تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مختصر
عن مـجاهد فـي قول الله: { ٱلْقَيُّومُ } قال: القائم علـى كل شيء.
عن الربـيع: { ٱلْقَيُّومُ } قـيـم كل شيء، يكلؤه ويرزقه ويحفظه.
عن السدي: { ٱلْقَيُّومُ } وهو القائم.
عن الضحاك: { ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ } قال: القائم الدائم.
عن ابن عبـاس: { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ } السنة: النعاس
عن الضحاك فـي قوله: { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } قال: السنة: الوسنة،
وهو دون النوم، والنوم: الاستثقال.
عن الضحاك: { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } السنة: النعاس، والنوم: الاستثقال.
قال ابن زيد فـي قوله: { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ }
قال: الوسنان: الذي يقوم من النوم لا يعقل، حتـى ربـما أخذ السيف علـى أهله.
وإنـما عنى تعالـى ذكره بقوله: { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } لا تـحله الآفـات، ولا تناله العاهات.
وذلك أن السنة والنوم معنـيان يغمران فهم ذي الفهم، ويزيلان من أصابـاه عن الـحال التـي كان علـيها قبل أن يصيبـاه.
فتأويـل الكلام إذ كان الأمر علـى ما وصفنا: الله لا إله إلا هو الـحيّ الذي لا يـموت،
القـيوم علـى كل ما هو دونه بـالرزق والكلاءة والتدبـير والتصريف من حال إلـى حال،
لا تأخذه سنة ولا نوم، لا يغيره ما يغير غيره،
ولا يزيـله عما لـم يزل علـيه تنقل الأحوال وتصريف اللـيالـي والأيام، بل هو الدائم علـى حال،
والقـيوم علـى جميع الأنام، لو نام كان مغلوبـاً مقهوراً، لأن النوم غالب النائم قاهره،
ولو وسن لكانت السموات والأرض وما فـيهما دكًّا، لأن قـيام جميع ذلك بتدبـيره وقدرته،
والنوم شاغل الـمدبر عن التدبـير، والنعاس يمانع الـمقدّر عن التقدير بوسنه.
عن أبـي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى صلى الله عليه وسلم علـى الـمنبر،
قال: " وَقَعَ فِـي نَفْسِ مُوسَى هَلْ يَنامُ اللَّهُ تَعالـى ذِكْرُهُ؟
فأرْسَلَ اللَّهُ إلَـيْهِ مَلَكاً فَأرَّقَهُ ثَلاثاً، ثُمَّ أعْطَاهُ قارُورَتَـيْنِ، فِـي كُلِّ يَدٍ قارُورَةٌ،
وأمَرَهُ أنْ يَحْتَفِظَ بِهما " قال: " فَجَعَلَ يَنامُ وَتَكادُ يَدَاهُ تَلْتَقِـيَانِ، ثُمَّ يَسْتَـيْقِظُ فَـيَحْبِسُ إحْدَاهُمَا عَنِ الأُخْرَى،
ثُمَّ نَامَ نَوْمَةً فَـاصْطَفَقَتْ يَدَاهُ وَانْكَسَرَتِ القارُورَتَانِ "
وأما قوله: { مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } يعنـي بذلك:
من ذا الذي يشفع لـمـمالـيكه إن أراد عقوبتهم إلا أن يخـلـيه، ويأذن له بـالشفـاعة لهم.
ولا يشفع عندي أحد لأحد إلا بتـخـلـيتـي إياه والشفـاعة لـمن يشفع له، من رسلـي وأولـيائي وأهل طاعتـي.
قال ابن جريج قوله: { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } ما مضى أمامهم من الدنـيا { وَمَا خَلْفَهُمْ } ما يكون بعدهم من الدنـيا والآخرة.
حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } قال: ما بـين أيديهم فـالدنـيا { وَمَا خَلْفَهُمْ } فـالآخرة.
وأما قوله: { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْء مّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء }
فإنه يعنـي تعالـى ذكره أنه العالـم الذي لا يخفـى علـيه شيء مـحيط بذلك كله مـحص له دون سائر من دونه،
وأنه لا يعلـم أحد سواه شيئاً إلا بـما شاء هو أن يعلـمه فأراد فعلـمه. وإنـما يعنـي بذلك
أن العبـادة لا تنبغي لـمن كان بـالأشياء جاهلاً فكيف يعبد من لا يعقل شيئاً البتة من وثن وصنـم،
يقول: أخـلصوا العبـادة لـمن هو مـحيط بـالأشياء كلها يعلـمها، لا يخفـى علـيه صغيرها وكبـيرها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
عن السدي: { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْء مّنْ عِلْمِهِ } يقول: لا يعلـمون بشيء من علـمه إلا بـما شاء هو أن يُعْلـمهم.
{ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ }. اختلف أهل التأويـل فـي معنى الكرسي
عن ابن عبـاس: { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ } قال: كرسيه: علـمه.
عن الربـيع: { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ }
قال: لـما نزلت: { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ }
قال أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم:
يا رسول الله هذا الكرسي وسع السموات والأرض، فكيف العرش؟
فأنزل الله تعالـى:{ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } [الأنعام: 91]
قال ابن زيد: فحدثنـي أبـي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ما السَّمَوَاتُ السَّبْعُ فِـي الكُرْسِيِّ إلاَّ كَدَرَاهِمَ سَبْعَةٍ أُلْقِـيَتْ فِـي تُرْسٍ "
قال: وقال أبو ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" ما الكُرْسِيُّ فـي العَرْشِ إلاَّ كَحَلْقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقِـيَتْ بَـيْنَ ظَهْرَيْ فَلاةٍ مِنَ الأرْضِ "
عن الضحاك، قال: كان الـحسن يقول: الكرسي: هو العرش.
قول ابن عبـاس أنه قال: هو علـمه، وذلك لدلالة قوله تعالـى ذكره: { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } علـى أن ذلك كذلك،
فأخبر أنه لا يؤوده حِفظ ما علـم، وأحاط به مـما فـي السموات والأرض، وكما أخبر عن ملائكته
أنهم قالوا فـي دعائهم:{ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْء رَّحْمَةً وَعِلْماً } [غافر: 7]
فأخبر تعالـى ذكره أن علـمه وسع كل شيء، فكذلك قوله: { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ }.
وأصل الكرسي: العلـم، ومنه قـيـل للصحيفة يكون فـيها علـم مكتوب كُرّاسة،
عن مـجاهد فـي قول الله: { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } قال: لا يَكْرُثُهُ.
عن السدي: { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } قال: لا يثقل علـيه.
قال ابن زيد فـي قوله: { وَلا يَؤُودُه حِفْظُهُمَا } قال: لا يعزّ علـيه حفظهما.
عن ابن عبـاس: { وَلاَ * يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } يقول: لا يثقل علـيه.
. وأما تأويـل قوله: { وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ } فإنه يعنـي: والله العلـيّ.
والعلِـيّ: الفعيـل من قولك علا يعلو علوًّا: إذا ارتفع، فهو عالٍ وعلـيّ،
والعلـيّ: ذو العلوّ والارتفـاع علـى خـلقه بقدرته.
وكذلك قوله: { ٱلْعَظِيمِ } ذو العظمة، الذي كل شيء دونه، فلا شيء أعظم منه.
، عن ابن عبـاس: العظيـم الذي قد كمل فـي عظمته.
واختلف أهل البحث فـي معنى قوله: { وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ } فقال بعضهم:
يعنـي بذلك وهو العلـيّ عن النظير والأشبـاه. وأنكروا أن يكون معنى ذلك: وهو العلـيّ الـمكان،
وقالوا: غير جائز أن يخـلو منه مكان، ولا معنى لوصفه بعلوّ الـمكان لأن ذلك وصفه بأنه فـي مكان دون مكان.
وقال آخرون: معنى ذلك: وهو العلـيّ علـى خـلقه بـارتفـاع مكانه عن أماكن خـلقه،
لأنه تعالـى ذكره فوق جميع خـلقه وخـلقه دونه، كما وصف به نفسه أنه علـى العرش، فهو عالٍ بذلك علـيهم.
وكذلك اختلفوا فـي معنى قوله: { ٱلْعَظِيمِ } فقال بعضهم: معنى العظيـم فـي هذا الـموضع: الـمعظم صرف الـمُفَعَّل إلـى فعيـل،
وقال آخرون: بل قوله: إنه العظيـم وصف منه نفسه بـالعظم.
وقالوا: كل ما دونه من خـلقه فبـمعنى الصغر لصغرهم عن عظمته.