الوحشة عن الخلق دأب المستأنسين بالحق .
والانفراد في البراري والكهوف ، علامة كل واله بالحبيب شغوف .
والخلوة عن الخلق تنتج الجلوة من الحق .
إذا لم تجد الأنس أنس . وقفت مع المحبوب بلا حس .
كلما قلت مسموعات الأذان ومرئيات الأبصار .
قلت وساوس الصدور وهواجس الأفكــار .
وزالت عن القلوب أصدية الأكدار .
فنهمكت بمحبوبهـا الآرواح .والأسرار.
واسترسلت في الإشتغال به آناء الليل وأطراف النهار.
ما ارتاض خير الأنام في غار حراء من البلد الحرام .
بترك الطعام والمنام والأنام والكلام .
إلا لعلمه بأنه كلما قوي حكم الجسم على القلب .
ضعف حكم الأرواح.
وإذا قوي سلطان الروح . ضعف قوة حكم الأشباح .
فاضعف النفس بالجوع .
وقوي الروح بترك الهجوع .
وأتفي الوساوس بقلة الكلام .
واخل الوقت مع المحبوب بترك الأنام .
ترك الطعام والشراب .
صقل القلوب والألباب .
النوم أخو الموت . اتركه لتحيــا . وترى ذلك المحيــا .
الناس يشغلونك عن المحبوب . فاجعل دابك تركهم تنل المطلوب .
كثرة الكلام تعقب الوساوس . وتركه يجلو القلب من الصدأ والدسائس .
فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي .
لو كانت الممالك تنال بدون ارتكاب المهالك .
ما شج راس سيد المرسلين .
ولا كسرت رباعيته هذا هو النبي وآدم بين الماء والطين .
ولو كانت المعارف تقتضي عدم الإجتهاد والجد في حصول المراد .
لما شد لشدة الجوع بطنه بالحجارة سيد العباد .
اركب المهالك في الحال إن أردت اللحوق بالرجال .
وما أحسن قول من قال : " من لم يرتكب المهالك .. لم يبلغ مبلغ الرجال " .
دعني أسير على الجفون مهرولا
| نحو الحبيب ولو على الأرماحِ
|
لا خير فيمن ينثني عن خله
| خوف البلاء وخشية الإفضاحِ
|
لو كان بيني والحبيب جهنم
| لولجتها بالروح والأشباحِ
|
أو كان من أهواه في أفق السما
| لأطير لو قص الغرام جناحي
|
لا صبر لي عمن هويت ولم أزل
| أدنو عليه عشيتي وصباحي
|
* * * * *
من كتاب نسيم السحّر ـ الشيخ عبد الكريم الجيلي