الأرض
مبحث صوفي : ( الأرض ) في اصطلاح الشيخ الأكبر ابن عربي
الدكتورة سعاد الحكيم
أحصت الدكتورة سعاد الحكيم لمصطلح ( الأرض ) عند الشيخ الأكبر ابن عربي خمسة معان رئيسية
يمكن تلخيصها بالنقاط التالية :
1. الأرض هي صفات الخلق في مقابل ( السماء ) صفات الحق .
يقول الشيخ : " إنه من رجال الله من يفني عينها ( عين أرضه ) لقوله تعالى :
كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ .
فالعارف انتقل من ظهرها إلى بطنها ، فما فني عنها بل تحقق بها كذلك فليكن " .
يظهر من هذا النص كيف أن أرض العارف هي صفات الخلق فيه المقابلة لصفات الحق فيه
ويريد ابن عربي أن ينفي فناء الإنسان عن صفاته ويوجب التحقق بها .
2. الأرض هي صفات السفل في مقابل صفات العلو ( السماء ) .
يقول الشيخ : " كما قال الله تعالى إنه ما خلق ( السماوات ) وهو كل عالم علوي ، ( والأرض ) وهو كل عالم سفلي " .
ويقول : " لست اعني بالسماء هذه المشهودة المعلومة فهي إشارة إلى الرفع ، والأرض إشارة إلى الخفض ...
فقد يكون في السماء من هو من أهل الأرض ... وقد يكون في الأرض من هو من أهل السماء " .
. الأرض هي عالم الفساد في مقابل ( السماء ) وهي عالم الصلاح .
يقول الشيخ : " السماء من عالم الصلاح ، والأرض من عالم الفساد
ومنه اشتقت اسم الأرضة لما تفسده من الثياب والورق والخشب " .
4. الأرض هي العالم الذي نعيش على سطحه مع بدن الإنسان المخلوق منه ، وهي محل ظهور الرزق .
ففي حين أن الأرض هي العالم الذي نعيش عليه ، لا يغفل ابن عربي لحظة أننا خلقنا من تراب هذه الأرض
وأننا منها وفيها وبالتالي نحن هي . فبدن الإنسان أو نشأته البدنية هي ( الأرض ) التي يعيش فيها
ويكون بذلك كوكب الأرض وبدن الإنسان مضموناً واحداً لكلمة ( أرض )
ويظهر هذا المضمون من كلام ابن عربي على الأرض بأنها محل لظهور الأرزاق
ومحل الظهور هذا ليس إلا العالم وبدن الإنسان .
يقول الشيخ : " الأرض بما فيها من القبول والتكوين للأرزاق فإنها محل ظهور الأرزاق " .
ويقول : " فإذا نظر الإنسان إلى نشأته البدنية قامت معه الأرض التي خلق منها وجعل منها غذاءه
وما به صلاح نشأته ، لم يرزقه الله في العادة من غيرها " .
5. الأرض هي الخلق في مقابل زينتها الحق .
يقول الشيخ : " إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ، وليس الأرض في الاعتبار سوى المسمى خلقاً
وليس زينتها سوى المسمى حقاً " .. .
مسألة - 1 : من صفات الأرض وطبائعها
الشيخ الأكبر ابن عربي :
يقول : " طبع الأرض : فهي الذلول التي لا تقبل الاستحالة ، فيظهر فيها أحكام الأركان
ولا يظهر لها حكم في شيء تعطي جميع المنافع من ذاتها . هي محل كل خير
فهي أعز الأجسام لا تزاحم المتحركات بحركتها ، لأنها لا تفارق حيزها ، يظهر فيها كل ركن سلطانه .
وهي الصبور القابلة الثابتة الراسية ، سكن ميدها جبالها التي جعلها الله أوتادها
لما تحركت من خشية الله آمنها الله بهذه الأوتاد فسكنت سكون الموقنين ، ومنها تعلم أهل اليقين يقينهم
فإنها الأم التي منها أخرجنا وإليها نعود ومنها نخرج تارة أخرى .
لها التسليم والتفويض ، هي ألطف الأركان معنى ....
وما قبلت الكثافة والظلمة والصلابة إلا لستر ما أودع الله فيها من الكنوز لما جعل الله فيها من الغيرة
فحار السعاة فيها ، فلم يخرقوها ولا بلغوا جبالها طولا .
أعطاها صفة التقديس ، فجعلها طهورا في أشرف الحالات وذلك عند الاضطرار لما أقامها مقامه
مثل الضمآن يرى السراب فيحسبه ماء ، فإذا جاءه لم يجده شيئا يعني ماء ووجد الله عنده فما وجد الله إلا عند الضرورة
كذلك طهارة الأرض لا تكون إلا لفاقد الماء على ما كان من الأحوال . فانظر ما أشرف منزلها .
ثم أنزلها منزلة النقطة من المحيط ، فهي تقابل بذاتها كل جزء من المحيط وينظر إليها كل جزء من المحيط
فكل خط منها يخرج إلى المحيط على السواء والاعتدال ، لأنها ما تعطي إلا بحسب صورتها
وكل خط من المحيط إليها يقصد ، فلو زالت زال المحيط ولو زال المحيط لم يلزم زوالها .
فهي الدائمة الباقية في الدنيا والآخرة . أشبهت نفس الرحمن في التكوين .
واعلم أن الله تعالى قد جعل هذه الأرض بعد ما كانت رتقا كالجسم الواحد كما كانت السماء
ففتق رتقها وجعلها سبعة أطباق كما فعل بالسماوات
وجعل لكل أرض استعداد انفعال لأثر حركة فلك من أفلاك السماوات وشعاع كوكبها " .
= = = = = = = =
موسوعة الكسنزان
= = = = = = = =