الشيخ عبد السلام بن مشيش
جده إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول الإمام أبو الحسن الشاذلى وهو أشهر تلاميذ ابن مشيش: إنه سلك الطريق إلى الله منذ أن كان عمره صغيراً وبعد أن سار فى العبادة أشواطا وبلغ مبلغ الفتيان ظهر له من الكشف أمثال الجبال.. وهو مازال بعدُ فى بواكير شبابه.. ثم نزع إلى السياحة وأقام فى السياحة ست عشرة سنة كاملة و الذهاب على وجه الأرض..
السائحون فى غربة بعد غربة الجائلون بأفكارهم فى الأكوان وأجسامهم يتتبعون ضوء مطلوبهم.. ويصعدون إليه مهما تعالى يضعون نفوسهم .. وعندهم العبر والعلامات.. وهم الغرباء فى الأرض.. المشاهير فى عالم الحكمة.. وقيل غير ذلك.
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلى: كنت فى سياحتـي فأتيت إلى غارٍ لأبيت فيه فسمعت فيه حسَّ رجل فقلت: والله لا أشوّشُ عليه فى هذه الليلة.. فبتُّ على فم الغار.. فلما كان عند السحر سمعته يقول: اللهم إن أقواما سألوك أن تسخِّر لهم قلوب خلقك.. اللهم إني أسألك إعراضَهم عنى.. حتى لا يكون لى ملجأٌ إلا إليك. قال: ثم خرج. فإذا هو أستاذى .. يسأل محبوبه أن يعصى عليه قومه لاأن يسخرهم له.. فقلت له: يا سيدي إني سمعتك البارحة تقول: (كذا وكذا) فقال لي: "أيما خير لك أن تقول: كن لي أو تقول: سخر لي قلوب خلقك فإذا كان لك، كان لك كل شيء"
ويرسم لتلميذه خط السير فى متاهة الحياة.. والسلوك الأمثل فى المعاملات.. فقال لتلميذه أبا الحسن الشاذلىِّ: لا تنقل قدميك إلا حيث ترجو ثواب الله.. ولا تجلس إلا حيث تأمن غالبًا من معصية الله.. ولا تجالس إلا من تستعين به فى طاعة الله.. ولا تصْطَفِ لنفسك إلا من تزداد منه يقينًا بالله.. تتبعاً للحديث الشريف لايأكل طعامك إلا تقى ولايطأ بساطك فاجر.. وماكان لله اتصل وماكان لغيره انفصل.
وكان دجال يدعى أبوالطواجين الكُتَامِيّ قد ثار بتلك البلاد وانتحل صناعة الكيمياء ثم ادعى النبوة فأربك العوام.. وتصدى له ابن مشيش .. فتآمروا على الشيخ بن مشيش.. فدس له جماعة من أتباعه وأشياعه.. فرصدوا الشيخ حتى نزل من خلوته في سحر من الأسحار إلى عين الماء.. الجبل المذكور.. فتوضأ منها وولى راجعا إلى محل عبادته.. وارتقاب الفجر.. فعدوا عليه واستشهد على أيديهم سنة 626 للهجرة / 1228م
وقال ابن خلدون: قتله في العَلَم قوم بعثهم لقتله ابن أبي الطواجين الكتامي مدعي النبوة.. وبسبب هذه الدعوة رجفت إليه عساكر سبتة.. وكان له أنصار يساندونه ويؤيدونه .
ومن الشائع فى القصص الشعبى أنه ألقي عليهم ضباب كثيف.. أضلهم عن الطريق.. ودفعوا إلى شواهق تردوا منها في مهاوي سحيقة.. تمزقت فيها أشلاؤهم ولم يرجع منهم خبر.. كأنه الروح ينسجم مع الواقع فى عالم الخيال .. وتوفي رضي الله عنه الشهيد ودُفن بجبل العلم من جبال غُمَارَةَ بثغر تطوان .. وقبره هناك مشهور من أجمل مزارات المغرب.
تحت شجرة الدلم الكبيرة الحجم حوش من حجارة من طين طلي بالجير في العهد القريب في منطقة “تتنازع” حولها أكثر من مدينة.. فهو يوجد في منطقة جبل “العلَم” بمنطقة بني عروس.. وهو أيضا قريب من طنجة.. لذلك فإن أغلب الزوار يأتون من طنجة.. المدينة الأكبر.
وتسميته عند أهل المغرب مولاي عبد السلام بن مشيش شيخ جْبالة وصحْراوة
يوصف في أدبيات التصوف المغربى وكتب التاريخ بأنه “شيخ جْبالة”.. فهو في قلب منطقة جْبالة.. وطنجة عاصمتها.. زواره يأتون من كل مكان ومن باقى المناطق الجبلية.. وهي مناطق تسكنها أغلبية من ذوي الأصول الأندلسية الذين نزح أجدادهم أو طردوا من شبه الجزيرة الإيبيرية بعد زوال بلاد الأندلس.
لمولاي عبد السلام بن مشيش مزية خاصة جدا.. فهو ولي صالح يمارس دورا أكبر بكثير مما يمارسه السياسيون الحاليون فهو يربط بين الناس..يتعارفون .. لذلك ليس من المستغرب أن تجد خلال موسم مولاي عبد السلام المئات من الصحراويين وهم يلبسون دراعياتهم الشهيرة.. يجلسون أو يصلّون جنبا إلى جنب مع مئات آخرين يلبسون جلاليبهم الجبلية التقليدية.. رغم اختلاف أجناسهم وأعراقهم يجتمعون حول الغريب المرابط.. حول الشهيد الزاهد.
الأغاني الشعبية الشمالية.. هناك فيها ذكر كثير لمناقب مولاي عبد السلام.. ويندر أن توجد أشعار تصوف في المنطقة من دون أن يكون مولاي عبد السلام أحد ركائزها. إنه رمز المنطقة بامتياز.
تقول المصادر التاريخية إن مولاي عبد السلام كان أكثر من متصوف وزاهد في الدنيا.. بل هناك مؤرخون يقولون إن الناس يظلمون هذا الرجل الصالح حين يتصورون بأنه كان فقط زاهدا متعبدا على رأس جبل.. بينما هو كان رجل مقاومة وجهاد.. وهو اختار ذلك المكان القصي في جبل “العلَم” ليس للبعد عن الدنيا.. بل لأنه مكان استراتيجي يرصد تحركات الجيوش البرتغالية والإنجليزية.. خصوصا الجيوش التي تنزل على شواطئ المحيط الأطلسي وتحاول التوغل برا.. وهي محاولات كانت مستمرة خلال مختلف مراحل القرن الثالث عشر الميلادي.. حيث تعاظمت الأطماع الأجنبية تجاه المغرب.. لذلك كان مكان تعبده وتصوفه بمثابة قلعة مراقبة جوية.. خصوصا وأن جبل “العلَم” يوجد على مرتفع يخيل لمن يصعده أنه يركب فوق السحاب.
"مولاي" حسب التعبير الغربى كان يقسم وقته بين ثلاث.. كان يفلح الأرض ويزرعها ليأكل منها.. وكان يجاهد ضد المستعمرين الأوروبيين ويقود المجاهدين نحو المعارك.. وبعد ذلك يجلس متفرغا للعبادة وطلب العلم.
اليوم.. وعند كل موسم سنوي.. يزور منطقة جبل “العلَم” أزيد من 300 ألف شخص.. وبينهم سياسيون وزعماء أحزاب ومسؤولون حكوميون.. ويتحول الموسم إلى تظاهرة روحية وسياسية واقتصادية كبيرة..
وفى المأتور الشعبى أن زيارة ضريح الرجل هي بمثابة “حج المسكين”.. هى إشارة ومعنى ورمزعند الصوفى أي أن من لم يسعفه الجهد والمال لأداء مناسك الحج لاينتظر وإنما يبدأ بالصعود لجبل الروح .. يفارق النفس ويحرم عن الدنيا نحو جبل العلم.. يغتسل من نفسه.. كما قال تلميذه أبو الحسن الشاذلى .. خرجتُ من علمي وعملي وطلعت إليه فقيرا.. وإذا به هابط علي.. يصعد نحو الإنسان الجديد على يد أستاذه ساكن الجبل .. جبل الروح ..
توفي سيدي عبد السلام بن مشيش لم يترك إرثا لأولاده الثلاثة سوى.. مصحفاً.. و سيفاً.. و مسبحة .