إيقاظ إبليس لمعاوية قائلا استيقظ فهذا وقت الصلاة المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
إيقاظ إبليس لمعاوية قائلا استيقظ على مدونة عبدالله المسافر باللهإيقاظ إبليس لمعاوية قائلا استيقظ فهذا وقت الصلاة المثنوي المعنوي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
إيقاظ إبليس لمعاوية قائلا : استيقظ فهذا وقت الصلاة
- روى أن معاوية كان نائما في قصره ، " قابعا " في إحدى زواياه . « 223 » 2615 - كان القصر مغلق الباب من الداخل ، فقد كان قد تعب من زيارات الناس .- وفجأة أيقظه رجل ، وعندما فتح عينيه ، اختفى الرجل .- قال : لا طريق لأحد إلى القصر ، فمن هو ذلك الذي توقح وتجرأ ؟ !- وطفق يطوف ويتفحص في ذلك الوقت ، عله يجد أثرا لذلك المختفي .- فرأى شقيا وراء الباب ، يخفي وجهه خلف ستار . 2620 - قال : هه ، من أنت ؟ وما اسمك ؟ قال : اسمي مشهور ، إبليس الشقي- قال : ولماذا أيقظتني جادا ؟ أصدقني القول ، ولا تقل على العكس والضد . تضليل إبليس معاوية وقوله حديثا ذا خبيء وجواب معاوية عليه
- قال : لقد حان وقت الصلاة آخرا ، وعليك أن تمضي سريعا نحو المسجد .- ولقد قال المصطفى : عجلوا الطاعات قبل الفوت ، ذلك عندما كان يثقب در المعنى .- قال : لا ، لا ، لم يكن هذا هو غرضك ، أن تكون دليلي إلى الخيرات . 2625 - وأن يأتي لص إلى منزلي فجأة ، ويقول لي : إني أقوم بالحراسة .- فمن أين لي أن أصدق ذلك اللص ؟ ومتى يعلم اللص الأجر والثواب ؟ « 1 » جواب إبليس ثانية على معاوية
- قال : لقد كنا في البداية من الملائكة ، ولقد طوينا طريق الطاعة بالروح ................................................................( 1 ) ج / 5 - 201 : - وبخاصة لص مثلك من قطاع الطريق ، فلأي سبب صرت هكذا عليّ شفيقا ؟ « 224 » - وكان مأذونا لنا بسالكي الطريق ، وكنا أنجياء لسكان العرش .- فمتى تذهب المهنة الأولى عن القلب ؟ ومتى يخرج الحب الأول من الفؤاد ؟ 2630 - وفي السفر ، إن رأيت الروم أن الختن ، متى يذهب عن قلبك حب الوطن ؟- وكنا أيضا من سكارى هذه الخمر ، وكنا عشاقا لبلاطه .- ولقد جبلنا على حبه ، وغرس عشقه في أرواحنا .- ورأينا يوما طيبا من الدهر ، وشربنا ماء الرحمة في الربيع .- أليست يد فضله التي غرستنا ، وأليس هو الذي رفعنا من العدم ؟ 2635 - وما أكثر ما رأينا منه من تكريم ، وتجولنا في روضة الرضا .- لقد كان يضع على رؤوسنا يد الرحمة ، ويفتح علينا ينابيع اللطف .- وفي أوان طفولتي عندما كنت رضيعا ، من الذي كان يهز مهدي ؟ إنه هو .- فممن شربت لبنا غير لبنه ؟ ومن الذي رباني سوى تدبيره ؟- والخصلة التي جرت مع لبن "الرضاع" في الوجود، متى يمكن سحبها من الناس ؟ 2640 - وإن قام بالعتاب بحر الكرم ، فمتى أغلقت أبواب الكرم ؟- فأصل نقده العطاء واللطف والإنعام ، والقهر فوقه كغبار من الغش .- ولقد خلق العالم من أجل اللطف ، وشمسه أكرمت الذرات .- وإذا كان الفراق حاملا بقهره ، فذلك من أجل معرفة قدر وصله .- حتى يعرك فراقه أذن الروح ، وتعرف الروح قدر وصله . 2645 - ولقد قال الرسول أن الحق قال : إن قصدي من الخلق كان الإحسان « 225 » - وخلقتهم كي يتربحوا علي ، وحتى يلوثوا الأيدي من شهدي .- وليس من أجل أن أتربح عليهم ، أو أن أخلع عن عار القباء .- ولعدة أيام بعد أن طردني ، تسمرت عيناي على وجهه الجميل .- متسائلا : أمن مثل هذا الوجه " يصدر " هذا القهر ؟ يا للعجب ، ولقد شغل كل إنسان بالبحث عن السبب . 2650 - وأنا لا أنظر إلى السبب فهو حادث ، وذلك أن لكل حادث باعثا يحدثه .- وأنا لا أفتأ أنظر إلى اللطف السابق ، وكل ما هو حادث ، أمزقه .- ولأفرض أنني أبيت السجود " لآدم " حسدا ، إن هذا الحسد نابع من العشق ، لا من الجحود .- وكل حسد ينبع من المحبة يقينا ، وأن يكون آخر جليسا للحبيب .- ومن شرط المحبة معاناة الغيرة ، مثلما يكون شرط العطاس أن تقول : أبقاك الله . 2655 - ولما لم تكن فوق رقعته سوى هذه النقلة ، وقال لي : دورك ، فماذا كنت أعلم لكي أزيد ؟- ولقد نقلت تلك النقلة التي كانت باقية ، وألقيت بنفسي في البلاء .- وأنا لا زلت أتذوق لذته ، حتى في البلاء ، فأنا مهزوم منه ، مهزوم منه ، مهزوم ! !- وكيف ينجي نفسه أبدا أيها العظيم ، شخص حبيس في الجهات الست من الأبواب الست ؟- وكيف يتخلص جزء الستة من كل الستة ؟ خاصة وقد وضعه من لا كيف له معوجا ؟ « 226 » 2660 - وكل من هو من الستة الخاصة به داخل النار ، إنما ينجيه خالق الستة .- وسواء الكفر والإيمان ، كلاهما من نسج يد الحضرة ، وملك له . ثانية بيان تقرير معاوية لإبليس عن مكره
- قال له الأمير : كل هذا صحيح ، لكن نصيبك منها هو النقصان .- لقد قطعت الطريق على مئات الآلاف من أمثالي ، ونقبت الفجوة ، وتسللت إلى داخل الخزانة .- إنك نار ، ولا محيص من أن أحترق بك ، ومن هو الذي لم تتمزق ثيابه منك ؟ 2665 - فما دام طبعك أيها النار هو الإحراق ، لا بد وأن تقومي بإحراق شيء .- واللعنة هي التي تجعلك محرقا ، وتجعلك أستاذا على كل اللصوص .- ولقد تحدثت مع الله وسمعته وجها لوجه ، فما ذا أكون أنا أمام مكرك ، أيها العدو .- وإن أنواع معارفك كأنها صوت الصفير ، هو صوت طيور ، لكنه آخذ للطيور ،- لقد قطع الطريق على مئات الآلاف من الطيور ، والطائر المخدوع ، يظن أن إلفا له قد جاء . 2670 - وعندما يستمع إلى الصفير وهو في الهواء ، يهبط من الهواء ، ويصبح هاهنا أسيرا .- وقوم نوح من مكرك في نواح ، قلوبهم شواء ، وصدورهم ممزقة إربا- وأنت الذي أذهبت عادا أدراج الرياح في الدنيا ، وألقيت بهم في العذاب والأحزان . « 227 » - ومنك كان تعرض قوم لوط للرجم ، ومنك غاصوا في الماء الأسود- ومنك تتاثر مخ النمرود ، يا من قد أثرت الآلاف من الفتن . 2675 - وعقل فرعون الذكي الفيلسوف ، صار أعمى منك ، ولم يتوقف عند حد .- وأبو لهب صار منك خسيسا دنيا ، وأبو الحكم صار منك أبا جهل .- ويا من أنت على هذا الشطرنج لمجرد العبرة والتذكار قد هزمت مئات الآلاف من الأساتذة - ويا من صفك الصعب لجنود الشطرنج ، احترقت القلوب ، واسود قلبك .- وأنت بحر المكر والخلائق قطرة ، وأنت كالجبل ، وهؤلاء السذج ذرة . 2680 - فمن ينجو من مكرك أيها الخصيم ، نحن غرقى الطوفان ، إلا من عصم .- وما أكثر كواكب السعد التي احترقت منك ، وما أكثر الجيوش والجموع التي تفرقت منك. !! « 1 » جواب إبليس على معاوية
- قال له إبليس : ألا فلتحل هذه العقدة ، فأنا المحك الذي يفرق بين الزائف والصحيح .- ولقد جعلني الحق امتحانا للأسد والكلب ، وجعلني الحق امتحانا للصحيح والزائف ................................................................( 1 ) ج / 5 - 227 : - وما أكثر المسلمين الذين خسروا دينهم منك ، وأسرعوا منقلبين حتى قاع الجحيم - وكثيرون مثل بلعام ارتدوا خائبين منك ، وكثيرون مثل برصيصا صاروا كافرين منك .« 228 » - فمتى قمت أنا بتسويد وجه الزائف ؟ إنني صيرفي ، وقمت بمجرد تقييمه . 2685 - وإنني لأقوم بإرشاد الطيبين ، كما أقوم باقتلاع الأغصان الجافة .- وهذه الطعوم أضعها ، من أجل ما ذا ؟ حتى يبدو لي إلى أي جنس ينتمي الحيوان .- وحينما يستولد الذئب من الغزال جروا ، فإن ثمة شكا يكون في ذئبيته وغزاليته .- فضع أمامه إذن العشب والعظم ، وأنظر إلى أيهما يمضي مسرعا .- فإن جاء صوب العظام فهو كلب ، وإن طلب العشب ، فهو من عرق غزال . 2690 - وثمة قهر ولطف كلاهما قرين للآخر ، وتولد من هذين معا ، عالم من الخير والشر .- فاعرض أنت العشب والعظام ، واعرض قوت النفس وقوت الروح .- فإن طلب " أحدهم " غذاء النفس فهو أبتر ، وإن طلب غذاء الروح ، فهو سيد .- وإن خدم الجسد فهو حمار ، وإن مضى نحو بحر الروح ، وجد الجوهر .- وهذان كلاهما ، الخير والشر ، وإن اختلفا ، إلا أنهما يقومان بعمل واحد 2695 - والأنبياء إنما يعرضون الطاعات ، بينما يقوم الأعداء بعرض الشهوات .- فكيف أجعل أنا الخير شرا ؟ إنني لست إلها ، إنني مجرد داعية ، ولست خالقا لهما .- فهل أنا الذي أجعل الحسن قبحا ؟ لست ربا ، إنني مجرد مرآة للحسن والقبيح . « 229 » - لقد أحرق هندي المرآة من ضيقه بها ، قائلا : إنها تبدي المرء أسود الوجه .- قالت المرآة : ليس الذنب ذنبي ، وضع الذنب على من صقل وجهي . 2700 - لقد جعلني عاكسة صادقة ، حتى أقول أين القبيح وأين الجميل - إنني مجرد شاهد ، فأنى للشاهد أن يسجن ؟ ولست أهلا للسجن ، والله شاهد .- فحيثما أرى غصنا مثمرا ، أقوم بتربيته ، وكأنني الحاضنة .- وحيثما أرى شجرة مرة جافة ، أقطعها أنا ، حتى ينجو المسك من البعر- فهل تقول " الشجرة " الجافة للبستاني : أيها الفتى ، كيف تقوم بقطع رأسي وأنا لم أذنب ؟ 2705 - سوف يقول لها البستاني : صمتا يا سيئة الطبع ، أليس يكفي جفافك جرما لك ؟- فتقول : إنني مستوية ، ولست بالمعوجة ، فلماذا بلا جريرة تقطع جذري ؟- فيقول البستاني : لو كان طالعك مسعودا ، لكنت معوجة ، لكن نضرة- لصرت إذن جاذبة لماء الحياة ، ولانغمست في ماء الحياة .- لقد كانت بذرتك سيئة كما كان أصلك ، ولم يكن لك اتصال بشجرة طيبة . 2710 - وإن كان الغصن المر قد اتصل بغصن حلو ، لنقل إليه تلك الحلاوة في أصله . « 1 » حدة معاوية على إبليس
- قال الأمير : يا قاطع الطريق ، لا تقدم الحجج ، فلا طريق لك إليّ ، فلا تبحث عن الطريق ................................................................( 1 ) ج / 5 - 234 : - وإذا كنت قد أيقظتك من أجل الدين ، فإن هذا هو طبعي في الأصل ، هذا دون سواه . « 230 » - إنك قاطع طريق ، وأنا غريب وتاجر ، ومتى أشتري منك كل قماش تأتي به ؟- فلا تطف حول متاعي من كفرك ، فأنا لست مشتريا لمتاع أحد .- كما أن قاطع الطريق لا يكون مشتريا من أحد ، وإن أبدى الشراء فمكر وحيلة . 2715 - فما ذا يملكه ذلك الحسود في جعبته ؟ فيا إلهي ، أغثنا من هذا العدو .- فإنه إن وسوس لي بفصل آخر ، فسوف يختطف مني قاطع الطريق هذا المتاع . شكوى معاوية إلى حضرة الحق من إبليس وطلب النصر
- إن حديثه هذا مثل الدخان أيها الإله ، فخذ بيدي ، وإلا إسود كليمي .- إنني لا أقوى بالحجة على إبليس ، فهو فتنة لكل شريف وخسيس .- وآدم الذي هو سيد " علم الأسماء " ، بلا خطو أمام عدو ذلك الكلب الذي يعدو كالبرق . 2720 - ولقد ألقي به من الجنة فوق التراب ، وصار كالسمكة في شصه من فوق السماك .- فأخذ ينوح قائلا " إنا ظلمنا " ، فلا حد هنا لقصه ووسوسته .- ففي داخل كل حديث منه شر ، وفيه أضمر مئات الآلاف من السحر .- إنه يسلب الرجال رجولتهم في نفس واحد ، وهو يلهب الهوس في الرجال والنساء .- فيا إبليس، يا محرقا للخلق باحثا عن الفتنة، لأي أمر أيقظتني؟ أصدقني القول. «1»...............................................................( 1 ) ج / 5 - 236 : - ذلك أن الحجة لا تخيل عليّ ، هيا وأفصح عن غرضك دون حيلة . « 231 » تقرير إبليس لتلبيسه ثانية
2725 - قال : كل إنسان يكون سئ الظن ، لا يستمع إلى الصدق ، وإن كان له مائة أمارة .- وكل باطن صار مفكرا في الخيال ، عندما تأتي بالدليل ، يزداد خياله .- وعندما يمضي فيه الكلام يصبح علة ، وسيف الغازي ، يصير أداة للص .- ومن ثم فجوابه هو السكوت والسكون ، فالكلام مع الأبله جنون .- فما شكواك إلى الحق مني أيها السليم ، ألا فلتشك من شر هذه النفس اللئيمة . 2730 - إنك تأكل الحلوى فتظهر عليك البثور ، ثم ترتفع حرارتك ، ويختل طبعك .- وتقوم بلعن إبليس دون ذنب أتاه ، فلماذا لا ترى من نفسك هذا التلبيس ؟- إنه ليس من إبليس ، بل منك أيها الغوي ، أن تسرع كالثعلب صوب الإلية- فعند ما ترى ألية في خضرة تكون فخا ، فلماذا لا تعلم هذا ؟- ومن هنا لا تعلم ما الذي أبعدك عن المعرفة ، وأن اشتهاء الإلهية أعمى عينيك وعقلك . 2735 - " حبك الأشياء يعميك يصم ، نفسك السودا جنت ، لا تختصم " « 1 »- فلا تضع الذنب عليّ ، ولا تنظر إلى الأمور باعوجاج شديد ، فأنا ضائق من الشر ومن الحرص ومن الحقد- لقد قمت بإساءة واحدة ، ولا زلت نادما ، ولا زلت أنتظر أن يسفر ليلي عن نهار .- ولقد صرت متهما من الخلق ، ويضع كل رجل وامرأة وزرهما على كاهلي ................................................................( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي . « 232 » - والذئب المسكين ولو كان جائعا ، يصبح مدانا بأن له مهابة وقعقعة . 2740 - وهو لا يستطيع السير من الضعف ، والخلق يقولون أنه متخم من الدسم الغليظ . إلحاح معاوية مرة ثانية على إبليس
- قال " معاوية " : لن ينجيك إلا الصدق ، كما أن العدل يدعوك إلى الصدق .- فاصدق ، حتى تنجو من براثني ، والمكر لا يقشع غبار حربي .- قال : كيف تعرف صدقي من كذبي ؟ يا مفكرا بالخيال مليئا بالخيالات .- ولقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم الأمارة ، ووضع محكا للزائف والصحيح . 2745 - فقد قال : الكذب ريبة في القلوب ، كما قال : " الصدق طمأنين طروب " - والقلب لا يستريح إلى القول الكاذب ، ومن " اختلاط " الماء بالزيت ، لا يزداد النور .- وفي الحديث الصادق طمأنينة القلب ، وأنواع الصدق هي حبوب شبكة القلب .- وربما يكون القلب مريضا وسئ الفم ، فلا يعلم هذا من ذاك .- وعندما يصبح القلب صحيحا من المرض والعلة ، يصبح عليما بطعم الكذب والصدق . 2750 - وعندما زاد حرص آدم إلى القمح ، سلب الصحة من قلب آدم .- ومن ثم استمع إلى الكذب والغواية ، وخدع ، وشرب السم القاتل .- ولم يعرف العقرب من القمح في تلك اللحظة ، ويطير التمييز من ثمل الهوس .- والخلق سكارى بالشهوات والهوى ، ومن ثم فإنهم يقبلون منك وسوستك . « 233 » - وكل من رد طبعه عن الهوى ، جعل عينه عارفة بالسر . « 1 » شكوى القاضي من آفة القضاء وجواب نائبه عليه
2755 - نصب أحدهم قاضيا ، فأخذ يبكي ، فقال له نائبه : أيها القاضي ، لم البكاء ؟- فهذا ليس وقت البكاء والصراخ ، بل هو وقت الفرح عندك ، وتلقي التهاني .- قال : آه ، كيف يصدر مسلوب قلب الحكم ؟ وهو جاهل بين هذين العالمين ،- فالخصمان كلاهما على علم بالواقعة ، وأي علم للقاضي المسكين بمن يستحق منهما القيد ؟- إنه جاهل بحاليهما غافل عنه ، فكيف يخوض في دمهما ومالهما ؟ 2760 - قال : الخصمان عالمان ، ولكل منهما علة ، وأنت جاهل " بالحال " لكنك شمع الملة .- ذلك أنك بينهما بلا علة ، وذلك الخلو من العلة هو نور البصيرة .- وذلك العالمان قد أعماهما الغرض ، والعلة قبرت علمهما .- وانعدام العلة ، يجعل الجاهل عالما ، والعلة تجعل العالم معوجا ظالما .- فما دمت لا تأخذ الرشوة فأنت مبصر ، وما دمت قد طمعت ، فأنت ضرير وفي قيد . 2765 - ولقد رددت طبعي عن الهوى ، وقللت من أكل لقيمات الشهوة .- فصارت ذائقة قلبي ذات ضياء ، تميز بين الحق والباطل . إرغام معاوية إبليس على الاعتراف
« 2 »...............................................................( 1 ) ج / 5 - 259 : - مثلما رووا في هذه الحكاية ، استمع إليها حتى يفك القيد المغلق .( 2 ) ج / 5 - 282 : - أيها الكلب الملعون أجب عن سؤالي ، وأصدقني القول ، ولا تتوخ الكذب . « 234 » - لماذا إذن أيقظتني ؟ وأنت عدو لليقظة أيها المحتال .- إنك كالخشخاش تجلب النوم للجميع ، وأنت كالخمر ، تسلب العقل والمعرفة .- لقد حصرتك تماما ، فأصدقني القول ، وأنا أعلم الصدق ، فلا تتوخ الحيلة . 2770 - كما أنني أطمع من كل إنسان ، أن يكون صاحب ما في طبعه وجبلته .- فأنا لا أطلب السكر من الخل ، كما أنني لا أعتبر المخنث مقاتلا .- ومثل المجوسي ، لا أطلب من صنم أن يكون هو الحق أو حتى آية من الحق- وأنا لا أطلب من الروث رائحة المسك ، ولا أبحث في قاع النهر عن مدرة جافة .- ومن ثم لا أطلب من الشيطان وهو عدو ، أن يوقظني من أجل خير . « 1 » 2775 - ولقد قال إبليس كثيرا من المكر والغدر ، ولم يستمع الأمير إليه ، وعاند ، وصبر . قول إبليس لمعاوية ما في ضميره صدقا
- فقال له مرغما : إعلم يا فلان أنني أيقظتك من أجل أن ، - تلحق بصلاة الجماعة ، من خلف الرسول رافع " علم " الدولة .- فإن فاتتك الصلاة في وقتها ، لصارت هذه الدنيا مظلمة بلا ضياء .- ولسالت الدموع من عينيك غبنا وألما ، وكأنها " من أفواه " القرب . 2780 - وإن لكل إنسان لذة في طاعة ، فلا جرم ألا يصبر عنها ساعة .- ولكان ذلك الغبن والإحساس بالألم مائة صلاة ، وشتان ما بين الصلاة وبين تلك الضراعة . فضيلة تحسر ذلك المخلص على فوت صلاة الجماعة
- كان أحدهم يمضي إلى داخل المسجد ، بينما كان الناس يخرجون ................................................................( 1 ) ج / 5 - 282 : - وأنا لا أطلب الحراسة من اللص ، ولا أطلب أجرا على عمل لم ينجز . « 235 » - فتسائل قائلا : ماذا جرى للجماعة ، بحيث يخرجون من المسجد سراعا .- فقال له أحدهم : لقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالجماعة وفرغ من السر . 2785 - فإلى أين تدخل مسرعا أيها الرجل الساذج ، ما دام الرسول قد سلم ؟- فقال : آه ، وتصاعد الدخان من تلك الآهة ، وكانت آهته تفوح برائحة الدم من القلب .- فقال له الآخر : هبني هذه الآهة ، ولتكن صلاتي لك عطاء خالصا .- قال : لقد وهبتك الآهة وقبلت صلاتك ، فأخذ تلك الآهة بمائة ضراعة . « 1 »- وفي الليل قال له هاتف : لقد اشتريت ماء الحياة والشفاء . 2790 - وبحق حرمة هذا الاختيار والدخول ، لقد قبلت صلاة كل الخلق . إتمام اعتراف إبليس لمعاوية بمكره
- ثم قال له عزازيل : يا أمير العطاء ، ينبغي أن أبوح بمكري كله لك .- فلو كانت الصلاة قد فاتتك ، لأطلقت في تلك اللحظة مئات التأوهات والصرخات من القلب .- ولجاوزت بذلك الصراخ والتأسف والضراعة " أجر " مائتي ركعة من الذكر والصلاة .- ولقد أيقظتك خوفا من أن تحرق آهة تلك الحجب . 2795 - حتى لا تكون لك مثل تلك الآهة ، وحتى لا يكون لك طريق بها .- فأنا حسود ، ولقد قمت بهذا حسدا ، وأنا عدو وعملي هو المكر والحقد ................................................................( 1 ) ج / 5 - 287 : - وعاد وتضرع ليسترد ضراعته ، كان صقرا أسرع في أثر صقر ملكي . « 236 » - قال : الآن صدقت ، وما تقوله الصدق ، وهذا القول لائق بك .- فأنت عنكبوت تصيد الذباب ، ولست أنا ذبابة - أيها الكلب - فلا تشق على نفسك .- وأنا بازي أبيض ، يقوم الملك بصيدي ، فمتى ينسج عنكبوت حولي ؟ 2800 - فاذهب ، وصد الذباب ما استطعت ، هيا ، وادع الذباب إلى مخيضك .- وإن دعوته أنت صوب العسل ، تكون " دعوتك " كذبا ، ويكون مخيضا على سبيل اليقين .- لقد أيقظتني ، وكان إيقاظك نوما ، ولقد أبديت السفينة ، وكانت دوامة- وإنك تدعوني إلى خير ، وذلك لكي تصرفني عن خير أفضل . هروب اللص بسبب صياح ذلك الشخص بصاحب الدار الذي كان قد
أوشك على اللحاق باللص والقبض عليه
- إن هذا يشبه شخصا رأى لصا في الدار ، فأخذ يجري خلفه . 2805 - وأسرع خلفه لمسافة ميدانين أو ثلاثة ، حتى جعله التعب يتصبب عرقا .- وعندما اقترب منه ، وأوشك أن يقفز عليه ليمسك به ،- ناداه لص آخر قائلا : تعال ، حتى ترى علامات البلاء .- أسرع وعد يا رجل العمل ، حتى ترى الحال هنا في غاية السوء . « 1 »- قال : لعل في تلك الناحية لصا ، وإن لم أعد سريعا ، لحاق بي ما يقول . 2810 - ولظفر بأهلي وولدي ، فبماذا يغنيني القبض على هذا اللص ؟...............................................................( 1 ) ج / 5 - 292 : - وعندما سمع الرجل ذلك صار مهموما ، وقال لنفسه ذلك الممزق الثياب : عد . « 237 » - وهذا المسلم يدعوني من الكرم ، فإن لم أعد سريعا لحل بي الندم .- وعلى أمل ذلك الراغب في " خير " غيره ، ترك اللص ، وعاد من الطريق .- وقال : أيها الرفيق الطيب ماذا جرى ؟ وممن تصيح هكذا وتستغيث ؟- قال : هاك ، فانظر آثار أقدام لص ، ولقد مضى إلى هذه الناحية ، اللص زوج البغي . 2815 - هاك أثر أقدام اللص الديوث ، فامض في أثره ، على هذه الصورة والعلامة .- قال : يا أبله ، ماذا تقول لي ؟ لقد كنت قد أمسكت به آخرا .- وتركت اللص من جراء صياحك ، وظننتك أنت الحمار إنسانا .- فما هذا الهراء وما هذا الهزل يا فلان ؟ لقد وجدت الحقيقة ، فماذا تكون العلامة ؟- قال : إني أدلك على الحق ، وهذه أمارة ، فأنا عالم بالحقيقة . 2820 - قال : هل أنت نشال أو أبله في الأصل ؟ بل أنت لص وعارف بهذه الحال .- لقد كنت أجر خصمي جاذبا إياه ، وتأتي من خلفه قائلا : هذه علامة ؟- إنك تتحدث عن الجهات ، وأنا خارج عن الجهات ، فأين أكون في وصال الآيات والبينات .- وإن الرجل المحجوب عن الصفات يرى الصنع ، ويكون في الصفات ذلك الذي فقد الذات .- والواصلون لما كانوا في عز الذات يا بني ، متى ينظرون إلى صفاته ؟ 2825 - وما دامت رأسك في قاع الماء ، متى يقع بصرك على لون الماء ؟ « 238 » - وإذا خرجت من القاع في طلب لون الماء ، فقد أبدلت رداء خلقا برداء من الحرير .- وطاعة العوام ذنوب عند الخواص ، واعلم أن وصال العامة حجاب عند الخواص .- فإذا جعل الملك من الوزير محتسبا ، لكان الملك عدوا له ، وليس محبا .- وربما ارتكب الوزير ذنبا ما ، ولا يكون تغير الملك بلا سبب لا محالة . 2830 - فمن كان من البداية محتسبا ، فهذا هو حظه ورزقه من البداية .- لكن الذي كان في البداية وزيرا للملك ، إن جعله محتسبا ، فلأنه فعل شيئا - وعندما يدعوك الملك إليه من عتبة " البلاط " ، ثم يطردك ثانية إلى العتبة ، - فاعلم يقينا أنك ارتكبت جرما ما ، وإنك لتقوم بطرح فكرة الجبر جهلا .- قائلا : لقد كانت هذه قسمتي ، وكان هذه رزقي ، إذن فلماذا كانت تلك الدولة في يدك بالأمس ؟ 2835 - ولقد قطعت أنت قسمتك بنفسك من الجهل ، وهو يزيد في قسمة من يكون لها بأهل . قصة المنافقين وبنائهم مسجد الضرار
- وهناك مثال آخر في السير المعوج ، يليق بك أن تسمعه نقلا عن القرآن .- إن مثل هذا الإعوجاج في الإلقاء بزهر النرد ، كان يفعله أهل النفاق مع النبي عليه السّلام . « 239 » - لقد قالوا : من أجل عز الدين الأحمدي ، لنبن مسجدا ، وكانت تلك ردة .- وهكذا لعبوا هذه اللعبة المعوجة ، وبنوا مسجدا غير مسجده . 2840 - ولقد زينوا سقفه وأرضه وقبته ، لكنهم أرادوا به تفريق الجماعة .- وجاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ملحين ، وبركوا على ركبهم أمامه كالجمال .- قائلين : يا رسول الحق، ألا تتعب قدمك " بالمجيء " إلى ذلك المسجد إحسانا منك؟- حتى تحل البركة من قدومك ، ألا فليحفظ الله اسمك إلى يوم القيامة .- إنه مسجد لليوم الموحل واليوم الملبد بالسحاب ، وهو مسجد يوم الضرورة ، ووقت الفقر . 2845 - وحتى يجد غريب فيه الخير والمقام ، وحتى تزداد هذه الأبنية المعدة للعبادة .- وحتى يصبح شعار الدين كثيرا جم الجماعة ، ذلك أن الأمر الصعب يسهل مع الرفاق .- فشرف ذلك الموضع برهة من الزمان ، وزكنا ، وامدحنا .- وأكرم المسجد وأهل المسجد ، فأنت قمر ، ونحن ليل ، فصاحبنا لحظة .- حتى يصبح الليل من جمالك كأنه النهار ، يا من جمالك شمس مضيئة للروح . 2850 - وآسفاه ، فإن هذا الكلام لو كان من القلب ، لحصل المراد لذلك النفر .- واللطف الذي يجرى على اللسان بلا قلب ولا روح ، مثل خضرة على قمامة ، أيها الرفاق . « 240 » - فانظر إليها من بعيد ، واعبرها سريعا ، فهي لا تصلح للأكل أو الشم ، يا بني- فحذار ، لا تمض نحو لطف من لا وفاء عندهم ، فهو جسر خرب ، استمع جيدا .- فإن خطا عليه جاهل خطوة واحدة ، فإن الجسر ينهدم ، وتتحطم تلك القدم . 2855 - وحيثما هزم جيش من الجيوش ، فإنما هزم من رخوين مخنثين أو ثلاثة .- إنه يدخل إلى الصف مسلحا وكأنه الرجل ، ويعتمد عليه بالقلوب ، على أساس أنه ولي حميم .- ثم يولي دبره عندما يرى الطعان ، وانصرافه عنك يقصم منك الظهر- وهذا "حديث" طويل ، ويحدث كثيرا ، لكن المقصود "من الخوض فيه" يظل خفيا . خداع المنافقين للرسول عليه السّلام ليصحبوه إلى مسجد الضرار
- لقد تلوا الرقى على رسول الحق ، وأخذوا يسوقون جواد الحيل ، وزخرف القول . 2860 - وذلك الرسول الحنون المتخلق بالرحمة ، لم يكن يجيب الا بابتسامة ، وبنعم .- فأجزل لتلك الجماعة الشكر ، وأسعد بجوابه قاصديه .- وكان مكرهم يظهر له بتفاصيله ، مثلما يظهر الشعر في اللبن .- وكان ذلك اللطيف يتجاهل الشعر ، ويقول للبن : إسعد . . . ويا له من ظريف .- كانت هناك مئات الآلاف من شعيرات المكر والوسوسة ، لكنه تجاهلها كلها في تلك اللحظة . « 241 » 2865 - وحقيقة ما كان يقوله ذلك البحر من بحار الكرم ، " إنني أكثر شفقة عليكم منكم " .- إنني جالس إلى جوار نار ذات تأجج ، وذات لهيب شديد السوء .- وأنتم كالفراش مسرعون إليها ، وكلتا يدي تصبحان طاردة للفراش .- وعندما تم الاتفاق أن يسير إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، هتفت غيرة الحق : لا تستمع إلى صوت الغول .- فإن هؤلاء الخبثاء قد قاموا بالمكر والحيلة ، وكل ما رووه لك معكوس 2870 - ولم يكن لهم من قصد إلا سواد الوجه ، فمتى بحث النصراني واليهودي عن خير الدين ؟- لقد بنوا مسجدا على جسر النار ، ولعبوا مع الله زهر نرد المكر والاحتيال .- وقصدهم تفريق أصحاب الرسول ، ومتى يعرف فضل الحق كل فضولي ؟- وحتى يجلبوا له يهوديا من الشام ، يلذ وعظه لليهود .- قال الرسول صلى الله عليه وسلم : أجل ، لكننا على بداية الطريق ، عازمون على الغزو . 2875 - وعندا أعود من هذه الغزوة ، أمضي حينذاك إلى ذلك المسجد مسرعا .- وردهم بقوله ، ومضى إلى الغزو ، وتخلص من المحتالين بشيء من الحيلة .- وعندما عاد من الغزو ، عادوا إليه ، وتشبثوا بما سلف من وعد .- فقال له الحق : أيها الرسول ، وضح الغدر ، وإن كان ثم حرب ، قل لتكن .- فقال : أيها القوم المكرة ، أصمتوا ، وحتى لا أفشي أسراركم ، أقلعوا . .
يتبع