(( حــم الثانيـة ))
( بصيرة فى .. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم )
السورة مكِّيّة بالاتِّفاق.
عدد آياتها أَربع وخمسون فى عدّ الكوفة، وثلاث فى عدّ الحجاز، واثنتان فى عَدّ البصرة، والشَّأْم.
وكلماتها سبعمائة وست وتسعون. وحروفها ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسون. المختلف فيها آيتان:
حم {عَادٍ وَثَمُوْدٍ} مجموع فواصل آياتها (ظن طب حرم صد) وللسّورة اسمان: حم السّجدة،
لاشْتمالها على السجدة، وسورة المصابيح؛ لقوله: {زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً}.
معظم مقصود السّورة: بيان شرف القرآن، وإِعراض الكفَّار من قبوله،
وكيفيّة تخليق الأَرض والسّماءِ، والإِشارة إِلى إِهلاك عاد وثمود،
وشهادة الجوارح على العاصين فى القيامة، وعجز الكفَّار فى سجن جهنَّم،
وبشارة المؤمنين بالخلود فى الجِنان، وشرف المؤذِّنين بالأَذان، والاحتراز من نزغات الشيطان،
والحُجّة والبرهان على وحدانيّة الرّحمن، وبيان شرف القرآن، والنفع والضرّ، والإِساءَة،
والإِحسان، وجزع الكفَّار عند الابتلاءِ والامتحان، وإِظهار الآيات الدَّالة على الذَّات والصّفات
الحسان، وإِحاطة علم الله بكلّ شىء من الإِسرار والإِعلان، بقوله: {أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ}.
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آية واحدة {ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} م آية السّيف ن.
المتشابهات:
قوله تعالى: {فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} أَى مع اليومين اللَّذين تقدّما فى قوله: {خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ}
كيلا يزيد العدد على ستَّة أَيّام، فيتطرّق إِليه كلام المعترض. وإِنما جَمَع بينهما
ولم يذكر اليومين على الانفراد بعدهما؛ لدقيقة لا يهتدى إِليها إِلا كلّ فطن خِرِّيت وهى أَنَّ قوله:
{خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} صلة {ٱلَّذِي} و {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً} عطف على {لَتَكْفُرُونَ}
و {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} عطف على قوله: {خَلَقَ ٱلأَرْضَ}
وهذا ممتنع فى الإِعراب لا يجوز فى الكلام، وهو فى الشعر من أَقبح الضرورات،
لا يجوز أَن يقال: جاءَنى الذى يكتب وجلس ويقرأُ: لأَنَّه لا يحال بين صلة الموصول
وما يُعطف عليه بأَجنبىّ من الصّلة؛
فإِذا امتنع هذا لم يكن بُدّ من إِضمار فعل يصحّ الكلام به ومعه، فيضمر {خَلَقَ ٱلأَرْضَ}
بعد قوله {ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ} فيصير التقدير: ذلك ربّ العالمين،
خَلَق الأَرض وجعل فيها رواسى من فوقها، وبارك فيها، وقدّر فيها أَقواتها
، فى أَربعة أَيّام؛ ليقع هذا كلَّه فى أَربعة أَيام. فسقط الاعتراض والسّؤال.
وفيه معجزة وبرهان. قوله: {حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ} ،
وفى الزخرف وغيره {حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا} بغير (ما)؛ لأَنَّ (حتى)
هاهنا الَّتى تجرى مجرى واو العطف فى نحو قولك: أَكلت السّمكة حتى رأْسَها أَى ورأْسها.
وتقدير الآية: فهم يوزعون،
وإِذا ما جاءُوها و (ما) هى الَّتى تزاد مع الشَّرط، نحو أَينما، وحيثما.
وحتى فى غيرها من السّوره للغاية.
قوله: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ} ومثله فى الأَعراف،
لكنه ختم بقوله {سَمِيْعٌ عَلِيْمٌ} ؛
الآية فى هذه السّورة متَّصلة بقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}
وكان مؤكَّداً بالتكرار، وبالنفى والإِثبات، فبالغ فى قوله:
{إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ} بزيادة (هو) وبالأَلف واللام،
ولم يكن فى الأَعراف هذا النَّوع من الاتِّصال، فأَتى على القياس:
المخبرُ عنه معرفة، والخبر نكرة.
قوله: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} وفى عسق بزيادة قوله:
{إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى} وزاد فيها أَيضا: {بَغْيًا بَيْنَهُمْ}
لأَنَّ المعنى: تفرق قول اليهود فى التَّوراة، وتفرّق قولُ الكافرين فى القرآن
ولولا كلمة سبَقَت من ربِّك بتأْخير العذاب إِلى يوم الجزاءِ،
لقُضى بينهم بإِنزال العذاب عليهم، وخُصّت عسق بزيادة قوله تعالى:
{إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى} لأَنَّه ذكر البداية فى أَوّل الآية وهو
{وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ}
وهو مبدأُ كفرهم، فحسن ذكر النَّهاية الَّتى أُمهِلوا إِليها؛ ليكون محدوداً من الطَّرفين.
قوله: {وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ [فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} وبعده: {وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ] فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ}
لا منافاة بينهما؛ لأَنَّ معناه: قَنُوط من الصّنم، دَعَّاء لله. وقيل: يئوس قَنُوط بالقلب دَعَّاء باللِّسان.
وقيل: الأَوّل فى قوم والثَّانى فى آخرين. وقيل الدُّعاءُ مذكور فى الآيتين،
وهو {لاَّ يَسْأَمُ ٱلإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ} فى الأَوّل، و {ذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ} فى الثَّانى.
قوله: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ} [بزيادة مِن]
وفى هود: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ} ،
لأَنَّ فى هذه السّورة بيّن جهة الرّحمة،
وبالكلام حاجة إِلى ذكرها وحَذَف فى هود؛ اكتفاءً بما قبله، وهو قوله:
{وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانُ مِّنَّا رَحْمَةً} ، وزاد فى هذه السّورة (من)
لأَنه لمّا حدّ الرّحمة والجهة الواقعة منها، حَدَّ الطَّرف الَّذى بعدها فتشاكلا فى التحقيق.
وفى هود لمّا أَهمل الأَوّل أَهمل الثَّانى.
قوله: {أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ}
وفى الأَحقاف {وَكَفَرْتُمْ بِهِ} بالواو؛ لأَنَّ معناه فى هذه السّورة:
كان عاقبة أَمركم بعد الإِمهال للنَّظر والتدبّر الكفر، فحسن دخول ثُمّ،
وفى الأَحقاف عطف عليه {وَشَهِدَ شَاهِدٌ}؛ فلم يكن عاقبة أَمرهم.
(وكان) من مواضع الواو.
فضل السّورة:
فيه حديث أُبىّ المردود: من قرأَ هذه السورة أَعطاه الله بكلّ حرف عشرَ حسنات.
*