العزوبية والعلم
العزوبية هى بقاء الذكر أو الأنثى بدون زواج طول العمر وهو أمر محرم لأن الله أمر بالزواج حيث قال :
" وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإماءكم"
وقال :
" فأنكحوا ما طاب لكم من النساء "
ولكن الله أباح لمن ترغب من النساء بعد الطلاق أو الترمل البقاء قاعدات أى بدون زواج حيث قال سبحانه :
"والقواعد من النساء اللاتى لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم"
وفى التاريخ المعروف فى صفحات الكتب نجد أن بعض كبار الفقهاء لم يتزوجوا ولو مرة واحدة فى حياتهم فمثلا :
تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النُّمَيْرِيُّ الْحَرَّانِيُّ المشهور باسم اِبْنُ تَيْمِيَّةَ نجد أن الذهبي قال فى ترجمته فى سير أعلام النبلاء(ص10) :
” له شهامة وقوة نفسٍ توقعه في أمورٍ صعبةٍ، ويدفع الله عنه، وله نظمٌ قليلٌ وسطٌ، ولم يتزوج ولا تسرى ”
ونجد الزمخشرى أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري صاحب تفسير الكشاف لم يتزوج
وأيضا الرازى الطبيب والذى قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء:
” الأستاذ الفيلسوف أبو بكر، محمد بن زكريا الرازي الطبيب، صاحب التصانيف، من أذكياء أهل زمانه، وكان كثير الأسفار، وافر الحرمة، صاحب مروءة وإيثار ورأفة بالمرضى، وكان واسع المعرفة، مكبا على الاشتغال، مليح التأليف"
وكذلك الرازى المفسر أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين بن علي الرازي، الطبرستاني المولد، القرشي، التيمي البكري النسب، الشافعي الأشعري الملقب بفخر الدين الرازي وابن خطيب الري وسلطان المتكلمين وشيخ المعقول والمنقول"
السؤال الذى يفرض نفسه :
لماذا لم يتزوج هؤلاء ؟
والفرض المطروح هو :
الشغف العلمى فهؤلاء لهم مؤلفات كثيرة واهتمامات كثيرة فابن تيمية مثلا كان منشغلا بالجهاد ووعظ الحكام والرازى الطبيب كان قائما على عدة مشافى وألف كتبا كثيرة فى مجالات متعددة
بالطبع الفرضية تتعارض مع تكنية كل واحد من هؤلاء بابن فابن تيمية هو أبو العباس والزمخشرى هو أبو القاسم والرازى الطبيب أبو بكر والرازى المفسر أبو عبد الله
والكنيات هى لا تتفق مع الأسماء التى تطلق على البعض وإن لم يكن له ولد مثل أبو على لمن اسمه حسن وأبو عوف لمن اسمه عبد الرحمن فمثلا أبو القاسم تطلق على من اسمه محمد(ص) لأن للنبى(ص) ولد تاريخيا مات وهو صغير اسمه القاسم
ونجد أن ابن تيمية يقدم الجهاد وطلب العلم على الزواج حيث قال :
" وإن احتاج الإنسان إلى النكاح ، وخشي العنت بتركه : قدمه على الحج الواجب وإن لم يخف : قدم الحج ونص الإمام أحمد عليه في رواية صالح وغيره ، واختاره أبو بكر وإن كانت العبادات فرض كفاية ، كالعلم والجهاد : قدمت على النكاح إن لم يخش العنت " نقلا عن كتاب الاختيارات لأبي العباس البعلي (175)
ونجد أن الزمخشرى لا يوجب الزواج على المسلم حيث قال فى تفسيره:
"وعند أصحاب الظواهر : النكاح واجب ومما يدلّ على كونه مندوباً إليه قوله صلى الله عليه وسلم :
( 750 ) ( من أحب فطرتي فليستنّ بسنتي وهي النكاح ) وعنه عليه الصلاة والسلام :
( 751 ) ( من كان له ما يتزوج به فلم يتزوج فليس منا ) وعنه عليه الصلاة والسلام :
( 752 ) ( إذا تزوج أحدكم عجّ شيطانه : يا ويله ، عصم ابن آدم مني ثلثي دينه ) وعنه عليه الصلاة والسلام :
( 753 ) ( يا عياض لا تزوجنّ عجوزاً ولا عاقراً ، فإني مكاثر ) والأحاديث فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم والآثار كثيرة وربما كان واجب الترك إذا أدّى إلى معصية أو مفسدة
وعن النبي صلى الله عليه وسلم :
( 754 ) ( إذا أَتَى عَلَى أُمَّتي مائةَ وثمانون سنةً فقدْ حلّت لهُمْ العزوبةُ والعزلةُ والترهبُ علَى رؤوسِ الجبالِ )
وفي الحديث :
( 755 ) ( يأتي على الناسِ زمانُ لا تنالُ فيه المعيشةُ إلاّ بالمعصيةِ ، فإذا كانَ ذلكَ الزمانُ حلّت العزوبة ) "
وكذلك الرازى لا يرى الزواج واجبا حيث قال فى تفسيره :
"المسألة الخامسة قال الشافعي الناس في النكاح قسمان منهم من تتوق نفسه في النكاح فيستحب له أن ينكح إن وجد أهبة النكاح سواء كان مقبلاً على العبادة أو لم يكن كذلك ولكن لا يجب أن ينكح وإن لم يجد أهبة النكاح يكسر شهوته لما روى عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء أما الذي لا تتوق نفسه إلى النكاح فإن كان ذلك لعلة به من كبر أو مرض أو عجز يكره له أن ينكح لأنه يلتزم ما لا يمكنه القيام بحقه وكذلك إذا كان لا يقدر على النفقة وإن لم يكن به عجز وكان قادراً على القيام بحقه لم يكره له النكاح لكن الأفضل أن يتخلى لعبادة الله تعالى وقال أبو حنيفة النكاح أفضل من التخلي للعبادة وحجة الشافعي وجوه أحدها قوله تعالى وَسَيّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيّا مّنَ الصَّالِحِينَ ( آل عمران 39 ) مدح يحيى عليه السلام بكونه حصوراً والحصور الذي لا يأتي النساء مع القدرة عليهن ولا يقال هو الذي لا يأتي النساء مع العجز عنهن لأن مدح الإنسان بما يكون عيباً غير جائز وإذا ثبت أنه مدح في حق يحيى وجب أن يكون مشروعاً"
ومن ثم نجد أن هناك تعارض بين تكنية هؤلاء وبين رأيهم فى عدم فرضية الزواج على المسلم والمسلمة
ونجد أن من المشهورين القدامى من رفض الزواج حتى لا يتسبب فى انجاب أولاد يجني عليهم كما جنَى أبوه عليه:
هذا ما جناه على أبى وما جنيت على أحد
وفى تَركُه الزواج قال:
أنَا لِلضَّرورةِ في الحياةِ مُقارِنٌ
ما زِلتُ أَسبَحُ في البِحَارِ المُوَّجِ
وضَرورةٌ من شِيمتَين لِأنَّني
مذ كُنتُ لم أَحجُجْ ولم أتزوَّجِ
مِن مَذهَبي ألا أَشُدَّ بِفِضَّةٍ
قَدَحِي ولا أُصغِي لِشَربِ مُعوَّجِ
لكنْ أُقضِّي «مُدَّتي» بِتَقنُّعٍ
يُغْنِي وأَفرَحُ بَاليَسيرِ الأَروَجِ
وتحدث المعرى عن كون الزواج شر فقال :
أشْدُدْ يدَيْكَ بما أقـو لُ، فقَولُ بعضِ النّاسِ دُرُّ
لا تَدنُوَنّ مِنَ النّسـا ءِ، فإنّ غِبّ الأرْيِ مُرّ
والباءُ مثلُ البَاء، تَخـ ـفِضُ للدّناءَةِ أوْ تَجُرّ
سَلِّ الفؤادَ عن الـحَيا ةِ، فإنّها شَــرٌّ وشُرّ
قدْ نلتَ منها ما كَفا كَ، فما ظفِرْتَ بما يَسُرّ
صَدَفَ الطّبيبُ عن الطّعا مِ، وقال: مأكلُهُ يَضُرّ
وأما المحدثون فنجد بعض من المشاهير الذى شغفوا بالعلم كعباس محمود العقاد لم يتزوجوا مع رغبتهم فى الزواج فالعقاد كما يقول نقاده فى رواية سارة عبر عن حبه ورغبته فى الزواج من مى زيادة وهى رواية قرأتها فى سن الشباب الأول وبدت لى أنها حكاية معقدة وفى النهاية لم يتزوجها ولم يتزوج غيرها
ونجد أيضا الجغرافى جمال حمدان صاحب كتاب شخصية مصر عاش وحيدا ولم يتزوج وأيضا الكاتب العلمى عبد المحسن صالح الأستاذ بكلية العلوم
هؤلاء كما يقال لم يتزوجوا بسبب شغفهم بالعلم وانصرافهم عن النساء
وبالطبع تلك النصوص من تلك الكتب ومن وجهات النظر تتناقض مع كتاب الله تتناقض مع أمر الله كل المسلمين القادرين على الزواج ماليا بالزواج فى قوله سبحانه :
"فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت إيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا"
وقال :
" وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم"
والمستثنى فقط من الزواج هو :
من ليس لديه غنى أى من ليس لديه مال يتزوج به سواء من الحرات أو من الإماء كما قال سبحانه :
"وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله"
وبين الله للمؤمنين وجوب زواج من ليس لديه مهر الحرائر أن يتزوج من الإماء إن كان معه مهرهن وهو نصف مهر الحرات حيث قال :
" ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وأتوهن أجورهن بالمعروف"
العلم أو الجهاد أو الدعوة لا يمنع أيا منهم المسلم من الزواج ولو كان معانها لوجب أن يكون خاتم النبيين (ص) والرسل(ص) قبله غير متزوجين لأنهم أكثر انشغالا من أى واحد من بقية المسلمين بالدعوة والجهاد والعلم
وأما تفسير حصورا بأنه المتبتل المنقطع عن الزواج فهو تفسير يكذب كتاب الله فيحيى(ص) كان متزوجا ومنجبا لأولاد ككل الرسل (ص) حيث قال الله أن كلهم تزوج وكان ذرية حيث قال :
"ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية"
وطبقا للآية فعيسى(ص) نفسه تزوج وأنجب وهو ما ينفيه البعض آخذا ذلك من العهد الجديد وليس فى العهد الجديد نص يقول أن المسيح(ص) تزوج أو لم يتزوج
وقد صدرت عدة روايات فى العصر الحديث منها رواية الاغراء الأخير للمسيح(ص) لنيكوس كازنتزاكس ورواية اسمها شفرة دافنشى لدان براون تحكى عن وجود نسل للمسيح (ص) من زواجه بمريم المجدلية وهى مبنية على رواية إنجيل غير قانونى يسمونه إنجيل فيليب موجود فى المكتبة البريطانية لذلك الزواج كما أن هناك كما يقولون وثيقة عثر عليها فى نجع حمادى تتحدث عن زواجه باثنتين
وأيضا استنتج بعضهم من مثل العذارى العشر الموجود فى العد الجديد أن المسيح(ص) تزوج بالخمس الحكيمات فى المثل وهو :
«حِينَئِذٍ يُشَبَّهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ بِعَشْرِ عَذَارَى أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَانْطَلَقْنَ لِمُلاقَاةِ الْعَرِيسِ وَكَانَتْ خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٍ، وَخَمْسٌ جَاهِلاتٍ فَأَخَذَتِ الْجَاهِلاتُ مَصَابِيحَهُنَّ دُونَ زَيْتٍ وَأَمَّا الْحَكِيمَاتُ، فَأَخَذْنَ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ زَيْتاً وَضَعْنَهُ فِي أَوْعِيَةٍ وَإِذْ أَبْطَأَ الْعَرِيسُ، نَعَسْنَ جَمِيعاً وَنِمْنَ وَفِي مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، دَوَّى الْهُتَافُ: هَا هُوَ الْعَرِيسُ آتٍ؛ فَانْطَلِقْنَ لِمُلاقَاتِهِ! فَنَهَضَتِ الْعَذَارَى جَمِيعاً وَجَهَّزْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَقَالَتِ الْجَاهِلاتُ لِلْحَكِيمَاتِ: أَعْطِينَنَا بَعْضَ الزَّيْتِ مِنْ عِنْدِكُنَّ، فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ! فَأَجَابَتِ الْحَكِيمَاتُ: رُبَّمَا لَا يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ فَاذْهَبْنَ بِالأَحْرَى إِلَى بَائِعِي الزَّيْتِ وَاشْتَرِينَ لَكُنَّ! وَبَيْنَمَا الْعَذَارَى الْجَاهِلاتُ ذَاهِبَاتٌ لِلشِّرَاءِ، وَصَلَ الْعَرِيسُ، فَدَخَلَتِ الْعَذَارَى الْمُسْتَعِدَّاتُ مَعَهُ إِلَى قَاعَةِ الْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ الْبَابُ وَبَعْدَ حِينٍ، رَجَعَتِ الْعَذَارَى الأُخْرَيَاتُ، وَقُلْنَ: يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، افْتَحْ لَنَا! فَأَجَابَ الْعَرِيسُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ: إِنِّي لَا أَعْرِفُكُنَّ! فَاسْهَرُوا إِذَنْ، لأَنَّكُمْ لَا تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلا السَّاعَةَ!» سفر متى
وكلمة سيد تطلق على المسيح (ص) فى العهد الجديد كثيرا
وهذا الاستنتاج فى الغالب غير صحيح وآية زواج الرسل(ص)كلهم وإنجابهم جميعا صريحة فى زواج المسيح(ص) ويحيى(ص) وفى وجوب زواج المسلمين ولو مرة واحدة فى العمر طالما كان لديه مال للزواج
والغريب أن الله اعتبر الرهبانية ومنها التبتل وهو الانقطاع عن الزواج بدعة لم يكتبها على الناس حيث قال :
" ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم"
وهو ما يعنى العزوبية كاختيار حياة مع القدرة على الزواج
ونجد أن الروايات التى استدلوا بها العزوبية هناك روايات تتعارض مع روايات اصح منها عند أهل الحديث وهى أحاديث النهى عن التبتل مثل :
رَدَّ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى عُثْمَانَ بنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، ولو أذِنَ له لَاخْتَصَيْنَا.صحيح البخاري الرقم 5073
رَدَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ علَى عُثْمَانَ بنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، ولو أَذِنَ له لَاخْتَصَيْنَا صحيح مسلم الرقم : 1402
عن أنس أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش! فحمد الله وأثنى عليه فقال: ما بال أقوام قالوا: كذا و كذا؛ ولكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"رواه البخارى ومسلم بألفاظ مختلفة
والغريب في الروايات التى ذكرها الزمخشرى أن فيها رواية تجعل الأعزب القادر على الزواج من غير المسلمين بالقول" من كان له ما يتزوج به فلم يتزوج فليس منا"
وهو ما يعنى كفر الأعزب الذى لديه مال للزواج ولا يتزوج