منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 مختصر معايير الندماء والمؤنسين

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7304
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

مختصر معايير الندماء والمؤنسين Empty
مُساهمةموضوع: مختصر معايير الندماء والمؤنسين   مختصر معايير الندماء والمؤنسين Emptyالأحد سبتمبر 27, 2009 10:48 am

مختصر
الأدبيــــــات الملوكيــــة ومعايير الندماء والمؤنسين
هالــة فــــؤاد
معايير شكلية فجة وظالمة، بل مشينة، إن جاز
التعبير، تم التعارف عليها، وتكريسها من خلال الأدبيات الملوكية، ووفقا لها كان يتم اختيار الندماء الذي ينادمون السادة وأصحاب السلطان منادمة التسلية والمتعة والمراءاة، بل مخايلة النرجسية السلطوية الزائفة، قبل أي شيء آخر.
معايير شكلية فجة، ظالمة ومشينة :
يقول التوحيدي :
«
وحصل الأمر على أن يقال : فلان خفيف الروح، وفلان حسن الوجه، وفلان ظريف الجملة، حلو الشمائل، ظاهر الكيس، قوى الدست في الشطرنج وحسن اللعب في النرد، جيد في الاستخراج، مدبر للأموال، بذول للجهد، معروف بالاستقصاء لا يغضي عن دانق، ولا يتغافل عن قيراط، إلى غير ذلك مما يأنف العالِم من تكثيره، والكاتب من تسطيره. وهذه كلها كنايات عن الظلم والتجديف، والخساسة والجهل وقلة الدين وحب الفساد، وليس فيها شيء مما قدمنا وصفه عن القوم الذين اجتهدوا أن يكونوا خلفاء الله على عباد الله بالرأفة والرقة والرحمة والاصطناع والعدل والمعروف
ومما يثير الانتباه في هذه المعايير الشكلية البحتة ذلك الطابع اللاهي والذي يكاد يومئ من طرف خفي لسلطة طفولية الهوى بصورة أو بأخرى، غير أن ما يعنينا هنا على وجه الخصوص، هو انقلاب الأدوار، فالسلطة التي ينبغي أن تصبح كريمة ومتفضلة مانحة العطايا لرعاياها، تغدو في هذا السياق سلطة خسيسة تسرق رعاياها وتعتدي على ممتلكاتهم وتغتصب حقوقهم ظلما وبغيا، ناهيك عن حرمانهم من عطاياها!! وهو ما يسلب السلطة مشروعيتها وهيمنتها ذات الطابع الأبوى؛ حيث الرأفة والرقة والرحمة والعدل ناهيك عن نماذج السخاء السلطوى المتعارف عليها، وجوائز الملوك لبطانتهم ، وصلاتهم إياهم بما يناسبهم ، فيكسب الملوك ليس ولاءهم المادي فحسب، بل المعنوي في المقام الأول.
ولم تكن هذه المعايير حكرا على زمان التوحيدي، بل لعلها انسربت إلى الثقافة الإسلامية من الفرس، وآداب ملوكهم، فها هو الجاحظ في التاج، يقول :
«ينبغى أن يكون نديم الملك معتدل الطبيعة، سليم الجوارح والأخلاق، لا الصفراء تقلقه وتكثر حركته، ولا الرطوبة والبلغم يقهره ويكثر بوله وبزقه وتثاؤبه، ولا السوداء تضجره وتطيل فكره وتفسد مزاجه … ويكون صحيح البنية، طيب المفاكهة والمحادثة، عالما بأيام الناس ومكارم أخلاقهم، وبالنادر من الشعر والسائر من المثل، متصرفا في كل فن، إن ذكر الآخرة ونعيم أهل الجنة … رغبه، وإن ذكر النار حذره، فزهده مرة، ورغبه أخرى … ولندماء الملك خلال يساوون فيها الملكمنها اللعب بالكرة، وطلب الصيد، ولعب الشطرنج … ومن حق الملاعب المشاحة والمكالبة والممانعة والأخذ من الحق بأقصى حدوده، غير أن ذلك لا يكون معه بذاء ولا كلام رفث ولا معارضة مما يزيل حق الملك … إلخ . وليس للرعية جرأة على الراعي»
ومن اللافت حقا، أن يتبنى التوحيدي في بصائره صياغة
شبيهة بصياغة الجاحظ حول معايير النديم، إذ يقول:
«
قال نجاح للمتوكل لما دعاه لمنادمته : في خصال لا أصلح معها لمنادمة الخلفاء، قال : ما هي؟ قال : سلس في البول، وتنحنح إذا حدثت، ولا أقدر من الشراب على أكثر من رطلين فقال المتوكل : من حق صدقك علينا أن نسامح فيها، وقال آخر: أمتع الجلساء الذي إذا أعجبته عجب، وإذا فكهته طرب، وإذا أمسكت تحدث، وإذا فكرت لم يلمك» ... جليس الملوك ينبغي أن يكون حافظا للسمر، صابرا على السهر. ... ويروى عن سهل بن هارون أنه قال : ينبغي للنديم أن يكون كأنما خلق من قلب الملك، يتصرف بشهواته، ويتقلب بإرادته، إذا جد جد، وإذا هزل هزل، ولا يمل المعاشرة ولا يسأم المسامرة، إذا انتشى تحفظ، وإذا صحا تيقظ، يكون كاتما لسره، ناشرا لبره ويكون للملك دون العبد
ولعلنا نلاحظ أن الجاحظ يمنح المعايير التي انتقدها التوحيدي ووصمها بالشكلية الفجة الظالمة بعضا من المصداقية والمشروعية المنطقية، فإن لائحا من تمرد ونقد ينطوي في النص!! ذلك أن الحديث عن القدرات المعرفية للنديم من زاوية، إلمامه بأيام الناس، ومكارم الأخلاق، وذكر الآخرة ما بين نعيم الجنة (الوعد والترغيب)، ونار الجحيم (الوعيد والترهيب)، إنما هو حديث عن مراوغة القمع ما بين الاعتبار والاتعاظ بأخبار السالفين من الممالك والملوك، والاستنفار القيمي في الدنيا والوعد والوعيد الأخروي.. إلخ!! إنها محاولة مضمرة لكبح جماح القمع، بل إمكانية ترويضه والسيطرة عليه ، ولعله خطاب إيقاظ هواجس الذات السلطوية المؤرقة، ومخاوفها الكامنة حول أعز ما تملك، فقد سلطتها وعزها، كما حدث للملوك السابقين الذين دالت دولتهم نتاج فقدهم لمكارم الأخلاق، وظلمهم للرعية، وطغيانهم وبغيهم !! وربما كان الحديث عن مساواة الندماء لملوكهم فيما يتعلق بالمهارات المتنوعة حديثا عن مساحات للمساواة الإنسانية الممكنة بين الرعية والراعي، وها هو التوحيدي في الهوامل يسأل مسكويه سؤالا مثيرا للانتباه، في هذا الصدد، إذ يقول «قال المأمون (الخليفة العباسي العظيم) : إني لأعجب من أمري : أدبر آفاق الأرض، وأعجز عن رقعة شطرنج، وهذا معنى شائع في الناس، فما السبب فيه ؟»
وهكذا يوضع المأمون في سياق الناس،ويرد مسكويه على
التوحيدي ردا أخطر دلالة في هذا السياق؛ إذ يقول: «إن الصناعات لا يكتفي فيها بالعلم المتقدم، والمعرفة السابقة بها حتى يضاف إلى ذلك العمل الدائم، والارتياض الكثير، وإلا لم يكن الإنسان ماهرا. والصانع هو الماهر بصناعته. ومثال ذلك الكتابة والخياطة والبناء، وبالجملة كل صناعة مهنية كقيادة الجيش، ولقاء الأقران في الحروب ليس تكفي فيها الشجاعة، ولا العلم بكيفيتها حتى يحصل فيها الارتياض والتدرب فحينئذ تصير صناعة!!»
فلسنا في حاجة إلى توضيح أهمية الكتاب الوزراء أصحاب دواوين الإنشاء، ولا الجند وقواد الجيوش في هذا السياق الوسيط، كما هو معروف، أما الخياطة والبناء فإنما يستخدمان هنا بوصفهما رمزا لمعنى الحضارة المدينية، فإن استدعاء هذه المهن هو مجرد ذريعة لاستدعاء كافة دعائم الملك الذي لا وجود له، ولا مشروعية لحضوره دونها، وإلا فكيف يمارس سطوته، ومن خلال من، وعلى من؟! ويشير رد مسكويه كذلك إلى مساحات التشابه الإنساني في كيفية كسب المهارات المتنوعة، ماديا ومعنويا، بين صاحب السلطان والرعية!! يمكننا القول : إن اتقان السلطان لهذه الصناعات، قد يتعارض مع إتقان صناعة السلطة ذاتها وفقا لتصور مثالي للسؤدد لا يكاد يمنح السيد مساحة للهو واللعب، بقدر ما يحمله ثقل المسؤولية وعبأها ليلا ونهارا، ولعل هذا الحديث عن افتقار السلطة لمهارات الرعية، حتى هذه المهارات الثانوية في فضاءات التسلية واللهو، ناهيك عن عدم قدرتها المطلقة على إتقان هذه المهارات الأساسية أو الثانوية، يفت في عضد مخايلات القداسة حول السلطة الأبوية ذات السمت الإلهي
ومن المثير للانتباه في هذا السياق، ما سبق أن أورده عبد الحميد الكاتب في رسائله في العصر الأموي، وخاصة رسالة كتبها عن الخليفة؛ إذ ينهي عن لعب الشطرنج، بل يتهدد المخترقين لهذا الحظر بالويل والثبور وعظائم الأمور، ويعلل الكاتب هذا الحظر بكون الرسول (ص) نهي عن لعب الشطرنج، ناهيك عن أنه يلهي المؤمن عن الصلوات، والعمل المثابر الجاد. ويخبرنا الباحث رضوان السيد أنه لم يرد نهي نبوي في مسألة الشطرنج، بل في تحريم النرد، ناهيك عن أن الصحابة والتابعين لم يكونوا متفقين في الحكم على الشطرنج، وإنما كان منهم من يجيد اللعبة إلى حد المهارة والحذق!! ويتساءل الباحث عن السبب الذي دعى عبدالحميد لاتخاذ هذا الموقف، ويقول «ليس بالمستطاع تبين الأسباب الداعية لذلك يقينا، لكن ربما كانت هذه اللعبة النبيلة تجمع حولها أشراف القوم بالحجاز إبان استعار الثورات على مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أمية، فيتبادلون الأحاديث، ويتمنون الأمانى بشأن مصائر الدولة الأموية !! ناهيك عن صورة الخليفة المسلم نفسها، والصفات الدينية والأخلاقية والعملية التي ينبغي أن يتسم بها لكي يتحقق بدوره كخليفة لله على الأرض، تعد طاعته من طاعة الله، وعصيانه عصيانا للأمر الإلهي نفسه».
وتلفتنا هذه المسألة إلى مفارقة لافتة حول درجة التسامح مع ممارسات الملوك، من قبل النخب والعامة، وتفاوتها الجلى بين عصور الانهيار والتدهور، وعصور القوة والازدهار !! حينئذ قد نتساءل حول ما إذا كان عبد الحميد الكاتب يعيش في عصر المأمون العباسي أو خلفاء بني العباس الأقوياء، لا في عصر مروان بن محمد خليفة النهايات، وسقوط الدولة، هل كان سيورد مثل هذا النهي الصارم عن لعبة الشطرنج، أم لا ؟!
ولعل التوحيدي حين استدعى المتوكل، آخر خلفاء الزمن الجميل مصورا إياه يدعو نجاحا لمنادمته، ونجاح يتدلل على الخليفةان هذه الدعوة العزيزة التي لا يليق، ولا ينبغي، بل لا يجوز أن ترد سيناقشها نجاح مع الخليفة مبديا رفضه المتحررْ، وكأنه لا يضاف عقوبة أو يخشى استفزاز غضب الخيلاء السلطوي، والسطوة المتعالية للخليفة المتوكل.
ولا ندرى أهو قول الصدق حقا الذي أثمر مكرمة تسامح المتوكل أم انه ذكاء المداهنة، وسحر التأبي الجميل، أم هي الرغبة السلطوية المولعة بصياغة صورة المثال الرفيق العادل الوهمية؟!
أيا كان الحال بين الخليفة ونجاح، فلا ينبغي أن نتجاهل مخايلات الراوي حول الزمن العباسي الجميل كان دوما مضطرا لقبول ما يلقى إليه، دافعا ثمنه من كرامته وكبريائه، كما كان يستجدي التواجد، فيرفض ويستبعد بطرق قاسية وصلفة!!
وحين ننتقل إلى نص التوحيدي الثاني حول معايير النديم المثالي، والذي يبدو أقرب لنص الجاحظ، وأكثر تشابها معه من النص النقضي، قد نكتشف مفارقة ما!! فمن ناحية، حين يحدثنا التوحيدي عن أمتع الجلساء بشكل عام، فإنه يحدثنا عن جليس متفاعل بلطف وذكاء ورهافة مع جليسه، فهو يندهش ويعجب إذا روى جليسه ما يعجب، وهو يطرب للفكاهة إذا ما تفكه جليسه، وإذا سكت الجليس تحدث يسليه ويمتعه، وإذا غرق الجليس في فكر أو تأمل احترم هذا، ولم يعذل أو يلم .. إلخ!! وبالطبع، فهو يحدثنا هنا عن مساحات وإمكانات التفاعل الإنساني اللطيفة المتبادلة بين الجلساء المتساوين في جلسة حميمة يتبادلان الإمتاع والمؤانسة، فكل منهما مرآة عاكسة وكاشفة لجليسه !! فهذا هو الجليس الحق الذي يلتقط ما تريد وهو لم يزل محض فكرة داخلك لم تتلفظ بها بعد وهنا يكمن سر الحميمية بين الجليسين، والذي يحقق مفهوم الجلسة الحقة حتى لا يمنع صمت أحد الطرفين، بل انشغاله الذهني بفكرة ما إمكانات التواصل الحقيقي في فضاء برح حر ندي، بل لعله ينطوي على مشاركة الهم والمواساة دون صخب أو ثرثرة أو مبالغات لفظية أو وجدانية، بل باحترام الانشغال، والائتناس بصمت الجليس وانصرافه كما بحديثه واهتمامه !! إنه الحضور اللطيف الذي لا يشكل أي عبء أو ثقل من قبل الجليس على جليسه !! لا مطالبات، ولا واجبات، ولا مخاوف، ولا مشاعر ذنب أو إدانة إلخ، لكنها توقعات الائتناس الحميم !! وبالطبع، يلح التوحيدي داخل هذا السياق على حقوق الجليس؛ إذ ينبغي أن يرحب به، ويوسع له، وإذا حدث يقبل سامعه عليه... ، لكنه التأكيد من قبل الغريب التوحيدي الذي إذا أقبل لم يوسع له، وإذا عرض لم يسأل عنه، وإذا عطس لم يشمت، وإن مرض لم يتفقد، وهذا بعد فقد الخلان، ومعاناة وحشة الغربة القاسية!!
أما حين يتحدث عن أصحاب السلطان، فهو يتحدث عن الندماء جلساء الملوك، وصفاتهم المثالية !! ومما يثير الانتباه في هذا الطرح أن الخطاب لا يخلو، بل هو سلب جلي لذات النديم، وحضوره الإنساني الراقي الفعال؛ إذ يغدو محض مرآة عاكسة سلبيا لاحتياجات صاحب السلطان ، فإذا بالغ الملك في انتشائه وتبسطه، تحفظ النديم، وأخذ حذره، وإذا كان يقظا صاحيا يتيقظ النديم وينتبه، وإذا قال سرا في لحظة تبسط وانتشاء، كتمه، ولم يبح له، وإذا جاد وبر ومنح نشر عنه ذلك بين الرعية ولهج بذكره، فيكون له دون العبد في الطاعة والخضوع والموافقة !! ويا لها من مفارقة في الوصف بين هذه المرتبة دون العبودية، وكون النديم (كأنما خلق من قلب الملك) !! غير أن القلب هو فضاء الأهواء والشهوات، فلعلها سيطرة النفس الناطقة العاقلة الملكية على حضورها الشهوي الجموح، وحيث يغدو الندماء أدوات ووسائط لتحقيق متع صاحب السلطان، ولكن تحت سيطرته، ورهن إرادته المتحكمة !! وبالطبع، لا تخلو هذه المعايير من هواجس الحذر والخوف والترصد، والرغبة والرهبة الكامنة في علاقة النديم المسلي الممتع بصاحب الملك والسطوة والجبروت !! يروي التوحيدي في بصائره، ما يلي :-
ذكر أعرابي الملوك، فقال : أقرب ما يكون إليهم أخوف ما يكون منهم، شاهد يظهر حبك، وغايب يبتغى غيرك»... . ثم يروي ما قاله بعض القدماء : إن كنت حافظا للسلطان في ولايتك، حذرا منه عند تقريبه ... تعلمه وكأنه تتعلم منه، تؤدبه وكأنه يؤدبك، بصيرا بهواه، مؤثرا لمنفعته، ذليلا إن ضامك، قانعا إن حرمك، وإلا فابعد منه كل البعد»
ويا لها من طبائع الاستبداد تلك التي أملت على هؤلاء أقوالهم وتصوراتهم حول القرب من الحاكم،يعتبر الحديث عن إمكانية اطلاع النديم على سر الملك في لحظات التبسط والانتشاء، وضرورة كتمه لهذا السر، وعدم البوح به، احد تجليات هذا التهديد المضمر من قبل هؤلاء الندماء للملوك!! وبالطبع، قد ينعكس هذا التهديد على الندماء أنفسهم؛ لأنه ليس أخطر من إذاعة أسرار الملوك، فإذا باح لك الملك بسره، فقد ورطك في مساحات الخطر والمجازفة التي قد تفضي إلى الموت المحقق، حتى لو لم يخش إذاعة السر، بل لمجرد معرفته والاطلاع عليه، وهو ما يعتبر اختراقا لمساحات المحظور السلطوي!!
ومن ناحية ثانية، فإن الحديث عن نشر بر السلطان بين الرعية، هو تجلٍ آخر لخطورة النديم، ودوره الدعائي في صناعة صورة السلطة وصياغة ملامحها المثالية لدى الرعية الخارجين عن فضاءاتها، وهذه مسألة لها أهميتها في مجتمعات السمعة، والصيت الذائع!! ولعل الجزء الأكثر غرابة وعجبا في هذه العلاقة التي تبدو سالبة لذات النديم سلبا مهينا، هو تلك الفاعلية المضمرة التي تجعل متعة السيد، صاحب الملك مرهونة باستجابات النديم الجسدية، والوجدانية، واكتماله الصحي، والعقلي، وقدرته على التلون والتجدد والسهر والسمر، وحسن التوقع ورهافة الوعي!! ومن المثير للانتباه في هذا السياق أن يكون النديم هو الذي يطلب إليه ألا يمل المعاشرة، ولا يسأم المسامرة ولعل الحديث الدائم حول عطاءات السلطة ومنحها التي ينبغي عليها إكرام ندمائها بها، وإسباغها عليهم، والذي لا يكف عنه صائغو نصائح الأمراء والندماء، وواضعو معاييرهم اللائقة، يعد بشكل ما أحد وسائل الضغط والابتزاز المراوغ لصاحب السلطة، والذي يطول توكيد الملك وتسديد أركانه، يقول الجاحظ:-
من أخلاق الملك أن يخلع على من أدخل عليه سرورا، إما في خاصة نفسه، وإما في توكيد ملكه، فإن كان السرور لنفسه في نفسه، فمن حقه على الملك أن يخلع عليه خلعة في قرار داره، وبحضرة بطانته وخاصته. وإن كان في توكيد ملكه، فمن حقه أن يخلع عليه بحضرة العامة لينشر له بذلك الذكر، ويحسن به الأحدوثة، وتصلح عليه النيات، ويستدعي بذلك الرغبة إلى توكيد الملك وتسديد أركانه
وبالطبع تتسع الرؤية هنا لتطول كافة أشكال العطاء
السلطوي لا للندماء فحسب، بل لخادمي الملك وحاشيته وقواده، ومن يوطدون دعائمه !!
ولعل صياغة التوحيدي الأولى ذات الطابع النقدي الثالب للمعايير الشكلية المجحفة، تكشف لنا عن فداحة التدهور الذي طال السلطة ومعاييرها وندمائها. وهو التدهور الذي يحدثنا الجاحظ متأسيًا بداياته منذ عصر يزيد بن عبد الملك الذي سوى بين الطبقة العليا والسفلى، وأفسد المراتب وغلب عليه اللهو واستخف بقوانين الملك، وأذن للندماء في الكلام والضحك والهزل في مجلسه والرد عليه، وهو أول من شتم في وجهه من الخلفاء على جهة الهزل والسخف. وبالطبع لم يكن آخرهم فقد اتسع الخرق تدريجيًا، رغم عصور القوة في الدولة العباسية؛ ليسلمنا إلى زمان التوحيدي بكل آفاته المزرية
وها هو التوحيدي ويسأل مسكويه في الهوامل، قائلًا:
ما الذي قام في نفس بعض الناس حتى صار ضحكة، أعني يضحك ويسخر منه ويعبث بقفاه، وهو في ذاك صابر محتسب، وربما خلا من النائل، وربما تزر النائل. فكيف هون عليه هذا الأمر القبيح؟ ولعله من بيت ظاهر الشرف، منيف المحل. وبمثل هذا المعنى يصير آخر مخنثا مغنيا لعابا إلى آخر ما اقتصه من حديث الرجل الذي نشأ على طريق مذمومة، وهو من بيت كبير
وفي حين يؤمى السؤال التوحيدي من طرف خفي إلى ظاهرة
ابتذال الندماء من كبار البيوتات والمثقفين أنفسهم وكرامتهم في مجالس السلطة، أو مجالس اللهو واللذة الفانية، فيما يقول إخوان الصفا، يرد مسكويه ردا أخلاقيا (ينطوى على نزعة طبيعية)، حيث يقول: إن لكل مزاج خلقا يتبعه، وفقا لعلم الفراسة، والنفس تصدر أفعالها بحسب تلك الطبيعة والمزاج، وأن الإنسان متى استرسل للطبيعة، وانقاد لهواه، ولم يستعمل القوة الموهوبة له في رفع ذلك، وتأديبه نفسه، كان في مسلاخ البهيمة !! وهذا الذي ذكرته هو أحد الأخلاق التابعة لمزاج خارج عن الاعتدال التي متى تُرك الإنسان وسوْم الطبيعة فيها جمحت فيه إلى أقبح مذهب وأسوأ طريقة، وحق على من بُلى بها أن يجتهد في مداواتها، ويُجتهد له فيها ... إنه ممكن، ولولا إمكانه لما حس التقويم والتأديب عليه، ولا الحمد والذم، ولا السياسة من الآباء والملوك، وقوام المدن به. ومتى لم يستجب إنسان لمعالجة هذه الأدواء، كانت معالجته بالعقوبات المفروضة، واجبة فيه
ولعلنا نلاحظ كيف تسعى الإجابة إلى توسيع دائرة السؤال، أو هذا ما يبدو للوهلة الأولى، رغبة في تجاوز مأزق الإدانة القاسية التي ينطوي عليها السؤال، والتي تطول مسكويه نفسه؛ حيث شارك في مجالس السلطة الليلية الماجنة في بلاط المهلبي وابن العميد، كما هو معروف!! يقول متماديا :-
وما أشبه الأمراض النفسية بالأمراض الجسمانية، فكما أن مرض الجسم متى لم يعالجه صاحبه بالاختيار والإيثار، وجب أن يعالج بالقهر والقسر، فكذلك مرض النفس إلى أن ينتهي إلى حال يقع معه اليأس من الصلاح، فحينئذ ينبغي أن يريح من نفسه، ويستراح منه، وتطهر الأرض منه على حسب ما تحكم الشريعة أو السياسة الفاضلة
وناهيك عن إدخال هذه الممارسات في دائرة الأمراض النفسية، وهي مبالغة انفعالية لاتخلو من طابع دفاعي ذاتي، وكأن الذات تدفع عن ذاتها أمام ذاتها، ربما قبل الآخر المحاور هذا الاتهام المشين !! و هذه الحالات السلوكية المرضية بالأمراض الجسمانية، ومن ثم استخدام الوسائل العلاجية نفسها معها سواء اختار المريض أو أجبر عليها؛ لأن الأعلم بالمصلحة هو الطبيب في الحاليْن النفسي/والبدني !!
!! إن هذا العنف الأخلاقى لدى مسكويه
يكشف عن انتشار هذه الظواهر وشيوعها المزرى والخطر في أوساط النخب وفضاءات السلطة، ولسنا في حاجة إلى ذكر التصورات السائدة حول ما قد يؤدي إليه التحلل الأخلاقي المستشري بين الخاصة والحكام، ثم العامة إلى ضعف وانحلال الدول وانهيارها، وفي تاريخ الروم والفرس والعباسيين أنفسهم شواهد واقعية على ذلك، لا يمكن أن نغفل ذلك المنظور القمعي لدى المثقف العقلانى إزاء كل ما يخالف منظومته المثالية، معرفيا وقيميا، والذي قد لا يختلف جذريا عن القمع السلطوي بتجلياته المتنوعة السياسية والدينية والاجتماعية، لينتج تجليا رابعا، هو القمع الثقافي العقلي!!
وها هو أبو حيان في كتاب الإشارات يقول :-
«يا هذا : هذا وصف غريب... بعد عن آلاف له ... لعله عاقرهم الكأس بين الغدران والرياض، واجتلى بعينه محاسن الحدق المراض، ثم كان عاقبة ذلك كله إلى الذهاب والانقراض!!
ولعلنا نلاحظ ذلك التأرجح الوجداني ما بين الحلم بمجالس الجلساء الخلان أهل الألفة والذي لعله شاركهم متعة الندامة والراح وجمال الطبيعة والوجه الحسن، والسماع الجميل، والأحاديث الشجية الراقية من ناحية، ومجالس الندماء الموحشة في فضاءات السلطة، ومداراتها المغلقة القاسية؛ حيث التنافس والتآمر والدس والوشاية والحذر والتربص والخوف..الخ، من ناحية ثانية !! إنها الغائب الحاضر في النص، ربما أكثر من مجالس الألفة مع الجلساء الأنداد في فضاءات الطبيعة البرحة، والجمال الحر، وربما كانت حسرة الحرمان والتوق لمراوغات القمع، وألعاب المخايلة، وتوترات الحضور في مدارات التنافس المغرية !! إنها اغواءات الوعي المغترب، ومفارقات المثقف المهمش !!
وأيا كانت المجالس، مجالس الخلان أم ندماء الحاكم فجلها إلى زوال وعدم وفناء؛ لأن هذا هو سمت كل ما هو دنيوي، ولهذه الرؤية حضورها اللافت في رسائل إخوان الصفا، إذ يقولون : «المجالس اثنان : مجلس الأكل والشرب والغناء واللذات الجسمانية... لصلاح هذا الجسد المستحيل المتغير الفاني، ومجلس للعلم والحكمة والسماع (الغناء الصوفي) واللذات من نعيم الآخرة الباقية للنفوس الخالدة التي لا يبيد جوهرها، ولا تفنى لذتها، ولا ينقطع سرورها... لأنها لذات روحية من نعيم الآخرة
إن هذه المقارنات ذات الطابع المجرد لا تخلو من ظلال الواقع الحياتى بكل مستوياته، تشير إليه فاضحة نقصه وعدميته، وما يورثه من فاقة وألم في مقابل نقيضه الخالد المكتمل في حضرة المطلق، حضرة العلم والحكمة والجمال الأزلي !! إنه اللوذ بالعلم والحكمة مقابل السلطة ومباهجها الدنيوية!!
على أية حال، أظن أن الهاجس المؤرق لكل التصورات سالفة الذكرهو ذلك السعى المثالى الحالم من أجل تأسيس صيغة أكثر إنسانية وكرامة لطبيعة حضور النديم أو الجليس في فضاء السلطة
ومما يلفت الانتباه في هذا السياق، هو إمكانات المخايلة القائمة بين النديم وصاحب السلطان، خاصة قبل أن يلتقيا ومن خلال السماع أو قراءة ما أنتجه النديم إذا كان من أهل العلم أو الكتابة، شاعرا أو ناثرا !! ومن ذلك ما يرويه التوحيدي عن حادثة ابن العميد مع ابن حجاج (الشاعر العباسى الماجن)، وكان ابن العميد قد سمع عنه الكثير، وقرأ شعره فأحب أن يلقاه، لأنه ليس الخبر كالمعاينة حيث إن البصر متمم للسمع، فلما حضره «ابن حجاج» احتبسه للطعام، وسمع كلامه، وشاهد سمته، واستحلى شمائله، فقام من مجلسه، فلما خلا به قال: يا أبا عبد الله، لقد والله تهت عجبا منك، فأما عجبي بك فقد تقدم، لقد كنت أفلى ديوانك، فأتمنى لقاءك، وأقول: من صاحب هذا الكلام، أطيش طائش، أخف خفيف، أغرم غارم، وكيف يجالس من يكون في هذا الاهاب، حتى شاهدتك الآن، فتهالكت على وقارك وسكون أطرافك، وتناسب حركاتك، وفرط حيائك، وناضر ماء وجهك، وتعادل كلك وبعضك، إنك لمن عجائب خلق الله، وطرف عباده، والله ما يصدق واحد أنك صاحب ديوانك، مع هذا التنافي بين شعرك، وبيتك في جدك. فقال أبو عبد الله: أيها الأستاذ، وكان عجبي مني، ولو تقارعنا على هذا لفلجت عليك بالتعجب منك؛ لأني قلت : إذا ورد الأستاذ فسألقى منه خلقا جافيا وفظا غليظا، وجبليا ديلميا متكائبا متعاظما، حتى رأيتك الآن، وأنت ألطف من الهواء، وأرق من الماء، وأغزل من جميل بن معمر، وأعذب من الحياة، وأرزن من الطود، وأغزر من البحر، وأبهي من القمر، وأندى من الغيث، وأشجع من الليث، وأنطق من سحبان، وأندى من الغمام، وأنفذ من السهام، وأكبر من جميع الآنام.
«
فقال أبو الفتح وتبسم، هذا أيضا من ودائع فضلك، وبواعث تفضلك، ووصله وصرفه4
ما بين العجب والدهشة تولدت مشاعر ابن العميد الابن إزاء ابن حجاج وشعره الماجن شديد الجرأة والإباحية، وتشكلت عبر مراياه صورة الشاعر في مخيلة السلطة بوصفه الأكثر طيشا وخفة وغرما بما يجعل صاحب السلطان يتساءل مندهشا كيف يُجالس من يكون في هذا الاهاب؟!
ولعل مقارنة ابن حجاج بين ما تصوره عن ابن العميد قبل لقائه، وبين ما رآه بعد لقائه، هي المقارنة الأكثر منطقية وواقعية!! إنها مقارنة بين سمعة السلطة السيئة التي نتجت عن ممارساتها الباغية،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
محمد جابر

محمد جابر


عدد الرسائل : 327
العمر : 40
تاريخ التسجيل : 06/05/2008

مختصر معايير الندماء والمؤنسين Empty
مُساهمةموضوع: رد: مختصر معايير الندماء والمؤنسين   مختصر معايير الندماء والمؤنسين Emptyالأربعاء ديسمبر 02, 2009 2:24 pm

مختصر معايير الندماء والمؤنسين Post-20628-1188683767

مختصر معايير الندماء والمؤنسين Post-20628-1188683833


مختصر معايير الندماء والمؤنسين Post-20628-1188683973

مختصر معايير الندماء والمؤنسين Post-20628-1188684005
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مختصر معايير الندماء والمؤنسين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مسجد الضرار ومسجد التقوى:معايير التمييز بين المؤسسة الاسلاميه و غير الإسلامية
» مختصر باب الزهد من الرسالة القشيرية
» آية مثل نوره فى التفاسير_ مختصر قدرىمتجدد
» وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ_تأويل صوفى {مختصر}ج1
» الشاعر الشيخ يوسف النبهاني_بقلم سعدي حسن أبو شاور(مختصر)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة المنتديات :: المنتدى الصوفى العام-
انتقل الى: