شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
كاتب الموضوع
رسالة
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 10:44 pm
مقدمة المحقق شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد
نبذة عن المحقق : ولد كامل بن مصطفى بن محمد حسين الكاظمي المكي العبدري ، أبو طريف الشيبي في الكاظمية ببغداد عم 1927 ، أتم دراساته الأولى هناك والجامعية في الإسكندرية بمصر التي تخرج منها عام 1950 ونال الماجستير عام 1958 من نفس الجامعة والدكتوراه من جامعة كمبردج بانكلترا 1961 . مارس التدريس في مختلف مراحله وحتى بعد تقاعده الإجباري المبكر تحت ذريعة الأسباب الصحية المعروفة في عراق تلك الأيام ، عام 1982 في جامعات عراقية وعربية وغير عربية . من أشهر مؤلفاته التي تم طبعها لمرات عديدة نذكر منها وفي طبعاتها الأولى فقط العناوين التالية : الصلة بين التصوف والتشيع ، بغداد 1963 - 1964 ، ديوان أبي بكر الشبلي ، بغداد 1967 ، ديوان الدوبيت في الشعر العربي ، طرابلس الغرب 1972 ، ديوان الحلاج ، بغداد 1974 ، شرح ديوان الحلاج ، بيروت - بغداد ، 1974 ، الحب العذري ، بيروت 1997 . توفي عام 2006 ببغداد .
صحيفة إهداء مطولة حدّثني الدكتور إبراهيم السامرائي ، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة بغداد الآن ، والدكتور هشام الشواف ، الأمين العام للمكتبة المركزية بها ، عن الأب القسّ العراقي دهان الموصلي المقيم في باريس ، أن المرحوم الأستاذ لويس ماسينيون ( 25 تموز 1883 - 31 تشرين الأول 1962 م ) / ( 1 شوّال 1301 - 2 جمادى الثانية 1382 هـ ) كلّفه في ربيع 1953 م بإقامة قدّاس خاص على روح الحسين بن منصور الحلّاج في البيعة التي يشرف عليها في العاصمة الفرنسية ، يوم ذكرى وفاته في 24 ذي القعدة 309 ه ( 26 آذار 922 م ) . وذكر القس دهان أنه دهش للطلب وذكّر الأستاذ ماسينيون بأن الحلّاج كان مسلما والبيعة دار عبادة مسيحية ، فكان جوابه : « إنّ الحلّاج رجل متصوّف روحاني وإن فوارق الأديان لا يحسب لها حساب في حالته » . وذكر الدكتور السامرائي أن الأستاذ ماسينيون حدّثه بأنه « دائم الذكر للشهيد الحلّاج والترحّم عليه في كنائس النصارى » .
وأخبرني الدكتور الشوّاف أيضا أنه رأى الأستاذ ماسينيون واقفا « وقفة تبتّل وخشوع في الجامع الكبير بمدينة باريس وهو يتلو سورة الفاتحة على أرواح العمال الجزائريين الذين سقطوا صرعى رصاص الشرطة الفرنسية عند خروجهم في تظاهرة وطنية انتصارا للقضية الجزائرية » .
وكان أوّل هذا التعاطف مع العرب ، عند ماسينيون ، حبّ الحلّاج والإعجاب به ، وبسببه غدا هذا المستشرق الكبير محبا للعرب والمسلمين مؤيّدا للقضايا التي ينادون بها .
وكتب المرحوم الأب أنستاس ماري الكرملي ، اللغوي العراقي الشهير ، في مجلته « لغة العرب » سنة 1920 م « أن الأديب لويس ماسينيون . . . قدم بغداد سنة 1907 ( وله من العمر 24 سنة ) فرأينا فيه عالما خبيرا بتاريخ العرب ومشاهيرهم ومؤلفاتهم حتى إنه لا يشقّ له غبار في هذا الميدان مع حداثة سنّة » .
وأضاف إلى ذلك قوله : « وقد بحث في مؤتمر المستشرقين المنعقد في أثينة في 11 نيسان 1912 بحثا دقيقا في هذه الكلمة « أنا الحق » المنسوبة إلى الحلّاج . . . فأوغل في بحثها التاريخي إيغالا عجيبا حتى فاق المتصوفة أنفسهم » . وكتب المرحوم الكرملي أيضا أن ماسينيون كان في سنة 1920 م قد أتم مراجعة ألف وسبعمائة وستة وثلاثين مصنفا في أكثر . من ثماني لغات تتصل كلها بالحلّاج وسيرته وآرائه ! واللّه يعلم كم راجع خلال أكثر من أربعين سنة . لهذا كله ، ليس من الغريب ، بل هو من الطبيعي ، أن نهدي جهدنا في تحقيق ديوان الحلّاج وشرحه إلى الأستاذ المستشرق الكبير المرحوم لويس ماسينيون الذي انتقل إلى عالم الأرواح فالتقى بصديق الأبد الحسين بن منصور الحلّاج . ورحم اللّه الصديقين اللذين تفاوتا في الزمان والمكان وجمعهما اللازمان واللامكان . ك . م . ش .
كلمة للطبعة الثانية هذا كتاب كان من المفروض أن يصدر عن « دار المعارف بمصر » العريقة قبل أكثر من عشرين سنة ضمن سلسلتها « ذخائر العرب » العتيدة . وقد تم إبرام عقده في ذلك الوقت ، فعلا . لكنه تأخر بسبب تعجّلي لظرف قاهر طرأ يومئذ فكان مصداقا لحكمة مثلنا العتيق : « ربّ عجلة تهب رثيا » . ومن الغريب أني قدّمته إلى الدار في طريق عودتي من ليبيا إلى الوطن ، وأجدني أودعه رحابها بعد أن استقرّ بي النوى فيها ثانية . لقد كرمتني دار المعارف بطبع كتابي « الصلة بين التصوّف والتشيّع » سنة 1969 طباعة تدعو إلى الرضا والفخر ، ولهذا أجدني أعدّ تأخّر طبع « شرح ديوان الحلّاج » الحالي ، بمثابة عقوبة أستحقها ، وقد عبّر عنها الحلّاج بقوله : قد كنت في نعمة الهوى بطرا * فأدركتني عقوبة البطر وإذ تعذّر على دار المعارف طبع هذا الكتاب لأسباب خاصة فأنا جدّ سعيد لصدور « شرح ديوان الحلّاج » على هذه الصورة المهيبة من دار منشورات الجمل التي يمتلكها ويديرها مواطننا الشاعر خالد المعالي . لقد طبع هذا الكتاب طبعة سقيمة عقيمة سنة 1974 ، أسقطته من نظري ، مع أهميته القصوى عندي وبين أعمالي ، فشرعت خلال السنوات التالية أستزيد من النصوص والحواشي والشروح حتى اجتمع عندي ما يكاد يعادل نصفه . وهكذا قيّض له أن يخرج على هذه الهيئة المحسّنة المصفاة في الكيف ، المزيدة في الكمّ ، ونأمل أن تحقق الغرض الثقافي المنشود في أوساط المتعلمين والمثقفين والمتخصصين في العالمين العربي والإسلامي ، وبين الباحثين والمتتبعين والدارسين من المستشرقين والمستعربين خارجهما . وفي هذه المناسبة تنزل السكينة على نفسي أن أستمطر شآبيب رحمته تعالى ومغفرته على شيوخي الذين علّموني مما علّمهم اللّه ، ابتداء بأوّلهم على الإطلاق ، المرحوم السيد محيي الدين أبو العيس الذي هداني إلى أول حرف ، وانتهاء بالبروفسور آرثر جون آربري الذي طوى صحف كتابي وأجازني بالخوض في غمرات العلم والسّرى في فيافيه وغاباته . وبين إشادتي بذكرى معلّمي في الطفولة وأستاذي في الكهولة ، يشرح صدري أن أذكر بالبرّ والخير والفخر أساتذتي الآخرين ، الذين اختارهم اللّه إلى جواره ، ومنهم أستاذي في الدراسة المتوسطة محمد حسني المراياتي وأستاذي في الدراسة الثانوية عبد المجيد حسن ولي الذي شجّعني التشجيع الحق ، وكان يطوف بسطوري الساذجة على زملائي الشبّان يقرؤها عليهم ويحثهم على منافستي في هذا الشأن ، والأستاذ ( الدكتور الفذّ ) محمد صقر خفاجة الذي كان يعاملنا معاملة الأخ الكبير الشقيق في العراق ولم تنقطع عنايته بنا إلى أن توفّاه اللّه عميدا لكلية الآداب في جامعة القاهرة في مصر ، والدكتور محمود غنّاوي الزهيري الذي حرضني على الخروج من قوقعة العراق وزيّن لي التوجه إلى الآفاق الرحيبة . ورحم اللّه أساتذتي في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية الذين أسسوا كياني العلمي المتواضع ، وبثّوا فيّ روحا منهم ليمكنوني من شق طريقي بنفسي في المستقبل . منهم أساتذتي في قسم الفلسفة : العلّامة يوسف كرم والأستاذ الدكتور توفيق الطويل والباحث الكبير الدكتور أبو العلا عفيفي ، وأبي الروحي وصديقي الدنيوي الأستاذ الدكتور علي سامي النشّار ، ومنهم أساتذتي في قسم اللغة العربية ، الأساتذة الباحثون : محمد خلف اللّه أحمد وإبراهيم مصطفى ، والدكاترة محمد محمد حسين وطه الحاجري وعبد المحسن الحسيني . ولا أدري ما فعل اللّه بأساتذتي الفلسفيين الآخرين الدكاترة : محمد ثابت الفندي والسيد أحمد البدوي ، والأدبيين : محمد زكي العشماوي وحسن عون ومحمد حسن الزيّات وطه ندى والسيّد خليل ؛ فإن كانوا في قيد الحياة فأطال اللّه بقاءهم وأجزل ثوابهم ، وإلّا فكلّنا على الجادة نرجو رحمته الواسعة هنا وهناك . ثم أبتهل إليه - سبحانه - أن ينعم على سيدي وشيخي الأستاذ الدكتور بدوي أحمد طبانة بالعمر المديد الحافل بالبحث السديد والتوجيه الرشيد لأبنائه الروحيين الذين ينتشرون في الأقطار العربية كلها . لقد خصّني برعايته وعنايته وحنوّه الأبوي منذ نحو نصف قرن ، وما زال ، ذلك الأب الروحي والصديق الحميم ، جزاه اللّه عني ، وعن إخواني الآخرين ، خير الجزاء . وبعد ، فهذا شرح ديوان الحلّاج كتاب بذلت فيه أشق ما عندي من منّة وعقل وتتبّع ، كتاب أحتسب فيه الحق تعالى وأدعوه مخلصا أن يغفر لي ولعبده المظلوم الذي بذل حياته في سبيله الحسين بن منصور بن محمى البيضاوي الحلّاج ، ولعباده الذين يرتضيهم . واللّه الموفق للرشاد الشارح د. كامل مصطفى الشيبي طرابلس الغرب ، جمادى الأول 1414 هـ / [ الشهر الحادي عشر 1993 م ]
تصدير للطبعة الأولى برّا بوعدي لقراء كتابي « ديوان أبي بكر الشبلي » الذي صدر في بغداد سنة 1967 م ، يزيد من سروري إخراج « ديوان الحلّاج » بهذه الصورة التي أفرغت فيها جهدا شاقا اتصل أكثر من خمسة عشر عاما ! لقد أثار فيّ الحلّاج فضول المبتدئ سنة 1953 م ، وما زال عصيّا في سنة 1973 م ؛ لكني سعيد بعملي ، غير آسف على الوقت ولا الجهد ، فلقد حفلت كل كلمة من الديوان بألوان من الإثارة تعدّ إغراء بمزيد من البحث والتعمق ، وتدعو إلى بذل جهد غير معتاد في الشرح والتعليل والتأويل وفي استكشاف العلاقات الدقيقة والإشارات الغامضة التي يحفل بها ديوان الحلّاج وتمتدّ منه خيوط غير منظورة ولا ملموسة لنتصل بالأشعار والآراء التي سبقته ولحقته . وفوق ذلك ، بذلت في ديوان الحلّاج طاقة زائدة في شرح الألفاظ اللغوية والاصطلاحية ، وذلك عمل لم أجدني محتاجا إليه عند تحقيقي ديوان الشبلي المذكور . وإيفاء للنصّ والمعنى حقهما وجدت نفسي منقاد في غير أسف ولا مراعاة لمزاج القرّاء في طريق الاستكثار من النصوص والآراء والتخريجات في محاولة لا شعورية لجمع كل ما يمكن جمعه من أدلّة على نية الحلّاج الحسنة في شطحاته المتطرفة الحادة التي تفاجئ القارئ وتتحرش به تحرشا ، وكأنّ الحلّاج أراد أن يقول لنا جميعا : لا حاجة لي بعطفكم ولا تأويلكم ولا دفاعكم ، لقد قلت ما أردت ، فافعلوا أنتم الآن ما شئتم فلن يزيد على ما كابدته من سلفكم ! وقد يتساءل متسائل : كيف ينشر ديوان الحلّاج تحت اسم محقق آخر ، وقد سبق المستشرق المرحوم لويس ماسينيون إلى ذلك منذ تسعة وثلاثين عاما ؟ فالحقّ أن ذلك وارد ، لكنّ شفيعي فيه أنني باشرت عملية الجمع والتحقيق مستقلا عن ماسينيون ، ودام ذلك خمسة عشر عاما شرعت بعدها أقارن بين ما توصلت إليه وما جمعه ماسينيون ، في الديوان الذي أخرجه للحلّاج وطبعه ثلاث طبعات ، في ما بلغني ، وآخرها تلك التي صدرت في باريس سنة 1955 م . واتضح لي من المقارنة أن ما توصّلت إليه يستحق أن يكون عملا مستقلا بنفسه . وكم كان بودي لو مدّ اللّه في حياة شيخ المستشرقين ماسينيون ، إذن لعرضته عليه ورجوته أن يكتب مقدّمته . لكنه إذ سبقنا إلى دار البقاء ، رأيت من البرّ به والاعتراف بفضله أن أهدي ثمرة جهدي إلى روحه مكافأة أرضية متواضعة على ما بذل من جهد متواصل ، بدأ قبل سنة 1912 م ولم يتوقف مدة نصف قرن من الزمان .
وسيلاحظ القرّاء أني لم أطفّف الميزان على ماسينيون قيد شعرة ولم أغمط حقه حبة خردل ، إذ أفرغت محتوى ديوانه متنا وتعليقا وشرحا في هوامش ديواني هذا وأضفت الكثير الذي لا يسعفني التواضع على التقليل من كميته أو كيفيته أو أهميته . وقد كان من حسن طالعي - إن جاز أن يكون الأمر على هذه الصورة - أن وفّقت إلى مصادر لم يفطن إليها ماسينيون ككتاب « عطف الألف المألوف على اللّام المعطوف » للديلمي ، والقصة الشعبية الحلبية « قصّة حسين الحلّاج وما جرى له مع علماء بغداد » وغيرهما من الكثير الذي يجده القرّاء في ثبت المراجع إن لم ينعم النظر في الهوامش والتفصيلات . وفوق هذا ، يميز تحقيقنا هذا إضافات إلى أشعار الحلّاج لم يفطن إليها ماسينيون ونقص لما كان يظنه من شعر هذا الصوفي هدتنا إليه الكتب التي لم تصل إليها يداه . وسيلاحظ القارئ أنني عانيت كثيرا جدّا في إقامة النص ، وأنّ اجتهاد ماسينيون ودأبه الشديدين واستعانته بالمتخصصين من أصدقائه لم تمكّنه من بلوغ هذه الغاية . ولو لم يكن الفرق بين تحقيقه وتحقيقنا غير هذا لكفى . أما النماذج على هذه التصحيفات الكثيرة التي حفلت بها طبعات ماسينيون ، فأجلّ هذا التقديم أن يشاب به ، وأحيل القارئ على صلب العمل ليستكشفه بنفسه . وعلى عادتي في الربط بين عالمي الأدب التقليدي والصوفي ، في المجالات المشتركة بينهما ، نبهت إلى المعاني الشعرية التي طرقها الحلّاج أولا ثم الشعراء التقليديون من قبله ومن بعده ، وتبين لي أن صوفينا كان كثيرا ما يصوّر بألفاظهم ويركب من معانيهم ، ولكنّ مسحة التجريد والتسامي لازمت تعبيراته دائما ، ومن هنا أطرد في أشعاره طابع واضح ثابت وأسلوب متميز من أوّل كلمة فيه إلى آخرها . وسيرى القارئ أنّ ما عدّ شنيعا وفظيعا من معاني الحلّاج التي ميل بها إلى الكفر وبرّرت بها تهمة الحلول وادّعاء الربوبية لم يكن إلا تعبيرا حسيا طرقه الشعراء التقليديون كما طرقه الحلّاج دون أن يدور بخلد أحد اتهام الأوّلين به أو يبرّئ الأخير من تبعته ، وذلك عجيب حقا . ونموذج على هذا يتمثل في قول الحلّاج : أنا من أهوى ومن أهوى أنا * نحن روحان حللنا بدنا فإذا أبصرتني أبصرته * وإذا أبصرته أبصرتنا وقوله : اقتلوني يا ثقاتي * إنّ في قتلي حياتي وحياتي في مماتي * ومماتي في حياتي إلخ ، وسيجد القارئ في صلب الديوان وحواشيه أنّ هذه المعاني أدبية توشك أن تكون حسية في دنيا الأدب التقليدي ، وقد طرقها الشعراء الذين نألفهم على هذا الأساس . وشيء آخر يهمني أن أبثّه القراء ، وذلك أني تصدّيت لجمع مادة تتصل بجوانب الحلّاج ، المختلفة ، فوفّقت إلى إحراز ما يكفي لكتابة كتاب كبير وأصيل ، لكني وجدت ديوانا للحلّاج ، دون مقدّمة ضافية ، عملا ناقصا ، ومن هنا عدت إلى ذخائري أحاول أن أستخلص منها شيئا يسيرا لا يخلّ في هذا المشروع ولا يبطله . ومع نموّ الفكرة وحاجة البحث وجدتني أضع في المقدمة زبدة ما جهدت في الوصول إليه واقتصدته لكتاب برأسه أكتبه في الحلّاج . وأخيرا وجدت البخل مع الكرام منقصة ، وهكذا أطلقت العنان لنفسي في المضمون لا في الحيّز مع كبح الجماح في موضوعات كثيرة ، فكان هذا الذي يراه القارئ وأرجو أن يصدق الخبر الخبر . وأصارح القراء أنني أعتزّ بشيئين تضمنتهما المقدمة ، الأول : ما اكتشفته من وجود خلف للحلّاج في فلسطين ، وتصحيح ذلك وتمحيصه - على الوجه الكامل - ليس من شأني ولا من قدرة أحد من الناس . والثاني : الفقرة التي كتبتها عن مكانة الحلّاج في الفكر الإسلامي الحديث وبخاصة ما يتصل من ذلك بالأدب العربي المعاصر الذي وجد الحلّاج صداه فيه على صور مختلفة ، من شعر ومسرحية ورواية وبحث ومقالة . وفي هذا المجال بالذات لم أزد على هذا اللمس الخفيف الذي يوشك أن يكون سطحيا لضيق المجال وعدم مناسبة المقام ، ويريحني أن يعدّه القراء استعراضا تاريخيا مفتوحا باب بحثه للأدباء والباحثين من كل جنس . وإذ كان عملي الحاضر : في الصلب والمقدمة ، يزيد على مدى التحقيق كثيرا ، رأيت أن أصفه بالشرح وأعني به مجموع الجهد الذي يشمل إقامة النص والتحقيق والمقارنة وشرح الألفاظ لغويا واصطلاحيا بالإضافة إلى التحليلات والشروح العامة ، وبذلك يستقل عملنا عن عمل ماسينيون تماما ويعود الأمر طبيعيا لا تداخل فيه . واجتزاء من الكثير بالقليل ، أختتم هذا التقديم بتسجيل اعترافي بالجميل والإعراب عن إعجابي وحبي لإخواني الذين أعانوني على إتمام هذا العمل الشاق كل في ميدانه وعلى أقصى استطاعته . وأوّلهم الأخ الكبير الأستاذ السيد مكي السيد جاسم الذي سمع مني كلّ كلمة في الديوان وحواشيه في مراجعته الأخيرة مفيدا صابرا متفضلا كريما مصوّبا مصححا في حمارّة القيظ دون استمهال لانسلاخ الحرّ ولا برم باستطالة الجلسات ولا شكوى من انحراف الصحة وعلوّ السن ، مدّ اللّه في عمره وزيّنه بأبراد الصحة وكلأه برعايته وأبقاه نموذجا حيا نادرا للحافظ الحكيم والموجه الكريم ذي الخلق الرضيّ . ومن دواعي رضاي وسروري تبرّكي باسم أخي الدكتور حسين علي محفوظ في كلّ مصنّف أخرجه للناس ، وذلك لأن له مكانة الناصح الأمين والباذل في غير حدّ لما في نفسه الكبيرة من علم ، ولما في خزانة كتبه العامرة من مصنفات ، جزاه اللّه عن العلم والفضل والكرم خير الجزاء . وأشيد ، هنا بذكر أستاذي وشيخي وصديقي الأستاذ الدكتور علي سامي النشّار ، أستاذ كرسي الفلسفة بجامعة الإسكندرية سابقا ، بالإجلال والاحترام لتشمّره لترجمة كثير من التعاليق والنصوص الفرنسية ولتشجيعه المستمر لشخصي الضعيف ، زاده اللّه علما فوق ما أنجز وأخرج وما يعلم ويحرز . ويسرني أن أتوجه بالشكر والمنّة لإخواني : السيد يحيى سلوم العباسي على ما تجشّم من صعاب في سبيل إعادة رسم صورة الحلّاج الرمزية عن الأصل الذي رسمه الرسام الإيراني أحمد الشيرازي في القرن العاشر الهجري ( السادس عشر الميلادي ) ، وسواء أتضمنها الديوان أم لا فإنه قد سعى وأريد لسعيه أن يرى . ويستحق التنويه - في هذا المجال - الرسام العراقي السيد صادق سميسم والسيد ثامر مهدي تلميذي وصديقي الذي هداني إليه . ولقد أسهم الأخ السيد عادل كامل الآلوسي ، أمين قسم المخطوطات في المتحف العراقي ، ضمن الجهود التي بذلت للتعريف بالحلّاج ، في تصوير مشهده الرمزي في بغداد وفي رسم مخطط له ربما وجده القارئ بين فقرات المقدمة التي كتبت بين يدي هذا الديوان . ويستحق الشكر أيضا تلميذي السابق وصديقي وزميلي الآن الدكتور عبد الأمير الأعسم الذي لم تشغله متاعب الدراسة في كمبردج عن البرّ بي في طرابلس الغرب ، مثابة تحرير هذه المقدمة ، في شؤون شتى تتصل بالمراجعة والمتابعة لما يتعلق بهذا الديوان ومقدمته . ولا بد من ذكر السيد طالب وأبيه السيد محمد الشيخ نجم ، من موظفي مكتبة كلية الآداب بجامعة بغداد ، لما أعانا به جامع هذا الديوان على البعد والقرب من مراجعة ومراسلة . لقد أعان على إخراج هذا العمل إخوان آخرون ذهب بأسمائهم بعد العهد وانشغال البال ، لكن ذلك لا يمنع من إيفائهم حقهم من التقدير والاعتراف بالجميل ، وهذه تحية ودّ وإعجاب . أما القرّاء فأرجو أن أكون عند حسن الظن منهم وفيهم ، ولا يضيع اللّه أجر من أحسن عملا . وفقنا اللّه جميعا لما فيه الخير والبرّ . د. كامل مصطفى الشيبي بغداد في أوّل أيلول ( سبتمبر 1973 م ) ( 4 شعبان 1393 هـ )
مفتاح الرموز التي ترد في المقدمة والمتن والحواشي
ت / ( توفي سنة . . . )
ح / ( حكم من سنة . . . - سنة . . . )
ق / ( قتل سنة . . . )
مخطوط برلين : « حكاية الحسين بن منصور الحلّاج » ، مخطوط برلين ، رقم 349 .
مخطوط تيمور : « ترجمة حسين بن منصور الحلّاج وشيء من كلامه وما جرى له مع الخليفة وصفة قتله » ، مخطوط المرحوم أحمد تيمور باشا بدار الكتب المصرية ، رقم 1291 .
مخطوط الجزائري : « بعض إشارات الحسين بن منصور الحلّاج وكلامه وشعره ، أو : الرسالة الحلّاجية » ، نسخة المرحوم الأستاذ ماسينيون التي اشتراها من الأستاذ الجزائري .
مخطوط السليمانية : نسخة الخزانة السليمانية باستانبول ضمن المخطوط رقم 1028 ، ورقة 358 ب - 365 ب .
مخطوط قازان : « كتاب في سيرة الشيخ حسين بن منصور الحلّاج » ، أو « مقامات الحلّاج ومقالاته » ، نسخة المكتبة الشرقية المركزية بقازان في الاتحاد السوفيتي ، فنون شتى برقم 68 .
مخطوط لندن : « تقييد بعض الحكم والأشعار ، مختصر من كلام السيد أبي عمارة الحسين بن منصور الحلّاج رضي اللّه عنه » ، نسخة المتحف البريطاني رقم 9692 ،Add( ) : زيادة منا حشو النصوص شرحا وإيضاحا أو ما إلى ذلك
* * *
عبدالله المسافربالله و وزير امون يعجبهم هذا الموضوع
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: سيرة الحلاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 10:47 pm
سيرة الحلاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد
سيرة الحلّاج هو أبو المغيث الحسين بن منصور بن محمى البيضاوي « 1 » . ولد في قرية الطّور « 2 » في الشمال الشرقي من مدينة البيضاء ، من مدن مقاطعة فارس بإيران ، في نحو سنة 244 هـ / 857 م « 3 » ، وكان جده « محمى » مجوسيا « 4 » . دخل أبوه العراق مع أسرته من الحدود الجنوبية الشرقية الحالية ، عند البصرة ومناطق شط العرب - وكان يحترف حلج القطن - ليمارس مهنته في هذه المواضع التي يبدو أنها كانت مراكز لزراعة هذا المحصول وحلجه ونسجه . واستقرت الأسرة بواسط - في ما يبدو - وكانت مدينة كبيرة عامرة تقع في منتصف الطريق بين البصرة وبغداد ، وتقوم أطلالها الآن بالقرب من مدينة الحيّ من محافظة واسط ( لواء الكوت سابقا ) ، في العراق المعاصر . قضى الحلّاج صباه يتعلم في كتاتيب واسط ، وكانت حركة الزنج الشيعية ، الزيدية في رأي ماسينيون « 5 » ، قائمة على قدم وساق - إذ بدأت في سنة 255 هـ / 869 م - وللحلّاج نحو إحدى عشرة سنة ، ودوّخت الدولة .................. ( 1 ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ( أبي بكر أحمد بن علي ، ت 463 هـ / 1071 م ) ، دمشق 1945 م ، 8 / 112 . وذكر هنا أنه كان يكنّى بأبي عبد اللّه أيضا ، وفي مطلع كتاب الطواسين كني الحلاج بأبي عمارة ( انظر ص 69 ) . ( 2 ) أيضا 8 / 112 ، أربعة نصوص غير منشورة تتعلق بالحلاج : رسالة ابن باكويه ( أبي عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الشيرازي ، ت 428 هـ / 1036 - 7 م ) ، ط . باريس 1914 م ، ص 28 . ( 3 ) المنحنى الشخصي لحياة الحلاج شهيد الصوفية في الإسلام لماسينيون ، ترجمة عبد الرحمن بدوي ضمن كتاب ( شخصيات قلقة في الإسلام ) ، مصر 1946 م ، ص 63 . ( 4 ) تاريخ بغداد 8 / 112 . ( 5 ) المنحنى الشخصي : شخصيات قلقة في الإسلام ص 65 سطر 8 .
« 24 » العباسية أربع عشرة سنة واستولت على مناطق الأهواز وخوزستان وهاجمت البصرة نفسها في سنة 257 هـ/ 871 م « 1 » . قصد الحلّاج في أول شبابه إلى تستر ( شوشتر الإيرانية ) ، على شاطئ نهر كارون الذي يصب في شط العرب ، ليصحب سهل بن عبد اللّه التستري ، صاحب التفسير الصوفي الإشاري وأحد الصوفية البارزين في القرن الثالث الهجري ( ت 283 هـ / 896 م ) ، ودامت هذه الصحبة سنتين « 2 » . وفي سنة 262 هـ / 875 م ، انتقل الحلّاج إلى البصرة ليصحب عمرو بن عثمان المكي الصوفي البارز ( ت 297 هـ / 909 - 10 م ) لمدة سنة ونصف « 3 » ، وكانت ثورة الزنج في أوجّ قوتها ، ليتم على يديه ما بدأه مع سهل بن عبد اللّه التستري ويحتل مركزا مرموقا في الأوساط الصوفية في هذه المدينة بمساعدة أستاذه الجديد . وقد نال الحلّاج إعجاب شيخه الجديد وتوسّم فيه خيرا وصلاحا وتوقّع له مستقبلا زاهرا في عالم الروح . وفي هذه الأثناء هفت نفس الحلّاج إلى الزواج ، فبنى بأمّ الحسين بنت أبي يعقوب الأقطع « 4 » ، منافس عمرو بن عثمان المكي على زعامة الصوفية في البصرة ، مما أدى إلى خصومة ووحشة بين الشيخين « 5 » نتيجة تنافسهما على استخلاص الحلّاج الذي كان يعتزل في جامع البصرة « يتعبد ويتصوف ويقرئ » « 6 » . .......................................................................................... ( 1 ) تاريخ الشعوب الإسلامية لكارل بروكلمان ( 1868 - 1956 م ) ترجمة نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي ، ط 4 ، بيروت 1965 م ، ص 216 . ( 2 ) أربعة نصوص ( ابن باكويه ) ص 28 ، المنتظم لابن الجوزي ( أبي الفرج عبد الرحمن بن علي ، ت 597 هـ / 1201 م ) ، ط . حيدر آباد 1357 - 61 هـ ، 6 / 160 . ( 3 ) أيضا ص 28 ، وقد ذكر ابن كثير أن زواج الحلاج كان بمكة « فأولدها أحمد بن الحسين وقد ذكر سيرة أبيه كما ساقها من طريق الخطيب » ( البداية والنهاية لابن كثير عماد الدين أبي الفداء إسماعيل . . . القرشي الدمشقي ، ت 774 هـ / 1373 م ) ، ط . مصر 1351 - 8 هـ، 11 / 135 . وربما كان ذلك أقرب إلى الصواب ، مع غرابته الظاهرة ، إذ كان عمرو بن عثمان المكي قاضي جدة وهي قريبة من مكة كما هو معلوم ( انظر تاريخ بغداد 9 / 224 ) . ( 4 ) أيضا ص 28 . ( 5 ) أيضا ص 28 . ( 6 ) نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ( أبي علي الحسن بن علي بن محمد ، ت 394 هـ / 1004 م ) ، الجزء الأول ، مصر 1921 م ، ص 248 . « 25 » والصوفية « تدّعي له المعجزات من طرائق التصوف وما يسمونه معونات . . . » « 1 » . ويبدو أن صدر الحلّاج قد ضاق بفعل هذه الخصومة ، فقصد إلى الجنيد بن محمد البغدادي ، شيخ الطائفة ( الصوفية ) ( ت 298 هـ / 910 - 11 م ) يستشيره ويستنصحه « فأمره بالسكون والمراعاة » « 2 » ، فصبر على ذلك مدة . ولما استمر الأمر ، مقرونا بالظروف الصعبة التي كانت البصرة كلها تعانيها ، ترك الحلّاج المدينة قاصدا مكة لأداء فريضة الحج ، وجاور هناك سنة كاملة أنفقها في ممارسة أشقّ الرياضات الصوفية بتعريض جسده لأشدّ ألوان العذاب الجسماني ، من اقتصار على الخبز والماء وتعرّض لأشعة الشمس اللافحة ، في جبال مكة الجرداء « 3 » . وذكر عنه في هذه الفترة أنه « كان مشهورا بصحبة صوفي بمكة بعد مفارقته صوفية فارس » « 4 » . وبعد عودة الحلّاج من مكة بدا للناس في صورة شيخ واثق في نفسه إلى حد الإفراط ، واستقل في العمل ، وحمله طموحه على أن يشطح في عباراته ويبالغ في مواجيده ولا يتحرى الحيطة في أفعاله مما أثار ثائرة الصوفية ، وشيخهم الجنيد على الخصوص ، وكانوا يتوقّعون كثيرا من اطّلاع الناس على أسرارهم الثقافية والتطبيقية خشية وقوعهم تحت طائلة الفقهاء من .......................................................................................... ( 1 ) نشوار المحاضرة ص 12 . ( 2 ) تاريخ بغداد 8 / 112 ، أربعة نصوص ( نص ابن باكويه ) ص 28 . ( 3 ) أيضا 8 / 112 ، وفيه ، أن الحلاج دخل إلى مكة « وكان أول دخلته » ، « فجلس في صحن المسجد سنة لا يبرح من موضعه إلا للطهارة أو للطواف ولا يبالي بالشمس ولا بالمطر . وكان يحمل إليه كل عشية كوز ماء للشراب وقرص من أقراص مكة ، فيأخذ القرص ويعضّ أربع عضات من جوانبه ويشرب من الماء ، شربة قبل الطعام وشربة بعده ، ثم يضع باقي القرص على رأس الكوز فيحمل من عنده » . وذكر أنه رآه جمع من الصوفية و « هو جالس على صخرة من ( جبل ) أبي قبيس في الشمس . والعرق يسيل منه على تلك الصخرة » . وكان تعليق أحد الصوفية على هذا المشهد قوله لعمرو بن عثمان المكي - الذي حضر هذه الواقعة : « إن عشت تر ما يلقى هذا ، لأن اللّه يبتليه ببلاء لا يطيقه : قعد يتصبر مع اللّه » . ( 4 ) المغني في أبواب التوحيد للقاضي عبد الجبار بن أحمد المعتزلي ( ت 415 هـ / 1024 م ) الجزء 15 ، التنبؤات والمعجزات ، تحقيق الدكتور محمود قاسم ، مصر 1965 م ، ص 720 .
« 26 » ناحية ومراقبة الدولة ، التي كانت تعاني من الزنج ، من ناحية أخرى . وقد كان ثمن هذه الطموح الذي دفعه الحلّاج فقد شيخه عمرو بن عثمان المكي ومستشاره الجنيد « 1 » شيخ الصوفية كلهم . وكان عليه بعد هذا أن يعتمد على نفسه فقط . وبدأ الحلّاج هذه المرحلة من حياته بالوعظ في الأهواز ، بالقرب من موطنه القديم ، زاهدا في خرقة التصوف نفسها « 2 » فألقاها عنه وجعل يخاطب الناس بكلام فلسفيّ ميتافيزيقي يعسر على أصحاب الثقافة العادية البسطاء من الناس إدراكه . ويبدو أن الحلّاج لم ينجح النجاح الذي توقعه هنا ، فانتقل إلى خراسان ليعظ الناس في الطالقان « 3 » بشرقي إيران ، حيث كانت تقوم حكومة شيعية زيدية منذ سنة 250 هـ / 864 م واستمرت فيها إلى سنة 345 هـ / 956 م لما ورث السامانيون ملك الزيديين هناك « 4 » . وإذ لم تطب الإقامة للحلّاج هناك ، عاد إلى الأهواز ومنها قصد إلى بغداد ، صحبة جماعة من المعجبين ، ليقيم فيها مع أسرته « 5 » . ويبدو أن الظروف في بغداد لم تكن مواتية بفعل خصومة الصوفية للحلّاج . ومن هنا ضاقت به الحال من جديد فاتجه إلى مكة ليحج ثانية ويبتعد بنفسه عن بغداد حتى تصفو الأمور . لكن الحلّاج لم يعد إليها بعد إتمام الحج ، بل آثر أن يبتعد عن بغداد مدة أطول وأن يبدّل الأوطان والخلّان ؛ وهكذا شرّق في رحلة واسعة شملت التركستان والهند إلى أن بلغ الصين [ - ماصين ] « 6 » . وفي .......................................................................................... ( 1 ) تاريخ بغداد 8 / 113 ، نص ابن باكويه ص 28 . ( 2 ) تاريخ بغداد 8 / 113 ، نص ابن باكويه ص 28 . ( 3 ) المنحنى الشخصي ( شخصيات قلقة في الإسلام ص 67 ) ، ويذكر ولده حمد ( ولعله أحمد المذكور آنفا ) أن الحلاج قصد في هذه الفترة إلى « خراسان وما وراء النهر ودخل إلى سجستان وكرمان ثم رجع إلى فارس » ( أربعة نصوص ، النص الثالث ، ص 28 ) . ( 4 ) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية ، لجامع الديوان ، بغداد 1966 م ، ص 43 . ( 5 ) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية ، لجامع الديوان ، بغداد 1966 م ، ص 43 . ( 6 ) أربعة نصوص ، الرسالة المذكورة ص 28 . وعن رحلة الحلّاج إلى الهند ذكر ابن الجوزي أن أحمد الحاسب قال لابنه علي : « وجهني المعتضد ( حكم بين سنتي 279 - 289 ه / 892 - 902 م ) إلى الهند ، وكان معي في السفينة رجل يعرف بالحسين بن منصور ، فلما خرجنا من المركب قلت له : في أي شيء جئت إلى ههنا ؟ قال : جئت -
« 27 » الهند زاد الحلّاج نضجا وعمقا واعتاد المجاهدات الشاقة وتعلّم التحكم في نفسه وكوّن مذهبا وأسلوبا عزم على أن ينشرهما بين الناس لدى عودته إلى موطنه . ويبدو أن الحلّاج عاد من الهند مقتنعا بأن ما غرسته فيه رحلته هذه ينبغي أن يعرض على اللّه في مكة وأن يخلع فيها عنه التراكمات غير الإسلامية التي علقت بنفسه وعقله ، ومن هنا قطع عهدا على نفسه أمام اللّه ببذل حياته في سبيله حيث قال : « تهدي الأضاحي وأهدي مهجتي ودمي » « 1 » أو هذا ما يراه على الأقل ! وعند عودته إلى بغداد أخيرا في نحو سنة 291 هـ / 903 - 4 م لاحظ أحمد بن الحلّاج أن أباه قد تغيّر « 2 » . وبهذا يبدو أن هذه الرحلة كانت فاصلة في حياته وأنه توصل خلالها إلى الفكرة التي ينبغي أن يؤمن بها والمنهج الذي ينبغي أن يتبع لتحقيقها . وهكذا بدأ الحلّاج يدعو الناس سرا إلى مذهبه الجديد الذي يقوم على تغليب جانب الروح على الجسد برياضة النفس بأشد ما تكون الرياضات ، بهدف شحنها بالروح الإلهية وتمكينها من تقبّل الطاقة الربانية التي يعجز البشر العادي أن يتحمل إشعاعها في نفسه ليكون في وسعه في النهاية أن يتعلم من اللّه ويصدر عنه على الصورة التي ظهرت في آدم لما علّمه تعالى الأسماء كلها ، وفي المسيح لما مكنه من إحياء الموتى ، وفي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لما أظهر على لسانه القرآن معجزته الكبرى . وكان من رأي الحلّاج في هذه الفترة أن صاحب الدعوة ينبغي أن يمضي في ............................................................................................... - لأتعلم السحر وأدعو الخلق إلى اللّه » ( المنتظم 6 / 161 ) . ويبدو أن هذا الخبر هو الذي حمل ابن تيمية أن يقرر أن للحلّاج كتابا مشهورا في السحر ( انظر : رسالة في الجواب عن سؤال عن الحلّاج : هل كان صديقا أم زنديقا ؟ ) لابن تيمية ضمن كتاب : جامع الرسائل ، المجموعة الأولى تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم ، مصر 1389 هـ / 1969 م ، ص 188 . ( 1 ) انظر الديوان في قافية الميم ، وراجع المنحنى الشخصي من كتاب شخصيات قلقة في الإسلام ص 69 . ( 2 ) تاريخ بغداد 8 / 113 .
« 28 » دعوته إلى الغاية التي ما بعدها غاية دون تراجع ، أسوة بإبليس ، رئيس الملائكة السابق ، الذي لم يبال بغضب اللّه عليه لما أمره بالسجود لآدم ، وهو من طين أدنى من عنصره الناريّ ، وآثر أن يتمسك بفضل عنصره وسموّه ورفعته على الطين . وكان من رأي الحلّاج أيضا أنّ صاحب الفكرة ينبغي أن يتأسّى بفرعون الذي لم يستجب لنداء موسى لما دعاه إلى نبوّته حرصا منه على ألّا يجعل لإنسان سلطة إغلاق الطريق الواسعة التي يحق لكل إنسان أن يسلكها إلى اللّه في كل زمان ومكان . « 1 » وأخيرا كان من رأي الحلّاج أنه ............................................................................................... ( 1 ) انظر طاسين الأزل والالتباس من كتاب « الطواسين » للحلّاج ، باريس 1913 م ، ص 50 حيث يقع قول الحلّاج : « تناظرت مع إبليس في الفتوة فقال إبليس : إن سجدت سقطت من منزل الفتوة . وقال فرعون : « ما علمت لكم من إله غيري ( القرآن القصص ، 28 : 38 ) حين لم يعرف في قومه من يميز بين الحق والباطل » . وعقّب الحلّاج على ذلك بقوله : « فصاحبي ( الصحيح : فصاحباي ) وأستاذي ( الصحيح : أستاذاي ) إبليس وفرعون ؛ وإبليس هدد بالنار وما رجع عن دعواه ، وفرعون أغرق في اليمّ وما رجع عن دعواه ولم يقر بالواسطة . . . وإن قتلت أو صلبت أو قطعت يداي ورجلاي ما رجعت عن دعواي » . ومما يجلو هذه الفكرة ويزيل عنها طابع الكفر الصريح أن الحلّاج نفسه كان يرى في محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وموسى ( عليه السلام ) نبيين من أفتى الأنبياء ، وقد أثر عنه أنه « سئل : يا شيخ ما تقول في ما قال فرعون ؟ قال : كلمة حق » فسئل : « ما تقول في ما قال موسى ؟ قال : كلمة حق ، لأنهما كلمتان جرتا في الأبد كما جرتا في الأزل » ( أخبار الحلّاج ، ص 29 ، أربعة نصوص ، النص الرابع ص 70 ) . كذلك قال الحلّاج : « ما صحت الدعاوى لأحد إلا لإبليس وأحمد ( صلى الله عليه وسلم ) غير أن إبليس سقط عن العين وأحمد ( صلى الله عليه وسلم ) كشف له عن العين : قيل لإبليس : اسجد ، ولأحمد : انظر . هذا ما سجد وأحمد ما نظر ، ما التفت يمينا ولا شمالا -« ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى »( القرآن النجم / 53 : 17 ) . أما إبليس فإنه دعا لكنه رجع إلى حوله ، وأحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ادّعى ورجع عن حوله بقوله : بك أحول وبك أصول ، وبقوله : يا مقلب القلوب ، وقوله : لا أحصي ثناء عليك . . . » ( الطواسين : طاسين الأزل والالتباس ، ص 41 ) . وكل هذا يقع تحت رأي الحلّاج من أنه: « ليس على وجه الأرض كفر إلا وتحته إيمان ولا طاعة إلا وتحتها معصية أعظم منها ولا إقرار بالعبودية إلا وتحته ترك الحرمة ولا دعوى المحبة إلا وتحتها سوء الأدب . لكن اللّه تعالى عامل عباده على قدر طاقتهم » ( أخبار الحلّاج ص 48 ) . وهو هنا يتكلم عن الأضداد التي يجمعها اللّه في مخلوقاته فيجعل واحدا منها ظاهرا والآخر كامنا تمكينا لها من تحقيق قضائه والنزول على -
« 29 » ينبغي عليه - إذا فشل في تحقيق فكرته - أن يأتمّ بالمسيح الذي بذل دمه قربانا للّه وغسل ذنوب البشر بسيل من حشاشته الإنسانية ليكشف عن أعينهم حجاب الجسد ويجلو عن أذهانهم وأفهامهم ما كانوا فيه من جهل وغفلة ووهم . ويبدو أن فلسفة الحلّاج في هذا البرنامج كانت تتمثل في أنّ موته في حال إخفاقه سيكون سببا في ثقة الناس به وتقديرهم لتضحيته وإيمانهم بفكرته على نحو ما حصل مع السيد المسيح ، وأن حياته الروحية بعد فناء الجسد ستخلص من أسار الزمان والمكان وتتيح له أن يراقب الناس من عل وقد بدأوا يتفهمونه شيئا فشيئا ويدركون أنه لم يخدعهم وإنما جاءهم بفكرة سبقت زمانهم ولم تتهيأ لها الظروف المناسبة . وهذا مصداق قوله : على دين الصليب يكون موتي ..... ولا البطحا أريد ولا المدينة « 1 » .................................. - حكمه متى شاء . ومن المعاني التي يسوقها القرآن في التعبير عن هذه الفكرة قول المشركين :( ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى )( الزمر 39 : 3 ) . ومما ينبغي أن يشار إليه هنا الأثر الذي خلفه هذا الرأي في الصوفية ومنهم جلال الدين الرومي ( محمد البلخي ، 604 - 672 هـ / 1207 - 75 م ) . الذي طبق نظرية الشرّ النسبي - كما يمكن أن يعبر عن هذه الفكرة هنا - على عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب شيخ الأولياء عند الصوفية فقال في ابن ملجم ما ترجمته : ليس في مقدوري أن أمسّ شعرة منك * لأن القلم قد خطّ لك ما فعلت فلا تحزن ، فإني أنا الشفيع لك * فأنا سيّد نفسي لا عبد بدني ( مطاعن الصوفية لمحمد رفيع بن شفيع التبريزي ، ت بعد 1221 هـ / 1806 م ، مخطوط جامعة كمبردج رقم 16 .Browne D، ورقة 60 ب ) . ( 1 ) انظر الديوان قافية النون والشروح في الهامش . وفوق هذا ذيل ماسينيون على هذا المعنى بنص استفاده من لطائف المنن للشعراني ( مصر 1321 هـ ، 2 / 84 ) يقول فيه أبو العباس المرسي : « وما نقل عنه يصح تأويله ، نحو قوله : على دين الصليب يكون موتي ، ومراده أنه يموت على دين نفسه فإنه الصليب ، وكأنه قال : أنا أموت على دين الإسلام وأشار إلى أنه يموت مصلوبا ، وكذلك كان » . وإذا كان هذا هو المقصود فإن الصوفية قد تنبؤوا بقتل الحلّاج مصلوبا أيضا . ( انظر : الفرق بين الفرق للبغدادي ، مصر 1947 ، ص 157 - 8 ، التبصير في الدين للأسفرايني ، مصر 1940 م ، ص 77 رسالة الغفران : رسالة ابن القارح ، ط 3 ، ص 36 ، وهذه النبوءة تنسب إلى الجنيد مرة ، إلى الشبلي أخرى ، وتتمثل في عبارة تقول : أيّ خشبة تفسد وهو معنى عبر عنه أبو يوسف القاضي : يعقوب بن إبراهيم الإنصاري ( 113 - 182 هـ / 731 - 798 م ) بقوله لبشر بن عياث المريسي ، المتكلم القائل بخلق -
« 30 » وفي بغداد بشر الحلّاج بدولة الروح هذه عشر سنوات كاملات ، أنفقها جميعا في العمل السري ، وفقد خلالها مودة الصوفية من أصدقائه كالشبلي وغيره لاستعظامهم دعوته وخوفهم من غوائلها . واستقر الحلّاج في بغداد استقرار رجل له غايات بعيدة « وتغير عما كان عليه في الأوّل واقتنى العقار وبنى دارا ودعا الناس » « 1 » . وفي هذه المرحلة اتضح للحلّاج منذ اللحظة الأولى أن الدولة والنظام العباسيين حجر عثرة في طريقه وأنهما ينبغي أن يزولا « 2 » . وتحقيقا لهذا الغرض ، انقلب الحلّاج سياسيا معارضا يبحث عن حلفاء وأنصار . وسرعان ما اتصل بالعلويين على نية القيام بحركة شبيهة بحركة الزنج المدمرة ، التي عاصرها في صباه وشبابه ، لتأسيس دولة مثل دولة الزيديين في طبرستان التي رآها رأي العين في أسفاره . وهكذا روي أن الحلّاج قصد إلى الكوفة للتشاور مع أبي الحسن العلوي الذي كان ميالا إلى الصوفية وصديقا ومريدا لأبي علي الخواص ( ت 291 هـ / 903 - 4 م ) . وتم الاجتماع بحضور الخواص نفسه « 3 » . ويبدو أن هذا العلوي لم يكن مستعدا لهذه المغامرة ؛ ومن هنا اتجه الحلّاج إلى علوي آخر أكثر ثورية وأميل إلى المغامرة ؛ وأكثر تقبلا لآرائه هو أبو عمارة محمد بن عبد اللّه الهاشمي الذي يبدو أن اشتراكه مع الحلّاج في كنية واحدة هي « أبو عمارة » « 4 » ، كان يعني شيئا يتجاوز المصادفة إلى الوحدة الروحية .......................................................................................... - القرآن وغيره ( ت 218 أو 219 هـ / 833 أو 834 م ) : « لا تنتهي حتى تصعد خشبة ، وكأني بك قد شغلت على الناس خشبة باب الجسر ، فاحذر » ( انظر : تاريخ بغداد 7 / 63 ، 66 ) . ( 1 ) أربعة نصوص ، نص ابن باكويه ، ص 28 ، تاريخ بغداد 8 / 113 . ( 2 ) في هذا المعنى قال ابن النديم : « وكان جاهلا مقداما مدهورا ( لعلها مزهوا ) جسورا على السلاطين مرتكبا للعظائم يروم انقلاب الدول . . . » ( ص 283 ) . ( 3 ) انظر الفكر الشيعي لنا ، ص 69 . ( 4 ) انظر تكنية الحلّاج بابي عمارة في كتاب الطواسين ( ص 69 ) بافتتاحه بعبارة : « قال العالم الغريب أبو عمارة الحسين بن منصور الحلّاج . . . » وكذا في كتاب « تقييد بعض الحكم والأشعار » لمجهول ، الذي أعقب ذلك بوصفه بأنه « مختصر من كلام السيد أبو ( كذا ) عمارة الحسين بن منصور الحلّاج » مخطوط المتحف البريطاني رقم 9692 .Add.
« 31 » والأخوّة النفيسة التي تفضل أخوّة الدم « 1 » . وكان أبو عمارة الهاشمي من أبناء التجار الموسرين من أمّ ربعية « 2 » تألف التشيع والامتياز الروحي . وكان من العوامل التي ساعدت على الاتفاق بين الرجلين أن الهاشمي المذكور كان زوجا لامرأة أهوازية من بنات التجار يقال لها بنت ابن جان بخش « 3 » . وهكذا تم الاتفاق بين الحلّاج ورأس علوي يصلح أن يكون قائدا لثورة عارمة في الوقت المناسب . وذكر أنّ أبا عمارة هذا قد كان له مجلس في البصرة « يتكلم فيه على مذاهب الحلّاج ويدعو إليه » « 4 » ، وأن أتباع الحلّاج عدّوه « بمنزلة محمد بن أبي بكر [ ربيب علي وقتيل عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح في مصر لمّا وجهه علي أميرا عليها ] خال المؤمنين » « 5 » . ولفت اسم أبي عمارة أنظار المصنفين فذكروا أن الحلّاجية كانوا يوردون فيه أنه « حلّت فيه روح محمد بن عبد اللّه ( ص ) » « 6 » ، وأنه « كان يخاطب في الأهواز بسيدنا ، وهي من أعلى المنازل عندهم » « 7 » ، وبذلك ساغ أن نصف أبا عمارة هذا بنبي الحلّاج « 8 » . ولعل أبا عمارة الصوفي المذكور هو المقصود بقول الثعالبي ( أبي منصور عبد الملك بن محمد النيسابوري ، ( ت 429 هـ / 1038 م ) : « وقرأت في كتاب التحف والطرف لأبي لبيب غلام أبي الفرج البّبغاء [ . . . ] لأبي عمارة الصوفي في ثقيل خفيف على القلب ( من الخفيف ) :وثقيل لو كان في حسناتي ، * وجميع الأنام في سيّئاتي .......................................................................................... ( 1 ) انظر في هذا المعنى بحثا لماسينيون بعنوان « سلمان الفارسي والبواكير الروحية في الإسلام » وقد ترجمه الدكتور عبد الرحمن بدوي وضمنه كتابه « شخصيات قلقة في الإسلام » وانظر في هذا الخصوص ص 19 ، وارجع إلى كتابنا : الصلة بين التصوف والتشيع ، ط 2 ، دار المعارف بمصر ، ص 197 . ( 2 ) نشوار المحاضرة 1 / 84 . ( 3 ) نشوار المحاضرة 1 / 174 . وجان بخش بالفارسية بمعنى باذل النفس ويدلّ على عراقة في الانتماء الفارسي . ولذلك تفنيد انظره في الموضع . ( 4 ) نشوار المحاضرة 1 / 174 . وجان بخش بالفارسية بمعنى باذل النفس ويدلّ على عراقة في الانتماء الفارسي . ولذلك تفنيد انظره في الموضع . ( 5 ) نشوار المحاضرة 1 / 174 . وجان بخش بالفارسية بمعنى باذل النفس ويدلّ على عراقة في الانتماء الفارسي . ولذلك تفنيد انظره في الموضع . ( 6 ) أيضا 1 / 177 . ( 7 ) أيضا 1 / 177 . ( 8 ) صلة عريب بن سعد القرطبي ( على هامش تجارب الأمم ) 1 / 86 .
« 32 » لاستخفّ الذنوب بل ك * سر الميزان من ثقله على الكفّات وله في ثقيل ( من الطويل ) : ثقيل يراه اللّه أثقل من يرى * ففي كلّ قلب بغضة منه كامنه مشى فدعا من ثقله الحوت ربّه * فقال : إلهي ، زدت في الأرض ثامنه ! ( يتيمة الدهر ، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد . مطبعة السعادة بمصر 1377 ، 1 / 305 ) . بعد هذا اتجه الحلّاج إلى الشيعة الاثنا عشرية في أيام محنة الغيبة الصغرى للمهدي عندهم ليتحالف معهم على مشاركتهم في حركته هذه التي تحقق لهم أعز هدف يتطلعون إليه ، وهو إسقاط الدولة العباسية التي اغتصبت السلطان من العلويين ثم انقلبت عليهم كما لم تنقلب الدولة الأموية نفسها . وقصد الحلّاج إلى أبي سهل النوبختي للاتفاق معه - كما تذكر الكتب العامة « 1 » - أو إلى الحسين بن روح ( ت 326 هـ / 937 - 8 م ) الوكيل الثالث للمهدي أيام الغيبة الصغرى في رأي أتباعه - كما تذكر كتب الأثناء عشرية خطأ « 2 » - وتذكر أيضا أنه قصد إلى قمّ ، مركز الشيعة الأثناء عشرية في إيران حتى اليوم ، هادفا إلى استمالة أبي الحسن بن بابويه ، فخاب سعيه أيضا « 3 » . وفوق هذا ، ذكر الحلّاج ضمن كتابه « الإحاطة والفرقان » أسماء الأئمة الاثني عشر ابتداء من علي .......................................................................................... ( 1 ) انظر مثلا نشوار المحاضرة 1 / 81 ، تاريخ بغداد 8 / 124 ، المنتظم لابن الجوزي 6 / 62 / 163 وراجع أيضا روضات الجنات للخوانساري ( محمد باقر : 1226 - 1313 هـ / 1811 - 1899 م ) ، طهران 1307 هـ ، ص 227 . ( 2 ) انظر الغيبة للطوسي ( أبي جعفر محمد بن الحسين ، شيخ الطائفة ، ت 460 هـ / 1069 م ) ، ط . تبريز 1323 هـ ، ص 262 ، وذلك أن الحسين بن روح تسلم السفارة أو الوكالة أو النيابة من سلفه محمد بن عثمان بن سعيد المعروف بالشيخ الخلاني سنة وفاته في 304 هـ / 916 - 17 م أي بعد اعتقال الحلّاج بثلاث سنين ، فإن كانت المراسلة تمت قبل سنة 304 هـ المذكورة لم يكن منها الفائدة المرجوة باعتبار الحسين بن روح رجلا من رجال الشيعة ، ويبقى احتمال المراسلة ، بعد ذلك وفي فترة زعامته للشيعة وهذه جائزة . ( 3 ) أيضا ص 262 - 1916 م .
« 33 » وانتهاء بالمهدي « ثم نسق الأئمة نسق الأهلّة » « 1 » ، وصلا بقوله تعالى :( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً )( التوبة 9 : 36 ) ، على غرار ما صنعته الإسماعيلية من إصدار سباعاتهم إصدارا مقدسا يتصل بالعناية الإلهية ويتمثل في السباعات التي وضعها اللّه في الطبيعة كالكواكب السيارة والبحار وأيام الأسبوع وما إلى ذلك « 2 » . وفوق هذا ذكر أن الحلّاجية كانوا يرون « أن الأئمة أنوار من نور اللّه تعالى وأبعاض من أبعاضه » « 3 » على نحو ما كان الغلاة يرون فيهم . ولا يبعد أن يكون هذا المعنى مقصد الحلّاج حقا محاولة منه للصدور عن التشيع الذي ألفه وعاش في كنفه ، في شكليه الزيدي والقرمطي ، أثناء إقامته في إيران والبصرة وواسط من العراق ، وبخاصّة أن حركة القرامطة قد ظهرت في الكوفة وأطراف واسط سنة 278 هـ / 890 م « 4 » في أيام نضج الحلّاج وعلو شبابه . لكن الاثنا عشرية أعرضوا عنه برواية المؤرخين من شيعة وغيرهم ، واتهمه الشيعة منهم بمنازعة رؤسائهم على الزعامة الدينية والقيادة المذهبية « 5 » . ولما يئس الحلّاج منهم تحول إلى القرامطة الذين خبرهم من قبل في أطراف العراق الجنوبي والأوسط ، وكانوا دعاة إلى الأئمة الفاطميين الذين بدأوا حركتهم في الشام على يد الإمام محمد الحبيب ( ت 297 هـ / 909 م ) ، قبل سنة 277 هـ المذكورة بالضرورة ، وجعلوا يحركون أتباعهم في أطراف العراق حتى قيّض لهم أن يؤسسوا .......................................................................................... ( 1 ) البدء والتاريخ للمقدسي ( محمد بن طاهر ، ت بعد 350 هـ / 961 م ، ط . فرنسا 1899 - 1916 م ) 5 / 26 . ( 2 ) انظر الصلة بين التصوف والتشيع لكاتب السطور ص 198 . ( 3 ) البدء والتاريخ للمقدسي 5 / 129 . ( 4 ) المنتظم لابن الجوزي 5 / 110 وانظر تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان ص 229 . ( 5 ) يرد ذلك في المصادر الشيعية المذكورة آنفا ، ويذكر القاضي عبد الجبار خبرا ربما سببا وجيها لإعراض الشيعة عن الحلّاج من أنه « كان ربما ادعى أنه من أولاد رسول اللّه ( ص ) - على ما ذكر » ( المغني في أبواب التوحيد 15 / 270 ) ليغنيه هذا الادعاء - إن صح - عن تطلب رأس علوي لحركته والاقتصار من القيادة الفخرية والفعلية على نفسه . ولعل وصف الحلّاج بالسيد في رأس رسالة « تقييد بعض الحكم والأشعار » في مخطوط المتحف البريطاني رقم 9692Addدليل على ذلك .
« 34 » دولتهم في تونس سنة 299 هـ / 910 م . ومن غرائب الاتفاقات أن السنة التي أخبر ابن النديم أن فيها « ظهر أمر الحلّاج وانتشر ذكره » « 1 » هي سنة 299 هـ ، هذه التي تأسست فيها الدولة الفاطمية . ومن هنا لم يكن غريبا ظهور رقعة من رقاع الحلّاج وفيها قوله لمريد من مريديه : « وقد آن الآن أذانك للدولة الغراء الفاطمية الزهراء المحفوفة بأهل الأرض والسماء . . . ليكشف الحق قناعه ويبسط العدل باعه » « 2 » . ولا بد لنا من وقفة هنا ؛ فالظاهر أن الحلّاج استقى شيئا من أفكاره وأسلوب عمله من الإسماعيلية الباطنية التي لم تكن قد سجلت آراءها الإعلامية ، كما يقال الآن ، في رسائل إخوان الصفا التي ظهرت في البصرة في نحو سنة 352 ه - 963 م وإن كانت على ألسنة الدعاة وفي عقول المريدين وأفهامهم . ومع أن من غير المقنع أن يحال إلى نص متأخر نحو نصف قرن بوصفه منبع فكرة سابقة عليه ، نجد من المفيد تسجيل رأي إخوان الصفا في القربان أو التضحية والفداء في سبيل اللّه وتقسيمهم له إلى قربانين : شرعي وفلسفي على نسق ما فعل الحلّاج في قطعته التي استشهدنا بشطر منها في ما مرّ وضمّناها ديوانه اللاحق لهذه المقدمة . قال إخوان الصفا : « واعلم ، أيها الأخ ، أن القربان كما ذكرنا قربانان : شرعي وفلسفي لا ثالث لهما . فأما القربان الشرعي فهو المأمور به في الحج من ذبح الحيوانات . . . وأما الفلسفي فهو مثل ذلك إلا أن النهاية فيه التقرب بالأجساد إلى اللّه سبحانه وتعالى بتسليمها إلى الموت وترك الخوف كما فعل سقراط لمّا شرب السم » « 3 » . ومن المفيد أيضا أن نشير إلى ظاهرة أخرى تجمع الحلّاج وإخوان .......................................................................................... ( 1 ) الفهرست ، ص 270 - 284 . ( 2 ) نشوار المحاضرة ص 86 . ( 3 ) رسائل إخوان الصفا 4 / 208 .
« 35 » الصفا في صعيد واحد . ذلك أن إخوان الصفا أشاروا ، في رسائلهم ، إلى أن لهم أعوانا ودعاة من طبقات الناس كلها من أولاء الملوك والأمراء والوزراء والعمال والكتّاب وأولاد الأشراف والدهاقين والتجار والتنّاء ( المرابطين ) وأولاد العلماء والأدباء والفقهاء وحملة الدين وأولاد الصناع والمتصرفين وأمناء الناس « 1 » . وذكروا أنهم يستطيعون معاونة أنصارهم بكل وسيلة عن طريق هؤلاء . ومن هنا ليس بعيدا ولا غريبا أن يرتبط الحلّاج بالدعوة الإسماعيلية . ومما يرجّح هذا الظن أن دعاة الإسماعيلية كانوا يحملون اسمين : واحدا يعرفه الناس ممن يلقون الرجل الاعتيادي الذي ألفوه جارا وقريبا وخصما وصديقا ، والآخر يعرفه زملاؤه في الدعوة، وهو مقابل للاسم الحزبي عندنا في الحركات السرية في العراق المعاصر. والغريب أن الحلّاج قد عرف باسمين : أحدهما ما نعرفه ، والثاني : محمد بن أحمد الفارسي « 2 ». فكأن الاسم الثاني مثّل صفته السياسية باعتباره داعية إسماعيليا على غرار ما كان عليه أبو عبد اللّه الصوفي الذي كانت مهمته العمل على نشر المذهب في المغرب ؛ فلعل الحلّاج كان مسؤولا عن المشرق « 3 » . ولعل من غير المملّ أن نذكر ما عهد عن الحلّاج من كرامات ومخاريق وسحر فإنه يمكن أن يلتقي مع أسلوب العمل الإسماعيلي الذي يخاطب الناس على قدر عقولهم ويعطيهم ما يريدون وبالأسلوب الذي يؤثر فيهم ويجذبهم إلى الدعوة ، وإلى هذا أشار إخوان الصفا في رسائلهم في قولهم داعين الداخلين في عقيدتهم إلى تصيّد ذوي الاستعداد لتقبّلها فقالوا : « . . . وإذا عرفت منهم أحدا وأنست منهم رشدا فعرّفنا حاله وما هو بسبيله من أمور دنياه وطلب معاشه وتصرفه في حالاته لكي نعرف ذلك ونعاونه على ما يليق به من المعاونة . . . وإن كان ممن يرغب في العلم والحكمة والأدب وأمر الدين وطلب الآخرة علّمناه مما علّمناه اللّه عزّ وجلّ ، وألقينا إليه من .......................................................................................... ( 1 ) أيضا 4 / 214 - 15 . ( 2 ) هامش تجارب الأمم 1 / 86 . ( 3 ) انظر كتابنا : الصلة بين التصوف والتشيع ص 370 .
« 36 » حكمتنا وأطلعناه على أسرارنا بحسب ما يحتمل عقله وتتسع له نفسه وتتوق همّته - إن شاء اللّه عزّ وجلّ » « 1 » . يضاف إلى هذا أن الإسماعيلية بشّروا بمذهب جامع لا يضادّ عقيدة وإنّما يقبل كل شيء ثم يؤّوّله تأويلا يضعه ضمن عقيدته ، وهو ما فعله الحلّاج من إفادته من آراء الهنود والفرس ومذاهب المتكلمين والفلاسفة وأصحاب الكيمياء والطب والسحر « 2 » . ، واستغلها كلها في نشر عقيدته وكسب الناس إلى صفه . وهذا - في رأينا - هو تفسير ما نسب إليه من مخاريق لا بد أنه تعلّمها في الهند بلد السحر والمخرقة إلى يومنا هذا . مهما يكن الأمر فقد كانت الأحوال السياسية غير مستقرة في بغداد وكان المجتمع العراقي يغلي بعد الانقلاب الفاشل الذي راح ضحيته ابن المعتز ورجال الدولة الممتازون سنة 296 هـ / 908 - 9 م ، هذا إلى قيام دولة زيدية في طبرستان ودولة فاطمية في تونس ، وتهديد القرامطة المستمر للعراق نفسه . وفوق هذا كانت الأحوال الاقتصادية سيئة والأرزاق محبوسة عن الجند والأسعار عالية « 3 » ، وكل ما في الدولة يدل على السقوط والانهيار . .......................................................................................... ( 1 ) رسائل إخوان الصفا 4 / 215 . ( 2 ) بالنسبة للطب والكيمياء انظر : صلة عريب ( ص 89 ) والمنتظم 6 / 16 ، ومرت الإشارة إلى السحر في خبر ابن تيمية . وعن إحراز الباحثين العرب والمسلمين من القدماء لهذه الثقافات الواسعة نثبت هنا نصا نقله أستاذنا الدكتور محمد طه الحاجري في كتابه ( الجاحظ : حياته وآثاره دار المعارف 1962 ، ص 170 ، عن مجموعة برلين من مختارات ، الجاحظ : ورقة 75 ) وصف فيه الجاحظ أستاذه إبراهيم بن سيار النظام بأنه « كان فرضيا عروضيا ، وكان حاسبا منجما وكان نسابا وكان حافظا للقرآن العظيم وتفسيره وللتوراة والإنجيل والزبور وكتب الأنبياء . وكان قد عالج الكيمياء وعرف مذاهبها ، وكان أروى الناس لكلام الأوائل ولصنوف نحل الإسلام ، وأحسن الناس احتجاجا وأبلغهم عند الاحتجاج لسانا . . . وكان صاحب حديث عالما وكان له نسك ، وخالط الصوفية وأصحاب المضمار وعرف اختلافهم ، وكان يقول الشعر إذا أراده ، وكان يستخرج المعمى ، وكان حسن العلم بالنحو » . ( 3 ) انظر مروج الذهب للمسعودي 2 / 396 .
« 37 » وفي سنة 299 هـ / 911 - 12 م ، وفي أيام وزارة ابن الفرات ( علي بن محمد بن موسى ، الذي قتل مصادرا سنة 312 هـ / 924 م ) ، الأولى أحست الدولة بالجهد الذي يبذله الحلّاج في الثورة عليها « 1 » ، أو إسقاطها من الداخل ، وذلك حين وشى به رجل من أهل البصرة كان من أنصاره وانفصل عنه « 2 » ؛ فجدّت الشرطة في البحث عنه دون جدوى ودامت المطاردة سنتين . وفي سنة 301 هـ / 913 - 14 م ، قبض السلطان على غلام للحلّاج يعرف بالدبّاس « وأطال حبسه وأوقع به مكروها وخلّاه بعد أن كفله وأحلفه أن يطلب الحلّاج ، وبذل له مالا وكان يجول البلاد خلفه » « 3 » . وفي هذه السنة كشفت امرأة النقاب عن وجود الحلّاج في السوس وذكرت للشرطة أنه « قد نزل في دار رجل يعرف بالحلّاج وله قوم يصيرون إليه في كل ليلة خفية ويتكلمون بكلام منكر . . . « 4 » » . وكان أن قبض عليه أبو الحسن علي بن أحمد الراسبي « 5 » . ( ت 301 هـ / 913 م ) الذي كان يتقلد من حدّ واسط إلى حد شهرزور وكورتين من كور الأهواز : جنديسابور والسوس ، وبادرايا وباكسايا « 6 » ؛ فكانت السوس ضمن أعماله . ويبدو أن الراسبي سلم الحلّاج إلى حامد بن العباس ( الوزير الذي قتل الحلّاج في أيام وزارته ، وقتل هو مصادرا سنة 311 هـ / 924 م ) ، الذي كان يومئذ يلي واسطا ، وواجه الحلّاج عند محاكمته بقوله : « ألست تعلم أني قبضت عليك بدور الراسبي وأحضرتك ؛ فكيف ادّعيت بعدي الإلهية ؟ « 7 » » . مهما يكن الأمر فقد قبض على الحلّاج في هذه المواضع ، ومعه أخو زوجته وانتهى الأمر بأن « حمل فأدخل مدينة السلام ( بغداد ) على جمل ومعه .......................................................................................... ( 1 ) انظر إشارة ابن النديم السابقة . ( 2 ) كتاب العيون والحدائق لمجهول ، على هامش تجارب الأمم ، 1 / 86 . ( 3 ) الفهرست ص 27 . ( 4 ) أيضا ، ص 284 . ( 5 ) المنتظم 6 / 162 . وقد ذكر ابن الجوزي قبل ذلك أن الذي قبض على الحلّاج هو عبد الرحمن خليفة علي بن أحمد الراسبي ، أي نائبه أو وكيله بلغة عصرنا ( 6 / 122 ) . ( 6 ) معجم البلدان لياقوت الحموي ، مادة « دور راسب » . ( 7 ) أربعة نصوص ، النص الأول ، ص 7 .
« 38 » غلام له على آخر مشتهرين ونودي عليه : هذا أحد القرامطة فاعرفوه ، وحبس » « 1 » . وكانت القرمطة تهمة ليس عليها دليل مادي ، والظاهر أنها كانت أسرع التهم إلى الأفواه وأسهلها تسويفا ؛ فقد كان القرامطة أعداء العصر وكانت القرمطة تهمة العصر « 2 » . .......................................................................................... ( 1 ) المنتظم 6 / 115 . ( 2 ) لقد كانت الدولة العباسية تخشى القرامطة إلى حدّ فقدت معه صوابها معهم ، ومن هنا لما هزم القرامطة سنة 291 هـ - 903 - 4 م وأسر منهم جماعة فيهم قائد لهم يسمى زكرويه ويلقب بصاحب الشامة ، تفنن المكتفي الخليفة في إهانته ورسم الخطط لقتله أفظع قتلة . وانتهى الأمر بأن « دخل المكتفي بغداد ، والأسرى بين يديه مقيّدون ورئيس القوم قد جعل في فيه خشبة مخروطة وشدّت إلى قفاه كهيئة اللجام ! » ( المنتظم 6 / 23 ) ، ولم يكتف المكتفي بذلك بل أمر « ببناء دكة في المصلى العتيق من الجانب الشرقي ارتفاعها عشرة أذرع وبني لها درج . فلما كان يوم الاثنين لسبع بقين من ربيع الأول ، أمر المكتفي القواد والغلمان بحضور الدكة ، فحضرها الناس . وجئ بالأسرى - وهم يزيدون على ثلاثمائة - وجيء بالقرمطي الحسين بن زكرويه المعروف بصاحب الشامة فصعد به إلى الدكة وقدم له أربعة وثلاثون من الأسرى ، فقطعت أيديهم وأرجلهم وضربت أعناقهم واحدا بعد الآخر . ثم قدم كبيرهم فضرب مائتي سوط وقطعت يداه ورجلاه وكوي بالنار ثم أحرق ورفع رأسه على خشبة . ثم قتل الباقون وصلب بدن القرمطي في طرف الجسر الأعلى » ( المنتظم 6 / 23 ) . وهذا نموذج من المثلة التي عاناها الحلّاج كلها كما يأتي . والمهم أن الإسماعيليين أو الفاطميين - وكانوا أولياء القرامطة ومحركيهم - ذكروا هذا الحادث ونصوا على أن المقبوض عليه كان « أبا مهزول بن أبي محمد » وأنه وأخويه كانوا ينوون اغتيال الإمام لعزله إياهم عن قيادة الدعوة بعد موت أبيهم سنة 290 هـ - 902 - 3 م . وجاء الخبر هكذا : « ولما رجع القرمطي إلى بغداد شهر ونودي عليه ونصبت الدكة للمعتضد ( الصحيح المكتفي ) وفرش له البرمية حتى يشرف على قتله وهو يضرب بالسوط ، فقد كانوا يقولون : من أنت ؟ وأيش أنت أصلك ؟ ولمن كنت تدعو ؟ فقال لهم : ما أنا من أهل الرياسة ولا من أهل القرمطة ، إنما أمرني بالخروج رجل ، وهو فلان بن فلان من مدينة سلمية يعني المهدي عليه السلام - وهو من صفته كذا وكذا بصفته . وكتب صفته على ما وصف الملعون . ثم مات - لعنه اللّه - بالعذاب وأحرق بالنار » ( استتار الإمام : مذكرات في حركة المهدي الفاطمي لأحمد بن إبراهيم النيسابوري ، من إسماعيلية القرنين الثالث والرابع الهجريين / التاسع والعاشر الميلاديين ، نشر ، إيقانوف ، مجلة كلية الآداب ، ( القاهرة ، ديسمبر 1938 م ، ص 106 ) . وكان من رواج هذه التهمة في ذلك الوقت وبعده بقليل أن ابن الفرات ، الوزير الذي أمر بإلقاء القبض على الحلّاج لأول مرة ، قد اتهم بالقرمطة لما صودر -
يتبع
عبدالله المسافربالله و وزير امون يعجبهم هذا الموضوع
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: سيرة الحلاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 10:47 pm
سيرة الحلاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
وأخذ الحلّاج إلى علي بن عيسى الجراح الوزير ( ت 334 هـ / 946 م ) الذي استوزر في أول سنة 301 هـ / 913 م ، ليستجوبه ؛ فلم يظفر منه بطائل . ويبدو أنّ صوفيّنا تظاهر بالبلاهة والسذاجة والجهل ؛ فاكتفى الوزير - وكان حكيما عاقلا محبا للصوفية وصديقا للشبلي « 1 » - بالعبث والتشهير به ، فأمر به .......................................................................................... - سنة 312 هـ / 924 م ، وهي السنة التي أوقع فيها القرامطة بالحجّاج العراقيين وقتلوهم وسبوا نساءهم فووجه بقول نصر القشوري : « من الذي أسلم رجال السلطان وأصحابه إلى القرمطي سواك ! ؟ » مما حمل العامة على الوثوب على الوزير ورجم داره وصياحهم به : « يا ابن الفرات ، القرمطي الكبير ؟ ! » وقولهم عند القبض عليه : « قد قبض على القرمطي الكبير ! » ( المنتظم 6 / 188 - 189 ) . وكان ذلك من نصر القشوري ردا على ابن الفرات وانتقاما منه لا تهامه له بإخفاء رجل قبض عليه في بيت المقتدر تمهيدا لقتله ( الكامل لابن الأثير ، حوادث سنة 312 ، 8 / 47 ) فكأنه كان يتهمه بالتواطؤ مع القرامطة أيضا . وذكر ابن الجوزي ، في حوادث سنة 313 هـ و 315 هـ أخبار القبض على جماعة بتهمة القرمطة وقتلهم ( المنتظم 6 / 195 ، 209 ) ومن أكثر الأخبار إثارة في هذا المجال ما جاء في « استتار الإمام » في ما يتصل بظروف التمرد المذكورة على الفاطميين ، أن بني أبي محمد المذكور كانوا عازمين على التوجه إلى سلمية لإبادة العلويين فيها . وساق النيسابوري الخبر فقال : « فاتصل ذلك بدعاة بغداد ، وهم حامد بن العباس وابن عبد ربه وجماعته من الشيعة ، فكتبوا إلى المهدي ( عليه السلام ) أن بني أبي محمد قد عزموا على قتلك وقتل أهلك ؛ فإن كنت قاعدا فقم فإنهم قد زحفوا إليك وهم عازمون على قتلك . فإن لم يجدوا إلى ذلك سبيلا وشوا بك إلى أحمد بن طولون وهم يقولون : إنك مخالف للمذهب ويشهرون أمرك . . . » ( ص 96 ) ولولا بقية من تؤدة لاستعجلنا الزعم بأن المقصود بحامد بن العباس هنا خصم الحلّاج وعامل الدولة على واسط وليس ذلك كثيرا عليه ، وإن كان الأمر في حاجة إلى حجة أقوى . وفوق هذا بقيت تهمة القرمطة مستمرة مع قوة الفاطميين وشدة خطرهم على الدولة العباسية ولم تنته حتى أواخر القرن الخامس الهجري . ومن هنا ذكر أن الكيا الهراس ( علي بن محمد بن علي الطبري ، 450 - 505 هـ / 1058 - 1111 م ، تلميذ أبي المعالي الجويني : عبد الملك بن عبد اللّه ، ت 478 هـ / 1085 م ) الذي درس بالنظامية ووعظ وذكر مذهب الأشعري » كاد له خصومه عند العامة « فرجم وثارت الفتن واتهم بمذهب الباطنية . فأراد السلطان قتله ، فمنعه المستظهر وشهد له » ( مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي : أبي المظفر يوسف بن قرأوغلي بن عبد اللّه البغدادي ، ت 654 هـ / 1256 م ، حيدر آباد ، 1951 م ، 8 : 1 / 37 . ( 1 ) ديوان أبي بكر الشبلي ، جمع وتحقيق وتقديم ، كاتب هذه السطور ، بغداد 1967 م ، ص 58 .
« 40 » « فصلب في الجانب الشرقي في مجلس الشرطة ثم في الجانب الغربي حتى رآه الناس « 1 » » . وذكر البغدادي أنّ هذا التشهير ، بالصلب - وهو حي معلّق بحبل تحت إبطيه كالجرّة المعلقة على خشبة - « 2 » ، استغرق أياما متوالية في رحبة الجسر كل يوم غدوة ( صباحا ) وينادى عليه بما ذكر ثم ينزل به ويحبس » « 3 » . والظاهر أن حبس الحلّاج دون قتله - في حال اتهامه بالقرمطة - قد قصد به إلى ضرب مثل في التسامح مع هذه الطائفة ، التي عاثت في العراق قتلا ونهبا ، في محاولة لتأليف قلوبهم وتجنّب شرورهم وضمان ولائهم محافظة على الدولة العباسية من السقوط . ولعل الدليل على هذا ما ذكره ابن الجوزي ، في حوادث سنة 301 ه المذكورة - من أن هذا الوزير « شاور المقتدر في أمر القرامطة فأشار بمكاتبة أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي المتغلب على هجر ؛ فتقدم إليه بمكاتبته . فكتب كتابا طويلا يتضمن الحثّ على طاعة الخلفاء ويعاتبه على ترك الطاعة ويوبّخه على ما يحكى عن أصحابه من إعلان الكفر . . . فوصل الكتاب وقد قتل أبو سعيد : وثب عليه خادم له صقلابي فقتله » « 4 » . ولكن علي بن عيسى لم ييأس ، وإنما أمر رسله « بإيصال الكتاب إلى أولاده ومن قام مقامه » « 5 » ؛ فكان ردّهم كونهم متهمين في غير تهمة وقتالهم للدولة في حال من الدفاع عن النفس « 6 » . فلما وصل كتابهم « كتب الوزير إليهم كتابا جميلا يعدهم فيه بالخير » « 7 » . وهكذا .......................................................................................... ( 1 ) الفهرست لابن النديم ، ص 283 ، المنتظم 6 / 123 . ( 2 ) انظر في ذلك قول ابن المعتز في وصف صلب حمدان قرمط ، قبل قتله : حتى أقيم في جحيم الهاجره . .. و رأسه كمثل قدر فائره و جعلوا في يده حبالا . . . من قنب يقطع الأوصالا و علقوه في عرى الجدار . . . كأنه برادة في الدار و صفقوا قفاه صفق الطبل . . . نصبا بعين شامت و خل ( الديوان ، تحقيق الشيخ محيي الدين الخياط ، دمشق 1371 هـ / 1951 م ، ص 164 ) . ( 3 ) تاريخ بغداد 8 / 127 . ( 4 ) أيضا : 6 / 121 . ( 5 ) أيضا : 6 / 121 . ( 6 ) أيضا : 8 / 127 . ( 7 ) أيضا : 8 / 127 .
« 41 » أبقي على الحلّاج وأكتفي بحبسه « سنين كثيرة ، ينقل من حبس إلى حبس حتى حبس بأخرة في دار السلطان » « 1 » . ولم يمنع الاعتقال الحلّاج من التعبير عن مواجيده وأفكاره وإظهار مواهبه في الفراسة والسياسة وقراءة الأفكار وإظهار الكرامات والتأثير في الرجال ؛ ومن هنا يبدو أن فترة حبسه كانت أخصب ما مرّ به من سنيّ حياته . ويكفي أنه كتب ، في أثنائها ، كتابه « الطواسين » الذي لم يبق الزمان على غيره من مصنفاته « 2 » . وقد ذكر خصوم الحلّاج أنه ، في هذه الفترة ، « استغوى جماعة من غلمان السلطان وموّه عليهم واستمالهم بضروب من حيله حتى صاروا يحمونه ويدفعون عنه ويرفّهونه » « 3 » . وبالغوا في ذلك حتى ذكروا أنه « راسل جماعة من الكتاب وغيرهم ببغداد وغيرها ، فاستجابوا له » « 4 » . وفي هذه الأثناء كانت الدولة الفاطمية يرسخ بنيانها ، ففي سنة 301 هـ / 914 م ، سنة القبض على الحلّاج ، احتل الفاطميون الإسكندرية - في غزوة استطلاعية - وقطعة من الفيّوم « 5 » وثبتوا أقدامهم في تونس . وفي سنة 307 هـ / 919 م « دخلت القرامطة البصرة » « 6 » . وفي سنة 308 هـ / 920 م « ملك العبيديون جيزة الفسطاط ففزعت الخلق وشرعت في الهرب » « 7 » . وفي سنة 309 هـ / 921 م، سنة قتل الحلّاج، اندفع الفاطميون مرة أخرى إلى مصر العليا «8». .......................................................................................... ( 1 ) أيضا : 8 / 127 . ( 2 ) انظر المنحنى الشخصي لحياة الحلّاج ، لماسينيون في كتاب شخصيات قلقة في الإسلام ، ص 72 . ( 3 ) تاريخ بغداد 8 / 127 . ( 4 ) تاريخ بغداد 8 / 127 . ( 5 ) تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان ص 202 . ( 6 ) المنتظم لابن الجوزي 6 / 153 . ( 7 ) شذرات الذهب لابن العماد 2 / 252 . ( 8 ) تاريخ الشعوب الإسلامية ص 202 وقد ذكر عريب القرطبي ، في صلته لتاريخ الطبري ( ط . ليدن 1897 م ) ، في حوادث هذه السنة أن فيها « زحف ثمل الفتى إلى الإسكندرية -
« 42 » وفوق هذا كان المقتدر : جعفر بن المعتضد ، خليفة ضعيفا متقلبا استخلف بمساعدة حامد بن العباس سنة 295 هـ / 908 م ، وله من العمر ثلاث عشرة سنة ، وقتل دفاعا عن ملكه ضد المتآمرين عليه من قواده سنة 320 هـ / 932 م شابا في الثامنة والثلاثين من عمره « 1 » . وخلال حكمه ، الذي استغرق نحو ربع قرن ، غيّر وزراءه خمس عشرة مرة « 2 » . ولم يسلم المقتدر نفسه من عواصف السياسة بل عزل مرتين واستخلف ثلاث مرات « 3 » . وإذا تعمقّنا الأسباب وتقصّينا الحقائق وجدنا المجتمع العراقي العباسي ، في مطلع القرن الرابع الهجري ، مضطربا إلى أبعد حدود الاضطراب ، يتحكم فيه رجال أعمتهم الأنانية وتطلبوا النفع الشخصي وحده ، واستغلوا الناس أشنع استغلال في ظروف عصيبة صعبة مهّدت لسقوط الدولة العباسية سقوطا جزئيا بدخول البويهيين العراق في سنة 334 هـ / 947 م ، ولولا لعبة الحظ وعمى السياسة لتغيّر مجرى التاريخ الإسلامي كلّه « 4 » . والمهم في الأمر هنا أنّ رجال الدولة لم يكونوا يعملون لها بقدر ما كانوا يعملون لأنفسهم مستغلين مناصبهم والفوضى التي ضربت أطنابها في طول البلاد وعرضها . ومن هنا وجدنا عجبا من العجب ؛ فرجل مثل علي بن أحمد الراسبي ، الذي كان يتقلد الأعمال التي ذكرناها في ما مرّ ، لم يكن يدفع للدولة من الأموال التي يجبيها إلا مليونا وأربعمائة ألف دينار ، وهو .......................................................................................... - فأخرج عنها قائد الشيعة ورجال كتامة . . . وأطلق كل من كان في سجنهم ، ثم أقبل ممدّا لمؤنس واجتمعا بفسطاط مصر وزحفا إلى الفيوم لملاقاة أبي القاسم الشيعي ومناجزته ومعهما جني الصفواني وغيرهم » ( ص 85 ) . ( 1 ) مروج الذهب للمسعودي ، مصر 1283 هـ ، 2 / 290 . ( 2 ) أيضا : 2 / 396 - 7 ، وبالنسبة لخلع المقتدر انظر المنتظم أيضا ( 6 / 96 ) . وقد استخلف المقتدر سنة 295 هـ / 908 م ، وخلع بعد أربعة أشهر وسبعة أيام ؛ وذلك لما وقع الانقلاب الفاشل الذي جاء بعبد اللّه بن المعتز إلى الخلافة ، التي لم تدم غير يوم واحد ، وأعيد الأمر بعده إلى المقتدر . وخلع المقتدر ثانية سنة 307 هـ / 929 م لصالح محمد بن المعتضد الذي لقب بالقاهرة ، وعاد الأمر إلى صاحبه بعد يومين فقط . ( 3 ) أيضا : 2 / 396 - 7 ، وبالنسبة لخلع المقتدر انظر المنتظم أيضا ( 6 / 96 ) . وقد استخلف المقتدر سنة 295 هـ / 908 م ، وخلع بعد أربعة أشهر وسبعة أيام ؛ وذلك لما وقع الانقلاب الفاشل الذي جاء بعبد اللّه بن المعتز إلى الخلافة ، التي لم تدم غير يوم واحد ، وأعيد الأمر بعده إلى المقتدر . وخلع المقتدر ثانية سنة 307 هـ / 929 م لصالح محمد بن المعتضد الذي لقب بالقاهرة ، وعاد الأمر إلى صاحبه بعد يومين فقط . ( 4 ) في الحق أن المعتضد تنبأ بزوال الملك على يدي المقتدر ، وقد كان تعليق ابن الجوزي على هذه النبوءة قوله : « فكان كما تنبأ » ( المنتظم 6 / 69 ) .
« 43 » مبلغ زهيد جدا إذا قيس بما يتوقع من إيرادات هذه الرقعة الواسعة ذات الزراعات والصناعات الكثيرة . ومن هنا لم يكن غريبا أن يخلّف الراسبي « من العين ألف ألف دينار وآنية ذهب وفضة بقيمة مائة ألف دينار ، ومن الخيل والبغال والجمال ألف رأس ومن الخزّ ألف ثوب . وقيل : إنه كان له ثمانون طرازا [ - آلة ] ينسج فيها الثياب » « 1 » . وقد ذكر المؤرخون في علي بن محمد بن الفرات ، الوزير المشهور ، الذي استوزر للمقتدر ثلاث مرات « 2 » ابتداء من سنة 299 ه ، سنة طلب الحلّاج « 3 » ، أنه - مع كرمه وحبه للمساعدة وحكمته في تسيير شؤون الدولة - « ملك أموالا كثيرة تزيد على عشرة آلاف ألف دينار وبلغت غلته ألف ألف دينار » « 4 » . وأشار المؤرخون أيضا إلى أن تصرّف الوزراء وكبار الموظفين في أموال الدولة كان لا بد أن يرتبط بإضعاف القضاء لئلا يقع المسؤولون تحت طائلة العقاب . ومن هنا ذكر ابن عيّاش أنه « كان أول ما انحلّ من نظام سياسة الملك ، فيما شاهدناه ، القضاء » « 5 » . وأضاف إلى هذا أن ابن الفرات وضع منه وأدخل فيه أقواما لا علم ( لهم إليه ) « 6 » ، وكان السبب واضحا . لكن أول هذا الأمر كان لما « قلّد ابن الفرات أبا أمية الأحوص البصري ؛ فإنه كان بزازا ، فاستتر ابن الفرات عنده وخرج من داره إلى الوزارة فولاه القضاء » « 7 » . وإذ بلغ الأمر هذا المدى .......................................................................................... ( 1 ) المنتظم 6 / 125 ، وانظر أيضا صلة عريب ص 44 ، دول الإسلام للذهبي 1 / 144 النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3 / 183 . ( 2 ) مروج الذهب 2 / 396 . ( 3 ) مروج الذهب 2 / 396 . ( 4 ) المنتظم 6 / 191 . ( 5 ) المنتظم 6 / 191 . ( 6 ) أيضا : 6 / 190 . ( 7 ) أيضا : 6 / 190 وقد ذكر ابن الجوزي أن أبا أمية « كان قليل العلم إلا أن عفته وتصوّنه غطى ( الصحيح : غطيا ) على نقصه ؛ فلم يزل بالبصرة حتى قبض عليه ابن كنداج ، أمير البصرة ، في بعض نكبات المقتدر لابن الفرات . . . ولا نعلم أن قاضيا مات في السجن سواه » ( المنتظم 6 / 190 ) . ويذكر أن أبا أمية هذا كان قاضي البصرة وواسط والأهواز . وكان من فتوّة أبي أمية أن ابن الفرات كان « قد صودر على ألف دينار وستمائة ألف دينار فأدى جميعها في مدة ستة عشر يوما من وقت أن قبض عليه » ( أيضا ) .
« 44 » لم يكن عجيبا أن نقرأ أنه في سنة 307 هـ / 919 - 20 م « أمرت السيدة أم المقتدر قهرمانة لها تعرف بثمل أن تجلس . . للمظالم وتنظر في رقاع الناس في كل جمعة ؛ فجلست وأحضرت القاضي أبا الحسين الأشناني وخرجت التوقيعات على السداد » « 1 » . ! وغدا من الطبيعي أنه « ما مضت إلا سنوات حتى ابتدأت الوزارة تتّضح ويتقلدها من ليس بأهل [ لها ] » « 2 » . وغدت أشبه شيء بولايات العثمانيين على العراق حين كانت الولاية تباع لمن يزيد في الضمان ! وكان حامد بن العباس من هؤلاء الوزراء الذين نعنيهم هنا ؛ فمع أنه كان رجلا إداريا يلي واسطا منذ سنة 287 هـ / 900 م « 3 » إلا أن براعته كانت منصبّة على الضمان وتحصيل الأموال دون السياسة وتصريف شؤون الدولة . والحق أن السبب الذي جاء بحامد إلى هذا المنصب السامي لم يكن ليتعدى عجز الدولة عن الإنفاق على حربها لابن أبي الساج الذي كان يهددها بالزوال « 4 » . ذلك أن ابن الفرات لما رأى الأمور تسوء ، بفعل خروج الريّ عن ملك العباسيين « 5 » وتأخير رواتب الضباط والجنود الذين يحاربون في الجبهة « 6 » ، طلب إلى الخليفة أن يقدّم مائتي ألف دينار لتلافي الكارثة « 7 » . فأنكر عليه الخليفة ذلك « لأنه كان ضمن القيام بأرزاق الجنود والأحشاد وجميع النفقات المترتبة » . .......................................................................................... ( 1 ) أيضا 6 / 148 ، و « السيدة » هي أم ولد يقال لها شغب أدركت خلافته وسميت السيدة وكانت لأم القاسم بنت محمد بن عبد اللّه بن طاهر فاشتراها منها المعتضد » ( المنتظم 6 / 67 ) . ( 2 ) أيضا : 6 / 191 . ( 3 ) أيضا : 6 / 24 . ( 4 ) انظر تاريخ ابن خلدون 3 / 370 . ( 5 ) انظر تاريخ ابن خلدون 3 / 370 . ( 6 ) تاريخ ابن خلدون 3 / 371 ، وانظر المنتظم لابن الجوزي 6 / 147 . وبالنسبة لثروة حامد بن العباس وجاهه ، ذكر ابن الجوزي أنه كان له « أربعمائة مملوك يحملون السلاح لكل واحد منهم مماليك ، وكان يحجبه ألف وسبعمائة حاجب ! » ( المنتظم 6 / 180 ) . وذكر ابن الجوزي أيضا أنه وجد لحامد في نكبته التي قتل فيها ( سنة 311 هـ / 924 م ) في بئر المستراح [ بالوعة المرحاض ] أربعمائة ألف دينار عينا ، دل عليها لما اشتدت به المطالبة . . . وباع حامد داره التي كانت له على الصراة ( أحد أنهار بغداد العباسية ) من نازوك بإثني عشر ألف دينار ، وباع خادما له عليه بثلاثة آلاف دينار ، وأقر حامد بألف ومائتي ألف دينار » ( المنتظم 6 / 180 - 183 ) . ( 7 ) تاريخ ابن خلدون 3 / 371 ، وانظر المنتظم لابن الجوزي 6 / 147 . وبالنسبة لثروة حامد بن العباس وجاهه ، ذكر ابن الجوزي أنه كان له « أربعمائة مملوك يحملون السلاح لكل واحد منهم مماليك ، وكان يحجبه ألف وسبعمائة حاجب ! » ( المنتظم 6 / 180 ) . وذكر ابن الجوزي أيضا أنه وجد لحامد في نكبته التي قتل فيها ( سنة 311 هـ / 924 م ) في بئر المستراح [ بالوعة المرحاض ] أربعمائة ألف دينار عينا ، دل عليها لما اشتدت به المطالبة . . . وباع حامد داره التي كانت له على الصراة ( أحد أنهار بغداد العباسية ) من نازوك بإثني عشر ألف دينار ، وباع خادما له عليه بثلاثة آلاف دينار ، وأقر حامد بألف ومائتي ألف دينار » ( المنتظم 6 / 180 - 183 ) .
« 45 » وحاول ابن الفرات معالجة الأمر بمطالبة حامد بن العباس « بأكثر من ألف ألف دينار من فضل ضمانه » ، لكن هذا لم يترك الفرصة تفلت « فكتب إلى نصر الحاجب وإلى والدة المقتدر [ وكانت متنفذة ] بسعة نفسه وكثرة أتباعه » واستعداده لتقديم كل ما يطلب منه من مال بشرط إيكال الأمور إليه . وهكذا صار محصّل الضرائب وزيرا . وظهر منذ اللحظة الأولى أن حامدا ليس مستوفيا لشروط الوزارة ، ومن هنا استعين بوزيرين سابقين لمساعدته على تسيير الأمور هما : علي بن عيسى وأبو علي بن مقلة وضم إليهما رجل كفء هو أبو عبد اللّه محمد بن إسماعيل المعروف بزنجي « 1 » . وتبين في النهاية « أنه لا فائدة في الاعتماد عليه في شيء من الأمور ، فتفرّد أبو الحسن علي بن عيسى بتدبير جميع أمور المملكة وصار حامد لا يأمر في شيء البتة » « 2 » . وإذ ساءت الأمور إلى هذا الحدّ ، كان من طبيعة الأشياء أن يجوع الناس ويتوتر الجو ويشغب الجند ويفلت زمام الأمور . وهكذا « شغب أهل السجن الجديد وصعدوا على السور فركب نزار بن محمد صاحب الشرطة وحاربهم وقتل منهم واحدا ورمى برأسه إليهم فسكنوا » « 3 » . وأعقب ذلك أن « كسرت العامة الحبوس بمدينة المنصور فأفلت من كان فيها ، وكانت أبواب المدينة الحديد باقية فغلّقت وتتبع أصحاب الشرطة من أفلت فلم يفتهم منهم أحد » « 4 » . ووثب بنو هاشم على علي بن عيسى لتأخر أرزاقهم فمدّوا أيديهم إليه ، فأمر المقتدر بالقبض عليهم وتأديبهم ونفاهم إلى البصرة وأسقط أرزاقهم » « 5 » . ومع أن حامدا عزل عن الوزارة سنة 307 هـ / 919 م إلا أن الظروف كانت من السوء بحيث اضطر السلطان إلى تكليفه بها بعد سنة من الزمان مما حمله على المبالغة في الشره ، فترك علي بن عيسى يصرّف الأمور وانصرف هو إلى ضمان « أعمال الخراج والضياع الخاصّة المستحدثة والقرارية بسواد بغداد والكوفة وواسط والأهواز .......................................................................................... ( 1 ) المنتظم 6 / 147 - 8 . ( 2 ) المنتظم 6 / 147 - 8 . ( 3 ) أيضا : 6 / 147 . ( 4 ) أيضا : 6 / 153 . ( 5 ) أيضا : 6 / 147 .
« 46 » وأصبهان » « 1 » . وكان أن ترك بغداد تغلي وخرج هو إلى واسط ، مركزه الحصين ، « للنظر في الأعمال التي ضمنها » « 2 » . واتضح في ما بعد أن حامدا كان كغيره من الوزراء والقواد ممن اعتادوا أن يستغلّوا الظروف أشنع استغلال دون وازع من ضمير أو إنسانية فكانوا « يخزّنون الغلال » « 3 » ليرفعوا الأسعار ويزيدوا إيراداتهم ويكنزوا المال في غير وجهه ، وكان من تحصيل الحاصل أن ترتفع الأسعار ؛ لكن قلة ما بأيدي الناس من مال وانهيار الاقتصاد كليا حمل الناس حملا على التظاهر وإعلان السخط « فاضطربت العامة لذلك وقصدوا باب حامد فخرج إليهم غلمانه فحاربوهم فقتل من العامة جماعة ومنعوا يوم الجمعة من الصلاة وهدموا المنازل وأخربوا مجالس الشرطة وأحرقوا الجسور » «4» ، وذلك في سنة 308 هـ / 920 م . وكان الأمر واضحا وعلاجه بسيطا ، وهكذا اضطر الخليفة إلى أن يأمر « بفتح المخازن التي للحنطة وبيعها ، فرخص السعر وسكن إلى منع الناس من بيع الغلال في البيادر وخزنها » «5». ولما كان حامد هو أساس البلاء ، انتهى الأمر بأن « رفع الضمان عن حامد وصرف عماله عن السواد » « 6 » « وبيع الكرّ بنقصان خمسة دنانير » « 7 » ، فأدّى الأمر إلى سكون مؤقت . ولم تنته المشاكل .......................................................................................... ( 1 ) تاريخ ابن خلدون 3 / 371 . ( 2 ) المنتظم 6 / 156 . وفي هذا المجال ذكر ابن الأثير أن حامدا « قد ضجر من المقام ببغداد وليس إليه من الأمر شيء . . . وكان إذا اشتكى إليه [ إلى علي بن عيسى ] بعض نواب حامد يكتب على القصة [ - الشكوى ] إنما عقد الضمان على النائب الوزيري عن الحقوق الواجبة السلطانية فليقدم إلى عماله بكف الظلم عن الرعية » ، الكامل ( مصر 1303 ه ) ، 8 / 43 . ( 3 ) ابن خلدون 3 / 371 . ( 4 ) المنتظم 6 / 156 ، وانظر شذرات الذهب لابن العماد ( 2 / 252 ) حيث ذكر أن سنة 308 ه « فيها ظهر اختلال الدولة العباسية وجيشت الغوغاء بغداد . فركب الجند ، وسبب ذلك كثرة الظلم من الوزير حامد بن العباس ، فقصدت العامة داره فحاربهم غلمانه - وكان له مماليك كثيرة - فدام القتال أياما وقتل عدد كثير . ثم استفحل البلاء ووقع النهب في بغداد » . ( 5 ) تاريخ ابن خلدون 3 / 371 . ( 6 ) تاريخ ابن خلدون 3 / 371 . ( 7 ) المنتظم 6 / 156 .
« 47 » بالترفيه عن الجياع بل سرعان ما استغاث العمّال وجميع أصحاب الأرزاق بأنه [ علي بن عيسى وكيل حامد بن العباس ] حطّ من أرزاقهم شهرين من كل سنة ، فكثرت الفتنة على حامد « 1 » . ومع هذا كله بقي حامد في دست الوزارة إلى سنة 311 هـ / 924 م « 2 » . فكان من سوء حظه أن وقع دم الحلّاج في رقبته . وقد صار الحلّاج شهيد الصوفية وراصّ بنيان التصوّف على مرّ العصور ، وباء حامد بن العباس بالفضيحة وسوء الصيت ، وغدا اسمه مقترنا بالحلّاج كما اقترن اسم هابيل بقابيل واسم يزيد بالحسين واسم يهوذا الأسخريوطي بالمسيح ( ع ) . وإذا عدنا إلى الحقائق المتصلة بالسنين الأخيرة للحلّاج وجدناه ينقل من سجن إلى سجن خشية إنقاذ أتباعه له حتى استقر به الاعتقال في حبس منيع ، في ما يبدو ، ليكون تحت مراقبة الشرطة حتى يفصل في أمره . ويبدو أنه لم يكن رهن الاعتقال في ما دعي عندئذ بالسجن الجديد ، وهو السجن الذي حدث فيه الشغب سنة 306 هـ المذكورة ، وفرّ منه كثير من السجناء . ولهذا أشار ماسينيون - دون دليل - إلى « أن الحلّاج رفض الفرار من حبسه » « 3 » . والظاهر أنه كان قبل ذلك في « دار السلطان » ، أي دار الخلافة كما يفهم من سياق الحوادث . وفي المعتقل الجديد ظهرت مواهب الحلّاج وبراعاته من « حسن عبارة وحلاوة منطق وشعر على طريقة التصوف » « 4 » . ووجد الحلّاج في السجن طمأنينته وهدوء نفسه ، فانصرف إلى العبادة حتى قيل إنه « استمال أهل الحبس .......................................................................................... ( 1 ) تاريخ ابن خلدون 3 / 373 . ( 2 ) المنتظم 6 / 180 . ( 3 ) المنحنى الشخصي للحلّاج ( ضمن شخصيات قلقة في الإسلام ص 75 ) . ولم يعين ماسينيون مصدر هذه الواقعة وما نعرفه من ذلك يتصل بقصة أسطورية جاءت في تذكرة الأولياء للعطار ( 2 / 113 ) ومحفل الأوصياء ( للأردستاني : علي أكبر حسين ، من رجال القرن الحادي عشر الهجري [ السابع عشر الميلادي ] ، مخطوط دائرة الهند بلندن رقمEthe45G، ورقة 265 ب ، وفيها الحلّاج كسر قيود ثلاثمائة سجين ممن كانوا ينزلون السجن معه وأطلقهم من السجن دون أن يفعل هو فعلهم رضي بالمصير الذي اختاره له اللّه . ( 4 ) تاريخ بغداد 8 / 112 .
« 48 » بإظهار السنة فصاروا يتبرّكون به » « 1 » . وفوق هذا شغل الحلّاج نفسه بالتصنيف ؛ فعلاوة على كتاب « الطواسين » ، لا شك أنه كتب في السجن كتاب « السياسة والخلفاء» الذي ربما صنفه للمقتدر نفسه « 2 »، وكتاب « الدرّة » «3». الذي صنّفه باسم نصر القشوري ، حاجب المقتدر؛ وكتاب « السياسة » الذي صنفه باسم الحسين بن حمدان « 4 »، القائد الذي قتله الخليفة بوشاية حامد بن العباس سنة 306 هـ / 918 - 19 م « 5 ». وبهذا يتبين أن الحلّاج استمال موظفي القصر أيضا في فترة سجنه هذه ، وكان أولهم نصر القشوري الذي تسكت كتب التاريخ والسير عن ترجمته ( ت 316 هـ / 928 م ) « 6 » . وقد ذكر - في ما يتصل بالصداقة التي توطدت أواصرها بين الحلّاج ونصر القشوري ، حاجب المقتدر - أنّ الأول « استغوى » الثاني « من طريق الصلاح والدين مما كان يدعو إليه » « 7 » ، وهو تعبير صاغه خصم لكنه يشفّ عن الجاذبية التي كان يتمتع بها الحلّاج حيال المحايدين من الناس ممن لا يدفعهم دافع ؛ من أوّل نظرة إلى الخصومة والتشنيع . ولعلّ عبارة عريب القرطبي أدنى إلى .......................................................................................... ( 1 ) تاريخ بغداد 8 / 112 . ( 2 ) الفهرست لابن النديم ص 272 . ( 3 ) ذكر الصابي ( أبو الحسن الهلال بن المحسّن ، 359 - 448 هـ / 970 - 1056 م ) في كتابه « الوزراء » ، ( أو « تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء » ، تحقيق عبد الستار أحمد فراج ، مصر 1958 ) ، ص 231 أن خزانة علي بن عيسى الوزير كانت تحتوي على « دفتر منسوب إلى الحلّاج فيه آداب الوزارة » . فلعل هذا يرجّح تصنيف الكتاب باسم الخليفة ، وإن كان تصنيفه باسم الوزير عندنا أرجح تألفا لقلبه أو اعترافا بجميله لعدم إعدامه سنة 301 هـ لما قبض عليه والاكتفاء بالتشهير به ثلاثة أيام ، على نحو ما مر ، باعتبار هذا العقاب الحد الأدنى الذي لم يمكن فرض أقل منه على الحلّاج استجابة لضغط الحكومة . ( 4 ) الفهرست ص 272 . ( 5 ) الفهرست ص 272 . ( 6 ) قال فيه ابن الجوزي : « حجب المقتدر باللّه وتقدم عنده وكان دينا عاقلا . وخرج إلى لقاء القرامطة محتسبا [ ومتطوعا مجاهدا ] فأنفق من ماله مائة ألف دينار إلى ما أعطاه السلطان ، فاعتل في الطريق ومات في هذه السنة ( 316 هـ ) فحمل إلى بغداد في تابوت » ( المنتظم 6 / 220 ) . ( 7 ) تاريخ ابن خلدون 3 / 370 .
« 49 » التعبير عن هذه الصلة الودّية بإفراغها في قوله : « وادّعى قوم أن نصرا مال إليه » « 1 » . لكن من الثابت أن نصرا كان يميل إلى الحلّاج إلى درجة الولاء وأنه ذهب في حمايته إلى حدّ مخاصمة علي بن عيسى في سبيله « 2 » . وتطورت هذه المودّة إلى مدى بعيد ساغ معه لنصر القشوري أن يسمي الحلّاج بالشيخ الصالح « 3 »، وأن يقصد إلى دار الخليفة مستأذنا في « أن يبني له بيتا في الحبس » « 4 » . وانتهى الأمر إلى أن ( بني له دارا بجنب الحبس وسدّوا باب الدار وعملوا حوله سورا وفتحوا بابه إلى الحبس ، وكان الناس يدخلون عليه قريبا من سنة . . . » « 5 » . وكانت الحجة الظاهرة لهذه الحماية ما قيل من أنّ نصرا كان يسبغها على الحلّاج لأنه « سنّي وإنما تريد قتله الرافضة ! » « 6 » ، وهي حجة واهية متهافتة أريد بها تسويغ هذه الحماية تسويغا طائفيا يغطي على براءة الحلّاج مما رمي به من تهم ظاهرها ديني وباطنها سياسي بحت . وكان للحلّاج حام آخر في القصر هو أمّ المقتدر : شغب ، وكانت أم ولد من جواري المكتفي « 7 » ولقبت بالسيدة في أيام ولدها ، في ما يبدو ، لئلا تسمى باسمها « 8 » الصارخ الدلالة على ماضيها . وكانت « السيدة » ذات شخصية .......................................................................................... ( 1 ) صلة عريب ، على هامش تجارب الأمم ، 1 / 86 . ( 2 ) أربعة نصوص ، النص الثالث ، ص 28 . ( 3 ) الفهرست لابن النديم ، ص 271 . ( 4 ) أربعة نصوص : النص الثالث ، ص 28 . والظاهر أن الحلّاج كان ، قبل بناء هذا السجن الخاص ، مكفولا من قبل نصر القشوري ومعتقلا في بيته حماية له وإعجابا به ، ومن هنا ذكر ابن كثير أن الحلّاج « كان قبل احتياط الوزير حامد عليه في حجرة من دار نصر القشوري الحاجب ، مأذونا لمن يدخل إليه . . . » ( البداية والنهاية 11 / 140 ) . ( 5 ) أربعة نصوص : النص الثالث ، ص 28 . والظاهر أن الحلّاج كان ، قبل بناء هذا السجن الخاص ، مكفولا من قبل نصر القشوري ومعتقلا في بيته حماية له وإعجابا به ، ومن هنا ذكر ابن كثير أن الحلّاج « كان قبل احتياط الوزير حامد عليه في حجرة من دار نصر القشوري الحاجب ، مأذونا لمن يدخل إليه . . . » ( البداية والنهاية 11 / 140 ) . ( 6 ) المنتظم 6 / 163 . ( 7 ) مروج الذهب 2 / 390 . ( 8 ) انظر المنتظم 6 / 233 ، ومن تصرفات هذه السيدة أنها « طلبت من القاضي أبي الحسن علي بن محمد بن أبي جعفر بن البهلول ( ت 318 هـ / 930 م ) كتاب وقف لضيعة كانت ابتاعتها ، وكان كتاب الوقف مخزونا في دار القضاء وأرادت أخذه لتحرقه وتمتلك الوقف . . . فقال لأم موسى القهرمانة [ لعلها ثمل الماضية ] : تقولين لأم المقتدر السيدة . اتقي اللّه ، هذا واللّه ما لا طريق إليه » . وقد ذكر ابن الجوزي أن المقتدر نفسه تدخل أيضا ليمنع ذلك ولم يرضه .
« 50 » طاغية قوية ، تتدخل في شؤون الدولة وتفرض رأيها فرضا ، وقد مرّ كيف أنها أسست مجلسا للمظالم . وواضح أن هذه السيدة التركية ، في ما يبدو ، كانت عامية العقلية تتأثر بمظاهر الصلاح كتأثّر العوامّ البسطاء وتأثّر الرجال في دار السلطان الذين « مالوا [ إلى الحلّاج ] وصاروا يتبركون به ويستدعون منه الدعاء » « 1 » . ولهذا تحركت عاطفة الأمومة في « السيدة » لما « حمّ المقتدر وافتصد وبقي محموما ثلاثة عشرة يوما » « 2 » سنة 303 هـ / 916 م . هنا رجا نصر القشوري الحلّاج أن يدخل على الخليفة « فرقّاه . . . . فاتّفق زواله عنه وكذلك وقع لوالدة المقتدر : السيدة ، فرقّاها فزالت عنها » « 3 » . وقصة مثل هذه معقولة ومناسبة لمجرى الأحداث ؛ ويؤكدها أنّ نصرا والسيدة حاولا منع المقتدر من إعدام الحلّاج بعد صدور الحكم ، دون جدوى ، « فحمّ المقتدر يومه فازداد نصر والسيدة افتنانا وتشكك المقتدر فيه » « 4 » . وهكذا عاش الحلّاج ناعم البال في قصر الخليفة - وإن كان يحسّ الأخطار تتهدده كل يوم من قبل حامد ورهطه . وجاءت النهاية في سنة 309 هـ / 922 م في ظروف عصيبة جابهتها الدولة من الشعب الثائر والجيش الشاغب والضمان الملغى لحامد الوزير بفعل ثورة الشعب والجيش . وقد حاول حامد بن العباس أن يقمع الشعب ، وكان جلّه من الحنابلة الذين نما عددهم باضطراد من أيام انتصار أحمد بن حنبل على المعتزلة ونصرة المتوكل له قبل هذا التاريخ ، وفي سنة 232 هـ / 846 م بالتحديد . وتحقيقا لهذا الغرض « أحضر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري [ المؤرخ المشهور ، ت 310 هـ - 922 م ] إلى دار علي بن عيسى لمناظرة الحنابلة ، فحضر ولم .......................................................................................... ( 1 ) المنتظم 6 / 130 . ( 2 ) أيضا : 6 / 131 . ( 3 ) البداية والنهاية 11 / 140 ، وانظر المنحنى الشخصي للحلّاج من كتاب شخصيات قلقة في الإسلام ( ص 72 ) حيث أضاف ماسينيون إلى هذا إحياء الحلّاج لببغاء كان لولي العهد نقلا عن صلة عريب ( هـ . ص 92 ) ، وكأنه قصة حقيقية . ( 4 ) نشوار المحاضرة 1 / 83 .
« 51 » يحضروا فعاد إلى منزله . . . » « 1 » ، وكان ذلك في ذي القعدة من هذه السنة « 2 » ، وهو الشهر الذي قتل الحلّاج في الرابع والعشرين منه كما يأتي . ولما فشلت هذه المحاولة اتجه حامد إلى استرضاء الخليفة في محاولة للبقاء في الحكم وكسب ثقته ومودته وإطلاق يده لتعويض ما فاته في السنة الماضية من خسارة فادحة أصابته بسبب إلغاء ضمانه وتخفيض أسعار المحاصيل التي بيعت على الناس من الأراضي التي كانت تحت يده . ومن هنا ذكر ابن الجوزي أن حامدا أهدى « . . . إلى المقتدر البستان المعروف بالناعورة : بناه له وأنفق على بنائه ألف دينار وعلّق على المجالس التي فيه الستائر وفرشه باللبود الخراسانية ثم أهداه » « 3 » . وإذا عرفنا أن ابن الفرات كان يقدّر للنفقة على الجيش العباسي ، الذي كان يحارب ابن أبي الساج مائتي ألف دينار فقط ، أدركنا عظم هذه الهدية التي قدمت إلى الخليفة - وليس من المبالغة في شيء أن نصفها بالرشوة ، في وقت كان الناس يتضورون فيه جوعا ويحتاجون إلى الدانق لسدّ جوعتهم . ولما اطمأن حامد إلى رضا المقتدر وضمن سكوته ، وكان حينئذ شابا في السابعة والعشرين ، اتجه إلى قطاع آخر من العامة يدين بالولاء للحلّاج والصوفية على العموم من أصحاب القيم الروحية ، وكان كثير منهم يدين بمذهب ابن حنبل ، كصديق الحلّاج وتلميذه أحمد بن عطاء الأدمي « 4 » الذي .......................................................................................... ( 1 ) المنتظم 6 / 159 . ولم يغفر الحنابلة للطبري موافقته على مناظرتهم باعتبارها ضربا من المعارضة والتحالف مع الدولة على اضطهادهم . ومن هنا ، لما مات في سنة 310 هـ / 923 م « دفن ليلا . . . لأن العامة اجتمعوا ومنعوا من دفنه بالنهار وادّعوا عليه الرفض ثم ادعوا عليه الإلحاد ! » ( المنتظم 6 / 172 ) . وقد شرح ابن الجوزي هذه التعقيدات بأن الطبري كان يرى جواز المسح على القدمين ولا يوجب غسلهما ( كالشيعة ) فلهذا نسب إلى الرفض ( أيضا ) . ( 2 ) المنتظم 6 / 159 . ( 3 ) أيضا : 6 / 159 . ( 4 ) انظر مثلا أخذه عن الفضل بن زياد صاحب أحمد بن حنبل في تاريخ بغداد 5 / 26 وراجع المنحنى الشخصي للحلّاج من كتاب « شخصيات قلقة في الإسلام » ص 76 .
« 52 » توفي بعد الحلّاج بأيام « 1 » متأثرا بالضرب الشديد الذي عاناه في أثناء التحقيق مع الحلّاج نتيجة إهانته لحامد بن العباس ورفضه التعاون معه على هلاك صديقه . وبهذا يبدو أن حامدا وجّه حقده وغيظه وحسده إلى الحلّاج ، أسيره في قصر السلطان ، ثأرا لماله وكرامته وحفظا لمستقبله وانتقاما من العامة في صورة رجل من زعمائهم . ويبدو أن حامد بن العباس أخذ يقارن بين غناه وفقر الحلّاج وجاهه وحبس الحلّاج وبين تفكيره المادّي الصرف ، الذي لا ينفصل عن المال والخراج والضمان والضياع ، وبين تفكير الحلّاج الروحي البحت الذي تتكرر فيه عبارات النور الشعشعاني « 2 » والحب الإلهي والتضحية في سبيل اللّه والحياة بعد الموت وما إلى ذلك ؛ فأخذه الدهش من إخفاقه ونجاح هذا الأسير ، وبين كره الناس له وحبهم لسجينه حتى لقد جذبت مغناطيسيته رجال القصر ونساءه بما في ذلك السيدة أم الخليفة نفسها . ورجل مثل حامد في حيرته وجهله لا بدّ أن تضيق به الدنيا في حال عجزه عن تحقيق ما تمنّاه وإخفاقه في قمّة مجده لما بلغ الوزارة ، وهذا في مقابل نجاح باهر حظي به سجين منقطع عن الدنيا منذ ثماني سنوات يزوره الناس من الطبقات كافة ، ويتوسلون إليه في الدعاء لهم ، ويتزاحمون على رؤيته والسماع منه . وهكذا انضم حامد إلى موكب الحاسدين الحاقدين على الحلّاج وجعل يتحيّن الفرص للإيقاع به وعيّن له غلاما من غلمانه لمراقبته انتظارا للفرصة « 3 » . وجاءت اللحظة التي طال انتظارها . فقصّ علينا ابن زنجي - نجل .......................................................................................... ( 1 ) ذكر ابن الجوزي أنه توفي في ذي القعدة في ( المنتظم 6 / 160 ) . ( 2 ) ذكر ابن أبي الحديد ( عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة اللّه المدائني ، ت 655 هـ / 1258 م ) في شرح نهج البلاغة ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، مصر 1959 - 1964 م ، 11 / 141 ) أنه « كان مما نقم حامد بن العباس وزير المقتدر وعلي بن عيسى الجراح وزيره أيضا على الحلّاج أنهما وجدا في كتبه لفظ النور الشعشعاني وذلك لجهالتهم مراد القوم واصطلاحهم ومن جهل أمرا عاداه » . ( 3 ) تأتي الإشارة إلى المرجع في ما بعد .
« 53 » الإداري الذي عيّن مساعدا لحامد - تفاصيلها بقوله : « كنت أنا وأبي يوما بين يدي حامد إذ نهض مسرعا من مجلسه . وخرجنا إلى دار العامة وجلسنا في رواقها وحضر هارون بن عمران الجهبذ بين يدي أبي ، ولم يزل يحادثه . فهو في ذلك إذ جاء غلام حامد ، الذي كان موكلا بالحلّاج ، وأومأ إلى هارون بن عمران أن يخرج إليه ، فنهض مسرعا ونحن لا ندري ما السبب . فغاب عنا قليلا ثم عاد وهو متغير اللون جدّا . فأنكر أبي ما رأى فسأله عن خبره فقال : دعاني الغلام الموكل بالحلّاج فخرجت إليه فأعلمني أنه دخل إليه ومعه الطبق الذي رسمه أن يقدم إليه في كل يوم فوجده قد ملأ البيت بنفسه فهو من سقفه إلى أرضه وجوانبه حتى ليس فيه موضع ! فهاله ما رأى ورمى بالطبق من يده وعدا مسرعا ، وأنّ الغلام ارتعد وانتفض وحمّ . فبينما نحن نتعجب من حديثه إذ خرج إلينا رسول حامد وأذن في الدخول إليه ، فدخلنا . وجرى حديث الغلام ، فدعا به فإذا هو محموم . وقصّ عليه قصّته فكذّبه وشتمه وقال : فزعت من نيرنج الحلّاج [ ! ] وكلاما في هذا المعنى - لعنك اللّه أغرب عني . فانصرف الغلام وبقي على حالته من الحمى مدة طويلة » « 1 » . وعدّ حامد بن العباس هذا العمل من الحلّاج ، عبثا به هو شخصيا ومحاولة للنفوذ إلى جماعة غلمانه لصرفهم عنه والتآمر عليه ؛ فكان ذلك في مثل هذه الظروف الحرجة تحدّيا سافرا من الحلّاج وفرصة ذهبية لحامد بن العباس يشفي بها صدره ويثأر لكرامته التي نالت منها العامة . وحشد حامد طاقاته كلها يجمع خيوط الاتهام لينسج منها شبكة يوقع فيها .......................................................................................... ( 1 ) تجارب الأمم لمسكويه ص 79 - . 80 وقد وصف المناوي ( أبو محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي الحدادي ، ت 1031 هـ / 1622 م ) ، هذه الظاهرة بالتطوّر وقال « وكان شأنه التطور فلما طلب للقتل تطور في البيت فملأه ، فأتاه الجنيد وقال : فتحت في الإسلام ثغرة لا يسدها إلا رأسك . . » ( الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية ، الجزء الثاني ، مصر 1963 م ص 25 ) وظاهر أنه - وإن احتملنا تسمية هذه الظاهرة كذلك - إلا أن مجرى الحوادث لم يكن على الصورة التي رواها المناوي إذ معروف أن الجنيد سبق الحلّاج إلى الدار الأخرى بإحدى عشرة سنة .
« 54 » الحلّاج . وبدأ حملة واسعة افتتحها باعتقال من كان له وجه اتصال بالحلّاج واستنطاقه بالعسف والتنكيل ليقرّ بما يلقي به إلى الهلكة . وهكذا قبض على « حيدرة والسمري ومحمد بن القنّائي والمعروف بأبي المغيث الهاشمي » « 1 » من جماعته . وكبست دار الحلّاج نفسه ، فذكر أنه عثر فيها على « دفاتر كثيرة » وكذا في منزل القنائي وكان فيها أسماء بن بشر وشاكر اللذين اتضح - في ما زعم من أقوال أصحابه - أنهما كانا داعيين له في خراسان « 2 » . وكانت حصيلة هذه الخطوة اعترافات من أصدقاء الحلّاج بادّعائه الإلهية « 3 » . وزعم حامد أنه وجد في كتب الحلّاج ما يصلح أن يكون فقها لمذهبه ودينه ، فيه ذكر للصيام والصلاة والزكاة والحج والعبادة على طريقته الخاصة . وذكر في ما يتعلق بتفصيلات هذه العبادات أنه « إذا صام الإنسان ثلاثة أيام بلياليها ولم يفطر ، وأخذ في اليوم الرابع ورقات هندباء وأفطر عليها ، أغناه عن صوم رمضان . وإذا صلى في ليلة واحدة ركعتين من أوّل الليلة إلى الغداة ، أغنته عن الصلاة بعد ذلك . وإذا تصدّق في يوم واحد بجميع ما ملكه في ذلك اليوم أغناه ( اللّه ) عن الزكاة . وإذا بنى بيتا وصام أياما ثم طاف حوله عريانا مرارا أغناه اللّه عن الحج . وإذا صار إلى قبور الشهداء بمقابر قريش في ( كاظمية الحالية شمال بغداد ) عشرة أيام يصلّي ويصوم ولا يفطر إلّا بشيء يسير من خبز الشعير والملح الجريش ، أغناه اللّه عن العبادة باقي عمره » « 4 » . ولم يكتف حامد بذلك وإنما زيّن له ضميره أن يطعن الحلّاج في شرفه .......................................................................................... ( 1 ) صلة عريب ، على هامش تجارب الأمم 1 / 79 . وذكر مسكويه أنهما طلبا من خراسان مرة بكتب رسمية « فلم يرد جواب أكثرها ، وقيل في ما أجيب عنه منها : إنهما يطلبان ومتى حصلا حملا ، ولم يحملا إلى هذه الغاية » ( تجارب الأمم ، نشر ليونيه كيتاني ، طبعة مصورة ، ليدن ، 1909 - 17 م ، 5 / 157 ) . وذكر في شأن شاكر هذا الذي وصف بكونه « خادم الحلّاج » أنه « كان من أهل بغداد ، وأنه كان شهما مثل الحلّاج وهو الذي أخرج كلامه للناس ضرب [ضربت] عنقه بباب الطاق بسبب ميله إلى الحلّاج ». ( 2 ) صلة عريب ، على هامش تجارب الأمم 1 / 79 . وذكر مسكويه أنهما طلبا من خراسان مرة بكتب رسمية « فلم يرد جواب أكثرها ، وقيل في ما أجيب عنه منها : إنهما يطلبان ومتى حصلا حملا ، ولم يحملا إلى هذه الغاية » ( تجارب الأمم ، نشر ليونيه كيتاني ، طبعة مصورة ، ليدن ، 1909 - 17 م ، 5 / 157 ) . وذكر في شأن شاكر هذا الذي وصف بكونه « خادم الحلّاج » أنه « كان من أهل بغداد ، وأنه كان شهما مثل الحلّاج وهو الذي أخرج كلامه للناس ضرب [ضربت] عنقه بباب الطاق بسبب ميله إلى الحلّاج ». ( 3 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 ، تاريخ بغداد 8 / 126 . ( 4 ) المنتظم 6 / 163 .
يتبع
عبدالله المسافربالله و وزير امون يعجبهم هذا الموضوع
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: سيرة الحلاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 10:48 pm
سيرة الحلاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
وذلك بزعمه أنه استدعى زوجة صاحبه السمري أو ابنته - وكانت مقيمة عند الحلّاج في سجنه مع أسرته - واستجوبها ، فذكرت ، فوق ما ذكرت من نيرنجات وحيل وأمثلة للكفر ، قولها : « وكنت نائمة ، وهو قريب مني . فما أحسست إلّا وقد غشيني ؛ فانتبهت فزعة ، فقال : إنما جئت لأوقظك للصلاة ! » « 1 » ، كل هذا وللحلّاج خمس وستون سنة . وزيادة في الحرص على ضبط صحيفة الاتهام ، حاول حامد بن العباس أن يضرب الصوفية بعضهم ببعض ، ومن هنا استدعى أبا العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الأدمي ، صديق الحلّاج وتلميذه ، بقصد إرهابه واستخلاص شهادة منه بإدانة الحلّاج ، غير أن فتوة ابن عطاء وولاءه لأستاذه حملاه على أن يواجه الوزير بقوله : « ما لك ولهذا ؟ عليك بما نصبت له من أخذ أموال الناس وظلمهم وقتلهم ! ما لك ولكلام هؤلاء السادة ؟ » « 2 » . وكانت النتيجة ، بالنسبة لابن عطاء ، معروفة ؛ فقد ضرب ضرب التلف حتى مات بعد ذلك بأسبوع « 3 » ، فسبق الحلّاج إلى الرفيق الأعلى بنحو أسبوعين أو زيادة أيام « 4 » ، فلم يشهد العذاب الفظيع الذي تعرّض له صديقه في ما بعد . وفوق هذا ، يبدو أن حامد بن العباس نقل الحلّاج من حبسه إلى بيته هو مبالغة في الحرص وزيادة في الحيطة ، وكان يفتنّ في إهانته هناك . وذكر عريب القرطبي أن حامدا « كان يخرجه إلى من حضره ، فيصفع وتنتف لحيته » « 5 » ، وفي أثناء ذلك كان حامدا « يستنطقه فلا يظهر منه ما تكرهه الشريعة المطهرة » « 6 » . .......................................................................................... ( 1 ) شذرات الذهب لابن العماد 2 / 255 ، عن ثابت بن سنان ، وترد القصة بدون هذه الواقعة في صلة عريب ( على هامش تجارب الأمم 1 / 89 ) . وذكر مسكويه أن هذه المرأة قد حميت ، و « جعلت في دار حامد إلى قتل الحلّاج » ( تجارب الأمم ، الطبعة السابعة ، 5 / 157 ) . ( 2 ) أربعة نصوص ، النص الثاني ، ص 21 . ( 3 ) أربعة نصوص ، النص الثاني ، ص 21 . ( 4 ) انظر تاريخ بغداد 5 / 30 ، حيث حقق الخطيب وفاة ابن عطاء فوجدها « لأيام خلت من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة » . ( 5 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 . ( 6 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 .
« 56 » بعد كل هذا الإعداد ، قدّم الحلّاج إلى المحاكمة بحضور حامد بن العباس نفسه ، وكانت هيئتها مكوّنة من القضاة الرسميين الكبار في بغداد : فكان رئيسها أبو عمر الحمادي ( محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق الأزدي البغدادي ، 243 - 320 هـ / 857 - 932 م ) قاضي الجانب الشرقي « 1 » ، وهو الكرخ « 2 » ، من بغداد . واختير مع أبي عمر أبو جعفر بن البهلول ( محمد بن أحمد بن إسحاق التنوخي الأنباري ) « 3 » ، ( ت 318 هـ / 930 م ) قاضي مدينة المنصور « 4 » - وهو الجانب الغربي من بغداد - منذ سنة 296 هـ / 908 م « 5 » . وشارك هذين ابن الأشناني ( أبو الحسين عمر بن مالك الشيباني ( 259 - 339 هـ / 872 - 951 م ) ، محتسب بغداد السابق « 6 » ، الذي كان قادما من مقر عمله القضائي في الشام « 7 » ليخلف ابن البهلول في منصبه « 8 » في ما يبدو . وكانت هذه الهيئة الثلاثية « 9 » مالكية برئيسها « 10 » ، حنفية بعضويها « 11 » ، و « لم يحضر الجلسة أحد من الشافعية » « 12 » ولا الحنابلة ، بالضرورة لأنهم كانوا خصوم الدولة ومعارضين لهذه المحاكمة على إطلاقها بتأثير أحمد بن عطاء الذي كان ينتمي إليهم « 13 » . ومع أن أعضاء المحكمة كانوا من مشاهير ................................... ( 1 ) تاريخ بغداد 3 / 401 ، وكان أبو عمر قاضيا لمدينة المنصور في الجانب الغربي منذ سنة 284 ه ورقي إلى هذا المنصب سنة 292 هـ وأعفي منه بعد أربع سنوات وأعيد إليه سنة 301 ه على يد علي بن عيسى الوزير ثم عين قاضيا للقضاة سنة 317 . وانظر أيضا اللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير ، مصر 1357 هـ ، 2 / 386 والعبر في خبر من غبر للذهبي ، الكويت 1960 - 61 م ، 2 / 183 . ( 2 ) تاريخ بغداد 3 / 401 . ( 3 ) تاريخ بغداد 1 / 278 ، وانظر النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3 / 228 ، وشذرات الذهب لابن العماد 2 / 276 . ( 4 ) تاريخ بغداد 1 / 278 ، وانظر النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3 / 228 ، وشذرات الذهب لابن العماد 2 / 276 . ( 5 ) تاريخ بغداد 1 / 278 ، وانظر النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3 / 228 ، وشذرات الذهب لابن العماد 2 / 276 . ( 6 ) تاريخ بغداد 11 / 237 ، وبالنسبة لاستخلافه ابن البهلول ، عيّن ابن الأشناني في هذا المنصب سنة 310 ه ولم يبق فيه غير ثلاثة أيام ( المنتظم لابن الجوزي ، 6 / 66 ) وهذا التاريخ معقول بخلاف ما حدده الخطيب البغدادي بسنة 316 ه ولعله تصحيف في المخطوط أو خطأ في الطبع . ( 7 ) تاريخ بغداد 11 / 237 ، وبالنسبة لاستخلافه ابن البهلول ، عيّن ابن الأشناني في هذا المنصب سنة 310 ه ولم يبق فيه غير ثلاثة أيام ( المنتظم لابن الجوزي ، 6 / 66 ) وهذا التاريخ معقول بخلاف ما حدده الخطيب البغدادي بسنة 316 ه ولعله تصحيف في المخطوط أو خطأ في الطبع . ( 8 ) تاريخ بغداد 11 / 237 ، وبالنسبة لاستخلافه ابن البهلول ، عيّن ابن الأشناني في هذا المنصب سنة 310 ه ولم يبق فيه غير ثلاثة أيام ( المنتظم لابن الجوزي ، 6 / 66 ) وهذا التاريخ معقول بخلاف ما حدده الخطيب البغدادي بسنة 316 ه ولعله تصحيف في المخطوط أو خطأ في الطبع . ( 9 ) انظر نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي 1 / 83 ، الكامل لابن الأثير 8 / 39 . ( 10 ) انظر الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون ( برهان الدين إبراهيم بن علي اليعمري المدني ، ت 799 ه / 1399 م ) ، ط 4 ، مصر 1351 ، ص 241 - 2 . ( 11 ) المنحنى الشخصي للحلّاج : شخصيات قلقة في الإسلام ص 76 - 77 . ( 12 ) المنحنى الشخصي للحلّاج : شخصيات قلقة في الإسلام ص 76 - 77 . ( 13 ) المنحنى الشخصي للحلّاج : شخصيات قلقة في الإسلام ص 76 - 77 .
« 57 » القضاة ، وخصوصا رئيسها أبا عمر الحمادي الذي كان مضرب المثل في العدل والحلم والنزاهة والعلم « 1 » - وكانوا يمثلون أعلى المستويات في القضاء - إلا أنه لا مفر من ملاحظة ما انطوى عليه هذا التشكيل من تحيّز وسوء نية من قبل حامد بن العباس تحقيقا لرغبته العارمة في الانتقام ، فمن المعروف أوّلا : أن المالكية لا يجوّزون توبة الزنديق أصلا بعكس غيرهم من أتباع المذاهب الأخرى « 2 » ، وكان هذا هو موقف أبي عمر في أثناء المحاكمة « 3 » . فكأنّ تعيين هذا القاضي ضمن هيئة المحكمة أريد به الحكم بالإعدام لا غيره . ومما يؤكد هذا أن الشافعيّة لم يمثّلوا في المحاكمة كما مرّ ، لسبب بسيط واضح هو قبولهم لتوبة الزنديق والحكم بإطلاق سراحه متى اعترف وتاب . والشيء الآخر في هذه المحكمة أن اختيار أبي جعفر البهلول ربّما قصد به كبح جماح ( السيدة ) والدة الخليفة من التدخل في صالح الحلّاج باعتبار موقف القاضي السابق منها في القضية المذكورة آنفا . من هنا يحتمل أن يكون اختيار أبي الحسين الأشناني - القاضي المفضّل عند السيدة نفسها - قد وقع تحت تأثيرها الشخصي ليقف في صف الحلّاج . لكن هذا القاضي وقع فريسة سهلة ، لرهبة حامد بن العباس أو رغبته ، ومال مع رأي القاضي المالكي المذكور . ويبدو أن الثمن كان قضاء الرصافة أو مدينة المنصور الذي عين فيه في ما بعد ولم يستمر فيه إلا ثلاثة أيام فقط ، وآخر ما يتصل بتحيّز هذه الهيئة أن حامدا حشد لها عددا وافرا من الشهود وكافأ رئيسهم بمنصب قضائي فخري في القاهرة « 4 » ليكون بمنجاة من انتقام أنصار .......................................................................................... ( 1 ) تاريخ بغداد 3 / 401 ، وذكر البغدادي هنا « أن الإنسان كان إذا بالغ في وصف رجل قال : كأنه أبو عمر وإذا امتلأ الانسان غيظا قال : لو أني أبو عمر القاضي ما صبرت » ( الموضع نفسه ) . انظر أيضا : العبر للذهبي 2 / 183 ؛ شذرات الذهب 2 / 386 ؛ الديباج المذهب لابن فرحون ص 241 - 242 . ( 2 ) راجع نيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار للشوكاني ( محمد بن علي بن عبد اللّه 1173 - 1250 هـ / 1760 - 1834 م ) ، الجزء السابع ، مصر 1380 ه / 1961 م ، ص 203 - 5 . ( 3 ) نشوار المحاضرة 1 / 83 . ( 4 ) المنحنى الشخصي للحلّاج : ( شخصيات قلقة في الإسلام ) ، ص 77 ) وبالنسبة للشهود وكذا الفقهاء ، انظر ابن الأثير 8 / 39 .
« 58 » الحلّاج . ومما يؤخذ على هذه المحاكمة في عمومها أنها أفرغت في قالب ديني وإن كانت في أساسها سياسية ؛ ومن هنا كان ينبغي أن تكون إسلامية دينية يومئذ . وبذلك يكون الحكم عادلا غير متحيز . أما أن يسلط على عنق المتهم حاكم ذو اتجاه معروف مقدّما فليس من العدل في شيء ولو من حيث المظهر فقط . مهما يكن الأمر ، فقد جرت محاكمة الحلّاج على أساس من استجوابه في ما نسب إليه بمراجعة أدلّة الإتّهام وفحص مستنداته التي قدّمها جميعا خصمه حامد بن العباس اعتمادا على الشهود من ناحية وعبارات الحلّاج في كتبه المشعرة بالردّة والخلاف من ناحية أخرى . ومضت الأسئلة والأجوبة واستعراض المصنّفات في صالح الحلّاج إلى أن وصل الدور إلى فقرة الحجّ ، كما وردت في أدلّة الاتّهام ، وكما نصّ عليها كتابه « الصدق والإخلاص » - الآتي في مصنّفاته ، في رأينا . ولما توقّف أبو عمر القاضي مستفسرا عن مصادرها كان جواب الحلّاج أنّه وجد حكمها في كتاب « الإخلاص » للحسن البصري « 1 » الزاهد المشهور ( ت 110 ه : 758 م ) . ومع أن .......................................................................................... ( 1 ) تجارب الأمم لمسكويه 5 / 160 ، الكامل لابن الأثير 8 / 39 ، تاريخ أبي الفداء ، طبع ليدن 2 / 342 تاريخ ابن الوردي ( عمر بن المظفر المصري ، 691 - 749 هـ / 1292 - 1349 م ) مصر 1285 هـ ، 1 / 256 الخ . . . وبالنسبة لكتاب الإخلاص المذكور ، عده الحاج خليفة ( مصطفى بن عبد اللّه الشهير بكاتب جلبي ، ت 1067 ه / 1658 م ) مصنفا تاريخيا استنادا إلى خبر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد نقلا عن النكت الوفية الذي لا يرد عنه شيء في كشف الظنون . وخلص الحاج خليفة في النهاية إلى أنه « فهذا إقرار من أبي عمرو ( كذا ) أن كتاب الإخلاص للحسن ، فهو أول مصنف مطلقا » ( كشف الظنون إسطنبول ، 1366 هـ ، 2 / 259 ) . والحق أن هذا تشكيك في الكتاب كما يأتي . ولقد ذكر الصولي ( محمد بن يحيى ، ت 335 هـ / 947 م ) بنقل ابن الجوزي ، أن هذا الكتاب « هو كتاب السنن » للحسن البصري لا « الإخلاص » ( المنتظم 6 / 163 ) وذكر ابن تيمية أنه كتاب « الصلاة » في « جامع الرسائل » له ( ص 189 ) . وفي ما يتصل بمعنى الإخلاص ذكر ابن قتيبة في عيون الأخبار ( 2 / 283 ) عن ابن عباس أنه « هكذا ، وبسط يده اليمنى وأشار بإصبعه من يده اليسرى » . وأضاف ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد ( تحقيق أحمد أمين وزميليه ، 3 / 221 ) أن ابن العباس « بسط يده اليسرى وأشار بإصبعه من يده اليمنى » . وزاد النويري في نهاية -
« 59 » الحسن البصري لم يكن ثقة في الحديث بل وصفه ابن سعد ( محمد الزهري ت 230 هـ : 844 م ) بكونه ( ليس بحجة ) « 1 » ، ووصفه الذهبي ( شمس الدين .......................................................................................... - الأرب 5 / 288 أن ابن العباس « رفع إصبعا واحدا ( كذا ) من اليد اليمنى » وهذا يعني أن الإخلاص هيئة من هيئات الدعاء تتمثل في الإشارة بالراحتين إلى السماء ويكون الابتهال منه برفع اليدين فوق الرأس وظهراهما إلى الوجه ( انظر الكتب السابقة ) ومن هنا تنقطع الأسباب بين هذا الكتاب وموضوع القضية على الإطلاق ، ولعل الصحيح أنه السنن كما ذكر الصولي آنفا . وفي ما يتصل بهذه الفكرة على إطلاقها ، ذكر أن العرب الجاهليين كان « منهم من اتخذ بيتا ومنهم من اتخذ صنما . ومن لم يقدر عليه ولا على بناء بيت ، نصب حجرا أمام الحرم ، وأمام غيره مما استحسن ، ثم طاف به كطوافه بالبيت وسموها الأنصاب . . . فكانوا ينحرون ويذبحون عندها كلها ويتقربون إليها وهم على ذلك عارفون بفضل الكعبة عليها : يحجونها ويعتمرون إليها » ( الأصنام لابن الكلبي : هشام بن محمد الكوفي ت 204 هـ / 819 - 20 م ، تحقيق أحمد تيمور ، ص 33 ) . وذكر القاضي التنوخي أن دفاتر الحلّاج تضمنت نصا يقول : « إن الإنسان إذا أراد الحج ؛ فإنه يستغني عنه بأن يعتمد ( - يعمد ) إلى بيت من داره فيعمل به محرابا ويغتسل ويحرم ويقول كذا ويفعل كذا ويصلي كذا ويطوف بهذا البيت كذا ويسبّح كذا : أشياء قد رتبها وذكرها من نفسه . قال : فإذا فرغ من ذلك فقد سقط عنه الحج إلى بيت اللّه الحرام . وهذا شيء معروف عند الحلّاجية ؛ وقد اعترف ( به ) لي رجل منهم - يقال : إنه عالم لهم - ولكن ذكر أن هذا رواه الحلّاج عن أهل البيت - صلوات اللّه عليهم - وقال : ليس عندنا أنه يستغنى به عن الحج ، ولكن يقوم مقامه لمن لا يقدر على الخروج بإضافة أو منع أو علة ، فأعطى المعنى وخالف في العبارة . ( و ) قال لي أبو الحسن : « فسئل الحلّاج عن هذا - وكان عنده أنه لا يستوجب عليه شيئا - فأقرّ به وقال : هذا شيء رويته كما سمعته ، فتعلق بذلك عليه » ( نشوار المحاضرة 1 / 82 ) ، وإن كان لهذه العبارة أصل فلعله إسماعيلي وأمارة ذلك عبارة « صلوات اللّه عليهم » التي تساق إلى الأئمة عندهم ( انظر الملحق 3 و 11 من كتاب المعز لدين اللّه للدكتور حسن إبراهيم حسن مصر 1948 م ، ص 307 - 342 ) . وقد ورد هذا الضرب من الحج عند أصحاب وحدة الوجود ؛ فقال لسان الدين بن الخطيب ناقلا كلام ابن العربي الحاتمي الطائيالحاتمي الطائي منهم : « الحج حج ثان لا يثني نفس المريد عنه ثان . طريقه التجريد وزاده الذكر وطوافه المعرفة وإفاضته الفناء .فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ. الغرام صعب المرام والدخول فيه حرام ما لم يكن فيه شروط كرام . من عرف ما أخذ هان عليه ترك » ( روضة التعريف بالحب الشريف ، ص 373 ، وانظر « رسالة الإسراء إلى مقام الأسرى » لابن العربي الحاتمي الطائي في رسائله ، حيدر آباد 1942 م - 48 ) . ( 1 ) الطبقات الكبرى ، ليدن 1917 - 28 م ، 7 : 1 / 114 .
« 60 » محمد بن أحمد التركماني ) ، ( ت 748 هـ / ت 1347 م ) بعدئذ بقوله : « مدلّس فلا يحتج بقوله عمّن لم يدركه ، وقد يدلّس عمن لقيه من بينه وبينه ، واللّه أعلم » « 1 » ، أصرّ أبو عمر القاضي على أنه رأى الكتاب المذكور في مكة ولم يكن هذا النصّ فيه « 2 » . في هذه اللحظة غضب القاضي الحليم الهادئ وأفلتت منه عبارة « يا حلّال الدم » « 3 » . فتعلق بها حامد تعلق الغريق بطوق النجاة ، ولم يفد القاضي تشاغله ولا محاولته التملّص أو الاعتذار ، وكان للوزير ما أراد . ولم يكن الحلّاج يتوقع أن يكون تسليمه بهذا النقل مدعاة للحكم عليه بالإعدام ، ومن هنا احتج بشدة وجعل يصرخ في المجلس « ظهري حمى وجسمي حرام ، وما يحل لكم أن تتأوّلوا عليّ بما يبيحه ( الدين ) . اعتقادي الإسلام ومذهبي السنّة ولي كتب في الورّاقين موجودة في السوق . فاللّه اللّه في دمي » « 4 » . وكان الحلّاج يقول هذا « والقوم يكتبون خطوطهم ، حتى كمل الكتاب بخطوط من حضر وأنفذه حامد إلى المقتدر » « 5 » . ولم يسلّم الحلّاج بهذه النتيجة وإنما تحدّى قضاته إلى المباهلة أي الملاعنة وتحكيم اللّه في المخطئ المذنب من أحد الطرفين المتنازعين « 6 » . لكن الأمر كان قد بلغ غايته ، وكان حامد بن العباس يستعجل تصديق الخليفة على الحكم وتحديد طريقة الإعدام . ولما بلغ نصرا القشوري الخبر فوجئ به ولجأ إلى السيدة والدة الخليفة محاولة منه لإلغاء ......................................... ( 1 ) تذكرة الحظاظ للذهبي ، حيدر آباد ، 1955 م ، 1 / 71 . ( 2 ) تجارب الأمم 5 / 160 وبقية المصادر المذكورة . وذكر ابن خلكان احتجاج الحلّاج وبقية الخبر على الوجه الواضح التالي : « . . . فقال لهم الحلّاج : ظهري حمى ودمي حرام ، وما يحل لكم أن تتقولوا عليّ بما يبيحه ( الدين ) . وأنا اعتقادي الإسلام ومذهبي السنة وتفضيل الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين وبقية العشرة من الصحابة - رضوان اللّه عليهم أجمعين - ولي كتب في السنة موجودة في الوراقين فاللّه اللّه في دمي . ولم يزل يردد هذا » ( وفيات الأعيان ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، مصر 1948 ، 1 / 406 ) . ( 3 ) تجارب الأمم 5 / 160 وبقية المصادر المذكورة . وذكر ابن خلكان احتجاج الحلّاج وبقية الخبر على الوجه الواضح التالي : « . . . فقال لهم الحلّاج : ظهري حمى ودمي حرام ، وما يحل لكم أن تتقولوا عليّ بما يبيحه ( الدين ) . وأنا اعتقادي الإسلام ومذهبي السنة وتفضيل الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين وبقية العشرة من الصحابة - رضوان اللّه عليهم أجمعين - ولي كتب في السنة موجودة في الوراقين فاللّه اللّه في دمي . ولم يزل يردد هذا » ( وفيات الأعيان ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، مصر 1948 ، 1 / 406 ) . ( 4 ) المرجع السابق ، المواضع نفسها . ( 5 ) المرجع السابق ، المواضع نفسها . ( 6 ) الفهرست ص 271 ، رسالة ابن القارح ( في مقدمة رسالة الغفران ط 4 ، ص 38 ) ، وانظر المباهلة في سيرة ابن هشام ، مصر 1936 م ، 2 / 222 - 33 ؛ وآية المباهلة في سورة آل عمران ( 3 : 61 ) .
« 61 » الحكم أو أستصدار عفو عن الحلّاج أو تأجيل التنفيذ فيه . وبدأ نصر هذه المحاولة بتخويف السيدة من مغبة قتل الحلّاج وقال لها : « لا آمن من أن يلحق ابنك - يعني المقتدر - عقوبة هذا الشيخ الصالح . فمنعت المقتدر من قتله فلم يقبل وأمر حامدا فأمر بقتله . فحمّ المقتدر يومه ذلك ، فازداد نصر والسيدة افتتانا . وتشكك المقتدر فيه ؛ فأنفذ إلى حامد من بادره بمنعه من قتله . فتأخر [ فأخّر ] ذلك أيّاما إلى أن زال عن المقتدر ما كان يحذر من العلة . فاستأذنه حامد في قتله فضعّف الكلام ، فقال حامد : يا أمير المؤمنين ، إن بقي قلب الشريعة وارتدّ الخلق على يده وأدّى ذلك إلى زوال السلطان ، فدعني أقتله وإن أصابك شيء فاقتلني . فأذن في قتله ، فعاد فقتله من يومه لئلّا يتلوّن المقتدر » « 1 » ، وكان تصديق المقتدر على الحكم مقترنا بصورة تنفيذه على شكل فظيع لم تجر العادة به في مثل حالة الحلّاج ، وقد استعمل فيه السوط الذي يكون في « الحدود كلّها وفي التعزير » « 2 » ، والسيف « الذي لا يقع إلّا بين كتفي زنديق » « 3 » ، والصلب الذي يكون في العادة لقطّاع الطرق والمحاربين « 4 » والنار التي نهي عنها لأنها ................................. ( 1 ) نشوار المحاضرة 1 / 83 . ( 2 ) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي أبي عبد اللّه محمد بن أحمد الأنصاري ، ( ت 567 و / 1171 - 2 م ) ، مصر 1354 - 1369 هـ / 1935 - 1950 م . وهيئة الجلد بالسوط لها أحكام ، « فالسوط الذي يجب أن يجلد به يكون سوطا بين سوطين لا شديدا ولا لينا » وأما موضع الضرب من الجسم فعند مالك أنه « لا يجزى عنده إلا في الظهر ، وأصحاب الرأي [ - الحنفية ] والشافعي يرون أن يجلد الرجل وهو واقف ، وهو قول علي بن أبي طالب ، رضي اللّه عنه » ، وقال الشافعي : « إن كان مدّه صلاحا مدّ » . وفي هذه الحالة يجرّد المضروب « إلا في حال القذف فإنه يضرب وعليه ثيابه . . . » . واختلفوا في المواضع التي تضرب من الإنسان في الحدود فقال مالك : « الحدود كلها لا تضرب إلا في الظهر وكذلك التعزير وقال الشافعي وأصحابه يتقى الوجه والفرج وتضرب سائر الأعضاء . . . واختلفوا في ضرب الرأس فقال الجمهور يتقى الرأس وقال أبو يوسف : يضرب الرأس ، وروى عن عمر وابنه مقالا : « يضرب الرأس » . أما الضرب نفسه فينبغي « أن يكون مؤلما لا يجرح ولا يبضع ولا يخرج الضارب يده من تحت إبطه وبه الحكّام . ولا يقيمه إلا فضلاء الناس وخيارهم يختارهم الإمام لذلك وكذلك كانت الصحابة تفعل » . أيضا ( 12 / 161 ) . ( 3 ) البداية والنهاية لابن كثير 11 / 135 . ( 4 ) انظر نيل الأوطار للشوكاني ( 7 / 161 ) ذلك أنهم « إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا -
« 62 » مثلة « 1 » ثم نصب الرأس والأعضاء الذي لا يكون إلّا للخارج « 2 » ، مع تنفيذ كل ذلك علنا وأمام الناس « 3 » . كل ذلك تنفيذا لتوقيع الخليفة الذي كتب في التصديق على حكم الإعدام : « إذا كان [ القضاة ] قد أفتوا بقتله وأباحوا دمه ، فلتحضر محمد بن عبد الصمد صاحب الشرطة وليتقدّم إليه بتسليمه وضربه ألف سوط . فإن تلف تحت الضرب ، وإلا ضرب عنقه » « 4 » ، وهو حكم أورد مسكويه فيه تفصيلات أخرى ، فذكر أن الخليفة ضمنّها كتابه في قوله : « . . . واضربه ألف سوط ، فإن لم يمت فتقدّم بقطع يديه ورجليه ثم اضرب رقبته وانصب رأسه وأحرق جثته » « 5 » . وإذ كان محمد بن عبد الصمد ، صاحب الشرطة ، يتخوّف من أنصار الحلّاج ويخشى « أن ينتزع من يده » « 6 » ، « وقع الاتفاق على أن يحضر بعد العتمة ( إلى دار حامد بن العبّاس حيث كان معتقلا ) ومعه جماعة على بغال موكفة يجرون مجرى السّاسة ، وليجعل [ الحلّاج ] على واحد منها ويدخل في غمار القوم » « 7 » . وانتهى الأمر بأن نفّذت هذه الخطة ، و « ركب غلمان حامد ................................................... - وصلبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض . . » اما مدة الصلب فالرأي فيه كثير فقوم رأوا أن يستمر « حتى تنتثر عظامه » وآخرون أن يكون « حتى يسيل صديده » وقال بعض أصحاب الشافعي : « ثلاثا في البلاد الباردة وفي الحارة ينزل قبل الثلاث » ( أيضا : 7 / 165 ) . ( 1 ) أيضا 7 / 164 . ( 2 ) العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي ( أحمد بن محمد المرواني ت 328 ه / 940 م ) ، مصر 1948 - 1953 م ، 4 / 461 - 2 . ( 3 ) وذلك تحقيقا لقوله تعالى في الزانيين« وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ »( النور 24 : 2 ) وعليه قيس غيره من الحدود ، والحكمة فيه مختلفة وقد أورد القرطبي لذلك الإغلاظ على الزناة والتوبيخ بحضرة الناس وأن ذلك يردع المحدود وأن من شهده وحضره يتعظ به ويزدجر لأجله » الخ . . . ( الجامع لأحكام القرآن 12 / 164 ، 167 ) . ( 4 ) أربعة نصوص ، نص ابن زنجي ، 1 / 12 . ( 5 ) تجارب الأمم ، 5 / 160 . ( 6 ) المنتظم 6 / 163 - 4 وفيه العبارة واضحة ، وهي مصحفة في تجارب الأمم 5 / 160 . ( 7 ) المنتظم 6 / 163 - 4 وفيه العبارة واضحة ، وهي مصحفة في تجارب الأمم 5 / 160 .
« 63 » معه حتى أوصلوه إلى الجسر » ، مكان الإعدام « 1 » ، وكان ذلك ليلة الثلاثاء لست بقين من ذي القعدة « 2 » . أما الحرّاس « فباتوا مجتمعين حوله » « 3 » . وأمّا الحلّاج ، فلمّا أصبح الصباح « أخرج ليقتل ؛ فجعل يتبختر في قيده وهو يقول ( بقول أبي النواس ) : نديمي غير منسوب * إلى شيء من الحيف سقاني مثل ما يشر * ب فعل الضيف بالضيف فلما دارت الكسا * س دعا بالنّطع والسيف كذا من يشرب الرا * ح مع التنّين في الصيف » « 4 » وقبل أن يفوت الأوان ينبغي أن نلفت الأذهان إلى حقيقة غابت عن كثير من المصنّفين قدماء ومحدثين . ذلك أن الحلّاج لم يؤاخذ على عبارته المشهورة « أنا الحق » ، كما يتوهم الكثير وهي العبارة التي قيل : إن الجنيد البغدادي تنبأ له بالقتل بسبب صدورها عن الحلّاج - بل يبدو من سياق المحاكمة من تصوير كتب التاريخ والتصوّف لها أنّ أشياء أخرى فقهية في الظاهر وسياسية في الواقع هي التي أودت بحياة الجلاج . ومما يجلو هذه المسألة أنّ الحلّاج نفسه ظلّ متشبثا بقوله « أنا الحق » في « الطواسين » - وهو الكتاب الذي ألّفه في أخريات أيّامه حين كان سجينا في دار السلطان - كما يأتي في فقرة مصنّفاته . وقد قال الحلّاج في الطواسين : « تناظرت مع إبليس وفرعون في الفتوّة ؛ فقال إبليس : إن سجدت سقط عنّي اسم الفتوّة ، وقال فرعون : إن آمنت برسوله سقطت من منزل الفتوّة . وقلت أنا : إن رجعت عن دعواي سقطت من منزل الفتوّة وقال إبليس : أنا خير منه حين لم يراء ( ير ) غيره غيرا ، وقال فرعون : ما علمت لكم من إله غيري ، حين لم يعرف في قومه من يميّز بين الحقّ والباطل . .......................................................................................... ( 1 ) تجارب الأمم 5 / 161 . ( 2 ) المنتظم 6 / 164 ، وانظر تجارب الأمم أيضا : 5 / 161 . ( 3 ) المنتظم 6 / 164 ، وانظر تجارب الأمم أيضا : 5 / 161 . ( 4 ) أيضا : 6 / 164 ، وراجع باب « أشعار تنسب إلى الحلّاج » في آخر الديوان .
« 64 » وقلت أنا إن لم تعرفوه فاعرفوا آثاره ، وأنا ذلك الأثر وأنا الحق ، لأنيّ ما زلت أبدا بالحقّ حقا » . ( ص 50 - 51 ) . ومع أن الحلّاج ذكر بنفسه أنه طالما اتّهم بالزندقة في قوله : « المنكر في دائرة البرّاني وأنكر حالي حين لم يراني ( يرني ) وبالزندقة سمّاني وبالسوء رماني » ( الطواسين ، ص 29 ) ، لم يرد في محاضر المحاكمة شيء يتّصل بمسؤوليته عن تلك العبارة ولا هذا الرأي . والنتيجة أن الموت صار الحكم على هذا الصوفي المتّهم . وبرز الحلّاج إلى ساحة الإعدام في رحبة الجسر « 1 » بباب خراسان « 2 » في الجانب الغربي من بغداد « 3 » ، شيخا في الخامسة والستين « ابيض الشعر واللحية . . . له علامة في رأسه هي ضربة » « 4 » . « واجتمع عليه خلق كثير » « 5 » ، وتقدّم الحلّاج فصلى الركعتين اللتين سنّهما خبيب بن عديّ قبل القتل في الإسلام الأول « 6 » ، « فقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وبعدها :( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ ، وَالْجُوعِ )( الآية البقرة 2 : 155 ) ، ثم في الثانية فاتحة الكتاب وبعدها :( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ )( الآية آل عمران 3 : 185 ) « 7 » . ومبالغة في التعذيب « تقدم أبو الحارث السيّاف فلطمه لطمة هشّم بها وجهه وأنفه » « 8 » ، ثم ضرب نحوا من ألف سوط « 9 » . ؛ فلمّا لم يمت « قطعت .......................................................................................... ( 1 ) صلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي ، ليدن 1897 م ، ص 86 . ( 2 ) المنحنى الشخصي للحلّاج ، شخصيات قلقة في الإسلام ، ص 77 ، ويذكر الدميري أن ذلك قد تم بباب الطاق ( حياة الحيوان 1 / 245 ) [ - وموضعه مدينة الأعظمية من ضواحي بغداد الجنوبية الحالية حيث مشهد الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت ، ت 150 ه / 667 م ] . ( 3 ) تاريخ بغداد 8 / 27 أربعة نصوص : نص ابن زنجي ، ص 12 . ( 4 ) الفهرست ص 270 . ( 5 ) حياة الحيوان للدميري 1 / 45 . ( 6 ) شرح لامية العجم للصفدي 2 / 181 . ( 7 ) حياة الحيوان 1 / 245 عن مفاتيح الكنوز لعز الدين بن عبد السلام . ( 8 ) تاريخ بغداد 8 / 127 ، والمراجع الأخرى تحدّد السياط بألف عدا . ( 9 ) تاريخ بغداد 8 / 127 ، والمراجع الأخرى تحدّد السياط بألف عدا .
« 65 »
يده ثم رجله ثم رجله الأخرى ثم يده » « 1 » . ثم « ضربت عنقه وأحرقت جثته » « 2 » ، « فلما صار رمادا ألقي في دجلة » « 3 » . كل ذلك « دون أن يتأوّه » « 4 » « ونصب رأسه للناس على سور السجن الجديد » « 5 » « المعروف بالمترف » « 6 » « وعلقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه » « 7 » . « وفي يوم الاثنين سلخ ذي القعدة ، أخرج رأس الحسين بن منصور الجلاج من دار السلطان ليحمل إلى خراسان » « 8 » ، « لأنه كان له بها أصحاب » « 9 » . ثم ظلت الشرطة تلاحق أنصاره إلى سنة 312 هـ / 924 - 5 م ، حين أحضر « في مجلس الشرطة ببغداد . . . ثلاثة نفر من أصحاب الحلّاج ، وهم حيدرة والشعراني وابن منصور » « 10 » . فطالبهم « نازوك بالرجوع عن مذهب الحلّاج ، فأبوا فضرب أعناقهم ثم صلبهم في الجانب الشرقي من بغداد ، ووضع رؤوسهم على سور السجن في الجانب الغربي » « 11 » . وينبغي أن نذكر هنا ، وقبل أن تفوت الفرصة ، أنّ الحلّاج قد برّ بوعده للّه لمّا تعهّد ببذل دمه في سبيله حين قال : « تهدى الأضاحي وأهدي مهجتي ودمي » . وكان يريد بذلك أن يضرب مثلا نادرا في الفتوة ضرب هو عليه إبليس .......................................................................................... ( 1 ) تاريخ مختصر الدول لابن العبري ( أبي الفرج غريغوريوس بن آهرون الملطي ، ت 685 هـ / 1286 م ) بيروت ، 1890 م ، ص 156 ، والمصادر الأخرى تقول : « قطعت يداه ورجلاه » ويقول ابن الأثير بقطع يده ثم رجله ثم يده ثم رجله ( الكامل 8 / 39 ) . ( 2 ) التنبيه والإشراف للمسعودي ، مصر 1346 هـ ، ص 335 . ( 3 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 . ( 4 ) أيضا : 8 / 39 ، تاريخ مختصر الدول ص 156 . ( 5 ) تاريخ بغداد 8 / 127 . ( 6 ) التنبيه والإشراف للمسعودي ، ص 335 . وكان في دار الخلافة خزانة تحفظ فيها الرؤوس وقد احترقت سنة 601 هـ / 1204 م ، وكان فيها رؤوس كثيرة من جلة المعدمين ( انظر مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي ، 8 / 523 ) . ( 7 ) تاريخ بغداد 8 / 127 . ( 8 ) المنتظم لابن الجوزي 6 / 167 . وقد وردت هذه الواقعة في حوادث سنة 310 هـ ، والصواب أنها في السنة التي قبلها . ( 9 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 . ( 10 ) المنتظم 6 / 189 . ( 11 ) المنتظم 6 / 189 .
« 66 » وفرعون مثلين صارخين لمّا رفض الأول السجود لآدم ورفض الثاني الاعتراف بنبوّة موسى كما مرّ . وقد أراد الحلّاج بذلك وبقوله : « على دين الصليب يكون موتي » أن يكون هو المثل ، الثالث الذي يضرب على التضحية والفداء وأن يتقدم على المسيح ( ع ) في ذلك لأنّ الحلّاج صبر على المحنة ولم يتأوه ، والمسيح ( ع ) قد جزع وهو على الخشبة فدعا اللّه في ألم وضيق صدر قائلا : « إيلي ، إيلي ، لمّا شبقتني ، أي : إلهي ، إلهي لماذا تركتني » « 1 » . ومن هنا ذكر عن الحلّاج أنه « لما أتي ليصلب ورأى الخشب والمسامير ضحك كثيرا » . وذكر أنه قال : « إلهي أفنيت ناسوتيّتي في لاهوتيّتك « 2 » ، فبحقّ ناسوتيّتي على لاهوتيّتك أن ترحّم على ( كذا ) من سعى في قتلي » « 3 » . وبعد قتل الحلّاج « أحلف الورّاقون ألا يبيعوا شيئا » « 4 » . من كتبه « ولا يشتروها » « 5 » . خلف الحلّاج : وذهب الحلّاج وخلّف وراءه زوجة وآلهة ، وأولادا نعرف منهم ابنه سليمان الذي وعد أبوه ابنة السمري بتزويجها منه ، وأحمد ( أو حمد ) الذي روى أخباره ، وعبد الصمد الذي ذكر أنه كان السبب في تأسيس الطريقة الحلّاجية « 6 » ! وابنة جاء ذكرها في خبر الفتاة المذكور في صلة عريب على .......................................................................................... ( 1 ) إنجيل متى 27 : 26 ، مرقس 15 : 24 ، وانظر مقالا للدكتور فؤاد حسنين ، بعنوان : « إلهي إلهي ، لماذا تركتني » في جريدة الأخبار القاهرية عدد يوم 25 / 4 / 1970 ص 12 . ( 2 ) حياة الحيوان للدميري 1 / 245 ، عن مفاتيح الكنوز لعز الدين بن عبد السلام . ( 3 ) مرصاد العباد من المبدأ إلى المعاد لنجم الدين الرازي ( أبي بكر عبد اللّه بن محمد بن شاهاور الأسدي ، ت 645 هـ / 1247 م ) ، طهران 1377 هـ ص 189 وهي عبارة تذّكر بقول المسيح ( ع ) « لما مضوا به إلى الموضع الذي يدعى جمجمة صلبوه هناك مع المذنبين واحدا عن يمينه والآخر عن يساره فقال يسوع : يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون . . . » ( إنجيل لوقا الأصحاح 23 الآية 33 ، 34 ) . وهذا المعنى ورد على لسان النبي ( ص ) في قوله : « رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون » ( البخاري ، أنبياء ، الطبعة الأولى 54 ، مرتدين 5 ، صحيح مسلم ، جهاد 104 ، سنن ابن ماجة فتن 23 ، مسند ابن حنبل 1 / 380 ، 427 ، 432 إلخ . . . ) . ( 4 ) تجارب الأمم تحقيق ه . ن . أمدروز ، مصر 1334 هـ / 1914 م ، ص 82 . ( 5 ) تجارب الأمم تحقيق ه . ن . أمدروز ، مصر 1334 هـ / 1914 م ، ص 82 . ( 6 ) انظر « السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين » لمحمد بن علي السنوسي المؤسس -
« 67 » هامش تجارب الأمم ( 1 : 86 ) ، وأختا جميلة كانت تحتقر الرجال ولا تحتجب منهم « 1 » ، وتقول : « الحلّاج نفسه نصف رجل لإفشائه الأسرار الإلهية ، فكيف بباقي الرجال » « 2 » . ومن الاكتشافات التي أعتز بها حقا أني التقيت في أثناء إيفادي إلى كلية الآداب بجامعة الإسكندرية في السنة الجامعيّة 1967 - 68 م بأخ فلسطيني من خريجي قسم الجغرافية بهذه الكلية سنة 1967 م تسمّى لي فإذا هو يحمل لقب « الحلّاج » ، وكان ذلك في الثاني من نيسان ( أبريل ) 1968 م . وسألته عن معنى اللقب فذكر أنه ينتمي إلى الحسين بن منصور الحلّاج ، وأن الأسرة كانت تحتفظ بشجرة نسبها عند « علي أحمد الحلّاج » في قلقيلية في الأردن فضاعت بوفاته . والأخ الفلسطيني المذكور هو محمد شريف ( بن سعيد بن أحمد بن صالح بن حمّودة بن مصطفى الحلّاج ) ويعمل مدّرسا في مدرسة الجهراء المتوسطة للبنين في الجهراء بالكويت . وبناء على رجائي بعث إلي برسالة .......................................................................................... - ( 1202 - 1276 هـ ، 1787 - 1860 م ) ؛ مطابع دار الكتاب اللبناني ، بيروت 1388 ه / 1968 م ص 37 ) ووصف السنوسي الحلّاج بأنه « صاحب الخرقة شطاح العراق رئيس السكارى والعشاق سيدي أبو المغيث حسين بن منصور بن أبي بكر الأنصاري الحلّاج رحمه اللّه وأثابه ، ووصفه قبل هذه السطور بالإمام ووصف طريقته بأنها « طريقة السادة الحلّاجية باعتبار أن « مبناها على الجمع باللّه ويتعلمون في تحصيله بذكر الجلالة بعد طرح الألف واللام منها وتحريك الهاء بالحركات الثلاث [ لاه ، لاه ، لاه ! ] ويضرب بالمضمومة على اليمين والمفتوحة على اليسار والمكسورة على القلب » . وزاد السنوسي بأن هذا الذكر « فوائده كثيرة » واستدرك بأنه « إلا أنه لا يجوز الذكر به إلا في الخلوة لعالم بالمدرك . وقال : هذا وقد علا [ الصحيح غلا ] كثير من المنتسبين إلى هذه الطائفة في المشرب فأفشوا كثيرا مما يجب كتمانه حتى اغتر به طائفة خذلهم اللّه تعالى ، والعياذ باللّه من مكره » ( ص 37 ) . ( 1 ) مرصاد العباد من المبدأ إلى المعاد لنجم الدين الرازي ، الباب الثاني ، الفصل الثالث . وانظر تاريخ إيران للسير جون مالكولم وترجمة ميرزا حيرت ( إلى الفارسية ) ، الهند 1323 ه / 1905 م ، ص 204 . ( 2 ) تاريخ كزيدة لحمد اللّه المستوفي القزويني ( ت 750 ه / 1349 - 50 م ) طبعة مصورة بليدن ، 1328 هـ / 1910 م ، ص 776 .
« 68 » لاحقة في الثاني عشر من كانون الأول ( ديسمبر ) سنة 1968 م ألحق بها ثمرة جهده في جمع الأخبار المشتّتة عن الأسرة والمنتمين إليها الذين ينتشرون في العالم العربي كله ومنهم جماعة في أمريكا أيضا . وقال في رسالته المذكورة : « فقد قمت بذلك متفهّما لأسلوب البحث والدراسة والاستقصاء » ، وقال : « وكم كنت أود أن أوافيك بصورة عن المخطوطات وشجرة العائلة التي كانت محفوظة عند عمي الأكبر ولكن لم نعثر لها على أثر ، فقد لعبت نكبة فلسطين سنة 1948 م دورا في تشتيت أبناء شعب فلسطين وإضاعة الكثير من التراث . . . ولعدم اهتمام من توارثوا تلك المخطوطات وكتب الحسين بن منصور الشهيد ، لذلك فقد ضاعت بين النكبة وعدم الاهتمام ولكن حفظنا قصة حياة الشهيد الحلّاج الجد الأكبر جيلا بعد جيل بالسماع وبما كان يقرؤه الكبار من الكتب للصغار » . وقد أرفق الأخ محمد شريف سعيد الحلّاج برسالته ، تلك كتيبا صغيرا عنوانه « قصة حسين الحلّاج وما جرى له مع علماء بغداد » من مطبوعات المكتبة الأدبية بحلب ، دون تاريخ ، وقد ورد على الغلاف أن هذه الرسالة « نقلت عن نسخة خطّية قديمة » . وهذه الرسالة مما غفل عنه ماسينيون وتتضمن رواية شعبية لقصة شهيد الصوفية ؛ وقد استعملناها في تحقيق بعض الأشعار التي وردت مصحّفة في المصادر الأخرى ، وأكملنا منها بعضها الآخر ، واستخرجنا منها مادة للأشعار التي تنسب إلى الحلّاج وهو أحد الملحقين اللذين ألحقناهما بالديوان . أما نتيجة بحث الأخ الحلّاج ، التي ضمّنها ورقتين منفصلتين ، فيسرنا أن نثبتها في ما يلي بنصها : « أستاذي الفاضل ، لقد هاجر أحفاد الحسين بن منصور الحلّاج من العراق إلى مصر وعاش غالبيتهم في القاهرة. ومن القاهرة هاجر حسين السيد حمّودة الحلّاج وأخوه محمد إلى برّ الشام ( فلسطين ) حيث نزل الحسين قرية قلقيلية . أمّا أخوه محمد السيد حمّودة فنزل قرية ( المغار ) من قرى قطاع غزة ، ومن
« 69 » هنا كان مركز أفراد العائلة في هاتين البلدتين في فلسطين . وفرع آخر من العائلة سكن في القرى المجاورة لمدينة يافا ، وهم الآن ( كذا ) بعضهم عاد إلى القاهرة حيث يسكنون العباسية ومنهم جماعة تسكن الزرقاء بالأردن بعد نكبة 1948 م التي أثّرت في أبناء شعب فلسطين وانتشارهم . والآن يوجد تركّز لأبناء العائلة في جبل الهاشمي ( مدينة عمان ) وفي مدينتي الزرقاء ، والرمثا بالأردن . وفي مدينة بغداد يوجد محمد خيري علي الحلّاج ، وفي أمريكا بولاية فلوريدا الدكتور محمد يوسف الحلّاج ، وهو منذ 13 سنة أستاذ في جامعة جاكسون قيل ، وآخرون في ألمانيا الغربية ويوغوسلافيا . وجميع هؤلاء أحفاد الحسين بن السيد حمّودة الحلّاج الذي أنجب من الأولاد ثلاثة هم : يوسف وصالح ومحمد ، ومن نسلهم كان أفراد العائلة في قلقيلية وفي الأردن . والابن الثالث لصالح بن الحسين السيد حمّودة ( محمد ) كان يرحمه اللّه مثالا للصلاح والتقوى ، يحترمه جميع أبناء البلد منذ صغره إلى أن توفي شيخا وقورا دون أن يتزوج ، زاهدا بالحياة الدنيا ، ولحب واحترام العائلة له فقد أطلق اسمه على العديد من أبناء العائلة . ويقال عن شيخ آخر من أفراد العائلة - وهذا سمعنا قصته بعد النكبة ونحن نعيش في مدينة إربد - فقد علمنا أنه كان يعيش في قرية الطيبة بني علوان في غور الأردن وكان وحيدا يعمل في أرضه ، ومتدينا يعيش في منزل في أرضه ، بعيدا عن منازل القرية يتعبد . وبعد موته أقيم له ضريح . ولعدم وجود وريث له ، قسّمت الأرض بين جيرانه . ومحدّثنا أخذ نصيبه من ذلك . وهو برغم كبر سنه يذكر ذلك الرجل الحلّاج وتقواه . ومن المتصوفين المرحوم مصطفى الحلّاج الذي عاش في قرية رمانة إلى الشمال من الطيبة في فلسطين وعاش متعبدا دون أن يتزوج . ومن نساء العائلة المتصوفات : عائشة بنت صالح بن الحسين الحلّاج التي عاشت متدينة تعشق الوحدة وتقوم الليل إلى الفجر .
« 70 » ومن أسما النساء : ناعسة ، جميلة ، لطيفة ، فاطمة ، خديجة ، ظريفة ، عزيزة ، صبحة ، عائشة . ومن أسماء الرجال : صالح ، محمد ، أحمد ، سعيد ، يوسف ، إبراهيم ، حسن ، مصطفى ، عبد الكريم ، عبد اللطيف ، عبد الهادي ، عبد اللّه ، خليل ، سعد الدين ، ونعيم الذي يسير على درب التصوّف وهو لا يزال في العقد الثالث من العمر ؛ ويصوم الأشهر الثلاثة ، رجب وشعبان ورمضان كل عام ، غير الأيام المتفرقة ، ويقوم بالصلاة في أوقاتها وبالزكاة ويقوم الليل وذلك معروف عنه في الرمثا حيث يعيش . وقد أوردت الرأي عن شيخ المسجد والقاضي الشرعي في تلك البلد ( كذا ) ، ونأمل أن يوفّقه اللّه على طريق حبّ الذات الإلهية . ومن أفراد العائلة يوجد فروع : في مدينة حلب بسوريا منهم مصطفى الحلّاج والمحامي وجيه الحلّاج . وفي مدينة دمشق محمد الحلّاج في الجيش العربي السوري . وفي مركز بلبيس في المحافظة الشرقية ج . م . ع . بالإضافة إلى ما ذكرنا سابقا . وليسدّد اللّه خطاكم على طريق الخير . محمد شريف سعيد أحمد صالح حسين السيد حموّدة الحلّاج الجهراء - الكويت 12 - 12 - 1968 م »
* * *
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: مصنفات الحلّاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 10:49 pm
مصنفات الحلّاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد
مصنفات الحلّاج خلّف الحلّاج عددا من الكتب التي نوّه عنها في المحاكمات ومنع تداولها بعدها ، وقد ذكر ابن النديم قائمة بها ندرجها في ما يلي عن طبعة ليبزج 1872 م ، ص 192 ، وطبعة مصر ، ص 271 . 1 - كتاب طاسين الأزل والجوهر الأكبر والشجرة النورية ، ويبدو أنه كتاب الطواسين الذي نشره ماسينيون سنة 1913 م محققا عن نسخ مخطوطة في إسطنبول ولندن مع حواش منقولة من كتاب روزبهان البقلي « شرح شطحيات » الآتي في الديوان . 2 - كتاب الأحرف المحدثة والأزلية والأسماء الكلية . 3 - كتاب الظلّ الممدود والماء المسكوب والحياة الباقية ( في تفسير قوله تعالى :( وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَماءٍ مَسْكُوبٍ وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ . . . )( الواقعة 56 : 30 - 32 ) ، في صفة أهل الجنة وحياتهم الباقية ) . 4 - كتاب حمل النور والحياة والأرواح . 5 - كتاب الصيهور « 1 » ( في نقص الدهور ) ( في علم الحروف .......................................................................................... ( 1 ) في طبعة ليبزج وردت « الصيهور » على « الصهيون » وفي طبعة مصر « الصهيور » والتصحيح من حواشي الطواسين « ص 142 » حيث أشار ماسينيون إلى وروده في كتاب « سلام الوصول » لحاجي خليفة ، مخطوط مكتبة شهيد علي بإسطنبول رقم 1887 باعتباره كتابا في علم الحروف والطلسمات والسيمياء والكيمياء ، وواضح أن المقصود من السجعة « الصيهور » لا غيرها . ومعروف أن هذا الكتاب قد ضاع لكن ماسينيون أحال على فقرة منه وردت في مقدمة -
« 72 » .......................................................................................... - كتاب قناطر الخيرات للجيطالي ( أبي طاهر إسماعيل بن موسى النفوسي ، ت 750 هـ / 1349 م ) وحدد مكانها بالصفحتين 3 و 4 من جزئه الأول . وواضح أن ماسينيون يشير إلى نسخة مطبوعة هي التي طبعها الشيخ محمد يوسف الباروني في المطبعة البارونية بمصر سنة 1307 ه / 1890 م وإلى ذلك أشار عمرو خليفة التامر محقق الطبعة الجديدة ( مصر ، مكتبة وهبة ، 1965 م ، المقدمة 1 / 2 ) لكن نص العبارة غير محدد إلا بقول ماسينيون في صفة الجيطالي بأنه « أعاد استعمال مقدمة كتاب الصيهور للحلّاج في رأس كتابه قناطر الخيرات » . [ حياة الحلّاج بعد موته ، لماسينيون ترجمة أكرم فاضل « مجلة المورد » البغدادية ، المجلد الأول ، العدد 3 ، 4 ، 1972 م ، ص 64 ب . ] وإذا صح ذلك فلا بد أن المقصود بهذه الفقرة النص السابق على عبارة « أما بعد » ( في قناطر الخيرات 1 / 2 ) وننقل هنا نصها إتماما للفائدة وإن كان الأمر يحتاج إلى مزيد من التحقيق . نص العبارة : « الحمد للّه المتوحد بالألوهية والكبرياء ، المنفرد ( المتفرد ) بالديمومة والبقاء ، المتقدس عن نقائص العاهات ، تعالى عن العيوب والآفات . خلق كل شيء فقدره ، واخترع الإنسان وصوره . خضع كل شيء لهيبته ، وتواضع كل شيء لعظمته ، وذلّ كل شيء لعزته ، واستسلم كل شيء لجبروته . لم يزل عالما بجميع المحدثات على ما هي عليه من الصفات : من تفاصيل أجناسها ومجاري أنفاسها ، قبل وجود أعيانها وجريان أزمانها . شاءها الحكيم في أزليته فظهرت على وفق مشيئته ، ليس له شريك في إنشائها ولا ظهير في إيجادها . أنشأها لا من شيء معه موجود ، وأتقنها على غير مثال معهود . اخترعها دلالة على قدرته ، وتحقيقا لما في إرادته ، وما خلق الجن والإنس إلا لعبادته . عالم في الآزل لما هم عاملون ، وبآجالهم التي إليها ينتهون ، وبأرزاقهم التي هم لها آكلون ؛ فهم لما علم منهم منقادون ، وعلى ما سطر في كتابه المكنون ماضون . فجميع ما وجد بعد العدم من الأشياء والأمم فقد سبق به من اللّه القضاء ، وجف به القلم . فالآجال محدودة والأنفاس معدودة ، والأرزاق مقسومة ، والأعمال محتومة ، والآثار محسوبة ، وفي اللوح مكتوبة . لا يستأخر شيء عن أجله ولا يسبقه قبل حلول محله ، ولا يفوت أحدا رزقه المقسوم ، ولا يتعدى ما قدر له في أمره المحتوم . سبقت كلمته الحسنى لعباده المرسلين وأوليائه المخلصين كما حق القول منه لأعدائه الغاوين : كل ميسّر لما خلق له ولا يتجاوز ما وقت له . يعلم ما تكنّ صدورهم وما يعلنون ، وإذا قضى أمرا فإنما يقول له : كن فيكون . أحمده حمد من أخلص له الإبانة وأدعوه دعاء مؤمّل من الإجابة ، وأشهد أن لا إله إلا اللّه الملك المحمود ، الذي ليس بوالد ولا مولود . وأشهد أن محمدا عبده المرتضى ورسوله المصطفى أرسله إلى الثقلين بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى اللّه بإذنه وسراجا منيرا ، فبلّغ به رسالة ربه ، ناصحا لأمته حتى أتاه من ربه اليقين ، بعد كمال الدين . صلى اللّه عليه وعلى آله الطيبين الأخيار ، وأصحابه المهاجرين والأنصار ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم تشخص فيه الأبصار » . [ قناطر الخيرات 1 / 1 - 2 . ]
« 73 » والطلسمات والكيمياء « 1 » الذي كان أبو عبد الرحمن السلمي ( محمد بن الحسين بن موسى النيسابوري ، ت 412 ه / - 1022 م ) يملك نسخة منه في نيسابور « 2 » . 6 - كتاب تفسير : قل هو اللّه أحد . 7 - كتاب الأبد والمأبود . 8 - كتاب القرآن والفرقان والقرآن هو الاقتران ، ويبدو أنّه بحث في معنى القرآن المتصل بالقراءة ومعنى الفرقان المتصل بمعنى الفصل وبيان الحدود الواضحة بين الحق والباطل . 9 - كتاب خلق الإنسان والبيان « 3 » . 10 - كتاب كيد الشيطان وأمر السلطان « 4 » . 11 - كتاب الأصول والفروع . 12 - كتاب سرّ العالم والمبعوث . 13 - كتاب العدل والتوحيد « 5 » . .......................................................................................... ( 1 ) هذه العبارة من الحاشية المشار إليها . ( 2 ) انظر تاريخ بغداد 2 / 249 . ( 3 ) لعله كتاب« خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ »باعتباره تفسيرا لهذه الآية ( الرحمن 55 : 4 ) وهو موضوع أكثر الحلّاج من الكتابة فيه كما يبدو . ( 4 ) لعله في تفسير سورة يوسف في ما يتصل بقوله تعالى :( لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ ، فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً )( آية : 5 ) وكون يوسف قد غدا عزيز مصر . ( 5 ) لعل هذا الكتاب في نقض رأي المعتزلة الذين جعلوا عقيدتهم في هاتين الفكرتين ، وربما كان الكتاب في تصحيح الفكرة أو تناولها تناولا آخر لما عرف عن الحلّاج من محاولة لتكوين عقيدة كلية تعم التقاليد كلها . ومهما يكن الأمر فقد ذكر ابن الجوزي ، -
« 74 » 14 - كتاب الساسة والخلفاء والأمراء « 1 » ، الذي نرجّح أنه كتبه لعلي ابن عيسى الوزير ، وقد وجد في خزانة كتبه كما مرّ . 15 - كتاب علم البقاء والفناء ( في التصوف ) . 16 - كتاب شخص [ لعله تشخص ] الظلمات . 17 - كتاب نور النور . 18 - كتاب المتجليّات ( لعله التجليات ) . 19 - كتاب الهياكل والعالم والعالم . 20 - كتاب مدح النبي والمثل الأعلى . 21 - كتاب الغريب الفصيح ( لعله في اللغة ) . 22 - كتاب اليقظة وبدء الخلق . 23 - كتاب القيامة والقيامات . 24 - كتاب الكبر والعظمة . 25 - كتاب الصلاة والصلوات . 26 - كتاب خزائن الخيرات ، ويعرف بالألف المقطوع والألف المألوف « 2 » . .......................................................................................... نقلا عن الصولي - وهو خصم للحلّاج - أنه قال : « رأيت الحلّاج وخاطبته ، فرأيته جاهلا يتعاقل وغبيا يتبالغ ( لعلها يتذاكى ) وفاجرا يتزهد . وكان ظاهره أنه ناسك صوفي ؛ فإذا علم أن أهل بلد يرون الاعتزال صار معتزليا أو يرون الإمامة صار إماميا . . . أو رأى أهل السنة صار سنيا . . . وكان ينتقل في البلدان » ( المنتظم 6 / 161 ) واللّه أعلم . ( 1 ) كتاب الساسة ( لا السياسة ) ليناسب ( الخلفاء والأمراء ) بعد . ( 2 ) يذكر هذا العنوان بكتاب « عطف الألف المألوف على اللام المعطوف » لأبي الحسن الديلمي ( علي بن محمد من رجال القرنين الرابع والخامس الهجريين - العاشر والحادي عشر الميلاديين ) الذي حققه ج . ك . قاديه وطبعه في مطبعة المعهد الفرنسي بالقاهرة سنة 1960 م . وترد في كتاب عطف الألف المذكور أخبار عن الحلّاج وهو من المراجع التي لم يطلع عليها ماسينيون . والظاهر أن كتاب الحلّاج المذكور هو « الألف المعطوف والألف المألوف » فجاء الديلمي واستعار الصيغة معدلة .
« 75 » 27 - كتاب موابيد ( لعلّه مواجيد ) العارفين . 28 - كتاب خلائق القرآن الاعتبار . 29 - كتاب الصدق والإخلاص « 1 » . 30 - كتاب الأمثال والأبواب . 31 - كتاب اليقين . 32 - كتاب التوحيد . 33 - كتاب« النَّجْمِ إِذا هَوى »( في تفسير هذه الآية ، بحذف الواو من أوّلها ( سورة النجم 53 : 1 ) ، وخصوصا بقية معناها :( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (إلخ ) . 34 - كتاب« الذَّارِياتِ ذَرْواً »( في تفسير سورة الذاريات : رقم 51 وخصوصا قوله تعالى :( إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ )( الذاريات 51 : 5 ، 6 ) كما يبدو لنا ) . 35 - كتاب في« إِنَّ الَّذِيأنزلالْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ »( لعله في الرجعة ) وصحة الآية بالفعل« فَرَضَ عَلَيْكَ »لا « أنزل » ( القصص 28 : 85 ) . 36 - كتاب الدرة إلى نصر القشوري . 37 - كتاب السياسة إلى الحسين بن حمدان . 38 - كتاب هو هو . .......................................................................................... ( 1 ) يذكّر هذا العنوان بما ورد من أخبار محاكمة الحلّاج من أنه أحال إلى كتاب الإخلاص للحسن البصري باعتباره مصدرا للمادة التي ذكرها عن إمكان الاستغناء عن الحج بطريقة أخرى غير شدّ الرحال إلى مكة المكرمة . وقد ذكر أن المصدر كان « كتاب السنن » للحسن البصري وكذا كتابا شيعيا إسماعيليا . والظاهر - واللّه أعلم - أن الحلّاج كان يحيل على كتابه هذا الذي ضمّنه تخريجات أخباره وأسانيده .
« 76 » 39 - كتاب كيف كان وكيف يكون . 40 - كتاب الوجود الأوّل . 41 - كتاب الكبريت الأحمر « 1 » . 42 - كتاب السّمري وجوابه معروف أن السّمري من أتباع الحلّاج وكانت ابنته مع أسرة الحلّاج في السجن ، وهي التي شهدت عليه . 43 - كتاب الوجود الثاني . 44 - كتاب « لا كيف » . 45 - كتاب الكيفية والحقيقة ( لعلها في الحقيقة أو بالحقيقة ) . 46 - كتاب الكيفية والمجاز ( لعل الصحيح بالمجاز أو في المجاز ، كما ورد في طبعة ليبزج ، ولكلّ وجه ) . هذا ما ذكره ابن النديم من كتب الحلّاج . ونضيف نحن ما يكمل عدتها من محصولنا من أخبارها . 47 - كتاب « الإحاطة والفرقان » ( في أن الأئمة اثنا عشر على نسق الأهلّة في قوله تعالى :( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً )، وقد ذكره المقدسي وحده في البدء والتاريخ ( 5 / 26 ) . 48 - كتاب أنفاس النور ، كما في حقائق التفسير للسلمي ( ص 683 ) . 49 - كتاب في السحر ، لم يقع لنا عنوانه وربما كان كتاب الصيهور ( رقم 5 ) وقد ذكر ذلك ابن تيمية فقال فيه « وصنّف كتابا في السحر معروفا وهو موجود إلى اليوم » « 2 » . .......................................................................................... ( 1 ) يذكّر هذا الكتاب بمثيل له من تأليف عبد الوهاب الشعراني الصوفي المتأخر ( ت 973 هـ / 1565 م ) . ( 2 ) جامع الرسائل لابن تيمية ، المجموعة الأولى تحقيق د . محمد رشاد سالم ، مصر 1389 هـ / 1969 م ، رسالة في الجواب عن الحلّاج هل كان صديقا أو ( الصحيح أم ) زنديقا ، ص 187 - 199 ، وهذه الإشارة في ص 188 .
« 77 » 50 - الديوان ، وواضح أن هذا الثبت ينقصه الديوان الذي نحن بصدد التقديم له ، غير أنه تمّ جمعه على أيدي كثير من محبي الحلّاج على مرّ العصور حتى جمعه ماسينيون من مظانّه المختلفة ونشره لأول مرة في الصحيفة الآسيوية ( الفرنسية ) في المدة بين كانون الثاني وآذار ( يناير - مارس ) 1931 م ، وطبع بعد ذلك في كتاب منفصل ، وصدرت طبعته الثالثة - وهي التي اعتمدنا عليها في المقابلة والتحقيق والمناقشة - في باريس 1955 م . ومن الملاحظ أن تحريم كتب الحلّاج قد أثمر ، فلم يبق الزمن من مصنّفات الحلّاج إلا على كتاب الطواسين الذي ذكر ماسينيون أنّه هرّب من سجن الحلّاج على يد صديقه وتلميذه أحمد بن عطاء الأدمي . حتى كتاب السياسة والخلفاء والأمراء ، الذي كانت منه نسخة في مكتبة الوزير علي بن عيسى لم يبق عليه الزمان . ولعل المستقبل يميط اللثام عن شيء من مصنفات هذا الصوفي لنطّلع عليها ونستطيع أن نصدر حكمة أقرب إلى الصواب .
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: شخصية الحلّاج بعد مقتله شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 10:50 pm
شخصية الحلّاج بعد مقتله شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد
شخصية الحلّاج بعد قتله
وجاور الحلّاج ربه بارّا بوعده ، وتبعه حامد بن العباس بعد سنتين مصادرا وثلّت المقتدر بعد حامد بتسع سنين . وذهبت المصالح واختفت الشرطة والأعوان ، وأنزل الزمان ستاره على العصر كلّه ، وأمسى كل شيء في ذمة اللّه ، وعادت الأسماء الرنانة والأموال الطائلة والجيوش المجيشة ، وكذا الفقراء والجياع وأصحاب الطموح والأطماع حروفا تخطها ريشة الزمان على صفحات التاريخ . وأتيح للناس أن يتعرفوا إلى الحلّاج ومأساته على مهل ويبحثوا شؤونه بمعزل عن الرغبة والرهبة والحسد والغبطة والحبّ والكره . وسرعان ما بدأت أخبار الحلّاج تجمع والكتب فيه تصنّف وآراء الناس فيه تسجل . وبدل أن ينساق هؤلاء مع التيار الذي شقّ قناته أعداؤه من رسميين ومنافقين ومصلحيين ، وجّه هذا النبع إلى مجرى آخر يصفو في الماء ، وتتحلّل منه الشوائب فعاد ماء عذبا زلالا لذّة للشاربين . وهكذا تحوّل كل ما يتصل بالحلّاج من خذلان ومؤاخذة ومساءة إلى عطف ونصرة وتبرير ، وترطبت حلوق الصوفية بعد أن جفّفها الرعب وارتفعت أصواتهم تهدر بعبارات قوية واضحة تزيل الغبار عن سجل الحلّاج المطموس وتغسل الدم عن وجهه المرفوع فوق الرمح في شوارع خراسان ، وتعيد إليه اعتباره وترفعه إلى مكانه اللائق به في رأيهم تحت شمس التاريخ . وهكذا سمعنا أبا بكر الشبلي الذي قيل : إنه أعرض عن الحلّاج في أخريات أيامه لقوله : « أنا الحق » « 1 » ، يهتف بين جمع من الناس دون خوف أو .......................................................................................... ( 1 ) رسالة ابن القارح - مع رسالة الغفران لأبي العلاء المعري ، ط 3 ، ص 36 ، بدلالة
« 80 » تردد : « كنت أنا والحلّاج شيئا واحدا إلا أنه أظهر وكتمت » « 1 » . ووجدنا محمد بن خفيف ، الذي لعن الحلّاج من قبل ، يصفه بقوله : « الحلّاج عالم ربّاني » « 2 » . وغدا الفقهاء الذين حكموا بالإعدام يقولون بلسان أبي العباس بن سريج ، الفقيه الشافعي ( ت 306 هـ / 918 - 19 م ) - إذ سئل عنه - « هذا رجل خفي عنّي حاله وما أقول فيه شيئا » « 3 » . وحوّل المعجبون بالحلّاج من صوفية ومن سواهم ، ساعات عذابه إلى لحظات من السعادة الروحية والتوفيق الإلهي ، ومن هنا قرن صبره بصبر أيوب ( ع ) « 4 » وألحق بالمعذبين من السابقين الأوّلين من المسلمين بروايتهم عنه أنه تحمل لسع السوط صابرا محتسبا سعيدا وأنه كان يقول مع كل جلدة « أحد ، أحد » « 5 » . وشبّه الحلّاج في الشجاعة ببابك الخرّمي ، الثائر الفارسي المجوسي ( ق 223 هـ / 838 م ) الذي كاد يدكّ عرش المعتصم ، إذ روي أن الأوّل « لمّا لطّخ وجهه بالدم حين قطعت أطرافه » « 6 » . سوّغ ذلك بأنه إنّما « كان لئلا يظهر إلى عين العامة تغيّر مزاجه غيرة منه على الحق لمعرفته بهذا كله » « 7 » . وبابك هو السابق إلى ذلك ، إذ لمّا قطعت يده لطّخ وجهه بدمه .......................................................................................... الفرق بين الفرق للبغدادي ( أبي منصور عبد القاهر بن طاهر ، ت 429 هـ / 1038 م ) ، مصر 1367 ه / 1947 م ، ص 157 - 8 . ومما يذكر هنا أن نص الرسالة المذكورة ناقص في هذا الموضع وقد بينا وجه ذلك وأشرنا إلى أشياء كثيرة من هذا القبيل في بحثنا « رسالة الغفران » في طبعتها الرابعة الذي نشر ناقصا في مجلة « المجلة » القاهرية ، من أعداد سنة 1968 م ، وكاملا في العددين التاسع والعاشر من السنة الثانية من مجلة البلاغ البغدادية . ( 1 ) انظر كتابنا « الصلة بين التصوف والتشيع » ط 2 ، ص 49 . ( 2 ) تاريخ بغداد 8 / 112 ، وذكر الخطيب البغدادي هنا أن أبا العباس ( أحمد ) بن عطاء ( الأدمي ) البغدادي ومحمد بن خفيف الشيرازي وإبراهيم بن محمد النصر آباذي ، صححوا حاله ودوّنوا كلامه . ( 3 ) وفيات الأعيان لابن خلكان ، مصر 1948 م ، 6 / 409 . ( 4 ) الفتوحات المكية لابن العربي الحاتمي الطائي ( محمد بن علي الحاتمي ، ت 638 هـ / 1241 م ) ، مصر 1293 م ، 4 / 182 . ( 5 ) تاريخ بغداد 8 / 131 . ( 6 ) الفتوحات المكية 4 / 182 . ( 7 ) الفتوحات المكية 4 / 182 .
« 81 » وضحك يري الناس « أنه لم يؤلمه القطع وأن روحه ليس تحسّ بشيء من ذلك » « 1 » . وفوق هذا كله إنّما كان أنصار الحلّاج في خراسان يرفعون من قدره بوصفه زعيما سياسيا عظيما ، فخاطبوه بعبارة « رب لأرباب » « 2 » إجلالا له . كما كانت رعية الأفشين ( خيذر بن كاوس الصّغدي ، القائد التركي المشهور الذي صلبه المعتصم مع بابك الخرّمي ) ، يكاتبونه وأباه وجدّه من قبله « 3 » . من قولهم ، في ديباجة رسائلهم إليهم : « إلى إله الآلهة من عبيده . . . » « 4 » . وأوفى الحلّاج على الغاية لمّا قورن بالحسين بن علي بن أبي طالب أبي الشهداء في تضحيته وفدائه وبطولته « 5 » ومكانته ، لما ذكر أن صوفيّنا « لمّا وقع دمه على الأرض كتب : « اللّه اللّه » ، إشارة لتوحيده وإنما لم يكتب دم الحسين ذلك لأنه لا يحتاج إلى تبرئة » « 6 » . حتى إلقاء رماد جثة الحلّاج في دجلة اقترن بأسطورة أريد بها الرفع من شأنه وتبديد الوقع السيّىء الذي يرسب منه في النفوس . ولهذا ذكر المعجبون بالحلّاج أنه « لمّا ألقي رماده في دجلة ، ظهر على وجه الماء بدله عبارة : « أنا الحق » « 7 » . وانتهى الأمر أخيرا بأن عدّ الحلّاج ثالث ثلاثة أحبّهم قوم فكفروا بحبّهم وأبغضهم قوم فكفروا ببغضهم ، والاثنان الآخران : عيسى بن مريم وعلي بن .......................................................................................... ( 1 ) البدء والتاريخ للمقدسي 6 / 117 . ( 2 ) انظر مثلا التبصير في الدين للأسفرايني ( أبي المظفر شاهفور بن طاهر الشافعي ، ت 471 هـ / 1080 م ) ، مصر 1359 هـ / 1940 م ، ص 78 . ( 3 ) شرح لامية العجم للصفدي ( أبي الضياء خليل بن أيبك بن عبد اللّه ، 696 - 764 هـ / 1296 - 1362 م ) ، مصر 1305 هـ / 1887 - 8 م ، 1 / 190 . ( 4 ) شرح لامية العجم للصفدي ( أبي الضياء خليل بن أيبك بن عبد اللّه ، 696 - 764 هـ / 1296 - 1362 م ) ، مصر 1305 هـ / 1887 - 8 م ، 1 / 190 . ( 5 ) انظر : تراجم القرنين ( السادس والسابع الهجريين ) لأبي شامة ( أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل ، 599 - 665 هـ / 1202 - 1267 م ) ، مصر 1366 هـ / 1947 م ، ص 18 - 19 . ( 6 ) الكواكب الدرية لعبد الرؤوف المناوي 2 / 25 . وقد بولغ في ذلك بمصر سنة 596 هـ / 1199 - 600 م . حتى فضل الحلّاج على الحسين السبط ، فما كان من شهاب الدين محمد الطوسي الذي توفي في هذه السنة ، إلا أن قال : « كيف يجوز هذا ؟ قطرة من دم الحسين أفضل من مائة ألف دم مثل دم الحلّاج . فلما قال السائل : قدم الحلّاج كتب على الأرض : اللّه ، ولا كذلك دم الحسين ، فقال الطوسي : المتهم يحتاج إلى تزكية » ( تراجم القرنين ، ص 18 - 19 ) . ( 7 ) تاريخ كزيدة لحمد اللّه المستوفي القزويني ، ص 776 .
« 82 » أبي طالب « 1 » . وهكذا يعدّ الزعم بأن الحلّاج لم يقتل أمرا مألوفا في مثل هذه الظروف العاطفية ، ومن هنا ذكر أن القتل وقع على « دابة » « 2 » مرة و « بغلة » « 3 » مرة أخرى ، وتواضع قوم فذكروا أنه وقع على رجل ألقي عليه شبهه « 4 » . وبعد هذا جرؤ قوم على الزعم بأنهم سمعوا الحلّاج يقول لأصحابه : « لا يهوّلنّكم هذا فإنّي عائد إليكم بعد ثلاثين يوما » « 5 » . وتمشّيا مع هذه القصة ذكر ابن الأثير أن « بعضهم » قال : « لقيته على حمار بطريق النهروان ( ماضيا من العراق إلى إيران قاصدا خراسان طبعا ! ) وأنه قال لهم : « لا تكونوا مثل هذا البقر ( الصحيح : النفر ) الذين يظنون أنني ضربت وقتلت » « 6 » . ومن الطبيعي أن تتداعى هذه الصور إلى الرجعة والمهدية ؛ وهذا شيخ المعرّة ( ت 449 هـ / 1057 م ) يخبرنا أن « الصوفية ، اليوم ، من يرفع شأنه ويجعل مع النجم مكانه . وبلغني أن ببغداد قوما ينتظرون خروجه وأنهم يقفون بحيث صلب على دجلة ، يتوقعون ظهوره . . . » « 7 » . وهكذا ارتفعت اللعنة والسخرية والنقمة وحلّت الرحمة والإعجاب والحب والتقدير . ذلك أن من يبذل دمه ثمنا لما يدين به لن يعقد صفقة خاسرة ، فالقتل جدّ ليس بعده جدّ ، وهو عند الناس برهان ساطع على الصدق والإخلاص ومجلبة للعطف والاحترام والاهتمام . ولولا تضحية المسيح ما انتشرت المسيحية هذا الانتشار ، ولولا قتل ميرزا محمد الباب ما قامت للبهائية قائمة في العصر الحديث ، عصر العلم والعقل والبرهان . .......................................................................................... ( 1 ) الحلّاج شهيد التصوف الإسلامي ، لطه عبد الباقي سرور ، مصر 1961 م ، ص 254 عن اليافعي . ( 2 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 . ( 3 ) رسالة الغفران ، ط 4 ، ص 453 . ( 4 ) الفرق بين الفرق للبغدادي ، ص 159 ، وفي تجارب الأمم أن أصحاب الحلّاج ادعوا أن المضروب « كان عدوا للحلّاج ألقي شبهه عليه » ( 5 / 79 ) . ( 5 ) تاريخ بغداد 6 / 164 . وهذا يذكر بصعود موسى الجبل لميقات ربه ( البقرة 2 : 51 ) . ( 6 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 . ( 7 ) رسالة الغفران ، ط 4 ، ص 454 .
« 83 » وأطرف ما نختم به هذه المعاني ما حكي من أن « الحلّاج كانت له أخت تخرج من البيت كل ليلة . فتعقبها يوما فرأى حورية من حوريات الجنة تسقيها كأسا من شرابها ، ولما طلب الحلّاج جرعة لنفسه ، حذرته أخته من قصوره عن تحمل أثرها وخوّفته من الهلاك بسببها . لكن الحلّاج أصرّ ، فسقي بضع قطرات من تلك الكأس ، فكان قوله : « أنا الحق ، من عقابيل هذه الجرعة » « 1 » . وتستمر هذه الأسطورة في مصاحبة الحلّاج في تفصيلات محاكمته وقتله لتروي أنه « لمّا رفع الحلّاج إلى المشنقة ، افتقده الناس فلم يجدوه ثم ظهر متربعا في الهواء ! وكلما سعى أمراء الغضب في القبض عليه اقترن سعيهم بالإخفاق . وفي أثناء هذه الاضطرابات فارقت روح الحلّاج بدنه وارتفعت إلى الجنة حيث لقيت النبي ( صلى عليه وسلم ) . وبعد أن تلقت التهنئة على درجة الوصال ( التي نالتها ) . . . طلب إليها النبي ( صلى عليه وسلم ) أن ترضى بالقتل حفظا لظاهر الشريعة . وسمعت روح الحلّاج لقول النبي ( صلى عليه وسلم ) فعادت إلى الأرض وبذلت بدنها ليقتل قتلا ظاهريا » « 2 » . وصورت هذه الحكاية بألوان أزهى لمّا ذكر العطار الأردستاني أن الحلّاج حين حبس حبسا انفراديا ، وذلك بعد رفضه الرجوع عن آرائه شرطا لإطلاق سراحه ، زاره الصوفية ثلاث ليال سويا ، ففي الأولى افتقدوه فلم يجدوه ، وفي الثانية وجدوه ولم يروا السجن ، وفي الثالثة غاب هو والسجن عن عيانهم ! ولما سئل عن ذلك قال : كنت في الليلة الأولى في الحضرة ( الإلهية ) ، وفي الليلة الثانية كان الحق ( تعالى ) هنا ! ومن هنا غاب السجن عن العيان . واليوم أعادني الحق إلى سجني حفظا ( لظاهر ) الشريعة فتعالوا وافعلوا ما أمرتم « 3 » . ولما حانت ساعة التنفيذ كان الحلّاج كلما ضربوه عصا سمعوا صوتا فصيحا يقول له : ولدي منصور ، لا تخف » « 4 » . .......................................................................................... ( 1 ) تاريخ إيران للسير جون مالكولم وترجمة ميرزا حيرت ( إلى الفارسية ) ، ص 204 . ( 2 ) أيضا ، ص 205 . ( 3 ) محفل الأوصياء للأردستاني ( علي أكبر حسين ، والنسخة مكتوبة سنة 1043 هـ / 1633 - 4 م ، خزانة دائرة الهند بلندن ، المخطوط إيته 645 ، ورقة 265 ب ، تذكرة الأولياء للعطار ، طهران 1321 هـ / 1942 م ، 2 / 113 ، وانظر عطار نامه للدكتور أحمد - ( 4 ) محفل الأوصياء للأردستاني ( علي أكبر حسين ، والنسخة مكتوبة سنة 1043 هـ / 1633 - 4 م ، خزانة دائرة الهند بلندن ، المخطوط إيته 645 ، ورقة 265 ب ، تذكرة الأولياء للعطار ، طهران 1321 هـ / 1942 م ، 2 / 113 ، وانظر عطار نامه للدكتور أحمد -
« 84 » المعتذرون عن الحلّاج المسوّغون لأقواله : وبقطع النظر عن إحاطة الحلّاج بهذه الهالة من الأساطير تصدّى لتسويغ المآخذ عليه والاعتذار عنه والرفع من شأنه والائتمام به جماعة من عظماء التاريخ الإسلامي في طول العالم الإسلامي وعرضه من : صوفية ومتكلمين وفلاسفة ومفكرين وغيرهم ؛ فبالإضافة إلى محمد بن خفيف ، تطوع أبو سعيد بن أبي الخير ، شاعر الرباعيات الفارسي ( ت 440 هـ / 1048 - 49 م ) يقول : « في اليوم الذي قال ( الحلّاج فيه ) : أنا الحق ، أين كان ؟ لقد كان ( هو ) اللّه اللّه » « 1 » . وقد ذكر في تضاعيف حركة الحلّاج أن محمد بن داود الظاهري الأصفهاني ، صاحب كتاب الزهرة ( ت 297 هـ / 909 - 10 م ) ، كان من ألدّ أعدائه الأوائل وكان يقول في التعبير عن موقفه منه : « إن كان ما أنزل اللّه على نبيّه حقا فما يقول الحلّاج باطل » « 2 » ، وهي عبارة ما لبثت أن وجدت نقضا عليها على لسان أبي القاسم إبراهيم بن محمد النصر آبادي الصوفي ( ت 367 هـ / 977 - 8 م ) في قوله : « إن كان بعد النبيين الصدّيقين موحّد فهو الحلّاج » « 3 » . وكان موقف الأشاعرة الأول معاديا للحلّاج فوقع فيه وردّ عليه منهم الباقلاني ( محمد بن الطيب ، ت 403 هـ / 1013 م ) ، والبغدادي صاحب « الفرق بين الفرق»، وتلميذه الأسفرايني، صاحب « التبصير في الدين » ( وقد أكثرنا من النقل منهما ). وجاء في كتاب البغدادي الآخر « أصول الدين » قوله : « وقد اشتمل كتاب تاريخ الصوفية [ الضائع ] لأبي عبد الرحمن السلمي على زهاء ألف شيخ من شيوخ الصوفيد ما فيهم واحد من أهل الأهواء ، بل كلّهم من أهل السنّة سوى ثلاثة منهم : أحدهم أبو حلمان الدمشقي ، فإنه تستّر .......................................................................................... ناجي القيسي ، بغداد 1388 هـ / 1968 م ، ص 461 ( باب في مناقب . . . الحلّاج للعطار ) ، والنص هنا ترجمة حرفية لما ورد في التذكرة ، والنص الذي أثبتناه من ترجمتنا . ( 1 ) مجموعة نصوص غير منشورة تتعلق بتاريخ التصوف ، جمعه ونشره ماسينيون ، باريس 1929 م ، ص 88 . ( 2 ) شذرات الذهب لابن العماد 2 / 255 . ( 3 ) البداية والنهاية لابن كثير 11 / 132 .
« 85 » بالصوفية وكان من الحلولية ، والثاني الحسين بن منصور الحلّاج وشأنه مشكل ، والثالث القنّاد : اتهمته الصوفية بالاعتزال فطردوه لأن الطيب لا يقبل الخبيث » « 1 » . ولما كتب القشيري ( أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن ، ( ت 465 هـ / 1074 م ) رسالته في الدفاع عن الصوفية ورفع تهمة الزندقة عنهم - وكان أشعريا - « ما ذكر الحلّاج للخلاف الذي وقع فيه حتّى لا تتطرق التهمة لمن وقع ذكره من الرجال في رسالته » « 2 » . أما إمام الحرمين الجويني ( عبد الملك بن عبد اللّه بن يوسف ) ، ( ت 478 هـ / 1085 م ) ، أستاذ الغزالي ، محمد بن محمد الطوسي ، ( ت 505 هـ / 1111 م ) ، فقد تورّط في خصومة الحلّاج جهلا به حتى جمعه في مؤامرة على قلب نظام الحكم العباسي مع ابن المقفع الذي قتل قبله بنحو مائة وخمسين سنة - والجنابي ( أبي سعيد ، ت 301 هـ / 913 - 14 م ، أو أبي طاهر الذي نقل الحجر الأسود من مكة إلى هجر ( ت 318 هـ / 939 - 40 م ) . وذلك في كتابه « الشامل في أصول الدين » « 3 » . الذي نشر ثلثه الباقي أستاذنا الدكتور علي سامي النشار بالتعاون مع تلميذيه فيصل بدير عون وسهير محمد المختار في الإسكندرية سنة 1969 م وليس فيه هذا الخبر « 4 » . .......................................................................................... ( 1 ) أصول الدين ، إسطنبول 1928 ، ص 315 - 16 . ( 2 ) أخبار الحلّاج ، الرسالة الرابعة ، هامش ص 22 ، وهذا هو كلام ابن العربي الحاتمي الطائي منقولا من الفتوحات المكية . ( 3 ) انظر : الإسلام والحضارة العربية لمحمد كرد علي ، الجزء الثاني ، طبع دار الكتب المصرية 1936 م ، ص 75 ، وراجع البداية والنهاية لابن كثير ( 11 / 143 - 44 ) وانظر ترجمة الحلّاج في وفيات الأعيان لابن خلكان . ( 4 ) الجزء المنشور من كتاب الشامل يتضمن ثلاثة أبواب أو كتب بتقسيم المصنف وهي : كتاب النظر وكتاب التوحيد وكتاب العلل ، وبقي منه كتب ( فصول ) : الصفات والإرادة والقدر والنبوات وإبطال القول بالتولد والرد على الطبائعيين والتعديل والتجوير . ولعل خبر الحلّاج موجود ضمن كتاب التنبؤات كما فعل القاضي عبد الجبار في الجزء الخاص بالتنبؤات والمعجزات من كتابه « المغني في أبواب التوحيد » وقد جاء في المقدمة أن معهد المخطوطات العربية في القاهرة يحتفظ بملخص للشامل اسمه « الكامل في اختصار الشامل » ومختصر لهذا اسمه « مختصر الكامل » وتحتفظ به مكتبة جامعة الأزهر فلا بد أن الخبر المذكور وارد في الأول منهما ( انظر مقدمة الشامل ص 87 ) .
« 86 » لكن هذا الموقف تغير تماما حين تشمّر الغزالي للدفاع عن الحلّاج في كتابه « مشكاة الأنوار » « 1 » حيث اعتذر عنه وحمل أقواله التي أوخذ عليها ، من نحو قوله : أنا الحق ، على محامل حسنة ، وبرر ذلك بأنه إنما كان « من فرط المحبة وشدة الوجد » فأثار بذلك اهتمام المصنفين « 2 » . أما الحنابلة فقد راح الحلّاج عندهم لمعارضته الدولة مثلهم ولوقوف ابن عطاء إلى جانبه ، ثم يبدو أن الأمور قد تغيّرت في ما بعد بحيث وجدنا أحد الحنابلة وهو أبو الوفاء علي بن محمد بن عقيل العقيلي ( ت 513 هـ / 1119 - 20 م ) يتوب عن الاعتزال ويقرن ذلك بإعلانه أنه « رجع عن اعتقاده كون الحلّاج من أهل الحق والخير وأنه قد رجع عن الجزء الذي عمله في ذلك وأن الحلّاج قتل بإجماع علماء أهل عصره على زندقته وأنهم كانوا مصيبين في قتله وما رموه به » « 3 » ، وحدث هذا سنة 465 هـ / 1072 م « 4 » . وعاد الموقف فانقلب من جديد في صالح الحلّاج وذلك حين تصدى الشيخ عبد القادر الجيلي ( بن موسى بن عبد اللّه الحنبلي ، ت 561 هـ / 1166 م ) لتصحيح أقوال الحلّاج والدفاع عنه دفاعا مجيدا وذلك في قوله : « عثر الحلّاج فلم يكن في زمنه من يأخذ بيده ، ولو كنت في زمنه لأخذت بيده » « 5 » . ومن أقوال الجيلي في هذا المجال أيضا : « طار واحد من العارفين إلى أفق الدعوى بأجنحة : « أنا الحق » . رأى روض الأبدية خاليا عن الحسيس والأنيس . صفر بغير لغة تعريضا لخيفة ( لحتفه ) . ظهر عليه عقاب الملك من مكمن :إِنَّ اللَّهَ نعني( غَنِيٌّ ) عَنِ الْعالَمِينَ، ( آل عمران 3 / 97 ) . أنشب في إهابه مخلاب :كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، ( أيضا 3 / 185 ) قال له : شرع سليمان الزمان ( كذا ) ثم تكلمت بغير لغتك ثم ترنمت بلحن غير معهود من .......................................................................................... ( 1 ) انظر مثلا : مرآة الجنان لليافعي ( أبي محمد عبد اللّه بن أسعد ، 698 - 768 هـ / 1298 - 1367 م ) ، ط حيدر آباد 1918 - 20 م ، 2 / 253 ، تاريخ ابن الوردي 1 / 257 ، روضات الجنات للخوانساري ( محمد باقر ت 1313 هـ / 1895 م ) ، طهران 1307 هـ / 1889 - 90 م ، ص 226 . ( 2 ) انظر : البداية والنهاية لابن كثير 12 / 105 . ( 3 ) انظر : البداية والنهاية لابن كثير 12 / 105 . ( 4 ) انظر : البداية والنهاية لابن كثير 12 / 105 . ( 5 ) مرآة الجنان لليافعي 2 / 254 .
« 87 » مثلك ؟ ! أدخل الآن إلى قفص وجودك . ارجع من طريق القدم إلى مضيق ذلّة الحدث . قل بلسان اعترافك - ليسمعك أهل الدعوى - : حسب الواحد إفراد الواحد . مناط خفض ( حفظ ) الطريق إقامة وظائف الشرع » « 1 » . وكان موقف الغزالي وعبد القادر الجيلي فاصلا في تشجيع الصوفية ، على الخصوص ، للتعبير عن آرائهم وعواطفهم تجاه الحلّاج في الظاهر ، والإعراب عن أفكارهم ومواجيدهم في الحقيقة . وهكذا وجدنا فريد الدين العطار ( ت 607 هـ / 1210 م ) « 2 » يثني على الحلّاج ويعيد صياغة آرائه في قصيدة سماها « هيلاج نامه » « 3 » بمعنى عين الحياة ، أي الخلود « 4 » . وهو لفظ يوناني في الأصل « 5 » . ومنه هذه القصيدة المترجمة بألفاظ الدكتور أحمد ناجي القيسي في كتابه ( عطّار نامه ، ص 141 - 142 ) . تقول القصيدة : «لقد جلست في زاوية بقيت ( فيها ) منتحبا ضعيفا ، غير ذي قدرة ، ذليلا وبقيت مغموما من التفكّر ليلا ونهارا :ماذا سيحدث لي ، بعد ، من الصانع الطاهر أفكر : ماذا سيظهر لي هنا من الأسرار بعد « الجواهر » ( هـ / كتابه ، جوهر الذات ) ونظرت فرأيت مجنونا .......................................................................................... ( 1 ) مرآة الجنان لليافعي 2 / 254 . ( 2 ) هذا التاريخ حققه الدكتور أحمد ناجي القيسي في كتابه « عطار نامة » ص 242 . ( 3 ) مجموعة نصوص ، ص 1 ، وانظر : عطار نامة ( 141 ) . ( 4 ) معجم : برهان قاطع لابن خلف التبريزي المتلخص ببرهان ، مطبوعات فريدة علمي ، إيران دون تاريخ ، ص 1224 . ( 5 ) معجم : برهان قاطع لابن خلف التبريزي المتلخص ببرهان ، مطبوعات فريدة علمي ، إيران دون تاريخ ، ص 1224 .
« 88 » رأيت غريبا عن علم الصورة ،قد تقدّم إليّ هذا العاشق النحيف وفتح شفتيه ، ونطق بالأسراروأن تفشي الحقيقة مرة ثانية وأن تأتي بكتابك ، باسمي ، بديعا وأن تأتي به حكيما ، ممتلئا معنى إني إلهيّ في هذا الزمان ومطّلع عليك في داخل روحك ، وإني واصفك. فقلت لها : أيّها الروح ! ما اسمك ؟أنا لك اللّه هنا رغبتك فأجابني : أنا منصور الحلّاج واسمي في الآفاق هيلاج (الخلود)إننا ناطقون في داخل روحك وإنك أصبحت باحثا عنّي في العشق». والعطّار هو الذي روى الأخبار الأسطورية عن الحلّاج من نحو امتناعه عن الفرار من السجن ، وقصة الوردة التي آذته دون الأحجار الثقيلة لإصابته بها بيد صديقه الشبلي، وقصة نطق أعضاء الحلّاج بعبارة «أنا الحق» بعد قتله (عطّار نامة، ص 223) وغير ذلك. وفوق هذا تقمّص العطار شخصية الحلّاج بنفسه وبغيره وصار ينطق عن لسانه ، ومن هنا أعاد نظم أبيات أبي نواس التي ردّدها الحلّاج قبل قتله بألفاظ أخرى في كتابه « منطق الطير » ( انظر : عطّار نامة أيضا ص 305 ) . وحسبنا من العطار هذا القدر .
« 89 » وفتح باب الدفاع عن الحلّاج في الدوائر الكلامية والصوفية والفلسفية على مصراعيه . وإتماما للفائدة نسجل هنا الفقرة المعينة التي دافع بها الغزالي عن الحلّاج وأبي يزيد البسطامي والشاطحين من الصوفية على العموم . قال الغزالي : « إشارة : العارفون ، بعد العروج إلى سماء الحقيقة ، اتّفقوا على أنّهم لم يروا في الوجود إلّا الواحد الحق . لكنّ منهم من كان له هذه الحال عرفانا علميّا ، ومنهم من صار له ذلك حالا ذوقيا . وانتفت عنهم الكثرة بالكلية واستغرقوا بالفردانية المحضة واستوفيت فيها عقولهم فصاروا كالمبهوتين فيه ولم يبق فيهم متّسع لا لذكر غير اللّه ولا لذكر أنفسهم أيضا . فلم يكن عندهم إلا اللّه ، فسكروا سكرا دفع دونه سلطان عقولهم ، فقال أحدهم [ الحلّاج ] : أنا الحق ، وقال الآخر [ أبو يزيد البسطامي ، ت 261 هـ / 875 م ] : سبحاني ما أعظم شأني ، وقال آخر ( هو أيضا ، وتنسب أيضا إلى أبي سعيد بن أبي الخير ) « 1 » : ما في الجبّة إلا اللّه . وكلام العشاق ، في حال السكر ، يطوى ولا يحكى . فلما خفّ عنهم سكرهم وردّوا إلى سلطان العقل ، الذي هو ميزان اللّه في أرضه ، عرفوا أن ذلك لم يكن حقيقة الاتحاد بل شبه الاتّحاد مثل قول العاشق ، في حال فرط عشقه : أنا من أهوى ومن أهوى أنا [ وهو الحلّاج كما لا يخفى ] ولا يبعد أن يفاجئ الإنسان مرآة فينظر فيها - ولم ير المرآة قطّ - فيظنّ أن الصورة التي رآها هي صورة لمرآة متحدة بها ، ويرى الخمر في الزجاج فيظن أن الخمر لون الزجاج . وإذا صار ذلك عنده مألوفا ورسخ فيه قدمه استغفر وقال : [ وهو الصاحب بن عباد ] رق الزجاج ورقّت الخمر * فتشابها فتشاكل الأمر .......................................................................................... ( 1 ) مرصاد العباد للرازي ص 178 .
« 90 » فكأنما خمر ولا قدح * وكأنما قدح ولا خمر وفرق بين أن يقول : الخمر قدح ، وبين أن يقول : كأنه قدح . وهذه الحالة إذا غلبت سميت ، بالإضافة إلى صاحب الحالة ، فناء بل : « فناء الفناء ، لأنّه فني عن نفسه وفني عن فنائه ، فإنه ليس يشعر بنفسه في تلك الحال ولا بعدم شعوره بنفسه . ولو شعر بعدم شعوره بنفسه لكان قد شعر بنفسه ؛ وتسمى هذه الحالة ، بالإضافة إلى المستغرق به بلسان المجاز ، اتّحادا ، أو بلسان الحقيقة توحيدا . ووراء هذه الحقائق أيضا أسرار يطول الخوض فيها » « 1 » . وفي هذا الوقت ساغ لعمر السهروردي ( ت 632 هـ / 1234 - 5 م ) أن يضمّن كتبه دفاعا حارّا لا عن الحلّاج فقط ، وإنّما عن أبي يزيد البسطامي ( ت 261 هـ / 874 - 5 م ) قبله في قوله : « سبحاني ما أعظم شاني » ، سوّغه ، وعرّج على الحلّاج في قوله : « أن الحق » ففنّده بأنه « إنما كان على معنى الحكاية عن اللّه تعالى » « 2 » شأن عبارة أبي يزيد السابقة . وجاء في كتاب جلال الدين الرومي ( محمد بن محمد البلخي ، ت 672 هـ / 1234 - 5 م ) المسمّى « سخنان منظوم » « 3 » ( الكلم المنظوم ) أن « نور ( الحسين بن ) منصور تجلّى ، بعد مائة وخمسين [ الصحيح بعد ثلاثمائة وخمسين سنة ] ، في فريد الدين العطار ، وصار مربّيه » ، وبهذا لم يتحرّج اليافعي من نظم قصيدة طويلة وسمها بالدرّ النضيد في جيد الملاح في بيان الاعتذار عما يصدر عن المشايخ أرباب الأحوال الملاح ، ضمّن في مقدّمتها قوله : « وقيل : الحلّاج وما منه في ظاهر الشريعة يستباح ، وكونه شهيدا لأن الغائب بالحال ما عليه جناح » ، وقال فيها : .......................................................................................... ( 1 ) مشكاة الأنوار ، بتحقيق أستاذنا المرحوم د . أبو العلا عفيفي ، الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة 1964 م ، ص 59 - 60 ، وانظر إشارة أخرى في ص 62 . ( 2 ) ذكر ذلك اليافعي في مرآة الجنان ( 2 / 255 ) نقلا عن « عوارف المعارف » ولم نجد النص فيه فلعل الطبعات ناقصة أو لعل الخبر في كتاب آخر . ( 3 ) غرائب المسائل لفاضل محمد ، مخطوط جامعة أوكسفورد ، المكتبة البودلية ، ورقة 13 ب ، وانظر : سخنان منظوم لجلال الدين الرومي .
« 91 » وبعض عن الأكوان فان ، وبعضهم * به جاوز الإسكار حدّا معربدا فسلّ عليه الشرع سيفا حمى به * حدودا ، فذا الحلّاج ماض محدّدا فمات شهيدا عندكم من محقّق * وكم ( عندكم ) يخرج عن النهج ملحدا« 1 » . وعبّر عز الدين بن عبد السلام المقدسي ( ت 660 هـ / 1262 م ) عن مشاعره تجاه الحلّاج ، فقال على لسان الصوفية على العموم : هيهات ما قتلوه * كلا ولا صلبوه لكنهم حين غابوا * عن وجده شبّه وهأحبابه حين غاروا * عليه قد غيّبوه سقوه صرفا وراموا * كتمان ما أودعوه فما أطاق ثبوتا * لثقل ما حمّلوه فتاه سكرا ونادى : * أنا الذي أفردوه يا لائمي كيف أخفي * في الحب ما أظهروه أم كيف يكتم قلب * بالشوق قد مزّقوه « 2 » وحكي عن الشيخ علاء الدين السمناني ( أبي المكارم ركن الدين أحمد بن محمد ، من نسل ملوك سمنان في نواحي خراسان ، ت 736 هـ / 1336 م ) وكان من شيوخ التصوّف الكبار في القرن الثامن الهجري ( الرابع عشر الميلادي ) ، أنه قال في المفاضلة بين الحلّاج وفرعون : « سيطرت على نفسي حال ( صوفية ) شديدة فقصدت إلى زيارته [ المقصود : الحلّاج ] ( في عالم الأرواح ) . وبعد إعمال المراقبة وجدته في أعلى عليين ( من الجنة ) . عندئذ توجهت إلى اللّه تعالى بالمناجاة ودعوته قائلا : إلهي ، كيف يكون فرعون في سجّين لقوله : أنا ربّكم الأعلى ويكون الحلّاج في أعلى عليين وقد قال : أنا الحق ، وكلاهما ادّعى الإلهية ؟ وما الحكم في ذلك ؟ فنادى ( تعالى ) في سرّي : لقد وقع فرعون إلى البين ولم ير غير نفسه فأضاعنا ، .......................................................................................... ( 1 ) مرآة الجنان لليافعي 2 / 266 ، ونص الأبيات مصحّف وقد أصلحناه جهد المستطاع ، وورد البيت الثالث في « نشر المحاسن الغالية » لليافعي أيضا ، مصر 1381 هـ / 1961 م ، ص 286 - 7 . ( 2 ) شرح حال الأولياء ، مخطوط المتحف العراقي ببغداد ، ص 108 .
« 92 » ولم ير الحلّاج غيرنا فأضاع نفسه ، وما أعظم هذا الفرق » « 1 » ، وهي قصة تبين عن تحليل الموقف وتبن لقضية الحلّاج وموافقته على أن قوله : « أنا الحق » ، قد صدر عن شطح أو عن حكاية عنه تعالى ، كما قال شهاب الدين عمر السهروردي في ما مضى . وتجاوزت هذه العاطفة شيوخ التصوف خلال العصور حتى بلغت العامّة فسمعنا قائلهم يقول على لسان الحال : الخمر دنّي ودنّ الخمر ريحاني * ومجلس الذكر تسبيحي وعيداني ما يشرب الخمر إلا من يكن بطلا * ويطلّق النوم لم تغمض له أجفاني طلّقت نومي ولم اسلا حلاوته * حتى بقي جفن عيني ساهرا فاني أنا الحسين أنا الحلّاج يا فقرا * ذوّبت سيدانهم ( ! ) من عظم برهاني أنا الذي شاع ذكري في الملا الأعلى * حلجت قطني بتقواي وإيماني « 2 » وفي المجال الشيعي ، الذي قيل : « إن الحلّاج ثار عليه ونازع زعماءه مكانتهم ، حظي الحلّاج عند ثلاثة من أشهر رجالهم وأولهم الفيلسوف العالم نصير الدين الطوسي ( أبو جعفر محمد بن الحسن : ت 672 هـ / 1289 م ) الذي اعتذر عن الحلّاج في قوله : أنا الحق بأنّه إنّما قال ذلك ومراده « رفع الإنّية دون الإثنينية » « 3 » . وسرى هذا الميل إلى العطف على الحلّاج إلى النزّاعين إلى التصوّف من الشيعة ومنهم القاضي نور اللّه التستري صاحب مجالس المؤمنين ( ق 1019 هـ / 1610 م ) الذي سرد خصومة الشيعة للحلّاج ثم عقّب عليها بقوله نقلا عن السنجري : « إن الحلّاج كان يدعو الناس إلى إمامة محمد المهدي صاحب الزمان ويقول لهم : إنه سيظهر من طالقان الديلم عن قريب . وبناء على ذلك ألقي القبض عليه وسيق إلى بغداد حيث أوخذ . ومن هنا يظهر أن .......................................................................................... ( 1 ) محفل الأوصياء للأردستاني ، ورقة 245 ب . ( 2 ) ديوان الحلّاج ، جمع وتحقيق ماسينيون باريس 1955 ، ص 141 . ( 3 ) انظر ذلك في هامش قول الحلّاج : بيني وبينك إني يزاحمني * فارفع بلطفك إنّي من البين
« 93 » ذنب الحلّاج إنما كان الانتساب إلى مذهب الشيعة الإمامية والاعتقاد بوجود مهدي أهل البيت ( ع ) ودعوة الناس إلى نصرته وحثّهم على الثورة على الدولة العباسية » « 1 » . ومع وضوح المغالطة في هذا السرد ، يبدو مدى العطف الذي حظي به الحلّاج من لدن متصوفة الشيعة على العموم بحيث ساغ لهم أن يبرروا أشقّ الأمور لصرف اللوم عنه . ومن هؤلاء الشيعة المعجبين بالحلّاج أيضا بهاء الدين العاملي ( محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي ، ( ت 1031 هـ / 1622 م ) الذي نظم في الحلّاج شعرا فارسيا ترجمته : « إذا ساغ أن ينطق اللّه من خلال شجرة ، فلم لا يسوغ أن ينطق من خلال الحلّاج لطفا وحسن طالع » « 2 » . وفوق هذا نفذ الحلّاج إلى أعماق المجتمع الإسلامي في المشرق ، على الخصوص بتأثير من الطرق الصوفية ، ففي تركية ما زال أتباع الطريقة المولوية يسمون المزمار الرئيسي في أذكارهم « ناي المنصور » « 3 » . وكذا ما زال أتباع الطريقة البكتاشية فيها يتبعون ، في حفل تخريج المريدين ، تقليدا حلّاجيا واضحا يتمثل في إفرادهم مكانا في تكاياهم ، التي يسمونها « الميدان » ، يطلقون عليه اسم « دار منصور » « 4 » ، يريدون « صليب الحلّاج » « 5 » . [ الصحيح صلّابة أو مشنقة منصور ] . فإذا أتمّ المريد سلوكه واستحق لقب « بكتاشي » جاؤوا به إلى « دار منصور » ووضعوا في عنقه حبلا يرمز إلى أنه « قد مات عن هذه الدنيا الفانية ورحل إلى ميادين المعشوق الإلهي » « 6 » . وذكرت المستشرقة الألمانية آنّه - ماري شيمل أن الأتراك يتمثلون بعبارة .......................................................................................... ( 1 ) مجالس المؤمنين ، طهران 1320 هـ / 1902 م ، ص 259 . ( 2 ) انظر حواشي قول الحلّاج السابق من الديوان . وراجع روضات الجنات للخوانساري ص 127 ، والحق أن الأصل النثري لهذا المعنى يرد في تذكرة الأولياء للعطار ، تحقيق محمد القزويني ، طهران ، 1942 م ، 2 / 109 . ( 3 ) المنحنى الشخصي للحلّاج ( كتاب شخصيات قلقة ، ص 88 ) . ( 4 ) الحلّاج : شهيد العشق الإلهي لآنه ماري شيمل ، مجلة « فكر وفن » الألمانية الغربية ، العدد 13 ، العام السابع 1969 م ، ص 19 - 30 وانظر هاتين الإشارتين في ص 25 . ( 5 ) الحلّاج : شهيد العشق الإلهي لآنه ماري شيمل ، مجلة « فكر وفن » الألمانية الغربية ، العدد 13 ، العام السابع 1969 م ، ص 19 - 30 وانظر هاتين الإشارتين في ص 25 . ( 6 ) الحلّاج : شهيد العشق الإلهي لآنه ماري شيمل ، مجلة « فكر وفن » الألمانية الغربية ، العدد 13 ، العام السابع 1969 م ، ص 19 - 30 وانظر هاتين الإشارتين في ص 25 .
« 94 » تقول « إن الوردة التي ألقاها الحبيب آلمتنا » « 1 » ، إشارة إلى أسطورة ذكرها فريد الدين العطار في كتابه « تذكرة الأولياء » من أنّ الحلّاج تحمّل رجم الناس صابرا راضيا ، لكنه جزع من وردة حصبه بها الشبلي صديقه القديم ، ومن هنا كان وقعها عليه أشدّ من وقع الأحجار الشادخة « 2 » . ولاحظت هذه الكاتبة أيضا ، في ما لاحظت ، انتماء الحلّاجين في تركية إلى الحلّاج باعتباره رئيسهم الروحي ومثلهم الأعلى ، وقالت : « وأذكر أنه أتى إلى دارنا في إستانبول حلّاج لتحليج ( كذا ) قطن الفراش وأنه حكى لي قصصا كثيرة عن الوليّ المحترم منصور » « 3 » . وفوق هذا ذكر ماسينيون أن الحلّاج يدعى [ يستنجد به ] في الدعوات الشخصية . . . لوقف بكاء الأطفال الصغار على وجه التخصيص » « 4 » . وذكرت السيدة شيمل المذكورة من مشاهداتها في الهند أنه « وجد في كجرات بالهند صنف من الملّاحين يدعون المنصوريين ، أي أن الحلّاج هو وليّهم الخاص » « 5 » . وذكرت أنها رأت عام 1961 م في قرية صغيرة في السّند ، القريبة من حدود البلوجستان « طائفة من القوّالين » ، أي الموسيقيين الذي يطوفون البلاد يترنمون ويتغنون ، وإذا بشعر يردّد فيه بعد كل بيت : سلوا العاشقين عن شروط العشق * وإن لا تصدقوا فسلوا من مثل منصور « 6 » . وذكرت في ما يتصل بوادي السند والبنجاب في الهند أنه « ما من شاعر صوفي في هذه المنطقة إلا ويذكر اسم ذلك العاشق الشهيد في أبياته » « 7 » . وعقّبت على ذلك بقولها : « هكذا شاعت شهرة الحلّاج في قرى الهند وباكستان : تنشد أحواله العشائر البتّانية في جبال أفغانستان والفلاحون في الپنجاب والملّاحون على نهر السند» «8». ......................................................................................... ( 1 ) أيضا : ، ص 24 . ( 2 ) تذكرة الأولياء 2 / 114 - 115 . ( 3 ) فكر وفن ، العدد السابق ص 25 . ( 4 ) المنحنى الشخصي ص 88 . ( 5 ) الحلّاج شهيد العشق الإلهي ص 25 . ( 6 ) أيضا : ص 27 . ( 7 ) أيضا : ص 27 . ( 8 ) أيضا : ص 27 .
« 95 » وفي العراق ، حيث لا يزال قبر الحلّاج الخالي من رفاته ، الذي شيد له منذ القرن الخامس الهجري ( الحادي عشر الميلادي ) ، يقاوم عوامل الفناء ويحظى بزيارة أعداد من الناس « أكثرهم من الهنود والباكستانيين » ليضعوا على القبر شموعا ونقودا . ويصرّ السيد صالح بن عبد اللّه القصير ، مختار محلة المنصورية التي يقع فيها القبر ، على « أنّ نورا خافتا يظهر عند الليل من قبره » « 1 » . ولما ذكر له الأخ عادل الألوسي ، الذي زار القبر وقابل المعنيين به ، أن هذا النور ربّما كان بسبب إيقاد الشموع التي يضعها الناس عليه قال : « لا أعلم ، فليس للشموع أن تبقى حتى الصباح » « 2 » ، وأخذ يردد كلاما حول « معجزات الحلّاج وحياته » « 3 » . وفي العراق أيضا زحفت شهرة الحلّاج إلى المجتمع التركماني في كركوك فرست على شكل مثل يضرب للاضطراب وعدم التنظيم في البيوت والغرف ونصه المترجم إلى العربية « كأنّه حلّاج منصور ! » « 4 » . ومن المرجح أن الحلّاج قد خلّف أثرا في المجتمعات الإسلامية الأخرى عربية وغير عربية ، من نماذج هذه الآثار أنّ القرويين الفلسطينيين اعتادوا أن يسبغوا على هذا الصوفي القداسة حين تجمعهم مجالسهم وترد سير الصالحين . وقد حدثني الزميل الكريم الدكتور عبد اللطيف البرغوثي ، خبير اليونسكو في كلية التربية بطرابلس الغرب ، أنه ، بالإضافة إلى كتابة دم الحلّاج عبارة « لا إله إلا اللّه » المحورة عن ( اللّه ، اللّه ) التي ترد في الأخبار ، زحزح القصر الذي عاش فيه الحلّاج عند القرويين الفلسطينيين قرنين ونصفا من الزمن إلى الأمام فجمعه مع الحجّاج في محاورة جريئة مفادها أن الحجّاج - بوصفه نموذجا للظلم والتعسف - قال للحلّاج : « ابصق في خراب لا يعمر ، وإلا قطعت رأسك » تعجيزا وتجبرا « فنظر الحلّاج حوله ثم بصق في عين الحجاج العوراء ! » . ويستطيع المتتبع أن يجمع مادة أوسع حول هذه النقطة ، غير أن في ما ذكرناه غنية لهذا المجال . .......................................................................................... ( 1 ) من رسالة بعث بها إليّ مشكورا الأخ السيد عادل الآلوسي بناء على تكليف مني بذلك في 25 آذار 1970 م . ( 2 ) هذه الرسالة أيضا . ( 3 ) هذه الرسالة أيضا . ( 4 ) أخبرتنا بهذا زوجتي السيدة سماحة النفطحي ، وهي من هناك .
* * *
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: شخصية الحلّاج بعد مقتله شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 10:50 pm
شخصية الحلّاج بعد مقتله شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد
شخصية الحلّاج بعد قتله
وجاور الحلّاج ربه بارّا بوعده ، وتبعه حامد بن العباس بعد سنتين مصادرا وثلّت المقتدر بعد حامد بتسع سنين . وذهبت المصالح واختفت الشرطة والأعوان ، وأنزل الزمان ستاره على العصر كلّه ، وأمسى كل شيء في ذمة اللّه ، وعادت الأسماء الرنانة والأموال الطائلة والجيوش المجيشة ، وكذا الفقراء والجياع وأصحاب الطموح والأطماع حروفا تخطها ريشة الزمان على صفحات التاريخ . وأتيح للناس أن يتعرفوا إلى الحلّاج ومأساته على مهل ويبحثوا شؤونه بمعزل عن الرغبة والرهبة والحسد والغبطة والحبّ والكره . وسرعان ما بدأت أخبار الحلّاج تجمع والكتب فيه تصنّف وآراء الناس فيه تسجل . وبدل أن ينساق هؤلاء مع التيار الذي شقّ قناته أعداؤه من رسميين ومنافقين ومصلحيين ، وجّه هذا النبع إلى مجرى آخر يصفو في الماء ، وتتحلّل منه الشوائب فعاد ماء عذبا زلالا لذّة للشاربين . وهكذا تحوّل كل ما يتصل بالحلّاج من خذلان ومؤاخذة ومساءة إلى عطف ونصرة وتبرير ، وترطبت حلوق الصوفية بعد أن جفّفها الرعب وارتفعت أصواتهم تهدر بعبارات قوية واضحة تزيل الغبار عن سجل الحلّاج المطموس وتغسل الدم عن وجهه المرفوع فوق الرمح في شوارع خراسان ، وتعيد إليه اعتباره وترفعه إلى مكانه اللائق به في رأيهم تحت شمس التاريخ . وهكذا سمعنا أبا بكر الشبلي الذي قيل : إنه أعرض عن الحلّاج في أخريات أيامه لقوله : « أنا الحق » « 1 » ، يهتف بين جمع من الناس دون خوف أو .......................................................................................... ( 1 ) رسالة ابن القارح - مع رسالة الغفران لأبي العلاء المعري ، ط 3 ، ص 36 ، بدلالة
« 80 » تردد : « كنت أنا والحلّاج شيئا واحدا إلا أنه أظهر وكتمت » « 1 » . ووجدنا محمد بن خفيف ، الذي لعن الحلّاج من قبل ، يصفه بقوله : « الحلّاج عالم ربّاني » « 2 » . وغدا الفقهاء الذين حكموا بالإعدام يقولون بلسان أبي العباس بن سريج ، الفقيه الشافعي ( ت 306 هـ / 918 - 19 م ) - إذ سئل عنه - « هذا رجل خفي عنّي حاله وما أقول فيه شيئا » « 3 » . وحوّل المعجبون بالحلّاج من صوفية ومن سواهم ، ساعات عذابه إلى لحظات من السعادة الروحية والتوفيق الإلهي ، ومن هنا قرن صبره بصبر أيوب ( ع ) « 4 » وألحق بالمعذبين من السابقين الأوّلين من المسلمين بروايتهم عنه أنه تحمل لسع السوط صابرا محتسبا سعيدا وأنه كان يقول مع كل جلدة « أحد ، أحد » « 5 » . وشبّه الحلّاج في الشجاعة ببابك الخرّمي ، الثائر الفارسي المجوسي ( ق 223 هـ / 838 م ) الذي كاد يدكّ عرش المعتصم ، إذ روي أن الأوّل « لمّا لطّخ وجهه بالدم حين قطعت أطرافه » « 6 » . سوّغ ذلك بأنه إنّما « كان لئلا يظهر إلى عين العامة تغيّر مزاجه غيرة منه على الحق لمعرفته بهذا كله » « 7 » . وبابك هو السابق إلى ذلك ، إذ لمّا قطعت يده لطّخ وجهه بدمه .......................................................................................... الفرق بين الفرق للبغدادي ( أبي منصور عبد القاهر بن طاهر ، ت 429 هـ / 1038 م ) ، مصر 1367 ه / 1947 م ، ص 157 - 8 . ومما يذكر هنا أن نص الرسالة المذكورة ناقص في هذا الموضع وقد بينا وجه ذلك وأشرنا إلى أشياء كثيرة من هذا القبيل في بحثنا « رسالة الغفران » في طبعتها الرابعة الذي نشر ناقصا في مجلة « المجلة » القاهرية ، من أعداد سنة 1968 م ، وكاملا في العددين التاسع والعاشر من السنة الثانية من مجلة البلاغ البغدادية . ( 1 ) انظر كتابنا « الصلة بين التصوف والتشيع » ط 2 ، ص 49 . ( 2 ) تاريخ بغداد 8 / 112 ، وذكر الخطيب البغدادي هنا أن أبا العباس ( أحمد ) بن عطاء ( الأدمي ) البغدادي ومحمد بن خفيف الشيرازي وإبراهيم بن محمد النصر آباذي ، صححوا حاله ودوّنوا كلامه . ( 3 ) وفيات الأعيان لابن خلكان ، مصر 1948 م ، 6 / 409 . ( 4 ) الفتوحات المكية لابن العربي الحاتمي الطائي ( محمد بن علي الحاتمي ، ت 638 هـ / 1241 م ) ، مصر 1293 م ، 4 / 182 . ( 5 ) تاريخ بغداد 8 / 131 . ( 6 ) الفتوحات المكية 4 / 182 . ( 7 ) الفتوحات المكية 4 / 182 .
« 81 » وضحك يري الناس « أنه لم يؤلمه القطع وأن روحه ليس تحسّ بشيء من ذلك » « 1 » . وفوق هذا كله إنّما كان أنصار الحلّاج في خراسان يرفعون من قدره بوصفه زعيما سياسيا عظيما ، فخاطبوه بعبارة « رب لأرباب » « 2 » إجلالا له . كما كانت رعية الأفشين ( خيذر بن كاوس الصّغدي ، القائد التركي المشهور الذي صلبه المعتصم مع بابك الخرّمي ) ، يكاتبونه وأباه وجدّه من قبله « 3 » . من قولهم ، في ديباجة رسائلهم إليهم : « إلى إله الآلهة من عبيده . . . » « 4 » . وأوفى الحلّاج على الغاية لمّا قورن بالحسين بن علي بن أبي طالب أبي الشهداء في تضحيته وفدائه وبطولته « 5 » ومكانته ، لما ذكر أن صوفيّنا « لمّا وقع دمه على الأرض كتب : « اللّه اللّه » ، إشارة لتوحيده وإنما لم يكتب دم الحسين ذلك لأنه لا يحتاج إلى تبرئة » « 6 » . حتى إلقاء رماد جثة الحلّاج في دجلة اقترن بأسطورة أريد بها الرفع من شأنه وتبديد الوقع السيّىء الذي يرسب منه في النفوس . ولهذا ذكر المعجبون بالحلّاج أنه « لمّا ألقي رماده في دجلة ، ظهر على وجه الماء بدله عبارة : « أنا الحق » « 7 » . وانتهى الأمر أخيرا بأن عدّ الحلّاج ثالث ثلاثة أحبّهم قوم فكفروا بحبّهم وأبغضهم قوم فكفروا ببغضهم ، والاثنان الآخران : عيسى بن مريم وعلي بن .......................................................................................... ( 1 ) البدء والتاريخ للمقدسي 6 / 117 . ( 2 ) انظر مثلا التبصير في الدين للأسفرايني ( أبي المظفر شاهفور بن طاهر الشافعي ، ت 471 هـ / 1080 م ) ، مصر 1359 هـ / 1940 م ، ص 78 . ( 3 ) شرح لامية العجم للصفدي ( أبي الضياء خليل بن أيبك بن عبد اللّه ، 696 - 764 هـ / 1296 - 1362 م ) ، مصر 1305 هـ / 1887 - 8 م ، 1 / 190 . ( 4 ) شرح لامية العجم للصفدي ( أبي الضياء خليل بن أيبك بن عبد اللّه ، 696 - 764 هـ / 1296 - 1362 م ) ، مصر 1305 هـ / 1887 - 8 م ، 1 / 190 . ( 5 ) انظر : تراجم القرنين ( السادس والسابع الهجريين ) لأبي شامة ( أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل ، 599 - 665 هـ / 1202 - 1267 م ) ، مصر 1366 هـ / 1947 م ، ص 18 - 19 . ( 6 ) الكواكب الدرية لعبد الرؤوف المناوي 2 / 25 . وقد بولغ في ذلك بمصر سنة 596 هـ / 1199 - 600 م . حتى فضل الحلّاج على الحسين السبط ، فما كان من شهاب الدين محمد الطوسي الذي توفي في هذه السنة ، إلا أن قال : « كيف يجوز هذا ؟ قطرة من دم الحسين أفضل من مائة ألف دم مثل دم الحلّاج . فلما قال السائل : قدم الحلّاج كتب على الأرض : اللّه ، ولا كذلك دم الحسين ، فقال الطوسي : المتهم يحتاج إلى تزكية » ( تراجم القرنين ، ص 18 - 19 ) . ( 7 ) تاريخ كزيدة لحمد اللّه المستوفي القزويني ، ص 776 .
« 82 » أبي طالب « 1 » . وهكذا يعدّ الزعم بأن الحلّاج لم يقتل أمرا مألوفا في مثل هذه الظروف العاطفية ، ومن هنا ذكر أن القتل وقع على « دابة » « 2 » مرة و « بغلة » « 3 » مرة أخرى ، وتواضع قوم فذكروا أنه وقع على رجل ألقي عليه شبهه « 4 » . وبعد هذا جرؤ قوم على الزعم بأنهم سمعوا الحلّاج يقول لأصحابه : « لا يهوّلنّكم هذا فإنّي عائد إليكم بعد ثلاثين يوما » « 5 » . وتمشّيا مع هذه القصة ذكر ابن الأثير أن « بعضهم » قال : « لقيته على حمار بطريق النهروان ( ماضيا من العراق إلى إيران قاصدا خراسان طبعا ! ) وأنه قال لهم : « لا تكونوا مثل هذا البقر ( الصحيح : النفر ) الذين يظنون أنني ضربت وقتلت » « 6 » . ومن الطبيعي أن تتداعى هذه الصور إلى الرجعة والمهدية ؛ وهذا شيخ المعرّة ( ت 449 هـ / 1057 م ) يخبرنا أن « الصوفية ، اليوم ، من يرفع شأنه ويجعل مع النجم مكانه . وبلغني أن ببغداد قوما ينتظرون خروجه وأنهم يقفون بحيث صلب على دجلة ، يتوقعون ظهوره . . . » « 7 » . وهكذا ارتفعت اللعنة والسخرية والنقمة وحلّت الرحمة والإعجاب والحب والتقدير . ذلك أن من يبذل دمه ثمنا لما يدين به لن يعقد صفقة خاسرة ، فالقتل جدّ ليس بعده جدّ ، وهو عند الناس برهان ساطع على الصدق والإخلاص ومجلبة للعطف والاحترام والاهتمام . ولولا تضحية المسيح ما انتشرت المسيحية هذا الانتشار ، ولولا قتل ميرزا محمد الباب ما قامت للبهائية قائمة في العصر الحديث ، عصر العلم والعقل والبرهان . .......................................................................................... ( 1 ) الحلّاج شهيد التصوف الإسلامي ، لطه عبد الباقي سرور ، مصر 1961 م ، ص 254 عن اليافعي . ( 2 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 . ( 3 ) رسالة الغفران ، ط 4 ، ص 453 . ( 4 ) الفرق بين الفرق للبغدادي ، ص 159 ، وفي تجارب الأمم أن أصحاب الحلّاج ادعوا أن المضروب « كان عدوا للحلّاج ألقي شبهه عليه » ( 5 / 79 ) . ( 5 ) تاريخ بغداد 6 / 164 . وهذا يذكر بصعود موسى الجبل لميقات ربه ( البقرة 2 : 51 ) . ( 6 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 . ( 7 ) رسالة الغفران ، ط 4 ، ص 454 .
« 83 » وأطرف ما نختم به هذه المعاني ما حكي من أن « الحلّاج كانت له أخت تخرج من البيت كل ليلة . فتعقبها يوما فرأى حورية من حوريات الجنة تسقيها كأسا من شرابها ، ولما طلب الحلّاج جرعة لنفسه ، حذرته أخته من قصوره عن تحمل أثرها وخوّفته من الهلاك بسببها . لكن الحلّاج أصرّ ، فسقي بضع قطرات من تلك الكأس ، فكان قوله : « أنا الحق ، من عقابيل هذه الجرعة » « 1 » . وتستمر هذه الأسطورة في مصاحبة الحلّاج في تفصيلات محاكمته وقتله لتروي أنه « لمّا رفع الحلّاج إلى المشنقة ، افتقده الناس فلم يجدوه ثم ظهر متربعا في الهواء ! وكلما سعى أمراء الغضب في القبض عليه اقترن سعيهم بالإخفاق . وفي أثناء هذه الاضطرابات فارقت روح الحلّاج بدنه وارتفعت إلى الجنة حيث لقيت النبي ( صلى عليه وسلم ) . وبعد أن تلقت التهنئة على درجة الوصال ( التي نالتها ) . . . طلب إليها النبي ( صلى عليه وسلم ) أن ترضى بالقتل حفظا لظاهر الشريعة . وسمعت روح الحلّاج لقول النبي ( صلى عليه وسلم ) فعادت إلى الأرض وبذلت بدنها ليقتل قتلا ظاهريا » « 2 » . وصورت هذه الحكاية بألوان أزهى لمّا ذكر العطار الأردستاني أن الحلّاج حين حبس حبسا انفراديا ، وذلك بعد رفضه الرجوع عن آرائه شرطا لإطلاق سراحه ، زاره الصوفية ثلاث ليال سويا ، ففي الأولى افتقدوه فلم يجدوه ، وفي الثانية وجدوه ولم يروا السجن ، وفي الثالثة غاب هو والسجن عن عيانهم ! ولما سئل عن ذلك قال : كنت في الليلة الأولى في الحضرة ( الإلهية ) ، وفي الليلة الثانية كان الحق ( تعالى ) هنا ! ومن هنا غاب السجن عن العيان . واليوم أعادني الحق إلى سجني حفظا ( لظاهر ) الشريعة فتعالوا وافعلوا ما أمرتم « 3 » . ولما حانت ساعة التنفيذ كان الحلّاج كلما ضربوه عصا سمعوا صوتا فصيحا يقول له : ولدي منصور ، لا تخف » « 4 » . .......................................................................................... ( 1 ) تاريخ إيران للسير جون مالكولم وترجمة ميرزا حيرت ( إلى الفارسية ) ، ص 204 . ( 2 ) أيضا ، ص 205 . ( 3 ) محفل الأوصياء للأردستاني ( علي أكبر حسين ، والنسخة مكتوبة سنة 1043 هـ / 1633 - 4 م ، خزانة دائرة الهند بلندن ، المخطوط إيته 645 ، ورقة 265 ب ، تذكرة الأولياء للعطار ، طهران 1321 هـ / 1942 م ، 2 / 113 ، وانظر عطار نامه للدكتور أحمد - ( 4 ) محفل الأوصياء للأردستاني ( علي أكبر حسين ، والنسخة مكتوبة سنة 1043 هـ / 1633 - 4 م ، خزانة دائرة الهند بلندن ، المخطوط إيته 645 ، ورقة 265 ب ، تذكرة الأولياء للعطار ، طهران 1321 هـ / 1942 م ، 2 / 113 ، وانظر عطار نامه للدكتور أحمد -
« 84 » المعتذرون عن الحلّاج المسوّغون لأقواله : وبقطع النظر عن إحاطة الحلّاج بهذه الهالة من الأساطير تصدّى لتسويغ المآخذ عليه والاعتذار عنه والرفع من شأنه والائتمام به جماعة من عظماء التاريخ الإسلامي في طول العالم الإسلامي وعرضه من : صوفية ومتكلمين وفلاسفة ومفكرين وغيرهم ؛ فبالإضافة إلى محمد بن خفيف ، تطوع أبو سعيد بن أبي الخير ، شاعر الرباعيات الفارسي ( ت 440 هـ / 1048 - 49 م ) يقول : « في اليوم الذي قال ( الحلّاج فيه ) : أنا الحق ، أين كان ؟ لقد كان ( هو ) اللّه اللّه » « 1 » . وقد ذكر في تضاعيف حركة الحلّاج أن محمد بن داود الظاهري الأصفهاني ، صاحب كتاب الزهرة ( ت 297 هـ / 909 - 10 م ) ، كان من ألدّ أعدائه الأوائل وكان يقول في التعبير عن موقفه منه : « إن كان ما أنزل اللّه على نبيّه حقا فما يقول الحلّاج باطل » « 2 » ، وهي عبارة ما لبثت أن وجدت نقضا عليها على لسان أبي القاسم إبراهيم بن محمد النصر آبادي الصوفي ( ت 367 هـ / 977 - 8 م ) في قوله : « إن كان بعد النبيين الصدّيقين موحّد فهو الحلّاج » « 3 » . وكان موقف الأشاعرة الأول معاديا للحلّاج فوقع فيه وردّ عليه منهم الباقلاني ( محمد بن الطيب ، ت 403 هـ / 1013 م ) ، والبغدادي صاحب « الفرق بين الفرق»، وتلميذه الأسفرايني، صاحب « التبصير في الدين » ( وقد أكثرنا من النقل منهما ). وجاء في كتاب البغدادي الآخر « أصول الدين » قوله : « وقد اشتمل كتاب تاريخ الصوفية [ الضائع ] لأبي عبد الرحمن السلمي على زهاء ألف شيخ من شيوخ الصوفيد ما فيهم واحد من أهل الأهواء ، بل كلّهم من أهل السنّة سوى ثلاثة منهم : أحدهم أبو حلمان الدمشقي ، فإنه تستّر .......................................................................................... ناجي القيسي ، بغداد 1388 هـ / 1968 م ، ص 461 ( باب في مناقب . . . الحلّاج للعطار ) ، والنص هنا ترجمة حرفية لما ورد في التذكرة ، والنص الذي أثبتناه من ترجمتنا . ( 1 ) مجموعة نصوص غير منشورة تتعلق بتاريخ التصوف ، جمعه ونشره ماسينيون ، باريس 1929 م ، ص 88 . ( 2 ) شذرات الذهب لابن العماد 2 / 255 . ( 3 ) البداية والنهاية لابن كثير 11 / 132 .
« 85 » بالصوفية وكان من الحلولية ، والثاني الحسين بن منصور الحلّاج وشأنه مشكل ، والثالث القنّاد : اتهمته الصوفية بالاعتزال فطردوه لأن الطيب لا يقبل الخبيث » « 1 » . ولما كتب القشيري ( أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن ، ( ت 465 هـ / 1074 م ) رسالته في الدفاع عن الصوفية ورفع تهمة الزندقة عنهم - وكان أشعريا - « ما ذكر الحلّاج للخلاف الذي وقع فيه حتّى لا تتطرق التهمة لمن وقع ذكره من الرجال في رسالته » « 2 » . أما إمام الحرمين الجويني ( عبد الملك بن عبد اللّه بن يوسف ) ، ( ت 478 هـ / 1085 م ) ، أستاذ الغزالي ، محمد بن محمد الطوسي ، ( ت 505 هـ / 1111 م ) ، فقد تورّط في خصومة الحلّاج جهلا به حتى جمعه في مؤامرة على قلب نظام الحكم العباسي مع ابن المقفع الذي قتل قبله بنحو مائة وخمسين سنة - والجنابي ( أبي سعيد ، ت 301 هـ / 913 - 14 م ، أو أبي طاهر الذي نقل الحجر الأسود من مكة إلى هجر ( ت 318 هـ / 939 - 40 م ) . وذلك في كتابه « الشامل في أصول الدين » « 3 » . الذي نشر ثلثه الباقي أستاذنا الدكتور علي سامي النشار بالتعاون مع تلميذيه فيصل بدير عون وسهير محمد المختار في الإسكندرية سنة 1969 م وليس فيه هذا الخبر « 4 » . .......................................................................................... ( 1 ) أصول الدين ، إسطنبول 1928 ، ص 315 - 16 . ( 2 ) أخبار الحلّاج ، الرسالة الرابعة ، هامش ص 22 ، وهذا هو كلام ابن العربي الحاتمي الطائي منقولا من الفتوحات المكية . ( 3 ) انظر : الإسلام والحضارة العربية لمحمد كرد علي ، الجزء الثاني ، طبع دار الكتب المصرية 1936 م ، ص 75 ، وراجع البداية والنهاية لابن كثير ( 11 / 143 - 44 ) وانظر ترجمة الحلّاج في وفيات الأعيان لابن خلكان . ( 4 ) الجزء المنشور من كتاب الشامل يتضمن ثلاثة أبواب أو كتب بتقسيم المصنف وهي : كتاب النظر وكتاب التوحيد وكتاب العلل ، وبقي منه كتب ( فصول ) : الصفات والإرادة والقدر والنبوات وإبطال القول بالتولد والرد على الطبائعيين والتعديل والتجوير . ولعل خبر الحلّاج موجود ضمن كتاب التنبؤات كما فعل القاضي عبد الجبار في الجزء الخاص بالتنبؤات والمعجزات من كتابه « المغني في أبواب التوحيد » وقد جاء في المقدمة أن معهد المخطوطات العربية في القاهرة يحتفظ بملخص للشامل اسمه « الكامل في اختصار الشامل » ومختصر لهذا اسمه « مختصر الكامل » وتحتفظ به مكتبة جامعة الأزهر فلا بد أن الخبر المذكور وارد في الأول منهما ( انظر مقدمة الشامل ص 87 ) .
« 86 » لكن هذا الموقف تغير تماما حين تشمّر الغزالي للدفاع عن الحلّاج في كتابه « مشكاة الأنوار » « 1 » حيث اعتذر عنه وحمل أقواله التي أوخذ عليها ، من نحو قوله : أنا الحق ، على محامل حسنة ، وبرر ذلك بأنه إنما كان « من فرط المحبة وشدة الوجد » فأثار بذلك اهتمام المصنفين « 2 » . أما الحنابلة فقد راح الحلّاج عندهم لمعارضته الدولة مثلهم ولوقوف ابن عطاء إلى جانبه ، ثم يبدو أن الأمور قد تغيّرت في ما بعد بحيث وجدنا أحد الحنابلة وهو أبو الوفاء علي بن محمد بن عقيل العقيلي ( ت 513 هـ / 1119 - 20 م ) يتوب عن الاعتزال ويقرن ذلك بإعلانه أنه « رجع عن اعتقاده كون الحلّاج من أهل الحق والخير وأنه قد رجع عن الجزء الذي عمله في ذلك وأن الحلّاج قتل بإجماع علماء أهل عصره على زندقته وأنهم كانوا مصيبين في قتله وما رموه به » « 3 » ، وحدث هذا سنة 465 هـ / 1072 م « 4 » . وعاد الموقف فانقلب من جديد في صالح الحلّاج وذلك حين تصدى الشيخ عبد القادر الجيلي ( بن موسى بن عبد اللّه الحنبلي ، ت 561 هـ / 1166 م ) لتصحيح أقوال الحلّاج والدفاع عنه دفاعا مجيدا وذلك في قوله : « عثر الحلّاج فلم يكن في زمنه من يأخذ بيده ، ولو كنت في زمنه لأخذت بيده » « 5 » . ومن أقوال الجيلي في هذا المجال أيضا : « طار واحد من العارفين إلى أفق الدعوى بأجنحة : « أنا الحق » . رأى روض الأبدية خاليا عن الحسيس والأنيس . صفر بغير لغة تعريضا لخيفة ( لحتفه ) . ظهر عليه عقاب الملك من مكمن :إِنَّ اللَّهَ نعني( غَنِيٌّ ) عَنِ الْعالَمِينَ، ( آل عمران 3 / 97 ) . أنشب في إهابه مخلاب :كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، ( أيضا 3 / 185 ) قال له : شرع سليمان الزمان ( كذا ) ثم تكلمت بغير لغتك ثم ترنمت بلحن غير معهود من .......................................................................................... ( 1 ) انظر مثلا : مرآة الجنان لليافعي ( أبي محمد عبد اللّه بن أسعد ، 698 - 768 هـ / 1298 - 1367 م ) ، ط حيدر آباد 1918 - 20 م ، 2 / 253 ، تاريخ ابن الوردي 1 / 257 ، روضات الجنات للخوانساري ( محمد باقر ت 1313 هـ / 1895 م ) ، طهران 1307 هـ / 1889 - 90 م ، ص 226 . ( 2 ) انظر : البداية والنهاية لابن كثير 12 / 105 . ( 3 ) انظر : البداية والنهاية لابن كثير 12 / 105 . ( 4 ) انظر : البداية والنهاية لابن كثير 12 / 105 . ( 5 ) مرآة الجنان لليافعي 2 / 254 .
« 87 » مثلك ؟ ! أدخل الآن إلى قفص وجودك . ارجع من طريق القدم إلى مضيق ذلّة الحدث . قل بلسان اعترافك - ليسمعك أهل الدعوى - : حسب الواحد إفراد الواحد . مناط خفض ( حفظ ) الطريق إقامة وظائف الشرع » « 1 » . وكان موقف الغزالي وعبد القادر الجيلي فاصلا في تشجيع الصوفية ، على الخصوص ، للتعبير عن آرائهم وعواطفهم تجاه الحلّاج في الظاهر ، والإعراب عن أفكارهم ومواجيدهم في الحقيقة . وهكذا وجدنا فريد الدين العطار ( ت 607 هـ / 1210 م ) « 2 » يثني على الحلّاج ويعيد صياغة آرائه في قصيدة سماها « هيلاج نامه » « 3 » بمعنى عين الحياة ، أي الخلود « 4 » . وهو لفظ يوناني في الأصل « 5 » . ومنه هذه القصيدة المترجمة بألفاظ الدكتور أحمد ناجي القيسي في كتابه ( عطّار نامه ، ص 141 - 142 ) . تقول القصيدة : «لقد جلست في زاوية بقيت ( فيها ) منتحبا ضعيفا ، غير ذي قدرة ، ذليلا وبقيت مغموما من التفكّر ليلا ونهارا :ماذا سيحدث لي ، بعد ، من الصانع الطاهر أفكر : ماذا سيظهر لي هنا من الأسرار بعد « الجواهر » ( هـ / كتابه ، جوهر الذات ) ونظرت فرأيت مجنونا .......................................................................................... ( 1 ) مرآة الجنان لليافعي 2 / 254 . ( 2 ) هذا التاريخ حققه الدكتور أحمد ناجي القيسي في كتابه « عطار نامة » ص 242 . ( 3 ) مجموعة نصوص ، ص 1 ، وانظر : عطار نامة ( 141 ) . ( 4 ) معجم : برهان قاطع لابن خلف التبريزي المتلخص ببرهان ، مطبوعات فريدة علمي ، إيران دون تاريخ ، ص 1224 . ( 5 ) معجم : برهان قاطع لابن خلف التبريزي المتلخص ببرهان ، مطبوعات فريدة علمي ، إيران دون تاريخ ، ص 1224 .
« 88 » رأيت غريبا عن علم الصورة ،قد تقدّم إليّ هذا العاشق النحيف وفتح شفتيه ، ونطق بالأسراروأن تفشي الحقيقة مرة ثانية وأن تأتي بكتابك ، باسمي ، بديعا وأن تأتي به حكيما ، ممتلئا معنى إني إلهيّ في هذا الزمان ومطّلع عليك في داخل روحك ، وإني واصفك. فقلت لها : أيّها الروح ! ما اسمك ؟أنا لك اللّه هنا رغبتك فأجابني : أنا منصور الحلّاج واسمي في الآفاق هيلاج (الخلود)إننا ناطقون في داخل روحك وإنك أصبحت باحثا عنّي في العشق». والعطّار هو الذي روى الأخبار الأسطورية عن الحلّاج من نحو امتناعه عن الفرار من السجن ، وقصة الوردة التي آذته دون الأحجار الثقيلة لإصابته بها بيد صديقه الشبلي، وقصة نطق أعضاء الحلّاج بعبارة «أنا الحق» بعد قتله (عطّار نامة، ص 223) وغير ذلك. وفوق هذا تقمّص العطار شخصية الحلّاج بنفسه وبغيره وصار ينطق عن لسانه ، ومن هنا أعاد نظم أبيات أبي نواس التي ردّدها الحلّاج قبل قتله بألفاظ أخرى في كتابه « منطق الطير » ( انظر : عطّار نامة أيضا ص 305 ) . وحسبنا من العطار هذا القدر .
« 89 » وفتح باب الدفاع عن الحلّاج في الدوائر الكلامية والصوفية والفلسفية على مصراعيه . وإتماما للفائدة نسجل هنا الفقرة المعينة التي دافع بها الغزالي عن الحلّاج وأبي يزيد البسطامي والشاطحين من الصوفية على العموم . قال الغزالي : « إشارة : العارفون ، بعد العروج إلى سماء الحقيقة ، اتّفقوا على أنّهم لم يروا في الوجود إلّا الواحد الحق . لكنّ منهم من كان له هذه الحال عرفانا علميّا ، ومنهم من صار له ذلك حالا ذوقيا . وانتفت عنهم الكثرة بالكلية واستغرقوا بالفردانية المحضة واستوفيت فيها عقولهم فصاروا كالمبهوتين فيه ولم يبق فيهم متّسع لا لذكر غير اللّه ولا لذكر أنفسهم أيضا . فلم يكن عندهم إلا اللّه ، فسكروا سكرا دفع دونه سلطان عقولهم ، فقال أحدهم [ الحلّاج ] : أنا الحق ، وقال الآخر [ أبو يزيد البسطامي ، ت 261 هـ / 875 م ] : سبحاني ما أعظم شأني ، وقال آخر ( هو أيضا ، وتنسب أيضا إلى أبي سعيد بن أبي الخير ) « 1 » : ما في الجبّة إلا اللّه . وكلام العشاق ، في حال السكر ، يطوى ولا يحكى . فلما خفّ عنهم سكرهم وردّوا إلى سلطان العقل ، الذي هو ميزان اللّه في أرضه ، عرفوا أن ذلك لم يكن حقيقة الاتحاد بل شبه الاتّحاد مثل قول العاشق ، في حال فرط عشقه : أنا من أهوى ومن أهوى أنا [ وهو الحلّاج كما لا يخفى ] ولا يبعد أن يفاجئ الإنسان مرآة فينظر فيها - ولم ير المرآة قطّ - فيظنّ أن الصورة التي رآها هي صورة لمرآة متحدة بها ، ويرى الخمر في الزجاج فيظن أن الخمر لون الزجاج . وإذا صار ذلك عنده مألوفا ورسخ فيه قدمه استغفر وقال : [ وهو الصاحب بن عباد ] رق الزجاج ورقّت الخمر * فتشابها فتشاكل الأمر .......................................................................................... ( 1 ) مرصاد العباد للرازي ص 178 .
« 90 » فكأنما خمر ولا قدح * وكأنما قدح ولا خمر وفرق بين أن يقول : الخمر قدح ، وبين أن يقول : كأنه قدح . وهذه الحالة إذا غلبت سميت ، بالإضافة إلى صاحب الحالة ، فناء بل : « فناء الفناء ، لأنّه فني عن نفسه وفني عن فنائه ، فإنه ليس يشعر بنفسه في تلك الحال ولا بعدم شعوره بنفسه . ولو شعر بعدم شعوره بنفسه لكان قد شعر بنفسه ؛ وتسمى هذه الحالة ، بالإضافة إلى المستغرق به بلسان المجاز ، اتّحادا ، أو بلسان الحقيقة توحيدا . ووراء هذه الحقائق أيضا أسرار يطول الخوض فيها » « 1 » . وفي هذا الوقت ساغ لعمر السهروردي ( ت 632 هـ / 1234 - 5 م ) أن يضمّن كتبه دفاعا حارّا لا عن الحلّاج فقط ، وإنّما عن أبي يزيد البسطامي ( ت 261 هـ / 874 - 5 م ) قبله في قوله : « سبحاني ما أعظم شاني » ، سوّغه ، وعرّج على الحلّاج في قوله : « أن الحق » ففنّده بأنه « إنما كان على معنى الحكاية عن اللّه تعالى » « 2 » شأن عبارة أبي يزيد السابقة . وجاء في كتاب جلال الدين الرومي ( محمد بن محمد البلخي ، ت 672 هـ / 1234 - 5 م ) المسمّى « سخنان منظوم » « 3 » ( الكلم المنظوم ) أن « نور ( الحسين بن ) منصور تجلّى ، بعد مائة وخمسين [ الصحيح بعد ثلاثمائة وخمسين سنة ] ، في فريد الدين العطار ، وصار مربّيه » ، وبهذا لم يتحرّج اليافعي من نظم قصيدة طويلة وسمها بالدرّ النضيد في جيد الملاح في بيان الاعتذار عما يصدر عن المشايخ أرباب الأحوال الملاح ، ضمّن في مقدّمتها قوله : « وقيل : الحلّاج وما منه في ظاهر الشريعة يستباح ، وكونه شهيدا لأن الغائب بالحال ما عليه جناح » ، وقال فيها : .......................................................................................... ( 1 ) مشكاة الأنوار ، بتحقيق أستاذنا المرحوم د . أبو العلا عفيفي ، الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة 1964 م ، ص 59 - 60 ، وانظر إشارة أخرى في ص 62 . ( 2 ) ذكر ذلك اليافعي في مرآة الجنان ( 2 / 255 ) نقلا عن « عوارف المعارف » ولم نجد النص فيه فلعل الطبعات ناقصة أو لعل الخبر في كتاب آخر . ( 3 ) غرائب المسائل لفاضل محمد ، مخطوط جامعة أوكسفورد ، المكتبة البودلية ، ورقة 13 ب ، وانظر : سخنان منظوم لجلال الدين الرومي .
« 91 » وبعض عن الأكوان فان ، وبعضهم * به جاوز الإسكار حدّا معربدا فسلّ عليه الشرع سيفا حمى به * حدودا ، فذا الحلّاج ماض محدّدا فمات شهيدا عندكم من محقّق * وكم ( عندكم ) يخرج عن النهج ملحدا« 1 » . وعبّر عز الدين بن عبد السلام المقدسي ( ت 660 هـ / 1262 م ) عن مشاعره تجاه الحلّاج ، فقال على لسان الصوفية على العموم : هيهات ما قتلوه * كلا ولا صلبوه لكنهم حين غابوا * عن وجده شبّه وهأحبابه حين غاروا * عليه قد غيّبوه سقوه صرفا وراموا * كتمان ما أودعوه فما أطاق ثبوتا * لثقل ما حمّلوه فتاه سكرا ونادى : * أنا الذي أفردوه يا لائمي كيف أخفي * في الحب ما أظهروه أم كيف يكتم قلب * بالشوق قد مزّقوه « 2 » وحكي عن الشيخ علاء الدين السمناني ( أبي المكارم ركن الدين أحمد بن محمد ، من نسل ملوك سمنان في نواحي خراسان ، ت 736 هـ / 1336 م ) وكان من شيوخ التصوّف الكبار في القرن الثامن الهجري ( الرابع عشر الميلادي ) ، أنه قال في المفاضلة بين الحلّاج وفرعون : « سيطرت على نفسي حال ( صوفية ) شديدة فقصدت إلى زيارته [ المقصود : الحلّاج ] ( في عالم الأرواح ) . وبعد إعمال المراقبة وجدته في أعلى عليين ( من الجنة ) . عندئذ توجهت إلى اللّه تعالى بالمناجاة ودعوته قائلا : إلهي ، كيف يكون فرعون في سجّين لقوله : أنا ربّكم الأعلى ويكون الحلّاج في أعلى عليين وقد قال : أنا الحق ، وكلاهما ادّعى الإلهية ؟ وما الحكم في ذلك ؟ فنادى ( تعالى ) في سرّي : لقد وقع فرعون إلى البين ولم ير غير نفسه فأضاعنا ، .......................................................................................... ( 1 ) مرآة الجنان لليافعي 2 / 266 ، ونص الأبيات مصحّف وقد أصلحناه جهد المستطاع ، وورد البيت الثالث في « نشر المحاسن الغالية » لليافعي أيضا ، مصر 1381 هـ / 1961 م ، ص 286 - 7 . ( 2 ) شرح حال الأولياء ، مخطوط المتحف العراقي ببغداد ، ص 108 .
« 92 » ولم ير الحلّاج غيرنا فأضاع نفسه ، وما أعظم هذا الفرق » « 1 » ، وهي قصة تبين عن تحليل الموقف وتبن لقضية الحلّاج وموافقته على أن قوله : « أنا الحق » ، قد صدر عن شطح أو عن حكاية عنه تعالى ، كما قال شهاب الدين عمر السهروردي في ما مضى . وتجاوزت هذه العاطفة شيوخ التصوف خلال العصور حتى بلغت العامّة فسمعنا قائلهم يقول على لسان الحال : الخمر دنّي ودنّ الخمر ريحاني * ومجلس الذكر تسبيحي وعيداني ما يشرب الخمر إلا من يكن بطلا * ويطلّق النوم لم تغمض له أجفاني طلّقت نومي ولم اسلا حلاوته * حتى بقي جفن عيني ساهرا فاني أنا الحسين أنا الحلّاج يا فقرا * ذوّبت سيدانهم ( ! ) من عظم برهاني أنا الذي شاع ذكري في الملا الأعلى * حلجت قطني بتقواي وإيماني « 2 » وفي المجال الشيعي ، الذي قيل : « إن الحلّاج ثار عليه ونازع زعماءه مكانتهم ، حظي الحلّاج عند ثلاثة من أشهر رجالهم وأولهم الفيلسوف العالم نصير الدين الطوسي ( أبو جعفر محمد بن الحسن : ت 672 هـ / 1289 م ) الذي اعتذر عن الحلّاج في قوله : أنا الحق بأنّه إنّما قال ذلك ومراده « رفع الإنّية دون الإثنينية » « 3 » . وسرى هذا الميل إلى العطف على الحلّاج إلى النزّاعين إلى التصوّف من الشيعة ومنهم القاضي نور اللّه التستري صاحب مجالس المؤمنين ( ق 1019 هـ / 1610 م ) الذي سرد خصومة الشيعة للحلّاج ثم عقّب عليها بقوله نقلا عن السنجري : « إن الحلّاج كان يدعو الناس إلى إمامة محمد المهدي صاحب الزمان ويقول لهم : إنه سيظهر من طالقان الديلم عن قريب . وبناء على ذلك ألقي القبض عليه وسيق إلى بغداد حيث أوخذ . ومن هنا يظهر أن .......................................................................................... ( 1 ) محفل الأوصياء للأردستاني ، ورقة 245 ب . ( 2 ) ديوان الحلّاج ، جمع وتحقيق ماسينيون باريس 1955 ، ص 141 . ( 3 ) انظر ذلك في هامش قول الحلّاج : بيني وبينك إني يزاحمني * فارفع بلطفك إنّي من البين
« 93 » ذنب الحلّاج إنما كان الانتساب إلى مذهب الشيعة الإمامية والاعتقاد بوجود مهدي أهل البيت ( ع ) ودعوة الناس إلى نصرته وحثّهم على الثورة على الدولة العباسية » « 1 » . ومع وضوح المغالطة في هذا السرد ، يبدو مدى العطف الذي حظي به الحلّاج من لدن متصوفة الشيعة على العموم بحيث ساغ لهم أن يبرروا أشقّ الأمور لصرف اللوم عنه . ومن هؤلاء الشيعة المعجبين بالحلّاج أيضا بهاء الدين العاملي ( محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي ، ( ت 1031 هـ / 1622 م ) الذي نظم في الحلّاج شعرا فارسيا ترجمته : « إذا ساغ أن ينطق اللّه من خلال شجرة ، فلم لا يسوغ أن ينطق من خلال الحلّاج لطفا وحسن طالع » « 2 » . وفوق هذا نفذ الحلّاج إلى أعماق المجتمع الإسلامي في المشرق ، على الخصوص بتأثير من الطرق الصوفية ، ففي تركية ما زال أتباع الطريقة المولوية يسمون المزمار الرئيسي في أذكارهم « ناي المنصور » « 3 » . وكذا ما زال أتباع الطريقة البكتاشية فيها يتبعون ، في حفل تخريج المريدين ، تقليدا حلّاجيا واضحا يتمثل في إفرادهم مكانا في تكاياهم ، التي يسمونها « الميدان » ، يطلقون عليه اسم « دار منصور » « 4 » ، يريدون « صليب الحلّاج » « 5 » . [ الصحيح صلّابة أو مشنقة منصور ] . فإذا أتمّ المريد سلوكه واستحق لقب « بكتاشي » جاؤوا به إلى « دار منصور » ووضعوا في عنقه حبلا يرمز إلى أنه « قد مات عن هذه الدنيا الفانية ورحل إلى ميادين المعشوق الإلهي » « 6 » . وذكرت المستشرقة الألمانية آنّه - ماري شيمل أن الأتراك يتمثلون بعبارة .......................................................................................... ( 1 ) مجالس المؤمنين ، طهران 1320 هـ / 1902 م ، ص 259 . ( 2 ) انظر حواشي قول الحلّاج السابق من الديوان . وراجع روضات الجنات للخوانساري ص 127 ، والحق أن الأصل النثري لهذا المعنى يرد في تذكرة الأولياء للعطار ، تحقيق محمد القزويني ، طهران ، 1942 م ، 2 / 109 . ( 3 ) المنحنى الشخصي للحلّاج ( كتاب شخصيات قلقة ، ص 88 ) . ( 4 ) الحلّاج : شهيد العشق الإلهي لآنه ماري شيمل ، مجلة « فكر وفن » الألمانية الغربية ، العدد 13 ، العام السابع 1969 م ، ص 19 - 30 وانظر هاتين الإشارتين في ص 25 . ( 5 ) الحلّاج : شهيد العشق الإلهي لآنه ماري شيمل ، مجلة « فكر وفن » الألمانية الغربية ، العدد 13 ، العام السابع 1969 م ، ص 19 - 30 وانظر هاتين الإشارتين في ص 25 . ( 6 ) الحلّاج : شهيد العشق الإلهي لآنه ماري شيمل ، مجلة « فكر وفن » الألمانية الغربية ، العدد 13 ، العام السابع 1969 م ، ص 19 - 30 وانظر هاتين الإشارتين في ص 25 .
« 94 » تقول « إن الوردة التي ألقاها الحبيب آلمتنا » « 1 » ، إشارة إلى أسطورة ذكرها فريد الدين العطار في كتابه « تذكرة الأولياء » من أنّ الحلّاج تحمّل رجم الناس صابرا راضيا ، لكنه جزع من وردة حصبه بها الشبلي صديقه القديم ، ومن هنا كان وقعها عليه أشدّ من وقع الأحجار الشادخة « 2 » . ولاحظت هذه الكاتبة أيضا ، في ما لاحظت ، انتماء الحلّاجين في تركية إلى الحلّاج باعتباره رئيسهم الروحي ومثلهم الأعلى ، وقالت : « وأذكر أنه أتى إلى دارنا في إستانبول حلّاج لتحليج ( كذا ) قطن الفراش وأنه حكى لي قصصا كثيرة عن الوليّ المحترم منصور » « 3 » . وفوق هذا ذكر ماسينيون أن الحلّاج يدعى [ يستنجد به ] في الدعوات الشخصية . . . لوقف بكاء الأطفال الصغار على وجه التخصيص » « 4 » . وذكرت السيدة شيمل المذكورة من مشاهداتها في الهند أنه « وجد في كجرات بالهند صنف من الملّاحين يدعون المنصوريين ، أي أن الحلّاج هو وليّهم الخاص » « 5 » . وذكرت أنها رأت عام 1961 م في قرية صغيرة في السّند ، القريبة من حدود البلوجستان « طائفة من القوّالين » ، أي الموسيقيين الذي يطوفون البلاد يترنمون ويتغنون ، وإذا بشعر يردّد فيه بعد كل بيت : سلوا العاشقين عن شروط العشق * وإن لا تصدقوا فسلوا من مثل منصور « 6 » . وذكرت في ما يتصل بوادي السند والبنجاب في الهند أنه « ما من شاعر صوفي في هذه المنطقة إلا ويذكر اسم ذلك العاشق الشهيد في أبياته » « 7 » . وعقّبت على ذلك بقولها : « هكذا شاعت شهرة الحلّاج في قرى الهند وباكستان : تنشد أحواله العشائر البتّانية في جبال أفغانستان والفلاحون في الپنجاب والملّاحون على نهر السند» «8». ......................................................................................... ( 1 ) أيضا : ، ص 24 . ( 2 ) تذكرة الأولياء 2 / 114 - 115 . ( 3 ) فكر وفن ، العدد السابق ص 25 . ( 4 ) المنحنى الشخصي ص 88 . ( 5 ) الحلّاج شهيد العشق الإلهي ص 25 . ( 6 ) أيضا : ص 27 . ( 7 ) أيضا : ص 27 . ( 8 ) أيضا : ص 27 .
« 95 » وفي العراق ، حيث لا يزال قبر الحلّاج الخالي من رفاته ، الذي شيد له منذ القرن الخامس الهجري ( الحادي عشر الميلادي ) ، يقاوم عوامل الفناء ويحظى بزيارة أعداد من الناس « أكثرهم من الهنود والباكستانيين » ليضعوا على القبر شموعا ونقودا . ويصرّ السيد صالح بن عبد اللّه القصير ، مختار محلة المنصورية التي يقع فيها القبر ، على « أنّ نورا خافتا يظهر عند الليل من قبره » « 1 » . ولما ذكر له الأخ عادل الألوسي ، الذي زار القبر وقابل المعنيين به ، أن هذا النور ربّما كان بسبب إيقاد الشموع التي يضعها الناس عليه قال : « لا أعلم ، فليس للشموع أن تبقى حتى الصباح » « 2 » ، وأخذ يردد كلاما حول « معجزات الحلّاج وحياته » « 3 » . وفي العراق أيضا زحفت شهرة الحلّاج إلى المجتمع التركماني في كركوك فرست على شكل مثل يضرب للاضطراب وعدم التنظيم في البيوت والغرف ونصه المترجم إلى العربية « كأنّه حلّاج منصور ! » « 4 » . ومن المرجح أن الحلّاج قد خلّف أثرا في المجتمعات الإسلامية الأخرى عربية وغير عربية ، من نماذج هذه الآثار أنّ القرويين الفلسطينيين اعتادوا أن يسبغوا على هذا الصوفي القداسة حين تجمعهم مجالسهم وترد سير الصالحين . وقد حدثني الزميل الكريم الدكتور عبد اللطيف البرغوثي ، خبير اليونسكو في كلية التربية بطرابلس الغرب ، أنه ، بالإضافة إلى كتابة دم الحلّاج عبارة « لا إله إلا اللّه » المحورة عن ( اللّه ، اللّه ) التي ترد في الأخبار ، زحزح القصر الذي عاش فيه الحلّاج عند القرويين الفلسطينيين قرنين ونصفا من الزمن إلى الأمام فجمعه مع الحجّاج في محاورة جريئة مفادها أن الحجّاج - بوصفه نموذجا للظلم والتعسف - قال للحلّاج : « ابصق في خراب لا يعمر ، وإلا قطعت رأسك » تعجيزا وتجبرا « فنظر الحلّاج حوله ثم بصق في عين الحجاج العوراء ! » . ويستطيع المتتبع أن يجمع مادة أوسع حول هذه النقطة ، غير أن في ما ذكرناه غنية لهذا المجال . .......................................................................................... ( 1 ) من رسالة بعث بها إليّ مشكورا الأخ السيد عادل الآلوسي بناء على تكليف مني بذلك في 25 آذار 1970 م . ( 2 ) هذه الرسالة أيضا . ( 3 ) هذه الرسالة أيضا . ( 4 ) أخبرتنا بهذا زوجتي السيدة سماحة النفطحي ، وهي من هناك .
* * *
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: شعر الحلاج و ديوان الحلّاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 10:52 pm
شعر الحلاج و ديوان الحلّاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد
ديوان الحلّاج
واضح من ثبت مصنفات الحلّاج ، الذي سجلناه في ما مرّ ، أن هذا الصوفي لم يهتم بجمع شعره في حياته ، فلا بد أنه كان مفرّقا بين مصنفاته التي منعت السلطات تداولها ومحفوظا في صدور أخصّائه وأوراقهم . ورجل ، مثل الحلّاج في حياته العاصفة ومكانته عند الصوفية ، لا يعدم رجالا يبذلون أقصى الوسع في جمع أشعاره باعتبارها خزانة آرائه وذكرى حيّة من ذكراه ومجالا للتمثّل والترنّم وبث روح النشاط في الأفكار والمجالس وغيرها . وأول من سجلت المصنفات له هذا السعي صراحة ، هو أبو عبد الرحمن السلمي ( محمد بن الحسين النيسابوري ، صاحب طبقات الصوفية وغيره ، ت 412 هـ / 1022 م ) يفقد ذكر الخطيب البغدادي ( أبو بكر أحمد بن علي ، ت 463 هـ / 1071 م ) في ترجمة أبي عبد الرحمن ما يلي :« أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن النيسابوري ( صاحب الرسالة القشيرية ، 376 - 465 هـ / 986 - 1073 م ) ، قال : كنت يوما بين يدي أبي علي الحسن بن علي الدقاق ( النيسابوري ، ت 406 هـ / 1016 م ) فجرى حديث أبي عبد الرحمن السلمي وأنه يقوم في السماع موافقة للفقراء . فقال أبو علي : مثله في حاله لعلّ السكون أولى به ! ثم قال لي : امض إليه ، فستجده قاعدا في بيت كتبه وعلى وجه الكتب مجلّدة حمراء مربعة صغيرة فيها أشعار الحسين بن منصور ، فاحمل تلك المجلدة ولا تقل له شيئا وجئني بها - وكان وقت الهاجرة فدخلت على أبي عبد الرحمن ، وإذا هو في بيت كتبه والمجلّدة موضوعة بحيث ذكر . . . فقلت : إن الأستاذ أبا علي وصف هذه
« 140 » المجلدة وقال لي : أحملها إليّ من غير أن تستأذن الأستاذ ، وأنا أخاف وليس يمكنني مخالفته ، فأيش تأمر ؟ فأخرج أخيرا مجموعة من كلام الحسين بن منصور وفيها تصنيف له سمّاه الصيهور في نقض الدهور ، وقال : احمل إليه هذه وقل له : إني أطالع تلك المجلّدة فأنقل منها أبياتا إلى مصنفاتي ، فخرجت » ( تاريخ بغداد 2 : 248 - 249 ) . وإذ توفي الدقّاق سنة 406 هـ / 1016 م فلا بد أن هذه الحادثة وقعت قبل هذا التاريخ وربما كان ذلك في نحو سنة 394 هـ / 1003 - 4 م ، وللقشيري نحو ثمانية عشر عاما . ويتبيّن من سياق هذه الواقعة أن ديوان الحلّاج كان شيئا نادرا جدا بحيث لم يتوان الدقاق ، على جلالة قدره عند الصوفية بنيسابور ، أن يأمر مريدا له بسرقته صراحة . وإذ لم يعاصر أبو عبد الرحمن السلمي الحلّاج فبديهي أن يكون الديوان قد وصله من أشخاص آخرين عاصروا صوفيّنا أو جمعوه من معاصريه . وقد بذل ماسينيون جهودا جبارة في الوصول إلى هذه الحقيقة وكان رأيه أن تلميذا للحلّاج هو فارس بن عيسى البغدادي « 1 » ( الدينوري الذي توفي في سمرقند نحو سنة 342 ه / 953 م ) هو هذا الجامع وأنه كان أستاذا للكلاباذي ( أبي بكر محمد بن إسحاق البخاري ، ت 380 هـ / 990 م ) ، صاحب كتاب التعرف ، ومصدرا من مصادر السلمي المذكور . ورجّح ماسينيون أن هذا الجمع قد تم بين سنتي 332 و 325 هـ / 933 و 936 م ( انظر مقدمة الديوان ) . وقد جهد ماسينيون في البحث عن نصّ حتى وفق إلى استخلاصه من ستة مخطوطات يكمل بعضها بعضا ورأى فيها ما يحقق طلبه ، فنشره على صورة « ديوان » بعد محاولة سابقة اعتمد فيها على أربعة فقط . وفي النهاية ، صار في وسعه أن يقول : « وبهذا نرى أن هذا هو ديوان الأشعار والمناجيات الذي كتبه الحلّاج وهو الذي رآه القشيري في مكتبة السلمي بنيسابور . . . » وهو إرسال ليس فيه تحرّي العالم ولا تدقيقه ! مهما يكن الأمر فقد ذكر الهجويري ، المعاصر للقشيري ، أنه قصد من دمشق إلى الرملة صحبة درويش لزيارة ابن المعلّا .......................................................................................... ( 1 ) انظر ترجمته في تاريخ بغداد ، 12 / 390 - 391 .
« 141 » [ المعلّى ] في طلب أشعار الحلّاج ومناجياته ، فكان أن حقّق أمنيته وحصل على جزء فيه الأشعار والمناجيات التي جاء بطلبها ، كما في كشف المحجوب ( ص 447 - 448 ) . فإن كان لنا أن نبذل جهدا ، في اتّجاهين ، أوّلهما تحصيل مجلدة السلمي . وثانيهما : البحث عن الجزء الذي ظفر به الهجويري من ابن المعلّا [ المعلّى ] الرملي المذكور ، أمكننا أن نجمع هذا التراث الضائع من جديد . أما مخطوطات ماسينيون الستة فهي بأجمعها غفل من المصنف وهذا بيان بها : 1 - « كتاب في سيرة الشيخ الشهيد حسين بن منصور الحلّاج ، أو مقامات الحلّاج ومقالاته » ، نسخة المكتبة المركزية الشرقية بقازان في الاتحاد السوفياتي ( رقم : فنون شتى ، ص 68 ) . 2 - « ترجمة حسين بن منصور الحلّاج وشيء من كلامه وما جرى له مع الخليفة وصفة قتله ، رحمه اللّه رحمة واسعة » مخطوط دار الكتب المصرية ، نسخة أحمد تيمور باشا ، رقم تاريخ 1291 ، ( الأوراق من 1 - 58 ) . 3 - نسخة الخزانة السليمانية باستانبول ضمن المخطوط رقم 1028 ( الأوراق 358 ب - 365 ب ) وهي مجموعة من القطع المتجانسة التي تروى كل مرة تقريبا بعد مناجاة جذبية ، وليس لها عنوان معيّن . 4 - « تقييد بعض الحكم والأشعار : مختصر من كلام السيد أبي عمارة الحسين بن منصور الحلّاج ، رضي اللّه عنه » ، نسخة المتحف البريطاني بلندن برقم 9692 .Add. 5 - « بعض إشارات الحسين بن منصور الحلّاج وكلامه وشعره » أو « الرسالة الحلّاجية » وهي نسخة الأستاذ ماسينيون ، ابتاعها سنة 1912 م بواسطة الشيخ طاهر الجزائري بالقاهرة ( الأوراق 1 - 5 ) ويبدو أنها ضمن مجموع .
« 142 » 6 - « حكاية الحسين بن منصور الحلّاج » نسخة برلين 3492 ( الوقف الثاني لبيترمان رقم 553 ، ورقة 41 أ - 43 أ ) . ونستطيع إضافة أصلين إلى هذه الستة وهما : 1 - « قصة حسين الحلّاج وما جرى له حين ثار فيه الوجد » وهي رسالة نشرها ماسينيون نفسه في مجلةOrientala Suecanaالسويدية التي تصدرها جامعة أوبسالا ، المجلد الثالث لسنة 1954 ، ص 102 - 114 ولم يفد منها الأستاذ ماسينيون في طبعته الأخيرة للديوان سنة 1955 م . 2 - « قصة حسين الحلّاج وما جرى له مع علماء بغداد » ، طبع المكتبة الأدبية بحلب ، دون تاريخ . من هذا يتبين أن الديوان الذي أخرجه ماسينيون ، ونخرجه نحن اليوم ، لم يكن في الأصل على هذه الصورة وإنما صنعه هو من مصادر تتمثل في رسائل صغيرة تتضمن شذرات من أخبار الحلّاج متلوّة أو محشوّة بأشعاره عن غير قصد . فإذا كان الأمر كذلك ساغ لنا ما فعلناه ، وفعله ماسينيون من قبل ، من تطلّب هذه المادّة من كل مصنّف يعرض الحلّاج ، بشتى الصور ، على أمل تضمّن أخباره لجانب من أشعاره . وهكذا فعلنا فارتدنا ما بلغته أيدينا من ذلك في تراجم هذا الصوفي في كتب التاريخ والرجال والأدب وعلم الكلام مما هو مبسوط في ثبت المصادر . على أنّ مما ينبغي أن يشار إليه جملة من الكتب الضائعة التي تضمنت أخبارا للحلّاج وأشعارا ولم تحصل في يد المحققين بعد فمنها : 1 - كتاب لابن علي الخطبي ( أبي محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل ( 269 - 350 هـ ، نسبة إلى الخطب وإنشائها ) ، وقد ذكر ابن تيمية في هذا المجال أنه « قد جمع العلماء أخباره في كتب كثيرة أرّخوها ( كذا ) الذين كانوا في زمانه والذين نقلوا عنهم من ابن علي الخطبي . . . » ( جامع الرسائل ، رسالة في الجواب عن الحلّاج ، ص 188 ) . 2 - كتاب أبي يوسف القزويني ( عبد السلام بن محمد بن يوسف بن
« 143 » بندار ، شيخ المعتزلة الزيدي ، 393 - 488 هـ / 1002 - 1095 م ) ( كما في جامع الرسائل أيضا ، ص 188 ، والتعريف لمحقق الكتاب ، وانظر هامش النص الرابع من كتاب أربعة نصوص لماسينيون ، ص 66 ) . 3 - كتاب في شرح كلام الحلّاج للهجويري ( أبي الحسن علي بن عثمان الجلّابي الغزنوي ، ت 466 هـ / 1077 م ) ، صاحب كشف المحجوب ، وقد ذكره في هذا الكتاب ، ص 192 . 4 - كتاب البيان لأهل العيان ، له أيضا في الردّ على الحلّاجية المذكورين أيضا ص 333 . 5 - كتاب البراهين في الرد على الحلّاجية البغداديين له أيضا ( الكتاب نفسه ، ص 192 ) . 6 - كتاب « في معنى ما زاغ البصر وما طغى » في أن الرسول كان في جمع الجمع فلم يلتفت إلى شيء ، ويبدو أنه شرح لكتاب الحلّاج« النَّجْمِ إِذا هَوى »الذي يمثل عنوانه الآية الأولى من سورة النجم وكتاب الهجويري الآية الثانية منه . ( الكتاب نفسه ، ص 333 ) ، ( وانظر مصنف الحلّاج رقم 33 في ثبت كتبه الماضي ) . 7 - كتاب « القاطع لمحال اللّجاج القاطع بمحال الحلّاج » لابن الجوزي ( أبي الفرج عبد الرحمن بن علي البغدادي ، ت 597 هـ / 1201 م ) . وقد ذكره في المنتظم ( 6 : 162 ) وقال المؤلف في التعريف به : « أفعال الحلّاج وأقواله وأشعاره كثيرة وقد جمعت أخباره في كتاب سميته القاطع . . . فمن أراد أخباره فلينظر فيه » ( تلبيس إبليس له أيضا ، ص 166 - 167 ) ، وابن الجوزي مواطن عراقي قديم ولعل كتابه هذا يظهر يوما ما كما ظهر غيره . 8 - أخبار الحلّاج لابن الساعي ( تاج الدين علي بن أنجب البغدادي ، ت 674 هـ ) وهو - بوصف الحاج خليفة - « مجلد » ( كشف الظنون له ، ص 74 ) . 9 - ويبدو أن أول كتاب صنّف في أخبار الحلّاج هو « رسالة في أخبار
« 144 » الحلّاج » لهارون بن عبد العزيز الأوارجي ( ت 344 هـ / 955 م ) ومنها نقل السيد محمد الحسيني خبر قتل عمرو بن الليث الصفّار لأبي الحلّاج ( بيان الأديان ، مجلة فرهنك إيران زمين ، العدد السابق ، ص 302 ) . ومما يؤكّد هذا أن الخطيب البغدادي أشار إلى كتاب الأوارجي المذكور ، المعاصر للحلّاج ، ووصفه بأنّه « ذكر فيه مخاريق الحلّاج والحيلة فيها » ( تاريخ بغداد 8 / 134 ) . وبالرجوع إلى نصّ الحسيني المنقول عن رسالة الأوارجي يتبين أنه كان مهتما بكرامات هذا الصوفي مما يرجّح وحدة النصّين وكونهما تلك الرسالة الأولى في أخبار الحلّاج . ولجملة صالحة من الكتب الخاصة بأخبار الحلّاج، انظر مقدمة كتاب « أخبار الحلّاج لمجهول » التي كتبها ماسينيون وبأول كراوس. وبعد فهذا ديوان الحلّاج وشرحه في هيكله الجديد ، أرجو أن أكون سددت به ثغرة ، وكفيت حاجة . واللّه من وراء القصد . ك . م . ش . شعر الحلّاج 1 - من الظواهر الغريبة في تاريخ التصوّف أن الشعر الصوفي لم يساير تطور التصوف ، قوة وضعفا ، خلال القرون وإنما كان متخلفا عنه أيام قوته ونضجه في القرنين الثالث والرابع الهجريين [ - التاسع والعاشر الميلاديين ] متفوّقا عليه في القرنين السادس والسابع الهجريين [ الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين ] ، وما بعدهما . والظاهر أن البناء النفسي والفكري للتصوّف سار أشواطا لم يقو الشعر على قطعها في المدة نفسها لسبب بسيط ، هو أن الشعر يتطلب ممارسات معينة ، قياسية في الغالب ، ذات تقاليد وصور وألفاظ تحتاج إلى إنعام نظر ودربة ورياضة وخبرة لم تكن قابلة للمعايشة والمتابعة والتنمية لانشغال الصوفي ، على العموم ، ببواطنه لا بقصد التعبير وإنما بقصد العمارة والبناء والتطبع قبل كل شيء . والحق أن هذه المشغلة هبطت بالشعر الصوفي عن الطبقة التي كان ينبغي أن يرتفع إليها . وبيان ذلك أن طابع التركيز في التربية الصوفية من التلبس بالمقامات ومعاناة الأحوال والإلحاح على تحصيل خلائق بعينها ، كالزهد والتوبة والفتوة والفناء والجمع وعين الجمع وما إلى ذلك ، كلّه يستوفي جهد الصوفي ويستنفد وقته ، فلا يدع له مجالا للعناية بشؤونه الأخرى ، ومنها قرض الشعر وصقله والظهور بمظهر الشاعر التقليدي الصنّاع القادر على تطويع الألفاظ للمعاني التي تعتمل في نفسه . ولهذا تلمسنا في الشعر الصوفي المبكر ركة وضعفا وسذاجة في اللفظ والقافية والصياغة ، وإن
« 146 » كان حافلا بالمعاني الأبكار والأحاسيس الدفينة . أما اللفظ فقد خان الصوفية كثيرا لتركيزهم على معنى بعينه في رحلتهم الصوفية النفسية التي يفرض فيهم أن يقطعوا المقامات واحدا بعد الآخر بعد تشبّعهم بمعناه . ونموذج على هذه الظاهرة يتمثل في قول الشبلي أثناء مغالبته مصاعب مقام الصبر : صابر الصبر فاستغاث به الصب * ر فقال المحب للصبر : صبرا ! فقد حمله امتلاء نفسه بمعاني الصبر وتمثّله لها في كل لحظة ومعايشته لها بقصد تطويعها لنفسه وغرسها فيها ، بوصفها طبيعة من طبائعه ، حمله ذلك على التكرار مرة بعد مرة دون إحساس بأن ذلك القبيح في الشعر ، وأن على الشاعر أن يروض نفسه على السعة والتشعّب ليحصّل القدرة على التصرف في الألفاظ لا الرضوخ لها والاستئسار لسلطانها . لكن غلبة العنصر النفسي أدى إلى الاستجابة إليه على القيم الجمالية التي كانت مرعية لأيامه . 2 - أ . وقد وقع الحلّاج في هذا العيب النقدي في قوله - مكررا لفظ النور وجمعه أربع مرات في شطر واحد ، وكلمة السر ومشتقاته أربع مرات في الشطر الثاني - : لأنوار نور النور في الخلق أنوار * وللسر في سرّ المسرّين أسرار ومثل هذا وقع في قوله : يا كلّ كلي ، وكلّ الكل ملتبس * وكلّ كلّك ملبوس بمعنائي ومما يذكر هنا أن ابن العربي الحاتمي الطائي ، كان شيخ الصوفيين الأكبر وخبيرهم في اللغة والشعر،( ت 638 هـ / 1241 م )، وقع في هذا المحذور ، لا انقيادا وضعفا ، وإنما قصدا وتعمدا ، وابداء لبراعته في التصرف في الألفاظ ، غير أنه خرج بهذا التعبير عن الشعر ألقريض ، الذي تتحكم فيه التقاليد المذكورة ، إلى الشعر العامي الذي يبدو أن تقاليده وقواعده كانت تسمح بهذا التكرار . من هنا قال ابن العربي الحاتمي الطائي على المواليا :
« 147 » إياك إياك يا من أحياك من إياك * واخرج لإياكّ من إياك عن إيّاك وافنى بإيّاك عن إياك عن إياك * وانظر لإياك تلق إياك هو إيّاك « 1 » .2 - ب . ودون وعي ودون اهتمام ، وانشغالا بالقيم الروحية ، وقع الحلّاج في محذور شعري آخر هو ملء البيت من الشعر بحشد من حروف الجر كقوله : العشق من أزل الآزال من قدم * فيه به منه يبدو فيه إبداء وقوله : كان الدليل له منه إليه به * من شاهد الحق في تنزيل قرآن كان الدليل له منه به وله * حقا وجدناه في تنزيل فرقان ولعل القارئ لاحظ أن البيتين الأخيرين يحفلان بأحد عشر حرف جر عدا ، وهو أمر ممجوج جدا في عالم الشعر التقليدي ، لكنه كان - بالنسبة للحلّاج - مظهرا من مظاهر التركيز والفهم والإشارة ، إذ به ينقطع الطريق على الجهات الست كلها أن تدعي إحداها أنها خلو من الإشارة إلى معنى الحق ، أو يسوغ لإحداها فقط الصلاح لتضمّن الحق أو احتوائه . بل إن تداعي المعنى ليشير إلى جهة سابقة ليست الفوق ولا التحت ولا الخلف ولا الأمام ولا اليمين ولا اليسار ، بل هي المركز الذي هو الذات أو القلب ويشار إليه بالباء . وهذه الباء المركزية أيضا غريبة وضعيفة عن حمل الحق وتحمله وإن كان لها شأن آخر في أفكار الحلّاج كما تأتي الإشارة . 2 - ج . فوق هذا شغل التوجّه الروحي الكامل الحلّاج عن الوقوع في عيوب شعرية طالما أخذت على كبار الشعراء . لكنها كانت - بالنسبة للحلّاج - مظهرا من مظاهر السذاجة وقلة البضاعة من فنون الشعر العملية . من هذه النماذج قلبه الهاء في القافية همزة في قوله : واللام بالألف المعطوف مؤتلف * كلاهما واحد في السبق معناء .......................................................................................... ( 1 ) روض البشر في أعيان دمشق في القرن الثالث عشر لمحمد جميل الشطي ( 1201 - 1300 هـ / 1786 - 1883 م ) ط . دمشق 1946 م ، 1 / 185 .
« 148 » وقلبه الياء همزة في قوله : لبيك لبيك يا سرّي ونجوائي * لبيك ، لبيك يا قصدي ومعنائي أدعوك ؟ بل أنت تدعوني إليك فهل * ناديت إياك أم ناديت إيائي وواضح أن الأصل في كلمتي القافية هو « معناي وإياي » . ويذكر أن أبا نواس نفسه وقع في هذا المنزلق وعنه أخذ الحلّاج ، وللقارئ أن يرجع إلى تعاليقنا على هذه المقطعة في مكانها المناسب من كتابنا هذا . 2 - د . وعيب آخر من عيوب القافية جاز على الحلّاج فالتبس به دون أن يشعر ، وذلك باستعماله قافية نادرة الورود في الشعر هي الياء المكسورة في قوله : من مقطعة - : يا جملة الكل لست غيري * فما اعتذاري ، إذن ، إليّ وقد أخذ أبو العلاء المعرّي على الحلّاج هذا العيب وذكر أن غيره من الشعراء المتأخرين وقع فيه أيضا ، وللقارئ أن يرجع إلى التعاليق للوقوف على النص وموضعه من رسالة الغفران . وقد فطن المصنفون من ذوي الاطلاع على التصوف إلى هذه الركّة البادية في شعر الحلّاج فعبّر عن آرائهم شيخ من كبار المصنفين في الإسلام - هو ابن الجوزي - في وصفه شعر الحلّاج بأنه « غير مهذّب » . 3 - أ . وينبغي أن يشار إلى أن شعر الحلّاج - في جملته - ينطبع بطابع العقلانية والتعبير المباشر عن المعاني النفسية - فلسفية وعاطفية - بأسلوب يتعلق بالمعاني دون الألفاظ ، وبالجمل المرسلة - إن صح التعبير - الخالية من التعقيدات البيانية والتركيبات الحافلة بالصور . من هنا يصلح شعر الحلّاج للترجمة كما صلح شعر الخيام ومن سواه من شعراء الفلاسفة . فكأن التعبير السلس المرسل ميزة للشعر - في اللغات كلها - تجعل منه عملة أدبية قابلة للتداول في المجتمع الإنساني كله ، وإذا صح هذا الحكم ساغ لنا أن نشير إلى أن الحلّاج قد ألمّ بشيء من التشبيهات من نحو قوله معبرا عن الحب الإلهي والشوق إلى المثل الأعلى:
« 149 » يسري وما يدري وأسراره * تسري كلمح البارق النائر كسرعة الوهم لمن وهمه * على رقيق الغامض الغائر ومن تشبيهات الحلّاج البسيطة قوله : وأطيب الحبّ ما نمّ الحديث به * كالنّار لا تأتي نفعا وهي في الحجر وقوله :يا شمس ، يا بدر ، يا نهار * أنت لنا جنّة ونار أما ألفاظ الحلّاج فكانت - كألفاظ الشبلي الذي جمعنا شعره من قبل - حافلة بألفاظ الصوفية ، التي لا يحبها النقاد في الأدب التقليدي . فهو كالشبلي يستعمل الألفاظ : كل ، وكل الكل ، والتباعيض والأجزاء والجميع ، والجملة والحال والأحوال فوق استعماله المصطلحات الفلسفية والصوفية ، من نحو « لا أين » واللامكان والجوهر ، والذكر ، والأشباح والهياكل ، والشاهد والشهود ، والمشيئة والصفات والطوالع ، والعارف والمعارف ، والعشق وتصريفات العلوم والغير ، وتصريفات الفناء والقدم والحدوث والكفر والايمان ، والكيف واللاهوت والناسوت ، والنور وتصريفاته ، والوجد والمواجيد والوجود ، والوصل والوصال والاتصال ، فوق الألفاظ التي ترد في السحر والكيمياء كالنقطة والسمسم والشيرج والياسمين وما إلى ذلك . 4 - أ . وفي ما عدا هذا ينبغي أن يشار إلى أن شعر الحلّاج يعرض لمعان يمكن تقسيمها إلى معان حسّية وأخرى ثقافية . ويعرض شعر الحلّاج الحسّيّ لشؤون حياته المادية كالعهد بالشعراء التقليديين ، ونجد في ديوانه مقطعات تتناول مراسلات مختصرة مع أصدقائه ، وأخرى تتناول معاني غزلية حسّية وجّهها إلى أصدقائه أو وصف المحبّين ممن عرفهم أو عرّف بهم ، ومجموعة تتناول نشاطه الذهني في الموضوعات المادية كالسحر مثلا . وفوق هذا ، نجد للحلّاج شعرا ربما كان أقرب إلى اللهو ويتمثل في ثلاث مقطعات من الألغاز الشعرية التي عرفها الشعراء المعاصرون للحلّاج واتسع نطاقها بعد ذلك اتساعا كبيرا جدا حتى صار فنّا قائما بذاته.
« 150 » أما شعر الحلّاج الثقافي فيعرض لموضوعات فكرية كثيرة كانت منطلقا واحتجاجا وإثباتا لآرائه الفلسفية والكلامية والصوفية وخصوصا أفكاره الخاصة التي نادى بها بوصفه متكلما شيخ فرقة وصوفيا مسلّكا وفيلسوفا ذا آراء ومنطق . ويمكن ترتيب هذه الأشعار في تتابع وتعاقب يتبين منهما ما بشر به ثم راح ضحيته على نحو يبدأ من المصدر ، ثم يتسلسل حتى يؤدي إلى ما لا رجعة فيه من آراء تمثل أصالته وفلسفته ، أو بالأحرى ما أوخذ عليه في النهاية . 4 - ب . وإفراغا لهذه العناصر في قالب محسوس ، لا بد من التمثيل والمحاضرة لها ليكون لها مضمون وما صدق . لقد أفرغ الحلّاج ثلاثا من رسائله في قالب شعري لم يكن شيئا مألوفا ليمثل غرضا من أغراض الشعر التقليدي . فكأنه كان غرضا نادرا في هذا المجال . فكتب الحلّاج إلى صديقه أبي العباس بن عطاء الآدمي ، الذي ضحّى بحياته دفاعا عنه ، يقول :كتبت ولم أكتب إليك وإنما * كتبت إلى روحي بغير كتاب وذلك أنّ الروح لا فرق بينها * وبين محبّيها بفصل خطاب وكلّ كتاب صادر منك وارد * إليك ، بلا ردّ الجواب ، جوابي وينبغي ، لفهم هذه المقطعة ، أن نقدّر حرف العطف « أو » قبل كلمة « وارد » في البيت الثالث ليسوغ الكسر الذي فرضناه عليها . وهذا نموذج آخر لقصور الكلمات عن حمل المعنى الحلّاجي ، وبالتالي شكل آخر من أشكال الضعف في ديوان الحلّاج ، وإن كانت فيه لمع من الجمال لا تخفى . وكتب الحلّاج ، ردّا على صديق راسله ، في فترة سجنه ، ولم يستطع زيارته : أرسلت تسأل عني : كيف كنت وما * لقيت بعدك من همّ ومن حزن لا كنت إن كنت أدري : كيف كنت ولا * لا كنت إن كنت أدري كيف لم أكن
« 151 » يريد بذلك أنه كان مستغرقا في مواجيده وتأملاته استغراقا منعه من التمييز بين وجوده وعدمه ، ومن هنا كانت عبارة صديقه « كيف كنت » ؟ - في رسالته التي اقتبسها منها - غير ذات مضمون عند الحلّاج ، فاستوت عبارته « كيف كنت ؟ » و « كيف لا كنت ؟ » أي استوى الوجود والعدم ، فلم يعد مجال للسؤال عن شيء ليس له قوام . وردا على هذا الصديق أيضا ، قال الحلّاج يتشوّق إليه ويعرب عن الحب : يا من إشارتنا إليك * همّي به وله عليكروحان ضمّهما الهوى * فيما يليك وفي يديك وهو معنى يتصل بالرسالة الأولى ، فكأن الرسائل الثلاث موجهات إلى ابن عطاء . 4 - د . وكان للحلّاج قسمه من الغزل الحّسي ، وقد عبر عنه تعبيرا حمل النقاد من غير المتبحرين على إضافته إلى التصوف والحب الإلهي ومن ذلك قوله : أنا من أهوى ومن أهوى أنا * نحن روحان حللنا بدنا فإذا أبصرتني أبصرته * وإذا أبصرته أبصرتنا والشاهد على حسّية هذا الشعر قول السرّاج - مصنف كتاب اللمع ، الذي هو من أمهات كتب التصوف ، : « وهذه مخاطبة مخلوق لمخلوق في هواه . . . » ( ص 438 ، وانظر التعاليق على هذه المقطعة في قافية النون ) ، ومن هذه المقولة قول الحلّاج : يا شمس يا بدر يا نهار ، * أنت لنا جنّة ونار تجنّب الإثم فيك إثم * وخيفة العار فيك عار يخلع فيك العذار قوم * فكيف من لا له عذار ؟ ! وهو من أرقّ الشعر وأسرعه نفوذا إلى القلب لبساطته وسلامته وتلقائيته الجميلة وكأنه قيل ارتجالا .
« 152 » ومثل هذا في الرقة والجمال قول الحلّاج : يا نسيم الريح ، قولي للرّشا * لم يزدني الورد إلا عطشا لي حبيب حبّه وسط الحشا * إن يشأ يمشي على خدي مشى روحه روحي وروحي روحه * إن يشأ شئت وإن شئت يشا وكأنّ الناس استكثروا على الحلّاج هذه الرقة فخرجوا بهذه المقطعة من الغزل إلى الكيمياء فزعموا أن الرشا والخد والنسيم والريح وما إلى ذلك ما هي إلا ألفاظ رمزية لها مدلول كيمياوي وأن المشي والورد والعطش تفاعلات كيمياوية وضعت بصورة معمّاة لا يفهمها إلا الراسخون في علم الكيمياء ! وأيّا ما كان الأمر فهي من أصلح الشعر للغزل ولإثارة الشوق والحنين في القلوب الحساسة . ومن أجمل الأشعار الحسية التي نظمها الحلّاج قوله في مخلوق في الرابعة عشرة من عمره : أنت بين الشّغاف والقلب تجري * مثل جري الدموع من أجفاني وتحلّ الضمير جوف فؤادي * كحلول الأرواح في الأبدان ليس من ساكن تحرّك إلّا * أنت حرّكته خفيّ المكان يا هلالا بدا لأربع عشر * فثمان وأربع واثنتان ومما يتصل بهذا الجانب الحسّي من شعر الحلّاج مقطعة أفرغ فيها قصة إخوانية سخر فيها من صديق كان في يوم من الأيام غلاما جميلا تستجلي صورته العيون ثم عمل فيه الزمان عمله ، دون أن يحس هو بذلك ، ومن هنا قال الحلّاج له بقصد هدم غروره : دلال ، يا محمد ، مستعار ؟ * دلال ، بعد أن شاب العذار ؟ ! ملكت - وحرمة الخلوات - قلبا * لعبت به وقرّ به القرار فلا عين يؤرّقها اشتياق * ولا قلب يقلقله ادّكار نزلت بمنزل الأعداء مني * وبنت ، فلا تزور ولا تزار كما ذهب الحمار بأمّ عمرو * فلا رجعت ولا رجع الحمار !
« 153 » وواضح أن التضمين المعروف للبيت الأخير في هذه المقطعة بارع جدا ومتمكن في موضعه تمكنا لا شك فيه . 4 - و . ومن المعاني الحسية التي طرقها الحلّاج السحر الذي اشتهر به وذكر ابن تيمية أنه متضمن في كتاب مشهور كان معروفا حتى القرن الثامن الهجري . والمقطعة السحرية التي وردت في شعر الحلّاج هي إلى المزاج أقرب ، وتتمثل في ثلاثة أبيات إخوانية الموضوع بين فيها الحلّاج أن الساحر يستطيع الاختفاء عن الأنظار إذا ما دهن وجهه بمرهم هو مزيج من السمسم والشيرج ، ثم إذا استعان بأحرف تخط على الجبين على صورة معينة . وتكون النتيجة أن الصديق الذي طلى وجهه بذلك يسير إلى جانب صديقه فلا يراه وبذلك تتاح له فرصة العبث به وإثارة الرعب في نفسه وقال الحلّاج : يا طالما غبنا عن أشباح النّظر * بنقطة يحكي ضياؤها القمر من سمسم وشيرج وأحرف * وياسمين في جبين قد سطر فامشوا ونمشي ونرى أشخاصكم * وأنتم لا ترونّا يا دبر ! 4 - ز . ومع السحر مارس الحلّاج تضمين الألغاز والأحاجي شعره القليل ، وهو موضوع - إن أثار الدهشة - يدخل في صلب الشعر الحسّي الذي مارس الحلّاج نظمه في فترات لا نعرفها من حياته ، ويدلّ على راحة بال وسنوح وقت للانشغال بهذه الأشياء . وقد وجدنا في شعر الحلّاج ثلاثة ألغاز ، الأول يدور حول لفظ الجلالة ، والثاني حلّه كلمة « توحيد » ، والثالث يلغز المعية « مع اللّه » أو يحلّلها . وفي الأول قال الحلّاج : أحرف أربع بها هام قلبي * وتلاشت بها همومي وفكري ألف تالف الخلائق بالصف * ح ولام على الملامة تجري ثم لام زيادة في المعاني * ثم هاء بها أهيم وأدري وفي الثاني قال : ثلاثة أحرف لا عجم فيها * ومعجومان ، وانقطع الكلام
« 154 » فمعجوم يشاكل وأجديه * ومتروك يصدّقه الأنام وباقي الحرف مرموز معمّى * فلا سفر هناك ولا مقام وفي الثالث يقول : إرجع إلى اللّه ، إن الغاية اللّه * فلا إله - إذا بالغت - إلا هو وإنه لمع الخلق الذين لهم * في الميم والعين والتقديس معناه معناه في شفتي من بات منعقدا * عن التهجّي إلى خلق له فاهو افإن تشكّ فدبّر قول صاحبكم * حتى يقول بنفي الشكّ : هذا هو فالميم يفتح أعلاه وأسفله * والعين يفتح أقصاه وأدناه 5 - أ . أما شعر الحلّاج الثقافي فيصلح أن يكون صورة مصغّرة لآرائه العقلية والصوفية ويمكن ترتيبه ترتيبا يجعل من مقطعاته نماذج تمثيلية لأغلب ما نادى به . بل يمكن منه الانطلاق إلى بناء صورة متكاملة لفلسفة الحلّاج على شكل جديد لم يلمّ به الباحثون من قبل . وقد عرض الحلّاج في أشعاره للكلام على الذات الإلهية وقدّم الحجج على وجود اللّه وألمّ بالصفات الإلهية وأضاف إليها صفة العشق اجتهادا منه . وبحث النبوّة والدين وكان له رأي في الأديان نعرض له بعد . وفي مجال التصوف بيّن الحلّاج - شعرا - أسس التصوف الذي يرتضيه وهاجم التصوف التقليدي ثم تكلّم على تفاصيل فكره الصوفي فذكر الأسرار والطريقة والعقل والأقدار وانتهى إلى أن الحياة الحقيقية للإنسان تتمثل في فنائه عن وجوده الإنساني المادي باعتباره من قبيل طبقة معتمة تمنع التجليات الإلهية وأنوارها ، بل ووجودها ، من الظهور للعيان في عالم الإنسان . ويؤكد الحلّاج في أشعاره على إزالة هذه الطبقة بفكرة عرفها الصوفية وصبّوها في قالب تعارفوا عليه بكونه « رفع الإنّية دون الآثنينية » . وفوق هذا ألحّ الحلّاج - في شعره - على الثورة على التقاليد الدينية وذهب في الشطح مذهبا حمل المعجبين به على تحرّي التأويلات البعيدة له حفاظا عليه من الإفلات من نطاق الإسلام ودخوله في نطاق المؤاخذة الشرعية .
« 155 » وتنتهي هذه السلسلة من الأفكار إلى تقرير الحلّاج أن ما يتراءى للناس أنه جحود للّه إنما هو عين التقديس وجوهر العبادة ، وأن ما قاله لم يكن إلا الجوهر في مقابل الأعراض التي علقت بها الأديان والمتدينون حرصا على وحدة الصف وكسبا لأكبر عدد من الناس في نطاق الآراء الجماهيرية ( بلغة العصر ) ومستوى العقلية الشعبية . 5 - ب . وعودا إلى التمثيل والمحاضرة نذكر أن الحلّاج ، بوصفه صوفيّا متفلسفا ، انطلق منطلق الفلاسفة من البدء بالفلسفة الأولى التي تعني التمهيد للآراء ، ذات الطابع المتديّن ، بالبحث في الذات الإلهية وإثبات وجودها قبل كل شيء لتكون هذه قاعدة يقوم عليها البناء الفلسفي كلّه . ويرى الحلّاج أن الدليل على وجود اللّه لا يقوم على القاعدة الفلسفية المتعارف عليها من أنّ أول دليل على وجود الباري يقوم على ملاحظة آثاره ومخلوقاته وما فيها من نظام يؤدي إلى التعرف عليه ، بل يتبنى العبارة التي تقول : « فبه أستدلّ عليه » . وهذا الاستدلال على اللّه به يقوم في داخل النفس على صورة شعور غلّاب لا يتسرب إليه الزيف أو الشك بحيث يصبح الحديث النبوي أو عبارة علي بن أبي طالب « من عرف نفسه فقد عرف ربه » مثلا يضرب لتوضيح هذه الفكرة التي تقضي بأن وحدة الشهود ، وهو الإحساس الداخلي الطاغي ، بوجود اللّه دليل إيماني على وجوده تعالى وكونه في أعماق النفس الإنسانية . وقال الحلّاج من مقطعة : لا يعرف الحقّ إلا من يعرّفه * لا يعرف القدميّ المحدث الفاني لا يستدلّ على الباري بصنعته * رأيتم حدثا ينبي عن أزمان ؟ ! كان الدليل له منه إليه به * من شاهد الحق في تنزيل فرقان كان الدليل له منه به وله * حقّا وجدناه بل علما بتبيان هذا وجودي وتصريحي ومعتقدي * هذا توحّد توحيدي وإيماني فإذا ثبت أن اللّه موجود وماثل في كل إنسان ، ساغ للحلّاج أن ينتقل إلى موضوع آخر من موضوعات الفلسفة الأولى - أو علم الكلام - هو الصفات الإلهية .
« 156 » لقد ذكر المتكلمون وبخاصة المعتزلة أن للّه صفاته التي تقرّب إلى أذهان الناس إدراكه وفهم خلقه لهذا العالم كله ، ثم توجّه الكون كله إليه بعبادة يستحقها وهذه الصفات تتمثل في مجموعتين إحداهما تتعلق بذاته مباشرة وهي الحياة والعلم والقدرة ، والمجموعة الأخرى ترتبط بأفعاله تعالى كالخلق والرحمة والجبروت وما إلى ذلك مما يتمثل في الأسماء الإلهية التي ترد في القرآن . ومع أن هذه الفكرة تعدّ عند الحلّاج أدنى كثيرا مما ينبغي اعتناقه من مثول اللّه داخل النفس الإنسانية ، أزعج الحلّاج إنكار الفقهاء للصفات الإلهية وتطلّبهم التدّين الإيماني وحده ومنعوا الخوض في الصفات الإلهية منعا باتا وقالوا في قوله تعالى :« الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى »بلسان الإمام مالك بن أنس : « الاستواء منه معقول ، والكيف منه مجهول ، والسؤال عنه بدعة ، والإيمان به واجب » ( التمسه في تعاليقنا على هذا القطعة ) . وهذا في رأي مالك ومن معه ، يعني أن الآية الماضية يجب أن تؤخذ على لفظها وأن غاية ما يسوّغ للمسلم أن يستفيده أو يستنبطه منها هو أن الاستواء هيئة يدركها العقل لكن كيفية الاستواء ، في حال توجيهها إلى الذات الإلهية ، مجهولة لا ينبغي الخوض فيها أصلا لأن ذلك يتسلسل في النهاية إلى هاوية الكفر . والحلّاج هنا ، ينقض كون الكيفية مجهولة بأن لها صورتين إحداهما ظاهرية هي المعنى الذي تتداوله المعاجم اللغوية أولا ، والمعنى الذي يذكره المجسّمة من أن اللّه قد نصّ على أعضاء له في القرآن ، ثانيا ؛ والإيمان الذي يأمر به الفقهاء يقتضي أخذ المعنى كله على علّاته ومنه توجههم بالدعاء نحو السماء وكأنّ فيها مقرا للّه فعلا ؛ ثالثا : أما المعنى الحقيقي للاستواء على العرش فهو مثول اللّه تعالى في قلب الإنسان ورؤيته بعين الإنسان وتحركه بقدم من استطاع إزالة العوائق التي تحول دون تجلّي اللّه فيه كما تجلّى في الشجرة التي خاطبت موسى عليه السلام . وهذا تفسير قول الحلّاج : سرّ السرائر مطويّ بإثبات * من جانب الأفق مطويّ بطيّات
« 157 » فكيف والكيف معروف بظاهره ؟ * فالغيب باطنه للذات بالذات تاه الخلائق في عمياء مظلمة * قصدا ولم يعرفوا غير الإشارات بالظنّ والوهم نحو الحق مطلبهم * نحو السماء يناجون السماوات والربّ بينهم في كل منقلب * محلّ حالاتهم في كلّ ساعات وما خلوا منه طرف العين لو علموا * وما خلا منهم في كلّ أوقات وفي ما يتصل بالصفات الإلهية ، وبخاصة صفات الذات ، لاحظ الحلّاج أن الناس - في عبادتهم للّه تعالى خوفا وطمعا فقط - يهدرون أسمى رابطة يمكن أن تجمع بين الخالق والمخلوق ألا وهي الحب . وإذا كان اللّه قد خلق ليعبدوه فإن هذا يعني أنه خلقهم ليعشقوه وهذا هو السبب في أنه خلق آدم على صورته . ولو لم تكن صورة آدم جميلة ومحبوبة لما ساغ للإنسان أن يتلبس بها بفعل إلهيّ مباشر هو صفة من صفات اللّه . فكأن آدم هو الصورة المادية للّه : الصورة التي تنطوي ، تحت غلافها المادي الملموس المناسب للبيئة المحيطة بها ، على ذات اللّه بجواهرها وصفاتها وأسمائها . فكأن ههنا وحدة تجمع الخالق والمخلوق أو المحب والمحبوب ، ومتى ما اتصلا تحقق للوجود كماله وذهب عنه انقسامه وغدا العشق القانون الذي يسيّر دولاب العالم كله . لهذا كله أراد الحلّاج للعشق أن يكون هذا القانون فصبّ هذه الفكرة - التي ظهرت في البصرة ، أولا معاصرة للأفكار الأخرى ومنها الزندقة - في قالب عقلي كلامي ضمّنها الأفكار التي عبرت عنها رابعة العدوية وعامر بن عبد اللّه بن عبد قيس وعتبة للغلام وحبيب العجمي كما بيّنا ذلك في كتابنا « الصلة بين التصوف والتشيع » . وانتهى الأمر بأن عدّ الحلّاج العشق صفة من صفات اللّه تبدأ منه لتنتهي بالعباد . ومن الحب النازل والصاعد يتسق العالم وينتظم ويسعد وتزول الشرور وترتفع مطالب البدن ومطامح الأفراد والجماعات ورؤى القوة والتسلط . وفي الكشف عن كون العشق صفة إلهية قديمة قال الحلّاج : العشق من أزل الآزال من قدم * فيه به منه يبدو فيه إبداء
« 158 » العشق لا حدث ، إذ كان هو صفة * من الصفات لمن قتلاه أحياء صفاته منه فيه غير محدثة * ومحدث الشيء ما مبدأه أشياء لما بدا البدء أبدى عشقه صفة * فيما بدا فتلألأ فيه لألاء واللام بالألف المعطوف مؤتلف * كلاهما واحد في السّبق معناء وفي التفرّق اثنان إذا اجتمعا * بالأفتراق هما عبد ومولاء كذا الحقائق : نار الشوق ملتهب * عن الحقيقة إن باتوا وإن ناؤ واذلّوا بغير اقتدار عندما ولهوا * إن الأعزّا إذا اشتاقوا أذلّاء وبهذا يبدو أنّ الحلّاج بشّر بدين العشق بديلا من دين الخوف والطمع لعدم جدوى الأخير بشهادة التجارب الطويلة التي مرّت بها الأديان . ويبدو أن الحلّاج كان يستحضر في ذهنه قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ، فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ،وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ . فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ، إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ )( المائدة 5 : 54 - 55 ) . فكأنه كان يعتقد أن العبادة خوفا وطمعا كانت تجربة وبلاء للناس ؛ فلما فشلوا فيها كان لا بد من فرض دين العشق الذي يغسل شرور الإنسانية ويقطع الطريق على المرتدّين عن جوهر الدين عند التجربة الأولى . فإذا كان العشق هو فقه الدين الحقيقي وتطبيقه العملي ، كانت النبوة نتيجة لهذا الحب المتبادل ، وكان الوحي - الذي هو هنا نجوى حبيبين - شبيها بمصباح من النور يتلألأ في مشكاة القلب ، وبصور إسرافيل حين يوقظ الأموات للقيامة ، في الوضوح والجلاء . وفي هذه الحالة تتضح الطريقة التي حققت الاتصال بين اللّه تعالى وبين موسى في الجبل بحيث يبدو للصوفي في حالة الإلهام كأنه حي يرزق بلحمه ودمه يتلقى الوصايا العشر . فإذا كان الحلّاج يرى التديّن القائم على الخوف والطمع ردة ، ووقوف موسى على الجبل شيئا محسوسا متصلا بالرؤية القلبية وقابلا للتطبيق ؛ فما حقيقة الأديان عنده ؟ هنا يتناهى إلينا قوله :
يتبع
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: رد: شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 10:52 pm
شعر الحلاج و ديوان الحلّاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
« 159 » تَفَكَّرتُ في الأَديانِ جِدّ مُحَقّق . . . فَأَلفَيتُها أَصلاً لَهُ شَعبٌ جَمّا فَلا تَطلُبَن لِلمَرءِ ديناً فَإِنَّهُ . . . يَصُدُّ عَنِ الأَصلِ الوَثيقِ وَإِنَّما يُطالِبُهُ أَصلٌ يُعَبِّرُ عِندَهُ .. . جَميعَ المَعالي وَالمَعاني فَيَفهَما فالدين عنده هو التواصل بين المحب والمحبوب أو الرب والمربوب على طريق العشق ، ومن هنا فالدين الحقيقي هو الطموح إلى الوصول إلى المثل الأعلى حبا . أما التفريعات الأخرى التي تنتظم الطاعات والدعاء والنذور والصلوات وأداء الواجبات الشرعية الأخرى فما هي إلا شعب من هذا الأصل : كل شعبة منها تتسمى باسم وتستظل بنبي وتستريح إلى فقه وكلام ومنطق وإيمان . وهذا التحليل حمل الحلّاج على أن يقول بعد : فلا تطلبن للمرء دينا ، فإنّه * يصدّ عن الأصل الوثيق ، وإنما يطالبه أصل يعبّر عنده * جميع المعالي والمعاني فيفهما وإذا كان للدين أصل ينبغي التعلق به فما هو في رأي الحلّاج ؟ إنه التصوف باعتباره جوهر الدين وباعتبار هدفه السمو بالإنسان من النقص إلى الكمال في جانبيه النفسي والمادي ، ويتم هذا بتجاوزه مضايق الإنسانية والشعور بالوجود الجزئي إلى الاندماج في العالم الروحي أو التلقي منه على الأقل بسريان الطابع الروحي إلى الإنسان عن طريق برنامج نفسي واجب التطبيق . وهذا البرنامج يتطلب تعذيب الجسد والتلبس بأخلاق المعذبين من جهة ، وذلك في قول الحلّاج : الحزن في مهجتي والنار في كبدي * والدمع يشهد لي فاستشهدوا بصري ويتطلب نظرية معرفة جديدة تقوم على الاستلهام وحده ، كما قال معروف الكرخي من قبل : « التصوف ، الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق » وكما قال أبو يزيد البسطامي : « أخذتم علمكم ميتا عن ميت ، وأخذنا علمنا عن الحيّ الذي لا يموت » . وجاء الحلّاج - وكان ذا عقلية أقرب إلى التفلسف وذهن ذكي - فقال في عبارة أدق : شرط المعارف محو الكلّ منك إذا * بدا المريد بلحظ غير مطلّع وتكون النتيجة بقول الحلّاج : إذا سكن الحقّ السريرة ضوعفت * ثلاثة أحوال لأهل البصائر :
« 160 » فحال يبيد السرّ عن كنه وصفه * ويحضره للوجد في حال حائر ، وحال به زمّت ذرى السر فانثنت * إلى منظر أفناه عن كلّ ناظر وهذا التصوف الذي يدعو إليه الحلّاج يرفض ممارسة الطقوس الصوفية التي يقصد بها ترقيق الأحاسيس وإثارة العواطف في مجالس الأذكار التي تستعين بالشعر والغناء والرقص والإيحاء النفسي لتحمل الصوفي بعيدا عن وجوده المادي وتمرّنه على التأمل والتلقي من العالم الروحي بإلغاء الإحساس بالوجود الجزئي . وفي رفض نتائج الأذكار من مواجيد وشطحات يقول الحلّاج : أنت المولّه لي لا الذكر ولّهني * حاشا لقلبي أن يعلق به ذكري الذكر واسطة تخفيك عن نظري * إذا توشّحه من خاطري فكري وفي هذا الموقف يذكرنا الحلّاج بأن في المعارف والأسرار والظواهر أعماقا لا يعرفها الناس ولا يألفونها ، وإنما ينبغي أن يراضوا عليها ويعوّدوها . ومن هنا ينبغي أن نتطلب هذا العمق الجديد ؛ فالنور له غاية في النورانية لم نتوصل إليها ، والسر يفرض علينا أن نتطلب سره الدفين وهذا الكون كله يدعونا إلى التعمق فيه بغية التوصل إلى العامل الذي يحرّكه والقانون الذي يسيطر عليه . وهذه هي الفلسفة في حرفيتها ، وفي التعبير عنها بما وراء الطبيعة في هذا المجال بالذات . وفي هذا يقول الحلّاج : لِأَنوارِ نورِ النورِ في الخَلقِ أَنوارُ ... وَلِلسِرِّ في سِرِّ المُسِرّينَ أَسرارُ وَلِلكَونِ في الأَكوانِ كَونُ مُكَوِّنٍ ... يُكِنُّ لَهُ قَلبي وَيُهدي وَيَختارُ تَأَمَّل بِعَينِ العَقلِ ما أَنا واصِفٌ ... فَلِلعَقلِ أَسماعٌ وُعاةٌ وَأَبصارُ لكن الحلّاج لا يريد لنا أن نستعمل عقلنا في تطلّب المعرفة وإنما يريد لنا أن نستعمله فقط في اختبار النتائج التي نستمدها من الاستيحاء والاستلهام وإلا فهو يقول بصراحة : من رامه بالعقل مسترشدا * أسرحه في حيرة يلهو قد شاب بالتدليس أسراره * يقول من حيرته : هل هو ؟
« 161 » كيف تكون البداية إذن ؟ تطّلب الفناء والحرص عليه . هنا ينادي الحلّاج : ركوب الحقيقة للحقّ حقّ * ومعنى العبارة فيه يدقّ ركبت الوجود بفقد الوجو * د وقلبي على قسوة لا يرقّ ثم يقول : حويت بكلّي كلّ كلّك ، يا قدسي ، * تكاشفني حتى كأنّك في نفسي أقلّب قلبي في سواك فلا أرى * سوى وحشتي فيه وأنت به أنسي فها أنا في حبس الحياة ممتّع * من الأنس فاقبضني إليك من الحبس وبتطبيق هذا البرنامج ، بوصفه مقاما من مقامات الطريقة الحلّاجية - إن صح التعبير ، تنمو في أعماق النفس الإنسانية صفات الذات الإلهية المخزونة في أعماقهم منذ بدء الخليقة ويتشبّع بها الكيان الإنساني تشبّعا يتكرر معه شحن آدم بالأسماء كلها ، وولادة المسيح كمثل ولادة آدم وتصرفه في الأعيان المادية من خلال روح اللّه المنفوخة فيه ، ونطق محمد بآيات القرآن المعجزة للطاقة البشرية لأنه في الحقيقة( ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ). وفي تجلي اللّه أو طاقاته أو مشيئته في الإنسان يقول الحلّاج : سبحان من أظهر ناسوته * سرّ سنا لاهوته الثاقب ثم بدا في خلقه ظاهرا * في صورة الآكل والشارب حتى لقد عاينه خلقه * كلحظة الحاجب بالحاجب في هذا الموقف ، إذا نطق الإنسان بروح اللّه ، التي تعمل عملها فيه ، قد يخرج كلامه عن المألوف عند الناس ، ولكنه نطق روحاني إلهي إذ هو صادر عن وجود روحاني إلهي ، وفي هذه الحالة تصبح العبارات دليلا على شيء واحد هو الوجود ، ومن هنا يعدّ النفي والنقض والكفر والإبطال والإنكار وكل هذه المعاني السلبية مصداقا لشيء إيجابي واحد يقول : ( أنا موجود ، اللّه موجود ) ، وقد صب الحلّاج هذا المعنى في قوله :
« 162 » جحودي لك تقديس * وظنيّ فيك تهويس وقد حيّرني حبّ * وطرف فيه تقويس وقد دلّ دليل الحبّ * أنّ القرب تلبيس وما آدم إلّاك ، * ومن في البين إبليس كل ذلك تحت عامل العشق الذي يوحّد روحي المحب والمحبوب ويجعلهما وجودا واحدا جميعا . في هذه المرحلة يتنبّه الحلّاج إلى أن هذه الحال من الوحدة الجمعية مع المثل الأعلى تعرض للإنسان في لمحات وإشراقات ولمع وأنها في الواقع لا تدوم طويلا ، من هنا فالوحدة الحقيقية لا تتحقق . فإذا كان الأمر كذلك فهل هذه هي وحدة حقا أم إحساس بها يملأ النفس حتى ليبدو الأمر كالوحدة الحقيقية ؟ لقد التفت الحلّاج إلى وجود عامل فعّال يعيد هذا الإحساس المجرد إلى الواقع المادي ويربطه من جديد بقوى الجسد وأنظمته وقوانينه . هذا العامل الذي يقع في « البين » هو الإنّية الإنسانية التي تعني الشعور بالذات الجزئية وتحدّد هذا الأنا وذاك الأنا وتسبغ عليهما استقلالهما من ناحية وتمنعهما من الاتحاد المستمر من ناحية ثانية . والحلّاج يذمّ هذه الإنّية البينية ويسميها إبليس ويدعو اللّه أن يطيل هذا الإحساس بالوجود ، الذي أطلق عليه الصوفية مصطلح وحدة الشهود ، وفي ذلك يقول : أأنت أم أنا هذا في إلهين ؟ * حاشاك حاشاك من إثبات اثنين هويّة لك في لائيّتي أبدا * كلّي على الكلّ تلبيس بوجهين فأين ذاتك عني حيث كنت أرى ؟ * فقد تبيّن ذاتي حيث لا أيني وأين وجهك مقصودا بناظرتي ؟ * في باطن القلب أم في ناظر العين ؟ بيني وبينك إنّيّ ينازعني * فارفع بلطفك ، إنّيّ من البين فإذا بلغ الإنسان من النقاء الروحي هذا المبلغ ساغ له أن يلتزم بالجوهر ويترك العرض باعتباره مصدرا للمعرفة ومثابة للتوجيه ومجالا للأسوة والقدوة . وفي هذه اللحظات التي يفقد فيها الإنسان إحساسه بوجوده الجزئي
« 163 » وتنقطع علائقه بالمجتمع الذي يحيا فيه يجد نفسه وحيدا في ميدان يعبر فيه عن آرائه وأحاسيسه دون اهتمام بحسيب أو رقيب ، وكانت هذه هي حال الحلّاج حين قال : كفرت بدين اللّه ، والكفر واجب * عليّ وعند المسلمين قبيح وقال : إذا بلغ الصّبّ من الهوى * وغاب عن المذكور في سطوة الذكر يشاهد حقّا حين يشهده الهوى * بأنّ صلاة العاشقين من الكفر وروي في كلمة « صلاة » أنها جاءت على « كمال » كما في الديوان وشرحه . وقال أخيرا : ألا أبلغ أحبّائي بأنّي * ركبت البحر وانكسر السفينة على دين الصليب يكون موتي * ولا البطحا أريد ولا المدينة ومع جريان هذه المعاني مع التيار الفكري للحلّاج ، تطوّع كثير من شيوخ التصوف لإخراجها من مجال المؤاخذة ، وقد نصصنا على ذلك في مواضعه من تعاليقنا على هذه الأشعار . وبعد كل هذا ، إذا ساغ لأحد أن يسأل الحلّاج : لم فعل ما فعل ؟ ولم قال ما قال ؟ ولم عرّض نفسه لذلك المصير الفاجع ؟ ولم تسبّب في انقسام الناس ؟ لم يكن جوابه إلا قوله : ما حيلة العبد والأقدار جارية * عليه في كل حال ، أيها الرائي ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له : * إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء وإذ ألحّ الفقهاء في محاسبته وتعزيره توجّه إليهم متوسلا وهو يقول : أقتلوني يا ثقاتي * أنّ في قتلي حياتي ومماتي في حياتي * وحياتي في مماتي أنا عندي محو ذاتي * من أجلّ المكرمات وبقائي في صفاتي * من قبيح السيّئات وبين الحلّاج وأعدائه يقوم صوفيّ آخر ليترضّى الجميع ويحسّن لهم إخلاصهم لعقيدتهم في مقطّعة جميلة تقول :
« 164 » الحبّ حرّكهم لكل جدال * والحبّ أقحمهم على الأهوال والحبّ قاطع بينهم وأضلّهم * عن نيل ما راموه كلّ ضلال والحبّ أنشأ بينهم عصبية * بالقيل أضرم نارها والقال
* * *
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: الحلّاج والحركات الصوفية الثورية شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 10:53 pm
الحلّاج والحركات الصوفية الثورية شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد
الحلّاج والحركات الصوفية الثورية ولم يؤد قتل الحلّاج وحشد الفقهاء للعنه والوقوع فيه إلى قتل الطموح الصوفي إلى الزعامة عن طريق السياسة والانقلاب والثورة ، بل لقد كان توجيه الأضواء إليه لافتا لأنظار الصوفية . وعدّوا حركته محاولة أولى فشلت لأخطاء متى تجنبوا الوقوع فيها حالفهم النجاح وحققوا أغراضهم في تأسيس دولة صوفية تقوم على قاعدة من التقاليد والنظم والأعراف التي اعتادوا أن يبشّروا الناس باعتناقها . وهكذا اشتعلت في العالم الإسلامي سلسلة من الحركات الثورية ذات المظهر الصوفي ، وكان أولها حركة رجل من الخوارج الإباضية اسمه أبو يزيد مخلد بن كيداد ، ( ق 334 هـ / 945 - 46 م ) ، سنة وفاة الشبلي . وكان كالحلّاج « يلبس الصوف ويظهر التزهّد » « 1 » وثار على حكم الفاطميين أيام الحاكم بأمر اللّه ، ( ت 411 هـ / 1020 - 1 م ) رجل تلبس بالزهد والتصوّف حتى لقّب أبا ركوة « 2 » ، وهو الوليد من نسل هشام بن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي ( ت 125 هـ / 742 - 3 م ) . وقد ظهر أبو ركوة سنة 397 هـ / 1006 - 7 م ، وكاد يسقط الدولة الفاطمية لولا أن استقتل جيشها في القضاء عليه . وانتهى أمر أبي ركوة بالإخفاق وقبض عليه وأهين .......................................................................................... ( 1 ) وفيات الأعيان ، مصر 1275 هـ ، 1 / 108 . ( 2 ) انظر : الكامل لابن الأثير ، حوادث سنة 397 هـ / 1006 - 7 م ( ط 2 ) بيروت 1387 هـ / 1967 م ، 7 / 234 - 7 ) وفي ص 234 أنه ( إنما كني أباركوة لركوة كان يحملها في أسفاره سنة الصوفية ، والركوة : إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء . وقال المقري ( أحمد بن محمد المغربي ، نحو 992 - 1041 هـ / 1584 - 1631 م ) : إن أبا ركوة « خرج من الأندلس على طريقة الفقر والتجرد ووصل برقة بركوة لا يملك سواها ، فعرف بأبي ركوة » ( نفح الطيب ، مصر 1302 هـ / 1884 - 5 م ، 2 / 26 ) .
« 98 » وعزّر وأخذ ليقتل سنة 399 هـ / 1008 - 9 م لكنه مات قبل التنفيذ فلم يترك حتى صلب « 1 »، كما صلب الحلّاج. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ ، بل استمر المتبنّون للتصوف ظاهرا وباطنا ، في بذل المحاولات لإنشاء أنظمة حكم صوفية - إن صحّ هذا التعبير - فكان أن نجح محمد بن عبد اللّه بن تومرت الهرفي المهدي الحسني ( 485 - 524 هـ / 1902 - 1130 م ) « 2 » . فأسّس دولة دينية في مراكش جعل رياستها الدنيوية لعبد المؤمن بن علي القيسي الكومي ( ح 525 - 558 هـ / 1131 - 1163 م ) وذلك في سنة ( 514 هـ / 1120 - 1 م ) « 3 » فسجّل في تاريخ الحركات الصوفية أول دولة قامت على قواعد الروح والسلوك والأذكار ويقال : إن الغزالي هو الذي شجع ابن تومرت على ذلك ، وهو أمر ينسجم مع رأيه الماضي في الحلّاج ، فكأنّ الصوفية والنزاعين إلى التصوّف حققوا ، بقيام هذه الدولة ، أملا من أعزّ آمالهم يتمثل في قيام تنظيم روحي يشعّ المثل العليا على الشعب كله ويطبق القواعد السلوكية ويقدّم للعالم شيئا مثيرا كتمته الصدور وصرّت به الأقلام في إرسالها للسطور . وفي بلاد الروم قامت الثورة البابائية سنة 638 هـ / 1242 م بوصفها حركة صوفية كاملة تهدف إلى إسقاط الدولة السلجوقية هناك لتؤسس حكما صوفيا بقيادة بابا إسحق الكفرسودي وبابا إلياس ، وكان شعار الحركة : « لا إله إلا اللّه البابا ولي اللّه » « 4 » ، ولقّب قائدها نفسه بأمير المؤمنين « 5 » . ونالت هذه الحركة تأييدا قويا من الأمة التركية عندئذ ، لكنها ما لبثت أن أخفقت أمام قوة الجيش السلجوقي الذي جند لها جنودا من المسيحيين « 6 » . ويذكر أن .......................................................................................... ( 1 ) انظر الكامل لابن الأثير ، الموضع نفسه ، البداية والنهاية 11 / 337 . وراجع الأعلام للزركلي 9 / 137 - 38 ، وذكر المقري أن أباركوة المذكور كان « بن هشام من ولد المغيرة بن عبد الرحمن الداخل وأنه انتهى بالقبض عليه وادخاله مصر وأمر به أن يطاف على جمل ثم قتل صبرا » ( نفح الطيب ، 2 / 26 ) . ( 2 ) انظر : وفيات الأعيان ، مصر 1948 م ، 4 / 127 - 146 ، 2 / 402 - 5 . ( 3 ) انظر : وفيات الأعيان ، مصر 1948 م ، 4 / 127 - 146 ، 2 / 402 - 5 . ( 4 ) انظر كتابنا الفكر الشيعي والنزعات الصوفية ، بغداد 1966 م ، ص 372 - 6 . ( 5 ) انظر كتابنا الفكر الشيعي والنزعات الصوفية ، بغداد 1966 م ، ص 372 - 6 . ( 6 ) الفكر الشيعي : ص 378 .
« 99 » الحاج بكتاش الولي مؤسس الطريقة البكتاشية كان من تلاميذ البابا قائد الحركة البابائية «1». ولولا أن الدولة العثمانية أسرعت فتبنّت هذه الطريقة قالبا دينيا لجيشها لكان لها شأن في التاريخ «2». وفي إيران وتركستان قامت محاولات ثورية من صوفية تقليديين لا شك في نزعتهم ووضوح منهجهم ومنها ما ذكر عن السيد نعمة اللّه الولي بن عبد بن محمد ( 731 - 834 هـ / 1330 - 1341 م ) الذي كان تيمور نفسه يخشاه ويراقبه وينقله منفيا من مكان إلى آخر ويقول له : « لا يمكن اجتماع ملكين في بلد واحد » « 3 » . والسيد نعمة اللّه الولي مؤسس الطريقة النعمة الّلهية التي ما زالت حية في إيران . وفي سنة 804 هـ / 1041 - 2 م قتل فضل اللّه الحروفي الأسترآبادي مؤسس الحروفية وهي طريقة صوفية باطنية ما زال لها أنصارها في الأناضول من تركية في الوقت الحاضر . وكان قتله بعد محاكمات مثل محاكمة الحلّاج ولسبب سياسي كالذي أودى بحياة الحلّاج ، وكانت آراؤه شبيهة بآراء الحلّاج إلى حدّ كبير « 4 » . وكان من أنصار فضل اللّه الحروفي البارزين صوفي يسمى عليّ الأعلى ( ت 822 هـ / 1419 - 20 م ) الذي كان يقول :« نال الحلّاج ، الذي ارتقى المشنقة ، محل الأبرار من الفضل ( اللّه ) وانطلق يقول بنطقه : أنا الحق ، فصار قتيلا وصار وجودا مطلقا » « 5 » . وكان من الحروفية أيضا عماد الدين النسيمي البغدادي ( أبو الحسن علي ( ق 821 أو 837 هـ / 1418 أو 1433 - 4 م ) الذي ذهب ضحية أفكاره الحروفية في حلب ولم يكن إلا صورة من الحلّاج وآرائه ، وحوكم كما حوكم الحلّاج وقتل كما قتل « 6 » . وكان النسيمي يقول : .......................................................................................... ( 1 ) الفكر الشيعي : ص 378 . ( 2 ) أيضا : ص 381 - 2 . ( 3 ) أيضا : ص 245 - 252 ، وهذا النص يرد في ص 246 . ( 4 ) راجع الكتاب نفسه ، ص 179 - 244 . ( 5 ) أيضا : ص 232 . ( 6 ) الفكر الشيعي ، ص 188 .
« 100 » « منذ أمددت من الحق أردّد قوله : أنا الحق مثل منصور [ الحلّاج ] لقد سرت شهرتي في البلد ، فمن يرفعني إلى المشنقة مثل منصور ( الحلّاج ) » « 1 » . وظهر ثائر آخر في إيران هو السيد محمد نور بخش بن عبد اللّه ( 795 - 869 هـ / 1393 - 1465 م ) مؤسس الطريقة النور بخشية التي تنتشر في إيران حتى الوقت الحاضر وكاد يسقط الدولة التيمورية لما بدأ حركته الثورية في سنة 826 هـ / 1423 م . ولكنها فشلت واعتقل في سنة ( 840 هـ / 1436 - 7 م ) ليتنازل عن دعوى الخلافة في هراة عاصمة التيموريين « 2 » . لكنه نال عطف الناس كلهم حتى لقد كان أنصاره يلقبونه « الإمام والخليفة على كافة المسلمين » « 3 » . ووصف للسلطان التيموري بأنه « المظهر الصادق ( للّه ) بشهادة كبار الصوفية » « 4 » . ونصح السلطان نفسه بالاستجابة له والتنازل عن الحكم لصالحه لأن « النوبة قد وصلت إلى آل محمد ليحكموا العالم » « 5 » . وكان نور بخش علويا « 6 » . وظهر ثائر صوفي شيعي علوي عاش في واسط ، التي كانت مسرحا لنشاط الحلّاج ، وقاد ثورة صوفية فريدة أطلق على أتباعها لفظ المشعشعين نسبة إلى « الشعشعة » وهي الفكرة التي نادى بها محمد بن فلاح بن هبة اللّه العلوي ( ت 866 هـ / 1462 م ) الذي عاش حياة كحياة الحلّاج في مجاهداته واعتكافه في مسجد الكوفة سنة كاملة كان فيها « يقتات بشيء قليل من دقيق الشعير » « 7 » ، كما كان الحلّاج يفعل في مكة . وكان محمد بن فلاح ، طموحا إلى حد أنّه كان يقول لأصحابه « سأظهر ، أنا المهدي وسأفتح العالم . . . وسأقسم الدّنيا بين أصحابي وأتباعي » « 8 » . وكالحلّاج أيضا ، ذكر أن أسرار دعوة محمد بن فلاح ، التي قامت على ممارسة الخوارق الصوفية .......................................................................................... ( 1 ) أيضا : ص 233 . ( 2 ) أيضا ، ص 332 . ( 3 ) أيضا : ص 335 . ( 4 ) أيضا : ص 335 . ( 5 ) انظر تفاصيل حركته وآرائه في الكتاب المذكور ص 328 - 342 . ( 6 ) انظر تفاصيل حركته وآرائه في الكتاب المذكور ص 328 - 342 . ( 7 ) انظر الفكر الشيعي لكاتب هذه السطور ص 303 . ( 8 ) انظر الفكر الشيعي لكاتب هذه السطور ص 303 .
« 101 » كدخول النار وأكل السيوف وعدم التأثّر بحدّها ، ارتبطت بكتاب سري - كان عند شيخه أحمد بن فهد الحلي ( 756 - 841 هـ / 1355 - 1438 م ) - يتضمن كيفية ممارسة هذه الخوارق . وكان من ميزاته أنه إذا ألقي في النهر « يضطرب الشط ويخرج منه دخان عظيم يعلو إلى أفق السماء » « 1 » . ويناسب هذا من أخبار الحلّاج ما ذكره أبو نصر السرّاج ( ت 388 ه / 988 م ) من أن عمرو بن عثمان المكي ، أستاذ الحلّاج ، كان عنده حروف [ لعلها : ظرف ] فيه شيء من العلوم الخاصة ، فوقع في يد بعض تلامذته فأخذ الكتاب وهرب . فلما علم بذلك عمرو بن عثمان قال : سوف يقطع يديه ورجليه ويضرب رقبته . ويقال : إن الغلام الذي سرق منه ذلك الكتاب كان الحسين بن منصور الحلّاج ، وقد هلك بذلك وفعل به ما قال عمرو بن عثمان » « 2 » . والشعشعة ، التي اقترنت بحركة المشعشعيين ، كانت ذكرا جماعيا يمارسه جيش محمد بن فلاح كله ويعانون فيه صعوبة الانتقال من الطبيعة الإنسانية العاجزة ، التي تصطدم بضعفها وجبنها وثقل جسمها ، ثم تنمو القوة الروحية فيهم حين يتلقفون من السيد محمد أعمالهم . وبذلك يأذن لهم بالشعشعة ، أو الانتقال ( ! ) إلى الحالة النفسية الجديدة ، ليعقب ذلك تحجّر أجسادهم . وعندئذ تصدر منهم « أمور خطيرة من طعن أنفسهم بالسيوف وتعريض أجسامهم للنار وأكلهم السيف وما إلى ذلك من خوارق » « 3 » ، وهذا في جملته مستمد من الحلّاج حتى في لفظه، فقد وصف هذا النور الإلهي بالشعشعاني «4». وروى عنه أبو العلاء المعري قوله : « إن العارف من اللّه بمنزلة شعاع الشمس » ( من الشمس ) : منها يبدأ وإليها يعود ومنها يستمد نوره » « 5 » . ويطول المدى بتقصي هذه المشابه في هذا المجال الضيق « 6 » . لكن المهم في الأمر أنّ هذه الحركة .......................................................................................... ( 1 ) أيضا : ص 3 . ( 2 ) اللمع ، مصر 1380 هـ / 1960 م ، ص 499 . ( 3 ) الفكر الشيعي ص 317 . ( 4 ) « الفكر الشيعيّ » : ص 312 . ( 5 ) راجع التفصيل المذكور ، ص 302 - 327 . ( 6 ) راجع التفصيل المذكور ، ص 302 - 327 .
« 102 » أرعبت العراق وإيران مدة ربع قرن ابتداء من سنة 841 هـ / 1438 م ، واستطاع محمد بن فلاح أن ينشئ له ملكا عريضا في هذه المواضع من منطلقه في الأهوار المشتركة بين البلدين معتمدا على أسطورة مخفية تقول : إن جيشه محصّن ضد الموت بفعل هذه الشعشعة . ولولا الغلو الذي اقترن بهذه الحركة وظهور الدولة الصفوية لكان لها شأن آخر . وفي سنة ( 905 هـ / 1449 م ) ، رفع التاريخ ستاره عن مولد إمبراطورية صوفية في إيران تربع على عرشها شاب صوفي من سلالة سلسلة الآباء والأجداد مزجوا التصوّف بالسياسة وطمحوا إلى تحقيق حلم الحلّاج الذي راود الأحلام أكثر من ستة قرون كاملة . وكان هذا الصوفي الإمبراطور إسماعيل بن حيدر بن جنيد بن إبراهيم بن علي بن موسى بن إسحاق ( 892 - 930 هـ / 1487 - 1514 م ) الذي تمثل هذه السلسلة من النسب آباء ، من مشايخ التصوف البارزين الذين ينتمون إلى إسحق بن أمين الدين جبرئيل ، المعروف بصفي الدين الأردبيلي ( 650 - 735 هـ / 1252 - 1334 م ) الصوفي الحنفي المشهور . ولا يتسع المجال للخوض في تفصيلات تخرج بنا عن الموضوع ونجتزئ من ذلك بالإحالة إلى كتابنا « الفكر الشيعي » المذكور ( ص 389 - 424 ) لنتبين كيف تمت هذه الخطوة الكبرى في عالمي التصوف الروحي والسياسة المادية ، وكان أول من حاول ذلك الحسين بن منصور الحلّاج البيضاوي ناظم هذا الديوان . ولئلا يتعلق هذا الخيط في الهواء ، ينبغي أن يشار إلى أن القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين حفلا بحركات ثورية قام بها صوفية بارزون منهم البطل عبد القادر الجزائري « 1 » ، الذي كان من أصحاب وحدة الوجود ومن المعجبين بابن العربي الحاتمي الطائي ، ومحمد أحمد المهدي بطل الحركة المهدية في السودان « 2 » ، وعمر المختار بطل الحركة الاستقلالية في ليبيا الحديثة « 3 » . .......................................................................................... ( 1 ) انظر حول تصوفه كتاب « التصوف والأمير عبد القادر الحسني الجزائري » لجواد المرابط ، دار اليقظة العربية ، بيروت 1966. وللأمير عبد القادر كتاب كبير في التصوف عنوانه « المواقف في التصوف » مطبوع في بيروت أيضا. ( 2 ) من الكتب التي تتصل بلب هذه الحركة الصوفية السياسية كتاب « منشورات المهدية » بتحقيق د . محمد إبراهيم أبو سليم ، بيروت 1969 . ( 3 ) انظر في هذا مثلا كتاب « عمر المختار » للطاهر الزاوي ، ط 2 ، بيروت 1970 م .
« 103 » وفوق ذلك قاد حركات التحرير في إفريقيا رجال من الصوفية من أبرزهم الحاج عمر ، بطل الحركة الوطنية في الصومال « 1 » . وهكذا وضع الحلّاج البذرة ورواها بدمه ثم آتت أكلها على مرّ العصور . .......................................................................................... ( 1 ) في هذا الموضوع انظر كتاب « مهدي الصومال ، بطل الثورة ضد الاستعمار » للدكتور محمد المعتصم سيد ، الدار القومية للطباعة والنشر بالقاهرة ، من سلسلة مذاهب وشخصيات رقم 63 ، بدون تاريخ .
مكانة الحلّاج في الفكر الحديث من الملاحظ أن الاهتمام بالحلّاج قد تأخر في البلاد العربية عنه في بلاد الإسلام الأخرى وأنه قد ظهر عندنا بتأثير كتابات ماسينيون الذي شرع في التعلق بهذا الصوفي قبل سنة 1912 م وأرّخ اهتمامه به بهذه السنة حين ألقى فيها محاضرته في عبارة « أنا الحق » ، وذلك في مؤتمر المستشرقين الذي انعقد في أثينا عاصمة اليونان . أما في بلاد الإسلام الأخرى وخصوصا القارة الهندية والتركية وإيران ، فقد احتل فيها الحلّاج مكانة مبكرة عظيمة بوصفه نموذجا عظيما للمفكر والشاعر والشهيد . وقد أكثر هؤلاء من البحث في الحلّاج والإشارة إليه والاستشهاد بأقواله ونسج الأساطير حوله . وقد تصدى ماسينيون نفسه للنظر في هذه الأعمال وجمعها فوقف منها على 1736 كتابا رتبها على اللغات فكان نصيب الفارسية منها 243 كتابا ونصيب التركية 77 كتابا والماليزية والجاوية 24 كتابا ، هذا فوق الكتب العربية التي عدّت 892 كتابا . ومما يذكر أن ماسينيون عثر على 26 كتابا تتطرق إلى ذكر الحلّاج باللغة السريانية وكذا على كتابين عبريين في الموضوع ذاته . وكل هذا قد لحظه وبيّنه ونقده المرحوم الأب أنستاس الكرملي في مجلة دار السلام البغدادية ( العدد 26 من المجلد الثالث ، الصادر في ربيع الثاني 1339 هـ / 26 كانون الأول « ديسمبر » 1920 م ، ص 410 ) . ومع هذا التراث الضخم الذي كان في الإمكان أن يحرك مشاعر الناس نحو الحلّاج - إيجابا وسلبا - ويحثّهم على الكتابة عنه ، لم يحدث شيء إلا بعد أن دخل ماسينيون الميدان - في ما يبدو - فأحيا ذكر الحلّاج وبعثه من جديد ولفت الأنظار إليه على نحو ما سنبيّنه في هذه الفقرة .
« 106 » وينبغي أن نذكر هنا أن ماسينيون كان في ذلك مثل الشاعر الإنكليزي إدوارد فيتزجرالد الذي لفت الأنظار إلى عمر الخيام وحمل العالم كله على ترجمة رباعياته والاستمتاع بمعانيها الفلسفية وأجوائها التأملية . وعودا إلى الحلّاج ، يبدو أثر ماسينيون في لفت الأنظار إليه من أن محمد إقبال شاعر الهند الكبير لم يعرف الحلّاج حق معرفته قبل إطّلاعه على آثاره وقبل ظهور ماسينيون بخمس سنوات . لكن إقبالا صحّح آراءه سنة 1928 م ، متأثرا بماسينيون ، وضمّن إنتاجه العلمي وأشعاره مناقشات وأفكارا ومعاني لم يكن ليتطرق إليها بدون ذلك « 1 » . ومن طريف ما صدر عن إقبال في هذا المجال عقده صلة بين الحلّاج والفيلسوف الألماني نيتشه ووصفه للثاني ، من حيث عجز معاصريه عن فهمه ، بأنه كان « حلّاجا بلا صليب » « 2 » . وذكرت السيدة آنّه ماري شيمل أن شاعرا سنديا اسمه إمام بخش خادم ، نظم سنة 1918 م ديوانا من الشعر في قصة الحلّاج « 3 » . وأن الشاعر الأردي أكبر اللّه آبادي ( ت 1921 م ) ، لمّا استهجن تقليد المسلمين للأوروبيين ، لم يجد إلا الحلّاج ليضمّنه شعرا يقول فيه :قال منصور : أنا الحق ، وقال داروين : أنا قرد . وقال صديق لي ضاحكا : إنّ المرء عند ظنّه « 4 » ! ويبدو أن ماسينيون لم يكن له يد في هذا الأمر . على أن أقدم أثر أدبي شرقي حديث يتصل بالحلّاج - مما لم يلتفت إليه ماسينيون ولم يشر إليه - هو « ديوان حسين منصور حلّاج » ، الذي ظهر بالفارسية في بومباي في شعبان 1305 هـ نيسان ( ابريل 1888 م ) بإشارة ميرزا .......................................................................................... ( 1 ) الحلّاج شهيد العشق الإلهي لآنه - ماري شيمل ، مجلة : فكر وفن العدد الماضي ، ص 28 - 29 . ( 2 ) أيضا : ص 29 . ( 3 ) أيضا : ص 27 . ( 4 ) أيضا : ص 30 .
« 107 » المسيح مصلوبا على مثال السيد المسيح صورة ملحقة بديوان الحلّاج الفارسي المنسوب إليه ط . بومبي 1888 م . ونلاحظ في الأعلى عبارة فارسية هي بيت غير منسوب ترجمته بما يلي :ما كان القلم في أيدي الغدرة * فلا جرم أن يرتفع منصورك بالحلّاج فوق الصليب
« 108 » سردار بيك مطبوعا في مطبعة ملك الكتاب فيها . وقد يبدو للوهلة الأولى أن هذا الديوان أثر قديم من آثار الحلّاج الضائعة ، لكنه بالنظر الفاحص مجموعة من القصائد على لسان الحال آثر الناظم أن يضنّ باسمه عن الاقتران بنظمه . وصدر الديوان وفي أوله صورة رمزية للحلّاج تظهره على صورة المسيح مصلوبا على خشبة مسمّر اليدين والقدمين وتحته نار مشتعلة وإلى جانبه أدوات القتل التي جاء ذكرها في صلب المسيح ( ع ) وزيادة : رمح وحبل وسيف وفأس وعصا طويلة تنتهي بقطعة قماش تذكر بالخلّ الذي أشربت به الخرقة التي اقترنت بالسيد المسيح ( ع ) . وكتب فوق الصليب بيت شعر بالفارسية لجلال الدين الرومي ترجمته : ما دام القلم في أيدي الغدرة * فلا جرم أن يصلب الحلّاج والديوان المذكور مجموعة من القصائد الطويلة التي تصور مأساة الحلّاج وتنطق عن لسانه ، ويقع في 166 صفحة كل واحدة فيها نحو 20 سطرا يستغرق كل واحد منها بيتا من الشعر ، فكأنه يشتمل على نحو 3500 بيت من الشعر على لسان الحال ! ويبدأ الديوان ( ص 2 ) بما ترجمته : يا من ظللت بعيدا عن حرم الكبرياء الخاص عد ناحية الوطن من خطة الخطا وتعرّج القصيدة على العشق الإلهي وتنتهي بذكر النبي ( ص ) وعليّ بن أبي طالب ، وينتهي الديوان بقصيدة معشّرة تنتهي كل فقرة منها بالبيت : كه جهان صورت أست ومعنى يار * ليس في الدار غيره ديار ومعنى الشطر الفارسي الأول : « إن العالم صورة ومعناه العاشق » . ويشير هذا البيت إلى قول الحلّاج - في مقطعة يجدها القارئ في قافية الراء من هذا الديوان : ما فيه غيرك من سرّ علمت به * فانظر بعينك : هل في الدار ديّار وتقول آخر فقرة في الديوان ما ترجمته :
« 109 » فيا أيتها النفس ، جملة الأشياء أنت * ظاهرة أنت وباطنه أنت الستار المضروب على الكائنات أنت * وعارية وراء الستار أنت وخلف الأسداف المختلفة الألوان * الناظر والمنظور أنت وفي مقام النّفي والإثبات * مع كل لاء محضة وإلّا تقومين أنت في كل جسم أنا عين القتيل من العشق * لتستجلي جمالك أنت أنت حشو كل طلعة جميلة * وفي كلم منظور تعودين ناظرة أنت وصحبة كل ناظر ومنظور * أنت المجنون مرة وأخرى ليلى أنت وعلى محجة الظهور وفي أعماق الخفاء * ظاهرة أنت وباطنة أنت فما كنت موجودة ، قولي ثانية * بلسان الحسين وبلسانك أنت إن العالم صورة معناها العاشق * وليس في الدار غيره ديار ( ديوان حسين منصور الحلّاج ، ص 166 ) . ولعل أهم ما يستدلّ به على مكانة الحلّاج في الأدب التركي المعاصر ، على الخصوص ، أن أول عمل فني ديني ظهر هناك بعد 27 سنة من تحريم التصوف دار حول الحلّاج في مسرحية شعرية كتبها حسن زكي أقطاي عنوانها « منصور حلّاج » وذلك في سنة 1942 م « 1 » . وأهم ما يميز هذه المسرحية أن الناظم جعل الحلّاج « يفتخر بأجداده الإيرانيين ويدّعي أنه في الحقيقة من أهل (نسل!) زرادشت » «2». وهذه خطوة سنجد ما بعدها في ما يأتي من إشارات . وأضافت السيدة آنّه ماري شيمل إلى هذا أن الشاعرين التركيين المعاصرين أمين أولكن وآصف حالت جلبي ، المنتسب إلى الطريقة المولوية ، قالا شعرا فيه ذكر للحلّاج « 3 » . وذكرت أن هذا الأخير « أحد ممثلي الاتّجاه الرمزي ثم ما فوق الواقعية في الأدب التركي » « 4 » . وأوردت له من هذا اللون قصيدة له بعنوان « منصور » قال فيها : .......................................................................................... ( 1 ) الحلّاج شهيد العشق الإلهي ، مجلة فكر وفن ، ص 30 . ( 2 ) الحلّاج شهيد العشق الإلهي ، مجلة فكر وفن ، ص 30 . ( 3 ) الحلّاج شهيد العشق الإلهي ، مجلة فكر وفن ، ص 30 . ( 4 ) الحلّاج شهيد العشق الإلهي ، مجلة فكر وفن ، ص 30 .
« 110 » جاءت الألوان من الشمس * ذهبت الألوان إلى الشمس ماتت الألوان في الشمس( و ) أنا لا أحتاج إلى الألوان * ولا إلى عدم الألوان جاءت الشموس من مكان * ذهبت الشموس إلى لامكان ماتت الشموس بدون مكان( و ) أنا لا أحتاج إلى ضياء * ولا إلى الظلمات جاءت الأشكال من مكان * ذهبت الأشكال إلى ( لا ) مكان غابت الأشكال ولا ترى بعد( و ) ، اضرب الطبل الأكبر * كل الأصوات مستغرقة في صوت واحد( ويقول ) : منصور . . . منصو وو وو ر . . « 1 ». ومع أن اهتمام المفكرين ، وخصوصا الشعراء العرب ما زال ضعيفا بالحلّاج ، ينبغي أن نذكر للزهاوي ( جميل صدقي بن محمد بن فيضي بن المنلا أحمد بابان ، 1279 - 1354 هـ / 1863 - 1938 م ) سبقه إلى ذكر الحلّاج في شعره باعتباره مفكّرا ثائرا وإنسانا من أصحاب المبادئ والفتوة بحيث لا تمنعه مثاليته من مناقشة اللّه -سبحانه- في ما يراه حقّا. وواضح .......................................................................................... ( 1 ) الحلّاج شهيد العشق الإلهي ، مجلة فكر وفن ، ص 30 .
« 111 » أن الحلّاج كان قدوة ونموذجا للزهاوي نفسه في هذا المجال باعتباره رجلا بدأ فقيها متدينا ثم صار متكلما عقلانيا وتطوّر إلى صوفيّ روحانيّ واستقر أخيرا على قاعدة فلسفية بحتة تعلن الثورة على رتابة القوانين الطبيعية وصرامة القضاء والقدر وضيق الحرية الإنسانية . وقد نفّس الزهاوي عن أفكاره هذه بطريقة غير مباشرة بترجمته لرباعيات الخيام نثرا وشعرا سنة 1928 م وبنظمه لرباعياته الخاصة بعد ذلك بقليل ، وكان الوقت وقت اهتمام عالمي بالخيام . لكن الزهاوي وحده خرج عن حصار الخيام إلى رحاب التفكير الفلسفي الحرّ بحيث سبق أمين أولكن التركي وسائر العرب إلى الإلمام بالحلّاج وغيره من الثائرين العقليين الأحرار في تاريخ الإسلام بقصيدة قصصية طويلة تذكّر برسالة الغفران سمّاها « ثورة في الجحيم » وختم بها ديوانه الأخير « الأوشال » الذي طبعه سنة 1934 م . وفي الأوشال قال الزهاوي في الحلّاج في فقرة عنوانها : « منصور الحلّاج في الجحيم يخاطب اللّه ويعاتبه » : ورأيت الحلّاج يرفع منه الطر * ف نحو السماء وهو حسير قائلا : أنت اللّه وحدك قيّو * ما وأما الأكوان فهي تبور أنت من حيث الذات لست كثيرا * غير أن التجليات ( فهي ) كثير إنّك الواحد الذي أنا منه * في حياتي شرارة تستطير وبه لي بعد الظهور خفاء * وله بي بعد الخفاء ظهور لم شئت العذاب لي ولماذا * لم تجرني منه وأنت المجير ؟ كان في الدنيا القتل منهم نصيبي * ونصيبي اليوم العذاب العسير قلت : إنّ المقدور لا بد منه * أو حتى إن أخطأ المقدور ؟ ! « 1 » . وإذا فهمنا من هيكل المسرحية أنّها مجموعة مواقف يردّدها مجموعة من الأشخاص كانت « ثورة في الجحيم » للزهاوي أوّل مسرحية ثقافية فلسفية .......................................................................................... ( 1 ) انظر أيضا ديوان جميل صدقي الزهاوي ، جمع وتقديم عبد الرزاق الهلالي ، المجلد الأول ، دار العودة ، بيروت 1972 ، ص 734 .
« 112 » في الأدب العربي الحديث . وواضح أنّ الزهاوي كان سابقا لزمنه في التفاتته هذه إلى الحلّاج ، إذ فتر الاهتمام بهذا الصوفي في الأدب العربي من بعد الزهاوي إلّا على صورة إلمامات سريعة غير مقصودة لذاتها كإشارة المرحوم محمد كرد علي في كتابه « الإسلام والحضارة العربية » الذي طبع أوّلا في مصر سنة 1936 م ، إلى أن الحلّاج كان على اتّفاق تآمري مع رئيس القرامطة في عصره جريا مع الأسطورة التي ورد ذكرها في « كتاب الشامل » لإمام الحرمين الجويني « 1 » ، وكإشارة المرحوم الدكتور زكي مبارك إليه في كتابه المشهور « التصوّف الإسلامي في الأدب والأخلاق » ، الذي طبع في مصر سنة 1938 م في فقرة - سواء أطالت أم قصرت - لا تعبّر إلا تعبيرا جزئيا عما كان ينبغي أن يتبسّط فيه هذا الأديب العالم الذي كان من مريدي الطرق الصوفية وشيوخها حقيقة أو ادّعاء . والحق أن أوّل كتاب حديث أفرد الحلّاج بدراسة كاملة في اللغة العربية هو كتاب المرحوم طه عبد الباقي سرور الذي صدر في القاهرة سنة 1961 م بعنوان « الحلّاج شهيد التصوّف الإسلامي » في 264 صفحة من القطع المتوسط ، وهو عمل يجمع كل ما يتّصل بالحلّاج من غثّ وسمين بما في ذلك ما يروى عنه من كرامات غدت في هذا الكتاب حقائق ثابتة . وفي الحلّاج قال طه عبد الباقي سرور ( ص 260 ) : « . . . عاش ليقدّم الدليل على أن الروح - إذا ارتفعت إلى اللّه سبحانه - صغرت الأكوان في نظرها وهانت الأحداث في منطقها فغدت - بزهوها وترفّعها - أعظم قوة تهزّ عروش البغي وتوجّه أحداث التاريخ » . وفي عالم الشعر نطق الشاعر علي أحمد سعيد ، المتلخّص بأدونيس « 2 » - بعد سكوت الزهاوي بربع قرن - معبّرا عن نزعة صوفية متأصّلة في نفسه موروثة من أهل بيته في صورة مرثيّة من الشعر الحرّ تصوّره بصورة فارس شاعر يكتب الأحداث بريشة خضراء متجددة لا يبليها الزمان ليبيّن للإنسان .......................................................................................... ( 1 ) الإسلام والحضارة العربية : 1 / 75 . ( 2 ) سوري الأصل والنشأة ، يقطن في لبنان .
« 113 » العربي المعاصر أنّ ما هو فيه من تفسّخ وتحلّل وما يقدّم من ضحايا على مذبح الحرية إيذانا بانبلاج فجر جديد مشرقه بغداد ، أرض الدم الذي سفح قبل ألف عام ، فركز في التاريخ راية للبطولات لا تتمزق وعلما رمحه لا يزال أخضر حيّا له جذور راسخة في تربة الزمان وطين الحدثان ؟ وأدونيس كان المنطلق الحقيقي لاهتمام شعراء الموجة الجديدة من الشعراء العرب بالحلّاج بوصفه نموذج النضال التاريخي اللاطائفي واللاقومي المستمد من تاريخ العرب والإسلام وكأنّه كان اكتشافا مذهلا لما يمكن أن يستمد من التراث العربي ، المثقل بالطائفية والنزعات المحافظة ، إذا ما نظر إليه من زاوية عقائدية حديثة « 1 » . من هنا وجدنا عددا من شعراء العروبة المعاصرين يلتقطون هذا الحبل ويتتبعونه من غير ملل مردّدين معاني متشابهة لا تتغير فيها إلا الألفاظ . من ذلك ست مقطّعات ضمّنها عبد الوهاب البياتي مجموعته الشعرية « سفر الفقر والثورة » التي نظمها سنة 1964 م وأصدرها في أيلول ( سبتمبر ) 1965 م تحت هذه العنوانات : « المريد - رحلة حول الكلمات ، فسيفساء ، المحاكمة - الصلب - رماد في الريح » ( ص 11 - 30 ) . وعاصر هذا الحدث وشارك فيه تلميذنا عبد الستّار الراوي الذي نظم قصيدة من الشعر الحرّ في ربيع 1965 م وأكملها في سنة 1968 م متأثرا فيها بأدونيس « 2 » . وفي سنة 1965 نفسها أصدر صلاح عبد الصبور مسرحيته الشعرية الرائدة « مأساة الحلّاج » وذلك في كانون الأول ( ديسمبر ) 1965 م التي ذكر أنه استمدّها من ثلاثة أعمال كتبها أو نشرها ماسينيون ، بالإضافة إلى كتب أخرى ، منها ما لم يطّلع الشاعر منها إلا على العنوان مثل كشف .......................................................................................... ( 1 ) انظر : أغاني مهيار الدمشقي ، دار مجلة شعر ، بيروت 1961 ، ص 235 - 236 . ( 2 ) انظر ملحق الجمهورية ( البغدادية ) الأدبي ، ربيع 1965 م ، وراجع أعداد الجمهورية لسنة 1968 .
« 114 » المحجوب ، المصنف الفارسي الذي ألّفه الهجويري ( ت 465 هـ ) ورسمه صلاح عبد الصبور على صورة الهجويري ! ولا شك في قيمة هذه المسرحية الشعرية وإن كانت حقائقها معبوثا بها ، كتشويه أخلاق أبي عمر القاضي المالكي الذي قاد استجواب الحلّاج في المحاكمة وكإجلاس الشاعر قاضيا شافعيا أثناء المحاكمة مع علمه بأن الشافعية لم يشاركوا فيها أصلا. وقد أحسن أنيس منصور القول في تعليق له على هذه المسرحية في إشارته إلى دور صلاح عبد الصبور في هذه المسرحية تمثّل في « أن يكون قريبا من الحلّاج وروحه وأن يقوده وراءه في ضلالات المجتمع وأن يجعله مواطنا شريفا . . وأن ما قاله الحلّاج في غيبوبته جاء واعيا يتردد عبر القرون الوسطى والحديثة » « 1 » ، وهو تصوير يسلك الغاية من هذه المسرحية في سلك الريادة الأولى للزهاوي و « الزعامة » التي نهض بها أدونيس . وفي سنة 1966 م أو في قيس لفته مراد ، الشاعر العراقي المعاصر ، على الغاية بإصداره مجموعة شعرية كاملة - وإن كانت صغيرة - بعنوان « أغاني الحلّاج » استوحى معانيها من الاضطهاد والعذاب والصلب والنار والطين وما إلى ذلك . وقد قال الشاعر « . . إنّما أحببت في الرجل أنّه صورة الإنسان المتفرّد عن طبيعة زمنه وعن طبيعة أهله ، وأحببت في الرجل أنه لحظة قصيرة ذكيّة ولدت في ثنايا قرن غبي بليد . . . قد يكون أسطورة اختلط فيها الخيال أكثر مما صنعها الواقع ، ولكنها - برغم ذلك - أسطورة حقيقية . فالخيال طموح الكائن المحدود إلى الوجود الأعظم ، إلى المصدر البعيد وراء انفعالات الرغبة - وفي أيام كل فرد منا لحظات قصيرة هي لحظات الاكتشاف : اكتشاف الإنسان لعلاقته باللّه » « 2 » . ومع أن المجال قد ساغ فيه أن نذكر نماذج من هذه الأشعار إلا أننا نصرّ على أن نؤجل ذلك إلى كتاب يتضمن هذه الإشارات الحديثة مع .......................................................................................... ( 1 ) جريدة الأخبار ( القاهرية ) عدد 19 / 11 / 1967 م . ( 2 ) أغاني الحلّاج ، ص 5 - 6 .
« 115 » أخواتها القديمة ونأمل أن نصدره قريبا « 1 » . وسيرا مع قافلة الشعر الحديث ، نشير إلى محمد سيد محمد ، الشاعر المصري الذي أصدر في القاهرة سنة 1967 مجموعة شعرية فيها قصيدة حرّة بعنوان « أبراج النور » بدأها بعبارة أبي يزيد البسطامي المشهورة « ما في الجبة إلا اللّه » وعلى وزنها ( المتدارك مخبونا ) - وقد انساق مع من انساق إلى نسبتها إلى الحلّاج - فتسلسل منها قائلا ، في ختام هذا العرض التاريخي لمكانة الحلّاج في الشعر الحديث :« ما في الجبة إلّا اللّه » * قتلوا عميّ خلف المسجد قالوا : ملحد ! * كفر الشيخ فوجب القتل سلّوا السيف فسال الدّم * يكتب فوق الرمل الأسود قول موحّد : * ربّي ربّي فوق الكلّ من كلّ الأشياء يطلّ * « ما في الجبة إلا اللّه ؟ » لم لا يفصح هذا الشيخ « 2 » !ودخل الحلّاج دنيا السياسة الصريحة على صورة زاوية ثابتة في جريدة التآخي ، لسان الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق ( سابقا ) ، بعنوان « حلّاجيات » . وكان الكاتب ، وهو السيد فلك الدين الكاكائي ، يكتب خواطره فيها تحت اسم « الحلّاج » ، ليعكس الأحداث من خلال الظروف التي أحاطت بالحلّاج وليجدّد ذكره ويجعله نموذجا للضحية البريئة التي ذهبت على مذبح الملابسات السيّئة التي عاصرته وأودت به باعتباره رمزا للمظلوم الحرّ ، فكأن هذا الكاتب الكردي يرمز بذاك إلى الشعب الكردي نفسه .......................................................................................... ( 1 ) وقد فعلنا ذلك في كتابنا:الحلّاج موضوعا للآداب والفنون والعربية والشرقية قديما وحديثا طبع بغداد 1977 م . ( 2 ) موعد مع النجوم ، لمحمد سيد محمد ، القاهرة 1967 م ، ص 42 - 43 .
« 116 » وقضيته في رأيه . وقبل أن نقتطف من كلمات فلك الدين الكاكائي لا بد من الإشارة إلى أنه ينتمي إلى طائفة الكاكائية [ - الإخوانيّة الصوفية ] ، وهي نحلة دينية تصدر عن روح الفتوة الصوفية والأخوة الروحية ( إذ معنى كاكا بالكردية هو الأخ ) ويحتل الحلّاج في أفكارها وعقائدها مكانة بارزة جدا « 1 » ، وكأنّ الكاتب ، بثنائه على الحلّاج وإشادته به قد تديّن بفكرته وعبّر عن مطامحه السياسية في وقت واحد . ومن أطرف ما جاء في هذه الزاوية من خواطر يومية اعتبار الكاتب للحلّاج ممثلا للروح الوطنية الكردية ومعادا ( أو مهديا بالمعنى الإسلامي ) لزرادشت ، نبيّ الفرس والأكراد جيل منهم . وهي فكرة تذكّر بمسرحية الشاعر التركي حسن زكي أقطاي ، وإن كان جذرها متّصلا بالعقيدة الكاكائية في ما يرجح . يضاف إلى هذا أن الفقرة التي نشير إليها قد تضمّنت الصلة التي عقدها إقبال بين الحلّاج ونيتشه على صورة سلبية . وقال : الحلّاج الكردي الحديث :فلك الدين الكاكائي في جريدة التآخي ( عدد يوم 26 - 9 - 1967 م ) . . . « الناسك القديم والعابد الهائم في الجبال من صومعته من جديد . هبط إلى الوادي لينشر بين الناس تعاليمه الجديدة ، ها هو زره دشت [ بالإملاء الكردي ] بقامته الطويلة ووجهه الصبوح الوضّاء ، يتقدمه مشعل وهّاج من فحم البلّوط على موقد من الصخر ، وعكازته من البلوط أيضا ، قوية تنغرس في الأرض فتترك وراءها سلسلة من الحفر الصغيرة تدلّ على الدرب الذي سلكه زره دشت من صومعته إلى الوادي . . . حين وصل إلى قاعدة الجبل ، وقف يلوّح بأطراف ثوبه : احرقوا ما نقله نيتشه على لساني ( والإشارة إلى الكتاب المشهور ) : إنما أعيد القول بأن الإنسان الأعلى الكامل سيولد عن قريب ، ولن يولد - كما توهّم نيتشه - من قتل الضعيف بحجة القضاء على الضعف الإنساني ، إنما يولد من خلال القضاء على ضعفه الداخلي في أعماقه للتسامي بروحه إلى علياء النقاء والصفاء . وحين فاه زره دشت بهذا مات نيتشه إلى الأبد ، وانبعث من الأعماق .......................................................................................... ( 1 ) راجع كتاب الكاكائية في التاريخ للمرحوم عباس العزاوي ، طبع بغداد .
« 117 » السحيقة للوادي صوفيّ بهيّ الطلعة ، يلبس خرقة مدمّاة قرمزية ويدمدم : أنا الحق ، هو هو الحلّاج ، بعث من جديد نقيّ الروح طاهرها . وتقدّم يحتضن التعاليم الجديدة لزره دشت بحرارة . وردّدت جنبات الوادي الهتاف المدوّي . « فكّر خيرا ، قل خيرا ، اعمل خيرا [ عبارة زره دشت المشهورة ] وذلك هو الطريق الوضّاء نحو الحق » : الحلّاج . وهذه عبارات غنية عن التعليق والشرح والتحليل . وأحدث أثر أدبي تناول الحلّاج كتاب لميشال فريد غريّب بعنوان « الحلّاج ، أو وضوء الدم » على صورة « قصة صوفية تاريخية » ظهرت في بيروت سنة 1968 م ، وإن كان تاريخ الطبع غير وارد في الكتاب نفسه ! أما العنوان فقد أشار الكاتب فيه إلى عبارة ذكر أن الحلّاج قالها لمّا صلّى الصلاة الإسلامية التقليدية ، قبل الشروع في إعدامه : ركعتان في العشق لا يصحّ وضوؤهما إلا بالدم . وأما الكتاب نفسه فمحاولة جديدة في كتابة القصة التاريخية لا نجد لها مثيلا بين القصص العربية . ذلك أنها مزيج من التاريخ والقصة والبحث مع غلبة طابع التاريخ والاستعانة بأقل ما يمكن من الهوامش التي تشير إلى المراجع . والقصة على العموم ، بارعة وتعدّ خطوة إلى الأمام في معالجة سيرة الحلّاج على أسس فنية ، وهي تصلح أن تكون قصة سينمائية ناجحة كما كانت مأساة الحلّاج لصلاح عبد الصبور مسرحية ناجحة .
* * *
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: الحلّاج والحركات الصوفية الثورية شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 10:54 pm
الحلّاج والحركات الصوفية الثورية شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
قبر الحلّاج الرمزي في بغداد : من الطبيعي أن يكون لرجل كالحلّاج في شهرته ومكانته موضع يقصده المعجبون أو المتخصّصون أو الفضوليّون لشتى الأسباب وإن علم الجميع بأنه لم يدفن قطّ وإنّما تنفّسه الهواء وشربه لمّا ذرّي رماده في سماء بغداد وألقيت بقاياه في أمواج دجلة . ولم يكن هذا بدعا ، فقد حاول الزيدية أن يرفعوا مزارا لإمامهم الشهيد والإباضية مثوى لعبد الرحمن بن ملجم مع كونهما قد صنع بهما قبل الحلّاج ما صنع به . بل إن الذهبي ينقل عن أحد رواته أن قبر علي بن أبي
« 118 » طالب الحالي في النجف ليس إلا قبر خصمه المغيرة بن شعبة « 1 » . ولسنا نجهل الخلاف الواقع حول موضع رأس الحسين الشهيد . وقد قتل الحلّاج على شاطئ دجلة الغربي في موضع يعرف الآن بمحلّة المنصورية نسبة إليه ( - ابن منصور ) لا يبعد عن مستشفى الكرامة إلا نحو خمسين مترا ويعدّه المعاصرون من أبناء الموضع متمّما لمقبرة معروف الكرخي، أكبر مقابر بغداد منذ نحو ألف عام. وإذ كان للحلّاج معجبون وأولياء وتلاميذ جسدانيون وروحانيون ، فلا بدّ أنهم كانوا يقصدون إلى الموضع الذي قتل فيه إثارة للذكريات وتعزية للنفس واقترابا من الروح ! وهكذا ، لما تسلّلت الأسطورة إلى الواقع الملموس وامتزجت العاطفة بالعزاء جعل أولئك يقصدون كل رابع وعشرين من ذي القعدة لينقّلوا النظر بين التراب والماء في الموضع الذي عانى فيه رجل مظلوم من عبث جلّاد أجير قبض ثمنا بخسا على المثلة بإنسان بالسوط والسيف والخشب والنار . وكان هذا الموضع تلّا «كان قديما بيت عبادة، وعنده صلب الحسين بن منصور الحلّاج » «2». وقد صرّح أبو العلاء المعري ( ت 449 هـ / 1057 م ) ، من العقلاء القليلين الذين خاصموا الحلّاج ، عن واقع مادّي لما قال : « وبلغني أن ببغداد قوما ينتظرون خروجه ( من الماء ! ) وأنّهم يقفون بحيث صلب على دجلة يتوقّعون ظهوره » « 3 » ، وهؤلاء هم الحلّاجية الذين لقيهم الهجويري ( أبو الحسن علي بن عثمان الجلّابي الغزنوي ، ت 466 هـ / 1077 م ) في بغداد وذكر أنهم يتولّون الحلّاج كما يتولّى الشيعة علي بن أبي طالب « 4 » . .......................................................................................... ( 1 ) تاريخ الإسلام للذهبي ( شمس الدين محمد بن أحمد التركماني ، ت 748 هـ / 1347 م ) 2 / 206 ، وهذا موضوع طال فيه الجدل وليس على ما ينفي كونه قبره دليل مادي وقد قال : أبو الفرج الأصفهاني إنه : « دفن في الرحبة مما يلي أبواب كندة » ( مقاتل الطالبين ، النجف 1353 هـ ، ص 29 ) وانظر تاريخ بغداد : 1 / 137 - 138 . ( 2 ) المنتظم لابن الجوزي : 8 / 201 . ( 3 ) رسالة الغفران ، الطبعة الرابعة ، ص 454 . ( 4 ) كشف المحجوب ، ليننغراد 1926 ، ص 190 .
« 119 » وإذا صدقت رواية محمد بن علي السنوسي ( 1202 - 1276 هـ / 1787 - 1859 م ) فإنهم كانوا بزعامة نسل الحلّاج نفسه الذين تسلسلوا من ابنه عبد الصمد ثم ابن هذا أحمد فابن هذا محمد فابن هذا الحسين فابن هذا عبد الرحيم فابن هذا محمد فابن هذا زكي الدين عبد اللّه ، وهكذا « 1 » . في مثل هذه الظروف تمسّ الضرورة إلى رفع القواعد ذرّات من رماد احتفظ بها ولي أو فحمة من عظمة تبرّك بها مريد أو خرقة من ثوب تمزّق تحت وقع السوط ، ولا يحتاج الأمر إلى أكثر من هذا . ومما زاد المكان شهرة احتفال ابن المسلمة ( أبي القاسم علي بن الحسن بن أحمد ، 397 - 540 هـ / 1007 - 1059 م ) وزير القائم بأمر اللّه العبّاسي بنيله الوزارة في 8 جمادى الأولى سنة 437 هـ « 2 » في موضع قتل الحلّاج بالذات ، بوصفه حلّاجيا وصل إلى هذا المنصب ببركات شيخه ، « فأتى إلى تلّ فنزل في موكبه وصلّى عليه ركعتين وقال : هذا موضع مبارك » « 3 » . ولم تهتّم كتب التاريخ ، التي تصبّ الاهتمام على الأحداث التقليدية ، بهذا الموضع لانقطاعه عن المناسبات الرسمية الفخمة ، ويبدو أنّه ارتفع فيه بناء متواضع يجمع الحلّاجيين في مناسباتهم . وإذ كان ابن المسلمة الوزير نفسه من هذا المشرب فليس غريبا أن يكون هو باني هذا المركز الروحاني خلال السنين الاثنتي عشرة التي باشر فيها الوزارة حتى قتله زميله السابق وخصمه البساسيري في انقلابه الفاشل الموالي للفاطميين سنة ( 450 هـ / 1058 م ) ، وهو أمر التفت إليه ماسينيون وإن أحاطه بكثير من التهويل والتعقيد «4». ثم تسكت كتب التاريخ والرحلات عنه حتى أخبرنا ابن جبير الرحّالة ( محمد بن أحمد الكناني الأندلسي ، ت 599 هـ / 1203 م ) أنه زار قبر .......................................................................................... ( 1 ) السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين ، بيروت 1968 م ، ص 37 . ( 2 ) المنتظم : 8 / 127 . ( 3 ) أيضا : 8 / 201 نقلا عن الجزء الثاني ( الضائع ) من تكملة تاريخ الطبري لمحمد بن عبد الملك الهمداني ، ت 521 هـ / 1127 م . ( 4 ) انظر : حياة الحلّاج بعد موته ، له وترجمة أكرم فاضل ، مجلة المورد العراقية ، المجلد الأول العددان 3 ، 4 ، 1972 ، ص 59 أ .
« 120 » صورة الجانب الغربي من بغداد كما رسمها نصوح سلاحي المطراقي ونشرتها منظمة اليونيسكو ضمن كتاب صغير بعنوان « منمنمات تركية » - بالإنكليزية - تبين موضع قبر الحلّاج بالقرب من تربة معروف الكرخي والست زمرد خاتون التي يعرفها الناس باسم الست زبيدة وينبغي أن يلاحظ أن الصورة مقلوبة ويحدد الاتجاه موضع مشهد الكاظمين البادي في الزاوية اليمنى من الصورة . الحلّاج في رحلته إلى بغداد سنة 581 هـ / 1185 م ، لكنه أخطأ في تحديد الموضع حين ذكر أنه كان في باب الطاق القديمة قرب قبر الإمام أبي حنيفة الإمام أحمد بن حنبل وأبي بكر الشبلي « 1 » ، فالحق أنها في مقبرة الخيزران في الجانب الشرقي من بغداد - وهو الرصافة - في ضاحية تعرف اليوم بالأعظمية ( نسبة إلى الإمام الأعظم صفة أبي حنيفة ) ، والحال أن المكان المعنيّ ، الذي يقع فيه قبر الحلّاج الرمزي ، يقوم في الجانب الغربي - وهو الكرخ - في موضع يبعد عن الأعظمية أكثر من عشرة كيلومترات . لكن الخطأ لا يعني ، بالضرورة كذب ابن جبير ولعله لا يعدو أكثر من سهوة طفيفة منه في تحديد المكان . وقد أصلح هذا الخطأ مؤرّخ عراقي موصلّي ثقة هو ابن الطقطقي ( أبو جعفر محمد بن علي بن طباطبا العلوي ، 660 - 709 هـ / 1262 - 1309 م ) .......................................................................................... ( 1 ) رحلة ابن جبير ، تحقيق د . حسين نصار ، مصر 1955 م ، ص 213 .
« 121 » « صاحب كتاب الفخري في الآداب السلطانية » إذ قال / « وقبره ببغداد بالجانب الغربي قريب من مشهد معروف الكرخي ، رضي اللّه عنه » « 1 » . بعد التحقّق من الموضع نترك الحبل لماسينيون ليعلّمنا أن جماعة من مشاهير رجال الإسلام زاروا تربة الحلّاج على مرّ العصور من بعد ابن جبير ابتداء من سنة 611 هـ / 1215 م إلى 1139 هـ / 1727 م ثم إلى زيارة ماسينيون الأخيرة له في جمادى الأولى سنة 1364 هـ / نيسان 1945 م « 2 » . والغريب أن الرحالة المتأخرين ، وأكثرهم من الأوروبيين ، الذين زاروا العراق وكتبوا عنه لم يهتموا بزيارة هذه التربة ولم يتطرقوا إليها . بل إن المؤسف أن نسجّل هنا على المرحوم الدكتور مصطفى جواد والدكتور أحمد سوسة إغفالهما ذكرها في كتابهما المتخصّص « دليل خارطة بغداد قديما وحديثا » الذي طبع في مطبعة المجمع العلمي العراقي سنة 1378 هـ / 1958 م ، هذا مع اهتمامهما التفصيلي بدقائق المواقع التاريخية ، وكل ما استفدناه من كتابهما تعداد « محلة منصور الحلّاج » ضمن محلّات الجانب الغربي منها وهي واحدة من 49 محلة « 3 » . وفي ما عدا هذا ، فللعلامة المرحوم ماسينيون علينا أن ننوّه له بالعثور على أول صورة لقبر الحلّاج الرمزي كما كان سنة 942 هـ / 1535 - 6 م . وورد في كتاب « بيان منازل » لنصوح سلاحي مطراقي ( مخطوط مكتبة يلدز رقم 2295 ؛ ورقة 4 أ ) ويسرّنا أن نثبت صورتها قريبة من هذا الكلام . ومع أنّ إشارة لا ترد حول أصل هذا البناء يبدو لنا راجحا جدا أن السلطان سليمان الذي فتح بغداد سنة 941 هـ كان هو الآمر ببناء أو تجديد بناء قبر الحلّاج الرمزي على الصورة التي أوردها نصوح سلاحي مطراقي الذي كان ضمن الحملة العثمانية على العراق وهو « الذي حكى هذا .......................................................................................... ( 1 ) الفخري ، بيروت 1960 م ، ص 261 - 2 . ( 2 ) حياة الحلّاج بعد موته ، ص 59 أ . ( 3 ) دليل خارطة بغداد ، ص 269 .
« 122 » قبر الحلاج الرمزي في بغداد كما كان سنة 942 ه / 1535 - 69 وكما صوره نصوح سلاحي المطراقي في كتابه المخطوط ، " بيان منازل " الذي سجل حملة السلطان سليمان القانوني على العراق . والراجح عندنا أن السلطان المذكور هو الذي أمر برفع هذا البناء ( عن ديوان الحلاج لماسينيون ) وقد مرت صورة تخطيطية لهذا القبر من عملنا . صورة أخرى لقبر الحلاج من رسم نصوح صلاحي المطراقي المذكور ضمنها صورة لمدينة بغداد بضفتيها .
« 124 » الفتح » « 1 » . في كتبه أسفار بحرية عثمانية « 2 » . ومرآة الممالك « 3 » . وبيان زيارات الذي تضمن صورة القبر بعد الفتح بسنة واحدة فقط . ومما يزيد الأمر ترجيحا أن السلطان المذكور عمّر قبة الإمام أبي حنيفة وجدّد بناءها سنة الفتح وكذا رفع قبة الشيخ عبد القادر الجلي وبنى له دار ضيافة للفقراء ، وأكمل بناء الحضرة الكاظمية التي بدأ العمل فيها بأمر الشاه إسماعيل الصفوي سنة 926 هـ / 1520 م « 4 » . ومع أن المؤرخين أهملوا ذكر قبر الحلّاج إلّا أنه لا مفر من تقرير أن عمارته التي تمّت في هذه الفترة بالذات قد كانت بأمر السلطان المذكور . .......................................................................................... ( 1 ) تاريخ العراق بين احتلالين لعباس العزاوي ، الجزء الرابع ، بغداد 1949 م ، ص 29 . وبالنسبة لمرافقة نصوح للحملة ورسمه لصورة قبر الحلّاج ، انظر : حياة الحلّاج بعد موته لماسينيون ، ترجمة أكرم فاضل ، مجلد المورد ، العددان 3 ، 4 ، بغداد 1972 م ، ص 65 أ . ( 2 ) تاريخ العراق بين احتلالين لعباس العزاوي ، الجزء الرابع ، بغداد 1949 م ، ص 29 . وبالنسبة لمرافقة نصوح للحملة ورسمه لصورة قبر الحلّاج ، انظر : حياة الحلّاج بعد موته لماسينيون ، ترجمة أكرم فاضل ، مجلد المورد ، العددان 3 ، 4 ، بغداد 1972 م ، ص 65 أ . ( 3 ) تاريخ العراق بين احتلالين لعباس العزاوي ، الجزء الرابع ، بغداد 1949 م ، ص 29 . وبالنسبة لمرافقة نصوح للحملة ورسمه لصورة قبر الحلّاج ، انظر : حياة الحلّاج بعد موته لماسينيون ، ترجمة أكرم فاضل ، مجلد المورد ، العددان 3 ، 4 ، بغداد 1972 م ، ص 65 أ . ( 4 ) انظر تاريخ العراق بين احتلالين : 4 / 30 - 35 .
« 125 » ويبدو على هذا البناء لأوّل وهلة أنه كان يقوم على نشر من الأرض ، كما هي الحال الآن ، ويرقى إليه الزائر درجتين ودكّة متوسطة الارتفاع ، وبيّن أن البناء كان صغيرا متواضعا مع جمال ورشاقة وعناية ولعلّه في عرضه ، البادي في الصورة ، كان مساويا للبناء الحالي ( نحو 500 ، 4 من الأمتار ) إن لم يقلّ عن ذلك وربما كان ( نحو 50 ، 3 من الأمتار ) ، وأغلب الظن أنه كان مربّعا وربّما دائريا لتدور الحيطان السفلى مع دوران القبة وقاعدتها الظاهرة في الصورة . أما القبة فلعلّ ارتفاعها ، ابتداء من حزامها الأسفل ، كان نحو مترين يعلوها ميل يرتفع نحو متر على الشكل الظاهر . ويلاحظ على القبة أنها كانت مزيّنة بست زهرات مفتوحة تذكّرنا بالأسطورة المعروفة ، كل منها ذات سبع ورقات لها مركز وتبدو خمس من الزهرات في الصورة واحدة مركزية تحيط بها أربع نصفها باد ونصفها الآخر في الوجه الخلفي مع زيادة زهرة مركزية أخرى ، ولا يحتمل الشكل أكثر من
« 126 » هذا العدد . وتتراجع القبة عن الحيطان السفلى نحو متر تقديرا أو يزيد قليلا ، ولا ندري إن كان ذلك ممكنا من الناحية الهندسية ، وهذه المسافة واضح إنها مغطاة بالقرميد الأحمر ، المعروف في بلاد الشام والمغرب وتركية ، ولحماية البناء من المطر ، وهي ظاهرة لا نجدها في المباني المقدسة في العراق ونرى أنها دليل واضح جدا عن تركيّة البناء وحداثته في ذلك الوقت . وتبدو في الصورة ثلاثة شبابيك ، لعل وضعها المتقارب مبعد للاحتمال السابق من كون البناء دائريا ، ويبدو الأوسط منها دائريا مزينا بحلية دائرية من القضبان أو الثقوب عددها سبعة يكتنفه شبّاكان مستطيلان مع تقويس الضلع الأعلى منهما ، تزيّنهما حليّة مماثلة في العدد والمادة ، أما الباب فواضح أنه ليس عاليا بما فيه الكفاية وربما كان عرضه كعرض الباب الحالي ( نحو 120 سم ) . قال لي السيد نوري ( بن عبد اللّه القصير ، مختار المنصورية ) : إن القبر كان محاطا بقبور أخرى كثيرة ، يعني أن الفسحة التي أشرت إليها - كانت مرقدا لآلاف من البشر إلّا أن قبورهم درست وشمخ قبر الحلّاج وحده ، ولولا رعاية الناس والصالحين والسيد نوري لدرس هو الآخر . وقد أشار السيد نوري إلى وجود قبر في المنطقة ذاتها للشيخ صالح بن الشيخ عبد القادر الكيلاني ويقع هذا القبر في دربونة ( - زقاق ، زنقة ) الورّة . وثمة قبر آخر لوليّ آخر يقع قريبا منه ، وشاءت الصدفة أن يكون في وسط كراج للسيارات للغسل والتشحيم ( ! ) ، وهو ظاهر للعيان . . . . يزور جمع من العامة قبر الحلّاج ، وأكثرهم من الهنود والباكستانيين ويضعون على القبر نقودا وشموعا .صفة البناء : ينقسم البناء إلى قسمين : 1 - المدخل : عبارة عن غرفة مربعة الشكل تقريبا مبنية بالجص والطابوق ( الجير والطوب ) ذات سقف منحن ، وهي مهملة فيها أكداس من الرمل والطابوق والحصى . . . 2 - الضريح : يدخل إليه بواسطة باب على شكل مقوّس . ويوجد الضريح بشكل مستطيل ويقع بانحراف إلى الجهة اليسرى من المدخل ، وليس عليه أي شاهد سوى برقعة خضراء ( قماش من الساتان الرخيص ) ، وقد جدّد بناء هذه الغرفة بالطابوق بشكل بسيط وغير مجصّص ، وهي حديثة البناء أيضا
« 134 » خالية من كل زخرفة أو تزويق أو حتى تبييض بالجصّ . هذا في سنة 1970 م . وأما في سنة 1973 م فقد ساءت الأمور مع الحلّاج ، إذ خلت المسافة بين المدخل والضريح من الباب الذي أشار إليه السيد الآلوسي ، وزحف البلى إلى المكان وسقطت من زاوية البناء اليسرى ، من الخارج ، قطعة من أضلاعها طولها نحو 60 سم ، ولم يبق من القماش الأخضر إلا خرقة صغيرة ، وتجرّد الضريح وبدا هيكله عاريا معروقا وزحفت الرطوبة إلى البناء وما زال الحصى والطابوق في مكانه الأول مع ثالثة الأثافي الباب المخلوع ! وفوق هذا حوصر البناء من كل ناحية ، بالمعنى الحرفي ، بمشروع وصل بناؤه إلى السقوف لإسكان الأرامل بحيث عادت بغداد مع تخطيطه صورة من بغداد القديمة بأزقتها الضيقة وهوائها الحبيس . والشوارع ، أو الأزقة على الصحيح ، في المشروع الجديد الذي أخذ بأنفاس الحلّاج لا يزيد عرضها على المترين تقريبا مع التصاق فعلي من أحد البيوت بالزاوية اليمنى الخليفة من البناء موضوع البحث . ويزيد الأمر سوءا أن البيوت الصغيرة التي يعنى بها هذا المشروع ستكون في المستقبل ، القريب ، مكانا مهملا لا يصلح إلا
« 135 » لقضاء حاجة أو أدنى من ذلك ، والحلّاج أرفع وأجلّ من هذا كله . ورجل مثل الحلّاج في مكانته وإعجاب عظماء المسلمين وغيرهم به يستحق منّا شيئا أفضل بكثير . ثم إن الحلّاج أمانة مودعة عندنا فهو للإنسانية وللتاريخ ، وإهمالنا له إهمال لقيمة إنسانية ، وتخلف حضاري ينبغي أن نترفع عنه حفاظا على السمعة إن لم يكن ذلك بمحض اختيارنا . ولئلا تخلو هذه الفقرة من فائدة جغرافية ، نذكر أنه فوق ذكر نصّوح السلاحي المطراقي لقبر الحلّاج وتضمينه خريطته التي رسمها مصوّرة لبغداد سنة 944 هـ / 1537 م ، حدّد نفر من الرحّالين موضع قبر الحلّاج في خرائطهم التي رسموها بأنفسهم ، فمن هؤلاء فيليكس جونس والمستر كولينكوود في سنة 1853 - 4 م « 1 » / 1269 - 70 هـ والسيد رشيد الخوجة في سنة 1324 هـ / 1908 م أثناء تولّيه رئاسة ركن في الجيش العثماني « 2 » سار وهرزفيلد في أوائل القرن العشرين « 3 » . ومما يذكر أن الشيخ ياسين خير اللّه العمري ( 1157 - 1327 هـ / 1744 - 1822 م ) ذكر قبر الحلّاج في الفصل الذي عقده « للمراقد المشرفة في بغداد » وقال : « مرقد منصور الحلّاج بالجانب الغربي من بغداد » « 4 » . ومن هذا كله ، وبنتيجة استعراض موقع القبر المذكور في الخرائط والرسوم التي عرضت لبغداد يبدو أن مكانه هو هذا الذي عرّفنا به من مدينة بغداد . ومع هذا التواتر الملحّ ، أغفل الدكتور أحمد سوسة تحديد موقعه على الخرائط التي رسمها لبغداد في الدور البويهي « 5 » والدور السلجوقي وأواخر العهد العباسي « 6 » والعهد الحاضر « 7 » حتى في خارطة محلّات مدينة .......................................................................................... ( 1 ) انظر « أطلس بغداد » للدكتور أحمد سوسة ، بغداد ، مطبعة مديرية المساحة العامة 1371 هـ / 1952 م ، ص 15 . ( 2 ) أيضا : ص 16 . ( 3 ) أيضا : ص 17 . ( 4 ) غاية المرام في تاريخ محاسن بغداد ، دار السلام ، بغداد 1388 هـ / 1968 م ، ص 35 . ( 5 ) أطلس بغداد للدكتور أحمد سوسة ، ص 8 ، 9 . ( 6 ) أيضا : ص 10 . ( 7 ) أيضا : ص 20 - 27 .
« 136 » بغداد « 1 » . ولمّا أثبت المراقد القديمة في بغداد وضع صورة مقبرة معروف الكرخي وغيره وأهمل قبر الحلّاج « 2 » . ومن الغريب أن هذه الظاهرة تكرّرت في كتاب « دليل خارطة بغداد قديما وحديثا » الذي شارك الدكتور أحمد سوسة في وضعه ، المرحوم العلامة الدكتور مصطفى جواد ، ومن هنا لم يرد لقبر الحلّاج ذكر ولم يثبت موضعه حتى في الخارطة التي نقلاها عن ماسينيون الذي وضعها بدوره سنة 1908 م « 3 » ، مع أنهما ذكرا « محلة منصور الحلّاج » ضمن محلّات الجانب الغربي من بغداد « 4 » . وما يثير العجب حقّا أن هذه النكتة تكررت من جديد في « خارطة بغداد قديما وحديثا » « 5 » التي انضم إلى الدكتور أحمد سوسة والدكتور مصطفى جواد في وضعها الأستاذ أحمد حامد الصرّاف وهو من رجالنا المطّلعين على التصوّف والصوفية في بلادنا وغيرها ، ومن هنا خلت هذه الخارطة من تحديد موضع قبر الحلّاج مع اهتمامها بمقابر الشيخ جنيد والشيخ معروف وزمرّد خاتون المجاورة لقبر الحلّاج بل ومع تحديد موضع مستشفى العزل ( مستشفى الكرامة حاليا ) الذي لا يبعد عن قبر الحلّاج بأكثر من مائة متر . ولا شك أنّ السادة المذكورين مدينون لنا بإيضاح في هذا الشأن وخصوصا الدكتور أحمد سوسة الذي يبدو أنّه المحرك لهذه الظاهرة وبادؤها . واستيعابا للمادة الجغرافية في شأن الحلّاج نذكر إشارة محقّق « غاية المرام » الذي آثر أن يكتم اسمه ، إلى أنّه « للحلّاج نصب آخر في الموصل تنسب إليه مدرسة كان يدرّس فيها شيخنا العلّامة عثمان الديوه جي » « 6 » . .......................................................................................... ( 1 ) أيضا : ص 20 . ( 2 ) أيضا : مقابل ص 28 - 29 . ( 3 ) خارطة مدينة بغداد قديما وحديثا ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ، 1378 هـ / 1958 م ، مقابل ص 216 . ( 4 ) أيضا : ص 269 ، ومما يذكر هنا أن فهرس الأعلام في هذا الكتاب خلا من اسم الحلّاج حتى بصورته هذه المشوشة . ( 5 ) من منشورات المجمع العلمي العراقي ومن طبع مطبعة المساحة ، بدون تاريخ . ( 6 ) غاية المرام ، المذكور ، ص 35 . وقد سألنا الأخ السيد يوسف ذنون ، وهو من الباحثين
« 137 » فلعلّه كان مرّ به أو أقام فيه فترة ، وهذا - في كل الأحوال - مظهر من مظاهر الاهتمام بهذا الصوفي القتيل . الشبان المعنيين بخطط الموصل فكتب إلينا هذه الملاحظات حول مقام أو نصب الحلّاج في الموصل وإن كنا لا نوافق موافقة مطلقة على كل ما جاء فيه من استنتاجات . أجاب الأخ يوسف ذنون :
مسجد منصور الحلّاج : ذكر عنه العمري في منهله : « إنه مسجد صغير قديم في محلة الحديثيين » المسجد منسوب إلى رجل حلاج كان يعمل به اسمه منصور فسمي مسجد منصور الحلّاج ولا علاقة له بالحلّاج الصوفي المشهور ، هذا ما أعلمنا به المرحوم والدنا أحمد الديوهجي نقلا عن المعمرين من أهل الموصل . وآخر من عمر المسجد المذكور هو المرحوم عمنا عثمان أفندي الديوهجي فإنه هدم كافة مرافق المسجد وجدد عمارته سنة 1327 م ، وتطوع ببناء المصلى الحاج محمد رشيد بن حسن أفندي البزاز الشاعر الموصلي . كما أن عمنا بنى له مدرسة في نفس المسجد ، وكان يدرّس فيها ، ودرس عليه جماعة كثيرون . وبقي على هذا إلى سنة 1922 م حيث عين قاضيا لمدينة بغداد ، وبعد أن أحيل إلى التقاعد سنة 1932 م وعاد إلى الموصل استأنف التدريس به حتى أدركه أجله وفي سنة 1955 م اقتطعت مديرية أوقاف الموصل المدرسة مع حوش الوضوء واتخذتها دارا . مجموع الكتابات المحررة في أبنية مدينة الموصل جمعها نقولا سيوفي وعني بتحقيقها ونشرها سعيد الديوهجي مطبعة شفيق - بغداد 1376 ، 1956 وقد زرت هذا المسجد الذي يقع في محلة باب المسجد فلم أجد فيه ما يدل على قدمه وليس فيه من الآثار الظاهرة للعيان ما يعود إلى الفترة العباسية وقد ذكره محمد أمين العمري 1151 - 1203 ، في كتابه منهل الأولياء : 2 / 216 ويقول : « فلعله نزله الحلّاج أياما ، وأقام فيه مدة فنسب إليه » ، ولا يقدم سندا في ذلك وانما هو مجرد تخمين . وقد ذكره أيضا أحمد بن الخياط الموصلي ( 1195 - 1285 هـ ) في كتابه ترجمة الأولياء ولعله نقل معلوماته من منهل الأولياء إذ تكرر فيه نفس المعلومات تقريبا بعد أن أثبت الخبر المخمن السابق . وقد جدده الحاج رجب بن فتحي سنة 1184 هـ . وعمّره أخرى الحاج محمد رشيد نجل حسن أفندي البزاز سنة 1327 هـ . والمدرسة شيدها عثمان الديوهجي سنة 1327 هـ . يوسف ذنون الموصل في 10 / 7 / 1973 .
* * *
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافربالله في الأربعاء فبراير 07, 2024 10:58 pm عدل 1 مرات
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: القوافي في ديوان الحلّاج قافية الألف شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 10:54 pm
القوافي في ديوان الحلّاج قافية الألف شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد
[ القوافي في ديوان الحلّاج ] قافية الألف المقصورة والهمزة [ 1 ] من مجزوء الخفيف : 1- نظري بدء علّتي * ويح قلبي وما جنى 1 2- يا معين الضنى علي * ي ، أعنّي على الضنى 2 اللغة : الضنى : الداء المخامر كلما ظنّ المريض أنه برأ منه نكس ، وأضناه المرض يضنيه أثقله ، فهو رجل ضني وضن . يقال تركته ضني وضنينا ( مقاييس اللغة لابن فارس ، أبي الحسين أحمد ، ت 395 هـ / 1005 م ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، مصر 1366 هـ / 1947 م ، 3 : 373 ، مختار .......................................................................................... [ 1 ] ديوان الحلّاج ، جمع وتحقيق لوي ماسينيون ، ط 3 ، باريس 1955 م ، ص 127 عن : تقييد . . . ( مختصر العنوان : « تقييد بعض الحكم والأشعار » وهو اسم جامع أطلقه ماسينيون على فصول الديوان الستة برمتها يفرع بعده كل فصل منها على حدته بين قوسين أو بعد فاصلة وهي عملية ليس لها مبرر وقد جاريناه فيها حفظا لأمر مشترك بين جمعنا وجمعه . وقد أخذ ماسينيون هذا العنوان من الأصل الأساس الذي وجده في المتحف البريطاني برقم 9692 .Addوعنوانه الكامل هكذا : « تقييد بعض الحكم والأشعار » : مختصر من كلام السيد أبي عمارة الحسين بن منصور الحلّاج ، « ترجمة حسين بن منصور الحلّاج وشيء من كلامه . . . » ، نسخة أحمد تيمور باشا ، مخطوط رقم 129 بلا تاريخ بدار الكتب المصرية ( مخطوط تيمور ) ، ص 19 ، الهمداني ( محمد بن عبد الملك ، ت 521 هـ / 1127 م : تكملة تاريخ الطبري ) نشر دي كوجيه ، ص 98 ( ص 27 من طبعة بيروت 1961 م ، بتحقيق ألبرت يوسف كنعان ) .
« 166 » الصحاح للرازي ، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر ، ت 666 هـ / 1367 م ، بيروت 1967 م ، ص 385 ) .التحقيق : أ - عدّ ماسينيون هذه القطعة من الآثار القديمة التي تعبّر عن لسان حال الحلّاج . ب - في مقدمة هذين البيتين ذكر الهمداني أنّه « حكي أنه قال : إلهي ، إنك تتودّد إلى من يؤذيك ، فكيف لا تتودّد إلى من يوذى فيك ؟ ! » وأنشد : ج - في هذا المعنى قال الشريف البياضي : ألفت الضنى لمّا تطاول مكثه * فلو زال عن جسمي بكته الجوارح ولذّ سهاد الليل عندي ، وإنه * لمرّ وطاب الدّمع لي وهو مالح ( تشنيف السمع بانسكاب الدمع ) للصفدي . ( صلاح الدين بن أيبك ت 764 هـ / 1363 م ، مصر ، 1321 هـ ، ص 75 ) وفيه قال : « لا يقال مالح إلا في لغة رديئة، والفصيح ما نطق به القرآن العظيم في قوله تعالى :(وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ)(الفرقان 25 :53). د - ربما خطر بالبال أن « الضنى » هنا تقبل القراءة على « الفنا » لتقارب الرسمين ومناسبة المعنيين ، وبخاصة أن البغدادي روى عن الحلّاج خبرا أسطوريا ختمه بقول الحلّاج : « يا معين الفنا عليّ أعنّي على الفنا » ( تاريخ بغداد 8 : 130 ) وكذلك فعل الدكتور زكي مبارك بروايته أن الحلّاج قال : « يا معين الفناء عليّ ، أعنّي على الفناء » - دون ذكر للمصدر الذي نقل عنه ( التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق ، مصر 1357 هـ / 1938 ، 1 :218 ) . وفي هذا المجال يصحّ إيراد خبر الوشّاء ( أبي الطيّب محمد بن إسحاق ، من رجال القرن الثالث الهجري - التاسع الميلادي ) من أنّه « نقش
« 167 » بعض الظرفاء الصوفية على خاتمه : أنا للّه ، وباللّه أنا * أنا واللّه مقرّ بالفنا ( الموشّى ، مصر 1325 هـ / 1907 ، ص 168 ) . ه - بالنسبة للبيت الأول يرد هذا المعنى في الشعر الحسيّ كثيرا ، ومن ذلك قول القائل : كلّ الحوادث مبداها من النظر * ومعظم النار من مستصغر الشرر كم نظرة فتكت في قلب صاحبها * فتك السهام بلا قوس ولا وتر والمرء ما دام ذا عين يقلّبها * في أعين الناس موقوف على الخطر يسرّ مقلته ما ضرّ مهجته * لا مرحبا بسرور جاء بالضرر (كتاب « في العشق وأخبار العشق » لمجهول ، مخطوط معهد الدراسات الاسلامية بجامعة بغداد رقم 306 ، ص 183 ) . وترد هذه القطعة في « شرح مراقي العبودية للشيخ محمد نوري الجاوي على بداية الهداية » للغزالي ، مطبعة مصطفى محمد بمصر ، بلا تاريخ ، ص 68 ، مع ورود « الغيد » بدل « الناس » في البيت الثالث ومع اختلاف في ترتيب الأبيات . وترد بزيادة أبيات واختلاف رواية في ديوان ابن الفارض ، صنعة سبطه ، مخطوط الأستاذ عبد المجيد الملّا ، ورقة 53 أ . و - في استعمال كلمة « الضنى » قال الشريف الرضي : أعاد لي عيد الضنى * جيراننا على منى مواقف تبدل ذا ال * شيب شطاطا بحنى ( الديوان ، بيروت 1301 هـ ، ص 894 ) ، والشطاط : اعتدال القامة ، والحنى ، الأنحناء . ز - وفي المعنى كلّه قال أحد الصوفية : دائرات البلا عليّ تدور * وإلى ما ترى عليّ تثور ؟
« 168 » ما أرى للبلا بلاء سوائي * وبلائي على البلاء كدور فأنا محنة البلا وبلائي * حاضن للبلا عليه غيور إلى أن يقول : يا معين البلا عليّ أعنّي * في البلا ، فالبلا عليّ سعير ( اللمع للسراج ، ص 429 ) : ح - يبدو أن هذه المعاني كلّها تنظر إلى قول أبي نواس ( الحسن بن هانئ ، ت 195 هـ / 811 م ) : يا ويلتي من جسدي كلّه * رضّض منّي مفصلا مفصلا ترى المعافى يعذر المبتلي * ولا يعين المبتلي المبتلى ( الديوان ، بتحقيق أحمد عبد المجيد الغزالي ، ط مصر 1953 هـ ، ص 282 ) . ط - بل هي من قوله أيضا : إنّ القلوب مع العيون إذا جنت * جاءت بليّتها على الأجساد أشكو إليك جفاء أهلك ، إنّهم * ضربوا عليّ الأرض بالأسداد ي - ومن هذه المعاني أخذ ظافر الحدّاد الإسكندري ( ت 529 هـ / 1134 م ) في قوله : من كان يرغب في السلامة فليكن * أبدا من الحدق المراض عياذه لا تخدعنّك بالفتور فإنّه * نظر يضرّ بقلبك استلذاذه كما في وفيات الأعيان ( 2 / 219 ) . [ 2 ] من الوافر : 1 - إلى كم أنت في بحر الخطايا * تبارز من يراك ولا تراه ؟ 3 2 - وسمتك سمت ذي ورع ودين * وفعلك فعل متّبع هواه ؟ ! 4 .......................................................................................... [ 2 ] الديوان ، ص 38 عن : مخطوط تيمور ( ص 10 - 11 ) .
« 169 » - 3فيا من بات يخلو بالمعاصي ، * وعين اللّه شاهدة تراه 5 - 4أتطمع أن تنال العفو ممّن * عصيت ، وأنت لم تطلب رضاه ؟ 6 - 5أتفرح بالذنوب وبالخطايا * وتنساه ولا أحد سواه ؟ ! 7 - 6فتب قبل الممات وقبل يوم * يلاقي العبد ما كسبت يداه 8 اللغة : السمت ، الطريق ، وهو أيضا : « هيئة أهل الخير » وهو المقصود هنا ( انظر : مختار الصحاح ، ص 312 ) ومنه التسميت : ذكر اسم اللّه تعالى على الشيء ، وتسميت العاطس وتشميته أن يقال له يرحمك اللّه . التحقيق : أ - في البيت الرابع : وردت « ممن » في الديوان على لفظ « مما » ولا يستقيم بها المعنى . ب - سجّل ماسينيون « بالخطايا » على لفظ « الخطايا » ويختل بها الوزن . ج - كان البيت السادس سابقا على الخامس في الديوان وأخّرناه لمقتضى السياق وتسلسل المعنى . د - أطال الشيخ عبيد الحريفيش ( أبو سعد عبد اللّه بن سعد بن عبد الكافي المصري المكي ، ت 801 هـ / 1399 م ) في رواية هذه القطعة إطالة تنبئ عن إضافة - كما سيفعل في غيرها مما سنورده بعد - فضمّن البيت الثالث وأجاز عليه اثني عشر غيره فقال : فيا من بات يخلو بالمعاصي * وعين اللّه شاهدة تراه أما تخشى من الديّان طردا * وتحرم دائما أبدا تراه تبارز بالمعاصي منك مولى * على جهل : يراك ولا تراه أتعصي اللّه وهو يراك جهرا * وتنسى في غد حقّا لقاه وتخلو بالمعاصي وهو دان * إليك ولست تخشى من شطاه وتنكر فعلها ولها شهود * على الإنسان تكتب ما حواه ؟ فويل العبد من صحف وفيها * مساويه إذا وافى مساه
« 170 » ويا حزن المسئ لشؤم ذنب * وبعد الحزن يكفيه جواه ويندم حسرة من بعد فوت * ويبكي حيث لا يجزى بكاه يعضّ يديه من ندم وحزن * ويندب حسرة ما قد عراه فكن باللّه ذا ثقة وحاذر * هجوم الموت من قبل أن تراه وبادر بالمتاب وأنت حيّ * لعلك أن تنال به رضاه ( الروض الفائق في المواعظ والرقائق ، مصر 1316 هـ ، ص 140 ) . هـ - من الغريب أن هذه المقطّعة وردت ، ما عدا البيتين الأولين خاصة ، في ديوان أبي العتاهية ( إسماعيل بن القاسم ، ت 211 هـ / 826 م ) ، بطبع دار صادر ، ص 476 على الصورة التالية : فيا من بات ينمو بالمعاصي * وعين اللّه ساهرة تراه أما تخشى من الديّان طردا * بجرم ، دائما أبدا ، تراه أتعصي اللّه - وهو يراك جهرا - * وتنسى في غد حقّا تراه وتخلو بالمعاصي - وهو دان * إليك - وليس تخشى من لقاه وتنكر فعلها - ولها شهود * بمكتوب عليك - وقد حواه فيا حزن المسئ لشؤم ذنب * وبعد الحزن يكفيه حماه فيندب حسرة من بعد موت * ويبكي حيث لا يجدي بكاه يعضّ اليدّ من ندم وحزن * ويندب حسرة ما قد عراه فبادر بالصلاح وأنت حيّ * لعلك أن تنال به رضاه فهل هذه القوافي والألفاظ والركّة الواضحة ، لا السلاسة الجميلة ، تصلح أن تنسب إلى أبي العتاهية حقا ، وبخاصة ما يتصل بتكرار القافية في الأبيات الثلاثة الأولى - وإن كان لها وجه في عالم الشعر . على كل حال هذا مثل من أشعار أبي العتاهية ملنا به إلى الحلّاج ، وثمة نماذج أخرى من شعر الأول وكذا من شعر أبي نواس وضعناها في القسم الخاص بالشعر المنسوب إلى الحلّاج لعدم كفاية الأدلّة كما يقول القانونيون !
« 171 » [ 3 ] من المتقارب ( 1 ) : 1 - إذا دهمتك خيول البعا * د ونادى الإياس بقطع الرجا 9 2 - فخذ في شمالك ترس الخضو * ع وشدّ اليمين بسيف البكا 10 3 - ونفسك ، نفسك ! كن خائفا * على حذر من كمين الجفا 11 4 - فإن جاءك الهجر في ظلمة * فسر في مشاعل نور الصفا 12 5 - وقل للحبيب : ترى ذلّتي ؟ ! * فجد لي بعفوك قبل اللقا 13 6 - فو الحبّ ! لا تنثني راجعا * عن الحبّ إلّا بعوض المنى 14 التحقيق : أ - في البيت الثاني : رويت « الخضوع » على لفظ « الخشوع » أيضا : وما في المتن أقرب موردا . ب - في البيت الرابع : رويت « المشاعل » على لفظ « المصابيح » أيضا . ج - في البيت السادس ورد لفظ « عوض » قلقا وإن كان المعنى مفهوما والعوض « الخلف : أعاضني اللّه منه عوضا وعوضا . . . وعوّضني » كما في القاموس المحيط للفيروز أبادي ( أبي طاهر محمد بن يعقوب الصدّيقي الشيرازي ، ت 816 هـ / 1413 م ) . وفيه أيضا أن « عوض - مثلثة الآخر مبنية - ظرف لاستغراق المستقبل فقط : لا أفارقك عوض ، أو الماضي أيضا - أي أبدا . .. ويعرب إن أضيف: كلا أفعله عوض العائضين. وعوض : معناه أبدا أو الدهر، سمّي به لأنه كلّما مضى جزء عوّضه جزء...». [ 4 ] من مجزوء الرجز : 1 - إنّ كتابي - [ يا أنا ] - * عن فرط سقم وضني 15 .......................................................................................... [ 3 ] الديوان ، ص 40 عن : تقييد (مخطوط لندن، ورقة 342 أ « الأبيات 1 - 6 ») مخطوط تيمور ، ورقة 9 ( الأبيات 1 - 6 ). [ 4 ] تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 341 ب - 342 أ .
« 172 » 2 - وعن فؤاد هائم * عن سقام وعنا 16 3 - وعن بكاء دائم * جرى فأجرى السّفنا 17 4 - وعن جفون أرقت * فما تذوق الوسنا 18 5 - وعن نحول ساقني * طوعا إلى فنا الفنا 19 6 - وعن حشا * . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 20 7 - فاكفف ملامي ، عاذلي ، * [ فقد ] فقدت السّكنا 21 8 - وغاض ماء أدمعي * وصار عيشي محنا 22 9 - وغاب من عذت به * ولم يزل لي وطنا 23 10 - أتلفت فيه مهجتي * وصار شوقي ديدنا 24 11 - وصار ، إذ سرت به ، * نضوي لغيري مرسنا 25 12 - يا أيّها الحقّ الذي * يدنو إليه من دنا 26 13 - ما لي رميت بالضّنى * وبالصّدود والونا 27 14 - ما لي جفا معذّبي * وما جفوت المعدنا ؟ 28 15 - فلم جرى ذا ، يا أنا ، * بحقّ حقّ الأمنا 29 16 - أردد جواب واله * خاصم فيك الحزنا 30 17 - فأوصلوا الوصل له * بهجر هجر القرنا 31 18 - وراقبوا العهد الذي * أمطر فينا المننا 32 19 - فمثلكم ، يا سادتي ، * أجمل ثمّ أحسنا 33 20 - يا واهبي السّؤل أما * ترون شوقي معلنا 34 21 - شهوده ضرورة * حقائقي قد بيّنا 35 22 - منك دعاني [ ما ] دعا * فجئته بلا أنا 36 23 - جئت إليكم بكم * فصرتم لي وطنا 37 24 - إلى متى أبقى أنا * كعابد ترهبنا 38 25 - فما ألوم لائمي * وليس في اللّوم ونا 39 26 - ففي النّوى عهد الهوى * وطيب عيش وهنا 40 27 - أظنّه البحر ومن * مرّ الجفا قد أمنا 41 28 - فكن هواء في الهوى * من الهوى قد كمنا 42 29 - وانظر ترى عجائبا * تحار فيها الفطنا 43
« 173 » 30 - إنّ الذي هي التي * حشت حشانا شجنا 44 31 - ينقضها عقد الهوى * وما من المهيمنا [ كذا ] 45 32 - رعى لها حقوقها * ، تواصلا ، والدّمنا ! 46 33 - لكنّها عنه ونت * وليس في الحبّ ونا 47 34 - أنا أراعي فاتنا * جميل فعل وتنا 48 النص : في البيت الأول : أعجزتنا بديل [ يا أنا ] التي اقترحناها وجاءت في الأصل هكذا « ياين » ، وعبارة « يا أنا » صالحة للمكان وتكرّرت في البيت الخامس عشر أيضا ، وفي ذلك قال السري السقطي ( ت 251 هـ / 865 م ) : إن شئت أن أدعوه ناديت يا أنا * وإن يدعني نادى جميعي بيا إنّي ( كتابنا شرح ديوان الحلّاج ، ص 283 ) في البيت السابع : أضفنا [ فقد ] لا كمال الشطر لفظا ووزنا . البيت العاشر : جاء حادي عشر وأردفناه بالتاسع ليتسلسل المعنى، وجاءت « أتلفت » فيه على « أتلف » وما أثبتنا أصلح للموضع. في البيت الحادي عشر : جاءت « مرسنا » على « مسكنا » والدابة هي التي ترسن والبيت هو الذي يسكن ، ويحتمل أن يكون الشطر الثاني هكذا « بيتي لغيري مسكنا » . في البيت الثالث عشر : الونا تعني الفتور والإهمال . في البيت الخامس عشر : كان الأصل هكذا : فلم كل ذا يا أنا * بحق حق الأمنا وألفاظه تفضل عن الحدّ فنقصناها إلى قدر الحاجة ووثقنا البيت بكلمة « جرى » التي تقيم المعنى ولعلها الكلمة التي صحفت « كل » إليها ! . في البيت السادس عشر : جاءت « خاصم » في الأصل على « خاطب » ولا معنى لها .
« 174 » في البيت العشرين : جاءت « واهبي » على « واهب » ، وبالجمع يستقيم المعنى . في البيت الثاني والعشرين : دسسنا « ما » ملأ للفراغ وإقامة للوزن . في البيت الرابع والعشرين : جاءت « ترهبنا » على « تبرهانا » والصحيح ما أثبتنا . في البيت السادس والعشرين : جاء الشطر الثاني على « وطب عيش وهنا » وما أثبتنا أنسب للمكان . في البيت السابع والعشرين : جاءت « أظنه البحر » على « أظن هو البحر » وهو تصحيف واضح . وفي البيت التاسع والعشرين : لم يجزم جواب الطلب ، وهو سائغ نحوا و « الفطنا » جمع فطن . في البيت الثلاثين : جاءت « شجنا » على « شجانا » ، والبيت ما زال غير مستقر . في البيت الحادي والثلاثين : « المهيمنا » نافرة وقراءة الشطر عسيرة جدا ولا تبلغ مأمنا فهل من معين ؟ ! في البيت الثاني والثلاثين : « الدمنا » معطوفة على الحقوق . إشارة : قبل تسجيل هذه القصيدة قدّم المصنف المجهول لها بقوله : « وقيل : كانت للحسين بن منصور - رحمة اللّه عليه - أخبار غير مستقصيات في هذه القصة وله أخبار مقطّعة وأبيات كانت ترد منه في غير هذا الموقف بل من موقف عد [ وّ ] وعند كل تبيعة [ - تبعة ] . فتتبعت الموجود من شعره من عدة رجال كانوا يحضرون معه وينقلون عنه ؛ ممن يعتمد طريق الصوفية وينتحل الأسباب العقلية ويشاهد الحالات الغايبة عن أكثر البرية . ومن الموجود من شعره هذا [ هذه ] الأبيات وهو قوله [ القصيدة ] ( تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 341 ب ) ويلاحظ أن الأشعار التالية لهذه القصيدة
« 175 » في جملتها من المشهورات التي تنسب إلى الحلّاج ومن هنا يبدو أن القصيدة راجحة النسبة إليه ، واللّه أعلم . ومع كل هذا ومع المشقة العظيمة التي كابدناها في إصلاح هذه القصيدة جهد الطاقة ، وبما كانت منحولة ومصنوعة ، والأمر متروك للآتين ويستحق بذل مزيد من الجهد لاستكناه حقيقته . وأما الشرح فلا نجد داعيا إليه لأن القصيدة جامعة للأفكار العامة للتصوّف ، وتصوف الحلّاج على العموم ، وستشرح نفسها شيئا فشيئا في ثنايا المقطّعات والقصائد الآتية . على أن غرابة هذه القصيدة وغربتها عن طابع الحلّاج تكمنان في طولها وهي ظاهرة تنفرد بها ولا تجد لها أختا في هذا الديوان . [ 5 ] من الوافر : 1 - وأيّ الأرض تخلو منك حتّى * تعالوا يطلبونك في السماء ؟ 49 2 - تراهم ينظرون إليك جهرا * وهم لا يبصرون من العماء ! 50 التحقيق : أ - قدّم الفركاوي لهذين البيتين بقوله : « وعند أصحاب القلوب والبصائر لا تمكن الإشارة إليه إذ هو منزّه من الحدّ والمكان والجهات ، وفيه نقول . . . ( ! ) » . ب - يشير الحلّاج - في ما يبدو - إلى الآية : ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ، فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) ( البقرة 2 : 115 ) والآية : هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ، يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ .......................................................................................... [ 5 ] الديوان ، ص 37 عن : تقييد ( المخطوط ت ، ص 5 « الأبيات 1 - 2 » ) عيوني بغدادي : فوائد ( كذا ) . انظر أيضا : شرح منازل السائرين لمحمود الفركاوي ( من رجال القرن الثامن الهجري ) ، مصر 1953 م ، ص 152 ، مجموع صوفي رقم 10369 في المتحف العراقي ببغداد .
« 176 » أَيْنَ ما كُنْتُمْ ، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » ( الحديد 57 : 4 ) ، والآية : ( أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ؟ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ ، وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ ، وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ، ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( المجادلة 58 : 7 ) . أمّا النظر إليه تعالى فلعل الحلّاج يشير به إلى الحديث : « خلق اللّه آدم على صورته » فكأن كلّ إنسان يمثل صورة للّه ينظر إليها الإنسان . ولعل مما يشرح هذا المعنى قول الشبلي : « إنّ اللّه موجود عند الناظرين في صنعه مفقود عند الناظرين في ذاته » . ( حلية الأولياء : لأبي نعيم الاصفهاني ، أحمد بن عبد اللّه بن أحمد ، ت 430 هـ / 1039 م ، مصر 357 هـ / 1938 م ، 10 : 371 ) . ج - عبّر الصوفية المتأخرون عن هذا المعنى شعرا فقال منهم من قال : لقد ظهرت فلا تخفى على أحد * إلّا على أكمة لا يبصر القمرا لكن بطنت بما أظهرت محتجبا * وكيف يعرف من بالعزة استترا ( الفتوحات الآلهية في شرح المباحث الأصلية ، لابن عجيبة الحسني : أحمد بن محمد ، ت 1266 هـ / 1849 - 50 م ( تصحيح محمد محيسن ، مصر بلا تاريخ ، 1 : 49 ، وإيقاظ الهمم 2 : 27 ( ومجموع صوفي مخطوط برقم 10369 في المتحف العراقي ببغداد ) . وفي هذا المعنى قال بعض العارفين : إليك وجّهت وجهي لا إلى الطّلل * وفيك أصبحت بين الخوف والأمل يا من تجلّى وكان المستهام به * موسى ، وكان المنى في ذروة الجبل فما المناجي ؟ وما موسى ؟ وما الجبل ؟ * الكلّ أنت بلا كيف ولا مثل يا عين عيسى ويا روح المسيح ويا * هاء الإشارة ، يا منجّي من الزّلل نقلّب السّلف الماضي بجهلهم * وهم يشيرون نحو الرّبع والطّلل وأنت أقرب من حبل الوريد لهم * يا ويحهم في غد من وقفة الخجل ( مجموع صوفي رقم 10369 في المتحف العراقي ببغداد ، ورقة 64 ب ) .
« 177 » [ 6 ] من البسيط : 1 - العشق في أزل الآزال من قدم * فيه به منه يبدو فيه إبداء 51 2 - العشق لا حدث إذ كان هو صفة * من الصفات لمن قتلاه أحياء 52 3 - صفاته منه فيه غير محدثة * ومحدث الشيء ما مبدأه أشياء 53 4 - لمّا بدا البدء أبدى عشقه صفة * فيما بدا فتلالى فيه لألاء 54 5 - واللام بالألف المعطوف مؤتلف * كلاهما واحد في السّبق معناء 55 6 - وفي التفرّق اثنان إذا اجتمعا * بالافتراق هما عبد ومولاء 56 7 - كذا الحقائق : نار الشوق ملتهب * عن الحقيقة إن باتوا وإن ناؤوا 57 8 - ذلّوا بغير اقتدار عندما ولهوا * إنّ الأعزّا ، إذا اشتاقوا ، أذلّاء 58 التحقيق : أ - في البيت الخامس : « معناء » ، بمعنى معناه ، كما هو واضح ! ب - في البيت السادس : في هامش الأصل ، رواية أخرى مكان « الافتراق » على « فالافتراق » و « مولاء » هنا قلقة وفيها ضرورة قبيحة بمدّ القصر في مولى إلى « مولاء » . ج - في البيت السابع : « ناؤوا » بمعنى « نهضوا بجهد ومشقة » ، أي تحمّلوا عناء العشق ، وربما كانت « ناؤوا » بمعنى رحلوا مقابل باتوا بمعنى أقاموا ليتم التضاد بينها وبين « بانوا » فيعبّر المعنى عن أنّ نار الشوق دائمة الالتهاب سواء في القرب أو البعد . د - ذكر الديلمي في الفقرة التي سبقت رواية هذه القطعة أن الحلّاج قال : « العشق نار نور أوّل نار ، وكانت في الأزل تتلوّن بكل لون وتبدو بكلّ صفة وتلتهب ذاتها بذاتها وتتشعشع صفاتها بصفاتها ، لا تجوز إلّا جوازا من الأزل ، في الآباد ينبوعها من الهوية ، متقدس عن الإنّية . باطن ظاهر ذاتها .......................................................................................... [ 6 ] عطف الألف المألوف على اللام المعطوف للديلمي ( أبي الحسن علي بن محمود ، من رجال القرنين الرابع والخامس الهجريين [ - العاشر والحادي عشر الميلاديين ] ، تحقيق ج . ك . قاديه ، مطبعة المعهد العلمي الفرنسي بمصر ، 1962 م ، ص 44 .
« 178 » حقيقة الوجود ، وظاهر باطن صفاتها الكاملة بالاستتار المنبي عن الكلية بالكمال . » ( عطف الألف المألوف على اللام المعطوف أيضا ، ص 44 ) ، مع تحويل الضمير ابتداء من « تلتهب ذاتها . . . » من المذكر إلى المؤنث مراعاة للسياق ، وتغيير « بالاستتار » إلى « للاستتار » للسبب ذاته . هـ - في التعليق على هذه القطعة قال الديلمي أيضا : « انفرد الحسين بن منصور بهذا القول عن سائر المشايخ . وموضع انفراده أنّه أشار ( إلى ) أن العشق صفة من صفات الذات على الإطلاق وحيث ظهر . وأمّا غيره من الشيوخ فقد أشار إلى اتّخاذ المحبّ والمحبوب في حال تناهي المحبّة عند فناء كلية المحبوب بالمحبوب من غير أن قالوا ( الأنسب : يقولوا ) بلاهوت وناسوت » . وقد قالوا أيضا : « إنّ محبّته لأوليائه قديمة ، ومحبّتهم له من تأثيرات تلك بلا امتزاج بل باتحاد العبد به حتى كأنّه هو من طريق الفناء به ، كما قال القائل : أفنيتني بك عنّي * عجبت منك ومنّي وقفتني في مكان * حسبت أنّك أنّي وأشباه هذا مما يكثر ذكره . . . » ( أيضا ، ص 44 - 45 ) . والحق أن هذين البيتين للحلّاج نفسه كما يأتي . و - وإيضاحا لمعنى المحبة ننقل عبارة الديلمي التي تقول : « أمّا نفس المحبة فهي معنى نورانيّ ظهر من تأثيرات المحبة الأصلية في محل العقل ، فأوصلها العقل إلى روح روحاني فقبلته ، وأوصلته إلى أجسام لطاف فقبلته وتحلّت به ، وأوصلت الأرواح إلى الأجسام ما استحلّت من محلّها من اللذّة والرقّة والحسن واللطّف معها فصار كل ذلك للمحبّ حلية وللمحبوب صفة) (أيضا، ص 45). ز - تقريبا لمعنى هذه القطعة إلى الإفهام نذكر أنّ الحلّاج قرر أن العشق هو صفة من صفات الذات الإلهية القديمة كالعلم والقدرة والحياة وأنّه جوهر العلاقة بين الخالق والمخلوق كما يقول الفيثاغوريون . ويذكر الحلّاج في التدليل على قدم العشق أنّ المراد به العشق المصطلح عليه في عالم
« 179 » التصوف من إفناء الوجود الإنساني المادّي بالرياضة والمجاهدة والتوجّه الكامل المعنوي بحيث يزول عامل البدن ويرتفع عامل الزمن ويتحقق الموت المعنوي للصوفي مع بقاء الحياة الروحية الخالدة ، هناك تتضح حقيقة العشق بهذا المعنى وتبدو فلسفته التي تتمثل في أنّ اللّه تعالى لمّا خلق الخلق أرسل عشقه على صورة نار تتلألأ ، فلما أضاءت لهم اجتذبت أرواحهم ووقع الجذب بين الروح الإلهي والروح الإنساني بتحوّل صفة الذات الإلهية إلى مخلوقاته أو محبوباته ، في هذا المجال . ويشير الديلمي إلى أنّ اللام التي تشير إلى الإنسان تتحد بالألف التي تشير إليه ، سبحانه ، لتجعل منهما شيئا واحدا كما كانا في البدء وقبل الخلق . ويفهم من هذا الرمز الذي يكوّن حرف النفي « لا » أنّ الانفصال الذي يراه الناس بين اللّه تعالى وخلقه ما هو في الواقع الّا اتصال ظاهره نفي مثل « لا النافية » وحقيقته اتحاد . ومن هنا فاللّه تعالى والإنسان هما في الافتراق مولى وعبد وفي الحقيقة ذات واحدة يوحّدها العشق باعتباره صفة ثابتة في الطرفين . ويختم الحلّاج هذه التسابيح بتقريره بأنّ نار الشوق تشفّ عن حقيقتها التي تتمثل في التواصل المستمر بين الخالق والمخلوق في الأحوال كلها من ظاهر وباطن وباد وخاف . وينتهي إلى أنّ هذا التسليم الكامل ، الذي يبدو في الإيمان الكامل باللّه ، ليس إلّا ذلّ الحبيب لحبيبه وترك إرادته لإرادته ، وذلك أمر معروف عند البشر . [ 7 ] من البسيط : 1 - ما حيلة العبد ، والأقدار جارية * عليه في كل حال ، أيّها الرائي ؟ 59 2 - ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له : * إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء ! 60 .......................................................................................... [ 7 ] الديوان ، ص 122 عن : الباجوري : شرح جوهرة اللقاني : وفيات الأعيان لابن خلكان ( أبي العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم ، ت 681 هـ / 1283 م ) ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، مصر 1948 / 1967 م ، 1 / 405 .
« 180 » التحقيق : أ - في « ألف ليلة وليلة » ومخطوط د . علوان فقط وردت « ما يفعل العبد » على « ما حيلة العبد » ، وفي المخطوط وردت كلمة « جارية » على « غالبة » ولعلّها الأصل . ب - علّق الشعراني على هذين البيتين بقوله : « ومثل هذا لا يجوز عندنا التفوّه به لما فيه من رائحة الحجّة على اللّه تعالى ، فعلم أن الجبريّة وغيرهم ما وقعوا في ما وقعوا فيه إلّا من شهودهم وجه حدوث العبد وكونه مخلوقا . ولو أنهم شهدوا الوجه الآخر - وهو كونه قديما في العلم الإلهي - لأقاموا الحجّة على نفوسهم ، فليتأمّل ، فإنّه يتفلّت من الذهن ، واللّه تعالى أعلم » . ج - علّق الأستاذ أحمد نجاتي في طبعة رفاعي من وفيات الأعيان ( مصر 1936 م ، الأجزاء الستة الأولى فقط ) على هذين البيتين بقوله : « وهو يمثّل مذهب المجبرة ، وما أعجزهم وأسوأ نيّتهم ! » ( ه 4 : / 326 ) . وهي عبارة مأخوذة ، في ما يبدو ، من « العلم الشامخ في تفضيل الحقّ على الآباء والمشايخ لصالح بن مهدي القبلي ، ت 1108 هـ : / 1696 - 7 م ؛ مصر 1328 هـ ، ص 268 حيث ذكر في مقدمة البيت الثاني من هذه القطعة « قال شاعر المجبرة » . .......................................................................................... وانظر أيضا مرآة الجنان لليافعي ( أبي محمد عبد اللّه بن أسعد ، 698 - 768 هـ / 1298 - 1367 م ) ، حيدر آباد 1337 هـ - 1918 / 9 - 20 م ، 2 / 258 ، ألف ليلة وليلة ، مطبعة محمد صبيح بلا تاريخ ، الليلة 266 ، 2 / 127 ( دون نسبة ) ، مدارج السالكين لابن قيم الجوزية ( أبي عبد اللّه محمد بن أبي بكر بن أيوب ، 691 - 751 هـ / 1292 - 1530 م ، تحقيق محمد حامد الفقي ، مصر 1375 هـ / 1956 م ، 1 / 190 ، اليواقيت والجواهر للشعراني عبد الوهاب بن أحمد بن علي ، ت 973 هـ / 1579 م ، مصر 1351 / 1 / 150 ، دون نسبة ، دائرة معارف البستاني ، بيروت 1876 - 1900 م ، 7 / 152 ( البيت الثاني فقط ) ، مجموع شعري يملكه الأخ الدكتور محمد باقر علوان ، بجامعة هارقرد ، ورقة 56 ب ، دون نسبة ، ناقهاي عين القضاة همداني [ - كتب عين القضاة الهمداني ] باهتمام علي نقي منزوي وعفيف عسيران ، طهران 1969 م ، ص 36 ( البيت الثالث بثلاث روايات ، تترّدد فيها « مكتوفا و « مشدودا » إحداهما مكان الأخرى ) .
« 181 » د - سبق إلى التعبير عن هذا المعنى سفيان الثوري ( ت 161 هـ / 778 م ) شيخ الزهّاد لأيامه في الكوفة ، فقد ذكر عبد اللّه بن المبارك الزاهد المحدّث المجاهد ( ت 191 هـ / 797 م ) عنه أنه : « قيل لسفيان : لو دخلت عليهم [ - الأمراء والملوك ] . قال : إني أخشى اللّه أن يسألني عن مقامي ما قلت فيه . قيل : تقول وتتحفّظ . قال : تأمروني [ تأمرونني ] أن أسبح في البحر ولا تبتلّ ثيابي » . انظر : سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث [ سلسلة أعلام العرب ، رقم 92 ] ، للمرحوم الدكتور عبد الحليم محمود ، ط . الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، القاهرة 1970 م ، ص 38 . هـ - توسع الشيخ عبد الغني النابلسي ، الصوفي الشاعر المتفلسف المتأخر ( ت 1143 هـ / 1730 م ) في المعنى فقال على الوزن والقافية من قصيدة ذات أربعين بيتا نقتطف منها ما يأتي : قد قال من قال ، من جهل وإغواء * عن حكم تكليف ربّي عبده النّائي ؟ ! « ما حيلة العبد والأقدار جارية * عليه في كل حال أيها الرائي ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له : * إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء » حتى عليه فتى من أهل ملّتنا * قد قال في ردّه نظما بإنشاء إن حفّه اللطف لم يمسسه من بلل * جرى عليه بتكليف وإلقاء وإن يكن قدّر المولى له غرقا * فهو الغريق وإن ألقي بصحراء يعني إذا كان في علم الإله له * سعادة علمت من غير إشقاء فهو السعيد - وإن كانت شقاوته * في العلم فهو الشقيّ هكذا جائي ! والأمر والنهي من ربّ العباد على * عباده لا لسرّاء وضرّاء ولا لأجل امتثال الأمر أو غرض * له - تعالى - ولا منع وإعطاء وإنما هو تمييز الخبيث هنا * من طيّب ، ومراض من أصحّاء وفي القيامة عدل اللّه يظهره * والفضل أيضا لأقوام أعزّاء إلخ
« 182 » ( انظر : ديوان الحقائق ومجموع الرقائق له ، ط إسطنبول ، 1270 هـ / 1853 - 4 ، 1 / 26 ، وقد ورد لفظ « النائي » في المطلع ، في النص على « الثائي » بالثاء المثلثة ولم نتوصّل إلى دلّالتها هنا ووجدنا أن النائي أولى بالموضع نتيجة لخطأ الطبع . [ 8 ]من البسيط : 1 - لبيّك ، لبيّك ، يا سرّي ونجوائي * لبيّك ، لبيّك ، يا قصدي ومعنائي 61 2 - أدعوك ، بل أنت تدعوني إليك فهل * ناديت إياك أم ناديت إيّائي ؟ 62 3 - يا عين عين وجودي يا مدى هممي * يا منطقي وعباراتي وإيمائي 63 4 - يا كلّ كلّي ويا سمعي ويا بصري * يا جملتي وتباعيضي وأجزائي 64 5 - يا كلّ كلّي ، وكلّ الكلّ ملتبس * وكلّ كلّك ملبوس بمعنائي 65 .......................................................................................... [ 8 ] الديوان ، ص 11 - 13 : عن : تقييد ( نسخة لندن ، ورقة 323 أ : أبيات مختلفة ، الرسالة الحلّاجية ، نسخة الشيخ طاهر الجزائري ( نسخة ج ) ، ورقة 5 أ ، نسخة تيمور ، ص 12 - 13 ( الأبيات 1 - 13 ، 16 - 19 ) ، كتاب في سيرة الشيخ الشهيد حسين بن منصور الحلّاج أو مقامات الحلّاج ومقالاته ، نسخة المكتبة الشرقية المركزية في قازان في الاتحاد السوفياتي ، ( فنون شتى ، رقم : 68 ) ، ( نسخة : ق أو قازان ) ، ص 93 . ( الأبيات 1 - 4 ، 6 - 13 ، 15 ، 16 ، 14 ، 18 ، 19 ، حكاية الحسين بن منصور الحلّاج مخطوط برلين ، 439 ، الوقف الثاني لبيترمان ، رقم 553 ، ورقة 41 أ - 43 أ ( رمزها في هوامشنا ( ب ) أو برلين ) ، ( الأبيات : 1 - 4 ، 6 - 12 ، 14 ، 13 ، 16 - 19 ، كشف المحجوب للهجويري ( أبي الحسن علي بن عثمان الجلابي الغزنوي ، ت 466 ه / 1077 م ) تحقيق فالنتين زوكوفسكي لنينغراد : 1919 م ، ص 332 ، ( الأبيات 1 ، 3 ، 4 ) انظر مخطوط باريس رقم : ذيل المخطوطات الفارسية 1214 ، ورقة 171 ب ، وجنيزة : الأبيات 1 - 4 ) ، ابن كرد بوس التوزري : اكتفاء . . . مخطوط الرباط : ( الأبيات 1 - 4 ) ، ابن الجوزي : نرجس القلوب : الأبيات 1 - 3 ، 5 - 11 ، 13 - 19 ، بهاء الدين العاملي ، الكشكول ، طبعة 1329 ه ، ص 115 : الأبيات 1 ، 2 ، 11 ، 13 ( انظر الخوانساري : روضات 2 / 236 ) ، النابلسي : هتك الأستار : الأبيات 1 - 5 . انظر أيضا : « شعر للحسين بن منصور الحلّاج » تلو « طبقات الصوفية للسلمي » مخطوط دار الكتب المصرية رقم 316 / 4 تاريخ ، ( الأبيات 1 - 4 ) .
« 183 » 6 - يا من به علقت روحي ، فقد تلفت * وجدا فصرت رهينا تحت أهوائي 66 7 - أبكي على شجني من فرقتي وطني * طوعا ، ويسعدني بالنوح أعدائي 67 8 - أدنو فيبعدني خوفي ، فيقلقني * شوق تمكّن في مكنون أحشائي 68 9 - فكيف أصنع في رحب كلفت به ؟ * مولاي ، قد ملّ من سقمي أطبائي 69 10 - قالوا : تداو به منه ، فقلت لهم : * يا قوم ، هل يتداوى الداء بالداء 70 11 - حبّي لمولاي أضناني وأسقمني ، * فكيف أشكو إلى مولاي مولائي ؟ 71 12 - إنّي لأرمقه والقلب يعرفه * فما يترجم عنه غير إيمائي 72 13 - يا ويح روحي من روحي ، فوا أسفي * عليّ منّي فإنّي أصل بلوائي 73 14 - كأنني غرق تبدو أنامله * تغوّثا وهو في بحر من الماء 74 15 - وليس يعلم ما لاقيت من أحد * إلّا الذي حلّ مني في سويدائي 75 16 - ذلك العليم بما لاقيت من دنف * وفي مشيئته موتي وإحيائي 76 17 - يا غاية السؤل والمأمول يا سكني * يا عيش روحي ، يا ديني ودنيائي ، 77 18 - قل لي - فديتك - : يا سمعي ويا بصري * لم ذي اللجاجة في بعدي وإقصائي ؟ ! 78 19 - إن كنت بالغيب عن عينيّ محتجبا * فالقلب يرعاك في الإبعاد والنائي 79 اللغة : في البيت الرابع : التباعيض : من الفعل بعّضه أي جزّأه كما في مختار الصحاح ، ( ص 320 ) . في البيت السادس عشر : الدنف : المرض الملازم ومنه الدنف والدنف ، يستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع ، الذي ثقل من المرض ، والمرض هنا : الحب كما لا يخفى . التحقيق : أ - في البيت الثاني : وردت : « ناديت » على « ناجيت » في الموضعين وذلك في « شعر للحسين بن منصور الحلّاج » . ب - في البيت الثالث : وردت « إيمائي » على « إعيائي » وذلك غريب ، وهو مأخوذ من قول أبي نواس : وقد حميت لساني أن أبين به * فما يعبّر عنه غير إيمائي
« 184 » ( الديوان ، مصر 1953 ، ص 236 ) . ج - في البيت ضبط ماسينيون كلمة « علقت » على المبني للمجهول ، وليس بصحيح . د - في البيت العاشر : وردت « الداء » في القافية على « الدائي » في الأصول . ه - في البيت السابع عشر : ذكر ماسينيون لعبارة « يا ديني ودنيائي » رواية أخرى هي : « يا دنيائي وأخرائي » ، وذلك في الهامش ، ولا يستقيم بها الوزن . و - يبدو أن مضمون البيت الأخير كان متداولا بين الشعراء ، ومن هنا نسب إلى الحكم بن قنبر الشاعر ( ت نحو 150 هـ / 767 م ) أو الخليل بن أحمد الفراهيدي ( ت 175 هـ / 791 م ) قول أحدهما : إن كنت لست معي فالذكر منك معي * يرعاك قلبي وإن غيّبت عن بصري العين تبصر من تهوى وتفقده * وناظر القلب لا يخلو من النظر ( انظر مثلا : المختار من شعر بشار للخالديين : أبي بكر محمد وأبي عثمان سعيد ابني هاشم بن وعلة بن عرام المعاصرين لسيف الدولة الحمداني ، ت 456 هـ / 961 م ، مصر 1353 هـ / 1934 م ، ص 50 ، وانظر هامش المحقق : السيد محمد بدر الدين العلوي ) . وعبّر أبو العتاهية ( إسماعيل بن القاسم ، ت 213 هـ / 829 م ) عن هذا المعنى أيضا بقوله : أما - والذي لو شاء لم - يخلق النوى * لئن غبت عن عيني كما غبت عن قلبي ترينيك عين الذكر حتى كأنّما * أناجيك عن قرب وإن لم تكن قربي ( الديوان ، تحقيق د . شكري فيصل ، دمشق 1384 هـ / 1965 م ) ، ص 491 . ز - وبعد كل هذا ، يبدو أن المعين الذي نبع منه هذا المعنى قول أبي النواس :
« 185 » صليت من حبّها نارين : واحدة * جوف الفؤاد وأخرى بين أحشائي وقد منعت لساني أن يبوح به * فما يعبّر عنه غير إيمائي يا ويح أهلي ، أبلى بين أعينهم * على الفراش ولا يدرون ما دائي لو كان زهدك في الدنيا كزهدك في * وصلي مشيت بلا شك على الماء ( الديوان 1 / 140 ) ح - روي عن سهل بن عبد اللّه التستري ، أستاذ الحلّاج الأول ، ( ت 283 هـ / 896 م ) أنه قال : « كنت أسير في البر [ - البرّية ] إذ رأيت غلاما أسود وبين يديه أغنام وعلى وجهه من المعرفة أعلام - فقال لي : أنت حضريّ ؟ فقلت : نعم . فقال : بم عرفت مولاك ؟ فقلت : بالشواهد . فقال : هيهات ! من عرفه بالشواهد غرق في بحار الشدائد وفاته من اللّه كريم الفوائد . ثم أنشد وجعل يقول : إني لأعرف مولائي بمولائي * ولست آمله إلا لبلوائي هو الجواد فلم يدركه من أحد * برؤيته بدليل العقل والرائي ( انظر المقدمة في التصوف للسلمي أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين ( ت 412 هـ / 1021 م ) ، بتحقيق د . حسين أمين ، ط . بغداد 1984 م ، ص 23 ) .
* * *
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافربالله في الأربعاء فبراير 07, 2024 10:59 pm عدل 1 مرات
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: القوافي في ديوان الحلّاج قافية الباء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 10:55 pm
القوافي في ديوان الحلّاج قافية الباء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد
قافية الباء
[ 9 ] من المجتثّ : 1 - إرث لصبّ محبّ * نواله منك عجب ؟ 80 2 - عذابه فيك عذب * وبعده عنك قرب 81 3 - وأنت عندي كروحي * وأنت فيها أحبّ 82 4 - وأنت للعين عين * وأنت للقلب قلب 83 5 - حسبي من الحبّ أنّي * لما تحبّ أحبّ 84 التحقيق : أ - ورد البيت الأول في « تقييد بعض الحكم والأشعار » فقط ، وسجل ماسينيون الشطر الأول منه هكذا : « الصبّ إرثي محبّ » ، فأعانتنا في الطبعة الأولى . ولدى الرجوع إلى المخطوط تبيّن أنه جاء على الصورة التي تضمّنها النصّ . وواضح أن هذا البيت هو بيت القصيد في هذه المقطعة . .......................................................................................... [ 9 ] الديوان ص 123 ، عن : تقييد . . . ( مخطوط لندن ، ورقة 331 ب ) القزويني : عجائب المخلوقات : 2 / 112 ( الأبيات 2 - 5 ) ، ابن الجوزي : رؤوس القوارير ، ص 58 ( البيت الثاني ) ، البستاني : دائرة المعارف ( مادة : حلّاج ) وانظر أيضا : آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ( زكريا بن محمد بن محمود ، ت 682 هـ - 1283 م ) ، ط بيروت 1380 هـ - 1960 م ، ص 168 ، ( الأبيات 1 ، 2 ، 4 ) مشارق أنوار القلوب لابن الدبّاغ ( عبد الرحمن بن محمد الأنصاري ، ت 696 هـ / 1297 م ) ، بتحقيق هلموت ريتر ، ط بيروت 1959 م ، ص 76 ( الأبيات 2 - 5 ) .
« 187 » ب - في البيت الثاني في المشارق وردت « نفسي » بدل « روحي » ، وهي أنسب للسياق هنا وبخاصة أن حرف الحاء يملأ القطعة كلها . ج - في البيت الرابع وردت « حسبي » في المشارق على « حتّى » وما اخترناه أنسب للسياق ولم يفطن إلى هذه الدقيقة البستاني ( المعلم بطرس بولس 1234 - 1294 هـ / 1819 - 1887 م ) في دائرة معارفه ( طبع منها 11 جزءا بلغ فيها إلى حرف الغين ) ( بيروت 1876 - 1900 م : 1234 - 1294 هـ ) انظر مادة حلّاج 7 : 152 وتحتمل « أحبّ » الفعلية أن تكون « أحبّ » على أفعل التفضيل وهي أجمل هكذا . د - في مناسبة إيراد هذه القطعة ذكر القزويني أن ذلك قد كان في محاورة بين أبي عبد اللّه محمد بن خفيف ، الذي كفّر الحلّاج - وذكر روزبهان البقلي أنه رجع عن رأيه - وقد ذكر أنّ الحلّاج قال لابن خفيف : « يا ابن خفيف ، حججت إلى زيارة القديم فلم أجد لقدم موضعا من كثرة الزائرين فوقفت وقوف البهت . فنظر إليّ نظرة فإذا أنا متصل به ثم قال : من عرفني ثم أعرض عني ، فإني أعذّبه عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين وجعل يقول . . . » . [ 10 ] من السريع : 1 - سبحان من أظهر ناسوته * سرّ سنا لاهوته الثاقب 85 2 - ثم بدا في خلقه ظاهرا * في صورة الآكل والشارب 86 3 - حتى لقد عاينه خلقه * كلحظة الحاجب بالحاجب 87 .......................................................................................... [ 10 ] الديوان ص 41 عن : تقييد مخطوط تيمور ، ص 5 : ( البيتان 1 ، 2 ) . ابن باكويه : البداية : تحرير ماسينيون في كتابه أربعة نصوص تتعلق بتاريخ الحلّاج ، رقم : 18 ( عن الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد ، المنتظم لابن الجوزي ) الذهبي : التاريخ ، والكتبي : عيون ( الأبيات 1 - 3 ) . الديلمي : ترجمة ابن خفيف ، ابن الداعي : التبصرة : ص 402 س : 1 - 3 ، البقلي : شطحيات ، مخطوط ( أربعة نصوص ، ورقة 168أ
« 188 » التحقيق : أ - جاءت عبارة « في خلقه » على « لخلقه » في البداية والنهاية ، واخترناها من تاريخ بغداد 8 : 129 ، والمنتظم 6 : 162 ، وغرر الخصائص الواضحة وعرر النقائص الفاضحة للوطواط ( أبي أسحق إبراهيم بن يحيى بن علي ) ، ت 718 هـ / 1318 م ، مصر 1299 م ، ص 170 . ب - في « شرح شطحيات » لروزبهان البقلي الشيرازي ( صدر الدين أبي محمد بن أبي النصر الصوفي ، 522 - 616 هـ / 1128 - 1209 م ) تحقيق هنري كوربان ، طهران 1966 م ، ضبطت « ناسوته » بالفتح وكذلك فعل ماسينيون نقلا عن روزبهان هذا . وعلى الرفع سجّل أستاذنا المرحوم الدكتور أبو العلاء عفيفي هذا اللفظ في كتابه « التصوف ، الثورة الروحية في الإسلام » ، الإسكندرية 1963 م ، ص 82 . وقد شرح الدكتور عفيفي هذه القطعة بقوله : « وفي هذه الأبيات إشارة إلى ثنائية الطبيعة الإنسانية : اللاهوت والناسوت ، وهما اصطلاحان أخذهما الحلّاج عن المسيحيين السريان الذين استعملوهما للدلالة على طبيعة المسيح » ( المصدر نفسه ، ص 83 ) . .......................................................................................... البيتان : 1 ، 2 ) ( التفسير ، آية 31 سورة « يوسف » ) ، مكين مجموع ، ( الأبيات 1 - 3 ) . الحريري عن ( ابن تيمية ، الرسائل والمسائل ، مصر 1341 ، ص 62 ، 81 ) الوطواط : غرر ، ص 129 ( البيتان 1 ، 2 ) ( نسخة نخبة الأخبار ، بومبي 3 / 11 / 1887 م ) ، داوود القيصري : شرح النصوص ، ورقة 263 أ ، 271 ب ( البيتان 1 ، 2 ) . ابن عجيبة ، إيقاظ ، ص 156 ، ( الأبيات 1 - 3 ) . وانظر أيضا : تلبيس إبليس لابن الجوزي ( أبي الفرج عبد الرحمن بن علي البغدادي ، ت 597 / 1201 ، ط 2 ، المطبعة المنيرية ، مصر ، بلا تاريخ ، ص 166 ، المنتظم له أيضا ، حيدر آباد 1357 هـ / 1936 م ، 6 / 162 ، البداية والنهاية لابن كثير ( أبي الفدا إسماعيل القرشي ، ت 774 هـ / 1373 ) ، مصر 1358 هـ / 1939 م ، 13 / 133 ، تنبيه الغبي إلى تكفير ابن العربي الحاتمي الطائي للبقاعي ( برهان الدين إبراهيم بن عمر ، 809 - 885 هـ / 1406 - 1480 م ) تحقيق عبد الرحمن الوكيل ، مصر 1372 / 1353 ه ، ص 177 - 58 ) . التصوف الإسلامي للدكتور زكي مبارك : 2 / 217 .
« 189 » وأشار الدكتور عفيفي أيضا إلى أن « الناسوت عند الحلّاج هو المظهر الخارجي للاهوت » ( ص 191 ) وأن الحلّاج « ادعى أنّه صورة الإله القائمة على الأرض وأنّ كل إنسان يمثّل واحدة من تلك الصور الإلهية التي لا تحصى » ، ( ص 233 ) . ويزيد الدكتور عفيفي هذا المعنى بيانا في قوله : « وفي ضوء ما قلنا يتضح معنى الدعوى الحلّاجية التي من أجلها لقي صاحبها حتفه وهو قوله : « أنا الحق » التي يترجمها الأستاذ ماسينيون : « أنا الحق الخالق » وأفضّل أن تكون : « أنا صورة الحق » أي أنا المظهر الخارجي الذي ظهر فيه الحق وعن طريقه عرف الحق وبواسطته ظهر جلال الحق وجماله . ويؤيد هذا التفسير عبارة للحلّاج نفسه يقول فيها : « إن لم تعرفوه ( أي اللّه ) فاعرفوا آثاره ، وأنا ذلك الأثر ، وأنا الحق لأنّني ما زلت أبدا بالحق حقا . . . وإن قتلت أو صلبت أو قطعت يداي ورجلاي ما رجعت عن دعواي » . ( الطواسين ، ص 51 - 52 ، التصوف ، ص 234 - 5 ) . ج - لعن أبو عبد اللّه محمد بن خفيف ( ت 371 هـ / 884 - 5 م ) الحلّاج لقوله هذه القطعة ( تاريخ بغداد 8 : 129 شرح شطحيات ، ص 433 ) . وقد فعل ابن خفيف ذلك لأنّ فيه نوعا من التقعّر والتعمّق في الدين يخرج به عن استقراره إلى الاضطراب ، ومن هنا وردت في سورة الفرقان صورة من المحاذير التي تصاحب الدعاوى الإنسانية والنهي عنها حتّى في ما يتصل بنبيّنا ( صلى الله عليه وسلم ) قال تعالى :( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا : إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ، فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً . وَقالُوا : أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها ، فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا . قُلْ : أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً . وَقالُوا : ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ؟ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً . أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها . وَقالَ الظَّالِمُونَ : إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً . )
« 190 » ( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا ، فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ). وفي آية أخرى :( وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ، إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ ، وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ، أَ تَصْبِرُونَ ؟ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً . وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا : لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا ، لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً . يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ ، لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً . . . )( الآيات : 4 - 12 ، من سورة الفرقان ) . د - قال ابن تيمية ( أبو العباس تقيّ الدين أحمد بن عبد الحليم الحرّاني ، ت 728 هـ / 1328 م ) في التعليق على هذه القطعة ( ناقصة البيت الثاني) «وأمّا البيتان المنسوبان إلى الحلّاج... فهذه قد تعيّن بها الحلول الخاص، كما تقول النصارى في المسيح..». ( مجموعة الرسائل والمسائل ، مصر 1341 هـ ، ص 81 ) . وأمّا الصوفية فيعبّر عنهم أبو بكر الشبلي بأنّ هذا « توحيد الخاصة » « وهو وجود عظمة وحدانية اللّه تعالى وحقيقة قربه بذهاب حسّ العبد وحركته لقيام اللّه تعالى له في ما أراد منه . . وهو أن يوحّدك اللّه به ويفردك له ويشهدك ذلك ويغيّبك به عما يشهدك ، وهذا صفة توحيد الخاص » ( اللمع ، ص 424 ) . وبالنسبة لهذه القطعة بالذات عند الصوفية فإنهم بعد أن يربطوها بمقام الالتباس يشرحونها بقولهم : « ما أطهر من أوجد اللّه ناسوته » ويعنون به آدم ( عليه السلام ) الذي « أظهر منه أسرار سناء الربوبية ، وحقائق أنوار القدرة وجلال لطائف الصنع والحكمة ، وغضاضة الفعل . ومن هذه المشكاة تجلّت من الفطرة البديعة بصورة آدم للعارفين صنائع العرفان القديم دون مخالطة أو ممازجة بل مع التنزيه عن أشكال الحدثان » . وفي تصحيح هذه الحقيقة قال الحسين بن منصور في عين المعرفة :«المعارف والآراء أوهام ومن يكون العارف مع عرفانه؟!». ويختم البقلي هذه الفقرة بنقله هذه العبارة : « القصة مع القصّاص ، والمعرفة مع الخواص ، والكلفة مع الأشخاص ، والنطق مع أهل الوسواس ، والفكرة مع
« 191 » أهل الإياس ، والغفلة مع الاستيحاش ، والحق حق والخلق خلق ، ولا بأس » ( شرح شطحيات ، ص 443 - 4 ) ترجمة . ه - ضمّن أبو الحسن الششتري ( علي بن عبد اللّه النميري ، 610 - 668 هـ / 1214 - 1269 م ) هذا المعنى في موشحة صوفية له مطلعها : يا من بدا ظاهر * حين استتر واختفى باطن * لمّا ظهر ظهرت لم تخف * على أحد وغبت لم تظهر * لكلّ حد فأنت كالواحد * بلا أحد ( الديوان ، تحقيق الدكتور علي سامي النشار الإسكندرية 1960 ، ص 135 ) . هـ - بالنسبة لسرعة الفطنة إلى الشيء التي عبّر عنها الحلّاج بلحظة الحاجب للحاجب يمكن الاستشهاد بقول الأمير تميم بن معز بن باديس : إن نظرت مقلتي لمقلتها * تعلم ما مما أريد نجواه كأنها في الفؤاد ناظرة * تكشف أسراره وفحواه ( وفيات الأعيان 1 / 271 ) . ووصف رجل غلاما له فطنا فقال فيه : « يعرف المراد باللحظ ويفهمه باللفظ ويعاين في الناظر ما يجري في الخاطر . . . » ، كما في محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني ( 1 / 104 ) . وفي الرسالة القشرية ( بتحقيق د . عبد الحليم محمود ، ط . دار الكتب الحديثة بمصر 1966 ، 1 / 201 ) قول شاعر : إذا تخازرت وما بي من خزر * ثم كسرت العين من غير عور و - ومن أخبار الفطنة والذكاء بالإشارة ما ذكر عن جليس للمأمون أنه كان بحضرته « فخمش غلام [ من غلمان المأمون ] غلاما - ورآهما المأمون - فأحب أن يعلم هل علم علي [ - ضيفه ] أم لا ، فقال له : أرأيت ؟ فأشار علي بيده - وفرّق أصابعه - أي : خمسة ، وتصحيف خمسة خمشة . . . » . فالمعنى متداول بين الأدباء والسمّار ورأيناه عند الصوفيّة هنا . « 192 »
[ 11 ] من الطويل : 1 - كتبت ولم أكتب إليك ، وإنّما * كتبت إلى روحي بغير كتاب 882 - وذلك أنّ الروح لا فرق بينها * وبين محبّيها بفصل خطاب 893 - وكلّ كتاب صادر منك وارد * إليك ، بلا ردّ الجواب ، جوابي 90التحقيق : أ - في مرآة الجنان ( 2 : 258 ) ونشر المحاسن الغالية : وردت « روحي » في البيت الأول ، على لفظ « نفسي » ، وجاءت « ذلك أن » في البيت الثاني على « وذاك لأنّ » . وفي مخطوط لندن على « وذاك بأن » وفي نشر المحاسن الغالية جاء الشطر الثاني من البيت الثالث على : « إليك فلا تحتاج ردّ جواب » . ب - كتب الحلّاج هذه القطعة إلى صديقه وتلميذه أبي العباس أحمد بن عطاء الذي ضرب ضرب التلف بسببه وتوفي سنة 309 هـ / 921 م . ج - في مرآة الجنان أيضا : أن الحلّاج كتب إلى أبي العباس يقول : « أطال اللّه لي حياتك ، وأعدمني وفاتك ، على أحسن ما جرى به قدر ، ونطق به خبر ، مع ما أنّ لك في قلبي - من لواعج أسرار محبّتك وأفانين ذخائر مودّتك - ما لا يترجمه كتاب ولا يحصيه حساب ولا يفنيه عتاب ، وفي ذلك أقول . . . » . .......................................................................................... [ 11 ] الديوان ، ص 42 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 328 ب ) ، الخركوشي : تهذيب ، ورقة 278 ب ( عن عمر بن روفائيل عن طريق أحمد بن عبد اللّه الحرشي في مكة ) ، ابن جهضم : بهجة الأسرار ( الخطيب : التاريخ ، ابن خميس : المناقب ) جنيزة ، القسم الثاني ، السراج : مشارع : ص 319 ، اليافعي : مرآة الجنان . وانظر أيضا : تاريخ بغداد : 8 / 115 ، نشر المحاسن الغالية لليافعي ، ص 288 ، الطبقات الكبرى للشعراني ، مطبعة محمد صبيح بمصر ، بلا تاريخ 1 / 93 . تاريخ الإسلام للذهبي بنقل الأب أنستاس الكرملي ، مخطوط المتحف العراقي ، رقم 1826 ، ص 84 - 104 ، وهذه القطعة ترد في ص 103 . وراجع التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق للدكتور زكي مبارك ، مصر 1357 ه / 1938 م ، 1 / 216 . دائرة معارف البستاني 7 / 153 .
« 193 » د - المعنى يتضح هنا بتقدير « أو » قبل كلمة « وارد » . فكأنه يريد أن يقول : سواء أتكاتبنا أم لا فإنّ ما بيننا من اتصال روحي يتيح لنا التفاهم دون كلام ، والتراسل دون كتابة . ه - في بيان معنى هذه القطعة يحسن أن نورد قول السرّاج ( أبي نصر عبد اللّه بن علي الطوسي ، الملقّب بطاووس الفقراء ، ت 378 هـ / 988 - 9 م ) « وأما قول القائل لصاحبه : أنا أنت ، وأنت أنا » فمعناه معنى الإشارة إلى ما أشار إليه الشبلي ( أبو بكر جعفر بن يونس ، نحو 247 - 334 هـ / 861 - 946 م ) ، رحمه اللّه ، حيث قال في مجلسه : يا قوم ، هذا مجنون بني عامر كان - إذا سئل عن ليلى - فكان يقول : أنا ليلى ، فكان يغيب بليلى عن ليلى حتّى يبقى بمشهد ليلى ويغيّبه عن كلّ معنى سوى ليلى ويشهد الأشياء كلها بليلى . . » . ( اللمع ، تحقيق عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور ، مصر 1380 هـ / 1960 ، ص 437 ) . وقد روى الشبلي نفسه قصة في هذا المعنى مؤدّاها أنّ « متحابّين ركبا بعض البحار ، فسقط أحدهما في البحر وغرق ، فألقى الآخر نفسه إلى البحر ، ( فأنقذا ) . . . فقال الأول لصاحبه : أما أنا فقد سقطت في البحر ، أنت لم رميت نفسك في البحر ؟ فقال له : أنا غائب بك عن نفسي ، توهمت أني أنت ! » . ( أيضا ، ص 437 ) وذكر أيضا أن الجنيد بن محمد البغدادي ( ت 298 هـ / 910 م ) قال : « سمعت السري » ( السقطي ) يقول : لا تصحّ المحبة بين اثنين حتى يقول أحدهما للآخر : « يا أنا » وأنشد الجنيد في ذلك شاهدا شعريّا نصه : إذا شئت أن أدعوه ناديت : يا أنا * وإن يدعني ، نادى جميعي بيا إنّي فيخبرني عني بما أنا مخبر * إذا شئت عنيّ بالذي مخبر عني ( روضة التعريف بالحب الشريف للسان الدين الخطيب ، ص 354 ) .
« 194 » و - في هذا المعنى يقول الثعالبي في صديقه الخطابي ( أبي سليمان حمد بن محمد البستي ، ت 383 أو 388 هـ / 993 أو 998 م ) صاحب معالم السنن : أبا سليمان ، سر في الأرض أو فأقم * فأنت عندي دنا مثواك أو شطنا ما أنت غيري فأخشى أن تفارقني * قرّبت روحك بل روحي فأنت أنا ( خزانة الأدب لعبد القادر بن عمر البغدادي ، 1030 - 1093 : 1620 - 1682 ، مصر 1348 ، 2 : 107 ) ولعل « قرّبت » في الأصل على « قارنت » . ز - ويبدو أن العتّابي الشاعر ( كلثوم بن عمرو بن أيّوب التغلبي ، ت 220 هـ / 835 م ) سبق هؤلاء جميعا في إلمامه بهذا المعنى حين كتب لصديق له رقعة يقول فيها « حامل كتابي إليك أنا فكن له أنا والسلام » . ( جمهرة رسائل العرب 2 : 227 ) .
[ 12 ] من البسيط : 1 - للعلم أهل وللإيمان ترتيب * وللعلوم وأهليها تجاريب 91 2 - والعلم علمان : منبوذ ومكتسب * والبحر بحران : مركوب ومرهوب 92 3 - والدهر دهران : مذموم وممتدح * والناس اثنان : ممنوح ومسلوب 93 4 - فاسمع بقلبك ما يأتيك عن ثقة * وانظر بفهمك ، فالتمييز موهوب 94 5 - إنّي ارتقيت إلى طود بلا قدم * له مراق على غيري مصاعيب 95 6 - وخضت بحرا ولم يرسب به قدمي * خاضته روحي وقلبي منه مرعوب 96 7 - حصباؤه جوهر لم تدن منه يد * لكنّه بيد الأفهام منهوب 97 8 - شربت من مائه ريّا بغير فم * والماء قد كان بالأفواه مشروب 98 .......................................................................................... [ 12 ] الديوان ، ص 15 - 16 عن : مخطوط كوبرولو ، 1 / 620 أ ، ( الأبيات : 1 - 13 ) . تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 327 ب ، الأبيات : 1 ، 2 ، 5 ، 8 ، 10 ، 11 ) .
« 195 » 9 - لأنّ روحي قديما فيه قد عطشت * والجسم ما مسّه من قبل تركيب 9910 - إني يتيم ولي آب ألوذ به * قلبي لغيبته ما عشت مكروب 10011 - أعمى بصير ، وإنّي أبله فطن * ولي كلام ، إذا ما شئت – مقلوب 10112 - وفتية عرفوا ما قد عرفت ، فهم * صحبي ومن يحظ بالخيرات مصحوب 10213 - تعارفت في قديم الذرّ أنفسهم * فأشرقت شمسهم والدهر غرابيب 103 التحقيق : أ - عنون ماسينيون هذه القطعة بجواب في حقيقة الإيمان . ب - في البيت الأول : أثبت ماسينيون لفظ « وأهليها » على صورة « وأهلها » ويختلّ به الوزن . ج - في البيت الثاني : أورد ماسينون رواية أخرى للشطر الأول هي والعلم صنفان: مطلوب ومرغوب ولعلها « مطبوع ومكتسب». د - في البيت الثامن : حق مشروب أن تنصب على خبرية كان وهو خطأ نحوي واضح . ه - في البيت التاسع : أثبت ماسينيون لفظ « مسّه » على صورة « ماسّه » ويختل به الوزن . و - في البيت الثاني عشر : رسم ماسينيون أول الشطر الأول على لفظ « ذو فنا » ولا يقوم به معنى ، وبما أثبتنا يستقيم اللفظ والمعنى والوزن . و - ذكر ماسينيون أن الشيخ عبد الرحمن سلام نبّهه إلى أن لفظ غربيب في الشطر الثاني من البيت الأخير يتصل بالآية ( 25 ) ( الحق أنها ألآية 27 ) من سورة فاطر ( رقم 35 ) ونصها :( أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ( - طرق )بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ ) فكأنّ الحلّاج يريد أن يقول : إن صحبه قد تعارفت أرواحهم في عالم الذرّ يوم جمعها اللّه ليأخذ عليها الميثاق بوحدانيته كما صرّحت الآية :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ، مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ قالُوا : بَلى ، شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا ، يَوْمَ )
« 196 » ( الْقِيامَةِ ، إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ) ( الأعراف 7 : 172 ) . فوصف الدهر بالسواد الشديد تشبيها له بالليل فتشرق عليه الشمس ليطلع بعده النهار ويتحرك الزمان . ز - ورد لفظ غربيب في شعر ابن المعتز ( عبد اللّه ، الخليفة ، 249 - 296 هـ / 863 - 909 م ) ، في قوله : من يشتري مشيبي * بالشّعر الغربيب من يشتري مشيبي * وليس بالمصيب ( الديوان ، مطبعة الإقبال ، بيروت 1332 ، ص 289 ) . ومنه أيضا قوله : سقتني في ليل شبيه بشعرها * شبيهة خدّيها بغير رقيب فما زلت في ليلين : شعر ومن دجى * وشمسين من راح ووجه حبيب وقد شرح الثعالبي ذلك بقوله : « . . . من خبري يا سيّدي - فديتك - أن الزمان أسعفني بلقاء إنسانة فتّانة ، وجمعني وإيّاها مجلس مؤنس ، فسقتني في ليل شبيه بشعرها الغربيب مع غيبة الرقيب . . . » . ( نثر النظم وحلّ العقد ، مصر 1317 ، ص 153 ) . وفي الغربيب قال الثعالبي أيضا : « قال آخر : سود غرابيب كأظلال الحجر : ظل الحجر يشبّه به كل أسود كثيف لأن ظلّ كل شيء أسود وظلّ الحجر أشدّ سوادا لأنّه مصمت لا تتخلله خلل . . . ! ) . ( ثمار القلوب في المضاف والمنسوب ، له أيضا ، مصر 1326 / 1908 م ، ص 443 ) . ورحم اللّه أمير الشعراء الذي أخذ من ابن المعتز الماضي معنى قوله :
« 197 » ودخلت في ليلين : فرعك والدجى * ولثمت كالصبح المنّور فاك ح - بالنسبة لهذه الثنائية السارية في القصيدة كلها يحسن أن نذكر قطعة فيها هذه الروح ذكر أنها كانت منقوشة على حجر بطبرستان ، وهي : العيش لونان : فحلو ومر * والدهر نصفان : فزيف وضرّ والنطق جزآن : فبعر ودرّ * والناس اثنان : فنذل وحرّ ويومك يومان : فخير وشرّ * نهار يزول وليل يكرّ كذاك الزمان على ما مضى * وكلّ السنين على ذا تمرّ
[ 13 ] من الخفيف : 1 - طلعت شمس من أحبّ بليل * فاستنارت فما لها من غروب 104 2 - إنّ شمس النهار تغرب باللي * ل ، وشمس القلوب ليس تغيب 105 3 - من أحبّ الحبيب طار إليه * اشتياقا إلى لقاء الحبيب 106 .......................................................................................... [ 13 ] الديوان ، ص 45 ( البيتان 1 ، 2 ) عن : النصر أبادي ( السلمي : حقائق التفسير ، الآية 6 : 76 ( البيت الثاني ) . تقييد ( مخطوط قازان ، ص 74 ، مخطوط لندن ، ورقة 325 أ ) ، الخركومثي ، ورقة 15 أ ، القشيري : لطائف الأسرار ، آية 25 : 61 - 62 ( 3 / 80 من المطبوع ( البيت الثاني ) . الهمداني : تكملة تاريخ الطبري ، ابن باديس : ورقة 8 ب ، ابن عجيبة : الموضع السابق ( منسوبة إلى ذي النون المصري مع ثلاثة أبيات أخرى ) وانظر أيضا : روضة الطالبين للغزالي ( ضمن الرسائل الفرائد ، مكتبة الجندي بمصر ، بلا تاريخ ، ص 132 ) . تفليس إبليس لعز الدين بن عبد السلام المقدسي ، مخطوط المتحف العراقي ، رقم 769 ، الرسالة الخامسة ، ورقة 84 أ ، شرح النفزي على كتاب الحكم لابن عطاء اللّه 1 / 79 . وفي تكملة تاريخ الطبري للهمداني ( محمد بن عبد الملك ، ت 521 هـ / 1127 م ) ، ط 2 ، بيروت 1961 م ، ص 27 ، يرد البيتان مستشهدا بهما من قبل الشبلي وفيهما أن الشمس « تطلع بالليل » والمعقول أنها « تغرب بالليل » ليستقر المعنى ويتسلسل وتظهر المقابلة بين غروبها في الليل وبقائها في القلوب . وراجع أيضا : الفتوحات الإلهية لابن عجيبة الحسني ، مع إيقاظ الهمم في شرح الحكم له أيضا ، 2 / 195 ( دون نسبة ) وفيه مصداق الرأي الذي سقناه آنفا . ويرد البيت الثالث في روضة الطالبين فقط .
« 198 » التحقيق : أ - في تكملة تاريخ الطبري للهمداني جاء الشطر الأول من البيت الأول ، هكذا : طلعت شمس من أحبّك ليلا ! ب - في إيقاظ الهمم ورد البيت الثاني على : إنّ شمس النهار تطلع ليلا * وشموس القلوب ليس تغيب وصحة الشطر الأّول ما أثبتنا . يؤيد ذلك رواية الغزالي وعز الدين المقدسي وابن عجيبة التي تقول : طلعت شمس من أحبّ بليل * فاستضاءت فما تلاها غروب إنّ شمس النهار تغرب ليلا * وشموس القلوب ليست تغيب ( 2 : 195 ) . ج - في البيت الثالث : تبدو « اشتياقا » قلقة وحدها ، لكنها صحيحة في مجال ضرورات الشعر . د - أصل هذا المعنى الأول يتسلسل إلى قول أمية بن أبي الصلت ( ت 5 ه ) : رجل وثور تحت رجل يمينه * والنسر للأخرى وليث مرصد والشمس تطلع كل آخر ليلة * حمراء يصبح لونها يتورّد ليست بطالعة لهم في رسلها * إلا معذبة وإلّا تجلد وقد روي ذلك للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : صدق ( الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : أبي بكر يحيى بن سعدون الأزدي ، ت 657 هـ / 1171 - 2 م ، مصر 1354 - 1369 هـ / 1935 - 50 م ، 15 / 64 ، 18 / 266 - 267 ) . وفي شرح هذا المعنى قال أبو الفرج الأصفهاني ( علي بن الحسين الأموي ،ت 356 هـ / 967 م )
« 199 » يروي قول عكرمة في تفسير جلد الشمس : « والذي نفسي بيده ما طلعت قطّ حتى ينسخها سبعون ألف ملك يقولون لها : اطلعي فتقول : أأطلع على قوم يعبدونني من دون اللّه ؟ قال : فيأتيها الشيطان حين يستقبل الضياء يريد أن يصدّها عن الطلوع فتطلع على قرنيه ، فيحرقه اللّه تحتها . وما غربت قط إلّا خرّت للّه ساجدة ، فيأتيها شيطان يريد أن يصدّها عن السجود فتغرب على قرنيه فيحرقه اللّه تحتها ؟ وذلك قول النبي ( ص ) : تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان » ( الأغاني ، دار الكتب ، 4 : 130 - 131 ) . وأنظر أيضا : « نور القبس المختصر من المقتبس » لليغموري : أبي المحاسن يوسف بن أحمد ، ت 763 هـ / 1272 - 3 م ، تحقيق رودلف ولهلم ، قيسبادن 1964 م ، ص 277 - 278 ) . هـ - قال ابن عجيبة في بيان المعنى الصوفي لهذه القطعة : « وحقيقة النور ، في الأصل ، كيفية تنبسط من النيّرين على سطح الجسم فينكشف ما عليه بواسطة البصر ، ثم شبّه به العلم واليقين والمعرفة لما بينهما من الشبه في كشف حقيقة الأشياء وتمييزها ، فالنور الحسّي ينقطع بانقطاع أصله ، والنور المعنوي هو نور القلوب ، لا ينقطع أبدا » . ( إيقاظ الهمم 1 : 153 ) . وفي هذه المعرفة الفيضية روى الهمداني محاورة بين الشبلي والحلّاج في السجن وكان الأخير « جالسا يخطّ في التراب ، فجلس ( الشبلي ) بين يديه حتى ضجر فرفع (الحلّاج) طرفه إلى السماء وقال : إلهي لكل حقّ حقيقة، ولكل خلق طريقة ، ولكل عهد وثيقة. ثم قال : يا شبلي ، من أخذه مولاه عن نفسه ثم أوصله إلى بساط أنسه ، كيف تراه ؟ فقال الشبلي : كيف ذلك ؟ قال : يأخذه عن نفسه ثم يردّه على قلبه ، فهو عن نفسه مأخوذ وعلى قلبه مردود . فأخذه عن نفسه تعذيب ، وردّه إلى قلبه تقريب ، وطوبى لنفس كانت له طائعة وشمس الحقيقة في قلوبها ( قلبها ) طالعة » . ( تكملة تاريخ الطبري ، ص 27 ) .
« 200 » و - وطوّر محيي الدين بن العربي الحاتمي الطائي( محمد بن علي الحاتمي ، ت 638 هـ / 1241 م ) هذا المعنى وجعله ملاك الولاية الصوفية وجوهر معرفتها الإلهامية ، على أساس فيضي أيضا ، فقال : « لما انقطع أنباء التشريع بقي الإنباء الرفيع ، فإنه يعمّ الجميع ، وهو ميراث الأولياء من الأنبياء ، فلهم اللمحات والأنفاس والنفحات . الاجتهاد شرع حادث وتسمى الحادث بالحادث . الاجتهاد شرع مأذون فيه لإمام يصطفيه . لا يزال البعث ما بقي الورث ، وهذا المال الموروث لا ينقضي بالإنفاق بل سوقه أبدا في نفاق ( رواج ) ، فمثله كمثل المصباح الذي لا يعقبه صباح . للشمس ظهور في السورتين بالصورتين ، فهي بالقمر نور وبذاتها ضياء وبحالتيها يتعيّن الصباح والمساء ، فتخفي نفسها لنفسها إذا طلعت مع بقاء القمر نهارا . فهي الداعية سرا وجهارا وليس إلّا بالليل الأليليّ الداج ( ! ) ثبت للشمس اسم السراج . فنبوّة الوارث قمرية ونبوّة النبي الرسول شمسية ، فاجتمعا في النبوّة وفاز القمرة بالفتوة » . ز - أعاد ابن العربي الحاتمي الطائي نظم هذا المعنى في قوله : فالشمس طالعة بالليل في القمر * مع الغروب ، وما للعين من خبر عجبت من صورة تعطيك في صور * ما عندها مثل نور العين بالبصر ؟ فطاعة الرسل من طاعات مرسلهم * وما لعين رسول اللّه من أثر إن قال ، قال به ، لا بالهدى ، فلذا * يعصي الإله الذي يعصيه فاذّكر ( الفتوحات المكية 4 : 425 ، ويرد البيت الأول في مناهج الترسل للبسطامي ( عبد الرحمن بن محمد الحنفي ، ت 858 هـ / 1454 م ، الجوائب 1299 هـ ، ص 91 ) . وكذلك عبّر الصوفية عن هذا المعنى على العموم فقال قائلهم : هي الشمس إلّا أنّ للشمس غيبة * وهذا الذي نعنيه ليس يغيب ( لطائف الإشارات للقشيري ، تحقيق إبراهيم بسيوني ، 3 : 22 ، ص 80 ، ص 220 ) . « 201 » وقائلهم الآخر : للعارفين قلوب يعرفون بها * نور الإله بسرّ الحبّ في الحجب صمّ عن الخلق ، عمي عن مناظرهم * بكم عن النطق في دعواه بالكذب ( الرسائل الفرائد للغزالي ، رسالة عمدة الطالبين ، ص 132 ، والإشارة إلى قوله تعالى : صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ( البقرة 2 : 18 ) وهم ( بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) ( البقرة أيضا ، آية 171 ) مع توجيههما توجيها صوفيا ) . وقائلهم الثالث : طلعت نور شمس في القلوب * وأضاءت فما لها من غروب يتباهون بالحبيب ، فكلّ * آخذ من حبيبه بنصيب بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد ، للحكيم الترمذي ( محمد بن علي ، ت 285 هـ / 898 م ، بتحقيق د . نقولا هير ، نشر دار إحياء الكتب العربية ، 1958 م ، ص 98 ( وأنظر الشرح ) . ح - في موضع آخر من لطائف الإشارات للقشيري كلام مباشر على هذا المعنى 4 : 320 قال فيه : قمر السما ، له نقصان ومحاق ، وفي بعض الأحايين هو بدر بوصف الكمال ، وقمر المعرفة أبدا له إشراق وليس له نقصان ، ولذا قال قائلهم : دع الأقمار تخبو أو تنير * لها ( لنا ) بدر تذلّ له البدور فأما شمس القلوب فهي التوحيد ، وشمس السماء تغرب ، ولكن شمس القلوب لا تغيب ولا تغرب ، وفي معناه قالوا : أنّ شمس النهار تغرب باللي * ل وشمس القلوب ليس تغيب ويصحّ أن يقال : إنّ شمس النهار تغرب بالليل وشمس القلوب سلطانها في الضوء والطلوع بالليل أتمّ . ط - وفي شرح حكم ابن عطاء لأحمد زرّوق ، الماضي ، شرح الأخير عبارة للأول يقول فيها :
« 202 » « أنار الظواهر بأنوار آثاره ، وأنار السرائر بأنوار أوصافه » فقال : « هي المعارف الإيمانية والحقائق اليقينية » ثم مضى يضمّن ويشرح على الوجه التالي : « فلأجل ذلك أفلت أنوار الظواهر ( بالزوال والفناء وانقضت بانقضاء الوقت والنظر الحاضر ) ولم تأفل أنوار القلوب والسرائر ( هي ثابتة في دار الآخرة الأبدية لا انقضاء لها أبد الآبدين ) ، فكان ثبات كلّ وزواله بحسب متعلّقه وأصله ، ولذلك قيل : إنّ شمس النهار غرب باللي * ل وشمس القلوب ليس تغيب وهو البيت الذي استشهد به المؤلف قبل بيت آخر وهو قوله : طلعت شمس من أحبّ بليل * واستنارت فما تلاها غروب . . . » ( ص 202 - 203 ) .
[ 14 ] من الطويل : 1 - كفى حزنا أني أناديك دائبا * كأنّي بعيد أو كأنّك غائب 107 2 - وأطلب منك الفضل من غير رغبة * فلم أر قبلي زاهدا وهو راغب 108 التحقيق : أ - في البيت الأول : وردت دائبا في حقائق التفسير على « دائما » وفي غاية السرور على « ديّنا » وبما أثبتنا يستقيم الطابع الصوفي من الدأب المستمر في التوجّه إلى اللّه وبذل المجهود فيه على سبيل الرياضة والتصفية . وقد أعجبت الصوفية هذه الكلمة بالذات فأخذوا يتمثلون بشعر الوليد بن يزيد الذي يتضمنها في قوله : .......................................................................................... [ 14 ] الديوان ، ص 44 ، عن : ابن عطاء : التفسير ( 3 / 188 ، نسبة إلى « بعضهم » ) السلمي : حقائق التفسير ، الخركوشي : تهذيب ، ورقة 162 ب ، تقييد ( - مخطوط لندن ، ورقة 326 ب ، 332 ب ، وقازان ، ص 83 ) ، الجلدكي : غاية السرور .
« 203 » رأيتك تبني دائبا في قطيعتي * ولو كنت ذا حزم لهدّمت ما تبني كأنّي بكم و « الليت » أفضل قولكم * ألا ليتنا كنّا إذ « الليت » لا تغني ( انظر اللمع للسراج ، ص 364 ) . وبالنسبة لرجوع البيتين إلى الوليد بن يزيد انظر ديوانه بجمع وتحقيق ف . غابريلي ، ط 3 ، بيروت 1967 ص 68 ، وإن كانت الرواية على « دائما » و « جاهدا » ! على أنّ المحقق ذكر أنّ ابن الجوزي وابن الأثير رويا هذا اللفظ على دائبا وهو ما نرجّحه . ب - في البيت الثاني : ورد لفظ « الفضل » على « الوصل » في المخطوط و « رغبة » على « رهبة » ، وجاءت « لم أر » في غاية السرور على « لم ير » . ج - اخترنا عبارة « وهو راغب » برواية المخطوط ، بدل « فيك راغب » من المصادر الأخرى لمناسبتها للمعنى والبناء النحوي للجملة .
* * *
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافربالله في الأربعاء فبراير 07, 2024 10:59 pm عدل 1 مرات
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: القوافي في ديوان الحلّاج قافية التاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 10:56 pm
القوافي في ديوان الحلّاج قافية التاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد
قافية التاء [ 15 ] من مجزوء الرمل : 1 - أقتلوني يا ثقاتي * إنّ في قتلي حياتي 1092 - ومماتي في حياتي * وحياتي في مماتي 1103 - أنا عندي محو ذاتي * من أجلّ المكرمات 1114 - وبقائي في صفاتي * من قبيح السيّئات 1125 - سئمت روحي حياتي * في الرسوم الباليات 1136 - فاقتلوني واحرقوني * بعظامي الفانيات 1147 - ثم مرّوا برفاتي * في القبور الدارسات 1158 - تجدوا سرّ حبيبي * في طوايا الباقيات 116 .............................................................................................. [ 15 ] الديوان ، ص 33 - 34 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 98 - 99 الأبيات 1 - 10 ، 12 ) . ومخطوط الجزائري البيتان ( 1 - 2 ) . السهروردي الحلبي : لغة موران ، مخطوط ، ورقة 91 ب ( البيتان 1 2 ) ابن العربي الحاتمي الطائي : تحفة ، السادس ( البيتان 1 ، 2 ) . الفتوحات 4 / 171 ( البيت 12 ) . جلال الدين الرومي : المثنوي الدفتر الثالث ، البيت 177 ( الأبيات 10 - 12 ) . القزويني : عجائب : 2 / 112 ( البيتان 1 - 2 ) . العز المقدسي : حل الرموز ، مخطوط برلين ، 1109 ، ورقة 30 أ ، مخطوط 1757 ، ورقة 96 ب ( الأبيات 1 - 8 ) . كذا شرح حال الأولياء ، ورقة 250 أ ، 252 ب ، علاء الدولة السمناني : تفسير 62 ( سورة الجمعة ) ( البيتان 1 - 2 ) . الجلدكي : غاية السرور ( مخطوط الآلوسي البيتان 1 ، 2 ، و 9 - 20 ) مخطوط كلكتة ورقة 25 ب ( البيتان 1 ، 2 والأبيات 9 - 20 ) . المخطوطات التركية - فيينا - 3 / 508 ، 11 ب ( البيتان 1 - 2 ) . يار علي : لمحات ( مخطوط ، مجموعة عثمان نوري ، ورقة 57 ب ( البيتان 9 - 10 ) . وانظر مخطوط لندن ، ورقة 123 أ . حج عبد الرحمن البسطامي : فوائح ، علي
« 205 » 9 - إنّني شيخ كبير * في علوّ الدارجات 11710 - ثم إني صرت طفلا * في حجور المرضعات 11811 - ساكنا في لحد قبر * في أراض سبخات 11912 - ولدت أمّي أباها ! * إنّ ذا من عجباتي 12013 - فبناتي - بعد أن كن * ن بناتي – أخواتي 12114 - ليس من فعل زمان * لا ، ولا فعل الزناة 12215 - فاجمع الأجزاء جمعا * من جسوم نيّرات 12316 - من هواء ثم نار * ثم من ماء فرات 12417 - فازرع الكلّ بأرض * تربها ترب موات 12518 - وتعاهدها بسقي * من كؤوس دائرات 126 ............................................................................................... القاري : شرح الشفا : 2 / 702 ( البيت الأول ) . المناوي : الكواكب الدرية ، النابلسي : كشف السر الغامض ( الأبيات 1 - 4 ) . مخطوط الجميلي ( ص 444 ، الأبيات 1 ، 2 ، 6 ) . البستاني : دائرة المعارف ، 8 / 113 ( الأبيات 1 ، 2 ، 9 ، 10 ) . وانظر أيضا : الفتوحات المكية : 2 / 868 ، 4 / 199 ( الأبيات 1 ، 2 ، 11 ) . مرصاد العباد من المبدأ إلى المعاد لنجم الدين الرازي ، ت 654 / 1256 ، تحقيق شمس الرفاء حسين الحسيني النعمة اللهي ، طهران 1377 هـ / 1957 م ، ص 125 ( البيتان الأول والثاني ) . المجموع المخطوط رقم 4811 بمكتبة الأوقاف ببغداد ، ورقة 14 الأبيات 1 ، 2 ( ش ، د ) ، 6 ، 8 ) حل الرموز ومفاتيح الكنوز للشيخ عز الدين عبد العزيز ابن عبد السلام المقدسي ، ت 660 ه / 1261 - 62 م ، بنقل الأب أنستاس الكرملي ، مخطوط المتحف العراقي 1266 ، ص 46 ( الأبيات 1 - 7 ) . آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، ص 168 ( البيتان 1 ، 2 ) ، ومعهما البيتان التاليان :والدي حي قديم * غير مفقود الصفاتوأنا منه رضيع * في حجور المرضعاتوقصة حسين الحلّاج وما جرى له حين ثار فيه الوجد لمجهول ، نشر ماسينيون ، ص 110 ( الأبيات 6 ، 8 ، 4 ) وهي لا تفيد في التحقيق بشيء ونصها هكذا :اقتلوني وأحرقوني * بعظامي البالياتتجد ( وا ) سر حبيبي * في طوايا الفانياتغفلتي عن ذكر ربي * من عظام السيّئاتوالمجموع المخطوط رقم ( 817 شعر ) في المكتبة التيمورية بدار الكتب المصرية ، ( الأبيات 12 ، 10 ، 9 ) مع تصحيف كثير وبيت زائد شديد العامية ، نصّه :إن أتى [ - أتينا ] بيت عمي * خالتي إحدى خواتي
« 206 » 19 - من جوار ساقيات * وسواق جاريات 12720 - فإذا أتممت سبعا * أنبتت كل نبات 128التحقيق : أ - عنون ماسينيون هذه القطعة بعبارة : « في الإقامة من غلبة الحالة ، ( - الحال ) » . وعدّها صاحب المجموع التيموري لغزا . ب - ذكر ماسينيون - عمّن نقل عنه - أنّ « هذه القصيدة من قصائد الحلّاج ، وهي طويلة وفيها ركاكة ألفاظ على نمط مقطّعاته » . ( الديوان ، ص 31 ) . ج - لمناسبة البيتين الثاني عشر والثالث عشر ، روى ماسينيون عن صدر الدين القونوي : ربيب ابن العربي الحاتمي الطائي وابن زوجته ( ت 672 هـ / 1273 م ) أبياتا في هذا المعنى ، نصّها : ولدت أبي من قبل أمّي وأمّها * وأنكحتها إيّاي حين تولّدي وإني أبو الآباء قبل بنوّتي * لهم ، وهم في النشء كانوا ولائدي وقد خال عمّي أنّني ابن أخ له * ولم يدر أنّي جدّ أمّ المولّد ! وقد سجل ماسينيون هذه القطعة مصحّفة جدّا فأصلحناها ، فتولدي ( جاءت على ، توالد ، وبنوتي على « بنوّت » وفي النشء ، من « النشأة » ، كانت « في نشأ » و « خال » جاءت بالحاء المهملة ، والشطر الأخير على لفظ « ألم يدر أني جدّ أم الموالدي » ) . ( الديوان ، ص 33 ) . د - كذا أورد ماسينيون أبياتا للأمير عبد القادر الجزائري ، البطل المشهور ( ت 1300 هـ / 1882 م ) نقلها من كتابه « المواقف » ، ص 60 - 61 ، تناسب هذا المعنى ، وهي : ولدت جدّي وجدّاتي ، وبعدهما * أبي تولّد عن أمي ، وأيّ أب ! وبعد ذا ولدوني بعد كوني أنا * ووالدي البرّ توأمان في صلب وكنت من قبل في الحجور ترضعي * بطيب ألبانها الأمهات ، لا ترب !
« 207 » وليس يدري الذي أقول غير فتى * قد جاوز الكون من عيب ومن رتبومن المعروف أن الأمير الجزائري كان صوفيّا من أنصار وحدة الوجود وكتابه هذا ، الذي أعيد طبعه في دمشق سنة 1966 م ، تقع هذه القطعة منه في ص 23 و 1107 ، وقد نسجه بلسان وحدة الوجود على منوال كتاب المواقف للنفرّي ( محمد بن عبد الجبار ، ت 354 هـ / 965 م ) - شاهد واضح على هذه النزعة . يضاف إلى هذا أن للأمير الجزائري ديوانا يضمّ مختارات من شعره طبع للمرة الثالثة في بيروت سنة 1965 م ، بعناية الدكتور محمد ممدوح حقي وفيه الفصل الأخير خاص بالشعر الصوفي له ، وفي ص 225 قصيدة فيها المعنى الذي نحن بصدده . وقد شرح الأمير عبد القادر هذه القطعة بناء على طلب صديق له فقال : « ولدت جدّي من حيث إنّ كل شيء كان سببا أو شرطا في ظهور شيء كان أبا به من ذلك الوجه ، وقد يكون الابن عين الأب لكونه له عليه ولادة من وجه ، وقد يكون الأب عين الابن كذلك . ومن هذا المقام يقول ابن الفارض - رضي اللّه عنه - : وإني - وإن كنت ابن آدم صورة - * فلي فيه معنى شاهد بأبوتي ( من التائبة الكبرى - الديوان ، ط . بيروت : دار صادر ، ص 105 ) وقول الحلّاج - رضي اللّه عنه - : ولدت أمي أباها * إنّ ذا من أعجباتي ( كذا ) وأبي طفل صغير * في حجور المرضعات ( الأبيات ) . فكل من له عليك ولادة من أيّ نوع في أيّ صورة كان ، من ظاهر وباطن واسم إلهي ومخلوق ، فهو ابنك . وكلّ من له عليك ولادة من أيّ نوع وفي أيّ صورة كان ، من ظاهر وباطن واسم إلهي ومخلوق ، فهو أبوك . . . » . ( المواقف ، ص 1107 - 1108 ) .
« 208 » هـ - مما يكمّل هذا المعنى ما ذكره عبد الوهاب الشعراني في « كشف الحجاب والران عن وجه أسئلة الجان » ( تحقيق محمد عبد اللّه عبد الرزّاق ، مصر 1357 هـ ، ص 130 - 131 ) من إجابته على السؤال : « كيف يصحّ منّا ومنكم تعقّل الوحدة ونحن لا نتعقل أنفسنا إلّا اثنين : روح وجسم ؟ ومن يشهد اثنين ، كيف توحيده ؟ » في قوله : « ليس تركيبنا من روح وجسم اثنين ، وانّما هو واحد لفيف وكثيف : باطن وظاهر ، فهو واحد من حيث إنّ كلّا منهما مخلوق ، والخليفة واحدة . فإذا وحّدنا ربّنا فقد وحّد المخلوق خالقه . والذي يزيل بأشكال هذا أن ينظر إلى المخلوق الأول ، الذي لم يتقدمه مخلوق ، ويتأمّل : هل هناك غير اللّه تعالى ؟ يتضح له المعنى » . وفي أثناء كلامه استشهد الشعراني بقول « بعض العارفين » وهو محيي الدين بن العربي الحاتمي الطائي : في معرفة آبائنا العلويات وآمهاتنا السفليات أنا ابن آباء أرواح مطهرة ... وأمهات نفوس عنصريات ما بين روح وجسم كان مظهرنا ... عن اجتماع بتعنيق ولذات ما كنت عن واحد حتى أوحده ... بل عن جماعة آباء وأمات هم للإله إذا حققت شأنهمو ... كصانع صنع الأشياء بآلات فنسبة الصنع للنجار ليس لها ... كذاك أوجدنا رب البريات فيصدق الشخص في توحيد موجده ... ويصدق الشخص في إثبات علات فإن نظرت إلى الآلات طال بنا ... إسناد عوعنة حتى إلى الذات وإن نظرت إليه وهو يوجدنا ... قلنا بوحدته لا بالجماعات و - كان من شهرة هذه القصيدة في عالم التصوّف أن ألمّ بها كبار أصحاب وحدة الوجود منهم إلماما يوشك أن يكون حرفيّا ، وبخاصة في ما يتصل بمضمون البيتين الأولين من قطعة الحلّاج هذه : من ذلك قول ابن الفارض ( عمر بن المرشد ، ت 632 هـ / 1235 ) : فالموت فيه حياتي * وفي حياتي قتلي ( الديوان ، مصر 1370 هـ 1951 م ، ص 102 ) .
« 209 » ومنه قول ابن العربي الحاتمي الطائي ( محيي الدين محمد بن علي الطائي ) الأندلسي ، ( ت 638 هـ / 1241 م ) : اقتلوني يا عداتي * بوفائي بعداتي إنّي أحيا بهذا * فحياتي في مماتي أنا أبصرت علوما * كالبحار الزاخرات في فؤادي وعيونا * من سحاب معصرات كمّل اللّه وجودي * بأب ثم بنات فأنا ابن وأنا أي * - ضا أب في المحدثات ليت شعري كيف هذا * وبقائي في وفاتي الديوان ، بومبي بدون تاريخ ، ص 211 ، المقطعة أخرى في المعنى انظر ص 19 . ومنه أيضا قول أبي الحسن الششتري الأندلسي ( علي بن عبد اللّه النميري ، 610 - 668 ه / 1213 - 1269 م ) من موشّح : إنّ موتي وحياتي * وفنائي بقا وبمحو صفاتي * طاب لي الملتقى وانجمعت بذاتي * وألفت التقى ( الديوان ، تحقيق وتعليق الدكتور علي سامي النشّار ، الإسكندرية 1960 ، ص 102 ) . ز - مع وضوح اتصال هذا المعنى الحلّاجي بوحدة الوجود ودورانه حول إلغاء عوامل الزمان والمكان والتسلسل والتجزؤ والرجوع إلى الحقيقة الكبرى الإلهية ، يلاحظ في هذه الفكرة على العموم اتصالها بنظرية الكمون التي نادى بها إبراهيم بن سيار النظّام المعتزلي ( ت 231 هـ / 845 - 6 م ) من « أنّ اللّه تعالى خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هي عليه الآن معادنا ( كذا ) ونباتا وحيوانا وإنسانا ، ولم يتقدم خلق آدم - عليه السلام - على خلق أولاده ، غير أنّه أكمن بعضها في بعض ، فالتقدّم والتأخر إنّما يقع في ظهورها من مكانها دون حدوثها ووجودها »
« 210 » ( الملل والنّحل للشهرستاني : أبي الفتح محمد بن عبد الكريم الأشعري ، ت 548 هـ / 1153 م ، مصر 1948 - 1949 م ، تحقيق أحمد فهمي محمد ، 1 / 75 - 76 ) . وهذا الرأي يتصل من جانبه الإسلامي بآية الميثاق التي ترد على هذا المعنى أيضا في قوله تعالى :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ، مِنْ ظُهُورِهِمْ ، ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ : أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ قالُوا : بَلى ، شَهِدْنا . . . )( الأعراف 7 : 173 ) . وتطرّق الحلّاج إلى هذا المعنى يكشف عن أثر من آثار المعتزلة في آرائه وإن كانت الفكرة كلّها ، في صورتيها المعتزليّة والصوفية من تراث الرواقيين الذين تؤصّل أفكارهم جوانب من آراء الحلّاج وغيره من الصوفية . ح - في ما عدا الجانب الصوفي الصرف من هذه المعاني يحسن أن نذكر أن أبا أحمد الفضل بن هاشم بن حدير البصري ، الشاعر الخليع الفاسق المعاصر للخليفة الواثق ( ح 227 - 233 هـ / 841 - 846 م ) كان يقول ، مادحا الخليفة : أنا المخبّل صرفا * حماقتي ليس تخفى أنا الذي كلّ يوم * يزيدني الخبل حرفا فعاجلوني بلطم * وشجّجوا الرأس نقفا ثم أقصفوا الظهر منّي * بالبشتبانات قصفا وحرّقوني بنار * لهيبها لي يطفايا ويحكم ، مثّلوا بي * من قبل أن أتوفى فإنّني مستحق * مذ كنت طفلا أن أنفى يا قوم ، إنّي حتف * فعجّلوا لي حتفا ( كتاب الورقة لمحمد بن داود الجرّاح ، قتل سنة 296 هـ / 908 - 9 م ، مصر 1953 ، ص 22 ) . ط - أخذ عز الدين بن عبد السلام ( عبد العزيز المقدسي ، ت 660 هـ / 1261 - 2 م ) هذا المعنى وعكسه في قطعة تعبّر عن إعجابه بالحلّاج إلى حدّ الغلوّ فقال :
« 211 » هيهات ! ما قتلوه * كلا ولا صلبوه لكنّهم حين غابوا * عن وجده شبّهوه أحبابه حين غاروا * عليه قد غيّبوه سقوه صرفا وراموا * كتمان ما أودعوه فما أطاق ثبوتا * لثقل ما حمّلوه فتاه سكرا ونادى : * « أنا الذي أفردوه » يا لائمي كيف أخفي * في الحبّ ما أظهروه أم كيف يكتم قلب * بالشوق قد مزّقوه ( شرح حال الأولياء لعز الدين عبد السلام ( كذا ) ، مخطوط المتحف العراقي رقم 1254 ، ورقة 34 ب - 36 أ ، وقد جاءت « أودعوه » فيه على « ودّعوه » و « أظهروه » على « ظهروه » والصحيح ما أثبتنا ) . وقدّم لهذه الأبيات بعبارة تقول : يا الحلّاج ، بغير مزاج تصبر على مرارة العلاج . ي - من الغريب أن أبا علي بن سينا ( ت 428 هـ / 939 م ) ، ألمّ بهذا المعنى وعلّق عليه بعبارة رجّح أنها لأرسطوطاليس ، وقال : قوله : ليس في الأشخاص تقدّم ولا تأخّر ، أي ليس شخص أولى بأن يكون متكوّنا من شخص ، فلا يكون واحد أولى بأن يحمل عليه هذا النوع من آخر وإن كان بعض الأشخاص متقدما في الوجود على الآخر . انظر : التعليقات لابن سينا بتحقيق د . عبد الرحمن بدوي ، ط . الهيئة العامة للكتاب ، مصر 1973 م ، ( ص 31 ) . يا - جاء في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ( 13 / 180 ) في ترجمة المؤمّل بن جميل بن يحيى بن أبي حفصة الشاعر المعاصر للخليفة المهدي الملقب بقتيل الهوى أنه كان يقول : أنا ميت من هوى ألح * بّ فيا طيب مماتي آن موتي يا ثقاتي * فاحضروا اليوم مماتي
« 212 » ثم قولوا عند قبري : * يا قتيل الغانيات ومنه يبدو أن اللفظ والمعنى اللذين جاءآ في هذه القطعة لم يكونا غريبين على عالمي الشعر والفكر . يب - وفوق كل هذا جاء مدلول البيت : ولدت أمي أباها * إن ذا من عجباتي في الأحاديث النبوية بوصفه من أشراط الساعة وذلك في ما يروى عنه (ص)أنه قال:«إذا رأيت المرأة تلد ربّها فذاك من أشراطها ». صحيح مسلم كتاب الإيمان ، الحديث 75 ، وانظر غير هذا النص في الكتب التسعة بمراجعة المعجم المفهرس لألفاظ الحديث من ترتيب قنسنك وغيره . يج - من طريف ما يتصل بهذه المعاني ما سمعته من السيد محمد صالح الموصلي ، المصوّر في بغداد ، أن البيت القريب دخل في الألغاز المتداولة في الدوائر الشعبية في الموصل والمعنيّ هنا حبّة الحنطة [ بد كل حبة تزرع ] التي تلدها الشجرة لتزرع وتلد أباها من جديد . يد - انظر كيف شرّقت هذه الأبيات وغرّبت وكيف تسير شجون الثقافة . [ 16 ]من البسيط : 1 - سرّ السرائر مطويّ بإثبات ، * في جانب الأفق من نور ، بطيّات 1292 - فكيف والكيف معروف بظاهره ؟ * فالغيب باطنه للذات بالذات 1303 - تاه الخلائق في عمياء مظلمة * قصدا ولم يعرفوا غير الإشارات 131 ............................................................................................... [ 16 ] الديوان ، ص 48 - 49 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 327 ) ( الأبيات 1 - 6 ) ، مخطوط قازان ( البيتان 5 - 6 ) . النابلسي : هتك الأستار ( الأبيات 5 - 3 ) .
« 213 » 4 - بالظّن والوهم نحو الحق مطلبهم * نحو الهواء يناجون السماوات 1325 - والرب بينهم في كلّ منقلب * محلّ حالاتهم في كل ساعات 1336 - وما خلوا منه طرف العين ، لو علموا ، * وما خلا منهم في كلّ أوقات 134التحقيق : أ - في هذه القطعة تعبير عن المعنى الذي تضمّنته القطعة الماضية القائلة : وأي الأرض تخلو منك حتّى * قالوا يطلبونك في السماء تراهم ينظرون إليك جهرا * وهم لا يبصرون من العماء ب - في ما يتصل بالبيت الثاني ، يشير الحلّاج إلى قول مالك بن أنس ( ت 179 هـ / 795 م ) لما سئل عن معنى قوله تعالى :( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى )( طه 20 : 5 ) : « الاستواء معقول وكيفيته مجهولة والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب » ( انظر أصول الدين للبغدادي : عبد القاهر بن طاهر التميمي ( ت 428 هـ / 1036 م ) ، أسطنبول 1346 هـ / 1928 م ، المسألة 15 ، ص 112 - 113 ) ، وكذا الملل والنحل للشهرستاني 1 : 125 ، ولاحظ الهامش حيث يورد المحقق الشيخ أحمد فهمي محمد نصّا من كتاب الأسماء والصفات للبيهقي ( أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي ، ت 458 هـ / 1065 - 6 م ) ، ص 15 يتمثل في قول مالك : « الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة » ، ص 408 ، وانظر أيضا مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية ، الرسالة 11 ، العقيدة الحموية الكبرى ، ص 442 . حيث ينقل كتاب الأسماء والصفات المذكور هذا النص وينسب الجواب إلى مالك وإلى ربيعة بن عبد الرحمن أستاذ مالك ( الصحيح ربيعة بن أبي عبد الرحمن فرّوخ المدني : ربيعة الرأي مولى آل المنكدر التميمي ، ت 136 : 753 ) ( انظر ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي ، أبي عبد اللّه محمد بن أحمد بن عثمان ، ت 748 هـ / 1347 م ) تحقيق علي محمد البجاوي ، مصر 1382 هـ / 1963 م ، 2 : 44 ) . والحلّاج يردّ على مالك ومن يرى رأيه من فقهاء المدينة والأصمعي
« 214 » ليشير إلى أن الكيف من اللّه معروف بظاهره الذي يتمثل في الإنسان الإلهي كالمسيح مثلا ، لكن الغيب هو المجهول لأنه يتصل بالذات الإلهية نفسها وهذه لا يمكن النفوذ إلى كيفيتها بحال . ج - في البيت الثالث يتطرق الحلّاج إلى غفلة الناس عن التطلّع إلى اللّه واقتصارهم من ذلك على الإشارات التي هي « ما يخفى عن المتكلم كشفه بالعبارة للطافة معناه » ومن هنا قال أبو علي الروذباري ( أحمد بن محمد بن القاسم ، ت 322 هـ / 934 م ) . « علمنا هذا إشارة ، فإذا صار عبارة خفي ، ومثّل الخبير للإشارة بجلوسه عند أحد شيوخ التصوف وقوله : « فأوميت ( أومأت ) برأسي إلى الأرض (يريد بها مكان اللّه) فقال: بعد (بعد):ثم أوميت برأسي إلى السماء ، فقال بعد ( بعد )! أمّا الشبلي - وكان صديق الحلّاج - فقد صرّح بقوله : من أومأ إليه فهو كعابد وثن لأنّ الإيماء لا يصلح إلّا إلى الأوثان » ( اللمع ، ص 414 ) . وكل هذه المعاني تتصل بقوله تعالى :( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )( ق 50 : 16 ) ، وقوله تعالى :( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ، فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ )( البقرة 2 : 511 ) ، وقوله تعالى :( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ )( الحديد 57 : 4 ) . [ 17 ]من الخفيف : 1 - لي حبيب أزور في الخلوات * حاضر غائب عن اللحظات 135 ............................................................................................... [ 17 ] الديوان ، ص 47 - 48 عن : تقييد ( المخطوط قازان ، ص 100 البيت 1 ، شطر 2 ، 2 ، 3 ، 6 ، 7 ، 4 ) . مخطوط لندن ، ورقة 323 أ ( الأبيات 1 - 4 ، 6 ، 7 ) مخطوط برلين ، ورقة 41 أ ( الأبيات 1 - 3 ، 6 ، 7 ) أبو سعد القيلوي ( عن الشطنوفي ، بهجة الأسرار 161 ( الأبيات 1 - 4 ، 6 ، 7 ) . وانظر أيضا «شعر الحسين بن منصور الحلّاج» تلو مخطوط طبقات الصوفية للسلمي ، بدار الكتب المصرية رقم 316 / 4 تاريخ. وانظر أيضا بهجة الأسرار للشطنوفي ( نور الدين أبي الحسن علي بن يوسف بن جرير اللخمي ، ت 713 هـ / 1313 م ، مصر 1330 م ، ص 161 ( الأبيات 1 ، 2 ، 5 ، 7 ) لا كما أورد ماسينيون ، وكذا جامع الأنوار في مناقب الأخيار : تراجم الوجوه والأعيان
« 215 » 2 - ما تراني أصغي إليه بسرّي * كي أعي ما يقول من كلمات ؟ ! 1363 - كلمات من غير شكل ولا نق * ط ولا مثل نغمة الأصوات 1374 - فكأنّي مخاطب كنت إيّا * ه على خاطري بذاتي لذاتي 1385 - حاضر غائب قريب بعيد * وهو لم تحوه رسوم الصفات 1396 - هو أدنى من الضمير إلى الوه * سهم وأخفى من لائح الخطرات 140التحقيق : أ - في البيت الثاني ، وردت « بسرّي » في الأصول على « سمعي » . ب - في البيت الثالث ، وردت « نقط » على « نطق » في الأصول ، وما اخترناه أثبت ، إذ التلازم واقع بين الشّكل والنقط . وفي هذا الموضوع كتب إبراهيم الزيادي ( ت 249 هـ / 863 م ) كتابه « النقط والشكل » ( انظر : الوافي بالوفيات للصفدي 2 / 356 ) . وجاءت « نغمة » في مخطوط لندن ، على « غنّة » وقد جازت على ماسينيون رحمة اللّه عليه . ج - في البيت السادس ، وردت « لوائح » في الأصول على « لائح » في « جامع الأنوار » ، وبها يستقيم الوزن . وجاءت في « شعر للحسين بن منصور » على « اللحظات » ، وهو تصحيف . د - ذكر ماسينيون أن أبا الحسن الششتري قلّد هذه القطعة ، بنقل ابن عجيبة في إيقاظ الهمم ، ص 182 ، ( 2 : 102 ، ط مصر 1961 م ) في قوله : لي حبيب انما هو غيور يظل في القلب كطير حذور اذا رأى شيئاً امتنع أن يزور. المدفونين في بغداد وما يليها من البلدان تعريب وتأليف عيسى صفاء البندنيجي ، ت 1283 هـ / 1866 - 7 م ، مخطوط في المتحف العراقي برقم 336 ، ص 573 ( الأبيات 1 ، 2 ، 6 ، 7 ) .
« 216 » وديوان الششّتري خلو من هذا الشعر . هـ - استشهد بهذه الأبيات أيضا أبو سعيد القيلوي الصوفي ( ت 557 هـ / 1162 م ) كما في جامع الأسرار ، ص 573 . وقد أشار البندنيجي في ص 550 أنه ينقل عن طبقات الشعراني وفيه أنّه أبو سعيد القلوري نسبة إلى قلورية وهي كالبريا في جنوب إيطاليا ( انظر أطلس التاريخ الإسلامي ، تصنيف هاري هازارد وترجمة إبراهيم زكي خورشيد ، مصر 1955 ، ص 37 ) . [ 18 ]من مخلّع البسيط : 1 - رأيت ربّي بعين قلبي * فقلت : لا شك أنت ، أنت 1412 - فليس للأين منك أين * وليس أين بحيث أنت 142 ............................................................................................... [ 18 ] الديوان ، ص 46 عن : الطواسين ، 6 ( طاسين النقطة ) ، الجملة 11 ، ( الأبيات 1 ، 2 ، 4 ) الهجويري : كشف المحجوب ، ص 317 ( البيتان 6 ، 7 ) . السهروردي البغدادي : بستان قسم 26 ( البيت الأول ) . تقييد : المخطوط 24 ورقة 341 ب ( البيت الخامس ) . وفي قطعة مختلفة ، ابن العريف : محاسن ، ورقة 129 أ ( الأبيات 1 ، 4 ، 2 ، 3 ، 6 ، 7 ) . القيصري : حجب ، ورقة 205 ب ، النابلسي : هتك ( الأبيات 1 ، 4 ، 2 ، 3 ، 9 ، 6 ، منسوبة إلى علي بن أبي طالب ) . انظر أيضا : تقييد . . ، مخطوط لندن ( ورقة 326 أ : الأبيات 1 ، 3 ، 2 ، 4 ، 8 ، 7 ، 6 ، 12 ، ورقة 318 ب : الأبيات 1 ، 2 ، 4 ، 3 . إيقاظ الهمم لابن عجيبة : الأبيات 1 ، 4 ، 2 ، 3 ، 6 . الفتوحات المكية لابن العربي الحاتمي الطائي : 4 / 22 ( الأبيات 11 ، 7 ، 10 ) ، حياة الحيوان للدميري ( كمال الدين محمد بن عيسى الشافعي ، ت 808 هـ / 1405 م ) ، مصر 1311 هـ ، 1 / 234 - 5 ، ( الأبيات 6 - 9 ) ، كتاب مناقب سيدنا أبا ( كذا ) يزيد البسطامي لمجهول ، ضمن شطحات الصوفية للدكتور عبد الرحمن بدوي ، مصر 1949 م ، ص 109 ( البيتان 8 ، 7 ) مع ثالث هو : فأنت تسلو ( كذا ) خيال عيني * فحيثما درت كنت أنت ولعلّ « تسلو » في الأصل « تعلو » أو « تتلو » . مدخل التشويق للغافلين لسعيد بن داوود العدني [ اليهودي ] ( ت نحو 885 هـ / 1480 م ) ، باللغة العربية وحروف عبرية ، مخطوط مكتبة جامعة كمبردج رقم : مضافات 1219 ( ورقة 52 ب - 53 ) ، الأبيات : 1 ، 4 ، 2 ، 3 + بيت آخر + 5 برواية مختلفة كليا ، + 7 ، 6 ، 10 ، وشكرا للدكتور ب . مزور على هذه الفائدة .
« 217 » 3 - أنت الذي حزت كلّ أين * فحيث لا أين ثمّ أنت 1434 - وليس للوهم منك وهم * فيعلم الوهم أين أنت 1445 - وحزت حدّ الدنوّ حتى * لم يعلم الأين أين أنت 1456 - ففي بقائي ولا بقائي * وفي فنائي وجدت أنت 1467 - في محو اسمي ورسم جسمي * سألت عني فقلت : أنت 1478 - أشار سرّي إليك حتى * فنيت عنّي ودمت أنت 1489 - وغاب عنّي حفيظ قلبي * عرفت سرّي فأنت أنت 14910 - أنت حياتي وسرّ قلبي * فحيثما كنت كنت أنت 15011 - أحطت علما بكلّ شيء * فكلّ شيء أراه أنت 15112 - فمنّ بالعفو ، يا إلهي ، * فليس أرجو سواك أنت 152النص : أ - في البيت الأول ، اخترنا رواية سعيد العدني ، وجاءت في أكثر الأصول على :رأيت ربي بعين قلبي * فقلت : من أنت ؟ قلت : أنت !وهي محاورة غير واردة لأن السائل فيها الإنسان والمجيب اللّه . ثم ينبغي أن يكون الكلام التالي له تعالى ، وهو خلف . والحق أننا نرى الروايتين مصحفتين ونرجّح أن يكون الشطر الثاني على : فقلت : يا ربّ ، أين أنت ؟ إذ موضوع المقطعة كلها يدور حول المكانية والجهة وما إلى ذلك . ب - في الأبيات : الثالث والخامس والسادس ، فضلنا رواية العدني أيضا . ج - البيت العاشر ، إضافة ترد في رواية العدني أيضا . د - البيت الزائد الذي يرد في شطحات لا يجري مع تسلسل المقطعة ويغني عن البيت الرابع . التحقيق : أ - نسب ابن عجيبة نقله إلى عليّ بن أبي طالب . ويبدو أنّ من حمله على ذلك المطلع الذي يناسب قول الإمام ، حين سئل هل نرى ربنا ؟ فقال :
« 218 » وكيف نعبد من لم نره ؟ ثم قال : لم تره العيون - يعني في الدنيا - بكشف العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان . قال اللّه تعالى :( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى )( النجم : 11 ) ( اللمع للسراج ، ص 426 ) . ب - نسب الدميري نقله إلى « بعضهم » وجاء في « مناقب سيدنا أبا يزيد البسطامي » ( كذا ) ما يشعر بأنّها له وإن كان يبدو أنه كان مستشهدا . وفي هذا المجال قدّم للقطعة بأن « البسطامي » كان إذا هاج بدا منه كلام نحفظه ، منه قوله : « ودّه ودّي ، وودّي ودّه ، عشقه عشقي ، وعشقي عشقه ، حبّه حبي ، وحبي حبّه » وأنه كان يقول : « جاء سيل عشقه فأحرق الماء دوني ، فبقي الواحد كما لم يزل أحدا إذا ( إذ ) هو الواحد » . ( ص 109 ) . ج - لا ينسب الهجويري نصّه إلى أحد وإنّما يلحقه بأحدهم ، وقد أورد البيتين شاهدا على الفناء والبقاء . وإذا كان الأمر كذلك فلنا أن نقرأ البيت الخامس على الوجه التالي : وفي فنائي وفي بقائي * وفي وجودي وجدت أنت د - كان ترتيب القطعة مشوّشا وروى منها ماسينيون الخمسة الأبيات الأولى ورتّبناها نحن على مقتضى السياق إلّا البيت الزائد الذي يروى عن أبي يزيد البسطامي ، فإنّ قلق « تسلو » فيه منعنا من وضعه في مكانه . هـ - فنّ الشعر يقضي بمدّ القافية بالألف كما فعل الدميري ، لكن الصوفية لا يراعون القواعد مراعاة كاملة أوّلا ، وأراد الحلّاج هنا أن يكرّر كلمة « أنت » مشيرا إلى الحق تعالى ، فاللين في التاء أقرب إلى مناسبة الحال واقتضاء السياق . و - في ما عدا هذا جاءت « للوهم » في البيت الرابع - في الطواسين - على « للدهر » وما أثبتناه خلاصة لإنعام نظر طويل في النص وترتيبه ، ويطول المدى بإيراد تفصيلاته .
« 219 » ز - يذكر البيتان الثاني والثالث ببيت أورد الغزالي في رسالة الطير ، ويبدو أنه من وحيها ، وهو : بأيّ نواحي الأرض أبغي وصالكم * وأنتم ملوك ما لمقصدكم نحو انظر ( مقالات فلسفية قديمة من نشر الأب لويس شيخو ، بيروت 1911 ، ص 71 ) . ح - فنّ الشعر يقتضي مدّ القافية بالألف ، كما فعل الدميري ، لكنّ الصوفية لا يراعون القواعد مراعاة كاملة ، أولا ، وأراد الحلّاج هنا أن يكرر كلمة « أنت » مشيرا إلى الحق تعالى ، فاللين في التاء أقرب إلى مناسبة الحال واقتضاء السياق ولتبقى كلمة « أنت » ما هي دون أن يخالطها شيء من الزيادة . الشرح : أعملت في قلبي عاطفة العشق [ التي هي من صفات اللّه القديمة في رأي الحلّاج ] ، حتّى غلبت عليه ، وصارت صفة ثابتة له . وكما يقضي مبدأ العشق من لزوم الوحدة بين المحبيّن تجلّيت لي يا إلهي فأدركتك إدراك حبّ ، مصداقا لمذهبي في وحدة الشهود ، وأيقنت أنّك أنت بالذات الذي تجلّيت لي فملأت قلبي . في هذه اللحظة عنّ لي أن أحلّل هذه النتيجة الحاصلة وأفلسفها على طريقة المفكّرين فبدأت الأفكار تتدفّق على ذهني وتتسلسل في عقلي على النحو الآتي : لقد كان تجلّيك في عضو صغير من بدني ، يسمى قلبا ، هو في الحقّ أصغر من أن يسعك وليس إحساسي بك فيه إحساسا واقعيا ماديّا مكانيا ، ومن هنا فقد بدا لي جليّا أنك تتجلّى في اللامكان على صورة يخيّل للناس نقيضها ، وتجلّيك يكون في الروح اللامكانية واللامادية لأن المكان لا يسعك
« 220 » وإنّما هو ذرّة ضمن قدرتك التي ليس لها حدّ . وهذا يعني ، بدوره ، أنّ المكان لا يحدّك ولا يقيسك ويستحيل أن يمتد إلى ذاتك التي هي أبعد من كل بعيد وأوسع من كل واسع . [ وقد جرّب إبراهيم ، خليلك الأول ، أن يتصوّرك في أبعد بعيد فتوهمك في القمر أولا ثم في الشمس ثانية ثم انقلب إليه بصره وهو حسير ] . وإذ فشلت العين في الامتداد إليك عبر الآفاق في الجهات الستّ ظهر لي أن الخيال ، الذي يتجاوز مدى العين في اختراق الأبعاد وملاحقة الآمال ، لا يصلح أيضا وسيلة للوصول إليك ، إذ ذاتك أبعد من منتهى الأوهام . وحين فشلت آلة الوهم في حملي إليك ، بافتراضك بعيدا جدّا ، زيّن لي منطقي الإنساني القاصر أن أجرب افتراضك قريبا ، والانطلاق إلى طلبك من هذا اللحاظ . ولاح لي - لمّا جرّبت ذلك [ وفي هدى قولك :وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ] أنك من القرب بحيث تعجز وحدة المكان المعروفة عن قياسك إذ أنت أدق وأدنى من كل مسافة ، فكأنّ العين ملتصقة بك تماما وهكذا تعجز عن أن تراك . وإذ عدت خائبا من تطلّبي لك عبر آفاق البعد ومتاهات القرب وجدتك فجأة تملأ نفسي في سائر أحوالي : في إحساسي بالوجود ، وفي تخريجي المتعمّد له ، وفي غيبتي عنه . فعلمت أن وجودك هو . الجوهر الثابت الذي لا يحول ، وارتحت إلى معرفتي أنّني أنا الحائل الزائل المتغيّر المتقلّب القلق الذي لا يقرّ له قرار . وأنارت بصيرتي هذه الحقيقة التي انبعثت من أعماق ذاتي ومن أغوار عشقي للّه ، وظهر لي أن مجرد شعوري الداخلي بوجودك هو في حدّ ذاته إلغاء لوجودي الجزئي وإعلاء لوجودك الكلّي المحيط واستمرار له . وحتى في حال فنائي وإلغائي ، كلّما جال في ذهني الاستفسار عن حقيقتي أنا أضمحلّت ذاتي وغلبت ذاتك ، إذ أنت الموجود والمقصود والمعبود . أنت جوهري في حياتي وفي أحاسيسي ، واتّصالك بي لا ينقطع في كل مكان أمثل فيه وكل زمان يوقّت كوني حيّا موجودا . ولذّ لي أن أتبيّن
« 221 » في النهاية أن إحاطتك بالأشياء علما إنّما هو حضورك فيها كما حضرت في نفسي ، ومن هنا وجدتك في كل شيء وأحببتك في كلّ مظهر من مظاهر الوجود [ وقد قلت سبحانك :( أَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ )[ البقرة 2 : 115 ] . وبعد كلّ هذا ، بدا لي أنّني ربّما تجاوزت الحدّ في التساؤل والتعقّل والتمنطق وأنّه كان ينبغي عليّ ألّا أشعر بسعادة بالشعور بوجودك برياضة العقل وفذلكة المنطق . إنّه ليحلو لي أن أستغفر وأتوب وأتذلل إذ لا رجاء لي سواك ولا أمل لي في غيرك . وقال مرتب كتاب تقييد بعض الحكم والأشعار في شأن هذه الأبيات « ولم يسمع منه كلام بعده » ( ورقة 341 ب ) .
* * *
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافربالله في الأربعاء فبراير 07, 2024 10:59 pm عدل 1 مرات
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: القوافي في ديوان الحلّاج الثاء والحاء والدال شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 10:57 pm
القوافي في ديوان الحلّاج الثاء والحاء والدال شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد
قافية الثاء [ 19 ]من البسيط : 1 - واللّه ، لو حلف العشاق أنّهم * موتى من الحب أو قتلى لما حنثوا 1532 - قوم إذا هجروا من بعد ما وصلوا * ماتوا ، وإن عاد وصل بعده بعثوا 1543 - ترى المحبّين صرعى في ديارهم * كفتية الكهف : لا يدرون كم لبثوا 155التحقيق : أ - في كتاب العشق لمجهول يرد قوله « وإن عاد وصل بعده بعثوا » على « فإن عاد في يهودونه بعثوا » وهو تصحيف من « من يهوونه » ولها وجه ولعلّها الأصل . ب - جرت هذه الأبيات ضمن خبر روي عن أبي عبد اللّه محمد بن خفيف فيه مبالغات الصوفية وجاء فيه قوله : دخلت على الحسين بن منصور - وهو في الحبس - مقيّدا . فلمّا حضر وقت الصلاة رأيته نهض فتطايرت منه ............................................................................................... [ 19 ] آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، ص 167 ، ديوان ابن الفارض ، صنعة سبطه ( - ابن بنته ) علي ، مخطوط الأستاذ عبد المجيد الملا ، ورقة 14 ب ( دون نسبة ) ، كتاب في العشق وأخبار العشاق لمجهول ، من مخطوطات معهد الدراسات الإسلامية بجامعة بغداد ، رقم 306 ، ص 20 ( البيتان الأولان ) ، من دون نسبة ، المرافق الموافق لابن الجوزي ، مخطوط الخزانة العامة ، الرباط ، رقم 589 .D، ورقة 73 ب . روضة التعريف بالحبّ الشريف للسان الدين بن الخطيب ، ص 648 ( البيتان الثالث والأول ) بغير نسبة ، دائرة المعارف للبستاني 7 / 151 .
« 223 » القيود ، وتوضّأ وهو على طرف المحبس وفي صدر ذلك المجلس منديل ، وكان بينه وبين المنديل مسافة . فو اللّه ، ما أدري أنّ المنديل قدم إليه أم هو إلى المنديل ؟ ! فتعجبت من ذلك ، وهو يبكي بكاء ، فقلت له : لم لا تخلّص نفسك ؟ فقال : ما أنا محبوس ! أين تريد يا بن خفيف ؟ قلت : نيسابور ! فقال : غمّض عينيك ثم قال : افتحهما ففتحت فإذا أنا بنيسابور في محلة أردتها . فقلت : ردّني ، فردّني وقال . . . » . وورد مثل هذا الخبر في « أخبار الحلّاج » عن أحمد بن فاتك في قوله : « لمّا حبس الحلّاج ببغداد كنت معه ، فأول ليلة جاء السجّان وقت العتمة فقيّده ووضع في عنقه سلسلة وأدخله بيتا ضيقا . فقال له الحسين : لم فعلت هذا بي ؟ قال : كذا أمرت : فقال له الحلّاج : الآن أمنت منّي قال : نعم . فتحرك الحلّاج فتناثر الحديد عنه كالعجين . وأشار بيده إلى الحائط فانفتح فيه باب ، فرأى السجّان فضاء واسعا فعجب من ذلك . ثم مدّ الشيخ يده وقال : الآن افعل ما أمرت به ، فأعاده كما فعل أول مرة . . . » ( ص 90 - 91 ) . ج - واضح أن المراد بالموت هنا المعنويّ منه لا الحسّي ، والحبّ هنا ما يعبّر عنه عند الصوفية بالخلّة باعتبارها « تخلّل العبد بصفات الحقّ بحيث يتخلّله الحق ولا يخلّي منه ما يظهر عليه ( من ) شيء من صفاته فيكون العبد مرآة الحق » ( اصطلاحات الصوفية للكاشاني ، ص 161 ) وهي فكرة عبر عنها الشبلي بقوله : قد تخلّلت مسلك الروح منّي * وبذا سمّي الخليل خليلا فإذا ما نطقت كنت حديثي * وإذا ما سكتّ كنت غليلا ( ديوان الشبلي من جمعنا وتحقيقنا ، بغداد 1967 ، ص 120 ) . د - تقريبا لمعنى هذه القطعة نذكر وصف سبط بن الفارض لجدّه الشاعر الصوفي الكبير على لسان ابنه محمود إذ قال فيه : « كان في أغلب أوقاته لا يزال داهشا لا يسمع من يكلّمه ولا يراه ، فتارة يكون واقفا وتارة يكون مستلقيا على ظهره مسجّى كما يسجّى الميت ، وتمر عليه عشرة أيّام
« 224 » متواصلة وأقلّ من ذلك وأكثر وهو على هذه الحالة ، لا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم ولا يتحرك وهو كما قيل : ( البيتان الثاني والثالث ) ثم يستفيق وينبعث من هذه الغيبة ويكون أول كلامه أنّه يملي من القصيدة ( المسماة ) نظم السلوك ما فتح اللّه عليه » ( ورقة 14 ب من الديوان المخطوط ) . هـ - سبق علي بن بابويه ، وهو صوفيّ سمّي لابن بابويه القمّي المتكلم الشيعي المعروف ( ت 381 هـ / 991 م ) ، ( انظر الكنى والألقاب للشيخ عبّاس القمّي ، النجف 1376 هـ / 1956 م ، 1 / 12 » ، إلى الاستشهاد بالبيت الثالث من هذه القطعة سنة 317 هـ / 929 م لما هاجم أبو طاهر الهجري القرمطي مكّة وقتل الحلّاج « وكان الناس في الطواف وهم يقتلون ، وكان في الجماعة علي بن بابويه يطوف ، فلما قطع الطواف ضربوه بالسيف . فلمّا وقع أنشد : ترى المحبين صرعى في ديارهم * كفتية الكهف لا يدرون ما لبثوا ( المنتظم لابن الجوزي ، 6 : 222 ، وانظر الكنى والألقاب المذكور ) .
« 225 » قافية الحاء [ 20 ]من الطويل : كفرت بدين اللّه ، والكفر واجب ، * علي وعند المسلمين قبيح 156النص :يرد هذا البيت في مخطوط يملكه الأخ الدكتور محمد باقر علوان بجامعة هارقرد ، عام 1975 ، مع اختلاف في كلمة القافية ، إذ هي في ............................................................................................... [ 20 ] الديوان ، ص 106 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 16 ) ، مجموعة نصوص ( تحرير ماسينيون ) ، ص 59 ، عين القضاة الهمداني : زبدة . . . مخطوط باريس ، رقم : فارسيات مضافة 1356 ، ورقة 68 أ ، صاري : عبد اللّه : جواهر 4 / 102 ، مخطوط لندن ، رقم 16659 ، ورقة 560 ب ، مخطوط ولي الدين رقم 2061 ، ورقة 163 ب ، رضا قلي : رياض ( العلماء ) رقم 10 . وانظر أيضا : أخبار الحلّاج لمجهول ، تحقيق لويس ماسينيون وبأول كراوس ، باريس 1936 ، ص 99 ، وفي الهامش ذكر المحققان أنهما وجدا هذا البيت في المصادر التالية ( فوق المذكورة ) : شرح الكازوني على رسالة ابن سينا إلى أبي سعيد بن أبي الخير ، مخطوط المتحف البريطاني 16659 ، ورقة 560 ب ، كتاب الطالبين ووعدة الصالحين لصلاح بن محمد البخاري ( مخطوط مكتبة الحكومة بكلكتا ، رقم ي 89 ، ورقة 39 ب ) ، رسالة مشتملة في معنى سخن قدوة الأولياء الشيخ حسين منصور حلّاج ( مخطوط وقف ولي الدين جار اللّه باستانبول ، رقم 2061 ، ورقة 163 ب ) ولعله يوجد في مجموعة رسائل ابن العربي الحاتمي الطائي المحفوظة في الخزانة الآصفية بحيدر آباد ، 352 ، رقم 3 . وراجع رسائل ابن العربي الحاتمي الطائي ، حيدر آباد 1367 هـ - 1948 م، رسالة إلى الإمام الرازي ، 1 / 13، (دون نسبة ).
« 226 » المخطوط على « حرام » بدل « قبيح » ، ونجدنا نميل إلى اللفظ الأخير (ورقة 50 أ ) التحقيق : أ - هذا البيت نموذج للشطح الصوفي وهو « لغة : الحركة ويقال للطاحونة الشطّاحة لكثرة تحرك الرحى ، ويقال شطح الماء في النهر إذا فاض من حافته لكثرة الماء وضيق النهر ، وعرفا : حركة أسرار الواجدين إذا قوي وجدهم بحيث يفيض من إناء استعدادهم » ، ( اصطلاحات الصوفية لعبد الرزاق الكاشاني : كمال الدين أبي الغنايم بن جمال الدين السمرقندي ، ت 735 هـ / 1335 م ، تحقيق الدكتور الويز سبرنجر ، كلكتا 1845 ، ص 151 ) . ب - ذكر ابن العربي الحاتمي الطائي في التقديم لهذا البيت أن الحلّاج كتب إلى بعض تلامذته يقول : « السلام عليك يا ولدى ستر الله عنك ظاهر الشريعة وكشف لك حقيقة الكفر فان ظاهر الشريعة شرك خفى وحقيقة الكفر معرفة جليلة. اما بعد اعلم أن الله تعالى تجلى عن رأس إبرة لمن شاء وتستر في السماوات والأرضين عمن شاء شهد أنه لا هو وشهد ذلك أنه غيره فالشاهد باثباته والشاهد على نفيه غير مذموم والمقصود من هذا الكتاب ان أوصيك ان لا تغتر بالله ولا تيأس منه ولا ترغب في محبته ولا ترض أن تكون له غير محب ولا تقل باثباته ولا تمل إلى نفيه وإياك والتوحيد والسلام. ( ! ) كفرت بدين الله والكفر واجب * لدى وعند المسلمين قبيح ( رسائل ابن العربي الحاتمي الطائي ، رسالة إلى الإمام الرازي ، ص 43 ، ص 63 ، وانظر أخبار الحلّاج المذكور المجهول ) . ج - قبل هذا خاطب ابن العربي الحاتمي الطائي فخر الدين الرازي ( محمد بن عبد اللّه ، ت 606 هـ / 1209 - 10 م ) في هذه الرسالة بقوله : « . . . فالعقول تعرف اللّه من حيث كونه موجودا ومن حيث السلب لا من حيث الإثبات ، وهذا خلاف الجماعة من العقلاء ، والمتكلمين إلّا سيدنا أبا حامد ( الغزالي ) - قدس اللّه روحه - فإنّه معنا في هذه القضية . ويجلّ اللّه سبحانه وتعالى أن يعرفه العقل
« 227 » بفكره ونظره ، فينبغي للعاقل أن يخلي قلبه عن الكفر إذا أراد معرفة اللّه تعالى من حيث المشاهدة ، وينبغي للعالي الهمة ألّا يكون تلقّبه عند هذا من عالم الخيال » ، ( ص 2 - 3 ) . ومثّل ابن العربي الحاتمي الطائي لهذه الفكرة بأنّه « إذا نظر البصر إلى الشيء الصقيل فيرى فيه الصور ، فإدراكه للصور لا للجسم الصقيل ، لأنّه لو جهد أن يدرك ما يقابل الصورة التي في الصقيل لم يقدر لأنّ الصقيل لا يتقيّد ، فإذا سئل ما رأى ؟ فلا يقدر أن يقول رأيت الصقيل لأنّه لا يتقيد ولا يحكم عليه بشيء . . . واعلم أنّ اللّه تعالى أن ( الصحيح : لن ) يحيط به بصر أو عقل ولكن الوهم السخيف يقدّره ويحدّه ، والخيال الضعيف يمثله ويصوّره . . . » ، ص 8 . ومثّل ابن العربي الحاتمي الطائي لهذه الفكرة بالقصة التالية : « قيل : إنّ بعض الصادقين دعا إلى اللّه سبحانه وتعالى بحقيقة التوحيد فلم يستجب إلا الواحد بعد الواحد ، فعجب من ذلك ، فأوحى اللّه تعالى قال : كيف أحجبهم وأنا أدعوهم إليك ؟ قال : تكلم في الأسباب وفي أسباب الأسباب . قال : فدعا إلى اللّه تعالى من هذا الطريق فاستجاب له الجمّ الغفير » ، ص 9 . وأضاف ابن العربي الحاتمي الطائي إلى ذلك أنّ « حقيقة علم التوحيد باطن المعرفة وهي سبق المعروف إلى من به تعرّف بصفة مخصوصة لحبيب مقرّب مخصوص لا يسع معرفة ذلك الكافّة ، وإفشاء سرّ الربوبية كفر . وقال بعض العارفين : من صرّح بالتوحيد وأفشى سرّ الوحدانية فقتله أفضل من إحياء عشرة ، وقال بعضهم : للربوبية سرّ لو ظهر لبطلّت النبوّة ، وللنبوّة سرّ لو كشف لبطل العلم ، وللعلماء باللّه سرّ لو ظهر لبطلت الأحكام ، وبهذا وقع التدبير وعليه انتظم النهي والأمر ، واللّه تعالى غالب على أمره . . . » ، ( ص 10 ) . د - ذكر السراج نماذج من شطحات الصوفية وتأويلاتها ( اللمع ، ص 455 - 515 ) ومن ذلك ما نسب إلى محمد بن موسى الفرغاني ( أبي بكر الواسطي ، ت بعد 320 هـ / 932 م ) أنّه قال : « من ذكر افترى ، ومن صبر اجترا ، ومن شكر انبرى » ، فقال السراج : « هذا الكلام ظاهره مستشنع ،
« 228 » ولأهل التعنّت فيه مقال ، إلّا أنّ إشارته فيما نطق به صحيحة » . وذكر السرّاج وجوها لكل عبارة نجتزئ من كل مجموعة بواحدة ، فبالنسبة للعبارة الأولى قال السرّاج : « يحتمل أنه أراد بذلك أن من ظنّ أنّه قد ذكر اللّه باستحقاق ذكره فقد افترى ، وإن كان ذاكرا اللّه » . وبالنسبة للعبارة الثانية قال : « إنّ الصبر على طوارق البلوى داع يدعو صاحبه إلى الجسارة والدعوى وإلى استدعاء المحن والبلوى ، والعجز الجزع عن عمل المكاره . . . كما قال يحيى ابن معاذ الرازي ( ت 258 هـ / 872 م ) : « ذنب أتذلّل به بين يدي اللّه أحبّ إليّ من طاعة أدلّ بها عليه » . وبالنسبة للعبارة الثالثة ، قال السراج : « ومن خطر بباله أنّه شكر لأقل نعمة من نعمه ، ولو بذل في ذلك مهجته وأتلف بذلك روحه ، فقد انبرى ، يعني : قد انفصل من درجة المتوجّهين . . » ( اللمع ، ص 506 - 508 ) . هـ - ذكرت للحلّاج عبارة تصلح أن تكون تفسيرا لهذا الشطح وذلك في قوله : « واعلم أن المرء قائم على بساط الشريعة ما لم يصل إلى مواقف التوحيد . فإذا وصل إليها سقطت من عينه الشريعة واشتغل باللوائح الطالعة من معدن الصدق . فإذا ترادفت عليه اللوائح وتتابعت عليه الطوالع ، صار التوحيد عنده زندقة والشريعة عنده هوسا ؛ فبقي بلا عين ولا أثر : إن استعمل الشريعة استعملها رسما ، وإن نطق بالتوحيد نطق به غلبة وقهرا ! ! ( أخبار الحلّاج ، الخبر 47 ، ص 73 ) .
« 229 » قافية الدال [ 21 ]من الطويل : 1 - فما لي بعد بعد بعدك بعدما * تيقّنت أن القرب والبعد واحد 1572 - وإني وإن أهجرت فالهجر صاحبي * وكيف يصحّ الهجر والحبّ واحد 1583 - لك الحمد في التوفيق في محض خالص * لعبد زكيّ ما لغيرك ساجد 159اللغة : « أهجرت » كلمة لا ترد في المعاجم ، وهكذا استعملها الحلّاج ، ولا يبدو أن فيها تصحيفا .التحقيق : أ - كلمة « واحد » تكررت في قافيتي البيت الأول والثاني ولا بد أن الثانية على الأقل كلمة أخرى مناسبة . ب - في « شرح شطحيات » أضاف البقلي إلى هذه القطعة العبارات التالية : « قال : القرب والبعد واحد في التوحيد إلّا للممتحنين ، والهجر والوصل واحد إلّا للمطرودين ، وإذا سجدت لآدم مأمورا فقد سجدت للحق ، ............................................................................................... [ 21 ] الطواسين : طاسين الأزل والالتباس ، ص 44 ، تقييد : ( مخطوط لندن ) ورقة 320 أشرح شطحيات للبقلي : ص 44 - 45 . ( طبعة طهران ، ص 518 ) .
« 230 » إذ لم يكن غيره لأن الغيرية بدت له من حيث كان محتجبا من القدم بالحدث » ، ( ص 518 ) .
[ 22 ]من الخفيف : 1 - لا تلمني ، فاللوم منّي بعيد * وأجر ، سيدي ، فإنّي وحيد 1602 - إن في الوعد : وعدك الحق حقا * إنّ في البدء : بدء أمري شديد 1613 - من أراد الكتاب هذا خطابي * فاقرأوا واعلموا بأنّي شهيد 162الشرح : لقد عقدت العزم على أن أمضي في سلوك طريق التصوّف حتى نهايته ، وعاهدت نفسي أن أتحمل مشاقّه كلها متطلعا إلى سعادة القرب من المثل الأعلى ومتشوقا إليها وواثقا في صدق وعدك متوكلا عليك . لهذا فإن وجدت فيّ ما أؤاخذ عليه فاعلم أن سبب ذلك قلة تجربتي وحداثة عهدي بهذه الرياضات الروحية لا فتوري ولا كسلي . من هنا قوّ عزمي ووجّهني وسدّد خطاي ، وهذا أعز آمالي .
« 231 » 3 - فأنا أنت كما أنّ * ك أنسي ومرادي 165التحقيق : أ - في مشارق أنوار القلوب لابن الدباغ ، وردت ، « تصبّرت » في البيت الأول بدل « قد تصبّرت » التي أثبتناها ، ولعلها الصحيحة . ووردت « جسمي » فيه بدل « قلبي » . وفي البيت الثاني خلت « دنوّي » من الياء وبه يصح التسلسل في المعنى . ب - في الفتوحات ، مصر 1293 هـ ، 3 / 155 ، قال ابن العربي الحاتمي الطائي في تقديم هذه الأبيات : « وفيها ما ادّعت ذلك في حال السكر كالحلّاج ، فقال قول سكران ، فخبط وخلط لحكم السكر عليه وما أخلص » فبهذا سعد ، وإن شقي به آخرون ، فلا جناح عليه ولا حرج لأنّه سكران وهم المسؤولون . . . » . ج - جاءت « أنسي » في البيت الثالث - في الأصول - على « أنّي » ، وبما أثبتنا يستقيم المعنى وتجري « أنسي » مع مرادي المعطوفة . د - بالنسبة لاجتماع القلب والفؤاد في الشطر الثاني من البيت الأول يحسن أن نورد إيضاح الحكيم الترمذي ( أبي عبد اللّه محمد بن علي ) من كتابه بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللبّ ، تحقيق الدكتور نقولا هير ، مصر 1958 : لقد شبّه الحكيم الترمذي القلب بالعين في جمعها « ما بين الشفيرين من البياض والسواد والحدقة والنور الذي في الحدقة » والقلب عنده اسم جامع للصدر والقلب والفؤاد واللب « فالقلب هو الأصل والصدر هو الفرع » ، « والصدر في القلب هو في المقام من القلب بمنزلة بياض العين في العين . . . وهو موضع ولاية النفس الأمارة بالسوء . وهو موضع نور الإسلام . ويكون أول سبب الوصول إليه التعلّم والسمع ، وإنّما سمّي صدرا لأنه صدر القلب وأول مقامه كصدر النهار الذي هو أوله . . . » . « وأما القلب فهو المقام الثاني فيه وهو داخل الصدر ، وهو كسواد العين الذي هو داخل العين وهو البياض . . وهو معدن نور الإيمان ونور الخشوع والتقوى
« 232 » والمحبّة . . وهو معدن أصول العلم لأنّه مثل عين الماء والصدر مثل الحوض ، يخرج من العين إليه الماء كالصدر يخرج من القلب إليه العلم أو يدخل من طريق السمع إليه ، والقلب يهيج منه اليقين والعلم والنيّة حتى يخرج إلى الصدر » . « ومثل الفؤاد من القلب ، وهو المقام الثالث ، كمثل الحدقة في سواد العين . . وهذا الفؤاد موضع المعرفة وموضع الخواطر وموضع الرواية ، وكل ما يستفيد الرجل يستفيد فؤاده أوّلا ثم القلب . والفؤاد في وسط القلب كما أنّ القلب في وسط الصدر مثل اللؤلؤة في الصدر » . وينتهي الترمذي إلى اللبّ ، فيرى أنّه « كمثل نور البصر في العين وكمثل نور السراج في فتيلة القنديل . . وهذا اللّب موضع نور التوحيد ونور التفريد وهو النور الأتّم والسلطان الأعظم » ، ( ص 33 - 38 ) . هـ - طرق أبو نواس هذا المعنى على صورة جميلة جدا وعلى أساس حسّي رومانطيكي إذا صحّ التعبير وذلك في قوله : روحي مقيم عند خلصاني * وإنما الشاخص جثماني إذا المطايا ازددن بعدا بنا * واشتاقه قلبي وإنساني مثّله في القلب ذكري له * كبعض ما قد كان أبلاني فتارة مثّله راضيا * وتارة في شخص غضبانك نت لذكراه الفدى والحمى * وقلّ للمذهب أحزاني ( الديوان ، ص 282 ) وواضح أن الشطر الأخير يعني : «وقل هذا الفداء للمذهب أحزاني وهو الحبيب المتشوّق إليه». ( انظر هامش المحقق ) . [ 24 ]من المجتث : تأمّل الوجد وجد * والفقد في الوجد فقد ( 1 ) والبعد لي منك قرب * والقرب لي منك بعد ( 2 ) ............................................................................................... [ 24 ] تقييد بعض الحكم الأشعار مختصر من كلام السيد أبي عمارة الحسين بن منصور الحلّاج ، مخطوط الخزانة البريطانية في لندن ، رقم 9692 .Or، ورقة 324 أ .
« 233 » وكيف يثبت ثان * وأنت ، يا فرد ، فرد ( 3 ) فذاك قلب المعاني * وليس من ذاك بدّ ( 4 ) والشّرك إثبات غير * الشّرك لا شكّ جحد ( 5 ) ( 27 ) فجاء من ذا [ ك أنّي ] * بوصف غير أعد ( 6 ) ( 29 ) أعدّ في الناس مولى * لأنني فيه عبد ( 7 ) النص : في البيت الثالث « يثبت » جاءت على « أثبت » وبما أثبتنا يستقيم الإعراب . في البيت السابع : ما بين الحاصرتين زيادة منا لإقامة الوزن والمعنى . [ 25 ]من المجتثّ : 1 - أنتم ملكتم فؤادي * فهمت في كلّ واد 1662 - ردّوا عليّ فؤادي * فقد عدمت رقادي 1673 - أنا غريب وحيد * بكم يطول انفرادي 168التحقيق : أ - أثبت ماسينيون الياء في « واد » والصحيح ما أثبتنا . ب - سجّل ماسينيون « ردّوا » في البيت الثاني على « ودقّ » وبما ذكرنا يستقيم المعنى والوزن . ج - جاءت « غريب » و « وحيد » عند ماسينيون منصوبتين وبما أثبتنا يستقيم المعنى ويصحّ الوضع النحوي . ............................................................................................... [ 25 ] الديوان ، ص 52 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 342 أ ) .
« 234 » [ 25 أ ]الغائب الحاضر 1 - يا غائبا شاهدا في حال غيبته * إن غاب شخصك فالتذكار موجود 1692 - والصبر عنك فمذمومة عواقبه * والصبر في سائر الأشياء محمود 1703 - ومن دنا منك نال الخير أجمعه * ومن نأى عنك مكروب ومخمود ............................................................................................... 171( 25 أ ) ذيل تاريخ بغداد لابن النجّار ، مخطوط في دار الكتب الوطنية في باريس تحققه طالبة الدراسات العليا آلاء نافع جاسم بإشراف الأستاذة نبيلة عبد المنعم . اللغة والشرح : مخمود ، في قافية البيت الثالث ، تعني سكون لهيب النار مع عدم انطفاء جمرها ، وهو معنى يحتمل هذه الكلمة . لكننا نرى أن المكان يحتمل كلمة « مكمود » التي تعني « تغيّر اللون والحزن الشديد ومرض القلب منه » كما في القاموس المحيط للفيروز آبادي ( المادة ) . والمعنى كله يدور حول امتلاء النفس بالمحبوب سعادة في حال حضوره وعذابا وتشوّقا في حال غيابه ، لاستحقاقه للحب والشوق والاحتياج لأنه لا يمكن الاستغناء عنه في حال من الأحوال .
* * *
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: القوافي في ديوان الحلّاج قافية الرّاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 11:00 pm
القوافي في ديوان الحلّاج قافية الرّاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد
قافية الرّاء [ 26 ]من البسيط : 1 - عقد النبوة مصباح من النور * معلّق الوحي في مشكاة تأمور 1722 - باللّه ينفخ نفخ الروح في خلدي * لخاطري نفخ إسرافيل في الصور 1733 - إذا تجلّى لروحي أن يكلّمني * رأيت في غيبتي موسى على الطور 174النص : أورد ماسينيون « لروحي » في الشطر الأول من البيت الثالث على « لطوري » التحقيق : وقد جاءت في المخطوط الأول على ما أثبتنا . عقد النبوة : هنا بمعنى « عهد النبوة » لأنّ « عاقدته عقدا مثل عاهدته عهدا » ( كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي 100 - 175 هـ / 718 - ............................................................................................... [ 26 ] الديوان ، ص 57 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 336 ب ) ، مخطوط الجزائري ، ورقة 3 أ ، مخطوط الخزانة السليمانية بإستانبول ومخطوط قازان ، 24 . وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 26 وفيه يشير المحققان إلى عذاب الحلّاج لماسينيون ( وهي رسالته الكبيرة التي نال بها الدكتوراه وعنوانها بالفرنسيةPassion ( D'al - Hallajص 123 - 4 .
« 236 » 791 م تحقيق الدكتور عبد اللّه درويش ، الجزء الأول ، بغداد 1386 هـ / 1967 ، ص 163 ) ، والمقصود بعقد النبوة تقريرها وإسباغها على إنسان لطفا من اللّه . وفي الشطر الأوّل تشبيه لعقد النبوة بالمصباح مع حذف أداة التشبيه . والعقد عند الصوفية « عقد السرّ وهو ما يعتقد القلب بقلبه بينه وبين اللّه تعالى أن يفعل كذا » ( اللمع ، ص 430 ) . المشكاة : - معروفة وهي « الكوّة التي ليست بنافذة » كما في مختار الصحاح وتقابل « الروزنة » في الفارسي المعرّب ، التي يوضع فيها المصباح . وقد ذكر ابن ناقيا البغدادي ( أبو القاسم عبد اللّه بن محمد بن الحسن ، 410 - 485 هـ / 1019 - 1092 م ) أنّ المشكاة ربما كانت من لسان الحبشة ( الجمان في تشبيهات القرآن ، تحقيق عدنان محمد زرزور ومحمد رضوان الداية ، الكويت 1387 / 1968 ، ص 141 ) . التأمور ( بالهمزة وبدونه ) : « هو كما عند أبي علي الفارسي ( الحسن بن أحمد النحوي ، 288 - 377 هـ / 901 - 987 م » ، انظر رغبة الآمل - هـ 4 : 24 ) سرياني معرّب في رأي ابن دريد ( أبي بكر محمد بن الحسن الأزدي البصري ، ت 321 هـ / 933 م ) ( انظر : المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي تحقيق محمد أحمد جاد المولى وزميليه ، ط 2 ، دار إحياء الكتب العربية ، بلا تاريخ ، 1 : 282 ) بمعنى « موضع السرّ » وكذا ذكر ابن ناقيا المذكور ( الجمان ، ص 142 ) واستشهد لذلك بقول أوس بن حجر ( نحو 98 - 2 ق . هـ / 530 - 620 م ) : نبّئت أنّ بني سحيم أدخلوا * أبياتهم تامور نفس المنذر ومراده من التامور هنا ، في رأي المحققين « النفس أو دم القلب ، فمراده بالتامور في البيت مهجة نفسه ، أي قتلوه » ( الجمان ، ص 142 ) . وقد وردت التامورة في شعر الأعشى بمعنى وعاء الشراب في قوله : فدخلت ، إذ نام الرقي * ب ، فبتّ دون ثيابها وإذا لنا تامورة * مرفوعة لشرابها
« 237 » ( الديوان ، تحقيق الدكتور محمد حسين ، بيروت 1968 ، ص 289 - 291 ) . وفي رسالة الغفران ترد « لنا » على « لها » ( ط 3 ، ص 231 ) . ونقل الدكتور محمد حسين من المعرّب للجواليقي أنّ التامورة فارسي معرب ، صومعة الراهب ، وهي عند شهاب الدين الخفاجي ( أحمد بن محمد بن عمر المصري ، 977 - 1069 هـ / 1569 - 1658 ) . وعاء للشراب أيضا وشاهده على ذلك بيت الأعشى المذكور ( شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل ، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي ، مصر 1371 هـ / 1952 م ، ص 86 ) . والتامورة ، بعد هذا : « الوعاء والنفس وحياتها والقلب وجنّته وحياته ودمه ، أو الدم ، والزعفران والولد ووعاؤه ووزير الملك ولعب الجواري أو الصبيان وصومعة الراهب وناموسه والماء وعريسة الأسد والخمر والإبريق . . . والتأموري والتأمري والتؤمري : الإنسان . . . » كما في القاموس المحيط ( مادة أمر ) . والعرب تقول « ألقي في روعي وفي قلبي وفي جخيفي وفي تاموري . . . ومعناه كله واحد » ، أي في أعماق النفس وفي القلب « الذي يبقي للإنسان ما بقي » ( رغبة الأمل 4 : 24 ) . وإشباعا لهذا التتابع نقل عن أبي عبيد البكري الأوبني ( ت ، 487 هـ / 1094 م ) مزيدا من القول في معنى التأمور : قال : « التامور ينقسم في اللغة على ستة أقسام : أحدها : أن يكون التامور موضع الأسد . . . ويكون صومعة الراهب ، قال [ هـ / ربيعة بن مقروم ] : كدنا ، لبهجتها وحسن حديثها * ولهمّ من تاموره يتنزّل ويكون دم القلب ، قال [ هـ / أوس بن حجر ] : نبّئت أن بني سحيم أدخلوا * أبياتهم تأمور نفس المنذر والعرب تقول : حرف في تأمورك خير من ألف في طومارك [ والطومار الصحيفة ] .
« 238 » « ويكون التامور الماء , ويكون بمعنى : أحد , ويكون الإبريق . . . » كما في فصل المقال في شرح كتاب الأمثال ، بتحقيق د . عبد المجيد عابدين ود . إحسان عباس ، ط . الخرطوم 1958 ، ( ص 402 ) . والخلد : البال ، يقال : « وقع ذلك في خلدي أي في قلبي » كما في مختار الصحاح . وإسرافيل : الملك الموكّل بإعلان يوم القيامة بالنفخ في صوره أي قرنه بمعنى البوق كما يبدو من قول ابن الأثير الجزري ( المبارك ابن محمد بن محمد ، ت 606 هـ / 1209 - 10 م ) ، و « هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل - عليه السلام - عند بعث الموتى إلى المحشر . وقال بعضهم : إن الصور جمع صورة يريد صور الموتى ينفخ فيها الأرواح ، والصحيح الأول لأن الأحاديث تعاضدت عليه تارة بالصور وتارة بالقرن » ( النهاية في غريب الحديث ، مصر 1322 ، 3 : 5 ) . وظاهر أنّ الحلّاج اختار المعنى الثاني . الطور : الجبل على العموم كما في المعاجم . ويشير الحلّاج هنا إلى الجبل في طور سيناء الذي تجلى فيه اللّه - عزّ وجلّ - لما دعاه موسى أن ينظر إليه ، وذلك في قوله تعالى( وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ، قالَ : رَبِّ ، أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ! قالَ : لَنْ تَرانِي ، وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ، فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي . فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً . فَلَمَّا أَفاقَ ، قالَ : سُبْحانَكَ ، تُبْتُ إِلَيْكَ ، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ )( الأعراف 7 :143 ) . وبعد هذا مباشرة قال تعالى :( قالَ : يا مُوسى ، إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي ، فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ). فلعل الحلّاج كان يشير إلى هذه النتيجة التي أثمرتها تلك المقدمة . والطور الأوّل المضاف إلى ضمير الحلّاج هنا يراد بها القلب ، كما واضح ، في مقابل الطور الثانية المتصلة بقصة موسى المذكورة .
« 239 » وفي مناسبة تجلّي اللّه - سبحانه - لموسى في الطور أورد السيوطي ( جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ، ت 911 هـ / 1505 - 6 م ) حديثا في كتابه « اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة » ( نشر المكتبة التجارية الكبري بمصر ، بلا تاريخ ، 1 : 12 ) لم يحكم بوضعه بل يفهم من كلامه ترجيح صحّته ، ونصّه « . . . عن جابر بن عبد اللّه قال : قال : رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : لما كلّم اللّه موسى يوم الطور ، كلّمه بغير الكلام الذي كلّمه يوم ناداه ، فقال له موسى : يا ربّ ، ما هذا كلامك الذي كلمتني به . قال يا موسى ، إنما كلّمتك بقوة عشرة آلاف لسان ، ولي قوة الألسن كلّها وأنا أقوى من ذلك . فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل ، قالوا : يا موسى ، صف لنا كلام الرحمن . قال : سبحان اللّه ! لا أستطيعه . قالوا فشبّه لنا . قال : ألم تروا إلى صوت الصواعق التي تقتل ، فإنّه قريب منه وليس به » . ونقل عيسى صفاء الدين البندنيجي ( ت 1283 هـ / 1866 - 7 م ) عن الحلّاج أنه « سئل عن حال موسى - عليه السلام - في وقت الكلام فقال : بدا له باد من الحقّ ، فلم يبق لموسى أثر : فني موسى عن موسى ولم يكن لموسى خير من موسى ! ثم كلّم فكان المكلّم بحصول موسى في حال الجمع وفنائه عنه . ومتى كان يطيق موسى حمل الخطاب لو بإيّاه ( كذا ) كان ! لكنه باللّه - عزّ وجلّ - قام وبه سمع . ثم أنشد على أثر هذا الكلام أبياتا وقال : فيه مضى جواب مسألتك » . ( جامع الأنوار في مناقب الأخيار ، مخطوط المتحف العراقي ببغداد ، رقم 336 ، ص 357 ) . التحقيق : أ - قدّم صاحب أخبار الحلّاج لهذه المقطّعة بقوله : « وعن أبي الحسن علي بن أحمد مردويه قال : رأيت الحلّاج في سوق القطيعة ببغداد باكيا يصيح : أيّها الناس أغيثوني من اللّه ، ثلاث مرات ، فإنّه اختطفني منّي وليس يردّني عليّ ، ولا أطيق مراعاة تلك الحضرة وأخاف الهجران فأكون
« 240 » غائبا محروما ، والويل لمن يغيب ( عنه ) بعد الحضور ويهجر بعد الوصل . فبكى الناس لبكائه حتى بلغ مسجد عتّاب ، فوقف على بابه وأخذ في كلام فهم الناس بعضه وأشكل عليهم بعضه . فكان مما فهمه الناس أنّه قال : أيّها الناس ، أنه يحدّث الخلق تلطفا فيتجلّى لهم ثم يستتر عنهم تربية لهم . فلو لا تجلّيه لكفروا جملة ، ولولا ستره لفتنوا جميعا ، فلا يديم عليهم إحدى الحالتين . لكن ليس يستتر عنّي لحظة فأستريح حتى استهلكت ناسوتيّتي في لاهوتيّته وتلاشى جسمي في أنوار ذاته ، فلا عين لي ولا أثر ، ولا وجه ولا خبر، والأجسام متحركة بياسينه ، والهو (لعلها والياء) والسين طريقان إلى معرفة النقطة صلية (اللّه) ثم أنشأ يقول . . .».
[ 27 ]من الطويل : 1 - لأنوار نور النور في الخلق أنوار * وللسرّ في سرّ المسرّين أسرار 1752 - وللكون في الأكوان كون مكوّن * يكنّ له قلبي ويهدي ويختار 1763 - تأمّل بعين العقل ما أنا واصف * فللعقل أسماع وعاة وأبصار 177التحقيق : 1 - قدم صاحب أخبار الحلّاج لهذه القطعة بقوله : « وقال : عين التوحيد مودعة في السرّ ، والسرّ مودع بين الخاطرين ، والخاطران مودعان بين الفكرتين ، والفكرة أسرع من لواحظ العيون ، ثم أنشأ يقول : » 2 - أعاد السهروردي المقتول بناء هذه الصورة الشعرية باستعارة البيت الأول من المقطعة وركّب عليه مقطوعة سباعية قال فيها : لأنوار نور اللّه في القلب أنوار * وللسرّ في سرّ المحبّين أسرار ولمّا حضرنا للسرور بمجلس * وحفّت بنا من عالم الغيب أسرار ............................................................................................... [ 27 ] الديوان ، ص 59 عن : تقييد ( مخطوط الجزائري ، ورقة 4 أ ) ، مخطوط لندن ، ورقة 338 أ . وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 52 .
« 241 » ودارت علينا للمفارق قهوة * يطوف بها من جوهر العقل خمّار وكاشفنا حتى رأيناه جهرة * بأبصار صدق لا تواريه أستار وخالصنا في شكرنا ( ثم ) صحونا * قديم عليم دائم العفو جبّار سجدنا سجودا حين قال : تمتّعوا * برؤيتنا إنّي أنا لكم جار ( خزانة الخيال لمحمد مؤمن بن هاشم الجزائري ( ت 1130 هـ / 1718 م ) ، ط . قم 1393 هـ ، ص 591 - 592 ) .
[ 28 ]من الوافر : 1 - دلال ، يا محمد ، مستعار ! * دلال بعد أن شاب العذار ؟ ! 1782 - ملكت - وحرمة الخلوات - قلبا * لعبت به وقرّ به القرار 1793 - فلا عين يورّقها اشتياق * ولا قلب يقلقله ادّكار 1804 - نزلت بمنزل الأعداء منّي * وبنت ، فلا تزور ولا تزار 1815 - « كما ذهب الحمار بأمّ عمرو * فلا رجعت ولا رجع الحمار » ! 182التحقيق : أ - ذكر ماسينيون أن « يا محمد » جاءت في غير « تاريخ بغداد » من المصادر على « يا خليل » وأثبت هو في النص « يا حبيبي » وما أثبتنا ورد في تاريخ بغداد برواية معقولة . ب - في البيت الثاني جاءت ( قرّ به ) على « قرّبه » والصحيح ما أثبتنا . ج - في البيت الرابع أثبت ماسينيون في نصه « وثبت ، فلا تزور ولا تزار » وذكر في الهامش أن ذلك من العبارات الكلاسيكية نقلا عن « مجاني الأدب » للأب لويس شيخو 2 : 126 ، والشرنوبي في « تحفة العصر » ، مصر ............................................................................................... [ 28 ] الديوان ، ص 111 عن : ابن حيويه . انظر : الخطيب : تاريخ بغداد ( 8 / 116 ) ، الجلدكي : غاية : ابن فضل اللّه 2 / 316 ، البيت الخامس . وانظر : عذاب الحلّاج ، ص 234 .1166 ، ص 14 - 15 .
« 242 » والحق أن تسلسل المعنى لا يستدعي التوبة بل البعد والاعتزال ، ومن هنا تصلح « بنت » فأثبتناها كما في رواية البغدادي . وسجّل ماسينيون العبارة التالية على « فلا تزور ولا تزار » وفيها قلق من عود الضمير في الفعلين على اثنين وهو أمر لا يخفى . يضاف إلى هذا أن « لا تزور » و « لا تزار » بمعنى ، وفية خلف . فلم يبق إلّا أن تصحّ العبارة التي أثبتناها ليصح التسلسل . ثم إنّ العبارة الكلاسيكية ليست هذه وإنّما هي في البيت التالي الذي يتضمن المثل المعروف . د - ذكر ماسينيون أنّ هذه المقطعة مما تمثّل به الحلّاج من نظم الشعراء السابقين ، ولم يفطن إلى ما ذكره الخطيب البغدادي في الموضع الذي أشرنا إليه من قوله : « أنبأنا الحسن بن علي الجوهري ، حدثنا محمد بن العباس الخزّاز قال : أنشدنا أبو عبد اللّه محمد بن عبيد اللّه الكاتب ، قال : أنشدني أبو منصور أحمد بن مطر قال : أنشدني أبو عبد اللّه الحسين بن منصور الحلّاج لنفسه : وحبست معه في المطبق . . . » ، ( 8 : 116 ) . هـ - هذه القطعة من شعر الحلّاج الحسيّ الساخر وفيها سلاسة وحسن تصرف في التضمين وهي تنظر ، فيما يبدو ، إلى قول أبي محمد اليزيدي يحيى بن المدارك العدوي ، مؤدّب المأمون ، 138 - 202 هـ / 755 - 818 م ) : حبيبي لا يزور ولا يزار * وفيه عن مواصلتي نفارو عيني لا تجفّ لها دموع * معاقبة سواكبها غزار على وجه تطيف به صفات * فتغرق في المحاسن أو تحار كأنّ الخمر تغدو وجنتيه * وحسبك ما تزيّنه العقار كليل الطرف يجرحه - إذا ما * تحيّر فوق وجنته – احمرار قضيب البان قامته ، ويخطو * بدعص نقا يغصّ به الإزار (طبقات الشعراء لابن المعتز بتحقيق عبد الستار أحمد فرّاج، سلسلة ذخائر العرب رقم 20، دار المعارف بمصر 1956 م، ص 275. ووردت « صفات » في البيت الثالث على « صفاتي » و « دعص » في البيت السادس
« 243 » بالضاد المعجمة وهو من خطأ الطبع ، والكتيب « يعبّر به عن الردف الثقيل » . و - ألمّ الشعراء بهذا المعنى ، ومن ذلك قول أبي هلال العسكري ( ت 400 هـ / 1009 م ) : لعب الزمان بحسن وجه محمّد * لعب الصّبا بالرّبع حتى أقفرا قد كان معروف الجمال فلم يزل * ينتابه الحدثان حتى أنكرا عهدي به متكفّر متعصفر * ثم انثنى متصندلا متزعفرا وكأنّما صدغاه في وجنتاته * جعلان ينتابان سلحا أصفرا ! ( ديوانه بتحقيق د . محسن غياض ، منشورات عويدات ، بيروت 1975 ، ص 98 ) ز - وأما أم عمرو التي ذهب بها الحمار فقد ذكر الأبشيهي ( محمد بن أحمد ، ت 850 هـ / 1446 م ) في المستطرف ، ( طبع مطبعة الاستقامة بمصر ، 1379 هـ ، 2 / 242 - 243 ) أنه حكى عن الجاحظ ( أبي عثمان عمرو بن بحر البصري ، ت 255 هـ / 869 م ) أنه قال : « ألّفت كتابا في نوادر المعلّمين وما هم عليه من التغفّل [ ! ] ، ثم رجعت عن ذلك وعزمت على تقطيع ذلك . فدخلت ، يوما ، فوجدت معلّما في هيئة حسنة ، فسلّمت عليه ، فردّ أحسن ردّ ورحّب بي . . . [ واتضّح أنه كان حزينا كاسف البال لموت معشوقة خيالية لم يرها ] فلما سأله الجاحظ : كيف عشقت من لم تره فقال : « اعلم أني كنت جالسا في هذا المكان - وأنا أنظر من الطاق ، إذ رأيت رجلا عليه برد وهو يقول : يا أمّ عمرو ، جزاك اللّه مكرمة * ردّي عليّ فؤادي كالذي كانا فقلت في نفسي : لولا أن أمّ عمرو هذه ما في الدنيا أحسن منها ما قيل فيها هذا الشعر ، فعشقتها .
« 244 » فلما كان بعد يومين مرّ ذلك الرجل وهو يقول : لقد ذهب الحمار بأمّ عمرو * فلا رجعت ولا رجع الحمار فعلمت أنها ماتت فحزنت عليها وأغلقت المكتب وجلست في الدار. . .» فعاد الجاحظ إلى عزمه الأول وصنف في المعلمين رسالته.
[ 29 ]من السريع : 1 - يا موضع الناظر من ناظري * ويا مكان السرّ من خاطري 1832 - يا جملة الكلّ التي كلّها * أحبّ من بعضي ومن سائري 1843 - تراك ترثي للذي قلبه * معلّق في مخلبي طائر 1854 - مدلّه حيران مستوحش * يهرب من قفر إلى آخر 1865 - يسري وما يدري وأسراره * تسري كلمح البارق النائر 1876 - كسرعة الوهم لمن وهمه * على دقيق الغامض الغائر 1887 - في لجّ بحر الفكر تجري به * لطائف من قدرة القادر 189التحقيق : أ - في روضة التعريف جاء الشطر الأول من البيت الأول على « يا نور نور النور من ناظري » وهو تصرّف أريد به أن تتشعشع القطعة بألفاظ الصوفية ! وجاءت « مكان » في البيت الأول على « محلّ » . ب - ذكر البقلي أن هذه القطعة قد توجّه بها الحلّاج إلى الشبلي بعد ............................................................................................... [ 29 ] الديوان ، ص 18 - 19 عن : مخطوط كوبرولو ، 1620 ، القسم الرابع ، ( الأبيات 1 - 7 ) . تقييد : مخطوط لندن ، ورقة 325 ب ( الأبيات 1 - 5 ، 7 ، 6 ) . مخطوط قازان ، ص 77 ( البيتان 1 ، 2 ) ، ص 92 ( الأبيات 1 - 3 ، 5 - 8 ) . البقلي : شرح شطحيات ، رقم 164 ( البيتان 1 ، 2 ) . الجلدكي : غاية السرور ( الأبيات 1 - 7 ) وانظر أيضا : روضة التعريف في الحب الشريف للسان الدين بن الخطيب ( محمد بن عبد اللّه بن سعيد السلماني ، 713 - 776 هـ - 1313 - 1375 م ) ، مصر 1387 - 1968 ، ص 347 ، دون نسبة ، ( الأبيات 1 ، 3 ، 4 ) .
« 245 » أن قال له مشيرا إلى عين الجمع ، خلق الحق القلوب ووضع سرّه في داخلها ، وخلق الأنفاس وجعل مجراها في داخل القلب بينه وبين السرّ ، ووضع المعرفة في القلب والتوحيد في السرّ ، فلم يخرج نفس قطّ إلّا بإشارة التوحيد ودلالة المعرفة على بساط الاضطراب في عالم الربوبية ، وكل نفس يخلو من هذا فإنّما هو ميت وصاحبه عنه مسؤول » . ج - في البيت الثاني جاءت : « أحبّ » في « شرح شطحيات » ( المطبوع ) وفي إثر ذلك قال هذين البيتين ، ص 381 ، على « كلّي » ( ص 380 ) وهو خطأ واضح . د - في البيت الرابع ، يرى كاتب هذه السطور أن مولّه أوفى بالغرض من مدلّه وأنسب للمعنى وإن كان مدلول اللفظين متقاربا فمعنى المدلّه - كما في القاموس - « الساهي القلب من عشق ونحوه أو من لا يحفظ ما فعل به » والمولّه من الوله وهو « الحزن أو ذهاب العقل حزنا والخوف ، ومنه أتلهه النبيذ ، بمعنى « ذهب بعقله » . هـ - بالنسبة للفظ « نائر » في البيت الخامس يصحّ أن تذكر أن شاعر المرتدّين قال : ألا صبّحونا قبل نائرة الفجر * لعل منايانا قريب ولا ندري أطعنا رسول اللّه ، ما كان بيننا ، * فيا لعباد اللّه ، ما لأبي بكر ؟ ! ( انظر مفيد العلوم ومبيد الهموم لأبي بكر الخوارزمي ، جمال الدين ، مصر 1330 ، ص 84 ) وقد ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون أنّ هذا الكتاب « مجلد لبعض المغاربة المتأخرين » . ز - في البيت السادس وردت « الغائر » على « الغابر » وما أثبتناه مصداق لرأي الدكتور مصطفى جواد في ملاحظاته على « ديوان الشبلي » بتحقيقنا . ومع قرب متناول هذا الرأي يحسن أن نذكر أن الفيروزآبادي شرح معنى « غبر » بأنّه : مكث وذهب ، وهو ضد وبهذا قد يصح المعنى بكلمة « غابر » أيضا بتشبيه الأسرار في اضطرابها وخفائها بالأمور الغامضة التي لا يقرّ لها قرار في الذهاب والبقاء .
« 246 » [ 30 ] من الطويل : 1 - إذا بلغ الصبّ الكمال من الهوى * وغاب عن المذكور في سطوة الذّكر 1902 - يشاهد حقا ، حين يشهده الهوى ، * بأنّ كمال العاشقين من الكفر 191النص : ذهل ماسينيون ، انسياقا مع الروايات الأخرى ، عن الإشارة إلى أن النص الأساس لتركيب ديوان الحلّاج أنه هو رسالة « تقييد بعض الحكم والأشعار » ( ورقة 338 ب ) التي وردت فيها « كمال العاشقين » وأوردها هو على « صلاة العاشقين » سهوا . التحقيق : أ - سجّل ماسينيون هذه القطعة على روايتين نقلا عن أصول الديوان المخطوطة كما يلي : 1 - إذا بلغ الصبّ الكمال من الفتى * ويذهل عن وصل الحبيب من السكر فيشهد صدقا حيث يشهده الهوى * بأن صلاة العاشقين من الكفر 2 - إذا بلغ الصبّ الكمال من الهوى * وغاب عن المذكور في سطوة الذكر فشاهد حقا حين يشهده الهوى * بأنّ صلاة العارفين من الكفر أما نحن فنراها واحدة تتمثل في النص الذي أثبتناه . وقد ذكر ماسينيون أن الرواية الثانية مطعّمة بمدرسة ابن العربي الحاتمي الطائي ، ولا دليل على ذلك أوّلا ، ثم لا نرى فرقا بين مدرسة ابن العربي الحاتمي الطائي والحلّاج أصلا . وقد حملنا على إعادة ترتيب هذه القطعة على الصورة التي اخترناها أنّها تتضمن - من الناحية النحوية - ............................................................................................... [ 30 ] الديوان ، ص 56 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 338 ب ) ، مخطوط السليمانية ، 12 ، مخطوط تيمور ، 37 ، ومخطوط قازان ، 50 ( للرواية الأولى ) الحريري ( انظر ابن تيمية : مجموعة الرسائل والمسائل ، القاهرة 1341 هـ ، ص 64 ، حيث ترد الرواية الثانية فقط مع تعليق خاص ) . انظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 66 .
« 247 » بناء متكاملا يتضمن فعل الشرط وجوابه لأداة الشرط « إذا » . وروايتا ماسينيون - ومصادره - تخلو من هذا الترابط النحوي ، ويمكن أن يفترض للرواية الثانية سقوط بيت ثالث منها يتضمن الجواب وهو نوع من التمحّل يغني عنه ترتيبنا الجديد . ب - بالنسبة للمفاضلة بين روايتي الشطر الثاني من البيت الأول يرجّح أصالة روايتنا ورودها في « كراس وجد بخط بعض الثقات » من أتباع وحدة الوجود أيام ابن تيمية فتصدّى للرد عليه في رسالة « إبطال وحدة الوجود » من كتابه « مجموعة الرسائل والمسائل » ( ص 61 - 120 ) . ويؤيد ذلك أن الفعل « يذهل » في الرواية الثانية لا يصلح نحويّا في صورة المضارع ولا يمكن وضعه هنا في صورة الماضي أصلا لاضطراب الوزن . وسجّل ابن تيمية هذا النص على الصورة التالية : إذا بلغ الصّبّ الكمال من الهوى * وغاب عن المذكور في سطوة الذكر يشاهد حقّا ، حين يشهده الهوى ، * بأنّ صلاة العارفين من الكفر ( مجموعة الرسائل والمسائل له ، 1 / 64 ) . ثم إن هنا تعرّضا للذكر وفيه تبدو على الصوفي الأحوال ومنها غيبة الذاكر عن المذكور باعتباره حالا حائلة لا تدوم . وقد مرّ بنا فيما مضى قول البقلي : « القرب والبعد واحد في التوحيد إلّا للممتحنين والهجر والوصل واحد للمطرودين » وهي عبارة تشرح هذا الغرض وترجّح الشطر الذي أثبتناه . ج - واضح أنّ « العاشقين » أصلح من « العارفين » في البيت الثاني ، وإن كانت الثانية أشهر . د - انظر في تعليل الصوفية لهذا المعنى تعليقاتنا على بيت الحلّاج الماضي : كفرت بدين اللّه والكفر واجب * عليّ وعند المسلمين قبيحه - قدّم ابن فاتك لهذه القطعة بقوله : « دخلت على الحلّاج ليلة وهو
« 248 » في الصلاة مبتدئا بقراءة سورة البقرة ، فصلى ركعات حتى غلبني النوم . فلما انتهيت سمعته يقرأ سورة : حم عسق ، فعلمت أنه يريد الختم ، فختم القرآن في ركعة واحدة ، وقرأ في الثانية ما قرأ . فضحك إليّ وقال : ألا ترى أنّي أصلّي أراضيه ؟ ! من ظنّ أنّه يرضيه بالخدمة فقد جعل لرضاه ثمنا ، ثم ضحك وأنشأ يقول . . . » و - علّق ابن تيمية على هذه القطعة تعليق شارح ناقض بقوله : « فهذا الكلام ، مع أنه كفر ، هو كلام جاهل لا يتصور ما يقول ، فإن الفناء والغيب هو أن يغيب بالمذكور عن الذكر وبالمعروف عن المعرفة وبالمعبود عن العبادة حتى يفنى من لم يكن ويبقى ما لم يزل . وهذا مقام الفناء الذي يعرض لكثير من السالكين لعجزهم عن كمال الشهود المطابق للحقيقة بخلاف الفناء الشرعي ، فمضمونه الفناء بعبادته عن عبادة ما سواه وبحبّه عن حب ما سواه وبطاعته عن طاعة ما سواه ، فإنّ هذا تحقيق التوحيد والإيمان . وأما النوع الثالث من الفناء ، وهو الفناء عن وجود السوى بحيث يرى أنّ وجود الخالق هو وجود المخلوق ، فهذا قول هؤلاء الملاحدة أهل الوحدة ( وحدة الوجود ) والمقصود هنا أن : يغيب عن المذكور ، كلام جاهل ، فإن هذا لا يحمد أصلا بل المحمود أن يغيب بالمذكور عن الذكر « لا » أن يغيب عن المذكور في سطوات الذكر ، اللّهم إلّا أن يريد أنّه غاب عن المذكور فشهد بالمخلوق وشهد أنّه الخالق ولم يشهد الوجود إلّا واحدا ونحو ذلك من المشاهد الفاسدة . فهذا شهود أهل الإلحاد لا شهود الموحّدين . ولعمري ، إنّ من شهد هذا الشهود الإلحادي فإنّه يرى صلاة العارفين من الكفر » ( مجموعة الرسائل والمسائل ، ص 105 - 106 ) . ز - إنّ إثبات « كمال العاشقين » بدل « صلاة العاشقين » المزعومة يغني عن هذا التمحّل وهذا التهجّم . ويشهد لصحّة نصّنا أن الكلام يدور على « الكمال » الذي يبلغه العاشق في الحبّ الإلهي ويتضمّنه فعل الشرط ليذكر أن
« 249 » دعوى الكمال في الحب يعتبر كفرا لأنه ، في حقيقته ، غرور وغرّة وطمع . فالمحبّ الإنسان يبقى إنسانا في الأحوال كلها خصوصا إذا غاب عن وعيه وعرف الحقّ من الحبّ مباشرة . والحلّاج هنا مظلوم ، وكل ما قيل في ثلبه بهذا الخصوص ثواب له . [ 31 ]من الطويل : 1 - مواجيد حقّ أوجد الحقّ كلّها * وإن عجزت عنها فهوم الأكابر 1922 - وما الوجد إلّا خطرة ثم نظرة * تنشّي لهيبا بين تلك السرائر 1933 - إذا سكن الحقّ السريرة ضوعفت * ثلاثة أحوال ، لأهل البصائر 1944 - فحال يبيد السرّ عن كنه وصفه * ويحضره للوجد في حال حائر 1955 - وحال به زمّت ذرى السرّ فانثنت * إلى منظر أفناه عن كلّ ناظر 196 ............................................................................................... [ 31 ] الديوان ، ص 54 عن : تقييد ( مخطوط تيمور ، ص 33 ) ، مخطوط لندن ، ورقة 334 ب ، مخطوط الجزائري ، ورقة أب - 2 أ ، مخطوط قازان ، ص 39 ، السلمي : طبقات الصوفية ( مخطوط المتحف البريطاني مضافات 18520 ، ورقة 7 ب ) ، الشعراني : لواقح الأنوار ، طبقات الصوفية لأبي إسماعيل عبد اللّه بن محمد الهروي الأنصاري ) ، مخطوط مكتبة نور عثمانية بإستانبول ، رقم 2500 ، مادة الحلّاج ( البيت الأول فقط ) . ابن فضل اللّه العمري : مسالك الأبصار ، مخطوط آيا صوفيا ، 3421 ، الجزء السابع ( البيتان الأولان ) . الشطنوفي : بهجة الأسرار ومعدن الأنوار ، مصر 1330 ، ص 181 . وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 54 - 55 وفيه إشارة إلى ورود البيت الأول في التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي ( أبي بكر محمد بن إسحاق ، ت 380 هـ - 990 م ) ، مصر 1352 ، ص 104 . وراجع طبقات الصوفية للسلمي ( أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين ت 412 هـ - 1021 م ، تحقيق نور الدين شريبة ، مصر 1372 - 1953 م ، ص : 310 وطبقات الصوفية للأنصاري ، تحقيق عبد الحيّ حبيبي ، ميزان ، أفغانستان ، 1341 هـ . ش - 1962 م ، ص 323 ، جامع الأنوار في مناقب الأخيار للبدنيجي ( عيسى صفاء الدين ، ت 1283 هـ - 1866 - 7 م ، مخطوط المتحف العراقي ببغداد ، رقم 366 ) ، ص 356 .
« 250 » اللغة : المواجيد : « أحوال ومقامات عديدة تظهر للأولياء والعرفاء والسالكين بطريق الكشف والوجدان ، إذ المواجيد جمع موجود ، والموجود معروف ، ويراد بالوجدان الحال لا العلم ومنه الفناء ، وهو عبارة عن زوال التفرقة بين القدم والحدوث » ( فرهنك مصطلحات عرفاء ومتصوفة للسيد جعفر سجّادي ، طهران 1339 هـ / 1960 م ، عن شرح كلشن راز لمحمد بن إبراهيم السبزواري ، طهران ، ص 560 ) وتنال المواجيد بالعمل الشرعي الدائب ولهذا قيل : المواجيد ثمرات الأوراد ، فكل من ازدادت وظائفه ازدادت بين اللّه لطائفه » ( الرسالة القشيرية ، مصر 1385 هـ / 1966 م ، ص 202 ) . والوجد : مصادفة القلوب لصفاء ذكر كان عنه مفقودا كما في اللمع ( ص 418 ) و « ما يصادف قلبك ويرد عليك بلا تعمّد وتكلّف » ولهذا قيل : « الوجد : المصادفة » ( الرسالة القشيرية ، ص 202 ) . الخطرة : ما يمر بالقلب من أحكام الطريقة ( كشف المحجوب للهجويري ، أبي الحسن علي بن عثمان الجلّابي الغزنوي ، ت 465 هـ / 1073 - 4 م ، تحقيق فالنتين زوكوفسكي ليننغراد 1929 م ، ص 500 ) ، وهي كالخاطر الذي هو « تحريك السرّ لا بداية له ، وإذا خطر بالقلب فلا يثبت فيزول بخاطر آخر مثله . . . » ( اللمع ، ص 418 ) . البصيرة : هي قوة القلب متنوّرة بنور القدس يرى بها حقائق الأشياء وبواطنها بمثابة البصر للنفس الذي ترى به صور الأشياء وظواهرها ، وهي القوة التي تسميّها الحكماء « العاقلة النظرية » . وأمّا إذا تنوّرت بنور القدس وانكشف حجابها بهداية الحق فيسميها الحكيم «القوة القدسية» (اصطلاحات الصوفية لعبد الرزّاق الكاشاني ، تحقيق الدكتور ألويز سبرنجر ، كلكتا 1845 ، ص 16 ). السرّ : خفاء بين العدم والوجود موجود في معناه ، وقد قيل ، السر ما غيّبه ولم يشرف عليه الخلق ، فسرّ الخلق ما أشرف عليه الحق بلا واسطة ،
« 251 » وسرّ الحق ما ( لا يطلع ) عليه إلّا الحق ، وسر السرّ ما لا يحسّ به السر ، فإن أحسّ به فلا يقال له سرّ ( التعرف ، ص 430 ) . الحيرة : « بديهة ترد على قلوب العارفين ، عند تأمّلهم وحضورهم وتفكّرهم ، تحجبهم عن التأمّل والفكرة . . والتحيّر منازلة تتولى قلوب العارفين بين الناس والطمع في الوصول إلى مطلوبه ومقصوده لا تطمعهم في الوصول فيرتجوا ولا تؤيسهم عن الطلب فيستريحوا فعند ذلك يتحيرون » ( اللمع ، ص 421 ) . وزمّ ، لغة : « تقدّم في السير ، وزمّ بأنفه تكبّر فهو زامّ » كما في مختار الصحاح . وأقرب من هذا تناولا وأنسب للمعنى هنا « شدّه ، ومنه الزمام ، والقربة ملأها فزمّت زموما » ، كما في القاموس المحيط ، أي أنّ اللّه تعالى جمع الأسرار في سرهّ ومنعها من أن تظهر بقوته .التحقيق : أ - في « بهجة الأسرار » وردت « مواجد » - في البيت الأول - بدل « مواجيد » والحب - في البيت الثاني - بدل الوجد ، وبعيد - في البيت الخامس - بدل « يبيد » و « للشوق » بدل « للوجد » و « ذوى » بدل « ذرى » وأكثرها تصحيفات . يضاف إلى هذا أنّ « وصفه » في البيت الرابع ، جاءت في جامع الأنوار على « وجده » ، و « زمّت » في البيت الخامس على « ذمّت » وهو تصحيف ، وفي طبقات الصوفية للسلمي فقط جاءت « تنشي لهيبا » على « تثير لهيبا » ولعلّه الأصح . ب - « كنه وصفه » وردت في طبقات الصوفية للسلمي على « كنه وجده » وما أثبتناه أليق بالسياق . ج - قدّم صاحب أخبار الحلّاج لهذه القطعة بقوله : « وقال أحمد بن فارس رأيت الحلّاج في سوق القطيعة قائما على باب مسجد وهو يقول : « أيّها الناس ، إذا استولى الحق على قلب أخلاه عن غيره ، وإذا لازم أحدا أفناه عمن سواه ، وإذا أحبّ عبدا حثّ عباده بالعداوة عليه حتى يتقرب العبد
« 252 » مقبلا عليه . فكيف لي ( بي ) - ولم أجد من اللّه شمّة ( لعلها شيمة كلمح البرق ) ولا قربا ( الصحيح ولا قربت ) منه لمحة - وقد ظلّ الناس يعادونني ؟ ! ثم بكى حتى أخذ أهل السوق في البكاء . فلما بكوا ، عاد ضاحكا وعاد يقهقه ثم أخذ في الصياح صيحات متواليات مزعجات وأنشأ يقول . . . » . د - من هذا يبدو أن الحال الثالث الذي سقط من القطعة يتمثل في عبارة الحلّاج المذكورة في قوله : « وإذا أحبّ عبدا حثّ عباده بالعداوة عليه . . . إلى قوله مقبلا عليه » . هـ - سرد ذو النون المصري هذه الأذكار الثلاثة في مقطعة أوردها ضمن قصة صوفية وذلك في قوله : وأذكر أصنافا من الذّكر حشوها * وداد وشوق يبعثان على الذكر فذكر أليف الروح ممتزج به * يحلّ محلّ الروح في طرفها يسري وذكر يغرّ النفس منها لأنّه * لها متلف من حيث يدري ولا تدري وذكر علا منّي المفاوز والذّرى * يجلّ عن الوصف بالوهم والفكر ( حلية الأولياء ، لأبي نعّيم ، 10 / 391 - 392 ) .
[ 32 ] من البسيط : 1 - أنت المولّه لي لا الذكر ولّهني * حاشا لقلبي أن يعلق به ذكري 1972 - الذكر واسطة تخفيك عن نظري * إذا توشّحه من خاطري فكري 198اللغة : المولّه : اسم فاعل للوله وهو « ذهاب العقل والتحيّر من شدّة الوجد » ، كما في مختار الصحاح . ............................................................................................... [ 32 ] الديوان ، ص 53 عن : التعرف للكلاباذي ، ص 75 .
« 253 » الذكر : مصطلح يرد في كتب التصوف كثيرا لكنّ المصنفين يتحامون التعريف به ، وهو بادئ ذي بدء - بعكس النسيان ويرد على قوله تعالى« فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ »ويحتمل أيضا ذكر اللسان ، والألفاظ الواردة الخاصة ، والمواظبة على العمل ، وذكر القلب ، والحفظ ، والطاعة ، والجزاء ، والصلوات ، والبيان ، والحديث ، والقرآن ، والحلم ، والشرف والعيب ، والشكر ، وصلاة الجمعة ، وصلاة العصر ( فرهنك مصطلحات عرفاء ، ص 187 ) . وأما في الاصطلاح فهو « الخروج من ميدان الغفلة إلى فضاء المشاهدة بغلبة الخوف أو زيادة الحبّ ، وقالوا : الذكر بساط العارفين ونصاب المحبّين وشراب العاشقين » ( أيضا ، ص 187 ) « وقالوا : حقيقة الذكر أن تنسى ما سوى المذكور في الذّكر . . يعني إذا نسيت ما دون اللّه ، فقد ذكرت اللّه » ( التعرف ، ص 74 ) . والذكر يطلق في الجملة على مجلس السماع عند الصوفية باعتباره « الاستجمام من تعب الوقت والتنفس لأرباب الأحوال واستحضار الأسرار لذوي الأشغال » ( التعرف ، ص 126 ) . والذكر ، لهذا يثير فيه الأحوال المختلفة « لأن السماع إذا قرع الأسماع أثار كوامن أسرارها ، فمن بين مضطرب لعجز الصفة عن حمل الوارد ومن بين متمكن بقوة الحال » ( أيضا ، ص 126 ) . ومن هنا كان الأثبات من الصوفية يترّفعون عن أن يقعوا تحت طائل السماع لحضور اللّه في قلبهم على الدوام . ومن أمثال ذلك أن مريدين قالوا لشيخ لهم : ههنا قوّال ، ندعوه لك ؟ فقال : أنا أجلّ من أن يستقطعني شخص أو ينفذ فيّ قول ، أنا ردم كلّه ( بمعنى السدّ ) » ( أيضا ، ص 126 ) . وهذا مصداق ما يقصد إليه الحلّاج من هذه المقطّعة ، إذ الذكر عنده نوع من المشغلة يوقف التيار الروحي المتصل الذي يملأ نفسه دائما . التحقيق : شرح الكلاباذي معنى هذه القطعة بقوله : « معناه : الذكر صفة الذاكر ، فإن غبت في ذكري كانت غيبتي فيّ ، وإنما يحجب العبد عن مشاهدة مولاه أوصافه » .
« 254 » [ 33 ] من الرجز : 1 - يا طالما غبنا عن أشباح النظر * بنقطة يحكي ضياؤها القمر 1992 - من سمسم وشيرج وأحرف * وياسمين في جبين قد سطر 2003 - فامشوا ونمشي ونرى أشخاصكم * وأنتم لا ترونّا يا دبر ! 201 التحقيق : أ - يبدو أن هذه القطعة من الألغاز الشعرية التي نسبت إلى الحلّاج وفيها تصحيف كثير وعامية بلدية . ب - « فامشوا » ، من البيت الثالث ، جاءت على « تمشوا » في النص ، وبما أثبتنا تقترب الجملة من الصواب ، وأبقينا « لا ترونّا » على حالها وربما صلح لها لفظ « لا تنظرونا » أو « لا تبصرونا » مع إهمال القواعد النحوية . ومما يبرر ذلك أنّ الحلّاج قد جمع « ترى » و « ينظرون » و « يبصرون » في بيت واحد هو : تراهم ينظرون إليك جهرا * وهم لا يبصرون من العماء وبالنسبة إلى كلمة « دبر » ، التي تعني الظهر ، يبدو أنها كانت كلمة إهانة ما زال المصريون يستعملون كلمة « قفا » في معناها . وقد وردت هذه الكلمة في هذا المعنى الوارد في المقطعة في مصر في القرن السادس الهجري . ( انظر النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ، 6 / 129 ) وذلك في قول السلطان : « أخرج فاطرد هذا الدبر . . . » ج - تتضمن القطعة المواد التي تستعمل في عملية الاختفاء عن ............................................................................................... [ 33 ] الديوان ، ص 36 ( بعنوان : في السحر الخفي ) عن : الجوبري : مختار من كشف الأسرار ، مخطوط باريس ، رقم 4640 ، ورقة 12 ب ، ( البيتان 1 ، 2 ) ، مخطوط أسعد ( بإستانبول ) ، رقم 3888 ( البيت الثالث ) مطبوع بالقاهرة سنة 1302 هـ ، ص 20 ( القطعة كلها ) .
يتبع
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
عبدالله المسافربالله
عدد الرسائل : 3605 تاريخ التسجيل : 21/11/2017
موضوع: القوافي في ديوان الحلّاج قافية الرّاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي الأربعاء فبراير 07, 2024 11:01 pm
القوافي في ديوان الحلّاج قافية الرّاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الأنظار وهي السمسم ( ودهنه ) الشيرج والعزائم والرقي والياسمين الذي يعقد على الجبين ! د - فصّل القاضي عبد الجبار ( بن أحمد ) الهمداني المعتزلي ، ت 415 هـ / 1024 م القول على مخاريق الحلّاج في الجزء الخامس عشر من كتابه ( المغني في أبواب التوحيد ) الخاص بالتنبؤات والمعجزات ، بتحقيق الدكتور محمود قاسم ، مصر 1965 ، ص 270 - 275 ، وذكر هناك أنه يروي « طرفا » من مخاريقه ، ص 269 ، ونبّه على أنّه « ربما تعذّر ذلك إلا بأصحاب وآلات وتمكّن وذلك لا يتأتى لكل واحد ، وإنّما تمكن الحلّاج فيما يحكى عنه لتوفّر آلاته وكثرة أصحابه » ، ص 269 . وقد أورد القاضي عبد الجبار من أعمال الحلّاج إحياؤه لجدي بعد شيّه ، وإخراجه الدراهم والدنانير من الطين في الأرض ، وإخراجه الحلو أو غيره حارا من تحت الأرض وكذلك الفاكهة ، وتعليقه الجسم الخفيف في الهواء ، وإطالة جسمه ، وإظهار السمن العظيم عليه ، والتكلّم في الليل من الهواء ، والصياح بأصحابه من السماء ، وإطارته لطائر ميّت ، ووقوفه ساعة في الهواء وطيرانه فيه . لكنّ القاضي عبد الجبار لم يشر إلى غيبته عن الأنظار وإن كان تنبيهه إلى أنّه إنّما يذكر طرفا من مخاريقه يحمل على الظن بأن ذلك ربما وقع منه . وبالتالي فقد تعدّ هذه القطعة من نظم الحلّاج . وربّما كان تعارف عليه أتباع الحلّاج من كونه لم يقتل وإنّما شبّه للناس ذلك ، يتصل بأصل طبّقه في حياته يتمثّل في اختفائه عن الأنظار ساعة يشاء . ( انظر مثلا الفرق بين الفرق للبغدادي ، ص 159 ) . ومهما يكن الأمر فقد كان الحلّاج فيما ذكر ابن النديم ( أبو الفرج محمد بن إسحاق ) « يعرف شيئا من علم الكيمياء » طبع مصر 1348 ، ص 269 . وذكر أنه - لما قبض عليه - كان في بيته « . . . المسك والعصفر والعنبر والزعفران » فلعله كان مع هذه مواد أخرى هي المذكورة في هذه المقطعة ( الفهرست ، ص 271 ) . وفوق هذا مرّ بنا خبر ابن تيمية من أن الحلّاج صنّف كتابا في السحر
« 256 » ظل معروفا إلى أيّامه ، فلعلّ هذه المقطّعة مصداق لذاك . [ 34 ] من السريع : 1 - وحرمة الودّ الذي لم يكن * يطمع في إفساده الدهر 2022 - ما نالني عند هجوم البلا * بأس ولا مسّني الضرّ 2033 - ما قدّ لي عضو ولا مفصل * إلّا وفيه لكم ذكر 204اللغة : في البيت الثاني وردت « بأس » على « بؤس » في مصادر ماسينيون جميعا وفي شرح الشطحيات الذي حققه هنري كوربان ، وبأس أنسب للسياق إذ معناها « العذاب » ومعنى « البؤس » اشتداد الحاجة كما في مختار الصحاح ، وزاد ابن فارس على اشتداد الحاجة « الشدّة في العيش » ليجعل البأس قاطعة في تمكّنها من موضعها في هذه القطعة ( مقاييس اللغة 1 : 328 ) . التحقيق والشرح : أ - ذكر الهمداني أنّ الحلّاج « لما قطعت يده ورجله صاح وقال . . . » وأشار ابن العربي الحاتمي الطائي إلى البيت الثالث من هذه القطعة في الفتوحات المكية ( 2 : 445 ) تحت عنوان « الحب الذي يصير عشقا » فقال : « . . . كما حكي عن ............................................................................................... [ 34 ] الديوان ، ص 128 عن : عذاب الحلّاج ، ص 431 ، تقييد ( مخطوط قازان ، ص 88 ) ، مخطوط لندن ، ورقة 331 أ ، البقلي : تفسير الآية 70 السورة 4 ( النساء ) ، شرح شطحيات ( ص 385 من المطبوع ) ، ابن الحاج : أم البراهين ، نقلا عن شرح حال الأولياء للمقدسي ، الهمداني : تكملة ( تاريخ الطبري ) ، ص 100 . وانظر أيضا : تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 323 ب . الفتوحات المكية ، مصر 1293 هـ ، 2 / 445 ، 478 ، 4 / 182 ، رسالة الانتصار من رسائل ابن العربي الحاتمي الطائي ، ص 16 ( البيت الثالث ) . مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين ( علي ) للبرسي : الحافظ رجب بن محمد بن رجب ، ت 813 هـ - 1411 م ، بيروت 1379 هـ / 1959 - 60 م ، ص 260 ، الكشكول للعاملي ، ص 312 .
« 257 » زليخا أنّها افتصدت فوقع الدم في الأرض فانكتب به يوسف في مواضع كثيرة حيث سقط الدم في الأرض لجريان ذكر اسمه مجرى الدم في سائر عروقها كلها . وهكذا حكي عن الحلّاج ( أنه ) - لما قطعت أطرافه - انكتب بذلك بدمه في الأرض : اللّه ، اللّه ، حيث وقع . . . » . وذكر في مواضع أخرى من الفتوحات أنّه « ولذلك لطّخ الحلّاج وجهه بالدم حين قطعت أطرافه لئلا يظهر إلى أعين العامة تغيّر مزاجه غيرة منه على المقام لمعرفته . . . » ( انظر مثلا ، 4 : 182 ) . وزاد عبد الرؤوف المناوي أنّه « لما وقع دمه على الأرض كتب : اللّه ، اللّه ، إشارة لتوحيده ، وإنّما لم يكتب دم الحسين بن علي - رضي اللّه عنه - ذلك لأنّه لا يحتاج لتبرئة بخلاف الحلّاج » ( الكواكب الدرية ، 2 : 25 ) . ب - في تكملة تاريخ الطبري وردت « ولا مسّني » على « ولو مسّني » وهو خطأ واضح . ج - شرح روزبهان البقلي هذه القطعة بقوله : « صدق الحسين ( بن منصور الحلّاج ) ، كيف استطاع التصريح بما جهله الخلق ؟ قال الأعداء : لقد زاد الحلّاج في دعواه على الأنبياء في قوله : ما مسّني الضرّ ، في حين قال أيوب - عليه السلام - مع جلالته - مسّني الضرّ عند نزول البلاء به . وتفسير هذا الخطأ الشائع يتمثل في أنّ الحلّاج رأى الجمال المبتلي وكان يطلب وصلة الأصل من عين قرب النوال . وإذ علم أنّ البلاء سينقطع عنه جعل يئن من مفارقته . ذلك أنّ الحسين كان يعدّ النعمة والبلاء بمعنى ، وهو منزل المريدين ، في حين أنّ البلاء مع طلب النعمة منزل الأنبياء لأنّ الوصل مع المعشوق في حال البلاء رضى ، وعندها يكون العاشق ممتّعا بنعمة عالم البقاء . في هذه الحال يعدّ العرفان وصفا له . وإذ كان البلاء منزل الفناء ، صار التنكير وصفا له ، وبهذا تكون المعرفة في المعارف الصغيرة والنكرة في القدم الصغيرة حيث يكون العجز عن الإدراك عين المعرفة ، والنكرة طوفان التوحيد . وهكذا فكل من جمع النكرة مع المعرفة ( الظاهرة مع التوحيد ) استحق أن يقول : « مسّني الضرّ » ، ( الأنبياء 21 : 83 ) إلّا فخر الزمان
« 258 » ( محمد ) - عليه السلام - فقد ألف البلاء بمشاهدة المبتلي . أمّا حسين ( بن منصور الحلّاج ) فقد كان مستغرقا في التوجه إلى الأصل . ولهذا لم يتأوّه من جراح البلاء . وأما الأنبياء فقد اعتادوا السير في دروب تحقيق التوحيد ومن هنا استوى عندهم البلاء والنعمة ، إذ عاقبة حالهم مشاهدة الحق . إلا أن ترى أنّ صويحبات يوسف لم يحسسن آلام تقطيع أيديهن عند رؤية يوسف - عليه السلام ؟ » ( فقرة مترجمة بقلمنا من : شرح شطحيات ، ص 386 ) . د - واضح أن أبرز عبارة في هذه القطعة ، من الناحية الشعرية البحتة ، هي قسم الحلّاج بحرمة الودّ ، وهو تعبير أعجب به الشعراء من الصوفية وغيرهم فتابعوه في نظمهم . ومن النماذج الجميلة في هذا المجال قول أبي الحسن الواسطي ( محمد بن علي بن حسن بن أبي الصقر ، ت 498 هـ / 1104 - 5 م ) : وحرمة الود مالي عنكم عوض . .. لأنني ليس لي في غيركم غرض أشتاقكم وبودي لو يواصلني ... لكم خيال ولكن لست أغتمض وقد شرطت على قوم صحبتهم . . . بأن قلبي لكم من دونهم ورضوا ومن حديثي بكم قالوا به مرض . . . فقلت لا زال عني ذلك المرض * فقلت : لا زال عني ذلك المرض( مرآة الزمان لسبط بن الجوزي : أبي المظفر يوسف بن قزأوغلي بن عبد اللّه البغدادي ، ت 654 / 1256 م ، حيدر آباد ، 1951 م ، 8 : 1 : 14 مع ورود « غيركم » في البيت الأول على « عنكم » ) . وقد نقل الصوفية هذه القطعة إلى عالمهم فترنّموا بها وجعلوها من مختاراتهم . ( انظر ذلك في القصد المجرّد في الاسم المفرد لابن عطاء السكندري : الشيخ تاج الدين أبي الفضل أحمد بن عبد الكريم الشاذلي المالكي ، ت 709 هـ / 1309 م ) مطبعة محمد صبيح بمصر ، بلا تاريخ ، ص 62 .
« 259 » [ 35 ] من البسيط : 1 - الحبّ ، ما دام مكتوما ، على خطر * وغاية الأمن أن تدنو من الحذر 2052 - وأطيب الحبّ ما نمّ الحديث به * كالنار لا تأت نفعا وهي في الحجر 2063 - من بعد ما حضر السجّان واج * تمع الأعوان واختّط اسمي صاحب الخبر 2074 - أرجو لنفسي براء من محبتكم ؟ ! * إذا تبرّأت من سمعي ومن بصري 208التحقيق : أ - في البيت الثالث ، سجل ماسينيون « السجّان » على « السحاب » ! ولا يستقيم المعنى إلّا بما ذكرنا ، وسجل « اختّط » على « امتطّ » ! وهو غريب . ب - البيت الثاني الذي يشير إلى إذاعة الحبّ استمتاعا به يذكر بقول أبي نواس المشهور : ألا فاسقني خمرا وقل لي : هي الخمر * ولا تسقني سرّا إذا أمكن الجهر ج - في البراء - في البيت الرابع - إشارة إلى التقية الإسلامية على العموم ، والشيعية على الخصوص ، التي تتمثل هنا في الولاء والبراء باعتباره المبدأ الشيعي المعروف الذي يتصل بالحديث النبوي المشهور : وال من والاه وعاد من عاداه . والحلّاج - بوصفه شيعيا أصلا - يعبّر في البيتين الثالث والرابع عن حدّ التقية الذي يقول : « التقية يحقن بها الدم فإذا بلغت الدم فلا تقية » ( انظر بحثنا : « التقية أصولها وتطورها » الذي نشر في مجلة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية 1962 - 63 ) . د - طرق الصوفية هذا المعنى - فيما يبدو - ووافقوا عليه واستشهدوا بما في معناه ، ونموذج من ذلك يتمثل في بيتين أوردهما لسان الدين الخطيب لشاعر مجهول يقول فيهما : ............................................................................................... [ 35 ] الديوان ، ص 60 عن : مخطوط كوبرولو ، رقم 1620 ، القطعة 2 .
« 260 » والمرء ما دام ذا عين يقلّبها * في أعين الغيد موقوف على خطر يسرّ مقلته ما ضرّ مهجته * لا مرحبا بسرور عاد بالضرر وهو معنى حسّي واضح ، كما لا يخفى ( روضة التعريف ، ص 502 ) . وقد وردت « الغيد » على « العين » ، والتصحيح من المخطوط التالي . وجاءت هذه المقطّعة في المجموع الذي يملكه صديقنا الأستاذ عبد المجيد الملّا ، ببغداد على الوجه التالي : العين ، أصل عناها فتنة النّظر * والقلب ، كلّ أذاه الشّغل بالفكر كم نظرة نقشت في القلب صورة من * راح الفؤاد بها في السّرّ والحضروالمرء ، ما دام ذا عين يقلّبها * في أعين الغيد منصوب على الخطر فالقلب يحسد نور العين إذ نظرت * كم تنظرين ؟ - رماك اللّه بالسّهر ! هذان خصمان لا أرضى بحكمهما * فاحكم - فديتك - بين القلب والبصر ( ورقة 53 أ - ب ) . وألفاظ ومعان مثل هذه ليس فيها نسج الحلّاج ولا قطنه ! وراجع مقطّعة مشابهة لهذه في باب : الأشعار المنسوبة إلى الحلّاج . هـ - والظاهر أن أبا نواس هو الرائد في هذه المعاني وذلك في قوله : يا تاركي جسدا بغير فؤاد ، * أسرفت في هجري وفي إبعادي إن كان يمنعك الزيارة أعين * فادخل عليّ بعلّة العوّاد إن القلوب ، مع العيون ، إذا جنت * جاءت بليّتها على الأجساد أشكو إليك جفاء أهلك ، إنّهم * ضربوا عليّ الأرض بالأسداد ( ديوانه بتحقيق أحمد عبد المجيد الغزالي ، ط ، مطبعة مصر 1953 ، ص 17 ) .
« 261 » [ 36 ] من مخلّع البسيط : 1 - غبت وما غبت عن ضميري * فمازجت ترحتي سروري 2092 - واتّصل الوصل بافتراق * فصار في غيبتي حضوري 2103 - فأنت في سرّ غيب همّي * أخفى من الوهم في ضميري 2114 - تؤنسني بالنّهار حقّا * وأنت عند الدّجى سميري 212التحقيق : أ - في نص ماسينيون ورد البيت الأول على الصورة الآتية : غبت وما غبت عن ضميري * وصرت فرحتي وسروري والشطر الثاني ، مختل كلية ، فاخترنا « فمازجت » من رواية المخطوط بنقل ماسينيون ، مكان « فصرت » وبذلك ينكشف المعنى من غيبة الحبيب وما تعقبه من ترح ، وحضوره في القلب وما يورثه من سرور ، وهكذا أدّى الهجر إلى امتزاج الحزن بالسرور . ب - وإذا صحّت هذه المقدمة - عندنا - ساغ لنا أن نسقط الشطر الأول من البيت الثاني ، من اختيار ماسينيون الذي يقول : « وانفصل الفصل بافتراق » لنختار رواية المخطوط ( قازان ) أيضا ، التي أثبتناها ، وبذلك تتقابل الأضداد من جديد فيتصل الوصل بالافتراق كما تجتمع الغيبة - عن العين - مع الحضور في القلب . ج - تذكر هذه القطعة بالروح الحلّاجية التي تسري في الديوان كلّه . ............................................................................................... [ 36 ] الديوان ، ص 61 عن : تقييد مخطوط قازان ، ص 96 ( البيتان الأولان ، الشطر الأول من البيت الثالث ، الشطر الثاني من البيت الرابع ) ، مخطوط لندن ، ورقة 327 ب ، ( الشطر الأول من البيت الأول ، الشطر الثاني من البيت الثاني ، 3 ، 4 ) . جنيزة ، رقم 11 ( الأبيات 1 - 3 ) .
« 262 » د - أشار ماسينيون إلى أن الحلّاج ، قد صار في هذه القطعة أصلا أخذ منه أبو حيّان التوحيدي ( ت 400 هـ / 1090 م ) بيتا ورد في الصداقة والصديق ( طبع الجوائب ، 1301 ) ، ص 7 . وما في هذا الكتاب مما يوافق المعنى يرد في ص 8 من نصّ المصنف على أنّ « بعضهم » - ولعله هو - قال : أنتم سروري وأنتم مشتكى حزني * وأنتم في سواد الليل سمّاري وبقينها :أنتم ، وإن بعدت عنا منازلكم - * نوازل بين أسراري وتذكاري فإن تكلمت لم ألفظ بغيركم * وإن سكتّ فأنتم عقد إضمار ياللّه جاركم مما أحاذره * فيكم ، وحبّي لكم من هجركم جار وهو معنى صوفي جميل وليس ذلك غريبا على أبي حيّان
« 263 » [ 37 ] من مخلع البسيط : 1 - يا شمس ، يا بدر ، يا نهار * أنت لنا جنّة ونار 2132 - تجنّب الإثم فيك إثم * وخيفة العار فيك عار 2143 - يخلع فيك العذار قوم * فكيف من لا له عذار ؟ ! 215التحقيق : أ - اخترنا « خيفة » في البيت الثاني من هامش ماسينيون الذي نقله من مخطوط لندن ، وأثبت مكانه « وخاصيتّه » ! ب - ألم بنان الحمال الصوفي ( ت 316 هـ / 929 م ) بهذا المعنى في قوله : لحاني العاذلون فقلت : مهلا * فإني لا أرى في الحبّ عارا وقالوا : قد خلعت فقلت : لسنا * بأوّل ضائع خلع العذارا ( طبقات الصوفية للسلمي ، ص 294 ) . [ 38 ] من الخفيف : 1 - أحرف أربع بها هام قلبي * وتلاشت بها همومي وفكري 2162 - ألف تألف الخلائق بالصّن * ع ولام على الملامة تجري 2173 - ثم لام زيادة في المعاني * ثم هاء بها أهيم وأدري 218 ............................................................................................... [ 37 ] الديوان ، ص 62 عن : تقييد ( مخطوط لندن ) ورقة 325 أ ، جنيزة رقم 1 . [ 38 ] الديوان ، ص 63 عن : ابن كردبوس التوزري : اكتفاء ، تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 322 ب ، 325 ب ) مخطوط قازان ، 76 - 77 ، ابن عطاء اللّه : لطائف 2 / 214 ، علي البرهاني : الزهرة المضيئة ، ورقة 180 ، الجميلي : ص 7 ، ابن عجيبة . وانظر أيضا : القصد المجرد في معرفة الاسم المفرد لابن عطاء اللّه السكندري ، مطبعة محمد صبيح ، مصر ، بلا تاريخ ، ص 43 - 44 ، « شعر للحسين بن منصور الحلّاج » تلو طبقات الصوفية للسلمي .
« 264 » التحقيق : أ - واضح أن الحلّاج يشقّق لفظ الجلالة [ - اللّه ] ويفصّل القول على كل حرف فيه على عادة الصوفية مع فواصل القرآن خاصة . ( انظر كتابنا : الصلة بين التصوّف والتشيع ، ط 3 ، 2 / 107 - 110 ) ب - في البيت الثالث ، أثبت ماسينيون الشطر الثاني على : « ثم هاء أهيم بها أتدري » ، وبه يختل الوزن ويضطرب المعنى ، وكذا يختل بالروايات التي أثبتها في الهامش . وصحة النص وردت في كتاب « القصد المجرّد » لابن عطاء اللّه السكندري ( ص 44 ) ، وإن كانت رواية صاحب «شعر للحسين بن منصور الحلّاج» التي تقول : « ثم هاء بها أهيم أتدري ؟ » لها وجه . ج - ذكر ماسينيون : أن أحمد الغزالي ( ت 520 هـ / 1126 م ) شقيق الغزالي الكبير نظم بيتين في هذا المعنى وردا مصحّفين جدا فأصلحناهما إصلاحا جزئيا وهما : ألف تؤلّف للخلائق كلهم * واللام لام اللوم للمطرود والهاء هاء الهم في حبيّ له * والمنتهى للواحد المعبود وإن أبا الحسن الششتري قال في المعنى أيضا : ألف قبل لامين * وهاء قرة العين والذي هاء قلبي فيه هو * الحبيب الذي فنا فيه سرّي وفي هذا الشعر من التصحيف ما لا يمكن تقويمه ، ومن هنا نسجل بعض القطعة كما وردت في ديوانه بتحقيق الدكتور علي سامي النشار ( ص 243 - 4 ) ( وهي من الشعر القريب من العامية ) : أبو الحسن الششتري قال : ( و ) ألف قبل لامين * وهاء قرّة العين ألف لاهوت الاسم * ولامين ( لأمان ) بلا جسم وهاء آية الرسم * تهجّى ( كذا ) سر حرفين تجده اسما بلا أين * حروف كلها تتلى
« 265 » تَرضى (ترى) الْقَلْبُ بهَا يُجْلَى * ويُسْلاَ بَعْدُ ما يُبْلَى ويَدْرَجْ بينَ كَفنين * بِرَمْزَيْنِ رَقِيقَينِ غَرامِي في الْهَوَى قد باح * وفَجْرِي بَعد لَيلَى لاَحْ وصِرْتُ للْوُجُودِ مِصْباح * وشَمْسِ بينَ قَمَرَيْن ولاَ أدْرِي أنا أيْنِي * فَمَعْنَى حِبِّي الأتْقَى بأن أفْنَى بِهِ رِقَّا * وأفْنَى في الْفَنَا حَقَّا فَوَجْدُ بَيْنَ فَقْدَيْنِ * وحَياةٌ في فَنَايينِ مُنَائِي مَنْ بِه هِمْتُ * وقُوتُ الرُّوحِ إِنْ مُتُّ وخَوْفَ الْبَيْنِ أنْشَدْت * مَتَى يا قُرَّةُ الْعَيْنِ نَجِدْ وَصْلاَ بِلاَ أيْنِ د - يبدو أن الحلّاج قصد تشقيق لفظ الجلالة على الوجه التالي : الألف ( - الهمزة ) : لآدم بوصفه أول المخلوقات البشرية . اللّام الأولى : لعزازيل - اسم إبليس الأول - بوصفه موضوع الملامة الأولى . اللّام الثانية : المؤكّدة التي تقلب النفي إلى إثبات . الهاء : للّاهوت الإلهي وهيولي الآدمية اللتين يستحلّا الإنسان كماله من اتحادهما واللّه أعلم .[ 39 ]من البسيط :1 - حقيقة الحقّ تستنير * صارخة « بالنبا خبير » 2192 - حقيقة ( فيه ) قد تجلّت * مطلب من رامها عسير 220 [ 39 ] الديوان ، ص 53 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، 96 ) حقائق التفسير للسلمي ( تفسير 10 : 35 ) « يونس » ، قل : هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ؟ قل : اللّه يهدي للحق ، أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي ؟ فما بالكم ؟ كيف تحكمون ؟ ، جنيزة ، رقم 9 .
« 266 » التحقيق : أ - في البيت الأول - سجّل ماسينيون « تستنير » على « مستنير » وبما أثبتناه يستقيم المعنى . ب - سقطت من ماسينيون كلمة « فيه » ، وذلك في البيت الثاني ، وبإثباتها يستقيم الوزن والمعنى . ج - ذكر ماسينيون أن الشطر الثاني من البيت الثاني مأخوذ من أبي نواس ، فلعله يشير إلى المطلع المشهور : أجارة بيتينا ، أبوك غيور * وميسور ما يرجى لديك عسير ( الديوان ، بتحقيق أحمد عبد المجيد الغزالي ، مصر 1953 م ، ص 480 ) وليس المعنى مما يسرق .
[ 40 ]من البسيط : 1 - وما وجدت لقلبي راحة أبدا * وكيف ذاك ، وقد هيّيت للكدر ؟ ! 2212 - لقد ركبت على التغرير ، وا عجبا * ممن يريد النجا في المسلك الخطر 2223 - كأنّي بين أمواج تقلّبني * مقلّبا بين إصعاد ومنحدر 2234 - الحزن في مهجتي والنار في كبدي * والدمع يشهد لي فاستشهدوا بصري 224 التحقيق : أ - شكّك ماسينيون في نسبة هذه القطعة إلى الحلّاج فوضعها مع المقطّعات التي تمثل بها من أشعار الشعراء السابقين ، ( الديوان ، ص 110 ) . ومع إمكان اطلاق هذا الحكم على كل حرف من هذا الديوان ، ألمّ الحلّاج ............................................................................................... [ 40 ] الديوان ، ص 113 - 114 عن : تكملة تاريخ الطبري للهمداني ( دي كوجيه ، ص 97 ) . وانظر أيضا : الطبعة الثانية بتحقيق ألبرت يوسف كنعان ، بيروت 1961 ، ص 26 ، وهامش صلة عريب ، ص 96 .
« 267 » بالتقلّب بين الأمواج في قطعة أخرى لم يشك ماسينيون في نسبتها إليه ، فلعل وحدة التشبيه تبدّد عن هذه القطعة غيوم الشكّ . أما القطعة الأخرى فتقول : ما زلت أطفو في بحار الهوى * يرفعني الموج وأنحطّ فتارة يرفعني موجها * وتارة أهوي وانغطّ. . . الخ ، ص 70 . ب - التغرير : حمل النفس على الغرر ، وهو الخطر كما في مختار الصحاح . ج - تقسيم الحزن والنار والدمع على المهجة والكبد يذكّر ببيت تمثّل به الشبلي من شعر أبي دلف ( القاسم بن عيسى العجلي ، ت 226 هـ / 840 - 1 ) ويقول فيه :خيالك في عيني وذكرك في فمي * ومثواك في قلبي فأين تغيب( انظر ديوان أبي بكر الشبلي بجمعنا وتحقيقنا ، ص 159 - 160 ) .
[ 41 ]من المنسرح : 1 - قد كنت في نعمة الهوى بطرا * فأدركتني عقوبة البطر 225التحقيق : ذكر ماسينيون أن في البيت طابع أبي العتاهية وجعل البيت مع الشعر المنسوب إلى الحلّاج ، ولم نجد البيت في ديوان أبي العتاهية . ............................................................................................... [ 41 ] الديوان ، ص 108 عن : حقائق التفسير للسلمي ( تفسير آية 23 سورة 39 ) ، « الزمر » -قُلْ : يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ ، إِنِّي عامِلٌ ، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، دراسة في أصول مصطلح التصوف الإسلامي لماسينيون ، باريس ، 1922 ، ص 58 .
« 268 » [ 42 ]الجمع والفرق من البسيط : 1- الجمع أفقدهم - من حيث هم - قدما * والفرق أوجدهم حينا بلا أثر 2262 - فاتت نفوسهم ، والفوت عندهم * في شاهد جمعوا فيه عن البشر 2273 - وجمعهم عن نعوت الرّسم محوهم * عما يؤثّره التلوين في الغير 2284 - والحين حال تلاشت في قديمهم * عن شاهد الجّمع إضمارا بلا صور 2295 - حتى توافى لهم في الفرق ما عطفت * عليهم من علوم الوقت في الحضر 2306 - فالجّمع غيبتهم والفرق حضرتهم * والوجد والفقد في هذين بالنّظر 231النص : في البيت الرابع ، « الحين » في « التعرّف » ، مفتوحة الحاء ولا يستقيم المعنى بها إذ هي الواردة في البيت الأول في حال من وضوح الدلالة على الزمان أو الإحساس به في الحقيقة . وفي هذا الكتاب وردت « حال » على الفعلية ، و « إضمار » - با