السفر التاسع عشر فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية الفقرة الثانية الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثانية على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكمالفقرة الثانية : الجزء الثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان، ولذلك جعل الله «من الماء كل شيء حي»: وما ثم شيء إلا وهو حي، فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقة تسبيحه إلا بكشف إلهي.
ولا يسبح إلا حي. فكل شيء حي. فكل شيء الماء أصله.
ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه تكون فطفا عليه فهو يحفظه من تحته، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه، وهو قوله عليه السلام «لو دليتم بحبل لهبط على الله».
فأشار إلى نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله «يخافون ربهم من فوقهم»، «وهو القاهر فوق عباده». فله الفوق والتحت.
ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان، وهو على صورة الرحمن.)
19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية
إنما خصت الكلمة الأيوبية بالحكمة الغيبية لكون أحواله عليه الصلاة والسلام بأسرها من ابتداء حاله وزمان ابتلائه وبعد كشف بلائه إلى انتهاء كلامه غيبية ، لأن الله تعالى أعطاه من الغيب بلا كسب ما لم يعط أحدا من المال والبنين والزرع والخول والعبيد ، ثم ابتلاه من الغيب ببلايا في نفسه وماله وأهله وولده ولم يبتل بمثلها أحدا ، ورزقه الله صبرا جميلا وافرا بلا شكوى إلى أحد في مدة لم يرزق مثله أحدا ، ولما بلغ الابتلاء غايته وتناهي الصبر نهايته ولم يجزع قط ولم يشك إلى أحد ، ولم يترك من أعماله وطاعته وأذكاره وأنواع شكره شيئا " نادى رَبَّه - أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ "،
فكشف عنه ما به من ضر ، ووهب له أهله - "ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً " من عنده وخزانة غيبه وأظهر له من غيب الأرض مغتسلا باردا وشرابا ، وكل ذلك كان من قوة إيمانه بالغيب ، وثقته بما ادخر الله له في الغيب ، فكان أمره كله من الغيب .
قال رضي الله عنه : (اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان ، ولذا جعل الله من الماء كل شيء حي وما ثم شيء إلا هو حي ، فإنه ما ثم من شيء إلا وهو يسبح بحمده ، ولكن لا يفقه تسبيحه إلا بكشف إلهي ، ولا يسبح إلا حي ، فكل شيء حي ، فكل شيء من الماء أصله ) .
اعلم أن الحياة إذا تمثلت وتجسدت ظهرت بصورة الماء ، وكذلك العلم الذي هو الحياة الحقيقية ، وهو معنى قوله : سر الحياة سرى في الماء ولما كان أصل الكل الحياة والعلم والماء صورتهما جعل أصل النار الماء ، فإن الحياة التي هي عين الذات الأحدية تمثلت بصورة الأرواح ، ثم نزلت إلى صور الطبائع ، ثم تمثلت بصور العناصر فثبت أن من الماء الذي هو صورة الحياة كل شيء حي ، وأنه لا شيء إلا وهو حي كما ذكر ، فلا شيء إلا وأصله من الماء .
"" أضاف بالي زادة : قوله ( وهو أصل العناصر والأركان ) الباقية ، فالحياة صفة من صفات الله حقيقة واحدة كلية شاملة على جميع الموجودات ، لكن تظهر في بعضها في العموم والخصوص وفي بعضها في الخصوص ، وسرها هو الهوية الإلهية الظاهرة بصورة الحياتية ، فأول ما ظهرت به الهوية الإلهية الحياة ، ولذلك تقدمت على باقي الصفات تقدما ذاتيا ، وأول ما ظهرت به الحياة الماء ، لذلك كان أول كل شيء وأصله ( ولذلك ) أي لأجل سريان سر الحياة في الماء ( جعل الله من الماء كل شيء حي ) كالحيوانات فإنها خلقت من نطفة الأمهات والآباء - وهي الماء ، وكالنبات فإنها لا تنبت إلا بالماء .أهـ بالى زادة. ""
( ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه تكوّن )
المراد بالعرش العرش الجسماني : أي الفلك الأطلس ، وإنما تكون من الماء لأن الله تعالى خلق أول ما خلق ذرة بيضاء فنظر إليها بعين الجلال فذابت حياء فصار نصفها ماء ونصفها نارا فكان عرشه على ذلك الماء ،
فالدرة هي العقل الأول الذي تكون منه جميع الأكوان ، والنظر إليه بعين الجلال احتجاب الحق تعالى بتعينه ، فإن نظر الجمال تجلى الوجه الإلهي بنوره ، ونظر الجلال تستره بغيره ، وذوبانه تلاشيه بماهيته الإمكانية العدمية وتكون الأشياء منه ،
فإنه كالهيولى لجميع الممكنات ، والنصف الناري تكون الأرواح منه بالتعينات النورية ، ألا ترى كيف سمى روح القدس عند اتصال موسى به نارا حيث قال :"بُورِكَ من في النَّارِ ومن حَوْلَها " - وقال :" آنَسَ من جانِبِ الطُّورِ ناراً " - والنصف المائي تكون الأجسام منه ، فإن الهيولى هو البحر المسجور أي المملوء بالصور ، فإنها ماء كلها فكان العرش على ذلك الماء .
ولما كان العقل الأول الذي هو أصل الكل عين الحياة ومثالها صح أن أصل الكل الماء حتى الهيولى والنار .
( فطغى عليه ) أي ظهرت صورة العرش على ماء الهيولى ، فإن كل ما طغى على ماء ظهر ، وبطن الماء تحته ، وكذا بطن الهيولى بظهور صورة الأجسام فيها .
( فهو يحفظه من تحته ) أي الهيولى يحفظ الصورة العرشية من تحته ( كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه ، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه ) "وفي نسخة : بربه" وكلاهما يستقيم ، لأن الجاهل بنفسه جاهل بربه وبالعكس ،
وإنما خلق الإنسان عبدا لأنه مقيد في تعينه ، وليست حقيقة العبد إلا صورة تعين الوجود للحق المتجلى فيه ، والمتعين لا بد أن يعلو المتعين به المستور فيه وإلا لانعدم ، إذ لا تحقق للمتعين بدون المتعين به ، فإنه بلا هو هالك ، فالحق يحفظ العبد من تحته.
"" أضاف بالي زادة : (فهو يحفظه من تحته ) أي الماء يحفظ العرش من تحته ، فإذا كان أصلا العرش كان أصلا لكل ما أحاط به العرش ، فكل شيء أصله الماء اهـ بالى زادة. ""
قال رضي الله عنه : ( وهو قوله عليه الصلاة والسلام "لو دليتم بحبل لهبط على الله" فأشار إلى أن نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله : "يَخافُونَ رَبَّهُمْ من فَوْقِهِمْ " وقوله : " وهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِه" فله الفوق وله التحت ، ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالنسبة إلى الإنسان ، وهو على صورة الرحمن ) .
لما كانت نسبة الفوق والتحت إليه سواء فحفظه لعبده من تحته لا ينافي فوقيته فإنه بإحاطته فوقه وتحته ، وكونه على صورة الرحمن إحاطته بجميع الأسماء ، فإن الرحمن في جميع الجهات المتقابلة لاشتماله على جميع الأسماء المتقابلة ، و « ما » في كما نسبة زائدة كقوله: " فَبِما رَحْمَةٍ من الله " .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان، ولذلك جعل الله «من الماء كل شيء حي»: وما ثم شيء إلا وهو حي، فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقة تسبيحه إلا بكشف إلهي.
ولا يسبح إلا حي. فكل شيء حي. فكل شيء الماء أصله.
ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه تكون فطفا عليه فهو يحفظه من تحته، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه، وهو قوله عليه السلام «لو دليتم بحبل لهبط على الله».
فأشار إلى نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله «يخافون ربهم من فوقهم»، «وهو القاهر فوق عباده». فله الفوق والتحت.
ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان، وهو على صورة الرحمن.)
19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية
لما كان الحق تعالى غيب الغيوب كلها وكانت هويته سارية في جميع الأشياء العلوية والسفلية المكانية والمرتبية وقال تعالى في أيوب عليه السلام :
( أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ) . فاظهر له ماء الحياة الحقيقية من الغيب وطهره به من الأمراض الحاصلة من مس الشيطان ، أي من البعد عن جانب الرحمن ، كما سنبينه - يسمى هذه الحكمة ( غيبية ) لأن الماء المطهر له كان مستورا تحت رجله ، وغيبا فيما يمشى عليه بكله .
وهو في الحقيقة إشارة إلى الماء الذي قال تعالى فيه : ( وكان عرشه على الماء ) . ولذلك طهر باطنه عن ملاحظة الأغيار ، كما طهر ظاهره من الأمراض الموجبة للنفار . ومن جنس هذا الماء كان ما غسل به جبرئيل صدر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .
وإضافتها إلى الكلمة ( الأيوبية ) لنزول الخطاب في حقه . فالمراد بالحكمة ( الغيبية ) ظهور الحق له بالسلوك والرياضة والطاعة والعبادة ، وحصول ماء الحياة التي هي في عين الظلمات بالصبر في أنواع البلايا والمحن الواقعة في نفسه وأهله وأمواله وأولاده ، فكان كلها رفعا لدرجاته وتحصيلا لكمالاته وترقيا في حالاته وتجلياته ، لشهوده المبلى والممتحن في عين البلايا والمحن ، وصبر به على مقاساة الشدائد ومتاعبها ، ولم يشتغل بإزالتها ومداراتها حتى وصل في عين القرب من الرب وحصل في مقام الأنس برفع وحشة الطلب ، فنادى : ( إني مسني الشيطان بضر ) . فكشف الله عنه ضره وطهر عن أدناس الموانع سره .
لا يقال : إنما سمى حكمته ( غيبية ) لأن أموره كلها ما ظهرت إلا من الغيب أولا وآخرا .
لأن أهل العالم كلهم لا يظهر أمورهم إلا من الغيب ، فلا اختصاص حينئذ
قال رضي الله عنه : (واعلم ، أن سر الحياة سرى في الماء ، فهو أصل العناصر والأركان ، ولذلك جعل الله من الماء كل شئ حي . وما ثم شئ إلا وهو حي ، فإنه ما من شئ إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقه تسبيحه إلا بكشف إلهي . ولا يسبح إلا حي . )
سر الحياة هو الهوية الإلهية السارية في جميع الأشياء بظهورها في ( النفس الرحماني )
أولا ، وبسريانها بواسطته في كل شئ حصل منه
ثانيا . وذلك لأن سر الشئ غيبه المستور فيه ومعناه الظاهر بصورته . ويجوز أن يراد به نفس الحياة وحقيقتها .
أي ، حقيقة الحياة سارية في الماء وكلاهما متقاربان ، لأن الهوية الإلهية هي المتجلية بالصفة الحياتية لا غيرها .
وإنما جعل الماء أصلا لغيره من العناصر والأركان ، لما نطق به الحديث النبوي من
قال رضي الله عنه : ( ان الله خلق درة بيضاء ، فنظر إليها بنظر الجلال والهيبة ، فذابت حياء ، فصار نصفها ماء ونصفها نارا ، فحصل منهما دخان ، فخلق السماوات من دخانها والأرض من زبدها ) .
قيل : ( الدرة ) هي ( العقل الأول ) . وفيه نظر . لأن ما ذاب وصار شيئا آخر لا يكون باقيا على تعينه الذاتي ، والعقل الأول باق على تعينه ، لا تقبل التغيير أصلا . بل المراد بها ما قبل صور العناصر من الهيولى العنصرية ، والله أعلم
ولأجل سريان هذه الحياة الذاتية في الماء ، جعل الله من الماء كل شئ حي .
أي ، كل ماله حياة خلق من الماء ، إذ النطف التي تخلق الحيوان منها ماء ، وما يتكون بغير توالد فهو أيضا بواسطة المائية المتعفنة .
وكذلك النباتات أيضا لا تنبت إلا بالماء .
ولما كان كل ما هو في الوجود مسبح لربه تعالى بالنص الإلهي ، ولا يسبح إلا الحي ،
قال : ( فكل شئ حي ، وكل شئ الماء أصله . ألا ترى العرش كيف كان على ( الماء ) لأنه منه تكون فطفا عليه . ) أي ، علا وارتفع عليه .
والمراد بالماء الذي هو أصل كل شئ ( النفس الرحماني ) الذي هو الهيولى الكلى والجوهر الأصلي ، كما تقدم أن صور جميع الأشياء حاصلة عليه ، لا الماء المتعارف .
فهو الماء الذي كان عرش الله عليه ، إذ العرش كما يطلق ويراد به ( الفلك الأطلس ) ، كذلك يطلق ويراد به ( الملك ) .
كما قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الثالث عشر من الفتوحات :
( إن العرش ) في لسان العرب يطلق على ( الملك ) يقال : ثل عرش الملك . أي ، دخل خلل في ملكه . ويطلق ويراد به ( السرير ) .
"" قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الثالث عشر من الفتوحات :
اعلم أيد الله الولي الحميم أن العرش في لسان العرب يطلق ويراد به الملك يقال ثل عرش الملك إذا دخل في ملكه خلل ويطلق ويراد به السرير
فإذا كان العرش عبارة عن الملك فتكون حملته هم القائمون به وإذا كان العرش السرير فتكون حملته ما يقوم عليه من القوائم أو من يحمله على كواهلهم والعدد يدخل في حملة العرش وقد جعل الرسول حكمهم في الدنيا أربعة وفي القيامة ثمانية فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "ويَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ".
ثم قال وهم اليوم أربعة يعني في يوم الدنيا وقوله يومئذ ثمانية يعني يوم الآخرة .أهـ
و قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الثالث والسبعون من الفتوحات :
فلا بقاء للعالم إلا بالله السلطان ظل الله في أرضه العرش ظل الله يوم القيامة العرش عين الملك
يقال ثل عرش الملك إذا اختل ملكه عليه الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى أي على ملكه سجود القلب إذا سجد لا يرفع أبدا
لأن سجوده للأسماء الإلهية لا للذات فإنها هي التي جعلته قلبا فهي تقلبه من حال إلى حال دنيا وآخرة...أهـ ""
غيره أيضا ، من أكابر الأولياء بعد هذا الكلام ، تعليل أن ( العرش ) الذي على ( الماء ) هو الملك . ولكون العرش الجسماني صورة من الصور الفائضة على الهيولى ، يصدق عليه أيضا أنه على الماء ، كما أشار قوله تعالى : ( والبحر المسجور ) أي ، الممتلئ من الموجودات . وهو البحر الذي موجه صور الأجسام كلها .
وإنما أطلق اسم ( الماء ) عليه ، لأن الماء العنصري مظهر له ، لذلك اتصف بصفاته ، فصار مادة لجميع ما في العالم الجسماني من السماوات والأرض والنبات والحيوان .
وأيضا ، لما أطلق عليه ( النفس ) مجازا ، تشبيها بالنفس الإنساني ، أطلق اسم ( الماء ) عليه مجازا ، لأن ( النفس ) بخار ، والبخار أجزاء صغار مائية مختلطة بأجزاء هوائية .
فحصل أن ( الماء ) كما يطلق على الماء المتعارف ، كذلك يطلق على الهيولى وعلى ( النفس الرحماني ) الذي هو هيولى جميع العالم وأصله .
ولا يقال : إن المراد ب ( الماء ) الذي عليه العرش والذي هو أصل العناصر هو ( العلم ) ، وإن كان يتجسد في المثال بصورة الماء ، لأن المراد بيان أصل الموجودات في الخارج ، لا في العلم .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو يحفظه من تحته ، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا ، فتكبر على ربه وعلا عليه ، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه . ) وفي بعض النسخ : ( بربه ) . وكلاهما صحيح .
لأن الجاهل بالنفس جاهل بالرب وبالعكس . أي ، فالماء الذي هو النفس الرحماني ، يحفظ هذا الملك وتعيناته من تحته ، أي باطنه .
كما أن الحق سبحانه يحفظ الإنسان الجاهل بنفسه وعبوديته من باطنه وغيبه ، نظرا إلى علو مرتبته من حيث حقيقته ومكانته الزلفى عند الله ، وهو يدعى الربوبية ويتكبر على الله من جهله بنفسه وعبوديتها ، إذ لو لم يكن حفظ الحق تعالى له وللعالم كله من الباطن ، لانعدم في الحال ، فإنه بلا وجود عدم .
(وهو قوله ، عليه السلام : " لو دليتم بحبل لهبط على الله " . فأشار إلى أن نسبة التحت إليه ، كما أن نسبة الفوق إليه . " وفي بعض النسخ : ( كما نسبة الفوق إليه ) .
ف ( ما ) زائدة . كقوله : " فبما رحمة من الله " .
( في قوله : " يخافون ربهم من فوقهم " ) وهو القاهر فوق عباده " . فله الفوق والتحت . " أي ، هذا المعنى المذكور هو معنى قوله ، صلى الله عليه وسلم : " لو دليتم بحبل لهبط على الله " .
وإنما كان نسبة الفوقية والتحتية إليه سواء ، لأن الحق محيط بالظاهر والباطن على العالم ، فكما تنسب إليه الفوقية ، تنسب إليه التحتية . فله الفوق والتحت جميعا ، لأنهما من جملة مراتبه الوجودية .
( ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان ، وهو على صورة الرحمان . )
أي ، ولكون نسبة الفوقية والتحتية ، بل نسبة جميع الصفات المتقابلة ، إلى الله تعالى سواء ، ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان ، لكونه هو المخلوق على صورة الرحمان الجامع للصفات المتقابلة .
واعلم ، أنه لو كان المراد بالظهور العلم بالجهات ، لكان غير منحصر في الإنسان ، لأن النفوس الفلكية أيضا عالمة بها ، بل جميع الحيوانات . فالأنسب أن نقول : المراد بالظهور ، التحقق .
أي ، لا يتحقق بهذه الجهات المتقابلة بحسب المقام إلا الإنسان ، لأن جميع مراتب الوجود مقاماته ، بخلاف غيره .
فإن لكل منها مقاما معلوما لا يتعداه ، كما قال تعالى : " وما منا إلا له مقام معلوم " . فهو الذي في السماء له ظهور ، وهو الذي في الأرض له ظهور .
كما أن أصله الذي ظهر الإنسان على صورته : "هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله " . وكذلك باقي الجهات . وقد مر تحقيقه في المقدمات من أن الحقيقة الإنسانية هي التي ظهرت في جميع صور العالم .
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان، ولذلك جعل الله «من الماء كل شيء حي»: وما ثم شيء إلا وهو حي، فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقة تسبيحه إلا بكشف إلهي.
ولا يسبح إلا حي. فكل شيء حي. فكل شيء الماء أصله.
ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه تكون فطفا عليه فهو يحفظه من تحته، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه، وهو قوله عليه السلام «لو دليتم بحبل لهبط على الله».
فأشار إلى نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله «يخافون ربهم من فوقهم»، «وهو القاهر فوق عباده». فله الفوق والتحت.
ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان، وهو على صورة الرحمن.)
الفص الأيوبي
19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية
أي : ما يتزين به ويكمل العلم اليقيني المتعلق بالتجلي الغيبي ، ظهر ذلك العلم بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى أيوب عليه السّلام ، إذ ظهر له سر الحياة من الماء ، فاستفاد من الاغتسال فيه قوة تدبير النفس للبدن عن قوة الحياة حتى أصلحته وأزالت عنه مرضا غلبه مدة مديدة في أقل الأوقات ، وظهرت له الحياة المكمونة في أولاده الأموات ، وعبيده وضروعه وذروعه ، وسائر أمواله حتى علم بذلك حياة كل شيء ، ثم إنه كملها بما قويت النسبة بينه وبينهم ، حتى تم ظهورها فيهم بتدبير نفسه في أجسامهم بعد تدبيرها في جسمه .
قال رضي الله عنه : ( اعلم أنّ سرّ الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان ، ولذلك جعل اللّه من الماء كلّ شيء حيّ ، وما ثمّ شيء إلّا وهو حيّ ، فإنّه ما من شيء إلّا وهو يسبّح بحمد اللّه ، ولكن لا تفقه تسبيحه إلّا بكشف إلهيّ ، ولا يسبّح إلّا حيّ ، فكلّ شيء حيّ فكلّ شيء الماء أصله ، ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنّه منه تكوّن فطفا عليه فهو يحفظه من تحته ، كما أنّ الإنسان خلقه اللّه عبدا فتكبّر على ربّه وعلا عليه ، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنّظر إلى علوّ هذا العبد الجاهل بنفسه ) .
( اعلم أنّ سرّ الحياة ) المعنى الفائض من صفة الحياة الأزلية فيضان نور الشمس منها على عالم الأجسام بواسطة الأرواح المدبرة لها ، ( سرى( أولا ( في الماء ) قبل سائر العناصر والمواليد ؛ لكونه أعبد البسائط التي هي أصل المركبات ؛ لكونه ليس في كثافة في الأرض ، ولا في لطافة الهواء والنار بل بينهما ، وإذا سرى فيه سر الحياة دبره بالتكثيف تارة والتلطيف أخرى ، ( فهو أصل ) بقية ( العناصر ) ، فسرى فيه أصل الصفات الإلهية .
وهو ما جاء في التوراة : « إنّ اللّه خلق جوهرة ، فنظر إليها بنظر الهيبة فدابت وصارت ماء فتحرك ، فأوجبت حركته سخونته ، فتصاعد على وجهه زبد ، فتكون منه الأرض ، وارتفع منه بخار دخاني ، فتكون منه السماء ، وحصل فيه الهواء والنار بالتلطيف ، وبه أحدثا ليس من القدماء » .
( ولذلك جعل اللّه من الماء كل شيء حي ) أي : صورته ، وإن كان تركبه من العناصر الأربعة ، وأعطى فيه الغلبة لغيره كالتراب في الإنسان والنار في الجان ، ولا يختص هذا بالحيوانات والنباتات كما تتوهمه العامة ، إذ ( ما ثمة ) أي : في الواقع ( شيء إلا وهو حي ) ؛ لأن الحياة أول صفات الوجود ، فلا يفارق مظاهره ، وبها تدبيره للعالم ، ولا بدّ لكل شيء من مدبر ، فينبه بقاؤه وحفظه واستقراره في حيزه إن كان فيه وسيلة إليه إن خرج عنه ، بل هناك حياة وراء ذلك بها يسبحه ، فإنه ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ([ الإسراء : 44 ] كما ورد به النص .
وليس ذلك بلسان الحال فقط كما يظنه العوام ، إذ تفقهه الأكبر ، ) ولكن ) ورد النص في حقهم أنهم ( لا يفقهون تسبيحهم ) ، فلا بدّ ألا يفقه تسبيحه ( إلا بكشف إلهي ) يكشف عن عالم الملكوت الذي لا يفتر عن التسبيح الذي خلق الكل له ، فيكون تركه معصية ؛ ولذلك أردفه بقوله :إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً[ فاطر : 41 ] أي : عمر غفل عن تسبيحه مع كمال حياته ، ولا يفتر عن تسبيحه من قصرت حياته ، ( ولا يسبح ) التسبيح الحقيقي ( إلا حي( ؛ لتوقفه على الشعور ، والمتوقف على الحياة فعلم أن كل شيء مسبح وكل مسبح حي ، ( فكل شيء حي ) وإن خفيت حياة البعض كالنبات والجمادات ، وعلم أيضا أن ( كل شيء ) حي ، وكل حي ( الماء أصله ) ، فكل شيء الماء أصله حتى الأركان العلوية التي اتفق الأكبر على أنها ليست عنصرية ، وقد صرح الشيخ رحمه اللّه بكون السماوات من دخان العناصر في الفص العيسوي .
( ألا ترى العرش كيف كان على الماء ؛ لأنه منه يكون ) ؛ وذلك لكونه مستوى اسمه الرحمن فيتعلق به التدبير الكلي العالم ، وهو بالحياة السارية أولا في الماء ، ( فطفا على ) الماء وإن صار أكثف منه لجملة سر الحياة على أقوى الوجوه بخلاف الأرض ؛ لأن سر الحياة فيها على أضعف الوجوه .
قال كعب : « خلق اللّه تعالى ياقوته خضراء ، ثم نظر إليها بالهيبة ، فصارت ماء ترتعد ، ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها ، ثم وضع العرش على الماء » . رواه القرطيى في التفسير والبغوي في التفسير .
""الحديث : (عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما أراد الله عز وجل أن يخلق الماء خلق من النور ياقوتة خضراء، غلظها كغلظة سبع سماوات وسبع أرضين وما فيهن وما بينهن، ثم دعاها، فلما أن سمعت كلام الله عز وجل ذابت الياقوتة فرقا حتى صارت ماء، فهو مرتعد من مخافة الله عز وجل إلى يوم القيامة، وكذلك إذا نظرت إليه راكدا أو جاريا يرتعد، وكذلك يرتعد في الآبار من مخافة الله إلى يوم القيامة، ثم خلق الريح فوضع الماء على الريح، ثم خلق العرش، فوضع العرش على الماء، فذلك في قوله تعالى: {وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا} [هود: 7] .....) رواه الأصبهاني في العظمة "".
ومعناه : أنه أشار بالياقوتة الخضراء إلى الحقيقة المثلثة والنشأة الكلية لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم ، إذ ليست في بياض المجردات ، ولا في سواد الماديات ، ونظر الهيبة هو خطاب الحق لها بما تفضضت عرقا ، فهو ذوياتها الموجب صيرورتها ماء ، وخلق اللّه الريح إشارة إلى تحملها سر الحياة الموجبة للتنفس ، ووضعه عليه جعله حاملا سر الحياة التي يتوقف عليها التدبير والتصرف .
وإلى ما ذكرنا أشار الشيخ رحمه اللّه في رسالته المسماة بـ "عنقاء المغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب " ؛ لأن محمدا عليه السّلام لما أبدعه اللّه سبحانه حقيقة مثلية ، ونشأة كلية حيث لا ابن ولا بنين .
وقال له : « أنا الملك ، وأنت الملك ، وأنا المدبر ، وأنت الفلك ، وسآتيك فيما يتكون عنك من مملكة عظمي ، وطامة كبرى ساسا مدبرا وناهيا ،
وأمرا عظيما على حد ما أعطيك ، وتكون فيهم كما أنا فيك ، فليس سواك كما ليس سواي ، فأنت صفاتي فيهم وأسمائي ، فخذ الحد وأنزل العهد ، وسأسألك بعد التنزيل عن اليقين والقطمير ، فتقصص لهذا الخطاب عرقا حيّا » ؛ فكان ذلك العرق الظاهر ، وهو الماء الذي نبأ به الحق سبحانه في صحيح الأنباء ، فقال :وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ[ هود : 7 ] .
ثم قال رضي الله عنه : « فلما علم الحق تعالى إرادته ، وأجرى في إمضائها عادته نظر إلى ما أوجده في قلبه من مكنون الأنوار ، ورفع عنها ما اكتنفها من الأستار ، فتجلى له من جهة القلب والعين حتى كاثف النور من الجهتين، فخلق سبحانه من ذلك النور المنفهق عنه صلّى اللّه عليه وسلّم العرش".
هذا كلامه ومعناه على ما تلوح للخاطر الفاتر : أنه عزّ وجل أبدع لرسوله محمد صلّى اللّه عليه وسلّم حقيقة نورية روحية أولا ، ثم حقيقة مثلية جسمية ، وأشار إلى أن جميع حقائقه كلية شاملة لسائر الحقائق ، وأن الحقيقة المثلية قبل خلق المكان ؛ لأنه من عالم الأجسام ،
ثم قال له : إن الملائكة منحصرة فيه ، إذ لا إله غيره ، والتملكية منحصرة في حبيبه صلّى اللّه عليه وسلّم ، ومثل ذلك بالروح الفلكي مع الفلك المحيط بالكل ، والمراد بالسائس والمدبر القلب ، وبالأمر والناهي العقل .
ثم قال : « تعطيها إنها الروح على حد ما أعطيك من الفيض ، فإنه إنما يصل الفيض الإلهي بواسطة الروح والضمير"
في قوله : « فيهم » يعود إلى قوى القلب والعقل من المدركات والمحركات ،
وقوله : « فأنت صفاتي فيهم وأسمائي » أي : حامل أسرارهما ؛
فلذلك قال : « فخذ الحد » أي : فلا تدع الربوبية لنفسك ، و « أنزل العهد » أي : عهد العبودية المشار إليها بقوله :قالُوا بَلى ،
وقوله : « وكان ذلك العرق » ما أشاره إلى تكون عالم الأركان بعد عالم المثال ، والمراد بالعين : القوى المدركة ، وتكاثف النور من حيث تعلقه بالأجسام ، فازداد الماء المتكون فيه لكثافة أصله كثافة صار منها العرش ؛ فافهم ، فإنه مزلة للقدم .
وإذا كان طفو العرش من قوة الحياة ، وهي من الماء والحياة هي الحافظة المدبرة للجسم ، ( فهو ) أي : الماء ( يحفظه من تحته ) ولا عجب فيه ، فإن له مثالا أشار إليه بقوله :
( كما أن الإنسان خلقه اللّه عبدا ) من شأنه أسفل أبدا ، ( فتكبر ) عن غاية جهلة تنفسه ( على ربه ) الذي نار الكبر داؤه فبقيت ربوبيته ، ( وعلا عليه ) ، فادعى الربوبية لنفسه ،
( فهو ) أي : اللّه ( سبحانه ) إشارة إلى تنزهه عن أن شارك في كبريائه وعلوه فضلا عن أن ينفيا عنه ويثبتا لغيره ( مع هذا ) التكبر والعلو منه عليه ( يحفظه من تحته ) ؛ فإنه له تعالى نسبة التحت أيضا ( بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه ) ، وهذه النسبة التحية ، وإن كان منشأها جهل هذا العبد ، فهي نسبة ثابتة باعتبار آخر تثبت معه نسبة الفرق له ، وإن نفاها هذا الجهل .
قال رضي الله عنه : (وهو قوله عليه السّلام : « لو دليتم بحبل لهبط على اللّه » فأشار إلى نسبة التّحت إليه كما أنّ نسبة الفوق إليه في قوله :يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [ النحل : 50 ] ،وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ[ الأنعام : 18 ] ، فله الفوق والتّحت ، ولهذا ما ظهرت الجهات السّتّ إلّا بالإنسان وهو على صورة الرّحمن(.
وهو أي : الدليل على ذلك ( قوله عليه السّلام : « لو دليتم بحبل لهبط على اللّه ») باعتبار ماله من نسبة التحت ،
( فأشار إلى أن نسبة التحت إليه ) ؛ لأن قوامه به ، ( كما أن نسبة الفرق إليه المذكورة في قوله :يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ[ النحل : 50 ] ، وقوله :وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [ الأنعام : 18 ] .
وإذا ثبت ( له الفوق ) بالقرآن ( والتحت ) بالحديث قلة الفوق ، وإن نفاه الجاهل المتكبر المتعالي عليه والتحت ، وإن نفاه العامة وهما الجهتان الحقيقيتان المحتجبتان إلى المقوم لهما بالوجود بخلاف الجهات الست ، فإنها باعتبارته لتبدلها بتبدل أوضاع الإنسان .
( ولهذا ) أي : والاختصاص الحق بالجهتين الحقيقيتين المتحدد بهما محيط العالم ، ومركزه دون الجهات الست ( ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان ) من حيث أن له عبد قيامه الذي هو الوضع الطبيعي له رأسا ورجلا ووجها وظهرا ويدين إحديهما أقوى من الأخرى ، غالبا يتعين بذلك ما تقرّب من كل واحد منهما ، ويتبدل بتبدل توجهاته ، ( وهو على صورة الرحمن ) المستوي على المحدد للجهات ، فنسب إليه الجهات لست بواسطته ، وإلا فالمحدد إنما حدد بالذات جهة الفوق ما يقرب من المحيط ، وجهة التحت ما هو غاية البعد منه ، وحفظ الحق يلحق بهاتين الجهتين لا غير ، والدليل عليه أنه.....
.
يتبع