مبحث صوفي : ( آدم ) في اصطلاح الشيخ الأكبر ابن عربي
تقول الدكتورة سعاد الحكيم :
" إن ( آدم ) عند ابن عربي هو تلك الشخصية التي سبق الكلام عليها في القرآن .
ولكنه يفارق شخصه المحدد في زمان ومكان معينين لينفرد بأنه رمز للحقيقة الإنسانية ، وللإنسان الكامل ....
الذي جمع في حقيقته كل الحقائق المنتشرة في الأكوان
فهو ( الكون الجامع ) وهو ( روح العالم ) وهو ( خليفة الله في الأرض ) وهو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني .
يقول ابن عربي : " لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، وإن شئت قلت :
أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كله ...
أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه ، فكان كمرآة غير مجلوة ...
فآقتضى الأمر جلاء مرآة العالم ، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة ... فسمي هذا المذكور ( آدم ) إنساناً وخليفة "
ويقول : " فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني " ...
" آدم هو صفة الذكورية الفاعلة في مقابل الأنثى المنفعلة ( حواء ) ، ومحل الإجمال بالنسبة لمحل التفصيل ( حواء ) ...
يقول ابن عربي : " آدم لجميع الصفات ، وحواء لتفريق الذوات ، إذ هي محل الفعل والبذر " .
" في حين يتبوأ ( آدم ) في المعنى السابق مرتبة الإجمال في مقابل ( حواء ) مرتبة التفصيل ، نرى هنا أنه يظهر في مرتبة التفصيل في مقابل
( محمد ) الذي له الجمع ... يقول ابن عربي : " محمد للجمع ، وآدم للتفريق " .
كما يفرد الشيخ الأكبر الصفحات في كلامه على البسملة ، ليبين كيف أنها تبدأ بآدم وتنتهي بمحمد ، فآدم بداية الأمر ومحمد نهايته ....
يقول ابن عربي :
" (فالرحيم ) هو محمد و ( بسم ) هو أبونا آدم ، واعني مقام ابتداء الأمر ونهايته " .
وواضح من كلمة ابتداء الأمر ونهايته :
أن آدم هو أول ظاهر بمجموع الحقائق ، ومحمد خاتم الظاهرين بمجموع الحقائق .
وتضيف الدكتورة في الهامش إلى معان مصطلح ( آدم ) عند الشيخ ابن عربي فقرة قد تعتبر من نوادر الفكر الصوفي
وهي ما يتعلق بوجود أكثر من آدم في الوجود فتقول : ينوه شيخنا الأكبر بوجود مائة ألف آدم
وإن كانت الفكرة غير جلية إلا أننا من خلال نصين سنوردهما نستطيع أن نتبين مراده من وجود مائة ألف آدم وعلاقة ذلك بالخلق
فإن الله لم يزل ولا يزال خالقاً ، والآجال في المخلوق لا في الخلق ... يقول :
" لقد أراني الحق تعالى فيما يراه النائم وأنا طائف بالكعبة مع قوم من الناس لا أعرفهم بوجوههم ...
فقال لي واحد منهم وتسمى لي باسم لا أعرف ذلك الاسم ، ثم قال لي : أنا من أجدادك .
قلت له : كم لك منذ مت .
فقال لي : بضع وأربعون ألف سنة .
فقلت له : فما لآدم هذا القدر من السنين .
فقال لي : عن أي آدم تقول ، عن هذا الأقرب إليك أو عن غيره ؟
فتذكرت حديثاً عن رسول الله : إن الله خلق مائة ألف آدم " .
كما يروي ابن عربي هذه الرؤيا للنبي إدريس {عليه السلام} في معراجه ، يقول :
" قلت ( ابن عربي للنبي إدريس ) : رأيت في واقعتي ...
شخصاً بالطواف أخبرني أنه من أجدادي وسمى لي نفسه فسألته عن زمان موته فقال لي :
أربعون ألف سنة ، فسألته عن آدم لما تقرر عندنا في التاريخ لمدته .
فقال لي : عن أي آدم تسأل عن آدم الأقرب ؟
فقال إدريس {عليه السلام} : صدق ، إني نبي الله ولا أعلم للعالم مدة نقف عندها بجملتها إلا أنه بالجملة لم يزل خالقاً ولا يزال دنيا وآخرة
والآجال في المخلوق بانتهاء المدد لا في الخلق ..
قلت : فعرفني بشرط من شروط اقترابها ( الساعة ) ؟
فقال : وجود آدم من شروط الساعة " .. .