ديباجة مولانا الدفتر السادس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
ديباجة مولانا الدفتر السادس على مدونة عبدالله المسافر باللهديباجة مولانا الدفتر السادس المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) *
( مثنوى مولانا جلال الدين الرومي الكتاب السادس الترجمة العربية )
[ الدفتر السادس ]
[ ديباجة الدفتر السادس ]
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )
*هذا هو المجلد السادس من دفاتر المثنوى والبيانات المعنوية التي هي مصباح " يقشع " ظلام الوهم والشبهة وخيالات الشك والريبة ، وهذا المصباح لا يمكن إدراكه بالحس الحيواني لأن المقام الحيواني في أسفل سافلين إذ خلق من أجل عمارة الصورة السفلى ، وحصرت حواسه ومداركه في دائرة لا يتجاوزها - ذلك تقدير العزيز العليم - أي بمقدار مدى عملها ومنتهى نظرها ، لأن لكل نجم قدراً وعملًا على الفلك ، ويصل عمله إلى ذلك الحد ، ومثله مثل حاكم المدينة الذي يكون حكمه نافذاً في تلك المدينة ، ومن ثم يكون حاكماً لما يكون وراء توابع تلك المدينة . عصمنا الله من حبسه وختمه وما حجب به المحجوبين . آمين يا رب العالمين .
« 28 »
.
« 29 »
( النص )
« 30 »
.
« 31 »
01 - يا حياة القلب ، يا حسام الدين ، إن الميل ليغلب كثيراً إلى " نظم " قسم سادس .
- لقد صار من جذب علامة مثلك ، طوافا في الدنيا باسم حسامى نامه « 1 »
- وسوف أقدم لك هدية أيها المعنوي ، قسماً سادساً هو تمام المثنوى .
- فافتح النور للجهات الستة من هذه الصحف الستة ، " كي يطوف حوله من لم يطف " « 2 » .
05 - وليس للعشق أمر مع " الحواس " الخمسة " و " الجهات " الستة ، وليس له من مقصد سوى جذب الحبيب .
- ولعل أمراً يصل فيما بعد ، فيتم البوح بالأسرار التي ينبغي أن تقال .
- وذلك ببيان يكون أقرب من هذه الكنايات الدقيقة المستترة .
- وليس للسر من شريك إلا العالم بالسر ، والسر في أذن المنكر لا يكون سراً .
- لكن الدعوة واردة من الخالق ، وأي شان له - جل وعلا - بالقبول أو عدم القبول .
10 - لقد أخذ نوح يدعو لتسعمائة سنة ، وكان إنكار قومه يزيد لحظة بعد لحظة .
- فهل تراه لوى العنان عن القول قط ؟ ! وهل تراه رقد قط في غار الصمت ؟ !
- وقال : أمن نباح الكلاب وأصواتهم عادت قافلة قط عن الطريق ؟ !
- أو وهن البدر في مسيره في ليلة مقمرة من نباح الكلاب ؟ !
..............................................................
( 1 ) نسخة جعفري ( يرمز إليها بعد ذلك بالحرف ج ) بيت زائد هو :
- إنني اقدم من أجل رضاك قسماً سادساً من المثنوى كهدية لك .
( محمد تقي جعفري : تفسير ونقد وتحليل مثنوى جلال الدين محمد ، ج 13 ، ص 60 ط 10 ، 1369 ) .
( 2 ) بالعربية في المتن .
« 32 »
- إن القمر يلقى بالنور والكلب ينبح ، وكل أمرىء يعكف على ما تمليه عليه خلقته .
15 - لقد أعطى القضاء كل امرئ خدمة ما ، وجوهره مناسب لها عند الابتلاء .
- وما دام الكلب لا يقلع عن نباحه السقيم ذاك ، فمتى أترك أنا سيرى وأنا القمر ؟ !
- وإذا كان الخل يزيد في طبيعة " الخلية " فمن الواجب إذن أن يزاد السكر .
- إن القهر خل واللطف بمثابة العسل ، ومنهما معاً يكون أساس كل عقار مكون من الخل والعسل ! !
- فإذا قلَّ العسل في كميته عن الخل ، فقد اختل ذلك العقار .
20 - ولأن القوم أخذوا يصبون عليه ألوان " الخل " ، فإن البحر أخذ يصب على نوح كثيراً من السكر .
- وكان المدد لسكره من بحر الجود ، ومن ثم كان يظل في زيادة عن خل كل أهل العالم .
- فمن هو الواحد الذي يساوى ألفاً ؟ ! إنه ذلك الولي ، بل إن عبد العلى يساوى " أهل " مائة قرن .
- والدن الذي يكون من البحر طريق إليه ، تركع الأنهار ، التي تشبه جيحون على ركبها أمامه .
- خاصة ذلك البحر الذي عندما استمعت كل البحار لهديره وجيشانه ،
25 - تمررت أفواهها حياءً وخجلًا ، إذ كيف صار الاسم الأعظم مقترناً بما هو أقل منه ؟ !
- وعندما تقارن هذه الدنيا بتلك الدنيا ، فإن هذه الدنيا تصير قافزة من الخجل .
« 33 »
- إن هذه العبارة قاصرة دنية في رتبتها وإلا فأي نسبة للخسيس مع الأخص ؟ !
- وعندما ينعق الغراب في الكرم نعيق الغربان ، متى يجعل البلبل يقلل من تغريده العذب ؟ !
- ومن ثم فكل شار على حدة ، في هذا السوق الذي فيه " يفعل ما يشاء " .
30 - فإن ما يُحصد من أجمة الشوك يكون غذاءً للنيرانً ، ورائحة الورد قوتٌ لأنف المنتشى .
- وإذا كانت القذارة بغير قيمة بالنسبة لنا ، فهي للخنزير والكلب " في حلاوة " السكر .
- وإذا كان الأقذار يكثرون من هذا القَذَر ، فإن المياه تعكف على التطهير « 1 » .
- وإذا كانت الحيات تنفث السم ، وإذا كان الممرورون يبعثون فينا الفرقة ،
- فإن النحل على الجبل وعلى الشجر وفي خلاياه يصنع من الشهد مخزناً للسكر .
35 - ومهما تقوم أنواع السم بتسميم " الخلق " ، فإن أنواع الترياق منها تمحو السم سريعاً .
- وهذه الدنيا عندما تنظر إليها ، حرب شاملة ، بين كل ذرة وذرة " كالحرب " بين الكفر والدين .
- فتلك الذرة آخذة في الطيران نحو اليسار ، وانظر إلى الحرب الفعلية بينهما في ميلهما وانحرافهما .
- والحرب الفعلية هي هذه الحرب الخفية ، ومن هذا التضاد ، اعلم ذلك التضاد .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 61 : وإذا امتلأت الدنيا بالقذى ، فإن النار تمحوها في لحظة واحدة .
« 34 »
40 - أما الذرة التي انمحت في الشمس ، فإن الحرب " التي تخوضها " ، خرجت عن الوصف والحساب .
- وعندما انمحى عنها النفس والنفَس ، صارت حربها حرب للشمس فحسب .
- لقد انتفت عنها بالطبع الحركة والسكون ، من أي شئ ؟ ! من « إنا إليه راجعون » ! !
- إننا راجعون من أنفسنا إلى بحرك ، صرنا طالبين للرضاع من رضاع الأصل .
- ويا من بقيت في شعب الطريق من " إضلال " الغول ، كفاك نفاجاً عن الأصول يا عديم الأصل .
45 - وإن حربنا وصلحنا في نور عين الوجود ، ليس من لدنا ، إنه « بين إصبعين » ! !
- وهناك حرب الطبع وحرب الفعل وحرب القول ، هناك حروب ضروس بين الأجزاء .
- وهذه الدنيا قائمة على هذه الحرب ، فانظر إلى العناصر حتى يحل لك هذا " المشكل " .
- فالعناصر الأربعة أربعة من العمد القوية ، يستوى بها سقف الدنيا .
- وكل عمود محطم للعمود الآخر ، فعمود الماء محطم لذلك الشرر .
50 - ومن ثم فبناء الخلق قائم على الأضداد ، فلا جرم أننا مقاتلون من أجل الضر والنفع .
- وهناك أحوال يخالف كل منها الأخر ، وكل منها يخالف الآخر في أثره .
« 35 »
- وما دمت أقطع الطريق على نفسي في كل لحظة ، فكيف أتوافق مع شخص آخر ؟ !
- فانظر إلى أمواج جند أحوالي ، كل منها مع الآخر في حرب وخصومة .
- وانظر في نفسك إلى مثل هذه الحرب الشعواء ، فما انشغالك إذن بقتال الآخرين .
55 - فربما يشتريك الحق من هذه الحرب ، ويحملك إلى عالم السلام ذي اللون الواحد .
- فتلك الدار ليست إلا باقية وعامرة ، ذلك لأن تركيبها غير قائم على الأضداد .
- وهذا الفناء إنما يتأتى للضد من ضده ، وعندما لا تكون أضداد ، فليس إلا البقاء .
- لقد نفى ذلك الذي لا نظير له الضد عن الجنة ، فلا يصح أن تكون شمس " مع " ضدها " أي " الزمهرير .
- فإن انعدام اللون هو أصل الألوان ، وإن أنواع الصلح هي أصول الحرب .
60 - وذلك العالم هو أصل هذه الدار الممتلئة حزنا ، والوصل هو أصل كل هجر وفراق .
- فمن أي شئ هذا الخلاف عندنا . . . يا سيدنا ؟!! ومن أي شئ أدت الوحدة إلى هذه الأعداد ؟!!
- ذلك أننا فروع والأضداد الأربعة هي الأصل ، والأصل نقل طبعه إلى الفروع .
- وجوهر الروح لما كان وراء أنواع الفصل ، فليس هذا طبعه ، بل هو في طبع الكبرياء .
« 36 »
- فانظر إلى الحروب فهي أصول السلام ، مثل النبي ، كانت حروبه من أجل الله « 1 » .
65 - فهو غالب ومظفر في الدارين ، وشرح هذا الغالب مما لا تستوعبه الأفواه .
- وإذا كان تجرع ماء نهر جيحون غير ممكن ، فإنه لا يمكن الامتناع عما يطفئ الظمأ .
- فإذا ما صرت ظامئاً إلى البحر المعنوي ، فقم بنزهة في جزيرة المثنوى .
- تنزه فيه بحيث ترى في كل نَفَس ، أن المثنوى " كتاب " معنوي فحسب .
- وعندما تفصل الرياح القذى عن ماء الجدول ، يكتشف الماء لونه المتوحد ! !
70 - وأنظر إذن إلى أغصان المرجان النضرة ، وانظر إلى الثمار التي نمت من جدول الروح .
- فعند ما يتوحد عن الحرف والصوت والنفس ، يترك هذا كله ويصير بحرا .
- صار المتحدث والسامع والكلام نفسه روحاً في النهاية .
- وعاطى الخبز وآخذ الخبز والخبر الطاهر ، يتجردون عن الصور ، ويصبحون تراباً .
- لكن معانيها تكون في ثلاث مقامات ، وفي المراتب تتميز على الدوام .
75 - لقد صارت الصورة تراباً لكن المعنى لم يصر ، وهناك من يقول لك : بل صار ، قل له لا . . . لم يصر .
- وفي عالم الروح ، الثلاثة منتظرون ، حينا هاربون من الصورة وحينا آخر مستقرون فيها .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 62 :
- فما أعجبها من حرب تكون أصلا للسلام ، وسعد ذلك الذي تكون حربه من أجل الله .
« 37 »
- ويأتيها الأمر : امض في صور ، فتمضى ، ثم تصير أيضاً مجردة بأمره .
- فاعلم إذن أنلَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، والخلق هو الصورة والأمر هو الروح التي تعتليها .
- والراكب والمركوب " خاضعان " لأمر المليك ، والجسد على العتبة ، والروح في البلاط .
80 - وعندما يريد للماء أن يوضع في القدر ، يأمر المليك جيش الروح بالركوب .
- ثم إنه عندما يدعو الأرواح إلى الصعود ، يأتي الأمر من النقباء بالنزول .
- وبعد هذا سوف يصير الكلام دقيقاً ، فقلل " ضرام " النار ولا تزد في حطبها .
- حتى لا تغلى القدور الصغيرة سريعاً ، وذلك آن قدر الإدراك صغيرة ودنية .
- فتقدس سبحانه ، إنه يغرس مزرعة تفاح ، ثم يخفيها في غمام الكلمات .
85 - " ويضع " حجاباً من غمام الصوت والحرف والقيل والقال بحيث لا يبدو من التفاح سوى رائحته .
- فاجذب مرة هذه الرائحة بوعيك حتى تحيلك إلى أصلك ، جارة إياك من أذنيك .
- فاحفظ هذه الرائحة ، وحاذر الزكام ، وغط جسدك من الريح ، ووجود العامي الغث .
- حتى لا يسد مشامك عن الأثر ، من هواهم أكثر برودة من الشتاء .
- فلانهم جماد متجمدون عظام الأجسام ، فإن أنفاسهم تنطلق من تل من الثلج .
« 38 »
90 - وعندما تكتسى الأرض بكفن من هذا البَرَد ، فاضرب بسيف شمس حسام الدين .
- هيا واستل من الشرق سيف الله ، وأدفيء من مشرقها هذه العتبة .
- فإن تلك الشمس تطعن ذلك البَرَد بخنجرها ، فتنصب السيول من الجبال على التراب .
- ذلك أنها لا شرقية ولا غربية ، وهي في حرب مع المنجم صباح مساء .
- قائلة له : لماذا جعلت من دونى نجوماً بلا هدى قبلة من اللؤم والعمى ؟ !
95 - بحيث لا يعجبك مقال ذلك الأمين ، حين قال في القرآنلا أُحِبُّ الْآفِلِينَ
- ومن قوس قزح عقدت الحزام أمام القمر ، ومن هنا فلازلت في ضيق من قوله وَانْشَقَّ الْقَمَرُ
- وأنت مُنكر للآية إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، لأن الشمس عندك في أعلى مرتبة
- لقد رأيت أن تصريف الأثير يكون من النجم ، ومن ثم لا تعجبك آيةالنَّجْمِ إِذا هَوى
- إن قرص القمر في حد ذاته لا يكون أكثر تأثيراً من قرص الخبز ، فما أكثر الخبز الذي يقطع عرق الروح .
100 - وليست الزهرة في حد ذاتها بأكثر تأثيراً من الماء ، فما أكثر الماء الذي جعل الجسد خراباً .
- إن حبها " كامن " في روحك ونصيحة الصديق ، تدق على أذنك ، لكن خارج الجلد !!
« 39 »
- ونصيحتنا لا تؤثر فيك يا فلان ، فاعلم أيضاً أن نصيحتك لا تؤثر فينا .
- اللهم إلا أن يأتي مفتاح خاص من الحبيب ، لأن في يده مقاليد السماوات .
- إن هذا الكلام كأنه النجم وكأنه القمر ، لكنه لا يؤثر دون أمر من الحق .
105 - وهذا النجم الذي لا اتجاه له ، يدق تأثيره على الآذان التي تبحث عن الوحي .
- قائلًا لها : تعالوا من المكان إلى اللامكان ، حتى لا يمزقنكم الذئب وأنتم ذاهلون .
- ولمعه الناثرة للدر ، شمس الدنيا بالنسبة لها كالخفاش .
- والأفلاك السبعة الزرقاء في رقة ، ورسول القمر في حُمى وسلّ منه .
- والزهرة مدت إليه يد السؤال ، والمشترى تقدم إليه باذلا الروح .
110 - وزحل في هوى تقبيل يديه ، لكنه لا يرى نفسه أهلا لذلك .
- ويد المريخ وقدمه مثخنة بالجراح منه ، وعطارد ذلك حطم مائة قلم منه .
- وكل هذه النجوم في قتال مع المنجم ، قائلة له : يا من تركت الروح واخترت اللون .
- إنه هو الروح ونحن جميعاً ألوان وحروف ، إنه كوكب كل فكر وروح النجوم .
- وأين الفكر هناك ؟ ! إنه كله نور طاهر ، إن لفظ الفكر من أجلك أنت أيها المفكر .
115 - ولكل نجم برج في العلى ، لكن نجمنا لا يسعه برج قط .
« 40 »
- فكيف يمضى محرق المكان في مكان ؟!! ومتى يكون للنور غير المحدود حد ؟!!
- لكن الأمر يساق على سبيل المثال ويصور ، وذلك حتى يفهم الضعيف العاشق !!
- إنه ليس مثلًا لكنه مثال ، وذلك حتى يتحرك ذلك العقل المتجمد !!
- فالعقل حاد الرأس لكنه واهى القدم ، وذلك أن القلب قد خرب ، والجسد صحيح .
120 - إن عقولهم ملتفة حول ما تقدمه الدنيا ، وأفكارهم في ترك الشهوة هباءٌ وغثاء .
- وصدورهم في وقت الدعوى كأنها الشرق ، وصبرهم في وقت التقوى كأنه البرق !!
- وعالمٌ مظهر نفسه في الفضائل ، كأنه العالم بلا وفاء حين ينبغي الوفاء .
- وعند رؤية الذات لا تسعه الدنيا ، لقد ضاع في الحلق والمعدة كأنه الخبز .
125 - وإذا كانت الأنية عفنة كأنها المنى ، فإنها تجد النور عندما تتصل بالروح .
- وكل جماد يتجه إلى نبات ، تنبثق من شجرة إقباله الحياة .
- وكل نبات يتجه نحو الروح ، يشرب من عين الحيوان كأنه الخضر .
- ثم إن الروح عندما تتجه نحو الأحبة ، تلقى عصاها في العمر الذي لا نهاية له .
.