#أبوالحسن_الشاذلى
الحلقة(4)
قال لشيخه وهو يهم بالانصراف والترحال: أوصنى يا أبى، فالشاذلى اعتبر نفسه الابن الروحى لعبدالسلام بن مشيش فنظر له الشيخ صاحب المهابة التى اجتمعت مع طيب وجهٍ، نظرة ودٍ ثم قال: «يا علىّ، الله الله، والناس الناس»
وقد كان هذا هو أول معالم الطريقة الشاذلية «الله، والناس»، أخلاق حددها له الشيخ وهو يقول: «نــزِّه لسانك عن ذكرهم، وقلبك عن التمايل من قِبَلِهم»، ثم قال له: «وقل اللهم ارحمنى من ذكرهم، ومن العوارض من قِبَلهم، ونجّنى من شرهم، وأغننى بخيرك عن خيرهم، وتولّنى بالخصوصية من بينهم، إنك على كل شىءٍ قدير»
ولكن كيف يكون الحال مع الله سبحانه وتعالى؟، قال الشيخ: «عليك بحفظ الجوارح، وأداء الفرائض» ثم نظر فى وجهه نظرة المحب لحبيبه الذى اجتمع معه فى محبة الله، ثم قال كلمات وكأنها الحب نفسه وقد تحول إلى كائن لفظى يخرج من الأفئدة قبل أن يخرج من الأفواه: «لا تنقل قدميك إلا فى محبة الله، ولا تجلس إلا حيث تأمن من معصية الله، ولا تصحب إلا من تستعين به على طاعة الله، ولا تصطفِ لنفسك إلا من تزداد به يقينًا»
هذا هو الطريق باختصار، إذا أردت أن تسير فى الطريق لتصل إلى الحقيقة فعليك أن تترك طريق الناس، وإذا أردت أن تسير فى طريق الله فعلى قلبك أن يتحرك بمحبته، فهذا طريق لا يقبل إلا المحبين، هذا طريق لا يعرف إلا الرحمة والمودة والسلام،
أما اسمه فهو «على بن عبدالله بن عبدالجبار بن يوسف»، ويُكنّى بأبى الحسن ، ويبدو أن اسم «على» كان هو الغالب على أولئك الأشراف الذين ينتسبون للنبى صلى الله عليه وسلم عن طريق سيدنا على والسيدة فاطمة رضى الله عنهما، لذلك تجد معظم الأسماء تكون بين على والحسن والحسين، ولكن من أين جاء لقب الشاذلى، وهو لم يولد إلا وسط قبيلة غمارة التى هى فى شمال المغرب، فكان من الحرىّ أن يكون لقبه «الغمارى» ولكنه اكتسب لقب «الشاذلى» من بلدة اسمها شاذلة بتونس، كان قد رحل إليها بعد أن ترك شيخه عبدالسلام بن مشيش
والآن يا سادة يا كرام يجب أن نتعرف على هيئة هذا الشيخ الذى طبقت شهرته الآفاق، كان أسمر الوجه، نحيف القوام، جهير الصوت، ولم يكن من أصحاب اللحى الكثيفة، فقد كانت لحيته خفيفة، تنبت فى مواضع وتخف فى مواضع، كما أنه كان طويل القامة، طويل أصابع اليدين، وقد كانت هذه الصفات الجسدية هى الصفات التى يتميز بها أبناء قبيلته الغمارية، وقد قال تلاميذه عنه إنه كان فصيح اللسان، عذب الكلام، يلبس الفاخر من الثياب، ويتخذ الخيل الجياد، وكان لا يعجبه الزى الذى اصطلح عليه الدراويش، ولا يرتدى الثياب المرقعة البالية بل كان يرتدى أفخر الثياب، وذات يوم وهو يلقى درسًا بين مريديه دخل عليه أحد الدراويش عليه ملابس بالية وممزقة تعلوها الأوساخ، ومن قِدمها لا تستطيع أن تتعرف على لونها، فلما فرغ الشاذلى من درسه، دنا منه ذلك الدرويش وأمسك ملابسه وقال: «يا سيدى ما عُبد الله بهذا اللباس الذى عليك»، فأمسك الشاذلى بملابس الدرويش فوجد فيها خشونة فقال له: «ولا عُبد الله بهذا اللباس الذى عليك، ثيابى تقول للناس أنا غنىٌ عنكم فلا تعطونى، وثوبك يقول أنا فقير إليكم فأعطونى»، هذه كانت صفاته وتلك كانت هيئته، تعلمنا منه أننا يجب أن نجعل الدنيا فى أيدينا لا فى قلوبنا، وقد كانت الدنيا تروح وتغدو عند الشاذلى، فكان يمسكها بيده إذا أقبلت عليه، وحينما تروح وتبتعد كأن شيئًا لم يكن، كان حاله حينما كانت لديه الخيول والثيران، مثل حاله وهو فى السجن، كان هذا كذاك
بقلم: ثروت الخرباوى(مختصر)
عرض أقل
تعديل
٣٧٣٧
١٣ مشاركة