منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 المشهد التاسع مشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد التاسع مشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد التاسع مشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي   المشهد التاسع مشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:55 pm

المشهد التاسع مشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ ابن العربي مع شرح ست العجم بنت النفيس البغدادية

المشهد التاسع مشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب
بسم الله الرحمن الرحيم
مشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب
أشهدني الحق بمشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب “ 1 “ .
وقال لي : تأمل وقوعها . فرأيتها تقع في أربعه أبحر :
النهر الواحد : يرمي في بحر الأرواح .
والنهر الثاني : يرمي في بحر الخطاب .
والنهر الثالث : يرمي في بحر المزمار ، والسكر .
والنهر الرابع : يرمي في بحر الحب .
وتتنوع من هذه الأنهار جداول تسقي زراعات الزارعين “ 2 “ .
ثم رميت ببصري في الأبحر ، فرأيتها تنتهي إلى بحر واحد محيط بجميعها ترمي فيه هذه الأبحر . ورأيت الأنهار الأربعة تتفجر من ذلك البحر المحيط ، ثم ترجع إليه بعد الامتزاج بهذه الأربعة الأبحر .
فقال لي : هذا البحر المحيط بحري ، وأولئك أبحري، ولكن ادعت السواحل أنها لها . فمن رأى البحر المحيط قبل الأبحر والأنهار ، فذلك : صدّيق.
ومن شاهدها دفعة واحدة فذلك : شهيد .
........................................................
( 1 ) في النسخة ( ط ) : ( أشهدني الحق بالأنهار وقال لي . . )
( 2 ) من المعلوم عند أهل اللّه أنهم يعبرون عن العارف بالبحر والنهر . والأبحر الأربعة المذكورون هنا هم كبار العارفين كلهم يشرب شرابا ساذجا ثم يتلون هذا الشراب فيما بعد بطعم همة العارف باللّه تعالى وكل منهم يؤدي على جداول أصغر منه في الولاية وهذه الجداول ، عليها أن تسقي زراعات الزارعين من هذا النور الإلهي . ولسماحة الإمام صلاح الدين التجاني كتاب هام جدا أسماه : ( عين الحياة ) يأخذ منه الأكابر ولا ينفد ثم يكونون أبحرا ، وأنهارا ، ومنه إلى الجداول . . وهكذا . ( المحقق ) .

“ 80 “


ومن شاهد الأنهار ، ثم البحر المحيط ، ثم الأبحر ، فذلك : صاحب دليل . ومن شاهد الأبحر ، ثم الأنهار ، ثم البحر المحيط ، فذلك : صاحب آفات لكنه ناج .
ثم قال لي : من كان من أهل عنايتي أنشأت له مركبا فجرى به في الأنهار حتى قطعها . فإذا رمت الأنهار به في الأبحر ، جرى فيها حتى تنتهي إلى البحر المحيط . فإذا انتهى إليه علم الحقائق وكاشف الأسرار . وإلى هذا البحر ينتهي المقربون . وأما من فوقهم ، فإنهم يجرون فيه ألف سنة حتى ينزلوا بساحله : فيخرجون في صحراء قفرا لا تدرك لها نهاية ولا غاية . فينتهون فيه ما بقيت الديمومية ، فإذا فنيت فنوا .
ثم قال لي : انظر . فرأيت ثلاثة منازل :
ففتح لي المنزل الأول : فرأيت فيه خزائن مفتحة ، ورأيت السهام قد تعاورتها ، ورأيت الرعاع يطوفون بأرجائها ويريدون كسرها . فخرجت من ذلك المنزل .
وأدخلني المنزل الثاني : فرأيت فيه خزائن مقفلة ومفاتيحها معلقة على أقفالها .
فقال : خذ المفاتيح وافتح ، وتنزه ، واعتبر . ففتحت الأقفال ، فرأيتها مملوءة دررا ، وجواهر ، وحللا ما لو اطلع عليها أهل الدنيا لا قتتلوا عليه .
ثم قال لي : خذ منها حاجتك وردها كما وجدتها .
قلت : لا حاجة لي بها . فأغلقتها .
فقال : ارفع رأسك . فرأيت على أبوابها طاقات وحاجات لا يشرف عليها إلا الطوال من الناس من كان طوله مائة ذراع فصاعدا . ورأيت من دون الطوال يتعلقون بحلق تلك الأبواب ويقرعون بها . فإذا استدام القرع وكثر الصياح تنبعث لهم من تلك الطاقات معصم تمسك سراجا يستضيئون “ 1 “ به ويرى بعضهم بعضا ، ويتآنسوا ، وتنفر سباع كانت تؤذيهم ، ودخلت الأفاعي حجرتها ، وحصل لهم الأمن من كل ضرر كانوا يجأرون في الظلمة ورأيت في جوانب تلك الخزائن سهاما قد تعاورتها دون الأولى .
........................................................
( 1 ) في النسخة ( ط ) : ( يتضوأون ) والمطلوب في الموقف هذا هو طلب الاستضاءة كما أشارت إليه النسخة المخطوطة ( د ) .

“ 81 “


ثم أخرجني الحق إلى المنزل الثالث : فأدخلني فيه . فرأيت خزائن مقفلة ليس لها مفاتيح .
فقلت له : أين مفاتيح هذه الخزائن ؟
قال : رميت بها في البحر المحيط .
فأنشأ لي مركبا وجريت في البحر ستة آلاف سنة .
فلما كان في الألف السابعة .
قال لي : تجرد عن ثيابك ، فإنك في وسطه ، واغطس على تلك المفاتيح ، فهنا مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ “ 1 “ فتجردت عن ثيابي فأردت إزالة مئزري .
فقال لي : لولا المئزر ما قدرت أن تنغمس . فشددت مئزري ، ورميت نفسي من المركب حتى وصلت قعر البحر ، فأخرجت المفاتيح . فلما حصلت على ظهر البحر ، خرجت نار من المفاتيح فأحرقت المركب . فصعدت حتى وصلت الخزائن ، فطارت المفاتيح من يدي وبادرت إلى فتح الأقفال . ففتحت الأبواب ، ودخلت الخزائن فرأيت بداية من غير نهاية ، ونظرت أن أرى فيها شيئا ، فما رأيت شيئا إلا فارغة .
فقال لي : ما رأيت ؟
قلت له : ما رأيت شيئا .
قال لي : الآن رأيت ، من هنا تكلم كل ذي سر ، وهذا عشه . أخرج . فخرجت ، فرأيت كل شيء مكتوبا على ظاهر الأبواب . ثم نظرت في جوانب الخزائن ، فلم أر فيها من السهام إلا قليلا .
ثم قال لي : كل ما رأيت فهو كون ، وكل كون ناقص . ارق حتى لا ترى كونا .
فرقيت ، فرماني في بحر الحيرة ، وتركني أسبح فيه .
....................................................................
( 1 ) الآية رقم ( 6 ) من سورة هود . ونصّها :
* وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ ( 6 ) .
.

مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد التاسع مشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد التاسع مشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس   المشهد التاسع مشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:55 pm

المشهد التاسع مشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس

الشيخة الصالحة العالمة الزاهدة
ست العجم بنت النفيس بن أبي القاسم البغدادية
المتوفاة بعد سنة 852 ه‍

“ 323 “
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المشهد التاسع
قال الشيخ رحمه اللّه :
( ص ) [ قوله : ( أشهدني الحق بمشهد نور الأنهار ، وطلوع نجم المراتب ، وقال لي :
تأمل وقوعها ، فرأيتها تقع في أربعة أبحر النهر الواحد يرمي في بحر الأرواح ، والنهر الثاني يرمي في بحر الخطاب ، والنهر الثالث يرمي في بحر المزمار والسكر ، والنهر الرابع يرمي في بحر الحب ) ] .
( ش ) أقول : مراده بهذا الخطاب إظهار ما شهده من ذات اللّه تعالى بمحل نور الأنوار ، وهو محل تشهد الذات فيه فياضة فيكون الشاهد له مستودعا في الحد بين الأولية والظاهر ، فلهذا أشهد فيه صورة الفيض المخصوص بالحياة لا مطلق الفيض ، لأنه قال :
بمشهد نور الأنهار فعرفنا أنه النور المميز للحياة فقط ، وهذا النور من أضعف ما يكون من الأنوار ، وأقلها ضياء لأن الحياة خافية لا يدركها سوى الفياض تعالى ولا يدرك المتميزات بسريانها إلى حيث يكون صفات ، والفياض موصوف بها فعند هذا البقاء يدرك فيض الحياة بنورانية خافية الضوء تكاد تلحق بالظلمة ، ويدرك بجزئها لمسا لا عيانا ، ويشترط أن يكون المدرك مستودعا في الحد لا إلى جهة الفيض ولا إلى جهة المفاض عليه ، ليشهد الكيفية فقط ويدركه لكونه حيا لممازجة ما بين الحياتين حياة الشاهد وصورة الفيض ، وهذا النور ينشأ عن الذات ويتقدم على كل فيض ويشهد ضياؤه ويضعف بحسب اللطافة والكثافة ، فكلما كثف كان نوره أشد وأظهر للأبصار وكلما لطف كان نوره إلى الخفاء أقرب ، وليس لنا جسم ممد للحياة مرائي ألطف من الماء ، فوجب أن يكون نورانيته خافية كما ذكرناه خصوصا إن كان الشاهد محيطا بكيفية الفيض أو متصفا به كهذا الشاهد وأمثاله رحمهم اللّه تعالى ، فيدرك هذه النورانية أشبه الأشياء بنور الليل لأنه من صفات الذات في حال إطلاقها ، ولا يمكن شهود هذه الكيفية من غير شهود الحق تعالى ، فكأنه قال : شهدت ذات الحق فياضة للحياة في حال إلقائي للجسد ووقوفي مستودعا في الحد الفاصل بين الأول والظاهر ويميز هذا الشهود بنورانية مختصة بفيض الحياة .
قوله : ( وطلوع نجم المراتب ) يريد به تمكين هذا الشهود المخصوص بالفيض

“ 324 “


بطالع النجم الممكن لتمييز الحياة على اختلاف محالها ، وما يتضمنه من الضيق والسعة والعلو والانخفاض إلى غير ذلك مما يختص بالتجزؤ ، ولهذا قال : ( وطلوع نجم المراتب ) فإن المراتب تقتضي العلو والهبوط واختلاف المحال ، وهذا الشهود يتضمن إدراكات كثيرة يمكّنها هذا الطالع المذكور واختلاف الإدراك هاهنا بقدر اختلاف الحضرات وما يتفرع عنها من مدد عوالم مثالها ، وما يحيط بها وحدودها ، فكل له إدراك متميز والمجموع يتضمنه إدراك واحد ، وهذا الإدراك المختلف الجامع لا يكون إلا للكامل ، لأن الخلع المختص بشهود الذات فياضة لا يكون إلا له ، لأنه على سبيل الرجعة إلى الأولية ولا يكون إلا لمن اتصف بالفناء “ 1 “ في الذات ، وكذلك شهود ألست بربكم وفيه قال الإمام المؤيد سهل بن عبد اللّه التستري رحمه اللّه لما سئل عن الولي العارف ؟
فقال : “ من سمع بأذنيه خطاب ألست بربكم وقال : بلى ، فقيل له : وأنت سمعت ذلك ؟ فقال : نعم ، وأعرف من كان عن يميني ، ومن كان عن شمالي “ ، وهذا السماع لا يكون إلا بتحديد الشهود الوصفي بعد الكمال ، وعود آخر العبد إلى أوله ، فلما كان هذا الشاهد رحمه اللّه في حكم هذا الخطاب متصفا بالكمال الأتم وجب أن يشهد صورة فيض الذات المخصوص بالحياة متميزا بالنورانية المذكورة ، ومتمكنا بالطالع المذكور أيضا ، وهذا الطالع الممكن في غاية ما يكون من النسبة إلى الأنهار لأنه بقدر الحياة يحصل للإنسان دراية وتحصيل علوم وشدة إدراك ، هذه كلها مما يختص بالسعة التي يستعلي بعضها على بعض ، فلما ظهر هذا النجم بوصف المراتب كان في غاية القرب والإضافة إلى الأنهار المذكورة ، فقد كان هذا الشاهد في حال شهود الأنهار واقفا لا جاريا لأن محله الحد ولا يكون فيه إلا واقفا ، فإن شهوده لهذا الطالع جرى راجعا إلى جهة الأولية ، فشهد في جريه هذا الطالع المذكور ، لأنه لا يشهد إلا في حال الجري ولذلك حكمنا عليه بأنه للتمكين لا للتمييز ، فإننا نشهد على سبيل المصادفة في حال الجري ، ويكون هو القصد ، فمن حين يشهد الشاهد هذا الطالع المذكور يتمكن يقينه باتصافه بمجموع شهوده في هذا الخلع ، ويكون هذا الطالع شديد الضياء وحسه لطيف يكاد يلتحق بالخفاء ، ولا يلحظ فيه ظلمة أبدا ، فكأنه قال : أشهدني الحق ذاته في حال إلقائي للجسد ورجوعي إلى جهة
......................................................................
( 1 ) الفناء : فناء رؤية العبد لفعله بقيام اللّه تعالى على ذلك .
هذا هو قسم من أقسام الفناء وهو فناء الفعل في الفعل ، ولم يشمل على فناء الصفة والذات في الذات .

“ 325 “


الأولية ، فرأيته فياضا للحياة المختلفة ، ويمكن إلى هذا الشهود بطالع نجم المراتب .
وقوله : ( وقال لي : تأمل وقوعها ، فرأيتها ، تقع في أربعة أبحر : النهر الواحد يرمي في بحر الأرواح ، والنهر الثاني يرمي في بحر الخطاب ، والنهر الثالث يرمي في بحر المزمار والسكر ، والنهر الرابع يرمي في بحر الحب ) .
أقول : مراده بهذا الخطاب إظهار حقيقة ما شهده من الفيض على مجموع الوجود “ 1 “ بالأمر ، لأن مجموع الوجود عبارة عن الأسماء الأربعة ، ولهذا شهدها يرمي في أربعة أبحر ، لأن كل اسم ينفرد بذاته منها ، فتسمى الحياة التي تفيض عليه بحرا ، واختلاف هذه الأبحر بقدر اختلاف الأسماء المذكورة ، فإن كل اسم تكاد حياته تباين حياة الاسم الآخر فلما كانت الأنهار تشبه بعضها بعضا وجب اختلاف المحال لكمال الوجود ، وإنما سميت أنهارا لأنها لا تحيط بالوجود ، ولكن يحاط بها فلما كانت الأسماء تحيط حياة كل واحد منها به سميت أبحرا ، فمن حين رميها في البحر المذكور تختلف بقدر ما فيه من الاختلاط ليخرج عن تسميتها نهرا ، فتكون فياضة على جداولها لا مفاضة ، فإن كل فياض نسميه بحرا وكل مفاض نسميه نهرا وجدولا .
وقوله : ( النهر الواحد يرمي في بحر الأرواح ) يريد ببحر الأرواح الاسم الأول فإنه آن أخذ العهد على الموجودات ظهر اللّه لها بصفة الحياة مجسدة وروحانية حتى حصل النطق والإجابة ، فلما أجابت كانت خروجها المجيبة لا أجسامها والموجودات في الأولية عبارة عن أشباح تتعلق بها أرواح ، فالروح “ 1 “ يظهر على الشبح حتى تسمى بها لأنه لا
..........................................................................................
( 1 ) الوجود : وجدان الحق في الوجد ، فإن المشهود في الوجد هو ما صادف بغتة ، إن لم يكون وجود الحق لا يفنيك عن شهودك نفسك وشهود الكون ، إذ من شأن القديم أن يمحو الحادث عند اقترانه به ، لا شأن غيره ، ولكن وجود الحق في الوجد غير معلوم ، إذ ما يقع به المصادفة ، قد يكون على حكم ما عينه السماع المطلق ، أو المقيد ، فلا ينضبط ، فإنه يكون كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [ الرحمن : 29 ] ولذلك قال ، قدس سره :
إذا رأيتم من يقدر الوجد على حكم ما عينه السماع المطلق ، أو المقيد ، فما عنده خبر بصورة الوجد ، فإنما هو صاحب قياس في الطريق ، وطريق اللّه تعالى لا يدرك بالقياس ، فإنه كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [ الرحمن : 29 ] وإن كل نفس في استعداد .
فوجود الحق في الوجود ، وإنما يختلف عند الواجد بحكم الأسماء الإلهية ، وبحكم الاستعدادات الكونية في كل نفس إلى لا غاية .
( 1 ) الروح : يطلق بإزاء الملقى إلى القلب ، علم الغيب على الخصوص . سواء كان الملقي روحا ينزل

“ 326 “


أشباح ، فدائرة هذا الاسم من حيث تضمنه للعلم ووجود الحياة فيه سمي بحر الأرواح .
قوله : ( والنهر الثاني يرمي في بحر الخطاب ) يريد ببحر الخطاب الاسم الظاهر لأنه وإن كانت الموجودات في العلم أحيانا ناطقة مخاطبة للّه ، فإنهم لا يشهدون هذا الخطاب بينهم بل كل واحد منهم يظن أن الخطاب له فقط ، فلما كان القصد من الاسم الظاهر الظهور والقيام بأعباء الربوبية وتصديق حكمها حكّمها عليه والمال إلى العبادة وتحقيق هذه الربوبية وجب أن يكون الخطاب فيه ظاهرا للكل ليستمد البعض من البعض صورة العبارة ، وأيضا من أجل الافتقار الذي الاسم متضمنه ومن أجل الحصر والضيق والتمييز إلى حيث المباينة ، فلا يقدرون على اتصال المصالح واستمدادها وإظهار الافتقار إلا بظهور الخطاب مشهود للكل ، ولهذا كان من شرط الإنسان الحيوانية والنطق ، والإنسان جامع لهذا الاسم إذ من شأنه وجد فوجب أن يعرف هذا البحر ببحر الخطاب .


وقوله : ( والنهر الثالث يرمي في بحر المزمار والسكر ) يرى بهذا البحر حقيقة حياة هذا الاسم الباطن فإنه مبني على الشكر والتسليم ولهذا يطرأ على عالمه عدم المبالاة وشدة الترك وتسليم الأمور إلى فاعلها ويلحظون بريئين عن التهافت والانكباب بل لا يعلمون أن هاتين الصفتين موجودتان ، وصفة الشكر والصبر ظاهرة عليهم ومنهم الملائكة المهيمون في جلال اللّه تعالى ولا يعلمون أن اللّه خلق غيرهم وهم صابرون لحكم ما يصدر إليهم من اللّه صبر رضى وتسليم ، وهذا كله لازم عن الشكر وكونه منسوبا إلى المزمار لأنه آن انتقال صورة من الظاهر إليه يرسل لهم الاسم الظاهر ملاحظة مائلة إلى الاهتزاز ونطقا بلسان الاتحاد ، فيعلم الاسم الباطن أن واردا سيأتي الآن فيشير إلى وزيره المدبّر له وهو الخيال بأن يسري في عالم الباطن إلى حيث ينتهي إلى الصورة التي قد آن انتقال مطلبها إليها فينبهها على هذا الانتقال ويدفع إليها شيئا من القهر فهذا التنبيه يشبه التنقير بالمزمار صورة ومعنى ، لأننا أطلقنا على الأسماء الأربعة أسماء الملوك في كتاب الختم
بالوحي الإلهي على الأنبياء والرسل أو روح الإضافة المنفوخة في الشبح المقبول لقبول أثر الحياة منها ، فإن العلم المحيط المساق للحقيقة الإلهية محمول على الروح المنزل بالإلهام ، ومجعول في الأرواح المتصلة بالنفخ من غيبها إلى تسوية الأشباح باعتداله الوجداني ، عادة ليلقي ما يريد عليه من الغيب حسبما يقصد خصوصية وقته ، وصفاته وحاله القاضية بالتخصيص ، والروح مقامه الأفق الأعلى المتوسط بين الإلهية ، والأفق المبين القلبي .

“ 327 “


وأظهرناه هناك بين الكيفية والكمية ، فلهذا نسب بحر الباطن إلى الشكر والمزمار ، لأنه مختص بهذين الوصفين عن باقي الأسماء .
قوله : ( والنهر الرابع يرمي في بحر الحب ) يريد بهذا البحر حقيقة حياة الاسم الآخر ، فإنه لا يظهر عليه سوى الجذب والقبول وحقيقة القدرية وشهود صورة اللّه تعالى ، وهذا الشهود ينشأ عن محبة اللّه للموجودات ولهذا لما ظهر بصورة الإنكار تحول منها صورة المعرفة والقبول فهذا التحول يلحظ منه حب الموجودات التي قد أطلق عليها النفور ، ومن ذلك البعثة من الحيّ إلى الحيّ فكل هذه عناية إلهية تدل على الحب فالعالم في هذا الاسم محبوبون محبّون فحب اللّه لهم العناية وحبهم للّه شهود ولبعضهم أنس واتحاد ، وضد هذا في ضدهم الذين هم أصحاب النار فالآخرة عبارة عن ظهور الاسم الرحمن ، فهذا الحب يكون لأهل الجنة فقط لأنها حقيقة الاسم الرحماني .
( ص ) [ قوله : ( ويتفرع من هذه الأنهار جداول تسقي زراعات الزارعين ، ثم رميت ببصري في الأبحر فرأيتها تنتهي إلى بحر واحد محيط بجميعها ترمي فيه هذه الأبحر ورأيت هذه الأنهار الأربعة تتفجر من ذلك البحر المحيط ) ] .
( ش ) أقول : يريد بالجداول حياة عوالم المثال الذين ينشأون في حال ظهور مرآة الوجود بثمانية أوجه فيشهد الاسم في وجه ومثاله في وجه ، فالذي يشهد في الاسم يسمى عالمه كما تقول عالم الظاهر وعالم الباطن ، والذي يشهد في محيط الاسم يسمى عالم المثال ، فهي زراعات الزارعين لأنها حادثة بعد وجود الاسم ، ففعلها منسوب إلى الاسم بإرادة اللّه تعالى ، والجداول هي الحياة التي تمد هذه العوالم الحادثة عن حادث مثل تكوين الطير عن عيسى بإذن اللّه .
وقوله : ( ثم رميت ببصري في الأبحر ، فرأيتها تنتهي إلى بحر واحد محيط بجمعيها يرمي فيه هذه الأبحر ورأيت الأنهار الأربعة تنفجر من ذلك البحر المحيط ، ثم ترجع إليه بعد الامتزاج بهذه الأربعة أبحر ) أقول : يريد بهذا الخطاب إظهار حقيقة نظرة زائدة إلى جهة بحر الذات الذي هو سر الحياة الحقيقية . وهو الذي تنشأ عنه هذه الأبحر نشأة فيض ظاهر وباطن فهي تظهر منه على سبيل العطاء وتمر إليه على سبيل الجذب ، فهذا الشهود قد شهده الشيخ رحمه اللّه فيه أحدية الوجود والحياة ظاهرة على هذه الأحدية فهذه الأبحر التي هي حياة الأسماء تظهر عن الذات واحدا فواحدا إلى حيث كمال الأربعة ، والمكمل هو الاسم الرحمن واللّه يظهر بالموجودات من هذا الاسم ، فأول اسم يظهر هو الأول

“ 328 “


والثاني هو الظاهر ويلزم منه ظهور الباطن لزوما ضروريا ، ثم يظهر الآخر أخيرا لتشمل الرحمة على مجموع الوجود فإذا كملت الأسماء ابتداء الظهور آنفا من الرحمن ، فعالم الآخرة يظهرون بهذا المظهر وهم لا يعلمون لأنهم مستودعون في حقيقة الرحمة والموجودات الحادثة صادرة عنها والأصل في هذا كله إظهار حقيقة أحدية الوجود لأنه يفيض منه وعليه ولا يدخل عليه ثان ، فمن الذات إلى الأسماء في صورة الأنهار ، فإذا استقرت الأسماء صارت أبحرا ومن الأبحر إلى المحيط الجامع لحقيقة الحياة وهي الذات .
( ص ) [ قوله : ( فقال لي : هذا البحر المحيط بحري ، وأولئك أبحري لكن ادعت السواحل أنها لها ، فمن رأى البحر المحيط قبل الأبحر والأنهار ، فذلك صديق ومن شاهدها دفعة واحدة ، فذلك شهيد ، ومن شاهد الأنهار ثم البحر ثم الأبحر فذلك صاحب دليل ، ومن شاهد الأبحر ثم الأنهار ثم البحر ، فذلك صاحب آفات لكنه ناج ) ] .
( ش ) أقول : معنى هذا الخطاب مثل معنى قوله تعالى : لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [ غافر : 16 ] ، وفيه إشارة إلى أحدية الحياة التي تنشأ منها الحياة المشهودة مختلفة ، فشهود الاختلاف منها لتحقيق الجهل على الجاهل وشهود أحديتها لتحقيق العلم على العالم وكلاهما فانيان في حقيقة اللّه تعالى بل الوجود كله المشهود بالكثرة شهوده بالكثرة عارض والحقيقة “ 1 “ للواحد فلما كان الواحد سابقا لكماله على الوجود المشهود كثيرا .
قال : ( هذا البحر بحري ) أي الحياة الواحدة لي .
وقوله : ( وأولئك أنهري أبحري ) إشارة إلى الوجود بالمعية وهي حقيقتان رب وعبد وحقيقة العبودية نفي في الربوبية ، فكأنه يقول هذه الحياة المعروفة بالكثرة لي في حال وجودي بالأوصاف .
وقوله : ( لكن ادعت السواحل أنها لها ) يريد بالسواحل ما يحيط بالأبحر وهو البحر
..........................................................................................
( 1 ) الحقيقة : سلب آثار أوصافك عنك بأوصافه ، ومن آثارها تقيدك وتلبسك بها ، فالسلب إنما يتوجه إلى آثار الأوصاف ، لا إلى الأوصاف ، فإن وجودك عين وجوده ، وأوصافك عين أوصافه ، وهو أحدية جمع كثرتها ، فإنه الفاعل بك فيك منك لا أنت ، وقد أيد معنى كونه أحدية جمع الكثرة ، وكونه فاعلا لها بقوله تعالى : ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها [ هود : 56 ] ، ومحصل المعنى الحقيقة اسم أطلق على الحق عند تحقيق كونه عين وجود العبد وأوصافه ، وقد تبين سقوط إضافتها عنه ، فإنه تحققه بالوجود وأوصافه باق على عدمية ، لم يشم رائحة ، من ذلك قول :
“ وإذا أحببته كنت له سمعا ، وبصرا ويدا “
فليس للعبد في وجود الحق إلا الحكم ، لا العين . . فافهم .

“ 329 “


الواحد الأول لأنه يحتوي على جميع الأبحر المذكورة وسواحلها إذ هو ممدها في حال الانفصال ومستمد منها في حال الاتصال ، فإذا كان ممدا اشتمل نقيضه على المفاض عليه اشتمال غمر وإرادة إكمان ، فكل فيض يصدر منه على واحد ، من هذه الأبحر يسمى ساحلا ، فهذه الأبحر بالحقيقة للسواحل ودعواها حق ، فمن أراد البحر المحيط قبل الأبحر والأنهار ، فذلك صديق يريد به شهود الحق على ما هو عليه لأن الصديقية منوطة بالتسليم فلا يصل إلى فهم الصديق إلا ما هو الأمر عليه في نفسه لئلا يبادر إلى التصديق إلا عن تحقيق ولهذا قال الصديق رضي اللّه عنه : ما رأيت شيئا إلا ورأيت اللّه قبله ، لأن أصل الأمر عند التصديق مبني على التوحيد العامي المباين لتوحيد العارف ، ولهذا حكم للعارف بالزندقة فيما قاله أبو القاسم الجنيد رحمه اللّه وذلك في قوله : لا يكون الرجل رجلا حتى يشهد له ألف صديق بأنه زنديق .
فتوحيد العارف جعل الأشياء كلها واحدة فانية في حقيقة اللّه تعالى ، وتوحيد الصديق جعله للّه واحدا من جملة الآحاد ، ويخصصه إما بحياة وإما بصورة لا مثل لها ويصطحب هذا الخصوص التعظيم ، وهو قاطع بأن حياة اللّه تعالى تباين حياة الموجودات ، وهو البحر المشاهد منفردا عن باقي الأبحر ، وشرطه أن لا يعلم أن الحياة سارية في مجموع الوجود ليحصل له عند شهود البحر تعظيم منوط بالتسليم .
وقوله : ( ومن شاهدها دفعة واحدة فذلك شهيد ) يريد أن الشهيد هو الشاهد الناقل العاري عن الاتصاف فهو لا يحكم على ما شهده إلا بنظرة فقط مع تيقنه أن شهوده حق ، فالشهيد هو الذي يشهد اللّه في أوصافه ويقول : ما رأيت شيئا إلا ورأيت اللّه فيه ، ولهذا قال : ومن شاهدها دفعة واحدة أشار إلى البحر ثم الأبحر وهو اللّه وصفاته ، فالشهيد من يشهد اللّه في أوصافه .
قوله : ( ومن شاهد الأنهار ثم البحر ثم الأبحر فذلك صاحب دليل ) يشير به إلى أرباب النظر العقلي وهم المحققون منهم على معتقدهم فإنهم يشهدون الأمر على ما هو في الظاهر شهود الكشف وعقولهم لا تقنع بالشهود الكشفي الباطن ، فلهذا يشهدون الأنهار التي يعرف أحدها بالظاهر ثم يشهدون البحر الذي يمدها فهذا عندنا شهود التفات ظاهر بقصور النفس “ 1 “ والدناءة ولا قناعة فيه ، والفرق بين شهود أصحاب النظر وشهود
.....................................................................................
( 1 ) النفس : “ بفتح الفاء “ روح يسلطه اللّه تعالى على نار القلب الموقدة بهبوب شوقه إلى الظفر

“ 330 “


الكامل هو أن الكامل يشهد المجموع في دفعة واحدة ويتضمن هذا المجموع البحر والأنهار والأبحر ، ويتمكن له هذا الشهود بالاتصاف ويتيقنه بوقوف المخيلة هناك ، فيعلم أن لا شيء متخلفا لأجل وقوف المخيلة ، وأرباب العقول يشهدون الأنهار أولا وهي التي تفرعت عن البحر ، ويتضمن هذا الشهود مجموع ما يمده الأنهار ، ولا وقفة للمخيلة هاهنا لأن البحر متخلف عن هذا الشهود ، والمتخيلة هاهنا عبارة عن النفس ، فلأجل هذا المتخلف عن الشهود تسري هذه المخيلة إليه فتسمى هذه النفس مقنعة غير قانعة ، وقد قيل عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : “ إن القناعة غنى “ 1 “ “ فلا تزال هذه المخيلة سارية إلى حيث شهود حاملها للبحر المتخلف وتسميه شهود لفتة ظاهرة بالافتقار لأجل براءتهم عن الاتصاف الذي اختص الكامل به .
قوله : ( ومن شاهد الأبحر ثم الأنهار ثم البحر ، فذلك صاحب آفات لكنه ناج ) يريد به الكامل قبل كماله فإنه ينتهي في هذه المسافة إلى آفات لا يمكن إظهارها إلى الخارج إلا في العبارة ، وهي آفات بالنسبة إلى الواقع وهي في نفس الأمر عين السلامة ولهذا حكم له بعد قطعها بالنجاة وهو بقاء صورته على ما كانت عليه ، فهو يشهد الوجود الظاهر أولا بعد شهود الصورة وهي الأبحر التي هي حياة الأسماء الأربعة والأنهار بعدها وهي التي تمدها حياة ، والبحر المحيط بعد هذا الذي هو ممد الأشياء كلها شهودا آخذا إلى الرجعة ، فشهود هذا البحر نسميه شهود اللّه غير متصف لكنه شهود ذاتي وهذا يحصل له قبل شهوده بالمحو “ 2 “ فشهود المحو هو الولوج في هذا البحر وهو الفناء في الذات ،
............................................................................
بمطلوبه ، والروح المسلط عليها هو من لوائح الوصل والأنس ، لطفئ شررها بما فيه من برد سكينة النفس .
( 1 ) رواه البيهقي في الزهد الكبير ( 2 / 88 ) ، بلفظ : القناعة كنز لا يفنى .
( 2 ) المحو : رفع أوصاف العادة . نص قدس سره في الفتوحات : “ إن المحو كالنسخ ، فإن الحكم إذا انتهت مدته انتقض بغيره ، والنسخ في الأحكام انتهاء مدة الحكم ، وفي الأشياء المدة “ قال تعالى : كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى [ الرعد : 2 ] ، فجريان العادة في كل مخصوص ، وإنما يكون إلى وقت معين ، ثم ينتقض بما هو ليس بعادة . يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ [ الرعد : 39 ] ، والمحو في الكامل ، وإنما في باطنه ، دون ظاهره فإن ظاهرة متلبس بالعادة ، وباطنه غير مقيد بها ، ومن العادة الركون إلى الأسباب ، فبالمحو يكون الركون ، وتبقى الأسباب جارية على حكمها في مجالها .

“ 331 “


وهو الاستيداع في العدم ، فعند الرجوع من هذا الشهود بشرط بقاء العقل يحكم لهذا الشاهد بالنجاة .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : من كان من أهل عنايتي أنشأت له مركبا ، فجرى به في الأنهار حتى قطعها ، فإذا رميت به في الأبحر جرى فيها حتى إلى البحر المحيط ، فإذا انتهى إليه علم الحقائق وكاشف الأسرار ، وإلى هذا البحر ينتهي المقربون ) ] .
( ش ) أقول : مراده بهذا الخطاب إظهار حقيقة خصوص الأنبياء ، فإنهم أصحاب المراكب الناشئة عن الإرادة ، وهم أولو السير إذ البعثة في معناه وهم أهل العناية لأجل الخصوص الذي اختار اللّه لهم ، والمراكب المنشأة لهم هي آلة السير في صورة البعثة إلى المنذرين والبعثة واحدة لا خصوص لأحد من الأنبياء فيها دون غيره ، ويتفاضلون بالعموم ، فكل من كانت بعثته أعم فهو أفضل وفي عدم الخصوص بينهم في الرسالة ، قال اللّه تعالى : لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [ البقرة : 285 ] ، إذ العناية واحدة وهم مشتركون .
قوله : ( أنشأت له مركبا فجرى به في الأنهار حتى قطعها ) يريد به أن الأنبياء يطلعون على مواد الحياة شهودا وكيفية الخصوص في الأنواع الحيوانية ، ولهذا كانت بعثتهم عموما وخصوصا ، فالعموم لمن وقف على هذه المواد وحققها ، والخصوص لمن اطّلع عليها اطلاعا من غير تحقيق ، ومن هاهنا فيهم الفاضل والأفضل .
وأقول : إن هذا التحقيق يفرد به نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم وامتاز به عن الكل ، فعناية اللّه به أشد تمكينا وأظهر حبا للّه وهو الذي جرى في الأنهار حتى قطعها أي حققها ، وهاهنا إشارة خافية لا يمكن إظهارها لأن الشاهد قصد إخفاءها ، ونحن نحذو حذوه في القصد إلا أن تلجئ الضرورة إليه ، وهذه مما لا يضطر إلى بيانها .
وقوله : ( فإذا رميت به في الأبحر جرى فيها حتى ينتهي إلى البحر المحيط ، فإذا انتهى إليه علم الحقائق وكاشف الأسرار ) يريد بالأبحر الوجود الظاهر ، وفيه إشارة إلى الأسرار والارتفاع إلى المقام المحمود المختص بمحمد صلى اللّه عليه وسلم إذ هو أعني المقام المحمود آخر ما ينتهي إليه الوجود الظاهر وهو إلى محل الاستواء ، فهذا معنى رميه في الأبحر .
قوله : ( جرى فيها حتى ينتهي إلى البحر المحيط ) هو معنى ما ذكرناه من نهاية الأسرار وعنده ينتهي إلى البحر المحيط ، فهناك يحصل له علم الحقائق ومكاشفة الأسرار وهي الأمور التي اختصت به من ظهور المعجزات على يديه وإخباره بما كان وما هو كائن ،

“ 332 “


وأيضا فإنه شهد الصورة الرحمانية في محل الاستواء ولهذا عبرّ عن العرس بالبحر لأنه محيط بالوجود الظاهر .
قوله : ( وإلى هذا البحر ينتهي المقربون ) يريد به خصوص الأنبياء بشهود الصورة فقط ، وهم المقربون المشار إليهم .
( ص ) [ قوله : ( وأما من فوقهم فإنهم يجرون فيه ألف سنة حتى ينزلوا بساحله فيخرجون في صحراء قفر لا يدرك له نهاية ولا غاية فيتيهون فيه ما بقيت الديمومية ، فإذا فنيت فنوا ) ] .
( ش ) أقول : يشير بهذا الخطاب إلى خصوص الأولياء فإنه يستعلي على خصوص الأنبياء ، فإن كلا من الأنبياء والأولياء يختص بما يختص به الآخر ، والولي قد جعل خصوصه مستعليا على خصوص النبي ومنه قضية الخضر مع موسى عليهما السلام وذلك في قوله تعالى : هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [ الكهف 66 - 67 ] .


وقد روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : “ لما أراد موسى مفارقة الخضر عندما قال له الخضر : هذا فراق بيني وبينك نظر إلى عصفور نقر في البحر ، فقال الخضر : يا موسى إنك على علم علمك اللّه لا أعلمه أنا ، وأنا على علم علمنيه اللّه لا تعلمه أنت ، وما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم اللّه تعالى إلا مثل ما نقر هذا العصفور في هذا البحر
“ 1 “ “ فقد صح أن لكل واحد منهم خصوص يمتاز به عن الآخر لا يلزم منه أن يكون به أفضل منه والتفاوت الذي بينهم هو سعة الخصوص وضيقه ، وما ضرّ النبي صلى اللّه عليه وسلم خفاء أمر تلقيح النخل ولا طغى فيه ، وإن كان فيه خصوص يمتاز به الفلاح ، وكذلك تحقيق الوجود كله وبعضه للناس المخصوصين وليس وراءه فضيلة .
وقوله : ( فإنهم يجرون فيه ألف سنة ) الجارون هاهنا هم الأولياء ، فإنهم يقطعون مراتب لا يفتقر النبي إلى قطعها مباشرة وإن كانت مكمنة فيه وهو مثل
قوله عليه السلام : “ زويت لي الأرض “
وأما مثال من يحتاج إلى قطع المراتب فمثل كبار الأولياء كأبي يزيد وأمثاله وإليه أشار بقوله : ( خضت بحرا وقف الأنبياء على ساحله ) ، فخوضه هو قطع المراتب المذكورة ووقوف الأنبياء على مثل
قوله : “ زويت لي الأرض “
ومعنى ألف سنة
..........................................................
( 1 ) رواه البخاري ( 1 / 57 ) ، ومسلم ( 4 / 1849 ) .

“ 333 “


هو يوم من أيام اللّه وهو من حين علم اللّه ولاية الولي إلى حين انتهائه في الظهور .
وقوله : ( حتى ينزلوا بساحله ) يريد به غاية الاتصاف بالإحاطة ، فإن الساحل هو ما ينتهي إليه طرف البحر وهو جسم الوجود الصامد الذي لا خلاء فيه سوى محال الحياة .
وقوله : ( فيخرجون في صحراء قفر لا تدرك له نهاية ولا غاية ) إشارة إلى ما ذكرناه من جسم الوجود فإننا نشهده واحدا صمدانيا لا غاية له ولا نهاية .
قوله : ( فيتيهون فيه ما بقيت الديمومية فإذ فنيت فنوا ) يريد به تيهان الإنكار في هذا الجسم إذ لا بدء ولا انتهاء ، ومن هذا الفكر يحصل حيرة المتحيرين من أصحاب الأحوال فمن هؤلاء من يعلم أحدية هذا الجسم تقليدا فيحصل له الحيرة ومنهم من يشار إليه في شهوده بعلم هذه الأحدية فيحصل له الحياة المذكورة ما دام موجودا إذ الديمومة زمان اللّه بالمعية ، فكأنه قال : إذا فني الزمان الذي وجد فيه هذا التائه فني .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : انظر فرأيت ثلاث منازل ، ففتح لي المنزل الأول فرأيت فيها خزائن مفتحة ، ورأيت السهام قد تعاورتها ، ورأيت الرعاع يطوفون بأرجائها يريدون كسرها ، فخرجت من ذلك المنزل ) ] .
( ش ) أقول : مراده بالثلاث منازل العبارة عن العروش الثلاثة ، فإنه قد شهد تحقيقها بالأمر ، فالمنزل الأول الذي شهده منها هو عرش الربوبية ، والحامل له العبد وهو الذي يتضمن الرعاع من الناس ، والسهام التي يتعاورها هو طعنهم في حكم الرب عليهم مريدين بهذا الطعن حراب ما حققته الأنبياء من خزائن الأسرار ، لأنهم هم الذين حققوا لنا العبودية ، ونبهوا على نفوذ أحكام الربوبية في العباد ، فالرعاع من العباد وهم الذين لا خلاق لهم ، يريدون ذهاب ما أتت به الأنبياء لئلا يصدق هذا الحكم عليهم ، وليتهازجون تهازج الحمر ، ويقوى كل منهم على الآخر مالا ونفسا ، فالقوة على إتلاف النفس هو إرادة كسر الخزائن المذكورة ، فإن كل نفس منفردة لذاتها يطلق عليها الاسم الظاهر الذي هو أحد الخزائن المذكورة ، فإذا قوي بعض الرعاع على البعض كان القصد من هذه القوة خراب الظاهر الحامل العموم الدعوى الهادية صلى اللّه على الآتي بها ، ولهذا لم يلبث هذا الشاهد في هذا المقام ، ولم يلج فيه لأنه من أتباع الرسول عليه السلام .
( ص ) [ قوله : ( وأدخلني المنزل الثاني ، فرأيت فيه خزائن مقفلة مفاتيحها معلقة على أقفالها ، فقال لي : خذ المفاتيح وافتح وتنزه واعتبر ، ففتحت الأقفال ، فرأيتها مملوءة دررا وجواهر وحللا ، ما لو اطلع عليها أهل الدنيا لاقتتلوا عليه ) ] .
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد التاسع مشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد التاسع مشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس   المشهد التاسع مشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:56 pm

المشهد التاسع مشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس

الشيخة الصالحة العالمة الزاهدة
ست العجم بنت النفيس بن أبي القاسم البغدادية
المتوفاة بعد سنة 852 ه‍

“ 334 “


( ش ) أقول : مراده بهذا المنزل الثاني عرش الرحمانية وما يشتمل عليه من الرحمة ، والحامل له مجموع الوجود والحاصل منه اسم الرحمن الذي هو حقيقة الجنة إذ هي مقام الآخرين وإليها النهاية كما أن نهاية الوجود الظاهر إلى العرش ، ودخول هذا الشاهد في هذا المقام يخلع مريد الجهة الآخرة ، وهو جرى في الحد المشترك بين حضرتي الظاهر والباطن ، ثم إنه جاز الحد المذكور ، ويلزم من جوازه دخوله في المقام المذكور الذي عبرّنا عنه بالاسم الآخر .
قوله : ( فرأيت فيه خزائن مقفلة ومفاتيحها معلقة على أقفالها ) يريد بالخزائن ما هي للمؤمنين من الملك والقصور المشيّدة ، ولهذا كانت مفاتيحها معلقة على أقفالها ليفتح صاحبها عند قدومه من غير تعسف ، فكل من يدخل هذا المقام على سبيل الاطلاع يشهد هذه الخزائن التي قد هيّأت لأمثاله ، ولهذا لا يملك منها شيئا في حال شهوده ، لأنه عابر سبيل ، فإن كان له فيها نصيب فهي مخبئة له إلى حين نقلته الحقيقية لكنه يطلع عليها على سبيل التنزه كما قال .


قوله : ( خذ المفاتيح وافتح وتنزه واعتبر ) يشير به إلى خصوص نفسه بهذا الاطلاع ، فإن العارف يطلع على مقامات المؤمنين وما هي لهم في تلك الخزائن وهم لا يطلعون على ما له ، وهذا مختص بالكامل دون غيره من المكاشفين أعني الدخول والتنزه في ما له وما لغيره ، فإن غير الكامل يمكن له أن يشهد ما له فقط ، ولا اطلاع له على ما لغيره لأن هذا الاطلاع العام منوط بالإحاطة .


( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : خذ منها حاجتك وردّها كما وجدتها ، قلت : لا حاجة لي بها فأغلقتها ، فقال : ارفع رأسك ، فرأيت على أبوابها طاقات وحاجات لا يشرف عليها إلا الطوال من الناس من كان طوله مائة ذراع فصاعدا ، ورأيت من دون الطوال يتعلقون بحلق تلك الأبواب ، ويقرعون بها ، فإذا استدام القرع ، وكثر الصياح ، ينبعث لهم من تلك الطاقات معصم يمسك سراجا يستضيئون به ، ويرى بعضهم بعضا ويتأنسون ، وتنفر سباع كانت تؤذيهم ، ودخلت الأفاعي حجرتها وحصل لهم الأمن من كل ضرر كانوا يحذرونه في الظلمة ، ورأيت في جوانب تلك الخزائن سهاما قد تعاورتها دون الأولى ) ] .
( ش ) أقول : مراده بهذا الكلام الإشارة إلى اختصاصه بالاستغناء والأمن ، وما أشبهه ، فإن الخليفة على المستخلفين ، ولهذا كان لا حاجة له فيها ، وكذلك رد المفاتيح إلى محالها

“ 335 “


يدل على تمكين الاستغناء ، وينبهه على أنه رجع إلى محل قيل له فيه : ارفع رأسك ، وهو رجوع منها إلى أبوابها .
وقوله : ( فرأيت على أبوابها طاقات وحاجات لا يشرف عليها إلا الطوال من الناس ) يريد بها محال الملائكة من الخزنة فإن محالهم على أبوابها مستعلين بمحل رضوان على باب الجنة لا يطلع على هذه المحال إلا طوال الناس ، أي من كان له طول في طوله ، وتمكينه إلى ما ليس له مثل في غايته ، لأن غاية الطول في الظاهر لا تبلغ إلى مائة ذراع ، فعرفنا أن مراده الطول والاستعلاء في الشرف الذي هو في الغاية .


وقوله : ( ورأيت من دون الطوال يتعلقون بحلق تلك الأبواب ) يريد به من حاز من هذا الطول ما دون الغاية ، فليس لهم كالمتخلفين ولا يلحقون بأولي الطول ، فهم يتعلقون بحلق تلك الأبواب أي بالآلة التي يعرف بها صاحب الطاقات قارع تلك الأبواب .


وقوله : ( فإذا استدام القرع وكثر الصياح ينبعث لهم من تلك الطاقات معصم ) يريد بدوام القرع المدة التي يلبث هؤلاء فيها حتى يلحقون بدرجة الطوال ، وهذا الالتحاق بمعونة من أصحاب الطاقات وهي المعصم الذي ينبعث ، وهؤلاء المذكورون كلهم هم الذين يخرجون من الناريين إلى الجنة ، فكأن الخزانة تمنعهم لافتقارهم إلى أمر من اللّه تعالى ، فيلبثون مقدار ما يأتي الأمر في صورة نور ينور عليهم به الملائكة في صورة سراج فيها يرى بعضهم بعضا ويقع الاستئناس لهم وتنفر السباع والأفاعي التي تؤذيهم وهي التي كانت تؤذيهم في النار ، فاصطحبت أوهامهم إلى حين حصول الأمن بباب الجنة وضوء السراج ، وحصل لهم الأمن من كل ضرر يجدونه في الظلمة .


قوله : ( ورأيت في جوانب تلك الخزائن سهاما قد تعاورتها دون الأولى ) يريد بالخزائن هاهنا الطاقات والحاجات التي ذكرها ، فإنها من حيث هي مانعة لمن يطأها من غير أهلها لارتفاعها هي الخزانة ، والسهام التي قد تعاورتها إنكار الواقفين من المتعلقين بالحلق إلى غير ذلك إلى حين إتيان الأمر للملائكة بالإذن لهم ، وظهور السراج بواسطة المعصم التي هي اليد فما داموا واقفين فهم ممنوعون عن الدخول فيختلفون في قلوبهم على الملائكة غيظا وغضبا لأجل عدم الإذن لهم في الدخول ، وهذا الغيظ والغضب هي السهام المتعاورة في جوانب الخزائن ، فلهذا لم يقل في وسطها .

“ 336 “


( ص ) [ قوله : ( ثم أخرجني إلى المنزل الثالث فأدخلني فيه ، فرأيت خزائن مقفلة ليس لها مفاتيح ، فقلت له : أين هذه الخزائن ؟ قال : رميت بها في البحر المحيط ) ] .
( ش ) أقول : مراده بهذه الخزائن التي يتضمنها هذا المنزل محال أسرار عرش الذات وهو كان على الماء قبل الوجود ، وهي ثلاث خزائن الخزانة الواحدة محل سر العرش والثانية محل سر الماء ، والثالثة محل سر الذات ، فالأولى والثالثة يتضمنها سر الماء إذ هو مادة كل شيء وهو سر الحياة فمنشأ الخزانتين منه وما أكمن فيهما ، إذ بواسطة الحياة عرف سر الذات وبواسطته أيضا كان عرشها عليه محمولا إذ هو متقدم على العرش في الوجود ، وحيث ذكرت الذات هاهنا وجب أن يكون للخزائن مفاتيح لأن أسرار الذات لا يعلمها إلا هو ، فلا يطلع على هذه المفاتيح إلا من فني في ذاته تعالى وأعطي سر الحياة وهذا الشاهد ممن فني في ذات اللّه وأعطي سر الحياة .


قوله : ( فقلت له أين مفاتيح هذه الخزائن ؟ قال : رميت بها في البحر المحيط ) يريد بذلك أن حياة الذات هي البحر المحيط ومفاتيح الغيب كامنة في ذاته الجامعة لعلمه تعالى ، ورميها في هذا البحر هو استيداع المفاتيح في العلم الذي أحاط بكل شيء .
( ص ) [ قوله : ( فأنشأ لي مركبا فجريت به في البحر ستة ألاف سنة ، فلما كان في الألف السابع ، قال لي : تجرد عن ثيابك فإنك في وسطه ، واغطس على تلك المفاتيح فهاهنا مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) ] .


( ش ) أقول : مراده بإنشاء المركب للسبيل التي يشير فيها إلى حين يقطع المرتبة الثانية هي التي تأتي شروط الكمال ، وهو المحو المشهود بعد شهود الصورة ، فإن المحو عبارة عن الكمون في هذا البحر المذكور الذي هو حياة الذات ، وليس كمون الشاهد فيه ككمون الأشياء فيّ ، لكنه كمون فناء واتصاف وعدم شاهد ومشهود والنور المميز فلا يبقى إلا الإدراك فقط ، فالمركب المذكور هو الطريق “ 1 “ الذي جرى فيها من إلقاء جسده إلى العدم الذاتي .


وقوله : ( فجريت فيه ستة آلاف سنة ) إشارة إلى الأيام الستة التي خلق اللّه فيها السماوات والأرض ، لأنه كان في المنزل الأول قد شهد محل الاستواء الرحماني ، ولهذا
...........................................................................
( 1 ) الطريق : عبارة عن مراسم اللّه تعالى ، وأحكامه التكليفية المشروعة التي لا رخصة فيها ، فإن تتبع الرخص سبب لتنفيس الطبيعة ، المقتضية الإرسال والسراح ، والتنفيس في مشاق التكليف يعطي الراحة في الطريق ، والراحة تعطي الوقفة ، ومقتضى الطريق إلى الحق ، استمرار المشي عليه بلا وقفة وفترة .

“ 337 “


عبرّنا عنه بالجنة لأنها حقيقة الاسم الرحمن ، فلما خرج منه آتيا إلى المنزل الثالث الذي هو عرش الذات كان جاريا جري نزول في صورة تنازل .
وأقول : إنه قد جرى في العمد من العرش الرحماني الذي هو محيط بالوجود الظاهر نازلا إلى حيث أن شهد الماء المدرك المعهود ، فكما أن اللّه تعالى خلق السماوات ، والأرض في ستة أيام ، ثم استوى على العرش استواء قيومية واستعلاء فكذلك هذا الشاهد جرى من محل الاستواء إلى المنزل الثالث الذي هو عرش الذات جري نزول ، وهذه الصفة عكس صفة اللّه تعالى في حال الاستواء ، وموجب نزول هذا الشاهد هو من باب نزول اللّه في الثلث الآخر من الليل ، فإنه على رأينا لا ينزل إلا بصورة العارف إذ هو مستودع في قلبه .
وقوله : ( فلما كان الألف السابع قال لي : تجرد عن ثيابك فإنك في وسطه واغطس على تلك المفاتيح ، فهاهنا مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) يريد بالألف السابعة المهلة بعد الستة وهو في قوله تعالى : ثُمَّ اسْتَوى [ البقرة : 29 ] .
وأما تجريده عن ثيابه فهو أنه في حال الجري يسلك منازل وحضرات كل منها يغاير الصورة التي كان فيها في الحضرة فيدخل في كل منزل وحضرة بصورة تناسبها وإن كان جاريا في خلع واحد لكنه يتكيف في كل منزل بكيفية تليق به وهو تجريده عن ثيابه وهذا التجريد لا يكون في عموم الشهود لكنه في شهود خاص مفهوم لأربابه .
وقوله : ( واغطس فيه ) يريد به فناؤه في الحياة لأنه من حين استقر في وسطها يعبر له الكمون فيها إذ هو مقر العلم كالحال في القلب فإنه في وسط الجسد .
قوله : ( مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) يريد بالكتاب المبين صورة الإحاطة فإنها تحتوي على كل شيء .
( ص ) [ قوله : ( فتجردت عن ثيابي فأردت إزالة مئزري ، فقال لي : لولا المئزر ما قدرت تنغمس ، فشددت مئزري ورميت نفسي من المركب حتى وصلت قعر البحر ، فأخرجت المفاتيح ، فلما وصلت أعلى ظهر البحر خرجت نار من المفاتيح ، فأحرقت المركب ، فصعدت حتى وصلت الخزائن ، فطارت المفاتيح من يدي وبادرت المفاتيح إلى فتح الأقفال ، ففتحت الأبواب ودخلت الخزائن ، فرأيت بداية من غير نهاية ) ] .
( ش ) أقول : قد ذكرنا معنى التجرد عن ثيابه وهي غير الكيفية عند كل محل وغطسه في البحر هو الاتصاف بالفناء عند كمونة فيه إذ هو حياة الذات كما قلناه وأما إرادة إزالة

“ 338 “


المئزر فتواضع لأن المئزر به توجد السترة لمن يتجرد عن ثيابه ، ووجود الثنوية يجب فيها الاستتار بين يدي اللّه تعالى فمنعه عن إزالتها هو غيرة من اللّه عليه ، ويلحظ من هذا المنع رهبة وتخويف فكأنه تعالى أراد هاهنا أن يتصف بالجلالة ذات الحرمة في صورة منع هذا عن إزالة مئزره وامتنع من إزالته ، وأما شده لها فهو تمكينه لهذا السير فإن اللّه تعالى على هذا المحل وعلى من يلج فيه أن يشهدو أيضا فإن الكيفية التي يعنى بها لا يمكنه إزالتها من حين اتصافه بها عند نزوله في البحر ، ومن هاهنا لا يعود مشهودا إلا الذات فقط ، فإذا غطس في البحر كان فانيا ، وأما رميه بنفسه من المركب فهي صورة الفناء وهو وصوله إلى قعر البحر وهو الاتصاف بالذات من إطلاقها إلى محيطها الذي هو التقييد وإخراجه للمفاتيح هو رجوعه متصفا بسر الحياة وإحاطته به ، وأما النار التي خرجت من المفاتيح محرقة للمركب ، هو صورة القهر الذي يصطحبه عند رجوعه فإنه يعود مجدا في السير آتيا إلى الظاهر بصورة انتقام على المحل الذي جرى فيه ، فإن التمكين يوجب الانتقام ، إذا كان قد تخلف في ذات الفاني شيء من الجهل وهذا من حين حصلت المفاتيح بيده حصل له التمكين ، فأراد إظهار القهر لأجل الجهل المتخلف فظهر بالنار المذكورة ، وهذا الجهل المتخلف فيه لكونه عند اتصافه بالفناء لم يحط بالكمال الحقيقي إذ لا يحاط به إلا بعد قطع المراتب الثلاث وهذا الفناء هو ثاني المراتب فلابد من جهل متخلف ليزول عند قطع المرتبة الثالثة ، وأما صعوده إلى الخزائن ، فهو رجوعه إلى المحل الذي كان فيه قبل الجري ، ولأجل هذا المحل طارت المفاتيح من يده لأنها تباين المحل المذكور ، وأيضا فإن اللّه يغار على مفاتح الغيب أن يشهدها غيره بأحدية ، وحين وصول هذا الشاهد إلى هذا المحل حصلت الثنوية بشاهد ومشهود فتضادت الأحدية التي نشأت عنها المفاتيح ، وأما مبادرته إلى فتح الأقفال فهو حفظه لما حصل من العلم ومن شدة الخوف الذي نشأ له عند طيران المفاتيح ، بادر إلى فتح الأقفال ليطلع على ما حد له من العلم ، فكأنه ظن أن العلم الذي كان عنده زال بطيران المفاتيح ، فأزالت المفاتيح هذا الظن بفتح الخزائن ودخوله فيها 
أي :
بالاطلاع على علمه ، فرآه كالحال في الاتصاف به ، ولهذا قال : بداية من غير نهاية ، وبدايته علمها عنده من تقييد صورته إلى الإطلاق وإطلاق الذات لا يتناهى ، فهذه كلها دلائل على أن هذا الخطاب مما حصل له قبل الكمال .


( ص ) [ وقوله : ( فنظرت أن أرى فيها شيئا فما رأيت شيئا إلا فارغة ، فقال لي : ما رأيت ؟ قلت له : ما رأيت شيئا ، قال لي : الآن رأيت ، من هنا تكلم كل ذي سر وهذا عشه ، اخرج ، فخرجت فرأيت كل شيء مكتوبا على ظاهر الأبواب ) ] .
( ش ) أقول : يريد بهذا الخطاب أن محل العلم في الذات يكون عاما وليس فيه شيء

“ 339 “


متميز ، ولا يشهد فيه الشاهد الناقص إلا المحل فقط ؛ لأنه لم يصل إلى المرتبة التي يتميز له المعلومات فيها ولهذا لم يرى في الخزائن شيئا ، ولهذا كان شاهدا لمحوه لا يقدر على العبارة لأجل عدم تمايز المعلومات في ذاته .
قوله : ( إلا فارغة ) يريد به ما ذكرناه من عدم تمايز المعلومات في ذاته التي قد اتصفت بالمحل المذكور المعبّر عنه بالخزائن .


وقوله : ( فقال لي : ما رأيت [ شيئا ؟ ] قلت له : ما رأيت شيئا ؟ قال لي : الآن رأيت ) يريد به عدم التمييز هاهنا ، وإن كان قد حصل العلم في ذاته فهو اتصاف لا فعل ، ولهذا قال له : ( الآن رأيت ) أي : الآن اتصفت بالعلم .


وقوله : ( من هنا تكلم كل ذي سر وهذا عشه اخرج ) يريد به أنه من العلم المختص باللّه تكلمت أصحاب الأسرار ، وهم العارفون الذين نطق اللّه على ألسنتهم ، وهذا الشاهد لم يصل إلى الآن إلى درجة الكاملين في حكم هذا الشهود ، وهم الذين حكموا على هذا المقام العلمي فهو لهم بمنزلة البيوت ، ولهذا قيل له : اخرج في طريق الكمال ، وهذا الأخذ يقتضي الجري الذي هو ضد الثبوت ، وهذا مما حصل له قبل الكمال ، فلما كمل تكلم من ذلك الموضع .


وقوله : ( فخرجت فرأيت كل شيء مكتوبا على ظاهر الأبواب ) يريد بالأشياء هاهنا المعاني التي حصلت له بعد الظهور من هذا الشهود ، وولوجه في شهود الكمال لأن شهود الكمال بالنسبة إلى شهود المحو ظهور لأنه ظلماني ، وشهود الكمال نوراني وخروجه من الظلمة إلى النور هو خروجه من الخزائن ، فلما ولج في النور تميزت له المعاني ضرورة على ظاهر الإحاطة التي في ذاته ، لأن النور محل التمييز .
( ص ) [ قوله : ( ثم نظرت في جوانب الخزائن ، فلم أر فيها من السهام إلا قليلا ، ثم قال لي : كل ما رأيت فهو كون وكل كون ناقص ، ارق حتى لا ترى كونا فرقيت فرماني في بحر الحياة وتركني أسبح فيه ) ] .


( ش ) أقول : مراده بالسهام مفاتح المشكلات وهي الأفكار ، فليست هذه السهام كالسهام السابق ذكرها لأن تلك أفكار الجاهل ، وهذه أفكار العالم ، وهذا لم يكن منها إلا قليل لأن العالم مخصوص بالعلم ، وفيه مجموع ما في ذات الجاهل ، ففكره من ذلك العموم وعلمه من الخصوص الذي فيه .
وقوله : ( ثم قال لي : كل ما رأيت فهو كون ) يريد به أن كل ما يشهد ويتميز عن

“ 340 “


الشاهد فهو مقيد ، ومجموع المقيدات أكوان حادثة والحادث مفتقر إلى القديم في الظاهر لأنه موجده ، وفي الحقيقة لأن المقيدات تفتقر إلى المطلق وهو بعينه الافتقار الأول ، وهو النقص المذكور .


قوله : ( ارق حتى لا ترى كونا ) يريد به فناء الأشياء كلها واستعلائه عليها وهو البقاء بعد الفناء وصورة الاستعلاء هو بقاء البقاء ، ومن هاهنا يتحير المتحيرون بفناء الحادثات في ذات القديم وإلى هذا أشار الإمام العارف أبو القاسم الجنيد رحمه اللّه بقوله : إن القديم يفني الحادثات .


وهذا تنبيه منه على أن الفاني يعود متصفا بأوصاف المفني ، فلأجل الحياة المذكورة قال : ( فرقيت فرماني في بحر الحياة وتركني أسبح فيه ) وهذا تنازل منه حتى يصدق عليه المثلية لأرباب الحياة ، وإلا فإن الكامل من حيث حقيقته لا يعود متحيرا فوجب أن يكون هذا تنازلا لأجل حوطة الكامل .
* * *
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المشهد التاسع مشهد نور الأنهار وطلوع نجم المراتب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المشهد الحادي عشر مشهد نور الألوهية بطلوع نجم “ لا “ .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الرابع مشهد نور الشعور بطلوع نجم التنزيه .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الثالث عشر مشهد نور العمد بطلوع نجم الفردانية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: