منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالأربعاء أغسطس 19, 2020 6:15 am

قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي على مدونة عبدالله المسافر
قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي
قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم ولم يكن له نظير
كان في سالف الأيام خليفة جعل حاتماً غلاماً لجوده .

2245  لقد نشر راية الكرم والجود ، ورفع الفقر والحاجة من الدنيا .
لقد كان بحراً للجوهر صافي العطاء ، وامتد جوده من جبل قاف إلى جبل قاف “ 2 “ .
..............................................................
( 1 ) لا يتخلى عنها وهي عارية من الورق بل يظل يرزقها حتى تورق من جديد .
( 2 ) أحاط بالعالم .


“ 302 “

كان في عالم التراب سحاباً وأمطاراً ؛ كان مَظْهَراً لعطاء الوهِّاب !
 فطعاؤه زلزل البحر والمنجم ، وكم سعت قافلة وراء قافلة إلى جوده ! 
لقد كان بابه وصرحه قبلةَ الحاجات ، وقد ذاعت بالجود شهرتةُ في الدنيا .


2250   فبقي العجم والروم والترك والعرب في عجب من جوده وسخائه .
إنه كان ماء الحياة وبحر الكرم ، وقد أحيا ( بجوده ) العرب والعجم .

قصة الأعرابي الدرويش وما جرى بينه وبين زوجه من جراء الفقر والمسكنة

[ شكاية الزوجة من الفقر ]

 

لقد خاطبت أعرابيّة زوجها - ذات ليلة - وخرجت بالقول عن حدوده .
( فقالت ) : “ إننا نعاني كلّ هذا الفقر والشقاء ، فجملةُ العالم سعداء ، وأما نحن فأشقياء .
وليس خبزنا خبزاً ، فطعامنا الألم والحسد ، وليس لنا كوز ، فماؤنا دمع أعيننا .


2255  ورداؤنا بالنهار حرارة الشمس ، وأما وسادنا والحافنا بالليل فمن نور القمر .
نظنُّ قرص القمر قرصاً من الخبز ، فنرفع أيدينا إلى السماء .
إن مسكنتنا عار للدراويش ، وما نهارنا وليلنا إلا تفكرّ في الرزق .

 

“ 303 “


وقد أصبح الأقرباء والغرباء يفرّون منا ، كما فر السامريّ من الناس “ 1 “ .
فلو طلبتُ من إنسان قبضة من العدس ، لقال : “ اسكتي ، ( جاءك ) الطاعون والموت “ .


2260  إنّ للعرب فخراً بالغرو والعطاء ، وأنت بين العرب مثل الخطأ في الكتابة ! 
وأيّ غزو ( بوسعنا ) ، وقد قُتلنا بدون غزو ؟ لقد أذهلت رؤوسنا ضربةُ سيف العدم .
وأيّ عطاء ( نقدّمه ) ، ونحن في سؤال دائم ، نضرب عرق الذبابة ، في الهواء ( لنشرب دمها ) .
فلو نزل بي ضيف ، وطاوعت نفسي ، لعمدتُ إلى ( سلب ) دلقه حين ينام “ .


كيف أغترّ المريدوين المحتاجون بالمدّعين المزوَّرين وكيف ظنّوهم شيوخاً أجلاء وأصلين
وكيف جلهوا الفرق بين النقل والتحقيق وبين المقيّد والمطلق

فمن أجل هذا ، قال الحكماء ، وما أحسن ما قالوا : “ على المرء ألا ينزل ضيفاً إلا بالمحسنين “ .

2265  أتكون مريداً وضيفاً لذلك الذي يسرق بخسَّةٍ كل ما تملك ؟
.............................................................................
( 1 ) قصة السامري وردت في سورة طه . والإشارة في هذا البيت إلى قوله تعالى : “ قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس “ . ( سورة طه ، 20 : 96 ) .


“ 304 “

إنّه ليس قويّاً فكيف يمنحك القوّة ؟ وما هو بمانحك النور بل جاعُلك مُظلماً .
وهو إنْ لم يكن مضيئاً بذاته ، فكيف يقتبس الآخرون منه النور ؟
إنّه الأعمش الذي يداوي العيون ! وماذا يضع في أعين الناس سوى الصوف .
فهذه حالنا في الفقر والعناء ، فلا يغترّ بنا ضيف .


2270  فإن لم تكن قد شاهدت صورة قحط دام عشر سنين ، فافتح عينيك وانظر إلينا ! 
إنّ ظاهرنا كباطن المدّعي ، ففي باطنه ظُلمةُ إنْ شعّ لسانهُ .
وهو لا رائحة به من اللَّه ولا أثر ، ( ومع هذا ) فدعواه أكبر من دعوى شيت وأبى البشر .
ومع أنّ الشيطان نفسه لم يُظهر له صورته ، فهو يقول دائماً : “ إنني من الأبدال ، بل أعظمُ منهم “ .
فكثيرا ما سرق لغة الدراويش ، حتى يُظنِّ أنَّه إنسان ( من رجال اللَّه ) .

 
2275   فهو - في حديثه - يقلِّلُ من شأن بايزيد “ 1 “ ، مع أن يزيد “ 2 “ يرى في وجوده العار .
ومع أنّه محروم من خبز السماء ومائدتها ، ولم يلق اللَّه أمامه بعَظْمَةٍ واحدة .
فهو ينادي : “ هأنذا قد أعددتُ المائدة ! إنني نائبُ الحقّ ، أنا ابن خليفته !
.........................................................................
( 1 ) بايزيد البسطامي أحد مشهوري الصوفية ، ( ت 260 ه ) .
( 2 ) يزيد بن معاوية .


“ 305 “

فاجتمعوا - أيّها البسطاء الذين تتلوّون ( جوعاً ) - حتى تأكلوا ملء بطونكم من خوان جودي ! 
فمن الناس من دار سنين حول هذا الباب ، على موعد مع الغد ، ذلك الغد الذي ما كان ليجيء .

 

2280  فمن الضروري أنْ يمضي وقتُ طويل ، حتى يتكشَّفَ سرُّ الآدميّ ، كثيرهُ وقليلُه .
وقد يكون تحت حائط البدن كنز ، وقد يكون هناك جُحرْ حيّة أو نمل أو تنيّن ! 
فإذا ما تبيّن للطالب أنّه لم يكن شيئاً ، يكون عمره قد انقضى “ 1 “ ، فما جدوى المعرفة ؟


في بيان أنّه قد يحدث نادراً أن مُريداً يعتقد اعتقاداً صادقاً بمحدَّع مزوِّر فيحسبه رجلا ( من الصالحين ) 
وعلى هذا الاعتقاد يصل إلى مقام لم يحلم به شيخه فلا يؤذيه الماء ولا النار بينما هما يؤذيان شيخه ولكنّ هذا قليل الحدوث

إنّ من النادر أنْ يجيءَ طالب له من الإشراق ( الروحيّ ) ما يجعل مثل هذا الكذب “ 2 “ نافعاً بالنسبة له .
فيصل بقصده الطيِّب إلى منزلة رفيعة ، وقد ظنّ هذا ( المدّعي ) روحاً فإذا به جسد .
 

2285  فهو كمن تَحرَّى القبْلة في أعماق الليل ، فلم يَهتد إليها ، ومع هذا صحَّتْ صَلاتُه .
..............................................................
( 1 ) يحدث ذلك بعد فوات الأوان ، فلا يعرف حقيقة ذاته إلا في نهاية عمره .
( 2 ) الكذب هنا ادعاء الولاية من جانب المدّعي .


 
“ 306 “

 
فهذا المدِّعي يعاني قحط الروح في الخفاء ، ولكن الظاهر لنا أنّه يعاني قحط الخبز .
فلما ذا نتستر على أنفسنَا مثل هذا المدعي ؟ ولماذا نزهق أرواحنا من أجل شرف مزوّر ؟

كيف أمر الأعرابي امرأته بالصبر وكيف ذكر لها فضيلة الصبر والفقر


فقال الزوج ، ( لا مرأته ) : “ إلى متى تنشدين الدخل والحصاد ؟ ما الذي بقي من عمرك ؟ 
إنّ أكثره قد مضى ! إنّ العاقل لا ينظر إلى الزيادة ولا إلى النقصان ، لأنّ كليهما يمرّان كما يمرّ السيلُ ( المندفع ) .


2290  فسواء أكان السيلُ صافياً أم كان معتكر الوجه ، فلا تتحدثي عنه لحظة واحدة ، لأنّه لا يدوم .
ففي هذا العالم آلاف من الأحياء ، يحيون حياة طيبة لا هبوط فيها ولا صعود .
فالفاختة تنرنم بشكر اللَّه على الشجرة ، على حين أن قوت المساء غير مهيّأ لها .
والعندليب يحمد اللَّه ( قائلًا ) : “ أمجيبَ ( السائلين ) ! إن اعتمادنا في الرزق عليك “ .
والباز قد جعل يد الملك أمله وبشراه ، وقطع رجاءه من كلّ الرمم “ 1 “ .
...................................................................................
( 1 ) لم يعد يحفل بالرمم التي كان يتغدي بها ، وأصبح كل أمله أن يعيش فوق يد الملك ، بعد أن أصبح بازاً يستخدمه الملك في صيده .



“ 307 “

2295  وهكذا لو أخذت الأحياء ، من البعوضة إلى الفيل ، فإنهم جميعاً عيال اللَّه ، والحقّ نعم المعيل .
إنّ كلّ هذه الهموم التي في الصدور ، ليست إلا البخار والغبار الصاعدْين من كياننا وهوائنا .
هذه الهموم التي تقتلعنا من أصولنا ، إنما هي لنا كالمنجل ، ( والتفكرّ ) بأن هذا ( الأمر ) جرى على هذا النحو أو ذاك من وساوسنا .
فلتعلمي أنّ كلّ ألم إنما هو جزء من الموت ، ولتدفعي عن نفسك جزء الموت ، لو كان إلى ذلك سبيل ! 
فما دمت غير مستطيعة الفرار من جزء الموت ، فاعلمي أنّ الموت كلّه سوف ينصبّ على رأسك .

 

2300   فإنْ كان جزءُ الموت قد طاب لك مذاقُه ، فاعلمى أنّ اللَّه سوف يجعله كلّه حلواً .
إنّ الآلام تجيء كرسول من الموت ، فلا تصرفي وجهك عن رسول الموت ، أيّتها الحمقاء .
وكل من يذوق حلاوة الحياة ، يذوق مرارة الموت ! وكل من عبد جسمه فما حمل روحاً ! 
فالأغنالم تُقتاد من الصحراء ، فيقتلُ منها ما كان أضخم بدناً .
إنّ الليل قد تولىّ ، وها هو ذا الصبح قد أقبل . فيا أيّتها الظلمة ! إلام تأخذين قصة الذهب من بدايتها ؟


2305   لقد كنت شابةً ، وكنت ( حينذاك ) أكثر قناعة ، وقد أصبحت طالبة للذهب ، وكنت من قبلُ ذهباً ! 
لقد كنت كرمةً عامرةً بالثمار فكيف أصبحت كاسدة ؟ وكيف غدوت فاسدة وقت نضج الثمار ؟
كان الواجب أن تُصبح فاكهتُك أكثر حلاوة ، لا أن تتراجع


“ 308 “

 
إلى الوراء كصانعي الحبال .
إنّك زوجتي ، والزوجةُ لا بد لها أنْ تتفق ( مع الزوج ) في الصفاء ، حتى تجيء الأمور وفق مصلحتهما .
فالزوجان يجب أن يكون كلّ منهما على مثال الآخر . ألا فلتتأملي زوجين من ألاحذية أو النعال “ 1 “ !


 2310  فلو أنّ واحداً من النعلين ضاق بقدمك ، فلا نفع لهذين النعلين عندك .
وهل بين مصراعي الباب واحدُ صغير وآخر كبير ؟ أم هل رأيت ذئبة اقترنت بأسد الغاب ؟
وليس يستقيم فوق ظهر الجمل زوجان من الحقائب ، إحداهما صغيرة والأخرى كاملةُ الاتساع .
إنّني أسير بقلب قويّ نحو القناعة ، فلماذا تذهبين أنت نحو الشناعة ؟ 
“ فهذا الرجل القانع ظلّ - لموفور إخلاصه وتحمّسه - يحدّث امرأته على هذا المنوال حتى الصباح .


كيف نصحت المرأة زوجها ( قائلة ) : “ لا تكثر من الحديث عن مكانتك ومقامك : “ لمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ " 2"
“ . فمع أن هذا الكلام صحيح إلا أنك لم تبلغ مقام التوكل ، وتحدّثك بما هو فوق مقامك وأعمالك ضارُ بك ،
” كَبُرَ مَقْتاً عنْدَ اللَّه أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ““ 3 “
.................................................................
( 1 ) يلاحظ في هذا البيت والأبيات التالية أن الشاعر أجرى على لسان الأعرابي - في حديثه مع امرأته - أمثالًا بسيطة تلائم عقلها .
( 2 ) قال تعالى : “ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون “ . ( الصف ، 61 : 2 ) .
( 3 ) الصف ، 61 : 3 ) .
 
 

“ 309 “

2315  فصاحت الأعرابية بزوجها : “ يا من تُباهي بدينك ! إنني لن أبتلع خداعك أكثر من ذلك .
لا تُحدِّثني بترهات من ادّعائك ودعواك ! اذهب ، ولا تُخاطبني بكبر وغرور !
 إلى متى تتحدث حديث الخيلاء والتصنع ؟ انظر إلى أمرك وحالك وكن ذا حياء ! 
إن الكبر قبيح ، ولكنه من الشحّاذين أقبح ، ( فكبرُ الشحاذين ) كالثوب المبلل في يوم بارد ممطر .
إلى متى هذا الادعاء والغرور والخيلاء “ 1 “ ، يا من بيتك مثل بيت العنكبوت .


2320  متى أنرتَ بالقناعة روحك ، وأنت لم تعرف من القناعة سوى اسمها ! 
لقد قال الرسول : “ ما القناعة ؟ إنها كنز “ “ 2 “ . وأنت لا تعرف الغُنم من الغُرم “ 3 “ .
ما القناعة إلا كنز الروح ، فلا تُفاخرْ بها يا من أنت غمُ وألمُ لروحي .
فلا تدعنُي زوجتك ، وأقلل من إظهار المودَّة “ 4 “ ! إنني قرينة الإنصاف ولستُ قرينة الدَغل .
وكيف تسيرُ مع الأمير ومع السيّد ، وأنت تضرب عرق الجرادة في الهواء .
......................................................
( 1 ) حرفياً : “ بادوبروت “ ، ومعنى “ باد “ الريح ويُعبَرِّ الشاعر بها هنا عن الانتقاخ بالكبر ، و “ بروت “ وهو الشارب ويُعبَرِّ به هنا عن اصطناع الشارب للتظاهر بالقوة والرجولة .
( 2 ) الحديث المنسوب إلى الرسول عليه السلام هو : “ القناعة كنز لا يفنى “ .
( 3 ) حرفياً : وأنت لا تعرف الكنز من الألم .
( 4 ) حرفياً : أقلل من الضرب على الإبط .


 

“ 310 “


2325  إنك لفي صراع مع الكلاب على العظام ، بل إنك لفي نواح مثل قصبة خالية الجوف .
فلا تنظر إليّ باحتقار وازداء ، حتى لا أُخبرك بما في عروقك “ 1 “ .
لقد رأيت عقلك أكبر من عقلي ، فكيف رأيتني ، أنا الصغيرة العقل ؟
فلا تتووثت عليّ مثل ذئب أحمق ، يا من يفوق انعدامُ العقل عارَ عقله ! 
فإنْ كان عقلك عقالًا للرجال ، فما هو بعقل ، بل هو ثعبان أو عقرب!


  2330 فليكن اللَّه خصماً لظلمك ومكرك ، ولينقشع عنا مكر عقلك .
إنك أنت الثعبان وأنت الساحر ، فوا عجبا ، إنك ماسك الحيّة وأنت الحيّة ( في الوقت ذاته ) يا عار العرب !
 ولو عرف الغراب قبح ذاته ، لذاب كالثلج من الألم والحزن “ .
إن ماسك الحيّات - وهو عدوّ لها - يتلو تعاويذه عليها ، كما أنها أيضاً تتلو عليه التعاويذ .
فلو لم تكن شباكه هي السحر الذي يسخرّ الحيّات ، لما كان هو صيدا لسحر تلك الحيات .


2335  فصائد الحيّات - بسبب الحرص ، ومن أجل الكسب والعمل - لا يدرك - في ذلك الوقت “ 2 “ - سحر الحيّة .
إنّ الحيّة تقول له : “ أيها الساحر ! تنبّه ! إنك قد أبصرت سحرك ، فانظر إلى سحري ! 
إنك لتخدعني باسم الحق ، حتى تصيبني بالفضية والاضطراب والأذى .
واسم الحق هو الذي قيّدني وليس احتيالك ! لقد اتخذت اسم الحق شركاً ، فالويل لك .
.........................................................
( 1 ) حتى لا أبيِّن لك حقيقة أمرك .
( 2 ) وقت اصطياد الحيَّات .


“ 311 “


ولسوف يُنصفني منك اسم الحق ، فقد أسلمتُ إلى اسم الحق نفسي وجسدي .
 

2340  فإما أن يقطع شريان حياتك بضربة مني ، أو يحملك - مثلي - إلى السجن “ .
وهكذا أسمعت هذه المرأة زوجها الشاب صحائف من خشن القول .


كيف نصح الرجل امرأته ( قائلًا ) : “ لا تنظري إلى الفقراء باحتقار ولكن انظري إلى فعل الحق متفكرة بكماله !
ولا توجهي الطعن إلى الفقر والفقراء بخيال مسكنتك ، وتفكرك فيها “

فقال ( الأعرابيّ ) : أيتها المرأة ! أأنت امرأة أم أنت أم الأحزان ! إنّ الفقر فخري ، فلا تضربيني فوق رأسي .
إنّ المال والذهب هما للرأس كالقلنسوة ، وليس يلتجىء إلى القلنسوة إلا الأصلع .
وأما من كان ذا شعر جعد كثيف ، فهو أسعد حالًا بذهاب قلنسوته .

 

2345 - إنّ رجل الحق مثل العين ، ولهذا فإنّ انكشاف بصره خير من احتجابه .
وبائع العبيد حين يعرض للبيع عبداً ( صحيح البدن ) ، ينزع عنه الثياب التي تغطي العيوب .
فإنْ كان به عيب ، فمتى ينزع البائع عنه الثياب ؟ إنه يخدع المشتري بالثياب ! 
فهو يقول : “ إنّ هذا العبد يستحي من الحسن والقبيح ، ولو عرّيت بدنه لهرب منك “ .
فهذا التاجر غارق في العيب إلى أُذنيه ، ولكنه يملك المال ، والمال يُغطي العيوب .
 

“ 312 “

2350 - ومن الطمع لا يرى الطامع عيبه ، وقد أصبحت الأطماع رباطاً يجمع القلوب .
إنّ الشحاذ لو قال كملة مثل ذهب المنجم ، ما وجدت سلعته سبيلًا إلى الدكان .
وأعمال الدراويش وراء فهك ، فلا تنظري إلى فقرهم باحتقار ! 
ذلك لأن الدروايش فوق المُلك والمال ، ولهم رزق عظيم من لدُنْ ربّ الجلال .
إنّ الحق تعالى عادل ، ومتى كان أهل العدل يوقعون الظلم بالمساكين ؟

 

2355 -  وهل يمنحون واحداً ( من الناس ) نعمة ومالًا ، ويضعون الآخر فوق النار ؟
ألا فلتحرق النار من ظن هذا الظن باللَّه خالق العالمين ! فهل ( قولي ) “ الفقر فخري “ من الجزاف والمجاز ؟ 
لا ، بل إنه آلاف من العزّ الخفيّ والاعتزاز ! 
إنّ غضبك جعلك تلقين عليّ السباب فأسميتني بصائد الإخوان ، وما سك الثعبان .
ولو أمسكتُ بثعبان فإننّي أخلع أنيابه ، حتى أجعله في مأمن من أنْ يُدَّق رأسه .

 

2360 - فإنّ هذه الأنياب إنما هي عدوّ حياته ، وأنا - بهذا العلم - أجعل من العدوّ صديقاً .
إنّني لست أتلو تعاويذي طامعاً ، فلقد قلبت الأطماع رأساً على عقب “ 1 “ .
معاذ اللَّه ! فليس لي طمع في الخلق ، وفي قلبي عالم من القناعة .
إنّك لتبصرين على هذا النحو ، وأنت فوق شجرة الكمثرى ،
......................................................................
( 1 ) أوقفت حركتها وتخلصت من آثارها .


“ 313 “


فلتنزلي من فوقها حتى لا يبقى لك هذا الظنّ “ 1 “ ! 
وأنت - حين تدورين ، ويصبح رأسك ذاهلًا - ترين المنزل دائراً ، وليس ما يدور سواك !


في بيان أنّ حركة كلّ انسان إنما هي من المكان الذي هو فيه
 كما أنه يشاهد غيره من دائرة وجوده .
فالزجاجة الزرقاء تظهر الشمس زرقاء والحمراء تظهرها حمراء 
فإذا خرجت الزجاجة عن اللون أصبحت بيضاء فتكون أصدق 
من كل الزجاجات الأخرى وتكون هي الحُجَّةُ الصادقة .

2365   لقد رأى أبو جهل أحمد فقال : “ ما أقبحه شكلًا ذلك الذي خرج من بني هاشم ! 
“ فقال له أحمد : “ ذلك صدق ! لقد قلت الصدق ، وإن كنتَ قد بالغت ! “
.............................................................................
( 1 ) يشير الشاعر هنا إلى قصة معروفة رواها هو ، في المجلد الرابع من المثنوي ( 3544 ، وما يليه ) وخلاصتها أنّ امرأة أرادت أنْ تُقبّل عشيقها في حضرة زوجها فعمدت إلى حيلة فصعدت فوق شجرة الكمثرى بدعوى أنها أرادت أن تقطف بعض الثمار ، ثم نظرت من فوق إلى زوجها وأخذت تنتحب مدعية أنها تراه في موقف خليع عابث . ومهما حاول الرجل إقناعها بأنّ ما رأته كان وهما فإنها لم تبد اقتناعاً . وأخيراً دعاها إلى النزول وصعد هو الشجرة فلم يكد يفعل حتى دعت حبيبها وعانقته ، فلما احتج على ذلك زوجها قالت إن ما يراه لا يعدو ان يكون وهما كالذي رأته هي حينما كانت فوق الشجرة .
فيكون معنى قوله : “ انزلي من شجرة الكمثرى “ ، أنه يدعوها لتتخلص من أوهامها الباطلة .


“ 314 “

ورأى الصدِّيقُ أحمد فقال : “ يا شمس ( الروح ) ! إنّك لستَ من الشرق ولا الغرب ، فتألّق مُشرقاً ! “ فقال أحمد : “ لقد قلتَ الصدق ، أيّها العزيز ! يا من نجوت من هذه الدنيا التي لا تستحقّ شيئاً ! “ فقال الحاضرون : “ أيّها الملك ! لماذا وصفتَ كلا من هذين الرجلين بقول الصدق ، مع أنّ كلا منهما تكلّم بما يضادّ قول الآخر ! “ .

 

2370  فقال الرسول : “ إنّني مرآة صقلتها يدُ ( القدرة الإلهيّة ) ، فالترك والهنود يشاهدون في ( حقيقة ) كيانهم “ .
فيا أيّتها المرأة “ 1 “ ! إنْ كنت تُبصرينني من الطامعين فارتفعي عن ذلك الجشع النسائيّ .
إنّ ( حالي ) تشبه الطمع ، وليست إلا رحمة ! فأين الطمع من تلك النعمة ؟
فاختبري الفقر يوماً أو يومين ، لتري في الفقر غنى مُضاعَفاً .
اصبري على الفقر ، ودعي هذا الملال ! فإنّ في الفقر نوراً من ذي الجلال !


 2375 لا تنظري بمرارة “ 2 “ ، وشاهدي آلاف الأنفس وقد أغرقتْها القناعة في بحر من العسل .
تأملي آلاف الأنفس التي تقاسي مرارة الحياة ، وقد امتزجت بشراب الورد مثل الورد .
فوا أسفاه ، أنّك لست واسعة الفهم ، فتظهر لك روحي مكنون قلبي !
...................................................................
( 1 ) عاد الشاعر هنا إلى حديث الأعرابي وامرأته .
( 2 ) حرفياً : “ لا تبيعي الخلّ “ . عبّر عن إظهار المرأة تشاؤمها ببيع الخل 

 

“ 315 “


فهذا الحديث لبن في ثدي الروح ، وهو لا يسيل طيِّباً بدون رضيع ! ولكن ، حين يصبحُ المستمعُ متعطِّشاً طالباً ، فإنّ الواعظ ينطق حتى ولو كان ميّتاً .


2380   فالمستمع ، إذا أصغى بنشاط وشغف ، فإنّ الأصم الأبكم ، يصبح ناطقاً بمائة لسان .
إنّ النساء يحتجبن وراء الأستار ، لو دخل غريب من بابي .
ولكن ، إذا دخل مَحْرم لا تضرّر منه ، فإنّ ذوات الحجاب يرفعن الحجب .
وكلُّ ما صُنع جميلًا رائعاً منمّقاً ، فإنماً صُنع من أجل العين المبصرة .
ومتى كانت الألحان - بوزنها الخفيض والعالي - من أجل أُذن صماء معدومة الحسّ ؟

 

2385  إنّ اللَّه لم يجعل المسك طيّب الأنفاس عبثاً ، إنه خلقه للإحساس السليم ، وليس من أجل الأخشم “ 1 “ .
ولقد خلق اللَّه الأرض والسماء ، ونشر بينهما الكثير من النار والنور .
وجعل هذه الأرض للترابيّين ، وجعل السماء مسكن الأفلاكيّين .
إنّ الرجل الوضيع عدوّ للرفعة ! وكل مكان يُعرف الساعي إليه ( بأعماله “ 2 “ ) .
أيتها المأة المحجبّة ! هل نهضت قطّ يوماً ، واتخذت زينتك من أجل رجل أعمى ؟
 

2390  فلو أنني ملأتُ العالم بدرّ ( الحكمة ) المكنون ، ولم يكن هذا الدرّ من نصيبك ، فماذا أصنع ؟
........................................................
( 1 ) الأخشم من فقد حاسة الشم .
( 2 ) إن طالب العالم الروحي يتضح بأعماله ، وكذلك طالب العالم المادي .


“ 316 “

 
أيّتها المرأة ! دعي العراك واتركي قطع الطريق “ 1 “ ، وإنْ لم تري هذا الرأي ، فاتركيني .
فأيّ مكان عندي للصراع حول ما هو حسن وما هو قبيح ، وإنّ قلبي ليفرّ حتى من المصالحات .
فإما أن تسكتي وإلا سكتُ أنا ، وتركتُ في هذه اللحظة منزلي وداري .


.

يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأربعاء أغسطس 19, 2020 6:18 am عدل 1 مرات

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالأربعاء أغسطس 19, 2020 6:16 am

قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي
قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم ولم يكن له نظير
مراعاة المرأة زوجها واستغفارها إياه مما قالته
فلما رأت المرأة زوجها محتداً ثائراً ، أخذت تبكي ، والبكاء حيلة النساء .
 
2395   وقالت : “ ما توهمت مثل ذلك منك “ 2 “ . لقد كان لي فيك أمل آخر “ .
وجاءته المرأة من طريق إنكار وجودها فقالت : “ إني أنا ترابك لا زوجتك .
إنّ جسمي وروحي وكل كياني لك ، والحكم والأمر كلاهما رهن إرادتك ! فإنْ كانت الفاقة قد جعلت قلبي يتخلى عن الصبر ، فما ذلك من أجل نفسي ، ولكن من أجلك .
لقد كنت الدواء لآلامي ، ( ولهذا ) لا أُريد أن تكون عديم الرزق .
.......................................................................
( 1 ) قطع سبيل التأمل
( 2 ) حرفياً : “ متى توهمتُ مثل ذلك منك ؟ “ . والاستفهام هنا إنكاري .


 
 
“ 317 “
 
2400  فبروحي وسري ، إن هذا لم يكن من أجل نفسي ، بل إن هذا النواح والحنين كان من أجلك .
إن ذاتي - واللَّه - إنما هي من أجل ذاتك ، تتمنى في كل حظة أن تموت قبلك .
فليت روحك - التي تفديها روحي - كانت واقفة على ( ما أستتر ) في ضمير روحي .
أما وقد أصبح ظنّك بي على هذا النحو ، فإني قد سئمت روحي وجسدي .
وإني لأحثو التراب على الفضة والذهب ، حينما تكون هكذا ( غاضباً ) مني ، يا سكن روحي !
 
 2405 فهل تتبرأ مني إلى هذا الحد ، يا من جعلت مكانك روحي وقلبي ؟
فلتتبرأ مني ، فإنك على ذلك قدير ، وإن كانت الروح لتضرع إليك ألا تفعل .
تذكرَّ أيام كنت جميلة كالصنم ، وكنت أنت كعابد الصنم ! لقد أحرقتْ جاريتُك قلبها وفق مرادك ، فكلّ ما قلتَ عنه إنه “ طُبخ “ تقول هي “ إنه احترق “ “ 1 “ .
أنا طعامك “ 2 “ فلتطبخني كما تشاء ، وسواء لديّ أوجدتني سائغة مع الحامض أو مع الحلو !
 
 2410 لقد نطقتُ بالكفر وهأنذا قد رجعتُ إلى الإيمان ، وقد أقبلت بكل روحي مستسلمة الحكمك .
إنني لم أعرف طبعك الملكيّ فانطلقتُ بجوادي متوقحة أمامك .
أما وقد جعلت لي من عفوك سراجاً فقد تُبتُ وخليَّتُ العناد .
إني أضع أمامك السيف والكفن ، وأبسط لك عنقي فلتضربه ! لقد ذكرت كلاماً عن الفراق المرّ ، فافعل أي شيء تريد سوى هذا .
...........................................................
( 1 ) المعنى أنها تُبالغ في محبته . تقول : “ إن كان قلبك قد نضج بالحب فقلي قد احترق “ .
( 2 ) حرفياً أنا إسفيناخك .




 
 
“ 318 “
 
2415  وإن فيك لمُلتمساً لي الغدر هو ضميرك ، وإنه في غيبتي لشفيع مستمرّ عندك .
إنّ خلقك هو شفيعي في قلبك ، وثقتي به هي التي جعلت قلبي يجنح إلى الجرُم .
فلترأفْ بي رأفة مستترة عن ذاتك “ 1 “ ، أيّها الغاضب ، يا من خُلُقُك أحلى من مائة منّ من العسل ! “ وأخذت تتحدّثُ على هذا النسق بلطف وصراحة ، وتملّكها البكاء أثناء الحديث .
فلما تجاوز البكاء والنواح حدّهما عند تلك التي كانت فاتنة بدون بكاء ،
 
 2420 تجلىّ من تلك الأمطار برق ألقى شرارة بقلب هذا الرجل الوحيد .
فتلك التي كان الرجلُ عبداً لوجهها الجميل ، كيف تكون إذا بدأت تُظهر خضوعها ؟
تلك التي يرتعد قلبُك من كبرها ، كيف تَصيرُ حين تصبحُ باكيةً أمامك ؟
تلك التي يُدمي دلالُها قلبك وروحك ، كيف يكون الحالُ حين تأتيك ضارعة ؟
تلك التي تأسرنا بشباك من جورها وجفائها ، ماذا يكون عذرُنا لو جاءت تلتمس العذر ؟
2425  إنّ الحقّ هو الذي زينّ للناس “ 2 “ ( حبّ الشهوات من النساء
.....................................................................
( 1 ) يريد بالرأفة المستترة عن الذات تلك التي لا تصيب النفس بالغرور .
( 2 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ زُيِّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا واللَّه عنده حسن المآب “ . ( آل عمران ، 3 : 14 ) .
 


 
 
“ 319 “
 
والبنين ) ، فكيف السبيل إلى الهرب مما زيّنه الحقّ ؟
فإذا كان اللَّه قد خلق المرأة ليسكن إليها الرجل ، فكيف يستطيع آدم أنْ ينفصل عن حواء “ 1 “ ؟
فلو كان الرجلُ رستم بن زال ، أو كان أشجع من حمزة ، فإنه رهن أمر امرأته أسير لها .
( والرسول ) الذي كان العالم أسير كلمته ، كان يقول : “ كلميني يا حميراء “ .
إنّ الماء يغلب النار بانطلاقه ، ولكنّ النار تجعله يغلي حين يكون منحصراً .
 
2430  فحينما يجيء القدْرُ بين النار والماء ، أيها الملك “ 2 “ ، فإنّ النار تمحو الماء وتجعله هواء .
فإذا كان الرجل - في الظاهر - غالباً للمرأة كالماء ( للنار ) ، فإنّه في الباطن مغلوبُ طالبُ لها .
فالحبّ على هذا النحو صفةُ مميِّزة للإنسان ، وأما الحبّ عند الحيوان فناقصُ ، وذلك لنقص الحيوان .
 
في بيان الخبر ( الذي ينسب إلى الرسول أنّه قال ) : “ إنّهنّ يغلبن العاقل ويغلبهن الجاهل “
 
قال الرسول : “ إنّ النساء يغلبن العقلاء وأصحاب القلوب .
أما الجهلاء فإنّهم يغلبون المرأة ، لأنّ حدّة الحيوان قد
.........................................................................
( 1 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها “ . ( الأعراف ، 7 : 189 ) .
( 2 ) يخاطب القارئ .


 
 
“ 320 “
 
احتبست فيهم .
2435  إنّهم خالون من الرقة واللطف والوداد ، لأنّ الحيوانية غالبة على طبيعتهم .
فالمحبّة والرقة هما صفة الإنسانيّة ، وأما الغضب والشهوة فهما صفة الحيوانيّة .
إنّ المرأة ليست بمعشوقة ، بل هي نور الحقّ ! فقل إنّها خالقه ، أو قل إنّها ليست بمخلوقة .
 
كيف سَلَّم الرجل بما التمسته امرأته من طلب المعيشة وكيف عرف أنّ اعتراضها كان إشارة
من الحقّ فكلّ عارف يدرك بعقله أنّ كل متحرِّك له مُحرِّك
 
لقد ندم الرجل على قوله ، كما يندم الظالم - ساعة الموت - على ظلمه .
وقال : “كيف أصبحت خصماً لروح روحي ؟ وكيف أخذت أكيل الرَكْلَ لرأس روحي؟
 
2440  إنّ القضاء - حين يجيء - يحجب البصر ، فلا تعرف عقولنا الرأس من القدم .
وحين ينصرف القضاء ، يأكل العقل نفسه ( ندماً ) ، فيمزّق حجابه ويشقّ جيبه ! لقد قال الرجل : “ يا امرأتي إنّني نادم ! وإنْ كنتُ قد كفرتُ فهأنذا أعود إلى الإسلام .
إنّني أنا المسئ إليك ، فارحميني ! ولا تقتلعيني مرة واحدة من أصلي وأساسي !


 
 
“ 321 “
 
إنّ الشيخ الكافر إذا ندم ، يصبح مسلماً ، حين يلتمس العذر .
 
2445   فالذات الإلهية كلها رحمة وكلها كرم ، وقد تساوى في عشقها الوجود والعدم .
والكفر والإيمان عاشقان لتلك الكبرياء ، والنحاس والفضة من عبيد تلك الكيمياء .
 
في بيان أن موسى وفرعون كان كلاهما مسخّراً للمشيئة الأهلية كالترياق والسم والنور 
والظلمات وكيف ناجى فرعون اللَّه في الخلوة حتى لا يتحطم غروره “ 1 “
 
إنّ موسى وفرعون كانا سائرين ( يقصدان ) الحقيقة ، ولكن الظاهر أنّ موسى عرف الطريق ، وأما فرعون فقد ضلّ السبيل .
لقد كان موسى يتضرّع أمام الحقّ نهاراً ، وأما فرعون فكان يبكي في جنح الدجى ! ( قائلًا ) : “ يا ربّ ! أيّ غلّ هذا الذي طوّق عنقي ؟ ولو لم يكن هذا الغلّ ، فمن ذا الذي كان يصفني بما أنا عليه الآن “ 2 “ .
 
2450   فكما جعلتَ موسى قمرا منيرا جعلتني مظلما كدرا .
وكما جعلتَ موسى قمريّ الطعلة ، جعلتَ قمر روحي أسود الوجه .
إن نجمي لم يكن خيراً من القمر ، فإذا وقع به الخسوف فما حيلتي ؟
فإذا كانت الطبول تُقرع لي كربّ وسلطان ، فإنّ الخلق يقرعون النحاس حين خسوف القمر .
.............................................................
( 1 ) يريد أن فرعون ناجى اللَّه في الخلوة حتى لا يتحطم غروره بإظهاره الخضوع لربه .
( 2 ) ولو لم يكن هذا الغل يقيدني ويفرض علي الظلم فمن ذا الذي كان يصفني بأني ذلك الفرعون الطاغية .


 
 
“ 322 “
 
فهم يدقون الطاسات ويصخبون ، فيفضحون القمر بذلك الضجيج .
2455  إنني أنا فرعون الخلق ، فالويل لي من قرع ذلك الطاس الذي يسمعني دعاء “ ربي الأعلى “ “ 1 “ .
ونحن رفقاء في خدمتك ، ولكن فأسك تشق الغصون النضرة في غابتك ، ثم تجعل غصناً منها ثابت الأصل ، وتترك آخر عاطلًا .
وليس للغصن قوة أمام الفأس ، فلم يَنجُ غصن قط من قبضتها .
فبحق تلك القدرة - التي هي فأسك - سدّد بكرمك أعمالنا المعوجّة .
 
2460  وعاد فرعون يحدّث نفسه قائلًا : “ عجباً ! ألم أقض الليل في دعاء اللَّه ؟
إنني - في الخفاء - أكون متواضعاً متزناً ولكن كيف أصبح ( على خلاف ذلك ) حين أصل إلى موسى .
إن اللون يتحقق للذهب الزائف بعشر طبقات من التذهيب ، فكيف يصبح أمام النار أسود الوجه ؟
أو ليس ذلك لأن قلبي وقالبي رهن حكمه ؟ إنه حيناً يجعلني لبّاً وحيناً يجعلني قشراً .
فأنا أغدو أخضر اللون حين يقول لي : “ كن زرعاً ! “ ، وأصفرُّ حين يقول لي “ كن قبيحاً ! “
 
2465 فهو حيناً يجعلني قمراً ، وحيناً يجعلني مظلماً . وأيّ شيء سوى ذلك يكون صنع اللَّه ؟
إننا أمام صولجان حكمه النافذ نجري في المكان واللامكان .
............................................................................
( 1 ) الويل لي من إعظام الناس لشأني وقرعهم الطبول إكباراً لي ، فإن ذلك علامة على زوال ملكي ، كما أن قرع الآنية النحاسية يكون حين خسوف القمر .


 
 
“ 323 “
 
فحينما أصبح اللالون أسيراً للون ، وقع موسى في يحرب مع موسى “ 1 “ .
وحينما تصل إلى اللالون “ 2 “ ، وهو ما كان لك ( في أول الأمر ) ، فإنّ الوفاق يسود بين موسى وفرعون ! فلو خطر لك تساؤل حول هذه النكتة ، فمتى كان عالم اللون “ 3 “ خالياً من القيل والقال ؟
 
  2470 والعجيب أن هذا اللون قد صدر من اللالون ، فيكف قام اللون ليحارب اللالون ؟
فما دام الزيت قد خُلق من الماء ، فلماذا وقع التضادبين الماء والزيت ؟
وما دام الورد من الشوك ، والشوك من الورد ، فلماذا هما في حرب وخطوب ؟
فإما أنّ هذه ليست بحرب ، وإنما هي تَصَنّع لحكمة ( مقصودة ) كمشاجرات باعة الحمير .
وإما أنها ليست هكذا ولا كذلك ، بل هي حيرة . إنها خرابة ، ويجب أن يُبحث فيها عن الكنز “ 4 “ .
 
   2475وذلك الذي توهمته كنزاً جعلك - بتوهمك إياه - تُضيع الكنز ( الحقيقيّ ) ! فلتعلم أن الأوهام والآراء كالمناطق العامرة ، والكنز لا يكون في المناطق العامرة .
ففي المناطق العامرة يكون الوجود والصراع ، وإنّ الفناء ليرى العار في مثل هذا الوجود !
...............................................................
( 1 ) الأرواح قبل حلوها بالأجسام تكون متوافقة ولكنها حين تحل بالأجسام يقع الصراع بينها .
( 2 ) حين يخلص الروح من المادة فيصبح روحاً مجرَّداً لا لون له .
( 3 ) العالم المادي .
( 4 ) إن الحيرة هي التي توصل الإنسان إلى اليقين ، كما أن الكنز يكون مدفوناً في الخرائب . فحيرة التأمل والتفكر هي الخرابة التي يُبحث فيها عن كنز اليقين .


 
 
“ 324 “
 
وليس هذا لأنّ الوجود قد استغاث من الفناء ، بل إنّ الفناء هو الذي دفع ( عن نفسه ) هذا الوجود .
فلا تقل : “ إنني هارب من الفناء ! “ إن الفناء هو الذي يهرب منك عشرين مرة !
 
2480  إنه في الظاهر يدعوك إليه ، ولكنه في الباطن يُقصيك عنه بعصا الرد .
فاعلم - يا سليم القلب - أن عناد فرعون لموسى ، يمثل ( حالة ) نعلين معكوسين “ 1
 
“سبب حرمان الأشقياء من العالميْن على مقتضى ( قوله تعالى ) :
 “ خَسرَ الدُّنْيا وَالْآخرَةَ “ “ 2 “
 
عندما اعتقد حكيم صغير أن السماء بيضة ، وأن الأرض مثل صفارها ، سأله سائل : “ وكيف تبقى هذه الأرض وسط محيط السماء ؟ “ فأجاب : “ مثل قنديل معلّق في الهواء ، فهي لا تتحرك إلى أسفل ، ولا إلى أعلى “ .
 
2485   وقال هذا الحكيم : “ إنها باقية في الهواء بسبب جذب السماء من جهات ست .
فالسماء مثل قبّة صُبّتْ من المغناطيس ، وقد بقيت قطعة من الحديد معلقة في وسطها “ .
وقال آخر : “ ومتى كانت السماء الصافية تجتذب إليها الأرض المظلمة ؟
...............................................................
( 1 ) أي نعلان يشير أثرهما إلى اتجاه مضاد لاتجاه الهدف . وقد كان بعض المحاربين يعكس اتجاه نعال فرسه ليضل من يقتفون أثره .
( 2 ) ( سورة الحج ، 22 : 11 ) .


 
 
“ 325 “
 
بل إنها تدفعها من جهات ست ، ولهذا فقد بقيت الأرض معلقة وسط العواصف “ .
وهكذا تبقى أرواح الفراعنة في الضلال ، بدفع خواهر أهل الكمال .
 
2490   وبدفع هذا العالم وذاك العالم ، بقي هؤلاء الضالون بدون هذا ولا ذاك .
فإذا عصيت عبّاد ذي الجلال ، فاعلم أنهم - من وجودك - يعروهم الملال .
إن لديهم كهرباء ، لو أظهروها ، لأشاعوا الوله في قشّة وجودك .
فإذا ما أخفوا كهرباءهم ، فسرعان ما يجعلون تسليمك طغياناً .
( فحالك معهم ) كمرتبة الحيوانية ، التي هي أسيرة خاضعة لمرتبة الإنسانية !
 
2495  فاعلم - أيها السيد - أن الإنسانية خاضعة لقبضة الأولياء ، ( خضوع ) الحيوان ( للإنسان ) .
لقد دعا أحمد جملة العالم عباداً له حين ( قرأ عليهم قوله تعالى ) :” قُلْ يا عباديَ الَّذينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسهمْ لا تَقْنَطُوا منْ رَحْمَة اللَّه ““ 1 “ .
إن عقلك كالجمّال وأنت الجمل ، وهو يقودك في كل سبيل وأنت رهن حكمه المرّ .
والأولياء هم عقل العقول ، والعقول - حتى النهاية - مثل الجمال .
فتأملها ملتمساً منها العبرة ! إن هناك دليلا واحداً ومائة ألف نفس ( تتبعه ) .
 
2500  وما الدليل وما الجمّال ؟ ألا فلتوجد لك عيناً تبصر الشمس !
...............................................................
( 1 ) ( الزمر ، 39 : 53 ) . ومعنى البيت أن الرسول بقراءته هذه الآية على الناس كأنه قد سماهم عباده مجازاً على أساس أنه الناطق بلسان الحق . وهذا من باب التأويل الصوفي .


 
 
“ 326 “
 
أوليس العالم يبقي بالليل موصداً ، ينتظر النهار الذي يتوقف ( بزوغه ) على الشمس ؟
فهاك شمساً قد احتجبت في ذرّة ، وأسداً ضارياً في جلد حمل .
وهاك بحراً مختفياً تحت التبن ، فحذار ! لا يلتبس عليك الأمر فتضع فوق هذا التبن قدمك ! إن الاشتباه والظن في باطن ( الطالب ) رحمة من الحقّ للمرشد “ 1 “ .
 
2505  لقد جاء كل رسول منفرداً إلى هذه الدنيا . كان منفرداً ولكن كان له مائة عالم خفي .
فسحر بقدرته عالماً كبيراً ، بينما انطوى هو في هيكل صغير ! ولقد ظنّه البلهاء فرداً ضعيفاً ، ومتى كان ضعيفاً من أصبح نديم الملك ؟
لقد قال البلهاء إنه ليس أكثر من رجل . فالويل لمن لم يتدبر العواقب .
 
كيف رأت عيون الحس صالحا وناقته حقيراً لا نصير له
وكيف أن الحق إذا أراد أن يهلك جيشاً أظهر خصومه في نظره قلة حقيرة ولو كانت هذه القلة هي الغالبة .
( قال تعالى ) :” وَيُقَلِّلُكُمْ في أَعْيُنهمْ ليَقْضيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا ““ 2 “
 
إن ناقة صالح كانت - في صورتها الظاهرة - ناقة ، فكان من جهل هؤلاء القوم الحاقدين أن قطعوا ساقها ( وعقروها ) .
...............................................................
( 1 ) ذلك لأن الطالب الذي يحترز ويتثّبت قبل أن يسلم نفسه إلى المرشد حري بألا يقع فريسة للأدعياء الكاذبين ، وخليق بأن يخلص في اتباع المرشد .
( 2 )  ( الأنفال ، 8 : 44 ) .


 
 
“ 327 “
 
2510  فهم حين أصبحوا خصوماً لها على الماء ، أعماهم ( الحرص ) على الخبز والماء .
لقد كانت ناقة اللَّه تشرب الماء من النبع ومن السحاب ، فحبس هؤلاء ماء الحق عن الحق .
فأصبحت ناقة صالح - مثل جسم الصالحين - كميناً لهلاك الصالحين .
( لترى ) ماذا جلب ( أمر الحق ) :” ناقَةَ اللَّه وَسُقْياها ““ 1 “ على تلك الأمة من أحكام الموت والألم .
إن محتسب غضب الحق تقاضاهم مدينة كاملة دية لناقة واحدة “ 2 “ .
 
2515  فروح ( النبي ) مثل صالح ، وجسمه كالناقة ، والروح في وصال وأما الجسم فهو أسير الفاقة .
إن روح صالح لم تكن قابلة للآفات ، فالضرب قد وقع على الناقة ( الجسم ) ولم يقع على الذات .
فليس أحد بمنتصر على قلوب الأنبياء ! وإيذاء ( العدّو ) لهم إنما يقع على الصدف لا على الجوهر ! فروح صالح لم تكن قابلة للإيذاء ، ولا كان نور اللَّه خاضعاً للكفار .
لقد اتصلت روحه بجسم ترابي ، حتى ( يستطيعوا ) إيذاءه ، ويروا الامتحان !
 
2520  وما كانوا مدركين أنّ إيذاءهذا له ( للَّه ) ، فإن ماء هذا الإبريق متصل بماء النهر .
لقد علّق اللَّه هذا ( الروح ) بجسم لكي يصبح ملجأ للعالمين .
فكن عبداً لناقة جسم الولي ، حتى تصبح رفيقاً لها في خدمة روح صالح .
...............................................................
( 1 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ فقال لهم رسول اللَّه ناقة الله وسقياها “ . ( الشمس ، 91 : 13 ) . وكان صالح قد توعد قومه بالعذاب إن هم تعرضوا للناقة وشربها .
( 2 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ، ولا يخاف عقباها “ . ( الشمس ، 91 ، 14 - 15 ) .


 
 
“ 328 “
 
لقد قال صالح : “ أما وقد أحدثتم هذا الحسد ، فلسوف تأتيكم بعد ثلاثة أيام نقمة الرب “ 1 “ ! فلسوف تأتيكم من اللَّه - بعد ثلاثة أيام - آفة ذات علامات ثلاث .
 
 2525 إنّ لون وجوهكم جميعاً سوف يتغيّر ، ويصبح هذا اللون مختلفاً في نظركم .
ففي اليوم الأول يكون لون وجوهكم كالزعفران ، وفي اليوم الثاني يكون لون وجوهكم أحمر كالأرجوان .
وفي اليوم الثالث تصبح كل الوجوه سوداء ، وبعد ذلك يأتي قهر اللَّه .
فإذا أردتم مني علامة على هذا الوعيد ، فإن ولد الناقة قد جرى نحو الجبل .
فإنْ استطعتم الإمساك به فهناك أمل ( في النجاة ) ، وإلا فإن طير أملكم قد أقلت من الشباك “ “ 2 “ .
 
 2530 فلم يستطع أحد أن يلحق بولد الناقة ، فقد انطلق في الحال واختفى .
فقال صالح : “ أرأيتم كيف أن القضاء قد أبرم ، وكيف أن خيال رجائكم قد ضُرب عنقه ! “ .
فما ولد الناقة ؟ إنه خاطر ( الوليّ ) ، فعليكم أن تردّوه إلى مكانه بالإحسان والبرّ .
فإنْ رضي قلبه ، نجوتم من ذلك العذاب ، وإلا فأنتم يائسون تعضّون بنان الندم .
فحينما سمعوا هذا الوعيد المظلم ، ترقبوه وانتظروه .
 
  2535 ففي اليوم الأوّل رأوا وجوههم قد اصفرّت ، فانطلقت من اليأس
...............................................................
( 1 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب “ . ( هود ، 11 : 65 ) .
( 2 ) لم يبق أمامكم مجال للأمل .


 
 
“ 329 “
 
آهاتهم العميقة .
وفي اليوم الثاني احمرّت وجوه الجميع ، فضاعت بذلك فرصة الأمل والتوبة .
وفي اليوم الثالث علا السواد وجوه الجميع ، فصدق حكم صالح بدون جدال .
وعندما رُدوا جميعاً إلى اليأس ، جثموا كما تجثم الطيور .
ولقد أنزل جبريل الأمين بيان هذا في القرآن ( بقوله تعالى ) :” فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا في دارهمْ جاثمينَ “ *” 1 “ .
 
 2540 فلتركع حينما يعلمّك الأولياء ، وحينما يخيفونك من مثل هذا الجثوم “ 2 “ .
لقد انتظرت ( ثمود ) ضربة القهر ( الإلهي ) ، فجاءها القهر ومحا تلك المدينة ! وذهب صالح من خلوته نحو المدينة ، فرآها مغلّفة بالدخان واللهب .
وسمع النواح ( يتردّد ) من حطام ( القوم ) ، وكان النواح ظاهراً ، وأما النائحون فمختفون ! لقد سمع النواح من عظامهم ، وكانت دموع الندم تقطر من أرواحهم كالندى .
 
 2545 لقد سمع صالح ذلك فأخذ يبكي ، وبدأ ينوح على النائحين .
وقال : “ يا قوماً عاشوا بالباطل ! يا من أبكيتموني أمام الحق ! لقد قال لي الحق : “ اصبر على جورهم ، وعظهم ، فلم يبق من مهلتهم زمن طويل “ .
فقلت : “ إنّ النصح قد أصبح حبيس الجفاء ، فلبن النصيحة
...............................................................
( 1 ) ( الأعراف ، 7 : 78 ) .
( 2 ) حينما يخيفونك من مثل هذا الجثوم الذي أصاب قوم صالح بعد أن لقوا عذاب اللَّه .


 
 
“ 330 “
 
لا ينهمر إلا بالمحبة والصفاء .
وإني - لكثرة ما أوقعوا بي من جفاء - تجمّد في عروقي لبن النصيحة “ .
 
  2550فقال لي الحق : “ إني لمنعم عليك بلطف ، وواضع لك بلسماً على تلك الجراح “ .
وها هو ذا الحق قد جعل قلبي صافياً كالسماء ، ومحا جوركم من خاطري ! لقد كررتُ لكم النصح ، وذكرتُ لكم أمثالًا وكلاماً كالسكر .
واستنبطت لكم من السكر لبناً طازجاً ومزجت لكم الكلام باللبن والشهد .
فتحوّل هذا الكلام فيكم إلى ما يشبه السم ، لأنكم - من أصلكم وأساسكم - كنتم منزل السمّ .
 
 2555 وكيف أحزن الآن وقد انقلب الحزن على رأسه ؟ لقد كنتم لي غماً أيها القوم العصاة .
وهل ينوح أحد على موت الحزن ؟ أم هل يقتلع أحد شعر رأسه لو زال منه الجرح ؟ “ ثم التفت إلى نفسه وقال : “ أيها النائح “ إنّ هؤلاء القوم لا يستحقون نواحك “ .
فاقراً قوله تعالى : “ فكيف آسى على قوم كافرين “ قراءة مستقيمة ، ولا تلتفت إلى قراءتي المعوجّة “ 1 “ .
...............................................................
) ( 1 )الأعراف ، 7 : 93 ) . وقد أورد الشاعر هذه الآية بمعناها في الشطر الثاني من البيت ، قال : “ كيف آسى قول لقوم ظالمين “ ، ووصف هذا بأنه قراءة معوجة للآية ، وطلب إلى القارئ أن يقرأها بلفظها . وغني عن البيان أنه أورد الآية بمعناها لأن وزن الشعر لا يسمح بإيرادها نصاً .




 
 
“ 331 “
 
ومرة ثانية وجد صالح الدموع في عينيه وقلبه ، وأشرقت في نفسه رحمة لا سبب لها .
 
  2560فأخذ يمطر الدموع بعد أن تولته الحيرة ، ( وما دموعه إلا ) قطرة من الجود ، ( تنهل ) بلا سبب .
لقد كان عقله يقول له : “ لماذا هذا البكاء ؟ وهل يجوز البكاء على مثل هؤلاء المستهزئين .
قل لي : على أي شيء تبكي ؟ أعلى فعلهم أم على جيش حقدهم المنحرف ؟
أم على قلوبهم المظلة التي كساها الصدأ ؟ أم على ألسنتهم المسمومة كالثعابين ؟
أم على أنفاسهم وأسنانهم التي تليق بالغيلان “ 1 “ ؟ أم على أفواههم وعيونهم وهي جحور العقارب ؟
 
  2565أم على حقدهم وسخريتهم واستهزائهم ؟ ألا فلتتشكر ربك الذي حبسهم .
فأيديهم معوجة ، وأقدامهم معوجة ، وعيونهم معوجة ، وحبّهم معوج ، ورضاهم معوج ، وسخطهم معوج “ .
إنهم - في سبيل التقليد ، ( واتباعاً ) لريات النقل - داسوا بأقدامهم جمال العقل ، ( وهو ) الشيخ المرشد “ 2 “ .
إنهم جميعاً لم يحرصوا على المرشد ، فأصبحوا ( في الجهل ) كحمار هرم ، ينافق كلُ منهم عين الآخر وأُذنه .
ولقد جاء اللَّه بعباده من الجنة ، ليريهم من رُبُّواً للجحيم .
...............................................................
( 1 ) ذكر صاحب المنهج القوي أن “ سگسار “ التي وردت في هذا البيت كلمة تدل على كائن خرافي هو “ غول رأسه كرأس الكلب وفمه وشعره كالماغر وعيناه كالخنزيز ووجهه أصفر وعيناه زرقاوان ، يسكن في جزيرة قالون “ . ( ج 1 ، ص 461 ) .
( 2 ) للشطر الثاني من البيت عدة روايات ، من أفضلها “ پانهاده برسراين پير عقل “ والمعنى : “ داسوا بأقدامهم رأس العقل ، ذلك الشيخ الحكيم “ .


 
 
“ 332 “
 
في معنى ( قوله تعالى ) :
“ مَرَجَ الْبَحْرَيْن يَلْتَقيان ، بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغيان “ “ 1 “
 
  2570تأمل كيف أن أهل النار وأهل الخلد اجتمعا معاً في دكان واحد - ورغم ذلك - “ بينهما برزخ لا يبغيان “ .
لقد الختلط أهلُ النار بأهل النور ، ولكن جبل قاف قام بين الفريقين .
وهكذا اختلط الذهب والتراب في المنجم ، وبينهما ( من الاختلاف ) مائة صحراء ورباط .
وهكذا اختلط في العقد الدرّ والشَبَه ، كما اختلط الأضيافُ ، ( بنُزُل ) في إحدى الليالي .
إن نصف البحر حلو كالسكر ، طعمه حلو ، ولونه مضيء كالقمر .
 
  2575 وأما النصف الآخر فمرّ كسم الحيّة ، طعمه مرّ ، ولونه مظلم كالقار .
وكل منهما يصطدم بالآخر من أسفل ومن فوق ، على مثال الماء في البحر المتلاطم الأمواج .
وصورة هذا الصدام في الأجسام الضيّقة ، إنما هي من اختلاط الأرواح بالصلح أو بالحرب .
إن أمواج السلام تتدافع ، فتقتلع الأحقاد من الصدور .
( وكذلك تتدافع ) أمواج الحرب على صورة أُخرى ، فتقذف بالمحبة إلى أسفل وإلى فوق .
 
 2580 والحب يجتذب أهل المرارة إلى الحلو ، لأن الرشد هو الأصل في كل محبة .
...............................................................
) ( 1 )الرحمن ، 55 : 19 - 20 ( .


 
 
“ 333 “
 
وأما القهر فهو الذي يحمل أهل الحلاوة إلى المرارة .
ومتى كان المر ملائماً للحو ؟
والمر والحلو لا يظهران لهذا النظر الحسي ، بل هما يُبصران من نافذة إدراك العواقب .
إن العين البصيرة بالعواقب قادرة على رؤية الصواب ، وأما العين التي تبصر الحظيرة فهي غرور وخطأ “ 1 “ .
وكم من حلو ( مذاقه ) كالسكر ، ولكنّ السمّ يكون مضمراً في سكرّه .
 
  2585فكل من ازداد حذقة ، عرف هذا برائحته ، وغيره ( يعرفه ) حين يتناوله بين شفتيه وأسنانه .
فتردّه شفته قبل أنْ يصل إلى حلقه ، مع أنّ الشيطان يصيح به ليأكله .
ولغير ( هذين ) لا يظهر إلا في الحلق ، ولغير هؤلاء لا يتضح إلا في البدن .
وآخر يصاب باحتراق منه وقت الحدث ، فخروجه ينبئه بخبر عن دخوله .
( ويظهر ) على شخص بعد أيام وشهور ، وعلى غيره في جوف القبر بعد موته .
 
  2590ولو أنّ هذا أُمهل في قرارة قبره ، فلا بدّ أنْ يظهر عليه ذلك ( السمّ ) في يوم النشور .
وكلّ نبات وكلّ حلاوة في هذه الدنيا يقتضي مهلة واضحة من دوران الزمن .
...............................................................
( 1 ) في البيت جناس بين كلمتي آخر ( بكسر الخاء ) وآخر ( بضمّها ) . والأولى عربية وأما الثانية فمعناها حظيرة أو إصطبل .


 
 
“ 334 “
 
فالعقيق - لكي يحصل على لونه وبريقه والتماعه - لا بدّ لا أن يقضي السنين تحت أشعة الشمس .
والخضر تنضج في شهرين ، وأما الورد الأحمر فلا ينضج إلا في عام .
فهذا هو الذي تحدث الحقّ عنه في سورة الأنعام حين ذكر الأجل “ 1 “ .
 
  2595 فإذا سمعت هذا فلتكن كلّك أذناً صاغية . إنه ماء الحياة ، فإنْ شربته فهنيئاً لك .
فسمّه ماء الحياة ، ولا تسمّه كلاماً ! وتأمل هذا الروح الجديد في جسمٍ من الحروف العتيقة .
ولتستمع إلى نكتة أخرى ، أيّها الرفيق ، نكته مثل الروح ، بالغة الوضوح ، ( ولكنّها ) دقيقة ( على الإدراك ) .
إنّ السمّ والحية يكونان - في بعض المقامات - سائغْين ، بتصاريف اللَّه .
وما يكون في أحد المواضع سمّاً قد يكون في موضع آخر دواء ، وما يكون في أحد المقامات كفراً قد يكون في مقام آخر مباحاً .
 
  2600 فمع أنّه في ذلك المكان يكون مضراً بالروح ، فإنه - حين يصل إلى هنا يصبح علاجاً لها .
إنّ الماء في الغيب الفجّ يكون حامضاً ، ولكنّه يصبح حلواً طيّباً في العنب الناضج .
ثم يغدو في إبريق النبيذ مراً حراماً ، فإذا ما تحول إلى خلّ ، فهو نعم الإدام .
...............................................................
( 1 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون “ . ( الأنعام ، 6 : 2 ) .

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شرح قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالأربعاء أغسطس 19, 2020 6:17 am

شرح قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي
شرح قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم ولم يكن له نظير
( 2142 ) “ پنج نوبت “ وترجمتها “ خمس مرات “ وقد فسرها نيكولسون على أنها تشير إلى قرع الطبول أو عزف الموسيقى خمس مرات كل يوم في بلاد المشرق ، كعلامة للملك . ورأيي أنه لا صلة لهذا البيت بتلك العادة ، وإنما المقصود بالمرات الخمس مواقيت الصلاة . والجذع الذي كان يستند إليه الرسول ، وهو رمز لإدراك الجماد لخالفه ، يحن كل يوم خمس مرات في مواقيت الصلاة .
 
( 2143 ) لو لم يكن هذا الذوق الغيبي فوق تصور أهل الحسّ لما كانت هناك حاجة إلى إظهار المعجزات .
 
( 2144 ) كل ما كان في مستوى التفكير العقلي ، وعلى قدر طاقة هذا التفيكر ، فإن العقل يقبله ، ولا تكون هناك حاجة لاتخاذ المعجزات حجة لإثباته ، ودليلًا عليه .
 
( 2145 ) مهما بدا لك طريق الإلهام الإلهي ، والمحبة الإلهية ، مما لا يتقبله العقل - لأنه طريق بكر - فإن هذا الطريق ذاته حبيب إلى قلوب العارفين الملهمين ، الذين كتبت لهم السعادة ، فهم وحدهم الذين يسلكونه .
 
( 2147 ) إن البحث الفلسفي لم يكن يلقى قبولًا في زمن الشاعر .


والظاهر أن المتفلسفين كانوا يتسترون ولا يجسرون على البوح بآرائهم ، وبخاصة ما كان منها باعثا على بثّ الشكوك في الدين .


( 2151 ) إن المتفلسف المنكر ( لمعجزة الجذع الحنان ) ، يجد جوارحه ، كاليد والرجل ، وهي من الجماد ، مطيعة أمر روحه ، تعمل بما توحيه لها ، وفي هذا ما يدحض إنكاره . 


( 2152 ) ومع أن المنكرين ينطقون بالتهم التي تثير الشك في إمكان إدراك الجماد ، فإن أيديهم وأرجلهم سوف تشهد عليهم يوم القيامة ، مع أنها من المادة التي لا تنطق.
 ( 2154 - 2160 ) ساق الشاعر هذه القصة لإثبات قدرة الجماد على

“ 549 “
النطق ، بإرادة اللَّه . ولم أجدها منسوبة إلى أبي جهل في أي من المصادر التي رجعت إليها . 
ولكن هذه المصادر تبيّن كيف دأب أبو جهل على أن يطلب من الرسول عمل المعجزات . يقول البلاذري : “ وذكروا أن أبا جهل قال : 
يا محمد ، ابعث لنا رجلين أو ثلاثة من آبائنا ممن قد مات ، فأنت أكرم على اللَّه ، فلست بأهون على اللَّه من عيسى فيما تزعم . . . ( أو ) تسخر لنا الريح تحملنا إلى الشام في يوم وتردنا في يوم ، فإن طول السفر يجهدنا فلست بأهون على اللَّه من سليمان “ . ( أنساب الأشراف ، ج 1 ، ص 126 ، القاهرة 1959 ) . 


( 2196 ) إشارة إلى قوله تعالى :” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ “. ( ق ، 50 : 16 ) . 


( 2198 ) إن اللَّه يمدك في كل لحظة بعطائه وكرمه ، فهو كمن يعد لك الذهب ، ولما كنت تنسى نفسك أمام إنسان يلوّح لك بالعطاء ، وتتجه ببصرك إليه ، فيكف تغفل عن اللَّه واهب كل شيء ولا تلتفت إلا إلى نفسك ؟ 


( 2199 - 2200 ) الإحساس بالذات ينفي تحقق الفناء الصوفي . ( انظر تعليقنا على الأبيات 1752 - 1756 ) . 


( 2202 ) فلتشعل النار في ماضيك ومستقبلك حتى لا تبقى مليئاً بالعقد منهما كأنك عود من الغاب . فالإنسان الذي يكون أسيراً لماضية ومستقبله لا يستطيع أن يرى سوى ذاته . 


( 2203 ) إن الغاب الذي لا تُزال منه العقد لا يكون صالحاً لأن يصبح ناياً تعزف عليه أعذب الأنغام . وهكذا الإنسان الذي لم يتخلص من عقد الماضي والمستقبل ، لا يكون قادراً على تلقي الأسرار الإلهية . 


( 2204 ) إن من ركز نظره حول نفسه ، ولم يستطع أن يطوف إلا حولها ، شبيه بسائح طاف بالدنيا ، وامتلأت عيناه بمشاهدها . فحين عاد


“ 550 “


إلى داره بقيت هذه المشاهد مسيطرة عليه تملأ جوانب نفسه . فعارف الصنج - حين رجع إلى اللَّه - بقي مشغولًا بماضيه ومستقبلة وما كان فيهما من أحداث ملأت عليه نفسه . 


( 2205 ) مهما حصّل الإنسان من معارف ، فلا قيمة لها إذا لم يعرف مانح المعرفة . فهذا هو الأساس الأول للعرفان الحق . وتوبة مثل هذا أقبح من ذنبه ، لأنها مبنية على خوف العقاب وليست منبعثة من حب اللَّه . فالذاتية هي الدافع إلى مثل هذه التوبة ، وليست المحبة والعرفان . 
وقد وردت تعريفات للتوبة في كتب الصوفية . ويمكننا أن نقتبس هنا بعض ما أورده عنها أبو نصر السراج : “ وأما ما أجاب الجنيد عن التوبة : 
أن ينسى ذبنه ! أجاب عن توبة المتحققين : لا يذكرون ذنوبهم ، لما غلب على قلوبهم من عظمة اللَّه تعالى ، ودوام ذكره . . . كذلك سئل ذو النون عن التوبة فقال : توبة العوام من الذنوب ، وتوبة الخواص من الغفلة “ .  (اللمع ، ص 68 ) . 
وفي رسالة القشيري ( ص 45 - 48 ) فصل عن التوبة نقل ما جاء في كتاب اللمع عنها ، وذكر أقوالًا كثيرة إلى جانبه . 


( 2206 ) سئل رويم بن أحمد عن التوبة فقال : التوبة من التوبة “ . 
( اللمع ، ص 68 ) . 


( 2214 - 2215 ) إن اللَّه يريد أن يُظهر حقيقته ، وهو يدفع العقل الإنساني للإفصاح عن هذه الحقيقة . قال الشاعر ( بيت 1943 ) : 
“ فهو بذاته علّم آدم الأسماء ، ثم كشف بآدم الأسماء للآخرين “ . وكلما ازداد تأثر العقل الجزئي بالعقل الكلي ، يعبّر العقل الجزئي عما تلقاه من إلهام ، فيصل إلى العالم الدنيوي - من هذا السبيل - أمواج من بحر الروح . 


( 2217 ) قول الشاعر “ بقي في فمنا نصف هذا المقال “ ، معناه أنه لم يبح بكل ما آل إليه أمر هذا المطرب الشيخ . 


( 2221 ) يلتمس الشاعر من اللَّه أن يفيض على العالم من نور علمه


“ 551 “


ورحمته ، فيجدّد بذلك هذا العالم الذي شاخ في جهله وغفلته . 


( 2222 ) يعزّز الشاعر دعاءه في البيت السابق ، بقوله : إن كل ما يتجلى في الوجود الآدمي من حياة نفسية جيوانية ، وحياة روحية ، إنما هو منساب إليه من عالم الغيب كما ينساب الماء الجاري من منبعه إلى مصبه . 


( 2226 ) قد يكون الإمساك - في بعض الأحيان - خيراً من الإنفاق فينبغي ألا يُعطى مال اللَّه لمن لا يستحقونه ، وإلا كان ذلك لوناً من الإسراف الذميم . 


( 2230 ) هذا البيت قلق في موضعه ، كما بينا في حواشي الترجمة . 
ولكنه يعني أن الإنفاق للصدّ عن سبيل اللَّه ، يكون فاعله كعبد أراد أن يتصرف في مال مليكه بعدالة ، فأعطى هذا المال لمن ثاروا عليه . 
فالمال كله مال اللَّه . فيجب ألا يعطى لمن يصدّون عن سبيل اللَّه . 


( 2233 ) هذا البيت يقدم صورة للتعبد الذي لا يقصد به وجه اللَّه ، وإنما يُراد به الصدّ عن سبيل اللَّه . فهؤلاء الكفار كانوا يقدّمون القرابين للأصنام لعلها تنصرهم على الرسول . 


( 2236 ) قول الشاعر : “ وإن قدمت الروح في سبيل اللَّه ، أُعطيت روحاً “ ، يعني أن الصوفي الذي تفنى روحه في خالقها ، يُثاب على ذلك بالخلود ، إذ أنه بهذا الفناء يتحقق له البقاء . 


( 2242 ) “ الروح المالح المر “ هو الروح الحيواني ، وأما “ الروح الحلو “ فهو الروح الإنساني . 
(2244 ، وما يليه ) هذه قصة استغرقت بضع مئات من الأبيات . 
وليس معنى ذلك أن وقائع هذه القصة قد استغرقت كل هذه الأبيات ، فالشاعر على عادته قد اتخذ من القصة إطاراً لفلسفته وحكمته . 
وقد وردت هذه القصة بصورة مختلفة بعض الاختلاف في كتاب “ جوامع الحكايات والوامع الروايات “ الذي أكمل محمد عوفي تأليفه في


“ 552 “


عام 625 / هـ / 1228 م . وهذا الكتاب لا يزال مخطوطاً . وقد نُشرت في إيران منتخبات منه ، لكنها لم تحو إلا قسماً صغيراً من هذا الكتاب الكبير . وليست قصة “ الخليفة والبدوي “ من بين ما شملته هذه المنتخبات . 
وقد لخص نيكولسون قصة الخليفة والبدوي من مخلوط لكتاب جوامع الحكايات في مكتبة المستشرق الشهير إدوارد براون . وفيما يلي ترجمة لخلاصة القصة ، كما وردت في تعليقات نيكولسون ( ص 147 ، 148 ، ج 1 من شروحه على المثنوي) : 
“ يروى أنه حين ولي المأمون الخلافة ، ذاعت شهرة سخائه في جميع أرجاء العالم . وكان بدوي في ذلك الوقت يعيش في بادية جرداء . ولم تكن قبيلته تملك من الماء إلا غديراً ملحاً . أما الماء الذي كان يتساقط من الأمطار ، فسرعان ما كان يغدو ملحاً بسبب ملوحة التربة . 


وحدث أن هذا البدوي اضطر إلى الهجرة من دياره إذ اعتراها جفاف ومجاعة . وقد اعتزم الرحلة إلى بلاط الخلافة مؤملًا في العطاء . 


وحينما تجاوز مضارب قبيلته ، عثر ببئر ركدت فيه المياه ، فاجتذبت الأرض منها ملوحتها . وحينما تذوق البدوي ماء البئر عرته دهشة عظيمة لأن المسكين لم يكن قد تذوق الماء العذب ، ولا عرف أن مثل هذا موجود في الدنيا . فحدث نفسه قائلًا : “ واللَّه إن هذا لا يوجد إلا في الجنة . ولقد أرسله إليّ خالق الوجود ليخفف من كربتي . فلأجعلن بعضاً منه في قربة ، ثم لأحملنه هدية إلى الخليفة . ولما كان لم يتذوّق ماء مثل هذا ، فسوف ينعم عليّ بخلعة ، وبعطاء سنيّ “ . 


وحمل البدويّ بعض هذا الماء ثم مضى على الطريق . وكان الخليفة ومعه موكب من الفرسان يتصّيد في ضواحي الكوفة ، حين أقبل هذا البدوي . فأمر بأن يُحضر البدوي إليه ، وسأله من أين جاء . فقال البدوي : “ جئت من الصحراء “ . ولما سأله إلى أين يقصد ، أجاب


“ 553 “


البدوي بأنه يقصد قصر الخلافة . 
فسأله المأمون : “ وماذا أحضرت معك ؟ “ فأجاب البدوي : “ ماء من الجنة “ . فأدرك المأمون : - بحكمته التي لم تكن تخطىء - حقيقة ما حدث ، وقال : “ دعني أتذوق هذا الماء “ . وحينما قُدمت له القربة ، أمر أنْ يُفرغ ما بها في زجاجة ، وتناول رشفة صغيرة من هذا الماء ثم أبدى عجبه قائلًا : “ لقد قلت الحق أيها البدوي ! وماذا تطلب ؟ “ فأجاب البدوي : “ أيها الأمير ! إن المجاعة والفقر قد دفعا بي بعيداً عن وطني .
ولست أعرف مكاناً أقصده إلا باب قصر الخلافة “ . فقال الخليفة : إني مجيب سؤالك ، شريطة أن تعود الآن من حيث أتيت ، ولا تمضي إلى أبعد من هذا المكان “ . وقبل البدوي ، فأمر الخليفة أن تُملأ القربة بقطع من الذهب ، وكلف أحد حراسه بأن يصحب البدوي حتى يسلك طريق الصحراء . 


وحين أبدى رجال الحاشية عجبهم لما فعله المأمون ، وحرصهم على معرفة الحكمة في ذلك ، أخبرهم المأمون بأنه لو تقدم هذا البدوي قليلًا بعد هذا المكان ، لرأى نهر الفرات ، ولأصابه الخجل من جراء هديته التافهة . 
وأتبع ذلك بقوله : وإني لأخجل لو أن رجلًا جاءني بهدية ، ثم انصرف من حضرتي مهاناً مشيعاً بالعار ! “ والقصة - كما رواها جلال الدين - لا تعين شخص الخليفة الذي قصدة البدوي . وتذكر أن البدوي قصد قصر الخلافة في بغداد . 
كما أنها تذكر أن الخليفة أمر بأن يُعاد البدوي إلى وطنه بطريق البحر - على عكس ما ذكرية رواية عوفي . وأضاف الشاعر إلى القصة شخصية لا تظهر في رواية عوفي ، هي زوجة الأعرابي ، وأجرى بينها وبين زوجها صفحات متعددة من رائع الحوار . 
وقد جعل الشاعر امرأة الأعرابي رمزاً للنفس الحسية ( الحيوانية ) وجعل الأعرابي رمزاً للنفس الناطقة . كما اتخذ من الخليفة رمزاً للَّه .




[ شرح من بيت 2250 إلى 2600 ] 
( 2258 ) السامري هو الذي أُغرى اليهود بعبادة العجل .


“ 554 “


قال القرطبي في تفسير قوله تعالى :” وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ، ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ “. ( 2 : 51 ) . سأله قومه أن يأتيهم بكتاب من عند اللَّه ، فخرج إلى الطور في سبعين من خيار بني إسرائيل ، وصعدوا الجبل ، وواعدهم إلى تمام أربعين ليلة ، فعدوا - فيما ذكر المفسرون - عشرين يوماً وعشرين ليلة ، وقالوا : قد أخلفنا موعده ، فاتخذوا العلجل ، وقال لهم السامري : هذا إلهكم وإله موسى . فاطمأنوا إلى قوله “ . ( تفسير القرطبي ، ج 1 ، ص 395 ، طبع دار الكتب المصرية ) . وكان جزاء السامري أن نُبذ من الناس فكان لا يمس أحداً ولا يمسه أحد . 
( 2262 )  وأي عطاء نقدمه ونحن نلجأ إلى أخس الوسائل لنتجنب الجوع ؟ 


( 2268 ) في بعض المخطوطات وردت كملة “ يشم “ ( بمعنى خرز ) بدلًا من “ پشم “ ( بمعنى صوف ) . وإذا كانت هذه الرواية صحيحة فمعناها أنه يضع في العيون الخرز ، السحيق . وكان من المعروف أن اللؤلؤ السحيق يزيد نور البصر . فيكون المقصود أن الرجل يغش فيضع مسحوق الخرز ، بدلًا من اللؤلؤ السحيق . 


( 2272 ) “ ومع أنه أبعد من أن يعقد أي صلة بينه وبين ربه ، فإنه يدعي لنفسه صفات الأنبياء الصادقين “ . 


( 2275 ) أبو يزيد البسطامي عند الصوفية قطب من الأقطاب العظام . أما يزيد بن معاوية ، فقد أصيب بسوء السمعة في التاريخ الإسلامي نظراً لما حدث في عهده من انفسامات ، وما أريق من دماء . ومن أهم حوادث عصره مقتل الحسين ابن علي وآل بيته ، وو وقعة الحرة التي أبيحث فيها المدينة بضعة أيام . وقد لا تقع على يزيد كل المسؤولية في تلك الحوادث ، ولكن وقوعها في عهده قد أساء إلى سمعته في التاريخ . 


( 2277 )  إنني نائب الحق ، أنا ابن خليفته “ ، معناها “ إنني أنا


“ 555 “


الإنسان الكامل ، والوريث الروحي لآدم ، خليفة اللَّه في الأرض “ . 


( 2279 ) من الناس من وقف على باب هذا المزور يوماً بعد يوم ، باسطاً لنفسه طريق الأمل ، في أن يصل على يديه إلى مقام روحي مرموق ، ولكنه يضيع وقته وعمره هباء . 
( 2281 ) إذا ما اكتشف المريد أنه قد أضاع عمره على شيخ مزوِّر ، فلا جدوى من ذلك ، وكل هذا الوقت قد ضاع منه هباء . 
( 2286 ) فهذا المدّعى يعاني - في الحقيقة - من فقر روحي ، وبرغم ذلك يتظاهر بالفقر المادي ، وهو شعار الصوفية الصادقين الذين نبذوا المادة وأهملوها في سبيل الروح . 


( 2287 ) فلماذا ننافق ، ونتظاهر بغير حقيقتنا كما يفعل هذا المدعي ؟ 
الأولى بنا أن نظر على حقيقتنا ، ولا نزهق أرواحنا من أجل شرف مزوّر . 
فالتظاهر بغنى الروح يُلقي على المدعي تبعات لا قبل ليه بها ، ولا قدرة له عليها . 


( 2290 ) السيل المندفع ليس مورداً ميسوراً للشرب ، فالبحث في صفائه أو اعتكاره ليس مما يجدي . 


( 2298 ) إن الآلام الحسية في هذه الدنيا جزء من الموت ، الذي هو أعظم ما يخيف أهل الحس ويرهبهم . 
( 2300 ) إنْ كنت لا تبالين بآلام الحس ، فاعلمي أنك تستطيعين مواجهة المصير المحتوم متقبلة راضية “ . 


( 2302 ) كل من تلعق بملاذ الحياة ومتعها المادية ، كان الموت أقسى عليه ، فيتجرعه كأساً مريرة المذاق . أما من صرف وجهه عن ملاذ الدنيا ، وتعلقت روحه بعالم الروح ، فالموت بالنسبة له لا يعدو أن يكون انتقالا من حالي إلى حال خير منه . يقول الغزالي : “ المحب لا محالة مشتاق ، ومعنى الشوق في المحسوسات استكمال الخيال بالترقى إلى المشاهدة . فإن المشتاق إليه مُدْرَكٌ لا محالة بالخيال ، وغائب عن الأبصار ، وأحوال الآخرة وجمال الحضرة الربوبية مدرك كل ذلك اللعارف ، يعرفه كأنه نظر من وراء ستر رقيق ، في وقت الإسفار وضعف النور ، فهو مشتاق إلى استكمال ذلك بالتجلي


“ 556 “


والمشاهدة ، ويعلم أن ذلك لا يكون إلا بالموت . فلذلك لا يكره الموت لأنه لا يكره لقاء اللَّه تعالى “ . ( الأربعون في أصول الدين ، ص 275 ) . 


( 2303 ) يرى نيكولسون أنّ هذا البيت مقارب في معناه لقول الشاعر العربي :
الموت نقاد على كفّه * جواهر يختار منها الجياد
وأرى أنه لا صلة لهذا البيت العربيّ ببيت شاعرنا . فالجياد في في البيت العربي تعني الأخيار ، وعلى هذا تكون الجودة في هذا البيت معنوية وليست جسدية . 
وأما بيت جلال الدين فمعناه أنّ ضخامة الجسم كانت سبباً في هلاك الأغنام . فلا غرابة في أن تكون في الإنسان سبباً لهلاكه . 
ذلك لأن الإنسان الذي يُعنى بجسده ويتلعق به ، يكون ذلك منه على حساب روحه التي تتضاءل ، فلا يبقى لها كيان ، فيكون ذلك بمثابة هلاك لها في الدنيا ، وكذلك في الآخرة . و . قول الشاعر في البيت السابق : 
“ وكل من عبد جسمه فما حمل روحاً “ ، مرتبط بهذا البيت وهو يزيد معناه وضوحاً . فالإنسان الذي يعبد جسده ، يتضاءل فيه الروح الإنساني ، إلى درجة تجعله يبدو مجرداً من هذا الروح . 
( 2307 ) صانعو الحبال يتراجعون إلى الوراء وهم يصنعونها . ولا يزال هذا مشهوداً عند من يصنعون الحبال بطريقة يدوية . 
( 2333 ) إن طالب الدنيا يسعى إليها بكل الوسائل ، والدنيا كذلك تبدي له مغرياتها فتزيده تعلقاً بها . 
( 2334 ) فلو لم يكن هو الذي يسعى إلى الدنيا بكل الوسائل لما كانت الدنيا تستولي عليه ، وتصرفه عما عداها . 


( 2342 ) “ الفقر فخري “ عبارة ذات مدلول صوفي . فالفقر عند الصوفية مقام لا بد من تحقيقه . ولا يكاد يخلو من ذكره كتاب من كتبهم ، ( انظر الكلاباذي : التعرف ، ص 95 ؛ أبو طالب المكي : قوت القلوب ، ج 2 ، ص 398 ؛ السراج : اللمع ، ص 74 ؛ القشيري : الرسالة ، ص 122 ) . واعتداد الصوفية بالفقر ، لأنه يصرفهم عن التعلق بهذه الدنيا ، فيجعلهم بذلك


“ 557 “

فقراء إلى اللَّه ، وحينذاك يصبحون أغنياء باللَّه . والفقر عندهم محك لصدق الإيمان وكرم الأخلاق . فالفقير الصوفي لا يطلب من أحد شيئاً ، ويعطي ما يستطيع برغم فقره ، ويقول الحق ، ولا يجعله الفقر مداهناً يلتمس رضى الأغنياء . وأرفع الفقراء رتبة عندهم - على ما يقول السراج - “ من لا يملك شيئاً ، ولا يطلب بظاهره ولا بباطنه من أحد شيئاً ، ولا ينتظر من أحد شيئاً ، وإن أعطى شيئاً لم يأخذ ، فهذا مقامه مقام المقربين “ . ( اللمع ، ص 74 ) . 
وعد نصر بن الحمامي الفقر “ أول منزلة من منازل التوحيد “ . ( اللمع ص 75 ) على اعتبار أن الفقير لا يجد ما يشغله عن اللَّه ، فهو مستغن عن الناس وما يملكون . 
وخلاصة ما يفهم من أقوالهم أن الفقر هو الانصراف عن المادة ، ويتجلى هذا في الامتناع عن الحرص عليها سواء بطلبها ، أو الاحتفاظ بها إن وجدت لدى الإنسان ، ثم بالحاجة إلى اللَّه وحده ، وهذا المعنى الأخير يمثل انتقالًا من السلوك العملي إلى التأمل الروحي . وحين يتحقق لأحدهم الإحساس الكامل بالافتقار إلى اللَّه يصبح غنياً باللَّه . 


( 2345 ) رجل الحق مثل العين المبصرة ، فالأولى به ألا يغشي قلبه بماديات الحياة لأن هذه يحجب بصيرة قلبه ، كما يحجب الغطاء نور العين . 


( 2357 ) رُوي عن إبراهيم بن أحمد الخواص أنه قال : “ الفقر رداء الشرف ، ولباس المرسلين ، وجلبات الصالحين ، وتاج المتقين ، وزين المؤمنين ، وغنيمة العارفين ، ومنبّه المريدين ، وحصن المطيعين ، وسجن المذنبين . . . “ ( السرّاج : اللمع ، ص 74 ) . وجاء في “ قوت القلوب “ لأبي طالب المكي ( ج 2 ، 401 ) أقوال عن اعتراز الفقراء بأنفسهم منها قول ابن المبارك : 
“ من تواضع الفقير أن يتكبر على الأغنياء “ ، وقول المكي نفسه : “ ومن فرائض الفقر ألا يسكت الفقير عن حق ، ولا يتلكم بهوى ، لأجل دوام العطاء من أحد ، ولا لا جتلاب نفع “ .


“ 558 “

( 2358 ) “ صائد الإخوان ، وماسك الثعبان “ . وتعني هذه العبارة من يتصيد الإخوان بأن يخدعهم بعبارات تنّم عن الصلاح والتقوى ، فيوقعهم في حبائل مكره ، فكأنما هو يتصيد حيّات فيتلو عليها رقى وتعاويذ حتى يتمكن منها . 


( 2359 ) قد يُفهم من هذا البيت معنى رمزي ، هو أنه يجتذب المريدين ، فيزيل من نفوسهم أهواءها الدنيوية ، وبذلك يخلصها مما يجلب لها هلاكاً محققاً . وهو كذلك يفعل بالثعبان الذي يتصيده ، فيقتلع أنيابه حتى لا تكون سبباً في القضاء عليه . 


( 2371 ) “ تحرّي زنانه “ ترجمنا هذه العبارة “ بالجشع النسائي “ . 
فالتحرّي ينطوي على البحث والطلب ، وهذه المرأة كانت تطلب المال وتحرص عليه . ولهذا نرى أن فهم “ التحري “ على هذا الوجه ، خير من تفسير نيكولسون له بأنه “ الشك واضطراب الفكر “ . فمشكلة المرأة هنا هي الطمع ، وهو الذي يغشيّ على بصرها ويجعلها غير قادرة على مشاهدة الأمور على حقيقتها . فالزوج يدعوها إلى ترك الطمع لتراه على حقيقته ، ولا تزدريه لفقره . 


( 2372 ) “ إن اجتذابي للمريدين ليس لطمع فيهم . فهذا الحرص عليهم قد يبدو طمعاً فيهم ، ولكنه ليس إلا رحمة ، لأني أقودهم إلى طريق الحق “ . 

( 2378 ) الحقائق الروحية لا تتكشف إلا لمن كان طالباً لها ، حريصاً عليها . 


( 2381 ) إن الحقائق الروحية تحتجب ولا تتكشف إذا كان طالبها غريباً عنها ، غير حريص على تلقيها . 


( 2382 ) وأما من كل موضعاً لسرّ الغيب فإن هذه الحقائق تتكشف له ، وتتجلى لقلبه . 
( 2383 ) كلّ ما كان جميلًا رائق الحسن ، فقد صُنع من أجل

“ 559 “

الإحساس السليم ، الذي يدركه ويتذوقه . وكذلك الأسرار الإلهية لا تتجلى إلا للروح التي تكون قادرة على إدراكها وتذوقّها . 
( 2389 ) يسأل الأعرابي امرأته قائلًا : “ هل تزينت ذات يوم من أجل رجل أعمى ؟ “ وهذا استفهام إنكاري يرمز إلى أن الأسرار الإلهية لا تتكشف إلا للقلب المهيأ ، لها القادر على إدراكها . 

( 2390 ) لا جدوى من عرض الحكمة على من لم يكن أهلًا لها ، ذلك لأنها لا تجد سبيلًا إلى قلبه . 

( 2392 ) “ إنني لا أريد أن أشغل نفسي بهذه الدنيا ، وما فيها من خير وشرّ : بل إن قلبي لينفر حتى من خيراتها “ .


[ شرح من بيت 2400 إلى 2550 ] 


( 2412 ) “ أما وقد جعلت لي من عفوك نوراً يرشدني إلى طريق الندم ، المؤدي إلى رضاك فقد تبت “ . 
( 2427 ) رستم بن زال أحد الأبطال الذين اشتهروا في الأساطير الإيرانية . وقد شغلت سيرته آلافاً من أبيات الشاهنامه التي تروي وقائع العصر الكياني . 
أما حمزة المذكور هنا فهو حمزة بن عبد المطلب عم الرسول ، وكان من أعظم أبطال العرب . 


( 2428 ) الحميراء “ هي عائشة زوج الرسول . ( انظر البيت 1972 وتعليقنا عليه ) . 


( 2444 ) “ إن من شاخ في كفره يستطيع اعتناق الإسلام لو صحت منه التوبة والرجوع ، وندم على ما أضاع من عمره في الضلال . وما دام الكفر - وهو أكبر الذنوب - يغتفر بالتوبة ، فقد حقّ عليك غفران ذنبي “ . 


( 2446 ) كل ما في الوجود من أضداد مرتبط بالخالق الموجد ، وليس في الوجود شيء يخرج على أمره . وفي القصة التي تتلو هذا البيت ، يصوّر الشاعر موسى وفرعون - وهما يمثلان الكفر والإيمان - قاصدين ربهما ، إلا أن واحداً


“ 560 “

منهما اهتدى ، وأما الآخر فضلّ السبيل . ويتحدث الجيلي عن ذات اللَّه الجامعة للأضداد فيقول : “ ظهر في كل ذات بكل خلق ، واتصف بكل معنى في كل خلق وحق ، جمع بذاته شمل الأضداد ، وشمل بوحدانيته جميع الأعداد “ . 
( الإنسان الكامل ، ج 1 ، ص 2 ، 3) . 

( 2447 ) قول الشاعر : إن فرعون كان يقصد الحقيقة ، لكنه ضلّ السبيل - تعبير عن مذهب الصوفية ، بأن كل متعبد يقصد وجه اللَّه ، حتى ولو كان ظاهر تعبده أنه لغير اللَّه . يقول ابن الفارض :وإن عبد النار المجوس وما انطقت * كما جاء بالأخبار في ألف حجة 
فما قصدوا غيري وإن كان قصدهم * سواي وإن لم يظهروا عقد نيةويقول ابن العربي : “ فالناس على قسمين : من الناس من يمشي على طريق يعرفها ويعرف غايتها فهي في حقه صراط مستقيم . ومن الناس من يمشى على طريق يجهلها ولا يعرف غايتها ، وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر “ . 
(فصوص الحكم ، ص 108 ) . 


( 2449 ) يقول فرعون : “ يا رب ، لولا أن الكفر مقدّر علي منذ الأزل ، لما كان هناك على يطوقني ، ويصرفني عن الإيمان ، وأكون أمام الناس ما أنا عليه الآن “ . 


( 2425 ) إن القمر - وهو أعظم من النجوم - يعتريه الخسوف ، فما حيلتي إذا أصاب الخسوف نجمي ؟ “ ( 2461 ) “ إنني حين أكون وحدي ، فأنا في وفاق مع اللَّه ، لأني أحد مظاهر إرادته ، ومشيئته ، ولكني حين أواجه موسى أشعر أنني على خلاف ذلك . فموسى ضدي ، وهو يظهرني على صورتي المضادة لصورته ، وإن كنت في الحقيقة لا أعدو أنْ أكون منفذاً لإرادة اللَّه التي صدرت عنها الأضداد ، وكل مظاهر هذا الوجود “ . 


( 2462 ) إن ظهور الحق في الدنيا على أيدي الرسل قد كشف ما كان يسودها من زيف . وهكذا الذهب الزائف لو تُرك وشأنه لظن ذهباً ، ولكنه إذا وضع


“ 561 “


في النار تكشفت حقيقته . وفرعون - لو لم يظهر موسى - لبقي له رواء ملكه ومظهره الخادع . 

( 2467 ) حينما تحوّل الخلق من عالم الوحدة الروحية ، إلى عالم الدنيا ، عالم التعدد والتعين ، وقع الصدام بينهم . فالخق جميعاً يرجعون إلى حقيقة واحدة ، ويجمعهم لون متجانس ، ولكن حلول الأرواح في الأجساد جعلها تبدو مختلفة متباينة . 


( 2468 ) حينما يخلص الناس من عالم المادة ، وما فيه من ألوان متعددة ، يسود الوفاق بينهم جيمعاً ، ولا يكون هناك أثر لهذا التضاد الذي يتجلى في ضدين متباعدين مثل موسى وفرعون . 


( 2470 ) هذا التعدد اللونيّ في العالم المادي ، صادر عن لون واحد متجانس هو العالم الروحي . وهذا اللون المتجانس ( أو اللالون ، كما يحلو للشاعر أن يصفه ، تشبيها له بالماء ) هو الأصل في جميع الألوان التي يزخر بها العالم المادي ، فكيف يمكن تفسير صراع المادة مع الروح ؟ 


( 2474 ) مظاهر الصراع بين المادة والروح ، أو بين العالم المادي والروحي ، قد تكون مصدراً لحيرة الإنسان . وهذه الحيرة شبيهة بخربة ، ولكن هذه الأرض الخربة قد تكون منطوية على كنز . هذا الكنز هو العرفان الصوفي الذي يجب أن يهتدى به في إدراك اليقين حول مثل هذه الأمور . 


( 2475 ) هذا البحث العقلي ، الذي تركز حول المظاهر الخارجية قد استولى على اهتمامك ، فظننت أنه جوهر المعرفة . ولكن هذا الذي توهمته جوهر المعرفة ، صرفك عن المعرفة الحقيقة ، وأضاعها منك . 


( 2476 ) الإصرار على الأوهام والآراء لا يتفق مع نفي الذات ، وهو المقدمة التي يجب أن تتحقق لطالب المعرفة الروحية ، قبل أن يتقدم في سبيلها خطوة واحدة . أما من تمسك بمثل هذه الآراء ، والأوهام ، فهو كمن تمسك بالمادة وطلب الروح ، أو كمن بحث عن كنز دفين في منطقة آهلة بالسكان .


“ 562 “


( 2477 ) “ المناطق العامرة “ تعبير عن الدنيا وضجيجها وصخبها الذي يطغى على الروح . وحياة هذه الدنيا لون من الوجود ، ولكن الفناء الصوفي لا يرى هذا وجوداً يُعتد به ، فهذا الفناء الصوفي خير منه لأنه سبيل البقاء ومفتاح الخلود . 


( 2478 ) ليس المتعلق بالوجود المادي هو الذي يعرض عن الصوفي الذي ينشد الفناء ، بل إن الصوفي هو الذي يعرض عنه ، فالتصوف ينطوي على التحرر من سلطان المادة ، والمتعلقين بها . 

( 2479 ) لا تقل إنني هارب من مثل هذا الفناء عن الدنيا ، فهذا الفناء هو الذي يهرب منك ، لأنك لم تُؤت من الهبات الروحية ما يجعلك تسلك سبيله وتسعى إليه “ . 

( 2490 ) بدفع هذا العالم الدنيوي والعالم الروحي لأهل الظلم ، بقي هؤلاء محرومين من كلا العالمين . 


( 2492 ) إن لديهم قوة روحية أفاضها عليهم الخالق . فلو أنهم أظهروا تلك القوة لك ، لكان لهم من الأثر عليك مثلما يكون للكهرباء على القش . ( من المعروف أن أحجار الكهرباء تجتذب القش ) . 


( 2497 - 2498 ) إن العقل يقود الإنسان كما يقود الجمّال الجمل . والأولياء يقودون العقول كما تقود العقول الأجسام . 


( 2500 ) ما الحاجة إلى توضيح الأمر بتشبيه القطب بالدليل والجّمال ؟ إنه كالشمس لمن كان ذا مقدرة على الاهتداء به . 


( 2502 ) يوازن الشاعر هنا بين جسم الولي وروحه . فهو باعتبار الجسم ذرّة ، ولكنه باعتبار الروح شمس . وهو في ظاهره حمل ، ولكنه في حقيقته أسد . 

( 2507 ) كان أهل الغفلة يظنون الرسل أفراداً ضعافاً . وكيف يكون ضعيفاً من توثقت صلته بربه حتى جعله خليلًا وصفياً !
( 2509 ) انظر قصة صالح وقومه في “ قصص الأنبياء للثعلبي “



“ 563 “

( ص 66 - 72 ) . 
( 2514 ) يقال إن بلدة الحجر ، الواقعة شمالي المدينة ، كانت مقر ثمود ، قوم صالح ، ولا تزال إلى اليوم تعرف بمدائن صالح . وقد روى أبو الزبير عن جابر بن عبد اللَّه قال : “ لما مر النبي عليه السلام بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه : لا يدخلن أحد هذه القرية ، ولا تشربوا من مائها ، ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا معذبين ، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل الذي أصابهم . ثم قال : أما بعد فلا تسألوا رسولكم الآيات ، هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية فبعث اللَّه لهم الناقة . . “ ( قصص الأنبياء ، ص 71 ، 72 ) . 


( 2518 ) روى الثعلبي أنّ الكفار حاولوا إيذاء صالح مرات عدة ، ولكنّ اللَّه كان ينجيه من كيدهم . 


( 2519 ) لا يستطيع الكفار أن ينالوا من روح أحد الرسل . وكل ما استطاعوه لم يَعْدُ إيقاع بعض الأذى بجسمه . فجلب عليهم هذا العدوان الذي اقترفوه غضب اللَّه ونقمته . أما نبيّ اللَّه المرسل فلم ينل منه أذاهم . 


( 2521 ) إنّ رسول اللَّه يمثل قوة روحية عظيمة ، وقد جعل اللَّه هذه القوة متعلقة بجسم ، وذلك ليستطيع أبناء هذا العالم شهودها ، والاهتداء بها . 


( 2522 ) جسم الوليّ بالنسبة لروحه ، كالناقة بالنسبة لصالح . ولقد كانت الناقة في خدمة صالح كما أن جسم الوليّ مسخّر لروحه . فالروح بالنسبة اللوليّ هي العنصر الأقوى ، ولذلك فإنّ الجسم يكون خاضعاً لها . 
والشاعر يدعو في هذا البيت إلى الابتعاد عن إيذاء الأولياء والصالحين ويحث الناس على أن يخدموهم ويرعوهم ، وإن كان يرى أن هؤلاء مهما اجتهدوا فإنهم لا يستطيعون إزاءهم سوى الرعاية الجسدية . 


( 2523 - 2531 ) بعد أن عُقرت ناقة صالح أقبل عليه القوم يعتذرون فقال لهم صالح : “ انظروا هل تدركون فصيلها ( وليدها ) ، فإن أدر كتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب ، فخرجوا يطلبونه ، فلما


“ 564 “

رأوه على الجبل ذهبوا ليأخذوه فأوحى اللَّه إلى الجبل فتطاول في السماء حتى ما تناله اليطر . . . فقال صالح : لكل أمة أجل فتمتعوا في دياركم ثلاثة أيام ثم يأتيكم العذاب ، ذلك وعد غير مكذوب . . . قالوا : 
وكان عقر الناقة يوم الأربعاء فقال لهم صالح - حين سألوه عن وقت العذاب وآيته - إنكم تصبحون غرة مؤنس ( الخميس ) وجوهكم مصفرة ، ثم تصبحون يوم العروبة ( الجمعة ) ووجوهكم محمرة ، ثم تصبحون يوم شبار ( السبت ) ووجوهكم مسودة ، ثم يصبحكم العذاب يوم الأول ( الأحد ) ، فأصبحوا يوم الخميس ووجوههم مصفرة . . . 
فأيقنوا بالعذاب وعرفوا أنّ صالحاً قد صدقهم . . . فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كأنما خضبت بالدم . . . فلما أمسوا فإذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار . . . فلما اشتد الضحى من يوم الأحد أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة . . . فقطعت قلوبهم في صدروهم فلم يبق فيهم صغير ولا كبير إلا هلك . . . “ ( قصص الأنبياء ص 70 ، 71 ) . 



( 2532 ) مضى الشاعر هنا في تفسيره الرمزيّ لقصة الناقة وفصيلها ، فقال إنّ فصيل الناقة ، رمز لخاطر الوليّ . وكان قد ذكر في بيت سابق ( 2515 ) أن الناقة رمز لجسم النبيّ أو الوليّ ، وأما صالح فرمز للروح .


[ شرح من بيت 2550 إلى 2700 ]
( 2559 - 2560 ) إن عصيان قوم صالح ، وطغيانهم الذي استوجب العقاب لم يمنعا هذا الرسول الكريم من أن يأسى عليهم ، ويبكيهم بدموع الرحمة والرثاء . 


( 2570 - 2573 ) يتحدث الشاعر في هذا البيت وما يليه عن اختلاط الخير والشر في هذا الدنيا . ويذكر أنه ، برغم هذا الاختلاط البادي في الحياة بين الأخيار والأشرار ، هناك فارق يباعد بين كل فريق منهما . ومما يشبه تلك الحال ذهَبُ المنجم الذي يكون مختلطاً بالتراب ، أو العقد الذي يضم حبّاتٍ


“ 565 “


من الدرّ النفيس وأُخرى من النحاس . فهذا التقارب لا يعني الامتزاج ، فكل عنصر يبقى محتفظاً بطبيعته رغم اختلاطه بغيره . 


( 2583 ) “ العين التي تبصر الحظيرة “ هي العين الحسية التي لا شأن لها بالمعنويات . والحظيرة هنا ترمز إلى عالم الحس . 


( 2584 ) كم في الكون من مغريات تبدو حلوة المذاق ، مع أن السم كامن فيها . وينطبق هذا على الماديات ، وكذلك على المعنويات . فالملق مثلًا يبدو لذيذاً سائغاً لمن يجد في طبعه ميلًا إلى تلقيه ، ولكن عاقبته تكون وخيمة في نهاية الأمر . 


( 2585 ) من الناس من أوتي قدرة على التمييز قبل معاناه الأمر ، ومنهم من لا يستطيع ذلك إلا حين يقترب منه بعض الشيء . 


( 2592 ) كان من المعتقد في زمن الشاعر أن العقيق يكتسب لونه وبريقه من نور الشمس . 


( 2598 ) قد يكون السم والحية هنا رمزاً لمتع الحياة . فهذه المتع تصبح سائغة مباحة لمن يعرف كيف يقف عند حد في تقلبها ، ومن أوتي من قوة الروح ما يجعله آمناً من سمومها ومخاطرها . يقول الترمذي عن المريد : “ فينبغي أن ينفي كل فرح للنفس فيه نصيب ، حتى يصل إلى ربه تعالى : فإذا وصل إلى ربّه عزّ وجل امتلأ قلبه به فرحاً وسروراً ويقيناً ، فكل شيء مدّ إليه يداً من دنيا أو آخرة لم يضره لأنه منه يقبل ، فإذا قبله منه حمده عليه وشكره ، وكانت جوارحه مستقيمة حافظة للحدود “ . ( الرياضة وأدب النفس ، ص 63 ) . 
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  حضرة مولانا جلال الدين الرومي-
انتقل الى: