لقد أعز الله بالإسلام قوماً لم يعبً الناس بهم فى يوم من الأيام ، لأنهم لم يكونوا من ذوى الحسب والنسب فيهم ، أو لأنهم لم يكونوا من أهل الثراء والغنى ، أو لم يكونوا من ذوى البأس والقوة والمنعة .
وذلك لأن الإسلام هو الدين الذى فطر الله الناس عليه وجعله منهجاً لحياتهم وميزاناً يتعاملون به فيما بينهم .
وهذا الدين سوّى بين الناس جميعاً ، فليس لأحد فضل على أحد وليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى .
سيدنا بلال بن رباح واحد من أولئك الذين أعزهم الله بالإسلام فكانوا سادة وهم عبيد ، بل فاقوا السادة بحسن إسلامهم وعظيم جهادهم فى نصرة الحق ودحض الباطل .
وسيرة سيدنا بلال رضى الله عنه من أحمد السير وأبعدها عن القيل والقال أو عن شبهات تثار فقد كان مثال الخلق الفاضل والكمال الوافر ، كان طاهر القلب نقلا السريرة ، لا يحمل فى قلبه ضغناً لأحد ولا يتكلم إلا بالخير ، ولا يأتى من الأعمال إلا ما كان نافعاً ، لا يعرف غير الجد والعمل ، ولا تراه إلا متعبداً أو مجاهداً .
لقد كان رضى الله عنه ذا بشرة سوداء على طبع صاف وقلب أبيض ، يرى الناس وجوه أعمالهم فيه .
وكان شديد الحب لسيدنا رسول الله وكان هذا الحب هو لب الحياة عنده ، وعاش ومات وهو لا يرجو فى دنياه ولا بعد موته إلا أن يكون بجوار سيدنا رسول الله وينعم برضاه .
وما كان له من علاقة تربطه بهذا الكون العظيم إلا وهى فى جانب منها علاقة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد عرف النبى هذه الخصال الطيبة فيه فأقامه فى موضع الثقة وائتمنه على مال المسلمين وعلى طعامه ومؤنته وشخصه ، واستصحبه فى غزوه وحجه وحله وترحاله أسلمه العنزة - العصا التى كان يضعها سيدنا رسول الله أمامه فى الصلاة حتى لا يمر أحد بين يديه – يحملها بين يديه أيام العيد والإستسقاء . ولم يدخل معه صلى الله عليه وسلم الكعبة بعد فتح مكة غير عثمان بن طلحة صاحب مفاتيحها ، وأسامة بن زيد مولاه ، وبلال بن رباح .
لقد بادر إلى الإسلام إبان ظهوره ، ولقى من المشركين أذى لا يتصوره خيال ، ومع ذلك كان ثابتاً على إيمانه يعبّر عنه بأعظم كلمة لهج بها الموحدون " أحد احد " .
إنه لا يعطيهم سؤالهم أبداً فقد كانوا يقولون : اذكر آلهتنا بخير ، قل فى محمد كلاماً نعلم به أنك قد فارقت دينه ، فيقول : إن لسانى لا يحسنه . مع أن النبى كان يقول له : إن قالوا فقل ، إشفاقاً عليه ورحمة به ، ولكن أبى عليه إيمانه الذى ملأ كيانه أن يفعل.