ٱعلِمْ أَيُّهَا ٱلمُحِبُّ..
أَنَّ أَوَّلَ قَدَمٍ يَضَعُهُ ٱلسَّالِكُ فِي سَيرِهِ إِلَىٰ ٱلحَقِّ تَعَالَىٰ هُوَ ٱلظُّهُورُ..
بِمَعَانِي ٱلمُرَاقَبَةِ فَإِنِ ٱنتَفَتْ فَلَا سُلُوكَ لَهُ..
وَٱنتَفَیٰ بِذَلِكَ سَيرُهُ فِي تَبَدُّلِ ٱلصِّفَاتِ وَٱلأوصَافِ..
فَمِنْ دُونِ ٱلمُرَاقَبَةِ.. لَا يَشعُرُ ٱلسَّالِكُ بِٱلتِفَاتِهِ عَنِ ٱلمَقصُودِ..
وَٱلمُلتَفِتُ لَا يَصِلُ أَبَدًا.. لِأَنَّ ٱلمُرَاقَبَةَ تَبدَأُ بِمُحَاسَبَةِ ٱلنَّفسِ
عَلَىٰ تَقصِيرَاتِهَا وَمُخَالَفَاتِهَا حَتَّىٰ يَتَحَقَّقَ ٱلسَّالِكُ بِٱلٱستِقَامَةِ
فَإِذَا تَحَقَّقَتْ بِهَا بَاشَرَ سَيرَهُ بِتَبَدُّلِ أحوَالِهِ..
وَعُبُورِ مَقَامَاتِ ٱلطَّرِيقِ
فَبِدَايَةُ ٱلمُرَاقَبَةِ تَبدَأُ بِٱلنَّفسِ وَبِمَعرِفَتِهَا وَتَزكِيَتِهَا..
وَمِنهَا يَتَشَرَّفُ ٱلعَبدُ بِمُلَاحَظَةِ مَقصُودِهِ
وَيَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَعرِفَتِهِ
حَتَّىٰ يَتَشَرَّفَ بِشُهُودِ أفعَالِهِ وَأسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ
فَٱلمُرَاقَبَةُ هِيَ مُلَاحَظَةُ ٱلحَقِّ تَعَالَىٰ عِندَ كُلِّ شَيءٍ
فَبِٱلمُرَاقَبَةِ تُلَاحِظُ نَفسَكَ وَهِيَ تَرُومُ ٱلوُقُوعَ بِٱلمَعَاصِي
وَبِٱلمُرَاقَبَةِ أَيضًا تَجِدُ ٱلحَقَّ تَعَالَىٰ مُطَّلِعاً عَلَيكَ فَتَرجِعُ إليه بِٱلتَّوبَةِ حَيَاءً مِنهُ .
وَبِٱلمُرَاقَبَةِ حِينَمَا تُسَاقُ إِلَيكَ ٱلنِّعَمُ مِنْ غَيرِ حَولٍ مِنكَ وَلَا قُوَّةٍ
تَجِدُ ٱلحَقَّ تَعَالَىٰ حَاضِرًا فِي قَلبِكَ
بِتَجَلِّيَاتِ ٱسمِهِ ٱلمُنعِمِ
وَبِتَنَاوُلِهَا تَتَجَسَّدُ قُدرَتُهُ تَعَالَىٰ
أَنْ أعطَاكَ قَابِلِيَّةَ تَذَوُّقِهَا وَٱلإحسَاسِ بِطَعمِهَا وَلَذَّةِ تَنَاوُلِهَا
وَبِٱلمُرَاقَبَةِ تَجِدُ كَيفَ ٱنسَاقَتْ تِلكَ ٱلنِّعَمُ إِلَىٰ مِعدَتِكَ
ثُمَّ رَتَّبَ عَلَىٰ ذَلِكَ قُوَّةً فِي جِسمِكَ وَرَبَّىٰ جَسَدَكَ عَلَيهَا
وَأعطَاهُ بِذَلِكَ ٱلتَّمكِينَ وَٱلقُدرَةَ عَلَىٰ ٱلقِيَامِ بِٱلأفعَالِ ٱلَّتِي تَقضِي بِهِا وَطَرَكَ
فَبِٱلمُرَاقَبَةِ تَشهَدُ أَنَّ ٱلفَاعِلَ ٱلحَقِيقِيَّ لِكُلِّ شَيءٍ هُوَ ٱللَّـهُ تَعَالَىٰ
وَلَا فَاعِلَ سِوَاهُ
فَإِذَا قَوِيَتْ هَذِهِ ٱلمَعَانِي فِي قَلبِكَ شَهِدتَ وَحَدَةَ ٱلأفعَالِ
وَصِرتَ مُرَاقِباً لِـلّٰـهِ تَعَالَىٰ فِي كُلِّ شَيءٍ
وَهَكَذَا كُلَّمَا تَقَوَّتِ ٱلمُرَاقَبَةُ يَتَرَقَّىٰ حَالُ ٱلعَبدِ مِنْ مَقَامٍ إِلَىٰ آخَرَ
حَتَّىٰ يَتَشَرَّفَ بِمُعَايَنَةِ جَمَالِ ٱلأَسمَاءِ وَٱلصِّفَاتِ
فَإِذَا ٱزدَادَ ٱلتَّمكِينُ وَغَابَ ٱلقَلبُ عَمَّا سِوَىٰ ٱللَّـهِ تَعَالَىٰ
شَاهَدَ ٱلعَبدُ أَنَّهُ تَعَالَىٰ خَالِقُهُ وَخَالِقُ أفعَالِهِ
وَهَذِهِ مَرتَبَةٌ ذَوقِيَّةٌ
قَدْ أعطَاهَا ٱلحَقُّ تَعَالَىٰ لِأَهلِ ٱلعِنَايَاتِ وَٱلنُّفُوسِ ٱلقُدُسِيَّةِ
فَٱنظُرْ إِلَىٰ كَمَالَاتِ ٱلمُرَاقَبَةِ ٱلَّتِي تَأتِي مِنَ ٱلٱستِقَامَةِ
وَمِنَ ٱلدَوَامِ عَلَىٰ ٱلذِّكرِ فَمِنْ دُونِهَا لَا سَيرَ وَلَا سُلُوكَ
فَٱنتَبِهْ لِنَفسِكَ أَيَّهَا ٱلمُحِبُّ فَإِنَّ ٱلمُرَاقَبَةَ مِنْ أَعَظمِ لَوَازِمِ ٱلطَّرِيقِ وَأركَانِهِ .
وفقنا الله وإياكم إلى ما فيه رضاه
ببركة حبيبه ومصطفاه
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله عدد كمال الله وكما يليق بكماله.
الصافى المحمدى