عند اقتراب ليلة النصف من شعبان تستعد القلوب لاستقبال نفحات شهر رمضان المبارك
شهر الإيمان والخير الذي نسأل الله جل وعلا أن يبلغنا هذا السياق نتحدث عن مدينة المصطفى
عليه وعلى آله وصحابته أفضل الصلاة والتسليم وعن سكانها وأهلها
فللمدينة المنورة طابعها الخاص الذي يميزها عن باقي المناطق الأخرى،
ليلة الخامس عشر من شعبان في طيبة الطيبة هي ليلة أشبه بليلة عيد الفطر المبارك
فهي ليلة تراثية قديمة تمتد لأكثر من قرون من الزمان
يحرص فيها أهالي المدينة المنورة على إحياءها كما كان سابقوهم يحيونها
فالصورة الجمالية في هذا اليوم تكمن في التفاف أهالي أحياء المدينة المنورة
وترابطهم والسؤال عن بعضهم وتجمعهم في وسط الحي الذي يسكنون فيه
ومعرفة أحوال كل أسرة من الحي حيث إن شهر رمضان المبارك
اقترب ويجب أن يكون الاحتفال بمقدم هذا الشهر الكريم احتفالًا يليق به
وأن يكون الجميع في وضع أسري ومادي مطمئن لذا يتجمع كبار أهل الحي
ويلتقون ببعضهم ويتبادلون التهاني والتبريكات
بقرب حلول هذا الشهر الكريم الأطفال يطوفون داخل الحي على كل منزل
في شكل جميل ومبدع أشبه بزفة العريس والعروسة في ليلة زفافهما
ويطرقون الأبواب وهم ينشدون ويرفعون أصواتهم
بلحن جميل حجازي قديم
(سيدي شاهين يا شربيت خرقة مرقة يا أهل البيت،
أما تواب ولا جواب ولا نكسر هذا الباب لولا فلان
(يكون باسم أحد سكان الدار)،
لولا فلان ماجينا ولا طاحت كوافينا والعادة سعادة ستي سعاد هاتي العادة)،
والمقصود بسعاد في هذا السياق إيراد
اسم أحد العجائز الكبيرات المعروفات بعطفها وحنانها
على أطفال الحي واختير اسم سعاد هنا لموازنة أبيات العبارات السابقة
ويكملون نشيدهم بقولهم
(سيدي سعيد هات العيد، أما مشبك ولا فشار ولا عروسة من الروشان
ولا عريس من الدهليز سديد شاهين يا شربيت)
وللمعلومة كما يؤكد أحد كبار السن أن قول الأطفال
سيدي شاهين ليس استجداء بشخص معين كما يظن البعض
أن شاهين اسم لشخص قديم وإنما شاهين تعني أعطني أو شرهني،
فقد كانت كل أسرة يطرق الأطفال بابها يمدونهم بالخيرات من المأكولات الشعبية
ولعل أشهرها الفشار والمشبك وبعضهم يقدم أنواعًا أخرى،
وبمعنى أصح (الجود من الموجود)
وفي هذه الأيام أصبحت البيوت تتفنن في تقديم الهدايا
من الأطعمة للأخبار وباتت أغلب ما يقدم اليوم الحلاوة اللوزية والفشار
والمشبك واللبنية وغيرها كثير ومنهم من يعطونهم مالًا وهكذا،
وقبل انتقال الأطفال للمنزل أو الدار الأخرى ينشدون لصاحبة البيت
(قارورة يا قارورة ست البيت غندورة)
أو (مفتاحة يا مفتاحة ست البيت يا تفاحة)
أما إذا امتنع أهل الدار عن تقديم شيء للأطفال
فهم على موعد مع سماع بعض العبارات الاستهجانية
الأخرى من الأطفال ومنها (كبريتة يا كبريتة ست البيت يا عفريتة)
وهكذا يستمر هذا الطواف على المنازل
من بعد صلاة العصر وحتى بعد صلاة العشاء
في مسيرات يلاحظها الجميع هذه التقاليد التراثية القديمة
لا يزال أهل المدينة المنورة يحتفظون بها بل ويفعلونها بالشكل الجميل
واللائق بها وإن كانت تتم اليوم بشكل مبسط عن السابق
وفي الأحياء القديمة لا يزالون يؤدونها بشكل رائع وبديع