روتشليد والنجمة السداسيَّة ..
كان المدعو ayer Amschel Bauer في القرن الثامن عشر، وهو من يهود “الخَزَر”،
ومن عُبَّاد[7]Lucifer ، ومن أتْباع ديانة السِّحْر الأسود – يضع لافتة على منزله فيها شعار أحمر،
وهذا الشعار هو “الهيكساغرام”، أو النجمة السداسيَّة،
غيَّر هذا الألماني اسمَ عائلته إلى Rotschild، والتي تَعني بالألمانيَّة: العلامة الحمراء،
وفي عام 1822 تبنَّت عائلة “روتشيلد” في النمسا هذه النجمة رمْزًا لها،
بعد أنْ رُفِع بعضُ أعضائها إلى مَرْتبة النبلاء، كما استخدمها “هايني” الشاعر الألماني المتنصِّر للتوقيع على خطاباته.
ولم تحمل النجمة بالنسبة إلى كلِّ هؤلاء أيَّة دَلالة دينيَّة أو قوميَّة أو إثنيَّة؛
فليس لها امتدادات في تواريخ الجماعات اليهوديَّة،
ومن ثَمَّ يُمكن اعتبارُها علامة ازدادت ارتباطًا ببعض الجماعات اليهوديَّة في الغرب،
وكانَ اختيار عائلة “روتشيلد” لها هو الذي منَحَها مكانة وشرعيَّة،
وأصبحتْ سلالتُه هي المسيطرة على أضْخَم بنوك ومؤسَّسات أوروبا الماليَّة،
وهي التي مَوَّلَت الحروب، وانضمَّتْ لأخَوِيَّة النورانيين،
ولكن المهمَّ أن عائلة روتشيلد – وبتخطيط مشترك مع جماعة النورانيين –
كانتْ قد صمَّمتْ على إنشاء منظَّمة صِهْيَونيَّة[8]، وإنشاء دولة مستقِلة لها،
هي بمثابة دولة لروتشيلد، وفي العام 1895 قام “أدموند روتشيلد” بزيارة فلسطين،
وفي العام 1897 أحدَثَ روتشيلد المؤتمر اليهودي،
وكان مَقرَّرًا عقدُه في “ميونخ” بألمانيا،
ولكن لأسباب المعارضة المحليَّة تَمَّ عقْدُ المؤتمر بمدينة “بال” بسويسرا في 29 آب.
ترأَّس المجلس “تيودور هرتزل” الذي انتُخِب زعيمًا للصِّهْيونيَّة،
واتَّخذ شعار روتشيلد النجمة السداسيَّة كشعار لهذه المنظَّمة الصِّهْيَونيَّة، والذي بعد 51 سنة اتُّخِذ كعلمٍ لدولة إسرائيل.
في العام 1948 أعطتْ مؤسَّسة روتشيلد 2 مليون دولار
للرئيس “ترومان” الماسوني بشكل دعْمٍ لحملته الانتخابيَّة،
بشرط أن يعترفَ بدولة إسرائيل عند قيامها،
وعند إعلان قيام دولة إسرائيل اعترفَ الرئيس “ترومان”
– رئيس الولايات المتحدة – بها بعد نصف ساعة فقط من قيامها.
ثالثًا : النجمة السداسيَّة باعتبارها رمزًا دينيًّا ..
يبدو أنَّ عبارة “درع داود” لا تُستخدَم للإشارة إلى النجمة السداسية إلا في المصادر اليهوديَّة؛
إذ تَستخدم المصادر غير اليهوديَّة عبارة “خاتم سليمان”،
والتسمية الأخيرة من أصلٍ عربي إسلامي؛
حيث كان يُشار إلى النجمة الخماسيَّة – وهي المنافس الأكبر للنجمة السداسيَّة –
باعتبارها أيضًا “خاتم سليمان”.
كانت النجمة تُذكَر في الكتابات السِّحْريَّة اليهوديَّة – في الأحْجِبة والتعاويذ –
جنبًا إلى جنبٍ مع أسماء الملائكة، بالتدريج أُسقطت الأسماء،
وبَقِيت النجمة دِرْعًا ضدَّ الشرور.
واكتسبت النجمة السداسية هذه الصفة الرمزيَّة كدرعٍ ابتداءً من القرن الثالث عشر،
ومع هذا استمرَّ استخدام عبارتَي: “درع داود”، و”خاتم سليمان”؛
للإشارة إليها في الفترة ما بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر،
كما كانت تُستخدَم عبارة: “درع داود”؛ للإشارة إلى “شمعدان المينوراه”،
لكنْ بمرور الوقت اقتصَرَ استخدام هذه العبارة على الإشارة إلى النجمة السداسية وحدَها،
وكانت النجمة تُستخدَم في تميمة الباب (ميزوزاه)، فكانتْ تُكتَبُ عليها أسماءُ سبعة ملائكة،
ويصحب اسم كلِّ ملاك النجمة السداسيَّة.
وتتحدَّثُ “القبَّالاه” عن العالم العُلوي والسُّفلي المتقابلين،
وهكذا يصبح المثلَّثان ورأْس أحدهما إلى أعلى ورأس الآخر إلى أسفل
– رمزًا لهذا التقابُل ولحركة الصعود والهبوط، ومعادلاً رمزيًّا لعلاقة عالم الظاهر بعالم الباطن.
وأصبحت النجمة كذلك رمزًا للتجليَّات النورانيَّة العشرة (سفيروت)، حينما تأخذ هيئة شجرة الحياة،
وهي ترمز أيضًا إلى ظهور العالم الأصغر الميكروكوزم (الإنسان)، من العالم الأكبر الماكروكوزم (الكون).
وكانت النجمة ترمز أيضًا إلى ظهور “الماشيَّح” من صدر إبراهيم؛
ولذا كان يُشار أحيانًا إلى النجمة السداسية باعتبارها دِرْع داود، وإبراهيم.
وكانتْ أطرافُها الستة ترمز إلى أيام الأسبوع الستة، أما المركز فهو السبت.
وكانت النجمة أيضًا رمزًا مشيحانيًّا يمثِّل بُرج الحوت – 21 فبراير – 200 مارس،
وهو الوقت الذي كان يُفترَض أنْ يظهرَ فيه الماشيَّح، وأصبح دِرْع داود رمزَ درعِ ابن داود؛
أي: الماشيَّح، واستخْدَمَه أتْباع “شبتاي تسفي”، وأصبحَ رمْزًا سِرِّيًّا للخَلاص،
وكانت النجمة السداسية مرسومة على الحجاب الشهير الذي كتَبَه “يوناثان إيبيشويتس”،
والذي أثارَ ضجَّة بين يهود شرقي أوربا فيما يُسمَّى: “المناظرة الشبتانيَّة الكبرى”،
وكُتبَتْ عليه الأحرف الأولى لعبارة “درع ابن داود”.
ولعلَّ اكتسابَ الرمز لبعض الإيحاءات الدينيَّة
كانَ سببًا لانتشاره في زخارف المعابد اليهوديَّة مع بداية القرن السادس عشر،
في الوقت نفسه الذي بدأ فيه انتشار القبَّالاه اللوريانيَّة.
ولكن النجمة السداسية لم تتحوَّل إلى رمزٍ دينيٍّ يهودي إلا بتأثير النصرانيَّة وتقليدًا لها،
وهذه ظاهرة عامَّة عند كلٍّ من اليهود ومُعظم الأقليَّات،
أنهم يكتسبون هُويَّتهم من خلال الحضارة التي يوجدون فيها، وتبنِّي نجمة داود مِثَالٌ جيِّدٌ على ذلك.
فاليهوديَّة باعتبارها نَسَقًا دينيًّا
– على الأقلِّ في إحدى طبقاتها الجيولوجيَّة المهمَّة والرئيسة –
مُعادية للأيقونات وللرموز تمامًا مثل الإسلام.
ولكنَّ “يهود عصر الإعتاق” أخذوا يبحثون عن رمزٍ لليهوديَّة يكون مُقَابِلاً لرمز النصرانيَّة (الصليب)،
الذي كانوا يجدونه في كل مكان،
وحينما بدأتْ حركة بناء المعابد اليهوديَّة على أُسسٍ مِعمارية حديثة،
اتَّبع المهندسون – وغالبهم نصارى – ذات الطُّرز المعماريَّة المتَّبَعة في بناء الكنائس؛
ولذا كان لا بُدَّ من العثور على رمزٍ ما، ومن هنا كان تبنِّي النجمة السداسيَّة،
ثم بدأتْ تظهرُ النجمة على الأواني التي تُستخدَم في الاحتفالات الدينيَّة،
مثل: كؤوس عيد الفصح، ولأن النجمة السداسية كانت شائعة في الأحْجِبة والتعاويذ السِّحْرية،
لم يعارض الأرثوذكس استخدامَ الرمز.
ومِن ثَمَّ يُمكن أنْ نقول: إنَّ انتشارَ الرمز في القرن التاسع عشر
كان دليلاً على أنَّ اليهوديَّة الحاخاميَّة بدأتْ تَضعُف وتفقدُ تماسُكَها الداخلي؛
ولذا فإنَّها كانتْ تبحث عن رمزٍ؛ حتى يمكنها أنْ تعيدَ صياغة نفسِها على أُسسٍ نصرانيَّة.
هنا ظهرت الصِّهْيَونيَّة بوصفها أهمَّ تعبيرٍ عن أزمة اليهوديَّة الحاخاميَّة،
وحاولتْ هذه العقيدة السياسيَّة أن تطرحَ نفسَها كبديلٍ للعقيدة الدينيَّة،
فتبنَّت النجمة السداسية رمزًا لها،
ذلك الرمز الذي ظهَر على العدد الأول من مجلة “ديفيلت”
التي أصْدَرَها “هرتزل” في 4 يونيه 1897،
ثم اخْتير رمزًا للمؤتمر الصِّهْيَوني الأول ولعَلَم المنظَّمة الصِّهْيونيَّة.
والواقع أن اختيار الصهاينة للنجمة السداسية كان اختيارًا ذكيًّا،
يُعبِّر عن غموض موقف الصِّهْيَونيَّة من اليهودية.
فالصِّهْيَونيَّة ترفضُ العقيدة اليهودية؛ ولكنَّها تريدُ في الوقت نفسه أن تحلَّ محلَّها،
وتستولي على جماهيرها، ولإنجاز هذا الهدف احتفظت الصِّهْيَونيَّة بالخطاب الديني والرموز الدينيَّة،
بعد أن أعطتْها مضمونًا دنيويًّا قوميًّا،
وقد احتفظت الصهيونية بفكرة القَدَاسةِ الدينيَّة،
ولكنَّها خلعتْها على الدولة والشعب، وعلى تاريخ الأُمَّة؛ أي إنَّ ثَمَّةَ تداخُلاً كاملاً بين الدنيوي والمقدَّس.
والنجمة السداسية تتَّسم أيضًا بهذا التداخُل؛ فهي رمزٌ شائعٌ بين اليهود وعلامة عليهم؛
أي إنَّها رمزٌ قومي، ولكنَّ هذا الرمزَ اكتسب إيحاءاتٍ دينيَّة لا تَرْقَى إلى مستوى المضمون الديني المُحدَّد،
فهو يحمل قَدَاسة ما، ولكنَّها قدَاسة مُرتبطة بالرمز الدنيوي،
وقد يكون غموض مصدر القَدَاسة عيبًا من المنظور الديني،
ولكنَّه من منظور صِهْيوني يشكِّل مصدرَ قوَّة؛ إذ كان الصهاينة يبحثون عن رمزٍ يجسِّد فكرة قَدَاسة اليهود لا قَدَاسة اليهوديَّة،
وهذا ما أنجزتْه لهم نجمة داود.