إهتم العرب في عصر الراشدين والعصر الأموي بالغزوات،
حتى حل العصر العباسي حيث بدأوا بترجمة الكتب اليونانية المترجمة من السريانية إلى العربية في الطب والفلسفة،
فشغفت عناصر كثيرة بالفلسفة اليونانية شغفا عظيما.
إذ رعى أبو جعفر المنصور طبقة من المترجمين الذين ساهموا في نقل الميراث الفكري الإغريقي،
واستمرت هذه الحركة في عهد هارون الرشيد، وبلغت القمة في عهد المأمون حيث أنشئت دار الحكمة في بغداد.
واثر هذا الانفتاح الفكري في شطر من العهد العباسي برز مفكرون مسلمون
ساعون إلى التوفيق بين الدين الإسلامي والفلسفة اليونانية، أشهرهم الكندي والفارابي وابن سينا.
وتطورت هذه الجهود في البحث الفلسفي لتصير حالاً جماعية
تمثّلت في نشوء فرقة عُرفت باسم (إخوان الصفاء وخلاّن الوفاء)، اشتهرت بتصنيفها مجموعة من الرسائل
في مختلف فروع الفلسفة والعلوم الإنسانية. وقد لاقت هذه الرسائل رواجا كبيرا في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
الثابت أن إخوان الصفاء ظهروا كما يذكر ابن الطقطقي في كتابه (الفخري في الآداب السلطانية)
حين (اضطربت أحوال الخلافة، ولم يبق لها رونق ولا وزارة. تملّك البويهيون،
وصارت الوزارة من جهتهم والأعمال إليهم)، وكان البويهيون الذين سيطروا على العراق من الشيعة الذين اتبعوا مذهب الزيدية،
وهي من أقرب الفرق إلى آراء مذهب السنّة،
ذلك أنها لا ترى حصر الإمامة في سلالة الإمام الحسين بن علي، كما أنها لا تشارك غيرها
من الفرق الشيعية في ذم الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان،
أو القدح في الصحابة الذين لم يبايعوا الإمام علي بالخلافة بعد وفاة النبي.
لهذا يمكن القول بأنهم من المتشيعة، وهم إما من الإسماعيليين أو الإثني عشرية
والارجح من مذهب الزيدية لأن في رسائلهم مسح من الشيعية
ولكنهم في ذات الوقت يخرجون عن حدود كافة الفرق الإسلامية في الفكر والمعتقد،
إذ لهم فكرهم الانتقائي. وهم يجمعون بين الكثير من المعتقدات الدينية والمذاهب الفكرية،
ويبتغي أصحابهم جمع حكمة كل الأمم والأديان. مذهبهم بحسب تعبيرهم في الرسالة 45
(يستغرق المذاهب كلها، ويجمع العلوم جميعها، وذلك أنه النظر في جميع الموجودات بأسرها، الحسية والعقلية،
من أولها إلى آخرها، ظاهرها وباطنها، جليها وخفيها، بعين الحقيقة، من حيث هي كلها مبدأ واحد،
وعلة واحدة، وعالم واحد). وتبرز هذه النظرة الانتقائية التوفيقية بشكل خاص في تحديد الإخوان لمزايا الإنسان الكامل،
وقد وجدوه في (العالم الخبير الفاضل، الذكي المستبصر، الفارسي النسبة، العربي الدين،
الحنفي المذهب، العراقي الآداب، العبراني المخبر، المسيحي المنهج، الشامي النسك، اليوناني العلوم،
الهندي البصيرة، الصوفي السيرة كما في الرسالة 22).