حكاية ذلك الحكيم الذي رأى طاووسا ينزع جناحه الجميل .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
حكاية ذلك الحكيم الذي رأى طاووسا على مدونة عبدالله المسافر باللهحكاية ذلك الحكيم الذي رأى طاووسا ينزع جناحه الجميل المثنوي المعنوي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
[ حكاية ذلك الحكيم الذي رأى طاووسا ينزع جناحه الجميل ]
مناجاة
780 - يا من بدلت التراب إلى ذهب ، وجعلت من تراب آخر أبا للبشر .
- إن فعلك هو العطاء وتبديل الأعيان ، وفعلى أنا هو السهو والنسيان والخطأ .
- فبدل السهو والنسيان إلى علم ، وأنا بأجمعي خطل وجهل ، فاجعلني صبرا وحلما .
- يا من تجعل من الأرض البور خبزا ، ويا من تجعل من الخبز الميت ، روحا .
- ويا مرشدا للروح الحائرة ، ويا من تجعل الضال رسولا . “ 1 “
785 - وتجعل قطعة من الأرض سماءً ، وتزيد في الأرض من عدد النجوم .
- وكل من يجعل من هذه الأرض ماء حياة ، يحيق به الموت مبكرا عن الآخرين .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 283 :
- يا من أعطيت الروح للتراب الكدر ، وأعطيته العقل والحس والرزق والإيمان .
- وتأتي بالسكر من البوص والثمر من الخشب ، ومن المنى الميت حسناء جميلة .
- ومن الطين الورود ومن القلب الصفاء ، وتمنح الشحمة ضياءً ونورا .
“ 116 “
- وبصيرة القلب الناظرة إلى الأفلاك ، ترى أنه يوجد هنا في كل لحظة خلقٌ وتصوير .
- وقلب للأعيان وأكسيرٌ محيط " بكل شيء " ، وإتلاف لخرقة الجسد دون أن تخاط .
- وأنت في ذلك الوقت الذي جئت فيه إلى الوجود ، كنت نارا أو ريحا أو ترابا .
790 - ولو كان لك بقاءٌ على هذا الحال ، فمتى كان هذا الارتقاء يصل إليك ؟
- إن الوجود الأول لم يبق من " تأثير " المبدل ، بل وضع وجودا أفضل في موضعه .
- وهكذا حتى مئات الآلاف من الموجودات ، واحدةٌ بعد الأخرى ، التالي خيرٌ من السابق .
- فانظر إليها على أنها من المبدل ، ودعك من الوسائط ، فمن الوسائط تبتعد عن أصولها .
- وحيثما زادت الواسطة ، انتفى الوصال ، والواسطة أكثر ازديادا عند من قلت لذته بالوصل .
795 - ومن معرفة السبب تقل حيرتك ، والحيرة هي التي تعطيك الطريق إلى الحضرة .
- لقد وجدت أنواع البقاء هذه من أنواع الفناء ، فلماذا أشحت بوجهك عن الفناء فيه ؟
- وأي ضرر كان قد أصابك من الفناء ؟ حتى تتشبث بالبقاء أيها النافق ؟
- وإذا كان ثانيك أفضل من أولك ، فابحث إذن عن الفناء ، واعبد المبدل .
“ 117 “
- ولقد رأيت مئات الآلاف من أنواع الحشر أيها العنود، حتى هذه اللحظة، ومن بدء الوجود .
800 - من الجمادية - وأنت غافل - حتى حال النماء ، ومن النماء نحو الحياة والابتلاء .
- ثم نحو العقل والتمييزات الطيبة ، ثم خارج هذه " الحواس " الخمسة و " الجهات " الستة .
- وآثار الأقدام هذه موجودة حتى ساحل البحر ومن بعدها، توجد آثار الأقدام داخل بحر العدم.
- ذلك أن منازل اليابسة تكونت على سبيل الاحتياط ، من القرى والأوطان والأربطة . “ 1 “
- ثم إن منازل البحر عند التوقف ووقت الموج ، لا عرصات فيها ولا سقوف تحبس المسافر .
805 - ولا نهاية تبدو واضحة لتلك المراحل ، وهذه المنازل لا علامة لها ولا اسم .
- وما هو بين المنزلين مائة ضعف لما هو موجود " بين منازل الأرض " ، في ذلك الطرف بين النماء وبين تحول الروح إلى عين " من الأعيان .
- لقد رأيت أنواع البقاء هذه في أنواع الفناء ، فكيف تشبثت ببقاء الجسد ؟
- هيا ، وابذل هذه الروح أيها الغراب ، وكن مضحيا بالروح أمام تبديل الله .
- وداوم على أخذ الجديد ، ودعك من القديم ، فكل سنة جديدة أفضل لك من ثلاث سنوات سابقة .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 284 : - وذلك أن منازل البحر في ازدياد ، وعند موجه ، لا جدران هناك ولا عمد .
“ 118 “
810 - وإن لم تك مؤثرا على نفسك كالنخل ، ضع القديم فوق القديم ، واجعل منه مخزنا .
- واحمل هذا القديم المهترىء المتعفن ، وقدمه هدية إلى كل من لم ير " نعمة " .
- وكل من رأى الجديد لن يكون مشتريا منك ، إنه صيد الحق ، وليس فريسة لك .
- وحيثما يكن هناك سربٌ من الطير العمياء ، فإنها تتجمع حولك ، أيها السيل المالح .
- حتى تزداد عمى من المياه المالحة ، وذلك لأن المياه المالحة تزيد في العمى .
815 - وأهل الدنيا لهذا السبب عمى القلوب ، شاربون لمياه الجسد المالحة .
- فداوم على إعطاء المالح وشراء العمى في الدنيا ، ما دمت لا تملك ماء الحيوان في الخفاء .
- ومع مثل هذا الحال تريد البقاء والذكر ، وسعيدٌ في سواد الوجه ، كأنك الزنجي .
- والزنجي مستريح في سواده ، ذلك لأنه زنجي بأصله وميلاده .
- لكن ذلك الذي كان جميلا وضاء الوجه ، إذا اسود لونه يبحث عن علاج للأمر .
820 - والطائر المحلق عندما يبقى على الأرض ، يبقى في حزن وألم وحنين .
- لكن الطائر المنزلي يمضي هانئا على الأرض ، ويسرع لالتقاط الحب ، سعيدا نشطا .
- ذلك أنه في الأصل لا يطير ، لكن الطائر الآخر طيار محلق في الهواء .
“ 119 “
قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : ارحموا ثلاثا ، عزيز قوم ذل ،
وغنى قوم افتقر وعالما يلعب به الجهال
- قال الرسول عليه السلام : إرحموا حال " من كان غنيا فافتقر ،
- والذي كان عزيزا فاحتقر ، أو صفيا عالما بين المضر " “ 1 “
825 - قال الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم : ارحموا هؤلاء الثلاثة ، حتى وإن كنتم من صخر أو من جبل .
- ذلك الذي ذل من بعد الرئاسة ، وذلك الغني الذي صار بلا دينار .
- وثالثهم ذلك العالم ، الذي يكون مبتلى في الدنيا بين البلهاء .
- ذلك لأن الانتقال من العز إلى الذل ، كأنه قطع عضو من البدن .
- والعضو الذي يقطع من البدن يموت ، إنه يتحرك قليلا بعد بتره ، لكن ليس لفترة طويلة .
830 - وكل من شرب من كأس " ألست " في العام الفائت ، يحس هذا العام بالألم والخمار .
- وذلك الذي يكون في الأصل ككلب الحظيرة ، متى يكون حريصا على السلطنة .
- إنما يبحث عن التوبة من ارتكب الذنب ، وإنما يتأوه من ضل الطريق .
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي .
“ 120 “
[ حكاية سقوط حشف غزال في حظيرة حمر ]
قصة سقوط حشف غزال في حظيرة حمر ، وشتم تلك الحمر لذلك الغريب حينا على سبيل الشجار وحينا على سبيل السخرية ، وابتلائه بالقش الجاف الذي ليس طعامه ، وهذه صفة العبد المخصوص من الله بين أهل الدنيا وأهل الهوى والشهوة مصداقا لقول الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم : الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء . صدق رسول الله
- لقد صاد أحد الصيادين غزالا ، فوضعه في الحظيرة بلا رحمة .
- وحبس الغزال في حظيرة مليئة بالحمر والبقر كما يفعل الظلمة .
835 - أخذ الغزال من خوفه يجرى في كل صوب ، وفي الليل وضع الصياد القش أمام الحمر .
- ومن الجوع أخذ كل حمار وكل بقرة في رعى القش وكأنه أحلى من السكر .
- وأخذ الغزال يسرع حينا هنا وحينا هناك ، وحينا كان يشيح بوجهه عن الدخان والغبار .
- وكل من وضعوه مع ضده ، " عاقبوه " بهذا العقاب على أنه مساو للموت .
- حتى أن سليمان عليه السّلام قال : إن لم يقدم الهدهد عذرا مقبولا عن تأخره وعجزه .
840 - فإنني سوف أقتله أو أسومه أشد العذاب ، عذابا شديدا يفوق الحسبان والتصور .
- هيا ، أي عذاب هذا أيها المعتمد ، قال : وضعه في قفص واحد مع غير جنسه .
- والروح بازى والطبائع غربان ، فهي في جراح من الغربان والبوم .
“ 121 “
- ولقد بقي الغزال بينها في محنة وعذاب، مثل من كان يسمى " أبو بكر " بين أهل سبزوار.
حكاية محمد خوارزمشاه الذي استولى بالحرب على مدينة سبزوار
وكل أهلها من الروافض ، فطلبوا الأمان لأرواحهم ،
فقال : أعطيكم الأمان ، إذا أحضرتم لي كهدية واحدا
من أهل هذه المدينة يسمى أبو بكر
845 - ذهب محمد الب الغ خوارزمشاه لقتال أهل سبزوار المليئة بالحصون .
- فضيق عليهم جنده الخناق ، وأعمل جيشه القتل في الأعداء .
- فسجدوا أمامه قائلين : الأمان ، ضع حلقات " العبودية " في آذاننا ، وهبنا الحياة
- وكل ما تريده من عطاء أو خراج ، نعطيه لك ، وكل موسم يكون في ازدياد .
- وأرواحنا ملك لك أيضا يا من أنت في طبع الأسد ، فمر بأن تظل أمانة لدينا بعض الوقت .
850 - قال : إنكم لم تخلصوا أرواحكم منى ، ما لم تحضروا لي أحدا يسمى أبو بكر .
- وما لم تحضروا لي كهدية أحدا يسمى أبو بكر من مدينتكم أيتها الأمة الضالة ،
- فإنني سوف أحصدكم حصاد الزرع أيها القوم الأدنياء ، ولا آخذ خراجا ، ولا أقبل رجاءً .
- فوقفوا في طريقة جارين جوالا مليئا بالذهب ، قائلين : لا تطلب من يسمى أبو بكر من مثل هذه المدينة .
“ 122 “
- فمتى يكون أبو بكر في سبزوار ؟ أتوجد مدرة جافة في قاع جدول ؟
885 - فأشاح بوجهه عن الذهب، وقال : أيها المجوس ، ما لم تقدموا إلى من يسمى أبو بكر،
- فلا فائدة قط ، ولست طفلا ، حتى أقف أمام الفضة والذهب مندهشا ! !
- فما لم تسجد لن تنجو أيها الضعيف المسكين ، حتى ولو قست المسجد بمقعدك
- فبثوا العيون في كل صوب ، سائلين : أين من يسمى أبو بكر في هذه الأرض الخربة ؟
- وبعد أن جدوا في البحث ثلاثة أيام بلياليها ، وجدوا شخصا يسمى أبو بكر ، لكنه شديد النحول .
860 - كان عابر سبيل أقعده المرض في زاوية خربة مليئا بالحرض .
- كان قد نام في ركن منعزل ، وعندما رأوه ، صاحوا به : أسرع .
- إنهض فإن السلطان يطلبك ، وبك سوف تنجو مدينتنا من الذبح .
- قال : لو أن بي قوة أو كنت أستطيع القدوم ، لذهبت أنا بنفسي إلى مقصدى .
- ومتى كنت أبقى في ديار الأعداء هذه ؟ ولكنت قد أسرعت نحو مدينة الأحباب .
865 - فأحضروا محفة مما ينقل عليها الموتى ، ووضعوا عليها أبا بكر المجادل ذاك .
- وأخذ الحمالون يحملونه حملا إلى خوارزمشاه ، حتى يرى الدليل .
- إن سبزوار هذه هي الدنيا ، ورجل الحق فيها ضائع وممتحن .
- ومثل خوارزمشاه كمثل الرب الجليل ، إنه يريد القلب من هؤلاء القوم الأراذل
- لقد قال : " إنه لا ينظر إلى تصويركم ، فابتغوا ذا القلب في تدبيركم " . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي .
“ 123 “
870 - وأنا أنظر إليكم من خلال صاحب قلب ، لا إلى صورة السجود ، وإنفاق الذهب .
- بينما ظننت أنت أن قلبك قلب ، وتركت البحث عن أصحاب القلوب .
- وقلب " الواحد منهم " لو حلت به سبعمائة من أمثال هذه السماوات السبع ، لتاهت فيه واختفت .
- فلا تسم فتات القلوب هذه قلوبا ، ولا تبحث في سبزوار عمن يسمى أبو بكر .
- وصاحب القلب يصبح مرآة سداسية الجهات ، وينظر فيها الحق من الجهات الستة .
875 - وكل ما يوجد في الجهات الستة ، لا ينظر إليه الحق دون واسطة منه .
- فإن رد فإنما يرد من أجله ، وإن قبل ، فإنه يكون سندا للقبول .
- وبدونه لا يعطي الحق أحدٌ نوالا ، إن كل ما ذكرته هو نبذة عن صاحب الوصال .
- إنه يضع ما يهبه على كف يده ، ومن كف يده ، يعطيها لمن رحمهم
- فلكفه اتصال بالبحر الكلي ، على أتم وجه ، ودون شكل أو كيفية .
880 - إنه اتصال لا يستوعبه كلام ، وقوله يكون بالأمر والتكليف ، والسلام .
- وإنك لتأتي بمائة جوال من الذهب أيها الغني ، ويقول الحق : بل قدم القلب أيها المنحنى .
- فإن كان القلب راضيا عنك فأنا راض ، وإن كان معرضا عنك ، فأنا معرض .
- إنني لا أنظر إليك ، بل أنظر إلى ذلك القلب ، فقدمه هدية أيها الحبيب على بابي .
“ 124 “
- إنني معك كما يكون هو معك ، مثلما توجد الجنان تحت أقدام الأمهات .
885 - إنه الأب والأم ، بل هو أصل الخلق ، وما أسعده ذلك الذي عرف القلب من القشر .
- وإنك تقول : ألست قد أتيت إليك بالقلب ؟ فيقول لك : إن "قتو" مليئة بأمثال هذه القلوب . “1”
- بل هات ذلك القلب الذي هو قطب العالم ، وهو روح روح الروح لروح آدم .
- ومن أجل ذلك القلب الملىء بالنور والبر ، يكون سلطان القلوب ذاك منتظرا .
- وإنك لتطوف لعدة أيام في سبزوار ، ولا تجد مثل ذلك القلب من الاعتبار .
890 - فتضع قلبا ذابلا مهترىء الروح على محفة جارا إياه إلى تلك الناحية .
- قائلا : لقد أحضرت إليك قلبا أيها المليك ، وليس هناك أفضل من هذا القلب في سبزوار .
- فيقول لك : أهذه جبانة أيها المتجرىء حتى تحضر قلبا ميتا إليها ؟
- إمض وهات قلبا في طبع المليك ، فمن هذا القلب ، يكون الأمان ل " سبزوار " الكون .
- فتقول : إن هذا القلب خفي عن الدنيا ، وذلك لأن الضياء والظلمة ضدان .
895 - إن العداوة لهذا القلب ميراث عند " سبزوار " الطبع منذ يوم " ألست "
- ذلك أنه بازى ، والدنيا مدينة الغربان، ورؤية أحد لمن هو من غير جنسه ، بمثابة الكي له.
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 305 : - يقول لك : هذا القلب لا يساوى شروى نقير .
“ 125 “
- إنه إن لاطف ، فإنما يفعل ذلك نفاقا ، إنه يستميل حتى يحقق الرفقة .
- إنه يوافق ، لا من أجل الحاجة ، بل من أجل أن يقصر الناصح في نصيحته الطويلة .
- ذلك أن ذلك الغراب الخسيس الباحث عن الجيفة ، لديه الآلاف من أنواع المكر ، بعضها فوق بعض .
900 - فإن قبلتم نفاقه هكذا أيها السالكون ، لصار نفاقه هذا هو صدق المستفيد بعينه .
- وذلك لأن صاحب القلب ذي العظمة والحشمة ، هو في سوقنا كالحمار المعيوب .
- فابحث عن صاحب قلب ، إن لم تكن بلا روح ، وكن من جنس القلب إن لم تكن معاديا للسلطان .
- وذلك الذي يخيل عليك احتياله ومكره ، هو وليك أنت ، وليس ولي الله .
- وكل من عاش على طبعك وخصالك ، هو الولي والنبي عند طبعك . “ 1 “
905 - فامض ، واترك الهوى ، حتى يصبح أرج " الحقيقة " لك ، وتكون لك تلك الشامة الطيبة الباحثة عن العنبر .
- ومن ممارسة الهوى ، تكون أنفك فاسدة ، ويكون المسك والعنبر كاسدين أمام لبك . “ 2 “
- إن هذا الكلام لا نهاية له ، وغزالنا ، يهرب داخل الحظيرة من مكان إلى آخر .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 306 : - وامض واهجر الهوى ، حتى يأتي إلى مشامك عبير الحق ، أيها العظيم .
( 2 ) ج / 11 - 306 : - إنك عاشق للنجس كالغراب ، ومن ثم فإن أنفك لا يتلقى رائحة المسك .
“ 126 “
بقية قصة الغزال واصطبل الحمير
- ظل ذلك الغزال حسن النافجة لعدة أيام معذبا في حظيرة الحمير .
- كان مضطربا ، يجود بالروح ، كسمكة على اليابسة ، فعند ما يحبسا في صندوق صغير يعذبان : البعر والمسك .
910 - كان أحد الحمير يقول له : ها هو ذا أبو الوحوش ، إن فيه طبع الملوك والأمراء ، فاصمت .
- وكان آخر يسخر قائلا : لقد أتى من الجزر والمد بجوهرة غالية ، فمتى يبيعها رخيصة ؟
- وطفق حمار ثالث يقول : بهذه الرقة التي فيك ، إمض إلى سرير الملك ، وقل : أين المتكأ ؟
- وحمار رابع أتخم حتى عجز عن الرعي ، فأخذ ينادى الغزال داعيا إياه " إلى الطعام " .
- فهز رأسه بما يعني : لا ، إذهب عني يا فلان ، لا شهية عندي ، ولا أقدر .
915 - قال : أعلم أنك تسوق الدلال ، أو أنك تتجنب الطعام تكبرا عليه .
- فقال لنفسه : إن هذا هو طعامك ، فمنه تتجدد أعضاء جسدك ، وتحيا .
- لقد كنت أليفا للمروج ، وكنت مرفها في الرياض ، و " إلى جوار " الماء الزلال .
- فإذا كان القضاء قد ألقى بي في العذاب، فمتى تمضي عني تلك الجبلة ، وهذا الطبع الطيب؟
“ 127 “
- وإذا كنت قد صرت شحاذا ، متى أصبح ملحاحا سمجا ؟ وإذا كانت ملابسي قد خلقت ، فأنا لا زلت جديدا نضرا .
920 - ولقد رعيت السنبل والشقائق والريحان ، مع الزهد فيها ، وأضعاف هذا الدلال .
- قال الحمار : هيا ، أنفج علينا نفاجا شديدا ، ففي الغربة يمكن الادعاء الذي لا يستند على دليل .
- قال الغزال : إن نافجتي في حد ذاتها شاهد عليّ ، فإنها تزرى بالعود والعنبر .
- لكن متى يشمها صاحب شم ؟ ، لقد صارت حراما على الحمار عابد البعر .
- إن الحمار يشم بول الحمار على الطريق ، فكيف أعرض المسك على هذا الفريق ؟
925 - من أجل هذا قال النبي المستجيب ، سر [ الإسلام في الدنيا غريب ] .
- ذلك أن أهله أيضا ينفرون منه ، بالرغم من أن الملائكة قرناء لذاته .
- إن الأنام يرون صورته مجانسة لهم ، لكنهم لا يجدون من " حقيقته " حتى رائحتها .
- وكأنه أسد في إهاب بقرة ، أنظر إليه على البعد ، لكن إياك أن تشق عنه الإهاب .
- وإن شققته ففرط أولا في بقرة الجسد ، فإنه يمزق البقرة ، ذلك الذي فيه طبع الأسد .
930 - إنه يخرج من رأسك طبع البقر ، ومن الحيوان ينزع الطبع الحيواني
- وتكون بقرة فتنقلب لديه إلى أسد ، فإذا كنت سعيدا مع طباع البقر ، لا تبحث عن الأسد .
“ 128 “
تفسير ( إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ )
كان الله تعالى قد خلق تلك البقرات العجاف على صفة الأسود الجائعة ،
حتى أنها كانت تأكل تلك البقرات السبع السمان بشهية ،
وبالرغم من خيالات صور البقر أبديت في النوم تأمل أنت في المعني
- ذلك الذي كان عزيز مصر يراه في النوم ، عندما انفتح الباب أمام عين غيبه ،
- رأى سبع بقرات سمان حسنة التسمين ، أكلتها تلك البقرات السبع العجاف
- لقد كانت تلك العجاف أسدا في الباطن ، وإلا لما كان لها أن تأكل الأبقار
935 - ومن هنا فإن رجل الأمر قد خلق على صورة الإنسان ، لكن في داخله أسدا خفيا مفترسا للرجال .
- إنه يبتلع المرء سعيدا ويجعله فردا ، ويصفي كدره ، وإن آلمه . “ 1 “
- فهو بهذا الألم الواحد ينقيه من جملة الأكدار ، فيخطو فوق السها . “ 2 “
- فحتام تقول كالغراب شديد النحس : أيها الخليل ، لماذا قتلت الديك ؟
- أجاب : إنه الأمر ، فحدثنا إذن عن حكمة الأمر ، حتى تكون كل شعرة فيّ مسبحة له . “ 3 “
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 315 : -
- لتكن بقرة الجسد فداءً لأسد الله ، إذا كنت معه ذا صدق وصفاء .
- وإن قتلت الضيف ظللت نفس مخرة الحمار ، فحتام تربي أيها السيد بقرة الجسد .
( 2 ) ج / 11 - 315 : - يصبح ملكا ويترك العبودية ، ويجد في الموت حياة القلب .
( 3 ) ج / 11 - 317 : - قال إنه الأمر ، فاقرأ علينا حكمة الأمر ، حتى أهلل له بالروح .
“ 129 “
بيان أن قتل الخليل عليه السّلام للديك كان إشارة إلى قمع أية صفة
من الصفات المذمومات المهلكات في باطن المريد
940 - إنه شهواني ، شديد في عبادة الشهوة ، وهو ثمل من ذلك الشراب المسموم الذي لا قيمة له .
- ولو لم يكن النسل مطلوبا يا وصي " آدم " ، لكان آدم قد خصى نفسه من عارها .
- لقد قال إبليس اللعين للخالق : أريد فخا عظيما من أجل هذا الصيد .
- فعرض عليه الذهب والفضة وقطعان الخيل " المسومة " قائلا له : إنك بهذا تستطيع أن تخطف الخلق .
- قال : حسنا ، وعبس بشدقيه ، وصار عبوسا مليئا بالغضون وكأنه الأترجة .
945 - فقدم الحق لذلك المدبر الذهب والفضة والجواهر والمعادن النفيسة .
- قائلا : خذ هذه الشبكة الأخرى أيها اللعين ، فقال : زدني عليها يا نعم المعين .
- فأعطاه " الطعام " الدسم والحلو والمشروبات الغالية وكثيرا من الثياب الحريرية .
- فقال : يا رب ، أريد أكثر من هذا المدد ، حتى أشدهم إليّ بحبل من مسد .
- فإن الثملين بك من الأبطال الشجعان ، يقطعون كالرجال تلك الحبال .
“ 130 “
950 - وحتى يكون رجلك أنت مميزا عمن ليسوا برجال بهذه الفخاخ وحبال الهوى .
- إنني أريد شبكة أخرى يا سلطان العرش ، شبكة شديدة الاحتيال ، تجندل الرجال .
- فأتى بالخمر وآلات الطرب “ 1 “ ووضعها أمامه ، فابتسم لها نصف ابتسامة ، ولم يفرح كثيرا .
- فأرسل " إبليس " رسالة إلى " مظهر قدرة الله " في الإضلال منذ الأزل قائلا :
فلتجعل التراب يتصاعد من قاع بحر الفتنة .
- أليس موسى واحدا من عبيدك ، وقد عقدت له حجب الغبار من قلب البحر ؟
955 - وأطلقت للماء العنان من كل صوب ، وارتفع غبار من قاع البحر ؟ “ 2 “
- وعندما أبدى له حسن النساء وفتنتهم ، التي تتغلب على عقول الرجال وصبرهم ،
- طرقع بأصابعه فرحا ، وانطلق راقصا ، وقال : أعطنيها سريعا فقد بلغت مرادي .
- وعندما رأى تلك الأعين المليئة بالخمار ، والتي تجعل العقول والألباب بلا قرار .
- وذلك الصفاء الموجود في خدود أولئك الفاتنات ، والتي تحترق عليها القلوب وكأنها البخور .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : الصنج وهو آلة موسيقية كالرباب .
( 2 ) ج / 11 - 317 : - أعطني فخا قويا حتى يتم الأمر ، ألقيه في أفواههم كأنه اللجام .
- وأضعهم في وهقي وأجرهم جرا ، بحيث لا يستطيعون عصيان ذلك الفخ .
“ 131 “
960 - والوجه والخال والشفاة التي كالياقوت ، وكأنما تجلى فيها الحق من خلف حجاب رقيق . “ 1 “
- ولقد رأى هو هذا الغنج والتثني اللطيف ، كأنه تجلي الحق من حجاب رقيق . “ 2 “
تفسير لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ، ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ
وتفسيروَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ
إن الحسن الذي سُجد له كما سجدت الملائكة لآدم ،
لم يلبث أن عزل وطرد كما طرد آدم .
- فقال : أواه ، أعدمٌ بعد وجود ؟ فقال : إن جرمك أنك عمرت طويلا .
- كان جبريل يجره آخذا إياه بالنواصي قائلا له : إمض عن هذا الخلد وعن هذه الطائفة من الحسان .
965 - فقال له : ما هذا الإذلال بعد العز ؟ ، قال : هذا هو العدل وهذا هو الحكم
- يا جبرائيل ، كنت تسجد لي بالروح ، فكيف تطردني الآن من الجنان ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 318 : - والقد الذي كأنه السر والمتبختر في الرياض ، والخد كالياسمين والزهور البيضاء .
( 2 ) ج / 11 - 318 : - فصار عالمٌ والها حائرا مبهوتا ، من تلك النظرة والدلال الحلو والجمال .
“ 132 “
- إن الحلل تتساقط من فوقي امتحانا ، مثل تساقط الأوراق من الشجر أوان الخريف .
- وذلك الوجه الذي كان يشع كضوء القمر ، صار من الشيخوخة كأنه ظهر الضب .
- وذلك الرأس وذلك المفرق الجميل الوضاء ، صار قبيحا وقت الشيخوخة ، متساقط الشعر .
970 - وذلك القد الشاق لصفوف الحسان كالسنان، صار في الشيخوخة محنيا كأنه القوس .”1”
- لقد صارت حمرة الشقائق صفرة زعفران ، وقوة الأسد صارت كخور النساء . “ 2 “
- وذلك الذي كان يحمل الرجل تحت إبطه بفن ، صار يؤخذ من تحت إبطيه عند القيام .
- وهذه في حد ذاتها هي آثار الغم والذبول ، وكل واحد منها رسول للموت .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 321 : صار الشعر الذي كان في سواد الزاغ كالبَرَد ، وصار الوجه من التجاعيد مليئا بالجراح والوسم .
( 2 ) ج / 11 - 321 : - صارت العين التي تشبه النرجس ذابلة ، وحرارة الأعضاء تحولت إلى برودة .
“ 133 “
تفسير أَسْفَلَ سافِلِينَ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ
- لكن ، إن كان طبيبه نور الحق ، فليس له من الشيخوخة والحمى نقصان ونحول .
975 - يكون وهنه مثل وهن الثمل ، وفي هذا الوهم يحسده " من هو في قوة " رستم .
- وإن يمت ، تصبح عظامه غريقة في اللذة ، ويصبح ذرة ذرة في شعاع من نور الشوق .
- وذلك الذي لا يكون له " هذا النور " حديقة بلا ثمر ، يقلبها الخريف رأسا على عقب .
- ولا تبقى ورود ، بل تبقى الأشواك سوداء ، ولقد صارت صفراء دون ثمر كأنها تل من قش .
- فما هو الجرم الذي ارتكبته هذه الحديقة يا الله ، حتى تجعلها هكذا مجردة من حللها ؟
980 - لقد نظرت إلى نفسها ، ورؤية النفس سم قتال ، فانتبه أيها الممتحن .
- وتلك الحسناء التي بكى العالم من حبها ، أخذ عالمها يطردها عنه ، فما ذنبها ؟
- جرمها أن تلك الزينة كانت عارية عندها ، لكنها ادعت قائلة : هذه الحلل ملك لي .
- لقد قمنا باسترداده حتى تعلم على سبيل اليقين ، أن البيدر ملك لنا ، والحسان ملتقطات للحب منه .
“ 134 “
- وحتى تعلم أن تلك الحلل كانت عارية ، كانت مجرد شعاع من شمس الوجود .
- 985 وأن ذلك الجمال ، وتلك القدرة ، وذلك الفن ، قد انتقلت من شمس الحسن نحو هذه الناحية .
- ثم تعود أنوار تلك الشمس من فوق تلك الجدران ، و " تأفل " كأنها النجوم .
- لقد عاد شعاع الشمس نحو موضعه ، وبقي كل جدار أسود مظلما .
- وذلك الذي جعلك ذاهلا أمام وجوه الحسان ، هو نور الشمس " قد اخترق " زجاجا ذا ثلاثة ألوان .
- والزجاج الملون هو الذي يبدي لك ذلك النور الذي لا لون له ، مختلفا ألوانه .
- 990وعندما لا يبقى الزجاج الملون ، يجعلك النور الذي لا لون له ذاهلا آنذاك .
- فتعود على رؤية النور بلا زجاج ، بحيث لا تبقى أعمى عندما ينكسر الزجاج
- وإنك لقانع من علم مكتسب ، وقد أضأت بصرك بمصباح الغير .
- فيقوم بخطف مصباحه حتى تعلم أنك مستعير ، ولست بالفتى .
- فإذا قمت بالشكر وسعي المجتهد ، لا تحزن ، فإنه يرد إليك أضعافا مضاعفة ، ما فقد .
- 995وإن لم تشكر ، فلتبك الآن دما ، فقد صار ذلك الحسن بريئا من الكافر ، " منتفيا عنه " .
- " أمة الكفران أضل أعمالهم ، أمة الإيمان أصلح بالهم " “ 1 “
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن الفارسي .
“ 135 “
- لقد ضاع الحسن والفضل لانعدام الشكر ، بحيث لا يرى " الكافر " أثرا منها أبدا .
- فلقد ضاع منه " كل إحساس " بالصلة والقرابة أو بانعدامهما ، وبالشكر والوداد ، بحيث لم يعد يذكرها .
- فإن " أضل أعمالهم " أيها الكافرين ، تعنى ضياع الرغبة من كل من بلغ منيته
1000 - اللهم إلا من أهل الشكر وأهل الوفاء ، فإن الدولة تحل في أثرهم أينما يحلون .
- ومتى تعطي الدولة الزائلة القوة ؟ إن الدولة المقبلة هي التي تهب الخاصية .
- فافترض من هذه الدولة مصداقا لقوله : أقرضوا ، حتى ترى مائة دولة أمامك
- وقلل من الشرب هنا ، من أجل نفلسك ، حتى تجد حوض الكوثر أمامك .
- وذلك الذي صب جرعة على تراب الوفاء ، متى يستطيع صيد الدولة أن يفر منه ؟
- 1005إنه يسعد قلوبهم مصداقا لقولهأَصْلَحَ بالَهُمْ، و " رد من بعد النوى أنزالهم " “ 1 “
- قائلا : يا أيها الأجل ، يا أيها التركي المغير على القرية ، رد على هلاء الشكورين ما أخذته منهم .
- فيقوم برده إليهم ، لكنهم لا يقبلونه ، ذلك أنهم نعموا ببضاعة الروح .
- ويقولون : نحن من الصوفية ، وقد مزقنا الخرق ، ولا نأخذها ثانية ، ما دمنا قد قامرنا بها .
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي .
“ 136 “
- لقد عوضنا ، فما هو هذا العوض آخرا ، لقد ذهبت عنا الحاجة والحرص والغرض .
- 1010ولقد خرجنا من الماء المالح المهلك ، وتقاطرنا على الرحيق وعين الكوثر .
- وما قمت بفعله أيتها الدنيا مع الآخرين من غدر ومكر ودلال ثقيل ، - نصبه نحن على رأسك جزاء وفاقا لك ، فنحن شهداء قدمنا إلى الغزو .
- حتى تعلمين أن للإله الطاهر عبادا ، ديدنهم الهجوم والجدال والمعارضة والمراء معك .
- إنهم ينتزعون شوارب مكر الدنيا ، وينصبون خيامهم على قلاع النصر
1015 - لقد صار هؤلاء الشهداء غزاة من جديد ، وهؤلاء الأسرى أوشكوا من جديد على النصر .
- ولقد أطلوا برؤوسهم مرة ثانية من العدم ، قائلين : أنظر إلينا إن لم تكن أكمه .
- حتى تعلم أن هناك شموسا في العدم ، وأن ما يسمى شمس هنا ، هي هناك نجمة سها .
- وكيف يكون الوجود في العدم أيها الأخ ؟ وكيف يكون الضد مكنونا في ضده ؟
- فاعلم أنه يخرج الحي من الميت ، حتى صار العدم أملا عند العابدين .
- 1020وذلك الزارع الذي تكون أهراؤه خالية ومع ذلك يكون سعيدا ، أليس ذلك على أمل ما هو " موجود " في العدم ؟ !
- فإن ذلك " الزرع " ينبت من العدم ، وافهم ، إن كنت واقفا على المعاني
“ 137 “
- إنك تكون منتظرا لحظة بلحظة " ما يأتي " من العدم ، وأن تجد الفهم ولذة السكينة والبر .
- وليس هناك إذن بكشف هذا السر ، وإلا لجعلت كل " كفرة " الأبخاز من " مؤمني " بغداد .
- ومن ثم فإن خزانة صنع الحق هي العدم ، فهو يأتي منها بالعطايا ، لحظة بلحظة .
1025 - فالحق مبدع ، والمبدع هو الذي يأتي بالفرع ، دون أن يكون له أصل أو سند .
.