التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ)
________________________________________
{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } *
{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا
وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } *
{ فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ } *
{ فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } *
{ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } *
" أن داود عليه السلام قال: يا رب لماذا خلقت الخلق؟
قال: كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف "
، فثبت أن بذر المعرفة هو المحبة، فاعلم واغتنم لعلك تشم رائحة فتسعد.
ثم أخبر عن أمطار الإلهام من سحاب الفضل والإنعام على أرض قلب آدم
لإنبات حبة المحبة، وتميز شجرة المعرفة بقوله تعالى: { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ } [البقرة: 37].
والإشارة في تحقيق الآية: أن أول نبت مطرت أمطار الربانية من حبة المحبة في قلب آدم،
وطينة الإنسان كان نبات:
{ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23]؛
لأنه أبصر بنور الإيمان أنه ظالم لنفسه إذا أكل حبة المحبة، ووقع في شبكة المحنة والذلة،
وإن لم يعنه ربه بمغفرته، ويفنه برحمته لم يتخلص من حضيض بشريته الذي أهبط إليه،
ويخسر رأس مال استعداد السعادات الأزلية، ولم يمكنه الرجوع إلى ذروة مقام القربة
فاستغاث إلى ربه وقال مضطراً، وكانت الحكمة في إبعاده بالهبوط والاضطرار،
فإنه يجيب المضطر إذا دعاه، فبسابقة العناية أخذ بيده وأفاض عليه بحال رحمته:
{ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } [البقرة: 37]،
للتائبين فأخرج من آيات الكلمات شجرة الاجتباء، وأظهر على دوحتها زهرة التوبة،
وأثمر منها ثمرة الهداية، وهي المعرفة
كما قال تعالى:{ ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ } [طه: 122].
ثم أخبر عن سر الهبوط مشروطاً بالشروط لقوله تعالى:
{ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً } [البقرة: 38]، الآيتين
والإشارة فيهما: أن الله تعالى لما ابتلى آدم بالهبوط إلى الأرض
بشر بأن إلهامه ووحيه بالهدى لا ينقطع عن ذريته هداهم بواسطة أنبيائه ووحيه،
وإنزال كتبه { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } [البقرة: 38]،
فمن آتاه منك ومنهم من إلهامي ووحيي ورسولي وكتابي { فَمَن تَبِعَ هُدَايَ } [البقرة: 38]،
كمن اتبع آدم بالتوبة، والنوح بالبكاء، والاستغفار، وتربية بذر المحبة بالطاعة،
والعبودية حتى يثمر التوحيد والرفعة { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [البقرة: 38]،
في المستقبل من وبال إفساد بذر المحبة من طينة الصفات الحيوانية والسبعية،
وإبطال استعداد السعادات أبدية باستيفاء التمتعات الدنياوية { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 38]،
على هبوطهم إلى الأرض لتربية بذر المحبة؛
إذ هم راجعوا بتتبع الهداية وجذبات العناية إلى أعلى ذروة حظائر القدس
كما قال تعالى:{ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } [العلق: 8]،
ثم ذكر من كفر بهداه وجعل النار سواه، وقال { ٱلَّذِينَ كَفَرواْ } [البقرة: 39]،
أي: ستروا بذر المحبة بتعلقات الشهوات النفسانية،
وظلموا أنفسهم بتكذيب الآيات البينات من الجهالة الإنسانية متى أفسدوا الاستعداد الفطري
{ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ } [البقرة: 39]،
على معجزات أنبيائنا بالوحي والإلهام والرشد في تربية بذر المحبة،
وتثمير الشجرة الإنسانية بثمار التوحيد والمعرفة والبلوغ إلى درجات القربات،
ونعيم الجنان والغرفات ومن خلدوا في أرض الطبيعة، واتبعوا أهواءهم
فما نبت بذر محبتهم بماء الشريعة؛ فبقوا بإفساد استعدادهم
في دركات نار الجحيم وخسران النعيم خالدين مخلدين