منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالإثنين أكتوبر 22, 2018 7:21 am

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية

الفقرة الأولي :
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :

 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :(لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه: فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرأة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل و لا تجليه له .
و قد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة.
و من شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا و يقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، و ما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل و لا يزال.
و ما بقي إلا قابل، و القابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس .
فالأمر كله منه، ابتداؤه و انتهاؤه، «و إليه يرجع الأمر كله»، كما ابتدأ منه.
فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة و روح تلك الصورة، و كانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم «بالإنسان الكبير».
فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية و الحسية التي في النشأة الإنسانية.
فكل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها، و أن فيها، فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال و منزلة رفيعة عند الله، لما عندها من الجمعية الإلهية مما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، و إلى جانب حقيقة الحقائق، و- في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف- إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه و أسفله .
و هذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه.
فسمي هذا المذكور إنسانا و خليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته و حصره الحقائق كلها.
و هو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، و هو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم .
فهو الإنسان الحادث الأزلي و النشء الدائم الأبدي، و الكلمة الفاصلة الجامعة ، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، و هو محل النقش و العلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته.
و سماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.
ألا تراه إذا زال و فك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها و خرج ما كان فيها و التحق بعضه ببعض، و انتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا ؟
فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة.
فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه .
فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، و لا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته، و ليس للملائكة جمعية آدم، و لا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، و سبحت الحق بها و قدسته، و ما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها و لا قدسته تقديس آدم .
فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
و ليس إلا النزاع و هو عين ما وقع منهم.
فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق.
فلولا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه و هم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، و لو علموا لعصموا. ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح و التقديس.
و عند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها و لا قدسته عنها تقديس آدم و تسبيحه.
فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده و نتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به و حاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال و لا نحن منه على علم فنفتضح؟
فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.
ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية و إن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني .
و لها الحكم و الأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، و لم تزل عن كونها معقولة في نفسها.
فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها.
فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، و لا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة.
و سواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت، نسبة المؤقت و غير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة.
غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم، و الحياة إلى الحي. فالحياة حقيقة معقولة و العلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة ، كما أن الحياة متميزة عنه.
ثم نقول في الحق تعالى إن له علما و حياة فهو الحي العالم.
و نقول في الملك إن له حياة و علما فهو العالم و الحي.
و نقول في الإنسان إن له حياة و علما فهو الحي العالم.
و حقيقة العلم واحدة، و حقيقة الحياة واحدة، و نسبتها إلى العالم و الحي نسبة واحدة.
و نقول في علم الحق إنه قديم، و في علم الإنسان إنه محدث.
فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، و انظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات و الموجودات العينية.
فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه.
و معلوم أن هذه الأمور الكلية و إن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.
فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة و لا تقبل التفصيل و لا التجزي فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل و لم تتعدد بتعدد الأشخاص و لا برحت معقولة. و إذا كان الارتباط بين من له وجود عيني و بين من ليس له وجود عيني قد ثبت، و هي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع- و هو الوجود العيني- و هناك فما ثم جامع.
و قد وجد الارتباط بعدم الجامع فبالجامع أقوى و أحق.
و لا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه و افتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.
و لا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، و هو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه.
و لما اقتضاه لذاته كان واجبا به. و لما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شي ء من اسم و صفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث و إن كان واجب الوجود و لكن وجوبه بغيره لا بنفسه.
ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث و ذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه.
فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي .
فلما علمناه بنا و منا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. و بذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، و إذا شهدنا شهد نفسه.
و لا نشك أنا كثيرون بالشخص و النوع، و أنا و إن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، و لو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد.
فكذلك أيضا، و إن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، و ليس إلا افتقارنا إليه في الوجود و توقف وجودنا عليه لإمكاننا و غناه عن مثل ما افتقرنا إليه.
فبهذا صح له الأزل و القدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.
فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول. و لهذا قيل فيه الآخر.
فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.
و إنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، و الأول في عين آخريته .
ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن ، فأوجد العالم عالم غيب و شهادة لندرك الباطن بغيبنا و الظاهر بشهادتنا.
و وصف نفسه بالرضا و الغضب، و أوجد العالم ذا خوف و رجاء فيخاف غضبه و يرجو رضاه.
و وصف نفسه بأنه جميل و ذو جلال فأوجدنا على هيبة و أنس.
و هكذا جميع ما ينسب إليه تعالى و يسمى به.
فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهنا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم و مفرداته.
فالعالم شهادة و الخليفة غيب، و لذا تحجب السلطان.
و وصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية و هي الأجسام الطبيعية، و النورية و هي الأرواح اللطيفة.
فالعالم بين كثيف و لطيف، و هو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه .
فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره.
و لكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.
فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق و شهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك.
فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
و لهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟
و ما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم و صورة الحق، و هما يدا الحق.
و إبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.
و لهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، و إن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- و إلا فليس بخليفة عليهم. فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم و صوره و أنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.
و لذلك قال فيه «كنت سمعه و بصره» ما قال كنت عينه و أذنه: ففرق بين الصورتين.
و هكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود.
و لكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع.
و لو لا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.
و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني 
فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة.
و قد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق. 
و قد علمت نشأة رتبته و هي المجموع الذي به استحق الخلافة.
فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.
و هو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، و اجعلوا ما بطن منكم، و هو ربكم،
وقاية لكم: فإن الأمر ذم و حمد: فكونوا وقايته في الذم و اجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين .
ثم إنه سبحانه و تعالى أطلعه على ما أودع فيه و جعل ذلك في قبضتيه:
القبضة الواحدة فيها العالم، و القبضة الأخرى فيها آدم و بنوه. و بين مراتبهم فيه.
قال رضي الله عنه: و لما أطلعني الله سبحانه و تعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر.
جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب و لا العالم الموجود الآن.
فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه و سلم:
موضوعات فصوص الكتاب
حكمة إلهية في كلمة آدمية، و هو هذا الباب. 
ثم حكمة نفثية في كلمة شيئية.
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية.
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية.
ثم حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية.
ثم حكمة حقية في كلمة إسحاقية.
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية.
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية.
ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية.
ثم حكمة أحدية في كلمة هودية.
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية.
ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية.
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية.
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية.
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية.
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية.
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية.
ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية.
ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية.
ثم حكمة جلالية في كلمة يحياوية.
ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية.
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية.
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية.
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية.
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية.
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية.
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية.
و فص كل حكمة الكلمة التي تنسب إليها. فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب. 
فامتثلت ما رسم لي، و وقفت عند ما حد لي، و لو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك و الله الموفق لا رب غيره.
و من ذلك:  ).

متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم بارك علي وتممه
1. نقش فص حكمة إلهية في كلمة آدمية :
اعلم أن الأسماء الحسنى تطلب بذواتها وجود العالم .
فأوجد الله العالم جسداً مسوى .
وجعل روحه آدم عليه السلام .
وأعني بآدم وجود العالم الإنساني وعلمه بالأسماء كلها .
فإن الروح هو مدبر البدن بما فيه من القوى.
وكذلك الأسماء للإنسان الكامل بمنزلة القوى .
لهذا يقال في العالم : " إنه الإنسان الكبير " .  ولكن بوجود الإنسان فيه .
وكان الإنسان مختصراً من الحضرة الإلهية .
ولذلك خصه بالصورة فقال : " إن الله خلق آدم على صورته "
وفي رواية : " على صورة الرحمن " .
وجعل الله العين المقصودة من العالم كالنفس الناطقة من الشخص الإنساني . ولهذا تخرب الدنيا بزواله وتنتقل العمارة إلى الآخرة من أجله .
فهو عبد الله ورب بالنسبة للعالم .
ولذلك جعله خليفة وابناءه خلفاء .
ولهذا ما ادعى أحد من العالم الربوبية إلا الإنسان لما فيه من القوة .
وما أحكم أحد من العالم مقام العبودية في نفسها إلا الإنسان .
فعبد الحجارة والجمادات التي هي أنزل الموجودات .
فلا أعز من الإنسان بربوبيته . ولا أذل منه بعبوديته .
فإن فهمت فقد أبنت لك عن المقصود بالإنسان فانظر إلى عزته بالأسماء الحسنى وطلبها إياه تعرف عزته .
ومن ظهوره بها تعرف ذلته . فافهم .
ومن هنا تعلم أنه نسخة من الصورتين : الحق والعالم .
الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
1 -  فك ختم الفص الادمى
1 - واما اختصاص هذه الكلمة الادمية بحضرة الالوهية ، فذلك بسبب الاشتراك من احدية الجمع ، فكما ان الحضرة  الالوهية المعبر عنها بالاسم اللهتشتمل على خصائص الأسماء كلها وأحكامها التفصيلية ونسبها المتفرعة عنها اولا والمنتهية الحكم إليها آخرا .
ولا واسطة بينهما وبين الذات من الأسماء - كما هو الامر في شأن غيرها من بيان غير الأسماء بالنسبة إليها اعنى بالنسبة الى الحضرة الإلهية - كذلك الإنسان .
فإنه من حيث حقيقته ومرتبته لا واسطة بينه وبين الحق ، لكون حقيقته عبارة عن البرزخية الجامعة بين احكام الوجوب واحكام الإمكان ، فله الاحاطة بالطرفين .
2 - ولهذا الاعتبار قال رحمه الله فيه : انه الإنسان الحادث الأزلي والنشأة الدائم الأبدي ، فله الاولية والتقدم على الموجودات من هذا الوجه .
3 - واما سر آخريته فمن حيث انتهاء الاحكام والآثار اليه واجتماعها ظاهرا وباطنا فيه ، كانبثاثها  اولا منه وذلك انه لما كان حكم شأن الحق الجامع للشئون كلها وأحكامها دوريا وكان حكم ذلك الشأن ولوازمه من امهات الشئون ايضا كذلك وهي المعبر عنها بمفاتيح الغيب .
ظهر سر الدور في احوال الموجودات وأحكامها وذواتها ، فالعقول والنفوس من حيث حكمها بالأجسام وعلمها ، كافلاك المعنوية ، ولما كانت الأفلاك ناتجة عنها وظاهرة منها ، ظهرت هذا الوصف الاحاطى والدورة صورة ومعنى .
4 - ولما كانت العقول والنفوس متفاوتة المراتب من حضرة الحق بسبب كثرة الوسائط وقلتها وقلة احكام الكثرة في ذواتها وكثرتها ، تفاوتت الأفلاك في الحكم والاحاطة ، فاقربها نسبة الى اشرف العقول أكثرها احاطة وأقلها كثرة والامر بالعكس فيما نزل عن درجة الأقرب - كما ترى لما أشرنا اليه.
5 - ولما كان الامر كذلك في عرصة العقل المنور والشهود المحقق ، اقتضى الامر والسنة الإلهية ان يكون وصول الأمداد الى الموجودات وعود الحكم في الجناب الإلهي المشار اليه في الاخبارات الإلهية والتنبيهات النبوية والمشهود كشفا وتحقيقا ، وصولا وعودا دوريا .
6 - فالمدد الإلهي يتعين من مطلق الفيض الذاتي بالبرزخية المشار إليها ويصل الى الحضرة العقل الأول المكنى عنه بالقلم ثم باللوح ثم العرش ثم الكرسي ثم باقى الأفلاك - فلكا بعد فلك - ثم يسرى في العناصر ثم المولدات وينتهى الى الإنسان منصبغا بجميع خواص كل ما مر عليه .
7 - فان كان الإنسان المنتهى اليه ذلك ممن سلك وعرج واتحد بالنفوس والعقول وتجاوزها بالمناسبة الاصلية الذاتية حتى اتحد ببرزخيته التي هي مرتبة الاصلية ، فان المدد الواصل اليه بعد انتهائه في الكثرة الى اقصى درجات الكثرة وصورتها ، يتصل باحديتها ، اعنى احدية تلك الكثرة الى تلك البرزخية التي من جملة نعوتها الوحدانية التالية الاحدية فيتم الدائرة بالانتهاء الى المقام الذي منه تعين الفيض الواصل الى العقل.
8 - وهذا سر من لم يعرفه ولم يشهده لم يعرف حقيقة قوله تعالى : " وإِلَيْه يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّه " 123 سورة هود.
9 - ومن هذا شأنه فهو الذي قيل فيه من حيث صورته العنصرية الاخرية الجامعة : انه خلق في احسن تقويم ، ومن حيث حقيقته : ان اجره غير ممنون ، ومن لم يكن كذلك فهو المنتهى الى اسفل السافلين ، لبعده بكثرته عن أصله الذي هو المقام الوحدانى الإلهي الاولى ، لأنه نزل من اعلى الرتب وهي البرزخية المذكورة الى اقصى درجات الكثرة والانفعال ووقف عندها .
بخلاف الكمل الذين تمت لهم الدائرة ، لأنهم وان انحدروا ، فهم مرتفعون في انحدارهم ، كما قال بعض التراجمة في مدح نبينا صلى الله عليه وسلم :
تخيرك الله من ادم    ..... فما زلت منحدرا ترتقى  
10 - والواقفون في اسفل السافلين ليسوا كذلك ، فإنهم لم يتجاوزوا نصف الدائرة فاعلم ذلك ، فهذا سر اختصاص آدم بالحضرة الإلهية وسبب أوليته من حيث المعنى وآخريته من حيث الصورة وجمعه بين الحقيقة الوحدانية التي هي محتد احكام الوجوب وبين الكثرة التي هي محتد احكام الإمكان ، وانتهاء الامر آخرا الى الوحدانية من حيث انه : ما جاوز الحد انعكس الى الضد .
11 - فتدبر ما سمعت فإنه من لباب المعرفة الإلهية والانسانية ، فإنك ان عرفت ما ذكرنا لك ، عرفت مراتب الأسماء وتفاوت درجاتها وتفاوت درجات الموجودات من حيثها .
وعرفت سر قوله تعالى " وعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّها " 31 سورة البقرة .
وان سر الخلافة الجمع بين الوحدة والكثرة ، لكن على الوجه المذكور وعرفت سر الأمداد والاستمداد ، وعرفت سر ظهور المعلولات بصور عللها .
وعرفت سر قوله صلى الله عليه وسلم : ان الله خلق آدم على صورته ، وان تفاوت المدرك في الظهور والحكم لتفاوت الاستعدادات  القابلة ، وعرفت غير ذلك مما يطول ذكره فتدبر ترشد ان شاء الله تعالى.
سر تسمية الأنبياء بالكلمات
12 - واما سر تسمية الأنبياء بالكلمات وكذلك تسمية الحق سبحانه الأرواح بهذا الاسم - بل الموجودات - فموقوف على معرفة كيفية الإيجاد والمادة التي منها وبها وفيها وقع الإيجاد ، وهذا من اعظم العلوم واغمضها وأشرفها وبيانه يحتاج الى فصل بسيط ليس هذا موضعه ، على انه قد ذكرت أصوله في تفسير الفاتحة وفي كتاب النفحات ، وسأذكر هاهنا على سبيل التنبيه ما يحتمل هذا الالماع .
13 -  فأقول : قد كنى الحق سبحانه في الكتب المنزلة عن التأثير الايجادى بالقول ، وهو قوله تعالى : إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناه . . .40 سورة  النحل .
14 - فاعلم ان فعل الحق ان كان بذاته بمعنى ان الفعل يليه لما يتوسط بين ذاته وبين المفعول الا نسب معقولة يتميز بتعينها الإطلاق الذاتي عما تعينت به ، كان اسم ذلك الفعل كلاما والظاهر به كلمة ، وان توسط بين الفاعل الحق وبين ما يوجد ، آلة وجودية او صورة مظهرية بعينها ويستدعيها مرتبة المفعول التي هي محل ايقاع الفعل ومنزل نفوذ الاقتدار كان قولا ، لان التأثير الإلهي في
كل مؤثر فيه انما يصدر ويتعين بحسب مرتبة المفعول ، وكذلك الالة والمظهر الذي هو صورة الحيثية التي من جهتها صدر ذلك الموجود .
الحروف الاصلية الإلهية
15 - وإذا عرفت هذا فاعلم ان الحروف الاصلية الإلهية عبارة عن تعقلات الحق الأشياء من حيث كينونتها في وحدانيته ، ونظير ذلك التصور النفساني الإنسان قبل تعينات صورها بعلمه في ذهنه ، وهي تصورات مفردة خالية عن التركيب المعنوي والذهني والحسي ، وهي المفاتيح الأول المعبر عنها بمفاتيح الغيب ، وهي الأسماء الذاتية وامهات الشئون الاصلية التي الماهيات هي من لوازمها ، ونتائج التعقل تعريفاتها.
حضرة الارتسام
16 - والتعقل الثاني تعقل الماهيات في عرصة العلم الذاتي من حيث الامتياز النسبي وهو حضرة الارتسام الذي يشير اليه أكابر المحققين والمتألهين من الحكماء بان الأشياء مرتسمة في نفس الحق .
والفرق بين الحكيم والمحقق في هذه المسألة هو ان الارتسام عند المحقق وصف العلم من حيث امتيازه النسبي عن الذات ، ليس هو وصف الذات من حيث هي ولا من حيث ان علمها عينها .
فتعقل الماهية من حيث افرازها عن لوازمها في حضرة العلم هي حرف غيبى معنوى ، وتعقلها مع لوازمها قبل انبساط الوجود المفاض عليها وعلى لوازمها ، هي كلمة غيبية معنوية .
وباعتبار تعقل تقدم اتصال الوجود بها قبل لوازمها يكون حرفا وجوديا ، وباعتبار انبساط الوجود عليها وعلى لوازمها الكلية تكون كلمة وجودية .
17 - وكما ان تركيب الكلمات في النسخة الانسانية ينشأ من حرفين و ينتهى الى خمسة متصلة ومنفصلة كذلك الامر هناك .
فنظير درجات التركيب هنا الأصول الخمسة المذكورة في ما بعد ، وللنفس الرحمانى السراية في هذه الأصول الخمس وامهات مخارج الحروف الانسانية ايضا خمسة ، وهي :
باطن القلب  - ثم الصدر - ثم الحلق  - ثم الحنك - ثم الشفتان
وهي نظائر مراتب الأصول ، وباقى المخارج يتعين بين كل اثنين من هذه الأمهات . فافهم
العقل الأول
18 ثم أقول : فابسط الموجودات الذي هو العقل الأول له ضرب واحد من التركيب لا غير وهو ان له ماهية متصفة بالوجود ، فله من احكام الكثرة الامكانية حكم واحد ، وهو انه في نفسه ممكن ، وهو من حيث ما عدا هذا الاعتبار الواحد واجب بسيط ، وكذا شأن بقية العقول من هذا الوجه ، لكن بسبب توسط العقل بينها وبين ذات الحق تزداد حكما واحكاما توجب تعقل كثرة ما في مرتبتها ، لكن ليست كثرة وجودية تفضي بان يحكم عليها بالتركيب .
19 - واما النفوس الفلكية : ففي ثالث مرتبة الوجود الواحد ثم يتنازل الامر في التركيب الى خمس مراتب ، فالذي يلي النفوس الأجسام البسيطة ، ثم المرتبة الخامسة الأجسام المركبة ، فهذا هي الأصول المشار إليها من قبل .
20 - وقد روعي هذا الترتيب الايجادى هذا في كل كلام الهى ينزل : فحرف ثم كلمة ثم آية ثم سورة ، والكتاب جامعها .
21 - واما الكتب ، فهي من حيث الأمهات ايضا أربعة كالاجناس :
التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، وجامعها القرآن.
22 - ولما كانت الحيازة للإنسان لجمعيته احكام الوجوب الكلية والاحكام الامكانية سمى كتابا ، وتفاوت حيطة الكتب وما تضمنه يشهد ويوضح سر تفاوت الأمم المنزلة هي عليها ، وسر الرسول المبلغ ما انزل إليهم .
فاعلم ذلك تعرف سر تسمية الأنبياء بالكلمات ، وكذلك سر تسمية الأرواح والموجودات بها ولهذا الأصل فروع كلية :
منها : ما ذكرته في التفسير .
ومنها : ما ذكرته في مفتاح غيب الجمع وتفصيله .
ومنها : ما ذكرته في النفحات فمن أراد الاحاطة بأكثر اصول هذا العلم فليجمع الى هذا الأصل ما تقدم ذكره يستشرف على علوم غزيرة غامضة شريفة جدا .
والله المرشد والهادي .


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس سبتمبر 12, 2019 7:10 am عدل 7 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الرابعة والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 12:51 pm

الفقرة الرابعة والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الرابعة والعشرون : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
(ولا نشك أنا كثيرون بالشخص) كزيد وعمرو مثلا (والنوع) ?العجمي والعربي والشاب والشيخ ونحو ذلك.
(وإنا وإن ?نا) في نفوسنا (على حقيقة واحدة تجمعنا) وهي الإنسانية (فنعلم قطعا) من غير شبهة (أن ثمة فارقة به تميزت الأشخاص) والأنواع (بعضها عن بعض) بحيث صار كل شخص منا متشخصا بحقيقة على حدة مستقلة بانفرادها من تلك الحقيقة الواحدة التي تجمعنا كلنا.
وهذا الاختصاص نوع من أنواع الظهور وليس هو للنوع الآخر منه (ولولا ذلك) الفارق الذي تميزت به الأشخاص (ما كانت الكثرة) للجزيئات (في) الكلي (الواحد) كما قال تعالى : "يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)" سورة النساء.
فالنفس الواحدة آدم عليه السلام وزوجها المجعولة منها حواء والناس المخلقون من هذه النفس الواحدة وزوجها هم بنو آدم إلى يوم القيامة .
(فكذلك أيضا) في جناب الحق تعالى (وإن وصفنا بما وصف به نفسه من جميع الوجوه)، كما ذكرنا ليدلنا عليه تعالی بنا.
(فلا بد من فارق)، موجود بيننا وبينه تعالى (وليس) ذلك الفارق (إلا افتقارنا إليه)، سبحانه وتعالى (في الوجود) وافتقاره هو جل وعلا إلينا في الأوصاف والأسماء على حد ما بيناه فيما سبق.
(و) إلا (توقف وجودنا عليه) سبحانه وتعالى، فإن وجوب وجوده تعالى بذاته ووجوب وجودنا نحن به تعالى.
(لإمكاننا)، أي قبولنا للوجود والعدم على السوية من غير ترجيح إلا بمرجح من جهة الغير (وغناه) عز وجل (عن مثل ما افتقرنا إليه) من الوجود فإنه لا يحتاج في وجوده إلى غيره، وأما في أوصافه وأسمائه فهو متوقف علينا و مفتقر إلينا.
فكما أنه تعالى أعطانا الوجود فنحن أعطيناه الأوصاف والأسماء.
وربما يتلاعب بعقلك خاطر تش?ل به علينا توقف الحق تعالى في الأوصاف والأسماء على غيره وافتقاره إلينا في ذلك.
فترد الحق المبين بوسواس عقلك المتمسك في دينك، فنقول لك أولم تؤمن بتعلقات أوصافه تعالى وأسمائه بآثاره.
وأن هذه التعلقات كلها أزلية، وأنها نفسية للصفات كما ذكروه في عقائد أهل البداية، والصفة النفسية، وتفارق الموصوف بها إذ لولاها لما كان الموصوف بها.
وهذا القدر كافي لك في نصرتك على وسواسك وعقلك إن كنت من أهل التوفيق في هذا الطريق.
(فبهذا)، أي بغناه تعالى على مثل ما افتقرنا إليه وهو الوجود الذاتي (صح له) تعالى دون غيره الاتصاف بوصف (الأزل والقدم) وهما بمعنى واحد، ولهذا نعتهما بطريق الإفراد .
فقال : (الذي انتفت عنه الأولية)، فإن الأزل والقدم لا أول له ثم نعت الأولية بقوله (التي لها افتتاح الوجود عن عدم) قبلها
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
ولما بين "النور الذاتي والسر الساري" الاتحاد بين العبد والرب من هذين الوجهين شرع في بيان الافتراق فقال : (ولا شك أنا كثيرون بالشخص) باعتبار انضمام تشخصاتنا إلى حقيقتنا النوعية (و) كثيرون (بالنوع) باعتبار انضمام فصولنا المميزة إلى حقيقتنا الجنسية.
(وإنا وإن كنا على حقيقة) واحدة نوعية (هي تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم) أي في حقيقة واحدة (فارقا به) أي بذلك الفارق (تميزت الأشخاص بعضها من بعض ولولا ذلك)الفارق (ما كانت) ما وجدت (الكثرة في الواحد) .
فإذا حصل الفراق بين الممكنات بعد اتحادها في حقيقة واحدة (فكذلك أيضا) حصل الفارق بيننا وبين الحق (وان وصفنا) الحق (بما وصف به نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق وليس) .
ذلك (الفارق إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وفناه عن مثل ما افتقرنا إليه) وهو افتقارنا في الوجود (فبهذا) الأستغناء  (صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم).

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
وأما قوله رضي الله عنه : "فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية".
قلنا: معناه أنه لا أولية لغناه عن خلقه ولا أولية له في افتتاح الوجود أي وجوده ليس عن عدم سابق فيتحقق له الأولية في اتصافه بالوجود بعد أن لم يكن متصفا به. قوله: "مع كونه الأول" .
قلت: قوله، رضي الله عنه، مع كونه الأول في قوله تعالى: "هو الأول والآخر" (الحديد: 3). إلا أن الشيخ هنا لم يذكر بأي معنى قيل فيه تعالى: أنه الأول مع ما ذكره من انتفاء تلك الأولية المذكورة عنه.
قوله: ولهذا قيل له الآخر. قلت: يعني لنفي تلك الأولية المذكورة.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
قال الشيخ رضي الله عنه : " ولا نشكّ أنّا كثيرون بالشخص والنوع ، وأنّا وإن كنّا على حقيقة واحدة تجمعنا ، فنعلم قطعا أنّ ثمّ فارقا ، به تميّزت الأشخاص بعضها عن بعض ، ولولا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد " .
يعني : رضي الله عنه :
أنّ هذه الشؤون وإن اشتركت في أنّ كلَّا منها شأن ذاتي له أو نسبة من نسب الألوهية ،ولكنّه لا بدّ أن تكون لكلّ شأن منها خصوصية ، بها يتميّز عن غيره.
فتلك الخصوصيات هي التي أوجبت تعدّد الأشخاص وتمايزها بشخصياتها عند وجودها العيني بموجب وجودها العلمي ، فالوجود وإن كان موجودا للكلّ ، ولكنّ الخصوصيات الذاتية تعيّن الوجود الواحد بحسبها .
فيختلف ظهور الوجود الحق الواحد الأحد في جميع مراتب العدد ، ويتكثّر بحسب القوابل المختلفة المتكثّرة .
ولولا هذا السرّ ، لم تظهر الكثرة المتعقّلة في الواحد ظهورا وجوديا ، ولا الكثرة الوجودية في أحدية الجمع ، كما نقول : " مدينة واحدة " مع اشتمالها على البيوت والدور الكثيرة ، وكقولنا : « كتاب واحد » مع أنّه ذو حروف وكلمات كثيرة ، و « شخص واحد » مع أنّه ذو أجزاء وأعضاء كثيرة .
قال الشيخ رضي الله عنه : " فكذلك أيضا ، وإن وصفنا بما وصف به نفسه من جميع الوجوه ، فلا بدّ من فارق  وهو افتقارنا إليه في وجودنا ، وتوقّف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه . فبهذا صحّ له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأوّلية التي لها افتتاح الوجود عن عدم"
قال العبد أيّده الله :
كما أنّا وإن كنّا مشتركين في الاستناد إلى الحق والدلالة عليه وفي القيام بوجوده الواحد ، ولكنّا كثيرون بالأشخاص والخصوصيات الذاتية ، والتفرقة فيما بيننا ظاهرة .
فكذلك إذا دللنا عليه فإنّ دلالة كلّ منّا بخصوصية ليست في الآخر .
وكذلك وإن وصفنا بما وصف به نفسه وأعطانا الاتّصاف بأوصافه جميعا والتسمّي بأسمائه طرّا ، فلا بدّ من فارق بيننا وبينه لا نشاركه فيه أصلا ، وهو وجوبه الذاتي الذي انفرد به من ذاته دوننا ، وأمّا الفارق من قبلنا الذي خصّصنا به دونه فهو افتقارنا جميعا إليه على التعين في الوجود وذلك لإمكاننا الذاتي ، كما مرّ ، فتذكَّر .
واعلم : أنّ في الإمكان سرّا شريفا ذكرنا في موضعه ، فاطلبه من هناك ، إن لم تعثر عليه من هاهنا ، فقد أومأنا إليه في مواضع ممّا سلف وفيما خلف .
وقوله رضي الله عنه : " عن مثل ما افتقرنا إليه " يدلّ على شمول الافتقار ومرتبتي الوجود أعني مرتبتي الحق والخلق لكون الوجود يشملهما ، والحق من حيث ذاته ووجوده الذاتي غنيّ عنّا ونحن مفتقرون إليه بذواتنا في وجودنا .
ولكنّ الربوبية من كونها تقتضي المربوب بحقيقتها ، والخالقية لا تتعقّل بدون المخلوق وجودا وتقديرا فثبت الافتقار للنسب الإلهية في تعيّنها الوجودي والتعقلي إلى متعلَّقاتها ضرورة توقّف الأمور الإضافية والنسبية على طرفيها وافتقارها إليها .
ولا يقدح ذلك في الغنى الذاتي فإنّ الله غنيّ بذاته في وجوده أزلا وأبدا .
وهذا الافتقار المذكور ليس إلَّا في النسب الأسمائية فإنّ الألوهية والربوبية والخالقية والرازقية وغيرها حقائق يتحقّق وجودها بالمألوه والمربوب والمخلوق والمرزوق ، والغنى لله في ذاته لكون وجوده من ذاته ، وعين ذاته .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
فلما علمناه ومنا نسبناه إليه كل ما نسبناه إلينا كالحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والكلام وغير ذلك ، والتراجم هم الأنبياء عليهم السلام .
فإنهم أخبروا بهذا المعنى في قوله تعالى :"وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله ". و " وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى ".
و " من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله ". و " إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايعُونَ الله ".
- وفي الحديث « من عرف نفسه فقد عرف ربه » وأمثالها .
وهذا معنى قوله فوصف نفسه بنا فإذا شهدناه بوصف شهدنا نفوسنا بذلك الوصف ، إذ لو لم يكن ذلك الوصف فينا ما شهدناه به .
وإذا شهدنا بوصف شهد نفسه بذلك الوصف ، فإن ذلك الوصف وصفه تجلى به لنا بحسب استعدادنا وإلا من أين حصل لنا ذلك ونحن عدم محض ، ومن ثمة يعلم أن وجودنا وجوده تعين بصورتنا وانتسب إلينا فتقيد وتذكر صمديته لكل شيء حتى تراه في كل شيء.
" أَولَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّه عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ".
- ولما بين هذا الاتحاد أراد أن يبين الفرق بين الحق والخلق .
فمثل بتعدد أشخاص النوع وأنواع الجنس .
أي فبالغنى الذاتي الصمدى القيومى لكل ممكن وكونه سند مقوم لكل مقيد صح له الأزل والقدم ، وانتفت عنه الأولية بمعنى افتتاح الوجود عن العدم ، فإنه محال في حقه مع كونه الأول

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
وقوله: (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع) ويجوز أن يكون (أنا) عبارة عن لسان أهل العالم، أي، أهل العالم أي، إنا كثيرون.
بالأشخاص والأنواع التي فيه، ويجوز أن يكون عن لسان الأفراد الإنسانية، أي، إنا كثيرون بالشخص وبحسب الأنواع التي فينا لتركبنا من العالمين الروحاني والجسماني. ويؤيد الثاني مابعده .
وهو قوله: (وإنا وإن كنا على حقيقة واحدة) أي، وإن كنا مشتملة على حقيقة نوعية هي
قوله: (تجمعنا، فنعلم قطعا أن ثمة فارقا به) أي، بذلك الفارق.
قوله: (تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك) أي الفارق.
قوله: (ما كانت الكثرة في الواحد) أي، حاصلة ومتصورة في الواحد.
قوله: (فكذلك أيضا وإن وصفناه) أيالحق.
قوله: (بما وصف به نفسه من جميع الوجوه، فلا بد من فارق.)
لما شبه في الأول، أراد أن ينزه هنا ليجمع بين (التنزيه) و (التشبيه) على ما هو طريقة الأنبياء.
(وليس) ذلك الفارق.
قوله: (إلا افتقارنا إليه في الوجود، وتوقف وجودنا عليه، لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه) وإنما حصر الفارق في افتقارنا وغناه، لأن غيرهما أيضا عائد إليهما، سواء كان وجوديا أو عدميا.
قوله: "فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم"
أي، بسبب هذا الغناء صح له أن يكون أزليا وأبديا وقديما في ذاته وصفاته.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
فقال الشيخ رضي الله عنه : (ولا نشك أنا) أي: المحدثات (كثيرون بالتشخيص) أي: المحدثات (وإن كنا على حقيقة واحدة) نوعية أو جنسية (فنعلم قطعا أن ثمة) أي: في الواقع بين كل فرد فرد، ونوع نوع (فارقا) من الأعراض المشخصة، أو الفصول المميزة (به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض) و الأنواع بعضها عن بعض لكن لم يتعرض لتميز الأنواع لا يستلزم تميز الأشخاص إياه.
وإنما قال : بعضها عن بعض لئلا يتوهم أن المراد تميز أشخاص نوع عن أشخاص نوع آخر، (ولولا ذلك) الفارق بين الأفراد والأنواع (ما كانت) أي: حصلت (الكثرة في الواحد) النوعي أو الجنسي.
فهذا استدلال بالكثرة في الحقيقة الواحدة على وجود الفارق، وإذا عرفت هذا فيما بين الأشخاص والأنواع التي هي صور حقيقة الواحدة النوعية أو الجنسية مع أنها حقيقة معقولة.
(فكذلك أيضا وإن وصفناه) نحن الحق بسبب ظهوره فينا (بما وصف به نفسه) بحيث يطابق وصفنا إياه، وصفة نفسه (من جميع الوجوه فلا بد من فارق) بين أوصافنا وأوصافه.
(وليس) ذلك الفارق بالنسبة إلى الكل (إلا افتقارنا إليه) أي: (في الوجود)، وذلك الافتقار (توقف وجود)، الماهية من توقف صورة المرأة على محاذاة ذي الصورة إياها.
وذلك التوقف (لإمكاننا، وغناه) أي: الحق (عن مثل ما افتقرنا إليه) أي: في الوجود وإلا كان ظهوره في المظاهر يتوقف، وهي ثبوت المظاهر في نفسها أي: بالفناء الذاتي(صح) أنه لا يجتمع هو، واستمرار الوجود في الماضي بحيث لا ينقطع فيه أصلا؟ لأنه لما لا يفتقر في وجوده إلى غيره فوجوده مقتضى ذاته، فاستمر باستمراره الثابت، وصح له (القدم)، وهي هكذا استمرار الوجود في الماضي بحيث لا ينقطع فيه أصلا بل
(الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم)؛ لأنها بهذا المعنى ماهية للفناء الذاتي ؛ لأن ما افتتح وجوده عن عدم فمقتضي وجوده إما ذاته، ولا يتغير مقتضى الذات أو غيره فيفتقر إلى الغير.
وإنما قيد انتفاء الأولية بهذا المعنى لثبوت الأولية له بمعنی سبق وجوده على الكل، وبمعنی كونه يستند إليه الكل في الابتداء إلا أن الشيخ رضي الله عنه لم يعتبر الأول من المعنيين. لأن الأول بذلك المعنى لا يقابل الأخر، بل اعتبر المعنى الثاني.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد.
فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. 
فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)

فإليه أشار بقوله  رضي الله عنه : ( ولا شكّ أنّا ) أي الحوادث الإمكانيّة ( كثيرون بالشخص والنوع ، وأنّا ) أي الأفراد الإنسانيّة منها ( وإن كنّا على حقيقة واحدة تجمعنا ) بوحدتها العينيّة التي لا تقبل التفصيل ولا التكثّر  بالذات كما بيّن ، ( فنعلم قطعا أنّ ثمّ فارقا به تميّزت الأشخاص بعضها عن بعض ، ولولا ذلك ) الفارق ( ما كانت الكثرة في الواحد ) .
( فكذلك أيضا ) فيما نحن فيه ، فإنّه ( وإن وصفناه ) أي الحقّ في الموطنين المذكورين ( بما وصف به نفسه من جميع الوجوه ، فلا بدّ من فارق ) به يتميّز الوصفان ،( وليس ) ذلك الفارق (إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقّف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه) .أي انحصر الفارق في الافتقار في الوجود ، والغناء عنه .
فإنّ الغناء المطلق لا يصح فيما اعتبر فيه نسبة من النسب أصلا ، فما اختصّ به ذات الممكن هو الافتقار الذي به افترق عن الواجب وتكثّر ، ومنه بعد عنه وسمّي عبدا . 
كما أنّ ما اختصّ به الواجب هو الغناء عن مثل ذلك ، وهو الذي به يتقدّم ذاتا ورتبة ، ويتّصف بالوحدة الحقيقية الذاتية ، لا العدديّة الإضافيّة
 .وفي هذا الكلام تلويح غير خفيّ .
( فبهذا ) الفارق (صحّ له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأوّليّة التي لها افتتاح الوجود عن عدم) على ما يلزم أرباب العقائد التقليديّة فيما اعتقدوه في الواجب من الصورة المحصورة المقيّدة ، والوجه الجزئي الجعلي تعالى عن ذلك علوّا كبيرا وذلك لأنّ الأوّليّة في تلك الصور إنّما يتصوّر إذا كان لها افتتاح الوجود عن عدم .


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "و لا نشك أنّا كثيرون بالشخص و النوع، و أنا و إن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعاً أن ثَمَّ فارقاً به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، و لو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد."
دفعه بقوله : (ولا تشك أنا) يعني أهل العالم (كثيرون) متفاوتون (بالشخص والنوع)، فإن في العالم أنواعا مختلفة .
ولكل نوع أشخاصا متعددة (وإنا) يعني الأفراد الإنسانية (وأن ?نا) مشتملة على حقيقة واحدة) نوعيه (يجمعنا ليعلم قطعا أن ثمة).
أي أشخاص تلك الحقيقة (فارقا به)، أي بذلك الغارق (تميزت الأشخاص بعضها عن بعض)، وإذا لم يجمعنا يعني أهل العلم حقيقة واحدة نوعية فوجود الفارق أظهر ولهذا ما وقع التعريض له.
(ولولا ذلك) الفراق (ما كانت الكثرة) بحسب الأفراد متحققة (في) النوع (الواحد) ، وإذا عرفت أن بين أفراد العالم بل الأفراد الإنسانية فارقة يميز بعضها عن بعض .
"فكذلك أيضاً، و إن وَصَفَنَا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، و ليس إلا افتقارنا إليه في الوجود و توقف وجودنا عليه لإمكاننا و غناه عن مثل ما افتقرنا إليه."
(فكذلك) الحال بيننا وبين الحق (أيضا)، فإنه (وإن وصفنا).
أي الحق سبحانه وأعطانا الاتصاف (بما وصف به نفسه من جميع الوجوه)، أي وجوه الصفات وأنواعها أو وجوه الأوصاف القولية والفعلية (فلا بد من فارق) بيننا وبينه لا نشاركه ولا يشاركنا فيه أصلا (وليس) الفارق من قبلنا الذي خصصنا به دونه (إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه الإمكاننا).
وتساوي نسبتي الوجود وانعدم إلى ذواتنا فلا بد من مرجح.
وأما الفارق الذي انفرد به سبحانه ، فهو وجوبه الذاتي وغناه عن مثل ما افتقر إليه من الموجد
"فبهذا صح له الأزل و القدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم. "
(فبهذا) الوجوب الذاتي والمعنى :
(صح له الأزل)، أي الأزلية (والقدم) الذاتي (الذي انتفت به عنه الأولية التي) ثبت (بها)، أي تلك الأولية (افتتاح الوجود عن عدم).
قال صلى الله عليه وسلم : "أول ما خلق الله العقل" ، أي الذي افتتح الوجود بعدم العدم من الموجودات هو العقل.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الرابعة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 12:52 pm

الفقرة الرابعة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الرابعة والعشرون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ و لا نشك أنا كثيرون بالشخص و النوع و أنا و إن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثمة فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، و لو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد .  فكذلك أيضا، و إن وصفناه بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق ] .

قال الشارح رحمة الله :
( و لا تشك أنا ): أي أهل العالم كثيرون بالشخص و النوع لأنك أشخاص غير متناهية تحت أنواع متناهية .
( و إن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا) تلك الحقيقة الواحدة في الواحدية لأن أفراد الجنس مثلا على كثرتها و عدم تناهيها يجمعنا النوع الكلي و هو الإنسانية و لكن لو لم يكن في كل فرد فرد معنى آخر زائد عن الأصل الكلي لما اختلفت الأفراد و الأشخاص باللوازم الشخصية و الخواص.
( فتعلم قطعا أن ثمة فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض) كما تميزت الأنواع بعضها عن بعض، و لو لا ذلك التمييز ما كانت الكثرة في الوحدة: أي ما ظهرت الكثرة موجودا في العالم مع أن الأصل واحد، فعرفنا به أن التمييز الفارق ظهور العالم و صوره المتكثرة المتنوعة مع أن الأصل واحد، فكذلك أيضا: أي الحال في الإلهيات كثرة مع الفرقان في عين واحدة .

( و إن وصفناه ): أي الحق تعالى (بما وصف به نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق) لما شبه، أو لا .
حيث قال رضي الله عنه: فوصف نفسه لنا بنا، فأراد أن ينزهه هنا ليجمع بين الحسنين التنزيه و التشبيه كما هو عادة الأولياء و سنن الأنبياء عليهم السلام، فأثبت الفارق .
و ذلك أنه لما قيل في الإنسان الكامل أنه على الصورة فما نقصه من الكمال  شيء، و بقي حكم وجوب الوجود للتمييز بين الحق و العالم إذ لا يرتفع ذلك: أي التمييز بين الحق و الإنسان بوجوب الوجود من حيث أنه إنسان و لا يصح له فيه قدم، فافهم .

و له تمييز آخر ذكره رضي الله عنه في "الفتوحات ": 
و ذلك أن الحق يتقلب في الأحوال و لا تتقلب عليه الأحوال لأنه يستحيل أن يكون للمحال عليه .
و أمّا تقلب الحق في الأحوال فمعلوم بالاستواء و النزول و المعية و الضحك و الفرح و الرضا، و كل حال وصف به نفسه فهو يتقلب فيها بالحكم و هو التحول في الصور، فهذا الفرق بيننا و بين الحق تعالى و هو أوضح الفروق و أعلاها أن يكون الفروق بالحدود الذاتية التي بها يتميز الحق و الخلق و حدود الكون بأسره هو الحد الذاتي بواجب الوجود، هذا المشهد غاية العارفين و أهل الرؤية .

قال تعالى: "و فوق  كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ" [ يوسف: 76] فالعلماء بالله فوق هذا الكشف و المشهد، فإنهم في هذا المقام على حكم الحق فيه كما يرى المحجوب فينكرون النكرة، و يعرفون المعرفة و الحدود الذاتية عندهم للأشياء كالعامة، فافهم . 
فإنهم أهل تمييز و صحو، و أمّا أهل الرؤية قدّس سرهم يحافظون على هذا المقام لسرعة نقلته من قلوبهم، فإن من لم يستصحب الرؤية دائما مع الأنفاس لا يكون من هؤلاء الرجال . 
و هذا مقام من يقول غير الله قط، و أمّا من عرف الحق، و الحق سمعه و بصره و جميع قواه عليه هذه الرؤية لأنه بقواه يرى الأشياء كما هي، و يعلم الأمر كما هو فعرف بالحق و الخلق، و يرى الحدود الذاتية الفارقة للذوات حقا و خلقا . 
قال رضي الله عنه في الفتوحات الباب الحادي والخمسين وثلاثمائة:
إن من لهذا المقام فلا يحاد به أحد في علمه بالله، فهذا هو العالم المميز بالحد الذاتي و العالم الفارق الذي لا نقال عنه، فافهم

قال المصنف رضي الله عنه : [وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه.]
قال الشارح رحمة الله : ( و ليس إلا افتقارنا إليه في الوجود، و توقف وجودنا عليه لا مكاننا) . 
قال الله تعالى: "يا أيُّها النّاسُ أنْـتمُ الفُقراءُ إلى اللّهِ" [ فاطر: 15] فافهم.
أنه وصفنا بما وصف به نفسه، توهم الاشتراك وهو لا اشتراك فيه، فإن الرتبة قد ميزته فيقبل كل واحد ذلك الإطلاق على تعطيه الرتبة التي يتميز بها فإنا نعلم قطعا أن الأسماء الإلهية التي بأيدينا تطلق علينا . 
كما قال تعالى في حق النبي صلى الله عليه و سلم:بالمُؤْمِنين رؤُفٌ رحِيمٌ" [ التوبة: 128] كما تطلق على الحق تعالى أن نسبة تلك الأسماء التي وقع الاشتراك في اللفظ بها إلى الله غير نسبتها إلينا، فما انفصل عنا إلا بربوبيته، و ما انفصلنا عنه إلا بعبوديتنا فمن لزم منا رتبته فما جني على نفسه، بل أعطي الأمر حقه فقد بان لك الحق تعالى و بان لك الخلق، فتل ما شئت . 
فالفارق من جهة الحق الوجوب الذاتي ومن جهة العبد الافتقار، وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه.
قال تعالى: "و اللّهُ هُو الغني الحمِيدُ" [ فاطر: 15] .
و قال تعالى: "و اعْلمُوا أنّ اللّه غني حمِيدٌ" [ البقرة: 267] .
و قال تعالى: "فِإنّ اللّه غني عنِ العالمِين" [ آل عمران: 97] . للدلالة عليه لظهوره بنفسه للعالم، فاستغنى أن يعرف بالعالم ولا يدل عليه الغير، بل هو الدليل على نفسه بظهوره لخلقه، فمنهم من عرفه و ميزه من خلقه، و منهم من معارفيه فلم يدر ما هو؟.
 كأبي يزيد قدّس سره : فإنه علم أن ثمة تميزا و لكن ما عرف ما هو حتى سأل .
وقال: يا ربّ بماذا أتقرب إليك؟ 
فقال تعالى: بما ليس لي، فقال: يا رب وما ليس لك وكل شيء لك؟ .
فقال تعالى: الذلة والافتقار حتى سكن ما عنده قدّس سره وهذه المحتملات الثلاثة من محتملات كلمة جمع جوامع الكلم صلى الله عليه و سلم .
فإنه قال : "من عرف نفسه فقد عرف ربه"  .
أمّا تعليق محال على محال هذا من مقام الحيرة، و أمّا من مقام العلم بصحو و تميز كالمحققين من الكمّل .
وأمّا من مقام العرفان أنه ما يرى الغير، فإذا عرف نفسه بهذا الاعتبار فهو عين معرفة الرب، فافهم .
وهنا لسان آخر و ذوق غير ذلك الذوق من أذواقه رضي الله عنه، قال تعالى: "وذ كرْ فِإنّ الذكْرى تنفعُ المُؤْمِنين" [ الذاريات: 55] .
فاعلم أن الله تعالى غنيّ عن العالمين بالعالمين كما يقال في صاحب المال: إن الله غني عن المال بالمال، فهو الموجب له الغنى .

وهي مسألة دقيقة لطيفة الكشف فإن  الشيء لا يفتقر إلى نفسه فهو الغني عن نفسه بنفسه .
قال تعالى: " يا أيُّها النّاسُ أنْـتمُ الفُقراءُ إلى اللّهِ و اللّهُ هُو الغنِي الحمِيدُ" [ فاطر: 15] .
الذي يرجع إليه عواقب الثناء، و ما يثني الأبناء من وجودنا، و أمّا تنزيهه عما يجوز علينا، فما وقع إلينا عليه تعالى إلا بنا، فهو غنيّ عنا فلا بد منا بثبوت هذا الغنى له بقاء، و من أراد أن يقرب عليه تصور هذه المسألة فلينظر إلى ما سمّي به نفسه سبحانه من كل اسم يطلبنا فلا بد منا.
فلهذا لم يمكن الغنى إلا بنا إذا حكم الألوهية بالمألوه، وحكم الربوبية بالمربوب والمريد بالمراد، والقادر بالمقدور، والقول بالمقول وهكذا الأمر.

قال المصنف رضي الله عنه : [ فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.]
قال الشارح رحمة الله : 
(فبهذا ): أي بهذا الغنى الذاتي، و عدم الاحتياج بالوجود لأن الوجود عينه و الشي ء لا يكون مفتقر إلى نفسه، فإنه غني عن نفسه بنفسه، فلو كان فقيرا يلزم أن يكون  الشيء الواحد من حيث ما هو غني و هو محال، و إن كان الاسم الإلهي المغني، هو معطي الغنى للعبد، فهو الغني بالله عنه .
أخبر تعالى أنه:كُلّ يوْم هُو فِي شأنٍ" [ الرحمن: 29] و العالم شؤونه، و هو متحول فيه و به، و أخبر أنه يوم القيامة يوم عموم الكشف و العيان .
قال تعالى: " لكل امْرئٍ مِنْـهُمْ يوْمئذٍ شأنٌ يُـغنيهِ " [ عبس: 37] فالكل يحمد الله مستغني به عنه كالحق أنه الغني عن العالمين، و لكنّ العلم بالله داهية دهماء و فتنة عمياء صماء فإنه يعطي، الزهو على عباد الله، و يورث الجهل بالعالم و بنفسه.
كما قال صاحب جنيد قدّس سره حين عطس.
و قال: الحمد لله، فقال له حينئذ: أكمل بقول رب العالمين .
قال: ما العالم حتى نقرنه مع الله؟
وإن كان هذا القول قول صاحب حال و لكن ناقص العيار لأن الله تعالى قد قارن معه، وقارن رب العالمين وهو تعالى حكيم عليم ما خاطب العالم إلا بالقول الأتم، فبتنوع خطابه ليتسع الأمر ويعم .
فالفقر ذاتي، و الغنى أمر عرضّي و من لا علم له يغيب عن الأمر الذاتي لشهود الأمر العرضي، فافهم .
وأسند الغني إلى الغنى عن العالمين لتكون أديبا فإن العبد عبد فقير تحت أمر سيده، و الله هو الغني الحميد، فافهم .

( صحّ له الأزل) و هو نفي الأولية بمعنى: افتتاح الوجود عن عدم، و نسبة الأزل إلى الله تعالى كنسبة الزمان إلينا و هو نعت سلبي لا عين له، فيكون  كالزمان نسبة متوهمة الوجود لا موجودة لأن كلّ شيء تفرضه يصحّ عنه السؤال بمتى، و متى سؤال عن زمان فلا بد أن يكون الزمان أمرا متوهما لا موجودا و لهذا أطلقه الحق على نفسه .
قال تعالى: " و كان اللّهُ بكُل شيْءٍ عليماً " [ الأحزاب: 40] .
ورد في الخبر عن صاحبي :  "أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق و أمثالهما". 
فعرفنا أن هذه الصيغ ما تحتها أمر وجودي و إلا ما صحّ تنزيه الحق عن التقييد الزماني إذا كان حكم الزمان بقيده .
أما ترى تذيل الحديث المشهور :  "كان الله و لم يكن معه  شيء". 
فذيله عارف بقوله: و الآن كما  كان، فتوهم في الحديث زمانا، و قال: و الآن كما كان .
(و القدم الذاتي) و إنما قلنا: الذاتي لأن الأرواح القاهرة و الأعيان لها القدم و لكن بالزمان لا بالذات الذي: أي القدم .
( انتفت الأولية التي افتتاح الوجود عن عدم فلا ينسب إليه ): أي الأولية بهذا المعنى فهو افتتاح الوجود عن العدم مع كونه الأول و لكن بمعنى آخر، و هو كونه مبدأ لما سواه، كما أنّ آخريته عبارة عن  كونه يرجع إليه عواقب الأمور .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الخامسة والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 12:53 pm

الفقرة الخامسة والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الخامسة والعشرون : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلا) يصح أن (تنسب إليه) تعالى (الأولية)لأنه تعالى لا افتتاح لوجوده (مع كونه) تعالى هو (الأول) فهذا الاسم له تعالى لا يدل على افتتاح الوجود، (ولهذا قيل فيه) تعالی أيضا أنه هو (الآخر)، فإن الأول بمعنى المفتتح وجوده قبل كل موجود لا يكون أيضا هو الآخر إلا بعد اختتام جميع الموجودات والله تعالى هو الأول والآخر من الأزل قبل افتتاح الوجود واختتامه .
(ولو كانت أوليته) سبحانه وتعالى المشتقة له من اسم الأول (أولية وجود) عالم (التقييد) على معنى أنه أول كل موجود حادث (لم يصح) له تعالى (أن يكون) مع ذلك هو(الآخر) أيضا .
(للمقيد) الذي هو هذا العالم الحادث (لأنه لا آخر للممكن) الحادث (لأن الممكنات) الحادثة (غير متناهية).
فإن أمر الدنيا إذا انتقل إلى الآخرة كان أهل الجنة مخلدين في الجنة إلى ما لا نهاية له وأهل النار كذلك مخلدون في النار بلا نهاية (فلا آخر لها)، أي المم?نات الحادثة.
فلا تتحقق حينئذ آخرية الحق تعالی و آخريته متحققة ثابتة له تعالى في الأزل كما ذكرنا من اسمه وإنما كان سبحانه وتعالى (آخرا لرجوع الأمر) في هذا الوجود الحادث والوجود القديم.
(كله) روحانية وجسمانية (إليه) تعالى لا يشاركه فيه غيره.
كما قال تعالى لأفضل خلقه محمد عليه السلام : "ليس لك من الأمر شيء" 128 سورة آل عمران. وقال: "لله الأمر جميعا " 31 سورة الرعد.
وقال :"وإلى الله ترجع الأمور" 210 سورة البقرة.
(بعد نسبة ذلك) الأمر (إلينا)، في قوله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم" 105 سورة التوبة.
وقوله :" بما كنتم تعملون" 105 سورة المائدة.
و تسميتنا أولي الأمر في قوله " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم" 83 سورة النساء.
وقوله: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" 59 سورة النساء.
وقوله عليه السلام: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع" الحديث.
فهو تعالى (الأول) قبل نسبة ذلك إلينا. وهو الآخر أيضا بعد سلب تلك النسبة عنا.
وتلك النسبة مسلوبة عنا في حال نسبتها إلينا (فهو) تعالى (الآخر في عين أوليته و) هو أيضا (الأول في عين آخريته) لأن أسماءه تعالى كلها قديمة أزلية.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلا ينسب إليه هذه الأولية مع ?ونه الأول) . بمعني مبدأ كل شيء كما ينسب إليه الآخرية بمعني منتهي كل شيء ومرجعه .
(ولهذا) أي ولأجل انتفاء الأولية عنه بمعني افتتاح الوجود عن العدم (قیل فيه الآخر) فلما قيل فيه الآخر لم يكن له الأولية بهذا المعنى .
(فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد) أي افتتاح الوجود من العدم.
(لم يصح أن يكون آخرا للمقيد) أي للممكن بمعني رجوع الكل إليه لأنه حينئذ يكون من الممكنات والممكن لا يرجع إليه شيء فكانت آخريته حينئذ بمعني الانتهاء والانقطاع وهذا لا يصح أيضا (لأنه لا آخر للممكن لأن الممكنات غير متناهية) أي غیر منعدم بانتفاء لعينه بحيث تفوته تعالى .
قال الشيخ رضي الله عنه في آخر نص يونسية وإليه برجع الأمر كله ، فإذا أخذه إليه سوى له مركبة غير هذا المركب من جنس الدار التي ينتقل إليها .فالكل في قبضته فلا فقدان في حقه.
تم كلامه فكانت الممكنات غير متناهية بهذا المعنى وهو المراد منا فلا ينافيه الانتهاء بحسب الدار الدنيا فإذا كانت غير متناهية (فلا آخر لها) فلا يتصف بالآخرية للمنافاة بينها وبين الآخرية فكان الحق آخرا ومنتهى لها.
(وإنما كان) الحق (آخرا لرجوع كل الأمر إليه بعد نسبة ذلك) الأمر إلينا، فإذا كان الرجوع بعد النسبة إلينا فكنا نحن نتصف بالرجوع إليه تعالی في ?ل آن بحسب كل يوم هو في شأن وإذا كان الأمر كذلك.
(فهو الآخر في عين أوليته والأول في عين آخريته) بحيث لا يسبق ولا العالم لنا به شرع في بيان الارتباط الذي احتجب الحق عنا به.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
قوله: "فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر المقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.
وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، "فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته."
قلت: يعني لو كانت له أولية اتصفت بها بالوجود بعد اتصافه بالعدم إذ كانت هذه الأولية هي أولية خاصة مقيدة.
فكأنه يقول: إن هناك أولية أخرى يصح معها أن تكون أولا مع ?ونه آخرا وأما تلك الأولية المذكورة فلا يصح أن يسمى من كان بها أولا أن يكون آخرا أيضا وإلا اجتمع الضدان لشيء واحد .
لكن الشيخ ما علل باجتماع الضدين بل علل بإن من كان له الأولية بافتتاح الوجود كان ?المم?نات في وجودها، فإن لها الأولية بافتتاح الوجود لكن مع هذا القيد لا يصح أن يكون لها الآخرية إذ الممكنات لا نهاية لها وفي قوة كلامه في قوله: لأن الممكنات لا نهاية لها، أنها ستوجد إلى غير نهاية وصرح بأن هذه الأولية ليست للحق تعالی.
فلا جرم صح مع أوليته تعالى أن يكون له آخرية في عين أوليته و أوليته في عين آخريته .
بخلاف الممكن وأما كيف ذلك؟ ولم ذلك؟
فما ذكره ولعمري أن الحاجة داعية إلى بيانه فإنه مهم
وأما قوله: وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه، فذلك غير واضح في تسميته بالآخرية، فإنه إن كانت أوليته بابتداء إيجاد العالم فكان الحال يقتضي أن يكون آخرا باعتبار انتهاء ایجاد العالم .
وقد قال: إن العالم لا آخر لإيجاده، فكيف يكون هو آخرا بهذا التقدير، فإذن له معنى آخر نحتاج نحن أن يعرفنا إياه.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
قال رضي الله عنه : "فلا تنسب إليه الأوّلية مع كونه الأوّل . ولهذا قيل فيه :
الآخر ، فلو كانت أوّليته أوّلية وجود التقييد ، لم يصحّ أن يكون الآخر للمقيّد لأنّه لا آخر للممكن لأنّ الممكنات غير متناهية ، فلا آخر لها .
وإنّما كان آخرا لرجوع الأمر كلَّه إليه بعد نسبة ذلك إلينا " .
ولهذا السرّ صحّ له الأزل والقدم ، يعني نفي الأوّلية والمسبوقية عن وجوده الذاتي ، فلا أوّل له سابقا عليه ، بل هو الأوّل السابق بوجوده المطلق الذاتي على التعينات الوجودية التقييدية .
وليس متعلَّق الحدوث والقدم حقيقة الوجود ، بل تعيّنه بحسب الأزمان والأوقات والمواطن والمراتب لا غير ، والتعيّن نسبة عدمية أيضا مع قطع النظر عن المتعيّن .
فسبحان الذي وسع بجوده ورحمته وعلمه وحكمته كلّ شيء حتى النسب العدمية ، أحدثها وأعطاها ضربا من الوجود ، وأظهرها موجودة للشهود المعهود .
فلو كانت أوّلية الحق من حيث الوجود العيني المقيّد ، لم يصحّ أن يكون هو الآخر لأنّه لا آخر للممكنات لأنّها غير متناهية ، فلو كانت متناهية ، صحّ أن يكون لها آخر .
فليست أوّليّته تعالى بمعنى أوّلية وجود التقييد ، ولا آخريّته بمعنى أنّه إذا انتهت الممكنات غير المتناهية ، كان هو آخرها .
فكان آخر وجود التقييد ، بل أوّليّته وآخريته بمعنى أنّه لا موجود إلَّا هو ، فالكلّ منه إليه " لا إِله َ إِلَّا هُوَ إِلَيْه ِ الْمَصِيرُ " .
بمعنى أنّه المطلق غير المتعيّن في عين كونه عين الكلّ أوّلا بداية ، والمتعيّن في عين لا تعيّنه وإطلاقه بتجلَّيات غير متناهية آخرا لا إلى غاية ونهاية .
قال رضي الله عنه : " فهو الآخر في عين أوّليّته ، والأوّل في عين آخريّته " .
يعني رضي الله عنه :
أنّ الوجود المطلق هو الأوّل على الإطلاق ، ثم إن تعيّن وتقيّد الوجود بتنوّع التجلَّي في مراتب تعيّناته فهو في حقيقته على أوّل الإطلاق الأصلي .
لأنّ التعين والتقيد نسبتان لا تقدحان في إطلاقه الحقيقي الذي ليس في مقابلة التقييد ، بل هو معنى ذاتيّ للذات .
نعم ، الإطلاق والتعيّن يستلزم تعقّلهما انتفاء البداية والنهاية ، والافتتاح والاختتام ، شمل بنور هويّته وإنّيّته المطلق والمقيّد .
فإنّ العين المطلق عين المطلق اللامتعيّن وعين المتعيّن غير المتناهي في تعيّنه ، لا إلى أبد أبدا الأبد ، فهي هي في اللاتعيّن الأوّل الباطن وفي التعيّن الآخر الظاهر .
فما ثمّ إلَّا هو هو ، فهو الأوّل في عين آخريته والآخر في عين أوّليته .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
فقال (ولا شك أنا أي المحدثات كثيرون بالشخص كأشخاص الإنسان مع اتحادهم في حقيقة الإنسان من حيث هو إنسان ، فإنه حقيقة واحدة ، وبالنوع كالإنسان والفرس المتحدين في حقيقة الحيوان ، التي هي حقيقة واحدة وبالجملة أشخاص الموجودات المحدثة والموجودات المتعينة فإنها متميزة متعينة متشخصة ومتنوعة "الآخر في عين أوليته"، مع اتحادها في حقيقة الوجود ، ولو لا ذلك لما كان الكثرة في الواحد ، فكذلك ، وإن وصفنا الحق بما وصف به نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق وليس إلا افتقارنا إليه وغناه عنا ، فإن الوجود المشخص مطلق الوجود مع قيد ، فذلك القيد الذي هو به غير المقيد الآخر ، وهو افتقار المقيد إلى المطلق وغنى المطلق عن المقيد " فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم فلا تنسب إليه مع كونه الأول " أي فبالغنى الذاتي الصمدى القيومى لكل ممكن وكونه سند مقوم لكل مقيد صح له الأزل والقدم ، وانتفت عنه الأولية بمعنى افتتاح الوجود عن العدم ، فإنه محال في حقه مع كونه الأول
( ولهذا قيل فيه الآخر ) أي ولأن أوليته بالغنى الذاتي وعدم الاحتياج في وجوده إلى الغير قيل فيه الآخر ، لا بمعنى أنه آخر كل ممكن إذ الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.
فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد لأنه لا آخر للممكن لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها ، وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا فهو الآخر في عين أوليته والأول في عين آخريته "
أي فلو كانت أوليته بأن يكون وجودا مقيدا واحدا من الموجودات المقيدة فابتدأ منه المقيدات لزم أن يكون آخريته بأن يكون آخرا للمقيدات لكنه لا آخر لها ولو كان لها آخرية ينتهى به الوجود لم يصح أن يكون الآخر عين الأول فآخريته برجوع الأمر كله إليه بعد نسبته إلينا كما ذكر في دائرة الوجود .
فكذلك أوليته بابتداء الكل منه بنسبته إلينا فالنسب والإضافات ممكنة والحقيقة من حيث هي هي واجبة وذلك معنى قولهم التوحيد إسقاط الإضافات ولا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
قوله : "فلاتنسب إليه الأولية مع كونه الأول" أي، بسبب هذا الغناء صح له أن يكون أزليا وأبديا وقديما في ذاته وصفاته.
(فبهذا صح له الأزل و القدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.
فلا تنسب إليه الأولية  مع كونه الأول. و لهذا قيل فيه الآخر.)
وإنما وصف (الأزل) و (القدم) بقوله: "انتفت عنه الأولية" بمعنى "افتتاح الوجود عن العدم" لأن الأعيان والأرواح أيضا أزلية، لكن أزليتها وقدمها زمانية لا ذاتية، وأزلية الحق ذاتية، لغنائه في وجوده عن غيره.
فانتفت (الأولية) منه بمعنى افتتاح الوجود عن عدم، فلا تنسب إليه الأولية بهذا المعنى، كما تنسب به إلى الأرواح والأعيان.
كما قال، صلى الله عليه وسلم: "أول ما خلق الله العقل"أي، أول ما افتتح من العدم إلى الوجود العقل، لكونه مسبوقا بالعدم الذاتي، وإن كان غير مسبوق بالعدم الزماني.
بل ينسب "الأولية" إليه بمعنى آخر وهو كونه "مبدأ" كل شئ، كما أن آخريته عبارة عن كونه منتهى كل شئ ومرجعه، أو كونه في مقام أحديته بحيث لا شئ معه.
كما قال عليه السلام: "كان الله ولم يكن معه شئ".
وهذا المعنى يجتمع مع الآخرية. لذلك قال الجنيد، قدس الله روحه،عند سماعه لهذا الحديث: "والآن كما كان". أي، لم يتغير هذا المقام عن حاله، وإن كان في المرتبة الواحدية معه أسماء وصفات وأعيان ثابتة للأكوان.
ويظهر هذا المقام للعارف عند التجلي الذاتي له، لتقوم قيامته الكبرى فيفنى ويفنى الخلق عند نظره، ثم يبقى ويشاهد ربه بربه. رزقنا الله وإياكم.
قوله : (ولهذا قيل فيه الآخر).
قوله : (فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد، لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.)
قوله : (وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا. فهو الآخر في عين أوليته والأول في عين آخريته).
أي، ولأجل أن أوليته ليست عبارة عن افتتاح الوجود عن عدم، قيل فيه الآخر، كما قال الله تعالى: (هو الأول والآخر.)...
فلو كانت أولية الحق تعالى مثل أولية الموجود المقيد، بمعنى افتتاح الوجود عن العدم، لم يصح أن يكون آخرا، لأن الآخرية عبارة حينئذ عن انتهاء الموجودات المقيدة والممكنات غير متناهية، فلا آخر لها.
وهذا الكلام إنما هو بحسب الدار الآخرة. وأما بحسب الدنيا فهي متناهية فلا ينبغي أن يتوهم أنه رضي الله عنه قائل بقدم الدنيا،
لذلك قال: "إذا زال وفك" أي الخاتم.
قوله : "وينتقل الأمر إلى الآخرة، فيكون ختما أبديا على خزانة الآخرة".
وقال في نقش الفصوص"تخرب الدنيا بزواله وتنتقل العمارة إلى الآخرة من أجله".
وفي جميع كتبه إشارة إلى هذا المعنى. ولولا مخافة التطويل، لأوردت ذلك بألفاظه. بل آخريته عبارة عن فناء الموجودات ذاتا وصفة وفعلا في ذاته وصفاته وأفعاله بظهور القيامة الكبرى ورجوع الأمر إليه كله.
وإنما قال: (بعد نسبته إلينا) لأن هذه الأشياء كانت لله تعالى أولا، ثم نسبت إلينا، فعند الرجوع إلى أصلها تفنى فيه.
كفناء القطرة في البحر وذوبان الجليد في الماء، فلا ينعدم أصلا، بل ينعدم تعينها وتستهلك في التعين الذاتي الذي منه تفرعت التعينات، لأن أصله كان عدما، فيرجع إلى أصله. لذلك قيل: "التوحيد إسقاط الإضافات."
وقد يحصل رجوع الأمر إليه قبل القيامة الكبرى بالقيامة الدائمة المشاهدة للعارفين. وهو نوع من أنواع القيامات.
وذلك لأن الحق تعالى في كل آن يخلق خلقا جديدا، كما قال: (بل هم في لبس من خلق جديد). ويمد الأكوان بأنواع التجليات الذاتية والصفاتية، ويصل ذلك الفيض إلى الإنسان الذي هو آخرالموجودات، ثم يرجع منه بالانسلاخ المعنوي إلى ربه.
وقد جاء في الحديث أيضا: "إن ملائكة النهار ترجع إلى الحضرة عند الليل، وملائكة الليل ترجعإليها عند النهار، ويخبرون الحق بأفعال العباد وهو أعلم بها منهم".
وإذا كان الأمر كذلك، فهو أول في عين آخريته وآخر في عين أوليته.
وهما دائمتان أزلا وأبدا.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
فقال: (فلا تنسب إليه الأولية) بمعنی: افتتاح الوجود عن عدم (مع كونه الأول) بمعنی: استناد الكل إليه في البداية، أو يعني سبق وجوده على الكل .
إلا أن الشيخ لم یعنی ما ذكرت، لكنه لم يصرح بمنعه لصحته، وقد صرح بمنع كونه أول بمعنی افتتاح الوجود لبطلانه من كل وجه؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم.
(وهذا) أي: ويكون أوليته ليست افتتاح الوجود عن عدم (قيل: فيه الآخر) وآخريته حينئذ ليست بمعنى انتهاء وجوده بعد انتهاء وجود المم?نات بل آخريته بمعنی: بقاء وجوده بعدما فني ما فني إلى الأبد.
ولكن هذا المعنى ليس على الإطلاق، فلذا لم يعتبره الشيخ رضي الله عنه و بمعنى: أنه يستند إليه الكل في النهاية أي: في البقاء ثم استدل على أن أوليته و آخريته ليست بمعنی افتتاح الوجود عن عدم واختنامه به .
بقوله: (فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد) أي: بمعنى أن وجوده في الماضي مقيد بزمان مخصوص سابق على زمان افتتاح وجود سائر الموجودات كانت آخريته أيضا أخرية وجود التقييد، وهو أن وجوده في المستقبل مقيد بزمان مخصوص ينتهي عنده، ويأتي ذلك الزمان بعد زمان انقطاع وجود سائر الموجودات لكن كونه آخر بهذا المعنى باطل.
لأنه (لم يصح أن يكون الحق هو الآخر المقيد) أي: للممكن الذي تقيد وجوده بزمان مخصوص ينقطع بانقطاعه؛ لأنه إنما يتحقق عند انقطاع زمان جميع الممكنات لكنه محال؛(لأنه لا آخر للمكن؛ لأن الممكنات غير متناهية) لاتفاق أهل التحقيق على أن الأمور الأخروية لا تتناهى.
وقد دلت الأدلة العقلية والنقلية على بقاء الأرواح الإنسانية على الأبد، وإذا كانت الممكنات غير متناهية كان زمانا غير منقطع حتى يأتي بعد انقطاعه زمان ينقطع فيه زمان الحق.
وإنما استدل بهذا الدليل؛ ليشير إلى إن الحق على تقدير كونه ممكنا لا يصح في شأنه هذا المعنى؛ فكيف عند كونه واجب الوجود؛ فافهم فإنه مزلة للقدم.
(وإنما كان آخرا لرجوع الأمر) أي: أمر الوجود (كله إليه) أما وجوده، فلأنه لذاته، وأما وجودنا؛ فلأنه ظله وصورته، ولا قيام له بذاته فهو بالحقيقة منسوب إليه (بعد نسبته إلينا)، والظاهر، واعتبر رضي الله عنه في الآخر معنى البقاء بعد فناء ما فني؛ لأنه ليس على الإطلاق، ولا هو مخصوص بالفناء الذاتي على نسب.
وإذا كان أوليته وأخريته بمعنی ?ونه مستند إليه لكل في الماضي والمستقبل مع أنه لا يجرى عليه الزمان، ولا ماض في حقه، ولا مستقبل؛ (فهو الأول في عين آخريته، والآخر في عين أوليته) فاتحد فيه الأبد بالأزل، وصدق في حقه السرمد، وهو اتصال الأزل بالأبد.
والحاصل أن الوجوب الذاتي أوجب له الفناء الذاتي، والأزل والقدم، والأزلية بمعنی: ?ونه مستند إليه للكل في البداية والأخروية بمعنی: كونه مستند إليه في النهاية.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
لا يقال : "الأوّليّة إنّما تقتضي السابقيّة على الكل ، لا المسبوقيّة" .
لأنّ الأوّليّة مفهومها مركب من نسبة وجوديّة هي السابقيّة المذكورة ، ومن أخرى عدميّة ، هي اللامسبوقيّة بآخر ، وبيّن أنّ الأوّل على ما اعتقدوه في تلك الصور إذا لم يكن بحسب الزمان على ما اتّفقوا عليه - لا بدّ وأن يكون بحسب الذات والوجود ، وهو معنى الافتتاح المذكور . هذا ما يلزم أرباب العقائد العقليّة المحصورة.
بخلاف ما انكشف لأولي الألباب من الانشراح الصدريّ العلميّ ، فإنّه يتصوّر فيه الأوّليّة بالمعنى الذي يستلزمه الغناء والوحدة الذاتيّة ، من استناد افتقار الممكنات في الوجود إليه وتقدّم الواجب في انتساب الوجود له . 
فقال رضي الله عنه : ( فلا ينسب إليه ) الافتتاح المذكور ، ( مع كونه الأوّل ) ضرورة أنّ الغناء المطلق يأبى اعتبار النسبة فيه مطلقا
 .
( ولهذا قيل فيه : الآخر ) جمع بين المتقابلين بوحدته الإطلاقيّة ( فلو كانت أوّليّته أوّليّة وجود التقييد ) بأن يكون افتتاح سلسلة الأعيان الممكنة في الوجود منه على ما عليه مسلك أرباب العقائد العقليّة مطلقا تقليديّة أو برهانيّة نظريّة .
( لم يصح أن يكون الآخر للمقيّد ، لأنّه لا آخر للممكن ، لأنّ الممكنات غير متناهية فلا آخر لها ) أصلا ، لا دنيا ولا آخرة ، إذ الحوادث اليوميّة غير متناهية اتفاقا ، وظاهر أنّه لا يستلزم ذلك قدم الدنيا - كما توهّمه البعض - فإنّ نسبة الزمان بمعزل عن هذه الأوليّة والآخريّة كما لا يخفى .
( وإنّما كان آخرا لرجوع الأمر كلَّه إليه بعد نسبة ذلك إلينا ) ، كما أنّه إنّما كان أوّلا لبدء ذلك الأمر منه قبل نسبته إلينا ، ( فهو الآخر في عين أوّليّته ، والأوّل في عين آخريّته ) ضرورة أنّ بدء الأمر في الافتقار المذكور منه إنّما هو عين رجوع الأمر كلَّه إليه كما أنّ رجوع أمر الانتساب إليه هو عين البدء منه ، ومن هاهنا تبيّن ظهور الكثرة في الواحد ببدئها منه ورجوعها إليه .
وصورة ذلك هي الدائرة الكاملة ، المبتدأ فيها بالنقطة المنتهية إليها ، ولذلك إذا استقصيت الحروف وجدت ما اشتمل منها على تلك الصورة رقما هو الهاء ، ولفظا هو الواو ، والمركب منهما « هو » المحمول عليه الاسمان تنبّه .
ثمّ إذ قد بيّن من الأسماء الأربعة المذكورة الأولين منها الدالين على التنزيه حان أن يبيّن الآخرين، الدالَّين منها على التشبيه، إتماما لما هو بصدد بيانه .
ولمّا كان مبنى أمر التشبيه على الجهة الارتباطيّة كما عرفت، وهي على ضروب :
منها ما هو بنفسه مشترك اشتراك اتحاد وذلك إنّما يكون في الأسماء الأول الذاتيّة - كما سبق في العلم والحياة وهما اللذان مؤدّاهما في هذا السياق الباطن والظاهر، وذلك إنّما يكون على ما تقرّر بصدقه على أفراده وجزئيّاته العينيّة ب « هو هو » ، كالغيب والشهادة من العالم بالنسبة إلى الباطن والظاهر منه .
ومنها ما هو بآثاره المترتّبة وأحكامه التابعة هي الرابطة ، كالخوف والرجاء من العالم بالنسبة إلى الغضب والرضا منه ، وذلك إنّما يكون في الأوصاف والأسماء الأخيرة .
ومنها ما هو بصورة وأمثلته التي هي أنهى غايات تلك الآثار رابطة ، كالهيبة والانس من العالم بالنسبة إلى الجلال والجمال منه . وذلك إنّما يكون في الأسماء الجامعة الإلهيّة .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
قوله : "فلا تُنسَبُ إليه الأوليّة مع كونه الأول." (فلا تنسب إليه تعالى الأولية) بهذا المعنى. فإنها من سمات الحديث "مع كونه الأول" بالأولية التي هي عبارة عن كونه مبدأ لما سواه كما أن آخريته عبارة عن كونه مرجع كل شيء ومنتهاه قوله : "و لهذا قيل فيه الآخِر."
(ولهذا). أي لأن أوليته لیست، بمعنى افتتاح الوجود عن العدم (قيل فيه الآخر) المقابل للأول
قوله : "فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخِرَ للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. "
(فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد) وافتتاح وجود المقيد عن عدم (لم يصح أن يكون آخرا للمقيد) بأن ينتهي إليه وجود المقبلات الممكنة ولا يوجد بعده ممكن لا آخر (لأنه آخر للممكن لأن الممكنات غير متناهية) .
وإن كان بحسب النشأة الأخروية (فلا آخر لها) وإذا لم يكن لها آخر فكيف يكون سبحانه آخرا لها
قوله : "وإنما كان آخراً لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوّليته، و الأول في عين آخريّته."
(وإنما كان سبحانه آخرا لرجوع الأمر كله). أي أمر الموجود وتوابعه (إليه سبحانه) بفناء الموجودات ذات وصفة وفعالا في ذاته وصفاته وأفعاله بظهور القيامة الكبرى أو القيامة الدائمة المشاهدة للعارفين.
(بعد نسبة ذلك) الأمر (إلينا). لأن الوجود وتوابعه كان لله اولا ثم نسب إلينا ئم بعد هذه النسبة مرجع الكل إليه (فهو الآخر في عين أوليته الأول في عين آخريته) بهويته بين الأضداد وهو ظاهر بها أزل الآزال و أبد الآباد.
وكما أشار رضي الله عنه فيما تقدم إلى الأوصاف المشتركة بيننا وبين الحق سبحانه خص بالذكر منها الأوصاف المتقابلة ههنا ليفرع عليها بيان المراد من اليدين اللتين توجهتا من الحق على خلق آدم و بنيه على أن في جميع الیدین تشريفا له و ليس لإبليس هذه الجمعية.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الخامسة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 12:58 pm

الفقرة الخامسة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الخامسة والعشرون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر.
فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.
وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته. )
قال المصنف رضي الله عنه : [فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر.]

قال الشارح رضي الله عنه :
(فلا ينسب إليه ): أي الأولية بهذا المعنى فهو افتتاح الوجود عن العدم مع كونه الأول و لكن بمعنى آخر، و هو كونه مبدأ لما سواه، كما أنّ آخريته عبارة عن  كونه يرجع إليه عواقب الأمور .
قال تعالى: "إنّ إلى ربِّك ُّالرجْعى"  [ العلق: 8] . و قال: "وأنّ إلى ربِّك المُنْتهى"  [ النجم: 42] .
اعلم أنّ معقولية الأولية للواجب المطلق نسبة وصفية لا يعقل لها العقل سوى استناد الممكن إليه، فيكون أولا بهذا الاعتبار، و لو قدّر عدم وجود الممكن قوة و فعلا لانتفت هذه النسبة الأولية إذ لا تجد متعلقا .
و أمّا معقولية الأولية للواجب الوجود بالغير نسبة سلبية عن وجود كون الوجوب المطلق، فهو أوّل بكل مقيد إذ يستحيل أن يكون هناك قدم لأحد فافهم .
( و لهذا ): أي لأن أوليته ليست أولية افتتاح الوجود من العدم .
قال المصنف رضي الله عنه : [فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.  وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته. ]

قال الشارح رحمه الله :
( قيل فيه: الآخر فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد لا أنه لا آخر للممكن لأنّ الممكنات غير متناهية) لعدم تناهي الحقائق، و عدم تناهيها لعدم تناهي أعيانها الثابتة، وهي المعلومات الإلهية، والتناهي في المعلومات محال .
قال رضي الله عنه في الباب الثالث و الثمانين و ثلاثمائة من "الفتوحات ":
إني علمت أنّ في العالم من  يقول بانتهاء علم الله تعالى في خلقه، و إنّ الممكنات متناهية وأنّ الأمر لا بد أن يلحق بالعدم و الدّثور، و يبقى الحق حقّا لنفسه ولا عالم.
و رأيت بهذا قائلا بمكة المشرفة معتقدا له من أهل السوس من بلاد المغرب، حجّ معنا و خدمنا، و كان يصر على هذا المذهب حتى صرّح عندنا و لا قدرت على ردّه و لا أدري بعد فراقه هل رجع أو مات عليه؟
و كان لديه علوم جمة و فضل إلا أنه لم يكن له دين، و إنما كان يقيمه صورة عصمة لدمه و ليس في الجهل أعظم من هذا الجهل، عصمنا الله و إياكم منه .


"" إضافة الجامع : قال الشيخ رضي الله عنه  في الفتوحات باب في فهرست أبواب الكتاب وليس معدودا في الأبواب:
أعلم الممكنات لا يعلم موجده إلا من حيث هو. فنفسه علم ومن هو موجود عنه غير ذلك لا يصح .
لأن العلم بالشيء يؤذن بالإحاطة به والفراغ منه.  وهذا في ذلك الجناب محال.
فالعلم به محال ولا يصح أن يعلم منه لأنه لا يتبعض فلم يبق العلم إلا بما يكون منه وما يكون منه هو أنت . فأنت المعلوم
فإن قيل علمنا بليس هو ، كذا علم به ، قلنا نعوتك جردته عنها لما يقتضيه الدليل من نفي المشاركة .
فتميزت أنت عندك عن ذات مجهولة لك من حيث ما هي معلومة لنفسها.
ما هي تميزت لك لعدم الصفات الثبوتية التي لها في نفسها .فافهم.
ما علمت وقل رب زدني علما ، لو علمته لم يكن هو .
ولو جهلك لم تكن أنت .
فبعلمه أوجدك وبعجزك عبدته .
فهو هو لهو لا لك وأنت أنت لأنت وله .
فأنت مرتبط به ما هو مرتبط بك .
الدائرة مطلقة مرتبطة بالنقطة .
النقطة مطلقة ليست مرتبطة بالدائرة .
نقطة الدائرة مرتبطة بالدائرة .
كذلك الذات مطلقة ليست مرتبطة بك .
الوهية الذات مرتبطة بالمألوه كنقطة الدائرة. ""

( فلا آخر لها ): أي دنيا و أخرى، إنما قلنا ذلك حتى لا يلزم الفساد المتوهم علينا فافهم .
و إنما كان آخر الرجوع الأمر كله إليه) قال تعالى: "ألا إلى اللّهِ تصِيرُ الْأمُورُ" [ الشورى: 53] "و إليْهِ تُـرجعون" [ البقرة: 245] عمّ هذا النص الشريف ما حمد، و ما ذمّ و ما ثمّة إلا محمود، قال تعالى: "للّهِ الْأمْرُ مِنْ قبْلُ و مِنْ بعْدُ" [ الروم: 4] و هكذا الأمر، فافهم .
( بعد نسبة ذلك ): أي الأمر كالصفات على ما قررناه أنها تؤخذ بعد نسبة تلك الصفات (إلينا )، و بهذا يتحقق معنى الرجوع لأن الوجود و توابعه له تعالى بالأصالة .
( فهو الآخر في عين أوليته و الأول في عين آخريته ): أي إذا كان الأول و الآخر لهذين الاعتبارين المذكورين صحّ عند العقل أن يقول: إنه الأول في عين آخريته، و الآخر في عين أوليته، و لا جمع للأضداد التي لم تجتمع فإنّ له شروطا حتى يحكم العقل عليه بعدم الاجتماع منها: وحدة العين و  وحدة النسبة و الاعتبار من جميع الوجوه، و في مسألتنا هذه أنه أوّل بمعنى: إنه مبدأ كل  شيء و آخر كلّ شيء بمعنى رجوع كلّ شيء إليه، فجمع الأولية في عين الآخرية بالاعتبارين و لا ضد فافهم، فإذا عرفت هذا اعلم أنه .

قال الشارح الجامي قدّس سره في بيان هذا المتن:
جمع بإطلاق هويته بين الأضداد، و هو ظاهر بها أزل الآزال و أبد الآباد، انتهى كلامه .
كأنه أعطي هذا القول حكم النص حيث قال: هو الأول و الآخر و الظاهر الباطن أنه الأول في عين الأول، في عين الآخرية، في عين الأولية، من جميع الأضداد التي يرميها العقل، و يراها صاحب الكشف بالشهود .

و من هذا المذاق ما نقل عن الخراز قدّس سره:
عرفت الله بجمع الأضداد لأنه لو كانت معقولية الأولية و الآخرية إلى الحق تعالى كمعقولية نسبتهما إلينا، لما كان ذلك مدحا في الجناب الإلهي و لا استعظمه العارف بالله و بحقائق الأسماء حتى قال: عرفت الله به ثم تلا: "هُو الْأوّلُ والْآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ وهُو بكُل شيْءٍ عليمٌ" [ الحديد: 3] .
فإنّ العبد يصل إذا تحقق بالحق إلى أن ينسب الأضداد من عين واحدة و نسبة واحدة كالحق تعالى و لا يختلف النسب، و هذا المدرك عزيز المنال، صعب الارتقاء، يتعذّر تصوّره على من لا أنس له بالعلوم الإلهية التي يعطيها الكشف و التجلي، ولا يخفي أنّ هذا ذوق غير الذوق الذي نحن في معرض بيانه .
فإنّ الأولية في عين الآخرية اللتين نحن بصدد بيانهما ليس من عين واحدة و نسبة واحدة، حتى يكون من محالات العقل بل إنما ذكرها رضي الله عنه لتأنيس العاقل وصاحب النظر والفكر، فإنه ما يخالف ذوقهم وأصلهم .


"" أضافة الجامع :  يقول أ. نهاد خياط :
" هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ " فالأولية التي يتصف بها الحق تعالى ليست بمعنى أنه أول الممكنات .
إذ لو كان كذلك لم يكن هو الآخر ، لكنه الآخر لا بمعنى آخر الممكنات بل بمعنى رجوع الأمر إليه كله .ي
يقول الشيخ الأكبر في هذا المعنى :
فبهذا صح له الأزل والقدم ، وانتفت عنه الأولية التي لها اتتاح الوجود عن العدم ، فلا تنسب إليه مع كونه الأول . ولهذا قيل في الآخر .
فلو كانت أوليته أولية وجود التقيد ( باعتبار الموجودات مقيدة بشروط وجودها ) ، لم يصح أن يكون الآخر للمقيد ، لأنه لا آخر للممكن ، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها .
وإنما كان آخراً لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا ، فهو الآخر في عين أوليته ، والأول في عين آخريته .
" وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ " . كل خلق فله ظاهر وباطن ، وبما هو انعكاس لتجلياته الأسمائية تعالى : فللقرآن الكريم ظاهر وباطن ، كما مرّ معنا قبل قليل .
وكذلك للإنسان ظاهرٌ وباطن . وكذلك كل شيء .
فالإنسان ظاهره خلق وباطنهُ حق .
لكن ظاهره هو صورة اسمه تعالى " الظاهر " ، والحق هو باطن هذه الصورة .
وفي هذا المعنى يقول الشيخ الأكبر :
فالحق هو الظاهر في كل مفهومٍ ( مدرك ) وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال أن العالم صورته وهويته ، وهو الاسم الظاهر . كما أنه بالمعنى روح ما ظهر ، فهو الباطن . فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة ويقول أيضاً : فأنت له ( للحق ) كالصورة الجسمية لك ، وهو ( الحق ) لك كالروح المدبر لصورتك بعبارة أخرى ، إن الحق تعالى من العالم بمنزلة الروح من الجسد .
والشيخ عندما قال :" أن العالم صورة الحق وهويته "إنما عُرف العالم بالحق .
وعندما قال أن الحق روح ما ظهر قد عرف الحق بالعالم . ولكن باطن العالم لا يتناهى ،
ولذلك لا يتناهى الحق . " أهـ ""
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السادسة والعشرين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 12:59 pm

الفقرة السادسة والعشرين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السادسة والعشرين :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن، فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا. ووصف نفسه بالرضا والغضب، وأوجد العالم ذا خوف ورجاء فيخاف غضبه ويرجو رضاه. ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس. 
وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به. فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهنا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته.)
(ثم لنعلم أن الحق) تعالى (وصف نفسه بعد ذلك أيضا بأنه ظاهر باطن) حيث قال تعالى: "هو الأول والأخر والظهر والباطن وهو بكل شيء عليم " 3 سورة الحديد.
(فأوجد العالم) كله (عالم غیب) عنا (و) عالم (شهادة) لنا. فغيبنا الأرواح وشهادتنا الأجسام.
(لندرك الباطن) من العالم (بغيبنا) وهو الروح (و) ندرك (الظاهر) من ذلك (بشهادتنا) وهي الجسم ولا غيب ولا شهادة بالنسبة إليه تعالى.
لأنه أخبر عن نفسه تعالى أنه عالم الغيب والشهادة، فهما عنده سواء.
وإذا استویا فلا فرق بينهما، وإذا لم يكن بينهما فرق ارتفع الأمران لارتفاع المميز لكل منهما عن الآخر.
وثبت علمه تعالى بكل شيء وإحاطته بالجميع إحاطة واحدة، ومع ذلك فهو تعالی الظاهر الباطن.
فهو الظاهر لغيره والباطن عن غيره، فلا ظاهر إلا هو ولا باطن إلا هو، ولا هو ظاهر لغيره ولا هو باطن عن نفسه.
ولما نسب سبحانه أمره إلينا كان باطنا عنا ثم لما سلب أمره عنا كان ظاهرة لنا وأمره مسلوب عنا في حال نسبته إلينا كما سبق، فهو الظاهر في عين باطنيته والباطن في عين ظاهريته .
وقوله بعد ذلك "وهو بكل شيء عليم" 29 سورة البقرة.
تنبیه منه تعالى على أن اسمه الباطن نسبة إضافية بالنظر إلينا، وأما بالنظر إليه تعالى فهو عليم بكل شيء فضلا عن علمه بذاته وصفاته فكيف يكون باطنا عنه.
ثم لما كانت هذه النسبة وهذا السلب يتعاقبان على الإنسان في كل آن في الدنيا والبرزخ في الآخرة تسمى الإنسان بما تسمى به الحق تعالى.
فكان الإنسان في حال نسبة ذلك الأمر إليه أولا، وفي حال سلب تلك النسبة عنه ثم عودها إليه آخر.
مع أنها منسوبة إليه أيضا في حال سلبها عنه، لأن هذه النسبة حكم إلهي وأحكام الله تعالى لا تتغير لكنها تنسخ ويؤتي بعدها بمثلها.
كما قال تعالى : " ما ننسخ من آية أو ننسها " 106 سورة البقرة.نأت بخير منها.
يعني من جهة رفعة المقام، أو مثلها من جهة المساواة، فالإنسان حينئذ هو الأول في عين آخريته، والآخر في عين أوليته.
وكذلك هو الظاهر في حال تلك النسبة إليه، والباطن في حال سلبها عنه، وسلبها عنه كائن معها على كل حال، فهو الظاهر في عين باطنيته، والباطن في عین ظاهريته.
فتقابلت الحضرتان: حضرة الحق وحضرة الإنسان.
(ووصف الحق) تعالى (نفسه بالرضى) في قوله : "رضي الله عنهم" آية 119 سورة المائدة و آية 22 سورة المجادلة و آية 8 سورة البينة و آية 100 سورة التوبة.
(والغضب) في قوله : "غضب الله عليهم " 6 سورة الفتح.
(وأوجد العالم الإنساني) وغيره (ذا خوف) من ضر أو فوات نفع (ورجاء) لنفع أو فوات ضر (فنخاف غضبه)، أن يظهر فينا أثره وهو الانتقام. (ونرجو رضاه)، أن يظهر فينا أثره وهو الإنعام.
كما جعل فينا غضبا ورضى ليخافنا غيرنا ويرجونا غيرنا أن يظهر فيه أثر غضبنا ورضانا من انتقام أو إنعام.
(ووصف) الحق تعالی أيضا (نفسه بأنه جميل)، كما ورد في الحديث : "إن الله جميل يحب الجمال".
(وذو جلال) كما قال تعالى: " ذو الجلال والإكرام " 27 سورة الرحمن.
(فأوجدنا الحق تعالى على هيبة) تجدها في قلوبنا عند ظهور جلاله لنا (وأنس) نجده في قلوبنا عند ظهور جماله لنا، وكذلك جعلنا ذا جلال و جمال ليها بنا غيرنا ويأنس بنا غيرنا.
واعلم أن الغضب والرضی حضرتان لله تعالى يظهران لأهل البداية، فيظهر بظهورهما من أهل البداية الخوف والرجاء.
والجلال والجمال حضرتان لله تعالی أيضا في مقابلة ذلك يظهران لأهل التوسط في الطريق، فيظهر لظهورهما من أهل التوسط الهيبة والأنس والقبض والبسط.
وكذلك التجلي والاستتار حضرتان لله تعالى يظهران لأهل النهاية، فيظهر لظهورهما من أهل النهاية الفناء والبقاء .
فالغضب والرضى لأهل البداية
يسمى جلالا وجمالا لأهل التوسط.
ويسمى استتارة وتجلية لأهل النهاية .
وكذلك الخوف والرجاء للمبتدئين، والهيبة والأنس والقبض والبسط للمتوسطين، والفناء والبقاء للمنتهين.
(وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى) من الإعزاز والإذلال والخفض والرفع والضر والنفع والعطاء والمنع والإحياء والإماتة، فنعز بإعزازه، ونذل بإذلاله، ونخفض بخفضه، ونرتفع برفعه، ونتضرر بضره، وننتفع بنفعه، ونفوز بعطائه ، ونحرم بمنعه، ونحيا بإحيائه، ونموت بإماتته، إلى غير ذلك من باقي أوصافه تعالى المتقابلة.
(و) كذلك جميع ما (يسمى به) تعالى من المعز، والمذل، والخافض، والرافع، والضار، والنافع، والمعطي، والمانع، والمحيي، والمميت إلى آخره من المتقابلات.
(فعبر)، أي عبر الله تعالی بمعنی ?نا (عن هاتين الصفتين) المتقابلتين والاسمين المتقابلين في القرآن العظيم (باليدين اللتين توجهتا منه) سبحانه وتعالى (على خلق) هذا(الإنسان الكامل) الذي هو آدم وبنوه إلى يوم القيامة.
فاليد اليمنى: هي ما يلائمه من ذلك كالإعزاز والمعز، والرفع والرافع، و النفع و النافع، والعطاء والمعطي، والإحياء والمحيي.
واليد الشمال : ما لا يلائمه من ذلك كالإذلال والمذل والخفض والخافض والضر والضار والمنع والمانع والإماتة والمميت إلى آخره.
فالمؤمنون غلبت عليهم اليد اليمنى فهم أهل اليمين .
والكافرون غلبت عليهم اليد الشمال فهم أهل الشمال.
والمنافقون تذبذبوا بين اليدين ولم يتمسكوا بواحدة منهما فسقطوا منهما فوقعوا تحت المؤمنين وتحت الكافرين فكانوا في الدرك الأسفل من النار.
ثم إن آدم عليه السلام لما خلقه الله تعالى باليدين معا كما قال تعالى في عتاب إبليس عن امتناعه عن السجود:"ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي 75 سورة ص.
جمع في ذريته لهذه الأنواع الثلاثة : المؤمنين والكافرين والمنافقين
(لكونه)، أي الإنسان الكامل (الجامع) دون غيره من بقية العالم ما عدا جملة العالم، فإنه جامع كذلك (لحقائق العالم) الروحاني الجسماني (و) جميع (مفرداته) من الأشخاص الجزئية .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن، فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا. ووصف نفسه بالرضا والغضب، وأوجد العالم ذا خوف ورجاء فيخاف غضبه ويرجو رضاه. ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس.
وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به. فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهنا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته.)
(ثم لنعلم أن الحق وصف نفسه) في الآية الكريمة (بأنه ظاهر و باطن فأوجد العالم) أي الإنسان لأن المراد بيان الارتباط وكيفية الدليل منا عليه.
(عالم غيب) وهو بواطتنا وأرواحنا (و) عالم (شهادة) وهي ظواهرنا وقوانا الظاهرة فكنا مجمع العالمين فليس المراد من إيجادنا على هذا
الوجه إلا (لندرك) الاسم (الباطن بغیبنا) بسبب إدراكنا غيبنا.
(والظاهر بشهادتنا) فنعلم قطعة على طريق الاستدلال من الأثر إلى المؤثر بأن الحق تعالی هو الظاهر والباطن.
(ووصف نفسه بالرضا) بقوله تعالی رضي الله عنهم :" ورضوا عنه " (والغضب) سبقت رحمتي على غضبي .
فأوجدنا ذا رضا وغضب لندرك الرضا برضائنا والغضب بغضبنا وإنما لم يذكر هذا الوجه لظهوره مما سبق .
(وأوجد العالم) أي أوجدنا (ذا خوف ورجاء فنخاف غضبه ونرجو رضاه) لأن الخوف لازم الغضب والرجاء لازم الرضا فينا فنتصف بهما فنستدل على غضبه ورضائه مع كونه منزها عن الخوف والرجاء .
(ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فاوجدنا على هيبة) تحصل من جلال الله تعالى في قلوبنا (وأنس) حاصل
لنا من جماله فنتصف بهما فنستدل على جمال الله تعالى وجلاله مع أنهما لا ينسبان إليه تعالى ولا يسمى بهما لكنه يسمى بمبدئهما.
أي مبدأ الخوف وهو العضب ومبدأ الرجاء وهو الرضاء وكفى بذلك دليلا على حصول الارتباط.
(وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به) سواء كان انتسابا حقيقيا أو في الجملة .
(نعبر عن هاتين الصفتين) الجمال والجلال (باليدين اللتين توجهتا منه) من الحق (علی خلق الإنسان الكامل) لا على خلق غير الإنسان الكامل فإن المتوجه من الله تعالى على خلق غير الإنسان الكامل بد واحدة وإنما خلق الله تعالى الإنسان بيديه اللتين تجمعان جميع الصفات اللطيفة والقهرية.
(لكونه) أي الإنسان الكامل (الجامع)، بحسب الحقيقة الكلية التي هي عينه الثابتة (لحقائق العالم) أي لحقائقه الكليات التي هي أعيانه الثابتة.
(ومفرداته) لكونه جامعة لجميع ما يصدق عليه العالم من الجزئيات فإذا وجد الإنسان في الخارج بخلق الله تعالی بيديه ظهر جميع ما
في العالم في هذه النسخة الشريفة فاقتضى شأن الإنسان توجه اليدين مع الحق تعالی بخلقه فخلقه الله تعالی بيديه فإنه أعطى كل ذي حق حقه.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن، فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا. ووصف نفسه بالرضا والغضب، وأوجد العالم ذا خوف ورجاء فيخاف غضبه ويرجو رضاه. ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس. وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به. فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهنا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته.)
قوله رضي الله عنه : "ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر وباطن، فأوجد العالم: عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا."
قلت: معناه أن الحق تعالی فعل ذلك بنا لنعلم ظاهره بما فينا من الظهور ونعلم الباطن من وصفه نفسه بالباطن بما فينا من معنى الغيب، فإن أحدا ما يعلم شيئا إلا بما فيه من ذلك الشيء أو بما في ذلك الشيء منه.
قوله: "ووصف نفسه بالرضا والغضب، وأوجد العالم ذا خوف ورجاء فنخاف غضبه ونرجوا رضاهووصف نفسه بأنه تعالى جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس. وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به. فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهتا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع بحقائق العالم ومفرداته."
قلت: معناه حتى نقابل نحن غضبه بالخوف، ورضاه بالرجاء فيتحقق الرضا والغضب استدلالا على كل واحد منهما بما يقابله منا وكذلك ما بعد هذا مما وصف به نفسه.
قوله: "فعبر عن هاتين الصفتين باليدين".
قلت: يعني بالصفتين التقابل الذي بين كل صفتين مما ذكره ومما لم يذكر مما خلق الإنسان فيها على وفق صفتين متقابلتين منه تعالى على حد ما شرحناه.
كأنه قال: وهاتان الصفتان المتقابلتان هما اللتان عبر عنهما باليدين في قوله تعالى: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بیدی أستكبرت" سورة ص 75.
فاليدان هنا الصفتان المذكورتان والتعبير عنهما باليدين مجاز حسن في لغة العرب.
فإن اليدين هما سبب فيما يصنع بهما وهاتان الصفتان هما السبب في خلق العالم على وفقهما في جمعه بين المتقابلات، فهذه علاقة سوغت استعمال المجاز.
واقتصر من ذكر العالم على ذكر خلق الإنسان الكامل لكونه فيه جميع ما في العالم الكبير وجعل العالم الكبير كالمفردات التي يتركب المركب منها.
ثم جعل العالم شهادة لأنه هو عين ما يراه وأما الإنسان فما ترى منه إلا جسده لكن جسده هو من العالم الكبير وليس هو جامعا باعتبار جسمه إلا بما تخص القوى الطبيعية فقط وأما المعتبر منه.
فما هو إلا جمعه لصفات الأسماء الحسنى ومعانی الكليات التي تفاصيلها لا تتناهي وهذه معان كلها غيبية فالإنسان غيب والعالم شهادة.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن، فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا. ووصف نفسه بالرضا والغضب، وأوجد العالم ذا خوف ورجاء فيخاف غضبه ويرجو رضاه. ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس.
وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به. فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهنا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته.)
قال رضي الله عنه : " ثمّ لتعلم أنّ الحق وصف نفسه بأنّه ظاهر باطن وأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا
. ووصف نفسه بالرضا والغضب ، وأوجد العالم ذا خوف ورجاء ، فنخاف غضبه ونرجو رضاه.
ووصف نفسه بأنّه جميل وذو جلال ، فأوجدنا على هيبة وأنس ، وهكذا جميع ما ينسب إليه ويسمّى به . ثم عبّر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجّهنا على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته ".
قال العبد أيّده الله به : اعلم :
أنّه لمّا كان الإطلاق الذاتي الذي تستحقّه الذات ليس في مقابلة التقييد والتحديد ، بل إطلاق عن التقييد بالإطلاق الذي في مقابلة التقييد .
فهو إطلاق عن التقييد وعن الإطلاق بجمعه الذاتي بينهما جمعا ، غير متقيّد أيضا بالجمع ، بل مطلقا عن كل اعتبار ، ولا لسان في هذا المقام ولا حكم ولا اسم ولا صفة ، بل بهت بحت ، وخرس صرف .
وبتحقّق التعيّن الأوّل مفتاح مفاتيح الغيب يتعيّن للعين المطلقة تعيّن ولا تعيّن ، وإطلاق وتقييد ، ووحدة وكثرة ، وفعل وانفعال ، فتعيّن بالتعيّن الأوّل النسب الذاتية.
وهي : الأوّلية والآخرية ، والباطنية والظاهرية .
وهو من حيث التعيّن بلا اعتبار التعين واللا تعين لا أوّل ولا آخر ، ولا باطن ولا ظاهر ، ولا نسبة هذه النسب ولا لا نسبتها أحقّ وأولى .
ولكنّه تعالى من حيث إطلاقه باطن ، وقد جعل الباطن بحجاب عزّ غيبه عن أن يحاط به أو يتناهى ، أو يكون له بداية ، فله الجلال .
وهو من حيث تعيّنه ظاهر جميل بجمل القصد إليه والاستناد من كونه مبدأ للتعينات الشؤونية الكلَّية مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلَّا هو .
يعني ليس علمها إلَّا للهوية المطلقة الكبرى التي للمعيّن ، وهي فيه هو ، وهو فيها هي فظهرت الاثنينية بالتعين الأوّل للعين الواحدة بالوحدة الحقيقية.
وهي من حيث حضرتها الجلالية تقهر أعيان الأغيار ، وتغضب عليها غيرة أحدية ، ولكنّها من حيث التعين ترضى عن كلّ معيّن قابل ومتعيّن مقبول رضى خصيصا بخصوصيته لكونه جهده واستطاعته ، كما قال :
مالي سوى الروح خذه   ..... جهد الفقير المقلّ
وقد ورد الوارد في هذا البيت عليّ بمعنى مخترعا في المحتد والمشرب عند المبصر المستبصر ، فقال :
مالي سوى أنت خذ بي    ..... جهد الفقير المذلّ
فتأمّل أيّها المتأمّل .
وبموجب هاتين اليدين اللتين لهما القبض والبسط ، والعطاء والمنع ، والرفع والوضع ، أوجدنا ذوي خوف ورجاء ، وقبض وبسط ، وهيبة وأنس ، فنهاب جلاله ، ونأنس بجماله ، ونخاف غضبه ، ونرجو رضاه . فظهرت فينا أحكام الاثنينية ، المذكورة في اليدين .
كما أشار إليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله : " وخلق آدم بيديه " الحديث .
وقال الله تعالى لإبليس " ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ".
وكما أظهر الله من هاتين اليدين المباركتى لآدم عند تجلَّيه .
فقال له : اختر أيّتها شئت .
فقال آدم : اخترت يمين ربّي ، وكلتا يدي ربّي يمين مباركة .
ففتح سبحانه يمينه ، فإذا فيه آدم وذرّيّته ، ولذلك خمّر الله بيديه طينة آدم أربعين صباحا .
فكان ربّنا تبارك وتعالى يتجلَّى على صورته التي خلق آدم عليها ويخمّر طينته بيديه المباركتين حتى تخمّر فيها ببركة توجّهه الكلي الجمعي الإلهي سرّ أحدية الجمع الذاتي الإلهي بين يديه .
حتى بدت فظهرت في طينته ، صورته المباركة على أحسن تقويم ، وأكمل تعديل وترسيم ، فظهرت فيه جميع الحقائق الجلالية القهرية والجمالية اللطفية ، وكمل به .
وفيه سرّ الإطلاق والتقييد ، والتعيّن واللاتعيّن ، فكان أكمل كون وأجمعه وأتمّه ، وأفضل مظهره وأوسعه وأعمّه .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن، فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا. ووصف نفسه بالرضا والغضب، وأوجد العالم ذا خوف ورجاء فيخاف غضبه ويرجو رضاه. ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس.
وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به. فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهنا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته.)
( ثم ليعلم أن الحق ) أي بعد العلم بما ذكر .
ليعلم أنه تعالى لما أرانا آيات أسمائه وصفاته في العالم جعل فينا ما نعرف به ذلك فشركنا مع العالم في صفاته لنعرف بما فينا ما فيه وما أمكن العالم قبول جميع أسماء الحق وصفاته ، لأن الفارق بينه وبين الحق الوجوب الذاتي والإمكان وما يلزمهما من الغنى والفقر لازم فيقبل بعضها وهو الذي لا يختص بالوجوب كالوجود والظهور والبطون .
وأما البعض الآخر فلا يقبل إلا آثارها التي يليق بفقره ونقصه ،وجمع فينا بأحدية الجمع الأمرين.
فلذلك قسمها قسمين :
وجعل القسم الأول مشتركا بين الكل أي بين الحق تعالى وبيننا وبين العالم فقال ( وصف نفسه بأنه ظاهر وباطن فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا )
لكنه فرق بين وصف العالم ووصف الحق بهما بأن جعل العالم عالمين عالم غيب وعالم شهادة إذ ليس في العالم إلا أحدية الجمع ولم يفرق بين وصف الحق ووصفنا فأضاف الغيب والشهادة إلينا بحكم أحدية جمعنا المخصوص فنحن على معناه وصورته دون العالم .
وأما القسم الآخر فسوانا فيه مع العالم وجعل في مقابلة كل صفة فعلية محضة لله تعالى صفة انفعالية مشتركة بيننا وبين العالم
فقال ( ووصف نفسه بالرضا والغضب وأوجد العالم ذا خوف ورجاء ) فإن الخوف انفعال وتأثر من تأثير الغضب نعرف به غضبه ، وكذا الرجاء في مقابلة الرضا ولهذا قال ( فنخاف غضبه ونرجو رضاه )
وقال ( ووصف نفسه بأنه جميل ذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس ) فإن الهيبة انفعال من صفة الجلال ونعرف به عظمته وجلاله .
وكذا الأنس في مقابلة الجمال فجعلنا على صفته بوجه وعلى صفة العالم بوجه كما سيجيء
( وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به فعبر عن هاتين الصفتين ) أي المتقابلتين اللتين له تعالى كالظهور والبطون والرضا والغضب والجمال والجلال.
( باليدين اللتين توجهتا منه على خلق الإنسان الكامل ) .
قوله ( لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته ) فيه إشعار بأنه مع مساواته العالم في حقائقه ومفرداته يختص بالجامعية الأحدية دونه .
وبهذه الجمعية التي اتحدت بها مفردات العالم كاتحاد العناصر بالتركيب واتحاد كيفياتها بالمزاج واتحاد صورته بقوى العالم المسماة بالتسوية ليستعد لقبول روحه المنفوخ فيه .
فاستحق به الخلافة لأن الخليفة يجب أن يناسب المستخلف ليعرفه بصفاته وأسمائه وينفذ حكمه في المستخلف فيه .
ويناسب المستخلف فيه ليعرفه بصفاته وأسمائه فيجري كل حكم على ما يستحقه من مفرداته.
فيناسب بروحه وأحدية جمعية الحق وشارك بصورته وأجزاء وجوده ومفرداته العالم فهو عبد الله رب العالم وصورته التي هي من العالم شهادة وروحه غيب وربوبيته من جهة غيبه.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن، فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا. ووصف نفسه بالرضا والغضب، وأوجد العالم ذا خوف ورجاء فيخاف غضبه ويرجو رضاه. ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس. وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به. فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهنا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته.)
قوله: "ثم ليعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر وباطن" مزيد بيان لما مرمن أن الحق تعالى خلق آدم على صورته وكمالاته، ليستدل بها عليه ويتمكنالسالك من الوصول إليه.
"فأوجد العالم" أي، العالم الإنساني. وإن شئت قلت العالم الكبير لأنه أيضا صورة الإنسان، لذلك يسمى بالإنسان الكبير.
والأول أنسب بالمقام، إذ المقصود أن الإنسان مخلوق على صورته لا العالم.
قوله: (عالم غيب وشهادة) أي، عالم الأرواح والأجسام.
قوله: (لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا).
هذا دليل على أن المراد بـ "العالم" هو العالم الإنساني.
أي، لندرك عالم الباطن، وهو عالم الجبروت والملكوت، بروحنا وقلبنا وقوانا الروحانية، وندرك عالم الظاهر بأبداننا ومشاعرنا وقوانا المنطبعة فيها.
أو ندرك غيب الحق من حيث أسمائه وصفاته لا من حيث ذاته، فإنه لا يمكن لأحد معرفتها.
إذ لا نسبة بينها وبين غيرها من العالمين بغيبنا، أي بأعياننا لغيبته.
وندرك ظاهره وهو مظاهر تلك الأسماء الغيبية من العقول والنفوس وغيرهم من الملائكة.
فإنهم وإن كانوا غيبا باطنا بالنسبة إلى الشهادة المطلقة، لكنهم ظاهر بالنسبة إلى الأسماء والصفات التي هي أربابهم لظهورهم في العين بعد بطونهم فيالعلم.
وقد مر تحقيقه في بيان العوالم في المقدمات.  
"بشهادتنا" أي، بروحنا وقلبنا وقوانا وأبداننا الموجودة في الخارج.
قوله: (ووصف نفسه بالرضا والغضب) حيث قال: "رضى الله عنهم ورضوا عنه".
وقال: (سبقت رحمتي غضبي).
قوله: (فأوجد العالم ذا خوف ورجاء فنخاف غضبه ونرجو رضاه).
وإنما جاء بلازم الرضا والغضب، وهو الخوف والرجاء،ولم يقل: فأوجدنا ذا رضاء وغضب. وإن كنا متصفين بهما، ليؤكد المقصود الأول أيضا، وهو بيان الارتباط بين الحق والعالم، إذ كل من الصفات الأفعالية والانفعالية يستدعى الآخر، لذلك أعاد الارتباط في الأبيات الثلاثة المذكورة بعد.
وقوله: (فأوجد العالم ذا خوف ورجاء) دليل على ما ذهبنا إليه من أن المراد بالعالم هو العالم الإنساني، لأن الخوف والرجاء من شأن الإنسان لا العالم الكبير،إذ الخوف إنما هو بسبب الخروج عن الأمر، والرجاء إنما يحصل لمن يطمع في الترقي، وهما للإنسان فقط.
وكذلك قوله: (فنخاف غضبه ونرجو رضاه) يدل على ذلك،
وكذلك قوله: (ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال، فأوجدنا على هيبة وأنس، وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به) ينبئ عن ذلك.
والمراد بـ (الجميل) الصفات الجمالية، وهي ما يتعلق باللطف والرحمة، وبـ (الجلال)، ما يتعلق بالقهر والعزة والعظمة والستر.
قوله: (فأوجدنا على هيبة وأنس) مثال يجمع بين المقصودين، وهما بيان الارتباط وكون الإنسان مخلوقا على صورته تعالى.
وذلك لأن (الهيبة) قد يكون من الصفات الفعلية كما يقول: هذا السلطان مهيب. أي له عظمة في قلوب الناس.
وقد يكون من الصفات الانفعالية كما يقول: حصل في قلبي هيبة من السلطان.
أي دهشة وحيرة من عظمته وكذلك (الأنس) بالنسبة إلى من هو أعظم مرتبة منك وإلى من هو دونك في المرتبة.
فإن الأول يوجب الانفعال، والثاني يوجب الفعل، لأن الأنس رفع الدهشة والهيبة.
ففي الصورة الأولى صاحب المرتبة الأعلى يرفع منك الدهشة، وفي الثانية أنت رافعها من غيرك. والهيبة من (الجلال) والأنس من (الجمال.)
(فعبر عن هاتين الصفتين) أي، الجمال والجلال. "باليدين" مجازا. 
إذ بهما يتم الأفعال الإلهية وبهما تظهر الربوبية، كما باليدين يتمكن الإنسان من الأخذ والعطاء، وبهما تتم أفعاله.
"اللتين توجهتا منه" أي، من الحق.
"على خلق الإنسان الكامل" كقوله تعالى: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي؟" وخلقه بيديه عبارة عن الاستتار بالصورة الإنسانية وجعله متصفا بالصفات الجمالية والجلالية.
قوله: "لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته" أي، لكون الإنسان جامعا لحقائق العالم التي هي مظاهر للصفات الجمالية والجلالية كلها، وهي الأعيان الثابتة التي للعالم.  والمراد بالمفردات الموجودات الخارجية.
فكأنه يقول: لكون الإنسان جامعا لجميع الأعيان الثابتة بعينه الثابتة ولجميع الموجودات الخارجية بعينه الخارجية، فله أحدية الجمع علما وعينا وقد مر، في المقدمات، من أن أعيان العالم إنما حصلت في العلم من تفصيل العين الثابتة الإنسانية.
واعلم، أن للعالم اعتبارين: إعتبار أحديته، واعتبار كثرته. فباعتبار أحديته الجامعة يسمى بالإنسان الكبير، وباعتبار كثرةأفراده ليس له الأحدية الجامعة كأحدية الإنسان، إذ لكل منها مقام معين.
فلا يصح أن يقال، ليس للعالم أحدية الجمع مطلقا. كيف لا؟ 
وهو من حيث المجموع صورة الاسم الإلهي كما للإنسان، لذلك يسمى 
بالإنسان الكبير، إلا أن يراد به أفراده.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن، فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا. ووصف نفسه بالرضا والغضب، وأوجد العالم ذا خوف ورجاء فيخاف غضبه ويرجو رضاه. ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس. وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به. فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهنا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته.)
(ثم) أي: بعدما علمت أنه ظهر فينا بصفات لا تختص بالوجوب الذاتي إما بصورها، أو آثارها، أو ما يتعلق بها (ليعلم أن الحق وصف نفسه) أي: بين من أوصافه في كتابة الكريم (أنه ظاهر و باطن) حيث قال: "هو الأول والأخر والظاهر والباطن" [الحديد: 3].
ولما لم يكن لهما اختصاص بالوجوب الذاتي لم يكن بد من ظهورهما في العالم، وإن كان يتوهم أن ظهور الظاهر كتحصيل الحاصل، وأن ظهور الباطن ?الجمع بين النقيضين(فأوجد العالم) الكبير والصغير (عالم غيب) الأرواح الإنسانية والملائكة، (وعالم شهادة) الأجسام الفلكية والعنصرية، وأعراضها.
(فندرك الباطن) أي: باطن الحق ( بغيبنا، وندرك الظاهر بشهادتنا)، وهذا هو لظهورها بالصورة، ولتعلم أيضا أنه (وصف نفسه بالرضا والغضب) بحيث قال: "رضي الله عنهم ورضوا عنه" [المجادلة:22].
"لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة" [الفتح: 18].
وقال: "وغضب الله عليه ولعنه" [النساء: 93]، وقال: "فعليهم غضب من الله" [النحل: 16].
ولما لم يكن لهما اختصاص بالوجوب الذاتي لم يكن لهما بد من الظهور وبصورهما وآثارهما أو ما يتعلق بآثارهما (فأوجد العالم) لظهور ما يتعلق بآثارهما (ذا خوف ورجاء فنخاف) أثار (غضبه، ونرجو) أثر (رضاه) ولم يتعرض لظهور صورهما وآثارهما لوضوحه، ولتعلم أيضا أنه (وصف نفسه بأنه جميل ذو جلال) والجمال من صفات اللطف، والجلال من صفات القهر ولما لم يكن لهما اختصاص بالوجوب الذاتي لم يكن بد من ظهورهما بصورهما وآثارهما أو متعلقهما، (فأوجدنا) لظهور آثارهما (على هيبة)من الحلال (وأنس) من الجمال قدم الجميل أولا؛ لأنه أقرب إلينا؛ لأن دنو الحق من الخلق به، ثم عكس في مثال يشعر بأصالة الجلال.
(وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالی) أي: يوصف به من الأوصاف التي تتضمن النسب، (و یسمی به) من الأسماء التي لا تتضمن النسب، لكن ما لا يكون من خواص الوجوب الذاتي لا بد وأن يظهر فينا بصورته أو أثره ، أو ما يتعلق به ولما كانت هذه الأسماء والصفات متعلقة بالعوالم التي لا بد من التقابل فيها لتكون أزواجا، ويبقى الحق فردا بلا زوج.
كما أشار إليه ولك بقوله: "سبحان الذي خلق الأزواج كلها" [يس: 36]، لم يكن من التقابل في الأسماء والصفات، وكان الحق هو الموجد لها بواسطة تلك الأسماء والصفات، فهي له ?الأيدي.
(فعبر عن هاتين الصفتين) المتقابلتين كالظهور، والبطون، والرضا، والغضب، والجمال، والجلال وغير ذلك مما لا يختص بالوجوب الذاتي )باليدين( استعارة من يدي الإنسان اللتين هما فعله مع تخالفهما في الوضع، والتأثير كتخالف الأسماء الإلهية في المفهوم، والتأثر.
ووصفهما بقوله: (اللتين توجهتا منه على خلق الإنسان الكامل) ليشير إلى أن ذلك تفسير لقوله تعالى: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي" [ص: 75].
[size=24]وفيه على القول من فسرهما بالإرادة والقدرة إذ لا اخ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السادسة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:00 pm

الفقرة السادسة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السادسة والعشرون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن، فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا.
ووصف نفسه بالرضا والغضب، وأوجد العالم ذا خوف ورجاء فيخاف غضبه ويرجو رضاه.
ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس. وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به.  فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهنا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته. )
قال المصنف رضي الله عنه : [ ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن، فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا.]

قال الشارح رحمه الله :
(ثمّ لتعلم ) بعد ما علمت فيما تقدّم أنّ الأوصاف مشتركة، أراد رضي الله عنه أن ينبه بكيفية الاستدلال، فإنه تعالى أرانا آيات أسمائه وصفاته في العالم وفينا، و جعل فينا ما نعرفه به لنستدل بناءا عليه، و يتمكّن السالك من الوصول إليه فلو لم يصف نفسه بنعوتنا ما عرفناه، فهو المعروف في الحالين و الموصوف بالنعتين، و بهذا من كل شيء زوجين ليكون لأحد
الزوجين العلو و التأثير و هو الذكر، و للآخر السفالة و الانفعال والتأثير وهو الأنثي ليظهر ما بينهما إذا اجتمعا وجود أعيان ذلك النوع على صورتهما .
(إنّ الحق وصف نفسه بأنه ظاهر و باطن فأوجد العالم عالم غيب و شهادة) .
قال الله تعالى"هُو اللّهُ الّذِي لا إله إلّا هُو عالمُ الغيْبِ والشّهادةِ هُو الرّحْمنُ الرّحِيمُ" [ الحشر: 22] .
و قال تعالى: "هُو الْأوّلُ والْآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ وهُو بكُل شيْءٍ عليمٌ" [ الحديد: 3] فعلم المحقّقون من خاصته، و المعتني بهم من أهل قربه و كرامته بما كشف لهم، و أطلعهم عليه من  أسرار وجوده أولا.

وبما أخبر ثانيا: إنّ المراتب و إن كثرت فإنها ترجع إلى هاتين المرتبتين و هما الغيب والشهادة والحقيقة جامعة بينهما، فكل شيء له ظاهر، فهو صورته و شهادته وباطن، وهو روحه وغيبه.
فنسبته جميع الصور على اختلاف أنواعها الخفية و الجلية إلى الاسم الظاهر المنعوت بالشهادة، ونسبة جميع المعاني و الحقائق المجردة التي هي أصول لما ظهر من الصور الجزئية المتعينة، أو أسباب و شروط كيف شئت؟
قلت: إلى الغيب و الاسم الباطن، فإذا عرفت هذا .
فنسبته جميع الصور على اختلاف أنواعها الخفية والجلية إلى الاسم الظاهر المنعوت بالشهادة، و نسبة جميع المعاني و الحقائق المجردة التي هي أصول لما ظهر من الصور الجزئية المتعينة، أو أسباب و شروط كيف شئت؟ قلت: إلى الغيب والاسم الباطن، فإذا عرفت هذا.
فاعلم أنّ العالم عالمان ما ثم ثالث عالم يدركه الحس وهو: المعبر عنه بالشهادة، وعالم لا يدركه الحس وهو: المعبر عنه بعالم الغيب المطلق.
فإن كان مغيبا في وقت للحسّ فلا يسمّى ذلك غيبا، و إنما الغيب ما لا يمكن أن يدركه الحس أصلا لكن يعقل بالعقل إمّا بالدليل القاطع، و إمّا بالخبر الصادق و هو إدراك الإيمان، فالشهادة مدركها الحس و هو طريق العلم ما هو عين العلم، و ذلك يختص بكل ما سوى الله ممن له إدراك حسّي، و الغيب مدرك العلم عينه فافهم .

فهذا الغيب الذي أثبتناه: هو الغيب المطلق الحقيقي الذي لا يظهر لأحد أصلا و لا لمن ارتضى من رسول لأنه حضرة ذاته و هويته تعالت و تقدّست عن أن يحاط و أن يتعلق بها بها الإدراك أصلا من حيث هي هي، فإنه من المتفق عليه أن حقيقته لا تحاط بالعلم ولا تتقيد بالوصف، سبحانك! ما عرفناك حق معرفتك.
و هذا القدر من المعرفة المتعلقة بهذا الغيب المطلق إنما هي معرفة إجمالية حاصلة بالكشف الأجليّ و التعريف الإلهيّ الأعلى الذي لا واسطة فيه غير نفس التجلي المتعين من هذه الحضرة الغيبية المطلقة الغير متعينة فالغيب المتعلق صار دليلا على الغيب المطلق لأنه الأصل، فالمتعين منه دليل عليه من حيث غير متعين، فكان هو الدليل و المدلول .

قال تعالى إشارة إلى هذا المقام: أي الغيب المتعين المقيد عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا .
قال تعالى: عالمُ الغيْبِ فلا يظهِرُ على  غيْبهِ أحداً إلّا منِ ارتضى مِنْ رسُولٍ فِإنّهُ يسْلكُ مِنْ بيْنِ يديهِ ومِنْ خلْفِهِ رصداً "[ الجن: 26، 27] .
و إنما قلنا بالغيب الحقيقي المطلق لأنه رضي الله عنه ذكره في الباب السابع و الأربعين و أربعمائة من "الفتوحات ": إن له في نفسه ما لا يصح أن يعلم أصلا هو الذي له بنفسه المشار إليه بقوله: "اللّه غني عنِ العالمِين" [ آل عمران: 97] .
فقوله تعالى: "عالمُ الغيْبِ والشّهادةِ " [ الحشر: 22] أراد الغيب بالنسبة إلينا و إلا لا غيب له، و الذي هو غيب بالنسبة إلينا بحلم الشهادة له تعالى.
أو نقول: إنه عالم الغيب أو عالم بأنه غيب لا يصح أن يعلم أصلا .
قال رضي الله عنه: و هذا الذي نبهناك عليه من العلم بالله ما أظهرناه اختبارا و لكن حكم الخبر علينا، فتحفّظ و لا تغفل عنه فإنه يعلمك الأدب مع الله، انتهى كلامه رضي الله عنه .
هذا هو الغيب الحقيقي و بقية الغيوب كلها إضافي، فافهم .
فإن الإنسان إذا أراد إدراك الغيب و الشهادة الإضافيين اللذين نحن بصدد بيانهما، و أراد أن يتميز في علميهما، فينبغي ألا يقيد نفسه إلا بالله وحده و هو التقييد الذاتي الذي لا يصح له الإنفكاك عنه جملة واحدة و هي عبودية صرفة محضة لا تقبل الحرية أبدا .
فإذا قيده بالله الذي "خلقهُ فقدّرُه ثمّ  السّبيل يسّرُه" [ عبس: 19، 20] .

فلا يقف إلا في البرزخ و هو المقام المتوهّم بين عالم الشهادة و الغيب مطلعا على الطرفين كأصحاب الأعراف فلا يخرج منها شيء إلا و هو مطلع عليه، فإذا وقف في هذا المقام و هو محل العثور على الطرفين.
استشرف على الغيبين الغيب الذي يوجد منه، واستشرف على عالم الشهادة لأنه إذا وقف في المقام المتوهّم على أنه معتنى به حيث شغله الله تعالى بمطالعة الانفعالات عنه تعالى.
و إيجاد الأعيان من قدرته تعالى، و اتصافها بالوجود في حضرة إمكانها، و ما أخرجها منها، و لا حال بينها و بين موطنها، و لكنه كساها خلقة الوجود و حلة الظهور، فاتصفت بهما بعد أن كانت موصوفة بالعدم مع ثبوت العين في الحالتين.
و بقي الكلام في ذلك الوجود الذي كساه الحقّ فيك الآمر و هو كالصورة التي في المرآة ما هي عين الرائي و لا غير عينه، و لكنه المحلّ المرئي مع الرائي، والمواجهة أعطت هذا الحكم الذي تراه، فعلمت المرآة والرائي والصورة الحادثة بينهما، فأدركت بالغيب الباطن و بالشهادة الظاهر، وحصل المقصود .
و هنا مبحث آخر و هو من لطائف العلم بالله، فأذكره لك :
لا يفوتك علما فإنه ورد في الخبر : "إن أفضل الهدية و أكمل العطية الكلمة من كلام الحكمة يسمعها العبد ثم يعلمها أخاه خير له من عبادة سنة على نيتها"  رواه تمام، و ابن عساكر رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
فاعلم أيدك الله و إيانا بروح منه أن العالم ينقسم إلى: ظاهر و إلى باطن .
فـ (الظاهر) هو عالم الشهادة، و (الباطن) هو عالم الغيب، وقد سمّى الله تعالى الباطن بالأمر والظاهر بالخلق، و قال: "ألا لهُ الخلْقُ والْأمْرُ" [ الأعراف: 54] .  و قال تعالى: " قلِ ُّالروحُ مِنْ أمْرِ ربِّي" [ الإسراء: 85] .
فـ (عالم الأمر) هو عالم الغيب الذي هو الأسماء الذاتية، و يليها أمهات أسماء الألوهية و توابعها، و كل واحد منها حجاب عن الآخر، وصف نفسه تعالى باعتبار هاتين العالمين: أي الظاهر و الباطن، أو الغيب و الشهادة .

بأن له الحجب النورية التي هي الأرواح، و الظلمانية التي هي الأجسام، فكل واحد منهما حجاب عن الآخر، فإذا اعتبرتهما خلقا و أمرا، و لطيفا و كثيفا إنما اعتبرتهما من حيث الأسماء، و هي سلسلة الترتيب و الوسائط المتكثرة .
فبهذا الوجه يكثر الوجود و هو ظاهر الخلافة التي منه تكثر، و أمّا إذا اعتبرتهما أي العالمين الخلق الأمر، و إن شئت قلت:
عالم الغيب و الشهادة حقّا أعني من الوجه الخاص زالت الكثرة و ارتفعت الوسائط، و ذلك باعتبار أن (الاسم) عين المسمّى، و (الذات) هي السارية في الكل كتعين الأسماء من حيث عدم التغاير، فاتحدّ الكل من حيث أن الساري في الكل هو الذات، فهذا باطن الخلافة، و التجلي منه تجلّ أقدس .
و على هذا صحّ أن القرآن غير مخلوق من حيث ارتفاع الوسائط، و من حيث الإضافة إلى الاسم الذي عين المسمّى، فصحّ له الوحدة مع تكثر الألفاظ و الحروف و الآيات و السور، و بذلك تكثر في وحدته و لم يوصف بالمخلوقية مع التكثر لأنه ظهور الذات في المراتب بلا كيف.
فالعالمان الغيب و الشهادة أو الخلق و الأمر إذا أضيفا إلى الذات بلا واسطة بطريق الوجه الخاص فهما واحد.
و إذا أضيفا إلى الأسماء فالشهادة: الخلق، و الغيب: الأمر، فبهذا الاعتبار قلنا:

إن الإنسان الكامل له الأخذ من الله تعالى بواسطة باعتبار الإضافة إلى الاسم، و بلا واسطة باعتبار الأخذ من الوجه الخاص.
و إنما قلنا: الوجه الخاص لأنه مخصوص بالإنسان الكامل من دون الموجودات كالملك وغيره، فإن له الإطلاق في الأخذ و غيره لكل منهم مقام معلوم لا يتعدّون مقاماتهم و ذلك لأن الإنسان الكامل كل الوجود، فافهم .
( لندرك الباطن بغيبنا، و الظاهر بشهادتنا) فلمّا أراد تعالى ظهورنا بالصورة: أي بصورة الحق و لها الغيب و الشهادة، فأوجدنا ذا غيب و شهادة ذا جسم و روح فعالم الجسوم شهادتنا، و عالم الأرواح غيبنا فالكون كله جسم و روح و بهما قامت نشأة الوجود، فالعالم للحق كالجسم للروح فلا يعرف الحق إلا من العالم كما لا تعرف الروح إلا من الجسم .

"" أضاف المحقق : قال سيدي محمد وفا في المعاريج:
 وأما
 الأرواح فإنها مخلوقة من النور الإفاضي العرشي، ولها التقدم في الخلق على الأجساد بألفي عام ما شهد به الخبر النبوي.
وأما الأرواح النورانية السعيدة فإنها تعرج إلى مقامها العلى، ومحلها البهی، ضمنها لطيفي الجسم النوراني، والهيكل الإنسان.
فأرواح السعداء ظاهرة أنوارها، باطنة نفوسها، مستهلكة الأجسام ضمن الأرواح، فالأجسام باطن الأرواح في دار البرزخ، ودار المحشر.
وفي دار الدنيا جسم ظاهر ، والروح باطن.
فالأرواح النورانية في داري الدنيا والبرزخ، يكشف بعضها بعضا، ويشهد بعضها البعض لما بينهن من المناسبة والتعارف.
وقد نبه رسول الله على ذلك بقوله: «خلق الله الأرواح أجناد مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف».
وكذلك النفوس في مجانستها و مناسبتها، فالأرواح أنوار للسعداء، وظلم للأشقياء، وأجسام السعداء منعمة بتنعيم نفوسها، وأجسام الأشقياء والعذاب مشترك بين النفوس والأجسام، وهذا ظهر لهذا، وهذا بطن هذا.
فإنتشار البشرية ظهور صفات النفس الطبيعية، التي لا انفكاك للصفة الآدمية الإنسانية منها، ولا خروج لها منها، وهذا أمر الله تبارك وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول : " قل إنما أنا بشر مثلكم فامتثل أمر ربه عز وجل وقال: "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنا إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشتركين" (فصلت: 6).
كما أمر "من الله عز وجل" قال صلى الله عليه وسلم  ولم يقل: (إنما أنا بشر مثلكم).
فهو مأمور ببلاغ ما ينزل إليه من ربه كما أنزل، من غير زيادة ولا نقصان.
قال الله تبارك وتعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا تهدي القوم الكافرين" [المائدة: 67] .
فأجسام الأصفياء و المرسلين والأنبياء والصديقين والصالحين نورانية.
و نفوس الأشقياء و أرواحهم وأجسامهم مظلمة، فإنها هابطة في الدركات إلى أسفل سافلين. ع?س نفوس السعداء؛ فإنها عارجة إلى عليين. فالطبيعة أثر الترابية، والبشرية أثر الطبيعة.
فهي سماء الطبيعة، ولها النشور من الحشر بالخروج إلى فضاء البسط.
فالحشر صفة قبض، والنشر صفة بسط.
والله يقبض ويبسط فالنفوس بالتزكية تخرج من حشرها إلى نشرها البسطي النوري، والنفس الشقية ترد على عقبها، فتدس من نشرها، وتحشر في عوالم طبيعتها.
قال الله تعالى: "قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها" [لشمس: 9، 10] . ""

فإنا لما نظرنا فيه، و رأينا صورته مع بقائها تزول عنها أحكام كنا نشاهدها من الجسم و صورته من إدراك المحسوسات و المعاني، فعلمنا أن وراء هذا الظاهر معنى آخر هو الذي أعطى أحكام الإدراكات معرفتنا غيبنا بشهادتنا، و سمّيناه روحا لهذا الجسم الظاهر، و كذلك ما علمنا أن لنا أمرا يحرّك أرواحنا كما كانت الأرواح تحرّك أجسامنا و هو روح الأرواح يحكم فيها بما يشاء حتى نظرنا في أنفسنا، و عرفنا منها و بها ربنا .

و بهذا أخبر الوحي النبوي : “من عرف نفسه فقد عرف ربه”. 
و قال تعالى: "سنريهِمْ آياتنا في الْآفاقِ وفي أنْـفُسِهِمْ حتّى يتبيّن لهُمْ أنّهُ الحق أولمْ يكْفِ بربِّك أنّهُ على كُل شيْءٍ شهِيدٌ" [ فصلت: 53] .
حتى عرفنا الغيب بالغيب، و الشهادة بالشهادة، فمن جمع هذين العلمين فظهر بالصورتين، و علم علم الغيب و الشهادة قال تعالى: "وهُو بكُل شيْءٍ عليمٌ" [ الحديد: 3] .
قال تعالى: "عالمُ الغيْبِ فلا يظهِرُ على غيْبهِ أحداً * إلّا منِ ارتضى مِنْ رسُولٍ فِإنّهُ يسْلكُ مِنْ بيْنِ يديهِ ومِنْ خلْفِهِ رصداً " [ الجن: 26، 27] .
لتعلم أنه تعالى بالحكم الذي صحّت به  الربوبية الموجبة للمكاسبة الرابطة بينه و بين خلقه أثر في العالم من الأحوال، فيتصف تعالى عند ذلك بالرضا و السخط .

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ ووصف نفسه بالرضاء والغضب . فأوجد العالم ذا خوف و رجاء فنخاف غضبه ونرجو رضاه . ووصف نفسه بأنه جميل و ذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس، وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به . فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهتا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم و مفرداته .  ]

قال الشيخ الشارح رضي اللّه عنه :
( ووصف نفسه بالرضا و الغضب) و هما من الصفات التشبيهية لأن للعالم مع الحقّ أحكاما لو لا تعريفه إيانا ما عرفنا، و ذلك إذا اتبعنا رسوله فيما جاءنا به من الطاعة أحبنا و أرضيناه فرضي عنا .
قال تعالى: "رضِي اللّهُ عنْـهُمْ ورضُوا عنْهُ وأعدّ لهُمْ جنّاتٍ تجْري تحتها الْأنهارُ خالدِين فيها أبداً ذلك الفوْزُ العظِيمُ" [ التوبة:  . [100
و إذا خالفوه و لم يمتثل أمره أخبر أنهم أسخطوه و أغضبوه، فغضب الله عليهم، فالرضى أثر الطاعة، و الغضب أثر العصيان، فافهم .

( وأوجد العالم ذا خوف و رجاء) بسبب المناسبة التي بينه و بين الحق و بها كان خلفا له و منسوبا إليه، فارتبط به تعالى ارتباط منفعل عن فاعل، فخرج العالم على صورته، فيتحوّل بتحولها فإذا تحوّلت بصورة الرضا أثرت فيه، فتحوّل بصورة النعيم، و إذا تحوّلت بصورة الغضب أثّ رت فيه فتحوّل بصورة العذاب .
وهكذا الأمر في الوجود إنما غير الأسلوب المطلوب ههنا، وما قال: ذا رضا وغضب تنبيها على المقصود الأولى الذي هو بيان الارتباط من الجانبين حتى لا تنسى، أما ترى الأبيات الثلاث الآتية بعد هذا؟ فإنه ذكر فيها الارتباط، فافهم مع أن المقصود حاصل بهذا فيما نحن بصدد بيانه الآن و هو العلم به تعالى بالمقايسة لأن الرضا و الغضب لو لم يكن ذوق الراجي و الخائف فما خاف و ما ارتجى، فأثبت باللازم مع ملاحظة أخرى، فافهم .

( فأوجدنا على هيبة و أنس الهيبة) من أثر الجمال، و الأنس من أثر الجلال، و لما  كان الجمال مهوبا، فأوجدنا قابلا للهيبة حتى نهاب منه، و لما وصف نفسه بالحياء من عبده إذا لقيه، فقام الحياء لله مقام الهيبة في مخلوق، فأوجدنا قابلا للأنس، و أرسل حجاب الجلال بيننا و بينه ليرتفع عنا أثر هيبة الجمال، و تكون النشأة جامعة للصفتين .
هذا البيان بطريق اللف والنشر المرتبين على ذوق الشيخ رضي الله عنه، فإنه قال في بعض رسائله: إن أكثر هذا التصرف جعلوا الأنس بالجمال مربوطا، والهيبة بالجلال منوطا، وليس كما قالوه.
وهو أيضا كما قالوه بوجه، وما ذلك إلا أن الجلال والجمال وصفان لله تعالى، والهيبة والأنس وصفان للإنسان، فإذا شاهدت حقائق العارفين الجلال هبت وانقبضت، وإذا شاهدت الجمال أنست وانبسطت فجعلوا الجلال للقهر، والجمال للرحمة، وحكموا في ذلك بما وجدوه في أنفسهم.
و أريد إن شاء الله تعالى أن أبين هاتين الحقيقتين على قدر ما يساعدني به في العبارة، فأقول أولا: إن (الجدال لله تعالى) معنى يرجع إليه، و هو الذي يمنعنا من المعرفة به تعالى .
و (الجمال) معنى يرجع منه إلينا، وهو الذي أعطانا هذه المعرفة وزنا "لنزن بها المعاني في" و التنزلات و المشاهدات و الأحوال .
و له فينا أمران: الهيبة و الأنس، و ذلك أن لهذا الجمال علوّا و دنوّا فـ (العلوّ ) يسمّيه جلال الجمال، و فيه يتكلم العارفون، و هو الذي يتجلى لهم، و يتخيلون أنهم يتكلمون في الجلال الأوّل الذي ذكرناه، و هذا جلال الجمال قد اقترن معه منا الأنس .
و الجمال الذي هو الدنو قد اقترنت معه منا الهيبة، فإذا تجلى لنا جلال الجمال أنسنا، و لو لا ذلك لهلكنا، فإن الجلال و الهيبة لا يبقى لسلطانهما  شيء، فقابل ذلك 
الجلال منه بالأنس منا لتكون في المشاهدة على الاعتدال حتى نفعل ما نرى، و لا نذهل، و إذا تجلى لنا الجمال متنا فإن الجمال مباسطة الحق لنا، و الجلال عزته عنا، فيقابل بسطه معنا في جماله بالهيبة، فإن البسط مع البسط يؤدي إلى سوء الأدب، و سوء الأدب في الحضرة سبب الطرد و البعد .
و لهذا قال المحققون ممن عرف هذا المعنى و حضره: قف على البساط و إياك و الانبساطفكشف أصحابنا صحيح، و حكمهم بأن الجلال يقبضهم و الجمال يبسطهم غلط، و إذا كان الكشف صحيحا فلا نبالي فهذا هو الجلال و الجمال  كما تعطيه الحقائق، انتهى كلامه رضي الله عنه .

أو نقول بعكس الأول أنه أوجدنا على هيبة حتى نرى عظمة الجلال تدركنا الهيبة لما نرى أنفسنا عليها من الافتقاد و البعد عن إلتفات ما يعطيه مقام العظمة، و من هذه الحضرة كانت الألوهية، فيعلم سرنا لما فينا من نسبة الباطن، و جهرنا لما فينا من نسبة الظاهر، فعظم ذلك في نفس الرائي .
أما الأنس فلأن السامع إذا أخذ الجلال على العظمة أدركه القنوط عن اللحوق لما يرى في نفسه الافتقار و البعد، فيزيل الله هذا القنوط عن وهمه بظهور الجمال، فإنه جميل يحب الجمال، فجامل و وهب و أعطى و جاد و امتنّ به من جزيل الهبات و المنح، و آنسه فاستأنس به فأزال الله حكم القابض و نسخه بحكم الباسط و ظهر بصورة كل شي ء إلى عباده في طلب الكرم منهم إلى الظهور بصفة الحاجة و أيّ أنس أكبر من هذا! فافهم .

و الجميل يتبع الجليل و يلازمه، قال تعالى: "و يبقى وجْهُ ربِّك ذو الجلالِ والِإكْراِم" [الرحمن: 27] .
قال تعالى: "تبارك اسْمُ ربِّك ذِي الجلالِ والِإكْراِم" [ الرحمن: 78] ربما يجدون في نفوسهم حرجا، و هيبة من عظمة الجليل، فإن الله أحرجهم بإقران الجميل و الأنس و الإكرام بالجلال اعتناءا بهم فلهذا قارن رضي الله عنه بين الجمال و الجلال و أحكامهما، و قدّم الهيبة و أخرّ الأنس لأن الاعتبار بالخواتيم، فافهم .
( و هكذا جميع ما ينسب إليه تعالى) و يسمّى به من الأسماء المتقابلة، و أوجد فينا مثلها، و بين لنا أن في أرض العالم نجدين نجد التنزيه، و نجد التشبيه و هما عالمان متقابلان في العلوّ، و إن لكل سرّ في العالم وجهين بحكم القبضين من اليدين، و لا بد من الدارين، و لا بد من برزخ بين كل اثنتين .

قال تعالى: "ومِنْ كُل شيْءٍ خلقنا  زوْجيْنِ" [ الذاريات: 49] لأنه مخلوق عن صفتين إرادة و قول و هما اللذان شهدهما كلّ مخلوق من الحقّ، فإن العالم نتيجة، و النتيجة لا تكون إلا عن مقدمتين و هذا هو التناسل كوجود الابن بين الأبوين على صورة الأبوين، فافهم .
و هذا كله حتميّ بنا لا بأمر خارج عنا لأن  الشيء لا يعرف إلا بما به الاشتراك إلا بما به الامتياز، فافهم .
( فعبر عن هاتين الصفتين و النسبتين المتقابلتين) تقابل تنزيه و تشبيه باليدين، و ما هو إلا عين جمعه بين الصورتين صورة العالم، و صورة الحق و هما يد الحق إذ بهما يتمّ الوجود و تكمل الأفعال و الآثار للربوبية، كما باليدين يتمكّن الإنسان من الأخذ و المنع.

قال تعالى: "يداهُ مبْسُوطتانِ" [ المائدة: 64]: أي في العطاء و المنع .
و في الحديث : "الصدقة تقع في يد الرحمن" . كناية عن الأخذ و القبول اللتين توجهتا منه أي: من الحق تعالى . ( على خلق الإنسان الكامل) .
قال تعالى: "ما منعك أنْ تسْجُد لما خلقْتُ بيديّ  أسْتكْبرْت أمْ كُنْت مِن العالين" [ ص: 75] .
و إنما خصّ الإنسان الكامل لأن غيره ما خلق إلا بقول (كن فكان) كالملائكة عليهم السلام .

ورد في الحديث الصحيح : " إنّ الملائكة عليهم السلام قالوا: ربنا خلقتنا و ما خلقت بني آدم فجعلتهم يأكلون الطعام و يشربون الشراب و يلبسون الثياب و يأتون النساء و يركبون الدواب و ينامون و يستريحون و لم تجعل لنا من ذلك شيئا، فاجعل لهم الدنيا و لنا الآخرة.
فقال تعالى: لا أجعل من خلقته بيدي و نفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان"  رواه ابن عساكر .
اعلم أن للحق في مشاهدة عباده إياه نسبتين: نسبة تنزيه، و نسبة تشبيه فنسبة التنزيه تجليه في: " ليس كمِثلهِ شيْءٌ" [ الشورى: 11].
و النسبة الأخرى تجليه في قوله صلى الله عليه و سلم : "إن تعبد الله كأنك تراه".
و قوله صلى الله عليه و سلم : "إن الله في قبلة المصلي".
و قوله تعالى:" فأينما تولُّوا فثمّ وجْهُ اللّهِ" [ البقرة: 115] ذاته .
و الأحاديث الواردة لو لم تستصحب بمعانيها الموضوعة لها المفهومة من الاصطلاح، فما معنى قوله تعالى: " و ما أرسلْنا مِنْ رسُولٍ إلّا بلِسانِ قوْمِهِ" [ إبراهيم: 4].
فما وقعت الفائدة بذلك عند المخاطب لها خصوص العموم من الناس، فإذا تقرّر عندك هاتين النسبتين للحق المشروعتين و أنت المطلوب بالتوجّه بقلبك و بعبادتك إلى هاتين النسبتين، فلا تعدل عنهما إن كنت ناصحا نفسك.
فإن الإنسان ما جمع الحقائق المذكورة إلا بهاتين النسبتين، فلمّا توجّهت هاتان النسبتان فخرج بنو آدم لهذا على ثلاث مراتب :
( كامل) و هو الجامع للنسبتين.
أو (واقف) مع دليل عقله و نظره و فكره و هو المنزه خاصة.
أو (مشبه) بما أعطاه اللفظ الوارد، و لا رابع لهم .
فـ (الاعتدال و الكمال) هو القول بالأمرين و الاتصاف بالوجهين أعني الظهور بحقائق الأسماء الإلهية الوجوبية في حقائق الصفات الكونية على الكشف و العيان، فلا تزال حقيته في خليقته حاكمة على خليقته شهودا و كشفا بل ذوقا محقّقا .
و أما (الانحراف) فإمّا تنزيه، و إمّا تشبيه فهو لا جهلوا و هو لا جهلوا، حيث فاز بالحق أهل الاعتدال، فافهم أمة وسط بين غنى و فقر لا يتركه الفقر أن يطغى، و لا يتركه الغنى أن يغنى فقد تعرى بهذين الحكمين عن هاتين الصفتين، أما ترى أنه تعالى جعل له عينين لينظر بالواحدة إلى الغنى الذاتي من كونه غنيا عن العالمين فلا يراه في  شيء لأنه لا يرى شيئا، بل و لا يرى نفسه كما في التجلي في لا شيء، فإن المقام مقام فناء كل شيء كان ما كان، و هذا هو الغنى الذاتي، و هو نهاية الكامل، و حظه في الاتصاف بالصفات التنزيهية، و ينظر بالعين الأخرى افتقاره الذاتي إلى كلّ شيء من حيث ما هي الأشياء، أسماء الحق تعالى لا من حيث أعيانها، فلا يرى أفقر من نفسه إلى العالم لأنه مسخرته، ولو لا افتقاره إليه لما سخر له لأن المسخر حكيم عليم، و هو نهاية الكامل، وحظه في الاتصاف بالصفات التشبيهية فإذا اتصفت فقلدت ربك منزها مشبها و كل ذلك أنت لأنهما تجليان إلهيان وأنت جامعهما .

( لكونه الجامع لحقائق العالم و مفرداته) اللام تعليل المتوجّه باليدين لأن الإنسان الكامل بجميع حقائق العالم، وهي الأمور الكلية المعقولة التي لها الآثار، و الأحكام على مفردات الأعيان الخارجية لأن أحدية جمع الجميع علما و عينا .
قال رضي الله عنه في "الفتوحات": 
إن الحقائق التي جمعها الإنسان فكان من جمعيتها الإنسان انتهى كلامه رضي الله عنه.
فجمع له بين يديه، و أعطاه جميع نسبته و تجلى له في الأسماء كلها جماليا، و لكن لا يعلم ذلك إلا الراسخون، إن الراسخ في العلم والكشف يرى و يعلم أن العلم بأنواعه و أفراده أجزاؤه و مع هذا واحد في نفسه و أحديته، ولم يحكم عليه النسب بالتعداد الانقسام في ذاته من حيث حقيقته و لطيفته، و يقابل بذاته الحق من حيث نسبته التنزيهية، وبذلك الوجه يقابل الحق تعالى من حيث التشبيه و لا له وجهان متغايران كالحق سبحانه أنه الموصوف بهاتين الصفتين، و هو واحد في نفسه و أحديته و هذا الكمال المطلق متفاوت بين الأنبياء الأولياء من الأناسي صلوات الله عليهم أجمعين المستغرق له في كل عصر بالذات، والمرتبة و العلم، والحال و الفعل في جميع الأسماء و الصفات الإلهية، و الحقائق الكونية، و الأحكام الكلية و الجزئية .

فجمع له بين يديه، و أعطاه جميع نسبته و تجلى له في الأسماء كلها جماليا، و لكن لا يعلم ذلك إلا الراسخون، إن الراسخ في العلم و الكشف يرى و يعلم أن العلم بأنواعه و أفراده أجزاؤه و مع هذا واحد في نفسه و أحديته، و لم يحكم عليه النسب بالتعداد الانقسام في ذاته من حيث حقيقته و لطيفته، و يقابل بذاته الحق من حيث نسبته التنزيهية.
و بذلك الوجه يقابل الحق تعالى من حيث التشبيه و لا له وجهان متغايران كالحق سبحانه أنه الموصوف بهاتين الصفتين، و هو واحد في نفسه و أحديته و هذا الكمال المطلق متفاوت بين الأنبياء الأولياء من الأناسي صلوات الله عليهم أجمعين المستغرق له في كل عصر بالذات، و المرتبة و العلم، و الحال و الفعل في جميع الأسماء و الصفات الإلهية، و الحقائق الكونية، و الأحكام الكلية و الجزئية .
و هو من حيث أنه برزخ البرازخ الجامع بين الغيب الذاتي المطلق الواجب و بين أحكام الألوهية و الكونية و الإمكانية هو خليفة الله و خليفة الخليفة المسمّى بـ (القطب) و لمن دونه تكون الخلافة على قدره و يشير إليه قوله صلى الله عليه و سلم : "كلكم راع"  الحديث فافهم .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السابع والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:01 pm

الفقرة السابع والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السابع والعشرين :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالعالم) الذي هو الإنسان الكبير كله (شهادة) بالنسبة إلى جميع ما فيه. (والخليفة) وحده الذي هو هذا الإنسان الصغير (غيب ) عن أهل الشهادة الذين هم جميع العالم.
فلا يعرفه أحد من جملة العالم إلا بما هو عليه ذلك الأحد من الكمال أو النقصان، وأما هو فيعرف نفسه ويعرف ربه ويعرف غيره من أهل الكمال ومن أهل النقصان وليس معه في رتبته غيره. لأن الخليفة واحد غير متعدد في هذا العالم.
والمراد الخليفة الكامل على جميع العالم الذي على قدم آدم عليه السلام، وإلا فكل واحد من بني آدم مستخلف في الأرض على طرف من الأشياء ولو ثوبه الذي يلبسه وداره التي يسكنها كما قال تعالى: "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " 7 سورة الحديد.
وغير الكامل من الخلفاء قاصرون عنه ولو بشيء واحد من العالم يمسك عنه مفتاح ذلك الشيء، فلا يملكونه لتحفظ على ذلك الكامل رتبته.
وهو واحد في كل زمان إلى يوم القيامة، وجميع الخلفاء في مشارق الأرض ومغاربها عاملون على ما تحت يديهم مما هم مستخلفون فيه من جهة هذا الخليفة الواحد الكامل.
فإذا مات تولی بعد مرتبته من قاربه في المقام، وله العزل لجميع عماله، وله التولية على كل حال.
وذكره الله قالا وحالا، ولا يخرج عن التبعية له إلا الأفراد من أهل الله، لأن ذكرهم هو، فهم المستغرقون في الهوية الإلهية.
فإذا رجعوا إلى حسهم وصحوا من جمعهم دخلوا تحت حكمه وتصرف فيهم بحسب ما استعدوا له من كمال أو نقصان كباقي الخلق.
ولا يعرفه من جميع الخلق أحد، وإنما يستمدون منه من غير معرفة له على حسب مراتبهم الكمالية والنقصية.
وفي ظنهم أنهم يستمدون من الحق تعالی بلا واسطة، وهو جهل منهم بما الأمر عليه، وربما عرف استمداده منه بعض أهل الله تعالى أصحاب المقامات، وربما جهل ذلك بعضهم وإن كان في مقام القرب.
ولو شئنا لشرحنا ?يفية إمداده لجميع العالم، وبنيا ما به الإمداد منه، وفرقنا بينه وبين سائر أهل الله تعالی أصحاب المناصب:
?الأقطاب والأئمة والأوتاد والأبدال والنجباء والنقباء، وذكرنا رقائقهم المتصلة به اتصال الشعاعات في أقطار الأرض بقرص الشمس.
إلى غير ذلك من أحواله ومقاماته ومكانه وزمانه، واسمه ورسمه، ولكن نخرج بذلك عن صدد ما نحن بصدده من هذا الشرح المختصر.
وإن فسح الله في الأجل ويسر في العمل جعلت ذلك في كتاب حافل و ببيان أكثر مما ذكرت كافل.
(ولهذا)، أي لكون الخليفة الكامل في رتبة الخلافة غيب عمن سواه (يحجب السلطان) من سلاطين الدنيا بالوزراء والعمال والأعوان والجنود والعساكر (ووصف الحق) تعالى(نفسه بالحجب الظلمانية) على أهل الغفلة .
(وهي)، أي الحجب الظلمانية (الأجسام الطبيعية الكثيفة) المركبة من الطبائع الأربع المتكاثفة إلى
العناصر الأربعة (و) بالحجب (النورية) أيضا ف عن أهل اليقظة .
(وهي)، أي الحجب النورية (الأرواح اللطيفة والعقول والنفوس وعالم الأمر والإبداع) المنبعثة عن النور الأول بلا واسطة.
وهذه الحجب وردت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن الله سبعين حجابا من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات نور وجهه ما أدركه بصره من خلقه».
وورد في حديث آخر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سألت جبرائیل: هل ترى ربك قال : إن بيني وبينه سبعين حجابا من نور لو رأيت أدناها لاحترقت».
وفي حديث آخر: «إن دون يوم القيامة سبعين ألف حجاب».
وحقيقة الحجاب في حق الله تعالى كمال النور الحقيقي فإن الخفافيش إذا نظرت إلى نور الشمس لم تدرك منها غير الظلمة في بصرها فتحجب عنها الشمس بما أدركته من الظلمة.
والشمس غير محجبة عنها في الحقيقة بل هي منحجبة عن الشمس بضعف بصرها كما قال تعالى : "إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" 15 سورة المطففين .
وانقسمت الحجب إلى ظلمانية ونورانية باعتبار قرب الحجب إلى الله تعالی وبعدها عنه .
فعالم الأنوار الذي هو عالم الأرواح حجبه قريبة إلى الله تعالى لظهوره عنه تعالی بلا واسطة بينه وبينها سوى الأمر الأقدس.
كما قال تعالى : "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " 85 سورة الإسراء.
و عالم الظلمات الذي هو عالم الأجسام بعيد عن الله تعالى لظهوره عنه تعالی بواسطة عالم الأنوار .
(و) قد خلق الله تعالى (العالم)، أي الإنسان الكبير (بین ?ثیف) جسمانی (و لطيف) روحانی واللطيف حجاب الكثيف.
(وهو)، أي العالم الجامع الكثيف واللطيف (عين الحجاب على نفسه) التي هي من ورائه كثيفة ولطيفة وهي حقيقة الحضرة من حضرات ربه المتجلي بها عليها (فلا يدرك الحق) تعالی أبدا مثل (إدراكه نفسه) إن أدرك نفسه.
لأن ربه محجوب عنه بنفسه، فلو زال الحجاب زالت نفسه، ولو زالت نفسه زال المذرك ، فلا مدرك فمن يدرك الحق غير الحق.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالعالم) بجميع حقائقه ومفرداته (شهادة) أي ظاهر الخليفة وصورته (والخليفة) أي الإنسان الكامل (غيب) أي باطن العالم وروحه المدبر له وهي أي الخليفة وإن كان موجودة في الخارج لكنه بحسب الحقيقة يكون غيبة وروحا مدبرة للعالم الكبير الروحاني والجسماني فالعقل الأول أول ما يربه الخليفة من عالم الأرواح فالخليفة سلطان العالم كله .
(ولهذا) أي ولأجل كون الخليفة غيبة (بحجب السلطان) عن الخلائق لوجود نوع من معنى الخلافة فيه، لما فرغ عن بيان الارتباط
الذي يحصل العالم لنا به شرع في بيان الارتباط الذي احتجب الحق عنا به.
فقال : (ووصف) أي وستر (الحق نفسه) وإنما فسرنا الوصف بالستر لأنه لا يقال في كل لسان من الأنبياء والأولياء الله جسم طبيعي أو جسم نوري.
بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : "إن الله سبعين ألف حجاب" ولم يقل ألف صفات فلا حظ للوجوب الذاتي في هذه الأشياء على الوصفية كما لا حظ لنا في الوجوب الذاتي .
فظهر أن مراد الشيخ بالوصف الستر أو غير ذلك من المعنى المناسب الحضرة الحق واللائق به لا ما اصطلح عليه القوم .
وإنما اختار لفظ الوصف ليجانس ما قبله وينظم كلامه في مسألة الارتباط في سلك واحد وهو نوع من البلاغة أو المعنى وصف نفسه (بالحجب الظلمانية) أي وصف نفسه بالأسماء التي هي مظاهر لها أو المعنى وصف نفسه بصفات الحجب الظلمانية.
كما قال : "جعت ومرضت" وغير ذلك مما ورد به الإخبارات الإلهية (وهي الأجسام الطبيعية و ) وصف نفسه بالحجب (النورية وهي الأرواح اللطيفة فالعالم) دائر (بين ?ثیف) طبيعي (ولطيف) روحاني ولما وصف نفسه بالحجب الظلمانية والنورية وكنا بين كثيف ولطيف احتجب ذاته تعالى عنا بنا .
فحجابنا علينا في الحلق عين وجودنا وهو معنى قوله : (وهو) أي العالم (عین الحجاب على نفسه) أي على العلم فإذا كان وجود العالم عين الحجاب على نفسه.
(فلا يدرك) العالم (الحق إدراكه) أي العالم نفسه، فإنه لما اتصف بالعالمية فلا يقع نظره على ذوق وشهود إلا إلى العالم لا إليه تعالى.
(فلا يزال) العالم (في حجاب لا يرفع) وإلا لانعدم العالم .
كما قال : "إن الله تعالی سبعین ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
(مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره) يعني أن هذا الحجاب لا يمنع علمه بأن الله واجب بالذات وغني عن العالم والعالم بذاته مفتقر إليه تعالى.
قوله : (ولكن لا حظ له) أي لا علم للعالم علم ذوق (في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق) استدراك عن قوله مع علمه فإذا لم يكن له حظ في الوجوب الذاتي (فلا يدركه أبدا) .
أي فلا يدرك العالم الحق تعالی أبدأ . علم ذوق من هذا الوجه. فإن ذوق الشيء شيئا في غيره فرع ذوقه ذلك الشيء في نفسه . فإذا لا يدر?ه من هذه الحيثية.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
قوله رضي الله عنه : "ووصف الحق نفسه الكريمة بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة، فالعالم بين لطيف وكثيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق أحد إدراكه نفسه.
فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في وجوب الوجود الذاتي الذي لوجود الحق تعالی، فلا يدركه أبدا."
قلت: يعني ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم وعليه السلام: "إن الله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل ما انتهى إليه بصره من خلقه " فذكر تعالى أن حجبه من نور وظلمة وهي الأرواح والأجسام وحقيقتهما أنهما كثيف ولطيف.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
قال الشيخ رضي الله عنه : " فعالم شهادة والخليفة غيب ، ولهذا احتجب السلطان ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام العنصرية الكثيفة والنورانية وهي الأرواح والعقول والنفوس وعالم الأمر والإبداع ، والعالم بين لطيف وكثيف ، فهو عين الحجاب على نفسه فلا يدرك الحق إدراكه نفسه ولا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنّه متميّز عن موجده بافتقاره و لكن لا حظَّ له في وجوب الوجود الذاتي الذي للحق ، فلا يدركه أبدا ".
قال العبد أيّده الله به :
خلق الله آدم على صورة الرحمن ، كما نطق به الصادق الذي ما ينطق عن الهوى لأنّ الخليفة على صورة مستخلفه فيما استخلف فيه واستنيب ، وإن لم يظهر بصورة مستخلفه فما هو بخليفة .
ثم خلق الله العالم على صورة آدم لما ذكرنا أنّ العالم صورة تفصيل النشأة الإنسانية ، والإنسان صورة جمعها الأحدية فهو غيب العالم .
والعالم شهادته وظاهره لكون الكثرة والتفرقة حجابا ظاهرا ، والجمعية الأحدية غيبا باطنا ، فالإنسان روح العالم وقلبه وسرّه الباطن ولبّه .
ولهذا السرّ وجد احتجاب السلاطين والخلائف ضرب مثال للأمر ، حتى يكون غيبا ، كما أنّ اللبّ غيب في القشر ، وذلك أليق بعزّة الخليفة وعظمته ، كما أنّ الله تعالى وصف نفسه على لسان رسولنا بالحجب .
فقال صلَّى الله عليه وسلَّم : " إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة " ، فالاحتجاب بالحجب من مقتضيات السلطنة والخلافة .
ولمّا كان العالم بين لطيف وكثيف ، جسم وروح ، قد تعيّن الوجود الحق عامرا لعوالمهما وكثراتهما غير المتناهية ، وكلّ من العالمين حجاب على الآخر ، فتحجّب اللطيف بالكثيف ، والكثيف باللطيف ، واللطيف باللطيف والكثيف .
فالعالم عين حجابه على نفسه ، فلا يدرك الحق أبدا إلَّا من وراء هذه الحجب الكثيفة واللطيفة وذلك لأنّه لا حظَّ له في الوجوب الذاتي ولأنّه مفتقر في الوجود إلى من يتوهّم أنّه غيره ، فلا يزال في حجاب الغيرية ما بين كثيف نسمّيه جسما ، ولطيف نسمّيه روحا أو عقلا أو نفسا أو معنى ، وهي فيما بينها أغيار لوجود المغايرة بين التعيّنات الحقيقية والخصوصيات الذاتية ، فلو شهد العالم العين المحتجبة بحجب الغيرية عن أعين أعيان الأغيار أنّها بالحقيقة عين هذه الأغيار ، لزال عن عينها الغين والحجاب ، ولكنّ العزّة والغيرة أوجبتا الغيرية ، ولا بدّ ،" وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ من ضُرٍّ لَلَجُّوا في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ "..

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
ولهذا قال ( فالعالم شهادة والخليفة غيب ) لأنه من حيث الصورة داخل في العالم ، ومن حيث معناه خليفة الله ورب وسلطان للعالم
( ولهذا المعنى يحجب السلطان كما ذكر ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية والنورية وهي الأرواح اللطيفة ، فالعالم بين كثيف ولطيف وهو عين الحجاب على نفسه ) فالظلمانية أجساد العالم والنورانية أرواحه .
وليس العالم إلا هذه الأجسام الكثيفة والأرواح اللطيفة فهو حجاب على نفسه
( فلا يدرك الحق إدراكه نفسه ) لأن الشيء لا يدرك إلا ما فيه وليس في العالم إلا الحجب ، فلا يدرك إلا الحجاب دون المحجوب.
( فلا يزال في حجاب لا يرفع ) من هذا الوجه ( مع علمه ) أي مع أنه محجوب بحجاب آخر وهو علمه .
( بأنه متميز عن موجده بافتقاره ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق فلا يدركه أبدا ) أي ولكن لا يعلم من علمه بافتقاره الوجوب الذاتي الذي للحق إذ لا حظ له منه بوجه ، وما ليس فيه شيء منه لم يدركه إدراك ذوق وشهود.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
(فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولهذا تحجب السلطان) أي، العالم ظاهر والخليفة باطن.
وإنما أطلق (الشهادة) عليه، مع أن بعضه غيب كعالم الأرواح المجردة، مجازا بإطلاق اسم البعض على الكل.
فالمراد بـ (العالم) هنا العالم الكبير الروحاني والجسماني، لأنه صورة الحقيقة الإنسانية وهي غيبه. ولما كان الإنسان الكامل مظهرا لكمالات هذه الحقيقة وخليفة ومدبرا للعالم، جعله غيبا باعتبار حقيقته التي لا تزال في الغيب وإن كان الخليفة موجودا في الخارج.
وكون الخليفة غيبا أيضا اتصاف بصفة إلهية، فإن هويته لا تزال في الغيب. وإنما جعلنا الخليفة غيب الأرواح أيضا، لأن ما يفيض على العقل الأول وغيره من الأرواح أيضا إنما هو بواسطة الحقيقة الإنسانية لأنه أول مظاهرها.
كما قال صلى الله عليه وسلم: "أول ما خلق الله نوري". أي، نور تعيني وحقيقتي الذي هو العقل الأول الذي ظهر في عالم الأرواح أولا.
ولا شك أن المظهر مربوب لما ظهر فيه، وإن كان باعتبار آخر هو يرب ما دونه من الأرواح وغيرها، لذلك يبايع القطب هو ومندونه ويستفيد منه.
الظلمانية والنورية، كما قال: "إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة، لوكشفها، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
ولما كانت الأجسام الطبيعية مظاهر لصفات تستر الذات سترا لا تكاد تظهر بها، جعلها حجبا ظلمانية للذات بقوله: (وهي الأجسام الطبيعية).
وكذلك جعل الأرواح حجبا نورانية مع أنها حجب هي مظاهر للصفات المظهرة للذات
بوجه، كما أنها ساتره لها بوجه. ألا ترى أن الشعاع وإن كان يستر الشمس لكن يدل عليها ويظهرها أيضا.
(فالعالم بين لطيف وكثيف) أي، كما أن الحق موصوف بالحجب الظلمانية والنورانية، كذلك العالم موصوف بالكثافة واللطافة، فهو دائر بين الكثيف واللطيف.
(وهو عين الحجاب على نفسه) أي، العالم هو عين الحجاب على نفسه، أي، تعينه وإنيته التي بها تميز عن الحق وتسمى بالعالم هو عين حجابه، فلو رفعت الإنية ينعدم العالم.
وإليه أشار الحلاج (رض) بقوله:
بيني وبينك إني ينازعني  ... فارفع بلطفك إنيي من البين.
ويجوز أن يعود الضمير إلى الحق. أي، الحق من حيث أنواره عين الحجاب على نفسه كما قيل: "وليس حجابه إلا النور ولا خفاؤه إلا الظهور."
(فلا يدرك الحق إدراكه لنفسه) أي، فلا يدرك العالم الحق كما يدرك نفسه ذوقا ووجدانا، لأن الشئ لا يدرك غيره بالذوق إلا بحسب ما فيه منه، وليس في العالم، من حيث إنه عالم وسوى، إلا الحجب النورانية والظلمانية، فلا يدرك بالذوق إلا إياها.
فضمير (إدراكه) و (نفسه) عائد إلى (العالم). ويجوز أن يعود الضمير إلى (الحق). أي لا يدرك العالم الحق كما يدرك الحق نفسه. فإن العالم من حيث إنه مظهر للحق مشتمل عليه، فيدركه في الجملة، لكن لا يمكن أن يدركه على الحقيقة كما هي.
(فلا يزال في حجاب لا يرفع) أي، فلا يزال العالم في حجاب لا يرفع، بمعنى أنه محجوب عن الحق بإنيته، ولا يقدر على حق معرفته ولا على معرفة نفسه، فإنه لو عرف نفسه لعرف ربه، لأن ذاته عين الذات الإلهية وما فاز بهذه المعرفة إلا الإنسان الكامل، لذلك صار سيد العالم و
خليفة عليه.
(مع علمه بأنه متميز عن موجده بسبب افتقاره إليه) أي، لا يزال العالم في الحجاب، مع علم العالم بأنه متميز عن موجده بسبب افتقاره إليه.
والعلم بامتيازالشئ عن غيره يوجب العلم بهما، فالعالم عالم بالحق من حيث إنه غنى وواجب بالذات. ولما كان العالم مفتقرا إليه ومتصفا بالإمكان، وإن كان متصفا بالصفات الإلهية.
استدرك بقوله: (ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق) أو استدراك من قوله: (فأوجد العالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهربشهادتنا).
أي، العالم متصف بصفاته، إلا بالوجوب الذاتي الذي لوجود الحق.
(فلايدركه أبدا) أي، فلا يدرك العالم الحق أبدا من حيث وجوبه الذاتي، لأن المدرك ما يدرك شيئا بالذوق والوجدان إلا بما فيه منه، وليس له حظ في الوجوب الذاتي، فلا نسبة بينهما.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
فلذلك قال: (فالعالم) أي: الكبير من حيث اشتماله على صور الأسماء المتقابلة متفرقة منفصلة (شهادة)؛ لأن العلم التفصيلي يشاهد فيه أجزاء المعلوم، وصفاته واحدة بعد واحدة .
والخليفة من حيث اشتماله على صور الأسماء المتقابلة مجتمعة محملة غيب إذ لا يشاهد في العالم الإجمالي أجزاء المعلوم، ولا صفاته واحدة بعد واحدة؛ ولهذا أي: هو لأجل أن(و الخليفة) الحقيقي (غيب يحجب) عن نظر العامة (السلطان) الذي هو: الخليفة الظاهر لتكون الصورة على نهج الأصل، ولهذا لا يعرف الخليفة الحقيقي من لم يبلغ مرتبته إلا باعتبار ظاهر صورته.
وإنما كان الخليفة غيبا ليناسب به الحق، إذ (وصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية، وهي الأجسام العنصرية)، قيد الأجسام بها لكمال معنى الحجابية فيها؛ لأن تبدل الصور فيها يدل دلالة واضحة على أن لها مادة استترت بصورتها، فلما صار بعضها حجابا على بعضها فهي أولى بكونها حجابا على غيرها والسماوات السبع عنده من الأجسام العنصرية بخلاف تلك المنازل وتلك البروج والعرش والكرسي.
ثم وصفها بقوله: (الكثيفة)؛ لأن الكثافة تدل على الظلمة ووصف نفسه أيضا بالحجب النورانية: (وهي الأرواح اللطيفة) فإنها لما كانت أنوارا قريبة منا حجبت ما وراءها من الأنوار عن العقل واللطافة تدل على نورانیتها.
وهذا إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" .
فجعل رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم بمنزلة قول الله تعالى؛ لأنه لا "ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" [النجم: 3، 4].
ومعنی احتجاب حق بها أنه تعالى أظهر صورها وآثارها، وأخفى من ورائها أفعاله وصفاته وأسماءه، وهذه الحجب لا بد من تحققها في حق الخليفة أيضا؛ فإنه يتصرف أيضا بهذه الأجسام والأرواح كأنها جسمه وقواه؛ فهو محتجب وراءها احتجاب روح الإنسان وراء أعضائه وقواه؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم.
(فالعالم بين كثيف ولطيف) وإذا كانت الكثافة ظلمة واللطافة نورا، وهما حجابان فالعالم كله حجاب لا متردد بطريق الحصر بين كثيف هي أجسام العالم كله عنصرا أو غيره، وإن كان بعضه اللطف من بعض ولطيف هي أرواحه.
وهذا الحجاب ليس بالنسبة إلى الحق يمنعه من إدراك ما في العالم أو ما وراءه، لو فرض بل )وهو عين الحجاب على نفسه( يمنعه من إدراك الحق الإدراك الكامل، ولا ينبغي أن يعرض بينه وبين الحق حجاب آخر، كما هو المتعارف في الحجب الظاهرة من الأجسام، )فلا يدرك العالم الحق مثل إدراك نفسه(؛ لأنه إنما يتم إدرا?ه برفع الحجاب، وهو نفسه فإذا رفع نفسه فمن يدرك الحق منه.
(فلا يزال) العالم في (حجاب) عن الحق (لا يرفع) عنه؛ لأنه ما بقي فهو في حجاب نفسه، وإذا رفع فهو في حجاب العدم هذا (مع) حجاب آخر لمن يعلم منه هو حجاب(علمه بأنه متميز عن موجده)، والتمييز مباينة توجب البعد الموجب للجهل، مع أن ذلك التميز (بافتقاره إليه)، فلا يدركه ما لم يرتفع عنه حجاب افتقاره إليه بالوجوب الذاتي.
(ولكن لاحظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق)، وإن فني وجوده في وجود الحق، وبقي به (فلا يدركه أبدا) لا حال الفناء والبقاء، ولا بدونهما.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
قال رضي الله عنه : ( فالعالم شهادة ) بالنسبة إليه (والخليفة غيب ولهذا يحجب السلطان) ليظهر قهرمان حكمه بنفوذ الأمر .
( ولهذا وصف الحقّ نفسه بالحجب الظلمانيّة ، وهي الأجسام الطبيعيّة والنوريّة ، وهي الأرواح اللطيفة ) .
فيما روي عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : "إنّ لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة ، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" .
( فالعالم بين كثيف ولطيف ) لا يخلو أمره عنهما ( وهو عين الحجاب على نفسه ) ضرورة أنّه هو الحاجب ، ولا محجوب به غيره (فلا يدرك) العالم حينئذ (الحقّ إدراكه نفسه) ضرورة أنّه إنّما يدركه من وراء الحجاب ، وذلك هو الأوصاف المشتركة بين الحقّ والعالم ، التي هي عين العالم كما سبق بيانه .
(فلا يزال في حجاب لا يرفع) لامتناع رفع الشيء عن نفسه، فالعالم أبدا في حجاب نفسه (مع علمه بأنّه متميّز عن موجده بافتقاره) إليه واستغنائه عنه .
وهذا معنى تسبيح الأشياء للحقّ، فهو إنّما يعلم الموجد بصفة الاستغناء من وراء حجاب الكبرياء، فعلمه به من حيث الأوصاف العدميّة، لا غير .
( لكن لا حظَّ له في وجوب الوجود الذاتي الذي ) هو من الأوصاف الثبوتيّة ( لوجود الحقّ ) لما نبّهت عليه أن علمه إنّما يتعلَّق بالأوصاف التنزيهيّة ، ولا دخل له في الأوصاف الثبوتيّة أصلا (فلا يدركه أبدا ) .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
قوله : "فالعالم شهادة و الخليفة غيب، و لذا تحجَّبَ السلطان."
وإذا عرفت هذا (فالعالم) بوجوه كثيرة تظهر بالتأمل شهادة بالنسبة إلى الإنسان الكامل (و) الإنسان الكامل الذي هو (الخليفة غيب) بالنسبة إليه .
(ولا) يخفى أن عالم الملك شهادة مشهودة والخليفة بحسب نشأته العنصرية أيضا غیب .
لكن من حيث خلافته لا مطلقا فإنه لا يعرفه من هذه الحيثية الا بعض الخواص من أولياء الله سبحانه .
(ولهذا)، أي لكونه الخليفة غيبا (تحجب) السلطان، لأنه مظهر الخلافة الغيبية في الملك لذلك وجب الانقياد والمطاوعة له.
ولما انساق الكلام إلى ذكر الحجاب أراد أن ينبه على المراد بالحجب الإلهية الواقعة في الكلمات النبوية.
قوله : "و وصف الحق نفسه بالحُجُب الظلمانية و هي الأجسام الطبيعية، و النورية و هي الأرواح اللطيفة. "
فقال : (ووصف الحق نفسه) شأن نبيه صلى الله عليه وسلم : (بالحجب الظلمانية)، أي بأن له حجبة ظلمانية.
(وعن الأجسام الطبيعية) عنصرية كانت أو غير عنصرية (و) بالحجب (النورية)، أي بأن له حجبة نورية (وهي الأرواح اللطيفة) مثالية كانت أو روحية.
حيث قال صلى الله عليه وسلم:" إن لله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة".
"رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، حديث رقم 1957 [2/273] وابن حبان الأصبهاني في العظمة ، حديث رقم 246  [2/668]."
قوله : "فالعالم بين كثيف و لطيف، و هو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحقَّ إدراكَه نَفْسَه."
(فالعالم) الذي هو عين تلك الحجب دائر (بين ?ثیف) هو الحجب الظلمانية (و) بين (لطيف) هو الحجب النورية .
(وهو)، أي العالم (عبن الحجاب على نفسه)، أي الحاجب إياها عن شهود الحق وإن كان عينه.
لأن الحجاب ليس إلا الأجسام الطبيعية والأرواح النورية التي هي عين العالم أو هو عين الحجاب على نفسه.
أي على نفس الحق وذاته بحجبه عن إدراك الحق ذوقا وشهودا .
وإذا كان العالم عين الحجاب فهو يدرك نفسه بلا حجاب .
ويدرك الحق من وراء حجاب (فلا ندرك) أي العالم (الحق) إدراكا يماثل (إدراك)  أي إدراك العالم (نفسه) .
فإن إدرا?ه نفسه إدراك ذوقي شهودي من غیر حجاب.
وإدراكه الحق من وراء الحجاب الذي هو عينه أو إدراكا يماثل إدراك الحق نفسه.
فإن إدراك الحق نفسه إنما هو بذاته من غير حجاب.
"فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره."
وإدراك العالم إياه من وراء الحجاب (فلا يزال) العالم (في حجاب).
أي في حجاب تعينه وأنيته عن إدراك الحق (لا يرفع) ذلك الحجاب عنه بحيث لم يصر مانعة عن الشهود ولم يبق له حكم فيه.
فإنه وإن أمكن أن يرتفع تعينه عن نظر شهودي لكن يكون حكمه باقية فيه ويكون شهوده بحسبه لا بحسب ما هو المشهود عليه .
فلا يرفع الحجاب بالكلية (مع علمه)، أي العالم (بأنه متميز عن موجده بافتقاره) إليه وعدم افتقار موجده إليه لغناه ووجوبه الذاتي .
فيعلم موجده بعدم افتقاره ووجوبه الذاتي
قوله : "و لكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا."
(ولكن لا حظ له)، أي للعالم في الوجوب الذاتي الذي الوجود الحق سبحانه (فلا يدر?ه).
أي العالم الحق من حيث وجوبه ، أو لوجوب إدراك شيء.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السابعة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:02 pm

الفقرة السابعة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السابعة والعشرون :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان.
ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة.
فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه.
فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره.
ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا. )

قال المصنف رضي الله عنه : [فالعالم  شهادة، والخليفة غيب، ولهذا يحجب السلطان]
قال الشارح رحمه الله :
فالعالم و هو ما سوى الله تعالى على اختلاف أنواعه و أشخاصه روحا و مثالا و جسما شهادة لأنها من أحكام الظاهر، و الخليفة من حيث أنه خليفة لا من حيث أنه إنسان غيب حقيقيّ من أحكام الباطن لأنه سرّ العالم.
والسر من ثنائه أن يكون غيبا. فلو ظهر لم يكن سرا حقيقيا، و قد قلنا أنه سرّ العالم و هو أحدية جمعه و هو روح العالم و مدبره و هويته لا تزال غيبا "فلا يظهِرُ على غيْبهِ أحداً" [ الجن: 26] أبدا .
هذا وهنا إشارات لا يمكن إظهارها، وأسرار لا يقبل إبرازها، ومن هذا المقام ما ورد عن بعض المجاذيب العقلاء: إنه سكر و باح و قال: أما عرفته؟ وأمّا هو ما أعرفه هل عرفني أم لا؟
يشير إلى هذا الغيب المطلق، فافهم .
فهو يعلم غيب ربه، يعلم غيبه بنفسه، فمن عرف نفسه فقد عرف ربه .
قال تعالى: "عالمُ الغيْبِ فلا يظهِرُ على غيْبهِ أحداً . إلّا منِ ارتضى مِنْ رسُولٍ فِإنّهُ يسْلكُ مِنْ بيْنِ يديهِ ومِنْ خلْفِهِ رصداً" [ الجن: 26، 27] .
قال تعالى: "وعلّم آدم الْأسْماء  كُلّها" [ البقرة: 31] و منها (الاسم الباطن) 
و هو الغيب، و لهذا: أي لأجل عزة المرتبة بحجب السلطان لأن المرتبة أمر اعتباريّ لا عين لها في الخارج، فهو مستور عن أعين الشهادة لعزة المنصب بالمشاكلة .

"" إضافة الجامع يقول أ. نهاد خياط  عن االخليفة :
" إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً " والمراد بالخليفة آدم ـ عليه السلام ـ وهو يرمز إلى الإنسان الكامل الذي تجمعت فيه الأسماء الإلهية التي لا يبلغها الإحصاء.
وهو بهذه الصفة قد جمع بين صورة العالم وصورة الحق.
وهما ـ الصورتان ـ يدا الحق تعالى المشار إليهما في مخاطبة الله تعالى لإبليس بقوله " مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ " [ص: 75].
يقول الشيخ الأكبر:
ولهذا كان آدم خليفة، فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها ـ لأن استنادها إليه فلابد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه ـ وإلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى، ولذلك قال فيه " كنت سمعه ... ، وبصره .. الخ)
(إشارة إلى حديث قرب النوافل الذي سوف نذكره فيما بعد) .
ما قال كنت عينه وأذنه: ففرَّقَ بين الصورتين وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود ولكن ليس لأحدٍ مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع.
لكن ما الغاية من خلق الإنسان الخليفة؟
يجيب الشيخ الأكبر :
هي أن يرى الله تعالى عينه في كونٍ جامع يحصر الأمر كله لكونه متصفاً بالوجود.
ويظهر به سره إليه: فإن رؤية الشيء لنفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمرٍ آخر يكون له كالمرآة.
فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له .أهـ ""

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ و وصف الحق نفسه الحجب الظلمانية و هي الأجسام الطبيعية الكثيفة و النورية و هي الأرواح اللطيفة و العقول و النفوس و عالم الأمر و الإبداع . فالعالم بين كثيف و لطيف، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه . فلا يزال في حجاب لا يرفع، مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره إليه، و لكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا].

قال الشارح رحمه الله :
(و وصف الحق نفسه بالحجب) . كما ورد في الخبر الصحيح : "إن لله تعالى سبعين ألف حجاب أو سبعين حجابا من شك الراوي من نور و ظلمة لو كشفها لأحرقت، سبحان وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"  .
اعلم أن الحجب منها: (حجب عناية) مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " إن لله سبعين ألف حجاب  الحديث" .
ومنها (حجب نقمة و عذاب) مثل قوله تعالى : "كلّا إنّـهُمْ عنْ ربِّهِمْ يوْمئذٍ لمحْجُوبون" [ المطففين: 15] .
و إن اللّه تعالى لما خلق الحجب، و لا بد فلو لم يحجب لما كانت حجبا، و خلق الله تعالى هذه الحجب على نوعين معنوية و مادية .
و خلق (الحجب المادية) على نوعين كثيفة و لطيفة .
و (الحجب اللطيفة) على نوعين شفافة و غير شفافة .
فـ (الحجب الكثيفة) لا يدرك البصر سواها ما فيها و ما ورائها، و يحصل له الالتباس إذا أدرك ما فيها و يقول كما قيل :
رقّ القلوب و رقت الخمر   .... فتشاكلا فتشابه الأمر
فكأنما خمر و لا قدح     ..... و كأنما قدح و لا خمر
و أمّا المرئي في الأجسام الصقيلة فلا يدرك موضع الصور منها، و لا يدرك ما ورائها، و يدرك الصور الغائبة عن أعين المدرك بها لا فيها .
فـ (الصور المرتبة) حجاب بين البصر و الصقيل و هو صور لا يقال فيها لطيفة و لا كثيفة، و تشهدها الأبصار كثيفة، و تتغير أشكالها بتغير شكل الصقيل، و يتموج بتموّجه، و يتحرك بتحركه بل بحركته، و يسكن بسكونه فما في الجود إلا حجب مسدلة، و الإدراكات متعلقها الحجب، و لها الأثر في صاحب العين المدرك لها، و أما الحجب المعنوية فأعظم الحجب حجابان حجاب الجهل و حجاب حسيّ، وهو رؤيتك أنانيتك، فما جعل حجابا عليك سواك و هو أكثف الحجب.

فأنت حجاب القلب عن سرّ ....   و لولاك لم يطبع عليه ختامه  
فافهم فإن الأمور كلها أمثال و عبر .
قال تعالى:" فاعْتبرُوا يا أولي الْأ بصارِ" [ الحشر: 2] فافهم .
فـ (الحجب الظلمانية) و هي الأجسام الطبيعية يشير رضي الله عنه إلى بيان الحديث المذكور حيث جعل صلى الله عليه و سلم الحجب من نور و ظلمة،
و (النورية ): أي الحجب النورية و هي الأرواح اللطيفة و الأجساد اللطيفة النورية
أي (الحجب النورية) و هي الأرواح اللطيفة و الأجساد اللطيفة النورية .
فهذه هي الحجب التي وردت في الحديث أنهما من نور و ظلمة.
فمن الظلمة وقع التنزيه، فنفينا عنه صفات المحدثات فلم نره.
فنحن جعلنا الحجب على أعيننا بهذا النظر، ومن النور هو ظهوره لنا حتى نشهده وننكر أنه هو كما وقع التجلي في القيامة. فيشهده العارف في صور الممكنات وينكره المحجوب.
فهو الظاهر للعارف والباطن للمحجوب دنیا وآخره، وكون الحجاب نورا من أعز المعارف؛ إذ لا يتمكّن النور أن يكون حجابا مستورا، فإنه لذاته يخرق الحجب و يهتك الأستار .

فـ (العالم) الذي هو عين السرّ على نفسه بين (حجاب كثيف) و (حجاب لطيف ).
و ليس العالم سوى هذه الأجسام و الأجساد كثيفها و لطيفها و هو عين الحجاب على نفسه، و انحجب بعينه و تقيده عن الأصل المطلق الذي لا يتقيد بالتقييد، كما لا يتقيد بالإطلاق، فافهم . 

فلا يدرك الحق سبحانه: أي العالم لا يدركه تعالى من حيث إطلاقه إدراكه تقسه: أي مثل إدراكه تعالى نفسه، وذاته تعالى و هو مطلق لأن المقيد لا يدرك المطلق لعدم المناسبة، فلا يدرك المطلق إلّا المطلق، و العالم مقيد فلا يدرك الحق المطلق، فلا يزال أي العالم في حجاب لا يرفع: 
منحتها الصفات و الأسماء  ..... أن ترى دون برقع اسما
قد تسمّت بهم و ليسوا    ...... فالمسمى أولئك الأسماء
و ذلك لتقييد العالم و عدم إطلاقه، و إطلاق الحقّ تعالى و عدم تقيده، و المقيد لا يدرك المطلق أبدا . 
قال تعالى: " وما مِنّا إلّا لهُ مقامٌ معْلومٌ" [ الصافات: 164] لأن الإطلاق مشرف على التقييد لا بالعكس، فيعلمنا و لا نعلمه، و يدركنا و لا تدركه.
و أيضا أن ( المطلق) له أن يقيد نفسه إن شاء . ومن هذا المقام أوجب على نفسه الرحمة، فيدرك المقيد بإدراكه لنفسه بخلاف المقيد لا يصح أن يرجع مطلقا بوجه من الوجوه ما دامت عينه، فإن القيد صفة نفسه له فلا يفارقها أبدا . 
هذا حكم العالم من حيث أنه عالم لا حكم الإنسان الكامل فإنه مخلوق على الصورة يا أهل يثرب لا مقام لكم، فافهم . 

( مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره) فـ (الحجاب) مسدل مع العلم بالتميز لأن علمه ما تعدى نفسه من حيث لوازمه الذاتية، فلا أفاد في إدراك الحق تعالى شيئا، و لكن أي و إن كان له العلم بالتميز عن موجده بافتقاره.
و لكن لا حظّ له في (الوجوب الذاتي لوجود الحق سبحانه ): أي و لو ميزه لم يميزه إلّا بما هو عليه في نفسه لا بما في نفس الحق و هو الوجوب الذاتي .  الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثامنة والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:03 pm

 الفقرة الثامنة والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

 الفقرة الثامنة والعشرون : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق. وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
(فلا يزال) العالم (في حجاب) عن الحق تعالى (لا يرفع) عنه أبدا ما دام العالم.
فإذا زال العالم زال الحجاب والمدرك معا، وأما مع بقاء المدرك فالحجاب باقي لا يزول أبدا .
(مع علمه)، أي علم العالم (بأنه متميز) في ذاته وصفاته (عن موجوده تعالى بافتقاره) إليه.
وإن وقعت المضاهاة بينه تعالى وبين العالم في جميع ما ذكر (ولكن لا حظ له)، أي للعالم (في وجوب الوجود الذاتي الذي لوجود الحق تعالى) كما سبق ذكره.
(فلا يدر?ه)، أي لا يدرك العالم الحق تعالى (أبدا)، لأنه محجوب عنه بنفسه الإلهية فلو أدركه أدرك نفسه التي في علم الحق تعالى الممدة له في هذا العالم وهي ربه .
كما قال عليه السلام: «من عرف نفسه فقد عرف ربه»، ولم يقل : فقد عرف الله. (فلا يزال الحق) تعالى (من هذه الحيثية) التي هي وجوب الوجود الذاتي (غير معلوم)للعالم دائما في الدنيا والآخرة (علم ذوق) ?شفي (وشهود).
بل معلوم علم خیال غيبي، لأنه ليس فينا من ذلك ما تعلم به ذوق وشهودة وإنما عندنا تخيل ذلك تخيلا ممحوا بالتسليم للغيب المطلق .
ولهذا قال : (لأنه لا قدم)، أي لا مشاركة (للحادث) مطلقا (في ذلك) الأمر المخصوص بالحق تعالی وهو وجوب الوجود الذاتي.
(فما جمع الله) تعالى (لآدم) عليه السلام (بين يديه) سبحانه وتعالى القديمتين في خلقه له بهما معا (إلا تشریفا) لآدم عليه السلام وتعظيما له.
إذ ورد أنه تعالى خلق جنة عدن بيده اليمنى، وغرس شجرة طوبى بيده اليمنى، ولم يرد في شيء أنه خلقه بیدیه غير آدم عليه السلام، فقط على وجه التشريف والتعظيم له .
(ولهذا قال) جل وعلا في كلامه القديم (إبليس) عليه اللعنة (وما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) 75 سورة ص. بالتشديد تثنية يد .
(وما هو)، أي خلقه له بیدیه معا (إلا عين جمعه) تعالى له حين خلقه (بين الصورتين) اللتين هما في الحقيقة كناية عن تلك الصفتين المتقابلتين على حسب ما سبق بيانه.
(من صورة العالم)، وهي الظاهرة بالحضرتين معا :
حضرة الجلال وحضرة الجمال، وحضرة الغضب وحضرة الرضاء، وحضرة الظاهر وحضرة الباطن، وحضرة الأول وحضرة الآخر، إلى آخره.
ولكن الغالب في هذه الصورة حضرة الجلال على حضرة الجمال، وحضرة الغضب على حضرة الرضى، وحضرة الظاهر على حضرة الباطن، وحضرة الأول على حضرة الآخر.
ولهذا كانت هي اليد الشمال الغلبة ما لا يلائم فيها على ما يلائم.
وقد طرد إبليس عن الحضرة الإلهية إلى هذه الحضرة . فقال له تعالى: "فأخرج منها فإنك رجيم " 34 سورة الحجر.
فخرج على هذه الحضرة فهي محل الرجم وموضع اللعن والطرد، فيها خلق الله النار، ويخلق كفة السيئات من الميزان.
وخروج آدم عليه السلام إليها يسمى هبوطا لا طردا كما قال تعالى له . وفقال له و لحواء: "اهبطا منها جميعا " 123 سورة طه.
وأشار تعالى إلى نوح عليه السلام بالخروج إليها من سفينته فقال له : " يا نوح أهبط بسلام " 48 سورة هود.  وذلك لأن آدم ونوح عليهما السلام لهما عودة إلى حضرتهما الأولى وصعودا إليها بعد هبوطهما منها إلى هذه الحضرة الشمالية، وليس الإبليس عليه اللعنة عود ولا صعود .
وهي محل الغين الذي كان يقول عليه السلام عنها : "إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة". وفي رواية : "مائة مرة" وهي أسفل سافلين التي قال تعالى : "ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين في إلا الذين آمنوا" آية 4 - 6 سورة التين.
(وصورة الحق) تعالى وهي الظاهرة بالحضرتين أيضا معا، حضرة الجلال وحضرة الجمال، وحضرة الغضب وحضرة الرضى، وحضرة الظاهر وحضرة الباطن، وحضرة الأول وحضرة الآخر إلى غير ذلك.
ولكن الغالب في هذه الصورة حضرة الجمال على حضرة الجلال، وحضرة الرضاء على حضرة الغضب، وحضرة الباطن على حضرة الظاهر، وحضرة الآخر على حضرة الأول.
ولهذا كانت هذه الصورة هي اليد اليمنى لغلبة ما يلائم فيها على ما لا يلائم، ومنها كان هبوط آدم وحواء وإليها رجوعهما، وفيها خلق الله تعالى الجنة .
وإليها رفع إدريس عليه السلام كما قال تعالى عنه : "ورفعناه مكانا عليا " 57 سورة مريم.
وإليها رفع عيسى ابن مريم عليه السلام وهو حي كما قال تعالى عنه "بل رفعه الله إليه " 158 سورة النساء . وفيها عندية الله تعالى.
كما قال تعالى: «إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته " 206 سورة الأعراف.
ومنها خلق الله تعالى الجنة، وفيها يخلق تعالی كفة الحسنات من الميزان.
(وهما بدا الحق) تعالى، أي هاتان الصورتان هما اليدان الإلهيتان، الأولى صورة العالم، والثانية صورة الحق تعالى.
مع أن صورة العالم هي صورة الحق تعالى، لكن إما أن تكون صورة الحق تعالی بواسطة صورة العالم أو بلا واسطة صورة العالم، ولهذا ورد: «كلتا يديه يمين»، فصورة الحق تعالی بواسطة هي اليد الشمال.
وأهلها المقبوض عليهم بها هم الأشقياء، لأنها بعيدة عن الحق تعالى بسبب الواسطة، وصورة الحق تعالى هي اليد اليمين، وأهلها المقبوض عليهم بها هم السعداء، لأنها قريبا من الحق تعالی لعدم الواسطة .
(وإبليس عليه اللعنة جزء من) أجزاء (العالم)، كما أن الملائكة جزأ من أجزاء العالم أيضا كما تقدم، ومثل ذلك كل شيء ما عدا آدم عليه السلام وبنوه الكاملون.
وحيث كان إبليس جزء من العالم (لم يتحصل له هذه الجمعية) بين اليدين الإلهيتين كما حصلت لآدم عليه السلام.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
(فلا يزال الحق من هذه الحيثية غير معلوم علم ذوق وشهود لأنه لا قدم) بفتح القاف أي في الاتصاف (للحادث في ذلك) الوجوب الذاتي حتى يعلم الحادث الحق علم ذوق وشهود من هذه الحيثية ولو كان ذلك الحادث من أهل الله تعالى .
فقد لزم من هذا الكلام مسالة مهمة لم تجيء بيانها في الكتاب وهي أنه كما لا حظ له في الوجوب الذاتي .
كذلك لا حظ له في الصفات القديمة إذ لا يتصور قدم الصفات مع حدوث الموصوف فلا يدرك العالم الحق أبدأ فلا يزال الحق من حيث القدم غير معلوم علم ذوق وشهود .
لأنه لا قدم للحادث في القدم فعلم الحادث للقديم من حیث القدم ليس من المعلوم الذوقية بل بمجرد الاطلاع.
فإذا لم يكن للحادث قدما في الوجوب الذاتي لم يكن جامعة لجميع الصفات الإلهية. وقد كان الله جمع لآدم بين يديه.
(فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشریفا) على سائر المخلوقات لا لشرفه في حد ذاته فلو لم يشرفه الله تعالى فهو ?سائر الموجودات.
كما أن مكة المشرفة بتشريف الله تعالى . وإلا فهو واد كسائر الأودية فلا يكون جمعية الإنسان الكامل علة تامة الجمعية اليدين بل لابد في التشريف من تشریف الحق.
(ولهذا) أي ولكون الجمع للتشريف (قال الله تعالى : "قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي" 75 سورة ص .
فإنه مستحق أن تسجد له لشرفه عليك لكونك مخلوقة بيد واحدة .
وهذا التشريف أي تشريف جمع اليدين مختص لآدم (وما هو) وليس جمع اليدين لآدم (إلا عين جمعه) أي إلا عين جمع الله لآدم .
(بين الصورتين صورة العالم) وهي مجموع الحقائق الكونية (وصورة الحق) وهو مجموع الحقائق الإلهية من الأسماء والصفات .
فآدم عبارة عن الصورتين واليدين (وهما) أي الصورتين (يد الحق) باعتبار اتحاد" سريان السر الإلهي" الظاهر والمظهر إذ بهما يتصرف الحق فعبر عنهما باليدين كما عبر عن الجلال والجمال .
فما أمر الملائكة إلا لأن يسجدوا لله تعالی . ف?انت سجدتهم لله وقبلتهم آدم 
وأبي إبليس عن أمر به لعدم علمه "جهله " بذلك.
(و ابلیس جزء من العالم) فكان جزءا من جزء آدم (لم تحصل له هذه الجمعية) .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا. ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق. وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قوله رضي الله عنه : "فلا يزال الحق تعالى من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا."
ولهذا قال تعالى لإبليس "ما منعك أن تسجد لما خلقت بیدی" (ص: 70) وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.  وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية"
قلت: يعني ما ورد من قوله، عليه السلام: "إن الله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل ما انتهى إليه بصره من خلقه " فذكر تعالى أن حجبه من نور وظلمة وهي الأرواح والأجسام وحقيقتهما أنهما كثيف ولطيف.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قال الشيخ رضي الله عنه : " "فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود لأنّه لا قدم للحادث في ذلك " .
فما جمع الله لآدم بين يديه إلَّا تشريفا ،
"ولهذا قال لإبليس : " ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ".
وما هو إلَّا عين جمعه بين الصورتين : صورة العالم وصورة الخلق ، وهما يدا الحقّ . وإبليس جزء من العالم ، لم تحصل له هذه الجمعية ."
وذلك لأنّ الكمال في أحدية جمع الجمع ، ثم الكمالات كلَّها إنّما تفيض من أحدية جمع هاتين اليدين المباركتين الإلهيتين .
فوجب أن تكون الكمالات المنبعثة من اليدين مجتمعة فيه مع أضعافها إذ الهيئة الجمعية الأحدية تعطي في الجامع أن يظهر فيه كلّ حقيقة من حقائق اليدين بهيئة الجمع .
ولهذا توجّهت المطالبة والمؤاخذة على إبليس الذي هو جزء من العالم في امتناعه عن سجود آدم لكون الواجب على كلّ قوّة من القوى الروحية والقوى الطبيعية جمعا وفرادى .
هو الإذعان والانقياد والطاعة والدخول تحت حكم صاحب الجمعية بين اليدين اللتين في قبضتهما عالم الأرواح اللطيفة وعالم الطبيعة الكثيفة ، وإبليس في إحداهما .
ولكنّ حقيقة إبليس منافية لحقيقة آدم بالحقيقة والطبع لأنّ حقيقة آدم عليه السّلام صورة ظاهرية أحدية جمع الجمعيات الإلهية والجمعيات الكونية .
وإنّما جمع الله له بين اليدين لأنّ الإنسانية التي هي حقيقته تقتضي الاعتدال وكمال الجمع بين التعين والإطلاق ، والكثرة والوحدة ، وعدم الانحصار في تعيّن جزئي .
بخلاف حقيقة إبليس ، فإنّها صورة الانحراف التعيّني الحجابي إلى الأنانية الجزوية المتقيدة بالاستعلاء والاستكبار ، والظهور والعلوّ على حقيقة العين إذ التعيّن يكفر العين ويحجبه ويعلو عليه .
وهذه الحقيقة تقتضي التفرقة النارية المعتلية على باقي العناصر .
فلمّا تباينت الحقيقتان ، وقعت المضادّة والمحادّة والمعاداة في عالم الصورة بسبب المضادّة الحقيقية في الحقيقة وبحسبها .
ولأنّ نشأة كلّ واحد منهما تضادّ نشأة الآخر في الجزء الأعظم فإنّ الجزء الأعظم في نشأة الإنسان الماء ، ثم الأرض ، وهما يعطيان بحقائقهما وصورهما وقواهما وروحانياتهما اللين والإذعان والطاعة والقبول والانقياد والإيمان والثبات والوقار والتّؤدة والسكينة والخشوع والاستكانة والعبودية والتذلَّل والعلم والحلم والإناءة وما شاكل ذلك .
والجزء الأعظم في نشأة إبليس والشياطين النار ، وهي بحقيقتها وصورتها وروحانيتها تعطي الاستعداد والاستكبار والخفّة والطيش والسفوف والكبر والخيلاء والتسلَّط والجبروت والكفر والجحود والحقد والحسد لأنّه صورة الانحراف العنصري التعيّني 
كما قلنا : إنّ التعيّن يعلو على المتعيّن فيه ، ويطغو ويكفره أي يستره وما له ثبات فإنّ نور العين المتعيّنة في حجابية كلّ تعيّن يخرقه ويحرقه ، ومن حق التعيّن أن يلعن ويطرد وينفي عن وجه العين المتعيّنة في ذلك التعين.
لكونه حجابا على من تعيّن به وفيه من وجه وإن كان دالَّا عليه من وجه آخر ، فمن كان مشهوده أنّ وراء التعيّن أمرا هو منه يشاهد الحقيقة في الحجاب .
ومن لم يشاهد إلَّا حجابية التعيّن ، حجب به ، والتعيّن حجاب على نفسه ، فلا يرى العين المحتجبة به أبدا ، كظهر المرآة لا يظهر فيه مثال صورة الرائي المنطبع في باطنه إلَّا أن يلعن حقيقة الحجاب عن وجه المحتجب .
ولهذا كلّ تعيّن يدّعي أنانيّة هو بها محجوب عن غيره وعن عينه وعين الكلّ التي بها قيام الكلّ وهو قيّام الكلّ وقد أشرنا إلى هذا السرّ في الغرّاء الرائية واللامية أيضا بقولنا : شعر :
لا يحجبنّك  أشكال يشاكلها   ..... عمّن يشكَّل فيها فهي أستار
وكن به فطنا في أيّ مظهره   ..... بدء ففي الأمر إظهار وأسرار
كالبحر بحر على ما كان في قدم   ..... ثمّ الحوادث أمواج وأنهار
ومن حجب بالتعيّن ، طلب الاستبداد والتفرّد بتعيّنه الجزئي إذ لا قدم له في الكلَّية والأحدية الجمعية الإلهية.
ولعن الحضرة الإنسانية لإبليس إذ الجزئية التعيّنية حجاب على العين الكلَّية الأصلية ، والتعيّن طار ولا يكون إلَّا من جهة غلبة جزء من أجزاء ظاهرية المتعيّن أو المعيّن ، فافهم .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلا يزال الحق من هذه الحيثية ) أي من هذا الوجه ( غير معلوم ) أبدا ( علم ذوق وشهود لأنه لا قدم ) ولا سابقة ( للحادث في ذلك ) أي في الوجوب الذاتي البتة .
قوله ( فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا ، ولهذا قال لإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ ) لما ذكر أن الصفتين المتقابلتين يد الحق اللتان توجهتا منه على خلق الإنسان الكامل.
وكان قد مثل بصفات الله تعالى متقابلة مشتركة في أنها مؤثرة فكانت أيادى معطية متقابلة ، وقد أومأ إلى صفات العالم متقابلة مشتركة في أنها انفعالية .
فكانت أيادى قابلة آخذة وسوانا فيها مع العالم فأراد أن يثبت لنا التشريف من الله بالجمع بين يديه المتقابلتين في الإعطاء والقبول أيضا ، فإن لله تعالى يدين متقابلات معطية كالرضا والغضب ، ومتقابلات آخذة قابلة ألا ترى إلى قوله تعالى :" أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِه ويَأْخُذُ الصَّدَقاتِ ".
ولهذا وبخ إبليس وذمه على ترك السجود لآدم ، حيث رأى منه صفات العالم من الانفعالات القابلة كالخوف والرجاء ، ولم ير الصفات الفعلية ولم يعرف أن القابلة أيضا صفات الله فإنها من الاستعداد الفائض عن الفيض الأقدس .
وقال ( وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين صورة العالم وصورة الحق وهما يد الحق ) يعنى كما أن المتقابلات المعطية يد الحق .
فالمعطية والقابلة والآخذة أيضا يدان متقابلتان للحق .
فلو لم يكن لآدم تلك القوابل لم يعرف الحق بجميع الأسماء ولم يعبده بها ( وإبليس ) لم يعرف ذلك لأنه ( جزء من العالم لم يحصل له هذه الجمعية ) فما عرف إلا ما هو من العالم فاستكبر وتعزز لاحتجابه عن معرفة آدم .
إذ لم يكن له جمعية فلم يعرف منه إلا ما هو من جنس نشأته ،فاستوهنه ونقص به وما عرف أن الذي حسبه نقصانا كان عين كماله.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قوله رضي الله عنه : "فلا يزال الحق من هذه الحيثية" أي، من حيث الوجوب الذاتي. "غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك".
وإنما قيد بقوله: (علم ذوق وشهود) لأن الذوق والشهود يقتضى اتصاف الذائق بما يذوقه حالا، بخلاف العلم التصوري، فإنه بمجرد الاطلاع على الوجوب الذاتي وماله ذلك، يقدر على الحكم بأنه متصف به.
(فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا) أي، ما جمع الله في خلق آدم بين يديه اللتين يعبر عنهما بالصفات الجمالية والجلالية إلا تشريفا وتكريما.
كما قال: "ولقد كرمنا بنى آدم وحملنا هم في البر والبحر". فصار جامعا لجميع الصفات الإلهية وكانت عينه متصفة بجميع الصفات الكونية، فحصل عنده جميع الأيادي المعطية والأخذية.
قوله رضي الله عنه : (ولهذا قال لإبليس: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي؟" وما هو) أي، وليس ذلك التشريف أو ليس ذلك الخلق.
(إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم) وهي الحقائق الكونية.
(وصورة الحق) وهي الحقائق الإلهية. (وهما يدا الحق.)
وإنما جعل صورة العالم (يدا الحق) لأنهما مظاهر الصفات والأسماء، لذلكعبر عن الصفات الجمالية والجلالية باليدين كما مر.
وعبر هنا عن الصورتين بـ (اليدين) تنبيها على عدم المغايرة بينهما في الحقيقة إلا في الظاهرية والمظهرية.
وأيضا، لما كان الفاعل والقابل شيئا واحدا في الحقيقة ظاهرا في صورة الفاعلية تارة والقابلية أخرى، عبر عنهما باليدين: فيمنا هما الصورة الفاعلية المتعلقةبحضرة الربوبية، ويسرا هما الصورة القابلية المتعلقة بحضرة العبودية، ويجمع المعنيين تفسيرهما بالصفات المتقابلة.
(وإبليس جزء من العالم، لم تحصل له هذه الجمعية) لأنه مظهر اسم "المضل" وهو من الأسماء الداخلة في الاسم (الله) الذي مظهره آدم، فلا يكون له جمعية الأسماء والحقائق.
قيل: "إبليس هو القوة الوهمية الكلية التي في العالم الكبير، والقوى الوهمية التي في الأشخاص الإنسانية والحيوانية. إفرادها لمعارضتها مع العقل الهادي طريق الحق". وفيه نظر.
لأن (النفس المنطبعة) هي الأمارة بالسوء و (الوهم) من سدنتها وتحت حكمها، لأنها من قواها، فهي أولى بذلك، كما قال تعالى: "ونعلم ما توسوس به نفسه". وقال: "إن النفس لأمارة بالسوء"
وقال، صلى الله عليه وسلم:
 "أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك". 
وقال: "إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم". 
وهذا شأن(النفس). ولو كان تكذيبه للعقل موجبا لكونه شيطانا، لكان العقل أيضا كذلك، لأنه يكذب ما وراء طوره مما يدرك بالمكاشفات الحقيقية، كأحوال الآخرة وأيضا، إدراكه للمعاني الجزئية وإظهاره لها حق ونوع من الهداية للاهتداء به في الجزئيات التي هي نهاية المظاهر.
قال الشيخ في "الفص الإلياسي": "فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية وبه جاءت الشرائع المنزلة فشبهت ونزهت، والشيطان مظهر الإضلال والإغواء لا للاهتداء، وفي باقي الحيوانات فهو بمثابة العقل.
ومن أمعن النظر، يعلم أن القوة الوهمية هي التي إذا قويت وتنورت  تصير عقلا مدركا للكليات وذلك لأنه نور من أنوار العقل الكلى المنزل إلى العالم السفلى مع الروح الإنساني، فصغر وضعف نوريته وإدراكه لبعده من منبع الأنوار العقلية فتسمى بـ (الوهم).
فإذا رجع وتنور بحسب اعتدال المزاج الإنساني، قوى إدراكه وصار عقلا من العقول.
كذلك يترقى العقل أيضا ويصيرعقلا مستفادا."

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
(فلا يزال الحق من هذه الحقيقة)  أي: من هذا الوجه الذي هو الوجوب الذاتي (غير معلوم علم ذوق وشهود) بل غايته أن يعلم بعلم التصور الذي هو حجاب، وإن علم بالذوق والشهود من وجه آخر كان الفناء، والبقاء لكن لا يمكن من هذا الوجه أعني: الوجوب الذاتي.
(لأنه لا قدم للحادث في ذلك) الوجه، ولا يعرف أحد ذوقا وشهودا ما ليس فيه؛ لوجوب اتصاف الذائق بصفة المذوق، وانتفاش محل الشهود من الشاهد بصورة المشهود.
ولما كان العالم حجابا عن الحق يمنع عن ظهوره بأفعاله الدالة على أسمائه ، وصفاته الدالة على ذاته، ولا فاعل غيره فهو يفعل بالعالم أجسامه، وأرواحه في الظاهر كما يفعل بأسمائه وصفاته في الباطن.
فهما أيضا يدان للحق بينهما تقابل مثل التقابل بين الأسماء الإلهية، والحقائق الكونية وليده من الأسماء المتقابلة، لما توجهت على خلقة أدم صار جامعا الحقائق العالم المتقابلة ومفردات.
كذلك فقد اجتمعت فيه هاتان اليدان أيضا، وهما أشل مما تقدم، فحمل القرآن عليه أولى (فما جمع) ابنه (لآدم بين يديه إلا تشریفا) أي: لأعضاء الخلافة التي هي غاية الشرف؛ لأنه ناسب بهما الحق، والخلق فصار مستعدا؛ لأن يستفيض من الأول، ويفيض على الثاني.
ولهذا التشريف فضل آدم على التحمل، وصار مستحقا لسجود الملائكة له حتى الزم حجبة الحق على إبليس حيث قال لإبليس: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " [ص: 75].

(وما هو) أي: التشريف الملزم حجة الحق على إبليس (إلا عين جمعه بين الصورتين صورة العالم، وصورة الحق)؛ ليناسبهما فيستحق خلافة الحق على الخلق.
(وهما) أي: الصورتان (يدا الحق)، إما صورة الحق: وهي أسماؤه فهي المؤثرة في الباطن، وإما صورة العالم؛ فهي المؤثرة في الظاهر حتى أن المنفعل منه فاعل للقبول، وهو نوع من التأثير والتقابل بینهما أتم؛ لشمولهما تقابل الأسماء الإلهية، والحقائق الكونية مع اعتبار تقابل آخر بين تلك الأسماء والحقائق.
(وإبليس جزء من العالم) فليس له من الفضيلة ما يتمسك بها من الإباءة عن السجود، ولم يطلع على هذه الجمعية.
إذ (لم تحصل له هذه الجمعية)، فاعتبر نفسه جزءا من العالم وهو النار، وآخر لأدم، وهو التراب؛ فقال: "خلقتني من نار وخلقته من طين» [ص: 76].

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا. ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟
وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق. وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قال رضي الله عنه : (فلا يزال الحقّ من هذه الحقيقة) يعني الوجوب الذاتي وما يستتبعه من الأوصاف الثبوتيّة المختصّة بالحق (غير معلوم) للعالمين ، (علم ذوق وشهود) فإنّه إنّما يعلم إذا علمه علم تقليد واستدلال ، ومن ثمّة يرى العقل من حيث هو هو لا يجاوزهما ، فإنّ العالم من حيث هو عالم لا يمكن له استحصال العلم الذوقي (لأنّه لا قدم للحادث في ذلك) ، فمن علم منهم تلك الحقيقة فإنّما يعلمها بالحق من نوره الفائض من صورته ، لا من صورة العالم .
وإذ قد ظهر معنى اليدين وشمولهما لصنوف المتقابلين ( فما جمع الله لآدم بين يديه إلَّا تشريفا ) له بكمال خلقته وترشيحا لشجرة رتبته ببلوغها لاستجماع الثمرة معها ، ( ولهذا قال لإبليس ) توبيخا له وتعريضا بنقصان خلقته منه : (" ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ").
 عند ظهور الإباء ، الذي هو مقتضى نشأته الناقصة عن إدراك كمال جمعيّة آدم والانخراط في سلك كليته والانقهار تحت قهرمان سلطانه .
فقال رضي الله عنه : ( وما هو إلَّا عين جمعه بين الصورتين : صورة العالم ) المشتمل عليها نشأة تفرقته الظاهرة (وصورة الحق ) المشتمل عليها نشأة جمعيّته الباطنة ( وهما يدا الحق . وإبليس جزء من العالم لم يحصل له هذه الجمعيّة ) يعني جمعيّة اشتمال اليدين ، إذ ليس له نصيب إلَّا من أحد اليدين ، أعني صورة العالم ولهذا غلب عليه الأوصاف العدميّة ، كالإباء والإغواء ، والقسم بالعزّة ، والاستغناء . وأمّا آدم فهو مشتمل على الصورتين.

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق و شهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك.
فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا." (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة).
أي الوجوب الذاتي أو من أجل هذا الحكم الحقيقي الذي هو أن العالم لا حظ له في الوجوب الذاتي (غير معلوم علم ذوق وشهود لأنه لا قدم للحادث في ذلك)
يعني الوجوب فلا يدركه إدراك ذوق وشهود نعم يدر?ه إدراكا تصورية يكفي في الحكم به على الحق سبحانه .
وإذ قد عرفت المعنى المراد من اليدين وجمعهما في خلق آدم (فما جمع الله سبحانه لآدم) حين خلقه (بين يديه إلا تشريفا) وتكريما له من بين سائر الموجودات . "و لهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟"
(ولهذا) أي لأن هذه الجمعية ليست إلا للتشريف.
(قال سبحانه لإبليس) توبيخا له: " قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) " سورة ص .
وجعل رضي الله عنه اليدين فيما سبق عبارة عن نوعين متقابلين من الصفات الوجوبية الفعلية كما هو الظاهر وجعلهما هنا إشارة إلى معنى آخر.
"و ما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم و صورة الحق، و هما يدا الحق."
بقوله: (وما هو)، أي الجمع بين يديه لآدم (إلا) عين (جمعه)، أي الله تعالی أو آدم (بين الصورتين صورة العالم)، وهي أحدية جمع الحقائق الكونية القابلة.
(وصورة الحق)، وهي أحدية جمع الحقائق الإلهية الوجوبية الفاعلة.
(وهما)، أي هاتان الصورتان : (يدا الحق) إحداهما اليد القابلة الآخذة وهي اليسرى،
وثانيهما اليد الفاعلة المعطية، وهي اليمنى وكلتا يديه يمين مباركة.
وإنما جعلهما يدي الحق لأن كل واحد منهما صورة من صورة تجلياته بها يتم أمر الوجود.
لأنه الذي يتجلى بصورة القابل بأمره والفاعل أحرى، والفرق بين المعنيين أن الصفات المتقابلة لو خصت هناك بالصفات الفعلية الوجوب كما هو الظاهر يكون المراد بمجموع الیدین هناك بما أراده بالیمنی ههنا.
ولو عمت الصفات الإمكانية أيضا يكون المعنى فإن من جزئيات المعنى الأول خص بالذكر دونها لما يرد بعده .
"وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية."
أعني قوله : (و إبليس هو جزء من العالم) الذي هو جزء من أدم.
لأنه حقيقة مظهرية للاسم المضل الداخل تحت الاسم الجامع "الله"  للأسماء الظاهرة في مظاهر العالم كلها ظهورا قرآنيا وفي آدم ظهورا جميعا.
ولهذا قال : (لم يتحصل له)، أي إبليس (هذه الجمعية)، أي جمعية أدم.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:03 pm

 الفقرة الثامنة والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي



 الفقرة الثامنة والعشرون : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق. وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
(فلا يزال) العالم (في حجاب) عن الحق تعالى (لا يرفع) عنه أبدا ما دام العالم.
فإذا زال العالم زال الحجاب والمدرك معا، وأما مع بقاء المدرك فالحجاب باقي لا يزول أبدا .
(مع علمه)، أي علم العالم (بأنه متميز) في ذاته وصفاته (عن موجوده تعالى بافتقاره) إليه.
وإن وقعت المضاهاة بينه تعالى وبين العالم في جميع ما ذكر (ولكن لا حظ له)، أي للعالم (في وجوب الوجود الذاتي الذي لوجود الحق تعالى) كما سبق ذكره.
(فلا يدر?ه)، أي لا يدرك العالم الحق تعالى (أبدا)، لأنه محجوب عنه بنفسه الإلهية فلو أدركه أدرك نفسه التي في علم الحق تعالى الممدة له في هذا العالم وهي ربه .
كما قال عليه السلام: «من عرف نفسه فقد عرف ربه»، ولم يقل : فقد عرف الله. (فلا يزال الحق) تعالى (من هذه الحيثية) التي هي وجوب الوجود الذاتي (غير معلوم)للعالم دائما في الدنيا والآخرة (علم ذوق) ?شفي (وشهود).
بل معلوم علم خیال غيبي، لأنه ليس فينا من ذلك ما تعلم به ذوق وشهودة وإنما عندنا تخيل ذلك تخيلا ممحوا بالتسليم للغيب المطلق .
ولهذا قال : (لأنه لا قدم)، أي لا مشاركة (للحادث) مطلقا (في ذلك) الأمر المخصوص بالحق تعالی وهو وجوب الوجود الذاتي.
(فما جمع الله) تعالى (لآدم) عليه السلام (بين يديه) سبحانه وتعالى القديمتين في خلقه له بهما معا (إلا تشریفا) لآدم عليه السلام وتعظيما له.
إذ ورد أنه تعالى خلق جنة عدن بيده اليمنى، وغرس شجرة طوبى بيده اليمنى، ولم يرد في شيء أنه خلقه بیدیه غير آدم عليه السلام، فقط على وجه التشريف والتعظيم له .
(ولهذا قال) جل وعلا في كلامه القديم (إبليس) عليه اللعنة (وما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) 75 سورة ص. بالتشديد تثنية يد .
(وما هو)، أي خلقه له بیدیه معا (إلا عين جمعه) تعالى له حين خلقه (بين الصورتين) اللتين هما في الحقيقة كناية عن تلك الصفتين المتقابلتين على حسب ما سبق بيانه.
(من صورة العالم)، وهي الظاهرة بالحضرتين معا :
حضرة الجلال وحضرة الجمال، وحضرة الغضب وحضرة الرضاء، وحضرة الظاهر وحضرة الباطن، وحضرة الأول وحضرة الآخر، إلى آخره.
ولكن الغالب في هذه الصورة حضرة الجلال على حضرة الجمال، وحضرة الغضب على حضرة الرضى، وحضرة الظاهر على حضرة الباطن، وحضرة الأول على حضرة الآخر.
ولهذا كانت هي اليد الشمال الغلبة ما لا يلائم فيها على ما يلائم.
وقد طرد إبليس عن الحضرة الإلهية إلى هذه الحضرة . فقال له تعالى: "فأخرج منها فإنك رجيم " 34 سورة الحجر.
فخرج على هذه الحضرة فهي محل الرجم وموضع اللعن والطرد، فيها خلق الله النار، ويخلق كفة السيئات من الميزان.
وخروج آدم عليه السلام إليها يسمى هبوطا لا طردا كما قال تعالى له . وفقال له و لحواء: "اهبطا منها جميعا " 123 سورة طه.
وأشار تعالى إلى نوح عليه السلام بالخروج إليها من سفينته فقال له : " يا نوح أهبط بسلام " 48 سورة هود.  وذلك لأن آدم ونوح عليهما السلام لهما عودة إلى حضرتهما الأولى وصعودا إليها بعد هبوطهما منها إلى هذه الحضرة الشمالية، وليس الإبليس عليه اللعنة عود ولا صعود .
وهي محل الغين الذي كان يقول عليه السلام عنها : "إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة". وفي رواية : "مائة مرة" وهي أسفل سافلين التي قال تعالى : "ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين في إلا الذين آمنوا" آية 4 - 6 سورة التين.
(وصورة الحق) تعالى وهي الظاهرة بالحضرتين أيضا معا، حضرة الجلال وحضرة الجمال، وحضرة الغضب وحضرة الرضى، وحضرة الظاهر وحضرة الباطن، وحضرة الأول وحضرة الآخر إلى غير ذلك.
ولكن الغالب في هذه الصورة حضرة الجمال على حضرة الجلال، وحضرة الرضاء على حضرة الغضب، وحضرة الباطن على حضرة الظاهر، وحضرة الآخر على حضرة الأول.
ولهذا كانت هذه الصورة هي اليد اليمنى لغلبة ما يلائم فيها على ما لا يلائم، ومنها كان هبوط آدم وحواء وإليها رجوعهما، وفيها خلق الله تعالى الجنة .
وإليها رفع إدريس عليه السلام كما قال تعالى عنه : "ورفعناه مكانا عليا " 57 سورة مريم.
وإليها رفع عيسى ابن مريم عليه السلام وهو حي كما قال تعالى عنه "بل رفعه الله إليه " 158 سورة النساء . وفيها عندية الله تعالى.
كما قال تعالى: «إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته " 206 سورة الأعراف.
ومنها خلق الله تعالى الجنة، وفيها يخلق تعالی كفة الحسنات من الميزان.
(وهما بدا الحق) تعالى، أي هاتان الصورتان هما اليدان الإلهيتان، الأولى صورة العالم، والثانية صورة الحق تعالى.
مع أن صورة العالم هي صورة الحق تعالى، لكن إما أن تكون صورة الحق تعالی بواسطة صورة العالم أو بلا واسطة صورة العالم، ولهذا ورد: «كلتا يديه يمين»، فصورة الحق تعالی بواسطة هي اليد الشمال.
وأهلها المقبوض عليهم بها هم الأشقياء، لأنها بعيدة عن الحق تعالى بسبب الواسطة، وصورة الحق تعالى هي اليد اليمين، وأهلها المقبوض عليهم بها هم السعداء، لأنها قريبا من الحق تعالی لعدم الواسطة .
(وإبليس عليه اللعنة جزء من) أجزاء (العالم)، كما أن الملائكة جزأ من أجزاء العالم أيضا كما تقدم، ومثل ذلك كل شيء ما عدا آدم عليه السلام وبنوه الكاملون.
وحيث كان إبليس جزء من العالم (لم يتحصل له هذه الجمعية) بين اليدين الإلهيتين كما حصلت لآدم عليه السلام.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
(فلا يزال الحق من هذه الحيثية غير معلوم علم ذوق وشهود لأنه لا قدم) بفتح القاف أي في الاتصاف (للحادث في ذلك) الوجوب الذاتي حتى يعلم الحادث الحق علم ذوق وشهود من هذه الحيثية ولو كان ذلك الحادث من أهل الله تعالى .
فقد لزم من هذا الكلام مسالة مهمة لم تجيء بيانها في الكتاب وهي أنه كما لا حظ له في الوجوب الذاتي .
كذلك لا حظ له في الصفات القديمة إذ لا يتصور قدم الصفات مع حدوث الموصوف فلا يدرك العالم الحق أبدأ فلا يزال الحق من حيث القدم غير معلوم علم ذوق وشهود .
لأنه لا قدم للحادث في القدم فعلم الحادث للقديم من حیث القدم ليس من المعلوم الذوقية بل بمجرد الاطلاع.
فإذا لم يكن للحادث قدما في الوجوب الذاتي لم يكن جامعة لجميع الصفات الإلهية. وقد كان الله جمع لآدم بين يديه.
(فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشریفا) على سائر المخلوقات لا لشرفه في حد ذاته فلو لم يشرفه الله تعالى فهو ?سائر الموجودات.
كما أن مكة المشرفة بتشريف الله تعالى . وإلا فهو واد كسائر الأودية فلا يكون جمعية الإنسان الكامل علة تامة الجمعية اليدين بل لابد في التشريف من تشریف الحق.
(ولهذا) أي ولكون الجمع للتشريف (قال الله تعالى : "قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي" 75 سورة ص .
فإنه مستحق أن تسجد له لشرفه عليك لكونك مخلوقة بيد واحدة .
وهذا التشريف أي تشريف جمع اليدين مختص لآدم (وما هو) وليس جمع اليدين لآدم (إلا عين جمعه) أي إلا عين جمع الله لآدم .
(بين الصورتين صورة العالم) وهي مجموع الحقائق الكونية (وصورة الحق) وهو مجموع الحقائق الإلهية من الأسماء والصفات .
فآدم عبارة عن الصورتين واليدين (وهما) أي الصورتين (يد الحق) باعتبار اتحاد" سريان السر الإلهي" الظاهر والمظهر إذ بهما يتصرف الحق فعبر عنهما باليدين كما عبر عن الجلال والجمال .
فما أمر الملائكة إلا لأن يسجدوا لله تعالی . ف?انت سجدتهم لله وقبلتهم آدم 
وأبي إبليس عن أمر به لعدم علمه "جهله " بذلك.
(و ابلیس جزء من العالم) فكان جزءا من جزء آدم (لم تحصل له هذه الجمعية) .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا. ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق. وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قوله رضي الله عنه : "فلا يزال الحق تعالى من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا."
ولهذا قال تعالى لإبليس "ما منعك أن تسجد لما خلقت بیدی" (ص: 70) وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.  وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية"
قلت: يعني ما ورد من قوله، عليه السلام: "إن الله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل ما انتهى إليه بصره من خلقه " فذكر تعالى أن حجبه من نور وظلمة وهي الأرواح والأجسام وحقيقتهما أنهما كثيف ولطيف.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قال الشيخ رضي الله عنه : " "فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود لأنّه لا قدم للحادث في ذلك " .
فما جمع الله لآدم بين يديه إلَّا تشريفا ،
"ولهذا قال لإبليس : " ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ".
وما هو إلَّا عين جمعه بين الصورتين : صورة العالم وصورة الخلق ، وهما يدا الحقّ . وإبليس جزء من العالم ، لم تحصل له هذه الجمعية ."
وذلك لأنّ الكمال في أحدية جمع الجمع ، ثم الكمالات كلَّها إنّما تفيض من أحدية جمع هاتين اليدين المباركتين الإلهيتين .
فوجب أن تكون الكمالات المنبعثة من اليدين مجتمعة فيه مع أضعافها إذ الهيئة الجمعية الأحدية تعطي في الجامع أن يظهر فيه كلّ حقيقة من حقائق اليدين بهيئة الجمع .
ولهذا توجّهت المطالبة والمؤاخذة على إبليس الذي هو جزء من العالم في امتناعه عن سجود آدم لكون الواجب على كلّ قوّة من القوى الروحية والقوى الطبيعية جمعا وفرادى .
هو الإذعان والانقياد والطاعة والدخول تحت حكم صاحب الجمعية بين اليدين اللتين في قبضتهما عالم الأرواح اللطيفة وعالم الطبيعة الكثيفة ، وإبليس في إحداهما .
ولكنّ حقيقة إبليس منافية لحقيقة آدم بالحقيقة والطبع لأنّ حقيقة آدم عليه السّلام صورة ظاهرية أحدية جمع الجمعيات الإلهية والجمعيات الكونية .
وإنّما جمع الله له بين اليدين لأنّ الإنسانية التي هي حقيقته تقتضي الاعتدال وكمال الجمع بين التعين والإطلاق ، والكثرة والوحدة ، وعدم الانحصار في تعيّن جزئي .
بخلاف حقيقة إبليس ، فإنّها صورة الانحراف التعيّني الحجابي إلى الأنانية الجزوية المتقيدة بالاستعلاء والاستكبار ، والظهور والعلوّ على حقيقة العين إذ التعيّن يكفر العين ويحجبه ويعلو عليه .
وهذه الحقيقة تقتضي التفرقة النارية المعتلية على باقي العناصر .
فلمّا تباينت الحقيقتان ، وقعت المضادّة والمحادّة والمعاداة في عالم الصورة بسبب المضادّة الحقيقية في الحقيقة وبحسبها .
ولأنّ نشأة كلّ واحد منهما تضادّ نشأة الآخر في الجزء الأعظم فإنّ الجزء الأعظم في نشأة الإنسان الماء ، ثم الأرض ، وهما يعطيان بحقائقهما وصورهما وقواهما وروحانياتهما اللين والإذعان والطاعة والقبول والانقياد والإيمان والثبات والوقار والتّؤدة والسكينة والخشوع والاستكانة والعبودية والتذلَّل والعلم والحلم والإناءة وما شاكل ذلك .
والجزء الأعظم في نشأة إبليس والشياطين النار ، وهي بحقيقتها وصورتها وروحانيتها تعطي الاستعداد والاستكبار والخفّة والطيش والسفوف والكبر والخيلاء والتسلَّط والجبروت والكفر والجحود والحقد والحسد لأنّه صورة الانحراف العنصري التعيّني 
كما قلنا : إنّ التعيّن يعلو على المتعيّن فيه ، ويطغو ويكفره أي يستره وما له ثبات فإنّ نور العين المتعيّنة في حجابية كلّ تعيّن يخرقه ويحرقه ، ومن حق التعيّن أن يلعن ويطرد وينفي عن وجه العين المتعيّنة في ذلك التعين.
لكونه حجابا على من تعيّن به وفيه من وجه وإن كان دالَّا عليه من وجه آخر ، فمن كان مشهوده أنّ وراء التعيّن أمرا هو منه يشاهد الحقيقة في الحجاب .
ومن لم يشاهد إلَّا حجابية التعيّن ، حجب به ، والتعيّن حجاب على نفسه ، فلا يرى العين المحتجبة به أبدا ، كظهر المرآة لا يظهر فيه مثال صورة الرائي المنطبع في باطنه إلَّا أن يلعن حقيقة الحجاب عن وجه المحتجب .
ولهذا كلّ تعيّن يدّعي أنانيّة هو بها محجوب عن غيره وعن عينه وعين الكلّ التي بها قيام الكلّ وهو قيّام الكلّ وقد أشرنا إلى هذا السرّ في الغرّاء الرائية واللامية أيضا بقولنا : شعر :
لا يحجبنّك  أشكال يشاكلها   ..... عمّن يشكَّل فيها فهي أستار
وكن به فطنا في أيّ مظهره   ..... بدء ففي الأمر إظهار وأسرار
كالبحر بحر على ما كان في قدم   ..... ثمّ الحوادث أمواج وأنهار
ومن حجب بالتعيّن ، طلب الاستبداد والتفرّد بتعيّنه الجزئي إذ لا قدم له في الكلَّية والأحدية الجمعية الإلهية.
ولعن الحضرة الإنسانية لإبليس إذ الجزئية التعيّنية حجاب على العين الكلَّية الأصلية ، والتعيّن طار ولا يكون إلَّا من جهة غلبة جزء من أجزاء ظاهرية المتعيّن أو المعيّن ، فافهم .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلا يزال الحق من هذه الحيثية ) أي من هذا الوجه ( غير معلوم ) أبدا ( علم ذوق وشهود لأنه لا قدم ) ولا سابقة ( للحادث في ذلك ) أي في الوجوب الذاتي البتة .
قوله ( فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا ، ولهذا قال لإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ ) لما ذكر أن الصفتين المتقابلتين يد الحق اللتان توجهتا منه على خلق الإنسان الكامل.
وكان قد مثل بصفات الله تعالى متقابلة مشتركة في أنها مؤثرة فكانت أيادى معطية متقابلة ، وقد أومأ إلى صفات العالم متقابلة مشتركة في أنها انفعالية .
فكانت أيادى قابلة آخذة وسوانا فيها مع العالم فأراد أن يثبت لنا التشريف من الله بالجمع بين يديه المتقابلتين في الإعطاء والقبول أيضا ، فإن لله تعالى يدين متقابلات معطية كالرضا والغضب ، ومتقابلات آخذة قابلة ألا ترى إلى قوله تعالى :" أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِه ويَأْخُذُ الصَّدَقاتِ ".
ولهذا وبخ إبليس وذمه على ترك السجود لآدم ، حيث رأى منه صفات العالم من الانفعالات القابلة كالخوف والرجاء ، ولم ير الصفات الفعلية ولم يعرف أن القابلة أيضا صفات الله فإنها من الاستعداد الفائض عن الفيض الأقدس .
وقال ( وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين صورة العالم وصورة الحق وهما يد الحق ) يعنى كما أن المتقابلات المعطية يد الحق .
فالمعطية والقابلة والآخذة أيضا يدان متقابلتان للحق .
فلو لم يكن لآدم تلك القوابل لم يعرف الحق بجميع الأسماء ولم يعبده بها ( وإبليس ) لم يعرف ذلك لأنه ( جزء من العالم لم يحصل له هذه الجمعية ) فما عرف إلا ما هو من العالم فاستكبر وتعزز لاحتجابه عن معرفة آدم .
إذ لم يكن له جمعية فلم يعرف منه إلا ما هو من جنس نشأته ،فاستوهنه ونقص به وما عرف أن الذي حسبه نقصانا كان عين كماله.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قوله رضي الله عنه : "فلا يزال الحق من هذه الحيثية" أي، من حيث الوجوب الذاتي. "غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك".
وإنما قيد بقوله: (علم ذوق وشهود) لأن الذوق والشهود يقتضى اتصاف الذائق بما يذوقه حالا، بخلاف العلم التصوري، فإنه بمجرد الاطلاع على الوجوب الذاتي وماله ذلك، يقدر على الحكم بأنه متصف به.
(فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا) أي، ما جمع الله في خلق آدم بين يديه اللتين يعبر عنهما بالصفات الجمالية والجلالية إلا تشريفا وتكريما.
كما قال: "ولقد كرمنا بنى آدم وحملنا هم في البر والبحر". فصار جامعا لجميع الصفات الإلهية وكانت عينه متصفة بجميع الصفات الكونية، فحصل عنده جميع الأيادي المعطية والأخذية.
قوله رضي الله عنه : (ولهذا قال لإبليس: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي؟" وما هو) أي، وليس ذلك التشريف أو ليس ذلك الخلق.
(إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم) وهي الحقائق الكونية.
(وصورة الحق) وهي الحقائق الإلهية. (وهما يدا الحق.)
وإنما جعل صورة العالم (يدا الحق) لأنهما مظاهر الصفات والأسماء، لذلكعبر عن الصفات الجمالية والجلالية باليدين كما مر.
وعبر هنا عن الصورتين بـ (اليدين) تنبيها على عدم المغايرة بينهما في الحقيقة إلا في الظاهرية والمظهرية.
وأيضا، لما كان الفاعل والقابل شيئا واحدا في الحقيقة ظاهرا في صورة الفاعلية تارة والقابلية أخرى، عبر عنهما باليدين: فيمنا هما الصورة الفاعلية المتعلقةبحضرة الربوبية، ويسرا هما الصورة القابلية المتعلقة بحضرة العبودية، ويجمع المعنيين تفسيرهما بالصفات المتقابلة.
(وإبليس جزء من العالم، لم تحصل له هذه الجمعية) لأنه مظهر اسم "المضل" وهو من الأسماء الداخلة في الاسم (الله) الذي مظهره آدم، فلا يكون له جمعية الأسماء والحقائق.
قيل: "إبليس هو القوة الوهمية الكلية التي في العالم الكبير، والقوى الوهمية التي في الأشخاص الإنسانية والحيوانية. إفرادها لمعارضتها مع العقل الهادي طريق الحق". وفيه نظر.
لأن (النفس المنطبعة) هي الأمارة بالسوء و (الوهم) من سدنتها وتحت حكمها، لأنها من قواها، فهي أولى بذلك، كما قال تعالى: "ونعلم ما توسوس به نفسه". وقال: "إن النفس لأمارة بالسوء"
وقال، صلى الله عليه وسلم:
 "أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك". 
وقال: "إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم". 
وهذا شأن(النفس). ولو كان تكذيبه للعقل موجبا لكونه شيطانا، لكان العقل أيضا كذلك، لأنه يكذب ما وراء طوره مما يدرك بالمكاشفات الحقيقية، كأحوال الآخرة وأيضا، إدراكه للمعاني الجزئية وإظهاره لها حق ونوع من الهداية للاهتداء به في الجزئيات التي هي نهاية المظاهر.
قال الشيخ في "الفص الإلياسي": "فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية وبه جاءت الشرائع المنزلة فشبهت ونزهت، والشيطان مظهر الإضلال والإغواء لا للاهتداء، وفي باقي الحيوانات فهو بمثابة العقل.
ومن أمعن النظر، يعلم أن القوة الوهمية هي التي إذا قويت وتنورت  تصير عقلا مدركا للكليات وذلك لأنه نور من أنوار العقل الكلى المنزل إلى العالم السفلى مع الروح الإنساني، فصغر وضعف نوريته وإدراكه لبعده من منبع الأنوار العقلية فتسمى بـ (الوهم).
فإذا رجع وتنور بحسب اعتدال المزاج الإنساني، قوى إدراكه وصار عقلا من العقول.
كذلك يترقى العقل أيضا ويصيرعقلا مستفادا."

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
(فلا يزال الحق من هذه الحقيقة)  أي: من هذا الوجه الذي هو الوجوب الذاتي (غير معلوم علم ذوق وشهود) بل غايته أن يعلم بعلم التصور الذي هو حجاب، وإن علم بالذوق والشهود من وجه آخر كان الفناء، والبقاء لكن لا يمكن من هذا الوجه أعني: الوجوب الذاتي.
(لأنه لا قدم للحادث في ذلك) الوجه، ولا يعرف أحد ذوقا وشهودا ما ليس فيه؛ لوجوب اتصاف الذائق بصفة المذوق، وانتفاش محل الشهود من الشاهد بصورة المشهود.
ولما كان العالم حجابا عن الحق يمنع عن ظهوره بأفعاله الدالة على أسمائه ، وصفاته الدالة على ذاته، ولا فاعل غيره فهو يفعل بالعالم أجسامه، وأرواحه في الظاهر كما يفعل بأسمائه وصفاته في الباطن.
فهما أيضا يدان للحق بينهما تقابل مثل التقابل بين الأسماء الإلهية، والحقائق الكونية وليده من الأسماء المتقابلة، لما توجهت على خلقة أدم صار جامعا الحقائق العالم المتقابلة ومفردات.
كذلك فقد اجتمعت فيه هاتان اليدان أيضا، وهما أشل مما تقدم، فحمل القرآن عليه أولى (فما جمع) ابنه (لآدم بين يديه إلا تشریفا) أي: لأعضاء الخلافة التي هي غاية الشرف؛ لأنه ناسب بهما الحق، والخلق فصار مستعدا؛ لأن يستفيض من الأول، ويفيض على الثاني.
ولهذا التشريف فضل آدم على التحمل، وصار مستحقا لسجود الملائكة له حتى الزم حجبة الحق على إبليس حيث قال لإبليس: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " [ص: 75].

(وما هو) أي: التشريف الملزم حجة الحق على إبليس (إلا عين جمعه بين الصورتين صورة العالم، وصورة الحق)؛ ليناسبهما فيستحق خلافة الحق على الخلق.
(وهما) أي: الصورتان (يدا الحق)، إما صورة الحق: وهي أسماؤه فهي المؤثرة في الباطن، وإما صورة العالم؛ فهي المؤثرة في الظاهر حتى أن المنفعل منه فاعل للقبول، وهو نوع من التأثير والتقابل بینهما أتم؛ لشمولهما تقابل الأسماء الإلهية، والحقائق الكونية مع اعتبار تقابل آخر بين تلك الأسماء والحقائق.
(وإبليس جزء من العالم) فليس له من الفضيلة ما يتمسك بها من الإباءة عن السجود، ولم يطلع على هذه الجمعية.
إذ (لم تحصل له هذه الجمعية)، فاعتبر نفسه جزءا من العالم وهو النار، وآخر لأدم، وهو التراب؛ فقال: "خلقتني من نار وخلقته من طين» [ص: 76].

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا. ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟
وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق. وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قال رضي الله عنه : (فلا يزال الحقّ من هذه الحقيقة) يعني الوجوب الذاتي وما يستتبعه من الأوصاف الثبوتيّة المختصّة بالحق (غير معلوم) للعالمين ، (علم ذوق وشهود) فإنّه إنّما يعلم إذا علمه علم تقليد واستدلال ، ومن ثمّة يرى العقل من حيث هو هو لا يجاوزهما ، فإنّ العالم من حيث هو عالم لا يمكن له استحصال العلم الذوقي (لأنّه لا قدم للحادث في ذلك) ، فمن علم منهم تلك الحقيقة فإنّما يعلمها بالحق من نوره الفائض من صورته ، لا من صورة العالم .
وإذ قد ظهر معنى اليدين وشمولهما لصنوف المتقابلين ( فما جمع الله لآدم بين يديه إلَّا تشريفا ) له بكمال خلقته وترشيحا لشجرة رتبته ببلوغها لاستجماع الثمرة معها ، ( ولهذا قال لإبليس ) توبيخا له وتعريضا بنقصان خلقته منه : (" ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ").
 عند ظهور الإباء ، الذي هو مقتضى نشأته الناقصة عن إدراك كمال جمعيّة آدم والانخراط في سلك كليته والانقهار تحت قهرمان سلطانه .
فقال رضي الله عنه : ( وما هو إلَّا عين جمعه بين الصورتين : صورة العالم ) المشتمل عليها نشأة تفرقته الظاهرة (وصورة الحق ) المشتمل عليها نشأة جمعيّته الباطنة ( وهما يدا الحق . وإبليس جزء من العالم لم يحصل له هذه الجمعيّة ) يعني جمعيّة اشتمال اليدين ، إذ ليس له نصيب إلَّا من أحد اليدين ، أعني صورة العالم ولهذا غلب عليه الأوصاف العدميّة ، كالإباء والإغواء ، والقسم بالعزّة ، والاستغناء . وأمّا آدم فهو مشتمل على الصورتين.

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق و شهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك.
فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا." (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة).
أي الوجوب الذاتي أو من أجل هذا الحكم الحقيقي الذي هو أن العالم لا حظ له في الوجوب الذاتي (غير معلوم علم ذوق وشهود لأنه لا قدم للحادث في ذلك)
يعني الوجوب فلا يدركه إدراك ذوق وشهود نعم يدر?ه إدراكا تصورية يكفي في الحكم به على الحق سبحانه .
وإذ قد عرفت المعنى المراد من اليدين وجمعهما في خلق آدم (فما جمع الله سبحانه لآدم) حين خلقه (بين يديه إلا تشريفا) وتكريما له من بين سائر الموجودات . "و لهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟"
(ولهذا) أي لأن هذه الجمعية ليست إلا للتشريف.
(قال سبحانه لإبليس) توبيخا له: " قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) " سورة ص .
وجعل رضي الله عنه اليدين فيما سبق عبارة عن نوعين متقابلين من الصفات الوجوبية الفعلية كما هو الظاهر وجعلهما هنا إشارة إلى معنى آخر.
"و ما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم و صورة الحق، و هما يدا الحق."
بقوله: (وما هو)، أي الجمع بين يديه لآدم (إلا) عين (جمعه)، أي الله تعالی أو آدم (بين الصورتين صورة العالم)، وهي أحدية جمع الحقائق الكونية القابلة.
(وصورة الحق)، وهي أحدية جمع الحقائق الإلهية الوجوبية الفاعلة.
(وهما)، أي هاتان الصورتان : (يدا الحق) إحداهما اليد القابلة الآخذة وهي اليسرى،
وثانيهما اليد الفاعلة المعطية، وهي اليمنى وكلتا يديه يمين مباركة.
وإنما جعلهما يدي الحق لأن كل واحد منهما صورة من صورة تجلياته بها يتم أمر الوجود.
لأنه الذي يتجلى بصورة القابل بأمره والفاعل أحرى، والفرق بين المعنيين أن الصفات المتقابلة لو خصت هناك بالصفات الفعلية الوجوب كما هو الظاهر يكون المراد بمجموع الیدین هناك بما أراده بالیمنی ههنا.
ولو عمت الصفات الإمكانية أيضا يكون المعنى فإن من جزئيات المعنى الأول خص بالذكر دونها لما يرد بعده .
"وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية."
أعني قوله : (و إبليس هو جزء من العالم) الذي هو جزء من أدم.
لأنه حقيقة مظهرية للاسم المضل الداخل تحت الاسم الجامع "الله"  للأسماء الظاهرة في مظاهر العالم كلها ظهورا قرآنيا وفي آدم ظهورا جميعا.
ولهذا قال : (لم يتحصل له)، أي إبليس (هذه الجمعية)، أي جمعية أدم.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثامنة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:04 pm

 الفقرة الثامنة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثامنة والعشرون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك.
فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.  ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟
وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية. )
قال المصنف رضي الله عنه : [فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. ].
ذكر الشارح رحمه الله  :
فلا يدرك الحق سبحانه: أي العالم لا يدركه تعالى من حيث إطلاقه إدراكه تقسه.
أي مثل إدراكه تعالى نفسه، وذاته تعالى و هو مطلق لأن المقيد لا يدرك المطلق لعدم المناسبة، فلا يدرك المطلق إلّا المطلق، و العالم مقيد فلا يدرك الحق المطلق، فلا يزال أي العالم في حجاب لا يرفع: 
منحتها الصفات و الأسماء  ..... أن ترى دون برقع اسما
قد تسمّت بهم و ليسوا    ...... فالمسمى أولئك الأسماء
و ذلك لتقييد العالم و عدم إطلاقه، و إطلاق الحقّ تعالى و عدم تقيده، و المقيد لا يدرك المطلق أبدا . 
قال تعالى: " وما مِنّا إلّا لهُ مقامٌ معْلومٌ" [ الصافات: 164] لأن الإطلاق مشرف على التقييد لا بالعكس، فيعلمنا و لا نعلمه، و يدركنا و لا تدركه.

"" إضافة الجامع : ذكر الشيخ عبد الكريم الجيلي في الباب الثاني والستون في كتاب الإنسان الكامل عن تجلي القديم للحادث:
" فطلبت البقاء في مقام اللقاء، ومحال أن يثبت المحدث الظهور القديم، فنادى لسان سري مترجما عن ذلك الأمر العظيم.
فقلت: ربي "أرني أنظر إليك" آية 143 سورة الأعراف.
فأدخل بأنيتي في حضرة القدس عليك، فسمعت الجواب من ذلك الجناب و"لن تراني" ولكن انظر إلى الجبل وهي ذاتك المخلوقة من نوري في الأزل.
"فإن استقر مكانه "بعد أن أظهر القديم سلطانه. 
"فسوف تراني. فلما تجلى ربه للجبل" وجذبتني حقيقة الأزل وظهر القديم على المحدث "جعله دكا" فخر موسى لذلك صعقا، فلم يبق في القديم إلا القديم.   ولم يتجلى بالعظمة إلا العظيم، هذا على أن استيفاؤه غير ممكن وحصره غير جائز." أهـ ""

"" إضافة الجامع : قال الشيخ أبو المعالي صدر الدين القنوي في إعجاز البيان في تأويل ام القرآن :
فان ادعي احد معرفة هذا الاسم بطريق الشهود من حيث احدية التجلي والخطاب؟!
فنقول الذوق الصحيح التام افاد ان مشاهدة الحق تقتضي الفناء الذي لا يبقي للمشاهد فضلة يضبط بها ما ادرك.
وفي التحقيق إلاتم انه متي شهد احدا الحق فانما يشهد بما فيه من الحق وما فيه من الحق عبارة عن تجليه الغيبي الذي قبله المتجلي له باحدية عينه الثابتة المتعينة في العلم التي يمتاز بها عن غيره من الوجه الخاص دون واسطة فاستعد به لقبول ما يبدو له من التجليات الظاهرة فيما بعد بواسطة المظاهر الصفاتية والاسمائية.
وبهذا حصل الجمع بين قولهم ما يعرف الله إلا الله، وقولنا لا يمكن ادراك شيء بما ينافيه وبين دعوي العارف انه قد عرف الله معرفة ذوق وشهود.
ومن عرف سر قرب الفرائض والنوافل وما بينا في ذلك تنبه لما أومأنا إليه.
وعلي كل حال فنحن مقيدون من حيث استعدادنا ومراتبنا واحوالنا وغير ذلك فلا نقبل إلا مقيد مثلنا وبحسبنا كما مر والتجليات الواردة علينا ذاتية كانت أو اسمائية وصفاتية فلا تخلوا عن احكام القيود المذكورة .
ومن التقط ما قدمنا من التنبيهات وجمع النكت المبثوثة مستحضرا الهمه استغني عن مزيد البيان والتقرير فانه قد سبق ذكر ما يستنتج منه مثل هذا وغيره من إلأسرار الجليلة. أهـ ""

"" إضافة الجامع : كتاب إيقاظ الهمم في شرح الحكم العطائية لابن عجيبة الحسني يقول :
" القديم والحادث لا يلتقيان فإذا قرن الحادث بالقديم تلاشي الحادث وبقي القديم" .
قال رجل بين يدي الجنيد رضي الله عنهالحمد لله ولم يقل رب العالمين
فقال له الجنيد كمله يا أخي .
فقال له الرجل وأي قدر للعالمين حتى يذكروا معه.
فقال الجنيد قله يا أخي: "فإن الحادث إذا قرن بالقديم تلاشي الحادث وبقي القديم" اهـ.
فقد تقرر أن الأشياء كلها في حيز العدم إذ لا يثبت الحادث مع من له وصف القدم .
فأنتفى القول بالإتحاد إذ معنى الإتحاد هو إقتران القديم مع الحادث فيتحدان حتى يكونا شيئاً واحداً وهو محال.
إذ هو مبني أيضاً على وجود السوي ولا سوي .
وقد يطلقون الإتحاد على الوحدة كقول ابن الفارض
وهامت بها روحي بحيث تمازجا ... إتحاداً ولا جرم تخلله جرم
فأطلق الإتحاد على إتصال الروح بأصلها بعد صفائها ولذلك قال بعده ولا جرم تخلله إلخ فتحصل أن الحق سبحانه واحد في ملكه قديم أزلي باق أبدي منزه عن الحلول والإتحاد مقدس عن الشركاء والأضداد كان ولا أين ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان .
ومما ينسب لسيدنا علي كرم الله وجهه :
رأيت ربي بين قلبي ... فقلت لا شك أنت أنت
أنت الذي حزت كل أين ... بحيث لا أيبن ثم أنت
فليس للأين منك أين ... فيعلم الأين أين أنت
وليس للوهم فيك وهم ... فيعلم الوهم كيف أنت
أحطت علماً بكل شيء ... فكل شيء أراه أنت
وفي فنائي فنا فنائي ... وفي فنائي وجدت أنت .أهـ ""

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا. و لهذا قال لإبليس: "ما منعك أنْ تسْجُد لما خلقْتُ بيديّ" [ص : 75]  و ما هو إلا عين جمعه ين الصورتين، صورة العالم و صورة الحق و هما يدا الحق . و إبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية .]
قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
( فما جمع الله لآدم بين يديه ): أي يدي تنزيه و تشبيه، و إن شئت قلت: يدي وجوب و إمكان، و قدم و حدوث .
( إلا تشريفا و تكريما له) فإنه جاز الشرف بكلتا يديه، و إنه حادث أزليّ .
( و لهذا ): أي و لهذا التشريف قال تعالى لإبليس توبيخا و زجرا: "ما منعك أنْ تسْجُد لما خلقْتُ بيديّ " [ ص: 75]: أي يدي تنزيه و تشبيه من حيث التشريف بقرينه الحال حين عرفه بذلك لإبليس لما ادعى الشرف على آدم بنشأته قال: " قال يا إبليسُ ما منعك أنْ تسْجُد لما خلقْتُ بيديّ  أسْتكْبرْت أمْ كُنْت مِن العالين" [ صّ : 75] .
فلا بد من النسبتين بحيث يصحّ بهما التشريف لخلافتي و إلا ذلك سائغ في غيره كالإنسان الحيواني (و ما هو ): أي ليس هذا التشريف، و هو الخلق إلا عين جمعه بين الصورتين (صورة العالم) و (صورة الحق) و تحقّقه بهما و هما: يدا الحق يد تنزيه و يد تشبيه .

أحدهما فاعلة معطية، و أحدهما قابلة آخذة، و كلتا يديه يمين مباركة، فافهم .
يقول الشيخ رضي الله عنه :
فليس عيني سواه ... فما أبيت إياه
فمن يشاهد بعين ... الوجود يشهد إياه
فنحن فيه سواء ... كما يراني أراه
و (إبليس) و كان اسمه حارث فأبلسه الله تعالى و طرده من رحمته، و طرد رحمته منه، فسمّي إبليسا: أي طريدا .
( جزء من العالم لم يحصل له هذه الجمعية) لأنه مظهر اسم المضل، و آدم عليه السّلام مظهر لاسم الله الجامع لجميع الأسماء الظاهرة في المظاهر المسمّاة بالعالم، و الاسم المضل من جملة تلك الأسماء، و اللبس على إبليس حقيقة الأمر لجهله بنفسه، فظنه أنه الشرف من حيث النشأة العنصرية، ثم ظن أن أشرف الاستقصات النار فرتب بالفكر الفاسد على هذا الوهم الكاسد الأقيسة الباطلة و المقدمات العاطلة في نفسه و توهّم منها النتيجة، و امتنع عن السجود حين أمره الله تعالى و ما اكتفى بمجرد الامتناع و كان أستر له بل فضح نفسه عند العلماء بإظهار استدلاله، و جمع بين الجهل و سوء الأدب لخفته و طيشه .

و قال تعالى: "قال أنا خيْـرٌ مِنْهُ خلقتني مِنْ نارٍ و خلقْتهُ مِنْ طِينٍ" [ الأعراف :  . [12
و هذه أول معارضة ظهرت من إبليس في صنعة الجدال، فإنه جادل ربه و ما أحسن في جداله لأنه ما أعطي حقه إن الحق تعالى  أراد بقوله: "ما منعك أنْ تسْجُد لما خلقْتُ بيديّ"  [ صّ : 75]: أي يد تنزيه و تشبيه، و إن شئت قلت يد وجوب و إمكان، أو يد بخلاف سائر العالم ملكا و فلكا .
قال تعالى: "إذا أ راد شيْئاً أنْ يقُول لهُ كُنْ فيكُونُ" [ يس: 82] فهو مجموع العالم أجزاءه و له شرف الكلية على الأجزاء، و على الأجزاء أن يطيعوه و لا يعصوا له أمرا، فأمر بهذه الحكم البالغة له سجدة إلا طاعة، و الانقياد له إظهارا لشرفه على الخلق المخلق سيما الملائكة عليهم السلام لأنه كل الوجود، فما فهم اللعين هذه المقدمات المطوية و  الأسرار الوجودية، و حمّل الخطاب على غير محله حسدا من عنده فجادل و عارض و تطاول.

و ذلك أنه لما فهم من لحن المخاطبة و القول إثبات الشرف لآدم، و ما علم أيّ شرف يوجب أن يطاع، و ينقاد بهذه السجدة، فادّعى بطريق المعارضة لنفسه الشرف، و استدلّ بأنه خلق من نار، و ظنّ أنه أعلى الاستقصات من حيث المكان.
و لم يعلم أن الطين أشرف الاستقصات فإن له الثبات و القرار، و للنار الطيش و التهتك و الاستكبار، و ما أعتبر أن التبن في الماء فوق التبر في المكان، فغفل عن المكانة أو استكبر وعاند و استكثر من الحسد، فعوتب .

استكبرت و عاندت أم كنت من العالين في الاحتجاج، و لك حجة في قولك و دعواك، فهذا لسان تبكيت و تعريض، و كان الأمر كما قلنا ظهر من آدم التمكين و الثبات والتوجّه في الأمور والأناة، و التدبر و إصابة الفكر و النظر في العواقب، و ظهر منه قلة الأدب و الجهل و التهتك و الطيش و الخفة، فإنه من مارج و هو نار مختلط بالهواء فله الخفة و عدم القرار و الاستكبار .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة التاسعة والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:05 pm

الفقرة التاسعة والعشرون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة التاسعة والعشرون :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولهذا كان آدم) عليه السلام (خليفة الله)، تعالى في الأرض دون إبليس عليه اللعنة لجمعه بين اليدين وإبليس لم يجمع بينهما.
(فإن لم يكن) آدم عليه السلام (ظاهرا بصورة من استخلفه) وهو الحق تعالى (فيما استخلفه فيه) وهو العالم ويكون ظاهرة بصورة العالم أيضا.
(فما هو خليفة)، لأن الخليفة يجب أن تكون صورته صورة الذي استخلفه، ليمد هو كما يمد أصله بما يمد به أصله، وأن تكون صورته صورة من استخلف عليهم أيضا حتى يعلم كيفية إيصال الإمداد إليهم .
(وإن لم يكن فيه)، أي في الخليفة أيضا (جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف)، أي استخلفه غيره (علیها) من جميع الحوائج والمصالح الروحانية والجسمانية جلية، ودفعها ضرا ونفع.
(لأن استنادها)، أي الرعایا بمعنى نسبتها (إليه) في الخير والشر، فإذا كانت في خير نسب إليه أو في شر كذلك.
(فلا بد أن يقوم)، أي ذلك الخليفة (بجميع ما تحتاج إليه) الرعية من الحوائج والمصالح كما ذكرنا (وإلا فليس بخليفة عليهم)، لعدم وجود ما يحتاجون إليه عنده ، فإذا لم توجد عنده جميع حوائجهم ومصالحهم كان مثلهم محتاجة مفتقرة إلى من عنده جميع ذلك.
فما هو بخليفة حينئذ، كما أن السلطان إذا لم تكن عنده القدرة على فصل الخصومات بين رعيته وقطع المنازعات عنهم فليس بسلطان عليهم.
إذ لا سلطنة له، والسلطان مشتق من السلطة وقد وجد فيه العجز عن ذلك، فشاركهم فيه، فكان مثلهم من جملة الرعايا .
وكذلك خليفة الحق تعالى يخلف الحق في وجود جميع الحوائج والمصالح التي للمخلوقات كلهم عنده .
كما أن جميع ذلك له وجود للمخلوقات عند الحق تعالى على التمام من غير عجز عن شيء من ذلك.
فيلزم أن يكون كذلك عند الخليفة موجودة على التمام من غير عجز عن شيء منه وإلا لم يكن خليفة، لأنه لم يخلف الحق تعالى في جميع ذلك، فهو حينئذ مثلهم من جملة الرعايا .
(فما صحت الخلافة) التامة الكاملة من الحق تعالى على جميع المخلوقات إلا للإنسان الكامل الذي غلبت إنسانيته على حيوانيته.
وأما الإنسان القاصر الذي غلبت حيوانيته على إنسانيته، فهو خليفة على بعض المخلوقات.
ويسمى عاملا حينئذ لا خلیفة ?املا وذلك كجميع بني آدم المؤمن منهم والكافر والصغير منهم والكبير والعاقل والمجنون.
فإنه لا بد من استخلافه عن الحق تعالى الذي هو مالك للعالمين ولو على يده ورجله وسمعه وبصره.
فيقبل شيئا من ذلك بطريق النيابة عن الحق تعالى في الظاهر، وقد جعل الله تعالى الملك حكمة منه تعالى لكل أحد من بني آدم.
ولو على ثوبه الساتر لعورته نيابة على المالك الحقيقي وهو الحق تعالى.
حتى قال تعالى : "لمن الملك" 16 سورة غافر. وهم الأموال وأوجب عليهم فيها الزكاة ونحوها "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" 7 سورة الحديد. 
یعنی عنه تعالى، لأنه تعالى أخبر أن الملك له يوم القيامة 
فقال عز من قائل
" والأمر يومئذ لله" 19 سورة الانفطار.
وقال تعالى :
 "الملك يومئذ الحق للرحمن " 26 سورة الفرقان. 
وقال
"مالك يوم الدين" 4 سورة الفاتحة.
وقال بعد زوال نسبة الأعمال والأملاك عن جميع بني آدم يوم القيامة بسبب موتهم الذي هو عزلهم من استخلافه لهم فيما استخلفهم فيه " إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون" 40 مريم. ولا مناقضة بين هذا وبين قوله تعالى :"أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" 105 سورة الأنبياء. لأن العباد الصالحين ما وضعوا بالعبودية وبالصلاح إلا لرجوعهم إلى الله تعالى من حيث وجود ذواتهم، وجميع أعمالهم في الباطن والظاهر.
فكان الله تعالى ظاهرة بهم عندهم، وهم ظاهرون به تعالى عند غيرهم.
وقد ورد أن: "الناس يحشرون على نياتهم" فهم عند غيرهم غير الله تعالى، وهم عند أنفسهم ظهور الله تعالى.
فإذا ورثوا الأرض يوم القيامة ، فإنما الله تعالى هو الذي ورثها، وزاد الله تعالى عليهم بأن ورث على الأرض أيضا، وهم لم يرثوا إلا الأرض فقط، لأنهم لله تعالى من حيث ظهوره لهم، لا من حيث ظهوره له تعالى.
فإن ظهوره له تعالى في جميع حضراته وظهوره لكل واحد منهم إنما هو في حضرة من حضراته دائما.
وإن تقلبوا في جميع أطوار حضراته تعالى على الأبد لا يسعون إلا حضرة بعد حضرة من تلك الحضرات.
(فأنشأ) الحق تعالى (صورته) , أي صورة الإنسان الكامل الذي هو خليفة الله
تعالى على جميع العالم (الظاهرة) وهي حقيقة جسمه ونفسه التابعة للجسم، وصورته المرسومة في هذا الوجود.
(من حقائق العالم) كله، فجسمه من جسم العالم، ونفسه من نفوس العالم (و) من (صوره)، أي صور العالم كله، فصورته صورة العالم كله سماواته وأرضه وأفلا?ه وأملاكه إلى غير ذلك.
(وأنشأ) الحق تعالی أيضا (صورته الباطنة)، وهي حقيقة روحه وعقله التابع للروح، ومعلوماته المرسومة في وجوده (على) طبق (صورته).
أي صورة الحق تعالى التي هي مجموع صفاته تعالى وأسمائه وأفعاله وأحكامه كما تقدم، فروحه من صفاته وأسمائه تعالى وعقله من أفعاله تعالى ومعلوماته المرسومة فيه من أحكامه تعالى .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (التي لآدم ولهذا) أي ولأجل حصول هذه الجمعية لآدم (كان آدم خليفة) .
فإذا كان خليفة فلا بد أن ی?ون ظاهرة بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه (فإن لم يكن) آدم (ظاهرة بصورة من استخلفه فيه) أي في العالم (فما هو خليفة) لامتناع التدبير والتصرف حينئذ.
وكذلك لا بد أن يكون نائبا فيه جميع ما تطلبه الرعايا (وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها ) فليس بخليفة .
حذف الجواب للعلم به وإنما وجب أن يكون فيه جميع ما تطلبه الرعایا.
(لأن استنادها) أي استناد الرعايا (إليه) أي إلى آدم لا إلى غيره .
فإذا كانت مستندة إليه (فلا بد أن يقوم) عليهم (بجميع ما يحتاج إليه وإلا) أي وإن لم يقم بجميع ما يحتاج إليه (فليس بخليفة عليهم) .
فإذا كان الأمر كذلك (فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل) لا لغيره من المخلوقات.ولما فرغ عن ذكر الخلافة شرع في تصريح بما علم
التزام بقوله: (فأنشأ صورته) أي صورة الإنسان الكامل (الظاهرة) الموجودة في عالم الشهادة وهي صورة الجسدية (من حقائق العالم وصوره) أي ومن صورة العالم.
(وانشأ صورته الباطنة) وهي صورته الروحية الموجودة في عالم الغيب وهو المراد من قوله خلق الله آدم (على صورته تعالى) أي على صفات الله وأسمائه.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم. فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
قلت: يعني ما ورد من قوله، عليه السلام: "إن الله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل ما انتهى إليه بصره من خلقه " فذكر تعالى أن حجبه من نور وظلمة وهي الأرواح والأجسام وحقيقتهما أنهما كثيف ولطيف.
ثم أشار إلى التوحيد بقوله: "وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق أحد إدرا?ه نفسه" فهو العارف والمعروف كما أنه الحجاب والمحجوب
وإذا كان كذلك "فلا يزال في حجاب لا يرفع"، لأن رفع الحجاب إنما يتحقق عند كون الحجاب غير المحجوب وأما إذا لم يكن هناك تغایر فلا يتحقق رفع الحجاب."
و قوله: (مع علمه).
قلت: يعني أن العالم أو الإنسان يعلم أنه ممتاز عن موجده فقد عاد إلى إشارته إلى تمايز الأعيان الثابتة التي هي المم?نات المفتقرة.
وما بعد هذا ظاهر مما سبق إلى قوله: "فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى ."

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
"ولهذا كان آدم خليفة ، فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه ، فما هو خليفة ، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها لأنّ استنادها إليه ، فلا بدّ أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه وإلَّا فليس بخليفة عليهم ".
فلمّا جمع الله لآدم بين الصورتين  صورة الحقّ وصورة الخلق .
فكان له مرتبة جمع الجمع ، فهي على صورة الله ضرورة كون الحقيقة الإلهية أحدية جمع الحقائق الوجوبية كلَّها المقتضية بالذات لجمع جميع الحقائق الكونية.
وبهذه الجمعية صحّت له الخلافة ، كما نطقت الحقيقة على لسان بعض تراجم الحقائق ، شعر :
أتته الخلافة منقادة      .... إليه تجرّر أذيالها
فلم تكن تصلح إلَّا له      .... ولم يكن يصلح إلَّا لها
ولو رامها أحد غيره      .... لزلزلت الأرض زلزالها
فالإنسان حامل الأمانة التي هي الصورة الإلهية التي حذي آدم عليها .
فإن لم يظهر الخليفة بصورة المستخلف في الرعايا ، لم يطيعوه ، وكان قاصرا عن درجة الخلافة ، فلم يصلح لها ، وإذا لم يكن عنده جميع ما تطلبه الرعايا ، لم يطيعوه ولم يوصل ذلك إلى الجميع جمعا وفرادى ولم يكن خليفة .
وإذ قد جمع الله لآدم بين يديه المبسوطتين بجميع الآلاء والنعماء التي يطلبها الكلّ واستوت الحقيقة الأحدية الجمعية والوجوبية الإلهية على عرش الحقيقة الأحدية الجمعية الإنسانية الكمالية ، ظهر بصورة الله تعالى .
فأوصل نعم الله وآلاءه المخزونة في خزائنه عنده وفيه التي هي حضرات الأسماء وخزائن خزائنة التي هي حقائق القوابل والمظاهر إلى العالم الأعلى الربّاني والعالم الأسفل الكياني ، روحانيّتها وجسمانيّتها ، سماويّها وأرضيّها .
وظهرت جميع الحقائق الوجوبية والنسب الإلهية والربوبية في مظاهرها تماما ، وظهرت أيضا بها الحقائق الخلقية المظهرية في جميع مرائيها ومراتبها ومناظرها ومجاليها الروحانية والمثالية والطبيعية تماما ظهورا فرقانيا تفصيليا .
وكان ظهورها في الخليقة ظهورا جمعيا أحديا كماليا ليس كظهور كلّ منها في كلّ من المظاهر إذ ليس كلّ منها كلّ كلّ منها من كلّ وجه ، فما في بحري الوجوب والإمكان حرف ولا كلمة إلَّا وهي في الإنسان الكامل الفاضل أفضل وأكمل منه ، خارجا عنه .
مع حصول فضيلته الخصيصة به له ، فافهم إن كنت تفهم ، والله الملهم والمعلم .
فما أكمل الإنسان لو عرف قدره ، وملك أمره ، وكمّل سرّه ، ولم يتعدّ طوره ، ولزم مركزية حقيقة الاعتدال ، وتحقّق بحقيقة الإطلاق في الجمع والكمال ! .
حقّقنا الله وإيّاكم معاشر المستعدّين الطالبين لهذه الحقيقة ، والمسترشدين إلى هذه الطريقة بفضله وطوله وقوّته وحوله .
وأمّا استناد العوالم التي كنى عنها الشيخ رضي الله عنه بالرّعايا إلى هذا الخليفة .
وهي الخليقة : فمن حيث إنّ كلّ حقيقة من حقائق ذات الخليفة ونشأته برزخ من حيث أحدية جمعها بين حقيقة ما من حقائق بحر الوجوب وبين حقيقة مظهرية لها من حقائق بحر الإمكان هي عرشها ، وتلك الحقيقة الوجوبية مستوية عليها .
فلمّا ورد التجلَّي الكمالي الجمعي الإلهي على المظهر الكمالي الإنساني ، تلقّاه بحقيقة الأحدية الجمعية الكمالية ، وسرى سرّ هذا التجلَّي في كل حقيقة من حقائق ذات الخليفة ، ثم فاض نور التجلَّي منها على ما يناسبها من العالم .
فما وصلت الآلاء والنعماء الواردة بالتجلَّي الرحماني على حقائق العالم إلَّا بعد تعيّنه في الإنسان الكامل بمزيد صبغة لم تكن في التجلَّي قبل تعيّنه في مظهرية الإنسان الكامل .
فحقائق العوالم وأعيانها رعايا للملك الحقيقي المالك لهم .
وعلى الخليفة رعاية رعاياه على الوجه الأنسب والأليق والأفضل ، وفيه تتفاضل الخلائف بعضهم على بعض ، فاجهد واشهد واكشف ، تشهد ، والله الهادي .
قال رضي الله عنه : "فما صحّت الخلافة إلَّا للإنسان الكامل فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره ، وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى."
ولذلك قال : « كنت سمعه وبصره » ولم يقل : كنت عينه وأذنه ، ففرّق بين الصورتين" .

بيان إيجاد الحق صورة ظاهر الإنسان
قال العبد : أمّا إنشاء صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره فمن حيث إنّ ظاهرية الإنسان أحدية جمع جميع الحقائق الكونية وصورها .
فما من ذرّة من ذرّات الوجود من العقل الأوّل إلى آخر نوع من أنواع الموجودات الكونية إلَّا وفي نسخة ظاهر الإنسان الكامل نظيرتها ومندوحتها ، ونسبتها إليه كنسبة الأصل إلى الفرع .
ونسبة حقائق ذات الإنسان وصورها إلى حقائق العالم وصورها نسبة الأصل إلى الفرع ،
ولقد ذكرنا نظائر حقائق العالم وصورها من الإنسان الكامل في الشرح الكبير ، وربما يحشو حشو حواشي هذا المختصر شيء من ذلك ، حتى يكون الكتاب كافيا وافيا. والله الموفّق والمؤيّد والمعين .

بيان إظهار صورة باطن الإنسان الكامل
وأمّا إنشاء الله تعالى صورة باطن الإنسان على صورته تعالى فهو أنّ الإنسان الكامل حاو ، جامع لجميع الأسماء الإلهية الفعلية الوجوبية وجميع نسب الربوبية فإنّه أعني الإنسان الكامل واجب الوجود بربّه.
عرش لله بقلبه ، فهو حق ، واجب الوجود ، حيّ ، عالم ، قدير ، مريد ، متكلَّم ، سميع ، بصير وهكذا جميع الأسماء ، ولكن بالله على الوجه الأجمع الأكمل .
وصورة الله التي خلق الله آدم عليها هي أحدية جمع جميع هذه الحقائق الربانية الإلهية على الإطلاق ، لا غير ، فباطن الإنسان على صورة الله ، وظاهره على صورة العالم وحقائقه.
والظاهر مجلى ومرآة للباطن ، والباطن متعيّن في الظاهر وبه بحسبه كما عيّن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما أسنده إلى الله تعالى أنّه قال : "كنت سمعه وبصره " ولم يقل عينه وأذنه ، ففرّق بين صورته الظاهرة وصورته الباطنة .
يريد رضي الله عنه في هذا ، الحديث ، وإلَّا ففي غيره التعميم والشمول على صورتية الظاهرة والباطنة ، ولا تظنّنّ قولنا : " صورته الظاهرة " جسمانية فقط فليس المراد ذلك .
بل خليقته من جسم وروح ، وقوى وعقل ، ومعان وصفات وغيرها ممّا يصدق إطلاق الخليقة وما سوى الله عليه ، فالهيئة الجمعية من جميع ما ذكرنا هي صورته الظاهرة .
فبهذا كان الإنسان الكامل بظاهره صورة العالم الأحدية الجمعية .
وقيل : فيه العالم الصغير ، أي من حيث الصورة .
والذي يتضمّن هذا الحديث من الفرق بين الصورتين والتخصيص فهو أنّ السمع والبصر حقيقتان ملكوتيّتان وإلهيّتان للنفس أو للروح كيف شئت وأمّا العين والأذن فهما آلتا إدراك المبصرات والمسموعات بالنسبة إلى من إدراكه مقيّد بالآلات ما دام كذلك .
وأمّا سمع الحق وبصره اللذان تسمّى بهما فغير متوقّف على الآلة والجارحة ، فذكر في هذا الحديث الأليق بجنابه تعالى لأهل العموم بلسانهم .
وإلَّا فإنّ الإدراكات بالآلات والجوارح كلَّها ، وقد يسري النور في باطن المحقّق المتحقّق بهذا المقام إلى ظاهره وأعضائه وجوارحه ، كما جاء في اليد والرجل واللسان والقدم والطريق ، والله وليّ التوفيق .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
كما قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولهذا كان آدم خليفة ، فإن لم يكن ) أي آدم ظاهرا ( بصورة من استخلفه ) أي الحق ( فيما استخلفه فيه ) من العالم وأجزائه ( فما هو خليفة ) أي لم يكن خليفة لأن الخليفة يجب أن يعلم مراد المستخلف وينفذ أمره فلو لم يعرفه بجميع صفاته لم يمكنه إنفاذ أمره ( وإن لم يكن فيه جميع ما في العالم ) من الأسماء والصفات ( وما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها ) يعنى أجزاء العالم المستخلف هو عليها لم يكن خليفة عليهم .
إذ ليس حينئذ عنده ما يحتاج إليه الرعايا ويطلبونه منه فلم يمكنه تدبيرهم ، فقوله فليس بخليفة عليهم جواب الشرط الثاني في الحقيقة لكن لما اعترض تعليل الشرط وهو قوله : ( لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما يحتاج إليه ) بينه وبين الجزاء فانجر الكلام إلى توسط شرط آخر وهو قوله وإلا اكتفى بجواب أحدهما عن جواب الآخر لاشتراكهما في الجواب فيكون جواب الأول محذوفا لدلالة جواب الثاني عليه .
تقديره وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا من الأسماء التي يرب الحق تعالى بها جميع من في العالم من الناس والدواب والأنعام وغيرها فليس بخليفة عليهم ، والاعتراض لبيان أن فيه مطالب جميع أجزاء العالم لأنها مقتضيات الأسماء الإلهية فيطلب ما في خزائن الأسماء من المعاني التي هي كمالاتها والأسماء كلها فيه كما مر فاستندت إليه فلا بد أن يقوم بكل ما يحتاج إليه ويعطيها مطالبها كلها ( وإلا ) أي وإن لم يقم بجميع ما يحتاج إليها ( فليس بخليفة عليهم )
ومن هذا ظهر معنى قوله ( فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل فأنشأ صورته الظاهرة ) أي لما ثبت أن استحقاق آدم للخلافة إنما يكون بالصورتين أنشأ صورته الظاهرة ( من حقائق العالم وصوّره )
حيث جمع فيه الحقائق الكونية ، فلم يبق من صور العالم وقواه شيء إلا وفيه نظير ( وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى ) فإنه سميع بصير عالم ، فيكون متصفا بالصفات الإلهية مسمى بأسمائه

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولهذا كان آدم، عليه السلام، خليفة). أي، ولأجل حصول هذه الجمعية لآدم، صار خليفة في العالم.
(فإن لم يكن آدم ظاهرا بصورة من استخلفه) وهو الحق.
(فيما استخلف فيه وهو العالم) أي، إن لم يكن متصفا بكمالاته متسما بصفاته قادرا على تدبير العالم.
(فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلفه عليها،لا يكون استنادها) أي، استناد الرعايا. (إليه). أي، إلى آدم الذي هو الخليفة، فليس بخليفة. وحذف الجواب لدلالة الجواب الأول والذي يأتي بعده عليه.
وإنما كان العالم مسندا إليه، لأنه رب للعالم بحسب مرتبته، وعبد للحق بحسب حقيقته، وإذا كان العالم مستندا إليه (فلا بد أنيقوم بجميع ما يحتاج إليه  وإلا فليس بخليفة عليهم، فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل).
أي، وإذا كان الأمر كذلك، فما صحت هذه المرتبة إلا له.
واعلم، أن لكل فرد من أفراد الإنسان نصيبا من هذه الخلافة يدبر به ما يتعلق به، كتدبير السلطان لملكه وصاحب المنزل لمنزله. وأدناه تدبير الشخص لبدنه. وهو الحاصل للأولاد بحكم الوراثة من الوالد الأكبر، والخلافة العظمى إنما هي للإنسان الكامل.
واعلم، أن الشيطان أيضا مربوب لحقيقة آدم وإن كان أخرجه من الجنة وأضله بالوسوسة، لأنها تمد من عالم الغيب مظاهر جميع الأسماء، كما أن ربه يمد الأسماء كلها.
فهو المضل بنفسه في الحقيقة لنفسه، ليصل كل من أفراده إلى الكمال المتناسب له، ويدخل الدار الطالبة إياه من الجنة والنار ولولا ذلك الإمداد، لا يكون له سلطنة عليه.
ومن هنا يعلم سر قوله تعالى: "فلا تلوموني ولوموا أنفسكم"وبه قامت الحجة عليهم، لان أعيانهم اقتضت ذلك. فإضلاله لآدم وإخراجه من الجنة الروحانية لا يقدح في خلافته وربوبية.
(فأنشأ صورته الظاهرة) أي، صورته الموجودة في الخارج من جسمه و روحه من حقائق عالم الملك والملكوت.
لذلك قال: (من حقائق العالم وصوره) وما اكتفى بذكر الصور.
(وإنشاء صورته الباطنة على صورته تعالى) أي، وإنشاء صورته الموجودة في العلم، وهي عينه الثابتة متصفة بصفات الحق تعالى وأسمائه.
ولما كانت الحقيقة يظهر بالصورة في الخارج، أطلق (الصورة) على الأسماء والصفات مجازا، لأن الحق بها يظهر في الخارج.
واعلم، أن كلا من (الظاهر) و (الباطن) ينقسم على قسمين: باطن مطلق، وباطن مضاف، وظاهر مطلق، وظاهر مضاف.
فأما الباطن المطلق فهوالذات الإلهية وصفاته والأعيان الثابتة.
والباطن المضاف هو عالم الأرواح.
فإنه ظاهر بالنسبة إلى الباطن المطلق، باطن بالنسبة إلى الظاهر المطلق، وهو عالم الأجسام، لذلك جعل صورته الظاهرة، أي صورة الإنسان، من حقائق العالم وصوره.
ويجوز أن يراد بـ (الصورة الظاهرة) جسمه وبدنه، فإنه مركب من حقائق عالم الكون والفساد. ويؤيده قوله آخرا: (فقد علمت حكمة نشأة جسد آدم،أعني صورته الظاهرة).
وبـ (الصورة الباطنة) روحه وقلبه والقوى الروحانية المتصفة بصفات الحق وأسمائه.
(ولذلك قال فيه: كنت سمعه وبصره. وما قال: كنت عينه وأذنه.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (وهذا) أي: ولأجل تشریف الحق آدم بالجمع بين يديه اللتين هما صورتا الحق والخلق (كان آدم خليفة) للحق على الخلق.
ثم بين كون الخلافة منوطة بذلك بقوله: (فإن لم يكن) أي: آدم (ظاهرا بصورة من استخلفه)، وهو الحق تعالى لا في كل ما في الحق حتى الوجوب الذاتي.
بل (فيما استخلفه فيه) أي: في الأمر الذي جعله خليفة فيه، وهو أن يتحقق بالأسماء الظاهرة في العالم، وسائر ما يقبل الظهور من الأسماء؛ ليستفيض بذلك من الحق، فيفيض إلى الخلق (فما هو خليفة)، إذ لا يقوم مقام الأصل بدونه، كما لا تقوم المرأة مقام الشمس في إفاضة النور على الجدار بدون أن يتصور بصورة الشمس، هذا بيان وجوب ظهوره بصورة الأصل.
وأما بیان وجوب ظهوره بصورة من استخلف عليه؛ فهو قوله: (وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها) بوجود حقائقها فيه الطالبة لكمالاتها مع قصور مناسبتها مع الحق تعالى، فما هو خليفة عليها، حذف هذا الجواب بقرينة ما بعدها لأنه لولا تلك الحقائق فيه، لم يستحق أو الفيض الذي يفيض عليها؛ لأن الفيض منوط بالقابل، وتلك الحقائق هي القابلة.
ولكنها قاصرة عن تحصيل ذلك الفيض بأنفسها؛ لأنها غير مقصودة بالذات فتطلب فيضها من الخليفة؛ (لأن استنادها إليه) من حيث هو مقصود بالذات.
وهي مقصودة لأجله، وهو كامل المناسبة مع الحق، ومعها أيضا لما فيه من الجمعية مع شائبة التفرقة من جهة ما فيه من الإجمال بعد التفصيل؛ ولذلك اختص ?ل قوة منه بأمر خاص لا يوجد في غيره، وإذا كان استناد الكل إليه في أنواع الفيض المختلفة التي يختص كل نوع بحقيقة تطلبه،(فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج) الرعايا (إليه) بتحقق حقائقها فيه حتى يستفيض ما يستحق كل حقيقة منها، ثم يفيض على كل منها ما يستحق.
(وإلا) أي: وإن لم يقم بجميع ما تحتاج إليه الرعايا (فليس بخليفة عليهم)، بل إنما تتصور خلافته على من يقوم بحاجته دون غيره؛ لكنه يكون قاصرا على ذلك التقدير؛ فلا تتم مناسبته مع الحق، فإن استفاض بتلك المناسبة القاصرة فحقائق العالم كذلك فلا يحتاج
إلى الخليفة، وإذا كان كذلك (فما صحت الخلافة) الموصلة للفيض الإلهي (إلا للإنسان الكامل) الجامع لما تحتاج إليه الرعايا، وما تشتمل عليه خزائن الأسماء الإلهية.
وإذا كانت الخلافة تتم بمناسبة الطرفين، ومناسبة الحق تتم بالجمعية، ومناسبة الخلق بالتفرقة، جمع فيه بين الصورتين مع التفرقة بينهما.
(فأنشأ صورته الظاهرة) أي: الجسمية (من حقائق العالم)، أي: كلياته وصوره لا من حيث هي صور للأسماء الإلهية، فإن الأجسام هي أجسام ليست صورا للأسماء الإلهية.
إذ ليس لها صورة حسية، وإن كانت صورا لها من حيث الوجود، وبعض المعاني القائمة بها، فالصورة الظاهرة للإنسان من حقائق العالم، (وصوره) من حيث هي آثار الأسماء الإلهية، أو ما يتعلق بها، وأخذ الإنسان صور الأسماء الإلهية ليس بواسطة العالم بل بالذات.
(وأنشأ صورته الباطنة) الروحية، وما يفيض منها من القوى المدركة، والمحركة (على صورته تعالی)، وهي الصورة المعنوية، وفيها الجمعية إذ جعله حيا، عالما، مريدا، قادرا، سميعا بصيرا، مت?لما

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم. فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
فقال رضي الله عنه : ( فلهذا كان آدم خليفة ، فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه ) . 
من وضع الصور وإظهارها ، والكشف عن كنه مراده منها ( فما هو خليفة ) ضرورة أنّ الخليفة هي المنفّذة لأحكام المستخلف إلى أن ينساق إلى غايتها المراد منها
 .
فلزم من هذه الشرطيّة الأمر الأوّل وهو اشتماله على صورة الحق .
كما لزم الثاني من قوله : (وإن لم يكن فيه جميع ما يطلبه الرعايا التي استخلف عليها ) فما هو خليفة أيضا وحذف التالي اكتفاء بما سبق منه وبيان الشرطيّة واضح ( لأنّ استنادها ) أي الرعايا ( إليه ، فلا بدّ أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه ، وإلَّا فليس بخليفة عليهم ) .
( فما صحّت الخلافة إلَّا للإنسان الكامل ) باشتماله الصورتين ، واحتوائه النشأتين ( فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره . وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى ، ولذلك قال فيه : « كنت سمعه وبصره » .
وما قال : « كنت عينه واذنه » ففرّق بين الصورتين ) تمييزا لليدين وتفصيلا لما يتعلَّق بهما من الأحكام المتقابلة والأوصاف المتناقضة . وهذا إنّما هو من سعة قابليّته الذاتيّة .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
قال الشيخ رضي الله عنه :"و لهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، و إن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه و إلا فليس بخليفة عليهم. "
(ولهذا)، أي لحصول هذه الجمعية (كان آدم خليفة) من الله على العالم (فإن لم يكن) آدم (ظاهرا بصورة من استخلفه) وهو الحق سبحانه متصفا بصفاته متسما بكمالاته ليتصرف بهما.
(فيما استخلفه فيه) وهو العالم (فما هو خليفة وإن لم يكن فيه).
أي في آدم (جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف) آدم (عليها) من مقتضيات الأسماء الإلهية وآثارها.
(لأن استنادها) تعليل للطلب أي ذلك الطلب إنما يقع منهم، لأن استناد الرعایا في تحصيل حاجاتهم (إليه) لكونه خليفة عليهم (فلا بد أن يقوم) آدم (بجميع ما تحتاج الرعايا إليه وإلا).
أي وإن لم يقم آدم بجميع ما تحتاج إليه الرعايا .
وإذا كان ذلك في قوة قوله : وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا كان كأنه أثر له فاقتصر في الجواز على قوله: (فليس بخليفة عليهم)، ولم يصرح بالجزاء في الأول "فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم و صوره و أنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى."
(فما صحت الخلافة) من أفراد العالم (إلا للإنسان ومن أفراد الإنسان إلا للإنسان الكامل).
لأن فيما عدا الكامل لم تحصل شرائط الخلافة بالفعل وفيما عدا الإنسان بالقوة أيضا (فأنشأ صورته).
[size=24]أي صورته الجسمانية العنصرية (الظاهرة من حقائق العالم)، أي من الموجودات المتحققة في العالم (و صوره)، أي صور العالم التي هي تلك الموجودات المتحققة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة التاسعة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:06 pm

الفقرة التاسعة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة التاسعة والعشرون :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم. فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ ولهذا كان آدم خليفة. فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، و إن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها، لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه و إلا فليس بخليفة عليهم ] .

قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
(ولهذا ): أي لحصول هذه الجمعية، و هي جمع النسبتين .
( كان آدم خليفة) وأعطاه الله تعالى من القوة بحيث أنه ينظر في النظرة الواحدة إلى الحضرتين، فيتلقّى من الحق، و يلقي إلى الخلق من حيث أنه حق خلق في مقام جمع الأضداد و منزله، و يكون بين هاتين النسبتين كالبرزخ يقابل كل نسبة منها بذاته.
فإنه لا ينقسم في ذاته فيقابل بعينيه التي قابل بها أحدهما الأخرى، و ما ثمة إلا ذاته كالجوهر الفرد بين الجوهرين أو الجسمين يقابل كل واحد منهما بذاته لأنه لا ينقسم، فلا يكون له جهتان مختلفان في حكم العقل.
و إن كان الوهم يتخيل ذلك لأن حقيقة البرزخ ألا يكون فيه برزخ و هو الذي يلتقي أمرين بينهما بذاته، فإن التقى الواحد منهما بوجه غير الوجه الذي يلتقي به الآخر، فلا بد أن يكون ما ينهما برزخ حتى يفرّق بين الوجهين حتى لا يلتقيان فإذا ليس ببرزخ .
قال تعالى: "بينهُما برْزخٌ لا يبْغِيانِ" [ الرحمن: 20] إشارة إلى ما ذكرناه، فإذا كان اللغة الوجه الذي يلتقي به الآخر فذلك هو البرزخ الحقيقي، فيكون فاصلا بين الشيئين مع وحدة الوجه .
فـ (البرزخ) يعلم بالحواس لأن ما له عين في الخارج و لا يدرك و يعقل و لا يشهد .
ذكره رضي الله عنه في الباب الثاني و الثمانين و ثلاثمائة من »الفتوحات« .
فهكذا رتبة الإنسان الكامل من حيث حقيقته و لطيفته يقابل بوجه الحقّ من حيث نسبة التنزيه، و بذلك الوجه بعينه يقابل نسبة الحق من حيث نسبة التشبيه.
و كما أن الحق الذي هو الموصوف بهاتين النسبتين واحد في نفسه، و أحديته و لم يحكم عليه هاتان النسبتان بالتعداد و التكاثر في ذاته.
كذلك العبد الكامل الخليفة في مقابلة الحق واحدة، و العين من العبد واحدة، و لكن عين العبد ثبوتية ما برحت من أصلها لأن الأعيان ما شمت رائحة الوجود، و لكن كساها الحق حلة وجوده فحينها باطن وجوده، و وجودها موجدها، فما ظهر إلا الحق تعالى و لا غير حتى يظهر، فافهم .

( فإن لم يكن ظاهرا بصورة ما استخلفه فيما استخلفه فيه ما هو خليفة) . اعلم أن الحكم في الأشياء كلها و الأمور جميعها، إنما هو للمراتب لا للأعيان، و لها النصب و العزل كانت ما كانت، وأعظم المراتب و أعلاها هو (الألوهية).
أنزلها العبودية فما ثمة الأمر ثبتان، فما ثمة إلا ربّ و عبد، و لكن للألوهية أحكام مختصة به لا يقتضي الغير، بل بنفسه لنفسه و هي كوجوب ذاته لذاته، و الحكم بغناه عن العالم، و نعوت الجلال كلها، و نفي المماثلة و أحكام ما يقتضي بذاتها عين الغير كالكرم و الجود و الرحمة.
فلا بد من عين عبد، و العبد في المرتبة العبودية فمرتبة العبد تطلب أحكامها من كونه عبدا العبد من طينة مولاه، فلا بد أن يكون ظاهرا بصورته خصوصا إذا استخلفه.
فلا بد أن يخلع عليه من استخلفه من صفاته ما تطلبه مرتبة الخلافة لأنه إن لم يظهر بصورة من استخلفه فلا يتمشّى له حكم في أمثاله، و ليس ظهوره بصورة من استخلفه سوى ما تعطيه مرتبة السيادة فأعطته رتبة الخلافة و رتبة العبودية لا يمكن أن يصرفها إلا في سيده الذي استخلفه كما أن له أحكاما لا يصرفها إلا فيمن استخلف عليه.
و الخلافة صغرى و كبرى فـ (أكبرها) التي لا أكبر منها الأمانة الكبرى على العالم.
و(أصغرها) خلافة الشخص على نفسه و التي بينهما ينطلق عليها صغرى بالنسبة إلى ما فوقها و هي بعينها كبرى بالنظر إلى ما تحتها، و أما تأثير العبد من كونه عبدا في سيده فهو قيام السيد بمصالح عبده لينفي عليه حكم السيادة، و أما التأثير الذي  يكون للعبد من كونه خليفة فيمن استخلفه كان المستخلف من كان فهو أن يبقى له عين من استخلفه لينفد حكمه فيه أيضا، فإن لم يكن كذلك فليس بخليفة .

هذا قوله رضي الله عنه(فإن لم يكن ظاهرا بصورته فما هو خليفة) .
قال رضي الله عنه: فإذا أراد الله تعالى تعظيم عبد من عباده عدل به عن منزلته، و كساه خلعته، و أعطاه أسماه، و جعله خليفة في خلقه، و ملكه زمام الأمر، و كمل الغاشية بين يديه، و أعطي الحكم له ليعطي مرتبة حقها، فإن الحضرة في الوقت له، و الوقت وقته، و الحكم للوقت في كل حاكم  كان من كان .
ألا ترى الحق أنه يقول عن نفسه أنه: "كُلّ  يوْم هُو في شأنٍ" [ الرحمن: 29] فهو يحسب الوقت لأنه لا يعطي إلا بحسب القابل فالقبول وقته حتى تجري الأمور على الحكمة .
قال صلى الله عليه و سلم : " لا يؤمن الرجل في سلطان أحد و لا يعقد على كريمته إلا بإذنه" .
فإن الخليفة إذا دخل أحد من رعيته، فـ (الأدب الإلهي) المعتاد يحكم عليه بأن يقبل حكم صاحب الدار، فحيث ما أقعده يقعد ما دام في سلطانه.
و ذلك من حكم المنزل عليه، و جعل الرئيس مرؤوسا، أما ترى وجود العالم ما ظهر إلا بإظهار الحق إيجاده، ثم تأخّر المتقدم، و تقدّم المتأخر، فلم يظهر للعلم بالله عين حتى أظهر به العلم بالعالم، قال صلى الله عليه و سلم : "من عرف نفسه فقد عرف ربه" .
فإن الأمر لا يظهر إلا بما تواطئوا عليه، و إذ ظهر لهم فعلا، فلم يظهر لهم إلا بما ألفوه في عادلتهم، و هذا من عاداتهم، و هذا من عاداتهم.
ذكره رضي الله عنه في الباب الحادي  و الثلاثين و أربعمائة من "الفتوحات" :
و إن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا و من ( الرعايا) العقل الأول: و هو الوجود الأول الإبداعي .
و كذلك النفس: هو الوجود الانبعاثي فلهما وجوب الوجود بالغير فيزيلان الاستناد إلى الوجوب الذاتي، فكيف يكون؟
و إن لم يكن الخليفة بهذا الوصف، فأني يمكنه ذلك.
فافهم أن الخلفاء كالحبوب من الحبة، و النوى من النواة، فيعطي كل حبة ما أعطت الحبة الأصلية لاختصاصها بالصورة على الكمال، و هذا من لباب العلم بالله الذي أعطاه كشف أهل الكشف و الشهود، فمن كان عارفا بمواقع خطاب الإلهيين و تنبيهاتهم و إشارتهم فقد عرفوه حقيقة الأمر لأنهم يدعون إلى الله على بصيرة و لهم فصل الخطاب .
قال تعالى: "و على اللّهِ قصْدُ السّبيلِ " [ سورة النحل: 9] .
فإذا عرفت ما أوردناه في هذا المبحث، وقفت على الأسرار الإلهية وعلمت مرتبة عباد الله الذين هم بهذه المثابة أين تنتهي المرتبة بهم؟ فافهم .
( التي استخلف عليها) لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه و احتياج الوجوب بالغير للاستناد إلىالوجوب الذاتي ظاهر، فافهم .
و يشير إلى هذا المعنى قوله رضي الله عنه في الباب الأربعين من الفتوحات :
و عندي أن العالم هو عين العلة و المعلول و ما أقول إن الحق علة له كما انتصر له بعض النظار يعني: الإمام الغزالي فإن ذلك غاية الجهل بالأمر.
فإن القائل بذلك ما عرف الوجود و لا من هو الموجود فلا بد أن ينتهي الأمر إلى واجب الوجود الذي هو نهاية العلل.
وإلا يلزم الدود و التسلسل على رأيهم و إلا فليس بخليفة عليهم فخلق على صورته و مكّنه بالصورة من إطلاق جميع أسمائه فردا فردا أو بعضا بعضا.
ولا ينطلق عليه مجموع الأسماء معا في الكلمة الواحدة، يتميز الرب من العبد الكامل فما من اسم من الأسماء الحسنى و كل أسماء الله الحسنى ألا و للعبد الكامل أن يظهر بها، كما له أن يدعو سيده بها بلا تخصيص ولا تخصص .
أمّا وجوب الوجود فقد أظهرت لك شأنه إن كنت فاهما غير مرة، و أما الغنى الذاتي .


فاعلم أنه رضي الله عنه قال في الفنوحات الباب التاسع و السبعين و ثلاثمائة:
إنه في الخبر الصحيح و النص الصريح أن العبد يصل إلى مقام يكون الحق تعالى من حيث هويته جميع قواه، و هو سبحانه الغنيّ لذاته الذي يمكن إزالته عنه فإذا أقام الله عبده في هذا المقام فقد أعطاه صفة الغنىّ عن كل شيء لأن هويته هو عين قوي هذا العبد .
و ليس ذلك من تقاسيم الأعطيات إلا الإيثار فقد أثر بما هو له لهويته التي هي عين العبد، و هذا من بعض محتملات ما ذكر من القوم و هو أن الفقير لا يحتاج إلى الله لأنه فان في نفسه باق بالغنى على الإطلاق .

قال رضي الله عنه: و هذا من علوم الأسرار التي لا يمكن بسط التعريف فيها إلا بالإيماء لأهلها أشجعهم للعمل عليها فإنه في غاية من الخوف لقبولها و كيف الاتصاف بها ؟ فافهم و تحفّظ .
فإنها أخت مسألة وجوب الوجود في الغرابة و الندرة التي لا تجدها في كتب الصوفية لأنها دون ذوق المحققين المتصفين بالإطلاق فافهم .
"" أضاف الجامع عن آدم عليه السلام عند الشيخ الأكبر وفي الإصطلاح الصوفي :
قال الشيخ فريد الدين العطار: " آدم : هو كنز من كنوز الذات الإلهية . كان خفيا في هذا الكنز ، فلما ظهر بدت معه أسرار كثيرة من الحقيقة الإلهية ، وثارت ثائرة العالم.
يقول  الشريف الجرجاني آدم عليه السلام : آدم هو أحدية جمع جميع الصور البشرية " .
يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي : " آدم : هو مظهر لاسم الله ".
يقول الشيخ مصطفى بالي زادة أفندي: " آدم: هو الروح الكلي المحمدي لا آدم الذي خلق من طين ، وهو الخليفة وهو العقل الأول ".
يقول الشيخ إسماعيل حقي البروسوي آدم :  محل ظهور صفة اللطف الإلهي .
يقول الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السويدي: " آدم: هو الإنسان الحادث الأزلي، والنشئ الدائم الأبدي، والكلمة الفائضة الجامعة، والحكمة البالغة البارعة ".
يقول الشيخ أبو العباس التجاني: " آدم: هو الموجود الأخير من الموجودات، وهو المعبر عنه عند العارفين بالتجلي الأخير واللباس الأخير ".
يقول الشيخ عبد القادر الجزائري: " آدم عليه السلام : هو مجمع جميع الأسماء الإلهية التي توجهت على العالم، فإن الحق تعالى توجه على كل مخلوق باسم خاص، وتوجه على آدم بجميع الأسماء التي تطلب العالم، فهو يدل على جميع الأسماء " .
تقول الدكتورة سعاد الحكيم: " إن (آدم) عند الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي هو تلك الشخصية التي سبق الكلام عليها في القرآن. وأنه رمز للحقيقة الإنسانية، وللإنسان الكامل، الذي جمع في حقيقته كل الحقائق المنتشرة في الأكوان .
فهو ( الكون الجامع ) وهو ( روح العالم ) وهو (خليفة الله في الأرض) وهو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.
يقول الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:
" لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها، وإن شئت قلت: أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كله ، أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة .
فآقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة فسمي هذا المذكور (آدم) إنسانا وخليفة " .
ويقول: " فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني " .
ويقول: " آدم : هو صفة الذكورية الفاعلة في مقابل الأنثى المنفعلة (حواء)، ومحل الإجمال بالنسبة لمحل التفصيل (حواء).
ويقول: " آدم:  لجميع الصفات، وحواء لتفريق الذوات، إذ هي محل الفعل والبذر ".
ويقول: " في حين يتبوأ (آدم) في المعنى السابق مرتبة الإجمال في مقابل (حواء) مرتبة التفصيل، نرى هنا أنه يظهر في مرتبة التفصيل في مقابل (محمد) الذي له الجمع.
ويقول: آدم الأرواح : هو سيدنا محمد.
ويقول آدم الحقيقي: هو النفس الناطقة الكلية التي تتشعب عنها النفوس الجزئية.
ويقول : " محمد للجمع، وآدم للتفريق ".
كما يفرد الشيخ الأكبر الصفحات في كلامه على البسملة، ليبين كيف أنها تبدأ بآدم وتنتهي بمحمد، فآدم بداية الأمر ومحمد نهايته.
ويقول: " (فالرحيم) هو محمد و (بسم) هو أبونا آدم، واعني مقام ابتداء الأمر ونهايته " .
وواضح من كلمة ابتداء الأمر ونهايته: أن آدم هو أول ظاهر بمجموع الحقائق، ومحمد خاتم الظاهرين بمجموع الحقائق.
وتضيف الدكتورة سعاد الحكيم من نوادر الفكر الصوفي، وهي ما يتعلق بوجود أكثر من آدم في الوجود فتقول:
ينوه شيخنا الأكبر بوجود مائة ألف آدم، وإن كانت الفكرة غير جلية إلا أننا من خلال نصين سنوردهما نستطيع أن نتبين مراده من وجود مائة ألف آدم وعلاقة ذلك بالخلق. فإن الله لم يزل ولا يزال خالقا، والآجال في المخلوق لا في الخلق فيقول:
" لقد أراني الحق تعالى فيما يراه النائم وأنا طائف بالكعبة مع قوم من الناس لا أعرفهم بوجوههم.
فقال لي واحد منهم وتسمى لي باسم لا أعرف ذلك الاسم، ثم قال لي: أنا من أجدادك.
قلت له: كم لك منذ مت.
فقال لي: بضع وأربعون ألف سنة.
فقلت له: فما لآدم هذا القدر من السنين.
فقال لي: عن أي آدم تقول؟! عن هذا الأقرب إليك أو عن غيره؟
فتذكرت حديثا عن رسول الله:إن الله خلق مائة ألف آدم "."
كما يروي الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي هذه الرؤيا للنبي إدريس {عليه السلام} في معراجه، يقول:
قلت (ابن العربي الطائي الحاتمي للنبي إدريس): رأيت في واقعتي ، شخصا بالطواف أخبرني أنه من أجدادي وسمى لي نفسه فسألته عن زمان موته.
فقال لي: أربعون ألف سنة، فسألته عن آدم لما تقرر عندنا في التاريخ لمدته.
فقال لي: عن أي آدم تسأل عن آدم الأقرب؟
فقال إدريس {عليه السلام}: صدق، إني نبي الله ولا أعلم للعالم مدة نقف عندها بجملتها إلا أنه بالجملة لم يزل خالقا ولا يزال دنيا وآخرة، والآجال في المخلوق بانتهاء المدد لا في الخلق ..
قلت: فعرفني بشرط من شروط اقترابها (الساعة)؟
فقال: وجود آدم من شروط الساعة .
الدكتورة سعاد الحكيم ترى إن للفظة (آدم) عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لها ثلاثة معاني اصطلاحية إضافة إلى المعنى العام الوارد الإشارة إليه في القرآن الكريم وهو الشخصية النبوية. وتلك المعاني الاصطلاحية هي:
1. أنه يمثل الحقيقة الإنسانية، أو ما يعرف بـ (الإنسان الكامل).
2. أنه يمثل مرتبة الإجمال في مقابل (حواء) التي تمثل مرتبة التفصيل.
3. أنه يمثل صفة التفصيل في مقابل سيدنا محمد الذي يمثل مرتبة الإجمال.
أقوالا أخرى للشيخ الأكبرابن العربي :
ويقول آدم: هو الإنسان الكامل الذي لا يزال العالم به محفوظا.
ويقول آدم: هو الإنسان الحادث الأزلي والنشء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم الملك على خزانته ".
ويقول آدم: هو الحق الخلق ، هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.
وهو قوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ".
ومن حيث المعنى الثاني يقول:
يقول " آدم: هو كناية عن الكتاب الجامع، فهو للعالم كالروح من الجسد، فالإنسان روح العالم، والعالم الجسد.
فـ بالمجموع يكون العالم كله هو الإنسان الكبير، والإنسان فيه، وإذا نظرت في العالم وحده دون الإنسان وجدته كالجسم المسوى بغير روح ".
ويقول آدم: هو البرنامج الجامع لنعوت الحضرة الإلهية التي هي الذات والصفات والأفعال ".
ويقول: " إن الله اختصر من هذا العالم مختصرا مجموعا يحوي على معانيه كلها من أكمل الوجوه سماه آدم وقال: إنه خلقه على صورته ".
ويقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي يقول: " ابن آدم: هو طلسم لا يدرى به إلا من اجتباه الله، وأطلعه على سره الغامض فيه.
فمن السر: أنه مرقوم على كفه الأيمن رقم 18، وعلى كفه الأيسر رقم 81، ومجموع الرقمين 99 أعني: أسماء الله الحسنى، يتجلى بها عليه على حسب استعداده من الأزل". أهـ
يقول الشيخ رضي الله عنه :
رأيت الحق في الأعيان حقا ... وفي الأسما فلم أره سوائي
ولست بحاكم في ذاك وحدي ... فهذا حكمه في كل رائي
وعند المثبتين خلاف هذا ... هو الرائي ونحن له المرائي.  ""

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.]
قال سيدنا الشارح رضي الله عنه :
( فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل) فإن له الجمع بين الصورتين، فهو الأول من حيث الصورة لأنه خلق على صورته و الآخر من حيث الصورة لأنه خلق على صورته و الآخر من حيث الصورة الكونية، و الظاهر بالصورتين من حيث الخلافة و الباطن من حيث صورته لأنه على صورة الرحمن بخلاف العالم فإنه لا يقبل هذه الجمعية فافهم .
( فأنشأ صورية الظاهرة من حقائق العالم و صوره) و هي الحقائق الكلية و مقر ذاته فإن الصورة للأعيان الخارجية من حيث الأفراد و الأشخاص .
قال رضي الله عنه: إن جميع العالم برز من العدم إلى الوجود إلا الإنسان الكامل وحده،
فإنه ظهر من وجود إلى وجود، من وجود فرق إلى وجود جمع.  فتغير الحال عليه من افتراق إلى اجتماع.
و العالم تغير عليه الحال من عدم إلى وجود، فبين الإنسان والعالم كبين الوجود و العدم .
فلهذا قال تعالى: "ليس كمِثلهِ شيْءٌ" [ الشورى: 11] من العالم فافهم .
( و أنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى) .
ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان البخاري و مسلم رحمهما الله : "إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه إن الله خلق آدم على صورته" .
بإعادة الضمير إلى آدم لم يبطل المعنى المراد يعني: خلق آدم على صورته: أي صورة آدم التي كانت في العلم بمعنى طابقت صورته الحسية صورته العلمية .
لأن المثال الذي وجد العالم عليه هو العلم القائم بنفس الحق، فإنه سبحانه علمنا بنفسه و أوجدنا على حد ما علمنا و نحن على هذا الشكل المعين.
و لا شك أن مثل الشكل هو القائم بعلم الحق تعالى و لو لم يكن الأمر هكذا إلا أخذنا هذا الشكل بالاتفاق لا عن قصد و ليس كذلك.
ولو لا الشكل في نفسه تعالى ما أوجدنا عليه و لو لم يأخذ هذا الشكل من غيره لأنه ثبت كان الله ولا شيء معه إلا أن يكون ما برز عليه في نفسه من الصورة علمه.
فعلمه بنا علمه بنفسه، و علمه بنفسه أزلا عن عدم فعلمه بنا كذلك، فنحن كذلك.
فمثالنا الذي عين علمه بنا قديم بقدم الحق لأنه وصف له و لا تقوم بنفسه الحوادث جلّ الله عن ذلك فافهم .
فإنه له من لباب العارف، فلمّا أنشأ صورته على صورته فللإنسان في كل حضرة إلهية نصيب لمن عقل و عرف لأنه صورته .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة التاسعة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:07 pm

الفقرة التاسعة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة التاسعة والعشرون :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم. فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ ولهذا كان آدم خليفة. فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، و إن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها، لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه و إلا فليس بخليفة عليهم ] .

قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
(ولهذا ): أي لحصول هذه الجمعية، و هي جمع النسبتين .
( كان آدم خليفة) وأعطاه الله تعالى من القوة بحيث أنه ينظر في النظرة الواحدة إلى الحضرتين، فيتلقّى من الحق، و يلقي إلى الخلق من حيث أنه حق خلق في مقام جمع الأضداد و منزله، و يكون بين هاتين النسبتين كالبرزخ يقابل كل نسبة منها بذاته.
فإنه لا ينقسم في ذاته فيقابل بعينيه التي قابل بها أحدهما الأخرى، و ما ثمة إلا ذاته كالجوهر الفرد بين الجوهرين أو الجسمين يقابل كل واحد منهما بذاته لأنه لا ينقسم، فلا يكون له جهتان مختلفان في حكم العقل.
و إن كان الوهم يتخيل ذلك لأن حقيقة البرزخ ألا يكون فيه برزخ و هو الذي يلتقي أمرين بينهما بذاته، فإن التقى الواحد منهما بوجه غير الوجه الذي يلتقي به الآخر، فلا بد أن يكون ما ينهما برزخ حتى يفرّق بين الوجهين حتى لا يلتقيان فإذا ليس ببرزخ .
قال تعالى: "بينهُما برْزخٌ لا يبْغِيانِ" [ الرحمن: 20] إشارة إلى ما ذكرناه، فإذا كان اللغة الوجه الذي يلتقي به الآخر فذلك هو البرزخ الحقيقي، فيكون فاصلا بين الشيئين مع وحدة الوجه .
فـ (البرزخ) يعلم بالحواس لأن ما له عين في الخارج و لا يدرك و يعقل و لا يشهد .
ذكره رضي الله عنه في الباب الثاني و الثمانين و ثلاثمائة من »الفتوحات« .
فهكذا رتبة الإنسان الكامل من حيث حقيقته و لطيفته يقابل بوجه الحقّ من حيث نسبة التنزيه، و بذلك الوجه بعينه يقابل نسبة الحق من حيث نسبة التشبيه.
و كما أن الحق الذي هو الموصوف بهاتين النسبتين واحد في نفسه، و أحديته و لم يحكم عليه هاتان النسبتان بالتعداد و التكاثر في ذاته.
كذلك العبد الكامل الخليفة في مقابلة الحق واحدة، و العين من العبد واحدة، و لكن عين العبد ثبوتية ما برحت من أصلها لأن الأعيان ما شمت رائحة الوجود، و لكن كساها الحق حلة وجوده فحينها باطن وجوده، و وجودها موجدها، فما ظهر إلا الحق تعالى و لا غير حتى يظهر، فافهم .

( فإن لم يكن ظاهرا بصورة ما استخلفه فيما استخلفه فيه ما هو خليفة) . اعلم أن الحكم في الأشياء كلها و الأمور جميعها، إنما هو للمراتب لا للأعيان، و لها النصب و العزل كانت ما كانت، وأعظم المراتب و أعلاها هو (الألوهية).
أنزلها العبودية فما ثمة الأمر ثبتان، فما ثمة إلا ربّ و عبد، و لكن للألوهية أحكام مختصة به لا يقتضي الغير، بل بنفسه لنفسه و هي كوجوب ذاته لذاته، و الحكم بغناه عن العالم، و نعوت الجلال كلها، و نفي المماثلة و أحكام ما يقتضي بذاتها عين الغير كالكرم و الجود و الرحمة.
فلا بد من عين عبد، و العبد في المرتبة العبودية فمرتبة العبد تطلب أحكامها من كونه عبدا العبد من طينة مولاه، فلا بد أن يكون ظاهرا بصورته خصوصا إذا استخلفه.
فلا بد أن يخلع عليه من استخلفه من صفاته ما تطلبه مرتبة الخلافة لأنه إن لم يظهر بصورة من استخلفه فلا يتمشّى له حكم في أمثاله، و ليس ظهوره بصورة من استخلفه سوى ما تعطيه مرتبة السيادة فأعطته رتبة الخلافة و رتبة العبودية لا يمكن أن يصرفها إلا في سيده الذي استخلفه كما أن له أحكاما لا يصرفها إلا فيمن استخلف عليه.
و الخلافة صغرى و كبرى فـ (أكبرها) التي لا أكبر منها الأمانة الكبرى على العالم.
و(أصغرها) خلافة الشخص على نفسه و التي بينهما ينطلق عليها صغرى بالنسبة إلى ما فوقها و هي بعينها كبرى بالنظر إلى ما تحتها، و أما تأثير العبد من كونه عبدا في سيده فهو قيام السيد بمصالح عبده لينفي عليه حكم السيادة، و أما التأثير الذي  يكون للعبد من كونه خليفة فيمن استخلفه كان المستخلف من كان فهو أن يبقى له عين من استخلفه لينفد حكمه فيه أيضا، فإن لم يكن كذلك فليس بخليفة .

هذا قوله رضي الله عنه(فإن لم يكن ظاهرا بصورته فما هو خليفة) .
قال رضي الله عنه: فإذا أراد الله تعالى تعظيم عبد من عباده عدل به عن منزلته، و كساه خلعته، و أعطاه أسماه، و جعله خليفة في خلقه، و ملكه زمام الأمر، و كمل الغاشية بين يديه، و أعطي الحكم له ليعطي مرتبة حقها، فإن الحضرة في الوقت له، و الوقت وقته، و الحكم للوقت في كل حاكم  كان من كان .
ألا ترى الحق أنه يقول عن نفسه أنه: "كُلّ  يوْم هُو في شأنٍ" [ الرحمن: 29] فهو يحسب الوقت لأنه لا يعطي إلا بحسب القابل فالقبول وقته حتى تجري الأمور على الحكمة .
قال صلى الله عليه و سلم : " لا يؤمن الرجل في سلطان أحد و لا يعقد على كريمته إلا بإذنه" .
فإن الخليفة إذا دخل أحد من رعيته، فـ (الأدب الإلهي) المعتاد يحكم عليه بأن يقبل حكم صاحب الدار، فحيث ما أقعده يقعد ما دام في سلطانه.
و ذلك من حكم المنزل عليه، و جعل الرئيس مرؤوسا، أما ترى وجود العالم ما ظهر إلا بإظهار الحق إيجاده، ثم تأخّر المتقدم، و تقدّم المتأخر، فلم يظهر للعلم بالله عين حتى أظهر به العلم بالعالم، قال صلى الله عليه و سلم : "من عرف نفسه فقد عرف ربه" .
فإن الأمر لا يظهر إلا بما تواطئوا عليه، و إذ ظهر لهم فعلا، فلم يظهر لهم إلا بما ألفوه في عادلتهم، و هذا من عاداتهم، و هذا من عاداتهم.
ذكره رضي الله عنه في الباب الحادي  و الثلاثين و أربعمائة من "الفتوحات" :
و إن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا و من ( الرعايا) العقل الأول: و هو الوجود الأول الإبداعي .
و كذلك النفس: هو الوجود الانبعاثي فلهما وجوب الوجود بالغير فيزيلان الاستناد إلى الوجوب الذاتي، فكيف يكون؟
و إن لم يكن الخليفة بهذا الوصف، فأني يمكنه ذلك.
فافهم أن الخلفاء كالحبوب من الحبة، و النوى من النواة، فيعطي كل حبة ما أعطت الحبة الأصلية لاختصاصها بالصورة على الكمال، و هذا من لباب العلم بالله الذي أعطاه كشف أهل الكشف و الشهود، فمن كان عارفا بمواقع خطاب الإلهيين و تنبيهاتهم و إشارتهم فقد عرفوه حقيقة الأمر لأنهم يدعون إلى الله على بصيرة و لهم فصل الخطاب .
قال تعالى: "و على اللّهِ قصْدُ السّبيلِ " [ سورة النحل: 9] .
فإذا عرفت ما أوردناه في هذا المبحث، وقفت على الأسرار الإلهية وعلمت مرتبة عباد الله الذين هم بهذه المثابة أين تنتهي المرتبة بهم؟ فافهم .
( التي استخلف عليها) لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه و احتياج الوجوب بالغير للاستناد إلىالوجوب الذاتي ظاهر، فافهم .
و يشير إلى هذا المعنى قوله رضي الله عنه في الباب الأربعين من الفتوحات :
و عندي أن العالم هو عين العلة و المعلول و ما أقول إن الحق علة له كما انتصر له بعض النظار يعني: الإمام الغزالي فإن ذلك غاية الجهل بالأمر.
فإن القائل بذلك ما عرف الوجود و لا من هو الموجود فلا بد أن ينتهي الأمر إلى واجب الوجود الذي هو نهاية العلل.
وإلا يلزم الدود و التسلسل على رأيهم و إلا فليس بخليفة عليهم فخلق على صورته و مكّنه بالصورة من إطلاق جميع أسمائه فردا فردا أو بعضا بعضا.
ولا ينطلق عليه مجموع الأسماء معا في الكلمة الواحدة، يتميز الرب من العبد الكامل فما من اسم من الأسماء الحسنى و كل أسماء الله الحسنى ألا و للعبد الكامل أن يظهر بها، كما له أن يدعو سيده بها بلا تخصيص ولا تخصص .
أمّا وجوب الوجود فقد أظهرت لك شأنه إن كنت فاهما غير مرة، و أما الغنى الذاتي .


فاعلم أنه رضي الله عنه قال في الفنوحات الباب التاسع و السبعين و ثلاثمائة:
إنه في الخبر الصحيح و النص الصريح أن العبد يصل إلى مقام يكون الحق تعالى من حيث هويته جميع قواه، و هو سبحانه الغنيّ لذاته الذي يمكن إزالته عنه فإذا أقام الله عبده في هذا المقام فقد أعطاه صفة الغنىّ عن كل شيء لأن هويته هو عين قوي هذا العبد .
و ليس ذلك من تقاسيم الأعطيات إلا الإيثار فقد أثر بما هو له لهويته التي هي عين العبد، و هذا من بعض محتملات ما ذكر من القوم و هو أن الفقير لا يحتاج إلى الله لأنه فان في نفسه باق بالغنى على الإطلاق .

قال رضي الله عنه: و هذا من علوم الأسرار التي لا يمكن بسط التعريف فيها إلا بالإيماء لأهلها أشجعهم للعمل عليها فإنه في غاية من الخوف لقبولها و كيف الاتصاف بها ؟ فافهم و تحفّظ .
فإنها أخت مسألة وجوب الوجود في الغرابة و الندرة التي لا تجدها في كتب الصوفية لأنها دون ذوق المحققين المتصفين بالإطلاق فافهم .
"" أضاف الجامع عن آدم عليه السلام عند الشيخ الأكبر وفي الإصطلاح الصوفي :
قال الشيخ فريد الدين العطار: " آدم : هو كنز من كنوز الذات الإلهية . كان خفيا في هذا الكنز ، فلما ظهر بدت معه أسرار كثيرة من الحقيقة الإلهية ، وثارت ثائرة العالم.
يقول  الشريف الجرجاني آدم عليه السلام : آدم هو أحدية جمع جميع الصور البشرية " .
يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي : " آدم : هو مظهر لاسم الله ".
يقول الشيخ مصطفى بالي زادة أفندي: " آدم: هو الروح الكلي المحمدي لا آدم الذي خلق من طين ، وهو الخليفة وهو العقل الأول ".
يقول الشيخ إسماعيل حقي البروسوي آدم :  محل ظهور صفة اللطف الإلهي .
يقول الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السويدي: " آدم: هو الإنسان الحادث الأزلي، والنشئ الدائم الأبدي، والكلمة الفائضة الجامعة، والحكمة البالغة البارعة ".
يقول الشيخ أبو العباس التجاني: " آدم: هو الموجود الأخير من الموجودات، وهو المعبر عنه عند العارفين بالتجلي الأخير واللباس الأخير ".
يقول الشيخ عبد القادر الجزائري: " آدم عليه السلام : هو مجمع جميع الأسماء الإلهية التي توجهت على العالم، فإن الحق تعالى توجه على كل مخلوق باسم خاص، وتوجه على آدم بجميع الأسماء التي تطلب العالم، فهو يدل على جميع الأسماء " .
تقول الدكتورة سعاد الحكيم: " إن (آدم) عند الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي هو تلك الشخصية التي سبق الكلام عليها في القرآن. وأنه رمز للحقيقة الإنسانية، وللإنسان الكامل، الذي جمع في حقيقته كل الحقائق المنتشرة في الأكوان .
فهو ( الكون الجامع ) وهو ( روح العالم ) وهو (خليفة الله في الأرض) وهو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.
يقول الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:
" لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها، وإن شئت قلت: أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كله ، أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة .
فآقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة فسمي هذا المذكور (آدم) إنسانا وخليفة " .
ويقول: " فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني " .
ويقول: " آدم : هو صفة الذكورية الفاعلة في مقابل الأنثى المنفعلة (حواء)، ومحل الإجمال بالنسبة لمحل التفصيل (حواء).
ويقول: " آدم:  لجميع الصفات، وحواء لتفريق الذوات، إذ هي محل الفعل والبذر ".
ويقول: " في حين يتبوأ (آدم) في المعنى السابق مرتبة الإجمال في مقابل (حواء) مرتبة التفصيل، نرى هنا أنه يظهر في مرتبة التفصيل في مقابل (محمد) الذي له الجمع.
ويقول: آدم الأرواح : هو سيدنا محمد.
ويقول آدم الحقيقي: هو النفس الناطقة الكلية التي تتشعب عنها النفوس الجزئية.
ويقول : " محمد للجمع، وآدم للتفريق ".
كما يفرد الشيخ الأكبر الصفحات في كلامه على البسملة، ليبين كيف أنها تبدأ بآدم وتنتهي بمحمد، فآدم بداية الأمر ومحمد نهايته.
ويقول: " (فالرحيم) هو محمد و (بسم) هو أبونا آدم، واعني مقام ابتداء الأمر ونهايته " .
وواضح من كلمة ابتداء الأمر ونهايته: أن آدم هو أول ظاهر بمجموع الحقائق، ومحمد خاتم الظاهرين بمجموع الحقائق.
وتضيف الدكتورة سعاد الحكيم من نوادر الفكر الصوفي، وهي ما يتعلق بوجود أكثر من آدم في الوجود فتقول:
ينوه شيخنا الأكبر بوجود مائة ألف آدم، وإن كانت الفكرة غير جلية إلا أننا من خلال نصين سنوردهما نستطيع أن نتبين مراده من وجود مائة ألف آدم وعلاقة ذلك بالخلق. فإن الله لم يزل ولا يزال خالقا، والآجال في المخلوق لا في الخلق فيقول:
" لقد أراني الحق تعالى فيما يراه النائم وأنا طائف بالكعبة مع قوم من الناس لا أعرفهم بوجوههم.
فقال لي واحد منهم وتسمى لي باسم لا أعرف ذلك الاسم، ثم قال لي: أنا من أجدادك.
قلت له: كم لك منذ مت.
فقال لي: بضع وأربعون ألف سنة.
فقلت له: فما لآدم هذا القدر من السنين.
فقال لي: عن أي آدم تقول؟! عن هذا الأقرب إليك أو عن غيره؟
فتذكرت حديثا عن رسول الله:إن الله خلق مائة ألف آدم "."
كما يروي الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي هذه الرؤيا للنبي إدريس {عليه السلام} في معراجه، يقول:
قلت (ابن العربي الطائي الحاتمي للنبي إدريس): رأيت في واقعتي ، شخصا بالطواف أخبرني أنه من أجدادي وسمى لي نفسه فسألته عن زمان موته.
فقال لي: أربعون ألف سنة، فسألته عن آدم لما تقرر عندنا في التاريخ لمدته.
فقال لي: عن أي آدم تسأل عن آدم الأقرب؟
فقال إدريس {عليه السلام}: صدق، إني نبي الله ولا أعلم للعالم مدة نقف عندها بجملتها إلا أنه بالجملة لم يزل خالقا ولا يزال دنيا وآخرة، والآجال في المخلوق بانتهاء المدد لا في الخلق ..
قلت: فعرفني بشرط من شروط اقترابها (الساعة)؟
فقال: وجود آدم من شروط الساعة .
الدكتورة سعاد الحكيم ترى إن للفظة (آدم) عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لها ثلاثة معاني اصطلاحية إضافة إلى المعنى العام الوارد الإشارة إليه في القرآن الكريم وهو الشخصية النبوية. وتلك المعاني الاصطلاحية هي:
1. أنه يمثل الحقيقة الإنسانية، أو ما يعرف بـ (الإنسان الكامل).
2. أنه يمثل مرتبة الإجمال في مقابل (حواء) التي تمثل مرتبة التفصيل.
3. أنه يمثل صفة التفصيل في مقابل سيدنا محمد الذي يمثل مرتبة الإجمال.
أقوالا أخرى للشيخ الأكبرابن العربي :
ويقول آدم: هو الإنسان الكامل الذي لا يزال العالم به محفوظا.
ويقول آدم: هو الإنسان الحادث الأزلي والنشء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم الملك على خزانته ".
ويقول آدم: هو الحق الخلق ، هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.
وهو قوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ".
ومن حيث المعنى الثاني يقول:
يقول " آدم: هو كناية عن الكتاب الجامع، فهو للعالم كالروح من الجسد، فالإنسان روح العالم، والعالم الجسد.
فـ بالمجموع يكون العالم كله هو الإنسان الكبير، والإنسان فيه، وإذا نظرت في العالم وحده دون الإنسان وجدته كالجسم المسوى بغير روح ".
ويقول آدم: هو البرنامج الجامع لنعوت الحضرة الإلهية التي هي الذات والصفات والأفعال ".
ويقول: " إن الله اختصر من هذا العالم مختصرا مجموعا يحوي على معانيه كلها من أكمل الوجوه سماه آدم وقال: إنه خلقه على صورته ".
ويقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي يقول: " ابن آدم: هو طلسم لا يدرى به إلا من اجتباه الله، وأطلعه على سره الغامض فيه.
فمن السر: أنه مرقوم على كفه الأيمن رقم 18، وعلى كفه الأيسر رقم 81، ومجموع الرقمين 99 أعني: أسماء الله الحسنى، يتجلى بها عليه على حسب استعداده من الأزل". أهـ
يقول الشيخ رضي الله عنه :
رأيت الحق في الأعيان حقا ... وفي الأسما فلم أره سوائي
ولست بحاكم في ذاك وحدي ... فهذا حكمه في كل رائي
وعند المثبتين خلاف هذا ... هو الرائي ونحن له المرائي.  ""

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.]
قال سيدنا الشارح رضي الله عنه :
( فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل) فإن له الجمع بين الصورتين، فهو الأول من حيث الصورة لأنه خلق على صورته و الآخر من حيث الصورة لأنه خلق على صورته و الآخر من حيث الصورة الكونية، و الظاهر بالصورتين من حيث الخلافة و الباطن من حيث صورته لأنه على صورة الرحمن بخلاف العالم فإنه لا يقبل هذه الجمعية فافهم .
( فأنشأ صورية الظاهرة من حقائق العالم و صوره) و هي الحقائق الكلية و مقر ذاته فإن الصورة للأعيان الخارجية من حيث الأفراد و الأشخاص .
قال رضي الله عنه: إن جميع العالم برز من العدم إلى الوجود إلا الإنسان الكامل وحده،
فإنه ظهر من وجود إلى وجود، من وجود فرق إلى وجود جمع.  فتغير الحال عليه من افتراق إلى اجتماع.
و العالم تغير عليه الحال من عدم إلى وجود، فبين الإنسان والعالم كبين الوجود و العدم .
فلهذا قال تعالى: "ليس كمِثلهِ شيْءٌ" [ الشورى: 11] من العالم فافهم .
( و أنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى) .
ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان البخاري و مسلم رحمهما الله : "إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه إن الله خلق آدم على صورته" .
بإعادة الضمير إلى آدم لم يبطل المعنى المراد يعني: خلق آدم على صورته: أي صورة آدم التي كانت في العلم بمعنى طابقت صورته الحسية صورته العلمية .
لأن المثال الذي وجد العالم عليه هو العلم القائم بنفس الحق، فإنه سبحانه علمنا بنفسه و أوجدنا على حد ما علمنا و نحن على هذا الشكل المعين.
و لا شك أن مثل الشكل هو القائم بعلم الحق تعالى و لو لم يكن الأمر هكذا إلا أخذنا هذا الشكل بالاتفاق لا عن قصد و ليس كذلك.
ولو لا الشكل في نفسه تعالى ما أوجدنا عليه و لو لم يأخذ هذا الشكل من غيره لأنه ثبت كان الله ولا شيء معه إلا أن يكون ما برز عليه في نفسه من الصورة علمه.
فعلمه بنا علمه بنفسه، و علمه بنفسه أزلا عن عدم فعلمه بنا كذلك، فنحن كذلك.
فمثالنا الذي عين علمه بنا قديم بقدم الحق لأنه وصف له و لا تقوم بنفسه الحوادث جلّ الله عن ذلك فافهم .
فإنه له من لباب العارف، فلمّا أنشأ صورته على صورته فللإنسان في كل حضرة إلهية نصيب لمن عقل و عرف لأنه صورته .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثلاثون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:08 pm

الفقرة الثلاثون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثلاثون : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ولذلك قال فيه «كنت سمعه وبصره» ما قال كنت عينه وأذنه: ففرق بين الصورتين. وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود. ولكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع. ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.)
(ولذلك)، أي لكون صورته الباطنة على صورة الحق تعالى (قال) تعالى في الحديث القدسي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم  (فيه)، أي في هذا الإنسان الكامل : "لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته
كنت سمعه الذي يسمع به (وبصره) الذي يبصر به" إلى آخر الحديث .
"قال رسول الله : إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته. رواه البخاري"
ولا شك أن السمع والبصر من الصورة الباطنة، لأن ذلك من شعاع الروح في الدماغ لا من الصورة الظاهرة .
والأذن والعين من الصورة الظاهرة والله تعالى (ما قال كنت عينه و) لا ?نت (أذنه)، فإن قلت ورد أيضا في تمام الحديث : "كنت يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولسانه الذي يتكلم به" ولا شك أن اليد والرجل واللسان من جملة الصورة الظاهرة قلت : المراد باليد والرجل واللسان هنا القوة الباطنة في هذه الأعضاء لا حقيقة هذه الأعضاء.
ولكن لما لم يكن لهذه القوة المودعة في هذه الأعضاء أسماء مستقلة غير هذه الأعضاء، عبر عنها باسم هذه الأعضاء، بخلاف الأذن والعين فإن للقوة المودعة فيهما اسمین مخصوصين هما : السمع والبصر، فعبر بذلك دون التعبير بهذين العضوين.
أو يقال هذا الحديث مشتمل على الفرق بين الصورتين في ذكر السمع والبصر، والجمع بينهما في ذكر اليد والرجل واللسان.
مثل قوله عليه السلام في بعض الأحاديث بعد ذكر اليد اليمنى وكلتا يديه يمين، ففرق وجمع يشير إلى هذا قوله: (ففرق)، أي الله تعالى (بين الصورتين)، أي صورة العالم وصورته تعالى في ذكر السمع والبصر فقط وإن جمع في باقي الحديث.
(وهكذا هو)، أي الأمر والشأن (في كل موجود من) موجودات (العالم) العلوي والسفلي، فإن الله تعالى خلقه بإحدى اليدين إما اليمين وإما الشمال (بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود) .
من الاستعداد الموضوع فيها بالتجلي الأول (لكن ليس الأحد) من العالم (مجموع ما للخليفة)، من اليدين الإلهيتين اللتين هما صورة الحق تعالی وصورة العالم.
وإن شئت قلت : صفات الله تعالى المتقابلات (فما فاز) الخليفة (إلا بالمجموع) دون غيره من العالم.
(ولولا سريان الحق) تعالى (في) جميع (الموجودات) العلوية والسفلية بالصورة التي هي منه تعالى اليد اليمين، ومن العالم اليد الشمال.
والذي من العالم منه تعالى، فكلتا يديه يمين عند أهل الجمع لا أهل الفرق.
وهذا السريان هو قيومية الحق تعالى لجميع العالم، وهو قيام العالم بأمر الله تعالى كما قال تعالى : " ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره" 25 سورة الروم. وهذا القيام بالروح الكل الساري في حقائق الموجودات كلها سريان الخشب في جميع صور ما جعل منه من صندوق وباب وكرسي ونحو ذلك.
والروح من الأمر قال تعالى: "وقل الروح من أمر ربي " 75 سورة الإسراء.
(فما كان للعالم وجود) البتة قال تعالى: "وكل شيء هالك إلا وجهه"88 سورة القصص. فوجه الله تعالى هو ذلك السريان المذكور في جملة الموجودات.
وأما الموجودات من جهة نفسها فلا وجود لها لأنها هالكة، أي فانية معدومة فلولا وجهه تعالى الساري في حقائقها كلها ما كانت موجودات ولا تعين لها ماهية أبدا.
(كما أنه لولا تلك الحقائق المعقولة)، أي الموجودة في العقل فقط (الكلية) كما سبق بيان ذلك (ما ظهر حكم) الاختصاص بالجمادية والنباتية ونحو ذلك (في الموجودات العينية) الجزئية المتشخصة في الخارج.
فإن تلك الكليات سارية في حقائق جزئياتها بحيث لم تزد تلك الجزئيات عليها غير الوجود العيني الخارجي.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولذلك قال فيه «كنت سمعه وبصره» ما قال كنت عينه وأذنه: ففرق بين الصورتين. وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود. ولكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع. ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.)
(ولذلك) أي ولأجل إنشائه على صورته (قال فيه) أي في حق آدم (كنت سمعه وبصره) .
وهما من صفات الله تعالى (وما قال كنت عينه وأذنه) وهو من جوارح الصورة البدنية.
(ففرق بين الصورتين) صورة الباطن والظاهر فظهر أن هوية الحق بصفته ساري في الخليفة (هكذا) أي كما أن الحق ساري في الإنسان الكامل .
كذلك (هو) أي الحق ساري (في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود لكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة فما فاز) أي فما ظفر إلا الإنسان الكامل بالخلافة .
يدل عليه قوله : بعد وهی المجموع الذي به استحق الخلافة (إلا بالمجموع) أي بسببه لا بدونه . فكان الحق ساريا في ?ل موجود من الخليفة وغيره .
(ولولا سريان الحق تعالى) أي وجود الحق (في الموجودات بالصورة) أي بالصفة .
وهو بمعنى الإحاطة لا بمعنى الحلول والاتحاد وهو باطل عند أهل الحق بالاتفاق وقد ذكر بطلانه في كثير من الكتب الصوفية.
(ما كان للعالم وجود) لأنه بنفسه معدوم فافتقر العالم إلى الحق في وجوده.
(كما أنه) أي كما أن الشأن (لولا تلك الحقائق المعقولة الكلية) من الحياة والعلم والقدرة وغير ذلك (ما ظهر حكم) وأثر كما ذكر من قبل (في الموجودات العينية) فلزم منه أنه لولا تلك الموجودات العينية ما ظهر حكم.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ولذلك قال فيه «كنت سمعه وبصره» ما قال كنت عينه وأذنه: ففرق بين الصورتين. وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود. ولكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع. ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.)
ولذلك قال فيه«كنت سمعه وبصره»، ما قال: كنت عينه وأذنه.
ففرق بين الصورتين وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود.
قلت: يعني بصورة الحق الباطنة، حقائق الأسماء الإلهية والكليات التي هي صور علمه أزلا وأبدا.
قال: ولما كان باطن آدم على صورة حقائق الأسماء من العلم والحياة  والإرادة والقدرة والسمع والبصر.
قال تعالى: «كنت سمعه وبصره» ولو كان ظاهر جسم آدم على صورة الحق تعالى لقال «كنت عينه وأذنه»، ففرق بين الصورتين.
قال في جميع الموجودات أي هو سمع كل سامع وبصر ?ل مبصر وفي بعض المناجاة أنه تعالى قال: «لولای ما أبصرت العيون مناظرها، ولا رجعت الأسماع بمسامعها»
قوله:  لكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع.
فلولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود كما أنه لولا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.
ومن هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده یعنی شعر:
فال?ل مفتقر ما الكل مستغن     …… هذا هو الحق قد قلناه لا ن?نی
فإن ذ?رت غنيا لا افتقار به    …… فقد علمت الذي في قولنا نعني
فالكل بال?ل مربوط فليس له   …… عنه انفصال خذوا ما قلته عني
قلت: يعني أن حقائق أسمائه تعالی موجودة في كل موجود وسمي وجودها في كل موجود سريانا.
فقال: ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة الأسمائية لانعدم العالم دفعة واحدة بل ما كان يوجد أبدا كما أنه لولا تلك الكليات المعقولة ما ظهر في الموجودات حكم.
قال: ومن هذه الحقيقة كان افتقار العالم إلى الحق تعالى في وجوده، لأن الكليات هي صور علمه فطلبت بلسان الحال من الحق تعالى وجودها بلسان الفقر والشيخ قد أسر هنا سرا إلهيا لكن أشار إليه إشارة مبهمة في هذه الأبيات.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولذلك قال فيه «كنت سمعه وبصره» ما قال كنت عينه وأذنه: ففرق بين الصورتين. وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود. ولكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع. ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.)
قال رضي الله عنه :  "فما صحّت الخلافة إلَّا للإنسان الكامل فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره ، وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى ."
ولذلك قال : « كنت سمعه وبصره »
ولم يقل : كنت عينه وأذنه ، ففرّق بين الصورتين .
والظاهر مجلى ومرآة للباطن ، والباطن متعيّن في الظاهر وبه بحسبه كما عيّن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما أسنده إلى الله تعالى أنّه قال :
"كنت سمعه وبصره " ولم يقل عينه وأذنه ، ففرّق بين صورته الظاهرة وصورته الباطنة .
يريد رضي الله عنه في هذا ، الحديث ، وإلَّا ففي غيره التعميم والشمول على صورتية الظاهرة والباطنة ، ولا تظنّنّ قولنا : " صورته الظاهرة " جسمانية فقط فليس المراد ذلك .
بل خليقته من جسم وروح ، وقوى وعقل ، ومعان وصفات وغيرها ممّا يصدق إطلاق الخليقة وما سوى الله عليه ، فالهيئة الجمعية من جميع ما ذكرنا هي صورته الظاهرة .
فبهذا كان الإنسان الكامل بظاهره صورة العالم الأحدية الجمعية .
وقيل : فيه العالم الصغير ، أي من حيث الصورة .
والذي يتضمّن هذا الحديث من الفرق بين الصورتين والتخصيص فهو أنّ السمع والبصر حقيقتان ملكوتيّتان وإلهيّتان للنفس أو للروح كيف شئت وأمّا العين والأذن فهما آلتا إدراك المبصرات والمسموعات بالنسبة إلى من إدراكه مقيّد بالآلات ما دام كذلك .
وأمّا سمع الحق وبصره اللذان تسمّى بهما فغير متوقّف على الآلة والجارحة ، فذكر في هذا الحديث الأليق بجنابه تعالى لأهل العموم بلسانهم .
وإلَّا فإنّ الإدراكات بالآلات والجوارح كلَّها ، وقد يسري النور في باطن المحقّق المتحقّق بهذا المقام إلى ظاهره وأعضائه وجوارحه ، كما جاء في اليد والرجل واللسان والقدم والطريق ، والله وليّ التوفيق .
قال رضي الله عنه : " وهكذا هو في كل موجود في العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود ، ولكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة ،فما فاز إلَّا بالمجموع ".
يعني رضي الله عنه :
أنّ الحق متعيّن في كل جزء جزء من العالم بحسب خصوصيته لا غير ، فاشترك الكلّ في مطلق المظهرية ، وافترقت في الخصوصيات .
ففاز الإنسان بخصوص الجمع بين جميع الخصوصيات المظهرية ، ففاز بظاهره بالاسم « الظاهر » من جميع الوجوه ، وبباطنه بالاسم " الباطن " كذلك ، وكان الجامع لأحديّة جمعها على الوجه الأجمع الأحسن .
قال رضي الله عنه : " ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ، ما كان للعالم وجود ، كما أنّه لولا تلك الحقائق المعقولة الكلَّية المذكورة ، ما ظهر حكمها في الموجودات العينية ."
قال العبد أيّده الله به :
قد أعلمناك فيما تقدّم أنّ الله خلق آدم على صورته وعلى صورة الإنسان العالم ، وأنّ الصورة التي خلق آدم عليها صورة معقولية أحدية جمع جميع الأسماء ، وأنّ العالم بجميع أجزائه جمعا وفرادى مظاهر الأسماء ، التفصيلية ، وأنّه الصورة الإنسانية الفرقانية ، وأنّ صورة الإنسان الكلي على صورة العالم أو حقائقه تماما ، وأنّ صورة باطنه صورة الله .
فتذكَّر جميع هذه الأصول ، واعلم أنّه ما من موجود من الموجودات ولا شيء من الأشياء إلَّا وهو مظهر ومرآة ومحلّ ظهور للوجود الحق الظاهر فيها والساري بأحدية جمع الصور الإلهية في الكلّ.
إذ النفس الرحماني يقتضي  النور الوجودي الإلهي الفائض على المظاهر الكيانية بالصورة الربانية الأحدية الجمعية .
ولكن ظهورها في كلّ مجلى وتعيّنها في كلّ مظهر إنّما يكون بحسب القابل لا بحسب الصورة كظهور النور الكبير في المرآة الصغيرة .
فإنّه صغير ومتشكَّل بشكلها ، وكان المراد الأوّل الأولى والمقصد الإلهي الأعلى الأجلى من الإيجاد هو التجلَّي الإلهيّ بصورته في أحدية جمع النفس الساري في حقائق العالم .
ولولا هذا السريان النوري الوجودي بالصورة المقدّسة الأحدية الجمعية الإلهية في حقائق هذا المجلى المشهود الموجود ، ما وجد موجود ، ولا شهود مشهود.
فافتقار العالم إلى الموجد من أهل هذه الحقيقة ، حتى يحصل له شرف المظهرية لصورته تعالى فإنّ المخلوق على الصورة التي هي مخلوقة على الصورة الإلهية يكون على الصورة الإلهية يكون على الصورة .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولذلك قال فيه «كنت سمعه وبصره» ما قال كنت عينه وأذنه: ففرق بين الصورتين. وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود. ولكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع. ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.)
( ولذلك قال فيه « كنت سمعه وبصره » وما قال كنت عينه وأذنه ففرق بين الصورتين ) أي صورة العالم وصورة الحق .
قوله ( وهكذا هو في كل موجود ) أي وكما أن الحق في آدم ظاهر بصورته كذلك في كل موجود ( من العالم ) يظهر ( بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود ) أي عينه باستعداده الأزلى ( لكن ليس لأحد ) أي لشيء من العالم ( مجموع ما للخليفة )
فإنه مظهر الذات مع جميع الصفات ، بخلاف سائر الأشياء وإلا لكان الكل مظهرا له ( فما فاز من بينهم إلا بالمجموع ) وإلا فكان الكل مظهرا له بقدر قبوله.
قوله ( ولو لا سريان الحق في الموجودات بالصورة ) أي بصورته ( ما كان للعالم وجود ) فإن أصل الممكن عدم والوجود صورته تعالى ووجهه الباقي بعد فناء الكل ، فلو لم يظهر
بصورته التي هي الوجود من حيث هو وجود بقي الكل على العدم الصرف .
وقوله ( كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية ) تشبيه لاستناد وجود العالم إلى صورة وجوده تعالى باستناد الأمور العينية من الصفات إلى الحقائق الكلية . كما ذكر في الحياة والعلم .
كما كان وجود العلم في زيد مثلا مستندا إلى العلم المطلق الكلى ولولاه لما وجد عالم وما صح الحكم بالعالمية على أحد كذلك كل موجود معين عينى مستند إلى وجود الحق الذي هو وجهه وصورته ولولاه لما وجد موجود وما صح الحكم على شيء بأنه موجود .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولذلك قال فيه «كنت سمعه وبصره» ما قال كنت عينه وأذنه: ففرق بين الصورتين.
وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود.
ولكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع.
ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.)
"ففرق بين الصورتين" أي، لأجل أنه تعالى أنشأ صورته الباطنةعلى صورته تعالى، قال في حق آدم: "كنت سمعه وبصره". فأتى بـ (السمع) و (البصر) اللذين من الصفات السبعة التي هي الأئمة.
"وما قال: كنت عينه وأذنه" الذين هما من جوارح الصورة البدنية وآلتان للسمع والبصر.
"ففرق بين الصورتين" أي صورة الباطن أو الظاهر، وإن كان الظاهر مظهرا للباطن.
قوله : "وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود" أي،كما أن الحق وهويته سار في آدم، كذلك هو سار في كل موجود من العالم.
لكن سريانه وظهوره في كل حقيقة من حقائق العالم إنما هو بقدر استعداد تلك الحقيقة التي لذلك الموجود وقابليته.
(لكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة) استدراك منقوله: (وهكذا هو في كل موجود).
(فما فاز إلا بالمجموع) أي، فما فاز بالمجموع إلا الخليفة.
لأن المراد حصر الفوز بالمجموع في الخليفة، وهو الحصر في المحكوم عليه لا الحصر في المحكوم به، كما هو ظاهر الكتاب، إذ يلزم منه أن الخليفة ما فاز بشئ مما فاز به العالم إلا بالمجموع، وهذا غير صحيح.
فإنه فاز بكل ما فاز به العالم مع اختصاصه بالزائد، وهو الفوز بالمجموع.
قوله : (ولولا سريان الحق في الموجودات والظهور فيها بالصورة ما كان للعالم وجود) أي، لولا سريان ذات الحق وهويته في الموجودات وظهوره فيها بالصورة، أي بصفاته تعالى، ما كان للعالم وجود ولا ظهور لأنه بحسب نفسه معدوم.
واكتفى بذكر (الصورة) من الذات لكونها عينها، أو لاستلزام الصورة إياها. (كما أنه) الضمير للشأن.
قوله : (لولا تلك الحقائق المعقولة الكلية، ما ظهر حكم في الموجودات العينية) أي، كما أنه لو لا تلك الحقائق الكلية، التي في القديم قديم وفي الحادث حادث، ومعروضاتها من الحقائق العينية، ما ظهر حكم من أحكام أسماء الحق وصفاته في الموجودات العينية.
فكما أن وجود العالم بسريان الحق في الموجودات بذاته وصفاته، كذلك ظهور أحكام أسمائه وصفاته بالحقائق المعقولة التابعة والمتبوعة.
فارتبط العالم بالحق ارتباط الافتقار في وجوده والحق بالعالم من حيث ظهور أحكامه وصفاته. فافتقر كل منهما إلى الآخر لكن الجهة غير متحدة.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ولذلك قال فيه «كنت سمعه وبصره» ما قال كنت عينه وأذنه: ففرق بين الصورتين.
وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود.
ولكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع.
ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.)
(ولذلك) أي: ولأجل اختصاص الباطن بصورة الحق (قال فيه: «كنت سمعه وبصره») يعني سمعه و بصره في الكمال بحيث يسمع حاجات الكل، ویری استحقاقاتهم كأنه عين سمعي، وبصري اللذين ليس غيري، فكأني سمعه وبصره، فنسب صورة سمعه وبصره اللذين هما من الصورة الباطنة إلى ذاته؛ لكون صورته تعالى معنوية.
(وما قال: "كنت عينه وأذنه") اللذين هما من الصور الظاهرة (ففرق بين الصورتين) اللتين جمعهما في أدم بنسبة إحداهما إلى ذاته دون الأخرى؛ ليحصل فيه مع الجمعية الافتراق؛ ليناسب الحق والخلق جميعا، وهذا كالصريح بأن الأجسام من حيث هي أجسام ليست صورة الحق، وإن كانت من حيث الوجود، وبعض المعاني القائمة بها صور الحق وأسمائه، كما أشار إليه بقوله: (وهكذا) أي: كما ظهر الحق في آدم بصورته المعنوية كذا (هو) ظاهر بصورته المعنوية من جهة الذات والأسماء في كل موجود من العالم الكبير (بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود)، وإن لم تكن أجسامه وأعراضها المحسوسة صورا لذاته وأسمائه، بل باعتبار وجودها و بعض المعاني القائمة بها، لكن تلك الصور الإلهية فيها لا تكفي في استفاضة الفيض؛ لأنه منوط بالجمعية، وليست لغير الإنسان الكامل.
وإليه الإشارة بقوله: (ولكن ليس لأحد) من العالم (مجموع ما للخليفة) من صورة الحق ذاته وأسمائه، وإذا كان جميع ما في العالم مع اشتماله على صورة الحق، ومناسبته إياه بها لا يصلح للاستفاضة، مع أنه لا بد من الفيض؛ لعموم الجود الإلهي، ولا بد من المناسبة التامة التي للخليفة الذي هو الإنسان الكامل.
(فما فاز) برتبة الخلافة على الكل (إلا بالمجموع)، إذ لو جاز استفاضة من كمل صورة اسم بذاته، لجاز الفيض بالأصالة على ما ليس بمقصود بالذات.
واستدل على أن الحق ظاهر بصورته المعنوية في كل موجود من حيث الوجود. ومن حيث بعض المعاني القائمة به بقوله: (فلولا سريان الحق في الموجودات) أي: سريان إشراق نوره على بواطن الموجودات.
بحيث (يظهر فيها بالصورة) سريان نور الشمس في المرآة بظهور صورتها فيها من غير أن ينفصل من الشمس شيء، ولا يحل منه في المرأة (لما كان للعالم وجود)، إذ أصله العدم.
وهو وإن كان ممكنا يستوي الوجود والعدم بالنسبة إليه، فيكفي عدم ترجيح الوجود مرجحا لعدمه، كما أنه لا نور في المرأة بدون إشراق نور الشمس عليها، وإليه الإشارة بقوله تعالى: "الله نور السموات والأرض" [النور: 35].
وهذا ما قاله الإمام حجة الإسلام الغزالي في «مشكاة الأنوار وحقيقة الحقائق»، ومن هاهنا ترقی العارفون من حضيض المجاز إلى بقاع الحقيقة، واستكملوا معارجهم فرأوا بالمشاهدة العينية أن ليس في الوجود إلا الله سبحانه وتعالى، وأن" كل شيء هالك إلا وجهه" [القصص: 88].
لا أنه يصير هالك في وقت من الأوقات، بل هو هالك أزلا وأبدا، ولا يتصور إلآ كذلك.
فإن كل شيء سواه إذا اعتبرت ذاته من حيث ذاته فهو عدم محض، وإذا اعتبرت من الوجه الذي سرى الوجود إليها من الأول الأحق، وأي موجود إلا في ذاته بل من الوجه الذي يلي موجده، فيكون الموجود وجه الله فقط.
ثم شبه ظهور الحق في الموجودات بظهور الحقائق الكلية في الموجودات العينية .
إشعارا بأنه لا يستلزم الحلول والاتحاد، وأن وجود الموجودات متوقف على وجوده تعالى وظهوره فيها توقف أح?ام الموجودات العينية على تلك الحقائق الكلية.
فقال: (كما أنه لولا تلك الحقائق المعقولة) كالحياة والعلم (ما ظهر حكم في الموجودات العينية) لامتناع الحكم على شيء بأنه حي عالم بدون تصور الحياة والعلم.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ولذلك قال فيه «كنت سمعه وبصره» ما قال كنت عينه وأذنه: ففرق بين الصورتين. وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود. ولكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع. ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.)
ولذلك قال فيه رضي الله عنه : « كنت سمعه وبصره » . وما قال : « كنت عينه واذنه » ففرّق بين الصورتين ) تمييزا لليدين وتفصيلا لما يتعلَّق بهما من الأحكام المتقابلة والأوصاف المتناقضة . وهذا إنّما هو من سعة قابليّته الذاتيّة .
( وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود لكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة ، فما فاز إلَّا بالمجموع ) أي الَّذي فاز به الإنسان إنّما هو المجموع - لا غير - فإنّ غير ذلك مشترك بينه وبين العالمين - فالحصر على ظاهره .
وأمّا بيان عموم سريانه للعالم فهو أنّه موجود ( ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود ، كما أنّه لولا تلك الحقائق المعقولة الكلَّية ) كالعلم والحياة ( ما ظهر حكم في الموجودات العينيّة ) منها .
فلا يكون في الأعيان ما له حياة وعلم ، فكما أنّ ظهور أحكام تلك الحقائق من الأعيان يستدعي عموم سريانها فيها فكذلك ظهور حكم الوجود من العالم يقتضي عموم سريانه فيه .
وقوله : « بالصورة » - متعلَّق بـ « السريان » فيه تنبيه على أنّ نسبة السريان المذكور إلى قوسي الإلهي والكياني والصور .
والمعنى متساوية ، لا أنّ ذلك للمعنى أوّلا ، ثمّ للصورة به  على ما هو المتبادر إلى أفهام الأكثرين فالوجود لتلك الحقائق من الجهات الاتحاديّة بين الحقّ والعالم والوجوه الاشتراكيّة بينهما ، إلَّا أنّ الوجود للعالم ليس ذاتيّا له بخلاف الحق .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولذلك قال فيه «كنت سمعه وبصره» ما قال كنت عينه وأذنه: ففرق بين الصورتين.
وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود. ولكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع.
ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.)
قال رضي الله عنه : "و لذلك قال فيه «كنت سمعه و بصره".
(ولذلك)، أي لإنشاء صورته الباطنة على صورته تعالى (قال فيه)، أي في الإنسان الكامل وشأنه (كنت سمعه وبصره) فأتي بالسمع والبصر اللذين هما من الصفات الباطنة .
"ما قال كنت عينه و أذنه: ففرق بين الصورتين."
(وما قال : كنت عينه وأذنه) اللتين هما من الجوارح الظاهرة مع أنه صحيح أبيض لسريانه بهويته في جميع الموجودات .
(ففرق) في هذه العبارة (بين الصورتين) صورته الظاهرة وصورته الباطنة حيث أخبر أنه سمعه وبصره ولم يفل عينه وأذنه
"و هكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود."
(وهكذا). أي كما أن الحق سار بهويته في سمع العبد وبصره كذلك (هو) سار (في ?ل موجود من) موجودات (العالم بقدر ما يطلبه حقيقة ذلك الموجود) بحسب استعداده في قابلیته
"و لكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع."
(لكن ليس لأحد من أفراد) العالم (مجموع ما للخليفة) فإنه لا يظهر في كل واحد واحد إلا بعض أسمائه دون بعض ويظهر في الخلفية مجموعها .
(فما فاز) الخليفة (إلا بالمجموع) دون البعض على انفراده بحيث لا يكون معه غيره .
ويحتمل أن تكون الباء للسببية لا صلة للفوز أي ما فاز الخليفة بالخلافة إلا بسبب المجموع.
وفي بعض النسخ :
فما فاز إلا هو بالمجموع وكأنه إلحاق من المتصرفين لتصحيح المعنى فإن في كل من شرحي الجندي والقيصري وأكثر نسخ المتن التي رأيناها أو قریء بعضها على الشيخ رضي الله عنه وقعت العبارة كما ذكرنا أولا
"و لو لا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية."
(ولولا سریان) الوجود (الحق في الموجودات بالصورة)، أي بصورة جمعية الأسماء (فما كان للعالم وجود) و ظهور فإنه في حد ذاته معدوم لا يوجد إلا بالسريان المذكور.
ثم إنه رضي الله عنه شبه توقف ظهور حكم الوجود في الموجودات على سريان الوجود الحق .
بتوقف ظهور أحكام الموجودات العينية على سريان الأمور الكلية فيها.
فقال : (كما إنه) الضمير للشأن (لولا تلك الحقائق المعقولة الكلية) وسريانها في الموجودات العينية (ما ظهر حكم في الموجودات العينية) .
لأنه ما لم يسر الحياة أو العلم مثلا في موجود عيني لم يصح الحكم عليه بأنه حي أو عالم كما سبق.

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثلاثون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:09 pm

الفقرة الثلاثون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثلاثون :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:

قال الشيخ رضي الله عنه : (ولذلك قال فيه «كنت سمعه وبصره» ما قال كنت عينه وأذنه: ففرق بين الصورتين.  وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود. ولكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع.
ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :  [ولذلك قال فيه : "كنت سمعه وبصره" وما قال : " كنت عينه و أذنه" ، ففرق بين الصورتين. و هكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود .  لكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة . فما فاز إلا بالمجموع .
و لو لا سريان الحق في الموجودات و ظهوره فيها بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لولا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية].

قال سيدنا الشارح رضي الله عنه :
( و لذلك ): أي لأنه على صورته من حيث الباطن، قال فيه: أي في الإنسان الكامل الذي على الصورة من مقام قرب النوافل .
ورد :  " كنت سمعه و بصره" إشارة إلى كينونة القوى لا الجوارح، و إن كانت الأخرى صحيحة لأن تخصيص الشيء لا ينفي ما عداه فإن قيل من  كان الحق سمعه و بصره و قواه، يدرك كل مبصر و يسمع كل مسمع و لا يغيب عنه شيء لأنه ناظر بالحق و سامع به و الحق لا يعزب عنه شيء .
قلنا: صدقت ولكن فرق بين المقام و الحال فالحال ظل زائل فعند حصوله صحّ له هذا الكشف في ذلك الزمان و لمّا رفع عنه رجح عنه بنظر يقين، خلق بإمداد حق لا بحق فيكون حكمه حكم خواص الخلق له الكشف الجزئي لا الكلي و لا يدرك بعد رفع الكشف هل بقيت الأمور على ما كانت عليه إن انتقلت عن ذلك؟ فافهم.
ذكره رضي الله عنه في خمسة و أربعين و ثلاثمائة من الفتوحات:
و أمّا حكم صاحب المقام غير هذا الحكم و التفاوت بحسب المقام أما الذي لا يقيده المقام و الحال، بل على تجرده فهو شرف على الحالين، و حكمه حكم المطلق على الإطلاق وهو صاحب المرتبة الخلافية بالاستحقاق فافهم.
ولا تقس الناس بنفسك ولا تزن الأحوال والعطايا بميزانك فإنه يتحرّم عليك فافهم
ما قال: كنت عينه وأذنه، وأن يكون من تتمة الحديث أو من حديث آخر"ويده التي يبطش بها، ورجله التي يسعى بها" ، و لكن هنا ما أراد إلا من حيث القوى التي هي من أعمال الباطن .
فلهذا استدل بقوله : "كنت سمعه و بصره" ، ولم يقل: (أذنه وعينه) لأنهما من أعمال الظاهر وقد تجيء أحكامه .
و ذكر رضي الله عنه في الفص الهودي: إن هويته هي عين الجوارح .
و لكن ما أخذ الشيخ رضي الله عنه هنا من كينونة القوى الباطنة لا من حيث الجوارح و الظاهر، فإنه من حيث الجوارح اعتبره رضي الله عنه في مسألتنا أنه مأخوذ من العالم حقائقه و مفرداته، فافهم . أن هذا الاعتبار غير الاعتبار الثاني .
فإن له رضي الله عنه ، هذا منها . ففرق: أي الحق تعالى بقوله :  "كنت سمعه و بصره" .
و أراد به جميع القوى بين (الصورتين ): أي الظاهرة و الباطنة من تركيب الأجسام و الأجساد كما في الروحانيين و صورته الباطنة من تركيب المعاني و القوى الروحية و الحسية
و الأول من كثائف العالم.
والثاني من لطائفها .
كما قررناه أن العالم بين كثيف و لطيف فكان الحق تعالى عين اللطائف من العبد و الكثائف منه كما من العالم كما عرفته سابقا على التفصيل المذكور و هكذا هو في كل موجود من العالم:
أي هكذا الأمر في العالم أن كل شيء ظاهرا و باطنا
والحق تعالى باطن كل شيء من العالم من حيث اللطائف،
و ظاهر كل شيء من حيث العالم، من حيث الكثائف بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود باستعداده و قابليته .
فإن من المظاهر من يعلم هذا و من المظاهر ما لم يعلم: أي أنه مظهر الحق، و أنه قد ظهر فيه  كل شيء و علامة من يعلم أنه مظهر الحق و ظهر فيه كل شيء أن يكون له مظاهر حيث شاء من الكون كقضيب ألبان.

فإنه كان له مظاهر فيما شاء من الكون لا حيث شاء، و من الرجال من يكون له الظهور فيما شاء و حيث ما شاء، فهو يعرف حقيقة ما قلناه ذوقا لأنه كل  شيء وفي كل شيء هذا أتم الأذواق، وهو ذوق خاتم النبوة لأنه قال : "فتجلى لي كل شيء وعرفت"  حديث صحيح رواه الترمذي .
و ذوق الوارث الكامل، الفرد الخاتم، فإنه قال: إني انفردت بهذا الكشف من بين أصحابي و إخواني فافهم .

و لكن ليس لأحد من العالم قوة ظهور أحكام مجموع ما للخليفة، فإن المجموعية ظهرت فيها أكثر مما ظهر في العالم أعلاه و أسفله فما فاز إلا بالمجموع.
أي ما فاز الكامل إلا بكونه جامع الحقيقتين حقية و خلقية.
ثم أراد رضي الله عنه أن يذكر سر ظهوره في كل موجود فقال:
ولولا سريان سر الحق تعالى في الموجودات كلها بالصورة أي بجملتها ما كان للعالم وجود لا روحا ولا جسما.
و سريان سر الوجود في الكل بالكل، و لكن الاختلاف من القوابل، فكمال الظهور في الإنسان الكامل لكمال قبوله، و كمال قبوله لكمال جمعيته و صفاء مرآته .
كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية التي ذكرناها في أول الحكمة على سبيل التمثيل و هي: الحقائق المعقولة المعدومة العين الموجودة الأحكام، أراد رضي الله عنه بهذه التذكرة أن لا تنسى حكمها و أثرها و هي معدومة العين، ما ظهر حكم في الموجودات العينية الخارجية أصلا .

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الحادية والثلاثون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:09 pm

الفقرة الحادية والثلاثون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الحادية والثلاثين : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده: 
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني

فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
(ومن هذه الحقيقة) التي هي سريان الحق تعالى بصفة القيومية الجامعة لجميع الصفات المتقابلات المعبر عنها بالصورة في موضع، و بالصورتين في موضع آخر، وباليدين في آخر. سریانا في جميع الموجودات .
(كان الافتقار من العالم) كله (إلى الحق) تعالى (في وجوده) كما أن الافتقار من الحق تعالى إلى العالم كله في وجوده أيضا عند العالم.
مع أن الوجود للحق تعالى وحده لا للعالم.
لكن وجود الحق تعالى لا ينفك عن إعطاء الوجود للعالم ليظهر به وجود العالم المستفاد من الحق تعالى.
لا ينفك أيضا عن إعطاء الوجود للحق تعالی ليظهر به الحق تعالی دونه (فالكل)، أي العالم والحق تعالی (مفتقر) هذا إلى هذا من وجه وهذا إلى هذا من وجه آخر، ومراد بالمفتقر من الحق تعالى رتبته لا ذاته لأنها غنية عن العالمين بحكم قوله تعالى : "الله غني عن العالمين" 97 سورة آل عمران .
ومرادنا بالمفتقر إليه من العالم الحقيقة الثابتة في علم الحق تعالى التي هي كناية عن حضرة من حضراته تعالى .
جامعة لكل حضرة من حضراته وهي العالم الظاهر في بصيرة العارف الباطن عن بصيرة الجاهل.
وأما العالم الباطن عن بصيرة العارف الظاهر في بصيرة الجاهل، فهو نفس الجاهل الظاهرة له مع جهله.
بحيث متی عرفها عرف ربه أي نفسه المتعرية عن ذلك الجهل.
فعرف العالم على ما هو عليه ، فعرف افتقار الحق تعالى إلى العالم على حد ما قلنا.
وإذا لم يعرف نفسه لم يعرف ربه فلم يعرف العالم.
 ويظن أن العالم هو ما ظهر له من جهله، فتوهمه على خلاف ما هو عليه.
فحمله ذلك على عدم فهم قولنا، فجحد ما لم يفهم وأخطأ من حيث لا يشعر.
(ما الكل) المذكور (مستغني) عن الكل .
(هذا)، أي الذي ذكرته (هو الحق) الذي لا شبهة فيه عند أهل المعرفة (قد قلناه)، أي صرحنا به عند من يعرفه ولا يعرفه نطقا بالله تعالى ليضل الله تعالى به من يشاء ويهدي من يشاء (لا نكني) بسكون الكاف، أي لا نشير إليه من غير تصريح لأن ?تابنا لأهل المعرفة لا لأهل الجهل.
فإن ذكرت أنا في ?لامی (غنية لا افتقار به)، أبدا (فقد علمت) أنا ذلك الغني (الذي بقولنا نعني) أي نقصد، ومراده ذات الحق تعالى من حيث هي مجردة عن الأوصاف والأسماء فإنها غنية عن كل ما عداها.
 وأما من حيث هي موصوفة بالأوصاف مسماة بالأسماء فاعلة بأفعال حاكمة بأحكام، فهي مرتبطة بالعالم كله، والعالم مرتبط بها ارتباطا من الأزل إلى الأبد لا ينفك البتة كما قال :
(فالكل) من حق وخلق (بال?ل)، من حق وخلق (مربوط) ربط عبد برب ورب بعبد وخالق بمخلوق ومخلوق بخالق.
وهكذا إلى آخره من جميع الأوصاف والأسماء والأفعال والأحكام (فليس له)، أي للكل (عنه)، أي عن الكل (انفصال) بوجه من الوجوه في الأزل والأبد.
فإن قلت: كيف هذا الارتباط في الأزل والعالم غير موجود فيه، لأنه حادث وليس بقديم.
قلت : بل العالم الذي يعرفه العارف قدیم لا حادث.
 وهو موجود كله بلا ترتيب ولا تقديم ولا تأخير. وليس فيه الجزء مقدمة على الكل.
ولا خلق آدم عليه السلام فيه مقدما على خلق جميع ذريته إلى يوم القيامة .
وليس يوم القيامة فيه متأخرا عن يومنا هذا.
وليس له وجود مع الله تعالی غیر وجود الله تعالى.
لأن وجوده بالله تعالى لا بنفسه حتى يكون له وجود غير وجود الله تعالى.
وأما العالم الذي يعرفه الجاهل، فإنه حادث مترتب بعضه على بعض ، وفيه التقديم والتأخير.
وهو موجود مع الله تعالى وجودا آخرا غير وجود الله تعالی وذلك حقيقة جهل الجاهل رآها في مرآة حقيقة العالم.
فانحجب بها عن حقيقة العالم ثم قال : (خذوا)، أي تناولوا بأيدي أذواقكم (ما)، أي الذي (قلته) في الكلام من الحق المبين عند أهله (عني) والله يتولى هدى من أراد بمحض فضله .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده: 
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني

فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
(ومن هذه الحقيقة) أي و من سريان الحق بالصورة في الموجودات (كان) أي حصل (الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده) ومن الحق إلى العالم في ظهور أحكامه فإذا كان الأمر كذلك.
شعر:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني
(فال?ل) أي كل واحد من الحق والعالم المفتقر إلى الآخر من جهتين مختلفتين (ما الكل مستغني).
أي ليس كل منهما مستغن (هذا) أي افتقار الكل وعدم استغنائه (هو الحق) وغيره ليس بحق.
ولذلك (قد قلناه لا تكني) أي لا نترك أو لا نستر بل فلناه صريحا لا قلناه كناية أي سترا.
(فإذا ذكرت غنيا لا افتقار به) أي : إن سئلت أن الله غني عن العالمين فكيف قلتم إن الله مفتقر إلى العالم صدقت .
لكن الغني من حيث الذات بدون اعتبار الصفات لا من حيث الصفات فهو معنى قوله : (فقد علمت الذي بقولنا نعني).
أي علمت مرادنا بقولنا فال?ل مفتقر ما الكل مستغن من حيث الأسماء والصفات لا من حيث الذات .
فلا ينافيه الغناء الذاتي فثبت أن الاستغناء من حيث الذات والافتقار من حيث الصفات هذا هو المعنى الذي أخذه القوم في هذا المقام من كلام الشيخ .
لذلك قال بعض الشارحين الباء في به بمعنى اللام أي لا افتقار له أو بمعنى في أي لا افتقار في كونه غنيا أما أنا فأقول معناه أن يقول لما قال .
(فال?ل مفتقر ما الكل مستغن) فكأنه قال المعارض لا بل الكل مستغن لا افتقار به فأشار إلى المعارضة بقوله فإن ذكرت غنية لا افتقار به .
والافتقار بمعنى الارتباط لذلك تعدى بالباء دون إلى كما قال .
(فالكل بال?ل مربوط) أي فإن وصفت الحق بالغناء عن العالمین لا افتقار به أي لا يرتبط العالم به من حيث غناء الحق عنه .
كما لا يرتبط الحق به فإنه إذا استغنى الحق به عن العالم فقد استغني العالم عن الحق من جهة استغناء الحق عنه فإن المعلول مستغن عن غير عليه.
والعلة لوجود العالم مجموع الذات والصفة لا الذات وحدها فثبت على هذا التقدير أن الكل مستغن .
أي كل واحد من الحق والعالم مستغن عن الآخر لا يرتبط أحدهما بالآخر ولأجل الإشارة إلى هذا المعنى أورد الباء دون اللام ومن غير الباء عن معناه إلى غيره من الحروف.فهو من عدم ذوقه هذا المعنى من كلام الشيخ .
فانظر بنظر الإنصاف إلى ما ذكره القوم وإن كان صحيحا في نفسه لكنه ليس من مدلولات هذا الكلام .
وأشار إلى جواب المعارضة بقوله "فقد علمت الذي بقولنا" نعني فإذا كان الأمر كذلك (الكل) أي مجموع العالم (بال?ل) أي بالحق من حيث
الأسماء والصفات وبالعكس مربوط فليس له أي ليس لمجموع العالم.

(عنه) عن الحق من حيث الأسماء وبالعكس (انفصال خذوا ما قلته عني، فقد علمت حكمة) أي أصل (نشأة جسد آدم) وهو أي أصل نشأة جسده
قوله من قبل فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره.

قوله: (أعني صورته الظاهرة) تفسير لنشأة الجسد لا لحكمة النشاة .
فكذلك قوله : (وقد علمت نشأة روح آدم) وهي قوله : وأنشأ صورته الباطنة على صورته.
قوله : (أعني صورته الباطنة) تفير لنشأة الروح وإنما فسر ليعلم أن المراد بأدم الروح الكلي المحمدي لا آدم الذي خلق من طين (فهو الحق في الخلق) .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
قال: ومن هذه الحقيقة كان افتقار العالم إلى الحق تعالى في وجوده، لأن الكليات هي صور علمه فطلبت بلسان الحال من الحق تعالى وجودها بلسان الفقر والشيخ قد أسر هنا سرا إلهيا لكن أشار إليه إشارة مبهمة في هذه الأبيات.
وهي قوله: فال?ل مفتقر ما الكل مستغن.
وموضع إبهامه هو قوله: فإن ذكرت غنيا لا افتقار له.
فأنه س?ت عن الجواب، لأنه لو أجاب فإما أن يقول لا بد من الفقر في الحضر تین وحينئذ يقع عليه الرد من المحجوبين، فأشار إشارة لا يتنبه لها إلا من له ?شف فإن الذي يعني بقوله.
هو قوله: الكل مفتقر ما الكل مستغن، إلا أن فقر الرازق إلى المرزوق في أن يتحقق رازقيته بالفعل، ما هو مثل فقر الممكن في وجوده إلى الواجب ومن شهد أن الحضرتين الإلهية والكونية تجمعهما الإحاطة الذاتية.
فما يعزب عنه أن يعلم أن فقر الشيء إلى نفسه ما هو فقر أصلا، لأنه ما هناك إلا الحق وأسمائه وصفاته وأفعاله والكل يرجع إلى ذاته تعالى ونحن حقائق أفعاله أعني وجودنا في اصطلاحه لا أعياننا الثابتة التي تجمعها الكليات.
وأما في اصطلاح صاحب المواقف فهو أمر غير هذا بوجه ما وإن كان المعنى يرجع إلى حقيقة لا تختلف، وما ذكره بعد هذا فهو ظاهر إلى قوله اتقوا ربكم.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده: 
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني

فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
"ومن هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده " .
فافتقار العالم إلى الموجد من أهل هذه الحقيقة ، حتى يحصل له شرف المظهرية لصورته تعالى فإنّ المخلوق على الصورة التي هي مخلوقة على الصورة الإلهية يكون على الصورة الإلهية يكون على الصورة
 .
قال رضي الله عنه : شعر :
فالكلّ مفتقر ما الكلّ مستغن     ...... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيّا لا افتقار به     ..... فقد علمت الذي من قولنا نعني
فالكلّ بالكلّ مربوط فليس له   ....... عنه انفصال خذوا ما قلته عنّي
قال العبد - أيّده الله به - : اعلم :
أنّ الله - سبحانه وتعالى - بجميع نسبه الذاتية موجب لوجود العوالم والمظاهر ، ومستلزم لمتعلَّقات حقائقة الوجوبية ، ودقائق سائر أسماء الربوبية .
وتلك المتعلَّقات هي حقائق المخلوقية والمربوبية ، فهي واجبة الوجود بإيجاب الواجب الوجود بالذات لها ، ولولا هذه الحقائق المظهرية من أكوان عالم الإمكان ، لما ظهرت الصورة الإلهية المقدّسة الأحدية الجمعية الذاتية .
فشمل الافتقار نسب الربوبية وحقائق المربوبية ، بيد أنّ افتقار العوالم إلى الحق في التحقيق بالحقيقة والوجود على التعيين .
وليس كذلك افتقار النسب الأسمائية ، فإنّ الوجود هو المسمّى بجميع الأسماء ، المتعيّن بجميع النسب ، فما بها افتقار في الوجود والتحقيق إلى العالم .
ولكن في ظهور الآثار والأحكام لا غير ، ومع ذلك فلا افتقار بها إلى عالم معيّن أو مظهر شخصيّ مبيّن ، بل يوجب بالذات لها مظاهر لا على التعيين إلى أبدا الآبدين ، كما هو مقتضى ذاته المقدّسة من الأزل دهر الداهرين . فافهم .
واعلم : أنّ فلك الوجود الحقّ محيط بالموجودات العينية والغيبية ، وهويّته المحيطة وأوّل تعيّنه الذاتي بفلك الإلهية ، وهي محيطة بأفلاك الأسماء الإلهية .
ثم أفلاك الأسماء محيطات بحقائق مظاهرها الكيانية ، وهي أجناس العوالم وأنواعها وأصنافها وأشخاصها ، ودائرة فلك الهوية الكبرى الذي للوجود الحق فلك محيط بجميع الأفلاك.
وجميعها منحصر في أربعة أفلاك :
فلك اللاتعيّن والإطلاق الوجودي العيني الحقيقي ، وفلك التعين الأوّل الأحدي الجمعي الأكبر .
وهو من الوجود الحق كالقلب من الإنسان ، وهذا الفلك محيط بفلكين عظيمين كلَّيّين محيطين بسائر الأفلاك التفصيلية الآتي حديثها في مواضع ، مواقعها فلك الإلهية المحيطة بجميع نسبها وأسمائها  بالفلك الكوني المظهري من المعلول الأوّل إلى آخر صورة توجد من آخر نوع وجد .
ثم اعلم : أنّ فلك كل حقيقة من نقط محيط فلك الإلهية وهي عبارة عن نسب الربوبية والحقائق الوجوبية إنّما يتمّ بفلك متعلَّقها من العالم .
فكل فلك من أفلاك حضرات الأسماء مقسوم بقوسين كلَّيّين متساويين مساويين مجموعهما من محيط الفلك الدائر .
فالقوس الأعلى لنسب حقيقة فلك الاسم « الله » ونسبها ولوازمها نقط محيط دائرة متعلَّقة الحبائل ، متّصلة الرقائق والجداول بنقط محيط القوس الآخر الخصيص بمرتبة الكون المظهري .
والمجموع فلك كامل ، فأفلاك الإلهية ونقط محيطها مربوطة بأفلاك العوالم ونقط محيطها ، فالكلّ مفتقر ، ما الكلّ مستغن.
وهذا معنى قول الكامل :
فالكلّ بالكلّ مربوط ، فليس له  ..... عنه انفصال خذوا ما قلته عنّي " .
وأنّى الانفصال والافتراق والحقيقة الكلية مقتضية للاتّصال والاتّفاق والائتلاف والاعتناق ؟
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناه ُ طائِرَه ُ في عُنُقِه ِ " .
فإذا قامت قيامة التفصيل ، وتمّت مقامات التوصيل والتحصيل ، وبعثرت قبور النشور ، وبسطت أرض الحشر والنشور .
فيوم القيامة يلقاه كتابا منشورا ، سنذكر ما يبقى من تتمّة هذا السرّ في الموضع الأليق به ، إن شاء الله تعالى .
وأمّا قوله :
فإن ذكرت غنيّا لا افتقار به   ..... فقد عرفت الذي من قولنا نعني
فإنّه - رضي الله عنه - يشير إلى الغنى الذاتي الحقيقي الأحدي ، القاهر أعيان الأغيار ، والموجد كثرة النظراء والنظَّار " كان الله ولا شيء معه ".  " هُوَ الله أَحَدٌ الله الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ ".
لم يوجب من حيث ذاته الغنيّة معنى الإنتاج والإيجاد ، ولا يقتضي الإظهار والإشهاد لأنّه بالذات كامل أبدا الآباد " وَلَمْ يُولَدْ " لم ينتج من أصل مقدمات منتجة " وَلَمْ يَكُنْ لَه ُ "لا يكون للهوية الكبرى المحيطة بالكلّ مثل ولا كفؤ من أحد معيّن ، فافهم .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده: 
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني

فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
ولذلك قال ( ومن هذه الحقيقة ) أي من جهة أن الحق في الموجودات سار بالصورة حتى وجد ما وجد ( كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده ) لأن صورته هو الموجود فبوجوده وجد كما ذكر في المقدمة قوله نظما :
( فالكل مفتقر ما الكل مستغنى )
الفاء للسببية وما نافية ورفع خبرها على اللغة التميمية ،وعليها قرئ ما هذا بشر بالرفع أي إذا كان الحق ظاهرا بصورته في العالم والعالم مفتقر في وجوده إليه.
فكل واحد من العالم والحق مفتقر إلى الآخر ليس كل منهما مستغنيا عن الآخر . أما افتقار العالم إلى الحق ففي وجوده ،وأما افتقار الحق إلى العالم ففي ظهوره.
ولما كان التصريح بهذا الافتقار غير مأذون فيه وإن كان هو الحق قال :
( هذا هو الحق قد قلناه لا تكنى      ......       فإن ذكرت غنيا لا افتقار به)
أي ذاته من حيث هي هي ومن حيث اسمه الباطن لأنه تعالى بالذات غنى عن العالمين .
وأما من حيث اسمه الظاهر والخالق والرزاق فليس يغنى ( فقد علمت الذي بقولنا ) وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى ( نعنى ) أو بقولنا الحق من حيث هو أي فقد علمت لحق من حيث اسمه الباطن أو من حيث الذات بدون الصفات لأنه من هذه الحيثية غنى لا افتقار به .
ويجوز أن يكون المراد فإن ذكرت غنيا لا افتقار به فقد علمت أن المراد بقولنا فالكل مفتقر هو الحق مع جميع الصفات والأسماء والله أعلم .
قوله : ( فالكل بالكل مربوط وليس له     ......      عنه انفصال خذوا ما قلته عنى )
أي العالم مربوط بالحق في الوجود والاستناد إلى صمديته والحق مربوط بالعالم في ظهوره وسائر أسمائه الإضافية .
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده: 
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني

فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
"ومن هذه الحقيقة" أي، ومن هذا الارتباط الذي للحق، هو المعنى الثابت في نفس الأمر، إذ "الحق" هو الثابت لغة. 
"كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده" "كان" تاما بمعنى حصل. 
وإنما قال: "في وجوده" ولم يتعرض بذاته، تنبيها على أن الأعيان ليست مجعولة لجعل الجاعل مع أنها فائضة من الحق بالفيض الأقدس، لأن الجعل إنما يتعلق بالوجود الخارجي. كما مر تحقيقه في المقدمات.
قوله شعر:
(فالكل مفتقر، ما الكل مستغن  ....  هذا هو الحق قد قلناه لا نكنى)
أي، فكل واحد من العالم وربه مفتقر إلى الآخر: أما العالم ففي وجوده وكمالاته، وأما ربه ففي ظهوره وظهور أسمائه وأحكامهما فيه. (ما) في (ماالكل) للنفي. و (مستغن) خبره. 
ورفعه على رأى الكوفيين، كقوله تعالى: "ماهذا بشر". عند من قرأ بالرفع.
ولما كان الارتباط وافتقار كل منهما إلى الآخر ثابتا في نفس الأمر، قال:
"هذا هو الحق قد قلناه لا نكنى" وهو من (الكناية) وهو الستر. أي، لا نستره إرشادا للطالبين.
(فإن ذكرت غنيا لا افتقار به  ....   فقد علمت الذي من قولنا نعنى)
أي، فإن قلت، إن الحق غنى عن العالمين ولا افتقار له، فقد علمت من الذين عنى بقولنا: (فالكل مفتقر) لأن كلامنا في الارتباط بين الحق والعالم، وذلك بالأسماء التي تطلب العالم بذاتها، فهي مفتقرة إلى العالم، لا الذات الإلهية منحيث هي هي، فإنها من هذا الوجه غنى عن العالمين. 
و (الباء) في (به) بمعنى اللام. أي، لا افتقار له. أو بمعنى (في). أي، لا افتقار في كونه غنيا.
(فالكل بالكل مربوط وليس له  ....  عنه انفكاك خذوا ما قلته عنى) 
ضمير (له) عائد إلى العالم. وضمير (عنه) إلى الحق. والباقي ظاهر.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده: 
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني

فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
فقال: (ومن هذه الحقيقة) (')، أي: سريان إشراق نور الحق في الموجودات بالصورة التحقق بالوجود مع إمكانها، (كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده) سواء فرض قديما بالزمان أو حادثا.
"حقيقة الافتقار من العالم إلى الحق تعالى الموجد في وجوده: 
أي لو لم يكن الحق سبحانه الموجد ساريا في العالم ما كان العالم , وإذا ارتفع المدد، ينعدم العالم ويرجع إلى أصله، فالعالم محتاج إلى الحق سبحانه الموجد دائما أبدا .

والحق سبحانه لا تظهر أحكامه إلا في العالم، كما أن الرعية تحتاج إلى السلطان، والسلطان ما يظهر سلطانه إلا على الرعية فلا يكون السلطان إلا بالرعية.
إن الرب بلا مربوب لا يعقل، كما أن المربوب بلا رب لا يكن، فافهم."

فالعالم بهذا الافتقار لا يتحد بالحق لغناه في ذلك، وإن افتقر في الظهور بالمظاهر إليه لكنه مستغن عن ذلك الظهور إذ لا كمال له فيه بخلاف العالم، فإن افتقاره إلى الحق في تحصيل الكمال له.
وبقوله: "في وجوده"  قد أشار إلى افتقار الحق إليه في الظهور لكنه لم يصرح به الآن؛ لأنه كالافتقار من حيث استغناؤه عن ذلك الظهور، لكنه أشار إليه بقوله: (فالكل) أي: كل واحد من الخلق والحق في الوجود والظهور (مفتقر) إلى الأخر.
ولما كان نسبة الافتقار إلى الحق شنيعا عند العامة أكده بقوله: (ما الكل مستغن) ضرورة أن الربوبية تفتقر إلى المربوب و الخالق إلى الخلق والرازق إلى المرزوق لكن هذا الافتقار بحسب الظهور عند إرادته مع الاستغناء عنه فهو كالضرورة لشرط المحمول في قولنا: زيد قائم بالضرورة مادام قائما، وقد دخل في هذا افتقار الموجودات العينية إلى الحقائق الكلية وافتقارها إلى الموجودات.
ثم قال: (هذا هو الحق قد قلناه لا ن?ني)، أي: ليس نسبة الافتقار إلى الحق بطريق المجاز بناء على أن الافتقار بحسب الظهور، ليس بافتقار حقيقي للاستغناء عن ذلك الظهور، فنسبته إليه بطريق المجاز.
فقال: هذا ليس بطريق المجاز؛ لأن كماله يقتضي تكميل يستحق التكميل فهو افتقار حقيقي في مقتضى الكمال الوجودي، وإن لم يتوقف عليه شيء من كمالاته الذاتية والأسمائية من حيث تعلق الأسماء بالذات.
ثم قال: (فإن ذكرت غنيا لا افتقار به) وهو الذات الإلهية والأسماء من حيث نسبتها إلى الذات واستدللت عليه بقوله تعالى: "والله الغنى وأن الفقراء" [محمد:38]، وإجماع الملك على أنه الغني المطلق؛ فلا يرد علينا، (فقد علمت الذي بقولنا نعني) هو افتقار الحق في ظهور ذاته وصفاته في المظاهر لا في وجودها وكمالاتها في أنفسها.
ثم صح بالمقصود من اعتبار هذا الافتقار، فقال: (فالكل بالكل مرتبط) ارتباطا موجبا لقرب كل واحد من الأخر، (فليس له) أي: لكل واحد (عنه) أي: عن الأخر (انفصال)أي: استغناء وعدم ارتباط.
(خذوا ما قلته عني) إن لم يكن لكم استقلال ذوق بذلك، فلا بأس لمن لا يتم له الذوق في أمران يقلد من علم كماله منه إلى أن يكمل له الذوق فيه فقلدوني.
ولا تقلدوا من خالفني بمنع القول بالافتقار من جانب الحق مطلقا حتى في الظهور في المظاهر مع أنه لا ضرر فيه.
وإن الافتقار الممتنع في حقه تعالى هو ما ينافي الوجوب الذاتي، وهو الافتقار في الوجود والكمالات الذاتية.
وأما الكمالات الظهورية؛ فلا ينافي في الافتقار فيها ذلك، وإذا علمت أن الخليفة لا به وإن يكون جامعا بين صورتي الحق والخلق مع لزوم الاجتماع المطلق في إحداهما وشوب التفرقة في الأخرى ليناسب بذلك الحق والخلق.
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده: 
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني

فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
قال رضي الله عنه : ( ومن هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده ) كما أنّ الافتقار منه إليه في ظهوره ، فالافتقار أيضا من تلك الجهات .
وبيّن أنّ هذا الظهور من الإجمال مما يأباه الأحكام الظاهرة والأوضاع التشريعيّة الفارقة ، كما سيشير إليه في معنى قوله تعالى : " يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ " . 
فما ناسب لبيانه إلَّا القرائن الشعريّة والتواليف المنظومة الجامعة كما أومأنا إليه فلذلك غيّر مسلك التعبير.  
إلى قوله : ( فالكلّ مفتقر ما الكلّ مستغن ) اعلم أنّ « الكلّ » في عرفهم إنّما يطلق على الحق باعتبار الأسماء ، كما أن « الأحد » يطلق عليه باعتبار الذات ، ويقال : "أحد بالذات ، كلّ بالأسماء
 "  فالكل من العالم والحق بهذا الاعتبار له الافتقار .
وليس من شأن الكل الاستغناء ، ضرورة أن الكلية هي النسبة الإضافية المستدعية للافتقار؛ فالح باعتبار كلية أسمائه وتفاصيل كمالاتها ، له الافتقار ضرورة .
( هذا هوالحق قد قلناه ، لا نكني ) عن أمثاله في نظم الإجمال ، كما في نشر التفاصيل ، على ما هو المشار إليه بقوله : «إن العالم مفتقر إلى الحق في وجوده» ؛ فإنه إذا تقرر أن المفتقر إنما يفتقر في الوجود ، يستلزم افتقار الكل فيكون كناية.
وذلك لأن الغناء التام الذي لا يمكن أن يتطرق شوائب الاحتياج والافتقار فناء عزته وسلطانه المتفرد هو الذي في ضمن الافتقار لاغير وقد سلف ما هو أصل لهذا ؛ فقوله :
( فإن ذكرت غنيا لا افتقار به   .....     فقد علمت الذي بقولنا نعني ) 
إشارة إليه ، ويحتمل أن يجعله إشارة إلى طريق استحصال ذلك العلم ، أعني اشتراك نسبة الافتقار الذي غزل الفكر والنظر عن أن يتوصل به إليه .

هذا حكم الإجمال ؛ وأما لدى التفاصيل فلكل من الأعيان القابلة للعالم ارتباط بأسماء الحق ، كما أن لكل من تلك الأسماء بها ارتباط .
فانتظام أمر العالم واتصاله به مما لايتصور فيه الانقطاع ولا الانفصال أصلا .
(فالكل بالكل مربوط، فليس له عنه انفصال خذوا ما قلته عني)


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده: 
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني

فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
"و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:  "
(ومن هذه الحقيقة ) التي هي الرقيقة الثابتة في نفس الأمر بين الموجودات والحق يتوقف وجودها على سريانها فيها (كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده) كما أن الافتقار منه سبحانه إلى العالم في ظهوره .
ولما شبه رضي الله عنه ارتباط الموجودات بالوجود الحق بارتباطها بالأمور الكلية، وقد ثبت في ما تقدم الارتباط بينهما بافتقار كل من الطرفين إلى الآخر.
في بعض الأحكام كان فيه إشعار بأن الحق سبحانه وإن كان غنية عن العالمين بذاته وأسمائه الذاتية .
لكن لا سيما باعتبار ظهورها وترتب أثارها عليه افتقار إلى العالم كما وقع به الإشارة إليه في صدر الفص.
"فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نَكني
فإن ذكرت غنيّاً لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نَعْنِي
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصالُ خذوا ما قلته عني"
 فلهذا فرع عليه قوله : (فالكل)، أي كل واحد من الحق والعالم (مفتقر) إلى الآخر، أما افتقار العالم إليه فعلی تعينه العلمي بالفيض الأقدسي .
وفي تعبنه الوجودي بالفيض المقدسي.
وأما افتقار الحق إلى العالم فباعتبار ظهور أسمائه في المراتب وترتب آثارها عليها لا باعتبار ذاتها واتصافها بالصفات الحقيقية كالوجوب والعلم فإنه بهذا الاعتبار غني عن العالمين .
ثم أكده بقوله: (ما الكل مستغن) ما نافية و مستغن خبره رفعه على اللغة التميمية وعليها قريء : ما هذا بشر بالرفع (هذا) الذي قلناه من إثبات الطرفين (هو الحق) المطابق لما في نفس الأمر (قد قلناه) صريحا لإرشاد الطالبين (لا ن?ني).
أي لا نقوله على سبيل الكناية لئلا يلتبس عليهم (فإن ذكرت عينا) مطلقا (لا افتقار) ملتبس (به).
بأن لا يفتقر إلى غيره أصلا وهو الحق سبحانه باعتبار ذاته وصفاته الذاتية .
فهو لا ينافي ما قلناه (فقد علمت الافتقار الذي بقولنا نعني).
أي نعنيه ونزيده بقولنا : الكل مفتقر .
فإن الافتقار الذي أثبتناه من جانب الحق سبحانه إنما هو باعتبار ظهور الأسماء وترتب آثارها ?م علمت.
وهو لا ينافي الغني الذاتي (فالكل بالكل مربوط) ارتباط افتقار (فليس له عنه) استغناء لكل واحد عن الآخر أو للعالم عن الحق أو بالعكس (انفصال) انفصال أستغناء (خذوا ما قلته عني).
اعلم أن الشيخ المفيد المرشد رضي الله عنه لما كان بصدد بيان نسبة الحق والعالم بافتقار كل إلى آخر من وجه .
وكانت هذه النسبة بعينها واقعة بين المفيد المرشد والمستفيد الطالب بل هي من طلالها وفروعها نبه عليها بالماح لطيف.
وهو أنه عبر في البيتين الأولين عن نفسه بصيغة جماعة المتكلم الدالة على التعظيم المنبئ عن رفعة شأنه .
وعن المخاطب الطالب بصيغة الواحد الدالة بالمقابلة على صفة شأنه وذلك لمعنى افتقار الطالب إلى المرشد، فإن المفتقر إليه أرفع شأنا من المفتقر، ثم قلب الأسلوب في البيت الآخر بأن عبر عن نفسه بصيغة الواحد .
وعن المخاطب بصيغة الجماعة إشعار بأن المفيد أيضا مفتقر إلى المستفيد لتظهر ?مالاته فيكون المفيد مفتقرا والمستفيد مفتقرا إليه و المفتقر إليه أرفع شأنا كما عرفت
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الحادية والثلاثون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:10 pm

الفقرة الحادية والثلاثون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الحادية والثلاثون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (
و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ ومن هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده . فالكل مفتقر ما الكل مستغن .هذا هو الحق قد قلناه لا نكني . فإن ذكرت غنيا لا افتقار به . فقد علمت الذي من قولنا نعني . فالكل في الكل مربوط و ليس له . عنه انفصال خذوا ما قلته عني]

قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
( و من هذه الحقيقة ): أي حقيقة لو لم تكن لم يكن كان الافتقار من العالم إلى الحق تعالى في وجوده: أي لو لم يكن الوجود ساريا في العالم ما كان العالم و إذا ارتفع المدد، ينعدم العالم و يرجع إلى أصله، فالعالم محتاج إلى الوجود دائما أبدا و الوجود لا تظهر أحكامه إلا في العالم، كما أن الرعية تحتاج إلى السلطان، و السلطان ما يظهر سلطانه إلا على الرعية فلا يكون السلطان إلا بالرعية .
فإنّ الرب بلا مربوب لم يعقل، كما أن المربوب بلا رب لم يكن، و قد أعطي حكم التضايف ذلك فافهم .
و لما كان الافتقار كالافتقار، و الغنى كالغنى قال رضي الله عنه شعر إلا أنه إشعار و تنبيه :
فالكلّ مفتقر ما الكلّ مستغنى   ..... هذا هو الحق قد قلناه لا تكنى
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به    ..... فقد علمت الذي من قولنا تعيى
الكلّ بالكلّ مربوط فليس له     ..... عنه انفصال خذوا ما قلت عني
قال تعالى: " إنّك كُنْت بنا بصِيرًاً " [ طه: 35] .
قال رضي الله عنه في الباب الموفي أربعمائة من "الفتوحات ": 
إنّه بنا عليم و بنا بصير، فلو لم أكن بمن كان عليما بصيرا وأنا أعطيته العلم لأنّ العلم تابع المعلوم و أنا المعلوم، كما هو أعطاني الوجود و أنا المعلوم المعدوم.
قال تعالى: " هُو معكُمْ أين ما كُنْتمْ" [ الحديد: 4] فالله في هذه المعية، يتبع العبد كان كما نحن نتبعه حيث ظهرنا بالحكم و نحن وقوف .
حتى يظهر أمر يعطي حكما خاصا في الوجود فنتبعه فيه فارتبطت الأمور و التفّت الساق بالساق، و قد اعترف لي بذلك الساق .
حيث قسم الصلاة بيني و بينه على السواء لأنه علم أني له كما أنه لي .

قال تعالى: "وأوْفوا بعهْدِي أوفِ بعهْدكُمْ" [ البقرة: 40] فهو زينتي بهويته، فهو سمعي وبصري من قرب النوافل و أنا زينته، فظهر بي اقتداره و نفوذ أحكامه و سلطان مشيئته من قرب الفرائض، فلو لم أكن لم تكن للملك زينة، فلولاه لما كنا ولولا نحن ما كان، فأبدانا وأخفى وأبدى هو وأخفانا فأظهرنا ليظهر هو سرارا ثم إعلانا، كما نطلبه لوجود أعياننا بطلينا لوجود مظاهره فلا مظهر له إلا نحن و لا ظهور لنا إلا به .
فيه عرفنا نفوسنا وعرفناه، وبنا تتحقق عين ما يستحقه إلا له، فالأمر متوقف على الأمرين فيه نحن و هو بنا بصيرا بل إن الله تعالى أطلع خواصّه على أنّ حاجة الأسماء إلى التأثير في أعيان الممكنات أعظم من حاجة الممكنات إلى ظهور الأثر، وذلك لأن الأسماء لها في ظهور الآثار السلطان و العزة، والممكنات قد يحصل فيها أثر فتضرّر به وهو على خطر، فبقاؤها على حالة العدم أحبّ إليها لو خيرت .

أما ترى قوله تعالى: "ويقُولُ الكافرُ يا ليْتني كُنْتُ تراباً" [ النبأ: 40] فإنها في مشاهدة ثبوتية حالية خالية عن الأغيار ملتذة بالتذاذ ثبوتي، فافهم .
بل الافتقار من الجانبين من حيث المرتبتين إنما هو من حيث الأثر.
فإنه ثبت بالذوق الصحيح و الكشف التام الصريح أنه لا يؤثر مؤثر كان حتى يتأثر فأول ما يظهر حكم الانفعال في الفاعل ثم يسري منه إلى من يكون محلا لأثرة، ذكره الشيخ صدر الدين القونوي في شرحه على الفاتحة .
وهكذا نجد في التجربة، فإنه إذا ورد الغذاء على المعدة فيؤثر فيها أولا، فإذا تأثر و انهضم أثر في المعدة بالتبريد أو بالتسخين، و التغذية و التنمية بل هكذا الشاهد في المحسوسات كالسراج و الدهن فإن أوله يطغى النار و آخره يشعل.

فهذا عين ما قلناه من الأثر: أن المختلفات فيهما فكل واحد مؤثر و متأثر، فافهم .
هكذا في معنى البيت فالكل مفتقر ما، و الكل مستغن بالاعتبارات التي ذكرنا .
ما هذا سر الأمر من حيث الانفعال، و أمّا سر الأمر من حيث الاحتياج فهذا اندراج العبودة في السيادة، فإن العبودة: عبارة عن نسبة جامعة عن نسبتيّ الفقر و الانفعال، و المتضايفان: أي العبد و السيد، كما توقف معرفة كل واحد منها و ظهوره على الآخر، علم أنه لا غني لأحدهما عن الآخر .

و يشير إلى هذا الذوق كلام سيدنا علي رضي الله عنه و نهج البلاغة حيث قال فيه:
فلو أن الباطل فيه خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين، و لو أن الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه السنة المعاندين، و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله  الحسنى، انتهى كلامه رضي الله عنه. فلا بد من الأمرين فافهم.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثانية والثلاثين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:11 pm

الفقرة الثانية والثلاثين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثانية والثلاثين :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة. وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق.
وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة. فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فقد علمت) مما ذكرناه يا أيها المريد (حكمة نشأة جسد آدم) عليه السلام (أعني صورته الظاهرة وقد علمت) أيضا حكمة (نشأة روح آدم) عليه السلام (أعني صورته الباطنة فهو).
أي آدم عليه السلام حيث جمع بين صورة الحق تعالى بباطنه وصورة العالم بظاهره (الحق) من حيث الباطن على التنزيه (الخلق) من حيث الظاهر على التشبيه .
(وقد علمت) أيضا نشأة (رتبته)، أي آدم عليه السلام (وهي المجموع) له فيها بين اليدين الإلهيتين (الذي به)، أي بذلك المجموع (استحق الخلافة) عن الحق تعالى في الأرض.
(فآدم عليه السلام هو النفس الواحدة)، أي المنفردة بالكمال الإنساني دون نفوس بقية العالم كله.
(التي خلق) بالبناء للمفعول، أي خلق الله تعالى (منها) جميع أشخاص (هذا النوع الإنساني) كلهم

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة. وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق.
وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة. فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.)
أصل (نشأة جسد آدم) وهو أي أصل نشأة جسده قوله من قبل فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره.
قوله: (أعني صورته الظاهرة) تفسير لنشأة الجسد لا لحكمة النشاة .
فكذلك قوله : (وقد علمت نشأة روح آدم) وهي قوله : وأنشأ صورته الباطنة على صورته.
قوله : (أعني صورته الباطنة) تفير لنشأة الروح وإنما فسر ليعلم أن المراد بأدم الروح الكلي المحمدي لا آدم الذي خلق من طين (فهو الحق في الخلق) .
(وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة فآدم) أي أدم كبير وهو الخليفة وهو العقل الأول.
(هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني)، وهو آدم أبو البشر وبنوه.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة. وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق.  وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة. فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.)
قوله بعد الشعر : "فقد علمت حكمة نشأة جسد آدم أعني صورته الظاهرة، وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق. وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة. فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني"
ما ذكره بعد هذا فهو ظاهر إلى قوله "اتقوا ربكم".

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة. وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق.
وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة. فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.)
قال رضي الله عنه : " فقد علمت حكمة نشأة جسد آدم أعني صورته الظاهرة " .
التي هي أحدية جمع جميع الحقائق المظهرية الخلقية روحانيّتها العقلية والنفسيّة ، وجسمانيّتها الطبيعية والعنصرية والمثالية والبرزخية والحشرية.
" وقد علمت نشأة روحانيّة آدم ، أعنى صورته الباطنة ، فهو الحق الخلق " أي باطنه حق ، وظاهره خلق .
"وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحقّ الخلافة . فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني ."
قال العبد : اعلم :
أنّ أبانا عليه السّلام صورته ظاهرية أحدية جمع جميع الجمعيات ، وهو أوّل الختوم في المرتبة الظاهرة ، به ختم صور الأنواع الوجودية ، وهو بمثابة البشرة من وجه الصورة الإلهية ، ولهذا كان أبا البشر ، وجميع الصور البشرية بهذه المثابة من صورة اللاهوت .
ولمّا كان صلَّى الله عليه وسلَّم صورة ظاهرية أحدية جمع جميع الجمعيات الإلهية والكونية المنبعثة من جمعية التعين الأوّل الحقيقية والطبيعية الكلَّية والنفسية العمائية .
فهو صلَّى الله عليه وسلَّم أوّل صورة أحدية جمع الجمع بين الحقائق الوجوبية بالفعل والتأثير وبين الحقائق الكونية بالانفعال والتأثّر ، وذلك في أوّل النشأة الأحدية الجمعية .
وإنّما كان نفسا واحدة لأنّ الواحد أصل العدد ومنشؤه ولعدم صدور غير الواحد عن الواحد .
ولمّا كان المراد من خلق آدم وجود الخليفة على الوجه الأكمل الأجمع بين المجموع والمفصّل.
أخرج الله من هذا الأصل بعدد ذرّيّته وعدد ما يحويه النفس الواحدة الكلية الإلهية ، صورة أحدية جمع جميع الحقائق الانفعالية القابلة صور الجمعيات الكمالية وسمّاها « حوّاء » من الحواية وهي الجمع على صورة آدم من الطينة الطبيعيّة التي لها الجانب الأيسر .
كنى عن هذه الحقيقة بأنّها خلقت من ضلع أعوج لأنّ الطبيعة من حقيقتها الاعوجاج إلى الظهور والتعيّن ، فأظهر الله من هذين الأبوين صور كليات صور أحديات جمعيات جميع الحقائق الجمعية المظهرية الإنسانية .
فكانت حوّاء تنتج للأب ولدين في كل بطن بمقتضى الأصل الذي كان في بطنه صور الحقائق الفعلية والانفعالية معا وهو حقيقة الحقائق والتعيّن الأوّل ، فافهم إن شاء الله تعالى .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة. وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق.
وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة. فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.)
قوله الشيخ رضي الله عنه : ( وقد علمت نشأة جسد آدم أعنى صورته الظاهرة ، وقد علمت نشأة روح آدم أعنى صورته الباطنة فهو الحق ) أي بحسب صورته الباطنة والحقيقة ( الخلق ) بحسب صورته الظاهرة .
قوله ( وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي استحق به الخلافة ) وفي بعض النسخ بها حملا على المعنى وهو الرتبة ..
أي كونه واسطة بين الحق والخلق بمجموعه الذي استحق به الخلافة ، ليعرف صورة العالم وحقائقه بظاهره وصورة الحق وأسمائه الذاتية بباطنه ، ويتحقق له رتبة الخلافة بالجمع بين الصورتين ( فآدم هو النفس الواحدة ) أي حقيقة الإنسان من حيث هو .
وهو روح العالم ( التي خلق منها هذا النوع الكامل الإنسانى ) أي أفراد النوع وإلا فالنفس الواحدة هي حقيقة النوع بدليل قوله ( وهو قوله " يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ من نَفْسٍ واحِدَةٍ " .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة. وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق.
وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة. فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.)
قوله رضي الله عنه : (فقد علمت حكمة نشأة جسد آدم، أعني صورته الظاهرة) وتلك الحكمة هي ظهور أحكام الأسماء والصفات فيها.
قوله : (وقد علمت) حكمة (نشأة روح آدم، أعني صورته الباطنة) أي، حكمة نشأة روح آدم، وهي الربوبية والخلافةعلى العالم.
(فهو الحق الخلق) يعنى، فآدم هو الحق باعتبار ربوبيته للعالم واتصافه بالصفات الإلهية، والخلق باعتبار عبوديته ومربوبيته.
أو هو الحق باعتبارروحه، والخلق باعتبار جسده.
كما قال الشيخ (رضي الله عنه ) في بيت من قطعة:
حقيقة الحق لا تحد  .... وباطن الرب لا يعد
فباطن لا يكاد يخفى  .... وظاهر لا يكاد يبد
وفإن يكن باطنا ورب  .... وإن يكن ظاهرا فعبد
(وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة) إنما جعل (الخلافة للمجموع) لأنه بالنشأة الروحانية آخذ من الله، وبالنشأة الجسمانية مبلغ إلى الخلق، وبالمجموع تتم دولته وتكمل مرتبته، كما قال الله: "فلو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون". أي، ليجانسكم فيبلغكم أمري.
(فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني) أي، إذا علمت أن آدم هو الخليفة على العالم ومدبره، فآدم في الحقيقة هو النفس الواحدة.
وهوالعقل الأول الذي هو الروح المحمدي في الحقيقة الظاهر في هذه النشأة العنصرية المشار إليه بقوله، صلى الله عليه وسلم: "أول ما خلق الله نوري".
الذي منه يخلق هذا النوع الإنساني بل جميع الأنواع مخلوق منه، وبقوله: "كنت نبيا وآدم بين الماء والطين".
وذلك لأن للحقيقة الإنسانية مظاهر في جميع العوالم: فمظهرهالأول في عالم الجبروت، هو الروح الكلى المسمى بـ (العقل الأول) فهو آدم أول، و (حواه) النفس الكلية التي خلقت من ضلعه الأيسر الذي يلي الخلق، فإن يمينه هو الجانب الذي يلي الحق.
وفي عالم الملكوت، هو النفس الكلية التي يتولد منها النفوس الجزئية الملكوتية، وحواه الطبيعة الكلية التي في الأجسام. وفي عالم الملك هو آدم أبو البشر.
قال الشيخ (رضي الله عنه) في الباب العاشر من الفتوحات: "فأول موجود ظهر من الأجسام الإنسانية كان آدم، عليه السلام، وهو الأب الأول من هذا الجنس".
وقال في نقش الفصوص: "وأعنى بآدم وجود العالم الإنساني". فأراد بما قال في الفتوحات ونقش الفصوص، آدم عالم الملك، إذ به يتحقق وجود العالم الإنساني أولا.
ونبه هنا على آدم، عالم الجبروت والملكوت الذي هو الخليفة أزلا وأبدا،تنبيها للمتكلمين وإرشادا للطالبين.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة. وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق.
وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة. فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.)
(فقد علمت حكمة نشأة جسد آدم أعني: صورته الظاهرة)، وهي الجسم وأعراضها المحسوسة، ولإدخالها قيد الجسد بالصورة الظاهرة لئلا يتوهم أن المراد نفس الجسم لا غير، وتلك الحكمة استعداده لإفاضة الكمالات على الخلق، وكونه خليفة عليهم، (وقد علمت) حكمة (نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة) قيد الروح بها ليشير إلى أنه ليس من قبل الأجسام.
وليدخل فيه القوى إذ لا يقال لها روح، لكنها داخلة في الصورة الباطنة والحكمة في ذلك استعداده للاستفاضة من الحق بما فيه من الجمعية الأسمائية، وإذا كان هو المفيض والمستفيض بالصورتين المذكورين؛
(فهو الحق الخلق) أي: تام النسبة بهما لكمال صورهما فيه مع فعلهما فكأنه عينهما، فلذلك صح كونه خليفة منه عليهم.
وفيه إشارة إلى أنه، وإن بلغ بقدر الطاقة البشرية؛ فلا بد وأن يصدق عليه لفظ الخلق إذ لا يصير واجب الوجود لكنه قد يطلق عليه في التسمية الصوفية لفظ الحق باعتبار كمال ظهور صورته فيه.
كما نقل عن الحلاج من قوله: أنا الحق .
وعن أبي يزيد أنه: سبحاني ما أعظم شأني، وحاشا هما من دعوى الربوبية لأنفسهما، فإن ذلك ظاهر الاستحالة؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم.
ثم أشار إلى أنه وإن كان فيه الصورتان اللتان هما الإفاضة والاستفاضة وبينهما اجتماع من وجه، وافتراق من وجه، وخلافته من حيث الاجتماع لا الافتراق.
فقال: (وقد علمت نشأة رتبته، وهي المجموع الذي به استحق الخلافة).
وفيه الإشارة إلى أن الإنسان إنما يصير إنسانا عند صيرورته خليفة للحق على خلقه يتصرف بباطنه على بواطنهم وبظاهره على ظواهرهم حتى يصير بحيث يتصرف بمجموعه في مجموعهم.
وإلى أن الخليفة من لا يحجبه الحق عن الخلق، ولا الخلق عن الحق، وإذا كانت الخلافة بالمجموعية، والمجموعية تقتضي وحدة وكثرة وهما وحدة الهيئة المجموعية، وكثرة تفصيل الأجزاء الداخلة في تلك الهيئة.
(فآدم) من حيث ما فيه من وحدة الهيئة المجموعية "من حيث الحقيقة لها أحدية الجمع وبها استحق الخلافة، فإنها من مقام برزخي التي خلق منها هذا النوع الإنساني؛ فإن هذا النوع الإنساني من حيث إنه نوع ?العقل الأول، وجد آدم من حيث إنه خليفة فبث منهما أفرادا كثيرة ذكورا وإناثا، فكما ظهرت من الذات المرتبة، ومنها ظهرت صور العالم مؤثرات ومتأثرات، كذلك آدم الخليفة ذات ومرتبة، وبث منهما أفرادا كثيرة ذكورا وإناثا .
وهو قوله: أي ما قلنا: إن الأصل نفس واحدة، وخلق منها كثيرا."
(هو النفس الواحدة ) ومن حيث ما فيه من الكثرة بنفسه هي (التي خلق منها هذا النوع الإنساني) أي: إفراده كلها، وكانت داخلة في هيئة المجموعية.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة.
وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق. وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة. فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.)
قال رضي الله عنه : ( وقد علمت ) مما سبق في بيان حقيقة العالم وجهتيه الاشتراكيّة والاختصاصيّة ( حكمة نشأة ) جسد ( آدم أعني صورته الظاهرة ) التي هي من إحدى اليدين.
( وقد علمت ) مما ذكر في الحقّ وأوصافه الاشتراكيّة والاختصاصيّة ( نشأة روح آدم ، أعني صورته الباطنة ) التي هي من اليد الأخرى ( فهو الحق الخلق ) بالنشأتين .
( وقد علمت ) من هذا ( نشأة رتبته ، وهي المجموع الذي به استحقّ الخلافة ) من الظهور بصورة المستخلف والاحتياز لجميع مطالب الرعايا .
( فآدم هو النفس الواحدة) بالوحدة الحقيقيّة الإطلاقيّة الجمعيّة ( التي خلق منها هذا النوع الإنساني ) أعني الشجرة الوجوديّة الكاملة الحائزة لجميع المراتب بأجناسها وأنواعها ولوازمها وأعراضها المثمرة للنوع الحقيقي الإنساني.
القابل عند التأثر أن ينبثّ منهما أشخاص من صنفي الأبوين أعني أهل الصورة وأرباب المعنى.

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة. وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق.
وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة. فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.)
قوله : "فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة."
(فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني) بجسده (صورته الظاهرة) وهي أحدية جمع جميع الحقائق المظهرية الجسمانية والعنصرية والحكمة فيها .
أن تكون أنموذجا لحقيقة العالم في كونها مظهرة لأحكام الروح المدبر لها كما أن العالم مظهر الآثار الأسماء الإلهية المتصرفة فيه.
قوله : "و قد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق ."
(قد علمت نشأة روح آدم)، يعني حكمة نشأة روحه (اعني) بروحه (صورته الباطنة) التي هي أحدية جمع جميع الحقائق الروحانية العقلية والنفسية.
وحكمتها كونها أنموذجا وظلا للأسماء الإلهية باعتبار التصرف والتأثير .
فكما أن الأسماء الإلهية منصرفة في يده في العالم كذلك الروح مؤثر متصرفي في يديه
قوله : "و قد علمت نشأة رتبته و هي المجموع الذي به استحق الخلافة."
(وقد علمت نشأة رتبته)، أي حكمة نشأة رتبته (وهي)، أي نشأة رتبته هي (المجموع).
أي مجموع صورتيه الظاهرة والباطنة (الذي به استحق) آدم (الخلافة) و توصیف النشأة الرتبية باستحقاق الخلافة.
إشارة إلى حكمتها فإن الحكمة في الجمع بين صورتيه الظاهرة والباطنة أن يناسب بالجهة الباطنة المستخلف و بالجهة الظاهرة المستخلف عليهم فيستفيض بالجهة الأولى ويفيض بالأخرى فيتم أمر الخلافة.
قوله : "فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني."
(فآدم) أبو البشر (هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني)، أي خلق منها زوجها ومن ازدواجهما أولادهما و من ازدواج أولاده أولاد أولاده إلى ما شاء الله .
فهو منشأ تكثير هذا النوع، وهذا هو المراد بقوله : خلق منها هذا النوع بأدني مسامحة.
فإنه قائم مقام قوله : خلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء.
فالمراد بالنوع الإنساني أولاد آدم من هذا النوع .
واعلم أن لكل مرتبة آدم هو مبدأها كالعقل الكل للمعقول والنفس الكل للنفوس.
ولكل آدم زوج بث من أزواجهما نتائج.
وحمل بعض الشارحين آدم في هذا المقام على العقل الكلي وبعضهم عن النفس الكلي.
ولا يخفى على المستبصر أن كلام الشيخ رضي الله عنه فيما تقدم وفيما تأخر صريح في أن المراد بآدم ههنا هو أبو البشر.
أنه صريح في نقش الفصوص بأن المراد بأدم وجود النوع الإنساني (وهو)، أي ?ون آدم هو النفس الواحدة المذكورة .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثانية والثلاثين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:12 pm

الفقرة الثانية والثلاثين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثانية والثلاثون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة.
وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق. 
وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة.
فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني. )

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ فقد علمت حكمة نشأة جسد آدم أعني صورته الظاهرة .
وقد علمت نشأة روح أدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق .  وقد علمت نشأة رتبته و هي المجموع الذي به استحق الخلافة . فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.]

قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
فقد علمت حكمة نشأة جسد ابن آدم أعني: صورتها الظاهرة، فإن نشأته الصورية من حقائق العالم و صوره، وقد علمت نشأة روح آدم على صورته الباطنة إنما هو على الصورة .
قال الشارح القيصري رحمه الله: إن حكمة نشأة رتبته وهي المجموع لأن صورته الباطنة وحدها كما سيجيء في المتن.

فهو يجمع الصورتين الحق في الخلق: أي حق من حيث الباطن وخلق من حيث الظاهر وقد علمت نشأة رتبته: أي الخلافة وهي كالبرزخ بين الصورتين، وبكونه أنه مجموع استشرف على الطرفين كالبرزخ، ورأى نفسه بهذه المثابة، فرأى في نفسه أحكام النقيضين ذوقا، من حيث أنها ذات خليفة فهي الذات الخلافية لا ذات الخلق و لا ذات الحق .
ومن هذا المقام قال الخراز قدّس سره: عرفت الله بجمع الأضداد
يعني: في نفسه ذوقا يشير إلى التحقيق بهذا المقام وبه كملت الصورة الإلهية وفيه شوهدت، فهو حسبه كما هو حسبه، ولهذا المقام أحكام متداخلة، وأسرار غامضة متعانقة .
قال تعالى: "إنّ اللّه على  كُل شيْءٍ قدِيرٌ" [ آل عمران: 165]، فعلمنا به أن العقول قاصرة عن إدراك إطلاق هذه الآية :
ليس على الله بمستنكر   ..... أن يجمع العالم في واحد
و أن الله قادر على جميع الأضداد، بل هو جامع الأضداد فجمع الخليقة بأحكامه الظاهرة أحكام المستخلف عليه، و بأحكامه الباطنة أحكام المستخلف.
فجمع بين مقامي الاستفاضة والإفاضة، و التأثير و التأثر، و الفعل و الانفعال، فتمّ أمر الخلافة بهذا العبد الكامل المخلوق على الصورة الجامع لجميع الحقائق إلا مكانة بالأصالة و الوجوبية الإلهية بالنيابة، و هو المظهر الأكمل القويم و المجلى الأجل الأجمل في أحسن تقويم .
فلهذا قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: ما في الإمكان أبدع من هذا العلم لكمال وجود الحقائق كلها فيه، و هو العبد الذي يسمى خليفة و نائبا .
وهو غياب عزيز جعله الحق موضع أسراره و محل تجلياته، وهو الذي يعطي النزول و الاستواء المعية و الفرح و الضحك، و ما يفهم منه من أدوات التشبيه.

قال تعالى:" وهُو الّذِي فِي السّماءِ إلهٌ وفي الْأرضِ" [ الزخرف: 84] و كان آدم أول خليفة و نائب منه في الأرض .
قال تعالى: "وإذْ قال ربُّك للْملائكةِ إنِّي جاعِلٌ في الْأرضِ خليفةً قالوا أتجْعلُ فِيها منْ يُـفْسِدُ فيها و يسْفِكُ ِّ الدماء ونحْنُ نسبِّحُ بحمْدِك ونقدسُ لك قال إنّي أعْلمُ ما لا تعْلمُون" [ البقرة: 30]
وعلمه ما لم يعلم من علوم التأثيرات التي تكون من الأسماء الإلهية التي تختص بالأرض حيث كانت خلافته فيها، و له الأثر الكامل في جميع الكائنات.
و له المشيئة التامة في جميع الموجودات فإنه إقامة الظاهر بالاسم الظاهر، و إعطاؤه علم الأسماء من حيث ما هي عليه من الخواص و التأثيرات التي تكون عنها الانفعالات، فيتصرف بها في العالم الأعلى و الأسفل .

قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": اختلف أصحابنا هل يصح أن يكون منه في الوجود شخصان فصاعدا؟ أو لا يكون إلا شخص واحد انتهى كلامه .
و نقول: قال تعالى: "إنّ اللّه لا يغفِرُ أنْ يشْرك بهِ ويغْفِرُ ما دُون ذلك" [ النساء: 48] فافهم .
قال رضي الله عنه شعرا وحكمة :
وما الناس إلا واحد بعد واحد .... حرام على الأدوار شخصّان يوجد .
قال الشارح القيصري قدّس سره في بيان هذا المتن:
إنما جعل الخلافة بالمجموع لأنه بالنشأة الروحانية أخذ من الله، و بالنشأة الجسمانية بلغ إلى الخلق و بالمجموع يتم دولته انتهى كلامه.
و هذا خلاف اقتضاء المتن السابق بل خلاف تفسيره السابق لأنه قال الشيخ رضي الله عنه: فهو الحق .
و قال الشارح: و هو الحق باعتبار روحه، و الخلق باعتبار جسمه، فكيف يقول أخذ من الله و أثبت أنه عينه؟!
بل الصواب أن يقال: إنه أخذ مستفيض من حيث إنه خلق مفيد مفيض من حيث إنه حق فما جني ثمرة غرسه إلا من شجرة نفسه فافهم  .

فلمّا قرر رضي الله عنه أن آدم هو الخليفة بالاستحقاق يريد أن يبين أن الخليفة على صورة المستخلف، و المستخلف ذات ظهرت منها المرتبة وهي الألوهية لأنها من اقتضاء ذاتي، وظهرت منها صور العالم كله أعلاه وأسفله فلذلك ينبغي أن يكون هذا الخليفة .
فقال: (فآدم و هو الإنسان) المفرد في كل إنسان، و لكن كانت في آدم أتم وأقدم لأنه كان ولا مثل له، ثم بعد ذلك استشاق منه الأمثال.
فخرجت على صورته، كما انتشل هو من العالم، و من الأسماء الإلهية فخرج على صورة العالم و صورة الحقية، فوقع الاشتراك بين الأناسي في أشياء و انفرد كل شخص بأمر يمتاز به عن غيره، و هذا الإنسان المفرد يقابل ذاته الحضرة الإلهية.
وقد خلقه الله تعالى من حيث شكله وأعضائه على جهات ست ظهرت منه، فهو في العالم كالنقطة في المحيط، وهو من الحق كالباطن، ومن العالم كالظاهر، ومن القصد كالأول، ومن النشأة كالآخر فهو أول بالقصد آخر بالنشأة، و ظاهر بالصورة، و باطن بالروح.

كما أنه خلقه تعالى من حيث طبيعته و صورة جسمه من أربع، فله التربيع من طبيعته إذا كان مجموع الأربعة الأركان، و أنشأ جسده ذا أبعاد ثلاثة من طول وعرض وعمق، فأشبه الحضرة الإلهية ذاتا وصفاتا وأفعالا، فافهم .
و لكن جعل الله تعالى هذا الإنسان المفرد خليفة عن الإنسان الكل الأول الأقدم، فالإنسان المفرد ظل الله في خلقه من خلفه فعن ذلك، هو خليفة، و الكمّل هم خلفاء عن مستخلف واحد . قال تعالى: "هُو الّذِي جعلكُمْ خلا ئف في الْأرضِ" [ فاطر: 39] .

قال القيصري رحمه الله تعالى: فآدم في الحقيقة هو النفس الواحدة، و هو العقل الأول و ليس كذلك لأن آدم الذي نحن بصدد بيانه من أول الكتاب إلى هنا آدم، من حيث إنه خليفة لا من حيث أنه إنسان فهو مجموع العالم مع الزيادة و العقل من بعض قواه بل العقل الأول ثم النفس الكل.
وهكذا على الترتيب .  فافهم حتى تعرف رتبة كلام الشيخ رضي الله عنه من بين الذواق .

و أمّا من قال: إنه آدم أبو البشر خالف كلام الشيخ، وهو الشارح الجامي رضي الله عنه حيث قال في نفس الفصوص: إن مرادي من آدم هو النوع الإنساني .
قال الشيخ  في "الفتوحات ": إنه أصل هذا النوع الإنساني، و أن هذه الحقيقة في كل إنسان كامل، و لكن امتاز آدم بالأولية كما سبق ذكره آنفا فافهم .
فإنه ما أراد في النفس (هو النفس الواحدة) من حيث الحقيقة لها أحدية الجمع وبها استحق الخلافة، فإنها من مقام برزخي التي خلق منها هذا النوع الإنساني.
فإن هذا (النوع الإنساني) من حيث أنه نوع كالعقل الأول، و جرد آدم من حيث أنه خليفة فبثّ منهما أفرادا كثيرة ذكورا و إناثا.
فكما ظهرت من الذات المرتبة، و منها ظهرت صور العالم مؤثرات و متأثرات، كذلك آدم الخليفة ذات و مرتبة، و بث منهما أفرادا كثيرة ذكورا و إناثا و هو قوله: أي ما قلنا: إن الأصل نفس واحدة، و خلق منها كثيرا هو عين ما قاله سبحانه: "يا أيُّها النّاسُ" [ البقرة: 21] .

في هذا الخطاب إشارة لطيفة، و هي أن الناس المخاطبين بهذا الخطاب كلهم بعدوا عن مواطنهم، و نسوا مقتضى ذواتهم لأن النداء دعاء على رأس البعد و بوح بعين العلم و الحجاب لا الكشف، و ذلك أن الإنسان إذا رأى في نفسه هذا الكمال الذي قررناه في المباحث السابقة فخيف عليه أن يزهو على مقتضى النشأة لأنها مقتضى النشأة لأنها مقتضى ذلك بل أنه مشتق من النسيان يخاف أن ينسي عبوديته .

قال تعالى:" كلّا إنّ الِإنسان ليطغى"  [ العلق: 6] . "أنْ رآهُ اسْتغنى"  [ العلق: 7] بل أن الله تعالى خلقه على صورته، و كان في قوة الإنسان من أجل الصورة أن ينسى عبوديته و لذلك وصف الإنسان بالنسيان فقال في آدم فنسي والنسيان نعت إلهي، فما نسي إلا من كونه على الصورة .
"أنْ رآهُ اسْتغنى"  [ العلق: 7] بل أن الله تعالى خلقه على صورته، و كان في قوة الإنسان من أجل الصورة أن ينسى عبوديته و لذلك وصف الإنسان بالنسيان فقال في آدم فنسي و النسيان نعت إلهي، فما نسي إلا من كونه على الصورة . قال الله تعالى: "نسُوا اللّه فنسِيهُمْ" [ التوبة: 67] كما يليق بجلاله.
فلمّا علم الله أن هذا العبد للقوة الإلهية التي معه يبعد عن مقتضى النشأة و لا بد يدّعي في نعوت ما هو حق الله تعالى لأن الدعوى صفة إلهية و العبد مخلوق على الصورة .
قال تعالى: "إنّني أنا اللّهُ لا إله إلّا أنا فاعْبدْني" [ طه: 14] .
فادّعى العبد أنه لا إله إلا هو وهي دعوى صادقة، و من ادّعى دعوى صادقة لم يتوجه عليه حجة و كان له السلطان على كل من ادّعى عليه دعواه.
لأن الشدة، و الغلبة، و القهر، فإنها لا تقاوم فغار من المشاركة وحجر عليه بعض النعوت، وقال: من يتعدى هذه الحدود كالعظمة، والكبرياء، والجبروت فتضمنه .  و قال تعالى: "كذلك يطبعُ اللّهُ على كُل قلْبِ مُتكبِّرٍ جبّارٍ" [ غافر: 35] .

عين الغيرة :
"" أضاف المحقق :الغيرة غيرة في الحق لتعدي الحدود.
والغيرة تشعر بثبوت الغير، ومشاهدته، ومن حيثية الغيرة تظهر لفواحش.
والغيرة إنما تظهر عند رؤية المنكر والفواحش، والأغيار الثابتة، فكثرتها إما نسب، وأحوال مختلفة معقولة قائمة بعين واحدة، لا وجود لها إلا في تلك العين.
وإما أثار استعدادات المظاهر في الظاهر فيها، فعلى التقديرين لا وجود في الأغيار مع ثبوت حكمها في العين الظاهرة بها.
فخذ من هذا التقريب من أين ثبوت نشأت الفواحش؟ ولم حرمت؟
والإنسان مأمور بأن يجعل نفسه وقاية للظاهر فيه، و الغيرة محمودة ومذمومة،
فالمحمودة: هي التي اتصف بها الحق، والرسل، وصالحو المؤمنين على أنها مرموزة في الطبع فلا بد منها.
و غيرة تطلق بإزاء كتمان الأسرار :
الأولى غيرة في الحق، وهذه غيرة على الحق، وهذه حالة الأولياء الأصفياء الذي يسعون في ستر أحوالهم ومقامهم على الخلق فلا يتميزون بعادهم وعبادهم عن العامة.
وغيرة الحق صفته على أوليائه وهم الضنائن
وهذه غيرة من الحق، ولهم خلف حجب العوائد الواصلة الدائمة، و عندية الحق معهم تقتضي أن يكون التمييز بين الظاهر، والظاهر أخفى، فهم عنده ?هو عندهم، فأخفي العين في العين.""

أما ترى أنه جعله خليفة في الأرض لا في السماء مع وجوده على الصورة ، لأنه ربما يطغى و يقول: أنا ربكم الأعلى و لو طغى ما وقع الإنس و ما خلق إلا للإنس به فبهذه الاعتبارات نزّلهم بمنزلة من خرج عن الحضرة فناداهم .
وقال: يا أيها الناس، ولم يقل: يا أيها المؤمنون أو غيره من الألفاظ، للإشعار بالنشأة منهم و الاعتذار عنهم .
قال رضي الله عنه في كتاب القدس في مناصحة النفس: 
فالقوي منا المتمكن هو الذي يخرق حجاب سره يعني: مرتبة الخلافة الجمعية العامة الكبريائية بينه و بين رب.
أي لا يرى ألوهية نفسه، بل يشاهد ألوهية ربه دون ألوهيته، فيتعبد فيعرف عبوديته، فحينئذ يكون أقوى العالم و أشده لرفعه ذلك الحجاب الأقوى .
فتكون منزلته أعلى وقوته أعظم، وهناك يتميز ويتحارى مع العالم في الرفعة و الانحطاط، و هناك راتب مبلغ العارفين العالمين .
و أمّا هذا المدرك الذي أومأنا إليه فبعيد أن تسمعه من غير هذه الرسالة على درج هذا التحقيق .
ثم قال رضي الله عنه: و أمّا قبل أن تحرقه فإنه يثمر لك ما أثمر للجبارين .
قال تعالى فيهم: "كذلك يطبعُ اللّهُ على كُل قلْبِ مُتكبِّرٍ جبّارٍ" [ غافر: 35] ختم عليه بالشفاء، فإذا خرقت حجاب الجمع العام الكبريائي استودعه فيك منه فنفدت من ورائه إلى عبوديتك، عاينت ألوهية الحق المقدسة، فوجدته و لم تشرك به شيئا .
قال تعالى: "إنّ اللّه لا يغْفِرُ أنْ يشْرك بهِ" [ النساء: 48] و هنا يجوز يهلك فيها عالم  كثير من أهل طريقتنا لعدم ذلك التحقيق، و وقوفهم مع سر الجمعية، فحجبتهم الرئاسة عن استيفاء العبودية، و الخدمة فافهم .

وأشار إلى هذا الأدب معلم الخير صلى الله عليه وسلم حيث قال : "والخير كله بيدك، والشر ليس إليك"  و لو لم يئس نفسه و لو أدخله الجوّاد في الميزان .
و قال: إنه خلقه على صورته، فيوازن بصورته حضرة موجدة ذاتا، و صفة، و فعلا، فلا يلزم من الوزن الاشتراك في حقيقة الموزونين فإن ما يوزن به الذهب المسكوك هو سنجة حديد، إذا وزنت نفسك بهذا الميزان عرفت نفسك و هو ميزان الشريعة و معرفة النفس، وزال عنك ما توهمته في الصورة من أنه ذات و أنت ذات أنك موصوف بالعلم و الحياة، و هو الحي العالم، و لكن أنت فقير محتاج، و هو الله الغني و هو الوجود، و أنت المعدوم المفقود، و كل من ادّعى الربوبية من كلمة فرعون إلى قول الإنسان: لو لا قلت كذا كان كذا، و لو لا همتي كان كذا .
و هذه كلها علل و أمراض من داء سر الألوهية، و كل واحدة من هذه الأصناف يعاقب و يعاتب على قدره، فهذه أدواء  كثيرة و دوائها التقوى .

قال رضي الله عنه: أعظم الفتن التي أفتن الله تعالى بها الإنسان الكامل تعريفه إياه بأنه خلقه على الصورة ليرى هل يقف مع عبوديته؟
و سواء داء مكانه، أو يزهو الأجل مكانه، و مكانة صورته، فإنه تعالى ما أظهر الصورة المثلية في هذه النشأة على التشريف فقط، بل هي شرف وابتلاء، من ظهر يحكم الصورة على الكمال، أن يخرق حجاب سر الجمعية العامة الكبريائية حتى يشاهد ألوهية ربه دون ألوهيته، فقد حان الشرف بكلتا يديه، فإن الصورة الإلهية الكاملة لا يلحقها ذما بكل وجه .
و هذا هو أول قدم في الشريعة، فإن الشارع أول ما أتى به لا إله إلا الله، فلا يجيبه إلا من خرق سرّ الجمعية العامة الكبريائية منه، و بهذا ينتفي الاشتراك و يتبين أهل لا إله إلا الله على حسب رفع حجابهم، فمن الجماعة من يقولها ابتداءا من غير نظر و هو الإمام، و منهم من يقول معه بعد رؤية الدليل، فهذا جاهل بنفسه فإن لا إله إلا من مدركات العقل بالنور الإلهي توقفه على الدليل دليل على التقليد و فقد ذلك النور، و لكن قد يستعد بإجابته و لو بعد حين .

قال تعالى: "لا يسْتوي مِنْكُمْ منْ أنفق مِنْ قبْلِ الفتْحِ وقاتل أولئك أعْظمُ درجةً مِن الّذِين نأفقُوا مِنْ بعْدُ و قاتلوا وكُلًّا  وعد اللّهُ الحُسْنى واللّهُ بما تعْملون خبيرٌ" [ الحديد: 10] فافهم .
و من نقض هذا المقام الكمالي خرج مع فرعون و النمرود، و كان في حقه مكرا إلهيا، من حيث لا يشعر فلهذا قال صلى الله عليه وسلم : "إنها في الآخرة مندمة" لما يتعين على صاحبها حقوقا، و قد جعلنا رعاة .
فقال صلى الله عليه و سلم : "كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته" .
فمن جمعت له الصورة بكمالها، وهو يخرق حجاب السر الجمعي كما قلناه آنفا، فلم يسأل فإن الله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، هذا كله إذا كانت الخلافة بالتجلي، أما إذا كانت الخلافة بالتعريف الإلهي فإن متعلقه السمع وهو خير، وهذا الأمر آخر، ولا كلامنا فيه، فافهم .

ثم نرجع و نقول فلما كان هذا الإمكان إمكان النقص والنسيان في الإنسان فيه أمره بالتقوى .
و قال عزّ و جل: "ومنْ يتّقِ اللّه يجْعلْ لهُ مخْرجاً " [ الطلاق: 2] .
حتى يخرج العبودة مخرج الألوهة علما و كشفا، و تجمع السيادة في عين العبودية، و العبودية في عين السيادة، يكون عبدا ربا خلقا حقا، فظهر بالأصالة بين الطرفين وهما طرفا نقيض، فجمع الضدين، بل يكون عين الضدين على صورة من أنشأه.
فإنه على الصورة، فإنه حينئذ رزقه الله علم الفرقان، ويقف بذاته على القرآن هذا هو استظهار القرآن، وهذا لباس التقوى لباسا يوارى سوءاتكم، وهذا أدب يلبسكم لباس الأدباء .

قال تعالى: " ذلك خيْـرٌ ذلك مِنْ آياتِ اللّهِ لعلّهُمْ يذّكّرون" [ الأعراف: 27] فالمتقي يتولى الله تعليمه، فلا تدخل في علمه شبهة و لا مراءا، و كمال هذا لمن أخا بين الإيمان والعيان، ويعمل بمقتضى الإيمان مع العيان، كما قيل في بيان العارف و تعريفه: إن لا يطغى نور معرفته نور درعه .
ورد في الخبر ما أشار به إلى هذا المقام صلى الله عليه و سلم : "إنما الإيمان بمنزلة القميص يقمصه الرجل مرة و ينزعه مرة أخرى". رواه الحكيم و ابن مردويه عن عتبة بن خالد بن معدان عن أبيه عن جده رضي الله عنه، فإنه يتقمّص به حين يتعمّل بالإيمان و ينزعه حين الكشف، و ما يجمعهما إلا الأقوياء، فافهم .

قال الشيخ رضي الله عنه: أنا الذي و آخيت بين الإيمان و العيان، و كمال هذا المقام ختم بالختمين .
أما ترى أنه صلى الله عليه و سلم وآله و سلم كان يحكمهم بالشاهدين، وهو عالم بحقيقة الأمر، وأشار إلى هذا بطرف خفي في قوله في حكاية مشهورة وهو : "لولا الإيمان لكان لي ولها أمر"   رواه الطبراني عن ابن عباس .
و ورد في الحديث : " لو رجمت أحدا بغير بينة لرجمت هذه". رواه البخاري و مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما ذكره في جمع الجوامع .
قال تعالى: "رّبكُمُ الّذِي خلقكُمْ مِنْ نفْسٍ واحِدةٍ" [ النساء: 1] وهى نفس آدم أبو البشر عليه السلام، يخاطب الحق ما تفزع منه .
قال تعالى: "وما أمْرنا إلّا واحِدةٌ" [ القمر: 50] وهى أمره .
و قال صلى الله عليه و سلم : "إنّ ربكم واحد كما إنّ أباكم واحد".
لما كان حواء عين آدم لأنه عين ضلعه، فما كان إلا أب واحد في صورتين مختلفتين كما هو التجلي في تكرار العدد، فعين حواء عين آدم انفصال اليمين عن الشمال و هو عين زيد .

و قال الله تعالى: "و رفع أبوْيهِ على العرْشِ" [ يوسف: 100] . سمّاها أبي و ليس أبوك إلا من أنت عنه .
و قال رضي الله عنه في الباب العاشر من "الفتوحات" في آدم، ثم فصل عنه أبا ثانيا، فافهم .
قال تعالى: "وخلق مِنْها  زوْجها" [ النساء: 1] وهى حواء .
قال تعالى: "و مِنْ آياتهِ أنْ خلق لكُمْ مِنْ أنْـفُسِكُمْ أز واجاً لتسْكُنوا إليْها" [ الروم: 21] .
و ما أنشأ الله تعالى من كل شيء زوجين إلا ليعرف الله العالم بفضل نشأة الإنسان الكامل ليعلم أن فضله ليس بالجعل الكامل ليعلم أن فضله ليس بالجعل .
فإن الذي هو الإنسان الكامل ظهر به ازدواج من لا يقبل لذاته الازدواج ما هو بالجعل، فضمن الوجود الإنسان الكامل الظاهر بالصورة، فصار الصورة بالصورة روحين فخلق آدم علي صورته فظهر في الوجود صورتان متماثلتان كصورة الناظر في المرآة ما هي عينه و لا هي غيره و لكن حقيقة الجسم الصقيل أعطى ذلك، فافهم .
فإنه لب المعارف، فلمّا أراد سبحانه إيجاد التناسل و التوالد و النكاح الصوري في دار الدنيا للاستئناس فاستخرج من ضلع آدم عليه السلام من أقصره حواء عليهما السلام، فقصرت بذلك عن درجة الرجل، و للرجال .
قال تعالى: "و للرجالِ عليْهِنّ درجةٌ" [ البقرة: 228] و هي درجة التقدم و الكلية في رتبة الوجود، فما تلحق بهم أبدا .
قال تعالي عزّ و جل: " الرجالُ قوّامُون على النِّساءِ" [ النساء: 35] قيام الكل علي الجزء، وللقيوم درجة   التقدم و الشرف .
أمّا السرّ الذي خلق منها زوجها إلا من خارج، حتى لا يخرج الأمر منه أصلا، و يكون الأمر منه إليه كالأصل و غيره منه عليه حتى لا يستأنس بالغير، و هكذا الأمر في الأصل أنه ما أظهر عينا للغير حتى لا يكون للغير عين، فافهم .
هذا سرّ الحديث المشهور في الغيرة الإلهية أنه قال صلى الله عليه و سلم : "إنّ سعدا لغيور و أنا أغير منه و الله أغير مني"  فالغيرة صفته كما قال، فافهم .
قال تعالى: "وبثّ مِنْـهُما رجالًا كثيرًاً و نساءً" [ النساء: 1] فلمّا كان آدم نفسا واحدة و حواء خلقت منها فبثّ منهما، و أوجد، و نشر بنكاح صوري رجالا كثيرا و نساء  .
قال تعالى: "فلا تعْلمُ نفْسٌ ما أخْفِي لهُمْ مِنْ قُـرِّة أعْينٍ" [ السجدة: 17] .

إنما أخّر النساء لتأخرها في الخلق و في الرتبة، يقال: نسأت الشيء إذا أخرته، ذكره في الصحاح و ذلك لأنها في مرتبة الانفعال، و لها التأخّر عن رتبة الفاعل.
وهكذا الأمر في العالم و إيجاده خلق في نفس واحدة، وهي نفس القلم الأعلى والروح الأعظم الأسنى وهو أول خلق إبداعي نفس النفس الكل وهي أول خلق انبعاثي كانبعاث حواء من آدم عليهما السلام في عالم الأجرام ليكون محلا للولادة المعنوية المحسوسة المشهودة لأهلها.
وكانت مما ألقي إليها من الإلقاء الأقدس الروحاني الطبيعة و الهباء جميعا، فكانت أول أم ولدت توأمين، كما كانت حواء عليها السلام.
فأول ما ألقت هو الطبيعة أخ وأخت لأب واحد وأم واحدة، فأنكح الطبيعة الهباء، كما كانت في أولاد آدم وحواء فولدت بينهما صورة الجسم الكل، وهو أول جسم ظهر في الوجود فكان أبوه الطبيعة و الهباء أمه.

وهي الهباء جوهرة مثبتة في جميع الصورة أثاثها، و ما من صورة إلا هي فيها، و إنما قلنا الذكور و الإناث، و أردنا الصورة الفاعلة و المنفعلة لأن الأمر لا يخلو من هاتين القوتين .
فأول الآباء العلوية معلوم: أي القلم الأعلى .
وأول الأمهات السفلية شبيه المعدوم الممكن، فهذا أب ساري الأبوة، و هذه أم سارية الأمومة.
والنكاح و الازدواج سار في كل  شيء والأولاد والنتيجة دائمة أبدا دنيا و آخرة .
فالمولدات أمور مختلفة لا تنحصر أشخاصها الطبيعة و العنصرية أبدا لأن الله تعالى قد وصفها على أمزجة مختلفة لمعان مقصودة لا تحصل إلا بها، و إنا و إن كنا عن أصل واحد، و لكن جعلنا مختلفين لحكمة لا تخفى على الواقفين .
قال تعالى: "ولا يزالون مُخْتلِفِين" [ هود: 118] و لذلك خلقهم، فمنا الطيب و الخبيث الواسع و الضيق، نظم حضرة الشيخ رضي الله عنه شعر :
فالأصل فرد و الفروع كثيرة ......   فالحقّ أصل و الكيان فروع    .  فافهم .
و هكذا في المعاني في إنتاج العلوم إنما هو بمقدمتين موضوع التالي عين محمول المقدم، فإذا وقع بينهما نكاح معنوي وهو نسبة مخصوصة تعطي صحة النتيجة و حرية الأولاد كتكرار حد الوسط و غيره من شروط الصحة .
لقوله تعالى: "وتلك الْأمثالُ نضْربها للنّاسِ لعلّهُمْ يتفكّرُون" [ الحشر: 21] بل العالم كله بما فيه ضرب للأمثال للذين آمنوا ليعلموا منه أنه هو فجعله عليه، و أمرنا بالنظر فيه كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم، فإن قيل ما من شي ء في الوجود إلا و له استناد إلى الإلهيات، فإن العالم ظل و قوله تعالى: " ألمْ تر إلى ربِّك  كيف مدّ الظِّلّ" [ الفرقان: 45] .
كما ورد في الخبر : "السلطان ظل الله في أرضه" .

و قال في هذا المعنى رضي الله عنه في الباب الرابع و الستين و ثلاثمائة في معرفة منزل السرّين: لم سمّي هذا المنزل منزل السرّين؟
و هو سرّ عجيب أن الشيء الواحد تثنية نفسه لا غيره في المحسوس و المعقول، فأمّا في المعقول فآدم ثناه ما فتح من ضلعه القصير من صورة حواء، فكان واحد في عينه فثناه نفسه و صار زوجا، و ليست سوى نفسه التي بها قيل فيه:  إنه واحد .

و أمّا في المعقول فالألوهية ليست غير ذاته، و معقول الألوهية خلاف معقول كونه ذاتا، فثنت الألوهية ذات الحق تعالى و ليست سوى عينها فكانت في الحس من آدم و من ثناه من ذاته رجالا و نساءا على صورة الزوجين .
كذلك بثّ من ذات الحق و كونه إلها للعالم على صورة هذين المعقولين صور كثيرة، أسماء مؤثرة و أسماء متأثرة ذكورا و إناثا.
فالعالم لتوالد أجزائه على صور مؤثر و مؤثر فيه فاعل و منفعل، كما جرى في المحسوس فإن الله تعالى ما خلق من آدم و حواء عليهما السلام أرضا و سماءا، بل ما خلق منهما الأمثال في الصورة و الحكم لأن الأصل واحد و ما ثناه سوى نفسه و لا ظهرت كثرة إلا من عينه الواحدة.
فكان له كل شيء من العالم يدل على أنه واحد فإن الوجود بثّ منه صورا كثيرة، و هي نسب أحكام الأعيان و استعدادات الممكنات في عين الوجود الواحد.
والنسب هي صورة الحقائق الأسمائية الفاعلية التي كثرت من نكاحاتها المعنوية في الحقائق الكونية، و كثرت منها صور النسب الواقعة بلفظ النسب بفتحتين، و هو مشتق من النسبة، فافهم .
و بثّ نسبا مؤثرة و متأثرة ذكورا و إناثا، و هذه هي النسبة الإلهية التي يرفعها يوم القيامة كما ورد في الخبر الصحيح : "اليوم أضع نسبهم وأرفع نسبي" 
و أمّا الإنسان الكامل من حيث طبيعته الحاضرة للمواليد كلها هو بمنزلة الأنثى لزوج معروف غير منكور.
و له ثلاث حالات معه قبول الولد و المخاض و الولادة.
فيعرف في كل نفس ما يلقي إليه فيه ربه و ما يخرج منه إلى ربه و ما فيه مما ألقي فيه من ربه، فإنه مأمور بمراقبة أحواله مع الله تعالى في هذه الثلاث المراتب، فالمحقق العارف يعرف زوجه و يعرف أنه بنكاح لا بسفاح بوليّ و شاهدين مع تلاوة:
"و لمْ يكُنْ لهُ كُفُوًاً أحدٌ" [ الإخلاص: 4] غيره فيعرف ما يلد و من يقتل ولده إذا ولد و من يربيه .
فلهذا السرّ : أي لأجل أنه أنثى لا يكون الكامل الفرد تحت الكامل لأن الفوقية للرجولية، و ليس فيهم رجل .

قال رضي الله عنه من هذا الذوق في بعض أشعاره يناجي فيها ربه :
إنا إناث لما فينا نولده فلنح  ..... مد الله ما في الكون من رجل
فنسمّى هذه الطائفة بالأفراد فافهم .
فإن المعارف الإلهية على هذا النمط و الأسلوب لا نجدها في غير كتب الشيخ رضي الله عنه

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثالثة والثلاثين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:13 pm

الفقرة الثالثة والثلاثين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثالثة والثلاثين : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
(وهو)، أي ما ذكرناه (قوله تعالى) في القرآن العظيم (" يا أيها الناس") الخطاب للمؤمن والكافر والمنافق ("اتقوا ربكم") بالإحسان والإيمان والإخلاص ("الذي خلقكم") قدركم ثم أوجدكم طبق ما  قدر?م ("من في واحدة ") وهي آدم عليه السلام ("وخلق منها ")، أي من تلك النفس الواحدة (" زوجها") وهي حواء ("وبث ")، أي أخرج ("منهما")، أي من تلك النفس الواحدة وزوجها ("رجالا ونساء") بطریق تولد البعض من البعض .
فقوله :("اتقوا ربكم") 1 سورة النساء. معناه بحسب ما ذكر من حكمة نشأة جسد آدم عليه السلام ونشأة روحه المعبر عنهما باليدين و بالصورتين.
(اجعلوا ما ظهر منكم) لكم وهو الجسد والنفس وهو اليد الشمال وهو صورة العالم التي خلق ظاهركم عليها (وقاية لربكم)، فانسبوا إليكم جميع ما ظهر منكم من خواطر الضلال وأقوال الخطباء وأعمال الشر والسوء.
وإن كان ذلك كله مخلوقة لله تعالى ولا تأثير لكم (واجعلوا ما بطن منكم) عنكم وهو العقل والروح في عالم الخلق.
(وهو ربكم) في عالم الأمر وهو يد اليمين وهو صورة الحق تعالى التي خلق باطنكم عليها كما مر بیانه.
(وقاية لكم) فانسبوا إليه تعالى جميع ما ظهر فيكم من الحقائق والمعارف والعلوم اللدنية، فإنها لا تصدر إلا عن الحق تعالى لا عنكم.
وكذلك جميع أعمال الخير والهدى وإن كان ذلك بكسبكم وواسطة توجه قدرتكم وإرادتكم من غير تأثير من?م.
(فإن الأمر) الظاهر منكم عملا واعتقادا له (ذم) شرعة (وحمد) كذلك.
(فكونوا وقايته) تعالى (في) نسبته (الذم) من الأقوال والأعمال والاعتقادات إليكم لا إلى ربكم.
(واجعلوه) سبحانه وتعالى (وقايتكم في) نسبة (الحمد) من نسبة جميع ذلك إليه تعالى لا إليكم (تكونوا) حينئذ (أدباء) مع الله تعالى (عالمين) به تعالى وبما يليق بجلاله وعظمته كما علم الله تعالى نبيه عليه السلام ذلك.
بقوله : "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك" 79 سورة النساء.
وقال له قبل ذلك بقوله :" وقل كل من عند الله" 78 سورة النساء.
وقال إبراهيم عليه السلام: "الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) " سورة الشعراء.
فنسب المرض إلى نفسه، ولم يقل : وإذا أمرضني، وكذلك الخطيئة نسبها إلى نفسه.
ومثله الخضر عليه السلام لما كان خرق السفينة شرا في الظاهر نسب إلى نفسه حيث قال: فأردت أن عيبها، وبناء الجدار لما كان خير نسبه إلى الله تعالى وبرأ نفسه حيث قال: فأراد ربك، وأما الغلام فلما كان في الحال غير كافر وفي المال ?افرا لم يكن قتله خيرا محضا ولا شرا .
فقال : فخشينا ، وأبهم الأمر بينه وبين ربه .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
(وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
(وهو) أي قولنا معنى (قوله تعالى :" يا أيها الناس") أي النوع الإنساني"اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة" وهي الخليفة المسمى بالإنسان الكامل والعقل الأول .
( وخلق منها زوجها ) النفس الكلية (" وبث منهما رجالا كثيرا ") عقولا ("ونساء") نفوسا .
(فقوله " واتقوا ربكم" ) معناه (اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم) أي انسبوا ما فعلتم من النقائص والشرور إلي أنفسكم و نزهوا ربكم عنها.
(واجعلوا ما بطن منكم وهو ربكم وقاية لكم) أي انسبوا الكمالات إلى ربكم لا إلى أنفسكم .
(فإن الأمر ذم وحمد فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين) .فقد ظهر أن المراد بتفسير الآية الأدب السالكين.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء». فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
وهو قوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء" (النساء: 1).
فقوله تعالى: "اتقوا ربكم" أي اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم وقاية لكم، فإن الأمر ذم وحمد فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين."
قلت: يعني اتقوا سوء الأدب مع ربكم بأن تعتمدوا معه الأدب الذي يليق بكم معه .
والمراد: ان كل واحد من ولد آدم له أيضا جمعيته في ذاته للأسماء الإلهية باطنة وله جسم ظاهر ولا بد لكل أحد أن يمدح أو يذم في وقت ما فيجب عليه بأن يعطي المدح منه لما فيه من الأسماء الإلهية فإن المدح يصلح لها وأما ظاهره وهو جانب الكون منه.
فلو أعطى المدح بظاهره مع كون المدح لجانب الحق لزمه أن يكون شريكا للحق تعالى في صفاته، فلما صرف هو المدح لمستحقه وقاه الحق تعالی عن نقيضه أن يظهر بصفة مشاركة ربه، عز وجل.
الذي من ادعاها فهو ظالم، لوضعه الشيء في غير موضعه، فإن الظلم في لغة العرب هو وضع الشيء في غير موضعه، فيستحق اللعنة بقوله تعالى: "ألا لعنة الله على الظالمين" (هود: 18).
فنعود ونقول وأن يعطى الذم لظاهره وقد كان الذي ذمه أو شتمه إنما يذم أو يشتم جملته، فيجب عليه أن يخصص الذم بظاهره دون باطنه.
فيكون وقاية لربه تعالى ولأسماء ربه، تعالی عن أن يصل إليها ذلك الذم، وإذا فعل هذا كان أديبا عالما.
أما أنه أديب: فظاهر، وأما أنه عالم: فلأنه علم مواضع الصفتين، فوضع كل صفة في موضعها وكان عالما بالأدب أيضا.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
(وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
قال تعالى : " يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ من نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً ".
فأظهر الله من هذين الأبوين صور كليات صور أحديات جمعيات جميع الحقائق الجمعية المظهرية الإنسانية .
فكانت حوّاء تنتج للأب ولدين في كل بطن بمقتضى الأصل الذي كان في بطنه صور الحقائق الفعلية والانفعالية معا وهو حقيقة الحقائق والتعيّن الأوّل ، فافهم إن شاء الله تعالى .
ثم قال رضي الله عنه : " فقوله : " اتَّقُوا رَبَّكُمُ " اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربّكم ، واجعلوا ما بطن منكم وهو ربّكم وقاية لكم فإنّ الأمر ذمّ وحمد ، فكونوا وقايته في الذمّ ، واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين " .
قال العبد :
لمّا كان ظاهرية آدم من مجموع العالم الكياني ، والعالم من حجابيته مجمع النقائص والمذامّ الخصيصة بالمقام الإمكاني ، فالأفعال والأخلاق والأحكام الصادرة عن الإنسان ، إن كانت قبيحة يستحقّ عليها المذمّة إمّا عرفا أو عقلا أو شرعا .
فالأحرى والأليق أن ينسبها إلى نفسه أدبار وتحقيقا ، ناظرا في ذلك نظرا دقيقا فإنّ الصادر من الحق خير محض ، وهو الواحد لا غير فإنّه بالنسبة إلى من وجد به خير محض ، والنقائص والقبائح راجعة إلى الكيان من حضرة الإمكان .
والعدم الذي يلي أحد جانبي الإمكان بالنسبة إليه أولى ، وما كان فيها من الكمال والفضائل والمحاسن والمحامد أضاف إلى الحق لأنّها في الحقيقة راجعة إلى الوجود الحق .
وحينئذ يكون العبد قد جعل نفسه وقاية للحق في إضافته المذامّ إلى نفسه كما قال : " ما أَصابَكَ من حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَما أَصابَكَ من سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ " .
والحقّ أنّ الحقّ وقاية لنفسه في إضافة المحامد إليه ونفي المذامّ عنه من وجهين وباعتبارين جمعا وفرادى ، وإليه يرجع عواقب الثناء ، وهذا مقتضى التحقيق الأتمّ ، والكشف الأعمّ ، والأدب الكامل الأهمّ ، ولمثل ذلك فليعمل العاملون .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
فإن الخطاب للأفراد المخلوقة من النفس الواحدة ( وخلق منها زوجها ) أي خلق من الروح الكلى التي هي النفس الواحدة زوجها .
وهي النفس الكلية والرجال والنساء المبثوثة منها قوله تعالى " وبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً ونِساءً ".
هي أشخاص النوع قوله في تفسير قوله تعالى (فقوله : " اتَّقُوا رَبَّكُمُ ".
اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم واجعلوا ما بطن منكم وهو ربكم وقاية لكم ، فإن الأمر ذم وحمد فكونوا وقايته في الذم ، واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين )معناه اتخذوا وقاية لأنفسكم تتقون بها من يربكم .
ولما كان الرب هو الظاهر والباطن كانت ربوبيته لظواهركم من اسمه الظاهر بإمداد الحفظ والرزق وجميع ما يتعلق بالرحمة الرحمانية من الأسماء وربوبيته لبواطنكم من اسمه الباطن بإمداد العلم والحكمة وجميع ما يتعلق بالرحمة الرحيمية من الأسماء ، فعليكم بالاستمداد بالربوبية وتهيؤ الاستعداد القابلة من الوجهين .
وذلك بالتأدب بين يديه بآداب الحضرة فاتخذوا وقاية لأنفسكم مما ظهر منكم تتقون بها ربكم الظاهر أن يمنع ألطافه الظاهرة من الرزق والحفظ وأمثالهما .
وينتقم منكم في سوء أدبكم بنسبة الشرور والمعاصي إليه فتحرموا مدد الحفظ والرزق .
وفي الجملة ألطاف الربوبية الظاهرة لفساد المربوبية بظهور صفات النفس ونسبة الشرور إليه ، واتخذوا وقاية لأنفسكم مما بطن منكم تتقون بها ربكم الباطن أن يمنع ألطافه الباطنة من الرحمة الرحيمية بسوء أدبكم بنسبة الكمالات المعنوية والمعارف والحكم إلى أنفسكم فتحجبوا بصفاتكم وظهورها عن قبول أنوار صفاته .
وتحرموا إمداد الفيض العلوي والألطاف الباطنة لفساد استعداد المربوبية بحسب الباطن .
فظهر أن لفظ الاتقاء يساعده ما فسره الشيخ رضى الله عنه به من المعنى لاشتقاقه من الوقاية ، يقال اتقاه فاتقى أي اتخذ الوقاية يتقى بها بمعنى حذره .
فحذر إذ الحذر هو اتخاذ الوقاية ، قال تعالى " خُذُوا حِذْرَكُمْ " .
كأن الحذر آلة تتقى بها كالترس ونحوه مما يتقى به .
والوقاية مصدر سمى به ما يتقى به.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
(وهو قوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء".)
الضمير عائد إلى المعنى الذي ذكره من قوله: "فآدم هو النفس الواحدة" إلى آخره. 
أي، هذا المعنى المذكور هو معنى قوله تعالى: (يا أيها الناس...) - الآية. ومعناها بالنسبة إلى عالم الجبروت:
(اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة). أي، من عين واحدة، هو العقل الأول.
(وخلق منها زوجها) التي هي النفس الكلية.
(وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) أي عقولا ونفوسا مجردة.
وبالنسبة إلى عالم الملكوت: خلقكم من ذات واحدة، هي النفس الكلية، وخلق منها زوجها، أي الطبيعة الكلية، وبث منهما رجالا كثيرا، وهي النفوس الناطقة المجردة، ونساء، وهي النفوس المنطبعة، وباقي القوى. وبالنسبة إلى عالم الملك فظاهر.
(فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، و اجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم،
وقاية لكم: فإن الأمر ذم و حمد: فكونوا وقايته في الذم و اجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين).
لما استشهد بالآية، ذكر مطلعها وعلم السالك التأدب بين يدي الله تعالى لتزداد نوريته ولا يقع في مهالك الإباحة.
فإن توحيد الأفعال يقتضى إسناد الخير والشر إلى الله تعالى. فالسالك إذا أسندهما إليه قبل زكاء النفس وطهارتها، يقع في الإباحة.
وبعد طهارتها، يكون مسيئا للأدب بإسناد القبائح إليه. ولكون (الاتقاء) مأخوذا من (وقى، يقي) كما يقال: وقيته وقاء فاتقى. أي، إتخذ الوقاية.
فسر (اتقوا) بقوله: (إجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم) أي، آلة الوقاية.
كما قال تعالى: "خذوا حذركم". أي آلة الحذر،كالترس وغيره من السلاح.
فالمراد بـ (ما ظهر) هو الجسد مع النفس المنطبعة فيه. أي، انسبوا النقائص إلى أنفسكم لتكونوا وقايته في الذم.
واجعلوا ما بطن منكم، وهو الروح الذي يربكم وقاية لكم في الحمد.
أي، انسبوا الكمالات إلى ربكم، كما قال عن لسان الملائكة: "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا".
 وعند نسبة الكمالات إلى الله تعالى يكون لكم الخلاص من ظهور إنياتكم وأنفسكم، ولا يكون للشيطان عليكم سلطان.
وإنما جعل الظاهر وقاية للباطن في الذم، والباطن وقاية للظاهر في الحمد، وأثبت الربوبية للباطن: فإن الظاهر من حيث النفس المنطبعة منبع النقائص ومحل التصرفات الشيطانية، وهو عبد مربوب أبدا.
والباطن منبع الأنوار ومرأة التجليات الرحمانية، فله ربوبية من حيث اتصافه بالكمالات وإن كان له عبودية من حيث إنه يستفيض من الرب المطلق دائما.
فلا يقال، إنه جعل الرب آلة الاتقاء، لأن المتقى اسم مفعول. لأن الباطن الذي جعله آلة الاتقاء هو عبد من وجه. وأيضا، جعل الباطن تارة آلة الاتقاء والظاهر متقى، وأخرى الظاهر آلة الاتقاء والباطن متقى. والظاهر والباطن كلاهما حق، فهو المتقى والمتقى به،كما قال، عليه السلام: "أعوذ بك منك."

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
وهذا (وهو معنى قوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا ونساء [النساء: 1])، من حيث إن نفسه كانت مشتملة على صورتين صورة الحق وهي الفاعلة، وصورة الخلق وهي القابلة، والزوج هي الصورة القابلة الكلية، "وبث منهما" من حيث اشتمال صورته على الأسماء الكثيرة الإلهية والحقائق الكثيرة الكونية، "رجالأ كثيرا ونساء"، فالرجال مظاهر الأسماء الإلهية من حيث الفاعلية، والنساء مظاهر الحقائق الكونية من حيث القابلية.
وإن كان كل منهما مظاهر الأسماء الإلهية والحقائق الكونية جميعا من جهات أخر والتقوى من الوقاية، وهي لإطلاقها وقاية من الظاهر الذي هو مجموع الصورتين من حيث أن الصورة في المرآة لا بد وأن تكون ظاهرة.
وإن كانت الأمر باطن ظهر في مرآة معنوية، وإن كان في تلك الصورة أيضا خفاء كالأرواح للباطن المطلق الذي هو الحق ووقاية من الباطن المذكور للظاهر الذي هو مجموع الصورتين، وهو الإنسان، وللظاهر الذي هو العالم.
(فقوله: "اتقوا ربكم" اجعلوا ما ظهر من?م) من مجموع الصورتين أو من سورة العالم (وقاية لربكم) بنسبة النقائض إلى ذلك الظاهر، (واجعلوا ما بطن من?م) أي: ما ترجع إليه صورتكم الباطنة، (وهو ربكم) الذي فاض منه الصورة الروحانية عليكم وعلى العالم (وقاية لكم) بنسبة الكمالات إلى ذلك الباطن المطلق الذي ترجع إليه صورتكم الباطنة.
ثم علل ذلك بقوله: (فإن الأمر) أي: الأمر ما ينسب إليكم من النقائض والكمالات، (ذم وحمد فكونوا وقايته في الذم)، فانسبوه إلى أنفسكم لا إليه، (واجعلوا وقايتكم في الحمد)، فانسبوه إليه لا إلى أنفسكم.
(تكونوا أدباء) أي: مراعين للأدب بنسبة الكمال إلى الرب، والنقص إلى أنفسكم (عالمين) بحقائق الأشياء، فإن الحقيقة الإلهية تقتضي الكمالات، والحقيقة الكونية تقتضي النقائص.
ولذلك ورد: "من وجد خيرا؛ فليحمد الله، ومن وجد الآخر، فلا يلومن إلا نفسه".
ولا شك أن نسبة خلق الخنزير والقاذورات إلى الله تعالی سوء أدب؛ فكيف لا يسوء في نسبة قبائح أفعال الإنسان إليه؟
وإن كان الكل مخلوقا له تعالى، لكنه إنما خلقه بحسب اقتضاء أعيان الحوادث ذلك،

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء». فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم،
وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
قال رضي الله عنه : ( و ) ذلك ( هو ) مؤدّى ( قوله : " يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ من نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً ").
هذا هو المناسب لما مهّد في تحقيق معنى آدم ولا يخفى على من له أدنى وقوف عليه أنّه لا يمكن أن يحمل آدم هاهنا على الروح الكلي والعقل الأوّل ، كيف وقد بيّن إحاطته بسائر المراتب والنشآت ، واشتماله على تمام اليدين و ظهوره بالصورة الجسديّة نعم ، يمكن أن يكون ذلك وجها من وجوه تأويلات الآية.
ولو أفيض فيها أمكن استخراج وجوه أعلى من ذلك :
منها أن يجعل « النفس الواحدة » إشارة إلى الحقيقة المحمّديّة التي هي مبدأ الكلّ ، وزوجها الذي خلق منها خاتم الولاية ، المنبثّ منهما أعيان الصور والمعاني ، وممّا يؤيّد هذا الوجه ذكر خلق الزوج منها بعد خلق الأعيان والأشخاص .
ومنها أن يجعل النفس الواحدة إشارة إلى المبدء الفاعل ، وزوجها هو القابل المنبثّ منهما سائر الحقائق من مواليد العالم .
ومنها أن يجعلها إشارة إلى الطبيعة الكلَّية التي هي هيولى العالم عند المحقّقين والزوج هي الصورة المشخّصة المنبثّ منهما سائر الجواهر والأعراض .
إلى غير ذلك من الوجوه ، كالجنس والفصل بالنسبة إلى الأنواع ، والماهيّة والتشخّص بالقياس إلى الأشخاص ، والجوهر والعرض بالقياس إلى الأعيان .
وقد لوّح في المقدّمة على وجوه عالية من التلويحات التي لآدم ، ولهذا الموضع دقيقة منها لا بدّ من التلويح عليه ، وهو أنّ آدم باشتماله على العقد الكامل قد انطوى على المرتبة الجامعة لسائر مراتب الكثرة .
ولذلك ترى النفس والواحد الكاشفين عنه قد ظهر فيها ذلك العقد ولذلك فيما خلق منها يعني النوع الإنساني فإنّه مشتمل على تلك المرتبة بعينها من وجه وعلى ضعفها من حيث الزوجيّة ، فإنّ زوج الشيء صورة ضعفيّته . تأمّل .
ثمّ إذ قد أفاد هذا البيان من الإجمال ما لا يخفى على الفطن "في بيان الأدب مع الله"، حان أن يشرع في تفصيله ، فقال مستنبطا من نفس تلك الآية ( فقوله : " اتَّقُوا رَبَّكُمُ " أي اجعلوا ما ظهر منكم ) .
وهو النسب العدميّة الإمكانيّة كالافتقار والاحتياج وأمثاله ( وقاية لربكم ) عن أن يصيبه شيء من تلك النسب والإضافات ( واجعلوا ما بطن منكم وهو ربّكم ) .
يعني الوجود الحقيقي وما يستتبعه من الأوصاف الوجوديّة ( وقاية لكم ) عن أن ينسب إليكم (فإنّ الأمر ذمّ وحمد ) لأنّ ما نسب إلى الشيء فعلا كان أو صفة لا يخلو من أن يكون مبدأ تلك النسبة هو الإمكان أو الوجوب والأوّل يسمّى الذم ، والثاني الحمد .
( فكونوا وقايته في الذم ، واجعلوه وقايتكم في الحمد ، تكونوا أدباء ) في وقايتكم له في الذم ، (عالمين) في وقايته لكم في الحمد .
ثمّ بعد تبيين ما اشتمل عليه آدم من أجزائه الوجوديّة وتفصيل ما تضمّنته نشأة ظهوره "باليدين " لا بدّ من الإبانة عن مراتبه الشهوديّة وتحقيق مراقي كمالاته الشعوريّة تكميلا لما هو بصدده .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
"و هو قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَ نِساءً».
ما يدل عليه قوله تعالى : ("يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة" )، أي ذات واحدة يعني آدم ("وخلق منها")، أي من ضلعها الأيسر ("زوجها ")، يعني حواء ("وبث منهما")، من أدم وزوجه بالتوالد والتناسل ("رجالا كثيرا ونساء" ) .
ثم نبه رضي الله عنه على بعض معاني الآية بما لم يتنبه له أهل الظاهر
"فقوله اتَّقُوا رَبَّكُمُ اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، و اجعلوا ما بطن منكم، و هو ربكم،
وقاية لكم: فإن الأمر ذمٌ و حمدٌ: فكونوا وقايته في الذم و اجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين."
فقال : (فقوله : " اتقوا")، أمر من الاتقاء بمعنی جعل الشيء وقاية لشيء.
و الشيئان ههنا المخاطبون والرب تعالى .
فإن جعلت الشيء الأول المخاطبين
و الشيء الثانيالرب  لاحظت إضافة الوقاية إليه .
كان المعنى: اجعلوا أنفسكم وقاية رب?م.
وإن جعلت الشيء الأول الرب والشيء الثاني المخاطبين.
كان المعنى : اجعلوا رب?م وقاية أنفسكم.
فلما كانت الآية تحتمل المعنيين جمعهما الشيخ رضي الله عنه .
كما هو رأيهم في الآيات القرآنية في الجمع بين جميع المعاني المحتملة التي لا يمنع من إرادتها الشرع والعقل.
فعلى هذا يكون معنى قوله :" اتقوا (ربكم) الذي خلقكم" آية 1 سورة النساء.
أي أوجدكم باختفائه بصوركم فأنتم ظاهره وهو باطنكم .
(اجعلوا ما ظهر منكم)، وهو أحدية جمع روحكم وبدنكم (وقاية رب?م)، أي ألة ووقاية .
كما في قوله تعالى : "خذوا حذركم "آية 71 سورة النساء . أي آلة حذركم.
(واجعلوا ما بطن منكم وهو ربكم وقابة لكم فإن الأمر) المنسوب إلى ربكم بوجه وإليكم بوجه من الصفات والأفعال.
إما (ذم) يذم به لم ينسب إليه (و) إما (حمد) يحمد به .
بتصف به وكل واحد منهما كما يقتضيه توحيد الصفات والأفعال مسند إلى الله تعالى.
لكن إسناد المذام إليه قبل زكاء النفس وطهارتها وقوع في الإباحة وبعدهما إساءة للأدب (فكونوا وقايته) عن نسبة النقص إليه (في الذم) بأن تنسبوه لكم لا إليه (واجعلوه وقايتكم) عن ظهور أنياتكم.
(في الحمد) بأن تنسبوه إليه لا إليكم (تكونوا أدباء) حين تنسبون المذام إلى أنفسكم لا إليه (عالمين) بحقيقة الأمر على ما هو عليه حين تنسبون المحامد إليه تعالی.
فإن الأمور كلها مستندة إليه تعالى بالحقيقة، وتحذرون مما يلحقكم بإسنادها إلى أنفسكم من ظهور أنيات?م.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: السفر الأول الفقرة الثالثة والثلاثون الجزء الثاني فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:14 pm

السفر الأول الفقرة الثالثة والثلاثون الجزء الثاني فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثالثة والثلاثون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ وهو قوله تعالى: يا أيها النّاسُ اتّـقُوا رّبكُمُ الّذِي خلقكُمْ مِنْ نفْسٍ واحِدةٍ وخلق مِنْها زوْجها و ب ثّ مِنْـهُما رجالًا كثيرًاً ونساءً [ النساء: 1] . فقوله: اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم و اجعلوا ما بطن منكم و هو ربكم وقاية لكم فإن الأمر ذم و حمد فكونوا وقايته في الذم و اجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين . ]

قال الشارح رحمه الله :
فقوله تعالى(" اتّـقُوا رّبكُمُ") [ النساء: 1] والاتقاء بمعنى جعل الشيء وقاية يندرج بها عن إصابة أسهم الحوادث و المكاره و الأسوأ، فلمّا ذكر رضي الله عنه التقوى يريد بيان التقوى، فإنها أقسام: تقوى الله، و تقوى النار، و تقوى الحدود .
و أمّا التقوى الذين نحن بصدد بيانها هي: تقوى الله، فاعلم أنار الله تعالى بصائرنا و أصلح لنا سرائرنا و خلص من الشبه أدلتنا أنه لما امتنّ الله علينا بالاسم الرحمن، فأخرجنا من الشر الذي هو العدم إلى الخير الذي هو الوجود، فينبغي أن لا ننسى أصلنا حتى لا ننسى فضله .

ورد في الخبر "إنما يعرف الفضل لأهل الفضل أهل الفضل"  رواه أنس .
فمن جهل بنفسه و نسى أصله فهو بالغير أجهل، و هذا داء ينبغي له دواء قبل الداء، كما هو عادة الحكماء الإلهيين، فكان الله حفظ صحة آدم قبل قيام العلة به من ألطف الطب و يسمّى هذا الفعل عند الأطباء: الاستظهار، و أمر الله تعالى بالتقوى .
كما ذكرناه أنزل الدواء قبل الداء، فمن تحسّى منه برئ بإذن الله، فأراد رضي الله عنه أن يذكر جنس الدواء، و يحرر أوزانها و يقرر أوقاتها، كما دأب الحكيم العليم .

فقال رضي الله عنه: اجعلوا: أي بالإسناد إليكم ما ظهر منكم من الفواحش و المذام وقاية لربكم الذي هو باطنكم، كما فعل الأديب الإلهي إبراهيم عليه و على نبينا السلام حيث أسند المرض إلى نفسه .
و قال تعالى: "و إذا مرضْتُ فهُو يشْفِينِ" [ الشعراء: 80] .
فلما كان دواء هذا الداء العضال التقوى فأمره بالتقوى، و قال تعالى: "إنْ تتّـقُوا اللّه يجْعلْ لكُمْ فُـرْقاناً ويكفرْ عنْكُمْ سيِّئاتكُمْ ويغفِرْ لكُمْ واللّهُ ذو الفضْلِ العظِيمِ" [ الأنفال: 29]: أي لتفرقوا بين الحق و الباطل .
و قال الله تعالى: "واتّـقُوا اللّه ويعلِّمُكُمُ اللّهُ واللّهُ بكُل شيْءٍ عليمٌ" [ البقرة : 282]، جعل التقوى طريقتنا إلى حصول العلم النافع .
والتقوى أن يجعل الله وقاية له في الخير كله، فإن الحق تعالى عين الوجود، و الوجود فخير محض، و يجعل نفسه وقاية الله في الشر، فإنه عدم، والعدم شر كله .

( واجعلوا ما ظهر منكم و هو وقاية لربكم) فإن ظاهركم خلق و باطنهم حق فاسد، و الخير كله من المحامد إلى باطنكم، كما جعلتم ظاهركم وقاية باطنكم في إسناد الشر، فاجعلوا باطنكم وقاية ظاهركم في إسناد الخير .
لما ورد في الخبر الصحيح أنّ الله تعالى يحب أن يمدح و في  حديث طويل :
" وما من أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك وعد الجنة"  رواه الحاكم في المستدرك عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه .
فالحق المحامد إليه، كما تلحق المذام إلى نفسك، كما هو فعل الأدباء، و هو قوله تعالى: "و إذا مرضْتُ فهُو يشْفِينِ" [ الشعراء: 80] .
و إنما عرّفنا الله تعالى بأهل الأدب و حكى لنا حكايته عليه السلام حتى نتأدّب بآدابه تعليما لنا و تنبيها و تعظيما له و تنويها .
قال تعالى: "ثمّ أوحيْنا إليْك أنِ اتّبعْ مِلّة إبراهِيم حنيفاً " [ النحل: 123] فلهذا كان صلى الله عليه و سلم يقول في الأدعية المأثورة معلما لنا : "والخير كله بيديك و الشر ليس إليك"  فافهم .

فإن الأمر الصادر منكم إمّا ذم، فهو لكم وأنكم سواد الوجه في الدّارين كل يشاكله عمله.
وإمّا حمد، له الحمد في الآخرة والأولى.
وأخيرا علم الخلق به صلى الله عليه وسلم أن الحمد لله على كل حال ما قيده بشيء حتى الأمر في جميع الأحوال سواء كان بواسطة أو بغير واسطة.
وإن شئت قلت في الجمع أو الفرق، فإن له عواقب الثناء وذلك لأن الحمد هو الثناء.
والثناء على قسمين:
ثناء عليه بما هو له كالثناء بالتسبيح،
وثناء عليه بما يكون منه و هو الشكر على من أسبغ النعماء و إلا لا .
والعبد و ما في يده لمولاه فلا يملك شيئا حتى يكون الحمد بما هو له، و لا يخرج منه شيئا، فإن خروج الشيء عن الشيء فرع أن يكون له شيء، وقد قلنا أنه ليس له من الأمر شيء، فالحمد لله كله له، فافهم .
فكونوا وقايته في الذّم فتكونوا كالوقاية من أسنة المكاره وسنان اللسان، وأضيفوا كل مكروه إليكم فداءا له .

( و اجعلوا وقايتكم في الحمد ): أي ألحقوا الوجود و الخير كله إلى ربكم ليكون الخلاص لكم الخلاص من شرور الزهو و الظهور .
قال تعالى: "لنْ ينال اللّه لحُومُها ولا دِماؤُها ولكِنْ ينالهُ التّـقْوى مِنْكُمْ" [ الحج: 37] فالظاهر متقي و الباطن متقي فالكل متقي و هو الكل أنه .
قال تعالى: "أهْلُ التّـقْوى وأهْلُ المغْفِرِة" [ المدثر: 56] هذا حقيقة أعوذ بك منك، فافهم .
( يكونوا أدبا ): أي تكونوا جامعين الخير كله، و جماع الخير أن تقف مواقفك و لا تتعدّى طورك، و لا تجعل بنفسك لله اسما وصفة، ولا تسمّيه إلا بما سمّاه نفسه و لا تضيف إليه إلا بما أضاف الله إلى نفسه و يكون معه على توفيق التوفيق، فما أسند إلى نفسه تسند إليها، فتسند الخير إليه كما أسنده إلى نفسه .
قال تعالى: "ما أصابك مِنْ حسنةٍ فمِن اللّهِ" [ النساء: 79] . و قال تعالى في الشر: "وما أصابك مِنْ سيِّئةٍ فمِنْ نفْسِك" [ النساء: 79]
ثم قال: "قلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ" [ النساء: 78]: أي أن التعريف من عند الله، بأن هذا من عند الله و هذا شر من عنده تعالى .
ثم قال في حق من جهل هذه الأحكام و التعريف: "هؤلاءِ القوْم لا يكادُون يفقهُون حدِيثاً" [ النساء: 78].

أي ما حدّثتهم به فإني قلت : هذا من عند الله و هذا من النفس، فرفعت الإيهام واحتمال الإيهام، فلمّا قلت كل من عند الله، فعلم العالم بالله أني أريد الحكم، والإعلام بذلك أنه من عند الله لا عين الشر و السوء فإذا علمت هذا .
فاعلم أن الأديب ينقسم إلى أربعة أقسام في اصطلاح أهل الله رضي الله عنهم :
1 - أدب الشريعة و هو الأدب الإلهي الذي يتولى الله تعليمه بالوحي و الإلهام و التعريف، و به أدب نبيه صلى الله عليه و سلم، و به أدّبنا نبيه صلى الله عليه و سلم، و من هذا المقام قال صلى الله عليه و سلم : "إن الله أدبني فأحسن تأديبي"  فهو المؤدّب .
2 - و أدب الطريقة و الخدمة، فقد شرع ما كيفية المعاملة معه خاصة دون الخلق .
قال تعالى"وما آتاكُمُ الرّسُولُ فخُذُوهُ وما نهاكُمْ عنْهُ فانتهُوا واتّـقُوا اللّه إنّ اللّه شدِيدُ العِقابِ" [ الحشر: 7] .
وقال صلى الله عليه و سلم "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم".  رواه ابن مسعود رضي الله عنه .
وهذا من أحسن التأديب منه.
3 - و أدب الحق هو: الأدب مع الحق في اتباعه حيث وجد و ظهر، فلو ظهر عند الأصغر سنا و رتبة فيتبعه و لا يأنفه و يقبله و لا يرده و لا يكون ممن قال تعالى: "و إذا قيل لهُ اتّقِ اللّه أخذتهُ العِزُّة بالِإثمِ" [ البقرة:  . [206
وهذان القسمان لو كانا يدخلان في القسم الأول من وجه فإن أدب الشريعة كالأم و لو كان لهما بعض خصوصيات تختص بهما .
4 - أدب الحقيقة و هو: ترك الأدب بفنائك عن نفسك و ردّك الأمر كله إلى الله، و الذي نحن بصدد بيانه أدب النبوّات على ذوق حكم النصوص و حكمها .
وهو أن لا يتعدى علمك في الأشياء علمه تعالى فيها، و هو الموافقة و إن أعطاك علمك خلاف ذلك، لا سيما فيما أضافه الحق إلى نفسه و إلى خلقه فأضفها إلى من أضافها الله.
وأنزل علمك لعلمه، فإنه العليم و أنت العالم، فلا ترجّح على علمه من حيث قيام الدليل لك على أنه لا فاعل إلا الله تعالى و في أدب الحقيقة .
قال تعالى: " بلْ للّهِ الْأمْرُ جمِيعاً " [ الرعد: 31] .
و قال تعالى: "قلْ إنّ الْأمر كُلّهُ للّهِ" [ آل عمران: 154] .
و قال تعالى: "ليس لك مِن الْأمْرِ شيْءٌ" [ آل عمران: 128] .
و قال تعالى: "قلْ كُلٌّ  مِنْ عِنْدِ اللّهِ" [ النساء: 78] .
و قال له موسى عليه السلام: "إنْ هِي إلّا فتْنتك" [ الأعراف: 155] .
وكما ورد عن الصدّيق الأكبر رضي الله عنه أنه قال: "الطبيب أمرضني" أسند المرض إلى الحق بخلاف ما فعل الخليل عليه السلام : "فأردْتُ أنْ أعِيبها" [ الكهف: 7] .
قال تعالى:" فأراد ربُّك أنْ يبْـلغا أشُدّهُما" [ الكهف: 82] .
فالتارك للأدب أديب من حيث الكشف و الشهور يعاين جريان المقادير قبل وقوعها.
كما قال: ما رأيت شيئا إلا و رأيت الله قبله، فنزل من الحق إلى الخلق .
فاعلم أن لله تعالى تجليين:
تجلّ نفسك عنك و عن أحكامك، فما يرى صاحب هذا التجليّ سوى الحق.
و تجلّ بنفيك معك و مع أحكامك، و من أحكامك ملازمة الأدب في الأخذ و العطاء.
فمثل هذا التجليّ أسأل الله ما دمت في دار التكليف فإذا انتقلت إلى غير هذا الموطن، فكن بحسب الموطن تكن أديبا و بأحكام المواطن عليما.
فإذا قمت في كل موطن باستحقاقه تحمدك المواطن، و المواطن شهداء عدل عند الله فإنها لا تشهد إلا بالصدق، و قد نصحتك فاعمل تكن أديبا فإن لكل موطن أدبا مختصا به، فكل وقت له حال بنطقه، و كل حال له معنى يحققه، فلا تخلط و كن من فصل الخطاب، و الله هو الهادي الوهاب عالمين بحقائق الأمور كما هي هي و آدابها .

قوله رضي الله عنه: (عالمين ) حال أن (تكوّنوا أدبا)، حال كونكم عالمين بأن الأمر لله جميعا، فيدخلون في رحمته الواسعة التي قال فيها: "فسأكْتبها للّذِين يتّـقُون" [ الأعراف : 156].
ثم أنه تعالى: أي بعد ما خلق الله تعالى آدم الخليفة الذي جمع من حيث الطبيعة حقائق العالم بأسرها، و حصر قوابلها بأجمعها أعلاه.
و كان أسفله (أطلعه ): أي أعثر آدم الخليفة من حيث أنه خليفة لا من حيث أنه إنسان، و كان ذلك بعد الخلافة و الإمامة الكبرى، و الاطلاع إمّا بتعريف إلهيّ، أو بتجلي إلهيّ و هو اطلاعه على نفسه و على عينه الثابتة الجامعة لجميع الحقائق الكونية .
و من كرامات القلب معرفة الكون قبل أن يكون، و هذا هو العلم الخفي الذي فوق العلم السري و فوقه علم أخفى و فوق الأخفى أخفى إلى الأخفى الذي استأثره الله دون خلقه.

فالأخفى الأول: عمى عنه كل مخلوق ما عدا هذا الشخص الذي أطلعه الله عليه كرامة منه به، و لا يلتفت إلى من يقول: إنّ كل إنسان له سرّ يخصه لا يعلمه أحد معه إلا الله تعالى هيهات! و أين اللوح و القلم، نعم لكل إنسان سر مسلم ذوقا لا يعلمه أحد من جنسه و لا الأكثر من غير جنسه، و يعلمه هذا الذي أكرمه الله تعالى بقوله: "و فوق كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ" [ يوسف: 76]، فافهم .

ذكره الشيخ رضي الله عنه في "مواقع النجوم" على ما أودع فيه من حقائق العالم عموما، كما في قبضة شماله، و من حقيقة نفسه و نبيه من حيث أنه إنسان لا من حيث أنه خليفة خصوصا كما في قبضة يمينه، و جعل ذلك عطف على قوله أودع : أي جعل ذلك الوديعة .
( في قبضته ): أي قبضتي آدم و هما قبضتا اليمين و الشمال . قال تعالى:" و مِنْ كُل شيْءٍ خلقنا زوْجيْنِ لعلّكُمْ تذكّرون" [ الذاريات: 49] .
إن هذا من حكم القبضتين، فالقبضة على الحقيقة .
قوله تعالى: "اللّهُ بكُل شيْءٍ مُحِيطاً" [ النساء: 126] و من أحاط به فقد حكم عليه لأنه ليس له منقذ مع وجود الإحاطة، و هكذا الخليفة فهو قابض لجميع العوالم، و لا يخرج من قبضة إحاطته  شيء، حتى آدم الإنسانيّ أبا البشر و ذلك لأن آدم من حيث العنصرية جزاء من أجزاء العالم كسائر العوالم فالكل من أجزائه و صورة ذلك أنه ما من موجود سوى الله إلا و هو مرتبط بنسبة إلهية، و حقيقة ربانية تسمّى أسماءا حسنى، و كل ممكن في قبضة حقيقة إلهية و كلها في قبضة الكامل الخليفة، بإقباض الله إياه فالكل في القبضة، فافهم .
ثم فصّل ما في القبضتين باعتبار اليدين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال فقيل فيهما: أهل الجنة و أهل النار، هو لا للجنة و لا أبالي، و هو لا للنار و لا أبالي.

قال رضي الله عنه: فلمّا رأيت آدم في الإسراء فقلت له يمين الحق يقضي بالسعادة قال: نعم فقد فرق الحقّ بين أصحاب اليمين و أصحاب الشمال فقال لي: يا ولدي ذلك يمين أبيك و شماله، انتهى كلامه رضي الله عنه، وجعل القبضة الواحدة فيها العالم سعيده و شقيه فى شماله، و إنما قال العالم مطلقا لأنه سعيد و شقيّ.
لما ورد في الأخبار الصحيحة : "إنّ جبل أحد مثلا من جبال الجنة".
، و جبل عير على وزن زيد و هو جبل في المدينة المشرّفة من جبال جهنم، و هكذا حكم السعادة و الشقاوة سار في العالم حتى في الأمكنة و الأزمنة كالمتمكنين، و القبضة الأخرى فيه آدم و بنوه: أي من هذه القبضة من آدم الخليفة، فيها آدم أبو البشر و بنوه .
فلمّا كانت هذه القبضة من أثر مزج العجز الأوّل الإلهيّ، الذي دخلت أحكامه بعضها في بعض من كل قبضة في أختها، اختلطت أحكام السعادة و الشقاوة و الطيب و الخبيث بحكم الجمعية التي فيه .

و ذلك لأنّ الصّفات قبل المزج لا تتصف بالشقاوة و لا بالسعادة لذاتها، و الذوات كذلك قبل الامتزاج لم تكن قبله، فقيل هذا سعيد و هذا شقيّ و هذا طيب و هذا خبيث، فانظر ما أحدث الامتزاج كسواد الحبر و المداد بامتزاج العفص و الزاج، فكل الآفات من التركيب و المزاج، و جميع المصائب من الامتزاج و اختلاط الأمشاج، و نهاية الأمر و غاية السالك التخلص من التركيب و الرجوع إلى البساطة الأصلية، و السّبك و الفّك عن هذه القيود العارضة المتعارضة .

كما قال أبو يزيد قدّس سره: إنه لا صفة له، يشير إلى السّبك و التخلص على حكم الامتزاج لأنه أقيم في كل معقولية بساطته، و لم ير مركبا مخلا للبساطة الأصلية، و لكن هذا حال جائز و ظل زائل، فما ثمّ ة إلا مرّكّب يقبل الصّفات إمّا السعادة أو الشقاوة بحسب ما يقتضي مزجته و تركيبه، فما في العالم إلا سعيد أو شقي، و قد بين أسباب الخير و السعادة و طرقها و أسباب الشر و الشقاوة و طرقها .
لقوله تعالى: "فألهمها فجُورها وتقْواها" [ الشمس: 8] يميز الخبيث من الطيب، فافهم .

فلمّا تداخلت أحكام القبضتين، و جهلت الأحوال تفاضلت الرجال باستخراج الخبيث من الطيب، و تميز الطيب من الخبيث، فأراد تعالى الفرقان بين الطبقات و رؤية الغايات في البدايات بتخليص المزج و تميز أهل القبضتين حتى ينفرد كلّ بعالمه، و يتميز الطائع من العاصي لتميز المراتب بأربابها، فكل أحد يعرف حاله و ماله و عاجله و آجله، و كلّ أحد يعرف ماله عنده و ما عليه من عنده، بل تعلم من أنت و من هو، كما انفرد العالم و آدم من قبضتيّ الحق و من هذا المقام .

قال تعالى: "ليمِيز اللّهُ الخبيث مِن الطّيِّبِ ويجْعل الخبيث بعضهُ على  بعْضٍ فيركُمهُ جمِيعاً فيجْعلهُ في جه نّم أولئك هُمُ الخاسِرُون " [ الأنفال: 37] .
فمن بقى فيه شيء من هذه المزجة غير متخلص، و مات عليها لم يحشر يوم القيامة من الآمنين، و لكنّ منهم من يتخلص في الحساب، ومنهم بشفاعة الشافعين و أما من تخلص في دار الدنيا فيحشر من الآمنين لقوله تعالي: "لا خوْفٌ عليْهِمْ ولاهُمْ يحْزُنون" [ البقرة: 62] جعلنا الله من المخلصين المتخلصين آمين .
و إنما قلنا إنه رضي الله عنه أراد بالقبضة قبضة آدم لأنه القابض المقبوض و بيان ذلك أنه قابض من حيث أنه خليفة و مقبوض من حيث إنه إنسان، و حقيقة من الحقائق .

قال رضي الله عنه في الباب السابع و ثلاثمائة من "الفتوحات ":
فلمّا أراد الله أسرى بي ليريني من آياتي في أسمائه من أسمائي أزالني عن مكاني، و عرج بي على براق إمكاني، فلم أر أراضي أركاني، فالتفت آدم فإذا أنا بين يديه و عن يمينه في نسيم نبيه عيني فقلت له: هذا أنا فضحك، فقلت: فأنا بين يديك و عن يمينك.
قال: نعم هكذا رأيت نفسي بين يديه
فقلت له: فما كان في اليد المقبوضة الأخرى،
قال: العالم . فإذا فهمت هذا فأرجع،

و أقول في بيان النص الشريف: إنّ للكامل أن يرى لطيفته ناظرة إلى مرّكّبها العنصري، و هو متبدّد في العناصر فيشاهد ذاته العنصرية قبل وجودها و خلقها و تركيبها، كما للحق أن يراها قبل الوجود و له السّراج: أي التحلية و عدم المانع و الإطلاق في كل موطن و مقام لأن له صورا في كل موجود من عقل و نفس و طبيعة و عرش و كرسيّ، و هكذا في جميع الموجودات لأنه مرّكّب من الكل و الجميع أجزاؤه .
و من هذا المقام : "كنت نبيا، و آدم بين الماء و الطين".
بل أنه يرى في صورته الكمالية صورة حقيقية التي هو بها هو لأنه جامع للعوالم كلها، و صورته العنصرية بالنسبة إليه من جملة العوالم، فيرى نفسه خارجا عما يرى غيره من هذا القبيل قوله ما ورد في الخبر عنه صلى الله عليه و سلم في الإسراء :
" إنه دخل فإذا آدم عليه السلام وعن يمينه أشخاص بنيه السعداء وعن شماله أشخاص بنيه الأشقياء فرأى صورته صلى الله عليه و سلم في الذين عن يمين آدم فشكر الله" 
وعلم عند ذلك كيف يكون الإنسان في مكانين و هو عينه لا غيره فكان له كالصورة المرئية و الصور المرئيات في المرآة و المرائي.

ذكره رضي الله عنه في الباب التاسع و الستين و ثلاثمائة من "الفتوحات".
و هذا العلم لا يدرك بالعقل و هذا من علوم التجليات التي تجمع الأضداد بل يرى الأضداد عينه .
قال رضي الله عنه في الباب الخامس و ثلاثمائة من "الفتوحات":
للإنسان في كل عالم من عالم الأرواح و الأعيان الثابتة و عالم الخيال، و غيرها صورة بل في كل مقام و علمه بصورته إن كان صاحب الكشف بل في كل مقام، و كما أنّ لنا صورة و وجودا في صورته، و وجوده كذلك له صورة و وجوده من صورنا وجودنا، كما في الميثاق كان معنا من صورة ظهوره، فشهد معنا كما شهدنا، فهذا آدم و ذريته صور قائمة في قبضة الحق، و هذا آدم خارج عن تلك القبضة و عن تلك اليد، فهو يصير صورته العنصرية، و صورة ذريته و بنيه في يده، و هو خارج عنها .
ثم قال رضي الله عنه: فاعرف ذلك و أكثر من هذا التأنيس ما أقدر لك عليه فلا تكن ممن قال فيهم عزّ و جل: "صُم بكْمٌ عُمْيٌ فهُمْ لا يعْقِلون" [ البقرة: 171] .
و قال تعالى: "إنّ شرّ الدّواب عِنْد اللّهِ الصم البكْمُ الّذِين لايعْقِلون" [ الأنفال: 22] .
و أخذ الله الصور من ظهر آدم، و آدم فيهم و أشهدهم على أنفسهم بحضرة الملأ الأعلى و الصور التي لهم في كل محل لقوله تعالي: "ألسْتُ بربِّكُمْ قالوا بلى"  [ الأعراف: 172] .
فالإنسان عالم بجميع الأمور الخفية فيه من حيث روحه المدبر، و هو لا يعلم أنه يعلم، قال تعالى: "فلا تعْلمُ نفْسٌ ما أخْفِي لهُمْ مِنْ قُـرِّة أعْينٍ جزاءً بما كانوا يعْملون" [ السجدة: 17] .
فهو الناسي و الساهي، و الأحوال و المقامات و المنازل تذكره، وهو رجل يدري ولا يدري أنه يدري .
ومن هذا المقام قال صلى الله عليه و سلم : "الحكمة ضالة المؤمن" .
وقال تعالى: "وذ كرْ فِإنّ  الذكْرى نتفعُ المُؤْمِنين" [الذاريات: 55] .
( و بين مراتبهم ): أي بين الله تعالى مراتب العالم سوى الإنسان أو مرتبة نفسه من حيث أنه إنسان، و مراتب بنيه أو المجموع فيه: أي في ذلك الاطلاع أو في آدم الخليفة أو في الوجود الحق و ذلك لأن العالم بالنسبة إلى الكامل سواء كان نفسه أو بنوه أو غيرهما بمنزلة الأجزاء كلها، و تبين له جزء جزء على مراتبها لأنها منها بمنزلة النفس، و منها بمنزلة القوي، و منها بمنزلة الحواس، و منها الحواس منها بمنزلة الظاهرة و من الظاهرة منها بمنزلة السمع، و منها بمنزلة البصر، و منها بمنزلة الشم و الذوق و اللمس، و منها بمنزلة الحواس الباطنة، و منها بمنزلة الأعضاء، و منها بمنزلة العضّلات، و منها بمنزلة الزينة كالشّعر، كما ذكرناه سابقا أن الملائكة بمنزلة القوي، و قس على هذا الأمر كله .

و من كان بنفسه في نفسه بهذه الشهود و الأتم، إلا و في اطلع على الكل بحسب مراتبهم، و بمعرفته بنفسه على هذا الأسلوب عرف الله .
و هذا تصديق قوله صلى الله عليه و سلم : " من عرف نفسه  فقد عرف ربه"
فإنه عين المجموع، و هذا من علم المضاهاة فإنه رأى نفسه واحدة العين كثيرة المظاهر، وحده في عين كثرة، و عرف ربه أنه واحد كثير، فعرف مراتب الكثرة في عين الوحدة، و سراية الوحدة في الكثرة، و علم نفسه أنه بمنزلة حبه، أوجد الحق منها أوراقا و أغصانا و أزهارا و أصولا و عروقا و بذورا كثيرة .
فظهرت الكثرة في الصورة عن عين واحدة، و هي عينها و غيرها بالشخص و هذا هو المراد من إيجاد العالم .
قال تعالى: "وما خلقْتُ الجِنّ والِإنس إلّا  ليعْبدُونِ" [ الذاريات: 56] :
أي ليعرفون أنّ الكثرة ناشئة عن الوحدة الحقيقية والنشأة الآخرة نشأة في بعض الأحكام، نشأت البرازخ غيبا أو شهادة، فترى نفسك فيها و هي واحدة في صور كثيرة و أماكن مختلفة في الآن الواحد، فيرى نفسه أنه هو ليس غيره في الكل، و هكذا يكون يوم القيامة فإنّ النبي صلى الله عليه و سلم يطلبه الناس في مواطن القيامة، فيجدونه من حيث طلبهم في كل موطن يقتضيه ذلك الطلب، في الوقت الذي يجده الطالب الآخر في المواطن الأخرى بعينه فسببه ما ذكرناه، فافهم .
و أما كيفية الاطلاع و البيان، فقد يكون بالتعريف الإلهيّ كالخلافة فإنها قد تكون بالتعريف، كما قال تعالى في آدم عليه السلام: "إنِّي جاعِلٌ فِي الْأرضِ خلِيفةً " [ البقرة: 30].
و قال لداود عليه السلام: "إنّا جعلناك خليفةً" [ صّ : 26]، و قال لإبراهيم عليه السلام: "إنِّي جاعِلك للنّاسِ إماماً"[ البقرة: 124] .
قد يكون: أي بالتجلي الإلهيّ وهو أتم من التعريف فإنّ متعلق التعريف السّمع وهو خبر إلهيّ بواسطة أو بلا واسطة .
و قد يكون الاطلاع و البيان بالتجلي و هو ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب بعد الستر، و لا يكون أبدا إلا بالتحقق و أنّ يكون حقّ اليقين و لا يلقى التخلق .
فبين مراتبهم و درجاتهم حتى علم ما علم، و ذلك أنه تعالى لما علمه الأسماء التي أودع فيه و جعل في قبضتيه عليه السلام، و هو الأسماء الكونية و كل اسم من العالم علامة على حقيقة معقولة مخصوصة به ليست للآخر.

و كذلك وجوده العنصري و وجود بنيه في خروجهم من آدم الخليفة إلى الوجود العيني فإنه كثير يطلب تلك الأسماء الكثيرة، و هم مسمياتها و إن كانت العين واحدة فهي كثيرة كما أن العالم من حيث أنه عالم واحد و هو كثير بالأحكام و الأشخاص، فاجتبى إليه من يشاء و يهدي إليه من ينيب .
و ما ذكرنا هنا نعتا و لا حالا بل ذكر الأمرين اجتباءا و بداية فافهم هذه الإشارة .
و لما خرج بنوه فنظر إلى شخص من أخويهم فسئل عنه؟
فقيل: هذا ولدك داود عليه السلام كما  في الخبر المشهور، فعلم بهذا الاطلاع و الأداة كل المسميات بطلسم اسمه، فإن الاسم طلسمه على المسمّى من علم الحروف و كيفية وضعها، كما أنعم الله على داود بإعطاء اسم ليس فيه حرف من حروف الاتصال .

وهي الحروف التي من شأنها أن تتصل بما بعدها فقطعه عن العالم بذلك، وسمّاه بذلك الاسم إخبارا لنا عنه عليه السلام بتجرّده وانقطاعه، وأعطي محمدا صلى الله عليه وسلم اسما بحروف الاتصال و الانفصال الاختصاصي لأنه حكيم عليم ما يضع الأشياء إلا في موضعها فيستخرجه العارف بوضع الحروف، فإن الأسماء تنزل من السماء فما وضع شيئا على شيء إلا بالحكمة، فالوجود كله ما انتظم منه شيء بشيء إلا للمناسبة ظاهرة أو باطنة صورية أو معنوية إذا طلبها الحكيم المراقب وجدها .

قال رضي الله عنه في مواقع النجوم: إن معرفة مثل هذه المناسبات من مقام خواص أهل الطريقة رضوان الله عليهم و هي غامضة جدا .
و لقد أشار أبو يزيد السهيلي إلى هذا المقام في كتاب: “المعارف و الإعلام” الذي له باسم النبي صلى الله عليه و سلم محمد و أحمد، و تكلم على المناسبة التي بين أفعال النبي صلى الله عليه و سلم و أخلاقه صلى الله عليه و سلم و بين معانيها .
و القائلون بهذه المناسبات عظماء أهل المراقبة والأدب و لا يكون هذا العلم إلا بعد كشف علمي و مشهد ملكوتي، و لا سيما الآمنين من طريقتنا  كشيبان الراعي، و أبي يزيد البسطامي، و من لقينا من المشايخ كالعربيني و أحمد المرسي و عبد الله البرجاني و جماعة منهم انتهى كلامه رضي الله عنه .
فعلم آدم مرتبة كل مسمّى من اسمه لا من خارج، و إنما قلنا أن الاطلاع تعريفي لأن الأخذ كان من ظهره يعني: ظهر الغيب عليه السلام و هو غيب له و أخذه في الميثاق أيضا من ظهره، فما نحن على يقين من ذلك أي من أنه كان بالكشف فأخذنا أقل المراتب مع احتمال ذلك، فإن قبضه لا مقطوع و لا ممنوع .

قال رضي الله عنه في هذا المبحث: عبدا وقف على علم ذلك باليقين و يخبر به انتهى كلامه .
و أما الخلافة بالتجلي فهو مخصوص سيد البشر صلى الله عليه و سلم وهو مظهر حقيقة الاسم الموفي مائة، و هم اسم الذات .
أما ترى طلب هذا الظهور من الأنبياء كداود عليه السلام فخوطب بخطاب تسعة و تسعين نعجة إشارة إلى تحققه بتسعة وتسعين اسما.
و طلبه الموفي مائة قيل: إنه لأخيك محمد صلى الله عليه و سلم و الطلب ليس في محل، و حين طلب موسى عليه السلام خوطب، فقال تعالى: “فخُذْ ما آتيْتك وكُنْ مِن الشّاكرين” [ الأعراف: 144] .
و كم تطاولت الأعناق لهذه المرتبة، و ضربت من دونها و خوطب بالصدّ و القلى .
قال الشيخ ابن الفارض قدّس سره من هذا المقام إشارة إلى هذا الصد بيت :
و لا تقربوا مال اليتيم إشارة    .... لكفّ يد صدّت له إذ تصدّت.

وكان أمية بن الصلت في الأيام الجاهلية يترشح للنبوة قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى كان من شأنه أنه قال لأخته: ها أنا أنام فاصنعي طعاما.
قالت: فبينما هو نائم إذ رأيت وقد نزل طائران من النافذة فشق أحدهما صدره، ثم أخرج نكتة سوداء فقال أحدهما: أوعي؟
قال الآخر: نعم، و على علوم الأولين
فقال: أدرك
فقال: لا
فقال: ردّوا قواده إليه فليست النبوة له إنما هي لسلالة عبد المطلب
قالت: فلمّا انتبه أخبرته بالقصة فبكي وقال متمثلا بأبيات، ثم انصدعت كبده فمات،
فانظر إلى لمن يبلغ به أهله و الأمر محتوم فافهم  .
و كان آدم أبو البشر حامل الأسماء و نبينا صلى الله عليه و سلم حامل معانيها .
فلهذا قال رضي الله عنه: إن الأمم السابقة ما وقفوا من الاسم الأعظم إلا على حروفه أو على معناه ، بخلاف المحمديين فإنهم جمعوا بين الحروف والمعان .
وأشار إلى هذا المعنى سيدنا قطب الوقت محيي الدين عبد القادر الكيلاني في سكره حاكيا عن المرتبة المحمدية و المحمديين:
معاشر الأنبياء أوتيتم اللقب و أوتينا ما لم تؤتوا ذكره رضي اللّه عنه في "الفتوحات" .
و ذكر فيها: إن اثنى عشر نبيا صلوات الله عليهم أجمعين صاموا نهارهم و قاموا لياليهم مع طول أعمارهم سؤالا و رغبة و رجاءا أن يكونوا من أمته، فافهم .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس يوليو 04, 2019 11:01 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الرابعة والثلاثين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:15 pm

الفقرة الرابعة والثلاثين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الرابعة والثلاثين :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه : القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه. قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
(ثم إنه تعالى أطلعه)، أي أطلع آدم عليه السلام على ما أودع فيه) من الجمعية الكبرى التي هي مجموع اليدين والصورتين (وجعل الله تعالى (ذلك)، أي ما أودع في آدم عليه السلام مما قلنا (في قبضتيه) تعالى بيديه الإلهيتين على حسب ما بيناه فيما مر.
القبضة الواحدة، وهي قبضة الشمال (فيها العالم) كله وقد خلق الله تعالی جميع الأجساد الآدمية منها.
(وفي القبضة الأخرى)، وهي قبضة اليمين (آدم) عليه السلام (وبنوه) كلهم إلى يوم القيامة وقد خلق الله تعالى الأرواح الآدمية منها .
وقد ورد في الأثر ما معناه: قال آدم عليه السلام: "خيرني ربي بين قبضتيه فاخترت يمين ربي فبسط يمينه فإذا فيه آدم وبنوه".
وبين الله تعالى لآدم عليه السلام (مراتبهم)، أي مراتب بني آدم كلهم (فيه)، أي في آدم عليه السلام من ?املين وقاصرين و مؤمنين وكافرين ومطيعين و عاصين فانقسموا إلى قسمين:
سعداء وأشقياء "وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته"115 سورة الأنعام.
(ولما أطلعني الله) تعالى (في سري) لا في جهري، فإن الاطلاع على مثل هذا لا يكون إلا في عالم الأسرار بطريق الذوق والاستبصار (على ما أودع) سبحانه وتعالى من أسرار الذرية المباركة وغير المباركة.
(في هذا الإمام)، أي المقتدي به في الصورة الظاهرة والباطنة (الوالد) الذي تولد منه كل إنسان (الأكبر) قدرة وصورة وهو آدم عليه السلام (جعلت في هذا الكتاب) الذي هو كتاب فصوص الح?م (منه)، أي من ذلك الذي أطلعني الله تعالى عليه.
(ما حد لي)، أي مقدار الذي حده لي رسول الله له في الرؤيا التي أريتها على ما سبق بيانه.
(لا ما وقفت عليه) من حقائق الكاملين وغيرهم من ذرية آدم عليه السلام (فإن ذلك) الذي وقفت عليه كله (لا يسعه ?تاب) من الكتب.
(ولا) يسعه أيضا (العالم الموجود الآن) من السموات والأرض وما بينهما ولا شك أن قلب العبد المؤمن الذي وسع الحق تعالی بعد أن ضاقت عنه السموات والأرض يسع أكثر مما ذكر.
(فما شهدته ) في مقام التجلي الإلهي حين أشهدني الله تعالى ما أودعه في من الجمعية الكبرى في الإرث الآدمي (مما نودعه) بإذن الله تعالى (في هذا الكتاب) الذي هو كتاب فصوص الح?م (كما)، أي على حسب ما (حده)، أي عينه (لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا)، التي رأيته فيها كما تقدم فلا أزيد على ذلك تأدب معه .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه : القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه. قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
(ثم) أي بعدما أوجده على ما ذكر (أنه تعالى أطلعه) أي أطلع الله هذا الوالد الأكبر لأن الخليفة يجب أن يطلع على ما اختزنه الحق تعالى فيه ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها فيعطي كل ذي حق حقه بأمر الله تعالى .
(على ما أودع فيه) أي في شأنه من الصفات الإلهية والحقائق الكونية وصورها (وجعل ذلك) المودع (في قبضتيه القبضة الواحدة فيها العالم و) في (القبضة الأخرى آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه) يتصرف ما في قبضته خلافة عن الله تعالى.
(ولما أطلعني الله في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر جعلت في هذا الكتاب منه) مما اطلعت عليه (ما حد لي لا) كل (ما وقفت عليه فإن ذلك لا يسعه ?تاب ولا العالم الموجود الآن) .
فهذا الكلام يدل على أن من رآه في مبشرة وأعطى له نصوص الحكم هو الروح الأعظم المحمدي الذي ظهر وتمثل له في الصورة المحمدية .
ويدل أيضا على محاذاته رتبة الوالد الأكبر في الاطلاع على ما في القبضتين فانظر بنظر الإنصاف إلى هذا الكامل في رتبة العلم كيف ينكر كلامه.
(فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم).

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه: القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه . ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر.جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
قوله: "ثم إنه تعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه: القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى آدم وبنوه. وبين مراتبهم فيه.
ولما أطلعني الله في سرى على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر، جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه ?تاب ولا العالم الموجود الآن فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"
ما ذكره فهو ظاهر

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه : القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه. قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
قال رضي الله عنه : " ثم الله أطلعه على ما أودع فيه ،وجعل ذلك في قبضتيه :القبضة الواحدة فيها العالم ، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه ،وبيّن مراتبهم فيه".
قال العبد أيّده الله تعالى به : اعلم :
أنّ الكمّل من الصورة الأحدية الجمعية الإنسانية لا بدّ لهم أن يريهم الله ويشهدهم صور تفاصيل ما أودع فيهم تشريفا لهم وتكميلا وتفهيما لهم بحقائقه التي أودعها فيهم وتوصيلا .
وكذلك أشهد آدم عليه السّلام صور تفاصيل النشأة الإنسانية في مقامي الجمع والفرق المشار إليهما بالآفاق والأنفس .
فأشهد جميع العالم في القبضة الواحدة وهي اليسار عرفا اصطلاحيّا وأشهد آدم وذرّيّته في الأخرى ، وهي اليمين كذلك ، وكلتا يدي ربّي يمين مباركة ، والحديث مشهور .
وَالله يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
قال الشيخ رضي الله عنه : " لمّا أطلعني الله تعالى في سرّي على ما أودع في هذا الوالد الأكبر ، جعلت في هذا الكتاب ما حدّ لي منه ، لا ما وقفت عليه فإنّ ذلك لا يسعه كتاب ، ولا العالم الموجود الآن ".
قال العبد :
فكما أطلع الله هذا الوالد الأكبر من كونه أحدية جمع ظاهرية الصورة الجمعية الأحدية الإنسانية الكمالية الإلهية على ما أودع فيه من أسرار مظهريّات الأولاد .
كذلك أطلع وأشهد خاتم الولاية الخاصّة المحمدية ، الجامع لجميع الكمالات الأحدية الجمعية الإنسانية ، والجامع لجميع الجمعيات جميع ما أودع في الوالد الأكبر عليه السّلام من صور أحديات جمع الجمعيات الكمالية من بين جميع الكمالات النبوية .
ما أمر رضي الله عنه بإظهار حقائق كل ذلك ، ولكن بإظهار ما حدّه له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خاتم نبوّة التشريع .
وصورة جمع جميع التفاصيل النبوية والرسالتية ونسب الربوبية وحقائق الأسماء الوجوبية المتعلَّقة بالوضيع والرفيع ،والله يقول الحقّ وهو المجيب البصير السميع.
قوله رضي الله عنه : " لا يسعه كتاب ، ولا العالم الموجود الآن " إشارة إلى أنّ العالم أحكم كتاب يعوّل إليه وعليه ، كتبه الله بقلمه الأعلى ، وفسّره في لوحه المحفوظ الأجلى.
وحروفه الحقائق الذاتية والوصفية والفعلية والحقيّة والخلقية الربانية والكيانية ، وهو أي العالم الموجود الآن كتاب مبيّن جميع الخفيّات والجليات من الكمالات .
وهو وإن حصل على كمالات لا تتناهى فليس إلَّا كتابا واحدا .
ولكنّ الله له كتب كثيرة تمثّلها الحقيقة الروحية العلمية الإنسانية الكمالية أبد الآبدين ، ولن يزال خلَّاقا موجدا دهر الداهرين ، وصلَّى الله على محمد خاتم النبيّين ، وعلى ورثته الكمّل المقرّبين .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فممّا شهدته ممّا نودعه في هذا الكتاب كما حدّه لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه : القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه. قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
وقوله :" ثم إنه أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه القبضة الواحدة فيها العالم والقبضة الأخرى آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه ". معناه أنه أطلع الإنسان الحقيقي على ما أودع فيه من أسرار الألوهية .
وجعل الجميع مما أوجد كالواحد وأودع فيه في قبضتيه أي قبضتى الحق فجعل حقيقة آدم وبنيه في قبضته اليمنى التي هي الأقوى أي الصفات الفعلية .
وأسمائه في العالم الأعلى الروحاني وجعل صورة العالم في قبضته اليسرى التي هي الأضعف أي الصفات القابلة المذكورة وأسمائه في العالم الجسماني .
وإن كانت كلتا يدي الرحمن يمينا لأن القابلية في قوة القبول تساوى الفاعلية في قوة الفعل لا تنقص منها ، وبين في ذاته مراتب بنى آدم في عرض عريض كما يشعر سائر الفصوص ببعضها .
قوله : ( ولما أطلعنى الله في سرى على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن ، فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده له رسول الله صلى الله عليه وسلَّم

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه : القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه. قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
(ثم، إنه تعالى أطلعه على ما أودع فيه) أي، آدم.
(في قبضتيه: القبضة الواحدة فيها العالم، وفي القبضة الأخرى آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه). أي، بعد أن أوجد آدم وجعله متصفا بصفاته وخليفة في ملكه، أطلعه على ما أودع فيحقيقته من المعارف والأسرار الإلهية، كما قال: "وعلم آدم الأسماء كلها".
وجعل ذلك المودع في قبضتيه، أي، في ظهوري الحق وتجلييه بالقدرة لإيجاد العالم الكبير مرة والصغير أخرى، أو في عالميه الكبير والصغير، لأنه قد يقال (القبضة) ويراد بها المقبوض.
قال الله تعالى: "والأرض جميعا قبضته". أي،مقبوضة مسخرة في يد قدرته.
القبضة الواحدة فيها العالم، أي، أعيان الموجودات على سبيل التفصيل، وفي القبضة الأخرى آدم وبنوه المشتمل على كل من الموجودات على الإجمال.
والمراد بهما (اليدان) المعبر عنهما بالصفات الفاعلية والقابلية: فالعالم هو اليد القابلة، وآدم هو اليد الفاعلة المتصرفة في القابلة.
وقوله: (وبين مراتبهم فيه) أي، مراتب بنى آدم في آدم المشتمل عليهم، كما قالفي الحديث: (إن الله مسح بيده ظهر آدم وأخرج بنيه مثل الذر). - الحديث. ويجوز أن يعود ضمير (فيه) إلى الحق. أي، بين مراتبهم في الحق. والأول أولى.
قوله : (ولما أطلعني الله تعالى في سرى على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر،
جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي، لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولاالعالم الموجود الآن.)
"الوالد الأكبر" وآدم الحقيقي الذي هو الروح المحمدي، و "الوالد الأكبر" هو آدم أبوالبشر.
وإنما قال: (فإن ذلك لا يسعه كتاب) إلى آخره. لأن الكمالات الإنسانية هي مجموع كمالات العالم بأسره مع زيادة تعطيها الحضرة الجامعية والهيئة الاجتماعية، فلو يكشفها كلها، لا يسعها كتاب ولا يسعها أهل العالم بحسب الإدراك، لقصورهم وعجزهم عن إدراك الحقائق على ما هي عليه.
(فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه : القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه. قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
(ثم) أي: بعد إن جمع الله في آدم بين يديه فجعله جامگا الصورة الحق والخلق على سبيل الاجتماع والتفرقة جامعا بينهما في حقه (إنه تعالى أطلعه على ما أودع فيه) ذلك الاطلاع مقصود للحق بالذات، كما أشار إليه بقوله: "فأحببت أن أعرف".
ولا يتأتى قبل ذلك إذ لا يعلم أحد ما ليس فيه ولتتأتى منه الاستفاضة والإفاضة مع الشعور ?الأصل ولذلك (جعل ذلك) أي: ما أودع فيه (في قبضتيه) أي: قبضتي آدم وإنما جعلهما قبضتين لاعتبار التفرقة في أحدهما والجمعية (في الأخرى القبضة الأخرى فيها آدم وبنوه) يتصرف فيهم بقواه وقوتهم بالجمع، وإن كانت جمعيته لا تخلوا عن التفرقة وتفرقته عن الجمعية.
ولما توقف التصرف على النهج الأكمل فيهم على الشعور باستعداداتهم، واستحقاقاتهم (بین مراتبهم فيه) أي: في أدم بإخراج الذر من ظهره ثم الذر من كل ذر خرج منه إلى آخر ما يكون من أولاده؛ فأعطاها الحياة بإفاضة نور الروح عليها، ثم أنطقهم ببلی .
ثم رد الذر إلى ظهر آدم والأرواح إلى مقارها ليعرف آدم ما يستحق كل من أولاده.
فلذلك ورد: "أنه يقال له يوم القيامة: أخرج بعث النار، فيخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين".
قال رضى الله عنه : (وإنما يعرف ذلك منهم لما رأي في أول فطرتهم، وجعل ذلك حجة عليهم أيضا، إذا كشف عنهم الحجب فيتذكرون ما جرى عليهم؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم. .
(ولما أطلعني الله في سري) أي: روحي المنور بنور ربه عند محاذاته للعلم الأزلي بغاية صفائه واتساعه للانتقاش بما فيه (على ما أودع في هذا الإمام) بدؤه الكل في تحصيل الفضائل الإنسانية (الوالد الأكبر) الذي تولدت منه الكمالات الإنسانية كما تولدت منه الأفراد الإنسانية؛ فهو الوالد حسا ومعنى.
وأما الفضائل المخصوصة بمحمد صلى الله عليه وسلم  ؛ فليست من جهة الإنسانية بل من حقيقته المخصوصة به (جعلت في هذا الكتاب منه ما ) أي: ما حده (لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه إشارة إلى إن المذكور في الكتاب ليس مأخوذا عن المنام وحده بل عن الاطلاع الإلهي.
وإنما المتعلق بالمنام تحديد ما فيه (لا ما وقفت عليه) لمحاذاة سرى للعلم الأزلي (فإن ذلك لا يسعه ?تاب)، وإن بلغ من طول الحجم ما بلغ فضلا عن هذا المختصر بل (ولا)يسعه (العالم الموجود الآن)؛ لأن متناه في ذاته ومدة بقائه.
وكلمات الله التي وقفت عليها بمحاذاة سرى للعلم الأزلي مما أودع في آدم الجامع للحقائق الإلهية والكونية غير متناهية : "قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا" [الكهف: 19].
وإذا كان لا يسع لما اطلعت عليه كتاب ولا العالم الموجود الآن (فمما) خبر مقدم لقوله حكمة (شاهدته) ما بيان لما في (فمما نودع في هذا الكتاب كما)
يتعلق بقوله: «نودع» (حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . .
وفيه إشارة إلى أنه لما تعذر أيراد الكل مما شاهدته في الكتاب، فبالضرورة أخذت ما حده لي رسول الله و للإيداع فيه.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه: القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه). ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
لذلك قال : ( ثمّ إنّه تعالى أطلعه على ما أودع فيه ) من مفردات أجزاء العالم وتراكيب نسبها وجزئيّات أحكامها بأحديّة جمعيّته الإحاطيّة التي بها يدرك الكلّ ( وجعل ذلك ) يعني ما أودع فيه  ( في قبضتيه ) الشاملتين للكل .
( القبضة الواحدة ) منهما المشتملة على أعيان المفردات كلَّها (فيها العالم).
(والقبضة الأخرى) منهما المشتملة على النسب التركيبيّة والأحكام الامتزاجيّة أجمع هي (آدم) الذي هو روح العالم وباطنه .
وإذ قد عرفت أنّ آدم هو النفس الواحدة بالوحدة الحقيقيّة التي لا يتأثر كمال وحدتها عن تكثّر الزوج والأولاد أصلا فلا يبعد أن يكون باعتبار صاحب القبضتين ، وبالآخر في طيّ إحداهما كما أنّ الثمرة باعتبار هو الجامع بين أصل الشجرة وفروعها فهي صاحب القبضتين ، على أنّها في طي قبضة واحدة منهما .
ثمّ إنّك قد عرفت أنّ من أولاد آدم من صحّت نسبته إلى آبائه العلويّات الوجوبيّات الإلهيّات كالأنبياء عليهم السّلام وهم الرجال بنو آدم ومنهم من صحّت نسبته إلى امّهات السفليّات الإمكانيّات الكونيّات ، كالكائنات مطلقا وهم النساء بنات آدم والمودع في هذا الكتاب إنّما هو الطائفة الأولى منهم .
بما لهم من مراتبهم المقدّرة لهم ، وحكمهم الكاشفة عنها ، فإنّهم هم الصور الوجوديّة المظهرة للحق دون الثانية .
فإنّهم الصور الكونيّة المخفية إيّاه فهي بمعزل عمّا هو بصدده .
فلذلك قال : ( وبنوه وبيّن مراتبهم فيه ) أي فيما أودع في آدم الحقيقي ضرورة أنّ تعيين مراتب جزئيّات ذلك النوع من أمهات النسب المشتمل هو على كلَّها
قال رضي الله عنه : ( ولمّا اطلعني الله في سرّي ) حيث لا دخل للواسطة فيه أصلا (على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر) يعني آدم الحقيقي ( جعلت في هذا الكتاب منه ما حدّ لي ،لا ما وقفت عليه فإنّ ذلك لا يسعه كتاب ، ولا العالم الموجود الآن ) لأنّ إظهار الحقائق بحسب ما نطق به لسان الوقت لبنيه ، وإشعار المعارف بحسب ما سمح به مشاعر الزمان لذويه .
ولذلك ترى المتأخّرين من الأولياء يفهمون من الكلام الكامل ما عجز عنه المتقدّمون منهم ، واللاحقون يصلون إلى ما لم يصل إليه السابقون .
وفي كلامه هذا ضرب من الاعتذار بين أيدي الورثة الختميّة مما تنزّل في كلامه بالنسبة إلى شاهق علوّهم فلا تغفل .
( فممّا شهدته - مما نودعه في هذا الكتاب كما حدّه لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حكمة إلهيّة في كلمة آدميّة ، وهو هذا الباب ) .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه : القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه. قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
قوله رضي الله عنه : "ثم إنه سبحانه و تعالى أطْلَعَهُ على ما أوْدع فيه و جعل ذلك في قبضتَيْه : القبضةُ الواحدة فيها العالم، و القبضة الأخرى فيها آدم و بنوه. و بيَّن مراتبهم فيه."
(ثم إنه تعالى أطلعه)، أي آدم (على ما أودع فيه وجعل ذلك).
أي ما أدوع فيه من الحقائق الإلهية والكونية (في قبضتيه سبحانه)، أي قبضتي الجمع والفرق السالمين للكل المشار إليهما الآفاق والأنفس (القبضة الواحدة ) اليسرى التي هي قبضة الفرق( فيها العالم وفي القبضة الأخرى) اليمني التي (فيها) الجمع (آدم وبنوه)، أي أولاده
(وبين مراتبهم فيه)، أي بين مراتب بني آدم في آدم المشتمل عليهم.
(ولما أطلعني الله سبحانه في سري) حيث لا واسطة فيه أصلا (على ما أورد في هذا الإمام الوالد الأكبر) آدم عليه السلام من كمالاته وكمالات بنیه كما أطلعه عليه.
(جعلت في هذا الكتاب ) منه ، أي مما أودع فيه (ما حد لي) أن أدرجه فيه (لا ما وقفت عليه فإن ذلك).
أي ما وتفت عليه (لا يسعه ?تاب) لو بين بالكلمات الحرفية والرقمية (ولا العالم الموجود الآن) لو بین بالكلمات الوجودية فإن العوالم البرزخية و الحشرية الجنانية والجهنمية الغير المتناهية أبد الآبدين .
هي تفصيل ما أودع في النشأة الإنسانية الكمالية وهي لا تنتهي .
فكيف يسعه كتاب والعالم الموجود الآن فإنهما متناهيان (فما شهدته على ما نودعه في هذا الكتاب) المسمى بفصوص الح?م (كما حده لي رسول الله ) .
و في أكثر نسخ شرح القيصري ما حذه لی بدون الكاف.
فيكون بدلا مما نودعه وهو هذا الباب .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الرابعة والثلاثين الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:17 pm

الفقرة الرابعة والثلاثين الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الرابعة والثلاثون :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه:   القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه.
قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر.
جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ ثم إنه تعالى أطلعه على ما أودع فيه و جعل ذلك في قبضتيه: القبضة الواحدة فيها العالم، و في القبضة الأخرى آدم و بنوه و بين مراتبهم فيه .
و لما أطلعني الله في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر، جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه فإن ذلك لا يسعه كتاب و لا العالم الموجود الآن ] .
قال الشارح رحمه الله :
و كان أسفله (أطلعه ): أي أعثر آدم الخليفة من حيث أنه خليفة لا من حيث أنه إنسان، و كان ذلك بعد الخلافة و الإمامة الكبرى، و الاطلاع إمّا بتعريف إلهيّ، أو بتجلي إلهيّ و هو اطلاعه على نفسه و على عينه الثابتة الجامعة لجميع الحقائق الكونية .
و من كرامات القلب معرفة الكون قبل أن يكون، و هذا هو العلم الخفي الذي فوق العلم السري و فوقه علم أخفى و فوق الأخفى أخفى إلى الأخفى الذي استأثره الله دون خلقه.
فالأخفى الأول: عمى عنه كل مخلوق ما عدا هذا الشخص الذي أطلعه الله عليه كرامة منه به، و لا يلتفت إلى من يقول: إنّ كل إنسان له سرّ يخصه لا يعلمه أحد معه إلا الله تعالى هيهات! و أين اللوح و القلم، نعم لكل إنسان سر مسلم ذوقا لا يعلمه أحد من جنسه و لا الأكثر من غير جنسه، و يعلمه هذا الذي أكرمه الله تعالى بقوله: "و فوق كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ" [ يوسف: 76]، فافهم .
ذكره الشيخ رضي الله عنه في "مواقع النجوم" على ما أودع فيه من حقائق العالم عموما، كما في قبضة شماله، و من حقيقة نفسه و نبيه من حيث أنه إنسان لا من حيث أنه خليفة خصوصا كما في قبضة يمينه، و جعل ذلك عطف على قوله أودع : أي جعل ذلك الوديعة .
( في قبضته ): أي قبضتي آدم و هما قبضتا اليمين و الشمال .
قال تعالى:" و مِنْ كُل شيْءٍ خلقنا زوْجيْنِ لعلّكُمْ تذكّرون" [ الذاريات: 49] .
إن هذا من حكم القبضتين، فالقبضة على الحقيقة .

قوله تعالى: "اللّهُ بكُل شيْءٍ مُحِيطاً" [ النساء: 126] و من أحاط به فقد حكم عليه لأنه ليس له منقذ مع وجود الإحاطة، و هكذا الخليفة فهو قابض لجميع العوالم، و لا يخرج من قبضة إحاطته  شيء، حتى آدم الإنسانيّ أبا البشر و ذلك لأن آدم من حيث العنصرية جزاء من أجزاء العالم كسائر العوالم فالكل من أجزائه و صورة ذلك أنه ما من موجود سوى الله إلا و هو مرتبط بنسبة إلهية، و حقيقة ربانية تسمّى أسماءا حسنى، و كل ممكن في قبضة حقيقة إلهية و كلها في قبضة الكامل الخليفة، بإقباض الله إياه فالكل في القبضة، فافهم .
ثم فصّل ما في القبضتين باعتبار اليدين أصحاب اليمين و أصحاب الشمال فقيل فيهما: أهل الجنة و أهل النار، هو لا للجنة و لا أبالي، و هو لا للنار و لا أبالي .

قال رضي الله عنه: فلمّا رأيت آدم في الإسراء فقلت له يمين الحق يقضي بالسعادة قال: نعم فقد فرق الحقّ بين أصحاب اليمين و أصحاب الشمال فقال لي: يا ولدي ذلك يمين أبيك و شماله، انتهى كلامه رضي الله عنه، و جعل (القبضة الواحدة) فيها العالم سعيده و شقيه فى شماله، و إنما قال العالم مطلقا لأنه سعيد و شقيّ .
لما ورد في الأخبار الصحيحة "إنّ جبل أحد مثلا من جبال الجنة".
، و جبل عير على وزن زيد و هو جبل في المدينة المشرّفة من جبال جهنم، و هكذا حكم السعادة و الشقاوة سار في العالم حتى في الأمكنة و الأزمنة كالمتمكنين، و القبضة الأخرى فيه آدم و بنوه: أي من هذه القبضة من آدم الخليفة، فيها آدم أبو البشر و بنوه .
فلمّا كانت هذه القبضة من أثر مزج العجز الأوّل الإلهيّ، الذي دخلت أحكامه بعضها في بعض من كل قبضة في أختها، اختلطت أحكام السعادة و الشقاوة و الطيب و الخبيث بحكم الجمعية التي فيه .

و ذلك لأنّ الصّفات قبل المزج لا تتصف بالشقاوة و لا بالسعادة لذاتها، و الذوات كذلك قبل الامتزاج لم تكن قبله، فقيل هذا سعيد و هذا شقيّ و هذا طيب و هذا خبيث، فانظر ما أحدث الامتزاج كسواد الحبر و المداد بامتزاج العفص و الزاج، فكل الآفات من التركيب و المزاج، و جميع المصائب من الامتزاج و اختلاط الأمشاج، و نهاية الأمر و غاية السالك التخلص من التركيب و الرجوع إلى البساطة الأصلية، و السّبك و الفّك عن هذه القيود العارضة المتعارضة .
كما قال أبو يزيد قدّس سره: إنه لا صفة له، يشير إلى السّبك و التخلص على حكم الامتزاج لأنه أقيم في كل معقولية بساطته، و لم ير مركبا مخلا للبساطة الأصلية، و لكن هذا حال جائز و ظل زائل، فما ثمّ ة إلا مرّكّب يقبل الصّفات إمّا السعادة أو الشقاوة بحسب ما يقتضي مزجته و تركيبه، فما في العالم إلا سعيد أو شقي، و قد بين أسباب الخير و السعادة و طرقها و أسباب الشر و الشقاوة و طرقها .

لقوله تعالى: "فألهمها فجُورها وتقْواها" [ الشمس: 8] يميز الخبيث من الطيب، فافهم .
فلمّا تداخلت أحكام القبضتين، و جهلت الأحوال تفاضلت الرجال باستخراج الخبيث من الطيب، و تميز الطيب من الخبيث، فأراد تعالى الفرقان بين الطبقات و رؤية الغايات في البدايات بتخليص المزج و تميز أهل القبضتين حتى ينفرد كلّ بعالمه، و يتميز الطائع من العاصي لتميز المراتب بأربابها، فكل أحد يعرف حاله و ماله و عاجله و آجله، و كلّ أحد يعرف ماله عنده و ما عليه من عنده، بل تعلم من أنت و من هو، كما انفرد العالم و آدم من قبضتيّ الحق و من هذا المقام .

قال تعالى"ليمِيز اللّهُ الخبيث مِن الطّيِّبِ ويجْعل الخبيث بعضهُ على  بعْضٍ فيركُمهُ جمِيعاً فيجْعلهُ في جه نّم أولئك هُمُ الخاسِرُون " [ الأنفال: 37] .
فمن بقى فيه شيء من هذه المزجة غير متخلص، و مات عليها لم يحشر يوم القيامة من الآمنين، و لكنّ منهم من يتخلص في الحساب، ومنهم بشفاعة الشافعين و أما من تخلص في دار الدنيا فيحشر من الآمنين لقوله تعالي: "لا خوْفٌ عليْهِمْ ولاهُمْ يحْزُنون" [ البقرة: 62] جعلنا الله من المخلصين المتخلصين آمين .
و إنما قلنا إنه رضي الله عنه أراد بالقبضة قبضة آدم لأنه القابض المقبوض و بيان ذلك أنه قابض من حيث أنه خليفة و مقبوض من حيث إنه إنسان، و حقيقة من الحقائق .

قال رضي الله عنه في الباب السابع و ثلاثمائة من "الفتوحات ":
فلمّا أراد الله أسرى بي ليريني من آياتي في أسمائه من أسمائي أزالني عن مكاني، و عرج بي على براق إمكاني، فلم أر أراضي أركاني، فالتفت آدم فإذا أنا بين يديه و عن يمينه في نسيم نبيه عيني فقلت له: هذا أنا فضحك، فقلت: فأنا بين يديك و عن يمينك.
قال: نعم هكذا رأيت نفسي بين يديه
فقلت له: فما كان في اليد المقبوضة الأخرى،
قال: العالم .
فإذا فهمت هذا فأرجع، و أقول في بيان النص الشريف: إنّ للكامل أن يرى لطيفته ناظرة إلى مرّكّبها العنصري، و هو متبدّد في العناصر فيشاهد ذاته العنصرية قبل وجودها و خلقها و تركيبها، كما للحق أن يراها قبل الوجود و له السّراج: أي التحلية و عدم المانع و الإطلاق في كل موطن و مقام لأن له صورا في كل موجود من عقل و نفس و طبيعة و عرش و كرسيّ، و هكذا في جميع الموجودات لأنه مرّكّب من الكل و الجميع أجزاؤه .
و من هذا المقام : "كنت نبيا، و آدم بين الماء و الطين".
بل أنه يرى في صورته الكمالية صورة حقيقية التي هو بها هو لأنه جامع للعوالم كلها، و صورته العنصرية بالنسبة إليه من جملة العوالم، فيرى نفسه خارجا عما يرى غيره من هذا القبيل قوله ما ورد في الخبر عنه صلى الله عليه و سلم في الإسراء :

" إنه دخل فإذا آدم عليه السلام وعن يمينه أشخاص بنيه السعداء وعن شماله أشخاص بنيه الأشقياء فرأى صورته صلى الله عليه و سلم في الذين عن يمين آدم فشكر الله" 
وعلم عند ذلك كيف يكون الإنسان في مكانين و هو عينه لا غيره فكان له كالصورة المرئية و الصور المرئيات في المرآة و المرائي.
ذكره رضي الله عنه في الباب التاسع و الستين و ثلاثمائة من "الفتوحات".
و هذا العلم لا يدرك بالعقل و هذا من علوم التجليات التي تجمع الأضداد بل يرى الأضداد عينه .
قال رضي الله عنه في الباب الخامس و ثلاثمائة من "الفتوحات":
للإنسان في كل عالم من عالم الأرواح و الأعيان الثابتة و عالم الخيال، و غيرها صورة بل في كل مقام و علمه بصورته إن كان صاحب الكشف بل في كل مقام، و كما أنّ لنا صورة و وجودا في صورته، و وجوده كذلك له صورة و وجوده من صورنا وجودنا، كما في الميثاق كان معنا من صورة ظهوره، فشهد معنا كما شهدنا، فهذا آدم و ذريته صور قائمة في قبضة الحق، و هذا آدم خارج عن تلك القبضة و عن تلك اليد، فهو يصير صورته العنصرية، و صورة ذريته و بنيه في يده، و هو خارج عنها .

ثم قال رضي الله عنه: فاعرف ذلك و أكثر من هذا التأنيس ما أقدر لك عليه فلا تكن ممن قال فيهم عزّ و جل: "صُم بكْمٌ عُمْيٌ فهُمْ لا يعْقِلون" [ البقرة: 171] .   و قال تعالى: "إنّ شرّ الدّواب عِنْد اللّهِ الصم البكْمُ الّذِين لايعْقِلون" [ الأنفال: 22] .
و أخذ الله الصور من ظهر آدم، و آدم فيهم و أشهدهم على أنفسهم بحضرة الملأ الأعلى و الصور التي لهم في كل محل لقوله تعالي: "ألسْتُ بربِّكُمْ قالوا بلى"  [ الأعراف: 172] .
فالإنسان عالم بجميع الأمور الخفية فيه من حيث روحه المدبر، و هو لا يعلم أنه يعلم، قال تعالى: "فلا تعْلمُ نفْسٌ ما أخْفِي لهُمْ مِنْ قُـرِّة أعْينٍ جزاءً بما كانوا يعْملون" [ السجدة: 17] . 
فهو الناسي و الساهي، و الأحوال و المقامات و المنازل تذكره، وهو رجل يدري ولا يدري أنه يدري .
ومن هذا المقام قال صلى الله عليه و سلم : "الحكمة ضالة المؤمن" .  وقال تعالى: "وذ كرْ فِإنّ  الذكْرى نتفعُ المُؤْمِنين" [الذاريات: 55] .

( و بين مراتبهم ): أي بين الله تعالى مراتب العالم سوى الإنسان أو مرتبة نفسه من حيث أنه إنسان، و مراتب بنيه أو المجموع فيه: أي في ذلك الاطلاع أو في آدم الخليفة أو في الوجود الحق و ذلك لأن العالم بالنسبة إلى الكامل سواء كان نفسه أو بنوه أو غيرهما بمنزلة الأجزاء كلها، و تبين له جزء جزء على مراتبها لأنها منها بمنزلة النفس، و منها بمنزلة القوي، و منها بمنزلة الحواس، و منها الحواس منها بمنزلة الظاهرة و من الظاهرة منها بمنزلة السمع، و منها بمنزلة البصر، و منها بمنزلة الشم و الذوق و اللمس، و منها بمنزلة الحواس الباطنة، و منها بمنزلة الأعضاء، و منها بمنزلة العضّلات، و منها بمنزلة الزينة كالشّعر، كما ذكرناه سابقا أن الملائكة بمنزلة القوي، و قس على هذا الأمر كله .
و من كان بنفسه في نفسه بهذه الشهود و الأتم، إلا و في اطلع على الكل بحسب مراتبهم، و بمعرفته بنفسه على هذا الأسلوب عرف الله .
و هذا تصديق قوله صلى الله عليه و سلم : " من عرف نفسه فقد عرف ربه"
فإنه عين المجموع، و هذا من علم المضاهاة فإنه رأى نفسه واحدة العين كثيرة المظاهر، وحده في عين كثرة، و عرف ربه أنه واحد كثير، فعرف مراتب الكثرة في عين  الوحدة، و سراية الوحدة في الكثرة، و علم نفسه أنه بمنزلة حبه، أوجد الحق منها أوراقا و أغصانا و أزهارا و أصولا و عروقا و بذورا كثيرة .
فظهرت الكثرة في الصورة عن عين واحدة، و هي عينها و غيرها بالشخص و هذا هو المراد من إيجاد العالم .

قال تعالى"وما خلقْتُ الجِنّ والِإنس إلّا  ليعْبدُونِ" [ الذاريات: 56] :
أي ليعرفون أنّ الكثرة ناشئة عن الوحدة الحقيقية والنشأة الآخرة نشأة في بعض الأحكام، نشأت البرازخ غيبا أو شهادة، فترى نفسك فيها و هي واحدة في صور كثيرة و أماكن مختلفة في الآن الواحد، فيرى نفسه أنه هو ليس غيره في الكل، و هكذا يكون يوم القيامة فإنّ النبي صلى الله عليه و سلم يطلبه الناس في مواطن القيامة، فيجدونه من حيث طلبهم في كل موطن يقتضيه ذلك الطلب، في الوقت الذي يجده الطالب الآخر في المواطن الأخرى بعينه فسببه ما ذكرناه، فافهم .
و أما كيفية الاطلاع و البيان، فقد يكون بالتعريف الإلهيّ كالخلافة فإنها قد تكون بالتعريف، كما قال تعالى في آدم عليه السلام: "إنِّي جاعِلٌ فِي الْأرضِ خلِيفةً " [ البقرة: 30].
و قال لداود عليه السلام: "إنّا جعلناك خليفةً" [ صّ : 26]، و قال لإبراهيم عليه السلام: "إنِّي جاعِلك للنّاسِ إماماً"[ البقرة: 124] .
قد يكون: أي بالتجلي الإلهيّ وهو أتم من التعريف فإنّ متعلق التعريف السّمع وهو خبر إلهيّ بواسطة أو بلا واسطة .
و قد يكون الاطلاع و البيان بالتجلي و هو ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب بعد الستر، و لا يكون أبدا إلا بالتحقق و أنّ يكون حقّ اليقين و لا يلقى التخلق .
فبين مراتبهم و درجاتهم حتى علم ما علم، و ذلك أنه تعالى لما علمه الأسماء التي (أودع فيه) و جعل في قبضتيه عليه السلام، و هو الأسماء الكونية و كل اسم من العالم علامة على حقيقة معقولة مخصوصة به ليست للآخر.
و كذلك وجوده العنصري و وجود بنيه في خروجهم من آدم الخليفة إلى الوجود العيني فإنه كثير يطلب تلك الأسماء الكثيرة، و هم مسمياتها و إن كانت العين واحدة فهي كثيرة كما أن العالم من حيث أنه عالم واحد و هو كثير بالأحكام و الأشخاص، فاجتبى إليه من يشاء و يهدي إليه من ينيب .
و ما ذكرنا هنا نعتا و لا حالا بل ذكر الأمرين اجتباءا و بداية فافهم هذه الإشارة .
و لما خرج بنوه فنظر إلى شخص من أخويهم فسئل عنه؟
فقيل: هذا ولدك داود عليه السلام كما في الخبر المشهور، فعلم بهذا الاطلاع و الأداة كل المسميات بطلسم اسمه، فإن الاسم طلسمه على المسمّى من علم الحروف و كيفية وضعها، كما أنعم الله على داود بإعطاء اسم ليس فيه حرف من حروف الاتصال .
وهي الحروف التي من شأنها أن تتصل بما بعدها فقطعه عن العالم بذلك، وسمّاه بذلك الاسم إخبارا لنا عنه عليه السلام بتجرّده وانقطاعه، وأعطي محمدا صلى الله عليه وسلم اسما بحروف الاتصال و الانفصال الاختصاصي لأنه حكيم عليم ما يضع الأشياء إلا في موضعها فيستخرجه العارف بوضع الحروف، فإن الأسماء تنزل من السماء فما وضع شيئا على شيء إلا بالحكمة، فالوجود كله ما انتظم منه شيء بشيء إلا للمناسبة ظاهرة أو باطنة صورية أو معنوية إذا طلبها الحكيم المراقب وجدها .

قال رضي الله عنه في مواقع النجوم: إن معرفة مثل هذه المناسبات من مقام خواص أهل الطريقة رضوان الله عليهم و هي غامضة جدا .
و لقد أشار أبو يزيد السهيلي إلى هذا المقام في كتاب: “المعارف و الإعلام” الذي له باسم النبي صلى الله عليه و سلم محمد و أحمد، و تكلم على المناسبة التي بين أفعال النبي صلى الله عليه و سلم و أخلاقه صلى الله عليه و سلم و بين معانيها .
و القائلون بهذه المناسبات عظماء أهل المراقبة والأدب و لا يكون هذا العلم إلا بعد كشف علمي و مشهد ملكوتي، و لا سيما الآمنين من طريقتنا  كشيبان الراعي، و أبي يزيد البسطامي، و من لقينا من المشايخ كالعربيني و أحمد المرسي و عبد الله البرجاني و جماعة منهم انتهى كلامه رضي الله عنه .

فعلم آدم مرتبة كل مسمّى من اسمه لا من خارج، و إنما قلنا أن الاطلاع تعريفي لأن الأخذ كان من ظهره يعني: ظهر الغيب عليه السلام و هو غيب له و أخذه في الميثاق أيضا من ظهره، فما نحن على يقين من ذلك أي من أنه كان بالكشف فأخذنا أقل المراتب مع احتمال ذلك، فإن قبضه لا مقطوع ولا ممنوع.

قال رضي الله عنه في هذا المبحث: عبدا وقف على علم ذلك باليقين و يخبر به انتهى كلامه .
و أما الخلافة بالتجلي فهو مخصوص سيد البشر صلى الله عليه و سلم وهو مظهر حقيقة الاسم الموفي مائة، و هم اسم الذات .
أما ترى طلب هذا الظهور من الأنبياء كداود عليه السلام فخوطب بخطاب تسعة و تسعين نعجة إشارة إلى تحققه بتسعة وتسعين اسما.

و طلبه الموفي مائة قيل: إنه لأخيك محمد صلى الله عليه و سلم و الطلب ليس في محل، و حين طلب موسى عليه السلام خوطب، فقال تعالى: “فخُذْ ما آتيْتك وكُنْ مِن الشّاكرين” [ الأعراف: 144] .
و كم تطاولت الأعناق لهذه المرتبة، و ضربت من دونها و خوطب بالصدّ و القلى .

قال الشيخ ابن الفارض قدّس سره من هذا المقام إشارة إلى هذا الصد بيت :
و لا تقربوا مال اليتيم إشارة    .... لكفّ يد صدّت له إذ تصدّت.
وكان أمية بن الصلت في الأيام الجاهلية يترشح للنبوة قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى كان من شأنه أنه قال لأخته: ها أنا أنام فاصنعي طعاما.
قالت: فبينما هو نائم إذ رأيت وقد نزل طائران من النافذة فشق أحدهما صدره، ثم أخرج نكتة سوداء فقال أحدهما: أوعي؟
قال الآخر: نعم، و على علوم الأولين
فقال: أدرك
فقال: لا
فقال: ردّوا قواده إليه فليست النبوة له إنما هي لسلالة عبد المطلب
قالت: فلمّا انتبه أخبرته بالقصة فبكي وقال متمثلا بأبيات، ثم انصدعت كبده فمات،
فانظر إلى لمن يبلغ به أهله و الأمر محتوم فافهم  .

و كان آدم أبو البشر حامل الأسماء و نبينا صلى الله عليه و سلم حامل معانيها .
فلهذا قال رضي الله عنه: إن الأمم السابقة ما وقفوا من الاسم الأعظم إلا على حروفه أو على معناه ،بخلاف المحمديين فإنهم جمعوا بين الحروف والمعاني.
وأشار إلى هذا المعنى سيدنا قطب الوقت محيي الدين عبد القادر الكيلاني في سكره حاكيا عن المرتبة المحمدية و المحمديين:
معاشر الأنبياء أوتيتم اللقب و أوتينا ما لم تؤتوا.  ذكره رضي اللّه عنه في "الفتوحات" .
و ذكر فيها: إن اثنى عشر نبيا صلوات الله عليهم أجمعين صاموا نهارهم و قاموا لياليهم مع طول أعمارهم سؤالا و رغبة و رجاءا أن يكونوا من أمته، فافهم .
"و قد رميت بك على الطريق لتعلم ما الأمر عليه و لما أطلعني الله تعالى اعلم أن الاطلاعات من كرامات القلوب و لها مراتب بحسب صفاء القلوب و جلائها". 
و من كراماتها اطلاع الحق تعالى عبده الكامل على ما أودع في العالم الأكبر من الأسرار، ثم أين حظه في نفسه من ذلك السر؟
حتى يعرف أين البحر فيه و أين البر و أين الشجر و أين السماء و الكواكب و الأقاليم و مكة و القدس و يثرب وآدم أبو البشر و موسى و عيسى و هارون، كما يعرف أيضا في ذاته الدجّال و يأجوج و مأجوج و الدابة المكلمة .
و هكذا بحيث لا يخرج منه شيء من الموجودات ولا أريد حصرها وإنما أريد أنّ كل ما عرفه من العالم الكبير لتصحيح كتابه الخاص به ذوقا.
و فوق هذا أن يطلعه الله تعالى على هذه الأسرار بعكس المرتبة الأولى، فيكون في هذه يقابل العالم مع ذاته فيعرف  الشيء في نفسه أولا، ثم بعد ذلك ينظر ما يقابله في العالم من خارج .
فالأول طالب في نفسه ما وجد خارجا عنه،
والثاني طالب في الخارج عنه ما وجده في ذاته، وهذه الكرامة أشرف وأسبق في الرحموتيات:
ومنها أن يطلعه الله تعالى على هذه الأشياء في الكتابين معا من غير تقديم ولا تأخير كالصورة في المرآة مع الناظر .
هذا غاية المشيئة الأزلية و ظهور المرادات القديمة الأولية لأنه رأى أعيان الأسماء 
مرايا لوجوده  تارة، و رأى الوجود مرآة الأعيان تارة، و جمع بين الروايتين تارة أخرى، في كون جامع حاضر وعلى لسان صاحب هذا المقام.

قال الشيخ العارف ابن الفارض :
و لولاي لم يوجد وجود ولم     ..... شهود و لم تعهد عهود بذمّة
و هنا مقامان:
الأول أن يكون العالم مرآته.
والثاني أن يكون هو للعالم مرايا .وهو المقام الأعلى والمدرك الأقصى والمجلي الأعم الأسني .
قال: العالم يرى فيها نفسه و لا يراها أصلا كالمرآة حين ترى صورتك فيها فإنك حينئذ ما تراها فيكشف العالم و لا يكشفه العالم، فهذا قلب الخاتم الأتم لو تسأل الأيام عنه ما عرفته و لو طلب له مكان لم يعقل له مكان .
وهذا هو وارث الحق حقا، و صاحب هذه الكرامة المحمدية صدقا ليس له مقام فيدرك، و حال فيكشف .
ومن هذا المقام أشار في الكتاب العزيز: "يا أهْل يثرب لا مُقام لكُمْ فارجِعوا" [ الأحزاب: 13]: أي لتربية أرباب المقامات، فإنّ الأمر غير متناه و له تأثير في العالم من غير تعيين و نوى في كشفه ما يغنيك عن وصفة في سري .

أشار إلى أن تجليه رضي الله عنه كان سريا: أي ذاتيا اعلم أن سر كل شيء عبارة عن حقيقته، فحقيقة كل شيء سره: أي (لما أطلعني الله تعالى في سري على ما أودع في هذا الوالد الأكبر) في سري و حقيقتي، فما عرفت أمرا زائدا على نفسي بل عرفتها بمعرفة نفسية كمالية جامعة، و عرفتها بتفصيلها لا في الخارج .
يشير رضي الله عنه إلى تحقيق التحقيق و تشريف التجلي المحقق في هذا الاطلاع يعني: ما كان الاطلاع بالأخبار الإلهي و لا باعتبار القبضتين كاطلاع آدم بل كان بالكشف السري و بالشهود الذوقي و الوجدان النفسي: أي لا بمجرد الكشف و شهدت ما أودع في هذا الوالد الأكبر ذوقا و يقينا باطلاعي على نفسي وسري وحقيقتي وأشرفت على ما فيها.
ما أخفيت فيها من قرة أعين إشراقا وإطلاعا ذوقيا .
ومن هذا المقام قال العارف باللّه الشيخ ابن الفارض قدس سره، شعر :
و لا تحسبنّ الأمر عني  فما ......   ساد إلا داخل في عبوديتي
و قوله رضي الله عنه الأكبر من مقام قوله تعالى: "لخلْقُ السّماواتِ والْأرضِ أكْبرُ مِنْ خلْقِ النّاسِ" [ غافر: 57] .
لكون الإنسان متولد عن تأثيرات سماوية و تأثرات أرضية فيهما له كالأبوين رفع الله مقدارهما تعليما لنا حتى نفعل هكذا مع الأبوين .
و لكن أكثر الناس لا يعلمون هذا: أي أنه أكبر من حيث الفاعلية و التأثير و الأبوة فإن قيل كيف ؟
قال العارف :
و إني و إن كنتّ ابن آدم     ..... فلي فيه معني شاهد بأبوّة
قلنا: هذا لسان إدلال و شطح، و صاحبه صاحب سكر .
أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم كيف يقول في الشك : "أنا أولى بالشك من إبراهيم" .

في قوله: " فلمّا جنّ  عليْهِ اللّيْلُ  رأى كوكباً قال هذا  ربِّي" [ الأنعام: 76]، ربي على سبيل الشك حجة على الكفار حفظا لرتبة الأبوّة مع الكمال الفائق فافهم و تأدّب، و صاحِبْـهُما في ُّ الدنيا معْرُوفاً [ لقمان: 15].
و أما اطلاعاته رضي الله عنه فعلى إنما شتي منها كما ذكرته سابقا.
و منها ما ذكره في "الفتوحات "، في الباب الثالث و الستين و أربعمائة:
إني رأيت جميع الأنبياء و الرسل عليهم السلام كلهم مشاهدة عين و كلمت منهم هودا أخا عاد دون الجماعة .
و رأيت المؤمنين كلهم مشاهدة عين من كان منهم، و من يكون إلى يوم القيامة، أظهرهم الله تعالى في صعيد واحد في زمانين مختلفين، و صاحبت من الرسل و انتفعت بها غير سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم جماعة منهم :
إبراهيم الخليل صلى الله عليه و سلم، قرأت عليه القرآن  و عيسى تبت على يديه،
و موسي أعطاني علم الكشف و الوضوح، و علمت تقليب الليل و النهار، فلمّا حصل عندي زال الليل و بقى النهار، في اليوم كله فلم تغرب لي شمس و لا طلعت، فكانت لي بشرى من الله تعالى أنه لا حظّ لي في الشقاء في الآخرة .
و عاشرت من الرسل محمدا و إبراهيم و موسى و عيسى و هودا و داود صلوات الله عليهم أجمعين، و ما بقى من الأنبياء فروية لا صحبة انتهى كلامه رضي الله عنه .
و في قوله سري يعني: أطلعني في كوني سرا إشارة لطيفة إلى تحققه بالحقيقة السرية التي أشار إليه صلى الله عليه و سلم بأن الولد سر أبيه و الذي كان له سرا فظهر على الولد بل الولد الأكبر، فافهم .
فإن استكثرت أيها  الطالب المتأمّل ما  ذكرته عن الإنسان الكامل بل إنسان الإنسان الكامل، بل عين إنسان الإنسان الكامل، بل روح الكل، روح الرّوح الكل وحقيقته، فأنت معذور فإن فهمك يعجز عن إدراك أمثال هذا لكن كما قيل :
إذا رأت عين العيون فتوحه     ..... نسخ العيان عجائب الأخبار
فإذا آمنت بالقرآن فإن الله تعالى قال: "إنّ اللّه على كُل شيْءٍ قدِيرٌ" [ آل عمران: 165] .
وهذه آية من آياته بل هو من آيات أشراط الساعة، فإنه طلوع شمس من مغربها و كفى بذلك عبرة و آية، فافهم .
و تكتم تسلم، فإن أردت بيانه أكثر من هذا، فاعلم أولا أن هذا جائز شرعا و عقلا بالنسبة إلى الحق، فإنه تعالى يرى ما في الأزل و الأبد في آن واحد.
كما يعلم ما كان و ما يكون قبل أن يكون، فيجوز أن يميز الله عبدا من عباده بهذا الاختصاص رؤية وعلما، فإن الله تعالى فعّال لما يريد و أنه على كل شيء قدير.

ولا شك أن هذا شيء وهو قادر عليه، فهو من المقدورات وما بقي بيننا أمر مبهم إلا أن نقول هذا الأمر واقع أم لا فهانت المسألة .
ورد في الخبر الصحيح و النص الصريح أنه صلى الله عليه و سلم قال : "مثلت لي أمتي في الماء والطين وعلمت الأسماء كلها كما علم آدم لأسماء كلها" ذكره الديلمي عن أبي رافع .
وقال صلى الله عليه و سلم: في حديث طويل : "فتجلى لي كل شيء وعرفت فعرفت تأنيسا".

اعلم أنّ القلب له بابان باب إلى عالم الملكوت و باب إلى عالم الشهادة 
و على كل باب إمام، فالإمام الذي هو بباب الملكوت قارع ذلك حتى يفتح له و لا بد أن يفتح.
فإذا فتح ظهر عند فتحه طريقان واضحان طريق إلى الأرواح وقف على أسراره و يصير صاحبا لهم وسميرا.
وإن سلك على طريق اللوح يعرف ما ذكرناه لأنه قد ارتقم فيه علم ما كان و ما يكون، و ما كان لو شاء الله أن يكون كيف يكون.
فيقابله بذات قلبه فيرتقم فيه على حسب كشفه و استعداده .
والمشاهد لهذا المقام ساكن الجوارح لا يتحرك له عضوا أصلا إلا عينه لغلبة المقام عليه، و هنا يقع التفاضل بين أهل الطريقة.
فمنهم من لا يزال عاكفا على اللوح أبدا لا ينتفع به، و منهم من يشهده تارة، و منهم من يترك فيما سطر قبل و يرتقي إلى النظر فيما يسطر.
و هنا مرتبتان منهم من ينظر فيما يسطر أعني: ماذا يسطر؟ و منهم من ينظر في كيفية تخطيط القلم، و كيف تقع العلوم من الدواة التي هي النون مجملة، و ينثرها على سطح اللوح مفصّلة، فإن تحكم صاحب هذا المقام لم يفهم منه كلام أصلا لإجماله . و منهم من ينظر اليمين .
و منهم من ينظرها من حيث هي هي: أي من حيث أن اليمين عين ذاته تعالى، و هذه أسنا المراتب و المقامات و أعلاها، و ليس ورائها مقام و لا منزل يتعالى .

و في هذه المقامات يقع التفاضل بين أصحابها، فللرسول منها شرب، وللنبيّ  شرب، و للصّوفي الوارث المحقّق شرب .
قال تعالى: "قدْ علم  كُل أناسٍ مشْربهُمْ" [ الأعراف: 160] و لكل مقام أدب يخصه و شاهد حال يشهد له بصدق المقام .
قال تعالى: "كُلٌّ  قدْ علِم صلاتهُ و تسْبيحهُ " [ النور: 42] .
و للخاتم المحمدي فيه يد الأخذ و العطاء و إطلاق التصرف فيها كما يشاء، فافهم لأن المساواة في إفادة العلم، فإن علمه بالعالم من علمه بنفسه، و علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد و الفرق بينهما أنّ علم هذا العبد الوارث المحمدي عطية و عناية سبقت من الله تعالى له الحسنى من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله تعالى على الأعيان الثابتة في حال عدمها .

و إنما قلنا بسبق العناية لأنها نسبة ذاتية لا صورة لها حتى يقع عليه اطلاع مخلوق ، فصاحب هذا العلم هو أعلى عالم بالله ليس كمثله شيء، فإنه أعطاه العلم و المعرفة بالتجلي فكملت معرفته بالله فنزه و شبه اقتداءا بسنن سيده و مولاه، فإنه نزه و شبه في آية بل نصفها .
وقال: " ليس كمِثلهِ شيْءٌ وهُو السّمِيعُ البصِيرُ" [ الشورى: 11] .

وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل بالأصالة، ولخاتم الأولياء الوارث الأخذ عن الأصل المشاهد المشرف على المراتب و المقامات، كذلك وهو حسنة من حسنات خاتم الرسالة و النبوة المقدم على الأسماء الإلهية في فتح باب الشفاعة .
لقوله تعالى:" لقدْ كان لكُمْ في رسُولِ اللّهِ أسْوةٌ حسنةٌ لمنْ كان يرجُوا اللّه" [ الأحزاب: 21] .
فالخاتم الحارث الراجي الوارث يقول: كما قال سيده و سنده :
و في الخبر: أما لكم فيّ أسوة"  الحديث رواه أبو قتادة رضي الله عنه.
"كنت وليا و آدم بين الماء و الطين" فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول أمثال هذا .
فخزائن الأعطيات مختومة بختام الفاتح، فما يخرجها إلا بقدر معلوم فلهذا قال :
( جعلت هذا الكتاب منه ): أي أظهرت فيه من هذه الحقائق الغير المتناهية ما حدّ لي: أي ما حدّ لي رسول الله صلى الله عليه و سلم لا ما وقفت عليه، و الوقوف من الكمّل مختلف باختلاف وسع الكمّل، فمنهم من يشهد الحكم و يزنها في الشئون الإلهية المشهودة له، و لا يشهدها إلا عند تكوينها في الخارج في عالم الأرواح لا عالم الحس .

خاصة و منهم من يشهد قبل ظهورها في الحس و هو التكوين، و الآخر يشهده في الإمام المبين و هو اللوح المحفوظ، و هذا أعلى من الأول و أما على الشهود و أتمه الذي كلامنا فيه و نحن بصدد بيانه، و هو أنه يزنها قبل أن يكون الحق فيها، و هو الذي يشاهد أعيان الممكنات في حال عدمها .
كما يشهدها الحق في قوله: "و فوق كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ" [ يوسف: 76] .
و هذا أعلى المدارك و أتمها و أعزها، قال: علمه بالأشياء بمنزلة علم الله تعالى بها لأن الأخذ من معدن واحد و هذا: أي الخليفة شرب الخاتم الفاتح، فإنّ ذلك لا يسعه كتاب و لا العالم الموجود الآن لأن المتناهي لا يسع غير المتناهي: أي عادة و إنما قلنا عادة لأنه قد يسع كرامة كما وسع القلب ربه .

و من دون ذلك الذوق يقول أبو يزيد البسطامي قدّس سره: العرش و ما فيه مائة ألف ألف مرة لو أبقي في زاوية قلب العارف ما أحسّ به هذا وسعه قدس سره في المحسوسات، فافهم .
و التأنيس في كيفية الاطلاع على غير المتناهي :
أولا: من قرب النوافل حيث يكون الحق قواه فيدرك غير المتناهي بغير المتناهي .
و ثانيا: من حيث قرب الفرائض، فإنّ المدرك هنا حق به .

فإن قلت: هل يمكن إدراك غير المتناهي بالقوة المتناهية الحادثة أم لا؟!
و إذا كان من الممكنات، هل هو واقع أم لا؟!
و إذا كان واقعا هل مخصوص ببعض دون بعض أم لا؟ !
مع أن حقيقة العلم  تستدعي الإحاطة و حقيقة غير المتناهي تمنع الإحاطة، و قلتم إن قلب الحقائق من الحالات، فمن تعلق العلم به يلزم أحد الحالين إما قلب حقيقة العلم و إما أن يكون غير المتناهي متناهيا و قد فرضناه متناه يقول: فاعلم أولا أنه تعالى قال: "ولا يحِيطون بشيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا  بما شاء" [ البقرة: 255] علق أمر الإحاطة بالمشيئة .

و قال صلى الله عليه و سلم : "أوتيت جوامع الكلم و كلمات الله لا تنفد".
و قال صلى الله عليه و سلم في حديث صحيح : "علمت علم الأولين والآخرين". 
و ليس لأفراد الأولين و الآخرين نهاية دنيا و أخرى، فافهم .
و آدم عليه السلام شهد الله له بأنه علم آدم الأسماء كلها و قال صلى الله عليه وسلم : "علمت الأسماء كلها كما علم آدم الأسماء كلها " . ذكره الديلمي عن أبي رافع

والأسماء إلهية غير متناهية، فإذا عرفت هذا، فاعلم أنه رضي الله عنه قال في الباب السادس و الأربعين من "الفتوحات " : واختلف أصحابنا في العلم المحدّث (بفتح الدال) هل يتعلق بما لا يتناهى من المعلومات أم لا؟
فمن منع أن نعرف ذات الله سبحانه منع من ذلك و من لم يمنع من ذلك لم يمنع حصوله .
فإن قلت هذا التفصيل مبهم ما عرفت الحق منهما، و ما مذهب الشيخ رضي الله عنه من بينهما .

قلنا: قال رضي الله عنه في "الفتوحات" : إن الله تعالى علق الإحاطة بالمشيئة، فما شاء الله كان.
وقد يمكن أن يقع بل وقد يصح أن يقع بمشيئة الاشتراك مع الحق تعالى في العلم بمعلوم ما، و من المعلومات العلم بالعلم، أخبر سبحانه أنه يعلم ولا يعلم منه إلا ما أعلمه إذا شاء لمن شاء بقدر ما شاء .
وذكر رضي الله عنه في الباب السابع و التسعين و مائتين:
إن العبد أقامه الحق في وقت ما في مقام تعلق العلم بما لا يتناهى و ليس بمحال عندنا، انتهى كلامه . فقوله صلى الله عليه وسلم : "إن لي مع الله وقتا" الحديث .

"" أضاف المحقق : قال سيدي عبد الكريم الجيلي في الكمالات الإلهية في الصفات المحمدية : فالأنبياء والأولياء والملائكة وسائر المقربين من سائر الموجودات ليس عندهم من المعرفة الذاتية ومحمد صلى الله عليه وسلم الذي هو قلب الوجود هو الذي عنده الوسع الذاتي للمعرفة الذاتية، وإلى ذلك أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: «لي وقت مع ربي لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل» اهـ.
وذكر الشيخ في هذا المؤلف العظيم اتصاف سيدنا صلى الله عليه وسلم بجميع الأسماء الحسنى، وجعل يذكر الأدلة على تلك الكمالات" .أهـ ""
يمكن أن يكون إشارة إلى ذلك الوقت فافهم .

"" أضاف المحقق : الوقت عبارة عن حالك، وهو ما يقتضيه استعدادك لغير مجهول، في زمن الحال الذي لا تعلق له بالماضي والمستقبل فلا يظهر فيك من شؤون الحق الذي هو عليها، في الآن، إلا بما يطلبه استعدادا، فالحكم للاستعداد و شأن الحق محكوم عليه. 
هذا هو مذهب التحقيق، فظهور الحق في الأعيان بحسب ما يعطيه استعدادها، فلذلك ينبوع فيها فيض وجود الحق، وهو في نفسه على وحدته الذاتية، وإطلاقه و تجرده، و تقدسه غني عن العالمين.
فالوقت هو الحاكم والسلطان، فإنه يحكم على العبد فيمضه على ما يقتضيه استعدادا، ويحكم على الحق بإفاضة ما سأله العبد منه بلسان استعداده في زمن الحال.
إذ من شأن الجواد التزام توفيقه استحقاق الاستعدادت كما ينبغي.
وفي قوله تعالى: "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة". تأييد لهذا التحقيق ومن كان بحسب ما خاطبه به الشرع في كل حال، فهو في الحقيقة صاحب وقته، فإنه قام بحقه، ومن كان هكذا فهو عند ربه من السعداء.  ""

أما قولك: إن العلم حقيقة تطلب الإحاطة و إن لم تحط، يلزم جوار قلب الحقائق فلا نسلم أنه حقيقة من الحقائق الوجودية حتى يلزم المحال، بل هو نسبة بين العالم و المعلوم، و النسبة من الاعتبارات العدمية فلا محال، فافهم .
وإن سلمنا أنه حقيقة من الحقائق فلم لا يجوز أن يكون مثله مثل وسعة القلب الذي يسع الحق الغير متناهي و هو منتاه. وقد ثبت ذلك بالخبر الصحيح من الله

مع أنّ الشيخ رضي الله عنه قال: إن الاقتصار غير لازم عندنا في كل شيء بل أوجد الله تعالى ما يريد في أي محل يريد، ذكره رضي الله عنه في الباب السابع و السبعين و مائتين من " الفتوحات" .
و لا يعلم ما قلناه إلا من وسع الحقّ قلبه كما ورد في الخبر الصحيح أن الحق يقول: " ما وسعني أرضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي " الحديث.
فإذا المتناهي وسع غير المتناهي، و قس عليه العلم المحيط على المعلومات الغير المتناهية، فإن قلت .
قال تعالى: "وما أوتيتمْ مِن العِلْمِ إلّا  قليلًا "[ الإسراء: 85] وهو الذي أثبته علم كثير بل غير متناه فما التوفيق بينهما قلنا .
قال الشيخ رضي الله عنه في الباب السادس و الأربعين من "الفتوحات " : 
إن القليل من الاستقلال: أي ما أعطيتم من العلم إلا ما تستقلون بحمله، انتهى كلامه رضي الله عنه .
أو يكون الاستثناء عن المخاطبين من أوتيتم: أي ما أوتيتم من العلم إلا قليلا منكم .
قال تعالى: "قلْ ربِّي أعْلمُ بعِدّ تهِمْ ما يعْلمُهُمْ إلّا قليلٌ" [ الكهف: 22] .
قال ابن عباس رضي الله عنه: أنا من القليل، وو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الخامسة والثلاثين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:18 pm

الفقرة الخامسة والثلاثين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الخامسة والثلاثين : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
حكمة إلهية في كلمة آدمية، وهو هذا الباب.
ثم حكمة نفثية في كلمة شيئية.
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية.
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية.
ثم حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية.
ثم حكمة حقية في كلمة إسحاقية.
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية.
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية.
ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية.
ثم حكمة أحدية في كلمة هودية.
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية.
ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية.
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية.
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية.
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية.
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية.
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية.
ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية.
ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية.
ثم حكمة جلالية في كلمة يحياوية.
ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية.
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية.
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية.
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية.
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية.
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية.
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية.
وفص كل حكمة الكلمة التي تنسب إليها.
وجملة هذه الحكم المشتمل عليها هذا الكتاب سبع وعشرون حكمة لسبعة وعشرين نبيا :
الأولى : (حكمة إلهية)، أي منسوبة إلى الله تعالی .
(في كلمة) من كلمات الله التامات وفي دعاء النبي عليه السلام: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق» .
وما خلق هو عالم الخلق والتصوير، وهو كلمات الله الناقصات وهم أهل الغفلة والغرور، لأنهم في عالم الخلق واقفون.
والأنبياء والأولياء عليهما السلام في عالم الأمر واقفون (آدمية) منسوبة إلى آدم عليه السلام.
(وهي)، أي هذه الحكمة الإلهية (هذا الباب) الأول الذي فرغنا من بيانه .
(ثم) الثانية : (حكمة نفثية) منسوبة إلى النفث وهو النفخ مع بعض رطوبة اللعابية، ومنه نفث الوحي الجبرائيلي.
كما قال عليه السلام: «نفث روح القدس في روعي» الحديث، أي نفخ مع بعض رطوبة وقعت في روعي، أي قلبي وهي برودة اليقين.
ولهذا كان عليه السلام إذا جاء الوحي تدثر وتزمل وأخذته القشعريرة في جسده حتى قال الله تعالى فيما أوحى إليه : "يا أيها المدثر" 1 سورة المدثر.، و " يا أيها المزمل" 1 سورة المزمل.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (شيثية)، أي منسوبة إلى شيث عليه السلام وهو ابن آدم لصلبه وكان نبيا صاحب صحائف أنزلها الله تعالى عليه بالوحي الجبرائيلي.
(ثم) الثالثة : (حكمة سبوحية) منسوبة إلى سبوح بمعنى التسبيح على وجه المبالغة، وهو التنزيه الله تعالى عما لا يليق به من المعاني الإمكانية .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (نوحية) منسوبة إلى نوح عليه السلام.
(ثم) الرابعة : (حكمة قدوسية) منسوبة إلى قدوس بمعنى التقديس على وجه المبالغة، وهو تطهير الله تعالى عن جميع الاعتبارات العقلية، والنسب الوهمية ، والفرق بينه وبين التسبيح : أن التسبيح بمعنى التنزيه والتقديس بمعنى التنزيه عن التنزيه .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (إدريسية) منسوبة إلى إدريس عليه السلام.
(ثم) الخامسة : (حكمة مهيمية) بصيغة اسم المفعول منسوبة إلى الهيم من الهيام وهو غاية المحبة (في كلمة) من كلمات الله التامات (إبراهيمية) منسوبة إلى إبراهيم عليه السلام.
(ثم) السادسة : (حكمة حقية) منسوبة إلى الحق وهو خلاف الباطل.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (إسحاقية) منسوبة إلى إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
(ثم) السابعة : (حكمة علنية) بتشديد الياء مشتقة من العلو وهو نقيض السفل.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (إسماعيلية) منسوبة إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
(ثم) الثامنة : (حكمة روحية) منسوبة إلى الروح وهي قيومية الله تعالى في كلية خلقه ملك وملكوتة، والروح في الأصل اسم للريح إذ الياء تبدل واوا في كثير من الكلمات في لغة العرب وكان تسميتها بذلك، لأنها تنقل أخبار الحق تعالى إلى العبد كما تنقل الريح أخبار الروض إلى المستنشقين فيكشفون بالرائحة عن الريحان، ويستغنون بالآثار عن الأعيان، فإذا هو بها من مطلع شمس الأحدية على فلك الأسماء والأوصاف الأقدسية .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (يعقوبية) منسوبة إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.
(ثم) التاسعة: (حكمة نورية) منسوبة إلى النور، وهو العالم الأصلي لهذا العالم، وهو المدرك منا لعالمنا الذي ندركه، وحقيقة النور تنافي كل حقيقة بالماهية والصورة، والنور نوران: نور الحق تعالى وهو الغيب المطلق وهو النور القديم، ونور العالم المحدث، وهو نور نبينا الذي أول ما خلقه الله تعالى من نوره، ثم خلق منه كل شيء، فهو كل شيء من حيث الماهية وكل شيء غيره من حيث الصورة، كما أنه هو نور الحق تعالى من حيث الماهية وهو غير نور الحق من حيث الصورة، فإن معنى إيقادنا نور سراج من نور سراج آخر:
أن الأول أثر في الثاني فظهر الثاني على صورة الأول، بل الثاني هو الأول بعينه ظهر في فتيلة ثانية من غير انتقال عن الأول، وهكذا في باقي التعددات التي لا تحصى.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (يوسفية) منسوبة إلى يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
(ثم) العاشرة :(حكمة أحدية) منسوبة إلى الأحد وهو من حيث الحق تعالى وصف من أوصافه، ومن حيث نحن اسم من أسمائه ، ومعناه الذي ليس فيه شائبة اثنينية حقيقة ولا بوجه من الوجوه، بخلاف الواحد فإنه يقال على المنفرد في حضرة وإن شاركه غيره في باقي الحضرات فهو أعم والأحد أخص.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (هودية) منسوبة إلى هود عليه السلام.
(ثم) الحادية عشر : (حكمة فتوحية) منسوبة إلى الفتوح اسم الفتح وهو ابتداء الشيء من غير سبق مثله، وهو الإبداع والاختراع، وكل شيء له إبداع من الحق تعالى واختراع فله فتح إلهي هو فتوح ذلك الشيء ويسمى فاتحته، وهو إيجاده الأمري الواحدي، وقرآنه هو الجمعي الذاتي، وفرقانه هو الفرقي الصفاتي، ولهذا يتحد في القرآن ويتعدد في الفرقان، وفاتحته تجمع قرآنه و فرقانه كما أن بسملته تجمع فاتحته، وباءه تجمع بسملته، ونقطته تجمع باءه فهي نقطة وهي بحر قال تعالى :" ولا يحيطون بشيء من علمه "255 سورة البقرة.
فنفى عنهم الإحاطة بشيء من الأشياء مطلقا، مع أنهم أحاطوا بالنقطة فقد أحاطوا من حيث إنهم هو وما أحاطوا من حيث هم، كما أن نقطة الباء هي جميع القرآن والفرقان وما هي جميع القرآن ولا الفرقان.
قال الخضر لموسى عليهما السلام : ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور بفمه من ماء البحر .
وهي النقطة التي أخذتها الروح من بحر الأمر الإلهي، وهي الصورة الجسمية التي لكل شيء والمعنوية أيضا.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (صالحية) منسوبة إلى صالح عليه السلام .
(ثم) الثانية عشر : (حكمة قلبية) منسوبة إلى القلب وهو تعيين أمر الله تعالی الواحد في حضرة من الحضرات سمى قلبا من سرعة القلب.
قال تعالى : "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر " 50 سورة القمر.
والنفس مجموع ذلك كما أن الكلمة مجموع حروف والكلام مجموع ?لمات
(في كلمة) من كلمات الله التامات (شعيبية) منسوبة إلى شعيب عليه السلام.
(ثم) الثالثة عشر (حكمة ملكية) منسوبة إلى الملك بالتحريك واحد الملائكة ، وهي الأرواح المنفوخة في الأجسام النورية فوق الأجسام النارية والترابية، ولهذا سكنت السماء، ونزولها إلى الأرض في الأجسام النارية والترابية الأصلية وغير الأصلية لا غير بطريق الاستيلاء على القابل لذلك من الأصلية، كما أن الأجسام النارية تنزل إلى الأجسام الترابية الأصلية وغير الأصلية بطريق الاستيلاء أيضا على القابل لذلك من الأصلية.
وهذا هو الفارق بين الكهانة والنبوة وبين السحر والصديقية وبين الوسوسة والإلهام، فالوسوسة مقام المبتدئين في الضلال كما أن الإلهام مقام المبتدئين في الهدى.
والسحر مقام المتوسطين في الضلال والصديقية مقام المتوسطين في الهدى، والكهانة مقام النهاية في الضلال .
كما أن النبوة مقام النهاية في الهدى، وقد انقطعت الكهانة الآن كما انقطعت النبوة، وما بقي إلا الوسوسة والسحر والإلهام والصديقية.
فالمعتبر في الضلال والهدى هذه المقامات المذكورة، وما دون ذلك فإنه تبع لما ذكرنا لا استقلال له بضلال ولا هدى.
وكما أن الأجسام الترابية منقسمة إلى قسمين:
مستقل بالضلال ومستقل بالهدى.
كذلك الأجسام النارية قسمان:
مستقل بالضلال هم الشياطين يستمدون من إبليس.
ومستقل بالهدی هم صالحو الجن يستمدون من الملائكة.
والملائكة مستقلون بالهدی كلهم يستمدون من الروح الكلي.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (لوطية) منسوبة إلى لوط عليه السلام .
(ثم) الرابعة عشر : (حكمة قدرية) منسوبة إلى القدر بالتحريك وهو : جعل الله
الله تعالى كل شيء بمقدار على حسب ما اقتضته حضرات ذاته المتجلي بها لذاته
والقضاء هو : الحكم بذلك فهما في المعنى واحد واثنان في الصورة.
فثبوت ?ل شيء بمقدار في علم الحق تعالى يسمى قدرة من جهة تخصيص المقدار المعلوم بكل شيء.
ويسمى قضاء من جهة الحكم به وتنفيذه على طبق مقداره المعلوم
(في كلمة) من كلمات الله التامات (عزيرية) منسوبة إلى العزير عليه السلام.
(ثم) الخامسة عشر : (حكمة نبوية) منسوبة إلى النبي وهو فعيل بمعنی فاعل، أو بمعنى مفعول من النبأ بمعنى الخبر، أو النبوة وهي الرفعة.
وحقيقة النبوة هي الرفع الحجب الظلمانية والنورانية التي هي كل شيء من غير ذهاب كل شيء.
والأخذ عن الحق تعالى بلا واسطة في عالم الغيب، وعن جبريل عليه السلام في عالم النور، ثم الرجوع بذلك إلى عالم الظلمة من غير زيادة ولا نقصان .
واحترزت بقولي: من غير ذهاب كل شيء، عن حقيقة الولاية، فإنها رفع الحجب الظلمانية والنورانية التي هي كل شيء جسماني أو روحاني في وقت الشهود من غير أن يبقى مع ذلك شيء من الأشياء مطلقة، وإذا ظهرت الأشياء انسدلت الحجب.
واحترزت بقولي: وعن جبريل عليه السلام في عالم النور، عن الصديقية ، فإنها وإن كانت رفع الحجب المذكورة التي هي كل شيء مع ثبوت كل شيء على ما هو عليه، لكن لا أخذ فيها عن جبريل عليه السلام في عالم النور بل عن ملك من خدمة جبريل عليه السلام يسمى ملك الإلهام، لأنه كل فتح له ملك مخصوص .
واحترزت بقولي: ثم الرجوع بذلك إلى عالم الظلمة من غير زيادة ولا نقصان، عن مقام القرية الذي فوق الصديقية ودون النبوة، فإنه لا رجوع فيه إلى عالم الظلمة، وإن كان فيه رجوع فبزيادة أو نقصان.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (عيسوية) منسوبة إلى عيسى عليه السلام.
(ثم) السادسة عشر : (حكمة رحمانية) منسوبة إلى الرحمن، وهو اسم من أسماء الله تعالی غلب على باقي الأسماء كلها في ظهورها بأثارها، ولولا ذلك ما قبل أثر من الأثار الظهور عن اسم إلهي .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (سليمانية) منسوبة إلى سليمان عليه السلام.
(ثم) السابعة عشر : (حكمة وجودية) منسوبة إلى الوجود، وهو النور الذي لا لون له ولا صورة أشرق على الألوان والصور الممكنة المعدومة، فظهرت وهي على ما هي عليه من العدم ومن الظلمة الأصلية، وهو على ما هو عليه من التنزيه عن جميع ذلك، فكان العالم وتجرد عن جميع الألوان والصور المذكورة كما هو مجرد عن ذلك في حال إشراقه المذكور، فهو الحق تعالى، وليس الإشراق الذي أردناه إشراق اتصال ولا انفصال، ولكن صبغه بالإرادة والاختيار
كما قال تعالى : " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغه" 158 سورة البقرة.
وجميع ما يذكر في الحق تعالی علی طريقة ضرب المثل، وإلا فليس بشيء يشبه الحق تعالی مطلقة لا في عالم الحس ولا في عالم المعاني.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (داودية) منسوبة إلى داود عليه السلام.
(ثم) الثامنة عشر : (حكمة نفسية) منسوبة إلى النفس بالسكون وهي: ظهور الروح للجسم بما يناسبه كما أن السامري لما قبض قبضة من أثر الرسول وهو جبريل عليه السلام، لأنه الروح الأمين، ثم صاغ جسم عجل من ذهب ووضع تلك القبضة في ذلك العجل فظهر منه خوائر وهو صوت العجول، فحكمت تلك الروح التي وضعها فيه بما يقتضيه ذلك الجسم وهو الخوار، ولو أنه وضعها في جسم إنسان النطق، أو فرس لصهل، أو حمار لنهق، والحيوانية لازمة في الكل على كل حال، فالنفس السارية في ذلك العجل هي الحيوانية مع الخوار، وهي أثر تلك القبضة ، كما أن تلك القبضة من أثر الرسول.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (يونسية) منسوبة إلى يونس عليه السلام.
(ثم) التاسعة عشر : (حكمة غيبية) مسنوبة إلى الغيب وهو : ما غاب عن العالم
من الحق تعالى، فإنه تعالى ظهر للعالم على حسب ما يليق بهم فعرفه كل شيء بما عرف به ذلك الشيء نفسه .
وهذا هو الشهادة، فليس الحق تعالی مجهولا لشيء من الأشياء من هذا الوجه، ثم إنه تعالى خفي عن العالم بمقتضى ما لا يليق بهم، فلم يعرفه كل شيء لعدم مناسبته بينه وبينالشيء من الأشياء.
وهذا هو الغيب فهو تعالی مجهول لكل شيء من هذا الوجه، فالغيب هو الحق تعالى، والشهادة هي الحق تعالى.
كما قال سبحانه : "الذين يؤمنون بالغيب" 3 سورة البقرة .
قال بعض المفسرين: الغيب هو الله تعالى، ومن أسمائه تعالى الظاهر الباطن، فالظاهر هو الشهادة والباطن هو الغيب.
وقال تعالى: "ولا تكتموا الشهادة" 283 سورة البقرة. أي لا تخفوا، أنها الحق تعالى وتجحدوا ذلك "ومن يكتمها فإنه آثم  قلبه" لإنكاره
ما هو الحق كما صرح بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكتمها في قوله : أصدق كلمة قالها شاعر قول لبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
والسموات والأرض وما بينهما مخلوقة بالحق. قال تعالى : "وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين" 38 سورة الدخان.
ما خلقناهما إلا بالحق والمخلوق بالحق، أي المقدر به الموجود به حق، والحق ليس بباطل، فالباطل إنما هو السوي والغير لا المشهود من كل شيء.
وفي الآية: "كل شيء هالك إلا وجهه" 88 سورة القصص.
فالشيء هو الباطل الهالك، ووجه الله هو الحق، في فالشهادة كلها حق، وهي الحق تعالى، والأشياء كلها هالكة.
ولا يقدر على الفرق بين الحق تعالی من حيث إنه هو الشهادة وبين الأشياء كلها إلا من عرف نفسه فعرف ربه، وقليل ما هم .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (أيوبية) منسوبة إلى أيوب عليه السلام.
(ثم) العشرون: (حكمة جلالية) منسوبة إلى الجلال وهو باطن الجمال، كما أن ظاهر النار جمال للإنارة و الإضاءة والإشراق، وباطنها جلال للتعذيب
والإحراق والإفناء والإعدام، فالجلال مستور بالجمال.
فالظاهر من الحق تعالى هو الجمال، وهو كل شيء لقربه إلى العقول والحواس، والباطن من الحق تعالى هو الجلال لإعدامه الأشياء وإهلا?ه لها.
من قوله تعالى: "وكل شيء هالك إلا وجهه" 88 سورة القصص.
وللإيقاع في الحيرة المدهشة، فالجمال الإلهي يثبت العالم ويوجده، والجلال الإلهي ينفيه ويعدمه.
ولا يزال الأمر كذلك يتعاقب الوجود والعدم تعاقب النهار والليل .
كما قال تعالى: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر" 50 سورة القمر. وكل شيء قائم بأمر الله تعالى، فهو كلمح البصر .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (يحيوية) منسوبة إلى يحيى عليه السلام .
(ثم) الحادية والعشرون (حكمة مالكية) منسوبة إلى المالك وهو الحق تعالی، لأنه المتصرف في جميع العالم، وتصرفه نافذ على كل حال.
والمالك على قسمين :
مالك مطلق وهو الحق تعالى.
ومالك مقيد وهو العبد. والقيد من جملة ذلك الإطلاق.
فالمالك المطلق مستولي على كل شيء والمالك المقيد ظهور استيلاء ذلك المالك المطلق على شيء من تلك الأشياء.
فالمالك المقيد داخل في المالك المطلق مندرج تحته، ولما كان الحق تعالی ظاهرة في الدنيا بكل مالك مقيد كان باطنة عن أهل الدنيا .
فقال تعالى: "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" 7 سورة الحديد.
يعني من حيث قيودكم، وأما في الآخرة فينعزل كل مالك عن مل?ه، ويظهر المالك المطلق
كما قال تعالى : "الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم " 56 سورة الحج. وقال: "ملك يوم الدين " 4 سورة الفاتحة.
وقال : "لمن الملك اليوم" ثم أجاب نفسه بنفسه فقال :"لله الواحد القهار" 16 سورة غافر .
إذ لا غيره في الحقيقة، وإن كان الجواب من جهة قيد من قيوده، إذ القيود كلها فانية بالنسبة إلى ذاته تعالى.
كما قال سبحانه : "كل من عليها فان" 26 سورة الرحمن.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (ز?ریاوية) منسوب إلى زكريا عليه السلام.
(ثم) الثانية والعشرون: (حكمة إيناسية) منسوبة إلى الإيناس وهو خلاف الإيحاش.
والأنس بالشيء كمال ظهور الحق تعالی به . كما أن الوحشة من الشيء عدم كمال الظهور المذكور.
وهذا الظهور للأرواح لا النفوس، فإن النفوس قد تجهله فتجحده، والأرواح عالمة به على كل حال لأنها من عالم التقديس، والنفوس من عالم التدليس والتدنيس.
وأصل الأنس في العالم من حضرة الجمال الإلهي التي خرجت منها الأرواح، وأصل الوحشة في العالم من حضرة الجلال الإلهي التي خرجت منها الأجسام.
فأنس الأرواح یزیل وحشة الأجسام إذا اجتمعنا، ولهذا إذا فارقت الروح عن الجسم لا يبقى فيه أنس البتة.
فالإنسان مشتق من الأنس لغلبة العالم الروحاني على العالم الجسماني، فبالإنسان زالت الوحشة عن عالم الأجسام.
وغير الإنسان مما لم تغلب فيه الروحانية على الجسمانية حيوان، والحيوان أنواع باعتبار الفصول التي تميزه عن الجنس، وهو الوحوش
التي قال تعالى: "وإذا الوحوش حشرت" 5 سورة التكوير. مشتقة من الوحشة لغلبة الجسمانية على الروحانية .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (إلياسية) منسوبة إلى إلياس عليه السلام.
(ثم) الثالثة والعشرون: (حكمة إحسانية) منسوبة إلى الإحسان وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "الإحسان أن تعبد الله تعالى كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وهو شهود الله تعالى في كل عبادة من العبادات، والعبادة الذل، ولا أذل من المخلوق.
فكل فعل من أفعاله ذل الله تعالى لاحتياجه إليه تعالى في إرادة ذلك المخلوق له، وفي صدوره عن ذلك المخلوق، فكل فعل من أفعال المخلوق عبادة.
وأما المخالفات فلا يظهر للعبد احتیاجه إلى الله تعالى فيها كمال الظهور، فلا ذل عنده بها بل فيها الاستغناء بنفسه عن ربه.
ولهذا لا تظهر منه إلا في وقت الغفلة عن الله تعالى، وصاحب الغفلة ناقص العبودية، وكلامنا في العبد الكامل في العبودية .
والفرق بين الشهود والرؤية :
أن الشهود كأنك تراه، والرؤية أن تراه، فكاف التشبيه توهم الرؤية ليست برؤية، وذلك رؤية الأثر الذي هو على صورة المؤثر ?رؤيتك صورتك في المرآة، فإذا رأيتها فكأنك رأيت وجهك.
وما رأيته بل رأيت أثره المنطبع في المرأة على صورته ، وكل أثر فهو صورة الحق تعالی ظاهر في حضرة من حضرات أسمائه الحسنى، متجلية بتجلي صفاته العليا، ولهذا قال تعالى: "فأينما تولوا فثم وجه الله إن" 115 سورة البقرة.
فإن كان تولوا بمعنی تستقبلوا فثم وجه الله من اسمه الظاهر بالأسماء والأوصاف وإن كان تولوا بمعنی تعرضوا فثم وجه الله من اسمه الباطن بالذات المطلقة .
كما قال تعالى : "والله من ورائهم محيط" 20 سورة البروج .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (لقمانية) على الراجح عند الشيخ رضي الله عنه منسوبة إلى لقمان عليه السلام الذي اختلف في نبوته .
(ثم) الرابعة والعشرون: (حكمة إمامية) منسوبة إلى الإمام وهو المقدم على غيره بحيث يقتدي به غيره في الحركات والسكنات كما قال تعالى: "وكل شيء أحصيناه في إمام مبين" 12 سورة يس.
فالإمام المبين هو كل شيء من حيث الإجمال، وكل شيء هو الإمام المبين من حيث التفصيل، قال تعالى: "والملائكة يشهدون" ، ففرق وفصل "كفى بالله شهيدا" 166 سورةالنساء. فجمع وأجمل.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا أمن الإمام فجمع وأجمل فأمنوا" فرق وفصل ثم قال: "فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له"
ففرق وفصل أيضا، لأن الجمع جمع وفرق وإجمال وتفصيل والجمع هو عين الفرق، والإجمال هو عين التفصيل كما قال تعالى: "يوم يقوم الروح والملائكة صفا" 38 سورة النبأ.
فالملائكة تفصيل، والروح إجمال، والصف صف واحد، الملائكة في الفرق والروح في الجمع .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (هارونية) منسوبة إلى هارون أخا موسى عليهما السلام.
(ثم) الخامسة والعشرون: (حكمة علوية) منسوبة إلى العلو نقيض السفل، والعلو هو المؤثر، والسفل هو المتأثر، وكل شيء مؤثر ومتأثر. فمن حيث هو مؤثر علو، ومن حيث هو متأثر سفل.
قال تعالى : " والركب أسفل منكم " 42 سورة الأنفال. والركب هم بنو آدم الذي قال تعالى فيهم: "ولقد كرمنا بني عام ولهم في البر والبحر" 70 سورة الإسراء.
فهم المحمولون وغيرهم من الخلق ليسوا م?رمین، فليسوا محمولين، فليسوا بركب فما هم أسفل بل أعلى، والعلو للمؤثر فقط، والمؤثر هو .
الله تعالى وحده لولا أنهم نازعوا الله تعالی بنفوسهم في صفة التأثير التي له تعالى وحده .
ما كان لهم العلو على الركب المحمولين . والمنازعون الله تعالی هالكون فيه تعالى، لأنهم لم يعرفوا نفوسهم فلم يعرفوا ربهم، فادعوا ما ليس لهم وهو العلو من حيث نفوسهم فهلكوا بتكبرهم على الله تعالى.
والركب لما تواضعوا الله تعالى بالأسفلية ظهر لهم تأثير الله تعالى فيهم، فميزوا بينهم وبينه فرفعهم الله إليه .
كما قال تعالى: "بل رفعه الله إليه " 158 سورة النساء.  وقال : "ورفعناه مكانا عليا " 57 سورة مريم . وقال: "ورفعنا لك ذكرك " 4 سورة الشرح.
وذكره هو ما أنزل الله تعالى عليه به، والرفع الإزالة، فإذا زال السفل بقي العلو وهو الله تعالى وحده .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (موسوية) منسوبة إلى موسى عليه السلام.
(ثم) السادسة والعشرون : (حكمة صمدية) منسوبة إلى الصمد، وهو الذي يصمد إليه
بالحوائج، أي تقصد منه جميع الحوائج، وهو الحق تعالى من حيث التجلي العام على كل شيء.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (خالدية) ثابتة على الراجح عند الشيخ رضي الله عنه منسوبة إلى خالد بن سنان عليهما السلام.
(ثم) السابعة والعشرون: (حكمة فردية) منسوبة إلى الفرد وهو الواحد الذي لا نظير له، وكل شيء فرد لعدم تكرار التجليات
الإلهية التي عنها صدور كل شيء، ولكن فردية كل شيء مشفوعة بشيئيته الهالكة الفانية. فلو زالت عنه ظهرت له فرديته وكان فردا.
فالفردية سارية في كل شيء سريان النور المحمدي المخلوق منه كل شيء في كل شيء، والشفعية للحقيقة الإبليسية الشيطانية، فهي سارية في كل شيء أيضا، فمن غلب عليه حكم الفردية نجا، ومن غلب عليه حكم الشفعية هلك، والشفع من الفرد، لكنه خارج منه بالاستقلال عنه .
كما قال تعالى لإبليس : "اخرج منها" 18 سورة الأعراف. ثم قال له : "فإنك رجيم" 34 سورة الحجر.
يعني لعين، أي مطرود لاستقلالك وعدم رضائك بالحكم الواحد من الواحد على الواحد.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (محمدية) منسوبة إلى محمد نبينا ، ثم لما لم يذكر الشيخ رضي الله عنه لفظ الفص في هذا الفهرست بإيذاء كل حكمة للاختصار في ذلك .
قال رضي الله عنه :  وفص كل حكمة الكلمة التي تسب إليها .
فاقتصر على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.
فامتثلت على ما رسم لي، ووقفت عندما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت ، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره.
ومن ذلك :
(وفص كل حكمة) من الحكم المذكورات (الكلمة التي نسبت) تلك الحكمة (إليها) فإن الحكمة دورية فهي كالحلقة وكلمتها التي هي معناها الثابت لها بحيث لا يفارقها أبدأ هو فص تلك الحلقة، والفص موضع نقش الاسم وصاحب هذه الحلقات.
وهذه الفصوص هي مجلى الله تعالى وأسماؤه منقوشة على هذه الفصوص، كل فص عليه اسم من أسمائه تعالى هو الاسم الأعظم، وهو سره الأفخم واليد يد الله والأصابع أصابعه، والخواتم خواتمه.
فافهم ما أقول لك على التنزيه التام إن ?نت من أصحاب هذا المقام، وإلا فاترك كلامي، ولا تتصرف فيه بوساوس الإيهام،
فتزل بك الأقدام ولا يغرنك علمك الرسمي، فإنه جهل والسلام.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
حكمة إلهية في كلمة آدمية وهو هذا الباب ) ظاهر غنى عن التعريف
الفاء في فمما لجواب الشرط المحذوف أي لما كان الأمر ما قلناه.
ومن زيادة في المرفوع وجاز زيادتها في الموجب على رأي الكوفيين والأخفش وإنما اختار الزائد ليشاكل قوله مما نودعه.
وما مبتدأ بمعنى الذي ومن في مما نودعه بيان له. وحكمة إلهية خبر فمعناه فالذي شهدته في هذا الإمام ونودعه في هذا الكتاب حكمة إلهية .
و هذا أولى مما قاله بعض الشراح وهو قوله: حكمة مبتدأ خبره مما شهدته قدم علیه تخصيصا للنكرة وليت لي وجه لهذا الوجيه.
فإن قوله حكم نكرة مخصصة بالصفة وهي قوله : إلهية في كلمة آدمية فيقع بها مبتدأ من غير احتياج إلى التقديم قوله تعالى: "وأجل مسمى عنده " 2 سورة الأنعام.
قال القاضي البيضاوي وأجل نكرة خصصت بالصفة .
[size=24]ولذلك استغنى عن تقديم الخبر فلا يصح تعليل التقديم بتخصيص النكرة وإلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الخامسة والثلاثين الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:19 pm

الفقرة الخامسة والثلاثين الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الخامسة والثلاثين : الجزء اثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
إشارة إلى عناوين فصوص الكتاب حكمة إلهية في كلمة آدمية وهو هذا الباب)
قال العبد :
هذه الحكمة مخصوصة بحضرة الألوهية وإن كانت الحكم كلَّها إلهيّة ، ولكن بين آدم عليه السّلام وبين الله تعالى نسب جامع ، ونسب تعريفك بها لك نافع وذلك أنّ الإلهية كما مرّ أحدية جمع جميع الحقائق الوجوبية ، وآدم أحدية جمع جميع الصور البشرية الإنسانية .
وقد ذكر شيخنا الإمام الأكمل أبو الأولاد الإلهيّين الكمّل ، سند الورثة المحمدية ، سيد الإخوان في الوراثة الإلهية الكمالية ، صدر الحق والدين ، محيي الإسلام والمسلمين ، أبو المعالي ، محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف رضي الله عنه في كتاب له ، لطيف الحجم ، محيط بكثير من جمل هذا العلم ، قريب المأخذ لأولي الألباب وذوي الفهم .
ولم يحضرني عند تعليقي هذا الشرح ، وكان فيه غناء عن شرح هذه التراجم والفهرست ، ولكن وارد الوقت يملي على الكاتب ما يجب البحث عنه ممّا أشار إليه الشيخ ، وممّا يفتح الله للناس من رحمة .
" وَالله يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ".
من ذلك : أنّ " الألوهة " و " الألوهية " و " الإلهية " كلمات ثلاث دالَّات على أحدية جمع جميع الكمالات الوجوبية الواجبية الواجبة للنسب الذاتية وأسماء الربوبية وذلك بحسب الاختلاف التركيبي الواقع بين حروفها لفظا مع الاشتراك الأصلي في الدلالة ، كذلك أيضا دلالتها على هذه الحقيقة بحسب مراتبها في مشربنا وذوقنا .
فالألوهة : اسم لمعقولية المرتبة المطلقة التي لذات الله الواجب الوجود في مقابلة العبودة الذاتية ، التي هي اسم لمعقولية المرتبة المطلقة الخلقية التي للعالم المقيّد ، فكما أنّ العبودة مرتبة ذاتية للعبد معقولة ، كذلك الألوهة مرتبة لله معقولة سرّا اعتبرناها له متحقّقة به وجودا .
أو لم نعتبرها كذلك دالَّة على المرتبة الواجبية الفعّالة الموجدة لا غير ، وهي أحدية جمع جميع النسب الأسمائية من حيث معقوليّاتها وخصوصيّاتها ، ومن كونها في ذات الواجب عينها غير زائدة عليها .
والألوهيّة : اعتبار هذه الحقيقة المرتبية قائمة بالذات مضافة إليها ، ودلالتها دلالة أحدية جمعية بين معقولية المرتبة الأحدية الجمعية ، وبين الذات الواجبة من حيث أحديتها الجمعية الذاتية الخاصّة بالله فقط .
والإلهيّة : اعتبار هذه الحقيقة لله موجودة الأحكام والآثار ، ظاهرة النسب واللوازم والعوارض بالفعل في جميع الحضرات عرفا تحقيقيا . فاعلم هذه الفروق بين هذه الكلمات فإنّها لطيفة .
ومنها : أنّ آدم عليه السّلام كما هو صرة ظاهريّة الأحدية الجمعية الإنسانية البشرية ولهذا سمّي آدم اشتقاقا من أديم الأرض وأديم الوجه ، وهو ظاهرهما .
ويكنّى لذلك أبا البشر اشتقاقا من بشره الوجه ، وهي ظاهريته التي تباشرها الأبصار والعيون ، ووجه كل شيء حقيقته الأحدية الجمعية ، ووجه الإنسان مستقبلة وأحدية جمع حواسّه الخمسة الظاهرة كما علمت فالإنسانية الكمالية ، لها من صورة الله مثابة الوجه من صورة الإنسان ، وهي متحقّقة في جميع الختوم الكمّل كما ستعلم ذلك في شرح الحكمة الشيثية .
إن شاء الله تعالى والذي يختصّ بآدم من الجمعية الإنسانية الإلهية الكمالية هو ظاهريّتها الظاهرة لا غير ، فهو أبو البشر ، مؤمنهم وكافرهم ، موحّدهم ومشركهم ، أنبيائهم وأوليائهم وكذلك الإلهية ظاهرية المرتبة الأحدية الجمعية الربانية ، بخلاف الألوهية التي هي باطنها ، والألوهة التي هي معقولية المرتبة لا غير .
والحكم المنزلة على آدم عليه السّلام الواقعة في صورة حاله من دخوله الجنّة ، ونعيم الحقّ له ولزوجه فيها أوّلا ، ثم هبوطه إلى الأرض .
وتشهير نسبته إلى العصيان الظاهر ظاهرا ، وإلى الغواية المذكورة ، وغير ذلك كلَّها أحدية جمعية ظاهرة على الوجه الكمالي الإجمالي .
وفيه مترع للبسط فيه مجال ، وفيه أسرار وحكم كثيرة لا نذكرها في هذا الاختصار ، لكونها من الأسرار العالية التي لم يأمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خاتم الولاية الخاصّة المحمدية بكتابتها في هذا الكتاب ولكون أكثر الأفهام تنبو عنها لعلوّ مرتبتها ومجدها .
ولكن سنكشف هذه الأسرار في كتب توضع لذلك في وقته ، وفيما ذكرنا تنبيه وتلويح وتشويق ، والله وليّ التأييد والتوفيق .
قال رضي الله عنه : (ثم حكمة نفثية في كلمة شيثية).
قال العبد : اعلم :
أنّ الترتيب الواقع في هذا الفهرست ، إنّما هو ترتيب رتبي عيني ، وتأخّر وتقدّم وجودي عيني بين هذه الحكم بموجب المناسبة الرتبية .
وفصّ كل حكمة إنّما هو قلب ذلك النبيّ الكامل الذي أسندت تلك الحكمة إلى كلمتها الخصيصة بها ، والحكم نقوش العلوم الخاصّة بالأحكام التي أمر النبي أمّته بها ، وظهرت فيهم على الوجه الذي تقتضي تلك الحضرة ، ولكن ذكرها هاهنا من حيث الحضرة الأحدية الجمعية الكمالية الخصيصة بالمرتبة الختميّة  المحمدية في كل حضرة ، فافهم .
و « النفث » لغة نوع من النفخ ، وهو إرسال النفس من مخرج حرف الثاء مضموما إرسالا رخوا ، والنفث مخصوص بأهل علم الروحانية والنيرنج والعزائم والرقى شرعيّها وحكمتيّها .
وهو بثّ الروحانية وبسطها في النفس على ما ينطوي عليه الباطن من العزائم . قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : " إنّ روح القدس نفث في روعي أنّ نفسا لن تموت ، حتى تستكمل رزقها " .
ولمّا كانت الحكمة الجمعية الأحدية المبدئية الخصيصة بحضرة الألوهية قد كملت بآدم ،وتليه في المرتبة مرتبة الفيض الجودي والوهب الجودي بالنفس الرحماني.
وهذه المرتبة الوهبية مخصوصة بالكلمة الشيثية ، فإنّه أوّل إنسان نزلت عليه العلوم الوهبية الدينية ، فنزلت عليه علوم الروحانيات ، والملائكة الخصيصة بالتسخير والتصريف والتصرّف في الأكوان بالأسماء والحروف والكلمات والآيات وما شاكل ذلك.
فلهذه المناسبة الأصلية ، ذكر رضي الله عنه حكمة النفث بعد الحكمة الإلهية ، وأضافها إلى شيث عليه السّلام كما أضاف الحكمة الأولى إلى آدم .
و « شيث » في اللغة العبرانية هو الهبة ، وكان أوّل من وهبه الله آدم بعد تفجّعه على فقد هابيل ، فعوّض الله له عن هابيل شيثا ، وسيرد في داخل الفصّ تتمّة البحث .
قال رضي الله عنه : (ثم حكمة سبّوحية في كلمة نوحيّة.)
قال العبد أيّده الله به :
أمّا وجه إضافة هذه الحكمة إلى الحضرة السبّوحية فهو أنّ الغالب على الدعوة النوحية التنزيه والتقديس على ما سيجيء في شرح المتن .
وأولى تعيّن من المراتب الأسمائية بعد تعيّن المرتبة الإلهية هي مراتب أسماء التنزيه والإطلاق والتقديس ، ثم تتعين النسب الثبوتية .
وبعد تعين مرتبة الفيض والنفث ، إنّما وجد أوّلا عالم الأرواح والعقول والمجرّدات التي لها من معرفة الحق قسم التنزيه والتسبيح والتقديس .
ولهذا كان الحكمة الثالثة
فالأوّل حكم الجمع
والثاني مرتبة الفيض والوهب
والثالث إيجاد عالم التنزيه والتقديس .
ولأنّ الغالب على أمّة نوح عليه السّلام الأمور الظاهرة وعبادة أنواع الأصنام ، وجب أن تكون من الله دعوة نبيّهم إلى التنزيه والتطهير عن التحديد والتجسيم تعليما أنّ ما يعبدون لا يصلح للعبادة .
ولهذا نزلت هذه الحكمة على نوح ، وقلبه عليه السّلام محلّ نقش هذه الحكمة ، فهذا ما أردنا من تفسير قوله : فصّ حكمة سبّوحية في كلمة نوحية  .
قال رضي الله عنه : (ثم حكمة قدّوسيّة في كلمة إدريسية)
اعلم : أنّ « التسبيح » كما علمت حمد الحق تعالى والثناء عليه بالأمور السلبية ونفي النقائص عن الجناب الإلهي ، وتنزيهه عن التشبيه والتحديد والتقييد . وكذلك « التقديس » هو التنزيه عن النقائص وعن صلاحية قبول جناب الله تعالى ذلك وإمكانه فيه فإنّ ذلك مستحيل إضافته إلى جنابه تعالى لكونه غنيّا عن العالمين ولكون جنابه تعالى أحدية جمع الكمالات الإحاطية وجودا ومرتبة .
والفرق بين التنزيه النوحي والإدريسي :
أنّ دعوة نوح عليه السّلام وذوقه تنزيه عقلي .
وتنزيه إدريس عليه السّلام عقلي ونفسي .
فإنّ إدريس عليه السّلام ارتاض حتى غلبت روحانيته على طبيعته ومزاجه وتروحن ، وكان كثير الانسلاخ والمعراج ، وخالط الملائكة والأرواح ، وعاشرهم وخرج عن صنف البشر ستّ عشرة سنة ، لم ينم ولم يأكل حتى بقي عقلا مجرّدا ، وعرج به إلى السماء الرابعة .
بخلاف نوح عليه السّلام لأنّه كان قائما بحظَّ النفس والروح ، وتزوّج وولد له .
وهو الأب الثاني ، فتنزيه إدريس أبلغ وأتمّ .
فإنّه نزّه الحق من حيث تعيّنه في عينه عن أوساخ الطبيعة والجسمانية ، وبقي في نفسه عقلا مجرّدا ، وسقطت عنه شهوته ، كما يرد عليك ، فافهم .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة مهيمنيّة في كلمة إبراهيمية ) .
قال العبد :
هي شدّة العشق وغلبة الهيمان ، وهو عدم الانحياز إلى غرض معيّن ، بل إلى المحبوب في أيّ جهة كان لا على التعيين .
وهذه المرتبة تحقّقت أوّلا في الأرواح العالية المهيّمة ، تجلَّى لهم الحق في جلال جماله ، فهاموا فيه ، وغابوا عن أنفسهم فلا يعرفونها ولا غير الحق ، وغلب على خليقتهم حقيقة التجلَّي ، فاستغرقهم واستهلكهم وملكهم .
وتحقّق ذلك فيمن تحقّق من كمّل الأنبياء إبراهيم عليه السّلام لأنّه كان خليل الرحمن .
والخليل هو المحبّ الحبيب الذي يتخلَّل في خلال روح المحبّ والمحبّ في الحبيب .
كما قال : تخلَّلت مسلك الروح منّي .
ولهذا سمّي الخليل خليلا ، والخليل عليه السّلام غلبته محبّة الحق ، حتى تبرّأ عن أبيه في الحق وعن قومه ، وذبح ابنه في سبيل الله ، وخرج عن جميع ماله مع الكثرة المشهورة لله .
كما قيل عنه : إنّ ملائكة الله تعالى قالوا : لا بدّ مع هذا الخير والبركة والنعمة والمال والوجاهة والنبوّة والملك والكتاب الذي أعطى الله إبراهيم أن يحبّه وليس ذلك بجنب هذه العطايا كثيرا .
فقال الحق لهؤلاء الملائكة : جرّبوه ، فتجسّدوا له في صور البشر .
وذكروا الله له بالتنزيه ، فقالوا :سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح .
فلمّا سمع إبراهيم عليه السّلام هذه الكلمات ، أخذه الوجد والهيمان في الله تعالى ، واستدعى منهم أن يعيدوا عليه الكلمات .
فطلبوا من ماله أجراء على إعادة الكلمات ، فأعطى ثلث ماله .
فذكروا الذكر ، فاستعاده منهم كرّة أخرى ، وأعطاهم الثلث الثاني .
فسبّحوا له الله بالمذكور من الذكر ، فطاب وقت إبراهيم وازداد هيمانه فاستعاد الكلمات منهم ، وأعطاهم الثلث الباقي .
فأعادوا له ، فلمّا تمّ امتحانهم له ، ذكروا أنّهم ملائكة الله ، فلهذا نسبت هذه الحكمة إلى إبراهيم عليه السّلام .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة حقّيّة في كلمة إسحاقية ) .
اعلم : أنّ عالم المثال المقيّد وهو عالم الخيال إذا شوهدت فيه صورة وتجسّد له المعنى أو الروح في صورة مثالية أو خيالية ، ثم إذا رجع إلى الحسّ ، وشاهد حقّية ذلك على الوجه المشهود .
فقد جعله الله حقّا ، أي أظهر حقّية ما رأى في الوجود العيني حسّا ، فإنّ الخيال لا حقيقة له ولا ثبات ، كما قال يوسف عليه السّلام : " هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ من قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا " .
وكان هذا حال إبراهيم عليه السّلام في مبدئه ، فكان لا يرى رؤيا إلَّا وجد مصداقها في الحسّ ، ورأي حقيقتها عينا ، فكان عليه السّلام لا يؤوّل رؤياه ، وهو نوع من الكشف الصوري .
وسرّ ذلك أنّ الوارد إذا نزل من الخارج على القلب .
ثم انعكس من القلب إلى الدماغ ، فصوّرته القوّة المصوّرة في المتخيّلة وجسدّته ، خرج على صورة الواقع لأنّ عكس العكس مطابق للصورة الأصلية ، فيشاهد صاحب الكشف المذكور شاهد الوارد مطابقا للصورة الأصلية على ما رآه في عالم المثال .
وقد شاهدت هذا من أبي رحمه الله في صغري كثيرا فكان رحمه الله يرى رؤيا ويحكيها لي ، ثم يقع في الحسّ على ما رأى ، فيتعجّب ويسرّ بذلك .
وكان مشاهد إبراهيم عليه السّلام على هذا ، وقد يعود ذلك ، ثم لمّا نقله الله إلى ما هو أعلى ، وتحقّق برتبة الكمال ، فصار قلبه محلّ الاستواء الإلهي وينبوع تنوّع التجلَّيات ومنبعث أنوار الواردات الخارجة إلى الكون .
فانبعث الوارد بمعنى القربان من قلبه إلى القوّة المتخيّلة ، فصوّرت له المصوّرة ذلك القربان وهو الكبش على صورة إسماعيل لكونه صورة السرّ الذي أوجب عليه القربان .
فلمّا استيقظ لم يفسّر رؤياه بموجب مقتضى عالم الخيال ، بل جرى على سيرته الأولى على ما اعتاده.
وكان مشهد إسماعيل عليه السّلام أيضا من هذا المشرب .
فلمّا قال له : "يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى في الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ " أي لله قربانا ، فلم يزل إسماعيل عن معهود المشهود ، واستصحب الحال.
فقال :" يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ " .
فصرّح أنّ الوحي إليه كان بهذا الطريق ، ولهذا السرّ أضيفت هذه الحكمة الحقّية إلى الكلمة الإسحاقية ، وسنذكر في داخل شرح المتن سرّ الحقيقة .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة عليّة في كلمة إسماعيلية ) .
إنّما أسندت هذه الحكمة إلى الاسم « العليّ » لما شرّف إسماعيل عليه السّلام بقوله :
" وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا " ولأنّه كان صادقا في الوعد ، وذلك دليل على علوّ الهمّة في القول والفعل ، كما سنذكر .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية ) .
وحكمة إضافة هذه الحكمة إلى الروحية لأنّ الغالب على ذوق يعقوب عليه السّلام كان علم الأنفاس والأرواح ، حتى ظهر في وصاياه وإخباراته ، مثل قوله : "إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ ".
ووصيّى بنيه فقال : " لا تَيْأَسُوا من رَوْحِ الله إِنَّه ُ لا يَيْأَسُ من رَوْحِ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ " وذوق أهل الأنفاس عزيز المثال ، قد جعل الله لهم التجلَّي والعلم في الشمّ .
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : " إنّي لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن ".
قيل : إنّه عليه السّلام ، كنى بذلك عن الإبصار وهم صور القوى الروحانية التي نضرتهم على صور القوى الطبيعية ، واليمن أيضا من اليمين ، وهو إشارة إلى الروحية وعالم القدس .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية ) .
أضاف رضي الله عنه حكمة النور إلى الكلمة اليوسفية لظهور السلطنة النورية العلمية المتعلَّقة بكشف الصور الخيالية والمثالية .
وهو علم التعبير على الوجه الأكمل في يوسف عليه السّلام فكان يشهد الحقّ عند وقوع تعبيره ، كما قال " قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا " فأشار إلى حقيقة ما رأى ، وأضاف إلى ربّه الذي أعطاه هذا الكشف والشهود .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة أحدية في كلمة هوديّة ) .
وجه نسبة هذه الحكمة إلى هود عليه السّلام هو أنّ الغالب عليه شهود أحدية الكثرة ، فأضاف لذلك إلى ربّه أحدية الطريق بقوله :"إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ".
وقال :" ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها " فأشار إلى هوية ، لها أحدية كثرة النواصي والدوابّ .
قال رضي الله عنه: ( ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية ) .
يشير رضي الله عنه إلى أنّ حكمته منسوبة إلى الفاتح والفتّاح ، فانفلق الجبل له في إعجازه ، ففتح الله له عن الناقة ، وفتح الله له على قومه بذلك ، فكان موجب إيمان بعض أمّته وإهلاك بعضه في وجود الناقة ومدّتها .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية ) .
كان الغالب على دعوة شعيب الأمر بالعدل وإقامة الموازين والمكاييل والأقدار .
كما قال : " وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ " كلّ هذه الإشارات تدلّ على رعاية العدل وأحدية الجمع والاعتدال .
وكما أنّ العدل في حفظ صحّة جميع البدن وسقمه إلى القلب ، والقلب له أحدية جمع القوى الروحانية والقوى الجسمانية ومن القلب ينشعب الروح الطبيعي إلى كل عضو عضو من أعلى البدن وأسفله على ميزان العدل ، فيبعث لكل عضو ما يلائمه من الروح الطبيعي ، فافهم .
واستفاد منه موسى عليه السّلام علم الصحبة والسياسة ، وأمره بالتخلَّي عن العامّة إلَّا في وقت معلوم وقدر موزون ، وكان الغالب على موسى عليه السّلام الظاهر .
فحصل له بصحبته جميع مقام الجمع .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة ملكية في كلمة لوطيّة ) .
أضيفت حكمته إلى الملك من طلبه القوّة والركن الشديد ، فإنّ الملك القوّة والشدّة ، كما سيأتيك .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة قدرية في كلمة عزيزيّة ) .
أضيفت حكمة عزيرية عليه السّلام إلى القدر لطلبه العثور على سرّ القدر ، وكان الغالب على حاله القدر والتقدير ، " فَأَماتَه ُ الله مِائَةَ عامٍ "  ولما سأله الله تعالى : " كَمْ لَبِثْتَ " عن قد ما لبث ، قال بالتقدير : " لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ ".
وقوله : " أَنَّى يُحْيِي هذِه ِ الله بَعْدَ مَوْتِها "  استفهام استعظام وتعجّب عن كيفية تعلَّق القدر بالمقدور بالنظر الظاهر على ما سيأتيك نبؤه عن قريب .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة نبويّة في كلمة عيسوية ) .
أسند الشيخ حكمته إلى النبوّة لكون الغالب على عيسى عليه السّلام الإنباء عن الحق وإنباء الحق عنه له وعن نفسه ولعلوّه وارتفاعه الروحي والإلهي عن أبناء البشر ، كما ستعرف .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية ) .
أسندت حكمته إلى الرحمن لكمال ظهور أسرار الرحمة العامّة والخاصّة فيه صلَّى الله عليه وسلَّم على الوجه الأعمّ الأشمل وبالسرّ الأتّم الأكمل ، وجعل الله سعته في أمره وحكمه على أكثر المخلوقات ، وسخّر له العالم جميعا كما وسعت رحمة الرحمن جميع الموجودات ، فافهم .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة وجودية في كلمة داودية ) .
إنّما كانت حكمته وجودية لما تمّ في وجوده حكم الوجود العامّ في التسخير ، وجمع الله له بين الملك والحكمة والنبوّة ، ووهبه سليمان الذي آتاه التصرّف في الوجود على العموم ، وخاطبه بالاستخلاف ظاهرا صريحا ، فبلغ الوجود بوجوده كمال الظهور .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة نفسية في كلمة يونسيّة ) .
قال العبد : حاله عليه السّلام كان ضرب مثل لتعيّن النفس الناطقة بالمزاج العنصري وأهوال أحوال المزاج الطبيعي . وفيه رواية ، أنّ حكمته مستندة إلى النفس الرحماني بفتح الفاء لما نفّس الله عنه جميع كربه المجتمعة عليه من قبل أهله ونفسه وولده وماله .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة غيبية في كلمة أيّوبية ) .
جميع أحواله عليه السّلام من أوّل حالة الابتلاء إلى آخر مدّة كشف الضرّ عنه غيبيّ حتى أنّ الآلام كانت في غيوب جسمه ، وابتلي بغتة غيبا ، ثم كشف عنه الضرّ ، كذلك من الغيب من حيث لا يشعر ، فآتاه الله أهله الذين غيّبهم عنه " وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً " من الله غيبته ، كما سنومئ إلى ذلك عن قريب .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية ) .
نشأته عليه السّلام روحانية على وجه لا يقبل تأثير الموت ، فانفلق له جبل لبنان من لبانته في صورة فرس من نار ، فأنس بها وآنسها ، فأمر بالركوب عليها ، فركبها ، فنسب حكمته إلى إيناس نور أحدية الجمع في صورة نارية الفرق على ما يأتي .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية ) .
كان الغالب على حاله في كشفه وشهوده الإحسان ، وأوّل مرتبته الأمر بالعبادة على البصيرة والشهود ، كما أمر لقمان ابنه في وصيّته إيّاه " يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِالله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ " نهاه عن الشرك للإخلاص في عبادته وعبوديته لله .
وهو أعلى مرتبة الإحسان ، ثم عرّفه بوصيّته تعالى الإنسان بالإحسان ،ولقد أحسن في بيان إحسان الله تعالى إلى المرزوقين ، كما ستقف على أسراره عن قريب.
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية ) .
كان هارون عليه السّلام إمام الأئمّة من الأحبار في بني إسرائيل كلَّهم ، وأمره موسى عليه السّلام أن يؤمّ أمّته ، واستخلفه عليهم ، ولقد صرّح بإمامته في القرآن ، وصرّح هو أيضا بذلك في طلبه الاتّباع والطاعة من قومه في قوله : " فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي " .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة علوية في كلمة موسوية ) .
أعلى الله مكانته ، وأخبره أنّه هو الأعلى ، فقال : " لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلى " وأعلى الله كلمته العليا على من ادّعى العلوّ بقوله : " أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى " و " كانَ عالِياً من الْمُسْرِفِينَ " .
ثم قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية ) .
دعا إلى الأحد الصمد ، وكان قومه يصمدون إليه ويقصدونه في الملمّات والمهمّات ، فيكشف الله إيّاها عنهم بدعائه عليه السّلام  .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة فردية في كلمة محمدية ) .
قال العبد :
جاء الوارد في هذه الحكمة بعبارتين دالَّتين على حقيقة واحدة :
إحداهما : حكمة كلَّية لكونها أحدية جمع جميع الحكم الجمعية الكلَّية المتعيّنة في كلّ كلّ منها كلَّية فهي كلّ كلّ منها .
والثانية : حكمة فردية لأسرار وحقائق يكشف لك عن أصولها وفصولها في شرح حكمته صلَّى الله عليه وسلَّم .
قال رضي الله عنه : ( وفصّ كلّ حكمة الكلمة التي نسبت إليها ) .
يعني رضي الله عنه : أنّ محلّ نقش كلّ فصّ هو قلب ذلك الإنسان الكامل المذكور عند كلّ حكمة منها .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
حكمة إلهية في كلمة آدمية وهو هذا الباب ) ظاهر غنى عن التعريف
( ثم حكمة نفثية في كلمة شيثية
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية
ثم حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية
ثم حكمة حقية في كلمة إسحاقية
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية
ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية
ثم حكمة أحدية في كلمة هودية
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية
ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية
ثم حكمة روحانية في كلمة سليمانية
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية
ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية
ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية
ثم حكمة جلالية في كلمة يحيوية
ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية .
وفص كل حكمة الكلمة التي نسبت إليها .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
(حكمة إلهية في كلمة آدمية) وهو هذا الباب الذي مر قولنا فيه) أي، فمن جملة ماشهدته من الذي أودعته في هذا الكتاب ("حكمة إلهية في كلمة آدمية."
و (من) في (مما نودعه) بيان (لما). فقوله: (حكمة) مبتداء، خبره:
(مما شهدته). قدم عليه تخصيصا للنكرة. ثم يتلوه (الفص الشيثي) وهكذا إلى آخر الفصوص.
وسنذكر سبب تخصيص كل حكمة بكلمة منسوبة إليها في مواضعها، إنشاء الله تعالى.
(ثم، حكمة نفثية في كلمة شيثية.
ثم، حكمة سبوحية في كلمة نوحية
ثم، حكمة قدوسية في كلمة إدريسية
ثم، حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية
ثم، حكمة حقية في كلمة إسحاقية
ثم، حكمة علية في كلمة إسماعيلية
ثم، حكمة روحية في كلمة يعقوبية
ثم، حكمة نورية في كلمة يوسفية
ثم، حكمة أحدية في كلمة هودية
ثم، حكمة فاتحية في كلمة صالحية
ثم، حكمة قلبية في كلمة شعيبية
ثم، حكمة ملكية في كلمة لوطية
ثم، حكمة قدرية في كلمة عزيرية
ثم، حكمة نبوية في كلمة عيسوية
ثم، حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
ثم، حكمة وجودية في كلمة داودية
ثم، حكمة نفسية في كلمة يونسية
ثم، حكمة غيبية في كلمة أيوبية
ثم، حكمة جلالية في كلمة يحيوية
ثم، حكمة مالكية في كلمة زكرياوية
ثم، حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
ثم، حكمة إحسانية في كلمة لقمانية
ثم، حكمة إمامية في كلمة هارونية
ثم، حكمة علوية في كلمة موسوية
ثم، حكمة صمدية في كلمة خالدية
ثم، حكمة فردية في كلمة محمدية)
وسنذكر سبب تخصيص كلمة "حكمة" بـ (الكلمة) منسوبة إليها في مواضعها، إنشاء الله تعالى.
"وفص كل حكمة الكلمة المنسوبة إليها"

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
حكمة إلهية في كلمة آدمية، و هو هذا الباب.
ثم حكمة نفثية في كلمة شيئية.
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية.
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية.
ثم حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية.
ثم حكمة حقية في كلمة إسحاقية.
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية.
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية.
ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية.
ثم حكمة أحدية في كلمة هودية.
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية.
ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية.
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية.
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية.
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية.
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية.
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية.
ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية.
ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية.
ثم حكمة جلالية في كلمة يحياوية.
ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية.
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية.
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية.
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية.
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية.
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية.
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية.
وفص كل حكمة الكلمة التي تنسب إليها.
(حكمة إلهية) أي: علم يقيني يتعلق بظهورات الأسماء الإلهية (في كلمة آدمية) أي: حقيقة جامعة منسوبة إلى آدم أبي البشر العلي
وفيه إشارة إلى أنه وإن اقتصر فيه على ما حده له رسول الله.
فهو أمر جامع على وجه الإجمال لما ظهر في الحقيقة الجامعة، وفيه إشارة إلى أن المشاهد أمور جليلة من جملتها المذكور في هذا الفص.
ثم قال: وهو أي: ما حده لي رسول الله للإيداع في هذا الكتاب من الحكمة الإلهية في الكلمة الآدمية هذا الباب الذي إذا فتح انفتح عن خزائن العلوم الغيبية.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
هذا شروع في بيان ترتيب الكتاب على ما ألَّف عليه ونظَّم فصوصه على ما اتّسق له ، بحيث يعلم منه وجه الحصر في أبوابه .
وذلك لأنّ المحدّد له لما كان هو الخاتم الذي أتى بجوامع الكلم المنحصرة مواد مفرداتها وامّهات أصولها في الثمانية والعشرين .
كما ستطلع على سرّه في غير هذا المجال إن شاء الله تعالى لا بدّ وأن يكون عدد أبواب هذا الكتاب على طبقها لكن لمّا كان الواحد منها ما يتعلَّق بخاتم الولاية.
وذلك ممّا لا يحتمل آن التأليف إظهاره ، جعل مطويّا عنه فيه ، وكأنّه أشار إلى ذلك الاعتذار بقوله : " ولا العالم الموجود الآن " .
ويمكن أن يجعل صورة جمعيّة الكتاب بإزاء ذلك الواحد ، لكن الأوّل أوفق ، فإنّ لهذه الصورة أيضا حرفا مركَّبا مستقلا كذلك بإزائها  .
فهو أنّه قد تكفّل لبيان حقيقة آدم بما أودع فيه من مبدأ فتح ظهوره إلى منتهى ختم كماله وقد بيّن أنّ ذلك منحصر في القبضتين :
إحداهما هي الشاملة للعالم بأجزائه المنتهية شجرة مراقي ظهورها إلى الإنسان .
والأخرى هي الشاملة للإنسان بجزئيّاته المنتهية شجرة معارج كمالها إلى الخاتم .
وقد عرفت أنّ الأمر التدريجي الواقع في القوس الأوّل من الدائرة الوجوديّة واقع في القوس الثاني منها بترتيبه ، على ما اقتضاه الأمر الدوريّ والحقيقة التامة الكماليّة .
فأوّل ما يجب أن يبيّن من الحكم هي الباحثة عن حقيقة العالم بجميع أجزائه عينا وعقلا إلى آدم - كما حقّقه هذا الفصّ .
( ثمّ حكمة نفثيّة في كلمة شيثيّة ) لأنّها كاشفة عن سر انبثاث الفيض الذاتي وانبساط النفس الرحماني على قوالب القوابل بحسبها ، وهو أوّل ما يترتّب على المرتبة الأحديّة الجمعيّة .
( ثمّ حكمة سبّوحيّة في كلمة نوحيّة ) لأنّها كاشفة عن سرّ ما للملإ الأعلى والمبادئ المجرّدة ، من المعاني التنزيهيّة .
( ثمّ حكمة قدّوسيّة في كلمة إدريسيّة ) لأنّها كاشفة عن سرّ ما للأرواح المطهّرة والنفوس المقدّسة من المعاني التقديسيّة .
( ثمّ حكمة مهيّميّة في كلمة إبراهيميّة ) لأنّها كاشفة عن سرّ ما للقلب الكامل من الجمعيّة بين معاني التقديس وصور التحميد .
( ثمّ حكمة حقيّة في كلمة إسحاقيّة ) لأنّها كاشفة عن سرّ ما للخيال من الصور المثاليّة والأجساد الشبحيّة .
( ثمّ حكمة عليّة في كلمة إسماعيليّة ) لأنّها كاشفة عن سرّ ما للحواسّ من الصور الهيولانيّة  والأجرام الجسمانيّة .
( ثمّ حكمة روحيّة في كلمة يعقوبيّة ) لأنّها كاشفة عن سرّ ما للمزاج الجمعيّ من الهيئات التركيبيّة  والنسب الارتباطيّة .
[right:cb
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الخامسة والثلاثون الجزء الثالث .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:20 pm

الفقرة الخامسة والثلاثون الجزء الثالث .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الخامسة والثلاثون : الجزء الثالث
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( حكمة إلهية في كلمة آدمية، وهو هذا الباب.
ثم حكمة نفثية في كلمة شيئية.
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية.
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية.
ثم حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية.
ثم حكمة حقية في كلمة إسحاقية.
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية.
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية.
ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية.
ثم حكمة أحدية في كلمة هودية.
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية.
ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية.
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية.
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية.
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية.
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية.
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية.
ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية.
ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية.
ثم حكمة جلالية في كلمة يحياوية.
ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية.
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية.
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية.
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية.
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية.
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية.
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية.
وفص كل حكمة الكلمة التي تنسب إليها.  )
قال الشارح رحمه الله :
و فص كل حكمة الكلمة التي نسب إليها. فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب. فامتثلت على ما رسم لي، و وقفت عند ما حد لي، و لو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموقف لا رب غيره. ومن  ذلك :

قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
( فما شهدّته مما نودعه في هذا الكتاب كما حدّه لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ): أي فمن بعض ما شهدّته هو مما نودعه في هذا الكتاب، و هو المحدود من واضع الحدود صلى الله عليه و سلم حتى لو رام رضي الله عنه في أجزاء النص الذي نحن فيه و بيانه يحي في محله إن شاء الله تعالى .
و نحن إن شاء الله آمنون في البيان من الخطأ و الزلل و الله المستعان، و الحمد لله حكمة إلهية في كلمة آدمية، و هو هذا الباب الذي مضى آنفا .
و الحكمة: وضع الشي ء في محله، و الإلهية هي: النسبة إلى حضرة المرتبة الجامعة، و الكلمة هي: العين المقصودة، و الآدمية هي: حضرة الناسوت فهو ظهور المرتبة في الكلمة و بطون العبودية فيها، هذا هو الظهور بالصورة علما و وجودا، فافهم .
( ثم حكمة نفثية في كلمة شيثية )، ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية، ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية، ثم حكمة مهيمن في كلمة إبراهيمية، ثم حكمة حقية في كل كلمة إسحاقية، ثم حكمة عليه في كلمة إسماعيلية، ثم حكمة روحية في  كلمة يعقوبية، ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية . ثم حكمة أحدية في كلمة هودية،
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية، ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية، ثم حكمة ملكية في  كلمة لوطية، ثم حكمة قدرية في كلمة عزيزية، ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية، ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية، ثم حكمة وجودية في كلمة داودية، ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية، ثم حكمة عينية في كلمة أيوبية، ثم حكمة جلالته في  كلمة يحياوية . ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية،
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية، ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية، ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية ، ثم حكمة علوية في كلمة موسوية، ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية، ثم حكمة فردية في كلمة محمّدية، صلى الله عليهم أجمعين و سلم تسليما .
و نصّ كل حكمة الكلمة المنسوبة إليها، و قد عرفت سابقا معنى النص و الحكمة و الكلمة و النسبة معروفة، فلا يحتاج إلى بيان آخر .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السادسة والثلاثين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:21 pm

الفقرة السادسة والثلاثين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السادسة والثلاثين :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.
فامتثلت ما رسم لي، ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره.
ومن ذلك.)
(فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم) السابع والعشرون في هذا الكتاب الذي سميته فصوص الح?م، ولم أزد على ذلك مما أطلعني الله تعالى عليه حين كشفي عن الحقيقة الآدمية.
وسلكت فيه (على حد)، أي مقدار (ما ثبت) من ذلك الذي أطلعني الله تعالى عليه (في أم)، أي أصل (الكتاب)، أي المكتوب الوجودي في الصفحات العدمية فإن الله تعالى لما قال إنه بكل شيء محيط
وقال:"ليس كمثله شيء" 11 سورة الشورى. وقال: "كل شيء هالك إلا وجهه" 88 القصص.
علمنا أن الأشياء كلها كالكتابة المحضورة في القرطاس، النافذة إلى الوجه الآخر، فصور الحروف فيها عدمية.
والمحيط بكل حرف منها حتى يظهر متميزة عن الآخر هو القرطاس، فهو المحيط بها وهو الحاضر لها لتظهر حروفا عدمية،
فالقرطاس أم الكتاب والحروف العدمية مرسومة في أم الكتاب على صورة ما ذكرنا.
(فامتثلت) من الأمر الإلهي الذي ظهر لي في الرؤيا التي رأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق بيانه.
(ما)، أي المقدار الذي (رسم لي) في أم كتابي المستمد من أم ?تاب الوجود الكل لأن الإنسان نسخة الأكوان (ووقفت) من ذلك (عندما حد لی)
ولم أتجاوزه تأدب مع الأمر تعالی ومع ناقل أمره صلى الله عليه وسلم .
(ولو رمت زيادة على ذلك) المقدار الذي حد لي ما استطعت (فإن الحضرة) الإلهية المتجلية من حيث أنا على حقائق ما حد لي (تمنع من ذلك) المقدار الزائد.
كما قال تعالى : "وكل شيء عنده بمقدار وما ننزله إلا بقدر معلوم"، فالحضرات فاعلة للأشياء، فهي المطية لها والمانعة منه.
فلا بد من القدر المعلوم الذي ينزل منها، فكما تعطي قدرة معلومة تمنع قدرة معلومة، وكما ينزل من الأشياء قدر معلوم يصعد منها أيضا قدر معلوم.
(والله) سبحانه هو (الموفق) إلى الصواب والهادي إلى حضرة الاقتراب (لا رب) للعوالم (غيره) ولا خير في هذه الموجودات كلها الأخيرة.
وهو حسبي ونعم الوكيل وعلى الله قصد السبيل.
تم فص الحكمة الآدمية
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.
فامتثلت ما رسم لي، ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره.
ومن ذلك.)
(فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.)
(فامتثلت ما رسم لي، ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك.)
(و الله الموفق لا رب غيره.)
"رأي لمحقق الكتاب الشيخ فادي أسعد نصيف :
أن المراد بأدم هو الصورة الإلهية الجامعية لكل حقائق الوجود وأن الحق سبحانه لما أحب أن يعرف نجلى لنفسه في نفسه في هذه الصورة التي كانت بمثابة المرآة ورأى جميع كمالاته فيها فجعلها الغاية من الوجود وخلق العالم الأكبر من أجلها.
وهنا نرى الشيخ الأكبر ابن العربي يرمز بشيث ابن آدم إلى تجلي آخر للحق وهو تجليه في صورة الخالق الذي يمنح الوجود لكل موجود أو باصطلاح المؤلف يظهر في وجود ?ل موجود."

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب. فامتثلت ما رسم لي، ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره. ومن ذلك.)
قوله رضي الله عنه :"فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.
فامتثلت ما رسم لى، ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره."
قلت: قوله، ثم إنه تعالى أطلعه على ما أودع فيه. يعني آدم..
قوله: وجعل ذلك في قبضتيه.
قلت: يعني قبضتي الحق تعالى وقد تقدم شرح معنى القبضتين أيضا، وهما هنا: العالم في قبضة وآدم وبنوه في قبضة، وبين مراتبهم وباقي الكلام مفهوم إلى قوله: وفص كل حكمة الكلمة التي نسبت الحكمة إليها.
وأم الكتاب هنا القلم الأعلى والكتاب هو اللوح المحفوظ والحضرة التي ذكر أنها تمنع عن ذلك هي حضرة الحق تعالى في مراتب الأكوان المحجوبة فإن أفهام المحجوبين قاصرة والأدب مع الله تعالى في مثل ذلك أن لا يتجاوز إلى ذكر ما لا يقدر الضعفاء أن يفهموه أو يقبلوه وقد ورد في بعض التنزلات ما صورته "یا عبد إذا رأيت من لا يراني فاسترني عنه بحكمتي فإن لم تفعل وضل أخذتك به ."

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.
فامتثلت ما رسم لي، ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره. ومن ذلك.)
قال رضي الله عنه : " فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حدّ ما سبق  في أمّ الكتاب ، فامتثلت على ما رسم ، ووقفت عندما حدّ لي ، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت فإنّ الحضرة تمنع عن ذلك ، والله الموفّق لا ربّ غيره " .
قال العبد أيّده الله به :
مراتب أمّ الكتاب كثيرة ولكن أمّهاتها الكلَّية خمس :
الأولى : أمّ الكتاب الأكبر ، وهو التعيّن الأوّل وحقيقة الحقائق الكبرى .
والثانية : أمّ الكتاب الإلهية وهو عماء الربّ الذي كان فيه ربّنا قبل أن يخلق خلقه فتذكَّر ، وهو لله تعالى خاصّة .
والثالثة أمّ الكتاب المبين للاسم « المدبّر » وهو العقل الأوّل والقلم الأعلى ، أعني الكتاب المبين ، وأمّه حقيقة الحقائق الكيانية ، وهو عماء العالم .
الرابعة : ثم أمّ الكتاب المفصّل للاسم « المفصّل » بكسر الصاد ، وهو اللوح المحفوظ شرعا والنفس الكلَّية عرفا حكميا .
الخامسة : ثم أمّ الكتاب الذي في سماء الاسم « الخالق » وهو في روحانية روح سماء القمر ، فافهم.
ثم اعلم :
أنّ التعيّن الأوّل الذي هو حقيقة الحقائق الكبرى مرتبة الإنسان الكامل ، وهي أحدية جمع جميع الكتب إلهيّها وكونيّها .
وأثبت ثبت هذه الحكم والكتب رضي الله عنه ممّا ثبت في هذه الأمّ من مشرب أحدية جمع جميع الكمالات الختمية المحمدية .
وهذه المرتبة هي البرزخية الفاصلة بين التعين واللا تعين ، والغيب الذاتي والشهادة الكبرى ، وبين الحقيّة والخلقية ، وصاحبها صاحب الحدّ ، محمد خاتم الأنبياء.
الذي حدّ منها ما حدّ لخاتم الولاية الخاصّة أن يخرج به إلى الناس ، فينتفعوا به ، بل هو الحدّ . فافهم   
وَالله يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.
فامتثلت ما رسم لي، ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره. ومن ذلك.)
..........................................

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.
فامتثلت ما رسم لي، ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره. ومن ذلك.)
قوله : "فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.
فامتثلث على ما رسم لي ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك."
"والله الموفق، لا رب غيره"
وفص كل حكمة أي محل نقوش كل (حكمة) روح ذلك النبي الذي نسبت (الحكمة) إلى كلمته.
والمراد بـ (أم الكتاب) الحضرةالعلمية، فإنها أصل الكتب الإلهية.
وإنما قال: (ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت) لأنه وإن أحاط بعلوم وأسرار غير متناهية مودعة في آدم، عليه السلام، لكن العبد الكامل لا يكون  وذلك لأن الفص أحدية جمع حلقة الخاتم، وكان الحلقة منه ظهرت وبه ختمت، وكذلك كل دورة من أدوار النبوة بمنزلة دائرة تامة نبي تلك الدورة أحدية جمعها.
وكل الدوائر نقاط دائرة الختمية وفصها الخاتم حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله إلا بأمر الحق وإرادته، فلو أراد أن يزيد على ماعينه الحق بحسب نفسه، تمنعه الغيرة الإلهية وما يمكنه من ذلك.
كما جاء في النبي، صلى الله عليه وسلم: "ليس لك من الأمر شئ، وما عليك إلا البلاغ، إنأنت إلا نذير."


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.
فامتثلت ما رسم لي، ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره. ومن ذلك.)
........................


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.
فامتثلت ما رسم لي، ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره. ومن ذلك.)
وإذا كان الأمر على ما بيّن (فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب ، على حدّ ما ثبت في امّ الكتاب ) أن يظهر فيه بحسب مراقي أطوار الزمان ومدارج أذواق أهله ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما رأى في المنام ، بناء على ما تقرّر أنّ الفاتحة امّ الكتاب ، وذلك هو الفاتحة لأبواب إظهار مخدّرات أسراره من مكامن الخفاء إلى مجالي البيان ومنصّات العيان .
وقوله : ( فامتثلت ما رسم لي ووقفت عندما حدّ لي ) يؤيّد هذا الوجه .
( ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت ، فإنّ الحضرة تمنع ذلك ) لما سيجيء في الفصّ الشيثي أنّ الحضرات هي الحاكمة في إظهار الحقائق وصور المعارف ، فإنّها بمنزلة المرآة ، لا ترى فيها تلك الصور إلَّا بحسبها ، وإن كان مبدأ تلك الاختلافات راجعة إلى القوابل المستند إلى الفيض الأقدس ، فيكون الكل من الله . 
وقوله : ( والله الموفق لا ربّ غيره ) إشارة إلى ذلك . ومن ذلك :

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.
فامتثلت ما رسم لي، ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره. ومن ذلك.)
قوله : "فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما بينت في أم الكتاب".
أن أذكرها وهي الحضرة العلمية الإلهية فإنها أصل الكتب الإلهية .
وقيل : يحتمل أن يراد بها فاتحة كتابه فإن الفاتحة أم الكتاب ونكون إشارة إلى ما ذكر فيها من منامه الذي هو فاتح أبواب كتابه.
و يلائمه قوله : "فامتثلت ما رسم لي ووقفت عندما حد لي ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت فإن الحضرة" .
الإلهية أو الحضرة المحمدية أو الحضرة الإلهية من المظهر المحمدي أو الحضرة التي أقمت أنا فيها من الحضرات الإلهية والمقامات العبودية "تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره".
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السادسة والثلاثين الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:22 pm

الفقرة السادسة والثلاثين الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السادسة والثلاثون: الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.  فامتثلت ما رسم لي، ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره. ومن ذلك:  )
قال الشارح رحمه الله :
( فاقتصرت ): أي بالأمر لأنه حد له و وسم له رضي الله عنه، و إنما قال: فاقتصرت و لم يقل: فاقتصر لي كما هو المناسب لقوله رضي الله عنه: حد لي و وسم لي إشارة إلى أنه كان صاحب صحو تام مختار مجبور .
فالأمر وقع بالاختبار في عين الجبر على ما ذكرته من هذه (الحكم) التي لا يسعها كتاب، ولا العالم الموجود فإنه رضي الله عنه ما ذكر منها إلا قدرا معلوما محدودا.
( في هذا الكتاب ): أي كتاب فصوص الحكم الذي لا ريب فيه على ما ثبت في ( أمّ الكتاب ): يعني النفس الكلي الذي هو اللوح المحفوظ .
قال تعالى: "وإنّهُ في أم الكِتابِ لد ينا لعلي حكِيمٌ" [ الزخرف: 4]: أي ما ثبت أنه سيظهر حكمه .
و حكمه في الخارج فإنه تقدير العزيز الحكيم، و أم الكتاب هو: الحضرة العلمية التي تخرج من بطنها نتائج العلوم و المعارف إلى الظهور بقدر معلوم، أشار رضي الله عنه بهذه العبارة إلى أن الأمر الشريف النبوي كان بمقتضى القضاء المبرم، و هو أم الكتاب . 
فالأمر كان حتما مقضيا (فامتثلت) لأنه لا يسعه إلا الامتثال، فإن الأمر على كشف و عيان .
( على ما رسم لي و وقفت عند ما حدّ لي) يصح أن يكون الفعلان مجهولين: أي رسم و حدّ، و أن يكونا معلومين .
و في قوله: (امتثلت، و وقفت )، يشير إلى صحوه و علمه أنه امتثل الأمر و وقف على حدوده ما زاد و لا نقص .
( و لو رمت زيادة على ذلك ما استطعت) فما رام الزيادة، (فإن الحضرة تمنع من ذلك) و ذلك لأن العيان أعطى أن الأمر الخارج إلى الظهور: أي قدر منها فلم يتعلق الخاطر بأمر محال .
( و الله الموفق التوفيق )، جعل الأسباب موافقة للتسبب (لا ربّ غيره) أين الغير حتى يكون ربا؟! . ليس سوى الله، و الله ما في الوجود .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السابعة والثلاثون .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:22 pm

الفقرة السابعة والثلاثون .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السابعة والثلاثون :
كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
بسم الله الرحمن الرحيم
1. نقش فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : ( اعلم أن الأسماء الحسنى تطلب بذواتها وجود العالم.
فأوجد الله العالم جسداً مسوى . وجعل روحه آدم عليه السلام .
وأعني بآدم وجود العالم الإنساني وعلمه بالأسماء كلها .
فإن الروح هو مدبر البدن بما فيه من القوى . وكذلك الأسماء للإنسان الكامل بمنزلة القوى .
لهذا يقال في العالم : " إنه الإنسان الكبير " . ولكن بوجود الإنسان فيه .
وكان الإنسان مختصراً من الحضرة الإلهية .
ولذلك خصه بالصورة فقال : " إن الله خلق آدم على صورته " وفي رواية : " على صورة الرحمن " .
وجعل الله العين المقصودة من العالم كالنفس الناطقة من الشخص الإنساني .
ولهذا تخرب الدنيا بزواله وتنتقل العمارة إلى الآخرة من أجله .
فهو عبد الله ورب بالنسبة للعالم . ولذلك جعله خليفة وابناءه خلفاء .
ولهذا ما ادعى أحد من العالم الربوبية إلا الإنسان لما فيه من القوة .
وما أحكم أحد من العالم مقام العبودية في نفسها إلا الإنسان .
فعبد الحجارة والجمادات التي هي أنزل الموجودات .
فلا أعز من الإنسان بربوبيته . ولا أذل منه بعبوديته .
فإن فهمت فقد أبنت لك عن المقصود بالإنسان فانظر إلى عزته بالأسماء الحسنى وطلبها إياه تعرف عزته . ومن ظهوره بها تعرف ذلته . فافهم .
ومن هنا تعلم أنه نسخة من الصورتين : الحق والعالم .)
1 - شرح نقش فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
"فص الشيء" خلاصته وزبدته.
و"فض الخاتم" ما بنزین به الخاتم ويكتب عليه اسم صاحبه.
وقال ابن السكيت، «?ل ملتقى عظمين، فهو فص».
و«الحكمة» هي العلم بحقائق الأشياء وأوصافها وأحكامها على ما هي عليه وبالأقوال والأفعال الإرادية على وجه يقتضي سدادها.
و"الإلهية" اسم مرتبة جامعة لمراتب الأسماء والصفات كلها.
فإن الفص كما أنه قد انطوى على قوسي حلقة الخاتم واشتمل على أحدية جمعهما، وكما أنه يختم بما ينطبع فيه من الصور ويعرب عن كليتها.
وكما أنه تابع لقالبه من الخاتم في التربيع والتثليث والتدوير وغيرها ومستتبع لما يرد عليه.
كذلك قلب الإنسان الكامل له الانطواء على قوسي الوجوب والإمكان والانطباق على أحدية جمعهما؛ وله أن يعرب عما فيه من صور الحقائق وينبئ عن أحدية جمعها.
وكذلك له صورة تابعة المزاج الشخص، كما أن له أن يستتبع تجلي الحق ويصوره بصورته ، على ما نص عليه الشيخ رضي الله عنه في القص الشعيبي من فصوص الحكم.
وقوله : «فص حكمة إلهية» بناء على أن أحدية جمع الأشياء زبدتها وخلاصتها ؛ أو على أن الفص - الذي هو ملتقى قوسي حلقة الخاتم أو ملتقى كل عظمين - بمنزلة أحدية جمعهما.
فالحاصل أن خلاصة العلوم والمعارف المتعلقة بمرتبة الألوهية، أو المحل القابل لها، أو أحدية جمعها، متحققة في كلمة آدمية.
والمراد بـ "الكلمة" في كل موضع من هذا الكتاب عين النبي المذكور فيه من حيث خصوصيته وحظه المتعين له ولأمته من الحق سبحانه.
وهي في عرف التحقيق عبارة عن هيئة اجتماعية حرفية من حروف النفس الرحماني.
قال رضي الله عنه : (اعلم أن الأسماء الإلهية الحسنى تطلب بذواتها وجود العالم. فأوجد الله العالم جسدا مسوي وجعل روحه آدم ؛ وأعني ب «آدم» وجود العالم الإنساني .)
وفي كلام بعضهم : إن الحقائق العلمية إن كانت معتبرة لا بأحوالها، سمی "حروفا غيبية"، ومع أحوالها، «كلمات غيبية» ؛ والحقائق الوجودية إن كانت معتبرة لا بأحوالها، تسمى «حروف وجودية » ، ومع أحوالها، «كلمات وجودية».
(اعلم أن الأسماء الإلهية الحسنی)، التي كلياتها تسع وتسعون أو ألف وواحد؛ وأما جزئياتها، فغير محصورة، لأن الأسماء هي التعيينات الإلهية في حقائق المم?نات وهي غير متناهية لعدم تناهي المم?نات.
(تطلب) وتقتضي تلك الأسماء (بذواتها وجود العالم) روحا ومثالا وحا، ليكون مرائي لأنوارها المكنونة و مجالي لأسرارها المخزونة التي باعتبارها قال سبحانه ، ?نت ?نزا مخفيا» الحديث .
وإنما أسند ذلك الطلب والاقتضاء إلى الأسماء .
التي هي الذات مقيدة بالصفات - لا إلى الذات نفسها، لأن الذات من حيث إطلاقها لا يضاف إليها حكم، ولا تتعين بوصف ولا رسم.
ليس نسبة الاقتضاء إليها أولى من نسبة الاقتضاء، لأن كل ذلك يقضي بالتعين والتقيد ؛ ولا شك أن تعقل كل تعين يقضي بسبق اللاتعين عليه.
ثم اعلم أن ثبوت الكمال للحق سبحانه من وجهين: أحدهما كماله من حيث الذات . وهو عبارة عن ثبوت وجودها منها، لا من غيرها ، فهي غنية في وجودها وبقائها ودوامها عما سواها.
والكمال الثاني هو ?مال تفصيلي للحق سبحانه من حيث أسماؤها الحسنى.
وذلك إنما يكون بظهور آثار النسب المرتبية والحقائق الأسمائية ونفوذ أحكامها في عوالمها ومظاهرها.
وكان الحق الواجب الوجود في كماله الذاتي وغناه الأحدي يرى ذاته في ذاته رؤية ذاتية غير زائدة على ذاته ولا متميزة عنها.
ويرى أسماءه وصفاته أيضا نسبة ذاتية لها وشؤونا غيبية مستهلكة الأحكام تحت قهر الأحدية غير ظاهرة الآثار ولا متميزة الأعيان بعضها عن بعض.
لكنه شاء أن يظهرها من حيث كماله الأسمائي ويراها في مظاهرها متميزة الأعيان والآثار.
(فأوجد) من حيث الاسم («الله» العالم)، وبسط نوره الوجودي على الممكنات المعلومة في الخلاء المتوهم، فصار مظهرة تفصيليا لحقائق الأسماء ومجلى فرقانيا لصفات الاعتلاء.
لكنه كان بدون وجود آدم (جسدا مسوي) ومزاج معدلا، لا روح فيه.
وبيان ذلك أن المقصود الأصلي والعلة الغائية من إيجاد العالم أن يحصل كمال الجلاء والاستجلاء.
اللذين هما عبارة عن ظهور ذاته سبحانه ورؤيته إياها في كل شأن سبق في علمه الذاتي ظهوره فيه متعينا بحسبه، متنوعة بموجب حكمه.
ويظهر كل فرد من أفراد مجموع الأمر كله بصورة الجميع ووصفه وحكمه بحيث يضاهي كل شأن من الشؤون الشأن الكلي الذي هو مفتاح مفاتيح الغيب، أعني التعين الأول.
فإذا لم يحصل الكمال المذكور على النحو المطلوب في العالم، لم يكن له سر و روح.
ولا شك أن ذلك لا يحصل إلا في المظهر الأحدي الجمعي الكمالي الإنساني .
فالعالم من غير وجود الإنسان فيه كان كمزاج معدل وجسد مسوى، لا روح فيه.
ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى جسدا ولا عدل مزاجأ إلا وكمله بنفخ الروح فيه.
فانبعث انبعاثا إراديا إلى ت?میل جسد العالم، (وجعل روحه)، أي روح العالم وسره المطلوب منه، (آدم).
وحيث لم يكن هذا الحكم مختصا بآدم أبي البشر عليه السلام؛ بل يشاركه فيه أولاده الكاملون، عمم الحكم وقال، (وأعني بـ «آدم» وجود العالم الإنساني)، أي الحقيقة النوعية الإنسانية الكمالية الموجودة في ضمن أي فرد كان من أفرادها.
قال رضي الله عنه : (وعلمه الأسماء كلها، فإن الروح هو مدبر البدن بما فيه من القوى، وكذلك الأسماء)
(وعلمه)، أي علم الله سبحانه آدم، يعني الإنسان الكامل، (الأسماء كلها)، علم ذوق ووجدان بأن جعله جامعة لجميع الأسماء الإلهية الفعلية الوجوبية و مشتملا على جميع الصفات والنسب الربوبية، فهو واجب الوجود بربه، عرش الله بقلبه، حي، عالم، قدير ، مت?لم، سميع ، بصير ؛ وهكذا جميع الأسماء .
وقال بعضهم في قوله تعالى: "وعلم آدم الأسماء كلها" [البقرة: 31].
"أي ركب في فطرته من كل اسم من أسمائه لطيفة، وهيأه بتلك اللطائف للتحقق بكل الأسماء الجمالية والجلالية". وعبر عنهما بـ "یدیه" .
فقال لإبليس: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " [سورة ص: 75].
وكل ما سواه "آدم" مخلوق بيد واحدة.
لأنه إما مظهر صفة الجمال، كملائكة الرحمة.
أو الجلال، ?ملائكة العذاب والشيطان .
أعلم أنك لا تعرف الغائب إلا بالشاهد.
ومعناه أنه كلما سألت عن كيفيته ، فلا سبيل إلى تفهیمك إلا أن يقرر لك مثال من مشاهدتك الظاهرة أو الباطنة في نفسك بالعقل.
فإذا قلت : "كيف يكون الأول عالما بنفسه؟"
فجوابك الشافي أن يقال :" كما تعلم أنت نفسك". فتفهم الجواب.
وإذا قلت: "كيف يعلم الأول غيره؟"
فيقال : "كما تعلم أنت غيرك". فتفهم.
وإذا قلت: "كيف يعلم بعلم واحد بسيط سائر المعلومات؟".
فيقال : "كما تعرف جواب مسألة دفعة واحدة من غير تفصيل، ثم تشتغل بالتفاصيل"
وإذا قلت: «كيف يكون علمه بالشيء مبدأ وجود ذلك الشيء؟»
فيقال : "كما يكون توهمك للسقوط على الجذع عند المشي عليه مبدأ السقوط ".
قال رضي الله عنه : (للإنسان الكامل بمنزلة القوي، ولهذا يقال في العالم، إنه الإنسان الكبير، ولكن)
وإذا قلت : كيف يعلم الممكنات كلها؟
فيقال : «یعلمها بالعلم بأسبابها، كما تعلم حرارة الهواء في الصيف القابل بمعرفتك تحقيقا أسباب الحرارة».
وإذا قلت: «كيف يكون ابتهاجه بكماله وبهائه؟»
فيقال : كما يكون ابتهاجك إذا كان لك كمال تتميز به عن الخلق، واستشعرت بذلك الكمال» .
والمقصود أنك لا تقدر أن تفهم شيئا عن الله تعالى إلا بالمقايسة إلى شيء في نفسك. نعم، تدرك في نفسك أشياء تتفاوت في النقصان والكمال، فتعلم مع هذا أن ما فهمته في حق الأول سبحانه أعلى وأشرف مما فهمته في حق نفسك ؛ فيكون ذلك إيمان بالغيب مجملا.
وإلا، فتلك الزيادة التي توهمتها لا تعرف حقيقتها، لأن مثل تلك الزيادة لا يوجد في حقك
فإذن إن كان الأول سبحانه أمر ليس له نظير فيك، فلا سبيل لك إلى فهمه ، البتة. وذلك هو ذاته ، فإنه وجود بلا ماهية، هو منبع كل وجود.
فإذا قلت: «?یف يكون وجود بلا ماهية؟ »
فلا يمكن أن يضرب لك مثل من نفسك؛ فلا يمكنك إذن أن تفهم حقيقة الوجود بلا ماهية وحقيقة.
وإن الاول سبحانه وخاصته هو أنه وجود بلا ماهية زائدة على الوجود، لأن إنيته وماهيته وأحدة.
وهذا لا نظير له فيما سواه؛ فإن ما سواه جوهر أو عرض، وهو ليس بجوهر ولا عرض , وهذا أيضا لا يتحققه الملائكة : فإنهم أيضا جواهر وجودها غير ماهيتها، وإنما وجود بلا ماهية ليس إلا الله تعالى.
فإذن لا يعرف الله إلا الله.
وإنما علم الله سبحانه الإنسان الكامل أسماء الحسنى وأودعها فيه، فإن الإنسان الكامل روح العالم، والعالم جسده . كما سبق.
(وإن الروح هو مدبر البدن) والمتصرف فيه (بما) يكون فيه من القوى الروحانية والجسمانية.
(وكذلك)، أي مثل ذلك المذكور من القوى، (الأسماء الإلهية للإنسان الكامل)؛ يعنى، إنها له بمنزلة تلك القوى الروحانية والجسمانية .
فكما أن الروح بدتر البدن ويتصرف فيه بالقوي، كذلك الإنسان الكامل يدبر أمر العالم ويتصرف فيه بواسطة الأسماء الإلهية .
اعلم أن كل حقيقة حقيقة من حقائق ذات الإنسان الكامل، ونشأته برزخ من حيث أحدية جمعها بين حقيقة ما من حقائق بحر الوجوب وبين حقيقة مظهرية لها من حقائق بحر الإمكان هي عرشها.
وتلك الحقيقة الوجوبية مستوية عليها، فلما ورد التجلي الكمالي الجمعي على المظهر الكمالي الإنساني، تلقاه بحقيقته الأحدية الجمعية الكمالية.
وسری سر هذا التجلي في كل حقيقة من حقائق ذات الإنسان الكامل. ثم فاض نور التجلي منها على ما يناسبها من العالم.
فما وصلت الآلاء والنعماء الواردة بالتجلي الرحماني على حقائق العالم إلا بعد تعينه في الإنسان الكامل بمزيد صبغة لم تكن في التجلي قبل تعيينه في مظهرية الإنسان الكامل.
فحقائق العوالم وأعيانها رعايا له، وهو خليفة عليها، وعلى الخليفة رعاية رعاياه على الوجه الأنسب الأليق ؛ وفيه يتفاضل الخلائف بعضهم على بعض.
لهذا قال تعالى : "إنا عرضنا الأمانة" [الأحزاب: ۷۲]، أي مظهرية هذه الجمعية وكمال الظهور، "على السماوات" أي ما علا من العالم، "والأرض" أي ما أسفل منه ،"والجبال" أي ما بينهما، "فأبين أن يحملنها" ، لعوز في كمال القابلية بغلبة حكم القيد والجزئية عليها، "وحملها الإنسان " [الأحزاب: ۷۲]، أي بهذه الصورة العنصرية لكمال القابلية .
(ولهذا)، أي لكون العالم بمنزلة الجسد وكون الإنسان الكامل بمثابة روحه، يقال في (حق العالم، «إنه الإنسان الكبير»).
فإنه كما أن الإنسان عبارة عن جسد وروح يدبره، كذلك العالم عبارة عنهما مع أنه أكبر منه صورة.
قال رضي الله عنه : (بوجود الإنسان فيه.  وكان الإنسان مختصرا من الحضرة الإلهية، ولذلك خصه)
(ولكن) هذا القول إنما يصح ويصدق (بوجود الإنسان) الكامل (فيه)، أي في العالم، فإنه لو لم يكن موجودة فيه، كان كجسد ملقى، لا روح فيه.
ولا شك أن إطلاق "الإنسان" على الجسد الذي لا روح فيه لا يصح إلا مجازا.
وكما يقال للعالم: «الإنسان الكبير»، كذلك يقال للإنسان: "العالم الصغير" .
وكل من هذين القولين إنما يصح بحسب الصورة.
وأما بحسب المرتبة ، فالعالم هو الإنسان الصغير، والإنسان هو العالم الكبير ..
قال أمير المؤمنين ?رم الله تعالى وجهه :
"دواؤك فيك وما تشعر        …… و داؤك منك و ما  تبصر
وتزعم أنك جرم صغير        …… وفيك انطوى العالم الأكبر
وأنت الكتاب المبين الذي       …… بأحرفه يظهر المضمر"
وكان الإنسان الكامل كتابا (مختصرا) منتخبا (من) أم الكتاب، التي هي عبارة عن (الحضرة) الأحدية الجمعية (الإلهية)، مشتملا على حقائقها الأسمائية الفعلية الوجوبية ومنطوية على رقائق نسب صفاتها الربوبية بحيث لا يشذ عنه شيء منها سوى الوجوب الذاتي.
فإنه لا قدم فيه للممكن الحادث، وإلا لزم قلب الحقائق.
(ولذلك)، أي لكون الإنسان مختصرة من الحضرة الإلهية ، مشتملا على ما فيها من حقائق الصفات والأسماء اشتمالا أحديا جمعيا.
(خصه)، أي الله سبحانه الإنسان، (بالصورة الإلهية)، أي جعل الصورة مختصة به - بحسب الذكر .
وإن كان العالم أيضا على الصورة ؛ لأن كل ما إلى الوحدة أقرب، فإضافته إلى الحق أولى؛ وصورة الإنسان صورته الأحدية الجمعية، وصورة العالم صورته التفصيلية.
قال رضي الله عنه : (بالصورة، فقال: «إن الله خلق آدم على صورته»، وفي رواية : على صورة الرحمن». وجعله الله العين المقصودة من العالم، كالنفس الناطقة من الشخص)
(فقال) على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خلق آدم»)، أي قدره أولا في العلم و أوجده ثانية في العين، («على صورته») الألوهية الكاملة وصفته الربوبية الشاملة .
وحيث احتمل أن يعود الضمير في صورته» إلى آدم، كما ذهب إليه بعض، أردفه بقوله، (وفي رواية أخرى)، («على صورة الرحمن")، تفيا لذلك الاحتمال، ليكون نصا في مقصوده
وفي رواية معاني الأخبار للشيخ أبي بكر بن إسحاق رحمه الله : «لا تقبحوا الوجوه، فإن ابن آدم على صورة الرحمن».
وفي الصحيح: إنه صلى الله عليه وسلم قال في وصيته بعض أصحابه في الغزو : «إذا ذبحت، فأحسن الذبحة؛ وإذا قتلت ، فأحسن القتلة واجتنب الوجه ، فإن الله خلق آدم على صورته ».
قيل : «الصورة» هي الهيئة، وذلك لا يصح إلا على الأجسام.
فمعنى الصورة "الصفة"، يعني،" خلق آدم على صفة الله عز وجل"، أي حيا، عالما، مريدا، قادرا سميعا، بصيرا، متكلما.
ولما كان الحقيقة تظهر في الخارج بالصورة، أطلق «الصورة» على الأسماء والصفات مجازا، لأن الحق سبحانه بها يظهر في الخارج.
هذا باعتبار أهل الظاهر
وأما عند المحققين، في «الصورة» عبارة عما لا تعقل الحقائق المجردة الغيبية ولا تظهر إلا بها.
و"الصورة الإلهية" هو الوجود المتعين بسائر التعينات التي بها يكون مصدرا لجميع الأفعال الكمالية والآثار الفعلية .
(وجعله)، أي جعل الله الإنسان الكامل، (العين المقصودة) والغاية المطلوبة (من) إيجاد (العالم) وإبقائه، (كالنفس الناطقة)، التي هي المقصود (من) تسوية جسد
(الشخص الإنساني) وتعديل مزاجه الطبيعي الجسماني.
الحقيقة السارية في الكل تدرك ذاتها بذاتها وما عدا ذاتها من لوازم ذاتها علما عينية إجمالية في الإنسان الكامل والكون الجامع المتضمن لسائر المظاهر المشتمل على جملة المراتب .
ثم إنها تدرك الأمرين جميعا فيه ببعض التعينات والأسماء الإلهية إدراكا عقليا تفصيلية على حسب ما فيه من القوابل.
وتدركهما أيضا ببعض تعيينات وأسماء أخر إدراكا وهميا وخياليا على حسب ما فيه من قوابل آخر.
وتدرك أيضا ببعض تعينات وأسماء أخر إدرا?ات حسية على حسب ما فيه من القوابل التي تتعلق بها تلك التعيينات.
فهي إنما تدرك الكل بالكل بحسب ما فيه من الكل إدراكا تاما كاملا لا مزيد عليه أصلا. (الإنساني. ولهذا تخرب الدنيا بزواله، وينتقل العمارة إلى الآخرة من أجله .)
(ولهذا)، أي لأن المقصود من إيجاد العالم وإبقائه الإنسان الكامل، كما أن المطلوب من تسوية الجسد النفس الناطقة.
(يخرب) الدار (الدنيا بزواله)، أي بزوال الإنسان الكامل وانتقاله عنها.
كما أن الجسد يبلى ويفنى بمفارقة النفس الناطقة عنه فإنه تعالى لا يتجلى على العالم الدنيوي إلا بواسطته .
فعند انقطاعه ينقطع عنه الإمداد الموجب لبقاء وجوده وكمالاته، فينتقل الدنيا عند انتقاله، ويخرج ما كان فيها من المعاني والكمالات إلى الآخرة.
قال رضي الله عنه في كتابه المسمى به "القسم الإلهي بالاسم الرباني": «ألا ترى أن الدنيا باقية ما دام هذا الإنسان فيها، والكائنات تتكون، والمسخرات تتسخر؟
فإذا انتقل إلى الدار الأخرى، مارت هذه السماء مورا، وسارت الجبال سيرا، ود?ت الأرض دكا، وانتثرت الكواكب، وكورت الشمس إلى غير ذلك.
وفي كتاب "الفكوك فى أسرار مستندات حكم الفصوص"  : «الإنسان الكامل الحقيقي هو البرزخ بين الوجوب والإمكان والمرآة الجامعة بين صفات القدم وأحكامه وبين صفات الحدثان، وهو الواسطة بين الحق والخلق.
وبه ومن مرتبته يصل فيض الحق والمدد الذي هو سبب بقاء ما سوى الحق إلى العالم كله، علوا وسفلا.
ولولاه من حيث برزخيته التي لا تغاير الطرفين، لم يقبل شيء من العالم المدة الإلهي الوحداني لعدم المناسبة والارتباط، ولم يصل إليه ، فكان يفنى، وإنه عمد السماوات والأرض.
ولهذا السر برحلته من مركز الأرض - التي هي صورة حضرة الجمع وأحديته ومنزل خلافة الإلهية - إلى الكرسي الكريم والعرش المجيد المحيطين بالسموات والأرض، ينخرم نظامها. فبدل الأرض غير الأرض والسماوات .
ولهذا نبه أيضا عليه السلام على ما ذكرنا بقوله: «لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول: «الله الله » » .
وأكده بالتكرير، يريد، وفي الأرض من يقول: «الله» ، قوة حقيقيا»، إذ لو أراد من يقول كلمة : «الله»، لم يؤد بالتكرار .
ولا شك أنه لا يذكر الله ذكرة حقيقية - وخصوصا بهذا الاسم الجامع الأعظم المنعوت بجميع الأسماء - إلا الذي يعرف الحق المعرفة التامة.
وأتم الخلق معرفة بالله في كل عصر خليفة الله ، وهو ?امل ذلك العصر .
فكأنه يقول صلى الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة وفي الأرض إنسان كامل».
وهو المشار إليه بأنه العمد المعنوي الماسك ؛ وإن شئت، فقل : «الممسوك لأجله». فإذا انتقل، انشقت السماء، وكورت الشمس، وانكدرت النجوم وانتثرت، وسيرت الجبال ، وزلزلت الأرض، وجاءت القيامة .
ولولا ثبوته من حيث مظهريته في الجنة التي محلها الكرسي والعرش المجيد، لكان الحال فيهما كالحال في الأرض والسموات.
وإنما قید ثبوته بقولي: «من حيث مظهريته»، من أجل ما أطلعني الله عليه من أن الجنة لا تسع إنسانا كاملا؛ وإنما يكون منه في الجنة ما يناسب الجئة، وفي كل عالم ما يناسب ذلك العالم وما يستدعيه ذلك العالم من الحق من حيث ما في ذلك العالم من الإنسان.
بل أقول: «ولو خلت جهنم منه، لم تبق ؛ وبه امتلأت».
و إليه الإشارة بـ «قدم الجبار» المذكور في الحديث عند قوله عليه السلام:
«إن جهنم لا تزال تقول: «هل من مزيد؟».
حتى يضع الجبار فيها قدمه ؛ فإذا وضع الجبار فيها قدمه، ينزوي بعضها إلى بعض.
وتقول: «قط قط»، أي «حسبي «حسبي» » .
وأخبر من جانب الحق أن القدم الموضوع في جهنم هو الباقي في هذا العالم من صور الكمل مما لا يصحبهم في النشأة الجنانية.
وكني عن ذلك الباقي ب "القدم" المناسبة شريفة لطيفة : فإن القدم من الإنسان آخر أعضاء صورته ؛ فكذلك نفس صورته العنصرية آخر أعضاء مطلق الصورة الإنسانية، لأن صور العالم بأجمعها كالأعضاء المطلق صورة الحقيقة الإنسانية .
وهذه النشأة آخر صورة ظهرت بها الحقيقة الإنسانية ، وبها قامت الصور كلها التي قلت"إنها كالأعضاء". التجليات الإلهية لأهل الآخرة إنما هي بواسطة الكامل، كما في الدنيا.
والمعاني المفضلة لأهلها متفرعة من مرتبته ومقام جمعه أبدا، كما تفرع منه أزلا.
وما للكامل من الكمالات في الآخرة لا يقاس على ما له من الكمالات في الدنيا، إذ لا قياس النعم الآخرة على نعم الدنيا.
وقد جاء في الخبر الصحيح: «إن الرحمة مائة جزء، جزء منها لأهل الدنيا، وتسعة وتسعون لأهل الآخرة".
واعلم أن دار الوجود واحدة، وانقسامها إلى الدنيا والأخرى بالنسبة إليك، لأنهما صفتان للنشأة الإنسانية، فأدني نشأتها الوجودية العينية النشأة العنصرية.
فهي الدنيا، لـ "دناءتها" بالنسبة إلى نشأتها النورية الإلهية ، أول "دنوها" عن فهم الإنسان الحيوان.
ولما كانت النشأة الإنسانية الكلية في الدنيا نشأتين، نشأة تفصيلية فرقانية ونشأة أحذية جمعية قرآنية ؛ وهذه النشأة الدنيوية كثيفة، وصورتها مقيدة سخيفة من مادة جامعة بين النور والظلمة.
والنفس الناطقة المتعلقة بها من بعض قواها القوة العملية ، وهي ذاتية لها وبها ؛ يعمل الله سبحانه لأجلها في كل نشأة وموطن صورة هيكلية تنزل معانيها فيها ويظهر قواها وخصائصها وحقائقها بها.
وكانت هذه النشأة الجامعة بين النور والظلمة لا تقتضي الدوام؛ بل لا بد لها من الانخرام والانصرام لكونها حاصلة من عناصر مختلفة متباينة متضادة تقتضي بحقائقها الانفكاك،وكون قوى مزاجها العنصري غير وافية بجميع ما في النفس من الحقائق والدقائق .
فإن في النفس ما لا يظهر بهذه النشأة العنصرية، مثل ما يظهر بنشأتها الروحانية النورانية ؛ وقد حصل لها بحمد الله سبحانه في مدة عمرها التي كانت تعمر أرض جسدها من الأخلاق الفاضلة والملكات الكاملة والعلوم والأعمال الصالحة الحاصلة كمال فعلي، لما صار بها جميع ما كان بالقوة بالفعل.
فينشئ الله سبحانه للنفس بالقوة العملية - إذا خرجت عن الدنيا - صورة أخروية روحانية ملائمة لها في جميع أفاعيلها وخصائصها من مادة روحانية حاصلة لها من تلك الأخلاق والملكات والعلوم والأعمال ؛ فتظهر بحقائقها وخصائصها وآثارها في تلك الصورة ظهورة يقتضي الدوام إلى الأبد، لأن مادتها روحانية وحدانية نورية.
فاقتضت تلك النشأة الروحانية الدوام والبقاء لرسوخ حقائقها وأصولها الروحانية في جوهر الروح ودوام التجلي النفسي الإلهي فيها.
فإذا انتقل الأمر إلى الآخرة ، فهو الأول بالقصد والآخر بالإيجاد والظاهر بالصورة والباطن بالسورة، أي المنزلة. فهو عبد الله رب بالنسبة إلى العالم، ولذلك جعله خليفة وأبناءه خلفاء .
وظهرت النفوس والأرواح الإنسانية في صورها الروحانية البرزخية والمثالية أو الحشرية، وغلبت الروحية على الصور، والنورية على الظلمة، واختزن الحق الأسرار والأنوار والحقائق في تلك الصور الأخروية، كان الإنسان بأحدية جمعه ختمة على تلك النشأة الأخروية، حافظة لها إلى الأبد. فافهم.
الممكنات كلها شؤون الحق في غيب ذاته وأسمائه .
ووقع اسم الغير عليها بواسطة التعين والاحتياج إلى من يوجدها في العين، وبعد الاتصاف بالوجود العيني صار واجبة بالغير لا يتعدم أبدا ؛ بل يتغير ويتبدل بحسب عوالمه وطريان الصور عليه.
(فهو)، أي الإنسان الكامل هو، (الأول بالقصد) والإرادة، لما جعله الله سبحانه العين المقصودة والعلة الغائية من إيجاد العالم؛ ومن شأن العلة الغائية التقدم في العلم والإرادة ، كما أن من شأنه أيضا التأخر في الوجود، كما أشار إليه بقوله.
(والآخر)، أي ذلك الإنسان هو المتأخر عما عداه ، (بالإيجاد) في سلسلة الموجودات، فإن أول ما أوجد بالوجود العيني هو القلم الأعلى، ثم اللوح المحفوظ، ثم العرش العظيم ، ثم الكرسي الكريم، ثم العناصر، ثم السماوات السبع، ثم المولدات ، ثم الإنسان : فإنه منتهي تلك الآثار ومجتمعها.
(و) هو (الظاهر) المحسوس (بالصورة) الجسمية العنصرية.
(و)هو (الباطن) الغير المحسوس أيضا، لكن (بالسورة)، (أي المنزلة) والشرف، فإنها باعتبار روحانيته . أو نقول، هو الظاهر في عرصة الوجود العيني بالصورة الأحدية الجمعية من جسم وروح وعقل وقوى وغيرها مما يصدق عليه إطلاق «الخلقية»، وهو أيضا الباطن، لكن بمرتبته التي هي الخلافة، فإن المراتب لا تزال أمورة معقولة لا وجود لها إلا بالمتعينات المترتبة فيها وجودة تتميز به عن المتعين بها وفيها.
كالسلطنة مثلا: فإن العقل يميز بينها وبين صاحبها - أعني السلطان - ولا يظهر لها في الخارج صورة زائدة على صورة صاحبها، لكن يشهد أثرها ممن ظهر بها ما دام له الظهور بها. ومتى انتهى حكمها، لم يظهر عنه أثژها، وبقي كسائر من ليست له تلك المرتبة .
(فهو) من حيث صورته الجسمية العنصرية، أو صورته الأحدية الجمعية المذكورة آنفا، (عبد) مخلوق مربوب (لله) سبحانه وتعالى ؛ (و) من حيث معناه وروحه أو مرتبته (رب) يتحقق ربوبيته (بالنسبة) والإضافة إلى أفراد العالم كله، غيبه وشهادته، روحانية وجسمانية .
(ولهذا ما ادعى أحد من العالم الربوبية إلا الإنسان لما فيه من القوة ؛ وما أحكم أحد)
قال الشيخ "ابن العربي" رضي الله عنه في إنشاء الدوائر:
«الإنسان نسختان : نسخة ظاهرة ونسخة باطنة.
فنسخته الظاهرة مضاهية للعالم بأسره، ونسخته الباطنة مضاهية للحضرة الإلهية .
فالإنسان هو الكلي على الإطلاق والحقيقة . إذ هو القابل لجميع الموجودات، قديمها وحديثها.
وما سواه من الموجودات لا يقبل ذلك.
فإن كل جزء من أجزاء العالم لا يقبل الألوهية، والإله لا يقبل العبودية ، بل العالم كله عبد، والحق سبحانه وحده إله واحد صمد لا يجوز عليه الاتصاف بما يناقض الأوصاف الإلهية، كما لا يجوز على العالم الاتصاف بما يناقض الأوصاف الحادثة العبودية .
فالإنسان ذو نسبتين كاملتين :
نسية يدخل بها إلى الحضرة الإلهية ، ونسبة يدخل بها إلى الحضرة الكيانية .
فيقال فيه : «عبد»، من حيث أنه مكلف ولم يكن، ثم كان، ?العالم.
ويقال فيه: «رب»، من حيث أنه خليفة ومن حيث الصورة ومن حيث "أحسن تقويم".
قال الشيخ "ابن العربي" في «عنقاء مغرب» :
حقيقة  الحق لا  تحد ……       و باطن الرب لا يحد
فباطن لا يكاد يخفى         …… وظاهر لا يكاد يبدو
فإن  يكن باطنا فرب         …… و إن  يكن ظاهرا فعبد
(ولذلك)، أي لكون آدم له جهة ربوبية بها يناسب الحق سبحانه وجه عبودية بها يناسب الخلق، (جعله) الله سبحانه (خليفة) في خليقته، ليأخذ بجهة الربوبية ونشأته الروحانية عن الله سبحانه ما يطلبه الرعايا، ويبلغه بجهة العبودية ونشأته الجسمانية إليهم. فبهاتين الجهتين يتم أمر خلافته.
كما قال سبحانه : "ولو جعله ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون" [الأنعام: 9]، ليجانسكم، فيبلغكم أمري.
(و) كذلك جعل سبحانه (أبناءه) الكاملين (خلفاء) في العالم كله والغير الكاملين فيما يتعلق به، فإن لكل فرد من الأفراد الإنسانية نصيبا من هذه الخلافة يدبر به ما يتعلق به، كتدبير السلطان المل?ه وصاحب المنزل لمنزله ؛ وأدناه تدبير الشخص لبدنه .. والخلافة العظمى إنما هي للإنسان الكامل.
[size=24](ولهذا)، أي لمعنى اشتمال آدم على جهتي الربوبية والعبودية، (ما ادعى أحد من العالم مقام من) أفراد (العالم الربوبية) والاتصاف بصفاتها في أعلى درجاتها (إلا الإنسان لما فيه)، أي في الإنسان، (من القوة)[/b:7b
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثامنة والثلاثون السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:24 pm

الفقرة الثامنة والثلاثون السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثامنة والثلاثون :
كتاب تعليقات د أبو العلا عفيفي على فصوص الحكم محمد ابن العربي 1385 هـ :
قبل أن تقرا لـ  د. أبو العلا عفيفي رحمه الله:
د أبو العلا عفيفي رحمه الله ليس متصوف سالك فى الله وإنما تعلم التصوف بفهم وعيون الغرب العلماني للعمل والإرتزاق ولبناء مستقبل علمي وسطهم ليحظي بتقديرهم والاعتراف به كخبير متخصص وأستاذ فى علوم و مخطوطات الشيخ الأكبر ابن العربي فى وسطهم الفلسفي والعلمي على مستوى العالم وكان له ذلك.
لكن لا ينكر فضله الكبير في البحث و جمع ومقارنة و تحقيق مخطوطات الشيخ الأكبر وتراثه العلمي فضل كبير في البحث وجمع ومقارنة وتحقيق مخطوطات الشيخ الأكبر ومحاولة شرحها جل عمره .
لكنه تشبع وانصبغ بما تعلمه من التصوف العقلي في الغرب العلماني  حيث حصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة كمبردج 1930 برسالته عن "فلسفة ابن عربي الصوفية " تحت اشراف المستشرق البريطاني رينولد نيكلسون.
في أن التصوف ووحدة الوجود وأصوله الآفلوطونية والغنوصية وغيرها من نتائج أفكار العقل النظري والواردات الشيطانية التي لا ضوابط حاكمة لها من قواعد وقيود الشرع الحنيف المنزل من عند الله سبحانه.
فالحق سبحانه وإن تجلي أو تنزل أو ظهر في كل شيء وعلى كل شيء وفى كل وجهه فـ هو الله الأحد الفرد الصمد لاشريك له ليس كمثله شيء.
والعبد عبد وإن تجلي الله عليه أو كلمه أو اتخذه أو وليا أو نبيا او رسولا وعلمه الأسماء كلها وجعله خليفة له يتصرف فى الأكوان فهو مازال عبدا مفتقرا إلى الله تعالى دائما في كل شيءفالرب رب وإن تنزل . و العبد عبد وإن علا.
فقراءة تعليقات د أبو العلا عفيفي عادة مهمة ولكن تجاوز عن تفسيراته وتعريفاته الفلسفية الغربية العلمانية لوحدة الوجود فهى خطأ وليس ما يريده الشيخ رضي الله عنه يقينا وكذلك كل الأئمة الأولياء الكمل منذ رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا وحتى الآن والى يوم يبعثون وما بعد يوم يبعثون  .
فالعقل وحده وهو أعظم أدوات الفلاسفة في التأمل عاجزا تماما بل هو أعمى عن إدراك كل الحقائق والمخلوقات فى عالم الملك والملكوت والجبروت واللاهوت.
كذالك السموات على ما هي عليه مفتقرا لسلطان الله لينفذ في معارجها . كذلك لمشاهدة التجليات والحضرات الإلهية لكي الأسماء والصفات والأفعال ألهية ببصر وسمع الله سبحانه  فضلا عن التأييد الإلهي للفهم عنه.
فالحق سبحانه القديم الأزلي السر و النور الساري في كل ما خلق وإلا صار للعدم. والى ذلك أعلمنا سبحانه فأشار بـالحقيقة السارية في كل شيء " لا حول ولا قوة الا بالله" وحدها الحقيقة الحاكمة ازلا وسرمدا على الوجود كله و كافية لإثبات سريان انوار قدرته وحكمته وارادته تعالى في كل شيء و كل وجهه لمن أراد الدليل وتفهم مراد الرسول والأنبياء والشيخ وكل الأولياء أن كل الكون مفتقر تعالى إليه  دائما أبدا فى كل لحظة .
قال تعالى :" إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) سورة فاطر".
قال تعالى : " قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) سورة المائدة"
قال تعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) سورة ".
قال تعالى : "وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) سورة الشورى " .
فالله سبحانه وتعالى يكلم ويخاطب من يشاء من عباده بما شاء كيفما شاء وأينما شاء ولاقيد ولاحد لهذا او يرسل رسولا عدا الوحي الذي رفعه الله سبحانه بعد خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم ويعلم من يشاء بما يشاء فلا سلطان لأحد من الخلق عليه.
فالله سبحانه وتعالى النور والسر الساري في كل شيء أزلا وسرمدا خلقا وايجادا واظهارا ومحوا وإحفاء واعداما و زولا غير مفتر للشيء . وكل الكون مفتقر اليه دائما فى كل شيء.
أين كل هذا من علوم أفلاطون والغنوصية والبوذية وغيرها من تلك العلوم الشيطانية النفسية التي أوجدها ليسلبوا عقول الناس و يضيعوا أعمارهم "ليضلوا عن سبيل الله" , فمن أراد الله سبحانه أخذ آيات وشرع الله وتجرد له وأخلص له وصدق معه وينتظر ما سيفتح الله به وقتما يشاء سبحانه .
وعرضت كلامه لأهميته لاكتمال الموسوعة في إيراد أهم التفاسير المتاحة ولأن النص الأساسي للموسوعة هو الذي أورده من دراسته معتمدا على عدد كبير من المخطوطات الموثقة عن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر رضي الله عنه.
أخيرا فطالب الحق يكفيه دليل ليعرف أما المعاند النزق أوالجاهل أو من ران على قلبه لا يكفيه الف دليل.
وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.
الفص الأول "حكمة ألهية فى كلمة آدمية:"
(1) الكلمة الآدمية.
(1) لا يقصد بآدم هنا آدم أبو البشر، و إنما الجنس البشري برمته: الإنسان من حيث هو إنسان أو الحقيقة الإنسانية. يدل على ذلك ما يورده المؤلف عن النشأة الإنسانية و أنها النشأة الوحيدة التي تتجلى فيها الكمالات الإلهية في أعظم صورها، و ما يذكره من أمر خلافة الإنسان في الكون و فضله على الملائكة و استحقاقه مرتبة الخلافة دونهم، و كلامه عن الكون الجامع و العالم الصغير الذي يقابله بالعالم الكبير و نحو ذلك.
(2) «لما شاء الحق سبحانه ... و لا تجليه له».
(2) «لما» لا تشير إلى زمان لأن المشيئة الإلهية لا تتعلق بزمان دون آخر:
و لكن المسألة تقريب للأذهان و شرح للحكمة الإلهية في ظهور الإنسان بالصورة التي ظهر بها.
و قد شاء الحق سبحانه أن يظهر الإنسان على هذه الصورة، لا لأن الذات الإلهية تطلب وجود الخلق، فإن الذات الإلهية غنيّة عن العالمين، بل لأن الأسماء الإلهية تطلب ذلك الوجود و تفتقر إليه إذ لا وجود لها إلا به و لا معنى لها إلا فيه.
أليس ذلك الوجود إلا مظهر تلك الأسماء و مجاليها؟ بل أ ليس الكون كما يقول ابن عربي سوى الأسماء التي أطلقها اللَّه على نفسه؟ و لهذا قال «لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى إلخ» أي لما شاء ظهور الخلق عامة و ظهور الإنسان بوجه خاص و كانت هذه المشيئة من حيث أسماؤه لا من حيث ذاته، أظهر الوجود فبِهِ عُرف، و أظهر الإنسان فكان أعرف مخلوق بربه. «كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعْرَفَ فخلقت الخلق فبِه عرفوني».
هذا هو سر الخلق كما يقول به الحديث القدسي أو ما يدعي الصوفية أنه حديث قدسي.
فغاية الخلق إذن هي أن يرى اللَّه سبحانه نفسه في صورة تتجلى فيها صفاته و أسماؤه، أو بعبارة أخرى يرى نفسه في مرآة العالم. و ليست رؤية الشي ء نفسه في نفسه مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة لأن هذه الرؤية الثانية يعطيها المحل المنظور فيه أي تعطيها طبيعة المرآة. ففي العالم تجلى الوجود الإلهي و بالعالم عرفت صفات اللَّه و أسماؤه أي عرفت ألوهيّته. فنحن نعرفه في أنفسنا بقدر ما نعرف من حقيقة تلك النفوس و بقدر ما يتجلى في تلك النفوس من صفات الكمال الإلهي: و هذا معنى قول القائل «من عرف نفسه فقد عرف ربه».
شاء الحق إذن أن يرى أعيان أسمائه- أي يرى تعينات هذه الأسماء في الوجود الخارجي، و إن شئت قلت أن يرى عينه إذ ليست عينه سوى ذاته المتصفة بالأسماء، فظهر في الوجود ما ظهر و على النحو الذي ظهر عليه و كشف عن «الكنز المخفي» الذي هو الذات المطلقة المجردة عن العلاقات و النسب، و لكن لم يكشف عنها في إطلاقها و تجردها، بل في تقييدها و تعينها.
و شاء الحق أن تظهر أعيان أسمائه- أو أن تظهر عينه- في صورة جامعة شاملة تحصر صفات الموجودات كلها في نفسها فخلق الإنسان، ذلك الكون الجامع الذي ظهرت فيه حقائق الوجود من أعلاه إلى أسفله كما سيتبيّن فيما بعد.
(3) «و من شأن الحكم الإلهي ... و القابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس».
(3) هذا شروع في وصف ما يسميه ابن عربي بالخلق، و في الحقيقة لا معنى لفعل الخلق في مذهب يقول بوحدة الوجود كمذهبه، و لكنه يستعمل كلمة الخلق و غيرها مجاراة للعرف و يقرأ فيها من المعاني ما يشاء مما يتفق و مذهبه.
من شأن الحكم الإلهي في الخلق أن يحصل التهيؤ و الاستعداد من الأمر المخلوق فتفيض عليه روح من اللَّه عبّر عنها في قصة خلق آدم بالنفخ، و لو لا ذلك الاستعداد من المخلوق و تهيؤه لقبول الفيض الوجودي ما وُجد. فكل محل تمَّ فيه الاستعداد للوجود على نحوٍ ما، قَبِلَ روحاً إلهياً فوجد في العالم الخارجي على هذا النحو. أي أن روح اللَّه سارية في الموجودات جميعها، و ليست الموجودات الخارجية سوى صور و أشباح اتصفت بصفة الوجود بفضل سريان تلك الروح الإلهية فيها.
و قد يفهم من هذا الكلام أن ابن عربي يقول باثنينية الخالق و المخلوق أو الحق و الخلق: أو الوجود الظاهر و اللَّه. و ليس في الحقيقة أثر للاثنينية في مذهبه.
و كل ما يشعر بالاثنينية يجب تفسيره على أنه اثنينية اعتبارية. فليس في الوجود- في نظره- إلا حقيقة واحدة إذا نظرنا إليها من جهة سميناها حقاً و فاعلًا و خالقاً، و إذا نظرنا إليها من جهة أخرى سميناها خلقاً و قابلًا و مخلوقاً. و ليس على وجه التحقيق في مذهبه خلق بمعنى الإيجاد من العدم، إذ يستحيل في اعتقاده الوجود عن العدم المحض. و إنما أصل كل وجود و سبب كل وجود فيض إلهي دائم (يعبر عنه أحياناً بالتجلي الإلهي) يمد كل موجود في كل لحظة بروح من اللَّه فيراه الناظر في الصور المتعددة التي يظهر فيها. ذلك هو الخلق في اصطلاح ابن عربي: تجل إلهي دائم فيما لا يحصى عدده من صور الموجودات، و تغير دائم و تحول في الصور في كل آن. ذلك هو الذي يطلق عليه أحياناً اسم «الخلق الجديد» و يقول إنه هو المشار إليه في قوله تعالى «بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ».
«و القابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس»:
القابل هو الصورة، و قوابل الموجودات صورها المعقولة التي ليس لها وجود عيني و إن كان لها وجود غيبي: فهي بهذا المعنى وجودات ممكنة أو وجودات بالقوة. و قد تكلم ابن عربي عن نوعين من الفيض الإلهي: الفيض الأقدس و الفيض المقدس، و الأول سابق على الثاني في منطق النظام الوجودي لا في الواقع، إذ الفيض الأقدس هو تجلي الذات الأحدية لنفسها في صور جميع الممكنات التي يتصور وجودها فيها بالقوة. فهو أول درجة من درجات التعينات في طبيعة «الوجود المطلق»، و لكنها تعينات معقولة لا وجود لها في عالم الأعيان الحسية بل هي مجرد قوابل للوجود. و هذه الحقائق المعقولة، أو الصور المعقولة للممكنات هي التي يطلق عليها ابن عربي اسم «الأعيان الثابتة» للموجودات و هي شي ء أشبه ما يكون بالصور الأفلاطونية و إن كانت تختلف عنها من بعض الوجوه. و سيأتي مزيد شرح لهذه الأعيان الثابتة في مواضع أخرى.
أما الفيض المقدس: و هو الذي يوصف عادة باسم «التجلي الوجودي» أو تجلي الواحد في صور الكثرة الوجودية، فهو ظهور الأعيان الثابتة من العالم المعقول إلى العالم المحسوس: أو هو ظهور ما بالقوة في صورة ما بالفعل، و ظهور الموجودات الخارجية على نحو ما هي عليه في ثبوتها الأزلي. و ليس في الوجود شي ء يكون في ظهوره على خلاف ما كان عليه في ثبوته. 
هذا هو سر القدر الذي يشير إليه المؤلف في الفص السادس عشر و غيره و هو يذكرنا في بعض نواحيه «بالانسجام الأزلي» الذي يتحدث عنه «ليبنتز».
و كما قلنا إن الفيض الأقدس هو تجلي الحق لذاته في الصور المعقولة للكائنات، نستطيع أن نقول هنا إن الفيض المقدس هو تجلي الحق في صور أعيانها، فهو بذلك الدرجة الثانية من درجات التعين في طبيعة الوجود المطلق.
و قد تشير كلمة «الفيض» إلى تأثر ابن عربي بالفلسفة الأفلاطونية الحديثة و نظام الفيوضات فيها، و لكن على الرغم من استعماله لكثير من مصطلحات هذه الفلسفة و أساليبها لا نزال نجد مذهبه الخاص قائماً بنفسه متميزاً عن هذه الفلسفة في أخص صفاتها. 
و يكفي أن نقرر هنا أن مذهب ابن عربي صريح في القول بوحدة الوجود و الفلسفة الأفلاطونية الحديثة ليست مذهب وحدة وجود بالمعنى الدقيق، و أن الفيوضات التي يتكلم عنها ابن عربي ليست إلا تجليات لحقيقة واحدة في صور مختلفة أو بطرق مختلفة، في حين أنها في فلسفة أفلاطون سلسلة من الموجودات يفيض كل منها عن الوجود السابق عليه و يتصل به اتصال المعلول بعلته.
(4) «فكانت الملائكة له ... العالم أعلاه و أسفله».
(4) لما اقتضت الإرادة الإلهية ظهور العالم، أو ظهور مرآة للوجود يرى الحق فيها نفسه، اقتضى الأمر جلاء تلك المرآة لتتحقق فيها معاني الرؤية فكان آدم (الإنسان) عين ذلك الجلاء: إذ لولاه لظلت مرآة الوجود مظلمة معتمة لا ينعكس عليها كمال إلهي فيُرَى أو يُعرَف. و غاية الخلق- كما قلنا- أن يعرف اللَّه و تدرك آثاره و كمالاته. و إذا عرفنا أن جلاء المرآة في لغة ابن عربي معناه كشف أسرار الوجود بنور العقل و القلب، و لا يكون ذلك إلا للإنسان، أدركنا منزلة الإنسان عنده من اللَّه و من الوجود عامة. فالإنسان من اللَّه بمنزلة إنسان العين من العين، و هو من الوجود قلب الوجود النابض و عقله المدرك لحقائقة.
و في الإنسان قوى كثيرة روحية و حسية، و كذلك في العالم مثل هذه القوى.
و كل قوة سواء أ كانت في الإنسان أم في العالم محجوبة بذاتها، مشغولة بنفسها لا ترى في الوجود أفضل منها. و لهذا الحجاب زعمت الملائكة أنهم أفضل من آدم فلم يسجدوا له. 
و لهذا الحجاب أيضاً عميت قوى الإنسان فلم تنظر كل منها إلى كمالات الأخرى و لم تنظر إلى كمالات النشأة الانسانية في جملتها، و هي النشأة التي فيها- فيما يزعم أهلها- الأهليةُ لكل منصب عال و درجة رفيعة عند اللَّه.
ذلك لأن النشأة الانسانية هي المظهر الأسمى للجمعية الإلهية التي هي أسماء اللَّه و صفاته، و فيها وحدها تتجلى جميع الصفات التي توجد في العالم متفرقة في أجزائه. 
ففيها أولًا- ما يرجع إلى الجناب الإلهي: أي الذات الإلهية متصفة بالأسماء.
و ثانياً- ما يرجع إلى حقيقة الحقائق- و هي بمثابة العقل الأول في فلسفة أفلوطين. أي فيها العقل الذي هو مظهر العقل الإلهي الكلي.
و ثالثاً- ما يرجع إلى الطبيعة الكلية التي قبلت صور الوجود من أعلاه إلى أسفله.
و رابعاً- فيها فوق ذلك الناحية العنصرية و هي الجسم البشري المراد بقوله «النشأة الحاملة لهذه الأوصاف».
ففي الإنسان جسم و طبيعة و عقل و روح: أو هو كائن جسماني و طبيعي و عقلي و إلهي. و لا يدانيه في هذه الصفات كائن آخر و لذلك استحق الخلافة عن اللَّه و استحق أن يسمى العالم الأصغر.
و قد وضع شراح الفصوص على هذه الفقرة شروحاً كثيرة كلها غامضة و مضطربة لصعوبة النص و التفافِه و تعقده، و لكني آثرت أن أقرأ النص و أفسره على النحو الآتي:
«فكل قوة منها (أي من قوة النشأة الانسانية) محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها، و أن فيها (أي و لا ترى أن فيها- أي في النشأة الانسانية) فيما تزعم الأهليةَ لكل منصب عال و منزلة رفيعة عند اللَّه، لما عندها (أي عند النشأة الانسانية) من الجمعية الإلهية مما يرجع من ذلك (أي من الجمعية الإلهية) إلى الجناب الإلهي، و إلى حقيقة الحقائق، و إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله- أعلاه و أسفله- في النشأة (أي البدنية) الحاملة لهذه الأوصاف (الثلاثة)
(5) «فلهذا سمي إنساناً فإِنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم».
(5) يستعمل ابن عربي كلمة «الرحمة» هنا بمعنى منح اللَّه الوجودَ للأشياء. و هو يتكلم عن نوعين من الرحمة سيأتي ذكرهما في الفص السادس عشر. و قد سبق أن ذكرنا أن الإنسان في نظره هو الغاية القصوى من الخلق، أو هو الوسيلة لتحقيق
هذه الغاية لأن اللَّه خلق العالم لكي يُعرَف، و الإنسان وحده هو الذي يعرفه المعرفة اللائقة به و المعرفة الكاملة. و من هنا ندرك سر كون الإنسان سبباً في نزول الرحمة بكل مخلوق- أو سبباً في وجود كل مخلوق، لأن الكمال الإلهي الذي شاء اللَّه أن يُعْرَف و الذي لا يعرفه حق معرفته إلا الإنسان، لا يدرَك إلا في العالم و في الإنسان معاً: يدرَك تفصيلًا في الأول و جملة في الثاني. و بهذا المعنى يمكن أن يقال إن الإنسان علة في وجود هذا الكون.
(6) «فهو الإنسان الحادث الأزلي ... و الكلمة الفاصلة الجامعة».
(6) في الإنسان الذي أسلفنا وصفه ناحيتان: ناحية حادثة و هي ما يتصل منه بالصورة البدنية العنصرية، و ناحية أزلية أبدية، و هي ما يتصل منه بالجانب الإلهي. فهو حق و خلق، و قديم و حادث و سرمدي و فانٍ و ما إلى ذلك من صفات الأضداد. و قد جمع الإنسان- بل كل ما في الوجود- بين صفات الأضداد هذه من أجل أن فيه الناحيتين: اللاهوتية و الناسوتية. و هذه الفكرة من الأفكار الأساسية في مذهب ابن عربي لا يكاد يغفل ذكرها في كل فصل من فصول كتابه، بل عليها يقوم كل مذهبه في وحدة الوجود.
أما كون الإنسان «الكلمة الفاصلة الجامعة» فلأنه يقف حداً فاصلًا بين اللَّه و العالم لأنه صورة اللَّه و العالم هو المرآة التي تنعكس عليها هذه الصورة، و اللَّه هو الذات التي الإنسان صورة لها. 
و لهذا يطلق عليه ابن عربي أحياناً- أو بعبارة أدق- يطلق على الإنسان الكامل لا مطلق إنسان- اسم البرزخ و هو اسم يظهر أنه استعارة من فلسفة فيلون اليهودي الاسكندري لأن فيلون يصف الإنسان بهذا الوصف. و أما كونه «كلمة جامعة» فلأنه يجمع في نفسه- كما قلنا- كل الأسماء الإلهية بمعنى أنه مجلى لها.
(7) «فلا يزال العالم محفوظاً ما دام فيه هذا الإنسان الكامل ... أبدياً».
(7) ليس الإنسان- الإنسان الكامل- هو العلة الغائيّة من الوجود فحسب، بل هو الحافظ للوجود و السبب في استمراره. أما أنه العلة الغائيّة من الوجود فقد شرحناه، و أما كونه سبب استمرار الوجود فلأن العلة إذا وجدت وجد معلولها، و إذا انعدمت انعدم معلولها الخاص، فإذا زال الإنسان من العالم، و هو المقصود بالذات من خلق العالم، لزم أن يزول العالم: أي لزم أن تنحل الصور الكونية و ترجع إلى أصلها و هو الذات الإلهية الواحدة. و هذا معنى قول المؤلف «و انتقل الأمر إلى الآخرة» إذ المراد بالآخرة ذات الحق التي عنها صدر كل شي ء و إليها يرجع كل شي ء، بالدنيا، العالم الخارجي: عالم الظواهر. و خلاصة الفقرة أنه إذا زالت علة ظهور الحق في صور الوجود زال العالم الذي هو مجموع هذه الصور و بقيت الذات الإلهية وحدها غير ظاهرة في شي ء و لا معروفة لأحد.
( 8.) «و ليس للملائكة جمعية آدم ... تقديس آدم».
( 8.) ليس للملائكة جمعية آدم لأنهم لا تتمثل فيهم جميع الأسماء الإلهية التي تتمثل في الجنس البشري. و لذلك لما علَّم اللَّه آدم الأسماء كلها- و علَّم هنا مأخوذة بمعنى أظهرها فيه- و جعله خليفة عنه في أرضه، أنكر الملائكة الذين لم يدركوا سر ذلك الأمر منزلة آدم و قالوا «أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ؟» و كل شي ء في الوجود يسبح اللَّه و يقدسه بحسب منزلته من الوجود و بحسب ما أودع اللَّه فيه من مظاهر أسمائه، لأن التسبيح و التقديس هنا ليس معناهما إلا إظهار الكمال الإلهي الذي يتجلى في الموجود بمقتضى طبيعة الموجود نفسه.
و لذلك قال تعالى «وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» لأن الشي ء لا يفقه تسبيح غيره و تقديسه للَّه إلا إذا كان ذلك الغير مماثلًا له في طبيعته، و لهذا لم تفقه الملائكة تسبيح آدم و لا تقديسه، و لا هي سبحت اللَّه و قدسته تسبيح آدم و تقديسه.
و كلما كان الكائن أعلى درجةً في الوجود من غيره، أي كلما كان مظهراً لعدد أكبر من صفات اللَّه و أسمائه، كان أعظم في تسبيحه و تقديسه للَّه. و الإنسان من بين الكائنات كلها هو الذي يسبح اللَّه و يقدسه أعلى مراتب التسبيح و التقديس، لأنه مظهر الكمالات الإلهية جميعها.
غير أن ما يسميه ابن عربي «كمالًا» يجب ألا يفهم منه الكمال الخلقي وحده، بل الكمال عنده كل صفة وجودية، أو كل صفة تحقق الوجود في ناحية من نواحيه سواء أ كانت الصفة أخلاقية أم غير أخلاقية، خيراً أم شراً. فالطاعة من العبد كمال و هي من مظاهر اسم المنعم أو اسم الرحيم أو ما شاكلهما من أسماء الجمال.
و المعصية من العبد كمال أيضاً لأنها صفة وجودية و هي من مظاهر اسم الجبار أو المنتقم أو المعذب أو ما شاكلها. و من هنا كانت الطبيعة الانسانية أكمل من طبيعة الملائكة لأنها تحقق من معاني الوجود ما لا تحققه الطبيعة الملائكية.
فطبيعة الإنسان بدنية روحية معاً، و طبيعة الملائكة روحية فقط.
قارن الفص السابع عشر في شرح المؤلف للآية «وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» (س 17 آية 44).
(9) «اعلم أن الأمور الكلية ... فهي باطنة لا تزال عن الوجود العيني».
(9) الأمور الكلية هي المعقولات أو المثل في فلسفة أفلاطون، و المراد بها هنا الصفات الإلهية المتجلية في الخلق على نسب متفاوتة. و لابن عربي رأي خاص في وجودها يختلف تماماً عن رأي أفلاطون في المثل. فالأمور الكلية في مذهبه معان عقلية ليس لها وجود عيني- أي خارجي- مستقل عن الأشياء التي لها حكم فيها و نسبة إليها، و لكن لها أثراً في كل ما له وجود عيني. و قوله «فهي باطنة لا تزال عن الوجود العيني» يمكن قراءته فهي باطنة لا تزال (بفتح تاء تزال) أي فهي باطنة عن الوجود العيني لا تزال كذلك. و يمكن قراءتها لا تزال (بضم التاء) أي لا تنمحي
أو لا تفارق الوجود العيني. أي أن الكلي إن كان له وجود خارجي فوجوده في أفراده لا يفارقها.
و نسبة الأمر الكلي إلى أفراده نسبة واحدة سواء أ كان المتصف به شيئاً مؤقتاً أم غير مؤقت، حادثاً أم قديماً. فنسبة العلم مثلًا إلى جميع من يتصفون به واحدة إذ نقول في كل من اتصف بالعلم إنه عالم، و كذلك نقول في الحياة و في الإرادة. و لكن الأمر الكلي من ناحية أخرى يعود إليه حكم من الموجودات العينية التي يتحقق فيها بحسب طبيعة تلك الموجودات، فيوصف بالقدم إذا اتصف به القديم و بالحدوث إذا اتصف به الحادث.
(10) «ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه ... إلا للوجوب الذاتي»:
(10) لما شرح معنى المحدَث (و المراد به العالم) و أنه هو الممكن المفتقر في وجوده إلى غيره لا الذي له أولية في الزمان، أخذ يشرح الصلة بينه و بين محدِثه الذي هو واجب الوجود. فقال إن طبيعة واجب الوجود اقتضت وجود المحدَث لذاتها، و لذا كان المحدَث واجب الوجود بغيره. و اقتضت طبيعة الواجب الوجود كذلك أن يكون المحدَث (العالم) على صورة من أوجده فيظهر فيه كل شي ء من اسم و صفة عدا وجوب الوجود الذاتي و هي الصفة التي انفرد بها اللَّه.
و لما كان العالم صورة واجب الوجود بهذا المعنى أحالنا اللَّه في العلم به على النظر في الحادث بما فيه أنفسنا، و بذلك عرفناه و استدللنا بأنفسنا عليه. 
وهنا يصل ابن عربي إلى النقطة الختامية في هذا الموضوع و يعرج مرة أخرى على مذهبه في وحدة الوجود فيقول «فمما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوبَ الخاص الذاتي»
بل إن الأنبياء أنفسهم (ألسِنة التراجم) يصفون اللَّه بهذه الأوصاف و يصف هو نفسه لنا بها أو بنا، فنحن صفاته لأننا مظهره، و علمنا به علمنا بنا و منَّا، لأننا نراه في المرآة، و يستحيل علينا أن نراه بدونها، و المرآة العالم الذي نحن جزء منه.
(11) «فبهذا صح له الأزل و القدم .. في عين آخريته»:
(11) ظهر مما تقدم أن الحق و الخلق وجهان لشي ء واحد هو الحقيقة المطلقة أَو الوجود المطلق لا فرق بينهما إلا في وجوب الوجود الذي يتصف به الحق، و إمكان الوجود أو الافتقار الذاتي الذي هو من طبيعة الخلق. و عن وجوب الوجود تتفرع كل الصفات التي يتميز بها الحق عن الخلق كالقدم و الأزلية و الأبدية و غيرها.
فالحق قديم أي لا أول لوجوده لأنه يستحيل عليه المسبوقية بالعدم. فهذا معنى من معاني الأولية انتفى عنه.
و لكنه يصف نفسه بأنه الأول و الآخر فلا بد أن يكون المراد بالأولية هنا أنه مبدأ الوجود و الأصل الذي صدر عنه كل وجود، كما أن المراد بالآخرية رجوع كل موجود في آخر الأمر إليه كما قال «وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ».
و لهذا قال المؤلف «فهو الأول في عين آخريته» أي أن أوليته و آخريته يرجعان إلى سبب واحد هو افتقار الموجودات إليه. فالأزل و الأبد إذن من صفات الواحد الحق وحده، و الوجود الزماني المحدود من صفات الكثرة. و لا يمكن أن تكون أولية الحق تعالى مثل أولية الوجود المقيد بمعنى افتتاح الوجود عن العدم، و إلا لم يصدق عليه أن يكون آخراً لأن الآخرية حينئذ تكون بمعنى آخرية الموجودات المقيدة أيضاً و الموجودات المقيدة أو الممكنات غير متناهية.
(12) «فالعالم بين كثيف و لطيف و هو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه».
(12) في العالم أجسام و أرواح و هي المرادة بالكثيف و اللطيف، و كلها حُجُبٌ تستر الذات الإلهية و تمنعها من الظهور عارية عن كل تعين، كما تحول بيننا و بين إدراك تلك الذات على حقيقتها.
و قد استشهد الصوفية في هذا المعنى بحديث كثيراً ما رددوه و ذهبوا في تأويله كل مذهب و هو أن للَّه سبعين ألف حجاب من نور و ظلمة لو كشفها لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه البصر من خلقه».
قال أصحاب وحدة الوجود المراد بالوجه الذات الإلهية و بالحجب التعينات الكونية.
فالعالم الذي هو صورة اللَّه هو عين الحجاب الذي يستر اللَّه، و لا يدرك العالم من اللَّه إلا بمقدار ما يتجلى فيه من أسرار الحق. و لهذا لا يدرك شي ء من العالم الحقَّ كما يدرك الحق نفسه.
و هذا اعتراف صريح من ابن عربي بأن الوجود المطلق بعيد المنال حتى على ذوق الصوفي، و منه يتبين أن دعواه في وحدة الوجود لا تقوم على الكشف و الاستدلال، و إنما هي فرض افترضه و عجز عن تأييده.
و قد يقال إن المراد بالعالم «العالم الأكبر» لا الإنسان و إن الإنسان وحده هو الذي يستطيع إدراك الحق و إدراك الوحدة الوجودية لأنه الصورة الكاملة للوجود.
و لكن ابن عربي أميل إلى الأخذ بالمعنى الأول. لا فكاك للإنسان من عقاله و لا تخلص له من صورته إلا بالموت: و ما دام في تعينه، و ما دامت له إنِّيَّة تميزه عن غيره فهو عاجز عن إدراك الحق و الوصول إليه.
و لهذا أجمع الصوفية على ضرورة العمل لرفع ذلك الحجاب- حجاب الانِّية، و جعلوا غاية طريقتهم الفناء عن الصفات البشرية المشار إليها بالانِّية. قال الحسين بن منصور الحلاج و قد أشقاه عذاب الحجاب:
بيني و بينك إنِّيِّي ينازعني    ... فارفع بفضلك إنِّيِّي من البين
و لكن الحلاج كان حلولياً و لم يكن من أصحاب وحدة الوجود فهو يطلب محو صفاته التي يشعر أنها عائق له دون الوصول إلى اللَّه و حلول الصفات الإلهية محلها. و هذا معنى لا يرمي إليه أصحاب وحدة الوجود عند ما يتكلمون عن الفناء، بل الفناء عندهم حال يتحقق فيها الصوفي من اتحاد موجود بالفعل كان قد حجبه عنه اشتغاله بإنيته: فليس في الامر في زعمهم تحول في الصفات و لا صيرورة و لا حلول، و إنما هو تحقق من زوال الصور الفانية و بقاء الذات الأبدية. أما حقيقة هذه الذات المطلقة فلا يرقى إليها إنسان أياً كان.
و ابن عربي صريح في هذا كل الصراحة حيث يقول: «فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق و شهود، لأنه لا قَدم للحادث في ذلك» (الفصل الأول).
(13) «فالكل مفتقر ما الكل مستغني» إلى آخر الأبيات:
(13) المراد بالكل الحق و الخلق أو اللَّه و العالم. و الكل في نظره مفتقر لأن الحق و الخلق وجهان لحقيقة واحدة مفتقر كل واحد من وجهيها إلى الآخر. أما افتقار الخلق إلى الحق فظاهر إذ قد بينا أن الخلق ليس إلا الصورة و المظهر الخارجي للحق: فبالحق وجوده و من الحق يستمد ذلك الوجود على الدوام.
و لو لا أن الحق سبحانه قد طبع صورته على صفحة العالم، أو كما يقول المؤلف «لو لا سريان الحق في الموجودات بالصورة»، ما كان للعالم وجود. و قد ذكرنا أيضاً أن العالم من ناحية أخرى ليس إلا الصفات و الأسماء الإلهية التي وصف الحق بها نفسه و وصفناه نحن بها. فليس للعالم وجود، بل ليس له معنى إلا بالإضافة إلى الحق.
أما افتقار الحق إلى الخلق و يقصد ابن العربي بالحق اللَّه لا الذات الإلهية المجردة عن كل وصف و كل نسبة (و هي التي ترادف في فلسفة أفلوطين «الواحد») فراجع إلى أن للحق من الأسماء و الصفات ما لا يتحقق إلا عن طريق العالم الذي هو مظهرها.
و لو لا هذا المظهر الأسمائي و الصفاتي لظل الحق ذلك «الكنز المخفي» الذي أشار إليه الحديث القدسي الذي أَسلفنا ذكره.
فالافتقار من الخلق إلى الحق و من الحق إلى الخلق في نظر ابن عربي حقيقة لا كناية فيها. و لكنه يصف الحق أحياناً بأنه الغني على الإطلاق، و بهذا يقصد الذات الإلهية العارية عن الصفات و الأسماء، و هذا ما أشار إليه البيت الثاني.
(14) «فقوله «اتقوا ربكم»: اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم ... أدباء عالمين.
(14) مهما يكن التفسير الذي نأخذ به في شرح هذه العبارة، فإن كلمتي «اتقوا» و «ربكم» ليستا مستعملتين في معنييهما للعاديين. «اتقوا» مأخوذة من الوقاية
لا من التقوى، و الرب مأخوذ بمعنى الاسم الإلهي أو الأسماء الإلهية الظاهرة في مجلى من مجالي الوجود. و رب كل موجود هو الاسم الإلهي الظاهر فيه على ما سيبينه المؤلف في الفص الاسماعيلي. 
أما قوله 
«اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم» إلخ فيمكن فهمه بمعنيين:
 الأول اجعلوا الصورة التي هي مجلى الاسم الإلهي وقاية لذلك الاسم فإنه لا وجود للاسم و لا معنى له إلا بها، ولا تنسوا أن الاسم الإلهي أيضاً وقاية للصورة إذ لا وجود لها إلا به.
و المعنى الثاني وهو أدنى إلى المراد و أكثر تمشياً مع بقية الفقرة أن يقال إن الصورة الخارجية للإنسان هي جسمه و هو المشار إليه بقوله «ما ظهر» و الصورة الباطنية له هي ذلك الجزء الإلهي فيه المقوم لصورته و هو المعبر عنه بالرب.
فالمراد أن ينسب الإنسان كل الصفات البدنية إلى البدن وحده و بذلك يقي ربه لأن صفات البدن ذميمة، و قصر الوصف بها على البدن وقاية للرب.
و أن ينسب كل الصفات الروحية إلى الصورة الباطنية (و هي الرب) و في هذا وقاية للبدن، لأن صفات الرب صفات حمد أو مدح: و من له صفات الحمد يحتمي به من له صفات الذم.
و معنى العبارة كلها: إن كان ذم فانسبوه لأنفسكم و احموا اللَّه منه، و إن كان مدح فانسبوه إلى اللَّه (الذي هو فيكم) و احتموا به.
و لذلك قال المؤلف «فكونوا وقايته في الذم و اجعلوه وقايتكم في الحمد».
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة التاسعة والثلاثون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:25 pm

الفقرة التاسعة والثلاثون الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة التاسعة والثلاثون : الجزء الأول
شرح فصوص الحكم من كلام الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمد محمود الغراب 1405 هـ:
01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
قال الشيخ رضي الله عنه : (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها "2"، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه: فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته )

1-  المناسبة في تسمية الفص هو أن آدم عليه السلام خلق على صورة الحق
قال صلى الله عليه وسلم « خلق الله آدم على صورته.».
وقال تعالی: " وعلم آدم الأسماء كلها" , وهو الإنسان الكامل حضرة المضاهاة الإلهية ولذلك سميت حكمة إلهية في كلية آدمية .

2 - محاضرة الأسماء و تحاورها  
اجتماع الأسماء في حضرة المسمى وظهور أحكامها
إن الأسماء اجتمعت بحضرة المسمى ، ونظرت في حقائقها ومعانيها ، فطلبت ظهور أحكامها حتى تتميز أعيانها بآثارها.
فإن الخالق الذي هو المقدر والعالم والمدبر والمفصل والبارئ والمصور والرزاق والمحيني والميت والوارث والش?ور .
وجميع الأسماء الإلهية نظروا في ذواتهم ولم يروا مخلوقا ولا مدبرا ولا مفصلا ، ولا مصورا ولا مرزوقا.
فقالوا كيف العمل حتى تظهر هذه الأعيان التي تظهر أحكامنا فيها فيظهر سلطاننا ؟ فلجأت الأسماء الإلهية التي تطلبها بعض حقائق العالم بعد ظهور عينه إلى الاسم البارئ فقالوا له : " عسى أن توجد هذه الأعيان لتظهر أحكامنا وينبت سلطاننا إذ الحضرة التي نحن فيها لا تقبل تأثيرنا " .
فقال الباريء : « ذلك راجع إلى الاسم القادر فإني تحت حيطته ».
وكان أصل هذا أن الممكنات في حلل نعدمها سألت الأسماء الإلهية سؤال حال ذلة وافتقار .
وقالت لها : إن العدم قد أعمانا عن إدراك بعضنا بعضا وعن معرفة مايجب لكم من الحق علينا، فلو أنكم أظهرتم أعیاننا و ?سوتمونا حلة الوجود أنعمتم علينا بذلك وقمنا بما ينبغي لكم من الجلال والتعظيم ، وأنتم أيضا كانت السلطنة تصح لكم في ظهورنا بالفعل ، واليوم .أتم علينا.
سلاطين بالقوة والصلاحية، فهذا الذي نطلبه منكم. هو في حقكم أكثر منه في حقنا.
فقالت الأسماء : إن هذا الذي ذكرته الممكنات صحیح فتحركوا في طلب ذلك ، فلما لجأوا إلى الاسم القادر .
قال القادر : أنا تحت حيطة المزيد فالا أوجد عينا منكم إلا باختصاصه ، ولا يمكنني الممكن من نفسه إلا أن يأتيه أمر الأمر من ربه ، فإذا أمره بالتكوين وقال له ?ن م?نني من نفسه و تعلقت بإيجاده فكونته من حينه.
فلجأوا إلى الاسم المريد ، فقالوا له : إن الاسم القادر سألناه في إيجاد أعيانبا فأوقف أمر ذلك عليك فما ترسم ؟
وقال المريد صدق القادر. ولكن ما عندي خبر ما حكم الأمم العالم فيكم ، هل سبق علمه بإيجاد?م فنخصص أو لم يسبق؟
فأنا تحت حيطة الاسم العالم ، فسيروا إليه واذكروا له قضيتكم.
فساروا إلى الاسم العالم وذكروا ما قاله الأسم المريد .
فقال العالم : صدق المريد وقد سبق علمي بإيجادكم ؛ ولكن الأدب أولى :" فإن لنا حضرة مهيمنة علينا وهي الاسم الله .
فلابد من حضورنا عنده ، فإنها حضرة الجمع ، فاجتمعت الاسماء كلها في حضرة الله .
فقال : ما بالكم ؟
فذكروا له الخبر .
فقال : أنا اسم جامع لحقائقكم وإني دليل على مسمى وهو ذات مقدسة له نعوت الكمال والتنزيه، فقفوا حتى أدخل على مدلولي ، فدخل على مدلوله فقال له ما قالته الممكنات وما تحاورت فيه الأسماء.
فقال : اخرج وقل لكل واحد من الأسماء يتعلق بما تقتضيه حقیقته في الممكنات فإني الواحد لنفسي من حيث نفسي ، والممكنات إنما تطلب مرتبتي وتطلبها مرتبتي، والأسماء الإلهية كلها للمرتبة لا لي إلا الواحد خاصة فهو اسم خصيص بي لا يشاركني في حقيقته من كل وجه أحد. لا من الأسماء ولا من المراتب ولا من الممكنات.
فخرج الاسم الله ومعه الاسم المتكلم يترجم عنه للمم?نات والأسماء، فذكر لهم ما ذكره المسمى ، فتعلق العالم والمريد والقائل والقادر .
فظهر الممكن الأول من الممكنات بتخصيص المريد وحكم العالم ، فلما ظهرت الأعيان والآثار في الأكوان ، وتسلط بعضها على بعض ، وقهر بعضها بعضا ، بحسب ما تستند إليه من الأسماء ، فادي إلى منازعة وخصام.
فقالوا : إنا نخاف علينا، أن يفسد نظامنا وتلحق بالعدم الذي كنا فيه .
فنبهت الممكنات الأسماء بما ألقى إليها الأسهم العلم والمدبر.
وقالوا : أنتم أيها الأسماء لو كان حكمكم على ميزان معلوم وحد مرسوم بإمام ترجعون إليه يحفظ علينا وجودا وتحفظ عليكم تأثيراتكم فينا ، لكان أصلح لنا ولكم ، فالجأوا إلى الله عسى يقدم من يحد لكم حدا تقفون عنده وإلا، هلكنا وتعطلتم .
فقالوا : هذا عين المصلحة وعين الرأي ، ففعلوا ذلك .
فقالوا : إن الاسم المدبر هو ينهي أمركم ، فأنهوا الى المدبر الأمر .
فقال : أنا لها ، فلخل وخرج بأمر الحق إلى الاسم الرب .
وقال له : افعل ما تقتضيه المصلحة في بقاء أعيان هذه الممكنات .
فاتخذ: وزیرین یعیناته على ما أمر به ، الوزير الواحد الاسم المدبر ،والوزير الآخر المفصل.
قال تعالى : يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء رب?م توقنون، الذي هو الإمام، فانظر ما أحكم ?لام الله تعالى ، حيث جاء بلفظ مطابق للحال الذي ينبغي أن يكون الأمر عليه ، فحد الاسم الرب لهم الحدود ووضع لهم المراسم لإصلاح المملكة ليبلوكم أيهم أحسن عملا .
محاضرة الأسماء في حضرة الذات ... دليل على الماضي دليل على الآتي
أقول بها والكون يعطي وجودها ...   لوجدان آلام ووجدان لذات
فلولا وجود المحو ما صح عندنا ... ولا عند من يدري وجود لأثبات
ويقول في موطن آخر :
اعلم أن السدنة من الأسماء الإلهية لما كانت بأيديهم مقاليد السموات والأرض ، ولا سماء ولا أرض ، بقي كل سادن بمقلاده لا يجد ما يفتح .
فقالوا : يا للعجب خزان بمفاتيح مخازن لا تعرف مخزنا موجودا ، فما نصنع بهذه المقاليد ، فأجمعوا أمرهم وقالوا «لابد لنا من أئمتنا السبعة الذين أعطونا هذه المقاليد ولم يعرفونا المخازن التي تكون عليها ، فقاموا على أبواب الأمة ، على باب الإمام المخصص والإمام المنعم والإمام المقسط ، فأخبرهم الأمر ، فقالوا: صدقتم ، الخبر عندنا ، و سنعينها لكم إن شاء الله تعالى ، ولكن تعالوا نصل إلى من بقي من الأئمة ونجتمع على باب حضرة الإمام الإلهي إمام الأئمة ، فاجتمع الكل وهم بالإضافة إلى الإمام. المعروف « بالله » سدنة ، فوقف الجميع ببابه فبرز لهم.
وقال : ما الذي جاء بكم ؟
فذكروا له الأمر وأنهم طالبون وجود السموات والأرض حتى يضعوا كل مقلاد على بابه ، فقال : أين الإمام المخصص ؟
فبادر إليه المريد ، فقال له : أليس الخبر عندك وعند العليم ؟
فقال له نعم ، قال : فإن كان فأرح هؤلاء مما هم فيه من تعلق الخاطر وشغل البال ، فقال العليم والمريد : أيها الإمام الأكمل .
قل الإمام القادر يساعدنا والقائل ، فإنه لا تقوم به بأنفسنا إلا أربعتنا ، فنادى الله تعالى القادر والقائل ، وقال لهما : أعينا أخويكما فيما هما بسبيله.
فقالا « نعم » فدخلا حضرة الجواد .
فقالا للجواد : عزمنا على إيجاد الأكوان وعالم الحدثان ، وإخراجهم من العدم إلى الوجود، وهذا من حضرتك حضرة الجود.
فادفع لنا من الجود ما تبرزهم به ، فدفع لهم الجود المطلق ، فخرجوا به من عنده ، وتعلقوا بالعالم فأبرزوه على غاية الإحكام والإتقان ، فلم يبق في الإمكان أبدع منه ، فإنه ص در عن الجود المطلق .
ولو بقي أبدع منه لكان الجواد قد بخل بما لم يعط وأبقاه عنده من الكمال ، ولم يصح عليه إطلاق اسم الجواد وفيه شيء من البخل .
فليس اسم الجواد عليه فيما أعطى بأولى من اسم البخيل عليه فيما أمسك ، وبطلت الحقائق ، وقد ثبت أن اسم البخيل عليه محال ، فكونه أبقى عنده ما هو أكمل منه محال ، وما ظهر الإمام المقسط إلا بعد نزول الشرائع.
راجع فتوحات ج1 ۳۲۳ / ۱ج2 / 556 , كتاب إنشاء الجداول والدوائر.

قال الشيخ رضي الله عنه : (نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه )
(مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له."3" وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة. ومن شأن )
(ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال. وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.  
فالأمر كله منه، ابتداؤه وانتهاؤه، «وإليه يرجع الأمر كله»، كما ابتدأ منه. 
فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك )

3 - الحب سبب وجود العالم
لما لم يكن علم الله تعالى بالعالم إلا علمه بنفسه إذ لم يكن في الوجود إلا هو.
فما ظهر في الكون إلا ما هو عليه في نفسه ، فلابد أن يكون العالم على صورته ، وصورة العالم على قدر الحضرة الإلهية الأسمائية ، فما في الحضرة الإلهية اسم إلهي إلا وهو على قدر أثره في نشء العالم من غير زيادة ولا نقصان ، فخلق الله العالم
في غاية الإحكام والإتقان كما قال الإمام أبو حامد الغزالي من أنه لم يبق في الإمكان أبدع من هذا العالم ..
فطابق العالم الأسماء الإلهية ، وكأنه تعالى كان باطنا فصار بالعالم ظاهرا ، فعرف نفسه شهودة بالظاهر بقوله : "فأحببت أن أعرف" - الحديث .
ولما أظهر العالم في عينه كان مجلاه ، فما رأي فيه غير جماله ، فالعالم جمال الله، فهو تعالى الجميل المحب الجمال ، ورد في الخبر الصحيح في صحيح مسلم عن رسول الله مع أنه قال : "إن الله جميل يحب الجمال"، فأوجد الله العالم في غاية الجمال والكمال خلقا وإبداعا ، فإنه تعالى يحب الجمال ، وما ثم جميل إلا هو ، فأحب نفسه ثم أحب أن يرى نفسه في غيره ، فخلق العالم على صورة جماله ونظر إليه فأحبه حب من قيده النظر ، فما خلق الله العالم إلا على صورته ، فالعالم كله. جميل وهو سبحانه يحب الجمال.
كلمة الحضرة الإلهية وهي كلمة « ?ن » : لله تجل في صورة تقبل القول والكلام بترتيب الحروف ، « فكن » عين ما تكلم به فظهر عنه الذي قيل له كن ، فعين الأمر عين التكوين ، وما ثم أمر إلهي إلا كن ، فإذا نظرت إلى تكون العالم من النفس الرحماني الظاهر من محبة الله أن يعرفه خلقه ، علمت أن ما في العالم أو ما هو العالم سوی ?لمات الله ، وكلمات الله أمره ، وأمره واحدة كلمح البصر أو هو أقرب .
وعلمت اختصاص كلمة الحضرة من الكلمات بكلمة كن لكل شيء مع اختلاف ما ظهره فليس الكون بزائد على كن بواوها الغيبية ، فظهر الكون على صورة كن ، وكن أمره وأمره كلامه وكلامه علمه ، وعلمه ذاته ، فظهر العالم على صورته ، فليس للحق منزه ولا مجلي إلا العالم.
راجع الفتوحات المكية  ج2 /111 , 345 , 399 , 401 , 402 , 403 .  ج3/ 151 , ج4/ 269

قال الشيخ رضي الله عنه : (الصورة "4" ، وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم «بالإنسان الكبير». فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية )
(التي في النشأة الإنسانية. فكل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها، وأن فيها، فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال ومنزلة رفيعة عند الله، لما عندها من الجمعية )

4 . خلق الله آدم على صورته
اعلم أنه لا يصح أن يكون شيء من العالم له وجود ليس هو على صورة الحق، فنسبة الحق إلى الخلق نسبة الإنسان إلى كل صنف من العالم ، والعالم عند الجماعة، هو إنسان كبير في المعنى والجرم.
يقول الله تعالى : "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون" .
فلذلك قلنا في المعنى ، وما في العلم عن الكل وإنما نقاه عن الأكثر ، والإنسان الكامل من العالم وهو له ?الروح لجسم الحيوان ، وهو الإنسان الصغير ، وسمي صغيرا لأنه انفعل عن الكبير وهو، مختصر فالمطول العالم كله والمختصر الإنسان الكامل ، فالإنسان آخر موجود في العالم لأن المختصر لا يختصر إلا من مطول وإلا فليس بمختصر ، فالعالم مختصر الحق والإنسان مختصر العالم والحق ، فهو نقاوة المختصر.
فلما كان العالم على صورة الحق وكان الإنسان الكامل على صورة العالم وصورة الحق وهو قوله : " إن الله خلق آدم على صورته"، فليس في الإمكان أبدع ولا أكمل من هذا العالم إذ لو كان لكان في الإمكان ما هو أكمل من الله .
فإن آدم وهو من العالم قد خلقه الله على صورته ، وأكمل من صورة الحق فلا يكون ، وما كملت الصورة من العالم إلا بوجود الإنسان .
فمن كل شيء في الوجود زوجان الأن الإنسان الكامل والعالم بالإنسان الكامل على صورة الحق ، فامتاز الإنسان الكامل عن العالم مع كونه من كمال الصورة للعالم الكبير بكونه على الصورة بانفراده ، من غير حاجة إلى العالم .
فالإنسان الكامل وحده يقوم مقام الجماعة ، فإنه أكمل من عين مجموع العالم إذ كان نسخة من العالم حرفا بحرف (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ) ، ويزيد أنه على حقيقة لا تقبل التضاؤل « خلق الله آدم على صورته » .

فحاز الإنسان الكامل صورة العالم وصورة الحق ففضل بالمجموع فجعل الحق الإنسان الكامل نسخة من العالم كله ، فما من حقيقة في العالم إلا وهي في   الإنسان .
فهو الكلمة الجامعة وهو المختصر الشريف وجعل الحقائق الإلهية التي توجهت على إيجاد العالم بأسره متوجهة على إيجاد هذه النشأة الإنسانية الإمامية ، فخلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم ، وأبرزه نسخة كاملة جامعة لصورة حقائق الحدث وأسماء القديم ، أقامه سبحانه معنى رابطا للحقیقتين ، وأنشأه برزخا جامعا للطرفين والرقيقتين ، أحكم بيديه صنعته وحسن بعنايته صبغته ، وكانت مضاهاته للأسماء الإلهية بخالقه، ومضاهاته للأكوان العلوية والسفلية بخلقه، فتميز عن جميع الخلائق بالخلقة المستقيمة والخلائق ، عين سبحانه سره مثالا في حضرة الأسرار ، ومیز نوره من بين سائر الأنوار ، وقصب له ?رسي العناية بين حضرتيه ، وصرف نظر الولاية والنيابة فيه وإليه .
فلم يخلق الله تعالى الإنسان عبثا بل خلقه ليكون وحده على صورته ، فكل من في العالم جاهل بال?ل عالم بالبعض ، إلا الإنسان الكامل وحده ، فإن الله علمه الأسماء كلها وآتاه جوامع الكلم ، فكملت صورته ، فجمع بين صورة الحق وصورة العالم ، فكان برزخا بين الحق والعالم ، مرآة منصوبة ، يرى الحق صورته في مرآة الإنسان ، ويرى الخلق أيضا صورته فيه ، لأن الإنسان فيه مناسب من كل شيء في العالم ، فيضاف كل مناسب إلى مناسبه بأظهر وجوهه ، ويخصصه الحال والوقت والسماع بمناسب ما دون غيره من المناسب ، إذا كان له مناسبات كثيرة لوجوه كثيرة يطلبها بذاته، فمن حصل هذه المرتبة حصل رتبة الكمال الذي لاأكمل منه في الإمكان، ومعنى رؤية صورة الحق فيه ، إطلاق جميع الأسماء الإلهية عليه ، كما جاء في الخبر
"فبهم تنصرون" ، والله الناصر « وبهم ترزقون » والله الرازق « وبهم ترحمون ، والله الراحم ، وقد ورد في القران فيمن علمنا كماله صلى الله عليه وسلم واعتقدنا ذلك فيه أنه « بالمؤمنين رؤوف رحيم » ، « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » أي لترحمهم ، والتخلق بالأسماء يقول به جميع العلماء ، فالإنسان متصف يسمى بالحي والعالم المريد السميع البصير المتكلم القادر وجميع الأسماء الإلهية من أسماء تنزيه وأفعال .
ولذلك عبر عن الإنسان الكامل بمرآة الحق ، والحقيقة من قوله تعالی « ليس كمثله شيء " وهي مثلية لغوية ، وذلك عند بروز هذا الموجود في أصفى ما يمكن وأجلي ، ظهر فيه الحق بذاته وصفاته المعنوية لا النفسية ، وتجلى له من حضرة الجود ، وفي هذا الظهور الكريم قال تعالى : « لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم »
فالإنسان الكامل له الشرف على جميع من في السماء والأرض ، فإنه العين المقصودة للحق من الموجودات ، لأنه الذي اتخذه الله مجلي ، لأنه ما كمل إلا بصورة الحق ، كما أن المرآة وإن كانت تامة الخلق فلا تكمل إلا بتجلي صورة الناظر ، فتلك مرتبتها والمرتبة هي الغاية .
راجع فتوحات  ج3 /152, 315 ,331 , 398 , 409. ج4 / 21 , 132 , 230 , 231 , 409.  عقلة المستوفز ۔ ذخائر الأعلاق

قال الشيخ رضي الله عنه : (الإلهية مما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، وإلى جانب حقيقة الحقائق، و- في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف- إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله."5" وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن )

5 - محمد صلى الله عليه وسلم روح العالم لا آدم عليه السلام
اعلم أن مرتبة الإنسان الكامل من العالم مرتبة النفس الناطقة من الإنسان ، فهو الكامل الذي لا أكمل منه وهو محمد صلى الله عليه وسلم .
فهو الإنسان الكامل الذي ساد العالم في الكمال ، سيد الناس يوم القيامة ، ومرتبة الكامل من الأناسي النازلين عن درجة هذا الكمال الذي هو الغاية من العالم منزلة القوى الروحانية من الإنسان ، وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم .
ومنزلة من نزل من الكمال عن درجة هؤلاء من العالم منزلة القوى الحسية من الإنسان وهم الورثة رضي الله عنهم .
وما بقي ممن هو على صورة الإنسان في الشكل هو من جملة الحيوان فهم بمنزلة الروح الحيواني في الإنسان ، فإن العلم بالله المحدث الذي هو على صورة العلم بالله القديم لا يتمكن أن يكون إلا لمن هو في خلقه على الصورة ، وليس غير الإنسان الكامل ولهذا سمي ?املا ، وأنه روح العالم ، فإن الله لما أحب أن يعرف لم يكن أن يعرفه إلا من هو على صورته ، وما أوجد الله على صورته أحدا إلا الإنسان الكامل راجع فتوحات ج3 / 186, 266, 331  - أول هامش رقم 9 ص ۰32

قال الشيخ رضي الله عنه:  (من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي "6" منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.
فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته.
وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.
ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، )

6 -  العلم الصحيح
العلم الصحيح لا يعطيه الفكر ، ولا ما قررته العقلاء من حيث أفكارهم ، إنما هو ما يقذفه الله في قلب العالم ، وهو نور إلهي ، يختص به من يشاء من عباده ، من ملك ورسول و نبي وولي ومؤمن.
ومن لاكشف له لا علم له ، ولهذا جاءت الرسل والتعريف الإلهي بما تحيله العقول ، فتضطر إلى التأويل في بعضها لتقبله .
وتضطر إلى التسليم والعجز في أمور لا تقبل التأويل أصلا ، وغايته أن يقول له وجه لا يعلمه إلا الله لا تبلغه عقولنا ، وهذا كله تأنيس للنفس لا علم ، حتى لا ترد شيئا مما جاءت به النبوة ، وهذا حال المؤمن العاقل ، فالعلم من لا يقبل صاحبه شبهة ، وذلك ليس إلا علم الأذواق ، فذلك الذي تقول فيه إنه علم .
فتوحات ج1/218 , ج2 / 473


قال الشيخ رضي الله عنه:  (وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟"7"
فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه.
فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته، وليس للملائكة جمعية آدم، ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته، وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته تقديس آدم.  فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة:
«أتجعل فيها من يفسد فيها»؟  وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم.
فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون.
فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس.
وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت .)

7 - الإنسان الكامل عمد السماء
اعلم أن الإنسان الكامل عمد السماء الذي يمسك الله به وجود السماء أن تقع على الأرض ، فإذا زال الإنسان الكامل وانتقل إلى البرزخ هوت السماء .
وهو قوله تعالی « وانشقت السماء فهي يومئذ واهية » أي ساقطة على الأرض ، فلابد من فرش وعرش ، فهي المهاد وأنت السقف المرفوع ، بین?ما عمد قائم ، عليه اعتماد السبع الشداد ، لكنه عن البصر محجوب ، فهو ملحق بالغيوب ، ألم تسمع قول من أوجد عينها ، فأقامها بغير عمد ترونها ، فما نفي العمد، لكن ما يراه كل أحد، فلابد لها من ماسك ، وما هو إلا المالك ، فمن أزالها بذهابه ، فهو عمدها المستور في إهابه ، وليس إلا الإنسان الكامل ، وهو الأمر الشامل ، الذي إذا قال «الله» ناب بذلك القول عن جميع الأفواه ، فهو المنظور إليه والمعول عليه.
راجع الفتوحات  ج3 /418 , ج4 /396


قال رضي الله عنه : (ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. "8"
فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟  فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.
ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني.
ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.
فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها. فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة.
وسواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة.
غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي. فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة، كما أن الحياة متميزة عنه.
ثم نقول في الحق تعالى إن له علما وحياة فهو الحي العالم.  ونقول في الملك إن له حياة وعلما فهو العالم والحي.
ونقول في الإنسان إن له حياة وعلما فهو الحي العالم.  وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة.
ونقول في علم الحق إنه قديم، وفي علم الإنسان إنه محدث. 
فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية.
فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. )

8 - الملائكة جهات الإنسان الكامل ومرتبته
ان الله ما خلق أولا من هذا النوع إلا الكامل وهو آدم عليه السلام ، ثم أبان الحق عن مرتبة الكمال لهذا النوع ، فمن حازها منه فهو الإنسان الذي أريده ومن نزل عن تلك المرتبة فعنده من الإنسانية بحسب ما تبقى له .
وليس في الموجودات من وسع الحق سواه وما وسعه إلا بقبول الصورة ، فهي مجلى الحق والحق مجلى حقائق العالم بروحه الذي هو الإنسان .
الذي هو آخر نوع ظهر ، فأوليته حق وآخريته خلق ، فهو الأول من حيث الصورة الإلهية ، والآخر من حيث الصورة الكونية ، والظاهر بالصورتين ، والباطن عن الصورة الكونية بما عنده من الصورة الإلهية .
وقد ظهر حكم هذا في عدم علم الملائكة بمنزلته مع كون الله قد قال لهم إنه خليفة ، فكيف بهم لو لم يقل لهم ذلك ؟
فلم يكن ذلك إلا لبطونه عن الملائكة ، وهم من العالم الأعلى العالم بما في الآخرة وبعض الأولى ، فإنهم لو علموا ما يكون في الأولى ما جهلوا رتبة آدم عليه السلام مع التعريف، فلا الملك عرف الإنسان الكامل باعتراضه
"أتجعل فيها من يفسد فيها"، لأنه ما شاهده من جميع وجوهه ، ولا الإنسان الحيواني عرفه بعقله من جميع وجوهه ، فجهل الكل الانسان الكامل فجعلوا الحق ، فما عرف الحق إلا الإنسان الكامل .
أما قوله في هذه الفقرة عن الملائكة « ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية » فيفسره قوله : ما رأيت ولا سمعت عن أحد من المقربين أنه وقف مع ربه على قدم العبودة المحضة.
فالملأ الأعلى يقول « أتجعل فيها من يفسد فيها ».
والمصطفون من البشر يقولون "ربنا ظلمنا أنفسنا" ، لأن الملائكة غلب عليها الطبع ولم تحب الخير إلا لنفسها ، وما وافقت الحق فيما أراد أن يظهره في الكون من جعل آدم خليفة في الأرض.
فعرفهم بذلك فلم يوافقوه لحكم الطبع في الطمع في أعلى المراتب ، وقامت لهم صورة الغيرة على جناب الحق والإيثار لعظمته ، و ذهلوا عن تعظيمه ، إذ لو وقفوا مع ما ينبغي له من العظمة لوافقوه ، وما وافقوه ، وإن كانوا قصدوا الخير فقالوا "ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك" ، يعني نحن أولى من هذا ، فرجحوا نظرهم على علم الله في خلقه .
لذلك قال لهم «إني أعلم ما لا تعلمون» فوصفهم بنفي العلم الذي علم الحق من هذا الخليفة مما لم يعلموا ، وأثنوا على أنفسهم ، فمسألتهم جمعت ذلك .
حيث أثنوا على أنفسهم وعدلوها وجرحوا غيرهم ، وما ردوا العلم في ذلك الى الله ، فهذا من بخل الطبع بالمرتبة ، وهذا يؤيد أن الملائكة كما ذهبنا إليه تحت حكم الطبيعة ،وأن لها أثرا فيهم.
الفتوحات المكية  ج1 / 589 , ج2 / 93 , 468 , ج3 / 286   .

قال رضي الله عنه :  (فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه ومعلوم أن هذه الأمور الكلية  "9" وإن كانت معقولة فإنها معلومة العين موجودة الحكم ، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني . فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة. ولا تقبل التفصيل ولا التجزي فإن ذلك محال عليها ؛ فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص شخص من هذا هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة.
وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني قد ثبت، وهي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع- وهو الوجود العيني- وهناك فما ثم جامع. وقد وجد الارتباط بعدم ).
(الجامع فبالجامع أقوى وأحق. ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.  ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر).

9 -  الحقائق الكلية
يقول الشيخ في كتابه إنشاء الجداول والدوائر ص 3، 17، 18 ، 19 - ما يلي بعد الحمد لله والصلاة على النبي الجامع للمبادئ الأول، والمقابل حضرة الأزل، النور الساطع الذي ليس له فيء ، والمستور خلف حجاب ليس كمثله شيء ، ذلك حقيقة الحقائق ، والنشء الأول المبرز على صورة المخلوقات والخالق ، منه من باب الشكل ، ومنه من باب الحقيقة ، ومنه من باب الاسم والوصف ، ومنه من باب الخلائق ، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وشرف وكرم .
اعلم أن الأشياء على ثلاث مراتب لا رابع لها ، والعلم لا يتعلق بسواها .
وما عداها فعدم محض لا يعلم ولا يجهل ، ولا هو متعلق بشيء .
فإذا فهمت هذا فنقول إن هذه الأشياء الثلاثة منها:
ما يتصف بالوجود لذاته ، فهو موجود بذاته في عينه ، لا يصح أن يكون وجوده عن عدم ، بل هو مطلق الوجود ، لا عن شيء فكان يتقدم عليه ذلك الشيء ، بل هو الموجد لجميع الأشياء وخالقها ومقدارها ومفصلها ومديرها .
وهو الوجود المطلق الذي لا يتقيد سبحانه ، وهو الله الحي القيوم العليم المريد القدير ، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
ومنها موجود بالله تعالی وهو الوجود المقيد المعبر عنه بالعالم .
وأما الشيء الثالث فما لا يتصف بالوجود ولا بالعدم ، ولا بالحدوث ولا بالقدم ، وهو مقارن للأزلي الحق أزلا .
فيستحيل عليه أيضا التقدم الزماني على العالم والتأخر كما استحال على الحق وزيادة ، لأنه ليس بموجود ، فان الحدوث والقدم أمر إضافي ، يوصل إلى العقل حقيقة ما .
وهذا الشيء الثالث الذي لا يتصف بالوجود ولا بالعدم مثله في انتفاء الأولية والآخرية بانتفاء العالم ، كما كان الواجب الوجود سبحانه .
وكذلك لا يتصف بالكل ولا بالبعض ، ولا يقبل الزيادة والنقص ، وأما قولنا فيه كما استحال على الحق وزيادة  فتلك الزيادة كونه لا موجودا ولا معدوما ، فلا يقال فيه اول و آخر ، وكذلك لتعلم أيضا أن هذا الشيء الثالث ليس العالم يتأخر عنه أو يحاذيه بالمكان ،إذ المكان من العالم.
وهذا أصل العالم وأصل الجوهر الفرد وفلك الحياة والحق المخلوق به وعن هذا الشيء الثالث ظهر العالم ، فهذا الشيء هو حقيقة حقائق العالم الكلية المعقولة في الذهن ، الذي يظهر في القديم قديما وفي الحادث حادثة، .
فإن قلت هذا الشيء هو العالم صدقت وإن قلت إنه الحق القديم سبحانه صدقت ، وإن قلت إنه ليس العالم ولا الحق تعالی و به معنی زائد صدقت ، كل هذا يصح عليه ، وهو الكلية الأعم الجامع للحدوث والقدم .
وهو يتعدد بتعدد الموجودات ولا ينقسم بانقسام الموجودات ، وينقسم بانقسام المعلومات ، وهو لا موجود ولا معلوم ، ولا هو العالم وهو العالم ، وهو غير ولا هو غير.
هذا الشيء الثالث الذي نحن بسبيله لا يقدر أحد أن يقف على حقيقة عبارته.
فسمه إن شئت حقيقة الحقائق أو الهيولى أو المادة الأولى ، أو جنس الأجناس.
وسمى الحقائق التي يتضمنها هذا الشيء الثالث الحقائق الأول أو الأجناس العالية ، فهذا الشيء الثالث أزلا لا يفارق الواجب الوجود ، محاذيا له من غير وجود عيني.
فاتتفت الجهات والتلقاءات حتى لو فرضناه موجودا ولم نجعله متميزة لاتنفت عنه التلقاءات والإزاءات .
أما عن الحقائق فيقول عنها في الفتوحات الملكية
أما الحقائق فعلى أربعة :
1 - حقائق ترجع إلى الذات المقدسة.
2 - وحقائق ترجع إلى الصفات المنزهة وهي النسب.
3 - وحقائق ترجع إلى الأفعال وهي كن وأخواتها .
4 - وحقائق ترجع إلى المفعولات وهي الأكوان والمكونات.

وهذه الحقائق الكونية على ثلاث مراتب:
1- علوية وهي المعقولات.
2 - و سفلية وهي المحسوسات.
3 - و برزخية وهي المتخيلات
والعبودية لا تشرك الربوية في الحقائق التي بها يكون إلها ، كما أن بحقائقه يكون العبد مألوها ، ۰۰۰ فلو وقع الاشتراك في الحقائق لكان إلها واحدا أو عبدة واحدة أعني عينة واحدة .
وهذا لا يصح ، فلا بد أن تكون الحقائق متباينة ولو نسبت إلى عين واحدة ،ولهذا باينهم بقدمه كما باينوه بحدوثهم ،ولم يقل باينهم بعلمه كما باينوه بعلمهم.[/r
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة التاسعة والثلاثون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:26 pm

الفقرة التاسعة والثلاثون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة التاسعة والثلاثون : الجزء الثاني
شرح فصوص الحكم من كلام الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمد محمود الغراب 1405 هـ:
قال رضي الله عنه : (وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه. "10"
ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به. ولما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شي ء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه.
ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه. "11" فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.
فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا.  وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه. ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع. "12"
وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد.
فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.
فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر.)

10 - (هذا يرد كل ما جاء في فتاوى الإمام ابن تيمية من أن الشيخ لا يفرق بين الحادث والقديم ، وهو يقول في فتاويه « كما يقول صاحب الفصوص » راجع كتابنا « الرد على ابن تيمية ")
11 - (يشير إلى قوله "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق").
12 - (أي حقيقة الخلق تميزت بالأجناس، وحقيقة الإنسانية تميزت بالأشخاص.).

قال رضي الله عنه : (فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.
وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته. ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن، فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا.
ووصف نفسه بالرضا والغضب، وأوجد العالم ذا خوف ورجاء فيخاف غضبه ويرجو رضاه.
ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس.
وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به. فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهنا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته.  فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان.
ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره.
ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.
فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك.
فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا. ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق. "13"
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية. ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها).

13 - قوله تعالى « ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي »
ما أضاف الحق آدم إلى يديه إلا على جهة التشريف والاختصاص على غيره والتنويه، لتعلم منزلته عند الله، فإنه لم يجمع سبحانه لشيء مما خلقه من أول موجود إلى آخر مولود وهو الحيوان بين يديه تعالى إلا الإنسان .
فلما جمع له في خلقه بين يديه ، علمنا أنه أعطاه صفة الكمال ، فخلقه ?املا جامعة ، ولهذا قبل الأسماء كلها ، وقد وردت الأخبار والآيات بتوحيد اليد الإلهية وتثنيتها وجمعها ، وما ثناها إلا في خلق آدم عليه السلام ، وهو الإنسان الكامل ، والتثنية لها درجة الكمال فهي برزخ بين الجمع والإفراد.
فلما أراد الله كمال هذه النشأة الإنسانية جمع لها بين يديه وأعطاها جميع حقائق العالم ، وتجلى لها في الأسماء كلها ، فحازت الصورة الإلهية والصورة الكونية ، وجعلها روحا للعالم .
فلو فارق العالم هذا الإنسان مات العالم ، كما تتعطل الدنيا بمفارقة الإنسان .
راجع الفتوحات ج2/ 4 , 67 , 498. - ج3 / 291.


قال رضي الله عنه : (لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم. "14"
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.
ولذلك قال فيه «كنت سمعه وبصره» ما قال كنت عينه وأذنه: ففرق بين الصورتين.
وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود.
ولكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع. "15"
ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.
و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني).  

14 - الإنسان الكامل والخلافة
لابد للخليفة أن يظهر بكل صورة يظهر بها من استخلفه فلابد من إحاطة الخليفة بجميع الأسماء والصفات الإلهية التي يطلبها العالم الذي ولاه عليه الحق سبحانه ، فجعل الله الإنسان الكامل في الدار الدنيا إماما وخليفة ، وأعطاه علم الأسماء لما تدل عليه من المعاني .
وسخر لهذا الإنسان وبنيه وما تناسل منه جميع ما في السموات وما في الأرض ، فما حصل الإنسان الكامل الإمامة حتى كان علامه ، وأعطي العلامة ، وكان الحق إمامه.
ولا يكون مثله حتى يكون موجها كله ، فكله أمام فهو الإمام ، لا خلفة يحده ، فقد انعدم ضده ، وما اختص آدم بالخلافة إلا بالمشيئة، ولو شاء جعلها فيمن جعلها من خلقه.
لذلك قلنا لا يصح أن تكون إلا في مسي الإنسان الكامل ، ولو جمعها في غير الإنسان من المخلوقات ، لكان ذلك الجامع عين الإنسان الكامل ، فهو الخليفة - بالصورة التي خلق عليها .
الفتوحات ج3/442 ز ج4/45 , 385 , 442.

15 - ظهور العالم على صورة الحق
راجع رقم 3 الحب سبب وجود العالم

قال رضي الله عنه : (فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة.
وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق.  "16"
وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة.
فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.
وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم،"17" واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم،
وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)

16 - الإنسان الكامل جامع لصورة الحق وصورة العالم
راجع رقم 4 خلق الله آدم على صورته

17 - التقوى والوقاية
لما كان المعنى في التقوى أن تتخذ وقاية مما ينسب إلى المتقي ، فإذا جاءت النسبة حالت الوقاية بينها وبين المتقي أن تصل إليه فتؤذيه ، فتلقتها الوقاية ، فلا أحد أصبر على أذى من الله .
وهي تحتاج إلى میزان قوي لأمور عوارض عرضت للنسبة تسمى مذمومة ، فيقبلها العبد ولا يجعل الله وقاية أديا ، فكل ما ينسب إلى المخلوق فهو فيه نائب عن الله .
فإذ وقع محمودا نسب إلى الله لأجل المدح ، فإن الله يحب أن يمدح ، كذا ورد في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإن تعلق به ذم أو لحق به عيب لم ينسبه إلى الله ، هذا هو الأدب الإلهي الذي أدب به الله رسوله صلى الله عليه وسلم .
وليس الأدب خاصة، بأحد دون أحد ، فمن قبله سعد وكان ممن أدبه الله وانتمي إلى الله في الأدب ، وهو أحسن الأدب ، لاسيما فيما ينسب إلى الجناب الإلهي .
فلا ينبغي للأديب أن يتكل على المعنى، بل الأدب مراعاة الألفاظ فمن أدب الشريعة أدب الإضافة.
وكذلك فعل العالم العدل الأديب خضر "العبد الصالح الخضر عليه السلام" ، ف?نی عن نفسه في إرادة العيب فقال:
"فأردت أن أعيبها" ، تنزيها أن يضيف إلى الجناب العالي ما ظاهره ذم في العرف والعادة .
وقال في المحمود « فأراد ربك » في حق اليتيمين .
وقال في موضع الحمد والذم « فأردنا » بنون الجمع ، لما فيه من تضمن الذم من قتل الغلام بغير نفس ، ولما فيه من تضمن الحمد في حق ما عصم الله بقتله أبويه .
فقال « فأردنا » وما أفرد ولا عين ، فالعارف يلزمه الأدب أن يضيف إلى الله كل محمود عرفا وشرعا، ولا يضيف إليه ما هو مذموم عرفا وشرعا، إلا أن جمع مثل قوله: "قل كل من عند الله" وكل يقتضي العموم والإحاطة ، وقوله: «فألهمها فجورها وتقواها» فالكشف والدليل يضيف إليه كل محمود ومذموم ، فإن الذم لا يتعلق إلا بالفعل ، ولا فعل إلا الله لا لغيره ، فالعارف في بدل الغلط ، فإن عقله يخالف قوله ، فقوله في المذموم ما هو له (أي ليس للحق ) ويقول في عقده وقلبه هو له ( الله خالق كل شيء ) عند قوله بلسانه ما هو له .
ج1/ 205 ,  ج2 / 158 , 481. ج4 / 67,247,319.


قال رضي الله عنه : (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه:
القبضة الواحدة فيها العالم،والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه."18"
قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: )

18 - يدي الحق
يقول الشيخ رضي الله عنه في عروجه الروحاني واجتماعه بآدم عليه السلام : فالتفت فإذا أنا بين يديه وعن يمينه من نسم بنیه عینی ، فقلت له هذا أنا ، فضحك ، فقلت له فأنا بين يديك وعن يمينك.
قال نعم هكذا رأيت نفسي بين يدي الحق حين بسط يده ، فرأيتني وبني في اليد ورأيتني بين يديه. فقلت له فما كان في اليد الأخرى المقبوضة ،قال العالم.
قلت له فيمين الحق تقضي بتعيين السعادة .
قال نعم تقضي بالسعادة ، فقلت فقد فرق الحق لنا بين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال .
فقال لي يا ولدي ذلك يمين ابيك وشماله ، ألا ترى نسم بني على يميني وعلى شمالي ، وكلتا يدي ربي يمين مباركة ، فبني في يميني وفي شمالي ، وأنا وبني في يمين الحق ، وما سوانا من العالم في اليد الأخرى الإلهية .
الفتوحات ج3 / 345.

قال رضي الله عنه : (حكمة إلهية في كلمة أدمية ، وهو هذا الباب .
ثم حكمة نفثية في كلية شيئية .
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية .
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .
ثم حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية ..
ثم حكمة حقية في كلمة إسحاقية .
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية .
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية .
ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية .
ثم حكمة أحدية في كلية هودية .
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية .
ثم حكمة قلبية في لمة شعيبيئة .
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية .
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية .
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية.
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية .
ثم حكمة نفسية في كلمة بونسية .
تم حكمة غيبية في كلمة أيوبية .
ثم حكمة جلالية في كلمة يحياوية .
ثم حكمة مالكية في كلمة ز?ریاوية .
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .
ثم حكمة إحسانية كلمة لقمانية .
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية .
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية .
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية .
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية .
وفص كل حكمة الكلمة التي ننسب إليها . فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب . فامتثلت ما رسم لي ، ووقفت عند ما حدا لي ، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت ، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره . ومن ذلك :  ).
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الأربعون السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالخميس أبريل 04, 2019 1:27 pm

الفقرة الأربعون السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الأربعون :
كتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحكم عبد الباقي مفتاح 1418هـ:
المرتبة 01 لفص حكمة إلهية في كلمة آدمية من الاسم البديع ومرتبة القلم الأعلى وحرف الهمزة ومنزلة الشرطين من الحمل
كل الأسماء المنبعثة بالباعث لا ظهور لها إلا بوجود المخلوق المبدع الأول.
فالبديع هو الاسم الأصلي في الظهور من نفس الرحمان.
فله المرتبة الأولى بتوجهه على إيجاد المبدع الأول أي العقل الأول.
وأنسب الكمل لهذه الأولية هو الإنسان الخليفة الأول أبونا سيدنا آدم عليه السلام فله الفص الأول.
وقد سبق القول أن للعمل الأول أسماء مختلفة باعتبار ما له من الوجوه والوظائف فهو الحقيقة المحمدية والقلم الأعلى والروح الكلي وروح الأرواح والحق المخلوق به والعدل والإمام المبين والعرش المجيد والدرة البيضاء والعقاب المالك.
وقد تكلم الشيخ عن علاقة البديع بالعقل في الفصل 11 والفصل 37 من الباب 198 وفيه يقول ما خلاصته.
"فنظر الاسم الإلهي الذي يقتضي أن يكون له الأثر في العالم ابتداء فنجده البديع لأنه لم يتقدم العالم عالم يكون على مثاله فالبديع له الحكم في ابتداء العالم على غير مثال، وليس المبدئ كذلك فالبديع حيث كان حكمه ظاهر نفي المثال، وما انتفى عنه المثال، فهو أول فأعطيناه أول الزمان اليومي وهو الذي ظهر بوجود الشمس في الحمل وأوله الشرطين.
وأعطيناه من الحروف الهمزة فإنها أول حرف ظهر في المخرج الأول فهي أول مبدع من حروف نفس الإنسان، ?العقل أول مبدع في أول درجة من نفس الرحمان. وللهمزة من الوجوه والأحكام مثل ما للعقل في النفس).
ولهذا كانت حكمة هذا الفص إلهية لأن الاسم الله هو أول الأسماء وأول حروفه الهمزة المناسبة للقلم وآخرها الهاء المناسبة للوح النفس فمدار هذا الفص حول الأصول الثلاثة الجامعة: "الله البديع" والعقل الأول وآدم عليه السلام .
وفصل الشيخ العلاقات بين هذه الثلاثة. فلنذكر أمثلة الكلامه حولها يقول (صفته أي أدم- الحضرة الإلهية) وإن شئت مجموع الأسماء الإلهية وإن شئت قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله خلق آدم على صورته) فهذه صفته فإنه لما جمع له في خلقه بين يديه علمنا أنه قد أعطاه صفة الكمال فخلقه ?املا جامعا ولهذا قبل الأسماء كلها. "فتوحات الجزء الثاني باب 73 جواب عن سؤال الترمذي رقم: 40 ص 67"
ويقول: (... ولهذا ثبت العالم فإن الله لا ينظر إلى العالم إلا يبصر هذا العبد. فلا يذهب العالم للمناسبة. فلو نظر إلى العالم ببصره لاحترق العالم بسبحات وجهه فنظر الحق العالم ببصر الكامل المخلوق على الصورة فهو عين الحجاب الذي بين العالم وبين السبحات المحرقة "فتوحات ج الأول باب 178 ص 354").
ويقارن الشيخ بين مرتبتي العقل الأول والإنسان فيقول:
الصورة الإلهية لا تخلو إما أن تكون جامعة فهي صورة الإنسان أو غير جامعة فهي صورة العقل.
فإذا سوى الرب الصورة العقلية بأمره وصور الصورة الإنسانية بيديه توجه عليهما الرحمان بنفسه فنفخ فيهما روحا من أمره.
فأما صورة العقل فحملت في تلك النفخة بجميع علوم الكون إلى يوم القيامة وجعلها أصلا لوجود العالم، وأعطاه الأولية في الوجود الإمكاني.
وأما صورة الإنسان الأول المخلوق باليدين فحملت في تلك النفخة علم الأسماء الإلهية ولم تحملها صورة العقل فخرج على صورة الحق وفيه انتهى حكم النفس إذ لا أكمل من صورة الحق.
ودار العالم وظهر الوجود الإمكاني بين نور وظلمة وطبيعة وروح وغيب وشهادة وستر و ?شف... "فتوحات ج الأول باب 198 فصل 11: العقل الأول").
ويقول: (وأقام سبحانه هذه الصورة الإنسانية بالحركة المستقيمة صورة العمد الذي للخيمة فجعله لقبة هذه السماوات، فهو سبحانه يمسكها أن تزول بسببه، فعبرنا عنه بالعمد.
فإذا فنيت هذه الصورة و لم يبق منها على وجه الأرض أحد متنفس انشقت السماء فهي يومئذ واهية لأن العمد زال وهو الإنسان.
ولما انتقلت العمارة إلى الدار الآخرة بانتقال الإنسان إليها وخربت الدنيا بانتقاله عنها علمنا قطعا أن الإنسان هو العين المقصودة الله من العالم وأنه الخليفة حقا وأنه محل ظهور الأسماء الإلهية وهو الجامع لحقائق العالم كله "فتوحات باب 7 ص 125"
ويقول: (فإن الكامل من الرجال بمنزلة الاسم الله من الأسماء فتوحات باب 554 ص 194".
ولعلاقة هذا الباب بالعقل الأول تكررت فيه الألفاظ المشتقة من العقل مثل: معقولة، معقولية عقل نحو 14 مرة خصوصا في الفقرة التي بدأها بقوله: "ثم نرجع إلى الحكمة فنقول.. الح".
وبعدها انتقل إلى الحديث حول التماثل بين الإنسان والعقل الأول في الحدوث والإمكان الذاتي
والافتقار.
ثم تكلم عن الجمع بين الضدين عند الحق والخلق والمتمثل في خلق الإنسان باليدين والمتمثل في العقل الأول بإقباله على الله تعالى استمدادا وإدباره نحو النفس الكلية إمدادا.
ثم ذكر الآية التي فيها ذكر الأب الأول وزوجته وما بث منهما من رجال ونساء، إشارة إلى أن العلاقة الزوجية الإنسانية صورة العلاقة القلم الأعلى باللوح المحفوظ، أو العقاب المالك بالورقاء المطوقة.
فهما أول نا?ح ومن?وح وما تولد منهما من صور كونية حاملة ومحمولة الرجال الأرواح والعقول ونساء النفوس والطبائع...
وقول الشيخ: (ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر) يعني بهما في نفس الوقت الإمام المبين أي العقل الأول وادم الوالد الأكبر ...
ثم ذكر ترتيب أبواب الفصوص داخل الكلمة الآدمية إشارة إلى جمعية آدم لأبنائه من الكمل جمعية بالقوة تظهر تفاصيلها بالفعل في بقية الأبواب، كجمعية العقل الأول لكل المراتب الكونية المحملة في علمه الإجمالي المعبر عنه بالنون ثم يفصلها مسطرة في اللوح لتنتشر عبر مدارج النفس الرحماني...
وما العقل وآدم إلا أول مظاهر الإنسان الكامل على المستوى الكون والمستوى الإنساني...
وختم الفص بذكر أم الكتاب إشارة وتمهيدا للدخول إلى فص شيث الموالي الذي له مرتبة اللوح المحفوظ الذي من أسمائه أم الكتاب.

01  : سورة فص آدم عليه السلام
سورة هذا الفص الأول للإنسان الأول والعقل الأول هي أول سورة أنزلت أي "العلق" التي سمي الشيخ منها في الباب 288. من الفتوحات "منزل التلاوة الأولى" وسماه في الباب 22: منزل التعليم، وفي الفصل التاسع عشر من الباب 369: خزانة التعليم، وفي الباب "559 الجزء الرابع ص 388" "الحكم في اللوح والقلم".
فمناسبتها لآدم هي أنه هو أول متحقق من البشر بأياتها الأولى التي هي أول ما نزل من القرآن وهي: "اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم".
فأدم هو أول إنسان تعلقت القدرة الإلهية بخلقه وأول من تعلم من ربه الأسماء كلها. وقد تكررت كلمة "خلق" في الآيتين الأولى والثانية مرتين متتاليتين: خلق العالم ثم خلق آدم أو الخلق التقديري ثم الخلق الإيجادي.
وتكررت كلمة "إنسان" في السورة ثلاث مرات...
- فما ذكره الشيخ في هذا الفص حول آدم والإنسان مرجعه لكلمات "إنسان" من السورة...
-وما ذكره حول المعقولات حتى تكررت مشتقات كلمة "عقل" نحو 14 مرة مرجعه الكلمة في "علم بالقلم " 4  سورة العلق .
والقلم الأعلى هو العقل الأول.
وقد توسع الشيخ في معنى هذه الآية في الوصل 19 من الباب "369" وهو الوصل المتعلق بسورة العلق.
- ومن كلمة "اقرأ" التي هي مفتاح السورة وكلمتها العاشرة استمد الشيخ كلامه الطويل حول الجمعية الآدمية والكليات المعقولة والأدب، لأن القرء هو الجمع، ولأن الأدب هو جماع الخير كله .
ولهذا نجد الشيخ في الباب "298 فتوحات" الذي هو منزل سورة العلق يبدأ بذكر الجمع والأدب فيقول مشيرا الأولية نزول السورة: "أول ما أمر الله به عبده الجمع وهو الأدب وهو مشتق من المادية وهو الاجتماع على الطعام كذلك الأدب عبارة عن جماع الخير كله"
وفي هذا الفص يقول: (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى أن يرى عينه في كون جامع بحصر الأمر كله) ثم توسع في بيان هذه الجمعية بحيث تكررت مشتقات كلمة "جمع" أكثر من 12 مرة زيادة على كلمات "كل - ?لیات" فهو يقول مثلا: (... فهو الكلمة الفاصلة الجامعة.) وليس للملائكة جمعية آدم... لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته ... فما فاز إلا بالمجموع “.
ويذكر الأدب فيقول: ...(فهذا التعريف الإلهي مما أدب به الحق عباده الأدباء مفاتیح فصوص الح?م الأمناء الخلفاء) وقال: (... وتعلم الأدب مع الله تعالى ...) وفي آخر الفص ( ...واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين).
وحيث أن جمعية آدم مقرونة باسم الرب في " اقرأ باسم ربك " 1 سورة العلق.
جعل الشيخ حكمة هذا الفص منسوبة للاسم الجامع لأسماء الرب وهو "الله".
وعن العلاقة بين آدم والله يتكلم في متل العلق "أي الباب 288 في" فيقول: (ولقيت الشيخ أبا أحمد بن سیديون بمرسية وسأله إنسان عن اسم الله الأعظم فرماه بحصاة يشير إليه أنك اسم الله الأعظم .
وذلك أن الأسماء وضعت للدلالة فقد يمكن فيها الاشتراك وأنت أدل دليل على الله وأكبره فلك أن تسبحه بك. إلى آخر ما فصله.
وقد افتتح هذا المنزل بأبيات فيها إشارة إلى كلمات السورة و لمسائل هذا الفص، وهي: |
كن للاله كبسم الله للبشر ..... من اسمه الرب رب الروح والصور
فالخلق والأمر والتكوين أجمعه ..... له فلا فرق بين العقل والحجر
كالزاهد المتعالي في غناه به ..... فلا يميز بين العين والمدر
والعارف المتعالي في نزاهته ..... له التميز بين العين والبصر
إذ الرجوع إلى التحقيق شيمة من ..... يرى المنازل في الأعلام والسور
قوله: (غناه به يشير للآيتين 6 و7  " إن الإنسان ليطغى ، أن رءاه استغنى"  و منهما قال في هذا الفص: (فكل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها وأن فيها، فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال ومنزلة رفيعة عند الله، لما عندها من الجمعية الإلهية) .
ومنه أيضا قوله في أواخر الفص: (فال?ل مفتقر ما الكل مستغن).
والبيت الأخير السابق مناسب لقوله في هذا الفص: (وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه) وهذا المعنى مرجعه للآية -8  "إن إلى ربك الرجعى " كما أن كلامه في آخر الفص عن التقوى مرجعه للآية -12 " أو أمر بالتقوى".
وفي البيتين الأخيرين ذكر العين والبصر وفعل: بری لتكرار فعل الرؤية في السورة: (كما في الآيات) " 7 - 9 - 11 - 13 .
و" يرى"  في الآية -12  " ألم تعلم بأن الله يرى " التي خصص الشيخ لها الباب "507" من الفتوحات وقد بدأ هذا الفص بهذه الرؤية الإلهية فقال:
لما شاء الحق سبحانه... أن يرى أعيانها وإن شئت قلت أن يرى عينه... فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤية نفسه في أمر آخر...)
وقال: (... ولهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم...)
وقال: (وذكر أنه أرانا آياته... فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا وإذا شهدنا شهد نفسه...) وإلى هذه الرؤية بشير في قصيدة من ديوانه: (من روح سورة العلق)
يرى الحق أعمالي بما هو ذو بصر ..... وما عندنا من ذاك علم ولا خبر
ولما أتى الشرع الذي خص بالهدى ..... به نحو ما قلنا به مثل ما أمر
ولا تك ممن قال فيه بأنه ..... مزيد وضوح العلم في عالم البشر
فذلك قول لا خفاء بنقضه ..... وإن كان مدلولا عليه بما ذكر
علاقة هذا الفص بفصي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم و شيث عليه السلام
ملاحظة هامة:
نظرا لتسلسل مراتب الوجود في رباط محكم، فكذلك أبواب الفصوص.
ولهذا فهناك ارتباط و تناسب بين كل فص وسابقه ولاحقه.
ومن عادة الشيخ في أواخر كل باب أن يمهد ويقدم ويشير إلى الدخول في الباب الذي يليه.
فإذا كان هذا الباب الأول للعقل الأول فالباب الثاني الموالي للنفس الكلية أي اللوح المحفوظ المشار إليه في الآية التي ذكرها" وخلق منها زوجها " 1 سورة النساء.
أي خلق النفس من العقل كحواء من آدم... وختم الباب بذكره لأم الكتاب أي اللوح المحفوظ في المقام الشيثي.
فإذا علمنا أن البنية الكلية للفصوص هي دائرية كفلك المنازل حسب التناسب بين كل فص مع متلته الفلكية كما سبق بيانه، فالباب السابق لهذا الفص الآدمي الأول هو الفص المحمدي الأخير الحاكم عليه الاسم الجامع المتوجه على إيجاد الإنسان وحرف الجمعية الميم وسنرى أن سورته فاتحة الكتاب التي أشار إليها بذكر "أم الكتاب" في آخر هذا الفص الآدمي.
فالاسم "الجامع" و "الإنسان" مناسبان تماما للجمعية الآدمية...
ولتأكيد العلاقة بين الفصين نجد الشيخ في فص محمد صلى الله عليه وسلم يتكلم عن آدم وحواء وشفيعة الرجل لوترية الحق وشفعية المرأة للرجل.
وهذا التناسب بين الفصين مرجعه للعلاقة بين الاسمين الحاكمين عليهما أي "الله البديع" و"الفرد الجامع" وللتناسب بين سورتيهما "العلق" و"الفاتحة".
فالفاتحة هي أول سور القرآن ترتيبا، والعلق أولها نزولا.
ومرجع الفاتحة لبسملتها التي نجد موقعها في بداية العلق " اقرأ باسم ربك " 1 سورة العلق .  و حروف البسملة 19 لها نسبة معروفة مع
الزبانية التسعة عشر المذكورين في العلق "تنظر أهمية العدد 19 عند الشيخ في كتابه مثل المنازل الفهوانية وفي أواخر الباب 22 من الفتوحات ومدار الفص المحمدي حول الفاتحة روح الصلاة الجامعة بين العبد وربه المناسبة للأيتين 10 و19 من العلق "عبدا إذا صلى.. واسجد واقترب".
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
 مواضيع مماثلة
-
» السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله
» السفر الختم "سفر خطبة الكتاب" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله
» السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
» السفر الرابع عشر فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
» السفر التاسع عشر فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: