البكاء عند الصوفى من الله ، وإلى الله ، وعلى الله .
فالبكاء من الله من الله لطول تعذيبه بالحنين إليه إذا ذكر طول المدة إلى لقائه ، والبكاء من الفرق لما توعده المقصِّر ، والبكاء من الفزع للأشفاق مما يحرم من الوصول إليه .
والبكاء إلى الله بالحنين ، ووله العقل ، والتأوه والوقوف بين يديه برقة الشكوى إليه ، والتمرغ على بساط الذل زلفى إليه ، ومخافة أن ينقطع الطريق فيعسر الوصول إليه ، وحياء منه .
ثم البكاء على الله إذا أبطأ عليه مما عوّده ، والفرح من الوصول إليه إذا أصابه البر ، كالطفل الرضيع يرتضع من أمه وهو يبكى .
" والبكاء من بقية الوجود "
وللباكين عند السماع مواجيد مختلفة ، فمنهم ، يبكى خوفاً ، وهؤلاء هم البكّاءون ، ومنهم " همس بن الحسن " الذى قيل إنه ظل يبكى على خطيئته أربعين سنة .
ومنهم من يبكى شوقاً ، ومنهم من يبكى فرحاً .
وبكاء الوجدان أعز رتبة . وحوث ذلك فى بعض المواطن حق اليقين . ومن حق اليقين فى الدنيا إلمامات يسيرة ، فيوجد البكاء فى بعض مواطنه لوجود تغاير وتباين بين المحدث والقديم ، فيكون البكاء رشحاً من وصف الحدثان لوهج سطوة عظمة الرحمن .
وفى القرآن يأتى عن البكاء سبع مرات .
وسأل رجل الإمام على بن أبى طالب : هل تبكى السماء والأرض على أحد ؟ فقال : لقد سألتنى عن شئ ما سألنى عنه أحد قبلك ! إنه ليس من عبد إلا له مُصلّى فى الأرض ومصعد يصعد بعمله إلى السماء .
وسُئل ابن عباس هذا السؤال فقال : ليس أحد من الخلائق إلا وله باب فى السماء منه ينزل رزقه وفيه يصعد عمله ، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذى كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه ، ففقده ، بكى عليه . وإذا فقد مصلاه من الأرض التى كان يصلى فيها ويذكر الله عز وجل فيها ، بكت عليه ! .
وقال الصوفى العالم " سفيان الثورى " : تيكى الأرض على المؤمن أربعين صباحاً ! وعند مجاهد الصوفى القرّاء السجّاد تساءل متعجباً : وما للأرض لا تبكى على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود ! وما للسماء لا تبكى على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوى كدوى النحل ! وقيل إن مجاهد مات وهو ساجد !.
وكان الناس فى الزمن الأول إذا تلى القرآن يخرون سجّداً ويبكون : " إن الذين أوتوا العلم من قبله إذ يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدّاً " ( الإسراء 107 )
و " خروا سجدّاً وبكيّاً " ( مريم 58 ) .
والبكاء عند الأكابر معلول ، وهو فى الجملة عند غالب الناس ضعف فى الأحوال ، وعجز فى المآل ، وفى معناه أنشدوا :
خُلفنا رجالاً للتجلد والأسى
وتلك الغوانى للبكا والمآتم
" إلا بكاء أهل الله فإنه صلاة وتسبيح لله "