الصوفية تظهر من جديد في السعودية التاريخ :
الصوفية تظهر من جديد في السعودية
فايزة صالح أمباه، واشنطن بوست
أمسك الشاب بالميكروفون
وبدأ بغناء قصيدة تمتدح الرسول
في ذكرى مولده وهو متربع على الأرض
يعتمر قبعة برتقالية وبيضاء.
وكان الرجال الذين حضروا المولد
يجلسون على سجادات ملونة،
ويتمايلون إلى الأمام والى الخلف،
فيما جلست النساء في الطابق العلوي
يراقبون ما يحدث على شاشة عرض،
ويمررون لبعضهن صناديق المناديل لتجفيف دموعهن.
وكانت الموالد التي يعود تاريخها
إلى قرون من الزمن، تعتبر حتى وقت قريب،
ضربا من ضروب الزندقة
من طرف المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية،
التي يسيطر عليها الوهابيون.
لكن أجواء جديدة ظهرت مؤخرا شجعت التسامح الديني،
مما فسح المجال للصوفية وأخرج الصوفيين وشعائرهم إلى العلن.
ويقول المحللون وبعض الصوفيين
إن ردة الفعل على أحداث الحادي عشر من سبتمبر،
كانت السبب الذي جعل التغيير ممكنا.
فعندما علم العالم أن 15 من بين 19 انتحاريا
نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانوا سعوديين،
أصبح المذهب الوهابي
الذي منع جميع المذاهب الأخرى من الظهور،
محل انتقاد شديد داخل البلد وخارجه.
لكن السماح للصوفيين بممارسة شعائرهم
ربما كان أكثر المظاهر الملموسة لهذا التغيير.
ويقول سيد حبيب عدنان،
وهو أستاذ صوفي يبلغ 33 عاما: "
إن أحد فوائد أحداث الحادي عشر من سبتمبر
أنها أوقفت ممارسة الوهابيين
لتكفير كل من لا يتبع المذهب الوهابي بشكل دقيق."
وقد أدركت الحكومة أن فرض معتقد ديني واحد
على جميع المذاهب الأخرى ليس فكرة جيدة."
ويقول عدنان الذي جاء إلى السعودية
من بلده الأصلي اليمن قبل أربع سنوات،
إن التجمعات الصوفية كانت تتم في الخفاء،
وفي بعض الأحيان داخل بساتين خارج المدينة،
أو في سراديب، ومن دون مكبرات للصوت،
خوفا من جذب الانتباه. "
ولم يكن بإمكاني ارتداء هذا الزي."
في إشارة إلى ما يتديه على رأسه،
والى الرداء الأبيض القطني.
أو كنت سأنعت بالصوفي،
وهي كلمة لم يكن بالإمكان نطقها على الملأ.
إنها كلمة خطيرة تماما كالمخدرات.
كانت الصوفية في السابق منتشرة
في الحجاز الجزء الغربي من السعودية،
التي تضم مكان مولد الرسول، مكة،
والمكان الذي دفن فيه، المدينة،
ومدينة جدة التي تقع على البحر الأحمر.
ويصلي المسلمون غالبا في الأماكن المقدسة
حيث مدافن بنت النبي فاطمة،
وزوجته خديجة، وصحابته.
وكانت الموالد مسألة عامة،
تخرج فيها مدن بأكملها إلى الشوارع
حيث تقام الاحتفالات
بمولد الرسول وبالإسراء والمعراج.
بيد أن آل سعود الذين حكموا الحجاز
في العشرينيات من القرن الماضي
منعوا الموالد واعتبروها
شكلا من أشكال الارتداد عن الإسلام،
وهدموا المقامات التاريخية ل
خديجة وفاطمة وللصحابة،
خوفا من أن تؤدي إلى عودة الوثنية.
وسلمت الشؤون الدينية في المناطق المختلفة
التي أصبحت تعرف بالسعودية في 1932،
إلى الوهابيين.
واشتد التمييز ضد الصوفيين
بعد أن سيطر المتطرفون من الوهابيين
على الجامع الكبير في مكة عام 1979،
مطالبين بتطبيق إسلام أكثر تشددا في المملكة.
ومع أن الحكومة قمعت الانتفاضة وأعدمت جميع قادته،
إلا أنها سمحت للوهابيين
بالمزيد من السلطة في الشؤون الدينية.
ولم يمض وقت طويل حتى أصدر رجال الدين
فتوى يكفرّون فيها محمد علوي مالكي،
الزعيم الروحي للصوفية.
وقد أقيل مالكي من وظيفته كمدرس،
ومنع من إعطاء الدروس في الجامع الكبير،
حيث كان أبوه وجده يدرسون،
واستجوبته شرطة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ووزارة الداخلية.
وتعرض مالكي فيما بعد لاعتداء
قام به شبان متطرفون،
ولم يعد يصلي في المسجد إلا في ظل حماية مسلحة.
في غضون ذلك،
انتشرت شرائط وكتيبات
تصف الصوفيين بمحبي القبور،
وبالكفار الخطرين الذين يتوجب إيقافهم
قبل أن يعودوا إلى نشاطهم. فقد هوجمت صالوناتهم،
وتم توقيف الأشخاص
الذين يحملون منشورات صوفية
وإيداعهم السجن.
لكن الأمور تغيرت في 2003
مع الأجواء التي سادت
عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر،
عندما عقد الملك عبد الله
الذي كان آنئذ وليا للعهد سلسلة اجتماعات
كانت بمثابة اعتراف
بالأقليات المذهبية والمدارس الفكرية
. وكان القائد الصوفي مالكي من بين الضيوف.
وعندما توفي مالكي في السنة التالية،
حضر وزيرا الداخلية والدفاع جنازته.
وتم بذلك إعادة الاعتراف بإرثه كاملا.
ويقول واصف قابلي،
وهو رجل أعمال يبلغ 59 عاما، "إننا ترقينا حينئذ من كفار إلى أشخاص جهلة يمارسون دينهم على نحو خاطئ."
بيد أن العديد من الصوفيين
يقولون إنه رغم المظاهر الخارجية،
لا يزال الوهابيون يهدمون مقاماتهم
في أماكنهم المقدسة وحولها،
وتهاجم تجمعاتهم وتمنع أدبياتهم.
وينظر الوهابيون والصوفيون
إلى الإسلام من وجهات نظر مختلفة.
فالوهابيون يرون أن
علاقة المؤمن بربه تكون مباشرة،
ويعتبرون مدائح النبوية التي يغنيها الصوفيون
وتوسلهم إلى الرسول وآله وصحبه
بمثابة طلبهم لواسطة في علاقتهم مع الله.
ويرد الصوفيون بأن النبي نفسه
احتفل بعيد ميلاده بصوم أيام الإثنين،
وأنه قال بنفسه إنه يشفع للمسلمين عند الله،
وأن الرسول كان يزور
غالبا قبور زوجاته وصحبه في الليل.
وفي الشهر الماضي،
وبمناسبة مولد الرسول
تجمع أكثر من ألف شخص
للاحتفال في مسكن خاص.
وكانت كتب الصوفية
وأشرطتهم تباع في زاوية
خارج حديقة المنزل حيث أقيم الاحتفال.
وكان عدنان، المعلم الصوفي،
أحد أربع متحدثين وجهوا كلامهم للجمهور.
وسأل عدنان:
إلى متى سيبقى الصوفيون دوما في موقع دفاعي؟
فلا أحد يطالب محبي كرة القدم
بدليل ديني يبرر تجمعهم في الاستناد.
ويضيف: كيف يطلب منا دوما
تقديم شرح عن سبب إخلاصنا للرسول؟
ويقول محمد جستنية
الذي جذبته الصوفية
مؤخرا إن ما أعجبه في الصوفية
هو التركيز الكبير على الله.
ويضيف أن الإسلام الذي تعلمه قبل ذلك
"كان جسدا بلا روح. والصوفية هي الروح.
والصوفية ليست دينا بديلا
– بل تحتوي جميع المسلمين."
ويبدو أن أفكار الصوفيين
بدأت بالانتشار حتى في أماكن نائية.
وكان سلمان العودة،
أكثر رجال الدين الأصوليين شهرة
في السعودية،
والذي سجن في التسعينيات لمعارضته
وجود القوات الأميركية في المملكة،
قد قبل دعوة لحضور مولد
أقامه رجل دين صوفي الأسبوع الماضي.
وكانت أجواء اللقاء إشارة واضحة
على الوفاق بين الطرفين.