{ فتبسم } التبسم أول الضحك وهو مالا صوت له أي تبسم حال كونه { ضاحكا من قولها } شارعا في الضحك من قولها وآخذا فيه أراد انه بالغ فى تبسمه حتى بلغ نهايته التي هي أول مراتب الضحك من قولها وآخذا فيه على معنى تبسم متعجبا من حذرها وتحذيرها واهتدائها إلى مصالحها ومصالح بنى نوعها فان ضحك الأنبياء التبسم والإنسان إذا رأى أو سمع مالا عهد له به يتعجب ويتبسم .
قال بعضهم ضحك سليمان كان ظاهره تعجبا من قول النملة وباطنه فرحا بما أعطاه الله من فهم كلام النملة وسرورا بشهرة حاله وحال جنوده في باب التقوى والشفقة فيما بين أصناف المخلوقات فان لا يسر نبي بأمر دنيا وإنما كان يسر بما كان من أمر الدين .
وروى انها احست بصوت الجنود ولم تعلم أنهم في الهواء أو على الأرض ولذا خافت من الحطم فأمر سليمان الريح فوقفت لئلا يذرن حتى دخلن مساكنهن و قوله سبحانه :" وهم لا يشعرون " يدل على أن سليمان وجنوده كانوا ركبانا ومشاة على الأرض ولم تحملهم الريح لان الريح لو حملتهم بين السماء والأرض ما خافت النمل ان يطئوها بأرجلهم .
ولعل هذه القصة كانت قبل تسخير الله الريح لسليمان .
وروي السلمي في طبقات الصوفية :
سمعت أبا الحسن السلامى يقول: تكلمت النملة بعشرة أجناس من الكلام نادت, ونبهت, وسمعت, وأمرت ونصت وجددت, وخصت, وعمت, وأشارت وعذرت:
أما النداء : فـ " يا "
وأما التنبه : فـ " يا أيها " .
وأما سمعت : فقولها " النمل " .
وأما أمرت : فقولها " أدخلوا " .
وأما نصّت : فقولها " مساكنكم " .
وأما جددت : فقولها " لا يحطمنكم " .
وأما خصت : فقولها " سليمان " .
وأما عمت : فقولها " وجنوده " .
وأما أشارت : فقولها " وهم " .
وأما عزرت : فقولها " لا يشعرون " .
وأدت خمس حقوق: حق الله, وحقًا له, وحقًا لها, وحقًا لكم:
فحق الله: أنها استرعيت على النمل فرعتهم .
وأما حقًا له : فأدت حق سليمان في تنبيهه على حق النمل .
وأما حق لها : فأنها أسقطت حق الله عنها في تضحيتها لهم .
وأما حق لهم : فإنها نصحتهم حتى دخلوا مساكنهم .
وأما حق لكم : فللخلق جميعًا في استرعاء من رعاه الله حقه وحفظ ذلك عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ".
وقال :سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا بكر الحواس قال: سمعت محمد بن على الترمذى ( يعني الحكيم الترمذي ) يقول: لم يضحك سليمان في عمره إلا مرتين مرة يوم أُخذ الضحاك, ومرة حين أشرف على واد النمل .
قال الجنيد رحمه الله: قال سليمان عليه السلام لعظيم النمل لم قلت للنمل: ادخلوا مساكنكم, أخفت عليهم منى ظلمًا؟ قال: لا, ولكن خشيت أن يفتنوا بما يروا من ملكك فيشغلهم ذلك عن طاعة ربهم.
يقول ابن عربي في فتوحاته عن أمم أمثالكم :
محجوبين في عين الجمع المطلق. والظاهر أن المراد أنهم أمم أمثالكم مربوبون بما احتاجوا إليه من معايشهم, مكفيون مؤنتهم بتقدير من الله وحكمه.
ما قصرنا في كتاب اللوح المحفوظ من شيء يصلحهم بل أثبتنا فيه أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم وكل ما احتاجوا إليه, {ثم إلى ربّهم يحشرون} لجزاء أعمالهم كما هو مروي في الحديث من حشر الوحوش, وقصاص الأعمال بينهم, وكل واحدة منها آية لكم تعرف بها أحوالكم وأرزاقكم وآجالكم وأعمالكم, فاعتبروا بها ولا تصرفوا هممكم ومساعيكم في طلب الرزق وإصلاح الحياة الدنيا فتخسروا أنفسكم وتضرّوها وتشقوا بها في آخرتكم.
المصادر :
التفاسير الصوفية : ابن عربي ـ حقي ـ البقلي ـ التستري .
طبقات الصوفية : أبي عبد الرحمن السلمي .
الفتوحات المكية : الشيخ الأكبر .
الموسوعة العلمية .
الدرويش