منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 خطبة الشيخ ابن العربي .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

خطبة الشيخ ابن العربي .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: خطبة الشيخ ابن العربي .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي   خطبة الشيخ ابن العربي .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:16 pm

خطبة الشيخ ابن العربي .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ ابن العربي مع شرح ست العجم بنت النفيس البغدادية

نص كتاب مشاهد الأسرار القدسية
بسم الله الرحمن الرحيم
“ قال الإمام العالم الراسخ ، الفرد ، المحقق ، العارف ، المتبحر ، أبو عبد اللّه محمد بن علي بن محمد العربي ( رضي اللّه عنه وأرضاه ) :
وهذه الرسالة الملقبة : ( مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ) “ 1 “ “ “ 2 “ .
استخرجناها لكم من الخزائن المحفوظة “ 3 “ في غيابات الأزل ، المصانة “ 4 “ عن طوارق الأغراض والعلل . 
وجملتها “ 5 “ أربعة عشر مشهدا :
المشهد الأول : مشهد نور الوجود بطلوع نجم بحر العيان .
المشهد الثاني : مشهد نور الأخذ بطلوع نجم الإقرار .
المشهد الثالث : مشهد نور الستور بطلوع نجم التأييد .
المشهد الرابع : مشهد نور الشعور بطلوع نجم التنزيه .
المشهد الخامس : مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .
المشهد السادس : مشهد نور المطلع بطلوع نجم الكشف .
.....................................................
( 1 ) انظر ما قيل في المقدمة حول شرح هذا العنوان ، بل إنه يمكن أن يقال فيه الكثير والكثير .
ولكن هذا فتح باب فقط للدخول إلى عالم الأسرار ( المحقق ) .
( 2 ) في النسخة ( ط ) سقطت هذه المقدمة ، وتم الاكتفاء بأن هذا الكتاب من مشاهد الأسرار القدسية ، غنما استخرجناها لكم . . . . إلخ .
( 3 ) في النسخة ( ط ) : ( من الخزائن الإلهية المقفولة في غيبات الأزل ) .
( 4 ) في النسخة ( ط ) : ( المصونة ) .
( 5 ) في النسخة ( ط ) : ( وجعلناه ) ثم ختم في النسخة ( ط ) أيضا وقال : وفي آخره فصل به خاتمة الكتاب في تأييد هذه المكاشفات العلمية والمشاهد القدسية . . . إلخ ولم يذكر المشاهد هنا مجملة .

“ 40 “


المشهد السابع : مشهد نور الساق بطلوع نجم الدعاء .
المشهد الثامن : مشهد نور الصخر بطلوع نجم البحر .
المشهد التاسع : مشهد نور الأنهار بطلوع نجم الرتب .
المشهد العاشر : مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .
المشهد الحادي عشر : مشهد نور الألوهية بطلوع نجم " لا " .
المشهد الثاني عشر : مشهد نور الوحدانية بطلوع نجم العبودية .
المشهد الثالث عشر : مشهد نور العمد بطلوع نجم الفردانية .
المشهد الرابع عشر : مشهد نور الحجاج بطلوع نجم العدل .
وفي آخره فصل به ( خاتمة الكتاب ) ؛ في تأييد هذه المكاشفات العلمية والمشاهدات القدسية .
ولا سبيل إلى أن يقف على هذه المشاهد إلّا أربابها “ 1 “ ، وهي أمانة بيد كل من حصلت عنده . فإن كان من أهلها حصل له مراده ، وإن كان من غير أهلها فليبحث عن أربابها وأهلها .
فإن اللّه تعالى يقول :إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها “ 2 “
....................................................
( 1 ) ( أربابها ) : هم أهل الفتح والمكاشفات ، اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك آمين ، وهذا معنى قوله : فإن كان من أهلها . 
أي : من أهل الفتح والشهود والمكاشفات ، حصل له مراده من الكتاب ، وإن كان من غير أهل الفتح والشهود ، فليتأدب ويرد الأمر لأهله ليكشفوا له عن ما في هذا النص العالي جدا من تلك الأنوار ، والمنح العلمية ، وقد فعلنا ذلك مع شيخنا سماحة الإمام صلاح الدين التجاني الحسني وهو من أهلها بلا منازع ، وللّه الحمد فمنينا بنفحة طيبة ، كان على أثرها وقوفنا على ما فيه من الخير وللّه الحمد والمنة .
ولذلك قال المؤلف ( رحمه اللّه ) : " وهي أمانة بيد كل من حصلت عنده " فانظر ما ينالك وما تناله عند رد الأمانة إلى أهلها . ( المحقق )
( 2 ) الآية رقم ( 58 ) من سورة النساء .

“ 41 “


وكل شيء لا تفهمه ولم يبلغه علمك ، ولا تصرّف فيه عقلك ، فهو أمانة بيدك . واللّه بكرمه ينور البصائر ، ويصلح السرائر ، ويصفي الضمائر ، ويلحق الإماء بالحرائر “ 1 “ ، إنه المليّ بذلك ، والقادر .
وهذا أول المشاهد : “ 2 “
...........................................................................................
( 1 ) أي : يطهّر النفوس التي استعبدتها العادات الدنيا لتتحرر من ربقة الشهوات فتصبح نفوسا حرّة ، مطهّرة من أثقال عبوديتها للأشياء ، لتخلص لرب الأشياء . والمعنى هنا رائع وجميل في الدعاء إلى اللّه ، ليخلص هذه الأنفس من ذلك فيلحقهم بالأنفس الحرّة ، وهي المقابلة هنا بين الإماء والحرائر . فالأمة مملوكة ، وهي هنا النفس التي سيطرت عليها شهواتها ، أمّا الحرة فهي التي خلصت للّه وحده ، وكانت حرة من جميع ما يعوقها عن هذا القرب الإلهي ، فهو المالك الأوحد ، وهو المالك الحقيقي الذي تكون العبودية له عزا ، والتملك له حرية عظمى ، فلا يستطيع أن ينكر ذلك أحد ( المحقق ) .
( 2 ) هذا البيان غير موجود في النسخة ( ط ) ، وفي ( خ ) : ( وهذه ) وهي صحيحة أيضا .

.

مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

خطبة الشيخ ابن العربي .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: شرح الرسالة المقدمة على المشاهد .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس    خطبة الشيخ ابن العربي .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:17 pm

شرح الرسالة المقدمة على المشاهد .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس 

الشيخة الصالحة العالمة الزاهدة
ست العجم بنت النفيس بن أبي القاسم البغدادية
المتوفاة بعد سنة 852 ه‍

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
شرح الرسالة المقدمة على المشاهد
الحمد للّه الأول قبل الأكوان المألوفية ، الآخر بعد انقضاء الأزمان الفلكية ، الظاهر بالصفات المحددة العلمية ، الباطن بمعقول الضدية ، المطلق عليها لفظ يكاد يلحقها بالعدم المضاد للوجود ، المعتقد الحاضر بالمعية الملحقة بالفناء ، المحتجب بالتجزؤ ، برهان العزة موجبه الكثرة ، وخصوص تمكينه بإطلاق المحتجب تعالى ، وتخصيصه بإطلاق الحمد المفعول لما أصدر من الرحمة عن الأولية ، بالمراد للوجود ، مقترنا بالتسليم السرمدي مع التوكل الكلي حمدا ينشأ من الأزلية ذات العهد المقرون بالشهود متسرمدا إلى حيث الآخرية آن استيفاء العهود ، وتكرر ثنائه باستمداد دائم من البقاء برحمته جزئية المخاطب المنزه بتهيؤ غامر إلى حيث إيقاض الدراية الناشئة بالتذكير الناشئ ، فاتصلت بمحلها الأول في حال استدارة الزمان كهيئته ، وتسرمد الاتصال إلى حيث انقضى الظاهر الحاصل لعموم حكم محمد صلى اللّه عليه وسلم المختص بالبراهين القاطعة والأنوار الساطعة صلوات اللّه عليه بحكم الترجيح كالحال في مبتدأ نبوته قبل الأكوان خافيا ، ثم أريد له الظهور المتعالي مستمدا من منبع الحياة ، فوجب حكمه على كل حي لاختصار صورته صلى اللّه عليه وسلم من جمعية الوجود المائل بالحكم إلى موقع القبول صلاة يبرز أولها على آخرها كالتسرمد مدركة عيانا للدائم الذي لا انقضاء له حتى تحوز بالنظر العيانى تبريرا أعلى الثبوت الأبدي أحمد صلى اللّه عليه وسلم المهيأ لاسمه بطاعة العبودية المشتقة من التنازل إلى حيث المثلية ، وموجبه عموم رأفته المستمدة من الرحمة الأولية الذي كان كونه الصوري سبب إظهار اسمها مقترنة ببعثته ذات الرأفة الأبدية وعلى آله الجملة خصوصا والكافة عموما صلاة مبتدأ فيها بالتحقيق على خلاصة الصديق ذي الحسنات العارية عن المثل ، وعلى الثاني في التقديم عمر بن الخطاب الجاري على منهاج العدل ، وعلى الثالث المقابل عثمان بن عفان قسيم الحمد ، وعلى علي بن أبي طالب المخصوص بيقين الكشف ختام الكل ، وتشتمل على المستمدين الأبرار والمقربين ويستقر خصوصها إلى حيث الأولياء ذوي الدائرة الناقصة التي كان ختامها ظهور اسم محمد صلى اللّه عليه وسلم مرة ثانية بالميل إلى صقع المغرب الذي اختصر من مجموعة مادة ، فبقي في عمائها صورة اسم محمد صلى اللّه عليه وسلم المكرر الذي أودع جسم محمد صلى اللّه عليه وسلم ابن العربي في حال تكميل الدائرة ذات الختم الموصوف بالاسم المطرب الذي أطلق عليه ختم الأولياء ، وشمس المغرب أنار اللّه إلى حيث قيام صورة النشأة برهانه وأعلى على المستمدين الآخرين إلى حيث القرار شأنه ، أما بعد : فإنه لما سبق لي في العلم وهب من العليم بإرادة


“ 52 “


شأن اختصر اللّه تعالى فيه من مواد المماثلين في الشؤون بعموم الكلية صورتي ، وأودعها ما كان هيأ لها في السابقة وأطلعني عليه في حال كمال الدراية ، وأوقفني بلطفه المتحد بخلقه المتعدد على صفة من تقدم من الأولياء المماثلين في الرتبة وقوفا منتزعا من الاستواء بحضور الموصوف تعالى ، وغيبه وعكسها ، وأيضا : بوقوف جملة الأولياء في حال الاطلاع إلى ما يلي الباطن ، فوجدت صاحب الاستمداد الكلي ذا العمر الجامع مفيضا على الجزوف الحاضر في الواقع ، ففحصت عن اسمه وسيرته وسبيل الاستمداد منه ذات التحديد ، فوجدت المشابهة في العطاء الحاتمي بيننا مؤدية إلى الجذب في حال عدم الخصوص ، وتجريد السبيل في مماثلة التبعية والسيرة بمماثلة الخلق ، بل الوهب أيضا المختص بالأولياء ، فلم تتمالك صورته اللطيفة النورانية إلى أن شهدت علم الاتحاد الذي بيننا ودق البحث إلى حيث ظهور الأسماء المختصة بنا .
فقلت له : من أنت ؟ فقال : ابن عربي واحد من الأولياء عباد اللّه المقربين ، فسألته الاستمداد من سيرة الولاية ، فأمدني بما يليق من الرعاية المنتزعة من عدم الخصوص وكان موجب الطلب التوقيف على صورة التشكيك ، فقال لي عند المفارقة في حال العود من الباطن : أتبعك أيها العارفة بوصية كالأمانة تؤدينها في حال الرجوع من هذا المقام ، فقلت : قل وباللّه المستعان من غير أود “ 1 “ ، فقال لي : كتاب عار عن الاختيار في اللفظ ، وهو من غوامض الكتب المشكلة ومنذ أظهرته لم أر لقفله فاتحا إلا أنت وحيث حضرت تلتزمين بطريق المماثلة فتح هذا المدّعى عليه بالاستغلاق ، فعسى يتصل الذكر بنا ، ويكون ذلك استمدادا منك اللّه .
قلت : وجبت هذا الخطاب بحضرة جماعة من الأنبياء بحضور إبليس ، وكان اللعين لنا في الموضعية إذ كان قد حل عليه الوحدة باستمداده اللعنة من اللّه تعالى ، فعند الرجوع ، أوجبت على القيام بفتح مقفله بعد التأكيد في الوصية من الشيخ رضوان اللّه عليه ، فابتدأت بفتح مستبهمه ، وباللّه المستعان ، قال الشيخ رحمة اللّه عليه :
( ص ) [ ( الحمد للّه رب العالمين ) ] .
( ش ) أقول : إن مفتتحه بالحمد واجب ، وإعلانه به لكمال أمره لأن الحمد ثناء ، فالابتداء به بعد الكمال طبع لتحقيق الثناء بترجيع اللفظ الذي يمكن الإعلان لا غير فمن حيث وجوبه اضطر إلى إظهاره مستعليا على كماله وإن لم يكن في الحقيقة يجب الإعلان
......................................
( 1 ) أود : أي تقصير .

“ 53 “


به في حق الكاملين لأنهم مختصون باختيار اللّه لهم في قوله تعالى : أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [ يونس : 62 ] ، فمن حيث تحقق الحمد على كل موجود ابتدأ به معلنا مع عدم الافتقار لإظهار الطاعة فقط وهذا من باب التنازل ، فإنه من حيث فنائه في ذات المحمود ، لم يعد عليه هذا الوجوب حقيقة وإنما يجب عليه من حيث التقييد الظاهر ، فأراد رحمه اللّه أن يظهر حقيقة هذا الواجب مماثلة للعباد مع تفرده بعدمها في حال الفناء ، وقوله : رَبِّ الْعالَمِينَ * بالإضافة يريد به إظهار حقيقة المماثلة وإظهار حكم الرب على مجموع العالم ، فإن الرب يشتمل حكمه على جميع الموجودات ، وإن لم يكن لها حقيقة في الحقيقة ، لكن الابتداء بالحمد واجب التكميل باسم الرب المضاف إلى العالم ، وذلك إنه لما كان هذا العارف في حال هذا الحمد متصفا بمجموع الوجود عليه قد صدق عليه العالم أراد إظهار حقيقته على ظاهره بثنائه على ربه ، فأظهرها بذكره لاسم الرب المضاف إلى العالمين ، فكأنه قال : الحمد للّه ربي ، أو قال : الحمد للّه رب العالم الذي قد اتصفت به ، وتأييد اتصافه بالعالم وقيامه بحقيقة حكم الرب قول الإمام العارف الكامل أبي القاسم الجنيد رضي اللّه عنه حين عطس واحد في مجلسه ، وقال : الحمد للّه ، فأشار الإمام إليه بأن يقول : رب العالمين ، فقال العاطس : ومن العالمون مع اللّه ؟ فقال الإمام : الآن لابد من ذلك ، فإن المحدث إذا قورن بالقديم لم يبق له عين ولا أثر ، وإنما أمره به لا يقارنه الحمد على نفسه ، وذلك لأن الحمد يقال على محمود متصف بأوصاف تليق به كالرب وثناء العباد عليه ، فإن ثنائه واجب على كل متميز عنه ظاهرا ، فإذا حصل التمييز بالحمد للرب وجب اقترانه بالعالمين للدخول تحت لفظه العموم .
( ص ) [ قوله : ( حمد آنية لا حمد هوية هذا حمد منزه عن النماء معتليا عن الصفات والأسماء مادة لألفاظها ومعانيها ) ] .
( ش ) أقول : مراده به خصوص نفسه بالحمد مع اتصافه بمجموع الوجود ، فإن الآنية لفظ مختص بالناطق به بشرط الكمال في مرتبته بخلاف الأنانية ، لأن الأنانية ، لفظ يصطحب تعظيما عاريا عن المماثلة في الرتبة ، والآنية ، تنشأ عن ذلك التعظيم عندما يصير وصفا للناطق به .
فقوله : ( حمد آنية لا حمد هوية ) أي : حمد مختص بالاتصاف في حال التفرد بالكمال الثابت الذي لا يدخل عليه الفناء ، وقوله : ( لا حمد هوية ) يريد بهذا النفي إثبات حامد ومحمود ، فإن الهوية يستهلك حقيقتي الحامد والمحمود وتبقي واحدا متفردا بريا عن


“ 54 “


الثنوية عاريا بإطلاقه عن التمييز ، فلا يطلق الحمد على غيره إذ لا شريك له يكون مستعليا عليه ، ولا يجب عليه الحمد إلا لنفسه ، لأنه عادم لتعظيم الغير من أجل براءة المماثل ، فلما لفظ هذا الشاهد بالحمد لزم منه إثبات حامد ومحمود ، وقد يختص الحامد نفسه على المحمود بالدخول تحت الحكم ، فأظهر هذا الشاهد حقيقة خصوصية بقوله : حمد آنيّة ونفى الهوية لأنها عارية عن الإثنينية كما قلنا ، فلو قال الحمد لي اضطر إلى أن يقول : حمد هوية فلما قال : الحمد للّه ولزم منه الثنوية ، قال : حمد آنية ، فكأنه قال : الحمد للّه حمد مختص بالعبودية الواجبة بالتكثر لا حمد رب مختص بالهوية مستهلك لحقائق العباد ، فلفظ بالآنية لإثبات الجزئية بلفظ يشترط فيه الخصوص ليوجب الحمد على نفسه ونفى الهوية لأجل التمكين الواجب بالتفرد ، فيبقى الحقائق المكثرة التي يشترط فيها وجود حامد ومحمود ، وإن كان قد حمد هذا المتفرد نفسه بقوله على لسان عبده سمع اللّه لمن حمده ، فإنه من مراد الرب لعراء العبد عن الاختيار ، وأيضا لإثبات طاعته ، وهذا حمد الهوية وحمد الآنية هو مراد اللّه بعينه لكن يقترن به اختيار العبد من حيث إعطاء لفظ الآنية ويصحب الاختيار عموم التجزؤ ، فالحاصل من قوله : ( هذا حمد ) متجزئ لا حمدا واحد لنفسه قوله : ( حمدا منزها عن النماء موجودا قبل الماء مستعليا عن الصفات والأسماء ) لأن قوله حمدا تكرار ، وفائدته تأكيد الحمد الذي سبق ذكره ، فقوله حمدا منزها يباين في الكمال حمد الآنية لأن الآنية تتضمن المثل والتنزيه يبرأ عن هذا التضمن ، فبدأ بالحمد مضافا إلى الآنية وكرره مضافا إلى التنزيه فالتزم إظهار حقيقته التي كانت موجودة في العلم وهي حامدة ، ولهذا قال : ( موجودا قبل الماء ) .
وقوله : ( منزها عن النماء ) أي : حمدا كاملا مستديرا لا يفتقر إلى الزيادة الموري عنها بالنماء لأجل تمامه ولا إلى التثنية من أجل الكمال ، واستدارته يستصحب كماله لعراء الدائرة عن التجزؤ ، فالتنزيه مقابل للتجزؤ كتنزيه الدائرة عن الفروج ، ولفظه بالتنزيه إعلام منه أنه لا سبيل للتجزؤ المنوط بالنمو على كمال هذا الأحدي ووصفنا له بالاستدارة لأجل أن الزمان قد التحق أوله بآخره في الحديث المروي ، فقوله : موجود قبل الماء لأن آخر الزمان قد عطف على أوله بإطلاعنا على ما كان قبل الكون عند وجود الماء ، فابتدأ الخلق من حين وجود الماء والاستدارة هي اتحاد الفاتحة بالخاتمة ، ليطلع اللاحق على السابق ، ويفهم أنه كان موجودا عن أول موجود لجذب المناسبة الجاعلة للأول آخرا حتى يصدق عليه اسم الكمال المستدير السرمدي .

“ 55 “


وقوله : ( معتليا عن الصفات والأسماء ) هو لا حق بالهوية إذ الهوية لفظ يستعلي مستهلكا لحقائق الأسماء والصفات على تقدير وجود الصفات والأسماء مع الهوية ، فلما ثبت هذا التقدير ألحق هذا العارف رضوان اللّه عليه حمده بالهوية الموجودة مع الصفات بلفظ الاعتلاء قوله :
( ص ) [ ( قوله : يكون قدوة لجميع المحامد المتفق عليها والمختلف فيها ، ومادة لألفاظها ومعانيها ) ] .
( ش ) أقول : إن حمد الكامل يباين حمد الناقصين من الجملة ، لأن الجاهل لا يقدر على الدخول من غير باب معينة ، والعارف لاتصافه بالكل يدخل من حيث شاء بحكمه على علمه كوضع الأشياء في مجالها وما أشبه ذلك ، فإن تمكين معرفته صنعة وصانعها كالدليل العارف بالطرق ، فليس سير الدليل كسير الخابط فيها بغير علم ، فإذا ثبت هذا بتخصيص العارف ، كان حمده ناشئا من محله بواسطة التقليد لأنه عرف الحمد من لسان الشارع معرفة تحقيق ، فحمده لا حمد المحبين العارين عن القدرة على وضع الأشياء في أماكنها ، فحمد العارف للمحامد ، إمام للمحامد العارية عن الصنعة يقتدى به اقتداء المدلولين بالدليل المتفق على معرفته بالسلوك والمختلف فيها كالاختلاف بين المدلولين من المدّعين ، وما أشبه ذلك مما يطلق عليه لفظ الاختلاف .
وقوله : ( مادة لألفاظها ومعانيها ) يريد به أن همم السالكين في السلوك تستمد من همة العارف الدليل بصورة التسليك ، فيجعل معرفة المسلك ، كالمادة لكل مهم مفتقر ، ولهذا يمد بحسب اختلاف الهمم إلى حيث يبلغ بالإمداد إلى تقويم ألفاظهم ومعانيها .
( ص ) [ قوله : ( والصلاة على حقيقة المحقق المحق والمثبت الحق صلاة تتحد بالآلية على صاحب الحضائر القدسية محمد صلى اللّه عليه وسلم وعلى آله وشرّف وكرّم ) ] .
( ش ) أقول : به الإشارة إلى الحقيقة المحمدية ، بل الحقيقة النبوية لأن الأنبياء يشتمل عليهم عموم الولاية ، فيسمون من حينها محققين ، وفي حال الاطلاع محقين فاطلاعهم لأجل التحقيق ، وعلمهم بالاطلاع لأجل توغلهم في الحقيقة ، فهم محققون لاختصاصهم بتمكين التحقيق ، ومحققون من أجل تلبسهم بالولاية ، وهذا أخص بمحمد صلى اللّه عليه وسلم .
وقوله : ( والمثبت المحقق ) يريد به أنه مثبت في حقيقة البشرية ، قال اللّه تعالى : قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [ الكهف : 110 ] ، وتحققه باستيفائه في طور الولاية لعرائه عن الاختيار ، فإثباته في البشرية لإثبات طور النبوة ، وتحققه لإثبات أوصاف الولاية .

“ 56 “


وقوله : ( صلاة تتحد بالآلية ) حيث لفظه رضي الله عنه بالصلاة عليه تميزت عن صلاة الإله ، فما بقي لها إلا الاتحاد لأن الاتحاد لا يكون إلا بين متميزين ، بخلاف ما لم يتميز فيطلق عليه الأحدية ، وكونها جرت على لسانه الكريم أعني : الصلاة على محمد صلى اللّه عليه وسلم التحقت بصلاة اللّه تعالى المنسوبة إلى خصوص الإله التحاق اتحاد لا فناء لأحدهما ببقاء الأخرى ، لأنه ينشأ من محل التمكين ، ويلتحق بتنزيه اللّه تعالى .
وقوله : ( على صاحب الحضائر القدسية ) يريد بها اختصاصها بمحمد صلى اللّه عليه وسلم لاختصاصه بالمقام الرفيع المنزه عن دنو المماثل بالتقديس ، وإنما أجمل الحضرات المخصوصة بتكرار الرؤية في هذا المحل المخصوص بالتقديس ، وإلى هذا التكرار أشار ، بقوله تعالى : وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى [ النجم 13 : 14 ] ،
( ص ) [ وقوله : في أثناء الرسالة المقدمة على المشاهد وهو ما التقطنا منها مما يحتاج إلى الشرح لما حجبني عن تفصيلي ، ونزهني عن تجميلي ، وأدخلني حضرات جمّة على قدر ارتقاء الهمة ] .
( ش ) أقول : يريد بحجبه عن التفصيل كونه في حال المحجوب في الرتبة الثانية التي تسمى شهود المحو ، فهناك يحصل الشاهد المحجب عن الأعيان المتكثرة ، ويصطحب هذا الحجب التنزيه عن الإجمال لأنه متى عدمت الكثرة ، تنزه الشاهد عن الإجمال اضطرارا ، لأن الإجمال يدخل على التفصيل ، وكيفية الحجب تظهر باستيلاء ظلمة المحو التي تفني أعيان الكثرة ، فالاستيلاء حجاب وارد على المتصف بالكثرة يكون فاصلا بينه وبين الناشئ عن الاتصاف ، لأن الكثرة تتقدم على شهود تمييزها ، ولهذا عبّر عنه بالحجاب الدّال عليه لفظ حجبني ، لأنه يحجب النظر الباصر عن تفصيل الأعيان ، وهو الذي عبّرنا عنه بظلمة المحو ، فمتى اتصف الشاهد بهذه الأوصاف ، حصل له التنزيه لارتفاع هذا الحجاب المضروب على وجهه .
وقوله : ( أدخلني حضرات جمة على قدر ارتقاء الهمة ) يعنى به أنه يعد هذا الشهود الموري عنه بالحجاب الذي نسميه بالمحو يأخذ الشاهد إن كان مرادا للكمال في الارتقاء إلى جهة الاستعلاء ، فالهمة تكون بشرط إرادة الكمال .
فالشيخ رضي الله عنه بعد هذا الشهود ذي الحجاب قد استكملت به همته إلى جهة العلو بواسطة إرادة اللّه تعالى الكمال ، ووحدة الجهة هي المرتبة الثالثة التي يتصف الشاهد من حين ولوجه فيها بالكمال الفاني الذي لا يكون إلا لواحد في كل عصر ، وهو المعبر عنه


“ 57 “


في لسان الأولياء : بالقطب والغوث ، وهذه المرتبة هي التي تشهد فيها حضرات جمة لا تتناهى كثرة ، لأن فيها الجمع بين النقيضين ، فمن حيث الكثرة تشهد هذه الحضرات متنوعة ، ومن حيث الأحدية تشهد واحدة ، والكل في آن واحد .
وقوله : ( جمة ) يريد به ما ذكرناه هاهنا من أن أوصاف هذه الحضرات لا تحصى عددا لأن الشهود الكمالي الذي يكون بعد شهود المحو هو شهود ثبوت الأعيان في حقائقها ، وهو ما أشرنا إليه من الجمع بين الأشياء ونقائصها وبين الأشياء ومضاداتها وكثرة الكون لا تحصى على اختلاف تنوعاته إلا للشاهد المراد ، لجعلها واحدة بعد الاتصاف بهذه الوحدة ، فيحصل له إدراكها على اختلاف أنواعها ، فكلما أدركه منفردا أسماه حضرة ، فهذه همته إذا أخذ في طريق الكمال ، وأما الواقف في شهود المحو فلا ترتقي به همة جذب ، من أجل أن المراد به الوقوف .
( ص ) [ قوله : ( حتى انتهيت وما انتهيت ، وأريت وما رأيت ، وأفناني في حضرة الهوية بإبراز هذا الكتاب ، وإخراجه إلى العالم المحسوس ) ] .
( ش ) أقول : إن قوله : ( حتى انتهيت وما انتهيت ) يريد به أنه في حال شهود المحو وفناء الأعيان ينتهي كل متجزئ إلى محوه في الأحدية ، لأنه لا فائدة في محو الكثرة إلا جعلها واحدا ليتمكن يقين الشاهد في أنه لا حقيقة لعين ثابتة ، ويتمكن يقينه بأن لا شيء من خارج يدخل فيفني هذه الكثرة ، لكنه يشهد فناءها في عين الظاهر بها ، فالزيادة على هذا لاطلاع اليقين لا شيء يخرج عن الأحدية ، فعند هذا تنتهي الأعيان ولا تنتهي إلى فناء عدمي ، لكن تنتهي إلى فناء تمييزها ، لأن القصد في هذا الشهود بقاء التوحيد مع فناء التمييز ، فتنتهي عين المطلع إلى حيث الفناء ، ولا ينتهي إدراكه إلى حيث وصوله إلى الأحدية ، فبعد هذا يتصف الشاهد بالهوية وهذا معنى
قوله : ( حتى انتهيت وما انتهيت ) يعنى انتهت غيبتي ، ولم ينته إدراكي ، وقوله :
( وأريت وما رأيت ) معناه أن المراد بهذا الشهود وهب من اللّه تعالى لإظهار هويته لإدراك المطلع ، فيكون معناه أنني أريت الكثرة في رأي العين ، وما رأيتها من أجل الهوية المفنية .
وقوله : أريت يريد به أن الرؤية بفعل فاعل مريد من خارج وهو نزع الاختيار ، فكأنه قال : لما هيئت للرأي بإرادة اللّه تعالى ، لم أر شيئا من أجل استهلاك الهوية لحقائق الأشياء ولحقيقتي أيضا ، ولهذا قال : ما رأيت .
وقوله : ( وأفناني في حضرة الهوية ) بإبراز هذا الكتاب يريد به عدم فناء الإدراك

“ 58 “


التحديدي ، وهذا لا يكون إلا بعد الكمال الأتم ، لأنه في حضرة الشهود الثبوتي يتحقق الشاهد ثبوت الأعيان بأحديتها ، ويحصل للشاهد المتصف الإدراك على حسب الاختلاف بعد الاتصاف بأحدية هذا الإدراك ، ولا يعدم من الشاهد المصلحة ، ولا الخطاب ، ولا السماع ، ولا الاختيار ، ولا يزداد إلا الجمع بين النقيضين من أجل أنه يشهد الكثير واحدا ، والواحد كثيرا في آن واحد بإدراك واحد ، ولا أعني بالجمع بين النقيضين إلا ما هو محال في العقل من غير تأويل ، ولا تغيير بل جمع بين النقيضين مع اجتماع الشروط التي يتوقف عليها إثبات التناقض ، فإن طور الولاية يخالف ما ألفه علماء الرسوم الحاكمون بمقتضى عقولهم ، فنهاية العارف الكامل أن يشهد اجتماع النقيضين ، وهو أنه يشهد الواحد كثيرا والكثير واحدا في آن واحد وجهة واحدة ، ولا يبعد أن الشاهد في هذا الشهود ليفاجئوه ، ما لم يكن معهودا له من إظهار باطن إلى ظاهر يكون فيه مصلحة وما أشبه ذلك ، فأمر هذا الشهود بإبراز هذا الكتاب بعلمه رضوان اللّه عليه أنه ليس يسلب الاختيار عن الشاهد هاهنا .
( ص ) [ قوله : ( وعرفهم بإنزاله من حضرة التقديس على الجوهر النفيس لا يمسه إلا المطهرون من التخييل والتلبيس ) ] .
( ش ) أقول : مراده بقوله : عرفهم بإنزاله أن الأولياء في حال الفيض لا تتغير عليهم الأحوال ، بحيث لا يدركون فيها التنزل عليهم لأن الموارد التي ترد عليهم باطنية لا تشهد من خارج ، ومن هذه الجهة يجدون الفرق بين التنزل عليهم والتنزيل على الأنبياء ، فإن الأنبياء عليهم السلام يتنزل إليهم الأمر على لسان رسول من خارج ، والأولياء ينطق اللّه في قلوبهم وعلى ألسنتهم بغير واسطة رسول يتراءى لهم من خارج ، فإن لم يبرزوا ما ألقي إليهم إلى الظاهر ، وإلا فلا يظهر ذلك عليهم ، ولا ينفصل عن قلوبهم .
فقوله : ( عرفهم بإنزاله ) أي : أعلن بما نوديت به في حضرة القلب وعبارته عنه بالإنزال من أجل أن المنزه يتعالى عن التشبيه والتمثيل وغير ذلك من صفات النقص ، وهو وارد من حضرة التقديس الذي هو محل المنزه المستعلي عن الوجود ، فيكون بالنسبة إلى استعلائه ، نزولا إلى محل يكاد يصدق عليه المماثلة كالخلق على الصورة ، وكالقول على لسان العبد ، ولهذا جعل له محل من الجواهر المنزهة عن الكثافة ، ولذلك روى عنه بالجوهر النفيس ، لأن الجوهر في حال المماثلة يتقدس عن كثائف الأجرام المحسوسة ، لما أمكن فيه من اللطافة ، ولا معنى للمقدس إلا لطيفة يتنزه عن الكثائف المحسوسة وقوله : ( لا يمسه إلا


“ 59 “


المطهرون من التخييل والتلبيس ) معناه لا يلتبس به إلا أهله العارفون واضعو الأشياء في مواطنها ، فإن الكتب يصدق عليها المماثلة من حيث الاسم ، وتمتاز بالجلالة والحقارة ، فالمميز بينها هو المطهر من التخييل والتلبيس ، أما في الظاهر فمن النجس وجميع ما تعافه الأنفس من القاذورات ، وأما في الباطن فمن الشكوك والوقوف عند الحدود التي ينشأ عنها التردد والسماع من غير إصغاء ، وعدم القبول الذي يفضي بصاحبه إلى عدم التعظيم ، وهذا كله يباين التنزل الشريف القلبي .
( ص ) [ قوله : ( وقيل لي : خذه بقوة ، وأخبر كل من رآه وحققه وأمعن النظر فيه ودققه ، إن وقف مع الأضداد في ظاهره كان له ران على قلبه ) ] .
( ش ) أقول : معنى الأخذ بقوة : سرعة جذبه للخطاب الذي يحصل له في عالم الباطن من ربه وذلك أن الشهود الكشفي يكون في آن واحد ، فإن لم تكن القابلية شديدة الصقال والناظر فيها قوي البطش ، نافذ البصر حتى يضبط ما أبرز له محددا في عالم الباطن بقهر الروحانية المخبرة أو المحددة أو المعطية من غير خطاب ، وإلا لا يصدق الجذب بقوة ولا يحصل لكشفه التمييز من الكشوف المتنوعة .
ويفهم من هذا الشهود أن الشاهد شديد الصفاء ، والمشهود قوي التحديد ، ظاهر التمايز ، قوله : ( وأخبر كل من رآه ) ضرورة من أجل أن العارف في الكامل أول ما يفاجئه عدم الخصوص ، فكأنه اشترط عليه في محل الخطاب السر أي أن لا يخفي ما أظهر له من كمين الغيب إلى عالم الشهادة .
وقوله : ( إن وقف مع الأضداد ) يريد به أن التنزل على الأولياء يخالف التنزيل على الأنبياء لأن الأنبياء صلوات اللّه عليهم ، يجيئون بما تألفه قلوب الناس لئلا يقع النفور من تنزيل مخالف للعادة ، وقد
قال صلى اللّه عليه وسلم : “ في ذلك أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم
“ 1 “ “ التنزيل على الأولياء لا يشترط فيه ائتلاف القلوب لأنه صادر عن محل النفور وهو الموت ، هذا لا يستحيل فيه الجمع بين النقيضين ، لأن الموت ضد الحياة ، فمن وقف مع ظاهر هذا التنزيل الذي قد قيل فيه بعدم استحالة الجمع بين الأضداد كأن هذا التنزيل بعينه حجابا على قلب الناظر ، ولهذا قال : ( لا يفتح لباب ولا يبدو لسره لباب ) أي لا يفتح لباب فكر يبدو لسره فيها زيادة دراية .
( 1 ) رواه الديلمي في الفردوس ( 1 / 398 ) ، والعقيلي في الضعفاء ( 4 / 125 ) ، وهو صحيح كشفا .


“ 60 “


( ص ) [ قوله : ( ولا ينبغي أن يقف عليه إلا الوارثون لا العارفون ولا الواقفون إذ المعرفة حيرة وتثبت الواقف غيرة ) ] .
( ش ) أقول : إن مراده بقوله لا ينبغي أن يقف عليه إلا الوارثون وارثو الإيمان من الرسل صلى اللّه عليهم أجمعين ، فإن المؤمنين وارثو الإيمان من الرسول صلى اللّه عليه وسلم استمدادا من النشأة الرحمانية التي عمت في بعثته وهو استمداد من البعثة ، ويختص الأولياء بجذب زائد على جملة المؤمنين ، فيكون من المعرفة الخاصة بالرسول ، وليس مراده بالإرث هاهنا إرث المعرفة ، لأنه نفى وقوف العارف إذ لا حاجة إليها لأنه مستغن بما قد فتح عليه من الحقائق النازلة على مثله ، إذ المعرفة واحدة وهي حاصلة لكل منفرد في عصره ، فالأولياء وارثو الولاية من الإيمان ، بخلاف الوارثين لمجرد الإيمان لا غير ، فكأنه قال : لا ينبغي أن يقف عليه إلا مؤمن وارث فقط .
وقوله : ( لا العارفون ولا الواقفون ) ، أما نفي الوقوف المتعارف عليه ، فغلط لأن العارف لا يصدق عليه المعرفة إلا بعد كمال الإرث ، فكأنه يريد بقوله هذا التمييز بين الوراثة والمعرفة ، ولا معنى للمعرفة إلا بعد كمال الوراثة ، وأما نفيه للواقفين فحسن ؛ لأن الواقف عادم للفرق ، وهذا التنزل ورد بعد كمال المطلع على عالم الفرق واستعلائه على مقام هذا الواقف الذي قد أوقف في شهود المحو ، فمتى اطلع على هذا الكتاب واقف ، أفضى به إلى النفور ، لأن الوقوف مرتبة ناقصة ، والفرق لا يرد إلا من مرتبة الكمال .
( ص ) [ قوله : ( فإن قيل : ولعلك جريت على أسلوب من تقدم دعما أودعوه في كتبهم تترجم فقل عند ذلك : والقمر قدرناه منازل وهو كمال الوجود ) ] .
أقول : مراده بهذا الاعتراض أن ينبه على أن كثيرا ما يتحرص على الأولياء ، بأنهم حفظوا من الكتب السالفة ، وأبدوه إلى الناس ، ولا غرو فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد قيل في حقه :
إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [ النحل : 103 ] . ناقل وموجب هذا في حق بعض الأولياء علاوة عن الكرامة الخارقة للعادة ، وذلك إخفاء في بعضهم لتكمل دائرة الولاية في كل زمان لأن كل ولي يظهر فلا بد له في طور الولاية من أثر ، ويكون ظهوره على ذلك الأثر ، فكل من صدقت عليه الولاية فهو ختم لطور الولاية كالقول : كان ولا شيء ، وهو الآن على ما عليه كان ، والمعرفة واحدة وهي عبارة عن : الاتصاف بمجموع أوصاف اللّه تعالى ، وهي حاصلة ، لكل منفرد في عصره ، لكنها تظهر بعبارات مختلفة ، والمعنى واحد ، وكذلك العبارات فهي لكل واحد حاصلة ، ويعبر عنها عبارة مخالفة في الظاهر موافقة في الحقيقة ليحصل التمييز بين كل واحد من العارفين ، ولتنتفي دعوى المفترين بإجماعهم والمنفردين


“ 61 “


في الأعصار ، ولأجل واحدية هذه المعرفة ، وورودها بعبارات متباينة على ألسن هؤلاء قال للناظر في كتابه قل في الجواب : وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ [ يس : 39 ] يريد به الإشارة إلى واحدية هذه المعرفة واختلاف عباراتها كالحال في القمر وتقديره في المنازل ، وليس المراد بتقدير هذه المنازل إلا التورية عن تقدير اختلاف هذه العبارات ، فهو يحكي المعرفة في واحديتها ، والعبارات المختلفة في تقدير منازله ، وذلك أن القمر في نظر العين صورة واحدة قد قدر منازل ، كما أن المعرفة واحدة تظهر بعبارات مختلفة بقدر تنوع المظاهر بالأنبياء والأولياء ، وعلماء الرسوم ، والكاملين في الجهل .
وقوله : ( وهو كمال الوجود ) ، يشير إلى افتقار الوجود إلى القمر كافتقار الطالبين لمعرفة أحدية الوجود وكونه مكملا لاقتسامه بنصف الزمان ، ولهذا جعل سلطانه بالليل ، وقيل فيه : إنه آية ، وهذا الجواب رمز يعتقد فيه الإشكال ، وليس ذلك المشكل كله فقد أوضحناه كما رأيت ، فكأنه قال : إن قيل : إنك نقلت من كتب السلف وأساطير الأولين فقل في الجواب : إن المعرفة واحدة ، وتختلف العبارات عنها قوله في الرسالة التي قدّمها على المشاهد : ( أوقفني من أوقف كل وارث وعارف ، وأمدني بالأسرار الإلهية في المشاهد والمواقف ) ، أقول مراده بقوله : ( أوقفني من أوقف كل وارث وعارف ) الاطلاع الذي حصل للأولياء السابقين عليه بالفاعل الذي اختار المعرفة لهم ، وتسميته لهذا الضرب من هذه العبارة وقفة لأنه حاصل له قبل كماله ، إذ الشاهد في حال الوقفة يتصف اتصافا ولا يقدر على العبارة إلى حيث يكمل بالمرتبة الثالثة المشهودة لمن أريد له الكمال بعد هذه الوقفة ، فكأنه يقول : ولجت في محل ولجته الأولياء من قبلي بإرادة الوهاب الذي وهب لهم المعرفة ، ويلحظ من هذا القول الاتصاف بالفناء لأن أحدا لا يقوم في مقام حتى يتصف به ، والاستعلاء عليه بوصف آخر ، وهو الحاصل له بعد رجوعه من شهود الوقفة ، وولوجه في شهود آخر ، ففي هذا الشهود الآخر يكون استمدادا للأسرار ، وهذا مباين لمن يقف ويتصف بوقفته ، إذ لا يتصف بغير أوصافها التي هي استمداد الأسرار والفيض الفهواني إلى غير ذلك ، فكل ذلك يباين الوقفة كما قلنا ، ولهذا كان العارف الكامل يتجاوزها إلى الفرق والتفصيل وفتوح العبارة الفهوانية إلى كثير من الأوصاف ، وهي معلومة لنا على اختلافها ، وعرفنا أيضا أنه عرف مقاماته المتعددة التي ولج فيها قبل الكمال ، وثبت متصفا إياها في حال الكمال ، وحيث قرن المعرفة بالوراثة بلفظين ذكر المشاهد والمواقف متميزين لأننا قلنا : إن الواقف ينقص عن الكامل ، والكامل هو صاحب الشهود لا صاحب الوقفة ، ولكل واحد منهما مدد ، هذا بحسب كماله ، وهذا على قدر نقصه .


“ 62 “


( ص ) [ قوله : ( وأثبتني في ديوان الكشف والظهور ، وجعلني أتردد بين سدرة المنتهى والبيت المعمور ) ] .
( ش ) أقول : معنى قوله : ( أثبتني ) يريد به القطع باليقين ، إذ معنى الإثبات عند الأولياء هو هذا ، وهو اليقين الذي لا تردد فيه ، فلا يتصف الشاهد بالكمال إلا بعد حصوله هذا اليقين ، فإذا حصل اليقين استصحب الطاقة على التفرد في التمكين ، فيعني بقوله : ( أثبتني ) أي صدر مني هذا الخطاب بعد اليقين بالثبوت في مراتب الكشف المتعددة ، قوله : ( في ديوان الكشف ) لأن الديوان تحديد القطع باليقين ، فلا يظهر فيه إلا من حكمه بالاتصاف على هذا التحديد ليصدر عنه مثل هذا الخطاب وما أشبهه . قوله : ( وجعلني أتردد بين سدرة المنتهى والبيت المعمور ) إنه في حال القطع باليقين يتصرف العارف في منازله بالاختيار بعد التردد في أطوارها ، والشرط فيه أنه يقلب الأكوان إلى أبنية مراده ، ويتردد في الأطوار إلى حيث المشيئة ، فسدرة المنتهى آخر ما تنتهي إليه العبارات من السماوات ، والبيت المعمور بنية ما يقابل المسجد الحرام إلى ما يلي المقام المحمدي ، فيتردد العارف بينها ، لأن مشيئته عادت اختيارا مع نزع التكليف الباطني ، وإذ هو عالم الوحدة ، فيكون عاريا عن الاختيار ، ويعود العارف فيه نفاذا إذ لا يبقى بينه وبين الأطوار حجب تمنع نفوذ جثته عند التردد ، ما علا وهبط كتنزيل الأمر بين السماوات والأرض .
( ص ) [ قوله : ( إذ هي درجة الصديقية الجارية عن أسلوب الآثار النبوية .
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم “ العلماء ورثة الأنبياء
“ 1 “ “ ] .
( ش ) أقول : إنه آخر الترقي من الإيمان إلى سدرة المنتهى ، فمن أعطي التمكين في القدرة على التردد بين المحل الذي ينتهي إليه إيمانه وبين سدرة المنتهى ، كان هذا صديقا وإن لم يسبق علمه بذلك ، فإن ترقى عن ذلك مع القدرة أيضا كان عالما وارثا متصفا بأوصاف المعرفة ، فيقدر على إظهار مثل ذلك وما أشبهه مما يليق بالعلماء العارفين ، وقوله : ( الجارية على أسلوب الآثار النبوية ) ، معناه أن العالم إذا ارتقى إلى درجة التمكين واختار اللّه له الظهور كان استمداده في ذلك الظهور من مدد الوراثة النبوية الموصوفة بالرسالة وإن لم يكن مختارا للظهور كان استمداده من الأنبياء غير المرسلين ، ويكون صدّيقا غير متردد ، والشيخ رحمه اللّه يستعلي على هذا المقام بالقدرة على التردد .
( 1 ) رواه أبو داود ( 3 / 317 ) ، والترمذي ( 5 / 48 ) ، وابن ماجة ( 1 / 81 ) .


“ 63 “


( ص ) [ قوله : ( وإنما يرث الرجل أقرب الناس ، وأنا أقول بالبقاء ولا أقول بالفناء لا في مقام ما ، وهذا هو النمط الثالث ، وليس وراءه مقام ولا مرمى إلا مقام ما لا يقال ، وهو في سورة الأحزاب عند ذكر مسكن الصفات المحمدية ) ] .
( ش ) أقول : مراده بذلك القرب من الأنبياء للاشتراك في عموم العلم
قال : رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : “ العلماء ورثة الأنبياء “
ولم يقل : ورثة الرسل ، لأن العلم عام والرسالة خاصة ، فيشترط أن يكون الرسول عالما ، وليس كل عالم رسولا ، فعموم العلم احتوى على الأنبياء والأولياء ، فاشترك الأولياء مع الأنبياء في العلم بنسبة العموم ، وباينوا الرسل في خصوص الحكم ، فالأولياء عالمون محجبون عن الحكم الظاهر ، فالمنوط بالتقويم محكوم عليهم بالتسليم ، والرسل حاكمون ظاهرون بالحكم كالخلافة وما أشبهها ، فلا يظن أن الأولياء يرثون الرسل في الظهور بالحكم ، وإنما يرثون الأنبياء بالدخول تحت عموم العلم ، وللنسبة المذكورة من الاشتراك كانوا أقرب الناس إلى الأنبياء عليهم السلام .
ص [ وقوله : ( وأنا أقول بالبقاء ولا أقول بالفناء لا في مقام ما وهذا هو النمط الثالث وليس وراءه مقام ولا مرمى إلا مقام ما لا يقال ، وهو في سورة الأحزاب عند ذكر مسكن الصفات المحمدية ) ] .
( ش ) أقول : كونه قائلا بالبقاء دون الفناء ، لأن البقاء درجة الكمال والفناء درجة تتقاصى عن لحوق الكمال بل لا نسبة لها إليه ، لأن هذا الفناء لا يحصل للعارف به سوى التوحيد العاري عن التمايز حصول اتصاف لا عبارة عنه ، ويفضي به هذا الحاصل إلى الوقوف لأنه يفنى ويفني جميع ما ينطلق عليه الوجود ، وهذا يسمى عندهم صرف الفناء المنزه عن الحدود ، لكن العارف به يحصل له الإدراك في هذا الوصف ، فإذا فني إدراكه المقيد وبقي مطلق الإدراك بقي فناء الفناء ، ومحال أن يقف العارف عند الفناء ، لكنه يستعلي آخذا إلى غاية الكمال ، لأن فناء الفناء عند الرجعة ينطلق عليه اسم البقاء ، وليس مراده ذلك رضي الله عنه وإنما مراده بقاء هذا البقاء بعد الإحاطة بمرتبة الكمال ، لأنه إذا أطلق عليه البقاء الأول عند فناء الفناء ، يسمى إثبات المحو لا غير ، فعند الزيادة بالنور المحدد للكثرة يزداد اليقين بالبقاء الآخر ، وهذا مقصده .
وقوله : ( ليس وراءه مقام ولا مرمى إلا مقام ما لا يقال ) يريد به سلب المقامات عن الواصل إلى هاهنا ، وهو المتصف بالكمال الأتم ، لأن قصارى أمر العارف هذه الغاية ، وهو الذي لا ينسب إليه مقام إلا احتوائه على مجموع المقامات ، وبأحديته يجعلها واحدة

“ 64 “


وبفنائه يجعلها فانية ، ومن هاهنا يسمى عارفا عالما ، وليس وراءه مقام معين إلا مقام لا ينطق به إلى غير مقام منطوق به ، ويريد به أن العارف الكامل لا يوصف بمقام .
وقوله : إنه في ( سورة الأحزاب عند ذكر مسكن الصفات المحمدية ) يريد به قوله تعالى : يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ [ الأحزاب : 13 ] . والإشارة فيه إلى نفي صدق المقام على النبي صلى اللّه عليه وسلم لكماله الجامع لجميع المقامات .
( ص ) [ قوله : ( والعلماء على ضربين عند الوصول : منهم من رجع ومنهم من لم يرجع ، منهم من اختير له المقام ، ومنهم من لم يختر له المقام ، فمن لم يرجع ، اصطلحنا على تسميته واقفا ) ] .
( ش ) أقول : يريد بذلك شاهدين : المحو الذي يعبر عن شاهده بالواقف ، فهم عند الرجوع من هذا الشهود على قسمين : منهم من رجع كاملا قد شهد في خلعة الواحد من تبيين أحدهما مرتبة شهود المحو ، والثانية مرتبة شهود الثبوت وهي الكمال ، فهذا يسمى راجعا ، وقد أريد له المقام في المعرفة والكمال .
ومنهم : من يرجع ناقصا فلا يطلق عليه الرجوع بل يطلق عليه الوقوف ، وإن كان راجعا من الخلع فليس هو راجع من الشهود ، ولهذا يسمى واقفا ما دام محوا ، فالرجوع الحقيقي هو الانسلاخ عن المحو ، والدخول في المرتبة الثالثة ، ويشترط في هذا الرجوع الذي كمل صاحبه القدرة على فتح العبارة ، وبقاء العقل على ما كان عليه وزيادة ، وهذه الشروط تباين الواقف الذي لم يرجع لأن دأبه صمت وسكون وعدم فرق إذ لا كثرة في وجوده ، والنطق والعبارة يقترنان بالكثرة ، وهذا الواقف قد فني وأفني له كل متكثر ، فهو وإن رجع من الخلع بجثمانه ، فلا ترجع نفسه ، والرجوع الحقيقي لا يكون إلا للنفس ، فهذا هو الذي اختير له المقام في الوقفة ، وصاحب الفرق والعبارة ، والذي اختير له المقام في الكمال ، وإنما أطلق على الاثنين مسمى العلم ، لأن كليهما قد اتصفا به ، وأحدهما باطن فقط وهو الواقف ، والآخر ظاهر وباطن وهو الراجع بالكمال ، والوقفة يقال إنها على أقسام ثلاثة : واقف في الحدود ، وواقف في الشهود وهو القابل أوقفني ، وواقف في المحو لا يقدر على القول والعبارة ، وهو هذا وسنبين كيفية ذلك ، ولميته ، وحدّه ، وصورته في شرح المشاهد إن شاء اللّه تعالى لأنها مقصودنا بالشرح .
( ص ) [ قوله : ( قال أبو مدين رضي الله عنه : من علامات صدق المريد في بدء إرادته فراره عن الخلق ، ومن علامات صدق فراره عن الخلق : وجوده للحق ، ومن علامات صدق

“ 65 “


وجوده للحق : رجوعه إلى الخلق ، ثم أورد قول أبي سليمان الداراني رحمه اللّه : لو وصلوا ما رجعوا ، قال : فيظن السامع أن فيه تناقضا ) ] .
( ش ) أقول : إن قول أبي مدين : ( من علامات صدق المريد في بدء إرادته فراره عن الخلق ، ومن علامات صدق فراره عن الخلق ، وجوده للحق ) معناه : أن المريد في حال الإرادة يسلك منهاجا شبيها بالتوكل في حال الإرادة ، لأنه يذهب اختياره في إرادته ويلجئ حكمه إلى المراد ، فيفر عن الخلق لأجل عرائه عن الحكم المناسب ، وهذه علامة متى وجدت لشخص يسمى الحامل لها : مريدا بالشرط المذكور من مشابهة التوكل ، لأن التوكل قد قال فيه الإمام العارف الكامل سهل بن عبد اللّه التستري “ 1 “ : كل الأعمال ذو وجه وقفا ، إلا التوكل له وجه بلا قفا ، فليس له شبيه إلا الإرادة لأن الإرادة يستقل المريد فيها بوجه الترك ، مع قطع ظن الترك الذي يكون وجها آخر ، فالتوكل وجه بغير قفا لأن المتوكل يسند الأمور إلى فاعلها ، فيكون ذلك وجهه ، وعدم القفا عراوة عن الفكر في المصالح الدنيوية والأخروية ، فيكون عراوة عن الالتفات إلى الأسباب هو عدم القفا كما قيل .
وقوله : ( من علامات صدق فراره عن الخلق وجوده للحق ) . وذلك أنه متى فر عن الخلق بانتمائه إلى جهة الحق ، عطف عليه تنازلا منه تعالى ، لأنه متى وجد للحق ، وجود الحق لوجود قلبه ، وذلك الوجود الحقي هو لأجل النفور الخلقي ، لأن اللّه لا يمنع من كل الوجوه ، فكما أنه أعدمه الخلق في حال الإرادة أوجده نفسه تعالى عند استناده إلى جانبه ، فالكشف الصوري الذي يجده المريد مع فراره عن الخلق علامة الصدق .
وقوله : ( ومن علامة صدق وجوده للحق ، رجوعه إلى الخلق ) يريد به أن المشاهد للصورة بعد شهوده لابد من الرجعة ، إذ الصورة غاية مراده ، ومتى حصل مراد الطالب عاد إلى الخلق ، وأما قول أبي سليمان رضي الله عنه ( لو وصلوا ما رجعوا ) أراد بظاهر قوله : رجوع الأخذ في طريق الكمال ، فإن الواصل إلى هناك وإن رجع فليس براجع إلى الخلق ، لأنه لا مقصود له يصل إليه مثل مقصود صاحب الصورة ، ولهذا لا يصدق عليه الإرادة لأن الكمال لا يؤخذ قصدا ولا كسبا إراديا ، فقد يصل إلى الشهود الصوري مرارا ، ولا ينطلق
( 1 ) ويقال : الششتري ، والدستري كما في الأصل ، وهو متوفى سنة 73 ه وقيل : 83 ه . وانظر في ترجمته : طبقات الصوفية للسلمي ( 206 ) ، وطبقات الأولياء ( 43 ) ، والرسالة القشيرية ( 8 ) .


“ 66 “


عليه الرجوع إلا بعد محوه ومحو الأشياء كلها ، وإذا محيت الأشياء له ، فلا يطلق عليه الرجوع إذ لا آنية في الفناء ، فلا مناقضة بينهما ، كما ظن العامة من أهل هذا الطريق .
( ص ) [ قوله : ( فليس كل من سلك وصل ، ولا كل من وصل حصل ، ولا كل من حصل حصّل ، ولا كل من حصّل فصّل ، ولا كل من فصّل وصل ، ولا كل من وصل أوصل ، فلكل علم رجال ، ولكل مقام مقال ) ] .
( ش ) أقول : معنى قوله : ( ليس كل من سلك وصل ) لأن من كانت همته في السلوك همة ظاهرة غير قلبية ، فإنه لا استعداد له ، وغير المستعد لا وصول له .
وقوله : ( ولا كل من وصل حصل ) يعني به أنه من وصل إلى الكشف الصوري حصل له شيء من الكمال ، لأنه قد يعتقد أنه الغاية من الوصول ، فلا يتعداه لأجل هذا الاعتقاد ، ولأن مرآة هذا الشهود ترى صورة الناظر فيها فقط ، ويتيقن الناظر فيها أنها أوسع من صورته ، فأين يغيب عقل من ادعى الوصول بالشهود الصوري ، ومراد الشيخ أنه ليس كل من وصل إلى هذا المقام كان واصلا إلى الغاية .
وقوله : ( ولا كل من حصل حصّل ) يريد به أنه ليس كل من حصل في هذا الشهود حصّل مرتبة العلم الحقيقي .
وقوله : ( ولا كل من حصّل فصّل ) يشير به إلى الشاهد المحو ، فإنه وإن حصل له العلم اتصافا ، فإنه لا يقدر على التفصيل ، لأن الأشياء عنده والعلم والعبارة ممحوة لا حقيقة لها ، فيحجب بذلك عن التفصيل .
وقوله : ( ولا كل من فصّل وصل ) معناه : أنه متى وصل إلى علم السعة أحد من أرباب الشهود الصوري ، وفصله منزلا على ما يليق بالتعظيم ، كأنه قال : إن هذه السعة مع عظمة اللّه فقد فصّل إلى خلاف ما يليق بالشهود لهذا التفصيل لأنه إنما فصّل على ما شهد من العظمة اللائقة بالظاهر ، ولأجل ذلك هو محقق لما وقر عنده من الاعتقاد ، والذي كان عليه قبل الشهود ، وخفي عليه أن العظمة لا تليق إلا بالظاهر المربوب ، وعالم الباطن يعرى عن التعظيم ، وهذا على خلاف زعمه لأن عالم الباطن غير مربوب هناك ، من أجل أنه يفنى كل معظم ويظهر بنفس الاسم ، فالتفصيل اللائق بالمربوبين في مطلق هذه الأسماء ، لا يليق بعالم الباطن الذي هو محل الشهود .
وقوله : ( ولا كل من وصل أوصل ) يعنى أنه إن حصل للشاهد المذكور توصيل ما فصله على ما يليق بالظاهر ، فلا يكون قد وصل تفصيله بتفصيل يليق بالباطن ، فلا يكون

“ 67 “


اتصالا إلى حيثية الكمال ، وإن وصل تفصيله إلى طريق الكمال ، فلا يقدر على إيصال ذاته إلى الغاية .
وقوله : ( فلكل علم رجال ) معناه أن كل صفة من هذه الصفات لها حامل من الأشخاص مهيأ لما هو بصدده ، وليس هذا مقام الكمّل من الرجال لأن الكامل لا يتقيد بصفة دون صفة .
وقوله : ( ولكل مقام مقال ) يريد به أن السالكين المقيدين بهذه الصفات النزّرة لا يقدرون على الخطاب الفهواني ، ولا فتوح العبارة ولا على حل مشكل من مشكلات غوامض الحقيقة ، إذ هذان النعتان صادران من محل الكمال ، ولا يقدر على إيصال المقال الفيض إلا من احتوى على مجموع الصفات والأسماء ، ولا يتكفل بإظهار هذا كله من الغيب إلى الشهادة إلّا النافذ المذكور الذي قد اتصف بالفناء المؤدي إلى النطق ، فهذا آخر ما نورده مما التقطناه من مشكل الرسالة المقدمة على هذه المشاهد وقد شرحناه بحسب الطاقة ، وبقدر ما تضمنه من الإشكال ، ورأينا أنه لا حاجة إلى المتخلف منها ، فألفيناه لظهوره ولخروجه عن المقصود .
والقصد من هذا الكتاب هو : شرح المشاهد لغموضها ، وبيان ما فيها مما يوهم ظاهره التناقض والتضاد فنبتدىء في شرحها مستعينين باللّه .
* * *
.

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
خطبة الشيخ ابن العربي .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: