) تعليل واستشهاد لقوله: (فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل).
(ألا تراه) أي، ألا ترى الإنسان الكامل. (إذا زال وفك) أي، فارق وانتقل من الدنيا إلى الآخرة ولم يبق في الأفراد الإنساني من يكون متصفا بكماله ليقوم مقامه، ينتقل معه الخزائن الإلهية إلى الآخرة، إذ الكمالات كلها ما كانت قائمة مجموعة ومنحصرة محفوظة إلا به، فلما انتقل، انتقلت معه ولم يبق في خزانة الدنيا ما اختزنه الحق فيها من الكمالات.
فان قلت: الكامل ختم حافظ للخزائن، ولا يلزم من انتقال الختم الحافظ انتقال الخزائن، فكيف قال: (ولم يبق فيها ما اختزنه الحق)؟
قلت: الكامل ختم للخزائن وحافظ لوجودها، إذ الأسرار الإلهية مفصلة في العالم ومجموعة في الكامل، كما قال الشاعر:
كل الجمال غدا لوجهك مجملا  ... لكنه في العالمين مفصلا
ولا يتجلى الحق على العالم الدنيوي إلا بواسطته، كما مر، فعند انتقاله ينقطع عنه الإمداد الموجب لبقاء وجوده وكمالاته، فينتقل الدنيا عند انتقاله ويخرج ما كان فيها من المعاني والكمالات إلى الآخرة.
قال، رضى الله عنه، في التسمية الإلهي بالاسم الرباني: (ألا ترى الدنيا باقية ما دام هذا الشخص الإنسان فيها) والكائنات يتكون والمسخرات تتسخر، فإذا انتقل إلى الدار الآخرة، مارت
هذه السماء مورا وسارت الجبال سيرا ودكت الأرض دكا، وانتشرت الكواكب وكورت الشمس وذهبت الدنيا وقامت العمارة في الدار الآخرة بنقل الخليفة إليها.
قوله(والتحق بعضه ببعض) أي، التحق بعض ما اختزنه الحق في الدنيا ببعض ما اختزنه في الآخرة.
وذلك لأن كل ما هو موجود في الظاهر من الحقائق والمعاني موجودة في عالم الباطن الذي بظهوره يحصل الآخرة على صورة يقتضيهاعالمها، وهو أصل بالنسبة إلى ما في الظاهر.
فإذا انتقل هذا البعض منها، التحق ببعضه الذي هو أصله في الآخرة، وانتقل الأمر الإلهي إليها.
(فكان ختما) أي، هذا الكامل كان ختما حافظا على خزانة الآخرة ختما أبديا.
وهذا معنى ما يقال: إن القرآن يرفع إلى السماء، لأنه خلق الكامل، كما قالت عائشة: (وكان خلقه القرآن).
بل هو القرآن والكتاب المبين الإلهي. كما قال، رضى الله عنه:
أنا القرآن والسبع المثاني  ..... وروح الروح لا روح الأواني
فؤادي عند مشهودى مقيم  ..... يشاهده وعندكم لساني
قال أمير المؤمنين على، كرم الله وجهه:
وأنت الكتاب المبين الذي  .... بأحرفه يظهر المضمر
وجاء في الخبر أيضا: "أن الحق تعالى ينزع العلم بانتزاع العلماء حتى لم يبقعلى وجه الأرض من يعلم مسألة علمية ومن يقول: الله الله، ثم عليهم تقوم القيامة" وكون الكامل ختما على خزانة الآخرة، دليل على أن التجليات الإلهية لأهل الآخرة.
إنما هي بواسطة الكامل كما في الدنيا، والمعاني المفصلة لأهلها متفرعة عن مرتبته ومقام جمعه أبدا، كما تفرع منها أزلا، فما للكامل من الكمالات في الآخرة لا يقال بما له من الكمالات في الدنيا، إذ لا قياس لنعم الآخرة بنعم الدنيا.
وقد جاء في الخبر الصحيح: "إن الرحمة مأة جزء. جزء منهالأهل الدنيا، وتسعة وتسعون لأهل الآخرة"  ومن يتحقق بهذا المقام ويمعن النظر فيه، يظهر له عظمة الإنسان الكامل وقدره.
قوله: (فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية، فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة) أي، لما استخلف الإنسان وجعله ختما على خزائن الدنيا والآخرة، ظهر جميع مافي الصورة الإلهية من الأسماء في النشأة الإنسانية الجامعة بين النشأة العنصرية والروحانية، أي صارت جميع هذه الكمالات فيها بالفعل.
وقد صرح شيخنا، رضى الله عنه، في كتاب المفتاح: "إن من علامات الكامل أن يقدر على الإحياء والإماتة وأمثالهما" . وإطلاق (الصورة) على الله مجاز، إذ لا يستعمل في الحقيقة إلا في المحسوسات وفي المعقولات مجازا.
هذا باعتبار أهل الظاهر. وأما عند المحقق فحقيقة، لأن العالم بأسره صورة الحضرة الإلهية تفصيلا، والإنسان الكامل صورته جمعا.
قال النبي، صلى الله عليه وآله: "إن الله خلق آدم على صورته".
فالنشأة الإنسانية حازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، أي بالوجود العيني، وذلك لأنه حاز بجسمه رتبة الأجسام وبروحه رتبة الأرواح، وبه، أي بهذا الجمع، قامت الحجة على الملائكة لإحاطتهبما لم يحيطوا به.
قوله: (فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، وانظر من أين أتى على من أتىعليه) تنبيه للسالك بالتأدب بين يدي الله تعالى وخلفائه والمشايخ والعلماء والمؤمنين، لئلا يظهر بالأنانية وإظهار العلم والكمال عندهم، لأنه يسلك للفناء.
وذلك لا يحصل إلا برؤية ما لغيره من الكمال وعدم رؤية ما لنفسه لابالعكس. وفيه أقول:
تعلم من العينين إن كنت عاقلا    .... شهود جمال الغير عند التواصل
ولا تك كالطاووس يعشق نفسه   .... ويبقى ملوما عند كل الكوامل
أي، وعظك الله بزجره للملائكة بقوله: (إني أعلم مالا تعلمون)
و
(أتى) مبنى للمفعول. يقال: أتاه وأتى به وأتى عليه. وإنما جاء هنا ب (على) لأنه في معرض التوبيخ والزجر، كأنه قال: وانظر من أين هلك من هلك.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟ . فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )
ثم استدل على أن حفظ العالم بسببه بقوله: (ألا تراه) أي: الإنسان الكامل (إذا زال) عن عالم الدنيا (وفك) ختمه (من خزانة الدنيا، لم يبق فيها ما اختزنه الحق تعالی فيها)؛ التجاسر الأسماء القهرية ومظاهرها على فتحها (وإخراج ما فيها) إلى العدم، أو إلى البرزخ، أو الأخرة .
(والتحق بعضه ببعضه) في الخروج فانشقت السماء، وطمست الكواكب، وسجرت البحار، وبست الجبال، ودكت الأرض، وصعقت، الحيوانات، (وانتقل الأمر) أي: أمر التجلي الإلهي على سبيل الجمعية والتفرقة جميعا (إلى الآخرة)؛ بسبب انتقال الإنسان الكامل إليها، فكان الإنسان هو (ختما على خزانة الآخرة) ليحفظها (ختما أبدا) لعدم انتقاله إلى عالم وراءها.
ولما كان الإنسان محل نقش الجمعية الإلهية (فظهر جميع ما في الصورة الإلهية) من ظهوره (بأسمائه) في العالم على سبيل التفرقة اجتمعت (في هذه النشأة الإنسانية فحازت) هذه النشأة (رتبة الإحاطة) بأسرار الكائنات، (والجمع) لما تفرق من الأسماء الإلهية في العالم (بهذا الوجود) الذي هو صورة وجود الحق والخلق جميعا.
(وبه) أي: بكونه محيطا جامعا (قامت الحجة) أي: حجة (الحق على الملائكة) ، القائلين على نهج الاعتراض: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" البقرة :30.
"وعلم آدم الأسماء لها ثم عرضهم على الملائكة" البقرة: 31.
فألزمهم الحجة بجمعيته للأسماء الإلهية، والكونية بالوقوف على أسرارها وخواصها بعد تحققه بها.
ثم قال لهم بعد إلزام الحجة:" إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون" [البقرة : 33].
وإذا كانت حجة الحق قائمة على كل من نازعه، وإن بلغ كالملائكة (فتحفظ) عن منازعته (فقد وعظك الله بغيرك) بإقامة الحجة على غيرك، وتوبيخه إياه.
وكذا تحفظ عن مخالفته، فقد وعظك الله بما فعل بغيرك، وهو إبليس وأتباعه، (وانظر من أين أتي) بالهلاك الكلي (على من أتي عليه)، وهو إبليس حيث خالف أمرا من أوامرهفأحبط عليه عمل ثمانين ألف سنة لحق به بالملائكة فأخرج عن الملائكة إلى حيث صار مقدم الأشقياء وقدوتهم.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟ 
فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )

قال رضي الله عنه : ( ألا تراه إذا زال وفكّ الختم من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحقّ فيها ) من المعاني الوضعيّة والأحكام الشرعيّة الأصليّة منها والفرعيّة ( وخرج ) - أي طلع وظهر ( ما كان فيها ) مقصودا من اللطائف المكمونة فيها والنفائس المخزونة تحتها ( والتحق بعضه ببعضه) الذي استخرجه المأذونون .
فإنّهم منذ ما وصل أفنان شجرة الوقت إلى بلوغ أوان ثمرتها على طبق ما وعد به العبارات المعربة للخاتم العربي صلَّى الله عليه وسلَّم .
لذلك الوقت قد أخذوا في إظهار شيء من لطائف تلك الخزانة وفتح أقفال مرموزاتها التي على أبواب دلالاتها المغلقة على حصون قلاع العقائد التقليديّة والرسوم العاديّة بحسب احتمال مزاج الزمان وقوّة هضمه لذلك الغذاء القوي ، متدرّجا من الأضعف إلى الأقوى .
والتحق اللاحق منه بالسابق ، إلى أن بلغ ميعاد فتح قسطنطنيّة العظمى ، فإنّه حينئذ ظهر تمام المراد ، وكمل أمر الإظهار وكفي الخلائق عن الموت والفساد والتكرار والترداد .
( وانتقل الأمر إلى الآخرة ، فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديّا ) .
وذلك لما عرفت أنّ من تلك اللطائف والنفائس ما كانت صورته في صدد الزوال والانتقال ، ومنها ما كانت معنويّة غير قابلة له ، والإنسان بطرفيه وما له من الكمالين هو الختم على الخزانتين ، وفيه إشارة إلى الختمين فلا تغفل .
ثمّ إنّه بعد تحقيق معنى آدم واستخراج ما في أساميه من الحقائق والأحكام المتطابقة بين الاسم والمسمّى ، أراد أن ينساق كلامه هذا إلى ما يتبيّن به ما هو بصدد تحقيقه ممّا ادعاه في صدر الكلام ، من « أنّ الملائكة من بعض جزئيّات قوى هذه الصورة الآدميّة ، وأنّها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل منها » لئلا تعتري لطائف تحقيقاته عن ملابس الانتظام قائلا : ( فظهر جميع ما في الصورة الإلهيّة من الأسماء ) وهو عطف على قوله :
" فتمّ"  أي إذا تقرّر أنّه بوجوده تمّ دائرة خاتم العالم ، وبنقوش حقيقته انختم خزائن صور المعاني دنيا وآخرة ، يكون جميع الأسماء ظاهرة بالضرورة (في هذه النشأة الإنسانيّة فحازت) الصورة الإلهيّة ( رتبة الإحاطة ) بالحدوث والقدم.
( والجمع ) بين التفرقة والجمع ( بهذا الوجود ) الكوني ( وبه ) أي بهذا الوجود الكوني ، وترتيب مقدّمات نشأته الواقعة على صورة الشكل الأوّل البيّن المنتج لسائر المتقابلات والنقائض.
( قامت الحجة لله تعالى على الملائكة) فيما ادّعوا من استحقاقهم الخلافة وعدم استيهال آدم لها.
ثمّ بعد تحقيقه هذا أخذ في موعظة منه للطالبين من العاكفين على ما أعطاهم أفهامهم وأحوالهم من العلوم والمعارف ، موروثة كانت من أعمالهم أو مكتسبة لأفكارهم وأنظارهم ، تنبيها على أنّه ما من رتبة في العلم باللَّه إلَّا فوقها مراتب ، وتشويقا لهم بأنّه ما من منقبة يتوقّف عندها أهل العلم ويفتخر بها ، مطمئنّا لديها ، إلَّا وفوقها مناقب .
بقوله : ( فتحفّظ ، فقد وعظك الله بغيرك ، وانظر من أين اتي على من اتي ) على صيغة المجهول ، إنما يستعمل في المكاره .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟ . فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )
قوله : "ألا تراه إذا زال و فك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اخترنه الحق تعالى فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعضه،وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبدا."
وكان كالختم عليها لئلا يفتحها تسلط تلك التفرقة والمباينة عليها واقتضى التجلي التقلص والانسلاخ عنها (ألا تراه)، أي الإنسان الكامل (إذا زال) بأن يرتحل خاتم الولاية المطلقة .
فلا يظهر بعده إنسان كامل (وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق سبحانه) من الحقائق المظهرية والأسماء الإلهية الظاهرة بها (وخرج ما كان فيها) من الحقائق المظهرية والأسماء الإلهية.
(والتحق بعضه)، أي التحق في النشأة الدنيا بعض ما اختزنه الذي له مرتبة الفرعية والجزئية (بعض) آخر له مرتبة الأصلية الكلية.
أي الفروع بأصولها والجزئيات بكلياتها كالتحاق المواليد بالعناصر.
أو التحق بعض الفروع ببعض آخر لرجوعهما إلى الأصل الجامع لهما.
أو التحق في النشاءة الآخرة بعض ببعض لمناسبة بينهما إما في درجات الجنان أو دركات النيران.
أو التحق بعض ما اختزنه الحق في الدنيا ببعض ما اختزنه في الآخرة بانتقاله من الصورة الدنيوية إلى الصورة الأخروية.
فكأن الصورة الدنيوية التحقت بالصورة الأخروية واندر جت فيها
(وانتقل الأمر)، أي أمر الظهور والإظهار من النشأة الدنيا العنصرية الكثيفة الزائلة (إلى) النشأة (الآخرة) النورية اللطيفة البافية واختزن الحق الأسماء ومظاهرها في خزانة الآخرة.
(وكان ذلك الإنسان الكامل (ختمة على خزانة الآخرة ختمة أبدية) كما كان ختمة على خزانة الدنيا ختمة مفكوكا عنها، ولما استخلف الحق سبحانه الإنسان الكامل ومن شرط الخليفة أن يكون على صورة المستخلف.
قوله : "فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة الله تعالى على الملائكة ."
فرع: رضي الله عنه قوله : ( فظهر جميع ما في الصورة الإلهية) يعني أحدية جمع الأسماء الإلهية وصورة اجتماعها (من الأسماء) بيان لما في الصورة في هذه النشأة الإنسانية الجامعة بين النشأة الروحانية والعنصرية التي هي أحدية جمع مظهريات تلك الأسماء (فحازت)، أي جمعت هذه النشأة (رتبة الإحاطة) بجميع الأسماء (والجمع)، أي ورتبة جمعية مظاهرها.
(بهذا الوجود)، أي الوجود العيني العنصري (وبه)، أي بكونه حائز رتبة الإحاطة والجمع
(قامت الحجة)، أي حجة الحق سبحانه في ادعاء استحقاقه الخلافة.
حيث قال: "إني جاعل في الأرض خليفة" (على الملائكة) القادحين في ذلك الاستحقاق.
[size=24]بقوله : "أتج


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:15 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة التاسعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:23 pm

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة التاسعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة التاسعة : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (  ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟
فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه.
ألا تراه إذا زال و فك من خزانه الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق تعالى فيها و خرج ما كان فيها و التحق بعضه ببعضه، و انتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا).
قال المصنف رضي الله عنه : ( ألا تراه إذا زال و فك من خزانه الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق تعالى فيها و خرج ما كان فيها و التحق بعضه ببعضه، و انتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا) .

قال الشارح رضي الله عنه:
( ألا ترى إذا زال) وجود الموضوع ليس بشرط في القضايا الشرطيات، فافهم . 
( و فك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها، و التحق بعضه ببعض و انتقل الأمر إلى الآخرة، فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا )، فالختمية ثابتة مزالة دائما أبدا، فافهم . 
قال رضي الله عنه في الأجوبة من "الفتوحات ":
فأقبل ما سبب الختم، و معناه المنع و الحجز، فافهم فكان الختم أزلا فيكون أبدا . 
اعلم أنه ما ثم أمر من الأمور يفرض بين الأمرين، أو ينسب إليه بذاته، أو غاية إلا و لا بد أن يكون له فاتحة هي مرتبة أوليته، و خاتمة هي مرتبة آخريته، و أمر ثالث يكون مرجع الحكمين إليه بجمعهما، و يتعين بهما و هكذا الإنسان و العالم.
ورد في الخبر عن الفاتح الخاتم صلى الله عليه و سلم أنه قال : "أعطيت فواتح الكلم و جوامعه و خواتمه" .عن أبي موسى رضي الله عنه ذكره في "جمع الجوامع . 
فإذا تقرر هذا، فاعلم أنه سبحانه فتح خزانة غيبه، و ذاته، و هويته التي لا يعلمها سواه باسمه الجامع بين صفات الجمع، و التصرف، و الإطلاق، و التقييد، و الأولية و الآخرية، و الظاهرية، و الباطنية، و فتح باب معرفة ذاته و حضرة جمعه و إشهاده و تجليه الكمالي المعتلي على سائر الأسماء و الصفات بمن أظهره آخرا، و قدّره على صورته و حباه سره و سورته، و جعله خزانة مختومة حاوية على كل الخزائن و مفتاحا و هو أصل المفاتيح الأول و ينبوع الأنوار و المصابيح لا يعرفه سوى من هو مفتاحه، و يعلم هو المفاتيح التي حوتها ذاته، و اشتملت عليها عوالمه، و نشأته و أحاطت بها مراتبه، و مقاماته ما شاربه أن يراه منها، و يكشف له عنها، فإن متعلق النفي الوارد في قوله تعالى : "وعِنْدهُ مفاتحُ الغيْبِ لا يعْلمُها إلّا  هُو " [ الأنعام: 59] .

نفي أن يعرف مجموعها أو أن تعرف من حيث كونها مفاتيح، و أن يعرف لا بتعريفه و تعليمه سبحانه . 
وأما كون المفاتيح لا تعلم نفسها، أو لا تعرف بعضها بعضا، أو لا تعرف بتعريف، فلا نص فيه، فافهم . 
فلكل فاتحة خاتمة، و هي عينها هو الأول، الآخر، الظاهر، الباطن جمع النقيضين و انختم الختم على العالمين، فافهم . 
سئل خاتم النبوة صلى الله عليه و سلم متى كنت نبيا؟
قال صلى الله عليه و سلم : "كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين".  
و أشار إلى الأزل، فلو سئل خاتم الولاية المحمّدية متى كنت وليا خاتما؟ فكان يقول في جوابه: كنت وليا و آدم بين الماء و الطين: أي أزلا، و كل أزلي أبدي فيكون الختم أبدا، فافهم الإشارة .
فكل ولي و نبي كان ظهور نبوّته و ولايته مشروطا بشروط كالظهور بالبدن العنصري بخلاف خاتم النبوّة و خاتم الولاية المحمّدية، فإنهما كانا في الأزل نبيا و وليا، و لم يكن آدم شيئا مذكورا. 
فكما أن الله تعالى ختم بمحمد صلى الله عليه و سلم نبوّة الشرائع.
كذلك ختم الله بالختم المحمّدي بالولاية المحمدية
بحيث لا يحصل للمحمّدي فيض إلا من مشكاته رضي الله عنه و له أمر الولاية المحمدية من قبل و من بعد، كما أن أمر النبوّة من قبل و من بعد سواء كان قبل الوجود العنصري، أو بعده، فلا يأخذ ولي إلا من مشكاته، كما لا يأخذ نبي إلا من مشكاته صلى الله عليه و سلم و هذه هي الأسوة الحسنة . 

قال صلى الله عليه و سلم إشارة إلى هذه الأسوة : " أما لكم فيّ أسوة". الحديث رواه أبو قتادة رضي الله عنه . 
و الختم المحمّدي عبارة عن خاتم يكون على حرف قدم محمد صلى الله عليه و سلم، و أما المحمّديون بعد هذا الختم يكون على قلوب الأنبياء عليهم السلام، فلا بعده من يكون على قدمه يطأ أثره، كما لا يكون أحد على قلبه:
أي على قلب محمد صلى الله عليه و سلم أبدا، هذا معنى ختم الولاية المحمّدية، و هو أعلم الخلق بالله، و لا يكون في زمانه، و لا بعد زمانه أعلم بالله، و بمواقع الحكم منه، فهو و القرآن إخوان، كما أن المهدي و السيف إخوان، و كما أن لا نبي بعد محمد صلى الله عليه و سلم، كذلك لا ولي بعد هذا الختم سلام الله عليه، فإنه خاتم أولياء الذات، و روح الكلمات التامات، و لا بد أن يرى في كشفيه ما ينبئك عن وصفه إن سلكت هذه الطريقة، و بلغت إلى هذه الحقيقة فافهم . 

قال رضي الله عنه في "الفتوحات" في أصل أسئلة الترمذي:
أمّا ختم الولاية المحمّدية فهي لرجل من العرب من أكرمها أصلا و نسبا، و هو في زماننا اليوم موجود، عرفت به سنة خمس و تسعين و خمسمائة، و رأيت العلامة التي قد أخفاها الحق سبحانه فيه في عيون عباده، و كشفها لي بمدينة "فاس" حتى رأيت خاتم الولاية النبوّة المطلقة لا يعلمه كثير من الناس، و قد ابتلاه الله بأهل الإنكار عليه فيما يتحقق به من الحق تعالى في سره من العلم به، انتهى كلامه رضي الله عنه .
و ما رأيت بتصريحه بهذا المعنى لنفسه أصلا إلا في مواضع قليلة منها في بيت في الباب الثالث و الأربعين من "الفتوحات" فإنه رضي الله عنه قال :  
أنا ختم الولاية دون شك   .....    كورث الهاشمي مع المسيح .

و في الفتوحات الباب الخامس والستون وثلاثمائة في معرفة منزل أسرار قال رضي الله عنه يشير إلى مقام الخاتم :
إنما علقت نفسي مع الله أن يستعملني فيما يرضيه ولا يستعملني فيما يباعدني عنه .
وأن يخصني بمقام لا يكون لمتبع أعلى منه ولو أشركني فيه جميع من في العالم لم أتأثر لذلك فإني عبد محض لا أطلب التفوق على عباده .
بل جعل الله في نفسي من الفرح أني أتمني أن يكون العالم كله على قدم واحدة في أعلى المراتب فخصني الله بخاتمة أمر لم يخطر لي ببال فشكرت الله تعالى بالعجز عن شكره مع توفيتي في الشكر حقه .
وما ذكرت ما ذكرته من حالي للفخر لا والله وإنما ذكرته لأمرين الأمر الواحد لقوله تعالى وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ وأية نعمة أعظم من هذه والأمر الآخر ليسمع صاحب همة فتحدث فيه همة لاستعمال نفسه فيما استعملتها فينال مثل هذا فيكون معي وفي درجتي فإنه لا ضيق ولا حرج. أهـ
فإن قيل: بأي صفة استحقّ بها أن يكون خاتما للولاية المحمدية.
قلنا: بتمام مكارم الأخلاق مع الله، إنما قلنا: مع الله لأن أغراض الخلق مختلفة، و لم يمكن تعميم موافقة العالم بالجميل فنظر نظر الحكيم، فلم يجد صاحبا مثل الحق، و لا صحبة أحسن من صحبته . 
و رأى أن السعادة في معاملته، فنظر إليه فرأى أنه شرع أحكاما، و حدّ حدودا فوقف عندها، فما صرف الأخلاق إلا مع سيده، فلما كان بهذه المثابة قيل فيه ما قيل في خاتم النبوة: "وإنّك لعلى  خُلقٍ عظِيمٍ" [ القلم: 4] .

قال رضي الله عنه في الباب الرابع و الثلاثين و خمسمائة من "الفتوحات ":
إن هذه الآية تليت علينا تلاوة تنزل إلهي من أول السورة إلى قوله: "عتل بعْد ذلك زِنيمٍ" [ القلم: 13] انتهى كلامه. 
و مكارم الأخلاق معلومة عقلا، و عرفا، و التصرف فيها و بها معلوم شرعا، فمن اتصف بها على الوجه المشروع . 
و زاد تتميم: مكارم الأخلاق، و هو إلحاق سفسافها بها، فتكون كلها مكارم الأخلاق بالتصرف المشروع و المعقول، فقد اتصف بكل ثناء إلهي، و اتصف فلا يزال محسودا، و بالعداوة مقصودا، فافهم .

قال المصنف رضي الله عنه :  ( فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة و الجمع بهذا الوجود، و به قامت الحجة لله تعالى على الملائكة .   فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، و انظر من أين أتي على من أتي عليه .) 
قال الشارح رضي الله عنه : 
( فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية) هذا هو التخلق بجميع الأسماء، و هو أحسن تقويم . 
و قال تعالى: "و علّم آدم الْأسْماء كُلّها " [ البقرة: 31] و لم يقل بعضها . 
و قال صلى الله عليه وسلم : "إن الله خلق آدم على صورته" رواه الشيخان البخاري، و مسلم . 
و في رواية :  "صورة على صورة الرحمن".
( فجازت رتبة الإحاطة و الجمع )، فجمع بين الصورة الحقية، و صورة العالم و كان برزخا بين الحق،   و الخلق مرآة منصوبة يرى الحق فيها، و يرى الخلق فيها، فمن حصّل هذه المرتبة، حصّل رتبة الكمال الذي لا أكمل منه في الإمكان . 
كما قال الإمام الغزالي رحمه الله: ما في الإمكان أبدع ما كان، و معنى رؤية الحق: فيها إطلاق جميع الأسماء الإلهية عليه، كما جاء في الخبر: "فبهم تنصرون والله الناصر، وبهم ترزقون و الله الرزاق، و بهم ترحمون و الله الرحمن الرحيم".
و قد ورد في القرآن: " بالمُؤْمِنين رؤُفٌ رحِيمٌ " [ التوبة: 128] . 
"و ما أرسلناك إلّا رحْمةً للْعالمِين" [ الأنبياء: 107]: أي لنرحمهم بك لأنه اسم الله الأعظم، فافهم. 
( بهذا الوجود) لأن صاحب هذا الوجود لا يرى في الوجود إلا الله، و يرى أحكام أعيان الممكنات في عين وجوده، و هذا هو النظر التام الذي لا ينال بالنظر و لكن ينال بالشهود، و هو قوله صلى الله عليه و سلم : "من عرف نفسه فقد عرف ربه، فمن عرف أنه لم تزل عينه في إمكانه عرف ربه بأنه الموجود و الوجود".
و به (قامت الحجة لله على الملائكة ): أي بهذا الجمع و الوجود و هو حجة الله على الملائكة . 
قال تعالى: "و علّم آدم الْأسْماء  كُلّها" [ البقرة: 31] .
يعني: الأسماء التي هي مبادئ لإيجاد العالم، و مؤثرات في حقائق الأكوان، و من جملتها الأسماء الإلهية التي توجّهت على إيجاد الملائكة و هي لا تعرفها، ثم أقام المسمّيين بهذه الأسماء، و هم مظاهر التجليات الإلهية التي هي الأسماء كالمواد الصورية للأرواح . 

فقال: "أنبئوني بأسْماءِ هؤُلاءِ إنْ كُنْتمْ صادِقين "البقرة: 31]،
يعني: الصور التي تجلى فيها الحق إن كنتم صادقين في قولكم "نسبِّحُ بحمْدِك "[ البقرة: 31]،  :
كأنه قال لهم: و هل سبحتموني بهذه الأسماء التي تقتضيها هذه التجليات التي أتجلّاها لعبادي؟
و إن كنتم صادقين في قولكم : و نقدّس ذواتنا عن الجهل بك، فهل قدّستم ذواتكم لنا من جهلكم بهذه التجليات و ما لها من الأسماء التي ينبغي أن تسبحوني بها؟ . 
فقامت عليهم الحجة في ادّعائهم الإلهية، فقالت بعد العلم: "لا عِلْم لنا إلّا ما علّمْتنا" [ البقرة: 32]، و اعترفت بالكمال الذي غاب عنها هذا . 
وقد قال تعالى لها: إنه خليفة، فكيف بها لو لم يقل لها ذلك، فلم يكن ذلك إلا لبطونه على الملائكة. 
( فتحفظ، فقد وعظك الله بغيرك) من أكبر العناية أن يعظك بغيرك، أن السعيد من وعظ بغيره و ذلك لرتبة المحبوبية و  كمال السعادة . 
( و انظر من أين أتى على من أتي عليه) مبني للمفعول، يقال: أتاه، و أتى به و أتي عليه، و هي لا تستعمل مجهولا إلا في المكاره . 
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:14 pm عدل 4 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة العاشرة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:24 pm

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة العاشرة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة العاشرة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته، وليس للملائكة جمعية آدم، ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته، وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته تقديس آدم. )
(فإن الملائكة لم تقف)، أي تطلع فتتأدب (مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة) من جمعية الكمال الذي عنده .
فإن الخليفة يحتاج أن يكون جميع حاجات من جعل مستخلفة عليهم.
وقول الله تعالى : "إني جاعل في الأرض خليفة " 30 سورة البقر.
يؤذن بذلك الهم الكمال (ولا وقفت)، أي الملائكة.
(مع ما تقتضيه حضرة الحق) سبحانه (من العبادة الذاتية) التي أشارت إليها الملائكة بعد أن تعلمتها من آدم عليه السلام بقولها : "سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ، سبحانك ما عرفناك حق معرفتك". حديث الطبراني.
(فإنه ما يعرف أحد من الحق) تعالى (إلا ما تعطيه ذاته)، من المعرفة، بالله تعالى عند خلقه ظهورات مختلفة بعدد استعدادات الخلق.
وكلها ظهورات الحق تعالى، وكلها تنزه الحق تعالى عنها.
فهو الغيب المطلق من حيث هو على ما هو عليه، وهو الحاضر المشهود على كل حال من حيث استعدادات الخلق لمعرفته.
فكل استعداد فيه معرفة خاصة بشهود لله تعالى مخصوص، والأمر أن جاء بهما الشرع التنزيه والتشبيه معا لا أحدهما كما سيأتي إن شاء الله .
وليس للملائكة جمعية آدم عليه السلام لجميع الأسماء الإلهية بحقيقته الإنسانية فإن كل ملك من حضرة اسم إلهي خاص.
وإن جمع كل اسم لجميع الأسماء في اطلاع الكامل لكن لا يلزم من ذلك الاطلاع من القاصر عليه.
فإن الكامل يرى في القاصر من الكمال ما لا يراه القاصر من نفسه ولهذا كان قاصرا، وكان صاحب الاطلاع ?املا .
قال تعالى: "هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب " 9 سورة الزمر.
وقال تعالى : "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" 3 سورة الملك.
فإن كل ذرة من ذرات العالم على الكمال المطلق والجمعية الكبرى، ولكن اطلاع كل ذرة على نفسها وعلى باقي الذرات يتفاوت ويختلف بالكشف والاستتار.
وهذا مفتاح باب معرفة الكمال والنقصان في العالم (ولا وقفت الملائكة مع) جميع (الأسماء الإلهية).
التي كشف عنها لآدم عليه السلام (إلا) الأسماء (التي تخصها) مما هي من آثار تجلياتها (وسبحت الحق) تعالى (بها وقدسته) عن مشابهة الأغيار.
فإن كل اسم إلهي يقتضي تسبیح الله تعالی خاصة صادرة من حضرة ذلك الاسم بلسان أثر تجليه الخاص.
واختلفت الأسماء فاختلفت التجليات فاختلفت الآثار فاختلف التسبيح والتقديس، فأظهر كل أثر ما استعد له من ذلك .
كما قال تعالى : "وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم" 44 الإسراء.
(وما علمت)، أي الملائكة (أن الله تعالی أسماء) أخر غير الأسماء التي سبحت الله تعالى بها وقدسته.
(ما وصل علمها إليها) لعدم جمعها لها (فما سبحته) تعالی (بها ولا قدسته) .
وتلك الأسماء الأخر التي ما وصل علم الملائكة إليها هي التي وصل علمها إليها على معنى ما وصل علم كل الملائكة إلى كلها.
وإلا فإن جميع أسماء الله تعالی ظهرت بظهور الملائكة، وسبحت بها ربها وقدسته، ولم يتعطل اسم من الأسماء.
و يحال ذلك، ولكن من قبيل مقابلة الجمع بالجمع، و انقسام الآحاد على الآحاد، فكل ملك يسبح باسم إلهي خاص لا يعرف التسبيح بغيره.
مع أن كل اسم جامع لكل اسم كما مر ولكن جمعة خفية لا يتنبه له إلا الكامل دون القاصر.
فكل ملك يعلم اسما واحدا إلهيا فهو محجوب به عن غيره من الأسماء.
حتى أن الاسم الغفور والعفو والتواب ونحوها من الأسماء كانت للملائكة قبل آدم أيضا.
لأن القصور في التسبيح ببعض الأسماء دون بعض غير لائق بالله تعالى.
فهو معصية مغفورة معفو عنها وصاحبها معترف بقصوره عن إدراك حقيقة التسبيح.
فهو تائب وإن لم تشعر الملائكة بذلك لخفائه فيها حتى تفصل بآدم عليه السلام وتبين واتضح فزال عنه الخفاء.
ولهذا كان آدم عليه السلام جلاء مرآة العالم كما سبق.
ثم إن آدم عليه السلام جمع لكل الأسماء المتفرقة في الملائكة.
ولهذا قال تعالى : " يا آدم أنبئهم بأسمائهم" 33 سورة البقرة.
أي بأسمائهم التي يسبحون الله تعالى بها ويقدسون، وقد كان كل واحد منهم يجهل الكل فعلم ما لم يعلم

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته، وليس للملائكة جمعية آدم، ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته، وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته تقديس آدم.)
ثم شرع إلى بيانها بقوله: (فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه) ما تظهره للحق من جميع أسمائه (نشأة هذه الخليفة ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية)التي لا تحصل إلا في نشأة الخليفة وهي العبادة بجميع الأسماء والصفات أي لم تطلع عليهما .
فالوقوف ههنا بمعنى الشعور والاطلاع وكذلك المذكور بعده لأن تجريحهم ودعواهم التسبيح والتقديس مسبب عن عدم علمهم بما ذكر فقد عدى مع أعتبار تضمينه معنى الثبوت.
(فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته) تعليل للمعطوف والمعطوف عليه مع أي لا يعرف احد الحق إلا بحسب معرفته بنفسه ولا يعبده إلا بحسب علمه.
(و) الحال أن (ليس للملائكة جمعية آدم) حتى يحصل فيها ما يحصل فيه من العبادة الذاتية .
فاستغنى بوجودها عن وجود آدم فلا بد من وجود آدم ليحصل مقتضى الذات الإلهية فلا مانع لحصول مقتضى الذات .
فهم أرادوا أن يمنعوه بقولهم: "أتجعل فيها من يفسد فيها" 30 سورة البقرة .
لعدم علمهم بما ذكر و ظنهم أنفسهم كفاية لمصلحة العبادة حيث قالوا: " ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " 30 سورة البقرة .
(ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها) تخص الملائكة بها (وسبحت الحق به وقدسته) أي لا تطلع باختصاصهم بأسمائهم واختصاص تسبيحهم بها
(وما علمت أن الله تعالى أسماء ما وصل علمها إليها فما سبحته ولا قدسته) لحصرهم الأسماء والتسبيح والتقديس فيما هم عليه .
(فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقدیس آدم وتسبيحه) مع أنهم ظهروا عليه بدعوى التسبيح والتقديس بقولهم : "ونحن نسبح" 30 سورة البقرة.
فادعوا ما لم يتحققوا به ولم يكونوا بحال ولا على علم منه وتركوا الأدب مع الله فوقعوا في الخجالة بعد ان?شاف أحوالهم إليهم لذلك :"قالوا سبحانك لا علم لنا" 32 سورة البقرة.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته، وليس للملائكة جمعية آدم، ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته، وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته تقديس آدم. )
قوله رضي الله عنه:  "فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق تعالى من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق تعالى إلا ما تعطيه ذاته.
وليس للملائكة جمعية آدم، ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته."

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته، وليس للملائكة جمعية آدم، ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته، وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته تقديس آدم. )
قال رضي الله عنه : " فإنّ الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذه الخليفة ، ولا وقفت مع ما تعطيه حضرة الحق من العبادة الذاتية ، فإنّه ما يعرف أحد من الحق إلَّا ما تعطيه ذاته  وليس للملائكة جمعية آدم ".
يريد رضي الله عنه عدم وقوف الملائكة مع الأدب الذي تقتضي مرتبة خليفة الله تعالى بعد إخباره تعالى لهم : أنّه " جاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً " .
وتعطيه نشأته الأحدية الجمعية من الكمال والإحاطة ، وعدم وقوفهم أيضا على ما توجب مرتبة الألوهية من الأدب والوقوف عند الأمر الإلهي ، فاعترضوا على الحق تعالى .
كما قال جلّ وعلا حكاية عنهم :  "قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ"
فجمعوا بين الاعتراض على الله والجرح والطعن فيمن عدّله الله وزكَّاه عندهم ، وبين تزكيتهم أنفسهم ، وكلّ هذه الأمور منافية لنشأتهم المقتضية أن لا يعصوا ما أمرهم الله به ، ويفعلوا ما يأمرهم به .
والذي يقتضيه الأدب والتحقيق من العبيد بالنسبة إلى الحق أن لا يعترضوا عليه في أوامره ونواهيه ويمتثلوها .
والذي تقتضي نشأة الخليفة هو النزول إليه والدخول تحت حكم خلافته وجمعيّته ، لا الجرح والطعن فيه ، ولا سيّما ونشأتهم على ما ادّعوا من التسبيح والتقديس تقتضي عدم الاعتراض وحسن القبول والتلقّي لما يلقى إليه ويلقى .
فإن نشأتهم وحدانية بسيطة روحانية نورانية ، لا تقتضي الاعتراض ، فإنّه نزاع والنزاع من مقتضى التضاد والتباين والتنافر ، بل مقتضى نشأتهم الإيمان والطاعة والعبادة الذاتية والتنزيه والتقديس والخير لا غير .
إذ ليس لهم ولا لغيرهم أن يعرفوا كلّ ما في نفس الحقّ ، بل ما فيه من الحق ، ويعرفون الحق من حيث ما هم عليه "وليس للملائكة جمعيّة آدم" كما مرّ .
فكان الأوجب والأولى والأوجه والأحرى أن يتّصفوا بالإنصاف ، وينصفوا له بالاعتراف ، لا الاستنكاف والاعتساف لإحاطته وجمعيّته وسعته ، دونهم .
قال رضي الله عنه : ( ولا وقفت إلَّا مع الأسماء الإلهيّة التي تخصّها وسبّحت الحقّ بها وقدّسته) .
يعني أسماء التنزيه والتقديس :
كالسبّوح ، والقدّوس ، والطيّب ، والطاهر ، والنور ، والواحد ، والأحد ، والعليّ ، وأخواتهم « وما علمت أنّ لله أسماء ما وصل علمها إليها .
كالخالق ، والرازق ، والمصوّر ، والسميع ، والبصير ، والمطعم ، وغير ذلك ممّا يتعلَّق بالتدبير والتسخير والملك والسلطان والنعيم والعذاب والموت والهلاك والسقم والشفاء ، وسائر الأسماء التي تخصّ عالم الأجسام والطبيعة " فما سبّحت الحقّ بها ولا قدّسته ، فغلب عليها ما ذكرناه  .
يعني رضي الله عنه ما عندها من الجمعية السارية في نشأتها بالنفس الرحماني الأحدي الجمعي  وحكم عليها هذا الحال ، فقالت من حيث النشأة .
يعني : بلسان التنافي والتنافر الذي بين الوحدة والبساطة الملكيّتين وبين الكثرة والتركيب الجسمانيّين . "أَتَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها " وليس إلَّا النزاع .
يعني موجب الفساد وسفك الدماء وما شاكلهما وهو النزاع .
" وهو عين ما وقع منهم " في الاعتراض " فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق " والاعتراض على الله عين النزاع مع من لا منازع له ، وجرح آدم عين سفك دمه لأنّه طلب عدم خلقه وإيجاده .
(وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته تقديس آدم.

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته، وليس للملائكة جمعية آدم، ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته، وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته تقديس آدم. )
قوله رضي الله عنه : "فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية ، فإنه ما يعرف احد من الحق إلا ما تعطيه ذاته ، وليس للملائكة جمعية آدم ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها وسبحت الحق بها وقدسته ، وما علمت أن لله اسماء ما وصل علمها إليها فما سبحت الحق بها ولا قدسته"
أي لم تطلع على ما تقتضيه نشأة آدم من الجمعية الإلهية وظهوره بصورة الحق وهويته لكونه مطلوبا بجميع الأسماء ولا على ما تقتضيه الحضرة الإلهية من أن يعبد بعبادة ذاتية أي يطلب عابدا يعبد ذاته بجميع أسمائه فهو من حيث أنه مطلوب جميع الأسماء أعز الموجودات ومن حيث أنه عابد ربه بجميع الأسماء أذل الأشياء إذ لا يعبد الله العبادة الذاتية التامة بجميع الأسماء إلا الإنسان الكامل .
ولهذا عبدوا الحجارة والجمادات فإنه لا يعبد أحد معبودا إلا إذا عرفه ولا يعرف إلا ما تقتضيه ذاته بأن يكون فيه فيدركه بالذوق ، وليس للملائكة جمعية آدم فلم تطلع على الأسماء التي تخص جمعية آدم .
وسبحت الحق وقدسته جمعية آدم بها ولم تعرف أن لله أسماء لم يصل علمها إليها فما سبحت بها ولا قدسته فغلب عليها مقتضى نشأتها .
فقوله : ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها وسبحت الحق بها وقدسته ، معناه بالقياس إلى قوله لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذه الخليفة على ما ذكرته من رجوع الضمير في تخصها وسبحته وقدسته إلى جمعية آدم ظاهر . ووجه آخر وهو أن يكون الوقوف بمعنى الثبات لا بمعنى الاطلاع ، والضمائر الثلاثة ترجع إلى الملائكة .
أي لم يثبت الملائكة مع الأسماء التي تخصها ولم تقف بحكمها حتى شرعت في تجريح آدم وقدحت فيه ، إذ ما عرفت ما في آدم من الأسماء التي لم تعرفها ، فحكم عليها حالها التي هي النقص حتى نسبوا النقص الذي هو مقتضى نشأتها إلى آدم

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته، وليس للملائكة جمعية آدم، ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته، وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته تقديس آدم. )
قوله: (فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذه الخليفة ولا وقفت مع ماتقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية) بيان سبب وقوع الملائكة في التوبيخ.
وليس (الوقوف) هنا بمعنى الشعور والاطلاع وإلا كان الواجب أن يقول: على مايعطيه. فإنه تعدى بـ (على). بل بمعنى الثبوت.
فمعناه: أن الملائكة ما قنعت ولا وقفت مع ما أعطته مرتبة هذه الخليفة أزلا، بحسب نشأته الروحانية، مما هي عليه من التسبيح والتهليل والكمال اللائق بها، بل تعدت عنه وطلبت الزيادة على ما وهبت.
يقال: فلان وقف مع فلان وواقف معه. إذا لم يتعد عنه في السير.
ولم يقف معه. إذا تعدى عنه. وهذا الكلام إشارة إلى ما مر من أن جميع الموجودات ما يأخذون كمالهم إلا من مرتبة الإنسان الكامل، ولا يحصل لهم المدد في كل آن إلا منها، لأن الأسماء كلها مستمدون من اسم (الله) الذي هذا الكامل مظهره.
ويجوز إن يراد بـ (النشأة) ههنا نشأة رتبته الجامعة للنشأتين، ويجوز أن يراد النشأة الروحانية وحدها.
قوله: (ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية) بيان سبب آخر، لذلك أعاد قوله: (ولا وقفت). وقوله: (من العبادة) بيان (ما.) وصلة (تقتضيه) محذوفة. تقديره: مع ما تقتضيه حضرة الحق ويطلبه منهم من العبادة.
ومعناه: أنهم ما وقفوا على ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة التي تقتضيها ذواتهم أن يعبد الحق بحسب الأسماء التي صارت مظاهر لها بالانقياد والطاعة لأمره، أو العبادة التي يقتضيها الذات الإلهية أن يعبد بها. وحضرة الحق حضرة الذات، إذ (الحق) اسم من أسماءها.
قوله: (فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته) تعليل لعدم الوقوف مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة.
أي، لأنه لا يعرف أحد من العباد شيئا من أسماء الحق وصفاته إلا ما تعطى ذات ذلك العبد بحسب استعداده، ولا يعبده أحد إلا بمقدار علمه ومعرفته بالحق، لأن العبادة مسبوقة بمعرفة المعبود من كونه ربا مالكا يستحق العبادة.
وبمعرفة العبد من كونه مربوبا مملوكا يستحق العبودية، فمن لا يعطى استعداد ذاته العلم والمعرفة بجميع الأسماء والصفات،لا يمكنه أن يعبد الحق بجميع الأسماء، لذلك لا يعبد الحق عبادة تامة إلا الإنسانالكامل، فهو العبد التام.
ولاستلزام العبادة المعرفة قال: (فإنه لا يعرف أحد) كما فسر العبادة بالمعرفة في قوله: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
قوله: (وليس للملائكة جمعية آدم) . (الواو) للحال. أي، والحال أن الملائكة ليس لهم جمعية الأسماء التي لآدم، لكونهم يعبدون الله من حيث اسم خاص معين لا يتعدونه عنه، وآدم يعبده بجميع أسمائه.
قوله: (ولا وقفت مع الأسماء الإلهية إلا التي تخصها) أي، تخص الملائكة.
وضمير الفاعل يرجع إلى (الأسماء). (وسبحت الحق بها) أي،بتلك الأسماء.
(وقدسته، وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها) أي، علم الملائكة إلى تلك الأسماء. (فما سبحته بها) أي، بتلك الأسماء. (ولا قدسته).

 خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته، وليس للملائكة جمعية آدم، ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته،وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته تقديس آدم.)
ثم أشار إلى إن نزاع الحق و مخالفته إنما ينشأن عن الجهل بأسراره في أفعاله وأحكامه؛ فقال: (وإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة) من إحاطته بأسرار الخلق وجمعه ما تفرق من ظهورات أسماء الحق.
(ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية) التي تقتضيها جمعية الذات للأسماء، وهي لا تتأتى إلا من المظهر الجامع الأسرارها، وكيف تقف الملائكة على ذلك؟!
(فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته) أي: مسلم أدرك مثاله من ذاته أي: ما تمثل من الغير في ذاته.
(وليس للملائكة جمعية آدم) فتدركها من ذواتهم، (ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها) أي: نشأة آدم إذ لم توجد تلك الأسماء قبل آدم في غيره حتى تتمثل في إدراكات الملائكة، وما عبدت الملائكة الحق بتلك الأسماء المخصوصة فضلا عن العبادة الذاتية، إذ ما (سبحت الحق بها، وقدسته) .
""أي ما وقفت مع الأسماء التنزيهية المخصوصة بهم أيضا؛ لأنها لو وقفت ما اعترضت. أنهم وقفوا مع مقتضى ذواتهم، ولم يقفوا مع مقتضى ذات الخليفة، ولا مقتضى عبادتهم الذاتية إلإلهية؛ لعدم وقوفهم، واطلاعهم بالذاتیات وذلك لعدم علمهم بذات الحق تعالى، فافهم.""
ثم أشار إلى أن جهلهم كان مركبا فقال(وما علمت) الملائكة (أن الله أسماء ما وصل علمها إليها) أي: إلى تلك الأسماء (فما سبحته) أي: الملائكة الحق (بها) أي: بذكر تلك الأسماء (ولا قدسته) بل كانوا يظنون أنهم أحاطوا علما بأسمائه، وسبحوه بكل اسم وقدسوه به، ولذلك أطلقوا في دعوى التسبيح والتقديس.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته، وليس للملائكة جمعية آدم، ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته، وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته تقديس آدم. )
وقوله رضي الله عنه : ( فإنّ الملائكة ) تعليل لقيام الحجّة بالإنسان على الملائكة وبيان لما اتي عليهم ، وأنّه من أين اتي عليهم . 
وذلك أنّ الملائكة لمّا لم يكن لها قدم في النشأة الإطلاقيّة الجمعيّة التي إنّما تترتّب عليها الخلافة الإلهيّة ، وإنّما يؤسّس عليها أركان العبادة الذاتيّة ما أمكن لها الوقوف على أحكام تلك الخلافة ، ولا على
 لوازم تلك العبادة فلذلك (لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذه الخليفة ، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحقّ من العبادة الذاتيّة ) التي لا موقف لأحد فيها غير الإنسان ( فإنّه ما يعرف أحد من الحقّ ) وما يصل بمساعي أقدام العبادة إلى حضرات قربه ( إلَّا ما تعطيه ذاته ) بحسب القابليّة الأولى والفيض الأقدس .
( وليس للملائكة جمعيّة آدم ) بحسب تلك القابليّة على ما بيّن ، ( ولا وقفت مع الأسماء الإلهيّة ، إلَّا التي تخصّها ) من الأوصاف العدميّة والأسماء التنزيهيّة التي عليها مواقف استقرارها ومواطن معرفتها ، ( وسبّحت الحقّ بها وقدّسته ، وما علمت أنّ لله أسماء ما وصل علمها إليها فما سبّحته بها ولا قدّسته) ضرورة أنّ تسبيح العبد للحقّ بحسب معرفته له فأكملهم معرفة أتمّهم تسبيحا وعبادة ، ومن هاهنا ترى العبادة الواردة في التنزيل مفسرة بالعرفان .
وإذ لا يخفى على من تصفّح كلام القوم أنّهم يشيرون إلى منتهى مقام العبد وآخر مراتب عروجه بـ « الموقف » و « الموطن » كما يشيرون ب « القدم » إلى خصوصيّة منهجه ومواطئ طريقه ومسلكه حيث يقولون : « فلان على قدم آدم » ، و « فلان على قدم إبراهيم » لا احتياج في تبيين معنى الوقوف هاهنا إلى تعسّف واضطراب  .
وإذا كان مقتضى جبلَّة الملائكة وما أعطته ذاتها إيّاها إنّما هو الأوصاف العدميّة والأسماء التنزيهيّة ، استولى عليها قهرمان هذا الاقتضاء.

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته، وليس للملائكة جمعية آدم، ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته، وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته تقديس آدم. )
قوله : "فإن الملائكة، لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية . "
فقال : (فإن الملائكة لم تقف)، أي لم تتوقف (مع ما تعطيه)، أي تقتضيه (نشأة هذا الخليفة) وتجاوزت عن مقتضاه.
(ولا وقفت) الملائكة أيضا (مع ما تقتضيه حضرة الحق سبحانه) ويستحقه من العبادة الذاتية التي هي من مقتضيات ذاته وذوات عبيده سبحانه .
وهي الانقياد لأمره والخضوع تحت حكمه .
وإنما لم يقفوا مع ما تقتضيه نشأة هذه الخليفة ولا مع ما يقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية.
قوله : "فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تغطيه ذاته.  وليس الملائكة جمعية آدم . "
(فإنه ما يعرف أحد من الحق سبحانه إلا ما تعط ذاته) من الأسماء التي هو مظهرها (وليس للملائكة جمعية آدم)، أي جامعيته للأسماء كلها .
فما عرفوا من الحق الأسماء التي تخص آدم وهي الأسماء الثبوتية التشبيهية.
فما عرفوا من آدم الجمعية الأحدية الكاملية المقتضية لرعاية الأدب معه والنزول إليه والدخول تحت حكمه لا الجرح والطعن فيه.
وانبعث بهم معنى الحسد والتعصب وصار غشاوة بصر بصيرتهم "الذي" تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية.
فلا جرم تجاوزوا عن مقتضى شأنه ولم ينقادوا لأمر الحق خلافته.
قوله : "ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها وسبحت الحق بها وقدسته، وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته "
(ولا وقفت) أيضا (مع الأسماء الإلهية التي تخصها) وهي الأسماء السلبية التنزيهية وتجاوزت عن مقتضاها.
فإن مقتضاها وهي شطر من الأسماء الإلهية الانقياد لمن نشأته تعمها .
وغيرها من تلك الأسماء (وسبحت" الملائكة"  "الحق" سبحانه (بها)، أي بتلك الأسماء عطف على تخصها (وقدسته) أيضا بها .
ولما كان منشأ عدم وقوفهم مع مقتضى تلك الأسماء عدم علمهم بما عداها مما هو في نشأة الخليفة .
صرح الشيخ رضي الله عنه بها عاطفا على قوله : ولا وقفت
فقال : (وما علمت) ، أي الملائكة (أن الله سبحانه أسماء) أخرى غير ما سبحوه بها (ما وصل علمها)، أي علم الملائكة (بها)، أي بتلك الأسماء الأخرى كالخالق والرازق والمصور والسميع والبصير والمعظم.
وغير ذلك مما يتعلق بالنعيم والعذاب والموت والهلاك والسقم والشفاء وسائر الأسماء التي تخص عالم الأجسام والطبيعة (فما سبحته) أي الملائكة الحق سبحانه بها)، أي بتلك الأسماء. "ولا قدسته" كما يسبحه آدم ويقدسه .
فإن قلت: ما معنى التقديس والتنزيه في الأسماء المنبئة عن التشبيه؟
قلنا : فيها تقديس وتنزيه عن الانحصار في التنزيه .
فحال التقديس التنزيه عن الانحصار في التنزيه أو التشبيه أو الجمع بينهما
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:02 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة العاشرة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:24 pm

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة العاشرة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة العاشرة: الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته، وليس للملائكة جمعية آدم، ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته، وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته تقديس آدم.)
قال المصنف رضي الله عنه : ( فإن الملائكة، لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة و لا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية .  فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته. و ليس للملائكة جمعية آدم) . 

قال الشارح رضي الله عنه : 
( فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذه الخليقة ): أي ما وقفت مع اقتضاء حقيقة هذه الخليقة لعدم علمها بها . 
( و لا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق تعالى من العباد الذاتية) و هي الانقياد الذاتي . 
حيث قال تعالى لهم: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)" سورة البقرة . 
فكان ينبغي لها السمع و الطاعة، فالتبست عليها صورة الإخبار بصورة الشهوة، فما وفقت على حد الإطاعة و الإنصات، و الانقياد حتى قالت ما قالت . 
فإنه (ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته) تعريفا، أو تجليا و المعرفة الإلهية للملائكة بالتعريف لا بالتجلي كما اعترفوا بذلك.
و قالوا: (لا عِلْم لنا إلّا ما علّمتنا ) . 
( و ليس للملائكة جمعية آدم) حتى يعلم مقتضى الذات، فلهذا فاتها الانقياد الذاتي بخلاف الإنسان .
أما ترى أنه عبد الحجر، و المدر، و الجماد و ما ذلك إلا من المعرفة بالاقتضاء الذاتي، و الإدراك الذوقي، و ليس للملائكة تلك المعرفة الذاتية، بل ما لها إلا تنزيه بحت، فافهم . 

( و لا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصّها، و سبحت الحق بها، و قدّسته) : 
أي ما وقفت مع الأسماء التنزيهية المخصوصة بهم أيضا لأنها لو وقفت ما اعترضت. حاصل مجموع الكلام: إنهم ما وقفوا مع مقتضى ذواتهم، و لم يقفوا مع مقتضى ذات الخليقة، و لا مقتضى عبادة ذاتية إلهية لعدم وقوفهم، و اطلاعهم بالذاتيات و ذلك لعدم علمهم بذات الحق تعالى، فإنها ما تدرك أصلا، فإذا لم تدرك فلا تدرك ذاتياتها لأنها فرعها، فافهم .  
ولاوقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها وسبحت الحق بها و قدسته،  وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته.فافهم

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:01 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الحادية عشرة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:25 pm

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الحادية عشرة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الحادية عشرة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
قال رضي الله عنه : (فغلب عليها)، أي على الملائكة. (ما ذكرناه) من عدم وقوفها مع ما تعطيه النشأة الخليفة وما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية وعدم جمعيتها للأسماء الإلهية التي في آدم عليه السلام غير ما يخصها منها.
(وحكم عليها هذا الحال) المفهوم من جملة ما ذ?ر فحملها على ما ظهر منها.
(فقالت : من حيث النشأة)، أي قولا يقتضيه وجودها المخصوص وتشخيصها المعين فشرحت حالها بمقالها الظهور المقول فيه لها في مرآتها على حسب استعدادها والذي قالت هو (أتجعل فيها ) 30 سورة البقرة. أي في الأرض ("من يفسد فيها") فاستفهمت بطريق النهي عما طلب الله تعالى منها التكلم فيه بحسب ما عندها . (وليس) هذا الفساد الذي قالته (إلا النزاع) مع الله تعالى.
(وهو)، أي ذلك النزاع (عين ما وقع منهم) بقولهم: ذلك اقتضته حقیقتهم القاصرة عن كمال من قالوا ذلك في حقه.
(فما)، أي الذي قالوه في حق آدم عليه السلام من نسبة الفساد في الأرض إليه (هو عين ما هم فيه) حين قولهم ذلك (مع الحق) تعالی بعد سماعهم أن ذلك المجعول في الأرض خليفة له تعالى فقد نازعوا الله سبحانه بما قالوه فيه .
(فلولا أن نشأتهم) التي خلقوا عليها من قصورها عن درجة الخليفة (تعطی ذلك) القول منهم (ما قالوا في حق آدم ) عليه السلام .
(ما قالوه وهم لا يشعرون ) بأنه فيهم لا في آدم عليه السلام .
لأنه مقتضى نشأتهم القاصرة عن نشأة آدم عليه السلام الجامعة، ولا شك أن كل من قال في غيره شيئا إنما تصور ذلك الغير أولا في مرآة استعداده ثم أخبر عنه على حسب ما وجده فيها .
فما أخبر إلا عن استعداده فالقاصر يخبر بالقصور والكامل بالكمال (فلو عرفوا نفوسهم) من حيث ما هي ناشئة في تلك النشأة المخصوصة القائمة بتجلي اسم خاص وأنها قاصرة عن النشأة الجامعة التي للخليفة.
(لعلموا ما فيهم) من القصور عن نشأة الخليفة (ولو علموا) ذلك (لعصموا)، أي لحفظوا باعترافهم بالقصور عما وقعوا فيه من الطعن فيمن هو أعلى منهم.
فإن قلت هذا الكلام يشعر بعدم عصمة الملائكة للجمع عليها.
قلت : المراد بعصمتهم المجمع عليها عصمتهم من المخالفات والمعاصي.
وكلامهم ذلك في شأن هذه الخليفة الذي لم يكن موجودة حينئذ ليس بمخالفة ولا معصية.
وإنما هو بحسب ما عندهم من العلم بمن سئلوا عنه ممن لم يعرفوا مثله قبله أبدا.
فتكلموا فيه على مقتضى ما أعطاهم استعدادهم فأخطؤوه ولو علموه لحفظوا من ذلك.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
قال رضي الله عنه : (فغلب عليها ما ذكرناه وحكم عليها هذا الحال) فأخرجهم عن حد الاعتدال (فقالت من حيث النشأة) الخاصة بهم (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) ما قالوا في حق آدم من الإفساد وسفك الدماء.
(وليس إلا النزاع) أي نزاع آدم عليه السلام مع الحق (وهو) أي هذا النزاع (عين ما وقع منهم فما قالوه في حق آدم) من المخالفة والمنازعة لأمر الحق (هو عين ما هم فيه مع الحق) وهذا من إعطاء نشأتهم.
(فلولا أن نشأتهم تعطى لهم ذلك) المذكور (لما قالوا في حق آدم ما قالوه) وفيه اعتذار من جانبهم (ولكن لا يشعرون) أنهم كانوا أصحاب النزاع بقولهم أتجعل وذكر الشعور دون العلم يدل على أن نزاعهم مع الحق تعالى.
قد بلغ غاية الظهور فكان كالمحسوس المشاهد فإذا لم يشعروا مخالفة أنفسهم مع الحق لم يعرفوا نفوسهم وأحوالهم.
(فلو عرفوا نفوسهم لعلموا) ربهم ولم يعلموا (ولو علموا) ربهم (لعصموا) عن قولهم في حق آدم كما عصموا بعد العلم بإظهار الحجة عليهم

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
قوله:  "وما علمت أن الله أسماء ما وصل علمها إليها، فما تغلب عليها ما ذكرناه، وحكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: "أتجعل فيها من يفسد فيها" (البقرة: 30). وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق.
فلو لا أن نشأتهم تعطى ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا."

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
"فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال".
فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم.
فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق.
ثم قال رضي الله عنه : " فلولا أنّ نشأتهم تعطي ذلك ، ما قالوا في حق آدم ما قالوه " .
يعني رضي الله عنه : النزاع والاعتراض من حيث ما ذكرنا من سراية أحدية جمع النشأة الطبيعية الكليّة ، « وهم لا يشعرون » بذلك لغلبة الحال وحكم البساطة والوحدة بالفعل ظاهرا ، وأعطى ذلك هذا الاعتراض والسعي في الجرح ، فقالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون .
قال رضي الله عنه : ( فلو عرفوا نفوسهم ، لعلموا ولو علموا لعصموا ) .
أي إنّ مقتضى ذاتهم ونوريّتهم وبساطتهم هو عدم الاعتراض والاعتساف ، والاتّصاف بحقائق الإنصاف . لعصموا عن وقوع المنازعة .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
قال رضي الله عنه : "فغلب عليها ما ذكرنا وحكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة " أَتَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها ".
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم .
فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق ،
فلو لا أن نشأتهم تعطى ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون .
فلو عرفوا نفوسهم لعلموا ولو علموا لعصموا"
شرعت في تجريح آدم وقدحت فيه ، إذ ما عرفت ما في آدم من الأسماء التي لم تعرفها ، فحكم عليها حالها التي هي النقص حتى نسبوا النقص الذي هو مقتضى نشأتها إلى آدم
، فقالت :" أَتَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ ".
- لأنها أدركت بنقصها نقص آدم وما تحت حيطتها ومرتبتها من خواص القوة الشهوانية والغضبية واحتجبت عما فوق نشأتها من الأسماء التي ليست لها فأظهرت النزاع الذي هو حالها ومقتضى نشأتها لأن إدراك النقص والاحتجاب عن الكمال عين الإنكار والنزاع.
فكان ما قالوا في حق آدم عين ما هم فيه مع الله

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
قوله رضي الله عنه : "فغلب عليها ما ذكرناه، وحكم عليها هذا الحال."
فقالت من حيث النشأة: (أتجعل فيها من يفسد فيها)  أي، ما وقفت الملائكة مع الأسماء التي تخص الملائكة وسبحت الحق بها وقدسته. (فغلب عليها) أي، على الملائكة.
(ما ذكرناه) من عدم الوقوف مع ما أعطته مرتبة الإنسان الكامل ومع ما اقتضته حضرة الحق منهامن العبادة والانقياد لكل ما أمر الله به. (وحكم عليها) أي، على الملائكة.
(هذا الحال) أي، عدم الوقوف (فقالت من حيث النشأة) أي، من حيث نشأتهم الخاصة بهم: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟)
ولا ينبغي أن تحمل (النشأة) على النشأة العنصرية الإنسانية ليكون معناه: فقالت هذا القول من حيث النشأة الجسمية التي هي لآدم، مع غفلتهم عن النشأة الروحية والمرتبية.
لأن قوله: (فلولا نشأتهم تعطى ذلك، ما قالوا في حق آدم ما قالوا) تصريح على أن المراد بالنشأة هنا هي النشأة التي تخصهم.
أي، قالت الملائكة من حيث نشأتهم التي هم عليها: (أتجعل فيها من يفسد فيها؟)و(التسبيح) أعم من (التقديس) لأنه تنزيه الحق عن نقائص الإمكان والحدوث.
و (التقديس) تنزيهه عنها وعن الكمالات اللازمة للأكوان، لأنهامن حيث إضافتها إلى الأكوان يخرج عن إطلاقها ويقع في نقائص التقييد.
قوله : (وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم، فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق) أي، ليس هذا المعنى الذي غلب وحكم عليهم، وهو القول فيحق آدم، إلا المنازعة والمخالفة لأمر الحق، وهو، أي النزاع، عين ما وقع منهم مع الحق، فما قالوه في حق آدم من النقص والمخالفة هو عين ما هم فيه مع الحق، إذ ليس ذلك النقصان المنسوب إلى آدم إلا المنازعة والمخالفة للحق. وهو، أي ذلك النقصان، عين ما وقع منهم حالة الطعن فيه.
قوله : (فلو لا أن نشأتهم تعطى ذلك، ما قالوا في حق آدم ما قالوه، وهم لا يشعرون) أي، فلو لا أن نشأتهم التي حجبتهم عن معرفة مرتبة آدم تعطى ذلك النزاع.
ماقالوا في حق آدم ما قالوه، وهم لا يشعرون إن استعداداتهم وذواتهم يقتضى ذلك الذي نسبوا إلى آدم، كما قيل: "كل إناء يترشح بما فيه."
وهذا تنبيه على أن الملائكة التي نازعوا في آدم ليسوا من أهل الجبروت، ولامن أهل الملكوت السماوية، فإنهم لغلبة النورية عليهم وإحاطتهم بالمراتب يعرفون شرف الإنسان الكامل ورتبته عند الله وإن لم يعرفوا حقيقته كما هي، بل الملائكة الأرض والجن والشياطين الذين غلبت عليهم الظلمة والنشأة الموجبة للحجاب وفي قوله: "إني جاعل في الأرض خليفة".
بتخصيص (الأرض) بالذكر، و إن كان الكامل خليفة في العالم كله في الحقيقة، إيماء أيضا بأن ملائكة الأرض هم الطاعنون، إذ الطعن لا يصدر إلا ممن هو في معرض ذلك المنصب، وأهل السماوات مدبرات للعالم العلوي بالقصد الأولى، وللسفلى بالقصد الثاني.
وإذا حققت الأمر وأمعنت النظر، تجدهم في هذه النشأة الإنسانية أيضا أنهم هم المفسدون - كما قال الله: "ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون".
ألا ترى أن القوة الشهوية والغضبية هما ملكان من ملائكة الأرض، هما اللتان تغلبان على النفس الناطقة ويجعلان لها أسيرا منقادا لأفاعيلهما وأغراضهما.
وعند ذلك تصير النفس (أمارة بالسوء) فهم المفسدون في الحقيقة.
وكون السفك والفساد صادرا من القوى الجسمانية لا الروحانية القلبية، دليل واضح على ما ذهبنا إليه من أن أهل الجبروت والملكوت السماوية لا يتنازعون مع الحق ولا يخالفون أمره ونهيه، إذ القوى الروحانية والقلبية لا يتأتى منهم ما يخالف أمر الله، فافهم
تنبيه
اعلم، أن هذه المقاولة يختلف باختلاف العوالم التي يقع التقاول فيها: فإن كان واقعا في العالم المثالي فهو شبيه المكالمة الحسية.
وذلك بأن يتجلى لهم الحق تجليا مثاليا كتجليه لأهل الآخرة بالصور المختلفة  كما نطق به حديث
(التحول)، وإن كان واقعا في عالم الأرواح من حيث تجردها فهو كالكلام النفسي.
فيكون قول الله لهم إلقاؤه في قلوبهم المعنى المراد، وهو جعله خليفة في الأرض من غيرهم. وقولهم عدم رضاهم بذلك وإنكارهم له، الناشئين من احتجابهم برؤية أنفسهم وتسبيحهم عن مرتبة من هو أكمل منهم، واطلاعهم على نقائصه دون كمالاته.
ومن هذا التنبيه يتنبه الفطن على كلام الله ومراتبه:
فإنه عين المتكلم في مرتبة، ومعنى قائم به في أخرى كالكلام النفسي وإنه مركب من الحروف و معبر بها في عالمي المثالي والحسي بحسبهما.
كما بينا في رسالتنا المسمى بكشف الحجاب عن كلام رب الأرباب. والله أعلم.
قوله : (فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا) أي، لو عرفوا ذواتهم وحقائقهم، لعلموا لوازمها من كمالاتها ونقائصها وعدم علمها بمرتبة الإنسان الكامل، وبأن لله تعالى أسماء ما يحققوا بها.
ولو علموا ذلك، لعصموا من نقائص الجرح لغيرهم وتزكية أنفسهم.
ولما كان العلم اليقيني موجبا لخلاص النفس عن الوقوع في المهالك غالبا،
قال، رضى الله عنه: (ولوعلموا لعصموا.)

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟ 
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون.  فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )

قال رضي الله عنه : (فغلب عليها) أي: على الملائكة (ما ذكرناه) أي: لا من كون كل منهم محجوبا بنفسه.
(وحكم عليها هذا الحال) أي: الجهل المركب الموجب لظن احاطتهم بالأسماء الإلهية، وبما في الأكوان من أسراره مع جهلهم لجمعية آدم، واختصاصه ببعض الأسماء الإلهية.

وهي التي لم يصل علمهم إليها بل رأوه قاصرا عن تجلي الأسماء الإلهية التي تجلت فيهم، فقالت: (من حيث النشأة ) الجسمانية لأدم المشتملة على العناصر المتقابلة الطبائع التي بها الكون، والفساد المشتملة على الشهوة والغضب بما فيها من الهواء والنار ("أتجعل فيها") أي: في الأرض ("من يفسد فيها") بطلب شهواته، ويسفك الدماء بثوران غضبه.
ثم زاد عليهم الشيخ فه بقوله: (وليس) أي: فساد آدم وأولاده (إلا النزاع) مع الحق بالاعتراض عليه فيما لا تبلغه عقولهم، والسخط بقضائه فيما لا يوافق طباعهم، ومخالفة أوامره ونواهيه.
(وهو) أي: النزاع المعبر عنه بالفساد فيه قول الملائكة الذين طعنوا به في حق آدم (عين) أي: مثل (ما وقع منهم) مع الحق حيث اعترضوا عليه، وإذا كان طعنهم في آدم نزاعا مع الحق، وهم سابقون على أدم في ذلك.
(فما قالوه في حق آدم) من الفساد (هو عين ما هم فيه) الآن من النزاع (مع الحق) سابقون على أدم فيه، فهم أولى بذلك الطعن.
ثم إنهم لما طعنوا في أدم بما رأوا فيه من مبدأ الفساد، وقد سبقوه في استحقاق ذلك الطعن، وهو حادث لا بد له من سبب هو مبدؤه فلا بد فيهم من مبدأ الفساد أيضا، وهو الجهل المركب والحجاب المذكوران.
(فلولا أن نشأتهم تعطي ذلك) النزاع مع الحق (ما قالوا في آدم ما قالوه) ، من نسبة الفساد إليه مع أن النزاع مع الحق أعظم أنواعه (وهم لا يشعرون).
أن ما طعنوا في حق آدم نزاع مع الحق، ولا أنه فساد ناشئ من نشأتهم؛ فهذا جهل آخر مركب فيهم (فلو عرفوا نفوسهم لعلموا) ما في نشأتها من الجهل، والحجاب اللذين هما من مبادئ الفساد؛ فلذلك وقع منهم النزاع مع الحق، والدليل على ذلك: أنهم (لو علموا) أن الفساد الذي طعنوا به في حق آدم غير ما هم فيه "ما هم عليه وفيه الآن بالطعن والنزاع مع الحق سبحانه في آدم " (لعصموا) عن هذا الطعن، وسلموا عن النزاع مع الحق الذي هو أعظم أنواع الفساد.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟ 
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )

قال رضي الله عنه :  ( فغلب عليها ما ذكرناه ) من عدم الجمعيّة التي لآدم .
وعدم وقوفها مع الأسماء كلَّها وعدم العلم بأنّ للحقّ أسماء وراء ما عندها ( وحكم عليها هذا الحال ) ، أي غلبها أحكام هذا السلوب والأوصاف العدميّة ( فقالت من حيث النشأة ) أي نطقت لسان نشأتها هذه بقولها : ( "أَتَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها " ) مستنكرة للحق فيه .
ساعية لآدم بعدّ قبائح أوصافه العدميّة مثنية على أنفسها بعدّ محامد أوصافها السلبيّة كلّ ذلك من مقتضى نشأتها التي على محض التجرّد والتقدّس العدمي .
والدليل على أنّ ذلك القول إنّما صدر منها من حيث نشأتها أنّ ما نسبوه لآدم إنّما هو الفساد (وليس ذلك إلَّا النزاع ، وهو عين ما وقع منهم فما قالوه في حقّ آدم ) من الفساد ( هو عين ما هم فيه مع الحقّ . فلو لا أنّ نشأتهم تعطي ذلك ، ما قالوا في حقّ آدم ما قالوه ، وهم لا يشعرون ) .
أنّ ذلك القول هو عين ما نسبوه إلى آدم ، ضرورة أنّ صدور الآثار إذا كان من المبادي من غير شعور بها ولا رويّة ، دليل على أنّها من محض الجبلَّة ونفس الطبيعة .
( فلو عرفوا نفوسهم ) الجزئيّة بحقائقها وخصوصيّاتها ( لعلموا ) أن ذلك القول عين الإفساد ، وأنّ تجريح آدم به تجريح لأنفسهم ، ( ولو علموا ) ذلك ( لعصموا منه ) .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
قوله رضي الله عنه : "فغلب عليها ما ذكرناه، وحكم عليها هذا الحال."
(فغلب عليها)، أي على الملائكة (ما ذكرناه) من عدم وقوفهم مع الأمور الثلاثة (وحكم عليها)، أي على الملائكة (هذا الحال) أي غلبة ما ذكرناه عليهم أو ما ذكرناه وهو عدم وقوفهم معها .
"فقالت من حيث النشأة : "أتجعل فيها من يفسد فيها" آية 30 سورة البقرة."
(فقالت) أي الملائكة (من حيث النشأة) التي تخصهم بلسان التنافي والتنافر الذي بين الوحدة والبساطة الملكيتين، وبين الكثرة و التركيب الإنسانيين.
"أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " آية 30 سورة البقرة .
"وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق."
(وليس) ما ينسبونه إلى آدم من الإفساد وسفك الدماء (إلا النزاع) و المخالفة لا من الحق (وهو)، أي ذلك النزاع (غير ما وقع منهم) مع الحق من اعتراضهم عليه في جعله آدم خليفة.
(فما قالوه في حق آدم) مع الحق من النزاع والمخالفة (هو عين ما هم فيه مع الحق) منهما حال اعتراضهم على الحق والطعن في آدم
"فلولا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعون. "
(فلولا أن نشأتهم تعطي ذلك) النزاع مع الحق سبحانه ويقتضي ذلك الاعتراض (ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون) مع الحق سبحانه.
"فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا."
(فلو عرفوا نفوسهم)ونشأتهم التي تخصهم لعلموا أن ما قالوه هو النزاع مع الحق سبحانه الذي هو من لوازم نشأتهم وأحكام نفوسهم (ولو علموا) ذلك(  لعصموا) من الإقدام على النزاع فإنهم من الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم، فلو علموا أن ما قالوه نزاع مع الله سبحانه و عصيان لأمره ما وقع منهم ذلك القول.
وإنما وقع منهم الذهول عن هذا المعنى.
وأيضا ليس من مقتضى الإنصاف إذا أطلع أحد على أمر مذموم في نفسه أن يطعن به في غيره ويجرحه
 .


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 6:00 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الحادية عشرة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:26 pm

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الحادية عشرة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الحادية عشر :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟  وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق.   فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون.
فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
قال المصنف رضي الله عنه :  ( فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: أتجْعلُ فيها منْ يـفْسِدُ فيها [ البقرة: الآية 30] .  و ليس إلا النزاع و هو عين ما وقع منهم فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق . فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه و هم لا يشعرون .  فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، و لو علموا لعصموا) . 

قال الشارح رضي الله عنه : 
فغلب عليها ما ذكرناه)، و هي الأسماء التشبيهية المؤثرة في الكون، فغلب عليها ما ذكرناه و هو عدم العلم و الوقوف بالأسماء و المراتب و المواطن .
( و حكم عليها هذا الحال) و هو الغلبة المذكورة، فقالت من حيث النشأة: أي باقتضائها لأنها طبيعية تعطي التشاجر، و التخاصم، و التحالف . 
فقوله: النشأة يحتمل أن يريد بها نشأة آدم: أي حين عرفت أن نشأته عليه السلام مركبة من الأضداد من الحقائق المختلفة، و الطبائع المتنافرة، فحكمت بوقوع الفساد من ذلك لعلمها بالحقائق، و كذا وقع الأمر . 
و لكن فاتهم أن الفساد قد يكون عين الصلاح، و الإفساد عين الإصلاح، و كيف لا؟! و الفاعل ربّ حكيم عليم . 
و قد قال تعالى"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)" سورة البقرة . 
و الرب هو المصلح لغة، فما وقفوا على مقصود الحق من خلق الخليقة، و لو لم يكن الأمر كما وقع لتعطلت من الحضرة الإلهية أسماء كثيرة لا يظهر لها حكم . 
قال صلى الله عليه و سلم :  "لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون، فيغفر لهم"  
فنبه فيه أن كل أمر في العالم إنما هو لإظهار حكم اسم إلهي، و إذا كان هكذا الأمر: أي كما وقع فلم يبقى في الإمكان أبدع من هذا العالم و لا أكمل، و فساده عين الصلاح، و إفساده عين الإصلاح مع أن السفك يدل على الغلبة، و العزة التي لصاحب المرتبة ذي المنعة، و القوة، و الشوكة . 
قال تعالى: "فانظرْ كيْف كان عاقبةُ المُفْسِدِين" [ الأعراف: 103] . 
قالوا: الخلافة العامة والعزة التامة، حتى قيل فيهم: "وللّهِ العزُّة ولرسُولهِ وللْمُؤْمِنين"[ المنافقين: 8].
مع أن العزة لله، فإن عزتهم عزة الحق من مقام وحدة الوجود لله جميعا، فافهم الإشارة: أي إلى أنهم عين الحق . 
يستفاد من مجموع الآيتين، فإن كنت من أهلها أقل من هذا يكفيك، و إن لم تكن من أهلها، فكل الموجود و لو كان لسانا ما يكفيك، فافهم . 
وإنما وقع الغلط من استعجالهم بهذا القول من قبل أن يعلموا حكمة الله تعالى فيه، و ما حملهم على ذلك إلا الغيرة التي فطرت عليها في جناب الله سبحانه و يحتمل أن يراد من النشأة لنشأتها: أي أنها قالت: من حيث نشأتها و مقتضائها لأنها طبيعية :  أي مخلوقة من الطينة . 

ولولا أن الملأ الأعلى له جزء من طبيعة، و يدخل من حيث هيكلها النورية المادية التشاجر، و الخصام لما اختصمت، فإن الخصام من التنافر، و التنافر من التركيب، فإذا تجرّد لا خصام، و لا نزاع . 
قال رضي الله عنه في "الفتوحات ":
لا بد في نشأتها من المنازعة، و لا سيما المولد من الإمكان فإنها مولدة من مولد، فلو وقفوا مع روحانيتهم و تجردهم، فلم يقولوا ما قالوا بل يقولون: ذلك إليك تفعل ما تريد. انتهى كلامه رضي الله عنه . 
و ذلك لأن أول جسم خلقه الله تعالى الأرواح المهيمة و منهم: العقل الأول، و أمّا النفس الكل التي هي اللوح المحفوظ، فهي بواسطة العقل، فكل ملك خلق بعد هؤلاء، فداخلون تحت حكم الطبيعة، فهم من جنس أفلاكها التي خلقوا منها، و هم عمارها إلى أن ينتهي إلى ملائكة خلقت من العناصر إلى أن ينتهي إلى ما خلقت من أعمال العباد و أنفاسهم . 

قال تعالى:" أتجْعلُ فيها منْ يُـفْسِدُ فيها" [ البقرة: 31]، و هذه الأداة لا تكون إلا من الأعلى إلى الأدنى . 
كما قال تعالى:" وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) " سورة المائدة .
استفهام التقرير بما هو به عالم ليقيم الشهادة على نفسه بما ينطق به مع أنها ذات عيوب الغير، و هي بعينها فيها، و لم ترها في نفسها التي اتصفت بها في الوقت شيئا، و بعدها  شيء من حيث لم يشعر، فافهم .

( و ليس إلا النزاع) قال رضي الله عنه: المنازعة هي المخالفة، و المخالفة هي الخصام و الخصام من الطبيعة، و لا يكون إلا بين الضدين، و من هذه قالت ما قالت و رجّحت تدابيرا كونيا على تدبير إلهي و هو من أكبر الفسادات مع أنه تعالى وصف نفسه الكريمة بأنه:" يدِّبـرُ الْأمْر" [ السجدة: 5] . 
وما وصف نفسه إلا أن يعرف أنه ما يعمل شيئا إلا ما يقتضيه حكمة الوجود و أنه أنزله موضعه الذي لو لم ينزله فيه لم يوف الحكمة حقها، و هو الذي أعطي كل  شيء خلقه، ثم هدى. 

قال رضي الله عنه: أي يبين أن الله تعالى أعطى كل شيء خلقه، حتى لا يقول أحد ينبغي كذا، يقتضي كذا .  
قال تعالى: "إنِّي أعِظك أنْ تكُون مِن الجاهِلين" [ هود: 46] . 
قال رضي الله عنه من هذا المقام: إن الله عصمني من القهر، فلم أنازع قط، و كل مخالفة تبدوا مني كمنازع، فهي تعليم لا نزاع، فافهم . 
( و هو عين ما وقع منهم) وقعت فيما غابت به غيرها، و نازعت في الإطاعة و الانقياد، و قالت ما قالت، و وقعت في الفساد و هم لا يشعرون، و كذلك وقع منها سفك الدماء . 
ذكر رضي الله عنه في الباب الرابع و الخمسين و مائة من "الفتوحات ":  
إن الملائكة التي أنزلها الله في بدر كانوا من الملائكة، أو هم الملائكة التي قالوا في خلق آدم عليه السلام قالوا: "أتجْعلُ فِيها منْ يُـفْسِدُ فيها و يسْفِكُ ِّ الدماء" [ البقرة: 30]، فأنزلها الله سبحانه في بدر، فسفكوا، ووقعوا فيما عابوا به، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
و لو لم تعترض الملائكة ما ابتليت بالسجود، فلما علم الحق منها السعوف و العلو على آدم عليه السلام، فأنزل بهذا العضال دواء شافيا، فأمرهم بالسجود، فلمّا تحسّوا هذا الدواء حسوا برئوا من الزهو، و علموا أنه يفعل ما يريد، و ما ابتلوا به إلا عن إغضاب دقيق خفي لا يشعر به إلا  الراسخون . 
و هكذا كل انتقام إلهي يقع بالظلم لا يكون إلا بعد إغضاب، و تحصيل معرفة الإغضاب على غاية الاستقصاء حتى يجتنبوا عنه في غاية الصعوبة، فإنه من علم الأسرار ما يعرفه كل أحد . 

و كان حذيفة اليماني صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم عالما به، فلهذا سمّي بهذا الاسم: أي صاحب السرّ، و ليس علم أنفع منه في حق الأولياء، ذكره رضي الله عنه في الباب الحادي و الأربعين و ثلاثمائة من "الفتوحات" . 
و كل ذلك من عدم العلم و الكشف بحقائق الأمور وعدم الاطلاع بأحكام القضاء و القدر . 
أما ترى اعترافها عليها السلام حين أعلمهم الله تعالى حقيقة الأمر أنها قالت : "سبحانك لاعِلْم لنا إلّا ما علّمتنا" [ البقرة: 32] . 
أمّا قولهم: "و ما مِنّا إلّا لهُ مقامٌ معْلومٌ " [ الصافات: 164] فاعتراف منهم أن لهم حدود يقفون عندها، و لا يتعدونها، ولكن لا ندري أنه وقع هذا قبله أو بعده، و ترى أكمل الخلق وجودا، و أعلمهم بالله علما، و كشفا، و شهودا مع العلم العام التام، فإنه صلى الله عليه و سلم علم علم الأولين و الآخرين أنه يقول :  "لا أدري ما يفعل بي و لا بكم". 
هذا هو الأدب المطلوب، و الاعتناء الإلهي حفظه أن يطلق الكمال لنفسه، و يدّعيه لذاته على الإطلاق مع أن له الحق، فافهم .

( فلو عرفوا نفوسهم) ورد في الخبر :  "فإن من عرف نفسه فقد عرف ربه، و من عرف ربه عرف حظه منه"  .
( لعلموا) أنهم من بعض قواه عليه السلام، (و لو علموا) أنهم من بعض قواه (لعصموا) من بركة العلم على التجريح، فإنه لا يجرح أحد نفسه . 
أو نقول: لو عرفوا نفوسهم، عرفوا ربهم، فإن  "من عرف نفسه، فقد عرف ربه، و من عرف ربه علم مواقع خطاياه، و من عرف مواقع خطاياه لعصم من الزلل".
و لكن لم يعرفوا لأن هذا النوع من العرفان مخصوص للإنسان، فلم يعلموا فما عصموا، و وقع ما وقع، فافهم . 

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 5:58 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثانية عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:27 pm

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثانية عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثانية عشر :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
(ثم لم يقفوا مع التجريح)، أي الطعن والقدح المذكور (حتى زادوا) على ذلك (في الدعوى بما)، أي بالذي (هم عليه من التقديس) لله تعالى.
(والتسبيح) له حيث قالوا: "ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك" 30 سورة البقرة.
وإنما تسبيحهم وتقديسهم بما توجه على نشأة كل واحد منهم من الأسماء كما ذكرنا (وعند آدم) عليه السلام (من الأسماء الإلهية) بطريق ظهور نشأته ، مجموعة من كل شيء وكل شيء صورة ملك سماوي.
وكل شيء أثر من تجلي اسم خاص يسبح ربه بذلك الاسم ويقدس له (ما)، أي أسماء إلهية (لم تكن الملائكة)، من حيث كل واحد منهم منفردة كما ذكرنا (مطلعين عليها) في أنفسهم ولا في غيرهم.
فإن آدم عليه السلام جمع لأثر كل اسم إلهي في نشأته المخصوصة فهو يسبح الله ويقدس له بجميع تلك الأسماء.
(فما سبحت) الملائكة (ربها بها)، أي بتلك الأسماء كلها التي في آدم من حيث كل ملك منها (ولا قدسته)، أي طهرته تقديسا صادرا (عنها) عن تلك الأسماء كلها.
مثل (تقديس آدم) عليه السلام (وتسبيحه) فإن عبادة الكامل كاملة وعبادة القاصر قاصرة.
ولهذا قال عليه السلام: «ركعة من عالم بالله خير من ألف ركعة من جاهل بالله»، والعلم بالله يتفاوت ففضيلة الركعات تتفاوت، وكذلك كل عبادة .
(فوصف)، أي ح?ي (الحق) تعالى (لنا) في القرآن العظيم (ما جرى) بين آدم عليه السلام والملائكة عليهم السلام وإبليس عليه اللعنة (لنقف عنده).
أي عند ما جرى فلا تتعداه بتبرئة الملائكة عما صدر منهم مما تقتضيه حقائقهم ونعترف لآدم عليه السلام بما وصفه الله تعالى من الكمال .
ونصف إبليس بما صدر منه من الكفر والعناد والجحود للفضيلة الظاهرة.
(و نتعلم الأدب مع الله تعالى) في كل مقام أقامنا فيه لا نتعداه (فلا ندعی) أبدا بألسنتنا ولا بقلوبنا (ما)، أي الكمال الذي (أنا متحققون به).
فضلا عن عدم تحققنا بذلك بأصحاب العلوم القاصرة عن مرتبة التحقيق.
(وحاوون عليه) بالاطلاع المحقق من الكتاب والسنة (بالتقييد) متعلق بالدعاوى، أي بتقييد دعوانا بذلك الذي فينا فقط.
(فكيف أن نطلق في الدعوى)، أي إطلاقا (فنعم بها ما ليس لنا) من الكمال (بحال) من الأحوال.
(وما أنا)، أي نحن (منه على علم) فنفتري بذلك على الله تعالى أنه وضع ذلك فينا ، ولم يكن وضعه على نفوسنا أن ذلك فيها وليس فيها .
والمراد بدعوى ما فينا المذمومة فضلا عما ليس فينا الدعوى الصادرة من قبل النفس الزكية لها كما.
قال تعالى : " فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى" 32 سورة النجم.
وأما التكلم بالله تعالى لا بالنفس في إظهار ما انطوى عليه العبد من الكمال بنية شكر نعمة الله تعالى فليس ذلك بمذموم .
كما قال تعالى: "وأما بنعمة ربك فحدث" 11 سورة الضحى.
وليس ذلك مراد الشيخ قدس الله سره، لأنه سمي ذلك دعوى والدعوى لا تكون إلا بالنفس للتزكية، وغير ذلك شكر لا دعوى.
ولهذا قال : (فنفتضح)، أي بظهور عجزنا وقصورنا في الدنيا ومؤاخذتنا بذلك في الآخرة ولا افتضاح في الشكر بل فيه المزيد من النعمة .
كما قال تعالى: "لئن شكرتم لأزيدنكم" 7 سورة إبراهيم.


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
(ثم لم يقفوا مع التجريع حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس والتسبيح) وثم لبعد مرتبة دعوى التزكية عن التجريح لأن فيه ارت?اب النهي ظاهرا كقوله تعالى: "فلا  تزكوا أنفسكم " 32 سورة النجم. بخلاف قولهم : أتجعل فيها وحتى للتجاوز عن الحد وفيه نوع من التشنيع والتوبيخ (و) الحال أن (عند آدم) كان (من الأسماء الإلهية) بيان لقوله ما وهو أي ما فاعل للظرف (ما لم تكن الملائكة) مشتملة (عليها)، ولم يكن تلك الأسماء عند الملائكة يعني ما علمت الملائكة هذه الأسماء التي علمها آدم.
(وما علمت أن الله تعالى أسماء ما وصل علمها إليها فما سبحته ولا قدسته) لحصرهم الأسماء والتسبيح والتقديس فيما هم عليه .
(فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقدیس آدم وتسبيحه) مع أنهم ظهروا عليه بدعوى التسبيح والتقديس بقولهم : "ونحن نسبح" 30 سورة البقرة.
فادعوا ما لم يتحققوا به ولم يكونوا بحال ولا على علم منه وتركوا الأدب مع الله فوقعوا في الخجالة بعد ان?شاف أحوالهم إليهم لذلك :"قالوا سبحانك لا علم لنا" 32 سورة البقرة
(فوصف الحق) فحكي (لنا) الحق في القرآن الكريم (ما جرى) من أحوال الملائكة وآدم (لنقف عنده ونتعلم الأدب) مع الله تعالى ?یف، نقف عند الحق تعالى نتأدب معه ونهتدي ولا نتجاوز الحد.
(فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون) أي و مشتملون (عليه) مع صدقنا في دعوانا قوله (بالتقييد) متعلق بلا ندعي (فكيف أن نطلق في الدعوى ننعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح) الظهور عيوبنا عند ان?شاف أحوالنا (فهذا التعريف الإلهي) وهو قصة آدم عليه السلام مع الملائكة ومن في قوله : (مما) للتبعيض أو للتبيين أي بعض ما (ادب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء) فإن غيرهم لا يتأدب بمثل هذه التعريفات الإلهية وفي إيراده قدس سره هذه القصة في كتابه دلالة على كمال علمه وأدبه مع الله عز وجل وحسن خلقه مع الناس .
وهي أن المؤمنين الذين نازعوا وطعنوا في إظهار المعاني التي لا يعرفها عقل بطریق نظر ف?ري بمنزلة الملائكة الذين نازعوا وطعنوا في آدم فنفسه قدس سره بمنزلة آدم .
فكما كان آدم لا يغضب على الملائكة بسبب قولهم في حقه "أتجعل فيها" 30 سور البقرة .
فكذلك الشيخ لا يغضب على الذين يظنون السوء في حقه لتحققه بقوله تعالى: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس " 139 سورة آل عمران.
فكما أن ما قالوه في حق آدم عین مخالفتهم لأمر الحق فكذلك المؤمنون الذين قالوا في حقه من الذم والطعن عين مخالفتهم الأمر الحق لأن إبراز الكتاب لا يكون إلا عن أمر الله .
فمن ظن السوء في حقه و نسب إليه ما لا يليق للمؤمنين أن يتصفوا به يخشى عليه الافتضاح في وقت المعاينة يخبر عنه قوله : "فنقتضح" .
ولما فرغ عما وجبة تقديمه من حكاية الملائكة وغيرها .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
قوله:  "ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقدس آدم وتسبيحه."
فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا يدعى ما أنا محقق به و حاوى عليه بالتقييد.
فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لی بحال ولا أنا منه على علم فنفتضح؟ "
فلم تعلم الملائكة أن جمعية آدم على الأسماء لم يعرفوها فما سبحوه بها ولا قدسته الملائكة بمعاني مراتبها.
وقالت من حيث نشأة آدم"أتجعل فيها من يفسد فيها " (البقرة: 30) لما رأت جسمه مر?با من أركان متضادة. فعلمت أن بنيانه منهم:
منهممن يغلب عليه الركن الناري وهو الصفراء، فيكون طیاشا خفيفا يتسرع إلى الأقوال والأفعال التي لا يتثبت فيها فيقع منه الفساد، يفعل ما لا ينبغي في الوقت الذي لا ينبغي.
منهم: من يغلب عليه الركن الهوائي وهو الدم، فيجد في جسده قوة تأمره بالانتقام ممن لا يستحق أن ينتقم منه.
ومنهم: من يغلب عليه الجزء المائي وهو البلغم، فيكون قاصرا عن الحركة فيما يجب أن يتحرك فيه، فيفوته ما يجب في الوقت الذي يجب، ويستبرده من غلب عليه الركن الهوائي الدموي فينشط إلى إفساد حاله، لأنه يطمع فيه لرخاوته هذا في طبع البشر.
ومنهم: من يغلب عليه الركن الترابي، فيكون السوداء غالبة عليه فيكون صاحب توهم ووسواس وأفكار ردية، فيفعل بمقتضاها ما لا يجب ويفوته ليبس مزاجه ما يجب.
وهذه أحوال كلها تقتضي الفساد فأشارت الملائكة إلى ذلك بقولهم: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " (البقرة: 30).
وما علمت أن آدم والخواص من بنيه ممن ذكر في هذه الفصوص، لهم الاعتدال الذي يقتضي لهم قول ما يجب، وفعل ما يجب في الوقت الذي يجب، وأن ذلك الاعتدال يقتضي لهم أن يكون نشأتهم جامعة الأسماء إلهية ليست عند الملائكة.
و قوله: ثم نرجع إلى الحكمة فتقول: أعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة لا تزال عن الوجود العینی.
ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عینی، بل هو عينها لا غيرها أعنی أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها.
فاستناد ?ل موجود عینی لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة.
وسواء كان ذلك الوجود العینی مؤقتا أو غير موقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلى المعقول نسبة واحدة.
غير أن هذا الأمر الكلی يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، ?نسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي.
فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة، كما أن الحياة متميزة عنه.
ثم نقول في الحق تعالى: إن له علما وحياة فهو الحى العالم.
ونقول في حق الملك: إن له علما وحياة فهو الحي والعالم.
ونقول في الإنسان: إن له علما وحياة فهو الحي والعالم.
وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة.
ونقول في علم الحق: إنه قدیم، وفي علم الإنسان إنه محدث.
فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية.
فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه: عالم، حكم الموصوف به على العلم بأنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم.
فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه.
ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الوجود العيني. فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل والتجزيء.
فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة.
وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عینی قد ثبت، وهي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع وهو الوجود العينى وهناك فما ثم جامع وقد وجد الارتباط بعدم الجامعة فبالجامع أحق.
ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه ولإمكانه بنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.
ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود بذاته غنيا في وجوده بنفسه غیر مفتقر، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه.
ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به. ولما كان استناده إلى من ظهر لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود لكن وجوبه بغيره لا بنفسه.
ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالی في العلم به على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آياته فيه "وفينا" فاستدللنا بنا عليه.
" سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)" سورة فصلت
فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.
فلما علمناه بنا ومنا نسينا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا. فوصف نفسه لنا بنا، فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.
ولا شك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تمیزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولولا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد.
فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه الإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه.
فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم. فلا تنسب إليه مع كونه الأول. ولهذا قيل فيه الآخر.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
قال رضي الله عنه : " ثمّ لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس والتسبيح .
وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة تقف عليها فما سبّحته بها ، ولا قدّسته عنها تقديس آدم وتسبيحه" .
قال العبد : اعلم : أنّ التسبيح تعريف الحق والثناء عليه بأسماء السلب والتنزيه ، ولمّا كان في نشأة آدم من حقائق الكمال ونقائضها من النقائص التي ليست في نشآت الملكية .
فما أثبت الملائكة على الحق أي وما عرفته من حيث تلك الكمالات الخصيصة بالجمعية الإنسانية ، ولا نزّهت الحقّ ولا قدّسته ولا سبّحته عن نقائض تلك الكمالات من النقائص تسبيح ذوق وتقديس حال .
تقديس آدم وتسبيحة لكونه جامعا لحقائق الكمالات ونقائضها وعدم جمعية الملائكة ، فافهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فوصف الحقّ لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلَّم الأدب مع الله تعالى ، فلا ندّعي ما أنا متحقّق به وحاو عليه بالتقيّد فكيف أن نطلق في الدعوى ، فنعمّ بها ما ليس لي بحال ، ولا أنا  منه على علم . فنفتضح ؟ !) .
يعني رضي الله عنه : كما ادّعت الملائكة مطلقا في التسبيح . " فنفتضح ؟ ! " عند المطالبة ، ونتعرّض المعاتبة .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
"ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس والتسبيح وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه"
شرعت في تجريح آدم وقدحت فيه ، إذ ما عرفت ما في آدم من الأسماء التي لم تعرفها ، فحكم عليها حالها التي هي النقص حتى نسبوا النقص الذي هو مقتضى نشأتها إلى آدم
، فقالت :" أَتَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ ".
- لأنها أدركت بنقصها نقص آدم وما تحت حيطتها ومرتبتها من خواص القوة الشهوانية والغضبية واحتجبت عما فوق نشأتها من الأسماء التي ليست لها فأظهرت النزاع الذي هو حالها ومقتضى نشأتها لأن إدراك النقص والاحتجاب عن الكمال عين الإنكار والنزاع.
فكان ما قالوا في حق آدم عين ما هم فيه مع الله
( فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى ، فلا ندعى ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد ) أي ما أن كل واحد منا محقق به وحاو عليه والمحقق لا يلتفت لفت العبارة فلا حرج في أن تختلف الضمائر بالجمع والتوحيد ، والمراد أن الحق تعالى قص لنا القصة لنتعلم الأدب معه ، فلا نعترض ولا ندعى فيما تحقق عندنا ولا نشك فيه أنه علمنا أو حالنا على التعيين والتقييد لأنه علم الله
( فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لي بحال ولا أنا منه على علم, فنفتضح) أي فكيف ندعى ما ليس بعلمنا وحالنا ، أو لا ندعى أنه هو الحق على التعيين والتقييد وليس وراءه علم. والافتضاح يشير الى حال الملائكة امام الله وآدم عليه السلام.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
قوله : (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس والتسبيح) أي، ما اكتفوا بالطعن والجرح في آدم، بل زكوا أنفسهم وظهروا بدعوى التقديس والتسبيح، ولو علموا حقيقتهم، لعلموا أن الحق هو المسبح والمقدس لنفسه في مظاهرهم، وأن هذه الدعوى توجب الشرك الخفي.
قوله: (وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة تقف عليها، فما سبحتربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه) .
"الملائكة" هنا هم الطاعنون في آدم، أو الملائكة مطلقا، ليكون (اللام) للعهد في الأول والجنس في الثاني، وكلاهما حق.
فإن كلا منها له مقام معين، لا يمكن له التجاوز عنه ولا تسبيح له إلابحسب ذلك المقام، بخلاف الإنسان فان مقامه يشتمل على جميع المقامات،علوا وسفلا، وهو مسبح فيها كلها، يعلم ذلك من أحاط علمه بمطلع قوله تعالى: و "إن من شئ إلا يسبح بحمده".
وشاهد كيفية تسبيحهم الحسى والمثالي والمعنوي بلسان حالهم واستعدادهم في كل حين، وعرف أنه مسبح في مراتب نقصانه، كما أنه مسبح في مراتب كماله، فنقصانه أيضا من وجه كماله ألا ترى أن (التواب) و (الغفار) و (العفو) و (الرؤف) و (الرحيم) و (المنتقم) و (القهار) .
وأمثالها يقتضى المخالفة والذنب، كاقتضاء (الرب) المربوب و (الرزاق) المرزوق.
فالحكمة الإلهية اقتضت ظهور المخالفة من الإنسان ليظهر منه الرحمة والغفران، كما جاء في الحديث القدسي: "لو لم تذنبوا، لذهبت بكم وخلقت خلقا يذنبون ويستغفرون فأغفر لهم."
وأيضا، المخالفة للأمر في الظاهر إنما هي للإنقياد بمقتضى الإرادة في الباطن، إذ كل يعمل بمقتضى الاسم الذي هو ربه، فهو في عين الطاعة لربه عند الإتيان بالمعصية وإن كان مخالفا للأمر في الصورة.
وأيضا، الذنب يقتضى الانكسار والافتقار إلى الرحمة والرجاء في المغفرة، و عدمه غالبا يقتضى العجب والأنانية، وهو أشد من الذنب كقوله، عليه السلام:
(... لو لم تذنبوا، لخشيت عليكم ما هو أشد من الذنب: ألا، وهو العجب العجب العجب).
ولهذه الحكمة خلق آدم بيديه، أي بصفاته الجلالية و الجمالية.
ولذلك ظهر في ابني آدم، قابيل وهابيل، ما كان مستورا فيه من الطاعة والمخالفة، فظهر أن الطاعة في أحدهما والمخالفة في آخر.
(فوصف الحق لنا ما جرى) أي، في العلم بين أعيانهم، أو في العالم الروحاني بين أرواحهم. قوله : "لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى، فلا ندعي مانحن متحققون به، وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى، فنعم بها ماليس لنا بحال، ولا نحن عنه على علم فنفتضح"
"فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء" ظاهر  .


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
قالرضي الله عنه : (ثم) أي: بعدما ذكرنا ما فيهم من الجهل المركب والحجاب والنزاع مع الحق؛ ففيهم جهل آخر مركب أشد منه، وفساد آخر: وهو أنهم (لم يقفوا) أي: لم يقتصروا (مع التجريح) أي: تجريح آدم بنسبة الفساد إليه مع أنه عين ما هم فيه (حتى زادوا في الدعوى) أي: دعوى الكمال المطلق لأنفسهم (بما هم) أي: بسبب ما هم (عليه من التسبيح والتقديس)، فقالوا: "ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك" [البقرة:30].
فأطلقوا كأنهم يحيطون بوجوه التسبيح والتقديس.
ولم تتم لهم هذه الدعوى إذ (عند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة تقف عليها فما سبحت ربها) أي: بذكرها والعمل بمقتضاها، (ولا قدسته) تقديسا صادرا عنها أي: عن معرفتها (تقدیس آدم وتسبيحه)؛ فهو المسبح المقدس على الكمال والإطلاق دونهم، وإذا كان حال المعترض على الحق والمنازع له هكذا.
(فوصف) أي: بين (الحق لنا) أي: لوعظنا واعتبرنا (ما جرى) بينه وبين ملائكته مع إلزامه إياهم حجته البالغة (لنقف عنده) بالتأمل فيه، ونعتبر بذلك نزاعنا مع الحق في مخالفة أوامره ونواهيه "والجدل مع الحق بما نعلمه"، (ونتعلم الأدب مع الله تعالی)؛ فلا نعترض عليه في شيء من أفعاله وأحكامه، ولا نجرح أحدا من عباده بذكر نقصه مع دعوى الكمال لأنفسنا.
(فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه) دعوى مقرونة (بالتقييد) بمقدار ما تحققنا به وحوينا عليه مخافة تعدي الدعوى إلى ما وراءه .
(فكيف) يسوغ لنا (أن نطلق في الدعوى فنعم بها) أي: بتلك الدعوى إثبات (ما ليس لنا بحال) من الكمال، (ولا نحن منه على علم) فضلا عن الحال (فنفتضح؟) كما افتضحت الملائكة بتلك الدعوى بذكرها في الكتاب الذي لا يزال الجمهور يتلوه في الأمصار والأغوار إلى يوم القيامة.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
قال رضي الله عنه : ( ثمّ لم يقفوا بالتجريح) لآدم وعدّ مثالبه ، ( حتّى زادوا في الدعوى بما هم  عليه من التقديس والتسبيح - وعند آدم من الأسماء الإلهيّة ما لم تكن الملائكة عليها ) كالأسماء الوجوديّة والأوصاف الثبوتيّة التي هي مقتضى طرف التشبيه ( فما سبّحت ربّها بها ، ولا قدّسته عنها تقديس آدم وتسبيحه ) ضرورة أنّ تقديسه في عين التشبيه ، الذي هو حقيقة التقديس كما أنّ تسبيحه في نفس الحمد ، الذي هو حقيقة التسبيح .
والفرق بين « التقديس » و « التسبيح » أنّ التسبيح تنزيه الحقّ عن طروّ الأوصاف ، والتقديس تطهيره عن شوائب النسب مطلقا ، فالأوّل له طرف الظهور ، كما أنّ للثاني طرف البطون ويؤيّد ذلك قوله تعالى : " إِنَّ لَكَ في النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا " ، وما يقال : «" سبحات الوجه وقدس الذات ".
ويلوّح عليه ظهور سين «السر» في «سبّح» ببيان حاء «الحمد » ، وفي « قدّس » قاف قابليّته دائر منه ظاهر به ، فله الحكم عليه ، ولذلك تراه مستقلَّا متفرّدا فيه وفي عدده ، وأمّا سبح : فله عقد العين الظاهرة  .
ويمكن أن يجعل قوله : «حتّى زادوا في الدعوى» إشارة إلى ما ادّعوا في تسبيحهم أنّه بالحمد ، فإنّه زيادة في الدعوى على ما هم عليه من التسبيح البحت الذي يقابله الحمد .
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا بيّن أنّ منشأ مقابلة الملائكة لآدم ومعارضتها له ، إنّما هو نشأتها المجرّدة المقدّسة المائلة إلى طرف الإطلاق العدمي المقابل للتقييد من الجمعيّة الاعتداليّة القابلة لظهور الإطلاق الحقيقي التي لآدم ، فسقط ما قيل هناك : "إنّ الملائكة التي نازعوا آدم هي ملائكة الأرض والجنّ والشياطين لا غير" .
كيف ، وهم مسخّرون تحت قهرمان أمره وضبطه الجامع ، لقوله تعالى :" وَسَخَّرَ لَكُمْ ما في السَّماواتِ وَما في الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْه ".
فلو خصّص نوع منها بتلك المقابلة لكان أهل الجبروت أولى بذلك من غيره على ما لا يخفى .
ثمّ ها هنا نكتة حكميّة تنطوي على أصل : وهي أنّ للعدم نسبة إلى الذات اختصاصيّة ، وللوجود إلى الوجه كذلك كما لا يخفى على الواقفين بالرموز الحرفيّة ألا ترى أنّ الأسماء التنزيهيّة أظهر دلالة على الذات ، كما أنّ الأوصاف الثبوتيّة أبين لزوما للوجه ، وهي مقتضية للخفاء والكمون ، كما أنّه يقتضي الظهور والبروز .
وهذا الحكم له سريان في جميع المراتب ، ففي مرتبة الأفعال يظهر بصورة الأمر والنهي ، وفي مرتبة صورتها وأحكامها الشرعيّة المشعرة يسمّى بالطاعة والذنب ومما علم من هذه النكتة : سرّ العبادة الذاتيّة ووجه اختصاصها بالإنسان.
الغرض من ذكر القصص في القرآن
ثمّ اعلم أنّ القصص الواردة في التنزيل مؤدّاها ليست مقصورة على حكاية أمم وأشخاص في الأزمنة السالفة قد انقرضت بانقراضها كما هو مبلغ أفهام محابيس مطمورة الزمان من أرباب العقائد التقليديّة والرسوم الراسخة العادية .
حيث يقولون بألسنة اعتقاداتهم : « إنّها أساطير الأوّلين » جلّ عن ذلك بل إنّما هي حكاية أحوال الحقائق على ما هي عليه ، وبيان مراتب كمالها ، على ما نطقت به ألسنة استعداداتها المتشخّصة في الأفراد من الأزل إلى الأبد منطوية على جلائل الحكم ولطائف النكت ، كما يطلعك على شيء منها ما في قصّة مقابلة الملائكة المقدّسة مع الحقيقة الجمعيّة الآدميّة .
فإنّ من أفرادها من اكتنف بالخصائص الروحانيّة ، وتشخّص بالملكات الملكيّة ، حيث اعتزل عن الامتزاج مع بني نوعها والاختلاط بهم ، وترهّب عن تناول المستلذات وقضاء الشهوات فانفتح به عليه أبواب اللطائف القدسيّة ، وانكشف له من الحكم الإلهيّة والمعارف التنزيهيّة .
فهو الذي يقابل المحمّديين أرباب العدالة الحقيقيّة والملكات الإنسانيّة - من الواصلين إلى الأمر الوسط الجامع بين التجرّد والتعلَّق ، الحائز للتنزيه والتشبيه ، الذي عليه حقيقة التوحيد ، على ما هو موطن بلوغ الكمال الإنساني والخلافة الآدميّة .
فالمجرّد المترهّب لم يزل ينازعهم في استيهال تلك الخلافة ، ولذلك ترى ألسنة أحواله يفصح دائما عن مؤدى قوله تعالى : " أَتَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ".
فأشار إلى ذلك بقوله رضي الله عنه : ( فوصف الحقّ لنا ما جرى لنقف عنده ) أي عند ادعاء الكمال ( ونتعلَّم الأدب مع الله تعالى ) في مواقف مخاطبته ( فلا ندّعي ما نحن محقّقون به ) بحسب القابليّة الأصليّة ( وحاوون عليه ) بالعلم الشهودي ( بالتقييد ) كما نقول في مشهدهم هذا مثلا : « نحن نسبّحك بتوفيقك ومشيّتك » أو «نسبّحك تسبيح تنزيه» (فكيف أن نطلق في الدعوى). 
ونقول : « نحن نسبّحك » مطلقا عن أن نقيّد بالتوفيق من الله ومشيّته أو « نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ » ( فنعمّ بها ) أي بالدعوى ( ما ليس لنا بحال ) من إضافة الفعل مطلقا إلى أنفسنا ، وحالنا - نحن معاشر العبيد - على ما كان في العدم الأصلي ، فمصدريّتنا للأفعال إنّما يكون بتوفيق الله ومشيّته ( ولا نحن منه على علم ) من الجمع بين التسبيح والحمد وأدائه به (فنفتضح) لدى الاختبار
 .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
قوله : "ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس والتسبيح ."
(ثم لم يقفوا مع التجريح) في آدم (حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس) حيث أطلقوا في دعوى التسبيح والتقديس ولم يتقيدوا بما هم عليه منهما .
فتبادر منه أنهم يسبحونه ويقدسونه كل التسبيحات والتقديسات وليس الأمر كذلك ?یف .
قوله : "وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة تقف عليها ؛ فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه."
(وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة مطلعين عليها فما سبحت) الملائكة (ربها بها)، أي بتلك الأسماء (ولا قدسته)، أي الملائكة الحق (عنها)، أي عن نقائصها على حذف المضاف.
فإن التقديس بالأسماء ليس عن أنفسها بل في كل تقديس باسم تقدیس عن نقيصة (تقدیس آدم و تسبیحه) تقدیس ذوق و تسبیح وجدان
قوله :  "فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونعم الأدب مع الله تعالى."
(فوصف الحق سبحانه لنا ما جرى) بينه سبحانه وبين الملائكة في حق آدم (لنقف عنده)  أي عند ما جرى .    
ولا يتجاوز عما اقتضاه من التأدب بين يدي الحق أو عند الحق.
أي أمره وحكمه ونتعلم الأدب مع الله سبحانه وتعامل معه بحسب ما تقتضيه مرتبته.
قوله : "فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد ."
(فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه) من الكمالات (بالتقييد) فإن الكمالات كلها.
إنما هي لله سبحانه ظهرت فينا وتقيدت بحسب استعداداتنا وفابلياتنا والظهور بادعائها.
إنما هو من العجب والأنانية.
قوله : "فكيف أن نطلق في الدعوى , فنعم بها ما ليس لنا بحال, ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ "
(فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها)، أي بالدعوى.
(ما ليس لنا بحال) من الكمالات (ولا نحن معه على علم فنفتضح ) عند الله سبحانه وعند عباده العارفين بالأمور على ما هي عليه.

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 5:57 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثانية عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:28 pm

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثانية عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثانية عشر : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال المصنف رضي الله عنه :  ( ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس.  وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه.  فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
قال المصنف رضي الله عنه : [ ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس و التسبيح .  وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة تقف عليها فما سبحت ربها بها و لا قدسته عنها تقديس آدم و تسبيحه ] . 

قال الشارح رضي الله عنه : 
( ثم لم يقفوا مع التجريح) و هو قولهم: "منْ يُـفْسِدُ فيها و يسْفِكُ ِّ الدماء" [ البقرة: 30] . 
لم يكن ينبغي لهم ذلك لأن الله تعالى قال: "و لا يغتبْ بعْضُكُمْ بعْضاً أ يحِب أحدكُمْ أنْ يأكُل لحْم أخِيهِ ميْتاً فكرهْتمُوهُ واتّـقُوا اللّه إنّ اللّه توّابٌ رحِيمٌ " [ الحجرات: 12] . 
( حتى زادوا في الدعوى) يعني: وقفوا مع التجريح إلى أن زادوا في الدعوى و كل مدع مطالب بالبرهان على صحة دعواه فإن البينة على المدّعي، فاحتاجت إلى البينة و الشهود و الشهود و لا بد له من التزكية، فزّكّت أنفسها بلا شهود وغفلت عن قوله: " فلا تزُّكوا أنْـفُسكُمْ " [ النجم: 32] فمن التزكية و نعت في الدعاوي و التجريح من حيث لا تشعر .
( بما هم عليه من التسبيح و التقديس ) و هو قوله سبحانه: "ونحْنُ نسبِّحُ بحمْدِك ونقدسُ لك" [ البقرة: 31] . 
مع أنه تعالى أخبر: إن كل شيء يسبح بحمده، و لكن هنا فرق آخر، و هو: إن تسبيح العالم يثبت بشهادة الله تعالى . 
حيث قال: "و إنْ مِنْ شيْءٍ إلّا يسبِّحُ بحمْدِهِ" [ الإسراء: 44]: أي بحسب علمهم و قدر معرفتهم، فيكون ضمير بحمده راجعا إلى كل  شيء لأنهم قدّروا الله حق قدره، و تسبيحهم بأدعيائهم . 
وإن كان في نفس الأمر يحتمل أن يكون موافق الحق.
و لكن ما نعلم أن اختيارهم بهذا من الاتفاقات الحسنة و من التعريف الإلهي لأن المسبح أثبت على نفسه الحجاب، و لا يكون المسبح في حالة الشهود لأن الشهود فناء، و العالم لا يفتر عن التسبيح طرفة عين لأن تسبيحه ذاتي كالنفس للمتنفس، فدلّ أن العالم لا يزال محجوبا، و طلبهم بذلك التسبيح هو المشاهدة.
فخلق الإنسان على صورته و أعطاه دوام المشاهدة، و عرف الملائكة بمرتبته السنية، و أخبرهم: إن لهم بهذه الكرامة .

أما ترى قول الشيخ الأكبر رضي الله عنه في "الفتوحات" أنه قال: 
كل العالم يسبح غير الإنسان الكامل لأن التجلي له دائم، و حكم الشهود له لازم يا ليت شعري!
لو قالت: نسبحك بحمدنا: أي بما نحن عليه كان يخلصهم لأن كل أحد ما يسبح إلا بحمده: أي بقدر علمه و كشفه . 
قال تعالى تنبيها لذلك"و ما قدروا اللّه حقّ قدْرهِ " [ الأنعام: 91] فافهم . 
( و عند آدم الأسماء الإلهية) من حيث التحقق و التخلق، لا من حيث التخلق، و بأنوار هذه الأسماء يظهر مسمياتها خلقا و خلقا مما يتعلق بالذات و الصفات و الأفعال في الإلهيات و مما يتعلق بأجناس الممكنات و أشخاصها جملة تفصيلا، و هذه الأنوار التي كانت لآدم خلقا حين علم جميع الأسماء، و تحقق بها حيث علم كيفية التأثير في الوجود بالأسماء كانت له بالتعليم أو بالوضع الإلهي لا بالتعليم بالاصطلاح المعتاد، و في ذلك تكون الفضيلة و الاختصاص، فقد أحضر الله تعالى أعيان المسميات، فقال تعالى: "فقال أنبئوني بأسْماءِ هؤُلاءِ إنْ كُنْتمْ صادِقين" [ البقرة: 31] .  
من جملة المسمّين أعيان الملائكة عليهم السلام فما عرفوها ذوقا، فإن علوم الأكابر ذوق، و الذوق إنما يكون عن تجلّ إلهيّ لا عن تعريف، و لا لهم هذا التجلي فلا لهم ذوقه .
فقالوا: "لا عِلْم لنا" فعلم آدم الأسماء الإيجادية كلها، و أسند إلى نفسه إيجادهم بالأسماء التي هم مظاهرها، و التي أوجد بها الملائكة المتعرضين، و استندوا إليها، فافهم . 
إن هذا تعليم الأسماء المؤثرة في الكون، و هذا هو التعليم الإلهي الذي وقع في نفس الأمر لا ما يحتمل عقلا، و يمكن و هما كما هو المتبادر لإفهام القاصرين، و الفائدة إنما هي فيما وقع لا فيما يمكن، و هذا هو الفرق بين أهل الكشف مما يقولون، و بين أهل النظر و الفكر مما يتوهمون، فافهم . 
حتى نعلم رتبة الملك عن آدم، فإنه متأثر عن مؤثر، و لآدم رتبة الإيجاد عليها فافهم . 
و هذا حيث ألاح له لوائح القدم يعني: عطاء مرتبة الوجود ، و أخرجه غير حيطة الإمكان، فجعله خلافا للملائكة فافهم . 
في صفائح العدم، و رجع قهقري بالسبك، و الفك إلى البساطة بتحليل التركيب و فناء البناء و الرسم، و ذلك رجوع بالعرفان لا بذهاب العين و الاسم . 
و ما كلّ عين بالجمال  قريرة .....   و ما كلّ من نودي يجيب

إذا ( ما لم تكن الملائكة عليها ): أي على الأسماء الإلهية التي استند إليها المشار إليهم بهؤلاء في إيجادهم و أحكامهم، كأنه تعالى يقول توبيخا لهم و تقريرا: هل سبحتموني بهذه الأسماء، و قدّستموني بها؟
حيث ادعوا نحن نسبح بحمدك، و نقدّس لك . 
( فما سبحت ربها بها ): أي بالأسماء الإيجادية التي بها الإله إله، و بها يؤثر في الكون ( و لا قدسته عنها تقديس آدم و تسبيحه) لأنه سبحه كل إنسان و هو الدليل عليه بكل برهان، و المعلم بكل الأسماء .
قال تعالى: "وعلّم آدم الْأسْماء كُلّها" [ البقرة: 31] و من جملة الأسماء التي توجّهت لإيجاد الملائكة، و بيان ذلك التجلي في الأنوار الطبيعية المختصّة بآدم عليه السلام فهو التجلي الصوري المركب، فيعطي من المعارف بحسب ما ظهر فيه من الصور وهو يعمّ الملك والفلك وغيرها . 
قال رضي الله عنه: ومن هذا التجلي نعرف صلاة كل صورة وتسبيحها، وكل قد علم صلاته وتسبيحه، وهو كشف جليل . 
و من هنا يدرك أن كل  شيء يسبح بحمده تسبيحا ذاتيا و لكن على قدر علمه بنفسه، فينزه من كل ما هو عليه من الحوادث به أعني: الحوادث المختصّة به لا مطلقا . 
و لهذا السرّ يختلف تنزيه الحق و تسبيحه، و أن تسبيح آدم تسبيح عن التسبيح و تقديس عن التقديس كما حمد الله، و سبح نفسه . 
و قال: "ليس  كمِثلهِ شيْءٌ" [ الشورى: 11] نزه و شبه في تلك الآية . 
أشار إلى هذا المعنى ما ورد في الخبر في تفسير الآية: "و سبِّحْ بحمْدِ ربِّك" [ الطور: 48]:
أي قل: سبحان الله و الحمد لله إنه صلى الله عليه و سلم جعل التسبيح بالحمد بين تنزيه و تشبيه، فافهم هذه الإشارة، فإن هذا هو تسبيحه بحمده نفسه، فتسبيحه إياه تسبيحه . 

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :  [ فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده و نتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به و حاوون عليه بالتقييد فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال و لا نحن منه على علم فنفتضح؟]

قال الشارح رضي الله عنه: 
(فوصف الحق لنا ما جرى) للملائكة من المعارضة (لتقف عنده و تتعلم الأدب مع الله تعالى) . 
ورد في الأثر المأثور :  "السعيد من وعظ بغيره" 
قيل في المثل: إياك أعني و اسمعي يا جارة . 
بل كان هذا الخبر من الله من قبيل حفظ الصحة على آدم و بنيه قبل قيام العلة، فإنه من ألطف حفظ الصحة، و هو أن يحفظ المحل قبل أن يقوم به مرض وعلة لأنه كان في الاستعداد قبول المرض . 
قال تعالى: "إنِّي أعِظك أنْ تكُون مِن الجاهِلين" [ هود: 46] . 
و ذكر هذه الحكاية منه تعالى لنا من أتمّ المواعظ، وأعلى المنن والاغتناء لتكون من السعد الذين وعظوا بغيرهم . 
( فلا تدّعي ما نحن متحققون به) مع أن الدعوى له حق، و التحدي به صدق كخاتم النبوّة صلى الله عليه و سلم أنه علم علم الأولين و الآخرين . 
و مع هذا قال : "لا أدري ما يفعل بي و لا بكم". لا يدّعي العلم والكشف مع العلم والكشف . 
و هكذا الولاية المحمّدية فإنه خاتم الولاية، و لا يصرّح القول بدعواه و النص عليه أصلا . 
( و حاوون عليه بالتقييد ): أي فلا ندّعيه و هو مختص بنا، و نحن مشتملون عليه أما ترى أن للإنسان الكامل ظهورا في المرتبة، و مع هذا نصب عينيه حكم ليس لك من الأمر  شيء، بل إذا ظهرت عليه أحوال.
وصدرت منه آثار وأفعال يقول: هي لله تعالى الظاهر بأسمائه، فما لنا و الدعوى فنحن لا شيء في حال كوننا مظاهر له و في غير هذا المحال، فللعبد ترك الدعوى و التبري عنه أولى، و إن كان ترك الدعوى من الدعوى، ولكن التبري من الدعوى بالدعوى أليق و أحرى، وهذا كله لتعلم شؤم الدعوى وراحة تركها.

قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": 
هذا المقام يسمّى راحة الأبد و القائم فيه مستريح و هذا الذي وفى الربوبية حقها لأن الحكم للمرتبة لا للعين . 
فالزهو و الدعوى من أين؟
كالسلطان المتحكّم في المملكة إنما هي المرتبة لا عين ذلك الإنسان، أما ترى حين عزل ما يؤّوّل إليه حاله، فالناصح نفسه لا ينخدع من نفسه، و يرى أن الحكيم وضع خلافته في الأرض . 
و قال:" إنِّي جاعِلٌ في الْأرضِ خلِيفةً" [ البقرة: 30] و لم يقل: في الأرض و السماء مع أنه هكذا، كما أنه في السماء إله، و في الأرض إله حتى لم يزل في مقام الذلة و العبودية في نفسه و لا تحجبه مرتبة الخلافة بالصفات التي أمدّه بها عن رتبة عبوديته، بل منهم من الأدباء الذين يجعلون بينهم و بين نعوت الحق تعالى عند التخلق بأسمائه ما وصف به الملأ الأعلى من تلك الصفة.
فيأخذونها من حيث هي صفة لعبيد من عباد الله مطهّرين، لا من حيث هي صفة للحق أدبا مع الله تعالى حتى لا يكونوا تخلقوا بأخلاق الله تعالى، فهم لا يرجعون من مقام العبودية ولا يجدون طعما للربوبية التي تستحقها هذه الأسماء . 
و هذا الذوق في العارفين عزيز و هو من شيم الأولياء الكرماء الأخفياء الأبرياء، و هذا هو التأسّي بسيد الخلق مع سيادته يقول :  "أنا عبد و أنا بشر مثلكم".
و أيّ أسوة أعظم من هذا التأسّي لمن عقل عن الله تعالى، رحم الله امرؤ عرف قدره و لم يتعدّ طوره، فطوبى لمن كان على صورة تقتضي له المنزلة من العلو و السيادة، و لم يؤثر فيه و لا أخرجته عن عبوديته .
كما قال سيد أرباب الآداب صلى الله عليه و سلم بالأمر الإلهي و التأديب الرباني: " إنما أنا بشرٌ مِثْـلكُمْ" [ الكهف: 110] .
فتلك عصمة و حظ أ وفر، حققنا الله و إياكم بهذا المقام المطلق و الحال المحقق بمنه و فضله الحق . 
( فكيف أن تطلق في الدعوى فتعمّ بها ما ليس لنا بحال و لا نحن منه على علم فنفتضح ): أي عند الله و بين أيدي عباده العالمين بحقائق الأمور، أما ترى الإنسان الكامل و إن وصفه الحق بما وصف به نفسه من جميع الوجوه يعلم أنه لا بد من فارق و ليس إلا افتقاره إليه في الوجود، و  توقف وجوده عليه لإمكانه و غناه . 
فبهذا الاتصاف صحّ له الاتصاف بالأدب و الاقتداء، و لم يفتضح عند كشف الغطاء، و لذلك إن الأكابر منهم لا يتحدثون إلا عن مواجيدهم كل ذلك خوفا من الفضيحة بعد الكشف . 
قال الله تعالى تأديبا لعباده:" فلم تحاجون فِيما ليْس لكُمْ بهِ عِلْمٌ و اللّهُ يعْلمُ و أنْـتمْ لا تعْلمُون[ آل عمران: 66] رفع عنهم رأسا . 
و قال تعالى: "فلا تمارِ فيهِمْ إلّا مِراءً ظاهِرًاً ولا تسْتفْتِ فِيهِمْ مِنْـهُمْ أحداً " [ الكهف: 22] . 
فالناصح نفسه اللبيب الأديب ينبغي أن يقف مع الله، و يترصّد أعلامه تعالى، فإن كان من أرباب التجلي فيترقب التجليات الإلهية بواسطة أو بغير واسطة لأن طرق العلم انحصرت بهذه المراتب حتى لا يفتضح حيث افتضح غيره و يلتحق بالسعداء الذين وعظوا بغيرهم . 

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 5:55 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثالثة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:29 pm

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثالثة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثالثة عشر :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.
ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)
(فهذا التعريف الإلهي) لنا بما وقع بين الملائكة وآدم وإبليس (مما)، أي من جملة الأدب الذي (أدب الحق) تعالى (به عباده الأدباء)، أي الكاملين في أدب المعاملة معه تعالی سرا وجهرا.
(الأمناء) على أسراره ومعارفه (الخلفاء) في أرضه على كافة خلقه، ولهذا ينتفعون به دون غيرهم ممن لم يكن بهذه الصفة .
وحيث فرغ من الكلام في سر إيجاد آدم عليه السلام في هذا العالم شرع في بيان حكمة إنشاء روحه وجسده فقال:
(ثم نرجع إلى الحكمة) الإلهية في الكلمة الآدمية (فنقول) في بيان ذلك .
(اعلم) أولا أيها الطالب للتحقيق والسالك في مسالك أهل العناية والتوفيق.
(أن الأمور الكلية) لهذه الأشخاص الجزئية المحسوسة لنا والمعقولة كالألوان والصور الجسمانية في البصر إذا تشخص الإنسان شيئا من ذلك في الخارج، والأصوات على اختلافها في السمع إذا تشخص شيئا منها بعينه وهكذا سائر المحسوسات ومثلها المعقولات.
فإن كل شخص من ذلك جزئی مشهود بحاسة من الحواس أو بالعقل له أمر كلي كان ينطبق عليه وعلى كل جزئي مثله.
فجميع الجزئيات الموجودات من ذلك متشخصات في الخارج بالوجود العيني لا شبهة في ذلك .
وأما كلياتها المنطبقة عليها كاللون الأبيض مثلا العام الكلي والصورة الفلانية العامة الكلية ونحو ذلك فإنها (وإن لم يكن لها الوجود) في الخارج.
(في عينها)، أي ذاتها الوجود العيني (فهي معقولة)، أي موجودة بالوجود الذهني (معلومة) متحققة (بلا شك في الذهن) لكن علمها في الذهن وتعلقها إنما هو في ضمن تعقل جزئي من جزئياتها على وجه عام وهذا معنى وجودها في الذهن لا في الخارج.
فيبقى تعقل ذلك الجزئي له طرفان :
طرف يسمى فيه تعقل الجزئي.
وطرف آخر يسمى فيه تعقل الكلي.
وليس تعقل تلك الكليات في الذهن تعق عاريا عن تعقل جزئي ما من تلك الجزئيات.
وإلا لكان للكليات وجود خاص في الخارج بغير الوجود الجزئي، لأن الخارج أصل للإدراك وليس كذلك.
بل الكلي موجود في ضمن الجزئي ذهنا وخارجا وجودا مح?وما به لا وجود له عين زائدة عن الجزئي.
فيتلخص من هذا أن الكليات في الذهن عبارة عن جزئیات متشخصة على وجه عام مح?وم من طرف الذهن بعمومها وليس لها في الخارج وجود إلا بالوجود الجزئي فقط من غير حكم بالعموم بل بالخصوص.
(فهي)، أي الأمور الكلية التي لا وجود لها في غير الذهن (باطنة لا تزال) أبدا (عن الوجود العيني) كمن تعقل الإنسان الكلي العام في ذهنه ، فإنه يتعقل شخصا جزئية محكوم عليه من طرف الذهن بالعموم وعدم الخصوص.
على معنى عدم إرادة شخص معين في الخارج، وإلا لكان هذا هو التعقل الإنسان الجزئي .
ثم إن هذا الإنسان الكلي المتعقل في الذهن على الوجه المذكور لا وجود له في الخارج أبدا.
وإنما هو موجود في الذهن فقط لا يزال باطنا عن الوجود الخارجي غير ظاهر له (ولها)، أي لتلك الأمور الكلية الباطنة عن الوجود العيني (الحكم)، أي التحكم والإلزام بالمطابقة (والأثر)، أي التأثير الخاص (في كل ما)، أي شيء من الجزئيات التي في الخارج.
(له)، أي لذلك الشيء الجزئي (وجود عيني) خارجي كالإنسان المتشخص في الخارج.
فإنه فرع من فروع الإنسان الكلي الذهني.
محكوم عليه من طرف ذلك الكلي بالإنسانية عند ظهوره للذهن.
وقد أثر فيه ذلك الكلي المتشخص الجزئي في الذهن (بل هو)، أي ذلك الجزئي الذي له وجود عيني في الخارج (عينها)، أي عين تلك الأمور الكلية (لا غيرها)، إذ تلك الأمور الكلية هي جزئيات متشخصة في الذهن محكوم عليها بالعموم كما ذكرنا.
فهي عين تلك الجزئيات المتشخصة في الخارج ما عدا الحكم فيها بالعموم المذكور، ثم فسر الضمير المفرد لقوله (أعني)، أي اقصد
بقوله : هو بصيغة الإفراد (أعيان الموجودات) بالوجود الخارجي (العينية) الموجودة في عينها التي هي جزيئات لتلك الكليات.
فإنها عينها في حقيقة الأمر لولا الحكم بالعموم في الكليات وبالخصوص في الجزئيات (و) مع ذلك فالكليات الذهنية (لم تزل عن كونها) أمورا (معقولة في نفسها).
وإن كانت عين الجزئيات الخارجية باعتبار وجود التشخص الذهني المحكوم بعمومه ذهنا كما مر.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء. ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)
شرع في المقصود فقال : (ثم نرجع) من القصة (إلى) بيان الحكمة الإلهية (فنقول اعلم) قال مولانا قرمي في شرح مفتاح الغيب للشيخ صدر الدين القونوي أعلم تنبيه وإيقاظ لأمل الطلب والترقي على التوجه الكامل والإقبال التام على إصغاء ما يرد بعده بقلب حاضر وإيماء إلى جلالة قدره.
(أن الأمور الكلية) أي الصفات المشتركة بين الحق والعبد التي يتحقق الارتباط بينهما (وإن لم يكن لها وجود في عينها) أي وجود خارجي في نفسها (فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن) فكانت موجودة بالوجود الذهني (فهي باطنة) ممتنعة الوجود في الخارج من حيث كونها معقولة لكنها (لا تزول) لا تنفك (عن الوجود العيني لها) أي للأمور الكلية (الحكم والأثر)، لأنها صورة الأسماء الإلهية فكانت علة (في كل ما له وجود عيني بل هو) بل الأمر الكلي باعتبار الوجود الخارجي.
(عينها لا غيرهما) ترق في الارتباط فإن كمال الارتباط ونهايته الاتحاد وفيه بشارة عظيمة اللهم ارزقنا بها فكان قوله: (أعني أعيان الموجودات العينية) تفسير لضمير عينها(ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها) مع كونها عين الأعيان الموجودة في الخارج كما لم تزل عن كونها عينها مع كونها معقولة في حد ذاتها.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.  ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)
قوله رضي الله عنه :  "فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء"
قلت: قد تر?ت ما قبل هذا الكلام لأنه لا يحتاج إلى شرح وأما هذا ففيه ذكر الكليات فنحن الآن نتكلم في معنى ما قاله سيدنا، رضي الله عنه.
فيها فنقول: إن الأمور الكلية التي ذكرها، رضي الله عنه، قد تكلم فيها المنطقيون وقد تنزل شيخنا، رضي الله عنه، إلى مبالغ عقولهم في حقيقتها.
فالذي قاله فيها مقول لكني رأيت أن أتكلم بما عندي فيها مما يوافق ما سكت شيخنا، رضي الله عنه، فلم يذكره ههنا وإن كان يعرفه لأنه، رضي الله عنه، أراد أن يؤنس الحكماء والمتكلمين بتنزله إلى مبلغهم.
فأقول: إن كلام الشيخ هاهنا وإن فهم منه تارة أن وجود هذه الكليات ذهني وتارة أن وجودها هو الذي في الأعيان الخارجية فهو في الأمرين قد تنزل إلى مخاطبة المحجوبين عنها في مراتبهم ولا شك أن هذه الكليات معان في قوة النور الأزلي فنذكرها في ثلاثة أقسام:
أحدها: ما هي؟
والثاني: ما خاصتها؟
والثالث: ما الذي يعرض لها؟
فأما القسم الأول: فإن حقيقتها معانی معلومات الحق، تبارك وتعالى، وهي لا تتناهي كما أن العلم بها لا يتناهى وفي وجود العلم الذاتي الإلهي هي أعيان متمايزة وليس كل معنى منها كليا , بل كل معنى منها صور جزئیاته متمايزة وليس هو إلا صور جزئياته .
ولما كان كل معنى منها ينفصل جزئیاته إلى غير نهاية بقيت تلك المعاني كأنها في التمثيل سلاسل وكل كعب من السلسلة مثلا هو صورة مسئلة من صور العلم الإلهي فوجودها في العلم الإلهي متميز ولا شيء منها يسبق شيئا.
فإن العلم الإلهي لا يدخل تحت الزمان بل الزمان ودقائق أجزاء الجميع هو من صور العلم الإلهي.
فالماضي والمستقبل كلاهما للعلم الإلهي حاضرة، والتجدد من جملة صور علمه تعالی مفصلا باز منته أزلا وأبدا وهذا أمر مشهود عند من كمل له السفر الثاني من أهل الشهود الذاتي، فما يتجدد لعلم الله تعالی
وقد ورد علي في الخلوة خطاب في هذه الحقيقة وهو قوله تعالى:
لم يتجدد له التجدد فأين التجدد؟
ما ثم إثنان يضاف أحدهما إلى الآخر فأين التعدد؟
ينظر الضد إلى ضده في الأحدية بعين الملائمة والتودد
فنعود ونقول: إذا كانت هذه الكليات لا وجود لها إلا صور جزئیات في العلم الإلهي فإذن كل كلي ليس هو معنی مفردا يطابق كل فرد فرد كما يقوله الحكماء.
بل هو الأعيان المتمايزة أنفسها، لكن جزئیات ?ل ?لي تكون متشابهة في صورة ما يسميها الحكماء الفصل المميز.
لكن الأوائل من الحكماء تخيلوا في ضبط جزئیات ?ل ?لي تخيلة هي حسية في كونها تضبط ما لا يتناهى، فأخذوا يقولون: إن الكلی مفرد تسهيلا على عقول الضعفاء فصيروا الكلي ضابطا واحدا يشمل ما لا يتناهى.
فلما جاء المتأخرون ظنوا أن الأوائل نصوا على أن كل كلي هو معنی مفرد يحمل على ما تحته وليس في وجود الحق، تبارك وتعالى، شيء واحد يكون هو حقيقة أشياء كثيرة حتى المركز بالنسبة إلى نقط المحيط.
فإن المركز وإن كانت نقطة واحدة متوهمة وكل نقطة في المحيط لها إليه مواجهة وهو واحد وفيه قوي مواجهة النقط الكثيرة .
فإن ذلك أيضا ليس كما يتوهمه القائلون بذلك بل كل نقطة في المحيط تواجهه مواجهة تلقى نقطة المركز كلها لكن من جهة غير الجهة التي تواجهها النقطة الأخرى وإن وقعت كل مواجهة من نقطة المركز على عينه ما وقعت عليه النقطة الأخرى.
فإن قالوا: إن الكلي الطبيعي هو في الخارج.
قلنا: هو حصص متمايزة فليس بمفرد.
فإن قالوا: إن الكلي المنطقي هو في الذهن واحد.
قلنا: ما فهمتم، لان كل ذهن يتشكل فيه صورة لذلك الكلي مثلا هي غير الشكل الذي يتشكل في ذهن.
فإن قالوا: فاعتبر ذلك في ذهن واحد تجد الكلي واحدا.
قلنا: وليس كذلك أيضا بل كل ما تصوره الذهن الواحد كليا ما ثم ذهل عنه أو نسيه، ثم يتش?ل بعد ذلك في ذلك الذهن بعينه، فذلك المتش?ل هو صورة أخرى مغاير للأولى بالعدد وأنتم تقولون: إن الكلي واحد، فإذن هو واحد لا واحد وهو جمع بين النقيضين والصحيح أن الكلي إنما جعلناه واحدا تقريبا للأفهام وضابطا ينضبط لنا به الكثرة في الواحد.
فنرجع فنقول: إن المعاني التي سميت كلية، وجودها الذي لا يتغير إنما هو في العلم الأزلي الذي لا يتغير، وجزئيات ذلك الكلي هي مفصلة في العلم الأزلي أيضا كما قدمنا فهذا هو الكلي.
وقد قال ثامسطيوس : إن الكلي مأخوذ من تشبيه خفي في الأشخاص وهو إما أن لا يكون شيئا ألبتة أو يتأخر تأخرا كثيرا عن الأشخاص.
والصحيح أنه كما ذكره ثامیسطيوس في قوله: إنه مأخوذ من تشبيه خفي في الأشخاص.
وأما قوله: إنه ليس بشيء فهو أيضا حق لأنه ما له ذات غير اعتبار ذهني والاعتبارات نسب لا وجود لذواتها بل الوجود للذهن لا لها وإذا لم يكن له ذات.
فقولنا: إنه متأخر تأخرا كثيرا عن الأشخاص ما له معنى لكنا إذا قررنا في الذهن ضابطا فهو ضابط حسن.
وأما خاصة هذا الكلي، فإنه لا يتحقق حقيقة إلا إذا اعتبرته في علم الله تعالى الذي لا يتغير وأما في الأذهان فكل من نسيه ثم ذكره فالمنسي غير المذكور، فهو المختص بعلم الله تعالى وأما غيره من المعلومات فقد يحس ويعقل ويعلم.
وأما ما يعرض له ولغيره، فمدده في وجوده من النور الذي اقتطعه الحق تعالى وأودع فيه ما أودع من مخلوقاته.
وأما ما بعد قوله: "ثم نرجع إلى الحكمة،" فما أرى أن فيه ما يحتاج إلى الشرح لأن عبارة الشيخ فيه وافية بالمقصود وليس هو مما يحتاج إلى الذكر الجلي بل هو من مدركات أفهام الناس.
إلى قوله: "ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم."

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء. ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)
قال رضي الله عنه : ( فهذا التعريف الإلهي ممّا أدّب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء . ثم نرجع إلى الحكمة فنقول ) .
مقام الأدب
قال العبد : اعلم : أنّ مقام الأدب أعلى المقامات ، ويقتضي المعاملة مع الحق والخلق بحسب ما تقتضي مراتبهما ، ولا يتحقّق به إلَّا أهل الأمانة  الإلهية .
وهي صورة الله تعالى التي حذي آدم عليها حين عرضها على سماوات الروحانية وأرض الجسمانيات " فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها " أي لم يطقن ذلك .
ولم يستطعن لعدم أحدية جمع الجمع عند منها " وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الإِنْسانُ ".
الكامل الحامل لواء الحمد ، وأحدية جمع جميع حقائق السيد والعبد ، " إِنَّه ُ كانَ ظَلُوماً " ، لعدوله عن العدل في استهلاك استعداده الكمال الكلَّيّ في أمور جزئية وأحوال ناقصة .
" جَهُولًا " برتبته أنّه هو المظهر الأتمّ الأشمل ، والخليفة الأكبر الأكمل فتعيّن اتّصافه بهذا الظلم والجهل بسبح الحقّ عنهما ولحمده بنقائضهما ، من الكمال على الوجه الأكمل .
فالأمناء هم الأدباء أهل الأمانة الإلهية وهم الخلفاء الذين استخلفهم الله في حفظ خزائنة وخزائن خزائنه ، فتذكَّر .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( اعلم أنّ الأمور الكلَّية وإن لم يكن لها وجود في عينها ، فهي معقولة معلومة بلا شكّ في الذهن فهي باطنة لا تزال عن الوجود العيني ، ولها الحكم والأثر في كلّ ماله وجود عيني ، بل هو عينها لا غيرها ، أعني أعيان الموجودات العينية ) .
قال العبد : اختلفت النسخ وفي البعض  منها : " لا تزول " .
فإن قلنا : « لا تزال » فـ « باطنة » منصوب ، وفيه تقديم وتأخير ، والتقدير : " فهي لا تزال باطنة عن الوجود العيني " ، أي لا تظهر أعيانها . وإن كانت موجودة في العلم الإلهي وبالنسبة إلى الحق . وإن قلنا « لا تزول » فظاهر .
يعني : أنّ الأمور الكليّة وإن لم تكن موجودة في أعيانها لكونها إذ ذاك مشخّصة ، وإذا تشخّصت لم تكن كلَّية ، فهي لا تزول عن الوجود العيني لظهور أحكامها وآثارها في كل ماله وجود عيني .
فإنّ الأمور العامّة كالوجود والعلم والحياة التي تعمّ الحق والخلق وإن لم توجد في الأعيان لكونها كلَّيات لا يمنع نفس تصوّر معناها عن وقوع الشركة فيها .
فإنّها من حيث هي هي مع قطع النظر عن إضافتها إلى الحق أو الخلق حقائق كلَّية تطلق على كل من اتّصف بها ، وقامت به من حق أو خلق ، فهي من كونها كلَّية مطلقة عن الإضافة لا تزال باطنة إذ لا توجد في الأعيان .
ومع كونها كذلك باطنة ، فإنّها لا تزول عن الوجود العيني لوجود آثارها وأحكامها في أعيان الموجودات ، بل هي تحقيقها في كل ماله وجود عيني .
فإنّها لا تبطن ولا تزال باطنة من كونها كلَّية ، وكونها كلَّية اعتبار ثان مسبوق باعتبار حقائقها مجرّدة عن كونها موصوفة بالكلَّية أو غيرها ، فهي بحقائقها في كل من قامت به لا بكلَّيتها فإنّ الوجود في القديم والمحدث هو هو ، والعلم في كل عالم عالم علم.
وكذلك الحياة فهي في كل موجود عيني عينها غير زائدة عليها وجودا وشهودا ، لا عقلا فإنّ العقل ينتزع عن الموجود وجوده ويتعقّله زائدا على الموجود ، وليس ذلك إلَّا في التعقّل لا في العين ، فأمعن النظر وأنعم .
قال رضي الله عنه : ( ولم تزل ) تلك الحقائق الكليّة ( عن كونها معقولة في نفسها).

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.
ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)
"فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء " أي تعريف حال الملائكة في ادعاء مطلق التسبيح والتقديس فإنه تأديب لعباده من الأناسى
" ثم نرجع إلى الحكمة " أي الحكمة الإلهية المذكورة ، فإن قصة الملائكة اعتراض وقع في أثنائها على سبيل الاستطراد .
ليعلم أن ما قالوا إنما قالوه لنقصان نشأتهم بالنسبة إلى نشأة آدم ولم يعلموا أن تجرحهم أيضا كمال له ، فإن العبادة الذاتية إنما تتحقق بتجلى جميع الأسماء فيه .
وتجلى اسم التواب والعفو والغفور والعدل والمنتقم لا يمكن إلا إذا اقتضت المشيئة الإلهية جريان الذنب على العبد.
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام حكاية عن ربه « أنين المذنبين أحب إلىّ من زجل المسبحين » واعتبر بخطيئة آدم وداود عليهما السلام فإن بعض كمالات العبد وقبول تجلى بعض الأسماء الإلهية موقوف على انكساره بالذنب والاعتذار والتوبة .
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام « لو لم تذنبوا لخشيت عليكم أشد من الذنب العجب العجب العجب ».
ألا ترى أن عصمتهم حملتهم على قولهم :" ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ ".
- ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام « لو لا أنكم تذنبون لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم » .
فضم بنى آدم المعصية إلى الطاعة عبادة توجب تجلى الحق بأسماء كثيرة ، وذلك مما لم تقف الملائكة عليه أيضا لقصور نشأتهم .
وإذا رجع إلى الحكمة ومهد قاعدة يبتنى عليها ارتباط الحق بالخلق وتتبين منها الحكمة في إيجاد العالم وهو ظهور معنى الإلهية
فقال " فنقول : اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن فهي باطنة لا تزال عن الوجود الغيبى " يعنى أن الأمور الكلية أي المطلقة كالحياة والعلم مثلا لها وجود عينى في العقل ووجود غيبى في الخارج .
فإن الوجود الخارجي عين المطلق العقلي مقيدا بقيد الجزئية لكن الكلية المطلقة لا تزال معقولة مندرجة تحت اسم الباطن ، ولا توجد من حيث كليته  في الخارج بل من حيث هي مقيدة وهي من تلك الحيثية تندرج تحت اسم الظاهر .
وفي بعض النسخ لا تزول فمعناه ومعنى لا تزال بضم التاء مبنيا للمفعول من أزال واحد ، والغيبى بالغين المعجمة والباء بمعنى المعقول .
وعند بعض الشارحين عن الوجود العيني بالعين المهملة والنون ، أي لا تزال من حيث هي طبائع مطلقة لا مقيدة بقيد الكلية عن الوجود العيني .
فإن الكل الطبيعي موجود في الخارج .
وقرئ لا تزال بفتح التاء على أنه من الأفعال الناقصة ، فهي باطنة عن الوجود العيني الشخصي لا تزال كذلك بحذف الخبر لدلالة باطنه عليه أو باطنة بالنصب على تقديم الخبر .
أي فهي لا تزال باطنة عن الوجود العيني ، والأول أظهر وأوفق لما بعده من قوله ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها
" ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عينى " أي للأمور الكلية الحكم والأثر في كل ما له وجود عينى ، كتأثير العلم والحياة في الموصوف بهما فيحكم عليه بأنه حى عالم ولا يحكم عليه إلا إذا كان فيه عين الحياة والعلم
وهذا معنى قوله " بل هو عينها لا غيرها " يعنى أن الأمر الكلى كالعلم والحياة عين الوصفين الموجودين في ذلك الموصوف لا غيرهما .
والمراد بقوله " أعنى أعيان الموجودات العينية " أعيان الأوصاف لا أعيان الموصوفات ، فإن الموصوفات أيضا معنى كلى وهو الإنسان المطلق فإنه عين هذا الإنسان مع قيد الجزئية ، فهذه نسبة الحياة والعلم المطلقين إلى الوصفين المقيدين " ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها".

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء. ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)
"فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء" ظاهر  
"ثم نرجع إلى الحكمة فنقول، اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود فيعينها، فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة لا تزول عن الوجود العيني".
أي، نعرض عن حكاية الملائكة ونرجع إلى تقرير الحكمة الإلهية.
ومراده، رضى الله عنه، بيان الارتباط بين الحق والعالم، وأن الإنسان مخلوق على صورته، فبنى أصلا يتفرع عليه المقصود بقوله: (اعلم، أن الأمور الكلية) أي الحقائق اللازمة للطبائع الموجودة في الخارج، كالحياة والعلم والقدرة والإرادة وغيرها، مما هي أمور عقلية ولا أعيان لها في الخارج.
و (إن لم يكن لها وجود في عينها) أي، وإن لم يكن لها ذات موجودة في الخارج، فهي موجودة في العقل بلا شك، فهي باطنة من حيث إنها معقولة ومع ذلك لا تزول عن الوجود العيني ولا ينفك منه، إذ هي من جملة لوازم الأعيان الموجودة في الخارج.
وفي بعض النسخ: (لا تزال عن الوجود الغيبي) على أن (لا تزال) مبنى للمفعول من "أزال، يزيل".
و (الغيبي) بالغين المعجمة والباء. ومعناه: هي باطنة لا يمكن أن يزال عن كونها أمورا عقلية.
(ولها الحكم والأثر في كل ماله وجود عيني) أي، ولهذه الأمور الكلية، التي لا أعيان لها في الخارج منفكة عن التقيد المشخص إياها والمعروضات التي تعرض لها حكم وأثر في الأعيان الكونية والحقائق الخارجية بحسب وجودها وكمالاتها  
أما الأول، فلأن الأعيان معلولة للأسماء، والاسم ذات مع صفة معينة، فالأعيان من حيث تكثرها لا يتحصل إلا بالصفات، وهي هذه الأمور الكلية التي لا أعيان لها في الخارج. ولهذا ذهب الحكماء أيضا إلى أن علم الواجب فعلى وسبب لوجود الموجودات، وهكذا القدرة والإرادة المعبرة عنها بالعناية الإلهية.
وأما الثاني، فلأن العين الموجودة إن لم يكن لها الحياة، لا توصف بأنها حية ولا يتصف بأنواع الكمالات، إذ العلم والقدرة والإرادة كلها مشروطة بالحياة، وكذلك العلم إن لم يكن حاصلا، لم يكن لها إرادة وقدرة، لأنهما لا يتعلقان إلابالمعلوم. وهكذا جميع الصفات.
فهذه الأمور الكلية حاكمة على الطبائع التي تعرض لها بأن يقال عليها أنها حية ذات علم وإرادة وقدرة، ويترتب عليها ما يلزمها من الأفعال والآثار، إذ لا شك أن الطبيعة الموجودة بالعلم تميز بين الأشياء وبالإرادة تخصص وبالقدرة يتمكن من الأفعال.
قوله: (بل هو عينها لا غيرها، أعني أعيان الموجودات العينية)  
إضراب عن قوله: (ولها الحكم والأثر) بأن الذي له وجود عيني هو عين هذه الأمور المعقولة المنعوتة بالعوارض واللوازم، لأن الحقيقة الواحدة التي هي حقيقة الحقائق كلها هي الذات الإلهية، وباعتبار تعيناتها وتجلياتها في مراتبها المتكثرة تتكثر وتصير حقائق مختلفة: جوهرية متبوعة وعرضية تابعة.
فالأعيان من حيث تعددها وكونها أعيانا ليست إلا عين أعراض شتى اجتمعت فصارت حقيقة جوهرية خاصة، كما ذكره في آخر (الفص الشعيبي).
ألا ترى أن الحيوان هو الجسم الحساس المتحرك بالإرادة، والجسم ماله طول وعرض وعمق،
فالحيوان ذات لها هذه الأعراض مع الحس والحركة الإرادية، وكما اجتمعت هذه الأعراض في هذه الذات المعينة وصارت حيوانا.
كذلك إذا انضمت إليها أعراض أخر، كالنطق والصهيل، يسمى بالإنسان والفرس.
فالذات الواحدة باعتبار الصفات المتكثرة صارت جواهر متكثرة، وأصل الكل هو الذات الإلهية التي صفاتها عينها .
فقوله: (أعني أعيان الموجودات) تفسير (هو) العائد إلى ماله وجود عيني.
وضمير (عينها) راجع إلى (الأمور الكلية) ولا يجوز أن يكون تفسيرالضمير (عينها) لفساد المعنى.
إذ معناه حينئذ: بل ماله وجود عيني هو عين الموجودات العينية. إلا أن يقال، هو عائد إلى (الأمور الكلية) وتذكيره باعتبار(الأمر).
وحينئذ يكون معناه: بل هذه الأمور الكلية عين أعيان الموجودات العينية لا غيرها.
وهذا عين المعنى الأول.
وقيل: معناه: بل الأمر الكلى، كالعلم والحياة، عين الوصفين الموجود ينفي ذلك الموصوف لا غيرهما، والمراد بقوله: (أعني أعيان الموجودات) أعيانالأوصاف، لا أعيان الموصوفات، لأن للموصوفات أيضا أمورا كلية وهو الكلى الطبيعي وفيه نظر.
لأن المراد أن هذه الأمور الكلية التي ليست لها ذات موجودة في الخارج لها حكم وأثر في الموجودات الخارجية، بل هي عين هذه الموجودات الخارجية.
فإن الظاهر والمظهر متحد في الوجود الخارجي وإن كان متعددا في العقل، لأن الكلام في الأمور الكلية التي لا أعيان لها في الخارج غير هذه الموجودات العينية.
وفائدة الإضراب لا يظهر إلا بحسب هذا المعنى والتفسير بقوله: (أعني أعيان الموجودات). وقوله: "فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات، كما هي الباطنة من حيث معقوليتها" يؤيد ما ذهبنا إليه.
قوله: "لم تزل عن كونها معقولة في نفسها "أي، مع أنها في الخارج عين الأعيان الموجودة،
هي في نفسها أمور معقولة (لم تزل) عن معقوليتها، بضم الزاء، من "زال، يزول"، أو بفتحها وضم التاء، من "تزال" المبنى للمفعول.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.
ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)

(فهذا) أي: بيان ما جرى بينه وبين الملائكة: هو (التعريف الإلهي) لما تقتضيه حضرة الحق من الأدب (مما أدب الحق به عباده العلماء) لئلا يدعوا ما وراء علمهم.
(الأمناء) لئلا يخونوا في أوامره ونواهيه وسائر أحكامه (الخلفاء) لئلا ينقضوا عهوده ومواثيقه في إقامة حدوده وأحكامه.
فإن قيل: هذا يشعر بعدم عصمة الملائكة، وقد دلت النصوص مثل: "لا يسبقونه بالقول وهم بأمره  يعملون" [الأنبياء: 27]، "لا يعون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون "[التحريم: 6]، ولولا عصمتهم فلا ثقة بهم فيما يأتون به من الوحي.
قلنا: النصوص العامة قابلة للتخصيص، فيجوز أن يخصص بما ورد منهم في حق آدم عليه السلام ، ولا يدل على عصمتهم عن ذنب لا يعلمون أنه ذنب، والوثوق إنما يزول إذا صدر عنهم ذنب بعد علمهم بكونه ذنبا، ولكنهم يعاتبون على ذلك لئلا يتجاسروا في الأمور، وقد جوز المحققون السهو على الأنبياء مع أنهم يعاتبون عليها؛ فلنجوز مثل ذلك على الملائكة؛ فافهم.
(ثم) أي: بعد بيان ما جرى بين الله تعالى، وبين الملائكة من شأن آدم عليه السلام (نرجع إلى الحكمة) أي: بيان العلم اليقيني المتعلق بكيفية ظهور الحق بأسمائه وصفاته في العالم الكبير والصغير بعد تقديم مقدمة البيان ارتباط كل منهما بالآخر بعد بيان ارتباط الأمور الموجودة بالمعقولة، وكون كل منهما ظاهرا في الآخر.
(فنقول: اعلم أن الأمور الكلية) كالإنسان والحياة والعلم، (وإن لم يكن لها) باعتبار تقيدها بالكلية (وجود في عينها) أي: في الواقع (فهي معقولة) أي: موجودة في العقل؛ لأنها (معلومة بلا شك في الذهن)، وإن تشكك نفاة الوجود الذهني في ذلك بناء على أن العلم إضافة للعالم إلى المعلوم عندهم لا حصول صورة الشيء في العقل؛ فهي من حيث(هي) كلية معقولة (باطنه لا تزل عن الوجود الغيبي) بالغين المعجمة، والباء الموحدة.
ثم أشار إلى أنها وإن كانت معقولات صرفة وباطنة؛ فلها جهة ظهور وارتباط بالموجودات العينية، فقال: (ولها الحكم) على كل ما له وجود عيني كزيد وعلمه وحياته.
فيقال: إنه إنسان وعلم وحياة، ولها (الأثر) أيضا (في كل ما له وجود عيني) كأن يقال: زيد عالم؛ لأن علمه جعله عالما، فقد ظهر الأمر الكلي لا بقيد الكلية في الوجود العيني، وأثر فيه أيضا، ثم بالغ في بيان ذلك الظهور.
فقال: (بل هو) الأمر الكلي لا بقيد الكلية بل باعتبار أنه طبيعة من الطبائع أي: حقيقة من الحقائق (عينها لا غيرها)، فإن الإنسانية عين زيد، وإن العلم عين علم زيد، وإن لم يكن زيد وعلمه عين الإنسانية الكلية، والعلم ال?لی.
فلذا قال: (أعني أعيان الموجودات الغيبية) لئلا يتوهم أن المرادات الموجود الغيبي عين الأمور الكلية هذا وجه ظهورها مع أن لها بطونا أيضا.
وذلك أنها مع ظهورها (لم تزل عن كونها مصقولة في نفسها) من حيث هي كلية فاجتمع فيها الظهور والبطون باعتبارین :
اعتبار قيد الكليةواعتبار أنها طبيعة من الطبائع. 


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء. ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)
قال الله رضي الله عنه : (فهذا التعريف الإلهي) لآدم في هذه القصّة (ممّا أدّب الحقّ به عباده الأدباء ، الأمناء ،الخلفاء) حتّى يقفوا عندما قال الله تعالى ولا يجاوزوا عن مقتضاه . ولا يشيّعوا ما اطَّلعوا عليه من قبائح أعمال العباد وفواحشها. ولا ينزّهوا أنفسهم عنها كلّ التنزيه ، وإن علوا على البريّة علوّ شرف ورفعة .
على الترتيب المشار إليه يعني الأدب والأمانة والخلافة.
فهذه ثلاث مراتب للعبد هي امّهات مواطن كماله ، قد أفصح التعريف الإلهي هذا عن آدابها كلَّها ، وأنت عرفت ما للثلاثة من النسبة الخصيصة بالكلمة الآدميّة ، فلا نعيد وجه تطبيقه هاهنا فلا تغفل .
ثمّ إنّ بعض المقصّرين من أفراد الإنسان لمّا اعتكفوا عند مرتبة القاصرين من الملائكة في التحقيق أعني الحكماء حيث قصّروا طريق العرفان على محض التنزيه .
وبنوا الأمر في ذلك على مجرّد التجرّد وصرف التقدّس ، أراد أن يكون الكلام في هذه الحكمة منساقا إلى ما ينبّههم على ذلك التقصير ويحرّضهم إلى العروج على مراقي الكمال الإنساني.
متنزّلا في ذلك إلى مسلمات قواعدهم وموضوعات أصولهم ، تأنيسا بهم في ذلك وتسليكا لهم إلى مدارج كمالهم تدريجا ، مؤميا فيها مع ذلك كلَّه إلى ما يتبيّن به حقيقة آدم وماهيّته العقليّة ، بعد تحقيق هويّته الخارجيّة .
فقال : ( ثمّ نرجع ) من بيان القصّة ولطائف إشاراتها ( إلى الحكمة ) الإلهيّة المبحوث عنها هاهنا ، وهي الكاشفة عن بيان ارتباط الأسماء الإلهيّة التي هي محلّ الاختبار والامتحان ، بين المتنازعين في الخلافة بالأعيان الكيانيّة ، وسريان حكم كلّ منهما في الآخر ، بتحقيق رقيقة الجمع بين الباطن والظاهر ، والأوّل والآخر .
قال رضي الله عنه : ( فنقول : اعلم أنّ الأمور الكلَّيّة ) الواقعة من حيث هي كذلك في الدرجة الثانية من التعقّل ، كالأوصاف المجرّدة عن الحقائق مثل الحياة والعلم وما يتبعهما أو المستندة إليها مثل الحيّ والعالم ( وإن لم يكن لها وجود في عينها ) .
فإنّه ليس للأمور الواقعة في تلك الدرجة وجود مستقلّ في عينها ، وهو المسمّى بالوجود الخارجي والعيني ( فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن ) وبيّن أنّ الكليّات لها طرف التنزّه المحض وهو الذي لها لذاتها به تعقل ، وطرف التعلَّق وهو باعتبار مدلوليّتها للفظ به تتخيّل ، وطرف الجامعيّة بينهما به تعلم وهو الواسطة .
فأشار إلى تلك الأطراف بترتيبها ، وحيث أنّ الذهن هو « الفهم » - لغة - يناسب إطلاقه على طرف مدلوليّتها وعلى سائر تقاديرها وأطرافها .
( فهي باطنة لا تزال عن الوجود العيني ) أي الأمور الكليّة التي هي المعقولات الثانية باطنة عن الوجود العيني أبدا لا تزال كذلك ، حيث لا يكون لها محاذى في العين البتة .
ثمّ إنّ هاهنا نسخا كثيرة متخالفة، والظاهر أنّها منتحلة من المستكشفين له، فطوينا الفحص عنها لظهور المقصود بهذه النسخة وتشوّش الأذهان بها .
ثمّ إنّ هاهنا نكتة حكميّة لا بدّ من التنبيه إليها، وهي أنّك عرفت أنّ الأسماء الإلهيّة عند توجهّها إلى كمال الظهور والإظهار لها حركة من فضاء اللطف منبع الإطلاق والعموم إلى مضيق الكثافة معدن القيد والخصوص إلى أن يتمّ الكمال بنوعيها
ومن ذلك ، التنزّل من الجنس العالي يعني الجوهر متدرّجا فيه إلى النوع السافل ، يعني الإنسان الذي بنقطة نطقة تتمّ الدائرة بقوسيها الكماليّين .
ثمّ إذا تذكَّرت هذا فاعلم أنّ كلا من تلك المراتب عالية كانت أو متوسّطة أو سافلة لها أوصاف كلَّية محصّلة بالذات ، هي مبادئ آثارها الخاصّة بها ، الفاصلة لها عمّا سواها ، وهو سبب تحصّل تلك المرتبة في الخارج بالوجود العيني بلحوقه لها ، مقوّمة إيّاها على ما بيّن في صناعة الحكمة ثمّ إذا ظهرت بالوجود العيني ، حصل من تلك المرتبة التي بمنزلة المادّة - حكم فيه ، ومن ذلك الوصف الذي بمنزلة الصورة أثر .
وإليه أشار بقوله : ( ولها الحكم والأثر في كلّ ما له وجود عيني )[size=24


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 5:54 pm عدل 5 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول الفقرة الثالثة عشر الجزء الثاني فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:30 pm

السفر الأول الفقرة الثالثة عشر الجزء الثاني فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثالثة عشرة :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.   ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني.
ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها. )
قال المصنف رحمة الله: [فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء] . 

قال الشارح رحمه الله : 
فهذا التعريف الإلهي ):
 أي الذي عرفنا اللّه مما وقع من الملائكة . و قد حكاه الله تعالى لنا حكاية و تعريفا و تأديبا مما أدّب الحق به عباده الأدباء .
( الأدب) مشتق من المأدبة و هو الاجتماع على الطعام كذلك الأدب عبارة عن جماع الخير كله . 
قال صلى الله عليه و سلم :  "إن الله أدّبني" : أي جمع فيّ جميع الخيرات لأنه قال : "فأحسن تأديبي" .
أحسن ما جمع الإنسان العلم بالله مأدبة، و الأدب بابها فمن حرم عن الباب أيس من الدخول عليها، فلا تدخلوا البيوت:
أي العلوم مثل قوله: أنا مدينة العلم إلا من أبوابها، و هي التخلق بأسماء الحق، والوقوف على ما تقتضيه عبوديته و إن يوفى ما يستحقّه مرتبة سيده من امتثال أوامره. 
ورد في الخبر :  "إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا من مأدبته ما استطعتم ".الحديث رواه ابن مسعود رضي الله عنه . 
فهذه المحاسن كلها كانت مجموعة فيه رضي الله عنه أحسن جماع، و بهذا ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "خلقه القرآن" 
( الأمناء الخلفاء ): أي أمناء الأمانة و خلفاء الرتبة . 
قال صلى الله عليه و سلم : "إن لله أمناء" . و قال في أبي عبيدة بن الجرّاح : "إنه أمين هذه الأمة"  .
قال رضي الله عنه: طائفة من الملامتية لا يكون الأمناء من غيرهم وهم أكابرهم فلا يعرف  
ما عندهم من الأحوال بجريهم مع الخلق بحكم العوائد، و الوقوف عند ما أمر الله به و نهى على جهة الفريضة .
و الخضر عليه السلام من الأمناء و لما عرض الله الأمانة على الإنسان و قبلها كان بحكم الأصل ظلوما جهولا، فإنه خوطب بحملها عرضا لا أمرا . 
فإن حملها جبرا كان أعين عليها مثل الأمناء، فإنهم حملوها جبرا لا عرضا، فإنهم حماهم الكشف فلا يقدرون أن يجهلوا ما علموا، و لم يريدوا أن يتميزوا عن الخلق لأنه ما قيل لهم في ذلك أظهروا شيئا منه و إلا لا تظهروه، فوقفوا على هذا الحد، فسمّوا أمناء . 
و يزيدون على سائر الطبقات بأنهم لا يعرف بعضهم بعضا بما عنده، فكل واحد منهم يتخيل في صاحبه أنه من عامة المؤمنين، و هذا ليس إلا لهذه الطائفة من الأمة خاصة هكذا ذكره رضي الله عنه في "الفتوحات" . 

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه: [ثم نرجع إلى الحكمة فتقول: اعلم أن الأمور الكلية و إن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن فهي باطنة لا تزول عن الوجود العيني، و لها الحكم و الأثر في كل ما له وجود عيني بل هو عينها لا غيرها أعني :  أعيان الموجودات العينية، و لم تزل عن كونها معقولة في نفسها].
قال الشارح رحمه الله : 
( ثم نرجع إلى الحكمة و نقول) لما وقعت حكاية الملائكة جملة معترضة في بيان الحكمة التي كان رضي الله عنه بصدد بيانها، و انقطعت فرجع لتكميل بيانها، و يريد التمثيل المضروب للحقائق الكلية التي اتصف بها الحق و الخلق بها . 
فهي للحق أسماء و للخلق صفات، و هي على أصلها في المعقوليّة ما برحت و لا تقوم الصورة إلا في هذا المعقول، فافهم .

( اعلم أن الأمور الكلية و إن لم يكن لها وجود في عينها ): أي من حيث أنها كلية طبيعية ليس لها وجود مستقل في الخارج، فهي معقولة بلا شك في الذهن كالعلم و الحياة فإنهما معلومان فهي باطنة من حيث هي كلية . 
( لا تزول عن الوجود العيني) بالعين المهملة، و قرئ لا تزال معلوما أو مجهولا يعني: أن الأمور الكلية المطلقة، و لو لم يكن لها وجود من حيث إطلاقها و كليتها في الخارج و لكن لا تنفك عنه إذ وجودها في ضمن أفرادها، فإن الوجود الكلي الطبيعي في ضمن الأفراد كالعلم و الحياة مثالهما وجود عيني باطني في العقل، و لهما وجود عيني ظاهري في الخارج . 
( و لها الحكم و الأثر في كل ما له وجود عيني ): أي الأمور الكلية المعقولة التي لا عين لها في الوجود العيني الخارجي لها الحكم و الأثر، فصار الحاكم و المؤثر أمورا عدمية معقولة ما لها عين في الخارج فعلى الحقيقة لا أثر لموجود في موجود، إنما الأثر للمعدوم في الموجود، ويظهر ذلك في أحكام المراتب كمرتبة السلطنة و مرتبة   السوقة بما يريد لمرتبة السلطنة، و ليس للسلطنة وجود بل هي مرتبة المراتب . 
و العاقل يرى و يعلم أن المتحكّم في المملكة إنما هي المرتبة لا عينه إذ لو كان لكونه إنسانا فلا فرق بينه و بين سائر الأناسي، و المرتبة كانت ما كانت أمر اعتباري لا عين لها في الوجود، فافهم . 

و الجمع حال لا وجود لعينه    ..... و له التحكم ليس للآحاد
و هذه المسألة مضى لها ذكرا سابقا: إن كنت مفيقا، فهذه الأمور الكلية حاكمة على الطبائع التي تعرض لها بأن يقال لها أنها حية ذات علم و إرادة و قدرة و ترتب عليها ما يلزمها من الأفعال و الآثار التابعة لها.
بل هو عينها ضمير هو يرجع إلى كل، و ضمير عينها إلى الأمور الكلية فهو إضراب و له الحكم في كل موجود . 
( بل هو عينها ): أي كل ما له  وجود عيني في الخارج هو عين الأمور الكلية و ليس بأمرين، بل أمر واحد و له اعتبار عند العقل و اعتبار في الخارج . 
مثلا تحلل الجامد، و تغيرت الصورة فتغير الاسم فتغير الحكم، فلمّا رجع جامدا رجعت الصورة في الحال، و الحال كالحال فنزلت الأحكام تخاطب الأعيان بما هي عليه من الصور و الأحوال و الأسماء، فالعين واحدة و الصور مختلفة الأحوال باختلاف الصور، فافهم .
هكذا الأمر في جميع الصور كانت ما كانت لا غيرها: أي الأمور الكلية المعقولة . 
( أعني ): أي أريد بكل ما له وجود عيني أعيان الموجودات العينية الخارجية و ذلك لأن الكلي الطبيعي عين جزئياته في الخارج، فإن الحقيقة الواحدة ظهرت بالصورة و الشخص، و هما أمران نسبيان عدميان ليس لهما وجود في الخارج، فما ظهرت الحقيقة الكلية الواحدة إلا بإطلاقها فهم من فهم، و أنكر من أنكر . 
( و لم تزل عن كونها معقولا في نفسها ): أي لم تزل تلك الأمور الكلية في كلمتها في البطون من حيث معقوليتها، و ما ظهرت لأنها مراتب و المراتب لم تتنزل عن مقامها أبدا . 
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 5:51 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول الفقرة الرابعة عشرة الجزء الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:32 pm

السفر الأول الفقرة الرابعة عشرة الجزء الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الرابعة عشرة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها. فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة. وسواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة.)
(فهی) أي تلك الأمور الكلية المعقولة في الذهن فقط (الظاهرة) للعيان (من حيث) إنها هي (أعيان الموجودات) الظاهرة بالاعتبار المذكور (كما هي الباطنة) أيضا عن العيان (من حيث معقوليتها).
أي كونها معقولة في الذهن أبدا لا تبرز منه مطلقا، إذا علمت هذا (فاستناد)، أي نسبة (كل موجود عینی) جزئی خارجی إنما هو (لهذه الأمور الكلية)، بحيث إن هذه الأمور الكلية منطبقة على هذه الجزئيات الخارجية انطباق لا يتحول أبدا ولا يتغير.
كانطباق الشيء على نفسه من غير شبهة ولا شك، ثم وصف الأمور الكلية بقوله:
(التي لا يمكن رفعها)، أي إزالتها (عن العقل) بحيث تبرز بذاتها إلى الخارج وإن كانت هي بعينها هذه الموجودات العينية التي في الخارج كما سبق.
(ولا يمكن وجودها ) أيضا في العين الخارجية (وجودا تزول به عن أن تكون) في نفسها أمورا (معقولة وسواء كان ذلك الموجود العيني) الخارجي (موقتا) وجوده بوقت ?الحادث المخلوق (أو غير موقت) بوقت كالقديم .
(فإن نسبة) الموجود العينى (الموقت) بوقت (وغير الموقت) بوقت (إلى هذا الأمر الكلي) الذهني (المعقول نسبة واحدة)، لا تفاوت فيها على معنى أنه ليس غير الموقت أحق باسم هذا الكلي المنطبق عليه من الموقت، بل هما مشتركان في الانطباق عليهما من غير تفاوت بينهما .


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها. فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة. وسواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة.)
فإذا كان الأمر كذلك كانت هي ذي الجهئین (فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقولبنها) .
فإذا كان كذلك (فاستناد كل موجود عيني) في إظهار ?مالاته قوله : (لهذه الأمور) الكلية متعلق بالاستناد فاستناد مبتدأ خبره محذوف لعمومه وهو موجود.
أي استناد ?ل موجود عيني لهذه الأمور الكلية موجود (التي لا يمكن رفعها عن العقل ولا يمكن وجودها في العين وجودة تزول به).
أي تزول الأمور الكلية بسبب الوجود العيني (عن أن تكون مقولة) بل يمكن وجودها في العين وجودة لا تزول به عن كونها معقولة كوجودها في الأعيان الموجودة .
فإنه لا يخرج عن أن تكون معقولة بخلاف الموجودات العينية فإنها موجودة بوجود نزول به عن كونها معقولة (وسواء كان الموجود العيني مؤقتة أو غير مؤقت) تعميم للاستناد إلى قسمي الموجود العيني (نسبة المؤقت وفير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي نسبة واحدة) بیان لاستواء نسبتي القسمين إلى الكلي.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها. فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة. وسواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة.)
وأما ما بعد قوله: " ثم نرجع إلى الحكمة،" فما أرى أن فيه ما يحتاج إلى الشرح لأن عبارة الشيخ فيه وافية بالمقصود وليس هو مما يحتاج إلى الذكر الجلي بل هو من مدركات أفهام الناس إلى قوله: "ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم."


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها. فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة. وسواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة.)
قال رضي الله عنه : (فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليّتها ) .
قال العبد : أمّا كونها ظاهرة فمن حيث إنّها في كل موجود عينيّ بماهيتها وحقيقتها ، وهي فيه عينه غير زائدة عليه لعدم امتيازها عنه في الوجود .
وأمّا كونها باطنة فلأنّها من حيث تعقّلها الأمور الكلَّية عامّة ينتزعها العقل ويأخذها كلية لا يمنع نفس تصوّرها عن وقوع الشركة فيها .
فهي من كونها كذلك باطنة معقولة لا وجود لها إلَّا في العقل .
قال رضي الله عنه : ( فاستناد كلّ موجود عيني لهذه الأمور الكلَّية ) .
يعني : استناد الموجودات من كونها موجودة ، والعلماء من كونهم علماء ، والإحياء من كونهم إحياء إلى هذه الكلَّيات العامّة .
قال رضي الله عنه : ( التي لا يمكن رفعها عن العقل ) .
أي لا تزال من كونها كلية معقولة .
قال : (ولا يمكن وجودها في العين ) أي لا يتشخّص من كونها كلية ( وجودا تزول به عن أن تكون معقولة ) .
يعني : أنّ هذه الكلَّيات وإن كانت في كل موجود عينيّ عينه ، فذلك لا يخرجها عن كونها معقولة فإنّ كونها معقولة باطنة هو من كونها كلَّية ، وكونها عين كل موجود عينيّ هو بحقائقها لا بكلَّيتها لوجود تميّز تعقّل كلَّيّتها عن تعقّل حقيقتها في العقل .
وعدم تميّز حقيقتها عن الوجود العيني ، ولا يخرجها أيضا كذلك كونها معقولة وكلية عن كونها بحقيقتها في كل موجود عينيّ عينه ، بمعنى أنّها لا تزيد عليه ولا تمتاز عنه .
قال رضي الله عنه : ( وسواء كان ذلك الموجود العيني موقّتا أو غير موقّت إذ نسبة الموقّت وغير الموقّت إلى هذا الأمر الكلَّي واحدة ).
يريد رضي الله عنه بالموقّت الحادث الفاني من العالم ، فظهور هذه الأمور الباطنة المعقولة الكليّة بالأعيان الحادثة التي وجودها موقّت غير مؤبّد يكون موقّتا .
كذلك غير مؤبّد كوجود زيد مثلا وعلمه وحياته ، كهو غير أبدية بل هو موقّته ، وظهورها لمن ليس وجوده موقّتا ولا متناهيا غير موقّت ولا متناه لانضياف هذه الحقائق الكلَّية النسبيّة المعقولة إلى كل موجود عينيّ وظهورها فيه بحسبه وبموجب ما تعطيه ذاته .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها. فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة. وسواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة.)
" فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات ، كما هي الباطنة من حيث معقوليتها "أي الكليات.
وإن ظهرت في الصورة الجزئية فهي باقية على معقوليتها من حيث كليتها لم تزل عن كونها باطنة مع كونها ظاهرة
" فاستناد كل موجود عينى لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن دفعها عن العقل ولا يمكن وجودها في العين ، وجودا تزول به عن أن تكون معقولة " أي استناد كل عين موجود شخصى يكون إلى هذه الموجودات الكلية أبدا مع بقائها في عالم العقل على كليتها لا تزول عن ذلك الوجود الغيبى أبدا أي العيني موجود به .
فقوله فاستناد مبتدأ خبره لهذه الأمور واللام بمعنى إلى .
قوله " وسواء كان ذلك الموجود العيني موقتا أو غير موقت " أي زمانيا أو غير زمانى وكل منهما إما جسمانى أو غير جسمانى فالجسمانى الموقت كأجسادنا وغير الموقت كالفلك الأعظم .
فإن الزمان مقدار حركته فلا يكون جسمه زمانيا .
والروحاني الموقت كنفوس الحيوانات وغير الموقت كالأرواح العلوية المجردة
" نسبة الموقت وغير الموقت إلى هذا الأمر الكلى المعقول نسبة واحدة " أي كلها في استنادها إلى الأمر الكلى المعقول سواء.


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها. فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة. وسواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة.)
قوله: "فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات، كما هي الباطنة من حيث معقوليتها".
أي، تلك الأمور الكلية ظاهرة باعتبار أنها عين الأعيان الموجودة وباعتبار الآثار الظاهرة منها، وباطنة باعتبار أنها أمور معقولة لا أعيان لها في الخارجبنفسها.
قوله: (فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعهاعن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة) .
نتيجة لقوله: "ولها الحكم والأثر في كل ماله وجود عيني" أي، لما تقرر أن الموجودات العينية إنما تعينت وتكثرت بالصفات، وهي هذه الأمورالكلية، فاستناد كل موجود عيني واجب ثابت لهذه الأمور الكلية التي هي حقائق معقولة.
و (اللام) في "لهذه الأمور" بمعنى (إلى). لأن الطبائع بذواتها تقتضي عروضها واتصافها بها، إذ هي كمالاتها، فهي من حيث كمالاتها مستندة إلى هذه الأمور الكلية.
وهذه الأمور لا يمكن أن ينكر كونها معقولة ولا يمكن أن توجد في الأعيان من غير عروضها في معروضاتها.
وخبر قوله: "فاستناد" متعلق الظرف، وهو (واجب) أو (ثابت). و يجوز أن يكون (اللام) في قوله: "لهذه الأمور الكلية" بمعنى (إلى) متعلقا إلى (الاستناد) وخبره محذوفا. تقديره: فاستناد كل موجود عيني إلى هذه الأمورالكلية واجب.
قوله: "وسواء كان ذلك الموجود العيني موقتا أو غير موقت نسبة الموقت وغيرالموقت إلى هذا الأمر الكلى المعقول نسبة واحدة" أي، لا يختص هذا التأثر ببعض من الموجودات دون البعض، بل الجميع مشترك في كونها محكوما ومتأثرا من هذه الأمور الكلية، سواء كان ذلك الموجود مقترنا بالزمان، كالمخلوقات، أو غير مقترن به، كالمبدعات، روحانيا كان أو جسمانيا.
فإن اقترانه بالزمان وعدم اقترانه لا يخرجه عن استناده إلى هذه الأمور الكلية، إذ نسبة الموقت وغير الموقت في الوجود والكمالات إليها نسبة واحدة.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها. فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة. وسواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة.)
(فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات) حيث اعتبر فيها أنها طبيعة من الطبائع (كما هي الباطنة من حيث معقوليتها)، حيث اعتبر فيها قيد الكلية.
فلما جاز البطون والظهور على الأمور التي لا وجود لها في الخارج أصلا أو مستقلا بل جاز اتحادها بالموجودات الخارجية؛ ففي الأمر المحقق المستقل أولى، وإذا كان (لهذه الأمور الكلية) أثر في الموجودات العينية، (فاستناد ?ل موجود عيني) لا باعتبار تحققها في أنفسها بل باعتبار أنها (التي لا يمكن رفعها عن العقل).
فالوجود العقلي بها صار سبا لاستناد غيرها إليها، وإذا كان الوجود العقلي صالحا لسبية استناد الأمور الموجودة إليها فاستناد بعض الموجودات إلى بعض كان بطريق الأولى.
ثم أشار إلى أن الاستناد إليها في تحقق الموجودات العينية؛ فإن ذلك الاستناد إنما يتصور إلى الموجود الخارجي.
فقال: وهذه الأمور الكلية (لا يمكن وجودها في العين)، وإن كانت عين الموجودات العينية من وجه، ولها الأثر فيها (وجودا تزول به عن أن تكون معقولة) فالاستناد إليها لا يكفي في التحقيق الخارجي، وإنما هو استناد الموجود إلى الوجود.
ثم أشار إلى أن الأمور المعقولة، وإن لم تزل عن كونها معقولة موجودة في العقل أزلا وأبدا فنسبة الحوادث وغيرها إليها سواء.
ليتوسل ذلك إلى أن استناد الحوادث اليومية وغيرها إلى الواجب الأزلي على السوية لا كما يقوله الفلاسفة من استناد الحوادث اليومية إلى الحركات السماوية.
فقال: (وسواء كان ذلك موجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت)، فإنهما لا يتفاوتان بالنسبة إليه بل لكون نسبة غير المؤقت بلا واسطة، ونسبة الأخر: وهو المؤقت بواسطة أو وسائط، بل ( نسبة المؤقت) كالحوادث اليومية، (وغير المؤقت).
كما يقال: الله حي عالم (إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة) قيد بالمعقول لئلا يتوهم أن المراد الكلي الطبيعي من حيث هو في ضمن الموجود الجزئي.
فإنه ليس مستندا للكل؛ بل لذلك الجزئي، وإنما كانت نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي نسبة واحدة؛ لأن استنادهما إليه ليس بطريق العلية حتى يلزم من أزلية العلة أزلية المعلول.
وهكذا ليس استناد الموجودات إلى الحق استناد إلى العلة بل علة وجود الحوادث تعلق إرادة الحق وقدرته بهم، وللاهتمام بيان أن استناد الكلي إلى الأمر الكلي على السوية قال:نسبة المؤقت وغير المؤقت بالإظهار مع الاستغناء عنه بالإضمار.
ونقول في علم الحق إنه قديم، و في علم الإنسان إنه محدث. فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة.
ثم أشار إلى أنها، وإن كان لها الحكم، والأثر في كل ما له وجود عيني، فلكل ما له وجود ح?م.
وأثر في الأمر الكلي أيضا؛ ليتوسل بذلك إلى أن للأعيان الثابتة للموجودات أيضا حكما على الحق في حكمه عليها.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها. فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة.
وسواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة.)
قال رضي الله عنه : ( فـ ) تلك الكليّات ( هي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات ) وصورها المشخّصة الخارجيّة الكثيرة ، ( كما هي الباطنة من حيث معقوليّتها ) ومعانيها الكلَّية الذهنيّة الواحدة .
ثمّ إذ قد تقرّر أنّ التأثير والحكم إنّما هو لما تبطَّن من المعاني ، وأنّ الوجود العيني عبارة عن ظهور تلك الكليّات بصور آثارها ( فاستناد كلّ موجود عيني ) من الأشخاص جسمانيّة كانت أو روحانيّة إنّما هو ( لهذه الأمور الكليّة التي لا يمكن رفعها عن العقل ) رفعا يستقلّ به في الوجود .
وهذا وصف عدميّ لها بنسبتها إلى العقل. وإلى ما لها بالنسبة إلى الخارج أشار بقوله : ( ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة ) .
فإنّه وإن قيل : « إنّ الطبايع الكليّة لها وجود في الخارج » ولكن في ضمن الهويّات الخارجيّة والأشخاص ، فغير زائلة حينئذ عن الكون العقلي ، ضرورة أنّ هذا التفصيل المستتبع لإثبات تلك الطبايع إنّما هو للعقل عند وجودها فيه . 
وفي هذه العبارة إشارة إلى أنّ تلك الكليّات وسائر الماهيّات العقليّة إنّما هي أحوال وعوارض لباطن الوجود ، لازمة له ، غير زائلة عنه على عكس ما عليه جمهور أهل النظر وقد حقّق أصل هذه المسئلة إمامي وجدّي خاتم التحقيق في هذا الطور في « الحكمة المتقنة » وغيرها من الكتب ، من أراد ذلك فليطالع ثمة .
ثمّ إنّ صورة التثليث الكمالي الظاهر ملاك أمره في الكلمة هذه على ما وقفت عليه مرارا - قد سرت سورة حكمها في الكليّات التي هي باطن تلك الكلمة .
وإذ قد نبّهت منها على مقامين : 
الأوّل هو الذي يكشف عن مدارجها الباطنة ، 
والثاني عن مجاليها الظاهرة .

أخذ في تكميلها بالثالث ، وهو المبيّن لما يترتّب على تلك المدارج والمجالي ممّا يتّصف به الكلَّي في معقوليّته من الأحكام الإطلاقيّة ولما يتولَّد عند امتزاجهما من النسبة الجمعيّة . 
وإذ قد فرغ عن تحقيق الوصفين بما ينبئ عن الجهة الإطلاقيّة التي لها ، حيث عبّر عنهما بالمفهومات العدميّة .
شرع في تبيين النسبة المتولَّدة التي اتّصف بها الكلَّي من حيث الأعيان ، وأشار إلى مبدأ تفصيل تلك الأعيان أوّلا أعني الزمان بقوله : (وسواء كان ذلك الموجود العيني مؤقّتا ، أو غير مؤقّت) أي حادثا زمانيّا أو قديما ( نسبة المؤقّت وغير المؤقّت إلى هذا الأمر الكلَّيّ المعقول نسبة واحدة ) ضرورة أنّ نسبة القدم والحدوث إليه على السويّة ، لإطلاقها عنهما ، وعلوّه عليهما .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها. فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة. وسواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة.)
قوله رضي الله عنه : "فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتهَا. فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، و لا يمكن وجودها في العين وجوداً تزول به عن أن تكون معقولة."
(فهي)، أي تلك الأمور الكلية هي (الظاهرة من حيث أعيان الموجودات)، أي من حيث أنها عين الأعيان الموجودة (كما هي الباطنة من حيث معقوليتها) وكلياتها (فاستناد ?ل وجود)، أي موجود (عيني) باعتبار اتصافه ب?مالاته .
نظرة إلى قوله : ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني أو باعتبار تعينه و امتيازه عما عداه و صيرورته عينا متميزة من غيرها بهذه الأمور الكلية.
نظرة إلى قوله : بل هو عينها أعني الموجودات العينية ( لهذه الأمور)، أي إلى هذه الأمور (الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل) من حيث كليتها بأن تصير موجودات خارجية تخرج عن كونها معقولية صرفة .
ولهذا عطف عليه قوله : (ولا يمكن وجودها في العين وجودة تزول به عن أن تكون معقولة) عطف تفسیر .
قوله : "و سواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتاً أو غير مؤقت، نسبة المؤقت و غير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة. "
(وسواء كان ذلك الموجود العيني مؤقتا) مقترنا بالزمان ?المخلوقات (أو غير مؤقت) وغير مقترن كالمبدعات روحانيا كان أو جسمانيا.
فإن (نسبة المؤقت) الزماني واستناده (و) نسبة (غير الموقت) الغير الزماني و استناده (إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة) واستناد وأحد .
فاقتران الوجود العيني بالزمان أو عدم اقترانه لا يخرجه عن استناده إلى هذه الأمور الكلية على الوجه المذكور .
ولما أشار رضي الله عنه إلى ارتباط الأمور الكلية بالموجودات العينية وكيفية تأثيرها فيها .
أراد أن يشير إلى ارتباط الموجودات بالأمور الكلية وكيفية تأثيرها فيها.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 5:50 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول الفقرة الرابعة عشرة الجزء الثاني فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:34 pm

السفر الأول الفقرة الرابعة عشرة الجزء الثاني فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الرابعة عشر : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها. فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة.
وسواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة. )
قال المصنف رضي الله عنه : [فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها] . 
قال الشارح رحمه الله :
( فهي الظاهرة ): أي تلك الأمور الكلية من حيث أعيان الموجودات العينية الخارجية . 
( كما هي الباطنة من حيث معقوليتها) و كليتها . 
قال المصنف رضي الله عنه : 
[ فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، و لا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة .  و سواء كان ذلك الموجود العيني موقتا أو غير موقت إذ نسبة الموقت و غير الموقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة] 

قال الشارح رضي الله عنه :
( فاستناد كل موجود عيني خارجي لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل ): و هذه الحقيقة لا تزال معقولة أبدا لا يقدر العقل على إنكارها، و لا يزال حكمها موجودا ظاهرا في كل موجود .
( و لا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به أن تكون معقولة ): لأنها مراتب و المراتب لا تزول عن مراتبها، و لا تتنزّل عن مقامها، فهذه الحقيقة الكلية جامعة للأضداد لها، و الظهور و البطون موجودة معدومة .
فكل موجود لها صورة فيه و لا صورة في ذاتها، فحكمها ليس سوى ذاتها و ذلك الحكم من آياتها تجتمع الأضداد في وصفها، فنفيها في عين إثباتها .
و هكذا الأمر في الإلهيات، فإن صورة العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا و هو تعالى جامع الأضداد بل عينها .
ذكر رضي الله عنه في الفتوحات الباب الثامن والتسعون ومائة في معرفة النفس بفتح الفاء :
عن تاج الدين الأخلاطي أنه قال حين سمع منه كلام الخراز قدّس سره فقال الشيخ رضي الله عنه : ولما كان هذا الباب يضم كل ذي نفس حقا وخلقا ، احتجنا أن نبين فيه ما نفس الرحمن به عن نفسه لما وصف نفسه بأنه أحب أن يعرف .
ومعلوم أن كل شيء لا يعلم شيئا إلا من نفسه وهو يحب أن يعرفه غيره ولا يعرفه ذلك الغير إلا من نفسه .
فإن لم يكن العارف على صورة المعروف فإنه لا يعرفه فلا يحصل المقصود الذي له قصد الوجود .   فلا بد من خلقه على الصورة لا بد من ذلك .
وهو تعالى الجامع للضدين بل هو عين الضدين فـ "هُوَ الْأَوَّلُ والْآخِرُ والظَّاهِرُ والْباطِنُ" فخلق الإنسان الكامل على هذه المنزلة فالإنسان عين الضدين أيضا لأنه عين نفسه في نسبته إلى النقيضين فـ "هُوَ الْأَوَّلُ" بجسده "والْآخِرُ" بروحه "والظَّاهِرُ" بصورته "والْباطِنُ" بموجب أحكامه.
والعين واحدة فإنه عين زيد وهو عين الضدين ، فزيد هو عين الأخلاط الأربعة المتضادة والمختلفة ليس غيره  وذو الروح النفسي والمركب الطبيعي .

وهنا قال الخراز : عرفت الله بجمعه بين الضدين .
فقال صاحبنا تاج الدين الأخلاطي حين سمع هذا منا : "لا بل هو عين الضدين" .
وقال الصحيح ، فإن قول الخراز، يوهم أن ثم عينا ليست هي عين الضدين لكنها تقبل الضدين معا .
والأمر في نفسه ليس كذلك بل هو عين الضدين إذ لا عين زائدة فالظاهر عين الباطن والأول والآخر والأول عين الآخر والظاهر والباطن فما ثم إلا هذا .
فقد عرفتك بالنشأة الإنسانية أنها على الصورة الإلهية وسيرد الكلام في خلق الإنسان من حيث مجموعه الذي به كان إنسانا في الباب الحادي والستين وثلاثمائة في فصل المنازل في منزل الاشتراك مع الحق في التقدير. أهـ . فافهم.
و لمّا كان هذا الأمر الكلي المعقول لا يقيد الزمان، بل الزمان و الأزمان عنده أسوة و لا يتقيد به، أراد رضي الله عنه أن نسبته إلى الموجودات نسبة واحدة .
قال الله تعالى: "و ما أمْرنا إلّا واحِدةٌ كلمْحٍ بالبصر "ِ [ القمر: 50] .

فقال: (و سواء كان ذلك الموجود العيني مؤقتا ): أي زمانيا كعالم الخلق و الشهادة، أو (غير مؤقت ): أي غير زماني كعالم الأمر و الغيب .
( نسبة  المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة) باستناد واحد، و لا يختص هذا التأثير ببعض دون بعض، بل  كلهم سواء في قبول التأثير من هذا المؤثر الكلي العقلي، و اقترانه بالزمان، و عدم اقترانه لا يتأثر فيه و ذلك لعدم تقيده:
أي الأمر بالزمان فإنه من عالم الأمر، فافهم .

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 5:48 pm عدل 4 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول الفقرة الخامسة عشر الجزء الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:35 pm

السفر الأول الفقرة الخامسة عشر الجزء الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الخامسة عشر :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي. فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة، كما أن الحياة متميزة عنه. ثم نقول في الحق تعالى إن له علما وحياة فهو الحي العالم. ونقول في الملك إن له حياة وعلما فهو العالم والحي. ونقول في الإنسان إن له حياة وعلما فهو الحي العالم.)
قال رضي الله عنه : (غير أن هذا الأمر الكلي) المعقول في الذهن (يرجع إليه حكم من الموجودات العينية)، يخصصه بما يميزه عن غيره .
(بحسب ما تطلبه)، أي تقتضيه في نفسها (حقائق تلك الموجودات العينية)، فيصير ذلك الأمر الكلي محكوم عليه بالحدوث من طرف الجزئي الحادث, ومحكوما عليه بالقدم من طرف القديم.
فيتميز باعتبار جزئياته الحاكمة عليه بمثل ذلك (كنسبة العلم) الكلي إذا نسب (إلى العالم) القديم أو الحادث .
فإنه يحكم عليه بقدم أو حدوث (و) كذلك (الحياة) الكلية إذا نسبت (إلى الحي) القديم أو الحادث حكم عليها بقدم أو حدوث، وهكذا جميع الأمور الكلية .
(فالحياة) الكلية (حقيقة) واحدة (معقولة) في الذهن .
(والعلم) الكلي أيضا حقيقة واحدة (معقولة) ذهنا (متميزة) في نفسها (عن الحياة كما أن الحياة) أيضا (متميزة عنه)، أي عن العلم (ثم نقول) بعد ذلك في إظهار الحكم الذي يرجع من الموجودات العينية إلى تلك الأمور الكلية (في) جناب (الحق تعالى) وتقدس .
(إن له علما) موجودة وجودة عينية (وحياة) موجودة كذلك فهو تعالى (الحي العالم) حقيقة لا مجاز .
(ونقول) أيضا (في الملك) واحد الملائكة (إن له حياة)، موجودة وجودة عينيا (وعلما) كذلك (وهو)، أي الملك (الحي العالم)، حقيقة أيضا لا مجازا.
(ونقول) مثل ذلك في الإنسان (إن له حياة) عينية (وعلما فهو)، أي الإنسان (الحي العالم) حقيقة أيضا.



شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي. فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة، كما أن الحياة متميزة عنه. ثم نقول في الحق تعالى إن له علما وحياة فهو الحي العالم. ونقول في الملك إن له حياة وعلما فهو العالم والحي. ونقول في الإنسان إن له حياة وعلما فهو الحي العالم.)
قال رضي الله عنه : (غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما نطلب حقائق تلك الموجودات العينية) هذا استثناء منقطع بيان لاستناد الأمر الكلي إلى الموجودات حتى نعلم أن الارتباط كل من الطرفين.
(كنسبة العلم إلى العالم والحياة إلى الحې) تمثيل للارتباط السابق بيانه وإبراز في المحسوس المشاهد لا تأكيد .
(فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة ، كما أن الحياة متميزة عنه ثم نقول في الحق تعالی أن له علما وحياة فهو الحي العالم).



شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة. ونقول في علم الحق إنه قديم، وفي علم الإنسان إنه محدث. فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية.)
وأما ما بعد قوله: " ثم نرجع إلى الحكمة،" فما أرى أن فيه ما يحتاج إلى الشرح لأن عبارة الشيخ فيه وافية بالمقصود وليس هو مما يحتاج إلى الذكر الجلي بل هو من مدركات أفهام الناس إلى قوله: "ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم."



شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي. فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة، كما أن الحياة متميزة عنه. ثم نقول في الحق تعالى إن له علما وحياة فهو الحي العالم. ونقول في الملك إن له حياة وعلما فهو العالم والحي. ونقول في الإنسان إن له حياة وعلما فهو الحي العالم.)
قال العبد أيّده الله به :
اعلم : أنّ الحقائق الكلَّية مطلقة ، لها من حيث هي هي خصوصية ذاتية لا تخرجها عن تلك الخصوصية الذاتية إضافتها إلى الموجودات العينية كحقيقة العلم مثلا معنى قائم بالذات العالمة ، به تسمّى عالمة ، وهو في طور التحقيق عبارة عن إدراك المعلوم .
وكشفه بما هو به وهو وبما هو عليه في عينه على وجه الإحاطة والتمييز عن غير هذه حقيقة العلم ، وليست إضافتها ونسبتها إلى الحق أو إلى الخلق مخرجة لها عن هذه الحقيقة المخصوصة ، ولكن يعود إليها من إضافتها إلى كل موجود عيني إذا أضيفت إليه أن تكون فيه بحسبه.
فإن كان المضاف إليه موجودا قديما مطلقا ، كان علمه قديما مطلقا كذلك ، وإن كان المضاف إليه حادثا ، مقيّدا ، موقّت الوجود .
كان علمه حادثا مقيّدا كذلك ، وهذا ممّا اقتضت هذه الحقائق بشرط الانضياف ، فهي لا تزال على ذلك ما دام ذلك الشرط مقترنا بها ، وهذا ظاهر .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي. فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة، كما أن الحياة متميزة عنه. ثم نقول في الحق تعالى إن له علما وحياة فهو الحي العالم. ونقول في الملك إن له حياة وعلما فهو العالم والحي. ونقول في الإنسان إن له حياة وعلما فهو الحي العالم.)
قال رصي الله عنه : "غير أن هذا الأمر الكلى يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية ، كنسبة العلم إلى العالم والحياة إلى الحي ، فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة ، كما أن الحياة متميزة عنه . ثم نقول في الحق إن له علما وحياة فهو الحي العالم ، ونقول في الملك إن له حياة وعلما فهو الحي العالم " أي لكون الموجود العيني يحكم على الكلى الغيبى بمقتضى حقيقته . والكلى أيضا يحكم على الجزئى بحقيقته.
كما أن العلم والحياة بالنسبة إلى الله تعالى محكوم عليهما بالقدم الذي هو مقتضى حقيقته تعالى.
وبالنسبة إلى الإنسان والملك محكوم عليهما بالحدوث بمقتضى حقيقة الإنسان والملك.



مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي. فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة، كما أن الحياة متميزة عنه. ثم نقول في الحق تعالى إن له علما وحياة فهو الحي العالم. ونقول في الملك إن له حياة وعلما فهو العالم والحي. ونقول في الإنسان إن له حياة وعلما فهو الحي العالم.)
قوله رضي الله عنه : "غير أن هذا الأمر الكلى يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسبما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم والحياة إلى الحي".
فـ (الحياة) حقيقة معقولة و (العلم) حقيقة معقولة متميزة عن الحياة، كما أن الحياة متميزة عنه.
قوله: "ثم نقول في الحق تعالى، أن له علما وحياة فهو الحي العالم.
ونقول في الملك، أن له حياة وعلما فهو الحي العالم.
ونقول في الإنسان، أن له حياة وعلما فهو الحي العالم. "
تأكيد لبيان الارتباط.
كقول الشاعر مؤكدا في المدح:
ولا عيب فيهم غير أن ضيوفهم .....   تعاب بنسيان الأحبة والوطن
أي، استناد كل موجودعيني وما يتبعه من اللوازم،أي هذه الأمور
الكلية، واجب من حيث إنها مؤثرة فيه، إلا أن لهذه الموجودات أيضا حكما وأثرا في هذه الأمور الكلية بحسب اقتضاء أعيان الموجودات.
وذلك لأن (الحياة) حقيقة واحدة و (العلم) حقيقة واحدة وكل منهما متميز عن الآخر، فنقول في الحق تعالى، أنه حي عالم وحياته وعلمه عين ذاته، فيحكم بأنهما عينه وبعدم امتياز أحدهما عن الآخر في المرتبة الأحدية، ونقول بقدمها.
وفي غيره تعالى، كالملك والإنسان، يحكم بأنهما غيره، ونقول أنهما حادثان فيهما، فاتصافهما بالحدوث والقدم وكونهما عينا أو غيرا.
إنما هو باعتبار الموجودات العينية، فكما حكمت هذه الأمور في كل ماله وجود عيني، كذلك حكمت الموجودات عليها بالحدوث والقدم، وهذا الحكم إنما نشأ من الاستناد والإضافة، وإلا عند اعتباركل منهما وحده لا يلزم ذلك.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه : (غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي. فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة، كما أن الحياة متميزة عنه. ثم نقول في الحق تعالى إن له علما وحياة فهو الحي العالم. ونقول في الملك إن له حياة وعلما فهو العالم والحي. ونقول في الإنسان إن له حياة وعلما فهو الحي العالم.)
فقال رضي الله عنه : (غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه) أثر، (وحكم من الموجودات العينية بحسب ما تقتضيه حقائق تلك الموجودات العينية) .
كما يقال: علم الله قديم، وعلم الملك والإنسان حادث فتم الارتباط من الجانبين، وصح ظهور كل منهما في الآخر بالحكم والأثر؛ فليقس على هذا ارتباط العالم والإنسان مع الحق من الجانبين.
وإنما لم يقل: حقائقها لئلا يتوهم عود الضمير إلى حقائق الأمور الكلية، ثم مثل أثر الأمور الكلية في الموجودات العينية باعتبار وجودها في الذهن مستد؟ عليه بتميزها، إذ لا تميز للمعدوم المطلق.
بقوله: (كنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي) أورد مثالين ليميز بينهما حتى يتم استدلاله على وجودهما في الذهن.
وأشار إليه بقوله: (فالحياة حقيقة معقولة، والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة) بحقيقة العلم موجودة في الذهن.
(ثم نقول): لبيان استواء نسبة الموقت وغير المؤقت إلى حقيقة العلم والحياة (في الحق تعالی، إن له حياة، وعلما).
واستدل عليه بقوله: (فهو الحي العالم) ؛ وذلك لأن المشتق لا يصدق كما هي حياة متميزة عنه بحقيقتها أيضا موجودة في الذهن بدون المصدر.
(ونقول: في الملك إن له حياة، وعلما، فهو الحي العالم، ونقول في الإنسان: إن له حياة وعلما؛ فهو الحي العالم)
أعاد قوله: فهو الحي العالم، ليكون دليلا استقرائيا على أن كل حي عالم له حياة، وعلم نفيا لقول الفلاسفة والمعتزلة: أنه تعالى حي عالم بلا حياة وعلم.
ثم أشار إلى وحدة الحقيقة الكلية للحياة والعلم في حياة كل حي، وعلم كل عالم؛ ليتوسل بذلك إلى أن الوجود واحد ظهر في كل الموجودات، وأن نسبة الموجودات إليه نسبة واحدة.



شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي. فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة، كما أن الحياة متميزة عنه. ثم نقول في الحق تعالى إن له علما وحياة فهو الحي العالم. ونقول في الملك إن له حياة وعلما فهو العالم والحي. ونقول في الإنسان إن له حياة وعلما فهو الحي العالم.)
قال رضي الله عنه : (غير أنّ هذا الأمر الكلَّي يرجع إليه حكم من الموجودات العينيّة ، بحسب ما يطلبه حقائق تلك الموجودات العينيّة) وذلك لأنّه عين تلك الهويّات العينيّة في الوجود ، فيكون مكتسبا منها سائر أحكامها ونسبها ، ( كنسبة العلم إلى العالم ، والحياة إلى الحيّ ) .
وإنّما اختير من الكليّات هذان المثالان لأنّ من لطائف ما اشتملت عليه هذه الحكمة الإلهيّة ، ما يتعلَّق بحقيقة الإنسان وبيان ماهيّته العقليّة على ما سلف لك في صدر البحث وهما أصل ما اشتملت عليه تلك الحقيقة أعني الحيوان الناطق على أنّهما هما الإمامان المقدّمان في حضرة جمعيّة الأسماء الإلهيّة ، وبهما قد اتّسقت الرقيقة الارتباطيّة بين الواجب والممكن . 
(فالحياة حقيقة معقولة، والعلم حقيقة معقولة متميّزة عن الحياة كما أنّ الحياة متميّزة عنه . ثمّ نقول في الحقّ تعالى : « إنّ له علما وحياة » ، فهو الحيّ العالم) .
قال رضي الله عنه : (ونقول في الملك : « إنّ له حياة وعلما » ، فهو الحيّ العالم ونقول في الإنسان : « إنّ له حياة وعلما » فهو الحيّ العالم وحقيقة العلم واحدة ، وحقيقة الحياة واحدة ، ونسبتهما إلى العالم والحيّ نسبة واحدة .
ونقول في علم الحقّ : « إنّه قديم » ) ذاتا وزمانا.
( وفي علم الإنسان : « إنّه محدث » ) ذاتا وزمانا.
وفي علم الملك : " إنّه محدث ذاتا ، قديم زمانا " .
وإنّما طوى هذا المثال هاهنا لما ليس له كثير دخل في المبحث ، إذ الغرض الأوّل من تمهيد هذه المقدّمة أن يبيّن بها الجهة الارتباطيّة بين الممكن والواجب ويقلع بها موادّ عقائد الغالين في التنزيه الرسمي ، من الحكماء القاطعين بانتفاء تلك الجهة ، الحاسبين أنّهم هم الموفون بحقّ التنزيه .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي. فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة، كما أن الحياة متميزة عنه. ثم نقول في الحق تعالى إن له علما وحياة فهو الحي العالم. ونقول في الملك إن له حياة وعلما فهو العالم والحي. ونقول في الإنسان إن له حياة وعلما فهو الحي العالم.)
قال رضي الله عنه : "غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكمٌ من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه"
فقال : (غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم) وأثر (من الموجودات العينية) فكما كانت الأمور الكلية يحكم عليها بأحكام وأثار .
كذلك تحكم هي على الأمور الكلية بأحكام وآثار (بحسب ما تطلبه) وتقتضي
قوله : "حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي. "
فالحياة حقيقة معقولة و العلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة ، كما أن الحياة متميزة عنه."
(حقائق تلك الموجودات العينية) من الأحكام والآثار .
وذلك (كنسبة العلم) مثلا (إلى العالم و) نسبة (الحياة إلى الحي فالحياة حقيقة معقولة) كلية (والعلم حقيقة معقولة) كلية (والعلم حقيقة معقولة) .
كذلك (متميزة عن الحياة) بحسب التعقل (كما أن الحياة) حقيقة معقولة (متميزة عنه) بحسبه
قوله : "ثم نقول في الحق تعالى إن له علماً و حياة فهو الحي العالم."
(ثم نقول في الحق تعالى أن له علما وحياة) وهما حكمان على الموصوف بهما بأنه حي عالم (فهو) تعالى (الحي العالم و) كذلك نقول في الملك إن له حياة وعلما.
قوله : "ونقول في المَلَك إن له حياة و علماً فهو العالم و الحي.". و كذلك (هو)، أي الملك (الحي العالم) حقيقة لا مجازا
قوله : "ونقول في الإنسان إن له حياة و علماً فهو الحي العالم. "
(ونقول) مثل ذلك (في الإنسان إن له حياة وعلما) وهما بحكمان على الموصوف بهما بأنه حي عالم. (فهو) أي الإنسان (الحي العالم وحقيقة العلم) في كل من الحق والملك والإنسان (واحدة).
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 12:21 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الخامسة عشر الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:38 pm

الفقرة الخامسة عشر الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الخامسة عشر : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي. فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة، كما أن الحياة متميزة عنه.
ثم نقول في الحق تعالى إن له علما وحياة فهو الحي العالم. ونقول في الملك إن له حياة وعلما فهو العالم والحي.
ونقول في الإنسان إن له حياة وعلما فهو الحي العالم.)
قال المصنف رضي الله عنه : [ غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم و الحياة إلى الحي .
فالحياة حقيقة معقولة و العلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة كما أن الحياة متميزة عنه، ثم نقول في الحق تعالى: إن له حياة و علما فهو الحي العالم و نقول في الملك :  إن له حياة و علما فهو الحي العالم و نقول في الإنسان: إن له حياة و علما فهو الحي العالم] .

قال الشارح رضي الله عنه: 
فلمّا أراد رضي الله عنه أن يبين كمال الارتباط بين  المعدومات و الموجودات حتى يثبت ذلك الارتباط بالملازمة بين الموجودات، فأثبت أولا ربطا قويا و هو التأثير من هذا الأمر الكل العدم على الموجودات العينية بأسرها، و أراد أن يذكر تأثيرا آخر، و ربطا آخر محدث من جهة الموجودات الخارجية فكما تكون الحقائق العقلية مؤثرة  كذلك تكون متوترة من جهة الأعيان الخارجية مبالغة لبيان الارتباط و اهتماما به، فإن الارتباط من الجانبين ما هو كالارتباط من جانب واحد، فأخذ على صورة المبالغة كما قيل في شعر :
و لا عيب فيهم غير ..... أنّ  بهن فلول من قراع
يعني: وإن كان التأثير من الحقائق العقلية ثابتة، والرابطة حاصلة. غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم: أي أثر تتأثر به الحقائق الكلية من الموجودات العينية كنسبة العلم إلى العالم، و الحياة إلى الحي.
فكل منهما: أي من الأمر الكلي العيني والموجود العيني كان ما كان مؤثر ومتأثر وفاعل ومنفعل، فافهم مراده وإشارته .
وضرب مثاله رضي الله عنه "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون"، فافهم و لا تكن الغليظ القدم، و مكرنا مكرا و هم لا يشعرون، بل لله المكر جميعا .
فالغافل المؤمن الناصح نفسه إذا سمع ممن يقول عن الله تعالى أو عن رسوله ينصت، و يصغي، و يتأدّب، و يتفهم .

قال تعالى: "و إذا قرئ القُرْآنُ فاسْتمِعوا لهُ و أنصِتوا لعلّكُمْ تُـرحمُون" [ الأعراف: 204] فأوقع الترجي مع هذه الصفة و كيف حال من خاصم، و عاند و رفع صوته .
قال تعالى: "إنّ أنكر الْأصْواتِ لصوْتُ الحمِيرِ" [ لقمان: 19] فالعاقل الناصح نفسه من ترك ما عنده لما جاءه من عند الله تعالى، فافهم .
فقد نبهتك على علم عظيم من لطائف إشارات الشيخ و ضرب أمثاله تشكرني عند الله و عنده رضي الله عنه: إني أرجو أن أكون من مفصّلي الألغاز بفهم إشاراته التي لا تجدها في كتب المؤلفين، و هذا كله قطرة من بحر كراماته و نقطة من فتوحاته، فما للمحبين المؤمنين إلا الفهم فيه من الله تعالى و هو الوحي الإلهي الذي أبقاه الحق لنا وراء حجاب الإيمان، فافهم .

قال تعالى: "و قلْ ر ب زدْني عِلْماً" [ طه: 114]، "و أمّا بنعْمةِ ربِّك فحدثْ" [ الضحى: 11] .
فإنه شكر تلك النعمة، و بالشكر تزيد النعم، فالحياة حقيقة معقولة كلية مؤثرة في الحي كان من كان، و العلم حقيقة معقولة  كلية مؤثرة في العالم كان من كان فافهم .
( متميزة من الحياة كما هي الحياة متميزة عنه) و كل منهما متميز عن الآخر في مرتبة التفضيل، ثم تقول عند ظهورهما في الخارج في الحق تعالى أن له علما و حياة فهو الحي العالم.
( و نقول في الملك) بضم الميم و هو بمعنى: العالم أن له حياة و علما، فهو الحي العالم، فذكر رضي الله عنه الملك في مقابلة الحق تعالى، فافهم .
( و نقول في الإنسان أن له حياة و علما فهو الحي العالم) جعل رضي الله عنه التقسيم على ذوقه رضي الله عنه حين أعرضت الشرّاح كلهم عينها و ما أتى على من أتى إلا بتصحيف الملك بالضم بالملك بالفتح، و يدل على هذا سوقهم أحكام الملك على مساق الإنسان، و قولهم: إن الحياة و العلم فيهما حادثان و ليس عينهما، فافهم .
فإذا عرفت هذا فتقول: إن العلم و الحياة و جميع الحقائق الموجودة في الخارج لها مع الذات ثلاثة أحوال :
إمّا العينية كما في الإلهيات،
و إمّا الغيرية كما في العالم و الملك،
و إمّا إلا غير و لا غير لأنه عين و غير من جميع الأضداد، بل هو عين الأضداد .
كما في الإنسان الكامل الخليفة الذي بالوجود حادث أزلي لأنه برزخ جميع الطرفين، و حاز الحدوث و القدم في الوجودين، وهكذا في العلم و الحياة لأنه جامع الأضداد.

كما قال الخراز قدّس سره: "عرفت الله بجمع الأضداد" . يشير إلى التحقيق بهذه المرتبة، و هذا صفة من لا صفة له .
فإن قلت فيه: إنه حادث صدقت، و إن قلت: قديم صدقت يقبل الأضداد لأنه عين مجموع الأضداد.
و بهذه البرزخية فاز بالكل من بين العالم.
و لا يقال: إنه حق مطلق لحدوثه.
و لا يقال: إنه ملك و عالم لقدمه الذاتي و فوزه بالفناء الحقيقي و الوجود الدائم الأبدي .
و هذا النعت ليس لغير الإنسان الكامل، و هكذا الأمر فيه في جميع أسمائه و صفاته، فافهم .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس أبريل 04, 2019 12:34 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السادسة عشر الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:39 pm

الفقرة السادسة عشر الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السادسة عشر : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة. ونقول في علم الحق إنه قديم، وفي علم الإنسان إنه محدث. فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية.)
(و) مع هذا كله (حقيقة العلم) الكلي (واحدة) في نفسها (وحقيقة الحياة) الكلية (واحدة) أيضا في نفسها.
(ونسبتهما)، أي العلم والحياة (إلى العالم والحي نسبة واحدة) أيضا.
بحيث ليس عالم ولا حي أولى بتلك النسبة من عالم آخر وحي آخر.
(و) مع ذلك (نقول في علم الحق) تعالى (إنه قدیم)، فنحكم على ذلك الكلي من طرف هذا الجزئي بح?م خاص هو القدم.
(ونقول في علم الإنسان) وكذلك الملك (إنه محدث) فنحكم على ذلك الكلي أيضا من طرف هذا الجزئي الآخر بحكم خاص غير الحكم الأول وهو الحدوث.
ومثله الحياة إذا نسبت إلى الحق تعالی كانت قديمة وإلى الإنسان والملك كانت حادثة.
فانظر بعين بصيرتك أيها السالك (إلى ما)، أي الذي (أحدثته الإضافة)، وهي نسبة الحياة والعلم إلى الحق تعالی وإلى الملك وإلى الإنسان.
(من الحكم) بالقدم في الأول و بالحدوث في الآخرين في هذه الحقيقة العلمية الكلية (المعقولة) والحقيقة الحياتية الكلية المعقولة.
(وانظر إلى هذا الارتباط) الواقع (بين المعقولات) الكلية (والموجودات العينية) الجزئية وهو الحكم من كل واحدة منهما على الأخرى.


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة. ونقول في علم الحق إنه قديم، وفي علم الإنسان إنه محدث. فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية.)
(فنقول في الملك أن له حياة وعلمة فهو الحي العالم فتقول في الإنسان أن له علما وحياة فهو الحي العالم وحقيقة الحياة واحدة وحقيقة العلم واحدة ونسبتهما إلى العالم والحي نسبة واحدة ونقول في علم الحق تعالى أنه قديم وفي علم الإنسان أنه محدث)
ولما بين الارتباط بين المعلومات والموجودات من الطرفين أمر بالنظر فيه لعظمة شأن هذا الأمر وكونه من الأمور العجيبة فإن الارتباط بين المعدوم والموجود أمر عجيب .
فقال : (فانظر إلى ما أحدثته الإضافة) من الحكم في هذه الحقيقة الواحدة فإن لكل منهما أثر في الآخر باعتبارنا الإضافة والنسبة بينهما فإن اعتبرنا انفرادهما لا يحصل لهما هذا الحكم.
ولما كان الارتباط أعظم مسألة من مسائل العلوم الإلهية لكونه دليلا على الارتباط بين الحق وعبادة تعالى.
أجمل ذكره أولا ثم فصل وكرر أمر الوصية بالنظر (فقال فانظر إلى هذا الارتباط) الحاصل (بين المعقولات والموجودات العينية)
أي فانظر بعين البصيرة واعتبر فإنه واجب النظر والعبرة كيف يحصل الحكم من أحد المتضادين إلى الآخر وكيف يحكم أحدهما على الآخر.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة. ونقول في علم الحق إنه قديم، وفي علم الإنسان إنه محدث. فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية.)
وأما ما بعد قوله: " ثم نرجع إلى الحكمة،" فما أرى أن فيه ما يحتاج إلى الشرح لأن عبارة الشيخ فيه وافية بالمقصود وليس هو مما يحتاج إلى الذكر الجلي بل هو من مدركات أفهام الناس إلى قوله: "ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم."


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة. ونقول في علم الحق إنه قديم، وفي علم الإنسان إنه محدث. فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية.)
قال العبد أيّده الله به : اعلم : أنّ الحقائق الكلَّية مطلقة ، لها من حيث هي هي خصوصية ذاتية لا تخرجها عن تلك الخصوصية الذاتية إضافتها إلى الموجودات العينية كحقيقة العلم مثلا معنى قائم بالذات العالمة ، به تسمّى عالمة ، وهو في طور التحقيق عبارة عن إدراك المعلوم .
وكشفه بما هو به وهو وبما هو عليه في عينه على وجه الإحاطة والتمييز عن غير هذه حقيقة العلم ، وليست إضافتها ونسبتها إلى الحق أو إلى الخلق مخرجة لها عن هذه الحقيقة المخصوصة ، ولكن يعود إليها من إضافتها إلى كل موجود عيني إذا أضيفت إليه أن تكون فيه بحسبه.
فإن كان المضاف إليه موجودا قديما مطلقا ، كان علمه قديما مطلقا كذلك ، وإن كان المضاف إليه حادثا ، مقيّدا ، موقّت الوجود .
كان علمه حادثا مقيّدا كذلك ، وهذا ممّا اقتضت هذه الحقائق بشرط الانضياف ، فهي لا تزال على ذلك ما دام ذلك الشرط مقترنا بها ، وهذا ظاهر .
وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية ، فكما حكم العلم على من قام به  بأن يقال فيه : إنّه عالم



شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة. ونقول في علم الحق إنه قديم، وفي علم الإنسان إنه محدث. فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية.)
قال الشيخ رضي الله عنه : " ونقول في الإنسان إن له حياة وعلما فهو الحي العالم ، وحقيقة العلم واحدة وحقيقة الحياة واحدة ونسبتهما إلى العالم والحي نسبة واحدة ، ونقول في علم الحق إنه قديم وفي علم الإنسان إنه محدث ، فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة ، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية ."
 أي لكون الموجود العيني يحكم على الكلى الغيبى بمقتضى حقيقته . والكلى أيضا يحكم على الجزئى بحقيقته.
كما أن العلم والحياة بالنسبة إلى الله تعالى محكوم عليهما بالقدم الذي هو مقتضى حقيقته تعالى.
وبالنسبة إلى الإنسان والملك محكوم عليهما بالحدوث بمقتضى حقيقة الإنسان والملك.
وكذلك العلم والحياة يحكمان على كل موصوف بهما بأنه حى عالم ولكل واحد من العيني والغيبى حكم على صاحبه بمقتضاه مع أن حقيقة العلم حقيقة واحدة لم تنقسم ولم تختلف باختلاف العارف لها بسبب الإضافة.
وكذلك الحياة ونسبتها إلى الموصوفين بها فإنها نسبة واحدة لم تختلف .
وانظر إلى هذا الارتباط بين الموجودات العينية وبين الموجودات العينية ، مع أن المعقولات الغيبية كليات معدومة العين في الخارج من حيث كليتها ، فإن كل موجود عينى مشخص جزئى وألفاظ الكتاب ظاهرة .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة. ونقول في علم الحق إنه قديم، وفي علم الإنسان إنه محدث. فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية.)
قوله :"وحقيقة العلم واحدة وحقيقة الحياة واحدة ونسبتها إلى الحي والعالم نسبة واحدة.
ونقول في علم الحق، أنه قديم، وفي علم الإنسان، أنه محدث فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم  في هذه الحقيقة المعقولة"
تأكيد لبيان الارتباط. كقول الشاعر مؤكدا في المدح:
ولا عيب فيهم غير أن ضيوفهم .....   تعاب بنسيان الأحبة والوطن
أي، استناد كل موجودعيني وما يتبعه من اللوازم،أي هذه الأمور
الكلية، واجب من حيث إنها مؤثرة فيه، إلا أن لهذه الموجودات أيضا حكما وأثرا في هذه الأمور الكلية بحسب اقتضاء أعيان الموجودات.
وذلك لأن (الحياة) حقيقة واحدة و (العلم) حقيقة واحدة وكل منهما متميز عن الآخر، فنقول في الحق تعالى، أنه حي عالم وحياته وعلمه عين ذاته، فيحكم بأنهما عينه وبعدم امتياز أحدهما عن الآخر في المرتبة الأحدية، ونقول بقدمها.
وفي غيره تعالى، كالملك والإنسان، يحكم بأنهما غيره، ونقول أنهما حادثان فيهما، فاتصافهما بالحدوث والقدم وكونهما عينا أو غيرا.
إنما هو باعتبار الموجودات العينية، فكما حكمت هذه الأمور في كل ماله وجود عيني، كذلك حكمت الموجودات عليها بالحدوث والقدم، وهذا الحكم إنما نشأ من الاستناد والإضافة، وإلا عند اعتباركل منهما وحده لا يلزم ذلك.
قوله: "وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية"
تصريح بالمقصود، وهو بيان الارتباط بين الأشياء العينية والأمور الغيبيةالتي لا أعيان لها، وإذا كان الارتباط بينهما حاصلا، فالارتباط بين الحق والعالم الموجودين في الخارج أقوى وأحق. وفحواه ظاهر.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة. ونقول في علم الحق إنه قديم، وفي علم الإنسان إنه محدث. فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية.)
فقال(وحقيقة العلم) في الكل أي: في علم الحق والإنسان والملك حقيقة واحدة وحقيقة الحياة في الكل حقيقة (واحدة ونسبتها) أي: نسبة حقيقة العلم وحقيقة
الحياة (إلى العالم والحي)، أي: إلى علم كل عالم وحياة كل حي (نسبة واحدة) فلم تتغير وحدة الحقيقة الكلية بكثرة المظاهر، ولم تتكثر النسب بالنظر إلى الحقيقة الكلية، وإن ت?ثرت بالنظر إلى الموجودات.
(ونقول) لبيان رجوع الحكم والأثر من الموجودات العينية إلى المعقولات الكلية عند ظهورها فيها (في علم الحق إنه قديم، وفي علم الإنسان إنه محدث، فانظر ما أحدثته الإضافة) أي: إضافة العلم إلى الحق القديم والإنسان الحادث (من الحكم) بالقدم والحدوث (في هذه الحقيقة المعقولة).
التي ليس لها ذلك قبل ظهورها فيها، فكذلك ظهور الحق في مرتبة التعين الأول والثاني أوجب الحكم بالوجوب والقدم، وفي العالم والإنسان بالإمكان والحدوث لا في ذاته بل في صورته.
(وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات) من الأمور الكلية، وبين الموجودات العينية برجوع حكم كل منها إلى الآخر.



شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة. ونقول في علم الحق إنه قديم، وفي علم الإنسان إنه محدث. فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية.)
قال رضي الله عنه : (ونقول في الملك : « إنّ له حياة وعلما » ، فهو الحيّ العالم ونقول في الإنسان : « إنّ له حياة وعلما » فهو الحيّ العالم وحقيقة العلم واحدة ، وحقيقة الحياة واحدة ، ونسبتهما إلى العالم والحيّ نسبة واحدة .
ونقول في علم الحقّ : « إنّه قديم » ) ذاتا وزمانا.
( وفي علم الإنسان : « إنّه محدث » ) ذاتا وزمانا.
وفي علم الملك : " إنّه محدث ذاتا ، قديم زمانا " .
وإنّما طوى هذا المثال هاهنا لما ليس له كثير دخل في المبحث ، إذ الغرض الأوّل من تمهيد هذه المقدّمة أن يبيّن بها الجهة الارتباطيّة بين الممكن والواجب ويقلع بها موادّ عقائد الغالين في التنزيه الرسمي ، من الحكماء القاطعين بانتفاء تلك الجهة ، الحاسبين أنّهم هم الموفون بحقّ التنزيه .
ولذلك قال متمّما لبيانه : ( فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة ، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينيّة) .
ثمّ إنّه يمكن أن يقال ها هنا : إنّ هذا الكلام إنّما يتمّ لو لم يكن الكلَّي عند اتّصافه بالوجود العيني منقسما مفصلا انقسام الجنس بفصله أو مجزّأ تجزية الأجزاء الخارجيّة وموادها بصورها المشخّصة وأمّا على تقدير ذلك فلا يلزم أن يكون محكوما عليه ، ضرورة أن كلّ قسم وجزء مخالف لآخر بالذات .
قال رضي الله عنه : (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه : « عالم » ، حكم الموصوف به على العلم بأنّه حادث في حقّ الحادث قديم في حق القديم ) حيث اتّصل من الطرفين .
أعني الباطن والظاهر رقيقة النسبة الحكميّة، نازلة من الأمر الكلَّى إلى الهويّة الموصوفة 
هي به، راجعة منها إليه، وانتظم بذلك صورة الدائرة المستدعية لسريان الأمر الجمعي، وتعاكس حكم كلّ منهما على الآخر بوجه (فصار كلّ واحد) من الباطن العقلي والظاهر العيني (محكوما به ، محكوما عليه) .
ثمّ إنّه يمكن أن يقال ها هنا : إنّ هذا الكلام إنّما يتمّ لو لم يكن الكلَّي عند اتّصافه بالوجود العيني منقسما مفصلا انقسام الجنس بفصله أو مجزّأ تجزية الأجزاء الخارجيّة وموادها بصورها المشخّصة وأمّا على تقدير ذلك فلا يلزم أن يكون محكوما عليه ، ضرورة أن كلّ قسم وجزء مخالف لآخر بالذات .
وبالجملة، كما أنّ الفصل يقسّم الجنس ويفصّله حقائق مختلفة, فلم لا يكون التعيّن له هذا السبيل بالنسبة إلى النوع ؟ فأشار إلى دفعه بقوله : ( ومعلوم )  ممّا نبّهت عليه من أنّ عين الأشياء الحاصلة من « كن » إنّما يتوقّف وجودها على انضمام كاف « الكلَّي » إلى نون تعيّناتها النوعيّة .
قال رضي الله عنه : ( أنّ هذه الأمور الكلَّية وإن كانت معقولة ) بهذا الاعتبار ( فإنّها معدومة العين ) من حيث هي كذلك ( موجودة الحكم ) فقط كما عرفت من أنّ الأوصاف حاكمة على من قامت به بذلك الوصف .
ولا يخفى على من سلمت ذائقة ذوقه عن شوائب الأخلاط الخارجيّة أنّه يمكن أن يكون الأمور في عدمها مبدأ للحكم ، محكوما بها (كما هي محكوم عليها ، إذا نسبت إلى الموجود العيني) وانتظم رقيقة التناسب من الطرفين انتظاما دوريّا ، فإنّه حينئذ يحصل منهما هيأة وحدانيّة تتّحد بها تلك الأمور.


شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة. ونقول في علم الحق إنه قديم، وفي علم الإنسان إنه محدث. فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية.)
قوله : "وحقيقة العلم واحدة، و حقيقة الحياة واحدة، و نسبتها إلى العالم و الحي نسبة واحدة.
ونقول في علم الحق إنه قديم، و في علم الإنسان إنه محدث."
أي نسبة حقيقة الحياة والعلم (إلى العالم والحي) حقا كان أو ملكة أو إنسانا (نسبة واحدة) وهي ثبوتها لهما (و) مع ذلك نقول في كل واحد من علم الحق في حياته وسائر صفاته الحقيقية (أنه قدیم) غير مسبوق بالعدم الزماني وأنه عين ذاته وعلى سائر صفاته في مرتبة الأحدية.
(و) نقول (في علم الإنسان إنه محدث) بالحدوث الزماني وغير ذاته و غیر سائر صفاته .
ولا يصح هذا الحكم كليا إلا في علمه الحاصل له باعتبار أحدية جميع روحه وجسمه.
وإلا فقد صرح الشيخ صدر الدین القونوي قدس الله سره في بعض وسائله بأن الأرواح الكلية التي للكمل مقارنة للعقل الأول في الوجود واقعة معه في وصف واحد . ولا شك أن لها في تلك الحالة تكون بعض العلوم حاصلا وأقلها الشعور بنفسه .
قوله : "فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية."
(فانظر إلى ما أحدثته الإضافة)، أي إضافة الأمور الكلية إلى الموجودات العينية فأحدثت واقتضت إضافتها إلى الحق القديم سبحانه قدمها وإضافتها إلى الإنسان الحادث حدوثها.
وكأنه رضي الله عنه إنما لم يتعرض للملك بناء على أن الحكم بقدم صفاته وحدوثها مطلقة لا تصح كما في الحق تعالى، والإنسان.
فإن الملائكة كالعقل الأول من الدائمات بدوام الحق سبحانه، فكذا صفاته، وبعضها يمكن أن لا يكون كذلك بالدائم إلا أن يحكم بحدوثها وحدوث صفائها مطلقة على الخلق الجديد في كل آن لكن باعتبار أشخاصها لا أنواعها (وانظر إلى هذا الارتباط) الواقع (بين) تلك (المعلومات) الكلية "والموجودات العينية"
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس أبريل 04, 2019 12:37 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السادسة عشر الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:41 pm

الفقرة السادسة عشر الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السادسة عشر : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة.   ونقول في علم الحق إنه قديم، وفي علم الإنسان إنه محدث. فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية. )
قال المصنف رضي الله عنه : [ و حقيقة العلم واحدة، و حقيقة الحياة واحدة، و نسبتها إلى العالم و الحي نسبة واحدة، و نقول في علم الحق: إنه قديم، و في علم الإنسان: إنه محدث فانظر  ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة] .

قال الشارح رضي الله عنه : 
( و حقيقة العلم واحدة، و حقيقة الحياة واحدة) . قال تعالى: "ألمْ تر أنّ اللّه أنزل مِن السّماءِ ماءً فأخْرجْنا بهِ ثمراتٍ مُخْتلِفاً ألوانها" [ فاطر: 27] .
والماء واحد و ثمراته مختلفة باختلاف البقاع و الأشجار، و هذا مثل مضروب في أن الأمر واحد، و الاختلاف من القوابل و ذلك لعدم التكرار في التجلي، بل التجلي وحداني، و الكثرة من القوابل فالقوابل مؤثرات في الحقيقة الواحدة الكلية، هذا مر و هذا حلو، و هذا ثفه وهذا حريف، فافهم .
ومن حاد عن هذه الجادة حاد بإلحاد عن العلم الحقيقي، و ندم .
( و نسبتهما ): أي نسبة حقيقة العلم، و حقيقة الحياة إلى العالم الحي نسبة واحدة و تقول مع المساواة في النسب والإضافات في علم الحق سبحانه : إنه قديم، وفي علم الإنسان الكبير محدث.
وهكذا في الإنسان الصغير حادث أزلي قديم كما قررناه، و فيه تفنن في العبارة أنه ما جعل رضي الله عنه ثلثا مثل الأول لأن تقرير القسم الثالث فيه إشكال تام، و هو رضي الله عنه أراد مجرد التمثيل حتى يقبله كل أحد، و قد ظهر بهذا القدر فاكتفى بالوجهين و هو مثل 
قولك في الوجود: إذا نسبته إلى الحق قلت: قديما، و إذا نسبته إلى العالم قلت: محدثا، و إذا نسبت إلى الإنسان الكامل الخليفة قلت: حادثا أزليا .
و كذلك من حيث هو وصف للحق هو وصف إلهيّ، و من حيث هو وصف كونيّ هو وصف كيانيّ .
( فانظر ما أحدثته الإضافة) من الحكم و التأثير (في هذه الحقيقة المعقولة) :
فكل منهما: أي من الحقيقة الكلية التي قامت منهما مؤثرة من جهة، و متأثر من جهة بالتأثيرات المختلفة كالرأي في المرآة بتأثير المرآة من الوجه بوجه الانتقاش و الانعكاس فيها، و يتأثر الوجه منها بوجه إراءته الاستطالة، و الاستدارة التي ليست في الوجه فهما مؤثران و متأثران جميعا، فافهم .
و من مسائل النظر و الفكر أنه إذا ضربت قارورتين واحدا على واحد، فينكسر الاثنان بضربة واحدة، يلزم اجتماع التأثير و التأثر في آن واحد و بحثية واحدة، فحصل جميع النقيضين .

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ و انظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات و الموجودات العينية،]
قال الشارح رضي الله عنه :
( وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات) الصرفة العدمية الاعتبارية المحضة (و الموجودات العينية) الخارجية.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس أبريل 04, 2019 12:38 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السابعة عشر الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:42 pm

الفقرة السابعة عشر الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السابعة عشر :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
فكما حكم العلم الكلي (على من قام به) علم جزئي بأمور جزئية (أن يقال فيه)، أي في صاحب هذا العلم الجزئي (إنه عالم) من حكم الكلي على الجزئي كذلك
(حكم) العالم (الموصوف به)، أي بذلك العلم الجزئي (على العلم) الكلي (بأنه حادث في حق) العالم (الحادث).
(وأنه قديم في حق) العالم (القديم) من حكم الجزئي على الكلي (فصار) حينئذ (كل واحد) من الكلي والجزئي في العلم وغيره مح?وم به من وجه (ومحكوم عليه) من وجه آخر.
وهذا معنى الارتباط المذكور بين المعقولات والموجودات العينية.
(ومعلوم أن هذه الأمور الكلية) المذكورة (وإن كانت معقولة)، أي موجودة في العقل والذهن (فإنها معدومة العين) لا وجود لها في غير الذهن.
(وموجودة الحكم)، أي حكمها موجود بالنظر إلى جزئياتها على حسب ما ذكرنا.
(كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني) بحسب ما سبق

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
(فكما حكم المعلم على من قام به أن يقال إنه علم حكم الموصوف به على العلم بأنه حادث في حق الحادث وقديم في حق القديم فصار كل واحد مح?وم به ومحكوما عليه)بيان لما نظر إليه ونتيجة للكلام السابق.
ولما لم يقبل الأمور الكلية كل الحكم من الموجود العيني أراد أن يبينه وأعاد ما علم ليتفرع عليه قوله .
فتقبل الحكم فقال : (ومعلوم أن هذه الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين) أي لا عين لها في الخارج يسمى بالحياة أو العلم.
(موجودة الحكم) على الموجود العيني (كما هي محكوم عليه إذا نسبت إلى الموجود العيني) وكون المعدوم مؤثرة في الموجود و متأثرة فيه وكذلك الموجود مؤثرة فيه ومتأثرة منه من عجائب قدرة الله تعالى.
أن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
قوله رضي الله عنه : "ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم."
فأقول: إن أمثلة المعدوم في ذاته الموجود الحكم في غيره، الفرق الذي يتوهمه البصر بين الشمس والظل، فإن العقل يعلم أنه ما بين الشمس والظل أمر ثالث يفصل وربما يتوهم الحس أن هناك ثالثا يفصل بين الشمس والظل و یسمی أمثال هذا "برازخ" ولي شعر في وصف البرزخ وهو ما صورته،:
حقيقة ميزت من القدم     ….. محفوفة في الوجود بالعدم
حبيبة لم تزل مخيلة       ….. كما يزور الخيال في الحلم
لكنها قد أتت مؤكدة    .......    معنى وجود الحدوث في القدم
بدت فأبدت مالا وجود له   ......      في ذاته للبليد والفهم
وليس منها الظهور يدركه     …… إلا الذي رأمها ولم یرم
وقلت أيضا شعرا على لسانها:
تنزهت عن ذل الوجود فليس لي    …… مكان له عين الحقيقة ترمق
وسبحني قدسي فلا السر ناظر      …… إلي ولا معنى من الوهم يطرق
ولي منزل قد عز عن أين أو متى  …… وكيف وما رسم به يتعلق
أحطت ولكن لم أحط أجل أنني       ….. أحطت فللاطلاق بالقيد أوثق
ومن ی?ن الإطلاق قيدا لمثله     …… فذلك من شيئية السبقه أسبق
يمر الوجود الصرف طوع إرادتي   ….. إلى غاية من رقها ليس يعتق
فأشهدني فيه بعيني واجتلي     …….. بإفاقه بدرا بمعاني يشرق
وقد كنت جعلتها في ضمن أبيات في مدح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بنسبة يقال شفاها.
وأما قوله: (لم تنفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص. قلت: هذا كله مبني على ما رآه الحكماء)
وأما قوله: (فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب، إلى قوله : ثم ليعلم أنه ).
قلت: مقصوده، رضي الله عنه، أن يشير إلى التوحيد الوجودي لكنه لم يرى هنا أن يصرح بذلك وقد صرح به في غير هذا الموضع تصريحا ?شف معه المغطي وهاهنا ستره.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
"فكما حكم العلم على من قام به بأن يقال فيه : إنّه عالم .
كذلك حكم الموصوف به على العلم بأنّه حادث في حق الحادث ، قديم في حق القديم .
وصار كل واحد " يعني من المضاف والمضاف إليه " محكوما به و محكوما عليه " يعني من جهتين مختلفتين .
قال رضي الله عنه : "ومعلوم أنّ هذه الأمور وإن كانت معقولة" أي لها وجود في العقل والعلم
"فإنّها معدومة العين موجودة الحكم " يعني في الوجود العيني ، لأنّها لم تتعيّن في الوجود تعيّنا شخصيا غيرها من الأعيان الموجودة . وإلَّا لكانت شخصية ، وأشير إليها ، ولم تكن كلَّية .
قال رضي الله عنه : "كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني ."

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
قال الشيخ رضي الله عنه :  "فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه إنه عالم حكم الموصوف به على العلم بأنه حادث في حق الحادث قديم في حق القديم ، فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه ، ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم كما هي محكوم عليها إذا نسب إلى الموجود العيني"
أي لكون الموجود العيني يحكم على الكلى الغيبى بمقتضى حقيقته . والكلى أيضا يحكم على الجزئى بحقيقته.
كما أن العلم والحياة بالنسبة إلى الله تعالى محكوم عليهما بالقدم الذي هو مقتضى حقيقته تعالى.
وبالنسبة إلى الإنسان والملك محكوم عليهما بالحدوث بمقتضى حقيقة الإنسان والملك.
وكذلك العلم والحياة يحكمان على كل موصوف بهما بأنه حى عالم ولكل واحد من العيني والغيبى حكم على صاحبه بمقتضاه مع أن حقيقة العلم حقيقة واحدة لم تنقسم ولم تختلف باختلاف العارف لها بسبب الإضافة.
وكذلك الحياة ونسبتها إلى الموصوفين بها فإنها نسبة واحدة لم تختلف .
وانظر إلى هذا الارتباط بين الموجودات العينية وبين الموجودات العينية ، مع أن المعقولات الغيبية كليات معدومة العين في الخارج من حيث كليتها ، فإن كل موجود عينى مشخص جزئى و ألفاظ الكتاب ظاهرة .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
قوله: "فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه إنه عالم، حكم الموصوف به على العلم بأنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم، فصار كل واحد محكوما به ومحكوما عليه)
تصريح بالمقصود، وهو بيان الارتباط بين الأشياء العينية والأمور الغيبيةالتي لا أعيان لها، وإذا كان الارتباط بينهما حاصلا، فالارتباط بين الحق والعالم الموجودين في الخارج أقوى وأحق. وفحواه ظاهر.
لا يقال: إن الذهن يحكم على من قام به العلم بأنه عالم لا العلم، فكيف أسند الحكم إليه؟
لأنا نقول: حكم الذهن أيضا تابع لحكم العلم، إذ لو لم تعط حقيقة العلم عند المقارنة بينهما ذلك، لما جاز للذهن أن يحكم به، لأن حكمه إن لم يكن مطابقا للواقع فلا اعتبار به، وإن كان مطابقا، يلزم أن يكون الأمر في نفسه كذلك.
قوله: (ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة) أي، موجودة في العقل
قوله: (فإنها معدومة في العين) أي، في الخارج، إذ لا ذات في الخارج يسمى بالحياة والعلم قوله: (موجودة الحكم) أي، على الأعيان الموجودة.
قوله: (كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني) أي، كما يحكم الموجودات عليها بالحدوث والقدم، وبأنها عين الذات أو غيرها.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
(فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه)(علم حكم الموصوف به) ، وهو الموجود العيني الذي قام به العلم (على العلم بأنه حادث في حق ) الموصوف (الحادث)كالإنسان (قديم في حق القديم)، وهو الله تعالی.
فصار كل واحد من العلم والموصوف به (مح?وم به، ومحكوما عليه) فكذلك الحق مع الأعيان بح?م الحق عليها بما علم منها، وهي تحكم عليه بأن يحكم عليها بما علم منها بلسان الاستعداد الذي مخالفته توجب مخالفة الحكمة ويخل بالوجود الإلهي.
ثم أشار إلى ما يدل على أن نزاهة الحق ووحدته لا تبطلان بالظهور في الحوادث الكثيرة، كما لا تبطل نزاهة الأمور الكلية و وحدتها بانتسابها إلى الموجودات العينية فقال: (ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة) أي: موجودة في العقل (فإنها معدومة العين) لكنها مع عدميتها في العين (موجودة الحكم) في الموجودات العينية، (كما هي محكوم عليها) من جهة الموجودات العينية.
(إذا نسبت إلى الموجود العيني) الأمور الكلية.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
قال رضي الله عنه : "فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه : « عالم » ، حكم الموصوف به على العلم بأنّه حادث في حقّ الحادث قديم في حق القديم " حيث اتّصل من الطرفين .
أعني الباطن والظاهر رقيقة النسبة الحكميّة، نازلة من الأمر الكلَّى إلى الهويّة الموصوفة
هي به، راجعة منها إليه، وانتظم بذلك صورة الدائرة المستدعية لسريان الأمر الجمعي، وتعاكس حكم كلّ منهما على الآخر بوجه (فصار كلّ واحد) من الباطن العقلي والظاهر العيني 
(محكوما به ، محكوما عليه)
 .
ثمّ إنّه يمكن أن يقال ها هنا : إنّ هذا الكلام إنّما يتمّ لو لم يكن الكلَّي عند اتّصافه بالوجود العيني منقسما مفصلا انقسام الجنس بفصله أو مجزّأ تجزية الأجزاء الخارجيّة وموادها بصورها المشخّصة وأمّا على تقدير ذلك فلا يلزم أن يكون محكوما عليه ، ضرورة أن كلّ قسم وجزء مخالف لآخر بالذات .
وبالجملة، كما أنّ الفصل يقسّم الجنس ويفصّله حقائق مختلفة, فلم لا يكون التعيّن له هذا السبيل بالنسبة إلى النوع ؟ فأشار إلى دفعه بقوله : ( ومعلوم )  ممّا نبّهت عليه من أنّ عين الأشياء الحاصلة من « كن » إنّما يتوقّف وجودها على انضمام كاف « الكلَّي » إلى نون تعيّناتها النوعيّة .
( أنّ هذه الأمور الكلَّية وإن كانت معقولة ) بهذا الاعتبار ( فإنّها معدومة العين ) من حيث هي كذلك ( موجودة الحكم ) فقط كما عرفت من أنّ الأوصاف حاكمة على من قامت به بذلك الوصف .
ولا يخفى على من سلمت ذائقة ذوقه عن شوائب الأخلاط الخارجيّة أنّه يمكن أن يكون الأمور في عدمها مبدأ للحكم ، محكوما بها ( كما هي محكوم عليها ،إذا نسبت إلى الموجود العيني) وانتظم رقيقة التناسب من الطرفين انتظاما دوريّا ، فإنّه حينئذ يحصل منهما هيأة وحدانيّة تتّحد بها تلك الأمور
قال رضي الله عنه :  ( فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ) بهذا الارتباط ، أي عند ظهور الكلي بالذات بصورة أثره في الأعيان معرّى عن عروض الكليّة إيّاه .
فعلم أنّ معروض الكلَّي بعينه في الأعيان ، كما علم من أضرابه السابق ، وإلَّا فالمطابق من العبارة أن يقال : « من الأعيان » ، فإيراد « في » ها هنا لهذه الدقيقة .
ثمّ إنّ معروض الكلَّي وإن قبل الحكم في الأعيان على ما مرّ ( و ) لكن ( لا تقبل التفصيل ) عقلا تفصيل الجنس بفصله فيه ( ولا التجزّي ) خارجا .
تجزية المواد الهيولانيّة والأجزاء الوجوديّة بصورها المشخّصة إيّاها فيه.

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
قوله :"فكما حَكَمَ القلمُ على مَنْ قام به أنْ يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. "
"وكما حكم القلم على من قام به" و اقتضى (أن يقال فيه) أي فيمن قام به (أنه عالم) كذلك (ح?م) الوجود العيني (الموصوف به)، أي بالعين "على العلم بأنه حادث في حق الحادث" كالإنسان مثلا "قديم في حق القديم" كالحق سبحانه
قوله : "فصار كل واحد محكوماً به محكوماً عليه."
(فصار كل واحد) من المعقولات الكلية والموجودات العينية(مح?ومأ به) أي شيئا بحكم بسببه .
فإن المحكوم به في قولنا : علم الحق سبحانه قدیم، هو القديم لا الموجود العيني الذي هو الحق سبحانه .
لكن الحكم بالقديم على العلم إنما هو نسبته كما لا يخفى فيكون محكومة بالعين المذكور لا المشهور و محكوم عليه بالحكم الذي يقتضيه الآخر.
قوله : "ومعلوم أن هذه الأمور الكلية و إن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني."
"ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة" من حيث كليتها "فإنها معدومة العين و" الذات في الخارج من هذه الحيثية "موجودة الحكم" على الأعيان الموجودة (كما هي)، أي الأمور الكلية (محكوم عليها) بالندم والحدوث مثلا "إذا نسبت إلى الوجود المبني".
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس أبريل 04, 2019 12:38 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السابعة عشر الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:44 pm

الفقرة السابعة عشر الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السابعة عشر :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
فكما حكم العلم الكلي (على من قام به) علم جزئي بأمور جزئية (أن يقال فيه)، أي في صاحب هذا العلم الجزئي (إنه عالم) من حكم الكلي على الجزئي كذلك
(حكم) العالم (الموصوف به)، أي بذلك العلم الجزئي (على العلم) الكلي (بأنه حادث في حق) العالم (الحادث).
(وأنه قديم في حق) العالم (القديم) من حكم الجزئي على الكلي (فصار) حينئذ (كل واحد) من الكلي والجزئي في العلم وغيره مح?وم به من وجه (ومحكوم عليه) من وجه آخر.
وهذا معنى الارتباط المذكور بين المعقولات والموجودات العينية.
(ومعلوم أن هذه الأمور الكلية) المذكورة (وإن كانت معقولة)، أي موجودة في العقل والذهن (فإنها معدومة العين) لا وجود لها في غير الذهن.
(وموجودة الحكم)، أي حكمها موجود بالنظر إلى جزئياتها على حسب ما ذكرنا.
(كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني) بحسب ما سبق

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
(فكما حكم المعلم على من قام به أن يقال إنه علم حكم الموصوف به على العلم بأنه حادث في حق الحادث وقديم في حق القديم فصار كل واحد مح?وم به ومحكوما عليه)بيان لما نظر إليه ونتيجة للكلام السابق.
ولما لم يقبل الأمور الكلية كل الحكم من الموجود العيني أراد أن يبينه وأعاد ما علم ليتفرع عليه قوله .
فتقبل الحكم فقال : (ومعلوم أن هذه الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين) أي لا عين لها في الخارج يسمى بالحياة أو العلم.
(موجودة الحكم) على الموجود العيني (كما هي محكوم عليه إذا نسبت إلى الموجود العيني) وكون المعدوم مؤثرة في الموجود و متأثرة فيه وكذلك الموجود مؤثرة فيه ومتأثرة منه من عجائب قدرة الله تعالى.
أن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
قوله رضي الله عنه : "ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم."
فأقول: إن أمثلة المعدوم في ذاته الموجود الحكم في غيره، الفرق الذي يتوهمه البصر بين الشمس والظل، فإن العقل يعلم أنه ما بين الشمس والظل أمر ثالث يفصل وربما يتوهم الحس أن هناك ثالثا يفصل بين الشمس والظل و یسمی أمثال هذا "برازخ" ولي شعر في وصف البرزخ وهو ما صورته،:
حقيقة ميزت من القدم     ….. محفوفة في الوجود بالعدم
حبيبة لم تزل مخيلة       ….. كما يزور الخيال في الحلم
لكنها قد أتت مؤكدة    .......    معنى وجود الحدوث في القدم
بدت فأبدت مالا وجود له   ......      في ذاته للبليد والفهم
وليس منها الظهور يدركه     …… إلا الذي رأمها ولم یرم
وقلت أيضا شعرا على لسانها:
تنزهت عن ذل الوجود فليس لي    …… مكان له عين الحقيقة ترمق
وسبحني قدسي فلا السر ناظر      …… إلي ولا معنى من الوهم يطرق
ولي منزل قد عز عن أين أو متى  …… وكيف وما رسم به يتعلق
أحطت ولكن لم أحط أجل أنني       ….. أحطت فللاطلاق بالقيد أوثق
ومن ی?ن الإطلاق قيدا لمثله     …… فذلك من شيئية السبقه أسبق
يمر الوجود الصرف طوع إرادتي   ….. إلى غاية من رقها ليس يعتق
فأشهدني فيه بعيني واجتلي     …….. بإفاقه بدرا بمعاني يشرق
وقد كنت جعلتها في ضمن أبيات في مدح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بنسبة يقال شفاها.
وأما قوله: (لم تنفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص. قلت: هذا كله مبني على ما رآه الحكماء)
وأما قوله: (فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب، إلى قوله : ثم ليعلم أنه ).
قلت: مقصوده، رضي الله عنه، أن يشير إلى التوحيد الوجودي لكنه لم يرى هنا أن يصرح بذلك وقد صرح به في غير هذا الموضع تصريحا ?شف معه المغطي وهاهنا ستره.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
"فكما حكم العلم على من قام به بأن يقال فيه : إنّه عالم .
كذلك حكم الموصوف به على العلم بأنّه حادث في حق الحادث ، قديم في حق القديم .
وصار كل واحد " يعني من المضاف والمضاف إليه " محكوما به و محكوما عليه " يعني من جهتين مختلفتين .
قال رضي الله عنه : "ومعلوم أنّ هذه الأمور وإن كانت معقولة" أي لها وجود في العقل والعلم
"فإنّها معدومة العين موجودة الحكم " يعني في الوجود العيني ، لأنّها لم تتعيّن في الوجود تعيّنا شخصيا غيرها من الأعيان الموجودة . وإلَّا لكانت شخصية ، وأشير إليها ، ولم تكن كلَّية .
قال رضي الله عنه : "كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني ."

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
قال الشيخ رضي الله عنه :  "فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه إنه عالم حكم الموصوف به على العلم بأنه حادث في حق الحادث قديم في حق القديم ، فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه ، ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم كما هي محكوم عليها إذا نسب إلى الموجود العيني"
أي لكون الموجود العيني يحكم على الكلى الغيبى بمقتضى حقيقته . والكلى أيضا يحكم على الجزئى بحقيقته.
كما أن العلم والحياة بالنسبة إلى الله تعالى محكوم عليهما بالقدم الذي هو مقتضى حقيقته تعالى.
وبالنسبة إلى الإنسان والملك محكوم عليهما بالحدوث بمقتضى حقيقة الإنسان والملك.
وكذلك العلم والحياة يحكمان على كل موصوف بهما بأنه حى عالم ولكل واحد من العيني والغيبى حكم على صاحبه بمقتضاه مع أن حقيقة العلم حقيقة واحدة لم تنقسم ولم تختلف باختلاف العارف لها بسبب الإضافة.
وكذلك الحياة ونسبتها إلى الموصوفين بها فإنها نسبة واحدة لم تختلف .
وانظر إلى هذا الارتباط بين الموجودات العينية وبين الموجودات العينية ، مع أن المعقولات الغيبية كليات معدومة العين في الخارج من حيث كليتها ، فإن كل موجود عينى مشخص جزئى و ألفاظ الكتاب ظاهرة .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
قوله: "فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه إنه عالم، حكم الموصوف به على العلم بأنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم، فصار كل واحد محكوما به ومحكوما عليه)
تصريح بالمقصود، وهو بيان الارتباط بين الأشياء العينية والأمور الغيبيةالتي لا أعيان لها، وإذا كان الارتباط بينهما حاصلا، فالارتباط بين الحق والعالم الموجودين في الخارج أقوى وأحق. وفحواه ظاهر.
لا يقال: إن الذهن يحكم على من قام به العلم بأنه عالم لا العلم، فكيف أسند الحكم إليه؟
لأنا نقول: حكم الذهن أيضا تابع لحكم العلم، إذ لو لم تعط حقيقة العلم عند المقارنة بينهما ذلك، لما جاز للذهن أن يحكم به، لأن حكمه إن لم يكن مطابقا للواقع فلا اعتبار به، وإن كان مطابقا، يلزم أن يكون الأمر في نفسه كذلك.
قوله: (ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة) أي، موجودة في العقل
قوله: (فإنها معدومة في العين) أي، في الخارج، إذ لا ذات في الخارج يسمى بالحياة والعلم قوله: (موجودة الحكم) أي، على الأعيان الموجودة.
قوله: (كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني) أي، كما يحكم الموجودات عليها بالحدوث والقدم، وبأنها عين الذات أو غيرها.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
(فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه)(علم حكم الموصوف به) ، وهو الموجود العيني الذي قام به العلم (على العلم بأنه حادث في حق ) الموصوف (الحادث)كالإنسان (قديم في حق القديم)، وهو الله تعالی.
فصار كل واحد من العلم والموصوف به (مح?وم به، ومحكوما عليه) فكذلك الحق مع الأعيان بح?م الحق عليها بما علم منها، وهي تحكم عليه بأن يحكم عليها بما علم منها بلسان الاستعداد الذي مخالفته توجب مخالفة الحكمة ويخل بالوجود الإلهي.
ثم أشار إلى ما يدل على أن نزاهة الحق ووحدته لا تبطلان بالظهور في الحوادث الكثيرة، كما لا تبطل نزاهة الأمور الكلية و وحدتها بانتسابها إلى الموجودات العينية فقال: (ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة) أي: موجودة في العقل (فإنها معدومة العين) لكنها مع عدميتها في العين (موجودة الحكم) في الموجودات العينية، (كما هي محكوم عليها) من جهة الموجودات العينية.
(إذا نسبت إلى الموجود العيني) الأمور الكلية.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
قال رضي الله عنه : "فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه : « عالم » ، حكم الموصوف به على العلم بأنّه حادث في حقّ الحادث قديم في حق القديم " حيث اتّصل من الطرفين .
أعني الباطن والظاهر رقيقة النسبة الحكميّة، نازلة من الأمر الكلَّى إلى الهويّة الموصوفة
هي به، راجعة منها إليه، وانتظم بذلك صورة الدائرة المستدعية لسريان الأمر الجمعي، وتعاكس حكم كلّ منهما على الآخر بوجه (فصار كلّ واحد) من الباطن العقلي والظاهر العيني 
(محكوما به ، محكوما عليه)
 .
ثمّ إنّه يمكن أن يقال ها هنا : إنّ هذا الكلام إنّما يتمّ لو لم يكن الكلَّي عند اتّصافه بالوجود العيني منقسما مفصلا انقسام الجنس بفصله أو مجزّأ تجزية الأجزاء الخارجيّة وموادها بصورها المشخّصة وأمّا على تقدير ذلك فلا يلزم أن يكون محكوما عليه ، ضرورة أن كلّ قسم وجزء مخالف لآخر بالذات .
وبالجملة، كما أنّ الفصل يقسّم الجنس ويفصّله حقائق مختلفة, فلم لا يكون التعيّن له هذا السبيل بالنسبة إلى النوع ؟ فأشار إلى دفعه بقوله : ( ومعلوم )  ممّا نبّهت عليه من أنّ عين الأشياء الحاصلة من « كن » إنّما يتوقّف وجودها على انضمام كاف « الكلَّي » إلى نون تعيّناتها النوعيّة .
( أنّ هذه الأمور الكلَّية وإن كانت معقولة ) بهذا الاعتبار ( فإنّها معدومة العين ) من حيث هي كذلك ( موجودة الحكم ) فقط كما عرفت من أنّ الأوصاف حاكمة على من قامت به بذلك الوصف .
ولا يخفى على من سلمت ذائقة ذوقه عن شوائب الأخلاط الخارجيّة أنّه يمكن أن يكون الأمور في عدمها مبدأ للحكم ، محكوما بها ( كما هي محكوم عليها ،إذا نسبت إلى الموجود العيني) وانتظم رقيقة التناسب من الطرفين انتظاما دوريّا ، فإنّه حينئذ يحصل منهما هيأة وحدانيّة تتّحد بها تلك الأمور
قال رضي الله عنه :  ( فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ) بهذا الارتباط ، أي عند ظهور الكلي بالذات بصورة أثره في الأعيان معرّى عن عروض الكليّة إيّاه .
فعلم أنّ معروض الكلَّي بعينه في الأعيان ، كما علم من أضرابه السابق ، وإلَّا فالمطابق من العبارة أن يقال : « من الأعيان » ، فإيراد « في » ها هنا لهذه الدقيقة .
ثمّ إنّ معروض الكلَّي وإن قبل الحكم في الأعيان على ما مرّ ( و ) لكن ( لا تقبل التفصيل ) عقلا تفصيل الجنس بفصله فيه ( ولا التجزّي ) خارجا .
تجزية المواد الهيولانيّة والأجزاء الوجوديّة بصورها المشخّصة إيّاها فيه.

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه. ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.)
قوله :"فكما حَكَمَ القلمُ على مَنْ قام به أنْ يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. "
"وكما حكم القلم على من قام به" و اقتضى (أن يقال فيه) أي فيمن قام به (أنه عالم) كذلك (ح?م) الوجود العيني (الموصوف به)، أي بالعين "على العلم بأنه حادث في حق الحادث" كالإنسان مثلا "قديم في حق القديم" كالحق سبحانه
قوله : "فصار كل واحد محكوماً به محكوماً عليه."
(فصار كل واحد) من المعقولات الكلية والموجودات العينية(مح?ومأ به) أي شيئا بحكم بسببه .
فإن المحكوم به في قولنا : علم الحق سبحانه قدیم، هو القديم لا الموجود العيني الذي هو الحق سبحانه .
لكن الحكم بالقديم على العلم إنما هو نسبته كما لا يخفى فيكون محكومة بالعين المذكور لا المشهور و محكوم عليه بالحكم الذي يقتضيه الآخر.
قوله : "ومعلوم أن هذه الأمور الكلية و إن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني."
"ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة" من حيث كليتها "فإنها معدومة العين و" الذات في الخارج من هذه الحيثية "موجودة الحكم" على الأعيان الموجودة (كما هي)، أي الأمور الكلية (محكوم عليها) بالندم والحدوث مثلا "إذا نسبت إلى الوجود المبني".
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس أبريل 04, 2019 12:39 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السابعة عشر الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:45 pm

الفقرة السابعة عشر الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السابعة عشر :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه.  ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني. )
قال المصنف رحمة الله : [ فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه إنه عالم، حكم الموصوف به على العلم بأنه حادث في حق الحادث، و قديم في حق القديم، فصار كل واحد محكوما به و محكوما عليه .  و معلوم أن هذه الأمور الكلية و إن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني]

قال الشارح رحمه الله :
( فكما حكم العلم على من قام به أنه يقال فيه: أنه عالم ) من حيث الحقيقة الكلية (حكمة الموصوف) به على العالم الموجود الجزئي الخارجي (بأنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم) و حادث في حق الحادث القديم، فصار كل واحد من الأمر الكلي و الوجود الجزئي (محكوما به و محكوما عليه )، (فصار كل واحد محكوما به و محكوما عليه ) الأمر الكلي محكوما به باعتبار و محكوما عليه باعتبار آخر .
( و معلوم أن هذه الأمور الكلية و إن كانت معقولة فإنها معدومة العين) في الخارج (موجودة الحكم كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني) فتقبل الحكم و الأثر .

"" أضاف الجامع: يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي:
الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة - لا تزال - عن الوجود العيني ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني.
بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها. 
فهذه الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها.
 فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين  
غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم 
هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني، فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزيء فإن ذلك محال عليها.
فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص، لم تتفصل، ولم تتعدد بتعدد الأشخاص، ولا برحت معقولة . أهـ ""

"" أضاف الجامع: يقول الشيخ صدر الدين القونوي:
" إن الأمر الكلي ينقسم إلى ثلاث أقسام:
1- قسم يختص به الحق.
2 - وقسم ينفرد به الكون.
3 - وقسم يقع فيه الاشتراك في المقام النفسي العمائي، الذي هو السر الجامع المشار إليه".أهـ ""
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس أبريل 04, 2019 12:40 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثامنة عشر الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:46 pm

الفقرة الثامنة عشر الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثامنة عشر :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزي فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة. )
(فتقبل الحكم عليها) بأنها قديمة أو حادثة مثلا مع كونها معدومة العين كما ذكرنا.
(عند تحققها)، أي وجودها وثبوتها باعتبار التشخيص الخاص (في الأعيان الموجودة) في الخارج عن الذهن (ولا تقبل التفصيل) من حيث هي، كما تقبله الأعيان الموجودة المنفصلة إلى قديم وحادث مثلا .
وأما الحكم عليها بالقدم والحدوث فهو أمر طرأ عليها من قبل الأعيان الموجودة لا من جهتها في نفسها.
وهي في نفسها لا تقبل شيئا من ذلك (ولا تقبل التجزي)، أيضا أي أن يكون لها أجزاء فتكون منقسمة إلى تلك الأجزاء .
(فإن ذلك) التفصيل والتجزي (محال عليها)، لا يتصور وجوده لها (فإنها بذاتها موجودة تامة كاملة (في كل) جزئي من جزئياتها الموجودة في الخارج (موصوف بها ) ذلك الجزئي .
لم تتفصل في ذاتها بالنظر إلى تفصيل أعيانها الموجودة في الخارج، ولم تتجزأ. كذلك بالنظر إلى كثرة أعيانها الخارجية، بل هي واحدة في ذاتها وصفاتها موجودة في كل عين خارجية على التمام والكمال.
(كالإنسانية) الكلية المعقولة في الذهن، فإنها موجودة بتمامها (في كل شخص من هذا النوع الخاص)، الذي هو الإنسان والحيوان الناطق.
ومع هذا (لم تتفصل) فيه إلى إنسانية صغيرة بالنسبة إلى الصغير ولا كبيرة بالنسبة إلى الكبير (و) هكذا (لم تتعدد) أيضا (بتعدد الأشخاص) الإنسانية الكثيرة المتعددة (ولا برحت) في ذاتها واحدة (معقولة)، أي موجودة في العقل لا خروج لها منه وإن اتصفت بها جزئياتها الخارجية .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزي فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة. )
(فتقبل) هذه الأمور الكلية (الحكم) من الأعيان الموجودة (في) انتسابها إلى (الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل) أي التعدد.
(ولا التجزي) أي الانقسام والحال أنها من أحكام الموجود العيني (فإن ذلك) التفصيل والتجزيء (محال عليها فإنها بذاتها) موجودة (في كل موصوف بها) فلا يمكن التعدد في نفسها باعتبار تعدد موصوفاتها.
ولما كان في هذا الكلام نوع خفاء أراد أن يبينه على الوجه الأوضح وأبرزه بقوله (كالإنسانية) وهي حقيقة معقولة وكلي طبيعي للإنسان موجود في كل شخص شخص من هذا النوع الخاص، مع أنها (لم ينفصل ولم يتمدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة) ولا زالت معقولة مع كونها موجودة في موصوفاتها.
ولما بين أصلا كليا وهو الارتباط بين الموجودات والمعدومات لتوقف ما هو المقصود عليه وهو الارتباط بين الحق والخلق.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزي فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة. )
وأما قوله رضي الله عنه :  "لم تنفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص".
قلت: هذا كله مبني على ما رآه الحكماء.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزي فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة. )
"فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة" فإنّ ظهورها في الأعيان بحسبها "ولا تقبل التفصيل ولا التجزّي فإنّ ذلك محال عليها فإنّها بذاتها في كل موصوف بها".
يعني : أنّ الإضافة والنسبة لا تخرجها عن حقائقها كما قرّرنا .
قال رضي الله عنه : " كالإنسانية في كلّ شخص شخص من هذا النوع الخاصّ لم تتفصّل ولم تتعدّد بتعدّد الأشخاص ، ولا برحت معقولة" .
يعني : أنّها لو تفصّلت وتعدّدت بتعدّد الأشخاص ، لكانت عن أصل كثرة فيها وهي واحدة في حقيقتها .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزي فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة. )
قال الشيخ رضي الله عنه :   " فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزي فإن ذلك محال عليها ، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة "
أي لكون الموجود العيني يحكم على الكلى الغيبى بمقتضى حقيقته . والكلى أيضا يحكم على الجزئى بحقيقته.
كما أن العلم والحياة بالنسبة إلى الله تعالى محكوم عليهما بالقدم الذي هو مقتضى حقيقته تعالى.
وبالنسبة إلى الإنسان والملك محكوم عليهما بالحدوث بمقتضى حقيقة الإنسان والملك.
وكذلك العلم والحياة يحكمان على كل موصوف بهما بأنه حى عالم ولكل واحد من العيني والغيبى حكم على صاحبه بمقتضاه مع أن حقيقة العلم حقيقة واحدة لم تنقسم ولم تختلف باختلاف العارف لها بسبب الإضافة.
وكذلك الحياة ونسبتها إلى الموصوفين بها فإنها نسبة واحدة لم تختلف .
وانظر إلى هذا الارتباط بين الموجودات العينية وبين الموجودات العينية ، مع أن المعقولات الغيبية كليات معدومة العين في الخارج من حيث كليتها ، فإن كل موجود عينى مشخص جزئى وألفاظ الكتاب ظاهرة .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزي فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة. )
قوله: (فتقبل الحكم من الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزي، فإن ذلك محال عليها) أي، تقبل تلك الأمور الكلية الحكم من الموجودات العينية حال كونها عارضة عليها، ولا تقبل التفصيل ولا التجزي.
وذلك لأن الحقيقة الكلية إن انقسمت، ففي كل من أقسامها: إن بقيت بأعيانها،فلا انقسام كالإنسانية في كل شخص، وإن بقيت دون عينها، فعين تلك الحقيقة منعدمة حينئذ لانعدام بعضها، وإن لم يبق فكذلك أيضا.
هذا مع أن الحقيقة البسيطة لا يمكن أن يطرأ عليها التجزي أصلا.
قوله: (فإنها بذاتها في كل موصوف بها، كالإنسانية في كل شخص شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص)
أي، فإن تلك الحقيقة الكلية بذاتها موجودة في كل موصوف بها، كالانسانية، وهو الكلى الطبيعي الذي للإنسان، فإنها موجودة في كل شخص شخص من هذا النوع، ولم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص.
فإن قلت: الحصة التي في (زيد) منها، غير الحصة التي في (عمرو) منها، فتتفصل بهذا الاعتبار.
قلت: إن أردت بالحصة بعض تلك الحقيقة فغير صحيح، لأن البعض غيرالكل فلا يكون تلك الحقيقة في شئ من الأفراد.
وإن أردت أن تلك الحقيقة تكتنف بعوارض مشخصة لها في زيد فتصير بهذا الاعتبار غير الحقيقة المكتنفة بعوارض أخر التي لعمرو، فمسلم.
ولا يلزم منه التفصيل في نفس الحقيقة، وهكذا الحقيقة الجنسية بالنسبة إلى أنواعها، لأنها في كل نوع منها مع عدم التجزي والتعدد.
(ولا برحت معقولة) أي، لا تزال تلك الحقيقة الكلية موجودة في العقل لا تتغير بالعروض على معروضاتها، ولا تتكثر بتكثر موضوعاتها، كالحقائق الموجودة في الأعيان.
وهذا البيان للتنبيه والإشارة إلى أن الذات الواجبية التي هي حقيقة الحقائق كلها ظاهرة فيها من غير طريان التجزي والتكثر عليها في تلك المراتب ولا يقدح في وحدة عينها تكثر مظاهرها.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزي فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة. )
إذا نسبت إلى الموجود العيني (فتقبل) الأمور الكلية.  (الحكم) الخارجي (في الأعيان الموجودة) بأنها قديمة أو حادثة مع نزاهتها عن ذلك في أنفسها.
فكذلك الحق بحسب ظهوره يقبل أحكام المظاهر مع تنزيهه عن كونه محلا للأحكام الحادثة، (ولا تقبل) تلك الأمور الكلية (التفصيل) أي: التكثر بالإفراد إذ لا وجود للأمور الكلية من حيث هي كلية في ضمن الجزئيات، وإنما الموجود منها في الجزئيات الطبيعة من حيث هي، (ولا تقبل) تلك الأمور الكلية (التجزئ) أيضا أي: التكثر بالأجزاء، (فإن كل ذلك محال عليها) أما التفصيل فلما ذكرنا، وأما التجزئ فلوحدتها وبساطتها على أنها منزهة عن الأحكام الخارجية.
فإنها لا تلحق من حيث هي خارجية الأمور المعقولة من حيث هي معقولة، وإن كانت الأمور المعقولة موجودة في الموجودات العينية بحيث إنها طبائع، فإنها أيضا لا تتجزئ .
(فإنها بذاتها) أي: باعتبار كونها طبائع (في كل موصوف بها) لا بطريق التجزئ، ولا بطريق التفصيل (كالإنسانية)، فإنها (في كل شخص شخص من هذا النوع الخاص)الإنساني (لم تتفصل) بالإفراد والأجزاء، وإلا لم يصدق على أحد منها أنه إنسان بل إن فيه شيئا من الإنسانية.
ولذلك (لم تتعدد) الإنسانية من حيث هي كلية (بتعدد الأشخاص) حتى يقال: بأن في كل شخص لحصة من الإنسانية الكلية، فإن ذلك باطل؛ لأنها من حيث أنها كلية لا توجد في الخارج، وذلك أنها (لا برحت معقولة)، وتعدد الأشخاص أمر خارجی، فهكذا تعلق الحق بالخلق لا يوجب ت?ثره بالإفراد، ولا بالأجزاء ولا يبطل نزاهته عن كونه محل الحوادث أو حالا فيها.
ثم بين الارتباط العام بين كل الموجودات؛ ليتوصل بذلك إلى المقصود وهو الارتباط بين الحق والخلق.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزي فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة. )
( فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ) بهذا الارتباط ، أي عند ظهور الكلي بالذات بصورة أثره في الأعيان معرّى عن عروض الكليّة إيّاه .
فعلم أنّ معروض الكلَّي بعينه في الأعيان ، كما علم من أضرابه السابق ، وإلَّا فالمطابق من العبارة أن يقال : « من الأعيان » ،فإيراد « في » ها هنا لهذه الدقيقة.
ثمّ إنّ معروض الكلَّي وإن قبل الحكم في الأعيان على ما مرّ ( و ) لكن ( لا تقبل التفصيل ) عقلا تفصيل الجنس بفصله فيه ( ولا التجزّي ) خارجا .
تجزية المواد الهيولانيّة والأجزاء الوجوديّة بصورها المشخّصة إيّاها فيه.
( فإنّ ذلك محال عليها ) أي على الأمور الكلَّيه ومعروضاتها ( فإنّها بذاتها في كلّ موصوف بها ، كالإنسانيّة في كلّ شخص شخص من هذا النوع الخاصّ ، لم تتفصّل ولم تتعدّد بتعدّد الأشخاص ) ، فلو كانت مفصّلة أو مجزّأة لكان في كلّ شخص منه حصّة جزئيّة منها ، أو جزء ، فلا تكون بذاتها فيه - على ما هو مقتضى الطبيعة النوعيّة المحصّلة بالذات ، وذلك هو الذي يصلح لعروض التشخّص إيّاه . 
الحقائق الكلية غير موجودة في العين بصورتها الكليّة  
وتمام تحقيق هذا الكلام أنّ الطبيعة الجنسيّة لتوغَّلها في بطون الإبهام غير قابلة للتحصّل بذاتها ، ما لم ينضمّ إليها الطبيعة الفصليّة المحصّلة بالذات ، المقوّمة إيّاها طبيعة نوعيّة محصّلة ، ثم إذا تحصّلت الطبيعة النوعيّة في الوجود والعقل جميعا .
لا يطلب غير ما يشاربه إليها في الخارج والحسّ من الأعراض المتواردة على تلك الطبيعة ، المتعاقبة عليها على سبيل التبادل ، وهي باقية بعينها ، وتلك الأعراض هي المصنّفة للنوع ، المشخّصة إيّاه ، وبيّن أنّها لا يمكن أن تكون داخلة فيه ولا في جزئيّاته .
هذا على لسان أهل النظر من المشّاءين وأمّا على لسان التحقيق ، فإنّك عرفت أنّ العوارض المشخّصة وما يتبعها ، إنّما هو أفياء أشعّة الوحدة الإطلاقيّة وظلال أضوائها ، وهي ظاهر الوجود ، المسمّى بالنور فتحفّظ فإنّها من الحكم التي قد خلت عنها الكتب والزبر .
هذا في الطبيعة النوعيّة ، وكذلك حكم سائر الكليّات الباقية  .
هذا إذا كان التكثّر فيه على سبيل التفصيل ، وأمّا إذا كان على طريقة التجزّي فظاهر البطلان أيضا .
فإنّ التجزي والتعدد إنّما يتصوّر في الموجود العيني ، أو ما له محاذى ومناسب في العين ، والكليّات مما وقع في المرتبة الثانية من التعقّل ، ليس لها ذلك . فقوله : ( ولا برحت معقولة ) عطف على قوله :" لم يتعدد" على سبيل الكشف والبيان  .
وإذ قد عرفت أنّ سوق هذه المقدمات إنّما هو نحو إلزام الجاحدين للجهة الارتباطيّة بين الممكن والواجب من أهل النظر وأرباب العقائد التقليديّة الواقفين عند مواقف الملائكة المقدّسة ، بادعائهم أنّهم هم المنزّهون لله تعالى حقّ التنزيه أفصح عن التقريب الأوّل

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزي فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة. )
قوله : "فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة و لا تقبل التفصيل و لا التجزّي فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصَّل و لم تتعدَّد بتعدد الأشخاص و لا برحت معقولة."
"فتقبل" الأمور الكلية "الحكم" عليها بالقدم والحدوث مثلا عند تحققها
(في الأعيان الموجودة) المتكثرة فإن الشيء ما لم يتحقق بنصف بالقدم والحدوث (و) لكنها (لا تقبل التفصيل والتجزي) بحسب تعدد تلك الأعيان وكثرتها.
(فإن ذلك) التفصيل والتجزي (محال عليها)، أي على الأمور الكلية (فإنها بذاتها) وكليتها محققة (في كل موصوف بها) لا بالتفصيل والتجزئة .
فإن الموجود منها في كل موجود عيني حصة لا جزء، والحصة عبارة عن تمام الحقيقة مكتنفة بعوارض مشخصة (كالإنسانية) المتحققة المخصصة (في كل شخص شخص من هذا النوع الخاص) فإنها (ولم تنفصل) بالتجزئة .
"ولم تتعدد" أجزاؤها "بتعدد الأشخاص" بأن يكون في كل شخص جزء بل هي بذاتها وكليتها موجودة في كل شخص شخص "ولا برحت" تلك الأمور الكلية "معقولة" غير زائلة عن الوجود العقلي إلى الوجود العيني غير من?ثرة بنكثر الموجودات العينية وفي قوله رضي الله عنه.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس أبريل 04, 2019 12:41 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثامنة عشر الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:47 pm

الفقرة الثامنة عشر الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثامنة عشر :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزي فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة و لا تقبل التفصيل و لا التجزئ فإن ذلك محال عليها .  فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص شخص من هذا النوع الخاص لم تنفصل و لم تتعدد بتعدد الأشخاص، و لا برحت معقولة] .

قال الشارح رضي الله عنه :
( فتقبل الحكم و الأثر في الأعيان الموجودة ): أي تقبل هذه الأمور الكلية الأثر في ظهوره في الخارج في الأعيان الظاهرة .
( ولا تقبل التفصيل و التجزئ ): أي مع ظهورها في الأعيان الخارجية لا تقبل ذلك .
فإن ذلك محال عليها فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص شخص من هذا النوع الخاص لم يتفصّل، و لم تتعدد بتعدد الأشخاص.
(و لا برحت معقولة) لأنها مراتب و المراتب ما تنتقل و لا تزال عن مراتبها .

ومثال هذا الأمر الكلي في الحس كالبياض و السواد في كل أسود، و كذلك الإشكال و هو على حقيقته من المعقولية، و الذي وقع عليه الحس إنما هو المتلوّن و المتشكّل، هذا مثل مضروب للحقائق الكلية التي اتّصف الحق بها و الخلق بها فهي للحق اسما، و للخلق أكوان وأوصاف.
فلمّا أثبت رضي الله عنه الروابط الموجودة المشهودة بين المعدومات و الموجودات التي هي من أقوى الارتباطات لأنها من الجانبين بوجهين مختلفين، فإنها أربط و أضبط، فيريد أن يذكر على سبيل الملازمة، فإنها أتم في المبالغة حصول الارتباط الواقع بين الموجودات بأتمّ ما يكون في العالم حتى يبني عليه أحكام الإلهيات بملازمة الملازمة.

"" أضاف الجامع : في مفهوم ( العين الثابتة ) عند الشيخ الأكبر تقول الدكتورة سعاد الحكيم :  
عبارة ( عين ثابتة ) مركبة من لفظين ، يقصد ابن العربي الطائي الحاتمي بالعين : الحقيقة والذات أو الماهية .
ويقصد ( بالثبوت ) هنا : الوجود العقلي أو الذهني كوجود ماهية الإنسان أو ماهية المثلث في الذهن ، في مقابل ( الوجود ) الذي يقصد به التحقق خارج الذهن في الزمان والمكان ، كوجود أفراد الإنسان وأفراد المثلث في العالم الخارجي .
إذن ، عندما يتكلم ابن العربي الطائي الحاتمي على ( الأعيان الثابتة ) إنما يقرر وجود عالم معقول توجد فيه حقائق الأشياء أو أعيانها المعقولة . إلى جانب العالم الخارجي المحسوس الذي توجد فيه أشخاص الموجودات .
وهذه الأعيان الثابتة في وجودها العقلي المسلوب عنه صفة الوجود الخارجي ، كثيرا ما يصفها ابن العربي الطائي الحاتمي ( بالمعدومات ) ، أو ( بالأمور العدمية ) .
ولنفصل الآن نظرية ابن العربي الطائي الحاتمي ( بالأعيان الثابتة ) وعالمها أي عالم الثبوت .
" إن الوجود والعدم الثبوتي نسبتان وإضافتان تطلقان على ( العين ) وليستا صفتين ترجعان إلى الموجود - فالثبوت أمر وجودي عقلي لا عيني .
يقول ابن العربي الطائي الحاتمي : " والثبوت أمر وجودي عقلي لا عيني بل نسبي ".
" تشكل الأعيان الثابتة مرتبة بين الحق في غيبه المطلق وبين العالم المحسوس . فهي من ناحية أول تنزل من تنزلات الحق من مرتبة بطونه ، إنها (الفيض الأقدس) الذي يمثل ظهور الحق بنفسه لنفسه في صور الأعيان الثابتة .
وهي من ناحية ثانية (المثال) الثابت في علم الله المعدوم في العالم الخارجي والذي له الأثر في كل موجود بل هو أصل الموجودات 

ويقول ابن العربي الطائي الحاتمي :
" ومعلوم أنه يخلق الأشياء ويخرجها من العدم إلى الوجود ،  فهو يخرجها من وجود لم ندركه إلى وجود ندركه ، إن عدمها من العدم الإضافي ، فإن الأشياء في حال عدمها مشهودة له يميزها بأعيانها مفصل بعضها عن بعض ما عنده فيها إجمال .
لأن الأشياء لا وجود لها في أعيانها بل لها الثبوت والذي استفادته من الحق الوجود العيني : فتفصلت للناظرين ولا نفسها ولم تزل مفصلة عند الله تفصيلا ثبوتيا ، ثم لما ظهرت في أعيانها ، فإن الإمكان ما فارقها حكمه .
فلما كان الإمكان لا يفارقها طرفة عين ولا يصح خروجها منه ، فما لها خروج من خزائن إمكانها وإنما الحق سبحانه فتح أبواب هذه الخزائن حتى نظرنا إليها ونظرت إلينا ونحن فيها وخارجون عنها" .
يتضح من النصوص السابقة أن الأعيان الثابتة رغم ظهورها في الوجود الخارجي لم تفارق إمكانها ، فهي رغم كونها أزلية من حيث ثبوتها في علم الله ما شمت رائحة الوجود. " فهى كظهور الصور في المرآة "

ويقول ابن العربي الطائي الحاتمي : 
" لأن الأعيان التي لها العدم الثابتة فيه ما شمت رائحة من الموجود ، فهي على حالها مع تعداد الصور في الموجودات " .

أن عالم الثبوت هو العلم الإلهي أو الحضرة العلمية ، التي ظهر عنها كل موجود في العالم - وهو عالم بسيط مفرد يحوي كل موجود ( كلي - معنوي - عقلي - جزئي ) ظهر في عالمنا المحسوس"
يقول ابن العربي الطائي الحاتمي : 
" فمن كان مؤمنا في ثبوت عينه وحال عدمه ظهر بتلك الصورة في حال وجوده 
".

كلمة أخيرة :
إن العالم الحسي الذي يمثل تنزلا ثانيا من تنزلات الحق في طريق ظهوره لا يلغي بوجوده عالم الأعيان الثابتة .
إذن ، ابن العربي الطائي الحاتمي احتفظ في تركيبه الميتافيزيقي للعالم بعالمين متوازيين حتى في الجزئيات :
أحدهما : ( عالم الثبوت ) الأصل في كل ما يظهر في الأخر ( العالم المحسوس ) .
وقد استنتجنا وجود العالمين عنده في آن واحد ، من نصوص تشعر بهذه الازدواجية .

يقول ابن العربي الطائي الحاتمي :
" وإما أن يكشف له ( العبد ) عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى" .
فالعبد له وجود في هذا العالم المحسوس ، وله ثبوت في عالم الأعيان الثابتة في آن واحد ، وأن كان لا يحس ثبوت عينه.
فالحق يتجلى على الدوام ومع الأنفاس في صور الأعيان الثابتة فيض اقدس ) وفي صور الأعيان الموجودة فيض مقدس ) . أهـ ""
.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس أبريل 04, 2019 12:42 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة التاسعة عشر الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:48 pm

الفقرة التاسعة عشر الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة التاسعة عشر :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني قد ثبت، وهي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع- وهو الوجود العيني- وهناك فما ثم جامع. وقد وجد الارتباط بعدم الجامع فبالجامع أقوى وأحق.)
(وإذا كان) هذا (الارتباط بين من له وجود عیني)، خارجي وهو أعيان الجزئيات الموجودة في الخارج (وبين من ليس له وجود عيني) خارجي بل له وجود عقلي فقط وهو هذه الأمور الكلية الذهنية.
(قد ثبت) ذلك الارتباط وتحقق من الطرفين كما سبق، مع أن هذه الأمور الكلية لا وجود لها .
(و) إنما (هي نسب)، أي أمور موجودة بالنسبة إلى غيرها كوجود القدام والوراء بالنسبة إلى المستقبل والمستدير، وكوجود الفوق والتحت بالنظر إلى من هو فوق وتحت.
وما أشبه ذلك (عدمية) منسوبة إلى العدم لا وجود لها في نفسها، وإنما وجودها في العقل بالنظر إلى غيرها .
فإذا قطع عن غيرها انعدمت هي في نفسها ولم يبق لها وجود في العقل أيضا إذا علمت ذلك.
(فارتباط الموجودات) الحادثة والقديمة كارتباط المخلوقات بصفات الحق تعالی (بعضها ببعض) بحيث لا ينفك هذا الارتباط بينها بوجه أبدا (أقرب أن يعقل) من غير شك ولا شبهة.
(لأنه على كل حال)، من الأحوال التي توصف بها تلك الموجودات من الحدوث والقدم (بينها) أمر (جامع) يشمل الطرفين وكان مختلفة في نفسه (وهو الوجود العيني) ..
فإن جميع المخلوقات موجودة وجودا عينيا، وكذلك صفات الحق تعالی موجودة وجودة عينية أيضا.
والموصوف بها وهو الحق تعالی موجود أيضا وجودا عينيا .
وإن كان وجود عيني بحسب الموصوف به ، كما يقال بأن الظل موجود وجودا عينيا يليق به .
والعمود في الشمس موجود كذلك وجودا عينيا يليق به .
وكذلك الشمس موجودة وجودا عينيا يليق بها .
وإن كان وجود الظل الوجود العینی ?لا وجود بالنسبة إلى وجود العمود الوجود العینی.
ولكن وجود هذا القدر المشترك بينها وهو مطلق الوجود العيني ?افي في إثبات الأمر الجامع بينها .
(وهناك) يعني في ارتباط الكليات التي هي نسب عدمية بالجزئيات الموجودة في الخارج كما سبق (فما ثم) بينها (أمر جامع) .
لأن الكليات أمور معدومة العين في الخارج والجزئيات أمور موجودة في الخارج (و) مع ذلك (قد وجد الارتباط) بينها كما ذكرنا.
(بعدم) وجود الأمر (الجامع) بينها ولم يحتج إليه لأجل الارتباط (فبالجامع أقوى وأحق) أن يوجد الارتباط .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني قد ثبت، وهي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع- وهو الوجود العيني- وهناك فما ثم جامع. وقد وجد الارتباط بعدم الجامع فبالجامع أقوى وأحق.)
أراد أن يبين ما هو المقصود بقوله : (وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني قد ثبت و) الحال (هي نسبة عدمية) لا وجود لها في الخارج بدون موصوفاتها.
(فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينهما جامع وهو الوجود العيني وهناك) أي بين الموجودات جامع حذف الخبر وهو جامع لدلالة قرينة الحال عليه فمأثمه أي ليس بين الأمور الكلية ويبن الموجودات العينية (جامع وقد وجد الارتباط بعدم الجامع بالجامع) أي بوجود الجامع (أقوى وأحق) .
فظهر أن وجود الارتباط بين الواجب والممكن أقوى وأحق لوجود الجامع وهو الوجود العيني .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني قد ثبت، وهي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع- وهو الوجود العيني- وهناك فما ثم جامع. وقد وجد الارتباط بعدم الجامع فبالجامع أقوى وأحق.)
وأما قوله رضي الله عنه: "فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب، إلى قوله : ثم ليعلم أنه".
قلت: مقصوده، رضي الله عنه، أن يشير إلى التوحيد الوجودي لكنه لم يرى هنا أن يصرح بذلك وقد صرح به في غير هذا الموضع تصريحا ?شف معه المغطي وهاهنا ستره.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني قد ثبت، وهي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع- وهو الوجود العيني- وهناك فما ثم جامع. وقد وجد الارتباط بعدم الجامع فبالجامع أقوى وأحق.)
يعني رضي الله عنه : أنّ هذا الأمر العامّ من حيث عدم تعيّنه في الوجود العيني متميّز ، وتميّزه عن الأعيان الوجودية في الخارج أمر عدمي ، وهو معدوم العين.
ومهما ساغ الارتباط بينها مع كونها معدومة الأعيان وبين الموجودات العينية ، فوجود الارتباط بين الموجودات أولى وأحقّ ، وعلى هذا يكون الارتباط بين الموجود القديم الحق ، وبين الحادث الخلق ثابتا صحيحا ، وهو المطلوب .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني قد ثبت، وهي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع- وهو الوجود العيني- وهناك فما ثم جامع. وقد وجد الارتباط بعدم الجامع فبالجامع أقوى وأحق.)
رجع إلى المقصود من تمهيد القاعدة ، وهو أن الارتباط بين الموجودات الغيبى الذي لا وجود له إلا في العقل وبين الموجودات العيني ثابت كما ذكر وهي نسبة عدمية عقلية فبالحرى أن يكون بين الموجودات العينية ثابتا ، وكيف لا وبينهما جامع وهو الوجود العيني وما ثم جامع ، إذ لا يكون بين الموجود العيني وبين المعدوم في العين جامع .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني قد ثبت، وهي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع- وهو الوجود العيني- وهناك فما ثم جامع. وقد وجد الارتباط بعدم الجامع فبالجامع أقوى وأحق.)
قوله : (وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني قدثبت وهي نسبة عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل، لأنه على كل حال بينهما جامع وهو  الوجود العيني)
وإنما قال: إن تلك الأمور الكلية نسب عدمية، لأنها صفات لا أعيان لها غير معروضاتها في الخارج، فهي بالنسبة إلى الخارج عدمية، وإن كانت بالنسبة إلى العقل وجودية.
وكونها (نسبا) إنما هو باعتبار أنها غير الذات لازمة لها.
قوله : (وهناك فما ثم - ثمة - جامع) أي، بين الأمور العدمية وبين الموجودات الخارجية.
قوله : (وقد وجد الارتباط بعدم الجامع) أي، مع عدم الجامع.
قوله : "فبالجامع أقوى وأحق. " أي، إلى موجد أوجده.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني قد ثبت، وهي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع- وهو الوجود العيني- وهناك فما ثم جامع. وقد وجد الارتباط بعدم الجامع فبالجامع أقوى وأحق.)
فقال: (وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني، وبين من ليس له وجود عینی قد ثبت) بظهور كل منهما في الآخر، ثم استشعر سواء لا بأنه كيف يتصور الارتباط بين الأمر العقلي والموجود العيني مع أن الارتباط امر وجودي؛ لأنه نقيض اللا ارتباط فقال: (وهي) الرابطة (نسبة عدمية) ، إما كونها نسبة؛ فلأنها تعلق عقلي محض، وإما أنها عدمية؛ فلأنها من باب الإضافات التي لا وجود لها سيما إذا كان أحد طرفيها عدميا، وكونها نقيض اللا ارتباط لا يقتضي وجودها في الخارج، بل غاية ذلك الوجود الذهني(فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل؛ لأنه) أي: الشأن
(على كل حال)، أي: سواء كان أحدهما علة للآخر أم لا، وسواء كان أحدهما الحق، والآخر الخلق أو كلاهما الخلق بينهما أي: بين كل موجودين (جامع) محقق يرتبط به أحدهما بالآخر (وهو) أي: ذلك الجامع هو (الوجود العيني) لاشتراكه بين كل موجودين.
(وهناك) أي: في الأمور المعقولة والموجودات العينية (فما ثمة) أي: بينهما (جامع) محقق (وقد وجد الارتباط) بين الأمور الكلية، والموجودات العينية بظهور حكم كل منهما، وأثره في الآخر (بعدم الجامع) المحقق بل بالنسبة العدمية والجامع أي: فوجود الارتباط في الموجودات العينية بعضها ببعض مع تحقق (الجامع أقوي وأحق)، وهذا هو الارتباط العام فيما بين كل موجودين.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني قد ثبت، وهي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع- وهو الوجود العيني- وهناك فما ثم جامع.
وقد وجد الارتباط بعدم الجامع فبالجامع أقوى وأحق.)
بقوله رضي الله عنه  : "وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني ، قد ثبت - وهي نسب عدميّة - فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل ، لأنّه على كلّ حال بينها جامع - وهو الوجود العيني - وهناك فما ثمّ جامع - وقد وجد الارتباط بعدم الجامع - فبالجامع أقوى وأحقّ ". ، فـ « هي » يحتمل أن يجعلها عائدة إلى « الارتباط » ، وأن يرجع إلى « من ليس » وهذا أنسب بما هو في صدده .
ثمّ إذ قد بيّن الجهة الارتباطيّة بين الباطن والظاهر وما في العقل لما في الخارج ، يريد أن يبيّن تلك الجهة بين الموجودات العينيّة ، ربطا بين الأوّل والآخر على وجه ينساق إلى إثبات الواجب ، وإلى أن نسبة غيره إليه بالعبوديّة وسبب تسميته عبدا ، وغيره من الأحكام - كل ذلك بلسان أهل النظر .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني قد ثبت، وهي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع- وهو الوجود العيني- وهناك فما ثم جامع. وقد وجد الارتباط بعدم الجامع فبالجامع أقوى وأحق.)
قوله : "وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني و بين من ليس له وجود عيني قد ثبت، و هي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع  وهو الوجود العيني وهناك فما ثَمَّ جامع. "
ولكنهما لا تقبل التفصيل والتجزي إشارة إلى أن الذات الإلهية التي هي حقيقة الحقائق كلها ظاهرة فيها من غير طريان التجزي والتكثر في تلك الذات.
ولا يقدح في وحدتها كثرة المظاهر (وإذا كان الارتباط بين من له وجود وبين من ليس له وجود عيني) المراد به الأمور الكلية والتعبير عنها كأنه بناء على المشاكلة.
وفي نسخة شرح مؤيد الدين الجندي هكذا وإذا كان الارتباط بينهما.
أي بين تلك الأمور الكلية وبين من له وجود عيني (قد ثبت وجود) من ليس له وجود عيني والتأنيث إما باعتبار المعنى الخبر.
وإما على النسخة الثانية مرجع الضمير هو الأمور الكلية كما لا يخفي (نسب عدمية) وكون الأمور الكلية نسبة إما بناء على كونها منتسبة إلى الموجودات العينية ثابتة لها .
وإما بناء على أخذ نسبة الكلية معها، وإما عدمها فنسبة كليتها (فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعمل لأنه) الضمير للشأن (على كل حال بينها)، أي بين الموجودات(جامع) يعتد به (وهو)، أي ذلك الجامع هو (الوجود العبني و) إما
(هناك)، أي بين الأمور العدمية وبين الموجودات العينية (فما ثمة) إشارة إلى ما أشير إليه بقوله : هناك قائم مقام الضمير يعني إما هناك فما فيه (جامع) يعتد به وإنما قيد بذلك،
لأنه لا يوجد مفهومان إلا وبينهما جامع وأقله مكان الوجود العقلي قوله : "وقد وُجِدَ الارتباط بعدم الجامع فبالجامع أقوى وأحق. "
(وقد وجد) من الوجود أو الوجدان (الارتباط) حال كونه ملتبسة (بعدم الجامع) الذي هو الوجود العيني
(فبالجامع)، أي فالارتباط الملتبس بالجامع الذي هو الوجود العيني (اقوى) من ارتباط غير ملتبس به في ترتب آثار الارتباط (وأحق) منه بالتحقق وأنيق .
ولما فرغ رضي الله عنه عن الأصل الذي هو بناء عليه بيان الارتباط بين الحق سبحانه والعالم شرع في المقصود.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس أبريل 04, 2019 12:43 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة التاسعة عشر الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:53 pm

الفقرة التاسعة عشر الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة التاسعة عشر :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني قد ثبت، وهي نسب عدمية،  فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع- وهو الوجود العيني- وهناك فما ثم جامع. وقد وجد الارتباط بعدم الجامع فـ بالجامع أقوى وأحق. )
فقال المصنف رضي الله عنه : [ وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني و بين من ليس له وجود عيني قد ثبت، و هي نسب عدمية، فارتباط الموجودات، بعضها ببعض أقرب أن يعقل لنه على كل حال بينها جامع و هو الوجود العيني . و هناك فما ثم جامع و قد وجد الارتباط بعدم الجامع فبالجامع أقوى و أحق .]

قال الشارح  رحمة الله :
( و إذا كان الارتباط بين من له وجود عيني و بين من ليس له وجود عيني قد ثبت) كما ذكره، يعني: إذا ارتبط النقيضان و هما الوجود و العدم بالقابلة، فارتباط الموجودات أقرب بالفهم و الإدراك، و ما ثم إلا ارتباط و التفاف .
قال تعالى: "والتفّتِ السّاقُ بالسّاقِ" [ القيامة: 29]: أي أمرنا بأمره، و انعقد فلا ينحل عن عقده أبدا، و هي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه الضمير للشأن .
( على كل حال بينهما ): أي بين الموجودين المرتبطين جامع و هو الوجود العيني و هناك: أي المعدومات و الموجودات .
( فما ثمة جامع ): أي جامع وجودي، وإلا فالجامع الثبوتي كما في الأعيان الثابتة ثابت ولا بد.
كما سترى قوله رضي الله عنه أقوى بصيغة أفعل التفضيل و أحق، فإنه جعله في مقابلة القوي الحق، فكأنه رضي الله عنه ما اعتبره: أي الجامع الثبوتي .
( و قد وجد الارتباط بعدم الجامع) الوجودي ( فبالجامع الوجودي أقوى و أحق)، فالارتباط ثابت في الموجودات كانت ما  كانت .

"" أضاف الجامع يقول الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي :
" اعلم أن ارتباط الموجودات إلى الوجود الواحد الحق لا يكون إلا من حيث تعيناته التي هي أسمائه.
فكل موجود مرتبط باسم من الأسماء ( الإلهية ) من جهة أنه ، لم يتعين الحصة الوجودية المضافة إليه حتى صار بها موجودا إلا من حضرة اسم من الأسماء .
ولم يحصل المدد الواصل الذي به بقائه في الآن الثاني إليه إلا بواسطة ذلك الاسم ، فكان ذلك الاسم ربه في الحقيقة .
والاسم الله : رب جميع الموجودات من جهة جمعيته ، لكن إضافة ربوبيته إلى غير الكمل من حيث أسمائه وبواسطتها "
" حصر الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي الربوبية في إطار الألوهية كما رأينا في المعنى السابق ، وهذا لا يعني أنه يرادف بينهما .
ويمكن تلخيص موقفه في نقطتين :
1. أن الألوهية تتفق والربوبية من حيث أنهما يطلبان المألوه والمربوب في مقابل ( الذات ) الغنية عن العالمين .
2. أن الألوهية لها التنوع في الأسماء والشؤون من حيث الجمعية التي للاسم الله في مقابل الربوبية التي لها الثبوت ( حقيقة كل اسم إلهي ثابتة ومتميزة ، فالمعز غير المذل وغير الباسط ) .
ونلفت النظر إلى أنه لا ينبغي أن نظن الكثرة والتعدد في ذات الحق ، فالألوهية والربوبية مجالي ومظاهر لها ، وليستا على الحقيقة إلا عينها .
يقول ابن العربي الطائي الحاتمي :
" فالألوهية تطلب المألوه ، والربوبية تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا وتقديرا ، والحق من حيث ذاته غني عن العالمين . والربوبية ما لها هذا الحكم ، فبقي الأمر بين ما تطلبه الربوبية وبين ما تستحقه الذات من الغنى عن العالمين ، وليست الربوبية على الحقيقة والاتصاف إلا عين هذه الذات."  أهـ ""
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس أبريل 04, 2019 12:44 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة العشرين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:55 pm

الفقرة العشرين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة العشرين :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.
ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه.)
(ولا شك أن) هذا الإنسان (المحدث قد ثبت في) العقل والنقل (حدوثه وافتقاره)، أي احیتاجه (إلى محدث أحدثه) كما برهنا عليه في كتبنا في عقائد أهل البداية (لإمكانه)، أي إمكان ذلك المحدث (في نفسه)، أي قبوله للوجود والعدم بالنظر إلى ذاته .
(فوجوده) إنما هو حاصل له (من غيره) وهو الذي أحدثه وهو القديم جل وعلا (فهو مرتبط به ارتباط افتقار) بحيث لولا الذي أحدثه لما ثبتت له عين في هذا الوجود الحادث.
ولولا هو لما كان للذي أحدثه صفة الإحداث له، فالربوبية مرتبطة بالعبودية.
لولا وجود الرب ما كان العبد، ولولا وجود العبد ما كان يسمى الرب ربا.
وهكذا باقي الصفات القديمة المتوجهة على إيجاد الإنسان وغيره، فالافتقار من الطرفين.
فالعبد مفتقر إلى الرب في الإيجاد، والرب مفتقر إلى العبد في التسمي باسم الرب.
إذ لولا العبد لما سمي الرب ربا.
لأن رب أي شيء يكون حينئذ؟.ولكن إذا كان وصف الربوبية مفتقرة إلى وصف العبودية لا يلزم أن تكون ذات الرب تعالى مفتقرة إلى ذات العبد.
إذ وصف العبودية في العبد أمر لا يفارق العبد إن وجد وإن عدم.
لأنه استعد استعداده القديم الذي ظهر له من كون الحق تعالی معلوما لنفسه بنفسه، فمن حيث إنه عالم رب، ومن حيث إنه معلوم عبد.
فافتقار الربوبية إلى العبودية افتقار الحق من كونه عالما إلى الحق من كونه معلوما ، وافتقار العبودية إلى الربوبية بالعكس من ذلك.
وأما هذه العين الظاهرة التي تسميها أهل الغفلة عبدا وعبودية فهي أمر وهمي، والعبد والعبودية وراء ذلك لأنهما أمران حقیقیان، فافهم مقصودنا ترشد إن شاء الله تعالی.
(ولا بد أن يكون) الذي أحدث هذا الإنسان المحدث (المستند إليه) هذا الإنسان المحدث في إحداثه له (واجب الوجود لذاته).
بحيث لا يتصور في العقل عدمه، لا لمجيء هذا الوجوب لوجوده من جهة غيره بل من جهة ذاته .
على معنی أن ذاته اقتضت وجوده كما شرحنا ذلك في موضعه من عقائد أهل البداية (غنيا في وجوده بنفسه)، لا في أوصافه بل هو في أوصافه مرتبط مع عبده ارتباطا من الطرفين كما بينا.
(غير مفتقر) في وجوده إلى إيجاد غيره له، كما أن العبد غير مفتقر في عدمه الذاتي إلى إعدام غيره له وافتقاره إنما هو في أوصافه للارتباط المذكور.
فالرب هو الموجود الحق والعبد هو المعدوم الصرف .
والصفات الثابتة لكل واحد منهما مرتبطة من الطرفين .
والمراد بالصفات في الرب ما زاد على ذاته الموجودة .
وفي العبد ما زاد على ذاته المعدومة.
(وهو)، أي ذلك الواجب الوجود هو (الذي أعطى الوجود) الثابتة له (بذاته) لا بغيره كما ذكرنا لهذا الإنسان (الحادث فانتسب) بسبب ذلك هذا الإنسان الحادث (إليه).
أي إلى من أعطاه الوجود فصار موجودة به، كما أن هذا الإنسان الحادث أعطى الإتصاف بالأوصاف الثابتة له ذلك الإتصاف لغيره بذاته لا بغيره لواجب الوجود.
فانتسب إليه واجب الوجود حيث صار به، إلهه وخالقه وهاديه إلى غير ذلك.
كما صار هو عبده ومخلوقه ومرزوقه ومهديه ونحو ذلك.
فلولا الرب ما وجد العبد، ولولا العبد ما وصف الرب بالأوصاف ، فالوجود من الرب والأوصاف من العبد.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.
ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه.)
وشرع في بيان ذلك بقوله: (ولا نشك أن المحدث) الموجود الخارجي (قد ثبت حدوثه) أي وافتقاره في وجوده (إلى محدث) أي موجد (أحدثه) أي أوجده (لإمكانه لنفسه فوجوده) كان بالضرورة (من غيره) وهو واجب الوجود لذاته .
(فهو) أي المحدث (مرتبط به) أي بالله تعالى (ارتباط افتقار فلا بد أن يكون) ذلك المستند إليه لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر إلى غيره .
كما ثبت في موضعه بالأدلة القطعية (وهو) أي واجب الوجود (الذي اعطى الوجود) قوله : (لذاته) متعلق بأعطى أي أعطى الوجود لذاته لا غيره (لهذا الحادث فانتسب)هذا الحادث إلى الواجب الوجود لذاته انتسابا ذاتيا أي احتاج (إليه) في وجوده احتياجا ذاتيا، فكان ذلك الواجب مقتضيا لهذا الحادث اقتضاء ذاتيا.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار. ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه.)
فما أرى أن فيه ما يحتاج إلى الشرح لأن عبارة الشيخ فيه وافية بالمقصود وليس هو مما يحتاج إلى الذكر الجلي بل هو من مدركات أفهام الناس

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.
ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه.)
قال العبد أيّده الله :
كون العالم ممكنا في حقيقته يقتضي أن يكون في ذاته مفتقرا إلى المرجّح في الوجود لأنّ الممكن من حيث هو ممكن مع قطع النظر عن المرجّح نسبته إلى الوجود والعدم بالسواء .
فهو من حيث هو ممكن ليس بأولى أن يوجد ، وإلَّا لكان واجبا ، ولا أن لا يوجد وإلَّا لكان ممتنعا وكلّ ممتنع الوجود فليس بممكن وإلَّا لكان الممكن باللاوجود أولى ولم يكن ممكنا ، وكذلك كل واجب الوجود فليس بممكن بالإمكان الخاصّ .
وإن صدق إطلاق الإمكان العامّ عليه عرفا خاصّا ، فإنّا لا نعني بالإمكان العامّ إلَّا عدم الامتناع ، فلمّا لم تكن للممكن أولويّة الانحياز إلى أحد النقيضين ، افتقر في تعيّنه إما في الوجود أو في العدم إلى المرجّح ، وعلى جميع التقادير ثبت افتقاره إلى المرجّح .
وهو الحق الواجب الوجود لذاته لأنّ المفتقر إليه إن لم يكن واجب الوجود ، لزم أن يكون ممكنا أو ممتنعا ، فإن كان ممكنا فالقول فيه كالقول في كل ممكن ، ولزم إمّا الدور وإمّا التسلسل في العلَّة ، وهما باطلان عقلا ، وإن كان ممتنعا .
فلا يصلح أن يكون واجب الوجود ما لا وجود له ، ولا قابلا للوجود ، فلم يبق إلَّا أن يكون المرجّح الواهب للوجود واجب الوجود لذاته غنيّا في وجوده بذاته عن الغير ، غير مفتقر إليه .
وليس المراد من الواجب إلَّا ذاتا لا افتقار بها في وجودها إلى الغير ، فوجودها إذن من ذاتها ضروري واجب .
فإن قيل : الوجوب في تعقّله مفتقر إلى تعقّل ما ليس بضروري الوجود واجبة ، فهو إذن من الحقائق النسبية ، وفيه رائحة الافتقار ، وتوقّف تعقل الوجوب على الامتناع أو الإمكان كتوقّف تعقّله على تعقّل غيره .
قلنا : لا يلزم من توقّف تعقّل الواجبية على تعقّل غيرها توقّف تحقّقه في ذاته على تحقّق ما ليس كذلك ، أو على عدم تحقّق غيره كذلك فإنّ ثبوت الوجود بالذات أمر ذاتي للواجب الوجود بالذات ، فلا يفتقر في ذلك إلى غيره ولا يتوقّف عليه .
ولكنّ الواجب الوجود مفيض من وجوده ووجوبه على ما ليس كذلك ، ومستلزم له في الوجود المستلزم لوجود غيره والموجب له لا يتأخّر في تحقّقه عن لازمه في الوجود لتوقّف وجود اللازم على الملزوم ، ولكن عدم اللازم قد يستلزم عدم الملزوم في الدلالة .
وإذا ثبت وجوب الوجود لذات من عينها ونفسها ، وثبت افتقار غيرها في وجوده إليها ، فمهما وجد ذلك الغير فوجوده من فيض وجود واجب الوجود بالذات ، فبالضرورة ينسب ذلك الغير في وجوده إلى من أفاض عليه الوجود .
ولا بدّ أن تكون الإضافة ذاتية للواجب الوجود بالذات ، فيوجب وجود المفاض عليه المفتقر في وجوده عنه إليه ، والمقتضي أمرا لذاته لا يزال عليه ما دامت ذاته
فلمّا اقتضى الحق الواجب الوجود فيضه وهو الوجود المطلق أن يفيض الوجود على الخلق المقيّد ، كان واجبا به بالضرورة إذ الإله يقتضي وجود المألوه .
والربّ يوجب المربوب ، والخالق يستلزم وجود المخلوق وذلك من كونه إلها ربّا موجدا أو مفيضا للوجود بالذات وعلَّة ، لا من حيث ذاتية الذات المطلقة عن كل وصف ونعت ، الغنيّة عن العالمين ، فإنّ اعتبار ذاتية الذات سابق ومتقدّم على جميع الاعتبارات .
ولمّا كان وجوده عين ماهيته ، فلا تلزم مساوقة وجود الحادث لوجود القديم ، ولكنّه من كونه مفيضا للوجود وموجدا لهذا الحادث يوجد عنه الحادث ، فالارتباط من قبل الحادث بالافتقار الذاتي إلى محدث يحدثه ويوجده على التعيين ، ومن قبل الموجد بالإيجاد والاستلزام .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.
ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه.)
ظاهر ، وهو بيان الارتباط بين الواجب والممكن وهو الافتقار .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.
ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه.)
قوله : "ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدثأ حدثه" أي، إلى موجد أوجده.
قوله : "لإمكانه بنفسه فوجوده من غيره، فهو مرتبطبه ارتباط افتقار" أي، المحدث مرتبط بموجده ارتباط افتقار.
قوله : (ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه) أي، هذا الحادث إلى الواجب الوجود لذاته .
قوله : (ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به) أي، ولما اقتضى الواجب لذاتههذا الحادث، صار الحادث واجبا بالواجب الوجود.
ويجوز أن يكون ضميرالفاعل راجعا إلى (الحادث) أي، ولما اقتضى الحادث لذاته من يوجده، وهوالواجب، كان الحادث واجبا به، إذا المعلول واجب بعلته.
قوله : (ولما كان استناده) أي، استناد الحادث.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.
ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه.)
ثم رجع إلى المقصود، وهو بيان الارتباط بين الحق والخلق، فقال: (ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه)؛ لأن المشتق لا يوجد بدون أصله، وكل ما ثبت حدوثه ثبت (افتقاره إلى محدث)؛ لأنه الذي أحدثه بأن أرجح وجوده على عدمه بعد استوائها بالنسبة إليه، (لإمكانه لنفسه) فلا تقتضي نفسه رجحان أحد فطرف الوجود، إنما يترجح بأمر وجودي يرجحه.
وطرف العدم إما بترجیحه إياه، أو بعدم ترجیحه طرف الوجود لا بنفسه، وإذا كان ذلك (فوجوده من غيره)، إذ لا يصح أن يكون الأمر المرجح طرف الوجود ذات الممكن، وإلا كان مرجحا لوجوده قبل وجوده؛ بل لم يكن حينئذ ذاته ذات الممكن؛ بل ذات الواجب.
(فهو) أي: فالمحدث (مرتبط به) أي: بذلك الغير الذي رجح طرف وجوده (ارتباط افتقار) أي: ارتباط هو افتقاره إليه في ترجيح طرف وجوده، فهذا هو الجامع المحقق الذي هو الرابط الخاص إما كونه جامعا؛ فلأنه الوجود العيني الذي في كل واحد منهما، وإما كونه الرابط الخاص، فلأن وجود أحدهما لما لم يكن نفسه لم يكن له بد من اكتسابه ممن له بذاته.
"هذا هو الواقع كما في الإلهيات كالعلم فإنه أمر نسبي، وآثاره وأحكامه ظاهرة في الخارج، فافهم
فإذا فهمت ما ذكرنا عرفت بلا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه فإذا ثبت حدوثه، ثبت افتقاره، وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه، فوجوده من غيره فهو مرتبط به ارتباط افتقار، ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته، غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، فإذا ارتبط الأمران كما قلنا، فلا بد من جامع كما ذكرناه. "
فالحاصل أن الرابط هاهنا هو الوجود مع اعتبار عليه أخرى بين الوجوديين، وهو كون أحدهما مفتقرا، والآخر مفتقرا إليه، وإليه أشار بقوله: (ولا بد وأن يكون المستند إليه)أي: الذي استند إليه وجود المحدث بمعنى أنه حصل منه.
(واجب الوجود لذاته)، وإلا افتقر إلى غيره؛ فإن كان أيضا غير واجب افتقر إلى ثالث، وهلم جرا، فإما أن يتسلسل أو ينتهي إلى واجب الوجود لذاته، فإن ذلك بقطع التسلسل المحال؛ لأنه إذا كان واجب الوجود لذاته، كان (غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر) إلى غيره في وجوده وصفاته.
ثم أشار إلى إن واجب الوجود لذاته : هو الذي أفاد الوجود لكل موجود لا لواسطة، وإن لم يلزم التسلسل عند انتهاء الوسائط إلى الواجب بالذات، إذ هو الأولى بذلك لكماله ونقص غيره لإمكانه فغايته أن يكون سبا لإفاضة الواجب الوجود لا مبدأ بنفسه.
فقال: (وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث) قريبا كان أو بعيدا، (فانتسب) وجوده (إليه) لا إلى الواسطة المفتقرة إلى الغير، هذا وجه ارتباط المحدث بالواجب على النهج الخاص.
ثم أشار إلى وجه ارتباط الواجب بالمحدث بظهوره فيه.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار. ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه.)
فأشار إلى تلك الأمور كلَّها بقوله : ( ولا شكّ أنّ المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه ) وكلّ ما هو ممكن لنفسه مفتقر إلى ما يرجّح أحد طرفيه ، فالحادث مفتقر إلى ما يرجّح وجوده ويوجده ( فوجوده من غيره ، فهو يرتبط به ارتباط افتقار ) .
ولا يخفى أنّ هذا إنّما يكون جهة ارتباطيّة بين الممكن والواجب أن لو كان ذلك المحدث المفتقر إليه هو ، يجب أن يكون واجبا ، وإذ كان ذلك غير منحصر في الواجب عند الذاهبين إلى التنزيه ، أشار إلى إثبات ذلك تتميما لما هو بصدده وإثباتا لحدوث العالم وإبطالا لقاعدة العليّة التي هي معاقد قواعدهم.
بقوله : ( ولا بد أن يكون المسند ) افتقار الحادث ( إليه واجب الوجود لذاته غنيّا في وجوده بنفسه ، غير مفتقر ) وإلَّا يلزم أن يكون الحادث مفتقرا في الوجود إلى مفتقر بالذات مثله ، وذلك بيّن البطلان .
لا يقال : لم لا يجوز أن يكون المفتقر بالذات واسطة بين الحادث وبين الواجب بالاستفاضة ؟
لأن الواسطة لما كانت مفتقرة في وجودها بالذات لا يصلح لأن يكون واسطة في استفاضة الوجود أصلا ، وإن أمكن أن يتوسّط في غيرها من الشرف وعلوّ الرتبة ، فإنّ الذي انتسب إليه افتقار الحادث في الوجود ، لا بد وأن يكون معطيا له بذاته ( و ) الواجب ( هو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث ، فانتسب إليه ) ضرورة.  ثمّ بعد نفي تلك القواعد يشير إلى امّهات أصول التحقيق مما يتعلَّق بهذه الحكمة :
منها : إنّ الممكن لمّا كان مقتضى ذات الواجب ، لا بدّ وأن يكون واجبا ، ضرورة أنّ مقتضى الذات ضروري ، فيكون مطلق الوجوب أيضا من الجهة الارتباطيّة بينهما ، إلَّا أنّ وجوب الواجب لذاته ووجوب الممكن به .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.
ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه.)
قوله : "ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه و افتقاره إلى محدِث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار. "
وقال : (ولا شك أن المحدث) بالحدوث الذاتي، أو الزماني (قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث)، أي موجد (أحدثه لإمكانه) الذي هو يساري نسبته إلى جانب الوجود والعدم(لنفسه) فلا بد من مرجح يرجح جانب الوجود وهو المحدث (فوجوده من غيره) الذي هو المحدث (فهو)، أي المحدث (مرتبط به)، أي بمحدثة (ارتباط افتقار) و مستند إليه استناد احتیاج وذلك يقتضي إفاضة الوجود منه عليه .  فهذه الإفاضة أثر من الممكن في الوجوب.
قوله : "ولا بد أن يكون المستندُ إليه واجبَ الوجود لذاته غنياً في وجوده بنفسه غير مفتقر، و هو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه. "
(ولا بد أن يكون المستند إليه)، أي الذي يستند إليه الحدث في وجوده بالآخرة (واجب الوجود لذاته) لا بغيره دفعا للتسلسل (غنيا في وجوده بنفسه) عن غيره (غير مفتقر إليه) وإلا لكان ممكنا.
(وهو) أي المستند إليه الواجب الوجود هو (الذي أعطى الوجود) المفاض(بذاته) المتجلية السارية بأحدية جمعه الأسمائي في الحقائق كلها لهذا الحادث الذي قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث (فانتسب)، أي انتسب هذا الحادث (إليه)، أي إلى واجب الوجود في قبول الوجود منه وانتسب الواجب إلى الحادث في إعطاء الوجود إياه.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس أبريل 04, 2019 12:44 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة العشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 12:56 pm

الفقرة العشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة العشرون :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.
ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه. )

فقال المصنف رضي الله عنه : [ و لا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه و افتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار، و لا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، و هو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فأنتسب إليه،]

قال الشارح رضي الله عنه :
( ولا شك) لما  فرغ رضي الله عنه عن التوطئة و التمثيل، أراد أن يذكر الارتباط الحقيقي الواقع بين العالم و الحق، و هو لمناسبة لولاها لم يلتئم، و لم يظهر له وجود، و لم يكن له ظهور أصلا .
و لهذه المناسبة لم كان العلم من العالم على صورة المعلوم، و خرج المعلوم للزوم المطابقة بينهما لأن العلم تابع المعلوم على صورة العلم حيث العلم عين الذات في مرتبة وحدة العالم و المعلوم و العلم، و إن لم يكن كذلك فمن أين يقع التعلق و الارتباط؟
فلا تصح المنافرة من جميع الوجوه أصلا، فلا بد أن تتداخل الأمور الموجودة للارتباط الذاتي الذي في الوجود بين الأشياء كلها .
فافهم ما أشرت به إليك في هذا الارتباط، فإنه يبنى على أمر عظيم إن لم تتحققه زلت بك قدم الغرور في مهواة من التلف .
فإنه من هنا يعرف ما معنى قول من قال بحدوث العالم، و من قال بقدمه مع الإجماع بأنه ممكن، وأن كل جزء منه حادث، بل هو بجملته و أجزائه في خلق جديد، فلو لا الارتباط ما صحّ هذا أصلا، فكل حقيقة لها حكم في العالم ليس للأخرى، فنسبة العالم إلى حقيقة العلم غير نسبته إلى حقيقة القدرة، فالمعلوم غير نسبته إلى حقيقة القدرة، فالمعلوم غير المقدور .
فإذا نظرته بعين الغنى والعزة قلت: لا مناسبة بين الله تعالى و بين عباده، أين التراب، و رب الأرباب؟ .
وإذا نظرت بعين الارتباط و الاحتياج أثبت النسبة بين الله و بين العالم، فإنها موجودة في جميع الموجودات كالمربوب بالرب، والمالوه بالإله فإنهما من ألفاظ التضايف.
و ذلك لأن للحق حكمين الحكم الواحد ما له من حيث هويته إلا رفع المناسبة بينه و بين عباده، و الحكم الأخر هو الذي به صحّت الربوبية الموجبة للمناسبة بينه و بين خلقه، و بها أثر في العالم الوجود، و بها تأثر بما يحدث في العالم من الأحوال، و أين أنت عن واثق العرى و أقوى الروابط؟! .
و إذا نظرت بعين الارتباط و الاحتياج أثبت النسبة بين الله و بين العالم، فإنها موجودة في جميع الموجودات كالمربوب بالرب.
و المالوه بالإله فإنهما من ألفاظ التضايف و ذلك لأن للحق حكمين الحكم الواحد ما له من حيث هويته إلا رفع المناسبة بينه و بين عباده، و الحكم الأخر هو الذي به صحّت الربوبية الموجبة للمناسبة بينه و بين خلقه، و بها أثر في العالم الوجود، و بها تأثر بما يحدث في العالم من الأحوال، و أين أنت عن واثق العرى و أقوى الروابط؟! .
قال تعالى: "يحِّبـهُمْ و يحِبُّونهُ" [ المائدة: 54] .
هل يمكن الرابط الوثيقة أقوى من المحبة من الجانبين، وأيضا أن الحق هو الوجود والأشياء صور الوجود، فارتبط الأمر ارتباط المادة بالصورة، فلمّا كان الارتباط بين الأمر من مقتضى الجهتين فعلمنا أن كل واحد من الأمرين مرتبط بالآخر بارتباط حي الذي قائم بكل من الحق و الخلق .
قال تعالى : "أحببت أن أعرف، فخلقت الخلق لأعرف" فكل واحد من المعارف و المعروف طالب و مطلوب .
ومن أغرب الغرائب أن الحق محبّ محبوب، و العبد محبوب محب، و من شأن المحبوب أن يبتلي ويتحكّم .
قال تعالى: فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ "(249) سورة البقرة.
و قال الله تعالى في حديث مشهور عن عبده: "وما ترددت كترددي في قبض نفس عبد يكره الموت"  الحديث رواه أحمد وأبو نعيم و الحكيم الترمذي.  
فالكل مبتلي هذا من مقتضى كمال الجمال والحب، فافهم، وتكتم وعلى هذا يقتضي هذا الأصل الأصيل.
قلنا: لا يصح الوجود و الإيجاد أصلا إلا عن أصلين:
الأصل الواحد: الاقتدار و هو الذي يلي جانب الحق،
و الأصل الثاني: القبول و هو الذي يلي جانب الممكن، فلا استقلال من أحد الأصلين بالوجود ولا بالإيجاد أصلا فالأمر المستفيد ما استفاد الوجود إلا من نفسه بقبوله إياه، و ممن نفد فيه اقتداره وهو الحق، غير أنه لا يقول في نفسه: إنه موجد نفسه .
بل يقول: إن الله أوجده و الأمر على ما ذكرناه .
فما وصف الممكن نفسه بنسبة الإيجاد إليه أعطاه الظهور بالصورة جزاء لذلك و غيره منه تعالى، فافهم .
فإني ذكرت لك هاهنا أسرارا عجيبة غريبة هائلة خذها و لا تخف، فإنا لا نترجم إلا عمّا وقع من الأمر لا عمّا يمكن فيه عقلا أو وهما .
و الفائدة إنما هي وقع لا فيما يمكن، فافهم

فالخفاء كالحقائق يعني لها عين في الخارج سواء لأن الأسماء إضافات و نسب، و الإضافات و النسب ما لها عين في الخارج، بل هي أمور عدمية .
و هكذا الأعيان الخارجية أحكامها، و هنّ غائبات العين ظاهرات الأحكام و الآثار، و لم يتبرجن تبرّج الجاهلية، و يبدين زينتها إلا لأهلها، فافهم .
هذا هو الواقع كما في الإلهيات كالعلم فإنه أمر نسبي، و آثاره و أحكامه ظاهرة في الخارج، فافهم فإذا فهمت ما ذكرنا عرفت
بـ (لا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه)  فإذا (ثبت حدوثه، ثبت) افتقاره.
و(افتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه، فوجوده من غيره فهو مرتبط به ارتباط افتقار)، و (لا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته، غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر)، فإذا ارتبط الأمران كما قلنا، فلا بد من جامع كما ذكرناه، وهو الرابع .
و ليس الاقتضاء ذاتي من كل واحد من الحق و الخلق، و لا محتاج إلى أمر وجودي زائد، فارتبطا لمناسبة نفسه لأنه ما ثمة إلا حق و خلق، فلا بد أن يكون كلاهما، و من الحال أن ينفرد واحد منهما، فإن المناسبة التي قررناها من الجانبين و مع هذه المناسبة و الارتباط فما هما مثلان، بل كل واحد مثلهما ليس كمثله شي ء فلا بد أن يتميز بأمر ليس في الآخر، و هو الافتقار و الغنى فلا افتقار موجب للميل، و قبول الحركة و الغنى ليس حكمه كذلك، فارتبطا بوجه .

قال تعالى: "يا أيُّها النّاسُ أنْـتمُ الفُقراءُ إلى اللّهِ واللّهُ هُو الغني الحمِيدُ" [ فاطر: 15] جمع الله وجه الافتراق في هذه الآية، فافهم .
( وهو ): أي المستند إليه الواجب  الوجود .
( الذي أعطي الوجود بذاته لهذا الحادث، فانتسب إليه و لما اقتضاه بذاته كان واجبا به ): أي واجبا بواجب الوجود لأن الذاتيات لا تتخلف عن ذواتها، و الأشياء إذا اقتضت الأمور لذواتها لا للوازمها و إعراضها لم يصح أن تتبدل ما دامت ذواتها .
و الذوات لها الدوام في نفسها لنفسها فالمقتضى الذاتي كذلك، فإني أدرجت لك في هذه العبارة إشارات لم يسعها أواني الألفاظ و ظروف الحروف، و أدرجت فيها معان غير واهية، و تعيها أذن واعية، فافهم .
فكما أن الواجب أعطاه الوجود وجوب الوجود، كذلك الممكن أعطي الظهور لأنه به ظهر فيه كان بصيرا، و كما كان لكل واحد من الأمور الكلية الخارجية حكم و أثر على الآخر كذلك هنا .
قال الله تعالى : "جعلت الصلاة بيني و بين عبدي" .
قال صلى الله عليه و سلم في ليلة المعراج : "إنه سمع صوتا قيل له: قف إن ربك يصلي"  فالأمر من الطرفين .
قال تعالى: "كُلٌّ  قدْ علِم صلاتهُ و تسْبيحهُ" [ النور: 41] .
قال تعالى:" فاعْبدْني وأقمِ الصّلاة لذكْري" [ طه: 14] فأثر في العبد هذا الحكم، فعبد الله و أقام الصلاة، و لذلك قال العبد: اغفر لي واعف عني، فغفر له وعفا عنه .  أما ترى أن العفو من أثر الدعاء .
قال تعالى"ادْعوني أسْتجِبْ لكُمْ "[ غافر: 60] وهذا تأثير رتبة العبد في سيده و إدلاله على مولاه، و التأثر قيام السيد بمصالح عبده ليبقى عليه حكم السيادة.
و من لم يقم بمصالح عبده، فقد عزلته المرتبة فإن المراتب لها حكم التولية، و العزل بالذات لا بالجعل كانت لمن كانت، و هذا من تمام المعرفة الموضوعة في العلم بالله في هذا المقام .
و أيضا أن للجسم في الروح آثارا معقولة لما يعطيه من علوم الأذواق ما لم يمكن أن يعلمها إلا بالذوق، و أن الروح لها آثار في الأجسام محسوسة يشهدها كل حيوان من نفسه كذلك العالم مع الله تعالى فيه آثار ظاهرة، و هي ما يتقلب فيه العالم و ذلك من حكم اسمه الدّهر أنه حول قلب .
فإن للعالم أحكاما لولا تعريفه تعالى إيانا بها ما عرفناها و ذلك أنه إذا اتبعنا رسوله فيما جاءنا به من الطاعة أحبنا، و أرضيناه فرضي عنا .
قال تعالى: "رضِي اللّهُ عنْـهُمْ" [ المجادلة: 22]، و إذا خالفنا و لم نمتثل أمره أسخطناه و أغضبناه، و كذلك إذا دعونا أجابنا، فالدعاء من أثره، و الإجابة من أثرنا لتعلموا أنه ما ظهر شيء إلا من صورة ما هو عليه مؤثر و متأثر.
فإذا فهمت هذا المساق علمت معنى: التفت الساق بالساق، و عرفت الأمر هكذا على الإطلاق فافهم .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الحادي والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالخميس أبريل 04, 2019 12:46 pm

الفقرة الحادي والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الحادي والعشرون :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به. ولما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه.)
(ولما)، أي حين (اقتضاه)، أي اقتضى واجب الوجود لهذا الإنسان الحادث بمعنی طلبه من الأزل (لذاته)، حتى يصير بسبب ذلك موصوفة عند ذاته بالأوصاف
كان ذلك الإنسان الحادث (واجب) وجوده (به)، أي بمن اقتضاه لذاته وهو واجب الوجود.
(ولما كان استناده)، أي استناد هذا الإنسان الحادث (إلى من ظهر عنه لذاته)، وهو الواجب الوجود (اقتضى) الأمر بالضرورة (أن يكون) هذا الإنسان (على صورته)، أي على صورة واجب الوجود.
ثم بين وجه كونه على صورته بقوله : (فيما)، أي في كل أمر (ينسب إليه تعالى) نسبة صادرة (من) جهة (كل شيء) وكل شيء هو هذا الإنسان الحادث كبيرا كان وهو المسمى بالعالم، فإن الإنسان الكبير كما سبق أو صغيرا وهو الإنسان الصغير وهو آدم وبنوه إلى يوم القيامة .
ثم بين الذي ينسب إليه تعالى من كل شيء بقوله : (من اسم) ?القادر والخالق (وصفة) كالقدرة والتخليق وغير ذلك مما فصلناه في عقائد أهل البداية (ما عدا الوجوب)، أي وجوب الوجود (الذاتي).
أي الذي لله تعالى من ذاته لا من غيره (الخاص) به تعالی (فإن ذلك لا يصح في) الإنسان (الحادث) أبدا.
(وإن كان) الإنسان الحادث (واجب الوجود) أيضا كما ذكرنا (ولكن وجوبه)، أي وجوب وجوده (بغيره لا بنفسه) .
فهو من جهة كون الإنسان وجوده واجبا على صورة الواجب الوجود الذاتي، ومن جهة كون وجوب وجوده بغيره ليس على صورته .
واعلم أن هذا الاقتضاء الذي اقتضاه واجب الوجود الذاتي لهذا الإنسان الحادث الذي هو واجب الوجود بغيره.
إنما هو اقتضاء ذاتي كما ذكر، والاقتضاء الذاتي هو طلب الذات حضورها عندها بطلبه هو عين ذاتها خارج عن أوصافها مثل اقتضائها لأوصافها.
فإن ذلك الاقتضاء ليس من جملة أوصافها بل هو ذاتها، وإلا لكانت أوصافها حادثة لها، لأنها مطلوبة لها حينئذ وليس كذلك بل هي قديمة أزلية .
ثم إن هذا الاقتضاء الذاتي الذي هو طلب الذات حضورها عندها اقتضى انقسام الذات إلى طالب ومطلوب وحاضر ومحضور.
ولا شيء غير الذات المقدسة فانقسمت بالضرورة إلى طالب ومطلوب وحاضر ومحضور.
وكل أمرين متقابلين لا بد أن يكون بينهما أمر ثالث فاصل بينهما ليتميز كل أمر منهما عن الآخر.
فيتم ذلك الاقتضاء المذكور، فظهرت الأوصاف الإلهية والأسماء الذاتية التي لا يبلغها العد والإحصاء من بين هذين الحضرتين القديمتين :
حضرة الطالب وحضرة المطلوب. والحاضر والمحضور.
فوصف بها الطالب باعتبار المطلوب، ووصف بها المطلوب باعتبار الطالب .
فظهر المطلوب على صورة الطالب باعتبار اتصافه بهذه الأوصاف، مع تباين الطالب والمطلوب بالنظر إلى ذات كل واحد منهما. وإن كانا كلاهما ذاتا واحدة في الحقيقة.
ولكن أين الطالب من المطلوب؟ . . وأين الفاعل من المفعول؟
فإن الأوصاف التي هي البرزخ الفاصل بين الحضرتين وإن اتصف بها كل واحد من الطالب والمطلوب حتى كان كل واحد منهما على صورة الآخر.
ولكن هي منسوبة إلى من اتصف بها، فحيث اتصف بها الطالب فهي أوصاف طالبية.
وحيث اتصف المطلوب فهي أوصاف مطلوبية، وهي على كل حال صورة واحدة اقتضتها الذات الواحدة لحضرتيها المذكورتين .
وهذا معنی اقتضاء واجب الوجود لذاته، أن يكون هذا الإنسان الحادث على صورته في كل اسم وصفة له تعالی مطلقا ما عدا الوجوب الذاتي الخاص.
فإن هذه الأوصاف إذا نسبت إلى هذا الطالب من حيث هو طالب بقي المطلوب معدوما.
إذ هو عین ذات الطالب وقد كان طالبا، واشتغل بالطالبية باعتبار اتصافه بالأوصاف المذكورة.
فلا مطلوب حينئذ، فإذا وجد باعتبار اتصافه بالأوصاف مشتقة من أوصاف الطالب المذكورة انقسمت الذات إلى طالب ومطلوب كما ذكرنا.
وانقسمت الأوصاف أيضا كذلك إلى أوصاف الطالب الأصلية وأوصاف المطلوب الفرعية.
بقي الطالب واجب الوجود لذاته والمطلوب واجب الوجود لغيره.
وذلك الغير هو الطالب فافترقا من هذا الوجه فقط واشتركا في جميع الأوصاف المذكورة ما عدا هذا الوجه فقط .
وكانت أوصاف الطالب قديمة وأوصاف المطلوب حادثة.
ولا شك أن صورة الشيء هي مجموع أوصافه وأسمائه فقط إلا ذاته.
فلهذا كان المطلوب على صورة الطالب، والطالب هو الحق تعالی والمطلوب هو الإنسان الحادث .
والظاهر الطالب هو الإنسان الحادث، لأنه المطلوب، والباطن عن المطلوب هو الحق تعالی، لأنه الطالب له، والله أعلم وأحكم.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به. ولما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه.)
(ولما اقتضاه) أي اقتضى الواجب الوجود هذا الحادث.
قوله : (لذاته) متعلق باقتضی (كان) الحادث (واجبة به) أي بالواجب الوجود والاقتضاء ههنا بمعنى الإعطاء لا بمعنى الإيجاب.
كما قال الذي أعطى الوجود أو بمعنى الإيجاب بحسب تعلق الإرادة (ولما كان استناده) .
أي الحادث قوله : (إلا من ظهر عنه) متعلق بالاستناد قوله : (لذاته) متعلق بیان (اقتضى) الحادث اقتضاء ذاتية أن يكون أي أن يتكون ويوجد (على صورته) أي على صفة موجودة (فيما ينسب) الحادث (إليه) إلى موجوده (من كل شيء من اسم وصفه ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح للحادث) .
وإلا لكان واجبة لا حادثة، وإن كان واجب الوجود (ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه) وإلا لم يكن ممكنا بل واجبا بالوجوب الذاتي.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به. ولما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شي ء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه.)
فما أرى أن فيه ما يحتاج إلى الشرح لأن عبارة الشيخ فيه وافية بالمقصود وليس هو مما يحتاج إلى الذكر الجلي بل هو من مدركات أفهام الناس


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به. ولما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه.)
قال رضي الله عنه : " ولمّا كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته ، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء من اسم وصفة " .
يعني : من حيث اقتضائه أن يكون على صورته بحيث لا يخرج الاسم والصفة من حقيقتها الخاصّة ، وإن أوجبت الإضافة نعتا ، ليس لها بالفعل ، بل بالصلاحية وبشرط الإضافة كما ذكر في حقيقة العلم والحياة .
قال رضي الله عنه : "ما عدا الوجوب الذاتيّ فإنّ ذلك لا يصحّ في الحادث وإن كان واجب الوجود ، ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه ".
يعني رضي الله عنه :
لمّا كان العبد على صورة سيّده ، وجب أن يكون واجبا ، ولكن وجود العبد ووجوبه مستفاد من الواجب بذاته الموجب لوجود هذا الحادث ، فما له قدم في الوجوب الذاتي لكون وجوب وجود العبد لا بذاته لا بذات مطلقة منها ذاته ، أو وجود مطلق منه وجوده .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به. ولما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه.)
معناه ولما اقتضى الواجب لذاته الممكن لذاته كان الممكن لذاته واجبا به معدوما في حد نفسه مستندا إليه في وجوده وعينه لأنه الذي أعطى عينه من ذاته ثم وجوده من اسمه النور .
فاستناده إلى الواجب الذي ظهر عنه لذاته اقتضى أن يكون على صورته في كل ما ينسب إلى ذلك الممكن من اسم وصفة وأي شيء كان لأن أصله العدم .
فاستند إلى الواجب في عينه وكل ما يتبع عينه من صفاته ووجوده وذلك صمديته تعالى أو في كل ما ينسب إلى الواجب والمراد بالممكن كل ما للواجب الصمد إلا الوجوب الذاتي وإنما قيد الوجوب بالذاتي لأنه ما لم  يجب لم يوجد لكنه واجب به لا بنفسه

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به. ولما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه.)
قوله رضي الله عنه : "إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شئ، من اسم وصفة، ما عدا الوجوب الذاتي، فإن ذلك لا يصح للحادث وإن كان واجب الوجود, ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه"
أي، اقتضى هذا الاستناد أن يكون الحادث على صورة الواجب، أي، يكون متصفا بصفاته وجميع ما ينسب إليه من الكمالات ما عدا الوجوب الذاتي، وإلا لزم انقلاب الممكن من حيث هو ممكن واجبا وذلك لأنه اتصف بالوجود والأسماء والصفات لازمة للوجود فوجب أيضا اتصافه بلوازم الوجود وإلا لزم تخلف اللازم عن الملزوم.

ولأن المعلول أثر العلة، والآثار بذواتها وصفاتها دلائل على صفات المؤثر وذاته، ولا بد أن يكون في الدليل شيء من المدلول، لذلك صار الدليل العقلي أيضا مشتملا على النتيجة: فإن إحدى مقدمتيه مشتملة على موضوع النتيجة، والأخرى على محمولها، والأوسط جامع بينهما.
ولأن العلة الغائية من إيجاد الحادث عرفان الموجد، كما قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".
والعبادة تستلزم معرفة المعبود ولو بوجه، مع أن عباس، رضى الله عنه، فسرها هنا بالمعرفة. ولا يعرف الشيء إلا بما فيه من غيره، لذلك قال، عليه السلام، حين سئل:" بم عرفت الله؟ عرفت الأشياء بالله." أي، عرفته به أولا، ثم عرفت به غيره.
ولما كان وجوده من غيره،صار أيضا وجوبه بغيره. وغير الإنسان من الموجودات، وإن كان متصفا بالوجود، لكن لا صلاحية له لظهور جميع الكمالات فيه، كما مر في أول الفص.
وقوله: "لذاته" يجوز أن يكون متعلقا ب "الاستناد". أي، ولما كان استناد الحادث إلى من يوجده لذات الحادث، اقتضى أن يكون على صورة موجده.
ويجوز أن يكون متعلقا بـ "ظهر" وعلى هذا ضمير "لذاته" يجوز أن يعود إلى "من" ويجوز أن يعود إلى "الحادث".
وعلى الأول معناه: لما كان استناد الحادث إلى موجد ظهر الحادث عنه لاقتضاء ذات الموجد إياه، اقتضى أن يكون علىصورته، وعلى الثاني، ظهر لاقتضاء ذات الحادث الموجد إياه.
والله أعلم.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به. ولما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شي ء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه.)
ثم أشار إلى وجه ارتباط الواجب بالمحدث بظهوره فيه. فقال رضي الله عنه : (ولما كان استناده) أي: الحادث (إلى من ظهر) الحادث (عنه لذاته) بلا واسطة أمر آخر حتى يقال : يحتمل أخذ صورة الواسطة المغايرة لصورة الأصل (اقتضى) استناده إليه لذاته (أن يكون) هذا الحادث (على صورته)؛ لأن صورة الفرع تابعة لصورة الأصل على ما هو العادة المشهورة.
فالحادث شارك الحق في الصورة الوجودية، ولوازمها مشاركة صورة الإنسان الظاهرة في المرأة للإنسان المجازي لها.
وليس المراد الاشتراك في الصورة الحسية بل المراد في الصورة المعنوية، وهو الاشتراك بينهما (فيما ينسب إليه) أي: إلى من ظهر عنه (من كل شيء من اسم) دال على الذات وحده، ومع صفة (وصفة ماعدا) الوصف الذي هو
(الوجوب الذاتي؛ فإن) ظهور (ذلك لا يصح في الحادث)؛ لأن لازمه هو الافتقار الذاتي ينافي هذا الوصف، (وإن كان) الحادث، إنما (واجب الوجود) من حيث إن موجده أوجب له الوجود، وإن وجوده ضروري حال كونه موجودا، وهي الضرورة المسماة بالضرورة لشرط المحمود (لكن وجوبه بغيره لا بنفسه)، فليس هذا الوجوب لوجود الحادث صورة للوجوب الذاتي الذي هو وصف الحق، بل غايته أنه صورة للوجوب من حيث أنه وجوب في الجملة.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به. ولما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شي ء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه.)
فأشار إلى هذا بقوله رضي الله عنه : ( ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به ) .
ومنها : إنّ استناد الممكن في الافتقار والاستفاضة لما كان إلى الواجب الظاهر هو عنه لذاته ، اقتضى أن يكون الممكن مثله في جميع ما نسب إليه إلَّا الوجوب الذاتي ، وذلك لأنّ ما ظهر عن المبدء لذاته لا بدّ وأن يظهر المبدء به بذاته ، ويكون مظهرا لها بجميع مقتضياتها ، وإلَّا ما كان ظاهرا عن المبدء لذاته ، بل بواسطة ما ظهر به من المقتضيات .
كما يطلعك على ذلك ظهور الكلام الجامع للكل عن الإنسان من حيث الجمعيّة الكماليّة التي له وإلى ذلك أشار بقوله : ( ولمّا كان استناده إلى ما ظهر عنه لذاته اقتضى أن يكون على صورته ، فيما ينسب إليه من كلّ شيء من اسم وصفه ، ما عدا الوجوب الذاتي ، فإنّ ذلك لا يصحّ في الحادث ) للمنافاة الضروريّة بين الضرورة الذاتيّة والإمكان الذاتي ، فالحادث بحسب وجوده الموجود به ( وإن كان واجب الوجود ، ولكن وجوبه بغيره ، لا بنفسه ) .
فلئن قيل : سائر ما في الحادث من الصفات كذلك ليست عين ما في الواجب - كالعلم والقدرة والإرادة وغيرها - ضرورة أنّ الحادث حاكم عليها بالحدوث كما مرّ ، فما وجه تخصيص الوجوب بذلك ؟
قلنا: هو أنّ الحادث يمكن اتّصافه بسائر تلك الصفات بالذات ، دون الوجوب ، فإنّه لا يتّصف به إلَّا بملاحظة نسبته إلى الواجب ، وذلك لأنّ الوجوب طرف ظاهريّة الوجود ، وليس للممكن منها نصيب كما عرفت .
ثمّ لمّا مهّد هذا الأصل ، يشير إلى ما يتفرّع عليه من الأحكام ، مؤيّدا بما في التنزيل من الآيات الدالَّة عليها ، تأسيسا لذلك الأصل وتشييدا لما يبتنى عليه من أمر امّهات الأسماء التي هي بمنزلة المبادئ للمسائل المبحوث عنها في هذه الحكمة على ما عرفت .
أعني الإضافيات الأربع التي لها الإحاطة بجميع الأسماء الإلهيّة منها والكونيّة والدلالة على سائر الطرق التنزيهيّة منها والتشبيهيّة .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به. ولما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شي ء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه.)
قوله : "و لما اقتضاه لذاته كان واجباً به. "
(ولما اقتضاه) أي الواجب الحادث لذاته.
أي التجلي ذاته المتجلية السارية فيه (كان واجبة به) في وجوب المعلول بعلته .
فكما أعطاه الوجود أعطاه وجوب الوجود أيضا .
فكل واحد من الوجود ووجوبه أثر في الواجب الممكن فلكل من الواجب والممكن حكم على الآخر .
كما كان لكل من الأمور الكلية والأعيان الخارجية حكم على الآخر.
ثم لما فرغ من بيان الارتباط بين الحق والعالم وكان ذلك الارتباط على وجه يقتضي أن يكون العالم على صورته سبحانه نبه عليه.
قوله : "و لما كان استنادُه إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شئ من اسم و صفة ما عدا الوجوبَ الذاتيَّ فإن ذلك لا يصح في الحادث و إن كان واجب الوجود و لكن وجوبه بغيره لا بنفسه."
بقوله : (ولما كان استناده)، أي استناد الحادث (إلى من ظهر)، أي الحادث (عنه لذاته) المتجلية بأحدية جمعه الأسماء في كل ما ظهر عنه.
(يقتضي) ذلك الاستناد (أن يكون) الحادث الظاهر عنه (على صورته) وصفته (فيما ينسب إليه) تعالى (من كل شيء) بیان لما (من اسم وصفة) بيان لشيء.
فحاصله أن يكون على صفته تعالى في كل اسم.
وصفة تنسب إليه تعالى كما أنه ينسب كل اسم وصفة إليه تعالى. كذلك إلى الحادث.
فإنه بأحدية جمعه الأسماء متجلي وصار فيه .
ولذا قيل : كل موجود متصف بالصفات السبع الكمالية لكن ظهورها فيه بحسب استعداده وقابليته (ما عدا الوجوب الذاتي) الخاص .
(فإن ذلك)، أي الوجوب الذاتي (لا بصع للحادث) ولا ينسب إليه (وإن كان)، أي الحادث (واجب الوجود) بالمعنى الأعم.
فإنه أعم من أن يكون وجوبه بالذات أو بالغير، والحادث وإن لم يكن واجبا بذاته لكنه واجب بغيره كما قال (ولكن وجوبه)، أي وجوب الحادث (بغيره) الذي هو موجده (لا بنفسه) وإلا انقلب الممكن واجبا .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الحادي والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالخميس أبريل 04, 2019 12:47 pm

الفقرة الحادي والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الحادية والعشرون :الجزء الثاني 
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به. ولما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه. )
قال المصنف رضي الله عنه : [و لما اقتضاه بذاته كان واجبا به ]
قال الشارح رضي الله عنه :
أي واجبا بواجب الوجود لأن الذاتيات لا تتخلف عن ذواتها، و الأشياء إذا اقتضت الأمور لذواتها لا للوازمها و إعراضها لم يصح أن تتبدل ما دامت ذواتها .
و الذوات لها الدوام في نفسها لنفسها فالمقتضى الذاتي كذلك، فإني أدرجت لك في هذه العبارة إشارات لم يسعها أواني الألفاظ و ظروف الحروف، و أدرجت فيها معان غير واهية، و تعيها أذن واعية، فافهم .

قال المصنف رضي الله عنه : [ و لما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء من اسم و صفة، ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح للحادث و إن كان واجب الوجود و لكن وجوبه بغيره لا بنفسه .]

قال الشارح رضي الله عنه :
( و لما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته) لا لأمر عرضي اقتضى أن يكون على صورته .
قال الله تعالى: "قلْ كُلٌّ  يعْملُ على شاكلتهِ " [ الإسراء: 84] .
ورد في الخبر الصحيح : "إن الله خلق آدم على صورته". رواه الشيخان البخاري و مسلم رضي الله عنهما .
أي لما كان استناد المحدث إلى المحدث من اقتضاء ذاتي من المحدث الفاعل، و ذلك لأنه متصوّر الحق تعالى لما جاء في الحديث ذكر الصورة، فعلمنا أن الله تعالى إنما أراد خلقه على الصورة من حيث أنه يتصوّر إلا من حيث ما يعلمه من غير تصور.
فكل ما يتصوّره المتصورون فهو عينه لا غيره كان من كان لأنه ليس بخارج عنه.
ولا بد للعالم أن يكون متصوّرا له على ما تظهر عينه إذ لم يبق في الإمكان معنى إلا و قد ظهر في العالم متصور، ولا خفاء أن الشكل و الصورة يألف شكله و صورته و هو الإنسان الكامل الذي لا يماثل في "ليس كمثله  شيء"، و هو محل الجمع لصورة الحضرة الإلهية و لصورة العالم الكبير، و انفصل من جميع المولدات لأن جميع المولدات ما عدا الإنسان الكامل موجود عن العالم، فهو أم بغير أب كوجود عيسى عليه السلام من حيث الطبيعية، بخلاف الإنسان الكامل فإنه بين أب و أم، فافهم .

قال رضي الله عنه في الباب الثامن و الثمانين و مائتين من الفتوحات بعد ذكر هذه المسألة: 
و إنما نبهتك على هذا لئلّا تقول أن جميع المولدات وجدت بين الله و العالم و ما كان الأمر كذلك، و إلا فلا فائدة لقوله صلى الله عليه و سلم : "خلق آدم على صورته". 
ولا كما يتوهمه بعض أصحابنا بل شيوخنا من كونه ذاتا و سبع صفات، فإن ذلك غير صحيح .
فإن الإنسان الحيواني معلوم أن له الذات و الصفات، بل لكل حيوان كما للإنسان الكامل، و إن كان التفاوت بالنقصان و الزيادة و ليس الأمر في نفس الأمر كذلك، بل كان يبطل اختصاص الإنسان الكامل بالصورة، فابحث على هذا الكنز حتى يفتح الله عليك كما فتح به على من يشاء من عباده، انتهى كلامه رضي الله عنه .
و إنما خلقت على صورته حتى تطلع منك على ما أخفاه فيك من قرة أعين، بل حتى تطلع على ما في نفسه تعالى .
قال رضي الله عنه: العلم الذي يعطي السعادة للعبد هو العلم الذي يعلم ما في نفس الحق و لا يعلم ذلك أحد من خلق الله إلا بإعلام الله .
قال تعالى: "و لا يحِيطون بشيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا  بما شاء " [ البقرة: 255] .
قال الله تعالى عن الكامل عليه السلام: إنه قال اعترافا أو تأدبا بأدب النبوّات: "تعلمُ ما في نفْسِي" أي من حيث أنه عينها .
"ولا أعْلمُ ما فِي نفْسِك" [ المائدة: 117] من حيث أني غيرك في هذا الموطن .

يقول: المحمّدي الذي يغبطه النبيون يوم الفزع الأكبر بلا خوف و لا فزع، وأعلم ما في نفسك، وذلك إمّا من مقام من عرف نفسه فقد عرف ربه لأن نفسه استهلكت و فنيت.
و ما قال ما قال إلا بلسان الذات هذا كمالهم عند البقاء، فلا يعلم ما في نفسه سواه لأن هذا لسان الولاية، و الله الولي الحميد و على ما نقول شهيد، فافهم .
وإن خرجنا عن المقصود و لكن ما خرجنا بالكلية، بل نحن ندندن حواليه، و أردت أن أظهر لك هذه الإشارة لتكون لك بشارة إن كنت من المحمّديين حتى تعرف قدر سيدك صلى اللّ ه عليه و سلم، و قدر وارثيه لتعلم معنى قوله صلى الله عليه و سلم : "أوتيت جوامع الكلم".
و قوله صلى الله عليه و سلم : "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل".
كما قال القطب الوارث في هذا المقام: أوتيتم اللقب، و أوتينا ما لم تؤتوا، فافهم . 
فإن قيل: إذا كان ظهوره على الصورة، فما هذا التغير الذي يطرأ على الإنسان في نفسه، وصورة الحق لا تقبل التغير الذي يطرأ على الإنسان في نفسه؟ 
قلنا: إن الله تبارك وتعالى قال في هذا المقام: "سنفْرغُ لكُمْ أيُّه الثّقلانِ" [ الرحمن: 31] . 
و قال صلى الله عليه و سلم : "إن الحق يتجلى في أدنى صورة". رواه البخاري ومسلم  
لم يتحول عند إنكارهم إلى الصورة التي عرفوها فيها بالعلامة التي يعرفونها، فقد أضاف إلى نفسه هذا المقام وهو العلي عن مقام التغير بذاته، ولكن التجليات الإلهية في المظاهر على قدر العقائد، فيختلف باختلافها.
وبهذا الاعتبار ارتفع الاعتراض الوهمي تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا .

"" قال سيدي عبد الوهاب الشعراني: يا أخي : (أن للحق تبارك وتعالى تجليين تجلي في رتبة الإطلاق حيث لا خلق، وتجلي في رتبة التقييد بعد خلق الخلق، ولكل من هذين التجليين جاءت الشرائع والأخبار الإلهية، فمن قال بتنزل الحق تعالى في مرتبة التقييد على الدوام أزلا وأبدا ?المجسمة والحلولية والقائلين بالاتحاد أخطأوا، ومن قال بعدم التنزل من مرتبة الإطلاق على الدوام أبدا كالمنزهة فقد أخطأوا، فرجع يا أخي كل كلام يعطي التنزيه إلى مرتبة الإطلاق، وكل كلام يعطي ظاهره التشبيه إلى مرتبة التقيد،  يرتفع الخلاف عندك والتعارض من جميع الآيات والأخبار) انتهى . ""

"" أضاف المحقق: أعلم يا أخي أن تجلى الإطلاق هو: كل ما أشعر بعدم وجود العالم المشار إليه بس كان الله ولا شيء معه.
وتجلي التقييد هو: كل ما أشعر بعدم وجود العالم المشار إليه بـ «كان الله ولا شيء معه.
و تجلي التقييد هو: كل ما أشعر بوجود العبد مع الرب من سائر حضرات الأسماء الإلهية .
فتجلى الإطلاق هو: تجليه تعالى في ذاته لذاته على الدوام، وذلك لا يكون إلا في حضرة الاسم (الله) ، والاسم (الأحد)
و تجلي التقييد هو: تجليه تعالى لعباده في بقية الأسماء التي تطلبهم: كالرب، والخالق، والرازق، والرحمن، والمعز، والمذل، والمنتقم، وغيرها من سائر ما علمناه، وما استأثر الله بعلمه؛ فإن الرب يطلب المربوب و جودا وتقديرا في العلم الإلهين، ولا يعقل إلا معه، وكذلك الخالق وما بعدها
وأما حضرة الذات التي هي تجليه تعالى في الاسم الله أو الاسم الأحد فلا تطلب شيئا من العالم، "ومن جاهد فإنما يجاهد نفسه إن الله لغني عن العالمين" [العنكبوت:6].
ولذلك كان لا يعقل لحضرها أحكام، ولا يصح أن يؤخذ عنها بشرائع ولا أحكام؛ اذ ليس معها سواها.
وتأمل يا أخي لو يقع التجلي في رتبة التقييد ، كان التحلي في رتبة الإطلاق كما كان قبل حلق الخلق المشار إليه ب «كان الله ولا شيء معه» من كان معه حتى بتلقي عنه شرائع، ومن كان هناك يعمل بما أو لا يعمل من أهل القبضتين.
وأنشدوا:
قد كان ربك موجودا ولا معه     …. شيء سواه ولا ماض ولا ات
فلما خلق الله تعالى الخلق وتجلى في رتبة التقيد التي هي كناية على المرآة المنطبع فيها صور الموجودات أجمع وسمي لنا نفسه بالأسماء الطالبة لأهل حضراتها.
ولا بد لك أيضا من إثبات من تحكم فيه حضرات الأسماء الإلهية: ?ـ المعز، والمنتقم، والغفور، فإن أثر هذه الأسماء في حق الحق محال .
فقد بان لك أنه تعالى من حين أظهر الخلق ما تجلى لهم قط في رتبة الإطلاق؛ لأن هذه الرتبة تنفي بذاتها وجود غيرها معها، وما تجلى بعد إظهار هم إلا في رتبة التقييد.
ومن لازم شهود أهل العقول أنفسهم معه التحييز والتحديد والحصر؛ إذ المقيد لا يشهد إلا مقيدا، وأما الإطلاق فإنما يعلم فقط بالإعلام الإلهي لا بالعقل.
ولذلك قررنا غير ما مرة أن أعلى مشاهدة العبد أن يرى إطلاق الحق تعالى وتقييد الكون، فهذا إذا حقيقة وحدته تقيدا.
فإن أصل التقييد وسيبه إنما هو التمييز ، حتى لا تختلط الحقائق، وقد صار الحق تعالى في قلب هذا الشاهد مقيدا بالإطلاق؛ لأن الإطلاق بلا مقابل لا يعقل، ولو كان التجلي في كل صورة في العالم.
وبلغنا عن الشيخ محيي الدين ابن العربي رحمه الله : 
أنه كان يقول بإدراك نجلى الإطلاق ذوقا، وهذا لا يصح إلا عند من يقول أن الحق تعالى يقبل حكم كل ممكن من حيث أنه عين الوجود.
بل ولو قيل بذلك لا يتخلص له إلا عند فنائه، لا في حال بقائه مع الحق، وحينئذ فما رأى إطلاق الحق إلا الحق، فافهم.
وإياك والغلط؛ فإنه لا حلول ولا اتحاد ولا يلحق عبد رتبة ربه أبدا، ولو صار الحق تعالی سمعه وبصره وجميع قواه فإن الحق تعالى قد أثبت عين العبد معه بالضمير في قوله في الحديث القدسي: «كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به»، إلى أخر النسق.
فإن قيل: إن كلام الحق تعالى قديم، وقد قال الله تعالى"هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش" [الحديد: 4].
وهذا يشعر بأنا معه في الأزل، كما يقول بذلك الفلاسفة.
قلنا: التحقيق أن العالم كله قدم في العلم الإلهي حادث في الظهور .
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «كان الله ولا شيء معه»،
وأجمع المحققون على أن المراد بـ (كان) الوجود، لا أنها على صورة (كان) التي هي من الأفعال الماضية، فهو حرف وجودي، لا فعل يطلب الزمان، كما يتوهمه بعضهم.
حتى أنهم أدرجوا في الحديث: (وهو الآن على ما عليه كان لتخيلهم أن تصريفها كتصريف الأفعال.
 ?ان ويكون وكائن ومكون، فمعنى الحديث: الله موجود ولا شيء معه في حضرة ذاته: أي ما ثم من وجوده واجب لذاته، إلا هو وحده. ""
فلمّا كان الإنسان على الصورة اقتضى أن يكون سريع التغيير كثير الخواطر، فلا يزال يتقلب في كل نفس لو ظهرت لرأيت عجبا لكونه على صورة الأصل .
و هو كل يوم هو في شأن، فمن المحال ثبوت العالم زمانين على حالة واحدة، فلا يزال يتقلب في كل آن، يسمّي الخواطر بحكم الأصل الذي كل يوم هو في شأن، فأصل التغيير من تغيير الأصل الذي يمدّه، و ذلك لما علمنا أنه الدهر، و أن صفة الدهر الحول القلب .

و في الحديث الصحيح : "إنه تعالى يتحوّل في الصور فيعرف و ينكر". ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب والمباركفوري في التحفة.
قال الشيخ رضي الله عنه: لما رأيت اختلاف عيني و لم يستقر لي أصل، فطلبت الإقالة من وجودي . 
فقال: أما ترضى أن تكون مثلي و ليس كمثله شيء، انتهى كلامه .
فأثر الانتقالات في الأحوال من أثر كونه تعالى كل يوم هو في شأن .

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه: و لا يشهدها كشفا إلا أصحاب الأحوال، و لا يشهدها حالا إلا أهل السياحات، و لا يشهدها علما إلا القائلون بتحدد الأعراض في كل زمان و هم طائفة من أهل الكلام القائلون بأن الأعراض لا تبقي زمانين، فافهم .
( فيما ينسب إليه تعالى من كل شي ء ): أي فيما يجوز أن ينسب إليه إمّا في أول الأمر كالاسم فإن له الأسماء، و إمّا ثانيا  كالصفة فإن له بعد نسبتها إلينا .
فلهذا قال رضي الله عنه: (من اسم )، قال الله تعالى: "لهُ الْأسْماءُ الحُسْنى يسبِّحُ لهُ ما في السّماواتِ والْأرضِ و هُو العزيزُ الحكِيمُ" [ الحشر: 24] أثبت لنفسه الأسماء .

قال رضي الله عنه في الباب الثامن و الثلاثين و ثلاثمائة من "الفتوحات": 
أعلم الخلق بالله صلى الله عليه و سلم من هذا المقام : "لا أحصي ثناء عليك". الحديث لأن الثناء بالأسماء و أسماؤه الحسنى لا تحصى، فالثناء عليه لا يحصى، و الألسنة تكلّ فيها و تعيي .
وأمّا الثناء من حيث التسبيح تنحصر، و تحصى، و لا تكلّ به الألسنة و لا تعني لأنه نفي عن كل وصف لا إثبات فيه .
( و صفة) و هي من النسب التي لا يجوز أن ينسب إليه تعالى في أول الأمر، بل تنسب إليه بعد نسبة ذلك إلينا .
قال الله تعالى: "سُبْحان ربِّك رب العِزِّة عمّا يصِفُون" [ الصافات: 180] أطلق و لم يقيد بصفة دون صفة، و العزة المنع من الوصول إليه  شيء من الثناء عليه .
قال الإمام الغزالي رحمه الله في بعض تصانيفه إشارة إلى هذا المقام .
والمعنى: إن الناس ينزهونه عن نقائض الصفات، و أنا أنزهه عن كمالها .
أما ترى أن بعض العلماء تنبهوا لهذا المعنى، و إن لم يلم مرضى علماء الرسوم و لكن هو حق من وجه، و ذلك أنهم لما رأوا أن المشاركة بين الحق و الخلق ما يصح حتى في إطلاق الألفاظ عليه .
فإذا قيل لهم: إنه موجود.
قالوا: ليس بمعدوم.
و إذا قيل: إنه عالم.
قالوا: ليس بجاهل .
و هكذا جمع الصفات الثبوتية، فإن الحادث موصوف به و لا مشاركة، فافهم .

قال رضي الله عنه في حضرة الحضرات من "الفتوحات":
فإن الأصل التعري و التنزيه و التبري عن الصفات مطلقا و لا سيما في الله .
إذا كان أبو يزيد رضي الله عنه يقول: لا صفة لي فالحق أولى أن يطلق عن التقييد بالصفات لغنائه عن العالم لأن الصفات إنما تطلب الأكوان، فلو كان في الحق ما يطلب العالم لم يصح كونه غنيا عمّا هو طالب، فافهم .

و ذكر رضي الله عنه في الباب الثامن و الثلاثين و ثلاثمائة من "الفتوحات" : 
فانظر حكمة الله تعالى في كونه لم يحصل له صفة في كتبه، بل نزه نفسه عن الوصف .
فقال: "وللّهِ الْأسْماءُ الحُسْنى" [ الأعراف: 180] فجعلها اسما، ولم يجعلها نعوتا وصفاتا ولكن هي لنا نعوت و صفات يثني علينا بها .
قال تعالى: "بالمُؤْمِنين رؤُفٌ رحِيمٌ" [ التوبة: 128] و أذن لنا بالتخلق في الأسماء الحسنى و هو عين ما قلنا، ثم أثنينا به عليه لأنه حميد و له عواقب الثناء، فأثنى الله على نفسه بها .
و قال : "إن الكبرياء ردائي" .وهي صفة عبده و هو رداؤه، فإنه من منزل ثناء الحق على نفسه بغناه عن خلقه بخلقه، فافهم .
إن هذا عين ما سيقوله رضي الله عنه في المتن بعد سطرين .

و هو قوله: فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف، و هكذا الأمر لما كان استناد المستند إلى المستند لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من الأسماء.
و هو التخلق بأخلاق الله تعالى و إحصاء الأسماء الحسنى، و فيما لا ينسب إليه كالصفات لأنه تعالى جمع له التقييد و الإطلاق، كما جمع لنفسه بين التنزيه و التشبيه، فقال تعالى: "ليس كمِثلهِ شيْءٌ" [ الشورى: 12] .
و من هذا المقام قال أبو يزيد قدّس سره لما قيل له كيف أصبحت؟
فقال: لا صباح لي و لا مساء، إنما الصباح و المساء لمن تقيد بالصفة و أنا لا صفة لي، فوصف نفسه بعدم التقيد بالصفات، فإذا كانت الصفة قيدا لا يقبله العبد المقيد، فكيف تطلق على المطلق الحقيقي، و هو رضي الله عنه أشار بهذا إلى التجرد الحقيقي، فافهم . 
( غير الوجوب الذاتي) ما استفاده من أحد فإنه وصف ذاتي لا يفارقه أبدا . 

قال رضي الله عنه في الفتوحات الباب التاسع و الستين و ثلاثمائة: 
إن كل حكم في العالم لا بد أن يستند إلى نعت إلهيّ، إلا النعت الذاتي التي يستحقه الحق الذاتي و به كان غنيا، و النعت للعالم بالاستحقاق و به كان فقيرا، بل عبدا . 
و من هذا الذوق قيل: الفقير لا يحتاج فافهم، فإن المحل ما يحتمل البسط فإن ذلك: أي اقتضاؤه لذاته لا يصح في الحادث، و إن كان واجب الوجود: أي من كونه حادثا لا يصح له هذا، و إن كان يصح له وجوب الوجود من وجه آخر . 
( و لكن وجوبه بغيره لا بنفسه ): أي من حيث أنه حادث بخلاف ما نحن بصدد بيانه، فإنه من اقتضاء ذاتي من الوجه الحق، فهو واجب بوجوبه لإيجابه، فإن الذاتيات لا تفارق الذات بوجه من الوجوه و إلا يلزم خلاف المفروض، فافهم . 
قال رضي الله عنه في "الفتوحات" في الاسم الحق
إن للحق وجوب الوجود بنفسه، و للخلق وجوب الوجود لا أقول بغيره، فإن الغير ما له عين و إن كان له حكم كالنسب لا عين لها و لها الحكم . 
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثانية والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالخميس أبريل 04, 2019 12:48 pm

الفقرة الثانية والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثانية والعشرون :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه. فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.)
(ثم لنعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره)، أي ظهور واجب الوجود لذاته الذي هو الحق تعالى لنا (بصورته) التي هي مجموع صفاته وأسمائه كما ذكرنا لا بذاته العارية عن جميع ذلك من حيث الغيب المطلق.
فإن الظهور لا يكون إلا باسمه الظاهر كما أن البطون باسمه الباطن .
وذاته من حيث هي غنية عن الظهور والبطون لأنهما من الأوصاف والأسماء هي الحضرة البرزخية الفارقة بين الطالب والمطلوب كما ذكرنا .
ثم إن صورته تعالى المذكورة التي ظهر بها من حيث حضرة الطالب ظهرت له أيضا من حيث حضرة المطلوب.
فكانت هي هذا الإنسان الحادث كما مر، فكان الإنسان الحادث على صورة الحق تعالى من أنه هو المطلوب، والمطلوب على صورة الطالب.
لأنه هو الطالب والذات واحدة ، لكنها الما اقتضت حضورها عندها انقسمت إلى طالب ومطلوب كما بيناه فيما مر.
(أحالنا) الحق (تعالى في العلم به على النظر في) هذا الإنسان (الحادث) الكبير الذي هو مجموع العالم كله .
حيث قال تعالى: "قل انظروا ماذا في السموات والأرض" 101 سورة يونس.
وقال: " أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)" النحل .
وفي هذا الإنسان الحادث الصغير الذي هو ابن آدم
قال تعالى: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون " 21 سورة الذاريات.
(وذكر) تعالى في القرآن العظيم (أنه أرانا آیاته)، أي علاماته المظهرة له (فيه)، أي في هذا الإنسان الكبير والصغير حيث قال تعالى :
" سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)" سورة فصلت. وقد أرانا ذلك بفضله ومنه، وتبين لنا.
وقال تعالى في غيرنا : " مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) " سورة الكهف.
(فاستدللنا)، أي أقمنا الدليل (بنا)، أي بأنفسنا (عليه تعالی)، كما قال سبحانه : "من اهتدى" ، أي وصل إلينا "فإنما يهتدى لنفسه" ، أي يصل إليها .
"ومن ضل فإنما يضل عليها" 15 سورة الإسراء.أي على نفسه فلا يهتدي إليها .
وقال النبي عليه السلام : "من عرف نفسه فقد عرف ربه".

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه. فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.)
(ثم ليعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره) أي الحادث (بصورته) أي بصفة الحق (احالنا تعالى في العلم به) أي بالحق (على النظر) أي على طريق الاستدلال(في الحادث) من الآفاق والأنفس لامتناع العلم به إلا بالنظر إليه.
(وذكر أنه أرانا آياته) وهي آثار أسمائه وصفاته (فيه) أي في الحادث فكان الاستدلال واجبا علينا بالأمر الإلهي فأطعنا أمره لتحصیل معرفه (فاستدلنا) استدلالا من الأثر إلى المؤثر (بنا) بسبب نظرنا فينا (عليه) أي على الحق فحينئذ لا بد لنا أن نحكم عليه بوصف على ما يقتضيه طريق الاستدلال قوله عليه يتعلق بالاستدلال.
(فما وصفناه) أي فما حكمنا عليه (بوصف) من الأوصاف (إلا كنا نحن) وجدنا فينا ووصفنا أنفسنا.
(ذلك الوصف إلا الوجوب الذاتي الخاص) بالحق فإنه لا يوجد فينا ولا نومف أنفسنا به فإذا استدللنا عليه على هذا الطريق علمناه بنا وما.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه. فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.)
قلت: هو، رضي الله عنه، قد قصد التوطئة لأن يجعل صفات الخليفة هي صفات المستخلف ليرد الأمر كله إلى عين واحدة هي وجوده تعالى وكأنه استشهد بقوله تعالی: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" (فصلت: 53).
ثم ستر ذلك بذكر الوجوب الخاص الذاتي وهذه مصانعة منه، رضي الله عنه، للمحجوبين حتى لا ينفروا من قوله: "نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا"
وزاد ذلك بيانا بقوله: "فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا هو شهد نفسه".
ولا سيما قوله: "ولا بد من فارق".
ثم قال: وليس إلا افتقارنا إليه. وبالجملة فهذا كله مبني على أن الوجود واحد والأعيان متمايزة وتسميها الأعيان الثابتة.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه. فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.)
يعني رضي الله عنه :
لمّا قرّر أنّ الخليفة ظاهر بصورة المستخلف فيما استنابه فيه ، ونسبه إليه ، وملَّكه إيّاه ، لا جرم أنّه تعالى أحاله في العلم به على النظر في الحادث في كل ما نسب إليه من صورة على صورة القديم.
فإذا عرفنا المخلوق على الصورة بنسبه ولوازمه الثبوتية كماليّها وغير كماليّها استدللنا بكمالاتنا الثبوتية التي أعطانا الكامل بالذات على ثبوت الكمالات له على الوجه الأكمل .
واستدللنا أيضا بنقائصنا ونسبنا غير الكمالية على أنّها منتفية عن موجدنا وثابتة له نقائض تلك
النقائص من الكمالات ، وفي الحقيقة ما وصفناه بوصف إلَّا كنّا نحن ذلك الوصف .
والتحقيق يقتضي أنّه ليس لنا من الأمر شيء ، بل كل ما لنا فمنه ، كما قال : "وَما بِكُمْ من نِعْمَةٍ فَمِنَ الله " فما وصفناه بنا إلَّا من حيث كوننا به فيه منه له.
يعني رضي الله عنه : من حيث إنّ نسبة نسبة الشيء نسبة لذلك الشيء ولازم لازمه بالوسط .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه. فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.)
معناه لما ظهر الحادث بصورته أحالنا في معرفته على النظر في الحادث
فقال :" سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّه الْحَقُّ ".
- فبسبب ما أحالنا استدللنا بنا عليه أي طلبنا الدليل بأنفسنا عليه ، فما وصفناه بوصف إلا وجدنا ذلك الوصف فينا إذ لو لم يكن فينا ولم نتصف به لم يمكنا أن نصفه به .
وهو معنى قوله إلا كنا نحن ذلك الوصف أي لو لم نكن نحن ذلك الوصف لم نصف به إلا الوجوب الذاتي .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه. فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.)
وقوله: (ثم ليعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته) أي، ظهور هذا الحادث، وهو الإنسان الكامل، بصورة الحق.
وضمير "أنه" للشأن. و"من" بيان "ما".
وقوله: (أحالنا تعالى في العلم به) أي بالحق.
وقوله: (على النظر في الحادثات) بقول نبيه، صلى الله عليه وسلم: "من عرف نفسه فقد عرف ربه.".
وقوله: (وذكر أنه أرانا آياته فيه) أي، في الحادث بقوله: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفيأنفسهم".
وقوله: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون."
وإنما قدم (إراءة الآيات في الآفاق) لأنها تفصيل مرتبة الإنسان، وفي الوجود العيني مقدم عليه. وأيضا رؤية الآيات مفصلا في العالم الكبير للمحجوب أهون من رؤيتها في نفسه وإن كان بالعكس أهون للعارف
وقوله: (فاستدللنا بنا عليه) كالاستدلال من الأثر إلى المؤثر.
(فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف) أي، كنا نحن متصفا بذلك الوصف.
ولما كانت الصفات الحقيقية عين هذه الأعيان الحادثة، على ما قررنا من أنالذات مع صفة تصير اسما وعينا ثابتة والعالم من حيث الكثرة ليس إلا مجموع الأعراض، وقوله: (كنا نحن ذلك الوصف) وفي بعض النسخ: (إلا كنا ذلك الوصف).
وقوله: (إلا الوجوب الذاتي الخاص) أي بالحق.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه. فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.)
(ثم) أي: بعد العلم بالارتباط بين الحق والخلق من الجانبين أعني: افتقار الحادث إلى المحدث، وظهور المحدث بصورته المعنوية في الحادث؛ (ليعلم أنه لما كان الأمر) أي: أمر الارتباط من جانب الحق (علی ما قلناه من ظهوره) أي: الحق (بصورته المعنوية في الحادث.
(أحالنا تعالى في العلم به) أي: بذاته وصفاته (على النظر في الحادث)، فإنه يدل بذاته من حيث افتقاره إلى الواجب على ذات الواجب، وعلى صفاته التي بها تعلقه بالعالم.
ويدل أيضا بصفاته بحيث إنها مظاهر صفات الحق على صفاته كما دل بوجوده من حيث صورة وجوده الحق على وجوده، وذلك أنه (ذكر) في كتابه الكريم (أنه أرانا آیاته)أي: دلائل ذاته وصفاته (فيه) أي: في الحادث حيث قال: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم" [فصلت: 53].
(فاستند بنا) أي: بذواتنا وصفاتنا من حيث حدوثنا، وكوننا على صورته (عليه) أي: على كل واحد من ذاته وصفاته، (وما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف) أي: مظاهره (إلا الوجوب الذاتي) فإنا وإن وصفنا الحق به فلسنا مظاهره لكونه الوصف (الخاص بالحق، وإن علمنا اختصاصه به من افتقارنا إليه مع استحالة التسلسل اللازم على تقدير عدم كونه واجبا بالذات.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه. فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.)
فقال رضي الله عنه : ( ثمّ لتعلم أنّه لمّا كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته ) أي ظهور الحادث بصورة الواجب ( أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث ) نظر تدبّر وتفكَّر ( وذكر أنّه أرانا آياته فيه ) آفاقا وأنفسا ( فاستدللنا بنا عليه ) استدلال شهود وتيقّن ، ( فما وصفناه بوصف إلَّا كنّا نحن ذلك الوصف بعينه ، ضرورة أنّ الأوصاف الكليّة موجودة بوجود الحوادث الجزئيّة - كما سبق بيانه (إلَّا الوجوب الخاص الذاتي) لما عرفت أنّه ليس للممكن فيه حظَّ أصلا .
ثمّ هاهنا دقيقة لا بدّ لمستكشفي رموز الكتاب من الوقوف عليها ، وهي أنّ من امّهات الأوصاف المشتركة بين الواجب والحادث - الظاهر بصورته الذي هو مثله السمع والبصر، لقوله تعالى : "لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ". 
فلذلك بعد تحقيق معنى المثليّة أشار إلى ذينك الوصفين على طريق الاستدلال كما هو مسلك هذا الفصّ


شرح الفصوص الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه. فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.)
قوله : "ثم لنعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث و ذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه. "
ولما فرغ من بیان ?رن الحادث على صورته شرع في بيان ما يتفرع عليه من إحالة الحق إبانا في معرفته على النظر في الحادث.
فقال : (ثم لنعلم أنه) الضمير للشأن (لما كان الأمر)، أي الشأن (علی ما قلناه من ظهوره) بيان لما أي ظهوره الحادث (بصورته).
أي الحق سبحانه (احالنا) الحق (تعالى في العلم به)، أي بالحق (على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آیاته) الدالة عليه ذات وصفة (فيه).
أي في الحادث ليستدل به تعالى كما قال تعالى : "سنيرهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم "آيه 53 سورة فصلت .
(فاستدللنا بنا)، أي بأنفسنا والنظر فيها كما قال تعالى: " وفي أنفسكم أفلا تبصرون " آية 21 سورة الذاريات. "عليه تعالی"
قوله : "فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي. "
"فما وصفناه" تعالى (بوصف) وما عرفناه به "إلا كنا عن ذلك الوصف"، أي متصفين بذلك الوصف أو عينه بناء على ما سبق من أن كل موجود عبارة عن مجموع أعراض اجتمعت في عين واحدة.
وفي بعض النسخ إلا كنا نحن ذلك الوصف ومعناه ظاهر (إلا الوجود الذاتي الخاص) لا العام الذي يعم الوجوب الذاتي والوجوب بالغير فإنه يتصف به الحادث أيضا.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثانية والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالخميس أبريل 04, 2019 12:49 pm

الفقرة الثانية والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثانية والعشرون :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه. فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.)
قال المصنف رضي الله عنه : [ثم ليعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث و ذكر أنه تعالى أرانا آياته  فيه] .

قال الشارح رحمه الله :
( ثم لتعلم) لما ذكر رضي الله عنه الرابطة التي هي من المناسبة الصورية، و أي مناسبة أعلى و أتم أن يكون على الصورة، فأراد أن يذكر لوازمها . 
( إنه لما كان الأمر على ما قلنا من  ظهوره بصورته) أما ترى الحق تعالى ما تسمّى باسم، و لا وصف نفسه بوصف إلا و الخلق يتصف بهما بحسب ما تعطيه حقيقة الموصوف .
و إنما تقدّمت في الحق بالوجود، و تأخّرت في الخلق لتأخره فيه، فيقال في الحق: إنه ذات توصف بأنه حي عالم قادر، و يقال في العالم: إنه حي عالم قادر بلا خلاف من أحد، و العلم و الحياة و القدرة على حقيقة في العقل .
( أحالنا الله تعالى في العلم به على النظر في الحادث) آخر علمنا به عن علمنا بالحوادث لنعلم أن علمنا بالحوادث أصل للعلم بالأصل، فافهم .
أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم : "من عرف نفسه فقد عرف ربه". 
فيه إشارة خفية إلى ذلك و هو لب المعارف الإلهية، حيث جعل الأصل فرعا و الفرع أصلا، فافهم و لا يمكنني إظهاره أكثر من هذا .
قال صلى الله عليه و سلم : "أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه". 
فجعلك دليلا عليه، و جعل معرفتك بك دليلا على معرفتك به إمّا بطريق وصفك بما وصف به نفسه، و إمّا بطريق الافتقار الذي أتت عليه في وجودك، و إمّا بالأمرين لا بد من ذلك، فافهم .

قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب الخامس و السبعين و ثلاثمائة:
و قد ذكرت هذه المسألة في محل آخر، و لكن أذكرها هنا بضرورة داعية إليها، و هي أن الأصل التقييد لا الإطلاق في محل، فإن الوجود مقيد بالضرورة .
و لذلك كل ما دخل في الوجود مثناة، فالإطلاق الصحيح إنما يرجع لمن في قوته أن يتقيد بكل صورة، و لا يطرأ عليه ضرورة من ذلك التقييد، و ليس هذا إلا لمن تحقق بالمداراة .
و الله يقول: "وهُو معكُمْ أين ما كُنْتُمْ " [ الحديد: 4]، و هو أشرف الحالات لمن عرف ميزانها، و هو واحد فرد، و أين ذلك الواحد الفرد؟ فافهم، انتهى كلامه رضي الله عنه .
ورد في الحديث : "بعثت لمداراة الناس"رواه البيهقي عن جابر رضي الله عنه .
و فيه إشارة إلى ما ذكرناه من المداراة، فلمّا أحالنا في العلم به تعالى على النظر في الحادث، فعلمنا أنا مطلوبون له لا لأنفسنا و أعياننا لأن الدليل مطلوب للمدلول لا لنفسه، و لهذا لا يجتمع الدليل و المدلول أبدا، فلا يجتمع الحق و الخلق أبدا في وجه من الوجوه إذا جاء الحق زهق الباطل، فالعبد عبد لنفسه، و الرب ربّ لنفسه، فالموجود موجود، و المعدوم معدوم .

و ذكر أنه أرانا آياته فيه: أي في الحادث، و هو قوله تعالى: "سنريهِمْ آياتنا فِي الْآفاقِ وفي أنْـفُسِهِمْ حتّى يتبيّن لهُمْ أنّهُ الحق أو لمْ يكْفِ بربِّك أنّهُ على كُل شيْءٍ شهِيدٌ" [ فصلت: 53]، 
فأحالنا على الآفاق وهو ما خرج عنا من الحوادث وعلى أنفسنا، وهو ما نحن عليه وبه من حيث الحدوث .
قال تعالى: "وفي أنْـفُسِكُمْ أفلا تُـبْصِرُون" [ الذاريات: 21]، فإذا وقفنا، وعثرنا على الأمرين معا حينئذ عرفناه، فتبين لنا أنه الحق .
قال صاحب ذوق :
في كلّ شيء له آية    .....   تدلّ على أنه واحد
و العارف يقول في هذا المقام: ففي كل شيء لذاته تدل على أنه عينه، و لكن دلالة الأمرين: أي الآفاق والأنفس مجموعا أتم و أعلى لحكمة سيظهرها لك إن شاء الله تعالى .
و هي: أنا إذا نظرنا في نفوسنا ابتداء لم نعلم هي يعطي النظر فيها ما يعطي النظر في الآفاق علما بالله أم لا يعطيه نفوسنا، فإذا نظرنا في نفوسنا حصل لنا من العلم به ما يحصل للناظر في الآفاق، فإذا نظرنا جميعا ظهرت لنا حقيقة الأمر بلا مراء و شك، فافهم .
و أما الشارع صلى الله عليه و سلم فلما علم أن النفس جامعة لحقائق العلم فإنها مختصّة و منتخبة منه فجمعك عليك حرصا منه على كمال أمته كما شهد الله تعالى .
فقال تعالى: "حريصٌ عليْكُمْ" [ التوبة: 128] حتى تقرب الدلالة فتقول معجلا بالعلم بالله، فتستعد لمعرفته بك .
فقال صلى الله عليه و سلم : "من عرف نفسه فقد عرف ربه وأعرفكم بنفسه أعرفكم بربه".
فإنه عليه السلام أحالك على نفسك لما علم أنك ستكون من المتبعين المحبين المحبوبين فيكون الحق قوّاك، فتعلمه به لا بك .
وهذا السوق من ذوق قوله صلى الله عليه وسلم : "لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الخبر عني، فيقول: اتل عليّ به قرآنا إنه والله بمثل القرآن وأكثر" .

ذكره رضي الله عنه في باب تاسع عشر و خمسمائة من الفتوحات :
و قال رضي الله عنه: أو أكثر في رفع المنزلة، و في رواية: "أيحسب أحدكم متكئا على أريكته أن الله تعالى لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن إلا و أني و الله قد أمرت و وعظت و نهيت عن أشياء إنها كمثل القرآن أو أكثر"  الحديث رواه أبو داود، و البيهقي عن العرباض بن سارية رضي الله عنه .
و أما الحق تعالى فذكر الآفاق حذرا عليك ما ذكرناه أنه قد بقي في الآفاق ما يعطي من العلم باللّه ما لا تعطيه نفسك، فأحالك على الآفاق .
فإذا عرفت عين الدلالة منه على الله تعالى ثم نظرت في نفسك من العلم بالله فلم يبق لك شبهة تدخل عليك فتطابق الأصلين، و تقرأ الكتابين فلا يخرج  شيء من البين، فافهم .

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ فاستدللنا بنا عليه فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الذاتي الخاص،]
قال الشارح رحمه الله :
و ليس إلا افتقارنا إليه في الوجود و توقف وجودنا عليه لإمكاننا و غناه عن مثل ما افتقرنا إليه .
فاستدللنا بنا عليه، قال الله تعالى: "وفي أنْـفُسِكُمْ أ فلا تُـبْصِرُون" [ الذاريات : . [21
و قال صلى الله عليه و سلم : "من عرف نفسه فقد عرف ربه".
فاستدللنا بأنفسنا عليه فإنه ما ظهر إلا بنا، و ما بطن إلا بنا، و ما صحّت الأولية إلا بنا، و ما ثبتت الآخرية إلا بنا، فإنا كل شيء وهو بنا عليم.
ذكره رضي الله عنه في الخزائن من "الفتوحات".
إن من أعجب العجاب أن بالإنسان استتر الأمر فلم يشهدوا وبالإنسان ظهر حتى عرف فجمع الإنسان بين حجاب وظهور، فهو المظهر الساتر المعروف المتنكّر.
قال الشيخ عبد الله الأنصاري قدّس سره في بعض مناجاته: إلهي ما فعلت في أوليائك كل من طلبهم وجدك، و من لم يركما عرفهم صيرتني مرآة من يبغيك، من يراني يراك و أرباب الحجاب .
قلت فيهم: "وتراهُمْ ينْظرُون إليْك وهُمْ لا يـبْصِرُون" [ الأعراف: 198] انتهى كلامه قدّس سره.
قال رضي الله عنه: إن أصل وجود العلم بالله العلم بالنفس، فالعلم بالله حكم العلم بالنفس الذي هو أصله، و العلم بالنفس بحر لا ساحل له عند العلماء بالنفس، فلا يتناهى العلم بالله .
أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم : "من عرف نفسه فقد عرف ربه" .
إمّا أحال المحال على المحال، و إمّا حقق أنه من عرف الأصل فقد عرف الفرع و هما محتملان من محتملات معاني كلمة جوامع الكلم، فافهم هذا الذي أحلناه يعطيك استعداد الكشف الإلهي .
قال رضي الله عنه: ذهب بعض أصحاب الأفكار إلى أن العلم بالله أصل في العلم بالنفس و لا يصح ذلك أبدا في علم الحق خاصة و هو مقدم، و أصل بالمرتبة لا بالوجود فإنه بالوجود عين علمه بنفسه عين بالعالم إلا بأمر زائد، و إن كان بالرتبة أصل فما هو بالوجود .
كما يقول صاحب النظر العقلي في تقدم العلة على المعلول: إذا تساويا في الوجود كحركة اليد و حركة المفتاح، فمعلوم أن رتبة العلة مقدّم على رتبة المعلول عقلا لا وجودا.

و كذلك المتضايفان من حيث ما هما متضايفان و هو أتم فيما يزيد فإن  كل واحد منهما علة و معلول لمن قامت به الإضافة، فكل واحد علة لمن هو له معلول، و معلول لمن هو له علة، و من حيث أعيانهما لا علة و لا معلول، فافهم .
( فما وصفناه بوصف) و إنما قال رضي الله عنه: بوصف، و ما قال: بصفة للنكتة التي قد ذكرناها سابقا و هي: إن الصفة يعقل منها أمر زائد و عين زائدة، و الوصف ليس كذلك بل هو نسبة خاصة لا عين لها هكذا ذكره رضي الله عنه في »الفتوحات« .
( إلا كنا نحن ذلك الوصف) لأن ذواتنا أوصاف قائمة على عين واحدة .
قال تعالى إشارة إلى ذلك المقام: "هُمْ درجاتٌ عِنْد اللّهِ" [ آل عمران: 163]
و لم يقل: لهم درجات، فجعلهم أعيان الدرجات لأنهم كلمات الكمالات الذاتية و اعيانها .
قال رضي الله عنه: إني رأيت الشيخ أبا أحمد قدّس سره بمرسيه، و سأله إنسان عن اسم الله الأعظم، فرماه بحصاة يشير إليه أنك اسم الله الأعظم.
فإذا رأيت المدّعي يثني على الله بأسمائه التنزيهية و التشبيهية و لا شاهدها و لا حسّ آثار الحق فيه، و من عمي عن نفسه التي هي أقرب إليه، فهو عن غيره أعمى و أضل سبيلا فافهم.
ذكره رضي الله عنه في الباب الثامن و الثلاثين و مائتين من "الفتوحات" .

( إلا الوجوب الخاص الذاتي) لا العام الشامل للوجوب بالصبر، فإنه يتصف الحادث و الصفات فإنه ما  وصفنا به و ما كنا بذلك لأنه ذاتي و للكون و الجعل ليس فيه محال.
فافهم هذا المبهم حتى تفرق بين اليهم و المبهم، أظهر و أخفى، عرا و كسا، حسبنا الله و كفى كما هو عادة الأمناء الأدباء يفهمه من يفهمه، و يجهله من يجهله .
لأننا من حيث عياننا ما نظهر بهذا الوصف، فإنه وصف خاص ذاتي للقديم الذي له الغناء الذاتي و الممكن في كل حال عدمه و وجوده.
مفتقر محتاج احتياج الفرع إلى الأصل، أصل الوجود مرة و افتقار استمراره أخرى، فلا يزال فقيرا محتاجا في حال عدمه و وجوده، بل الإمكان حكم وهمي لا معقول لا في الإلهيات، و لا في المسمّى ممكنا فإنه لا يعقل هذا المسمى أبدا ألا من حجاب حالة اختيار لا يعقل إلا و لا ترجيح .
و هذا غير واقع عقلا لكن يقع وهما و الوهم حكم عدمي فما ثم إلا واجب بذاته و واجب به، فمشيئة الأشياء واحدة و إذا زال الإمكان زال الاختيار، و ما بقى سوى عين واحدة و ما عندها إلا أمر واحد في الأشياء كلمح البصر.
ذكر هذه المسألة في الباب الثامن و الستين و ثلاثمائة من "الفتوحات" فافهم .
فإني أردفت لك أصلا بعد أصل، أرداف رمز بعد رمز، و إشارة بعد إشارة و سوقنا في سوق البيان و على أرض العبارة ممهدة "لا ترى فيها عوجا و لا أمتا" حرجا "فارجع البصر هل ترى من تفاوت، ثم ارجع البصر كرتين هل ترى من فطور" فافهم .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثالثة والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالخميس أبريل 04, 2019 12:50 pm

الفقرة الثالثة والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثالثة والعشرون :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا. فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فما وصفناه تعالی بوصف) من الأوصاف مطلقا (إلا كنا نحن ذلك الوصف) الذي وصفنا الله تعالى به.
لأننا على صورته، فوصفنا له وصفنا لنا. والصورة واحدة غير أنها إذا نسبت إليه تعالی ?انت قديمة.
وإذا نسبت إلينا كانت حادثة. لأنها في نفسها هي تلك الأمور الكلية التي تقدم الكلام عليها.
وأنها واحدة لم تنفصل في ذاتها ولم تتعدد، ولكن لها حكم وارد عليها من جهة الأعيان الموجودة في الخارج فتتفصل وتتعدد باعتبار ذلك على حسب ما سبق بيانه (إلا الوجوب).
أي وجوب وجوده تعالى (الذاتي الخاص) به تعالى فلا حظ لنا فيه كما مر.
(فلما علمناه) تعالى (بنا)، أي بعلمنا بأنفسنا (ومنا)، أي علمنا به تعالی ناشئة منا (نسبنا إليه) تعالى (كل ما نسبناه إلينا) من الأوصاف والأفعال والقوى الباطنة والظاهرة والأعضاء والجوارح.
ولكن على حد ما يليق بحقيقته القديمة وذاته العظيمة، لا على حد ما هو ظاهر لنا من ذلك حسين وعقلا .
(وبذلك)، أي جميع ما هو منسوب إلينا من الوجود والحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام والحلم والغضب والرضى والرحمة والنقمة والرأفة واللطف والم?ر والاستهزاء والسخرية والضحك والفرح واليد والعين والأصابع والقدم والوجه.
وقد استقصينا ما أمكننا استقصائه من ذلك من كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم في كتاب سميناه «قلائد المرجان في عقائد الإيمان».
(وردت الأخبار الإلهية على ألسنة) جمع لسان (التراجم)، وهم الأنبياء والمرسلون صلوات الله تعالی علی نبینا وعليهم أجمعين.
(إلينا) من الله تعالى وذلك في الكتاب والسنة كما شرحناه في كتابنا المذكور .
(فوصف) الحق سبحانه وتعالى (نفسه لنا بنا)، فكنا نحن أوصافه وأسماؤه عندنا على حسب علمنا بنا لا حسب علمه بنفسه.
والوصف كلام الواصف، والفهم على قدر ما يناسب حال الموصوف له ونحن إنما تكونا وځلقنا بكلام الله تعالى كما يشير إليه الحديث القدسي.
قال تعالى : "عطائي ?لام و عذابی ?لام إنما أمري شيء إذا أردت أن أقول له : كن فيكون".
(فإذا شهدناه تعالى) إنما (شهدنا نفوسنا)، لأننا وصفه تعالی عندنا (وإذا شهدنا) هو جل وعلا فإنما (شهد نفسه) لأنه شهد وصفه الذي وصف به نفسه لنا، فشهودنا له على قدرنا.وشهوده له تعالى على قدره .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا. 
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
(فلما عملناه) بنا بسبب علمنا أنفسنا (نسبنا إليه) أي وصفناه لكل (ما نسبناه إلينا) من الأوصاف كالعلم والحياة والقدرة وغيرها لا النقائص إلا ما ينسبه الحق إلى نفسه .
(وبذلك) أي و بوصفنا الحق بكل ما نسبناه إلينا (وردت الإخبارات الإلهية) من الآيات والأحاديث النبوية (على ألسنة التراجم) وهي سنة الأنبياء عليهم السلام فوصف الحق نفسه أي ذاته بكل ما نسبناه إلينا في الإخبارات الإلهية (لنا) لأجل استدلالنا عليه .
فيكون قوله: (بنا) متعلقة بالاستدلال لقوله: (فاستدللنا) بنا عليه أو لأجل هدايتنا إلى طريق العلم والشهود.
فيكون قوله : بنا متعلقة بوصف فإنا خلقنا على صفة الله تعالى فكنا عبارة عنها في التحقيق .
فكان وصفه نفسه بصفة عين وصفه نفسه بنا أو معناه وصف بنفسه بنا أو بصفاتنا فإذا وصلنا بهذا الاستدلال إلى الحق شهدناه (فإذا شهدناه شهدنا فيه نفوسنا) لوجودنا فيه لكونه متصفا بنا وهو رؤية الحد في المحدود .
أو شهدنا نفوسنا في التحقيق لأشهدناه لأنه من حيث اتصافه بنا عین ذواتنا لا غيرنا.
وهو رؤية الحد متحدا بالمحدود .
يعني الشاهد والمشهود واحد في هذه المشاهدة وهو الاستدلال من الأثر إلى المؤثر ومشاهدة الأثر نفسه في المؤثر او لتستره عنا بنا فلا يقع نظرنا إلا علينا .
لا عليه (وإذا شهدنا الحق) بمشاهدتنا إياه (شهد فينا نفسه) .
لذلك قال : إني أشد شوقا إليه لأن هذه المشاهدة له لا نحصل بدون مشاهدتنا إياه لأنه فينا مظهره .
وهو رؤية المحدود في الحد أو شهد نفسه كما مر أو رؤية المحدود متحدة بالحد يعني لا اثنينية من هذا الوجه أيضا .
فانظر إلى المرآة كيف نجد فإنك إذا نظرت إليها وشهدت فيها صورتك فقد شهدت عينك فهو قوله.
وإذا شهدنا شهد نفسه وإذا شهدت صورتك ونظرت إليك فقد شهدت نفسك فهي عينك، وأنت عينها، فهو قوله : وإذا شهدناه شهدنا نفوسنا.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
وكأنه استشهد بقوله تعالی: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" (فصلت: 53).
ثم ستر ذلك بذكر الوجوب الخاص الذاتي وهذه مصانعة منه، رضي الله عنه، للمحجوبين حتى لا ينفروا من قوله: "نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا"
وزاد ذلك بيانا بقوله: "فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا هو شهد نفسه".
ولا سيما قوله: "ولا بد من فارق".
ثم قال: وليس إلا افتقارنا إليه. وبالجملة فهذا كله مبني على أن الوجود واحد والأعيان متمايزة وتسميها الأعيان الثابتة.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
قال رضي الله عنه : " ، فلمّا علمناه بنا ومنّا ، نسبنا إليه كلّ ما نسبناه إلينا " .
يعني رضي الله عنه : من حيث إنّ نسبة نسبة الشيء نسبة لذلك الشيء ولازم لازمه بالوسط .
قال رضي الله عنه : "وبذلك وردت الأخبار الإلهية على ألسنة التراجم إلينا ، فوصف نفسه لنا بنا  ، فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا ، وإذا شهدنا شهد نفسه".
قال العبد أيّده الله تعالى به : اعلم :
أنّ الله علم نفسه ذات نسب مستهلكة الأعيان في أحدية ذاته وهويّته المطلقة ، وأراد أو أحبّ أن يظهرها في الوجود العيني ، أو يظهر هويّتها فيها بحسبها ، وكانت متمايزة الأعيان في التعين بالعلم الذاتي كعلم الواحد العالم بأنّه ذو نسب ونسب نسب .
فلمّا تعلَّقت المشيّة بإظهار هذه النسب في الوجود ، تجلَّى الله الجواد الرحمن المحسن الوهّاب بإفاضة الوجود من ينبوع الجود ، فأوجدها في أعيانها لها في عرصة الشهود.
وبعد تحقّق هذه النسب الحقيقة ، إنّ الحقائق النسبية فما لها أن تدلّ على الحق المطلق ، أو نشهده إلَّا من خصوصها وبها ، قد ظهر الوجود فيها بحسبها .
فلولا أنّ في الوجود صلاحية الظهور في كل حقيقة أو نسبة منها بحسبها وعلى صورتها ، لما ظهر بذلك كذلك ، ويضاف إذ ذاك إلى الوجود الحق الظاهر في كل حقيقة منها على صورتها ما يضاف إلى تلك الصورة ، فافهم . إذا فهمت ، فهمت .
فاعلم أنّا نحن صور تلك النسب الذاتية والشؤون الغيبية ، اقتضانا بالذات من كونه إلها موصوفا بالموجدية ، منعوتا بالربوبية ، فلمّا وصف نفسه لنا بنا أعني بالنسب والأسماء والصفات التي نحن صورها وأحالنا في المعرفة والعلم به علينا بقوله الحق ، على لسان رسول الصدق :"من عرف نفسه فقد عرف ربّه ".
فعلمنا به أنفسنا ، وعلمنا من علمنا بنا علمنا به ، فما علمناه إلَّا بنا وما علمنا ما علمنا إلَّا به ، فما علمنا إلَّا إيّاه به منه فيه .
وما علمنا أنفسنا إلَّا فيه عينه ، فنحن فيه هو عينه ، وهو فينا نحن أعياننا ، لأنّا فيه شؤونه الذاتية ونسب نسب الإنّيّة الغيبية ، وهي الهوية العينية ، فإذا شهدنا فيه شهد نفسه .
وإذا شهدناه فيه أو فينا شهدنا أنفسنا ، فما نحن إلَّا وجودات تعيّنية وتجلَّيات وجوديّة ، نفسية ، ظاهرة بخصوصيات أعياننا وماهياتنا التي هي شؤونه الذاتية ونسبه أو نسب نسبه الغيبية الوحدانية ، فافهم .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
فقال :" سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّه الْحَقُّ ".
- فبسبب ما أحالنا استدللنا بنا عليه أي طلبنا الدليل بأنفسنا عليه ، فما وصفناه بوصف إلا وجدنا ذلك الوصف فينا إذ لو لم يكن فينا ولم نتصف به لم يمكنا أن نصفه به .
وهو معنى قوله إلا كنا نحن ذلك الوصف أي لو لم نكن نحن ذلك الوصف لم نصف به إلا الوجوب الذاتي .
فلما علمناه ومنا نسبناه إليه كل ما نسبناه إلينا كالحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والكلام وغير ذلك ، والتراجم هم الأنبياء عليهم السلام .
فإنهم أخبروا بهذا المعنى في قوله تعالى :"وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله ".
" وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى ".
" من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله ".
" إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ الله ".
- وفي الحديث « من عرف نفسه فقد عرف ربه » وأمثالها .
وهذا معنى قوله فوصف نفسه بنا فإذا شهدناه بوصف شهدنا نفوسنا بذلك الوصف ، إذ لو لم يكن ذلك الوصف فينا ما شهدناه به .
وإذا شهدنا بوصف شهد نفسه بذلك الوصف.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
وقوله: (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا) من الكمالات،لا النقائص، إلا ما نسبه الحق إلى نفسه منها.
وقوله: (وبذلك وردت الأخبار الإلهية) مثل: "إن الله خلق آدم على صورته." و "لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه"و "مرضت فلم تعدني".
وغير ذلك من "القرض" و "الاستهزاء" و "السخرية" و "الضحك"،
كقوله: "واقرضوا الله قرضا حسنا". و "الله يستهزء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون". و"سخر الله منهم". و "ضحك الله مما فعلتها البارحة".
وقوله: (على ألسنة التراجم) من الأنبياء والأولياء.
وقوله: (إلينا فوصف) أي الحق.
وقوله: (نفسه لنا بنا) أي بصفاتنا، لماكانت عائدة إلى عيننا الثابتة من وجه، كما مر، قال: (بنا).
وقوله: (فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا) لأن ذواتنا عين ذاته لا مغايرة بينهما إلا بالتعين والإطلاق.
أو شهدنا نفوسنا فيه لأنه مرآة ذواتنا.
وقوله: (و إذا شهدنا) أي الحق.
وقوله: (شهد نفسه) أي، ذاته التي تعينت وظهرت في صورتنا. أو شهد نفسه فينا لكوننا مرآة لذاته وصفاته.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
(فلما علمناه بنا) أي: بما ظهر فينا من صفاته القابلة للظهور فينا (ومنا) أي: وعلمنا بعض أوصافه كوجوبه الذاتي من افتقارنا للزوم التسلسل على تقدير عدمه (نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا) إما بطريق الحقيقة.
وذلك فيما يليق به مما لا ينافي الوجوب الذاتي كالحياة، والعلم، والإرادة، والقدرة والسمع والبصر، والكلام أو بطريق المجاز، إما بإرادة الغاية كالرضا والغضب، أو بوجه آخر ?الجوع والعطش والمرض، وغير ذلك مما وردت به الأخبار النبوية، كما قال: (وبذلك وردت الأخبار الإلهية على ألسنة التراجم إلينا)، وهم الأنبياء عليهم السلام، مثل: " مرضت فلم تعدني، و جعت فلم تطعمني، وعطشت فلم تسقني"، "الله يستهزئ بهم" [البقرة: 15] "سخر الله منهم" [التوبة: 79]، و"ضحك الله مما فعلنا البارحة"، "وأقروا الله قرضا حسنا" [الحديد: 18].
ولا حاجة إلى تأويلات من لا وقوف له على هذا المشرب مع بعدها.
وفي قوله: (إلينا) أي: الواصلة إلينا بإيصال الرسل إشارة إلى جواز إفشائها، وإن كانت شنيعة بحسب الظاهر، لكن يقال للعامة: إنها من المتشابهات التي يجب الإيمان بها، وتفويض تأويلها إلى الله تعالى، وإذا كانت الأخبار الإلهية واردة بذلك على السنة التراجم.
(فوصف) أي: بين الحق (نفسه لنا بنا) أي: بظهوره فينا بصور أسمائه، أو آثارها، أو ما يتعلق بها إذ لولا ذلك لم يكن للحادث أن يعرف القديم مع بعد ما بينهما من المناسبة، ولما ظهر فينا صرنا مرآته، ولما لم يكن لنا من الوجود سوى صورته الظاهرة في أعياننا، ولا ثبوت لها إلا في علمه.
فهو مرآتنا (فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا) بما فيها من جمعية أسراره؛ لأنه مرآتنا، (وإذا شهدنا) الحق (شهد نفسه) أي: صور أسمائه أو أثارها، أو ما يتعلق بها فينا؛ لأنا مرآته بعد ما كان يشهد نفسه في نفسه.
ثم أشار إلى أن الظاهر في الكل، وإن كان واحد فلا يلزم وحدة تلك الصور الظاهرة لذلك الواحد ولا اتفاقها.
بل يجوز تكثرها واختلافها بحسب تكثر المرايا واختلافها، وقدم لذلك التمثيل بالأمور المعقولة مع الموجودات العينية؛ ليتوسل بذلك إلى بيان افتراق صور ظهور الحق في أنفسها، وفيما بينها وبين الحق.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا. فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
بقوله رضي الله عنه : ( فلمّا علمناه بنا ) أي بوجودنا وحقائقنا ( ومنّا ) أي من أوصافنا ولواحق حقائقنا ( نسبنا إليه كلّ ما نسبناه إلينا ) ، ضرورة أنّ ذلك لو لم يكن مشتركا ما علم به .
ثمّ إنّ الواقفين في مواقف العقائد التقليديّة ، والعاكفين لدى الرسوم الوضعيّة والأصول الاصطلاحيّة إذ لم يتفطَّنوا لذلك الاستدلال ، قاصرين عن الوصول إلى طريقه الموصل إلى الحقّ ، جاهلين به وبحقيّته ، حائرين في ذلك ، أرشدهم إليه بأنّ هذا الاستدلال ليس ممّا اختلقه أهل الذوق ، إذ به نطق الزبر المنزلة السماويّة على قلوب القوابل لنا .
( وبذلك وردت الإخبارات الإلهيّة على ألسنة التراجم إلينا ) فإنّ تلك الألسنة هي صور وجوه العبيد المحدثين ( فوصف نفسه لنا بنا ) حيث تبيّن أنّا نحن عين أوصافه من العلم والحياة وما يتبعهما .
وقد ظهر من ذلك العين ما ورد في التنزيل : " سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وَفي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّه ُ الْحَقُّ ". " وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله ". و " من عرف نفسه فقد عرف ربه " .
( فإذا شهدناه ) في مواقف قرب النوافل ( شهدنا ) في مشاهد سمعنا وبصرنا بما ورد : « كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به » ( نفوسنا وإذا شهدنا ) في مواقف قرب الفرائض ( شهد نفسه ) في مشهد سمعه ، كما ورد : " سمع الله لمن حمده " .
وإذ قد انساق كلامه في الجهة الارتباطيّة بين الواجب والممكن إلى موطن الاتحاد المفصح عن صرف التشبيه ، لا بدّ أن يستردفه بما ينبئ عن التنزيه ، جمعا بينهما وأداء به عن التوحيد الذاتي حقّه ، على ما جرت عليه الكلمة الكماليّة الختميّة ، كما ستقف عليه.

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "فلما علمناه بنا و منا نَسَبْنَا إليه كل ما نسبناه إلينا."
(فلما علمناه بنا) باعتبار معنى الإلية أو السببية (ومنا) باعتبار معنى المنشئية (نسبنا إليه تعالي كلما نسبناه إلينا) من الأوصاف الكمالية لا ما فيه توهم نقص إلا ما نسبه الحق تعالى إلى نفسه كالمرض والقرض والاستهزاء والسخرية و غيرها
"و بذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا. "
(وبذلك)، أي بتوصيفه سبحانه كما نسبناه إلينا (وردت الأخبار الإلهية على ألسنة التراجم) من الأنبياء والأولياء وانتهت "إلينا".
"فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، و إذا شَهِدَنَا شهد نفسه. "
"فوصف" الحق سبحانه (نفسه لنا بنا)، أي بصفاتنا من أتا عين الأوصاف ،
(فإذا شهدناه تعالی) بصفاته (شهدنا نفوسنا)، لأن نفوسنا عين تلك الصفات ظهرت في مرتبة أخرى (وإذا شهدنا بالحق) سبحانه (شهد نفسه)، أي ذاته التي تعينت وظهرت بصورتنا.
وفي بعض النسخ: وإذا شهدنا نفوسنا شهدنا نفسه فكلاهما صحيح ثم اتساق كلامه رضي الله عنه في بيان جهة الارتباط بين الواجب والممكن إلى سائرهم الإيجاد.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثالثة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله Emptyالخميس أبريل 04, 2019 12:50 pm

الفقرة الثالثة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثالثة والعشرون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا. فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ فلمّا علمناه بنا و منا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا، و بذلك وردت الأخبار الإلهية على ألسنة التراجم إلينا، فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا و إذا شهدنا شهد نفسه .]

قال الشارح رحمة الله :
( فلما علمناه بنا ): أي بأنفسنا لأنه عيننا اعلم أولا أنه بالتحقيق الأتم و الكشف الأوسع الأعم أنه تعالى كما ترى يعلم، و  كيف لا؟
إن الله تعالى خلق المعرفة المحدّثة به لكمال مرتبة العرفان و مرتبة الوجود .
و قال تعالى: "وما خلقْتُ الجِنّ والِإنس إلّا ليعْبدُونِ" [ الذاريات: 56] .
قال الراسخ في العلم: أي إلا ليعرفون، و قال: أعلم الخلق بالله صلى الله عليه و سلم "من عرف نفسه فقد عرف ربه".
أثبت مكان هذه المعرفة، و لم تكمل تلك المرتبة، تلك المرتبة الكمالية العرفانية إلا بتعلق العلم الحادث بالله على صورة ما تعلق به العلم المحدث به، ما تعلق إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه، و الذي هو عين كل صورة فهو عالم بكل صورة من علمه بنفسه.
و لا يتصف بالعجز عن العلم به إلا من أخذ العلم عن دليل، و إمّا من أخذ العلم به عنه تعالى لا عن دليله، فهو لا يعجز عن حصول العلم بالله، فإنه ما حاول أمر العجز عنه، بل أنه علم موهوب من لدن حكيم عليم .

قال تعالى: "وعلّم آدم الْأسْماء كُلّها" [ البقرة: 31] و من اسم الذات فقد علم بشهادة الله تعالى لأنه عين الذات مثل الواحد و الأحد و الله عند أهل الظاهر، و قد بسطنا هذا المعنى في شرح آية الكرسي بسطا يعني للمتعند الكنود، فإني جعلته بمنزلة الكشف و الشهود .
ثم اعلم ثانيا أنه لا يصح العلم لأحد إلا لمن عرف الأشياء بذاته لا بأمر زائد و كل من عرف شيئا بأمر زائد على ذاته هو مقلد لعلوم النظر يعني: هو يعلم بذلك الوجه المخصوص الذي يعطيه الأمر الزائد لذلك الزائد فيما أعطاه، و ما في الوجود من علم الأشياء بذاته إلا واحد و كل ما سوى ذلك الواحد فعلمه بالأشياء تقليد، فلنقلد الله و لا سيما في العلم بالله .
ينبغي للعاقل الناصح نفسه إذا أراد أن يعرف الله ، أن يقلد الله فيما أخبر به عن نفسه في كتبه على السنة، تراجمه صلوات الله عليهم بالوقوف على الآداب الشرعية المشروعة عسى أن يحبه، و إذا أحبه يكون سمعه و بصره و جميع قواه.

فيعرف الأمور كلها بالله، و يعرف الله بالله فلا يدخل في علمه شبهة و لا ريب، و أنت قد عرفت أنه لا مزيل لهذا الداء العضال إلا أن يكون الحق عين قواه و هو سبحانه عالم بذاته و أنه لعالم بذاته لا بأمر زائد .فافهم .
فقد نبهتك على أمر ما أطرق سمعك، فإن العلماء من أهل النظر يتخيلون أنهم علماء بما أعطاهم النظر و الحس و العقل، و ليس كذلك لما فهمته إن كنت فاهما من مقدمة كتابنا أن هذا النوع من العلم خارج عن طور العقل، فلا يدركه مستقلا فافهم .
فقوله رضي الله عنه:
(علمناه به) لأنه ظاهر بنا فعلمناه بعلمنا بأنفسنا، كما ورد في الخبر: "من عرف نفسه فقد عرف ربه". 
( ومنا ): أي من صفات أنفسنا لا من خارج عنا، فعلمنا المورد و المصدر و الأصل و الفرع .
( منا نسبنا إليه) ذاتا و اسما من الأسماء التنزيهية و التشبيهية إلينا مما قبله العقل و مما لا يقبله العقل إلا بضرب من التأويل .
اعلم أن الأسماء الكونية قد وسم الحق بها نفسه كالاستهزاء و النسيان و التعجب و الضحك و الخدعة و الغضب، والأسماء الإلهية قد سمّاها تعالى الكون بها كالرؤف الرحيم، فأسماء الكون إذا نسبتها إلى الحق هل هي خلق أو استحقاق؟
فاعلم أن العبد من حيث أنه عبد لا يستحق شيئا لأنه من حيث عينه باطل ليس بحق أصلا، و الحق هو الذي يستحق بالحق، فجميع الأسماء في العالم و متخيل أنه حق للعبد هي حق الله تعالى، و أنه ليس للعبد سوى عينه، و عينه عدم فلا حق له و لا استحقاق، فافهم .
فإنه ما ثم مسمّى وجودي إلا الله و الأعيان معدومة في عين ما ظهر فيها، فقد اندرج في هذا الوصل إن فهمت جميع المعارف على تقاسيمها، فافهم فإنه عظيم الجدوى عزيز المثال جدا .

و بذلك وردت الإخبارات الإلهية على السنة التراجم إلينا، فإنه تعالى وصف نفسه في كتابه و على السنة رسله بما وصف به المخلوقات المحدثات من المجيء والنزول والإتيان والوجه والعين و السمع و البصر و اليد و القدم و الأصابع و الذراع و البشيش و التعجب و الضحك و الرضى و الكراهة و التردد مما لا يقبلها العقل إلا بضرب من التأويل .
إمّا أن تكون هذه النسب في جنابه تعالى حقا ثم نعتنا به، و إمّا أن يكون لنا حقا، و نعت نفسه بها توصيلا لنا بها و خبره بها صدق و لا كذب، فإن كنا نحن فيه الأصل فهو مكتسب، و إن كان هو الأصل فقد كسبنا أباها، و هذا من أغمض نتائج العلم بالله فإنه أضاف نعوت المحدثات كلها بإخباره إخبارا قديما أزليا .
و منها قوله تعالى: "ولنبْـلوّنكُمْ حتّى نعْلم المُجاهِدِين مِنْكُمْ والصّابرين ونبْـلوا أخْبارُكمْ" [ محمد: 31] .

قال رضي الله عنه في منصات الأعراس من "الفتوحات" في المنصة الثالثة :
تجلي العبد في أسماء الكون، و تجلى له في أسمائه الحسنى، فيتخيل في تجليه بأسماء الكون أنه نزول من الحق في حقّه و لم يكن ذلك في أفقه، بل أن الكل أسماؤه الحسنى و أن العبد لا اسم له، حتى أن اسم العبد ليس له، و أنه متخلق به كسائر الأسماء الحسنى.
قال رضي الله عنه: إن هذا نهاية الكشف لربه و غايتها و كانت غاية أبي يزيد قدّس سره دونها .
فإن غايته ما قاله عن نفسه أنه قال لربه: يا رب بماذا أتقرب إليك؟
قال: بما ليس لي، قال: يا رب ما ليس لك و كل  شيء لك؟
فقال: الذلة و الافتقار .
فهذا خطه قدّس سره من ربه، ورآه غاية فإنه غايته لا الغاية و هذه طريقة أخرى ما رأيتها لأحد من الأولياء ذوقا إلا الأنبياء و الرسل خاصة صلوات الله عليهم أجمعين، و قليل من صفوة .
قال تعالى: قليلٌ مِنْ عِبادِي الشّكُورُ[ سبأ: 13] .

قال رضي الله عنه في الفتوحات الباب التاسع و أربعمائة: 
إن الله تعالى أطلعني على أن جميع ما يتسمّى به العبد و يحق له النعت به و إطلاق الاسم عليه لا فرق بينه و بين ما ينعت به من الأسماء الحسنى فالكل أسماء إلهية، و هذا علم أمنّ الله به علينا مع مشاركتنا لهم قدّس سرهم فيما ذهبوا إليه، انتهى كلامه رضي الله عنه .
أي بإلحاق سفاسفها بها فتكون كلها مكارم لأنه ما ثم مسمّى وجود إلا الله فهو المسمّى بكل اسم، والموصوف بكل وصف، و المنعوت بكل نعت .
قال تعالى: " سُبْحان ربِّك رب العِزِّة عمّا يصِفُون" [ الصافات: 180] من أن يكون له شريك في الأسماء و الصفات كلها، فالكل أسماء الله الحسنى و لا غير حتى يكون له اسم أو وصف أو صفة، و الأعيان ما شمّت رائحة الوجود، فافهم .
فإن ما فوق هذه المعرفة معرفة ولا يعلم ذلك إلا العلماء الأمناء، وأن الأسماء والصفات كلها  والتنبيه على ذلك قوله تعالى: "ليس لك مِن الْأمْرِ شيْءٌ" [ آل عمران: 128] فوصف نفسه لنا بنا و نحن له صفاته النفسية .
قال تعالى على لسان عباده:" إّنك كُنْت بنا بصِيرًاً" [ طه: 35] و هو البصير بنا .
قد ورد في الخبر بهم أراد بعض الأولياء : "تنصرون و هو الناصر، و بهم ترزقون و هو الرازق" .
فتعرف إلينا بنا، و أحالنا في المعرفة به علينا فإذا علمناه بنا عرفنا نفوسنا ونحن له صفات، فلتعلم أنك ما حكمت على معروفك إلا بك، فما عرفت سواك فافهم .
وفيه سرا آخر أخفي منه وهو أن الصفات النفسية إذا رفعتها ارتفع الموصوف بها، و لم يبق له عين لا في الوجود العيني ولا في الوجود العقلي حيث ما رفعتها فافهم، فإنك ما تسمع مثال هذا أبدا إلا من شخص سبل نفسه وعرضه .

كان صلى الله عليه و سلم يقول : "أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا أصبح يقول:
اللهم إني قد وهبت نفسي و عرضي لك فلا يشتم من شتمه، ولا يظلم من ظلمه ولا يضرب من ضربه" رواه أنس رضي الله عنه . رواه أبو داود والبيهقي في الشعب.
( فإذا شهدناه ): أي الحق تعالى من حيث أنه مرآة العالم، (شهدنا نفوسنا فيها) لأننا ظاهرون في الوجود .
( وإذ شهدنا) من أن تكون له كالمرايا، (شهد نفسه فينا) لأنه الطاهر فينا فالكل مراء والكل مشهود .
قال تعالى: "و شاهِدٍ و مشْهُودٍ" [ البروج: 3] .
هذا هو شهود الخلق في الحق و شهود الحق في الخلق .
أو نقول: فإذا شهدناه بوصفه شهدنا نفوسنا، فإنها عين وصفه.
(و إذا شهدنا شهد)  الحق تعالى (نفسه): أي ذاته التي تعينت و ظهرت بصورنا أن الله خلق آدم على صورته. فافهم .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله
» السفر الختم "سفر خطبة الكتاب" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله
» السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
» السفر الرابع عشر فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
» السفر التاسع عشر فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: