منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالثلاثاء أغسطس 25, 2020 7:38 am

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 34 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 34 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 34 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي    
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 34
“ 464 “
تمهيد
كنت قد ألحقت بنص الترجمة حواشي وتعليقات رأيت أنها ضرورية لا يضاح النص . 
وفي الصفحات التالية أقدم للباحثين شروحاً ودراسات حول الكتاب الأول من المثنوي ، وهي الشروح التي وصفتها بإيجاز في مقدمة الكتاب .
وتشير الأرقام في هذه الشروح إلى أرقام الأبيات في الترجمة .
وآمل أن أكون - بهذه الشروح - قد أصنفت إلى جهود السابقين ما يسهم في بيان معاني الكتاب ، وجلاء أسراره . محمد كفافي
 

“ 465 “

[شرح من بيت 1 إلى 35] 

 ( 1 - 15 ) افتتح جلال الدين المثنوي بالحديث عن الناي . لقد كانت هذه الآلة الموسيقية محببة إلى نفس الشاعر ، كان يستطيع العزف عليها كما كان هو ورفقاؤه يحبون الاستماع إليها في مجالسهم . والناي من الآلات الموسيقية التي يمكن أن تعبر أنغامها عن الحنين والأسى بعمق وإبداع . 

وقد اتخذ الشاعر من حنين الناي منطلقاً لمنظومته الكبرى . 

فالناي رمز للنفس الإنسانية . أنغامه حين إلى أصله ، حيث منابت الغاب التي اقتطف منها ، قبل أن يُشكل على تلك الصورة ، ويصبح من آلات الموسيقى . 
وكذلك النفس الإنسانية تحن إلى أصلها الذي انفصلت عنه ، قبل أن تهبط إلى هذه الأرض ، وتحلّ في هذا الجسد . 
وقد استطاع الشاعر أن يستخرج من هذا المعنى صوراً شعرية رائعة ، كما سنرى في تعليقاتنا على بعض هذه الأبيات . 


( 2 ) لا يقتصر التأثر لأنغام الناي على الرجال وحدهم أو النساء وحدهن بل الناس جميعاً يتأثرون ، وكلهم يبكون لبكاء الناي . وفي هذا إشارة إلى تشابه الرجال والنساء في أصلهم الإلهي ، واشتراكهم في الحنين إلى هذا الأصل . 
وقد درج الشاعر في مواضع كثيرة من أشعاره على تأكيد الشبه بين الرجل والمرأة . 


( 3 ) يروي الشاعر عن الناي أنه ينشد صدراً مزقه الفراق ليشرح له ألم الاشتياق ، فليس كل مستمع إلى الناي يتأثر به وإنما يجب أن يكون ذا نفس شاعرة ، تفقه الأنغام وتنفعل بها . 

والإنسان الذي يعاني التجارب يستطيع أن يدرك مشاعر رفيقه إذا مر بذات التجارب ، وإلا فهو في واد ورفيقه في واد ، يصدق عليهما قول القائل : “ ويل للشجي من الخلي “ .


“ 466 “

( 5 ) الناي قرين اللبائسين والسعداء ، لأن كل فريق من هؤلاء يستمع إليه ، ويتأثر به ، على مقتضى الحالة النفسية التي يكون عليها ، فإن كان سعيداً طرب له ، وإن كان حزيناً ، تولاه الأسى . 

( 6 ) كل إنسان قد ظن أنه تذوق أنغامي ، وأصبح مدركاً لها ، ولكن لم يفتش أحد من هؤلاء عما كمن في باطني من الأسرار ، ولا عما تعنيه أنغامي ، وما ترمز إليه هذه الأنغام من معاني محتجبة . 

( 7 ) الناي يحث مستمعيه على محاولة إدراك سرّ أنغامه ، ذلك السر المرتبط بالأنغام ذاتها ، لكنه لا يتجلى إلا للحواس المدركة ، التي تغوص وراء الأسرار . 

( 8 ) ينتقل الشاعر من حديث الناي ببراعة إلى تأكيد وجود الروح في الجسم الإنساني. الروح ليس بمستور عن الجسم ولا الجسم بمستور عن الروح. 


لكن مشاهدة الروح بصورة حسية لا تتاع لإنسان . 


( 9 ) صوت الناي بما يعبر عنه نار ، وليس مجرد هواء ينفخه العازف بتلك الآلة الموسيقية ، فيولد هذه الأنغام . والمهم هو جوهر الأنغام ، لا مادتها ووسيلتها . 

( 12 ) صور متقابلة للناي . إنه سم وترياق ، يثير الأحزان بأنغامه ، وفي ذات الوقت يشفيها . وهو رفيق مشتاق . يكون دائماً في صحبة الناس ، وهو مع ذلك في حنين دائم واشتياق . 

( 13 ) الطريق الذي ملأته الدماء ، هو طريق المحبة الذي يكثر حديث الصوفية عنه . فالناي يصور هذا الطريق ، ويحدّث الناس بالعشق وقصصه ، التي منها قصة المجنون وليلى . 

والصوفية قد اتخذوا من قصص الحب العذري التي شاعت أخبارها ، مادة للتعبير عن المحبة الصوفية . 
وقد نظم كثيرون من الصوفية قصة ليلى والمجنون وملؤوها بالمعاني الصوفية العميقة ، وأجروا على لسان هذين العاشقين ألواناً من الحوار الرائع ، لا يمكن أن تكون قد خطرت لهما على بال . ومن


“ 467 “


أشهر من فعل ذلك نظامي الگنجوي ، وعبد الرحمن الجامي . 

( 16 ) لا يبالي الشاعر بذهاب الأيام وانقضائها . والمهم أن يبقى له ذلك الحب الإلهي ، الذي لا نظير له في الطهر والنقاء . 

( 17 ) المعاني الروحيةُ لا يشبع منها من كانوا ذوي إدراك لها وإحساس بها . فهؤلاء مثل السمك الذي لا يشبع من الماء . أما من لم يكن من جنس هؤلاء فهو غريب عن تلك المعاني الروحية غربة سكان اليابسة عن الماء .
 وكل من كان بدون رزق روحي ، يطول به اليوم في انتظار رزق لا يتحقق . 

( 19 ) القيود هي حب الذهب والفضة والتعلق بالمال . 

( 20 ) الطامع النهم يريد أن يحصل على كل ما يقع تحت حواسه وإدراكه . والطمع وحده هو الذي يدفعه إلى ذلك . فهو كمن يحاول اغتراف البحر بكوز . وأي مقدرة للكوز على اغتراف ماء البحر ؟ 
وأي مقدرة للكيان الإنساني على الإفادة من كل ما يقع تحت الحواس مما يثير الأطماع . 

( 22 ) العشق الصو في هو الذي يطهر النفس الإنسانية مما يقيدها من حرص مادي ، وما يشيع بها من عيوب أخرى ترتبط بذلك . فالعاشق الصو في يكون كل كيانه متجهاً لحقيقة واحدة يهون إلى جانبها كل شيء . 


( 24 ) الشعق الصو في دواء للغرور والكبرياء . فالعاشق يتجه بكل كيانه إلى معشوقه ، فتخرج من نفسه كل تلك الأحاسيس المرتبطة . 
بالأنانية كالغرور والكبرياء . فهو طبيب للنفس كأفلاطون ، وطبيب للجسم كجالينوس . 

( 25 ) إشارة إلى قصة جبل الطور ، وكيف دك حين تجلى اللَّه لموسى . 
وقد عزا الشاعر دكّ الجبل إلى أنه أصبح عاشقاً لربه فخفّ كيانه


“ 468 “

الغليظ . قال تعالى :” فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ، وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً “. ( 7 : 143 ) . 

( 30 ) إن إحساس العاشق بوجوده الخاص يجعله غافلا عن حقيقة المعشوق . فهذا الإحساس الذاتي حجاب للرؤية الحقيقية . العاشق ميت ، ما لم يفن وجوده في ذات المحبوب الحي الخالد . 


( 31 ) رعاية العشق للعاشق ، أن يحل في قلبه ، فيطهره وينقيه من الأنانية والغرور . 
فإذا لم يحدث هذا فإن الإنسان يبقى تعساً كطائر بلا جناح ، يريد أن يحلق لكن وسيلة التسامي لا تكون متوفرة له . 
وحب الخالق ينبع من الخالق . 
فكل من لم تضطرم نفسه بهذا الحب ، فقد حرم أسمى الهبات . 

( 32 ) نور الحبيب هو نور اللَّه . والعقل لا يدرك ما يحيط به إلا إذا أضاء السبيل له نور الحق . 


( 34 ) إن النفس الصافية كالمرآة الصافية ، تعكس ما يتجلى فوق صفتحتها . أما النفس الكدرة فهي كالمرآة التي علاها الصدأ . 

.

الشروح والدراسات المثنوي المعنوي كاملة الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 50 - 245 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالثلاثاء أغسطس 25, 2020 7:38 am

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 50 - 245 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 50 - 245 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 50 - 245 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 50 - 245

شرح حكاية عشق ملك لاحدى الجواري وشراء الملك هذه الجارية
( 50 ) المؤمن بالإرادة ، تكون روحه مقترنة بمفهوم عبارة” إِنْ شاءَ اللَّهُ “ *، وهو سواء نطق بهذه العبارة ألم لم ينطق بها ، فإن أعماله تكون مبنية على هذا الاعتقاد . 

( 57 ) لجّة الفناء هي لجة إفناء الذات ، وذلك بالتخلص من كل إحساس ذاتي . ويتحقق هذا للصوفية بأن تنصرف كل جارحة من جوارحهم إلى الخالق ، وتنفصل عما يربطها بدنيا المحسوسات والعالم الظاهري . 

( 70 ) يرى الصوفية أن هذا العالم خيال . ويربط الجيلي في كتابه الإنسان الكامل بين هذه الفكرة وبين حديث مرويّ عن الرسول نصه :

“ 469 “

“ الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا “ “ 1 “ . 
( 80 ) في هذا البيت إشارة إلى المنّ والسلوى اللذين أنزلهما اللَّه على قوم موسى “ 2 “ . 


( 81 ) إشارة إلى قوله تعالى رواية عن بني إسرائيل :” وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها “. ( 2 : 61 ) . 


( 83 ) قصّ القرآن الكريم أن الحواريين طلبوا إلى عيسى أن يدعو اللَّه لينزل لهم مائدة من السماء ففعل .” قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا ، وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ ، وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ . قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ . . “( انظر سورة المائدة ، 5 : 111 - 115 ) . 


( 111 ) إذا كان العشق للجمال الدنيوي ( هذا هذا الجانب ) ، أو لجمال العالم الروحي ، فإنه يقودنا آخر الأمر إلى عالم الروح . فكل جمال في هذا الكون مستمدّ من جمال خلاق الوجود ، فهو المرج والمقصد الأسمى لكل محبّ للجمال . 


( 117 ) هذا العالم المادي ليس إلا ظلا ، ومن ورائه تكمن الحقيقة الكبرى . وقد رمز الشاعر لها بالشمس . ولكن هذه الشمس الخالدة ليست كالشمس التي نراها في هذه الدنيا ، فنورها أزلي خالد لا يغيب . 


( 118 ) وهذا الظلّ ، أي العالم المادي يجيء بالنوم . والمراد بقوله : 
“ يجيء بالنوم “ أنه يجعل الإنسان غافلًا عن الحقيقة العظمى المستترة وراء هذا الكون كله ، فهو يلهي الإنسان ، كما تلهيه الأسمار والمجالس . 
ولكن حين تشرق على القلب شمس الحقيقة ، يبدد نورها كل نور وهمي
...............................................................
( 1 ) الجيلي : الإنسان الكامل ، ج 2 ، ص 27 . القاهرة ، 1293 . 
( 2 ) قرآن ، 2 : 57 ، وكذلك 7 : 160 .



“ 470 “


مستعار ، فالشمس حين تشرق ، ينشق القمر . وانشقاق القمر مقترن بالبعث ، وكذلك إشراق الحقيقة على البشرية بصورة واضحة شاملة ، فيه بعث للروح من غفلتها . 


( 123 ) شمس الدين المقصود هنا هو شمس الدين التبريزي . وقد كان هذا صوفياً متجولًا نزل بقونيه . ولقيه جلال الدين هناك ، فوجد فيه الإنسان الكامل ، والمثل الأعلى لما يمكن أن يطمح إليه البشر . وقد أهمل الشاعر تلاميذه - بعد لقاء هذا الرجل - وتفرغ لصحبة هذا الصوفي ، مما أثار غضب هؤلاء التلاميذ فأخرجوا هذا الدخيل على أستاذهم من قونيه ، وطاردوه . وقد حزن جلال الدين كثيراً لفراق هذا الصديق ، ونظم كثيراً من غزلياته الصوفية التي تخلص فيها باسمه ، ونسب إليه في النهاية ديوانه المشتمل على أشعاره الغزلية ، فأسماه ديوان شمس تبريز . وقد قتل التبريزي في النهاية ، فحزن عليه جلال الدين أعمق الحزن . 
ومما قاله في رثائه : 
“ من ذا الذي قال إن شمس الروح الخالدة قد ماتت ؟ 
ومن الذي تجرأ على القول بأن شمس الأمل قد تولت ؟ 
إن هذا ليس إلا عدواً للشمس وقف تحت سقف ، وربط كلتا عينيه ثم صاح . ها هي ذي الشمس تموت ! “ 


( 125 ) ذكر شمس الدين قد نبّه روح الشاعر ، وأيقظ فيه أحاسيسه ومشاعره الروحية ، فكأنه قميص يوسف الذي أيقظت رائحته في يعقوب مشاعر الحب والحنان . وقد عبر عن وسيلة التنبه الروحي بصورة حسية ، إذ قال إن نفس شمس الدين جذب ذيل رداء روحه . 


( 128 ) الفناء الصو في هو التخلص من الذات الإنسانية ، والاتحاد بالذات الإلهية . وهو يختلف عند الصوفية عن عقيدة ن في الذات عند الهنود ، وتعرف هذه بالنرقانا . فالفناء عند الصوفية المسلمين حالة إيجابية قرينة في مدلولها للبقاء ، فالإنسان يفنى ليبقى ويخلد . والشاعر



“ 471 “


يقول إنه في حالة الوحدة كلت أفهامه أمام ما يشهد ، وما يستشعره ، فأصبح غير قادر على أن يحيط بأوصاف الثناء . وفي قصة المعراج أن اللَّه خاطب الرسول صلى اللَّه عليه وسلم بقوله “ أثن عليّ “ ، فأجاب الرسول قائلًا : “ لا أحصي ثناء عليك “ . فالشاعر كتب هذا البيت وفي ذهنه هذا الحديث . 


( 135 ) الصوفية يؤمنون بكتم أسرارهم . وهم لا يبوحون بمكنون قلوبهم إلا لمن بلغوا شأوا عالياً في التصوف . يقول القشيري : “ ويطلق لفظ السر على ما يكون مصوناً مكتوماً ما بين العبد والحق سبحانه في الأحوال ، وعليه يحمل قول من قال : “ أسرارنا بكر لم يفتضّها وهم واهم . ويقولون صدور الأحرار قبور الأسرار “ . ( الرسالة ، ص 45 ) . 


( 139 ) لو تجلّت حقيقة الذات الإلهية لإنسان لما استطاع الصمود أمامها . ومن أمثلة ذلك بالنسبة للجماد قصة جبل الطور الذي اندك حين تجلى عليه الخالق . 


( 149 ) يروي جلال الدين هنا قصة معروفة ، رواها ابن سينا في كتاب القانون ( ص 316 - عن الحبّ ) . ورواها كذلك - بصورة مختلفة بعض الاختلاف - نظامي عروضي سمرقندي في كتابه “ المقالات الأربع “ ( ص 78 من النص الفارسي ، طبعة لندن ) . وقد روى الشهرستاني هذه القصة في حديثه عن طبيب اليونان “ بقراط “ . ولم يكن الطبيب الذي قام بالعلاج في القصة سوى بقراط نفسه . 
أما بطل القصة فأمير “ عشق جارية من خطايا أبيه ، فنهك بدنه واشتدت علته ، فأحضر بقراط فجس نبضه ، ونظر إلى تفسرته ، فلم ير أثر علة . 
فذاكره حديث العشق فرآه يهشّ لذلك ويطرب ، فاستخبر الحال من حاضنته فلم يكن عندها خبر . وقالت : ما خرج قط من الدار . 
فقال بقراط للملك : مر رئيس الخصيان بطاعتي ، فأمره بذلك . فقال :



“ 472 “


أخرج عليّ النساء ، فخرجن ، وبقراط واضع إصبعه على نبض الفتى . 
فلما خرجت الحظية اضطرب عرقه وطار قلبه ، وحار طبعه ، فعلم بقراط أنّها المعنية لهواه “ . ( الشهرستاني ، ج 2 ، ص 118 - القاهرة ، 1956 )
 . ورواية الشاعر تختلف في بعض تفاصيلها عن الرويات السابقةعليه ، كما أنّ الشاعر - على عادته - يستخدم تفصيلات القصة أساساً لحكم كثيرة استنبطها من ثناياها .
[ شرح من بيت 150 إلى 300 ] 
( 150 ) لا يترفع الشاعر على العادات والتقاليد الشائعة بين الناس ، فهو يذكرها في شعره ، لو كانت لها قيمة إيضاحية . وهو يصور في هذا البيت الطريقة التي يخرج بها العاميّ - الذي يسير حافى القدمين - شوكة أصابت قدمه . ولكنّه ينتقل من هذا ليتحدث في البيت التالي عن الأشواك التي تصيب القلوب ، وهي الهموم والوساوس والأوهام . 


( 165 ) الخبز والملح ، كناية عن الشعرة ، كما هو معروف . فمعنى البيت أنّ الجارية حدّثت الطبيب عن الأماكن التي عاشت بها ، والناس الذين عاشرتهم في تلك الأماكن . 


( 206 - 227 ) الحسن الظاهريّ قد يكون سبباً لهلاك الروح . 
ويضرب الشاعر لذلك أمثلة معبِّرة في بعض هذه الأبيات . 


( 222 - 224 ) يتحدّث الشاعر في هذه الأبيات عن القصة ومغزاها . 
وعنده أنّها ليست قصة جريمة . فهذا القتل الذي وقع على الرجل . 
حدث لأنّ هذا الرجل قد قتل بجسده روحَه ، فاستحق الجسدُ الموت من جراء ذلك . وهناك أنواع من القتل لا تدخل في عداد الجرائم ، ومن أمثلة ذلك قتل الخضر للغلام ، وقد ذُكرت في القرآن الكريم قصة ملاقاة الرجل الصالح ( الذي يقال إنه الخضر ) لموسى ، وقتله الغلام على مرأى منه . قال تعالى في سورة الكهف :” فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً “. ( 18 : 73 ) .



“ 473 “


( 240 ) يُروى عن الرسول حديث بهذا المعنى نصه : “ إذا مُدح الفاسق غضب الربّ واهتز لذلك العرش “ . 


( 245 ) الخالق واسع الكرم إزاء عباده ، فهو - إذا جرّدهم من حياة تافهة ، وهبهم عوضاً عنها حياة عامرة عظيمة ، تعدل مائة حياة مما اعتادوا عليه . ومما روي في الحديث القدسيّ عن الرسول : “ أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر 
.
الشروح والدراسات المثنوي المعنوي كاملة الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 246 - 325 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالثلاثاء أغسطس 25, 2020 7:39 am

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 246 - 325 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 246 - 325 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 246 - 325 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

شُروح وَدرَاسَات الأبيات  من 246 - 325

شرح حكاية البقال والببغاء وإراقة الببغاء الزيت في الدكان

( 246 ) الواجب على الإنسان ألا يقيس كل أمر بمقياسه الخاص، وألا يتخذ من نفسه ميزاناً لتقدير كل الأمور حتى ما كان منها خارجاً عن مدركاته. 
( 288 ) المروزي هو المنسوب إلى مدينة مرو وأما الرازي فهو المنسوب إلى الري ، وهذان يتصاحبان على الطريق ، لكنهما في النهاية يفترقان ، إذ يمضي كل منهما إلى مدينته . 


( 296 )” أُمُّ الْكِتابِ “ *ذكرت مرات عديدة في القرآن الكريم ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى :” يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ “. ( 13 : 39 ) . 
والتفاسير السنية - في أغلب الأحوال - تذكر أن أم الكتاب هي “ اللوح المحفوظ “ الذي سُجّل فيه ما كان وما يكون . 
وقد عبر الجيلي - في كتابه الإنسان الكامل - عن معنى” أُمُّ الْكِتابِ “ *بعبارات فلسفية صوفية إذ قال : “ اعلم أن أم الكتاب عبارة عن ماهية كنه الذات المعبر عن بعض وجوهها بماهيات الحقائق ، التي لا يطلق عليها اسم ولا نعت ، ولا وصف ولا وجود ولا عدم ، ولا حق ، ولا خلق ، والكتاب هو الوجود المطلق الذي لا عدم فيه ، وكانت ماهية الكنه أم الكتاب لأن الوجود مندرج فيها اندراج الحروف في الدواة “ . ( الإنسان الكامل ، ج 1 ، ص 75 ) . ويفرق الجيلي بين” أُمُّ الْكِتابِ “ *وبين “ اللوح المحفوط “ . يقول عن “ اللوح المحفوظ “ :


“ 474 “

“ اعلم - هداك اللَّه - أن اللوح المحفوظ عبارة عن نور إلهي حقي متجل في مشهد خلقي ، انطبعت الموجودات فيه انطباعاً أصلياً ، فهو أم الهيولى لأن اليهولى لا تقتضي صورة إلا وهي منطبعة في اللوح المحفوظ . . . “ ( ج 2 ، ص 6 ) . 

( 297 ) المؤمنون والكفار يعيشون معاً في هذه الدنيا ، وكل من هذين الفريقين لا يمتزج بالآخر ، فهما كالبحر العذب والبحر الملح بينهما برزخ لا يبغيان تجاوزه وتخطيه . 

( 289 ) الخالق أصل كل شيء ، ولا يكون في الكون شيء بدون مشيئته أو رغم إرادته . 

( 299 ) المحك هو العرفان الصوفي ، فهو الذي يجعل الإنسان قادراً على تمييز الحق من الباطل . وهذا العرفان المبني على الكشف هو المحك الصادق عندهم . أما العقل والحواس فغير قادرة على هذا التمييز . وفي البيت التالي ( رقم 300 ) إيضاح لهذا المعنى .

[ شرح من بيت 300 إلى 450 ] 
( 313 ) يتحدث الشاعر هنا عن لون من الحيرة ليس مصدره الجهل وإنما هو مبني على الحب والإعجاب . وهذا الحب والإعجاب - حينما عظما وتزايدا - أصبحا بمثابة الحيرة والعجب . فالحيرة هنا حيرة العالم أمام روعة ما يعلم وليست حيرة الجاهل العاجز عن إدراك الأشياء ، كأنما هو قد ولاها ظهره . 

( 316 ) يميل بعض شراح المثنوي إلى أن يفسروا هذا البيت على أنه يشير إلى المبايعة المعروفة عند الصوفية ، والتي تقترن بالمصافحة بالأيدي بين الشيخ والمريد . ولكن صيغة البيت يمكن أن تنطبق على العلاقات العادية بين الناس ، تلك التي تفرض على كل إنسان ينشد السلامة والأمان ألا يتعامل مع كل من يعرض له من الناس ، وإنما يختار من يستطيع الركون إليهم ، وإلى صدق وفائهم .


“ 475 “

( 321 ) كان من المعتاد أن بعض المتسولين يصنعون من الصوف تماثيل للأسود يستخدمونها في تسولهم . 

( 325 ) جوهر الرسالات السماوية واحد . ولقد جاء كل رسول في أحد الأدوار الزمنية ، وحمل إلى البشر رسالة السماء . وما دام الجوهر واحداً فلا ينبغي التفريق بين الرسل . 
.
الشروح والدراسات المثنوي المعنوي كاملة الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 326 - 727 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالثلاثاء أغسطس 25, 2020 7:41 am

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 326 - 727 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 326 - 727 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات من الأبيات 326 - 727 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 326 - 727

شرح حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى 

( 325 ) جوهر الرسالات السماوية واحد . ولقد جاء كل رسول في أحد الأدوار الزمنية ، وحمل إلى البشر رسالة السماء . وما دام الجوهر واحداً فلا ينبغي التفريق بين الرسل . 

( 326 ) هذا الملك كان مصاباً بحول عقلي ، جعله يرى الجوهر الواحد جوهرين فيفرق بين الرسل الذين سلكوا جميعاً أقوم السبيل وأهداها . 

( 327 - 332 ) كانت هذه القصة معروفة قبل جلال الدين . 
وقد ذكر نيكولسون النص التالي من “ أسرار نامة “ للعطار :
يكي شاگرد أحول داشت أستاد * مگر شاگرد را جايي فرستاد 
كه ما را يك قرابه روغن آنجاست * بياور زود آن شاگرد برخاست 
چو آنجا شد كه گفت أو ديده بگماشت * قرابه چون دو ديد أحول عجب داشت 
براستاد آمد گفت أي پير * دو ميبينم قرابه من چه تدبير 
زخشم أستاذ گفتش أي بداختر * يكي بشكن دگر يك را بياور 
چو أو در ديدن أو شك نميديد * بشد اين يك شكست اين يك نميديد


وترجمة النص كما يلي : 
“ كان لأستاذ تلميذ أحول ، فأرسله إلى أحد الأماكن ( قائلًا ) : 
“ إن لي زجاجة هناك ، فسارع بإحضارها “ . فقام التمليذ ، وحينما وصل إلى حيث أمره أستاذه ، أرسل الطرف ، فلما رأى الزجاجة اثنتين ، عجب الأحوال ! فذهب إلى أستاذه وقال : “ أيها السيد ! إني أرى زجاجتين ، فما التدبير ؟ “ فقال الأستاذ غاضباً : “ أيها السيء الطالع ! اكسر واحدة وأحضر الأخرى ! “


“ 476 “

فهذا الأحول - إذ لم يشك في إبصاره - كسر إحدى الزجاجتين فلم ير الأخرى ! “ وليس معنى هذا أن جلال الدين اقتبس القصة من “ أسرار نامه “ . 
ذلك لأنها كانت من القصص الشعبية التي استخدمها الشعراء ، واستخلصوا العبرة منها ، كل على طريقته . وجلال الدين يستخدمها لينطلق منها إلى الحديث عن الميل مع الهوى الذي وصفه بأنه حول عقلي يعمي عن الحق . 

( 333 ) “ الغضب والشهوة يجعلان الرجل أحول “ . هذا القول ينطبق على حقيقة مشهوة هي أن الغضب لا يتيح للإنسان أن يرى الأشياء على حقيقتها . وكذلك الشهوة . فهذان يفعلان بالعقل ما يفعله الحول بالعين . 

( 338 ) عبر الشاعر عن مقدرة الوزير على الغش والخداع بأنه كان يستطيع أن يربط في الماء عقداً . 

( 340 ) الدين المستقر في القلب لا يمكن أن يُعرف ، وليس كالأفعال الظاهرة يمكن إدراكه ، ومحاسبة الناس عليه . 

( 366 ) الغول هو ذلك الكائن الأسطوري الذي ورد في أساطير العرب . وقد صووه بأنه يظهر للناس في الصحراء ويحاول أن يضلهم السبيل ويقودهم إلى التهلكة . والنفس الغول هي النفس التي بأهوائها تقود صاحبها إلى الهلاك بعد أن تخرج به عن سبيل الصدق والاستقامة ، وتذهب به كل مذهب . 

( 370 ) يتجلى ذلك في مبالغة بعض الصحابة في التعبد ، واتهام النفس ، بصورة جعلت الرسول يدعوهم إلى التزام الاعتدال ، حتى في النسك والعبادة . 

( 373 ) الدجال هو الذي يكون ظهوره - على ما يُروى - من


“ 477 “

علامات اقتراب الساعة . وسوف يحكم أربعين يوماً ثم يقضي عليه المسيح عيسى بن مريم . 
يقول الجيلي في كتاب الإنسان الكامل ( ج 2 ، ص 55 ) : “ ومن أمارات الساعة الكبرى خروج الدجال ، وأن تكون له جنة عن يساره ونار عن يمينه . وأنه مكتوب بين عينيه كافر باللَّه ، وأنه يعطش الناس ويجوعون حتى لا يجدوا مأكلا ولا مشربا ، إلا عند هذا الملعون . 
وأن كل من آمن به فإنه يسقيه من مائه ويطعمه من طعامه ، ومن أكل من ذلك أو شرب منه لا يفلح أبداً.
 وأنه يدخل المؤمن به جنته ، ومن دخل جنته قلبها اللَّه عليه ناراً . 
وأنه يدخل من لا يؤمن به ناره ومن دخل ناره قلبها اللَّه عليه جنة . وأن من الناس من يأكل من حشيش الجزر إلى أن يرفع اللَّه عنه هذا الضر . 
وأن اللعين لا يزال يدور في أقطار الأرض إلا مكة والمدينة فإنه لا يدخلهما . 
وأنه يتوجه إلى بيت المقدس ، فإذا بلغ رملة لدّ وهي قرية قريبة من بيت المقدس ، بينهما مسيرة يوم وليلة ، أنزل اللَّه عيسى عليه السلام على منارة هناك ، وفي يده الحربة ، فإذا رآه اللعين ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فيضربه بالحربة فيقتله “ . 


( 374 - 380 ) في هذه الأبيات صورّ الشاعر ضعف الإنسان أمام مغريات الحياة ، وكيف أنها تقوده إلى الوقوع في أحابيل المعاصي . 
وهناك قوة الخير تخلصه كل مرة ، ولكنه يعود فيقع من جديد في تلك الشباك . 
ويرسم الشاعر بصوره الفنية الوسيلة التي تؤدي إلى سدّ الثغرات التي يتطرق منها الهوى إلى نفس الإنسان . 

( 377 ) القمح رمز للأعمال الصالحة التي يعملها الإنسان . فهو يجتهد في الإتيان بهذه الأعمال ويبذل جهده ، ولكنه رغم ذلك لا يجد حصيلة كبيرة ، لأن السيئات تذهب بالحسنات ، فلا يجد له رصيداً كبيراً ، رغم توهمه أنه قد تملك مثل هذا الرصيد .


“ 478 “

( 378 ) الفأر هنا رمز للسيئات ، والقمح رمز للحسنات . فالسيئات تفعل بالحسنات ما يفعله الفأر بالقمح . 

( 379 ) منذ وجد الهوى سبيله إلينا ، قضى على ما قدمناه من حسنات “ . 

( 380 ) اعملي أيتها النفس على مقاومة الهوى ونزواته ، ثم اجتهدي بعد ذلك في إتيان الحسنات . 

( 387 ) قوة اللَّه الخيرة تجعل الإنسان في مأمن مهما أحاطت به خدع الشيطان وفخاخه . 

( 388 ) النوم يحرر الروح من سلطان الجسد . والشاعر في الشطر الأول من البيت يشبه الجسد بفخ يمسك بالروح . 
أما اقتلاع الألواح الذي ذكره الشاعر في الشطر الثاني من البيت ففي رأيي أنه صورة ثانية لتحرير الروح من سجن الجسد . ففي النوم تقتلع ألواح هذا السجن ، وتنطلق الروح . 
فالجسم الذي تجتلى إرادته في الحواس ، يصبح عديم الإرادة حين النوم ، ولا يبقى له سلطان على الروح . فالعين لا لا تبصر والأذن لا تسمع والأنف لا يشم وهكذا .
وطبيعي أن هذا الفهم مرتبط بفهم الأقدمين للأحلام وطبيعتها . 
وقد تغيرت مدلولات الحلم بصورة جوهرية بعد أن أعلن فرويد نظرياته في تفسير الأحلام . 
وقد ذهب نيكولسون في ترجمته إلى أن الألواح هي العقول الواعية ولست أوافقه على ذلك . 


( 392 ) العارفون نائمون عن هذه الدنيا ، فهم - حتى في يقظتهم - منصرفون عنها كأنهم نيام . وهم في ذلك يشبهون أهل الكهف ، الذين ناموا السنين الطوال ، وكانوا يتقلبون في النوم فيبدون أيقاظاً وهم رقود . 
( 393 ) العارفون لا يحتاجون إلى النوم ليصرفهم عن أحوال الدنيا ، فهم نائمون عنها بالليل وكذلك بالنهار ، وقد تخلصوا من إرادتهم ،


“ 479 “

واستسلموا لخالقهم استسلاماً كاملًا ، وكأنهم قلم في قبضته . 
( 395 ) عامة الخلق لا يغلب حواسهم ، ولا يخلصهم - بعض الوقت - من سيطرتها عليهم ، سوى النوم . 
( 397 - 400 ) عند النوم تنطلق الروح من الجسد لكنها تعود إليه عند اليقظة . وهي تفارقه مفارقة كاملة عند الموت . فاللَّه يقبض الأرواح عند النوم ثم يرسلها فتعود إلى أجسادها . 
قال تعالى في سورة الزمر :” اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “. ( 39 : 42 ) . 

( 401 ) شبّه الأرواح المنطلقة ساعة النوم يجياد ترتعي في مرج واسع ، وقد رُبطت أقدام كل منها بوثاق طويل ، فهي منطلقة ولكنها في ذات الوقت مقيدة . وقد قال طرفة في معلقته بيتاً ينطوي على مثل هذه الصورة عن الإنسان ومصيره المحتوم .لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى * لكالطول المرخى وثنياه باليد.

( 405 ) وكثيرون هم الذين ناموا عن أحوال الدنيا ، فلم يعد لها تأثير عليهم ، ولجأوا إلى كهف روحي عصمهم من الشهوات . 


( 406 ) لا يستطيع أحد أن يدرك أحوال هؤلاء العارفين إلا إذا كان شبيهاً بهم . أما من يكون بالنسبة غارقاً فلا الحسّ ، فلا جدوى له من وجود هؤلاء إلى جانبه ، فمثله - بالنسبة للمدركات الروحية - كمن ختم اللَّه على بصره بالنسبة للمدركات الحسيّة . 

( 407 - 408 ) اتخذ الشاعر عن قصة ليلى والمجنون مثالًا للعشق الصوفي . فلالحب هو الذي يجعل المجنون ينظر إلى ليلى بكل هذا الإعجاب ، حتى يخرجه حبها عن عقله ، على حين أن هذا لم يحدث لغيره ، لأنه لم يتملكه هذا الحب . وحب المجنون هنا رمز للتنبه الروحي ، أما سؤال الخليفة فدليل على الوقوف عند الحس ومدركاته ، وهذا ما


“ 480 “

جعله يتساءل عما جعل المجنون يفقد عقله من أجل مثل هذه المرأة التي لم تكن تتميز بجمال ظاهري خاص . 
( 410 ) عندما لا تكون الأرواح مستقيقظة للحق ، فإن اليقظة تكون مثل قضبان السجون ، لأنها - حينذاك - تكون يقظة حسية تجلس الإنسان في نطاقها ، وتجعل السبيل مستغلقاً أمام الروح ومدركاتها . 
 

( 417 ) طائر السماء يمثل الوجود الحقيقي ، بينما الظل يمثل الخيال والوهم . فالأبله يسعى جاهداً وراء هذا الخيال حتى تنفد قواه ، ولا يحقق من وراء ذلك شيئاً . 


( 422 ) لو أن مرشداً كاملًا رعى هذا الغافل الخلصه من الخيال ، وما يلقيه في نفسه من أوهام . 
( 425 ) أشار الشاعر في هذا البيت إلى قوله تعالى :” أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا . ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً “. ( 25 : 45 - 46 ) . 
والشاعر يفسر الظل هنا بأنه صورة أولياء اللَّه . والظل يتبع الشمس ، وكذلك هؤلاء الأولياء ، يتبعون شمس الحقيقة ، وهم الدليل المنبىء عن وجودها كما أن الظل دليل على وجود الشمس . 


( 426 ) على الطالب أن يسترشد في سيره بدليل يكون من رجال الحق المخلصين . وهذا الدليل يجب ألا يكون من الآفلين ، بل يكون مستمداً نوره من النور الخالد الذي لا يخبو . وفي البيت إشارة إلى قصة الخليل المروية في القرآن الكريم .” وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ “. ( 6 : 75 - 76 ). 

 ( 428 ) حسام الدين هو حسن حسام الدين تلميذ الشاعر وصديقه .


“ 481 “

وكان جلال الدين يملي عليه المثنوي . وقد أشاد به في المقدمة المنثورة المثنوي ، وكذلك في الأبيات الأولى من كل جزء من المنظومة ما عدا الجزء الأول . وقد أصبح حسام الدين شيخاً للطريقة المولوية بعد وفاة جلال الدين عام 672 هـ ، وبقي كذلك حتى توفى في عام 683 هـ .


( 429 ) يحذّر الشاعر تلاميذه من الحسد . وقد كان هؤلاء التلاميذ يغارون من أصدقاء جلال الدين وتلاميذه المقربين إليه ، من أمثال شمس الدين التبريزي وحسام الدين . وقيل إنّ شمس الدين قد ذهب ضحية لهذا الحسد . 


( 433 ) يقصد هنا جسد الأنبياء والأولياء . 
( 434 ) يشير هنا إلى ما أمر به اللَّه إبراهيم وإسماعيل من تطهير الكعبة من الأصنام . والظاهر أنّ الشاعر قد اتخذ من ذلك رمزاً لتطهير القلب من أوثان الهوى والشهوات . وإذا طهر القلب طهر الجسد أيضاً . 
فالسجم مستقرّ القلب والروح ، والمنطوي على النور وإن كان سره في التراب . 


( 440 ) الإدراك الروحي يقود الإنسان إلى عالم الروح المفعم بأريج المعرفة ، فمن أفقد نفسه مثل هذا الإدراك فلا سبيل له إلى تلك الديار . 


( 442 ) من وهب المعرفة الروحية ثم لم يقم بالشكر عليها ، فهو فاقد للحواس ، غير أهل لتلقي مثل هذه المعرفة . 
( 443 ) الشاكرون ، هم رجال اللَّه المقدّرون لنعمة المعرفة الروحية الشاكرون ربهم على تلقيها . 
( 463 - 499 ) الأقوال المذكورة في هذه الأبيات تتناول مبادئ عامة عن الإنسان وموقفه من الخالق . 
وكلها مبادئ متناقصة تمثل إتجاهات ومواقف مختلفة . وقد نسبها الشاعر إلى الوزير المخادع الذي علمّ كل فريقّ من النصارى مبدأ يناقض ما علمّه للفريق الآخر ، ليوقع الفتنة بين أتباع المسيح . وقد ذكر نيكولسون في التعليق على هذه الأبيات أنها تنضمن آراء إسلامية ، وإن كان لا يستبعد أنّ هذه الآراء تأثرت في أوائل عهدها بالمسيحية فكراً وعملًا . ولست أرى أنّ هذه



“ 482 “


الآراء قابلة لأن تنسب إلى الإسلام دون المسيحية ، فكلها مبادئ عامة في السلوك الإنساني وموقف الإنسان من اللَّه ، وليست ذات طابع مذهبي محدد .


[ شرح من بيت 450 إلى 600] 
( 465 ) الرياضة هي مقاومة الإنسان لغرائزه ورغباته . والجوع إحدى الرياضات . وقد جعله الوزير - في أحد منشوراته - شرطاً للتوبة والرجوع إلى اللَّه . 
( 467 ) قوله : “ إن جوعك وجودك إشراك منك بمعبودك “ ، يراد به أن كل عمل من أعمال العبادة يشعر الإنسان بوجوده الذاتي في مواجهة خالقه ، لا يعدو أن يكون من قبيل الشرك . 
( 470 - 471 ) يعبرّ الشاعر في هذين البيتين عن فكرة الجبر وأن كل أعمال العباد مفروضة عليهم . وليست أوامر اللَّه ونواهيه ممكنة الاتباع وإنما هي لبيان عجز الناس أمام اللَّه . 


( 472 - 473 ) في هذه البيتين إثبات لقدرة الإنسان على خلق أعماله ودعوة له إلى اعتبار هذه القدرة نعمة وهبها الخالق للإنسان . 


( 474 ) لا تنظر إلى ذاتك ، ولا إلى قدرتك وعجزك ، وعليك ألا ترى شيئاً سوى الخالق . وكل ما اتسع له بصرك بعد ذلك فهو وثن . 
( 475 ) انظر إلى ما حولك ، ولا تغفل عما يحيط بك . فالبصر هو الذي ينير لك السبيل للتأمل الباطني . 


( 477 - 479 ) في هذه الأبيات دعوة إلى الانصراف عن الدنيا . 
فكل من تخلى عما حوله من المرئيات ونام عنها ، وهبه اللَّه نور الباطن الذي يجعله ينعم بآلاف المشاهد الروحية . ومع هذا ، تقبل عليه الدنيا ، لأنها كالمرأة المحبوبة تقلع عن دلالها ، وتسعى إلى حبيبها ، حينما تلمس فيه الصبر على هجرانها . 


( 480 - 481 ) في هذين البيتين دعوة إلى أن ينطلق الإنسان على طبيعة ، يلذّ بما يجد مذاقه سائغاً ، ولا يقاوم رغبات نفسه .



“ 483 “


( 482 ) يتضمن هذا البيت دعوة إلى مقاومة النفس وميلها ، فهو على نقيض البيتين السابقين . 


( 485 - 487 ) في هذا الأبيات دعوة إلى حياة القلب والروح وإلى نبذ حياة المادة والحس . فحياة القلب هي الحياة الحقيقة وأما حياة الحس فلا حاصل لها ولا ثمرة . 
( 490 - 492 ) دعوة إلى اتخاذ مرشد يكون وسيلة إلى الهداية وعاصماً من الزلل . وتعزو هذه الأبيات ضلال الأمم إلى أنها اتبعت هواها ، ولم تستعن في سلوكها بالمرشدين من أهل السداد والكمال . 


( 493 - 494 ) على النقيض من الأبيات السابقة دعا الوزير في هذين البيتين إلى نبذ المرشد والاعتماد على النفس اعتماداً كلياً . 
( 495 ) في هذا البيت تعبير عن مذهب وحدة الوجود . فكل ما في الوجود يرمز إلى كل واحد وإلى حقيقة واحدة . 


( 496 ) يسخر الوزير في هذا البيت من فكرة وحدة الوجود ، على عكس ما فعل في البيت السابق ، إذ جعلها أساساً لإحدى دعاويه . 


( 500 - 501 ) يربط الثعلبي في كتابه قصص الأنبياء “ 1 “ بين عيسى في صباه وبين صناعة الصباغة . يقول : “ قال عطاء : سلمت مريم عيسى - بعد أن أخرجته من الكتّاب - إلى أعمال شتى ، فكان آخر ما دفعته إلي الصباغين ، فدفعته إلى رئيسهم ليتعلم منه ، فاجتمع عنده ثياب مختلفات ، فعرض للرجل سفر ، فقال لعيسى . إنك قد تعلمت هذه الحرفة ، وأنا خارج في سفر ، لا أرجع إلى عشرة أيام . 
وهذه ثياب مختلفات الألوان . وقد علمت كل واحد منها على اللون الذي يصبغ به فأحب أن تكون فارغاً منها وقت قدومي . ثم خرج فطبخ عيسى عليه السلام جباً واحداً على لون واحد . وأدخل فيه جميع الثياب ، وقال
...............................................................
( 1 ) طبعة القاهرة ( مكتبة الجمهورية المصرية ) ، ص 439 ، 440 .



“ 484 “


لها : “ كوني بإذن اللَّه على ما أريد منك “ فقدم الصباغ والثياب كلها في جب واحد . فقال : “ يا عيسى ! ما فعلت ؟ “ قال : فرغت منها . 
قال : أين هي ؟ قال : في الجب . فقال : كلها ؟ قال : نعم . قال : كيف تكون كلها في جب واحد ؟ لقد أفسدت الثياب . قال : قم فانظر ، فقام فأخرج عيسى ثوباً أصفر وثوباً أخضر وثوباً أحمر إلى أن أخرجها على الألوان التي أرادها . فجعل الصباغ يتعجب ، وعلم أن ذلك من اللَّه عز وجل “ . 
وليس مفهوم هذه المعجزة المنسوبة إلى عيسى بمنطبق على بيتي جلال الدين . 
ولكنّ جبّ الصباغة الذي استخدمه المسيح - كما تذكر هذه المعجزة - وعاء عجيب ، والشاعر متفق مع القصة في ذلك . 
وهذان البيتان يعبران بطريقة رمزية عن رسالة عيسى المبنية على المحبة ، والتي عبرت عن جوهر قد تختلف صوره بين عيسى وغيره الرسل ، ولكنه يظل واحداً عند من يتجاوزون الصور الظاهرية إلى الجوهر الحقيقي . ورسالة عيسى إنما هي محاولة لتوحيد البشيرية في ظل عقيدة واحدة تطبعهم بطابع جوهري واحد ، مهما اختلفت أصولهم وأجناسهم . 


( 503 - 504 ) السمك لا يمل اللون الواحد أو اللالون الذي يعيش به وكذلك الصوفية ، لا تلفت أنظارهم تلك الألوان العديدة التي تحفل بها الحياة المادية ، بل يفرون إلى عالم الروح ، عالم الوحدة اللونية ، فهو الذي يجمع الحقائق التي تجردت من الظاهر المادي ، والصورة اللونية . 
وفرارهم من المادة إلى عالمهم كفرار السمك من اليابسة إلى اليّم . 


( 505 ) ذكر القرآن الكريم في مواضع عدة أنّ كل شيء يسبح بمحمد اللَّه ، ومن ذلك قوله تعالى :” تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً “. ( 17 : 44 ) ، وغير ذلك كثير . 


( 517 ) يقول الشاعر إنّ ثناه على الخالق - على تلك الصورة -



“ 485 “


خطأ ، لأنّه يدل على إحساسه بوجود ذاتيّ له ، إلى جانب وجود الخالق ، مع أنّ الأولى هو أن تكون ذاته فانية في ذات الخالق ، فلا يبقى هناك عابد ومعبود ، بل محبّ فني في ذات المحبوب . 


( 519 ) يعزو الشاعر جمود العالم الماديّ إلى غفلته عن الخالق . ولو أنّه أبصر الخالق وعرفه لما بقي له وجود منفصل عنه . 


( 525 ) العالم الماديّ سجن الروح . أما العالم الروحيّ فهو عالم رحب لا يقاس به هذا العالم الماديّ مهما بدا لنا كبيراً فسيح الجنبات . 


( 527 - 529 ) يذكر الشاعر هنا معجزات الأنبياء كدليل على قدرة اللَّه ، تلك التي لا تقارن بها قدرة إنسان مهما عظم . فقدرة اللَّه جعلت عصا واحدة بيد موسى تتغلّب على كل رماح فرعون . وجعلت نَفَسَ المسيح يبرئ ما يعجز عنه طبّ جالينوس . وجعلت محمداً يعجز العرب بالقرآن الذي أنزل عليه مع أنهم كانوا أهل الفصاحة وأساطين البيان . 


( 537 ) يتحدّث الشاعر هنا عن الصراع بين الروح والجسم . الروح تميل إلى الصعود والتسامي على حين أنّ الجسم يميل إلى الهبوط إلى عالم المادة ، عالم الماء والطين ، وما يرتبط به من متع حسيّة . 


( 538 ) إنّ من انطوى كيانه على تلك الروح - ومع ذلك غفل عنها ، ومال إلى ما هو دونها من المادة - قد هبط بنفسه من مقامه العالي ، مقامه الروحي الذي هو فوق وهم العقول إلي مقام ماديّ متواضع ، فإنّه بذلك قد مسخ نفسه . 


( 541 ) آدم الذي خلقه اللَّه على صورته ، وعلمّه الأسماء كلها ، وأمر الملائكة بالسجود له لا ينبغي أنْ يكون أبناؤه على هذا المستوى من الحطّة فيما يتلعق بمقام الروح . 


( 542 - 543 ) يسخر الشاعر من غرور الإنسان وتجبّره وطغيانه . 
فهذا طاغية يتولاه الكبر والغرور ، فتسول له نفسه أنّه قادر على



“ 486 “


امتلاك الدنيا وبسط سلطانه عليها . وإنّ لفتة واحدة من الخالق تقضي على كل هذا السلطان ، وما ارتبط به من طغيان . 
ومهما ساد هذا الطغيان ، وملأ الدنيا ، فليس يعدو أن يكون كالثلج الذي يغطيّها في فصل الشتاء ، فتجيء الشمس ، وبلفحة واحدة منها تبدّده وتقضي عليه ، وعلى كل ما اقترن به من برد واكتئاب . 


( 547 ) عندما حطمّ إبراهيم الأصنام ، ألقي في النار بأمر النمرود ، ولكنّ اللَّه حفظه وجعل النار عليه برداً وسلاماً . قال تعالى :” قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ . قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ “( 21 : 68 ، 69 ) . 


( 548 ) الصوفيّ لا يرى في الوجود فاعلًا سوى اللَّه . أما الأسباب والوسائل التي تقترن بحدوث الأشياء فهي ما تطلبه عقول الناس في هذه الدنيا . فإذا ما انعدمت الأسباب ، وحدثت الأمور من غير أنْ تكون مقترنة بها ، فإنّ العقل تتولاه الحيرة ، وإذ ذاك يمعن في الخيال ، باحثاً عن الأسباب ، ملتمساً الدواعي والمبررات فترد عليه ألوان مختلفة من التفسيرات ، كلها متضاربة غير مقنعة ، ويصل الإنسان - من جراء ذلك - إلى موقف يشبه موقف السوفسطائية ، الذين عُرفوا بأنّهم لم يكونوا يتحققون من شيء . 


( 566 ) لا تستسلموا إلى حواسكم الدنيوية وملذاتها . تخلّصوا من هذه الأحاسيس ، التي تصرفكم عن التأمل الباطني ، وتشكلّ حجاباً كثيفاً أمام أرواحكم . 


( 569 ) ما دمتَ غارقاً في أمور هذه الدنيا ، مشغولًا بخطوبها ، فكيف يتسنّى لك أنْ تلمّ بلمحة من عالم الروح ، ذلك الذي لا ينكشف إلا لمن نام عن هذه الدنيا ، وصرف حواسه وقلبه عن التعلق بها . 


( 571 ) من المعجزات المنسوبة إلى المسيح أنّه مشى على الماء .


“ 487 “


( 572 - 573 ) يذكر جلال الدين البحر في مواضع كثيرة من شعره ويتخذ منه رمزاً لعالم الروح . فالبحر عنده مظهر للوحدة الصورية واللونية ، يظهر للعين متشابهاً ، لا أول له ولا آخر . وغموضه شبيه بالغموض الذي يكتنف عالم الروح ، على حين أن اليابسة تمتاز بتعدد الألوان والأشكال ، فيها السهل والجبلّ ، والصحراء ، والخضرة والجفاف . فهي عالم الصور المتعدّدة ، والمظاهر الماديّة المتنوعة . وهي على عكس عالم الروح الذي تسوده البساطة ، النابعة من الوحدة . 


( 574 ) ماء الحياة ، هو الماء الأسطوري الذي قيل إنّ الإنسان لو شرب منه لتحقّق له الخلود . وقد اقترن ذكره بالخضر ، الذي يقال إنّه شرب من ماء الحياة فتحقّق له الخلود . وهذا الماء قد اقترن بالقصص الأسطورية التي نُسجت حول شخصية الإسكندر المقدوني . فقد ذكر في هذه القصص أن الإسكندر هلك وهو يبحث عن ماء الحياة . 
وقد ذكر ماء الحياة كثيراً في الشعر الفارسي الصوفيّ . يقول سعدي :زكار بسته مينديش ودل شكسته مدار * كه آب چشمهء حيوان دورن تاريكست .( لا تفكر في الأمر العصيّ ولا تكن كسير القلب ، فإنّ ماء نبع الحياة في داخل الظلمات ) . ( الگلستان ، القصة 17 من الباب الأول .  ص 32 ، طبعة نفيسي ، طهران ، 1341 ) . 
فالوزير هنا يقول لأتباعه : إنّ من قضى عمره متعلّقاً بهذه الأرض ، مفتتناً بها ، لا يتسنى له أنْ يجد السبيل إلى ماء الحياة . فلا بدّ لذلك من السعي والبذل والعناء .


[ شرح من بيت 600 إلى 750 ] 
( 603 ) بيّن نيكولسون في تعليقه على هذا البيت كيف أنّ جلال الدين كان يرى هذا النوع من الأعلام في الإمارة السلجوقية التي كان يعيش فيها . فالأمير غياث الدين بن علاء الدين السلجوقى ( 634 - 634645 - 634645 - 645 هـ ) 
حينما تزوج بابنة ملك جورجيا ، ضرب نقوداً فضية



“ 488 “


تحمل صورة أسد تعلوه الشمس . وقد نقل نيكولسون أيضاً نصوصاً تاريخية تثبت أنّ أعلام هذا الأمير كانت تحمل صورة الأسد . ( انظر الجزء الأول من تعليقاته على المثنوي ، ص 56 ) . 


( 606 ) اللَّه هو الموجود الحقيقي الأوحد . ولقد خلق كل شيء من العدم . العدم غدا ملتذاً بالوجود بعد أن أصبح عاشقاً للخالق الموجد . ويرتبط بهذا فكرة الصوفية عن المحبة الإلهية . فالإنسان الذي تحقق له الوجود البشري ، يُفني هذا الوجود في ذات الخالق ليتحقّق له الخلود . إن العدم ينقلب إلى وجود بقوة الخالق . والفناء في الخالق هو سبيل الخلود . وكل شيء منه وإليه . 


( 610 - 611 ) إنّ لطف اللَّه هو الذي جاء بالخلق من عالم الإمكان إلى عالم الوجود . فليس للإنسان اختيار في وجوده ، وإنما لطف اللَّه هو الذي يهب هذا الوجود . والإنسان يتلقى وجوده على الوجه الذي يريده الخالق ، ولا حيلة للإنسان في ذلك ، فهو كالصورة بين يدي المصور ، أو كالطفل في الرحم . 


( 616 - 625 ) يعود الشاعر هنا إلى حديث الجبر والاختيار . وهو يؤمن بالموقف الوسط بين الجبر والاختيار . ويُعتبر أبو الحسن الأشعري أول من نادى بهذا الرأي . كان هذا في أوائل القرن الرابع الهجري بعد أنْ طال الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة . يقول المعتزلة بأنّ الإنسان خالق أفعاله وموجدها . 
أما أهل السنة فيقولون إنّ اللَّه وحده هو خالق كل شيء ولا يد لإنسان في إيجاد عمل من الأعمال . 
ويقف الأشعريّ موقفه الوسط بأن يقول إن اللَّه يخلق الأعمال ويوجدها حين يريدها الإنسان . 
فالإرادة الإنسانية الحرة يقترن بها خلق اللَّه للأفعال وإيجادها
 . ويسوق جلال الدين الأدلة على ذلك . 
ففي غروة بدر كان اللَّه هو الذي رمى الكفار وليس الرسول والمؤمنون . 
وذلّ الإنسان وخضوعه لرّبه هو دليل الجبر ، ولكنّ الخجل من الآثام هو دليل الاختيار . ومن أدلة الاختيار زجر الأساتذة



“ 489 “


للتلاميذ ، وذلك ليحسن اختيارهم لأعمالهم ، وكذلك انصراف خاطر الإنسان عن رأي يكون قد عقد العزم عليه . وإذا مرض الإنسان استيقظ ضميره ، فيتجلىّ له قبح الإثم ويزمع العودة إلى الطريق السويّ . 


( 635 - 636 ) هنا يسخر الشاعر من نفاق البشر . فالمرء إذا عمل عملًا يعجبه ويعتزّ به باهى بمقدرته ، وفاخر بما اقتدر على إنجازه . 
لكنّه إذا أتى أمراً نكرا نسب ذلك إلى ربه ، واعتذر عن إتيانه بأنّ هذا هو ما أراده له اللَّه . 


( 637 ) الأنبياء بزهدهم في هذه الدنيا وانصرافهم عنها ، كأنهّم مجبرون على الإقامة فيها ، هكذا أراد لهم ربهم ، لأداء رسالتهم . 
أما الكفار فمجبرون فيما يتعلق بأمور الآخرة . فاختيارهم إنما هو للدنيا ومتاعها ، أما الآخرة وحسابها فمفروضة عليهم ، ولو تركوا واختيارهم لا ختاروا الخلود في الدنيا . 


( 674 - 675 ) “ من نظر إلى جوهر الرسالات السماوية وجد أنّها واحدة ، فليس من موجب للتفريق بين رسل اللَّه ، فهم حملة رسالة جوهرها واحد ، وإرادتهم هي إرادة اللَّه . وعلى هذا الأساس يرى الصوفية ألا موجب للتفريق بين اللَّه وبين الرسل . فالرسل بإرادتهم قد فنوا في الخالق وتلاشى وجودهم في وجوده . فمن فرق بين اللَّه ورسله يكون قد جرى على مقتضى الصورة الظاهرة ، لا على مقتضى الحقيقة ، فهو من أتباع الشكل لا الجوهر . 
فلا جلاال في أن الرسول يختلف عن الخالق من حيث الصورة ، فالفاني ليس كالأزلي ، لكن رسالة الرسول هي بذاتها رسالة إلهية ، وهي باقية باللَّه “ . 
ويستند الصوفية في ذلك إلى آيات ، منها :” إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ “. 
( 48 : 10 ) ،” وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى “. ( 8 : 17 ) ،” مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ “. ( 4 : 80 ) . 


( 676 - 681 ) قدم الشاعر صوراً توضيحية لوحدة الرسل . فالإنسان
  


“ 490 “


يبصر بنور العينين . ولكن نور كل عين لا يتميز عن نور الأخرى ساعة الإبصار . والمكان قد يضاء بعشرة مصابيح تختلف في صورها الظاهرية . 
لكنه لا يمكن تمييز النور المنبعث من كل من هذه المصابيح . وثمار السفرجل إذا عصرت تحولت كلها إلى طبيعة واحدة متشابهة ، بعد أن كانت ثماراً تختلف في صورها . وفي هذا التوحد والانسجام لا يمكن أن يتميز ماء ثمرة عن ماء الأخرى . 


( 682 - 683 ) يشير الشاعر في هذين البيتين إلى تشبث أكثر الناس بما يقع تحت حسهم ، وعجز أكثرهم عن التجريد ، والنظر إلى ما وراء الصور الظاهرة . 


( 686 - 687 ) لعل في هذين البيتين إشارة إلى نظرية الفيض المعروفة عند الصوفية . فقبل أن تفيض الكثرة عن الواحد ، كان الناس في عالم الروح متحدين ، ولم تكن الأرواح قد حلّت في الأجساد ، واتخذت تلك الصور البشرية . كان الناس جوهراً واحداً كالشمس ، وكانوا متجانسين في صفاء كالماء . وقد ذكر جلال الدين في موضع آخر من المثنوي أنّ روح المؤمنين واحد ، وأنه في إشراقه على الأبدان كالشمس إذ تشرق على المنازل . ففي كل منزل قدر من ضوء الشمس ولكن إذا هُدمت الجدران التي تقصلها فإنّ أضواء هذه المنازل تتحد معاً . وهكذا الأجساد البشرية ، فهي حينما تتحطم ، تصبح أرواح المؤمنين روحاً واحداً “ 1 “ . 
أما تشبيه عالم الروح بالماء أو بالبحر فكثير الورود في المثنوي وذلك لما في الماء من تجانس واتحاد في المظهر ، ولما في البحر من اتساع وعمق وغموض . 


( 690 ) لا يريد الشاعر أن يفيض في شرح آرائه الصوفية ويطيل الحديث عن عالم الروح خشية أن يستمع إلى ذلك من لا يكون ذا مقدرة على فهمه ، فتكون النتيجة على غير ما يُراد . وهذا اتجاه يكاد يكون عاماً عند مفكري الصوفية .
...............................................................
( 1 ) المثنوي ، ج 4 ، 415 - 418 .



“ 491 “


( 691 ) إنّ الفكر الصوفي العميق يفهم على غير وجهه حينما لا يكون عند متلقيه الاستعداد املائم . وقد تؤدي إساءة الفهم إلى القضاء على العقيدة . 


( 706 - 710 ) تحطيم الجوز رمز للقضاء على الجسد ، فالأجساد التي تضم أرواح الطاهرين هي كالجوز الذي يكون ذا لبّ . والموت يزيح القشر عن هذا اللب . أما الأجساد التي تضم أرواحاً خبيثة ، فلا جدوى لخلاص تلك الأرواح منها . بل إن ذلك يكشف حقيقها ، ويقودها إلى مصيرها . 


( 712 - 713 ) تشبيهُ للروح الخالية من المعنى بسيف خشبي في الغمد . 
فما دام هذا السيف في غمده فحقيقته مستورة ، فإذا خرج من غمده تكشفت هذه الحقيقة . وهكذا الروح الخبيث ، تتجلى حقيقته بعد مفارقة الجسد . 


( 714 ) الاستعداد لما بعد الموت كالاستعداد للذهاب إلى الميدان . 
فالمرء لا يستطيع أن يسعى إلى الميدان حاملًا سيفاً خشبياً . وكذلك الحال بالنسبة ليوم الحساب . على المرء أن يستعد له فيلقى ربه بروح طاهر تحلى بمقومات الكمال . أما من يلاقي ربه بروح خاوٍ من المعنى فهو كمن يحمل سيفاً خشبياً إلى ميدان القتال . 


( 716 - 726 ) يتحدث الشاعر هنا عن الأولياء المرشدين . ويبيّن أهمية الاتصال بهم واتخادهم قدوة لسلوك أقوم السبل . 


( 718 ) إن اخترت مرشداً ، فليكن واضح الإيمان سليم العقيدة ، يتجلى في أقواله نقاء قلبه وصدق سريرته . 


( 720 ) زهرة اللاله ( شقائق النعمان ) المتفتحة سوداء الباطن . 
فتفتحها يكشف عن باطنها . وهكذا المنافق يكون انطلاقه على سجيته هو السبيل إلى إدراك كنهه واكتشاف سريرته . 


( 721 ) إن اجتماع المؤمنين الذين ازدهرت قلوبهم بالحقيقة يضفي البهجة على المكان والزمان .



“ 492 “


( 725 ) القلب هو الذي يقود صاحبه إلى هؤلاء المرشدين . فعليه أن يتبع قلبه ، ويغذيه بصحبتهم كما أن عليه أن يقاوم جسده الذي يسعى للهبوط به حتى يجعله أسيراً لسجن المادة ، وما يرتبط بها من نزعات وشهوات . 


( 727 ) من المعروف - عند المسلمين - أن الكتب السماوية السابقة على الإسلام بشرت بمحمد ، وأخبرت عن رسالته . ويذكر ذلك القرآن الكريم . قال تعالى :” وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ “. ( 61 : 6 ) . 
.
الشروح والدراسات المثنوي المعنوي كاملة الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 746 - 899 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالثلاثاء أغسطس 25, 2020 7:42 am

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 746 - 899 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 746 - 899 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات من 746 - 899 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 746 - 899

شرح حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى بسبب تعصبه
( 746 ) البشر تجري في عروقهم دماء الصلاح والاستقامة أو دماء الفساد ، حتى ينفخ في الصور . 

( 748 ) كل ضراعة يتوجه بها الصالحون إلى ربهم ليست إلا أشعة من شمس النبوة بمعنى أنها انعكاس لسيرة الرسول وتعاليمه التي أشعلت في في قلوبهم محبة الخالق . 

( 749 ) هؤلاء الصالحون دائرون في فلك الحقيقة المحمدية . فهم كالأشعة التي تدور مع الجوهر ، وتتجه إلى حيث يكون .

[ شرح من بيت 750 إلى 900 ] 
( 750 ) وكما أنّ الشمس تنتقل من برج إلى ، برج ، فيتبعها النور وينتقل في أثرها ، كذلك النور المحمدي ، يشرق على البشر في مختلف البقاع . 

( 751 - 759 )  في هذه الأبيات يذكر الشاعر بعض الكواكب وما كان يتصل بها من أفكار عن أحكام النجوم ، وتحكم كل كوكب فيمن يرتبط طالعهم به .
ولكنه ينتقل من ذلك إلى الحديث عن آفاق الروح ، التي تشرق بها كواكب قد خلت من النحس ، كواكب راسخة في وهج أنوار اللَّه ، تكون طوالع سعد لمن بلغوا تلك الآفاق الروحية ، ونقمة على أعدائهم . 

( 759 ) النور الغالب هو نور قلب المحب الواصل . وهذا النور


“ 493 “


يكون آمناً من النقص ، فالظلمة لا تستطيع النفوذ إلى قلب أصبح بين إصبعي الحق . 

( 760 ) يُنسب إلى الرسول عليه السلام أنه قال : “ إن اللَّه خلق الخلق في ظملة ثم رش عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ، ومن أخطأه ضلّ عن سواء السبيل “ . 

( 762 ) كل من كتب له أن يكون محروماً من نعمة المحبة الإلهية فقد حُرم من ذلك النور الذي نثره اللَّه على العباد . 

( 763 ) إنّ العشق هو المحرّك للأجزاء ، يدفعها إلى كلها الذي صدرت عنه ، كما أن العشق هو الذي يحرك البلابل فيجعلها تبثّ الورود أشواقها . 

( 764 - 765 ) هذان البيتان من أروع ما كتب جلال الدين . فهو يذهب إلى تقدير الناس - لا بحسب ألوانهم الظاهرة - وإنما وفق قيمتهم الحقيقية ، فاللون الحقيقي هو لون الباطن ، لون القلب والضمير ، لا لون الجلد . واللون الجميل هو لون الصفاء والصدق والاستقامة وأما اللون القبيح فهو لون الشرور والآثام . 

( 766 ) اللون اللطيف هو لون قلوب المؤمنين والعارفين . فهو صبغة اللَّه التي صبغ بها هذه القلوب . 
أما اللون الكثيف المظلم الذي اصطبغت به قلوب الكفار والجاحدين فتفوح منه لعنة اللَّه . 


( 767 - 768 ) إنّ الأرواح في الأصل فاضت عن الواحد . وهي لا بد عائدة إليه ، منطلقة نحوه ، يدفعها إلى الحب والحنين . 
وشبيه بذلك تلك الأمواج التي تصدر عن البحر ثم تعود إليه في نهاية الأمر . 


( 769 - 770 ) إن الملك اليهودي المذكور بهذه القصة ، تطابق أوصافه وأفعاله يوسف ذا نواس ملك حمير الذي أحرق النصارى بنجران في أخذود أشعل به النار ، فسمّوا أصحاب الأخدود . 
ولكن من المشا كل التي تحتاج هنا إلى تفسير أنّ الشاعر وصف الملك بأنه يهودي ،


“ 494 “

ولكنه عاد فنسب إليه أنّه نصب إلى جانب النار صنماً ، وأمر الناس بالسجود له . وليس من اليهودية في شيء عبادة الأصنام . فهل كان هذا الملك الحميري غير متعمق في دينه ، فأبقى على بعض مظاهر الوثنية ؟ 
ومن الممكن أيضاً أنْ يكون الصنم المقصود هنا رمزاً للهوى الذي سيطر على الملك ، فحاول أن يخضع الناس له . وهذا المعنى الرمزي يتضح في البيت التالي

( 771 ) وفيه يقول : “ إنّ الملك - لما لم يوقع بصنم النفس ما هو أهل له من الهلاك - تولّد من صنم نفسه صنم آخر “ . وقبل ذلك قال القشيري : “ وصنم كل إنسان نفسه فمن خالف هواه فهو فتى على الحقيقة “ . ( الرسالة ، ص 103 ) . 

( 772 ) النفس هي أم الشرور والآثام . هي التي تصنع للإنسان الأصنام وتدفعه إلى تقديسها . ومن الأصنام ما هو ماديّ ، ومنها ما هو معنوي . وكلها لا خطر لها لولا تعلّق النفس بها . 

( 773 - 774 ) في هذين البيتين صورة جميلة تبين انبثاق الشرور من النفس . 
فقد شبّهها الشاعر بالحجر والحديد اللذين تتولد النار من احتكاكهما . 
فالشرر المنبثق يمكن اطفاؤه بالماء . ولكن هل يستطيع إنسان أنْ يطفئ النار الكامنة في كل من الحجر والحديد ؟ 

( 775 ) الصنم قدر محدود من الشر يمكن القضاء عليه ، أما النفس فنبع يفيض بالشرور ، فهي التي صنعت الصنم وما شاكله . 

( 778 ) يصل الشاعر هنا إلى النتيجة التي قدّم لها في أبياته السابقة على هذا البيت ، وهي أنّ الصنم يمكن التخلص منه . ولكنّ الصعوبة هي في السيطرة على النفس وإخضاعها . ( انظر ما كتبه الجيلي عن النفس في كتاب الإنسان الكامل ص 39 ) ، وقد قدم لحديثه عنها بقوله : “ إنّها محتد إبليس ومن تبعه من الشياطين من أهل التلبيس “ . 

( 779 - 780 ) ينتقل الشاعر هنا إلى الحديث عن أثر النفس بعد أنْ تكلم عن طبيعتها . إنّها مهلكة كجهنم ذات الأبواب السبعة . ولها في

“ 495 “

كل لحظة مكر يهلك مائة فرعون مع أتباعهم . وفي هذا إشارة إلى قصة فرعون مع موسى ، ومحاولته القضاء على موسى ، وهلاكه هو وأتباعه من جراء تلك المحاولة التي دفعته إليها نفسه المتكبرة ، العنيدة الكافرة . 


( 785 - 793 ) جاء في قصة أصحاب الأخدود ما يلي ، “ وكانت امرأة قد أسلمت فيمن أسلم ولها أولاد ثلاثة أحدهم رضيع ، فقال لها الملك أترجعين عن دينك ، وإلا ألقيتك أنت وأولادك في النار ، فأبت ، فأخذ ابنها الأكبر فألقي في النار ، ثم أخذ الأوسط ، وقال لها ارجعي عن دينك ، فأبت ، فألقي أيضاً في النار ، ثم أخذ الرضيع وقال لها ارجعي فأبت ، فأمر بالقائه في النار ، فهمت المرأة بالرجوع . فقال لها الصبيّ الصغير : يا أماه ! لا ترجعي عن الإسلام فإنك على الحقّ ، ولا بأس عليك ، فألقي الصبيّ في النار وأمه على أثره “ . ( قصص الأنبياء للثعلبي ص 496 ) . 
والقصة كما رواها جلال الدين تختلف عن ذلك . 


فحوادث القصة عند جلال الدين تقتصر على إلقاء الصبيّ في النار . ولكنّ الشاعر أجرى على لسان الصبيّ 
- بعد أن أُلقي في النار 
- مجموعة من الأبيات الرائعة ، حافلة بالصور والعاطفة الجيّاشة المعبرة عن روعة الفداء ، وجمال التضحية في سبيل العقيدة والمبدأ . 

وقد اتخذ الشاعر من الاحتراق بالنار هنا رمزاً لإفناء الذات . فهذا قد يبدو صعباً عسير المنال ، مخوفاً ، ولكنّه في نظر الصوفية سعادة لا تعدلها أيّة سعادة دينوية . فكما أنّ الرحم يكون عالم الجنين قبل أن يولد في هذه الدنيا الواسعة ، فكذلك هذه الدنيا - إذا قيست بعالم الروح الذي ينتقل إليه الأصفياء بعد المات - بعد سجناً ضيّقاً ، شبيهاً بالرحم إذا قيس بهذه الدنيا الواسعة .

“ 496 “

( 794 ) الفناء عن الذات وروابهطا المادية كشف له عالماً رحباً فسيحاً حافلا بالحياة . 
( 795 ) هذا العالم الذي تكشّف له - بإفناء الذات - يبدو لأهل الدنيا عدماً ، مع أنّه هو الوجود الحقيقي . 
وعلى العكس من ذلك تخدع الدنيا من يتمسكون بها فيحسبون أنّها هي الوجود الحقّ ، وليست من ذلك في شيء . إنّها مظهر خادع لا دوام له لأنّ مآلها إلى الفناء

( 800 ) إنّ اللَّه قد أعدّ السعادة والنعيم لمن خلصوا من وجودهم الدنيوي وأقبلوا إلى الخالق بقلوب صادقة ، ونفوس راضية مطمئنة ، وأرواح متعشّقة لجماله .
 
( 812 ) يقول البلاذري : “ وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد اللَّه عن الزهري ، وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده ، وفي أحد الحديثين زيادة على الآخر ، فسقتهما ،
ورددت بعضهما على بعض : إن الحكم بن أبي العاص بن أمية عم عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ، كان جاراً لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الجاهلية ، وكان أشد جيرانه أذى له في الإسلام ، وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة ، وكان مغموصاً عليه في دينه فكان يمر خلف رسول اللَّه فيغمز به ويحكيه ، ويخلج بأنفه وفمه ، وإذا صلى قام خلفه وأشار بأصابعه فبقي على تخليجه وأصابته خبلة “ . ( أنساب الأشراف ، ح 5 ، ص 27 ، 125 ، القدس ، 1936 “ .


وقد بقي منفياً من المدينة طيلة حكم أبي بكر وعمر ، ثم عاد إليها في خلافة عثمان .
وقد هجا عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري مروان بن الحكم بقوله :إن اللعين أباك فارم عظامه * إن ترم ترم مخلّجا مجنوناً
 
“ 497 “


( 817 - 822 ) عقد القشيري بابا للحزن في رسالته . وقد أورد فيه آيات قرآنية وأحاديث نبوية عن الحزن . وبيّن أنّ الصوفية يعدون الحزن لوناً من الخشوع والإيمان . ومما ذكره القشيري من أقوال الصوفية أن رابعة العدوية سمعت رجلًا يقول : « واحزناه » ، فقالت : « قل واقلة حزناه ! لو كنت محزوناً لم يتهياً لك أن تتنفس ! » وقال سفيان بن عيينة : « لو أن محزوناً بكى في أمة لرحم اللَّه تعالى تلك الأمة ببكائه » .
والحزن عند الصوفية من أهم الرياضات التي يجب أخذُ النفس بها .
يقول الترمذي .


وفي الجملة ينبغي أن يتفقد ( الإنسان ) كل حال وكل أمر للنفس فيه فرح واستبشار ، من نعمة أو وجود لذة أو أنس بشيء ، فيقطعه عنها ، وأنه كلها هويت النفس شيئاً أعطاها فرحت به ، فينبغي أن يمنعها ولو شربة من ماء بارد تريد أن تشربها . فيمنعها من تلك الفورة التي تشوفت لوجود بردها ولذتها ، حتى تكسن تلك الفورة ، وينغِّص عليها ، ثم يسقيها بعد ذلك حتى يملأها غماً ويوقرها هماً ، لأن من شأنها إذا حبس عنها الفرح بهذه الأشياء وبهذه الأحوال ، فكأنه يصيرها في سجن ، فيتقرب إلى اللَّه عز وجل بغمها وهمها ، فيجعل اللَّه عز وجل ثوابه نوراً على القلب . . » ( الرياضة وأدب النفس ، ص 62 ) .
 
وقد غلبت طبيعة الحزن على كثير من الفنانين . ومن أحزان هؤلاء شهد العالم كثيراً من روائع الفن العالمي .
وقد أبدع أوسكار وايلد التعبير عن ذلك في كتابه « من الأعماق » deprofundis ومن أقواله في ذلك :
" فحيثما يكون الحزن فهناك حرم مقدّس . وسوف يعلم الناس ذات يوم مدلول هذا القول . ولن يحيطوا علماً بشيء في الحياة مالم يعرفوا ذلك " ..
....................................................................

( 825 ) المجوسي يعبد النار ولكنها مع ذلك تحرقه لو أنه اقترب منها .
 
 
“ 498 “
 
وشبيه بهذا ما قاله سعدي في الگلستان ( الباب الأول ، القصة 16 ) :اگر صد صد گبر آتش فروزد * چو يك دم اندر آن افتاد بسوزدومعناه : “ لو أن المجوسي يشعل النار مائة عام ، فإنها - رغم ذلك - تحرقه لو وقع فيها لحظة واحدة “ .
 
( 834 ) النار التي تبعث الغم في النفس ، وتحرقها هي نار الحقد والشهوات والأهواء الدنيوية .
 
( 835 ) النار التي تبعث السرور في النفس هي نار المحبة ، وهي عند الصوفية مصدر السعادة ، فكلما ازدادت حدَّتها زاد اقترابهم من هدفهم المنشود .
( 838 ) سبق الشاعر أن تحدّث عن إدراك الجماد ( انظر البيتين رقم 512 ، 513 ) .
وقد ذكر الشاعر قصصاً يدلل بها على أن الإدراك ليس مقصوراً على الإنسان منها قصة الريح التي أهلكت الكفار من قوم عاد ، على حين أنها لم تؤذ من آمن منهم . 
( البيتان 854 ، 855 ) ، وكذلك قصة الجذع الحنان ) الأبيات 2113 - 2120  ( .


( 840 - 848 )يتحدّث الشاعر في هذه الأبيات عن الأسباب المباشرة وهل هي محدثةُ الأفعال أم أنّ وراء تلك الأسباب الظاهرة الخالق مسبب الأسباب . ويرى الشاعر أنّ الخالق هو مسبب جميع الأسباب .
 
وقول الشاعر هذا يتصل بمبحث كلامي ظهر عند المعتزلة واختلفوا حوله ، ويتعلق هذا المبحث بالسبب المباشر والسبب غير المباشر . وقد قادهم إلى ذلك بحثهم في أفعال العباد ومسؤولتيهم عن تلك الأفعال . فالمعتزلة بوجه عام قد آمنوا بخلق الإنسان لأفعاله ، وعلى هذا آمنوا بمسؤوليته الكاملة عن كل ما يفعل ، ولكنهم اختلفوا حول صلة الإنسان بالأحداث التي تتولد عن أفعاله.
 فإذا رمى عليّ زيداً بسهم فقتله ، فالعمل الذي قام به عليّ هو الرمي . ولكن من الذي أحدث القتل الذي قضى على زيد ، هل هو رامي السهم أو اللَّه ؟ وقد ذهب بشر بن المعتمر ( توفي 210 ه )


“ 499 “


إلى أن ما تولد من أفعال الإنسان يعتبر من خلفه ، على حين ذهب أبو الهذيل العلاف ( 135 - 135235 - 135235 - 235 هـ ) إلى التمييز بين الأفعال المولدة ، فما كان الإنسان عالماً بكيفيته فهو من فعله ، وما لم يكن عالماً بكيفيته فليس من فعله . فالألم الحادث عن الضرب من فعله لأنه يعلم كيفية وقوعه .
أما الإحساس بالحلاوة الناشئة عن أكل السكر مثلًا فمن فعل اللَّه ، لأن الإنسان لا يدري كيفية إحداث هذا الإحساس .
 
أما النظّام ( توفي 221 هـ ) فكان يرى أن الإنسان لا يفعل سوى الحركة . أما ما يتولد عن الحركة فليس من فعله ، بل هو من فعل اللَّه .
وهناك آراء عديدة أخرى في هذا الموضوع يمكن الرجوع إليها في كتب الفرق ، ومن أهمها مقالات الإسلاميين للأشعري .
ويذكر جلال الدين في هذه الأبيات الأسباب الروحية ، وفي رأيه أنّ هذه الأسباب كامنة وراء الأسباب الظاهرة ، التي يألفها عامة البشر .
 
( 849 ) يحذّر الشاعر هنا من اعتبار الفلك علة لأحداث هذه الدنيا .
فالعلة الحقيقية هي مدير الفلك . فمن الملحوظ أن الشاعر - شأنه شأن علماء عصره - لا ينفي صلة الفلك والكواكب بالأحداث ، ولكنه يقول إن هذا الدوران - وهو السبب المباشر - يخفي وراءه السبب الحقيقي وهو الخالق ، مدير الأفلاك ، ومسبب الأسباب .
( 850 ) المرخ خشب سريع الاحتراق .
 
( 854 - 855 ) قصة هود مع قوم عاد ذكرت في القرآن الكريم ( 11 : 61 ) . يقول الثعلبي في قصص الأنبياء ( ص 64 ) .” سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماًأي دائمة متتابعة ، فلم تدع أحداً من عاد إلا أهلكته .
وكان هود ومن معه قد اعتزالوا في حظيرة ، ما يصيبهم من الريح إلا ما يلين جلودهم ، وتلذ به الأنفس ، وإنها من عاد لطعن، فتحملهم ما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة حتى هلكوا “ .
 
( 856 )شيبان الراعي ، أبو محمد الدمشقي ، كان صديقاً لسفيان


“ 500 “

الثوري . وكان هذا الرجل من الزهاد العباد ، وقد ترك الدنيا وعكف على رعي الأغنام في جبل لبنان ولهذا لقب بالراعي . وقد ذكره القشيري في رسالته ( ص 181 ) بقوله : هذا أحمد بن حنبل كان عند الشافعي رضي اللَّه عنما ، فجاء شيبان الراعي ، فقال أحمد : “ أريد يا أبا عبد اللَّه أن أنبِّه هذا على نقصان علمه ليشتغل بتحصيل بعض العلوم “ .
 
فقال الشافعي : “ لا تفعل “ . فلم يقتنع . فقال لشيبان : “ ما تقول فمين نسي صلاة من خمس صلوات في اليوم والليلة ، ولا يدري أي صلاه نسيها : ما الواجب عليه يا شبيان ؟ “ فقال شيبان : “ يا أحمد ! هذا قلب غفل عن اللَّه تعالى ، فالواجب أن يؤدب حتى لا يغفل عن مولاه بعد . فغشي على أحمد ، فلما أفاق قال له الشافعي : “ ألم أقل لك لا تحرك هذا ؟ “ وشيبان الراعي كان أمياً منهم . فإذا كان الأمي منهم هكذا فماالظن بأئمتهم ؟ “ .

( 860 ) عندما ينزل الموت بالعارفين ، لا تجزع نفوسهم لذلك ، بل يُلاقون الموت بقلوب راضية ، مطمئنة إلى مصيرها بعد الموت ، ولهذا يكون الموت بالنسبة إليهم أمراً يسيراً يرحبون بملاقاته .
 
( 863 ) قصة موسى مع فرعون ، وكيف فلق موسى البحر حتى عبر هو وقومه ، فلماتبعهم فرعون وأتباعه غشيهمم البحر وأغرقهم ، من القصص والمعروفة . وقد أشار إليها القرآن الكريم بقوله :” وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ “. ( 2 : 50 ) .

( 864 ) قصة قارون أيضاً من قصص القرآن الكريم . وقد رُويت في سورة القصص ، قال تعالى :” إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ “. ( 28 : 76 )
وقد ذكر القرآن زهوه بماله حتى تمنى الجلاء منهم لو أن لهم مثل ما أوتي . وتكبر بماله وتجبر فحاق به عقاب اللَّه . قال تعالى :

“ 501 “
 
“ فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ “.
انظر سورة القصص ، 28 : 76 - 81 ) .
وقد ذكر الثعلبي في قصص الأنبياء تفصيلات متعددة لقصة قارون مع موسى وقومه ( ص 232 - 236 ) . 
ومن بين ما ذكره أنَّ قارون حاول أن يكيد لموسى ، لأن موسى فرض عليه الزكاة على أمواله ، فلما وجد أن الزكاة المفروضة تبلغ قدراً كبيراً من المال دبر لموسى كيداً فضحه اللَّه . ودعا عليه موسى فابتلعته الأرض .
 
( 866 ) الإنسان - وهو الذي فطر جسمه من الماء والطين - يسبّح الخالقه . فهذا التسبيح المتصاعد من بني البشر هو بخار الماء والطين .
ولكن هذا البخار يصير طيوراً في الجنة ، ذلك لأن قلب المؤمن الصدوق قد نفخ فيه أنفاسه .
 
( 867 ) نور موسى هنا هو نور اللَّه الذي أشرق على موسى في سيناء .
وقد دك الجبل حينما تجلى هذا النور . وهذا الدك هو الذي عبرّ عنه الشاعر بالرقص ، فالجبل حينما شهد تلك الأنوار تعشقها كأنه صوفي .
 
( 879 ) الماء المحتبس في الحوض كالروح في الجسد . تخلّصه الريح من هذا الحبس لأن الماء من العناصر الأولية . 
وكذلك الروح ، تتصاعد من الجسد ، لأنها غريبة عنه غربة الماء عن الوعاء الذي يحتويه . وكأنما الريح هنا ترمز إلى التسبيح والدعاء الذي يتصاعد من قلب المؤمن .
وقد ترمز إلى انقضاء العمر .
 
( 882 ) في هذا البيت اقتباس من قوله تعالى :” مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ “. ( 35 : 10 ) .


( 899 ) قصة كليلة ودمنة التي اقتبسها الشاعر هنا هي قصة “ الأرنب التي صرعت الأسد “ ، وهي قصة صغيرة خلاصتها أن أسداً كان يعيش بالقرب من أحد المروج ذات الماء والعشب الكثير ، وأن ذلك المرج كان


“ 502 “


مرتعاً لكثير من وحوش البرية ، تعيش فيه مستمتعة بمائه وعشبه . 


ولكن الأسد كان يفسد عليها عيشها بمهاجمتها لاقتباص غذائه . وقد رأت هذه الوحوش أن تخلص من شرّ الأسد بأن تقدم له كل يوم فريسة يأكلها على أن يكف الأسد عن مهاجمتها . 


وكانت الفريسة التي تُرسل إلى الأسد تختار بطريق الاقتراع . وذات يوم أصابت القرعة أرنباً ليذهب إلى فتأخر عن الموعد الذي اعتاد الأسد أن يتلقى فيه فريسة ، ثم ذهب إلى الأسد . إلى الأسد ، بعد ذلك ، وأخبره بأنه تأخر ، لأن أسداً آخر اعترض طريقه ، وأخذ منه غذاء الملك ، وكان أرنباً آخر سميناً أرسله إليه الوحوش . 


ودعا الأسد إلى أن يطهّر الطريق من ذلك الأسد الدخيل حتى يصله طعامه دون تأخر . فطلب الأسد من الأرنب أن يدله على مكان ذلك العدو . فأخذه الأرنب إلى بئر تطلع فيها ، فرأى خياله ، فظنه عدوه ، فوثب إليه ليقاتله ، فغرق في البئر وخلصت الوحوش من شره . ( كليلة ودمنه ، ص 116 ، 117 . المطبعة الأميرية القاهرة ، 1931 ) . 


وقد اتخذ الشاعر من هذه القصة - التي استغرقت رواية وقائعها خمسين بيتاً - هيكلًا صاغ حوله الكثير من آرائه وأفكاره . فتناول موضوعات كالجبر والاختيار ، والاجتهاد والتوكل ، وعالم الروح ، وعالم الظاهر ، وطبيعة الشر وغير ذلك . واستغرقت القصة بكل ما أداره حولها من حوار فلسفي خمس مائة من الأبيات .

.
الشروح والدراسات المثنوي المعنوي كاملة الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 905 - 1199 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالثلاثاء أغسطس 25, 2020 7:42 am

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 905 - 1199 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 905 - 1199 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 905 - 1199 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 905 - 1199

شرح كيف دعا الوحوش الأسد إلى التوكل وترك السعي
[ شرح من بيت 900 إلى 1050 ] 
( 899 ) قصة كليلة ودمنة التي اقتبسها الشاعر هنا هي قصة “ الأرنب التي صرعت الأسد “ ، وهي قصة صغيرة خلاصتها أن أسداً كان يعيش بالقرب من أحد المروج ذات الماء والعشب الكثير ، وأن ذلك المرج كان

“ 502 “

مرتعاً لكثير من وحوش البرية ، تعيش فيه مستمتعة بمائه وعشبه . 

ولكن الأسد كان يفسد عليها عيشها بمهاجمتها لاقتباص غذائه . وقد رأت هذه الوحوش أن تخلص من شرّ الأسد بأن تقدم له كل يوم فريسة يأكلها على أن يكف الأسد عن مهاجمتها . 

وكانت الفريسة التي تُرسل إلى الأسد تختار بطريق الاقتراع . وذات يوم أصابت القرعة أرنباً ليذهب إلى فتأخر عن الموعد الذي اعتاد الأسد أن يتلقى فيه فريسة ، ثم ذهب إلى الأسد . إلى الأسد ، بعد ذلك ، وأخبره بأنه تأخر ، لأن أسداً آخر اعترض طريقه ، وأخذ منه غذاء الملك ، وكان أرنباً آخر سميناً أرسله إليه الوحوش . 

ودعا الأسد إلى أن يطهّر الطريق من ذلك الأسد الدخيل حتى يصله طعامه دون تأخر . فطلب الأسد من الأرنب أن يدله على مكان ذلك العدو . فأخذه الأرنب إلى بئر تطلع فيها ، فرأى خياله ، فظنه عدوه ، فوثب إليه ليقاتله ، فغرق في البئر وخلصت الوحوش من شره . ( كليلة ودمنه ، ص 116 ، 117 . المطبعة الأميرية القاهرة ، 1931 ) . 

وقد اتخذ الشاعر من هذه القصة - التي استغرقت رواية وقائعها خمسين بيتاً - هيكلًا صاغ حوله الكثير من آرائه وأفكاره . فتناول موضوعات كالجبر والاختيار ، والاجتهاد والتوكل ، وعالم الروح ، وعالم الظاهر ، وطبيعة الشر وغير ذلك . واستغرقت القصة بكل ما أداره حولها من حوار فلسفي خمس مائة من الأبيات .

( 905 - 906 ) الشاعر في هذين البيتين يبيِّن كيف أن الإنسان يمكن أن يكون ضحية لغدر سواه من بني البشر . ولكن عليه أن يتنبه لغدر نفسه . فالنفس بطبيعتها ذات أهواء وميول قد تودي بصاحبها . 


( 908 - 911 ) عبر الشاعر في هذه الأبيات - التي أجراها على لسان الوحوش - عن مبدأ التوكل الكامل على اللَّه . وأن على الإنسان ألا يبذل أي جهد في الحياة ، بل يعبرها كالميت تاركاً كل أموره لخالقه ، يفعل


“ 503 “


بها ما يشاء . وهذا القول بالامتناع الكامل عن بذل الجهد في الحياة يتمشى مع مفهوم التوكل عند بعض الصوفية السلبيين . ومن أمثلة من عبر عن هذا المفهوم سهل بن عبد اللَّه ، فقد روى عنه أنه قال : “ أول مقام في التوكل أن يكون العبد بين يدي اللَّه كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف شاء لا يكون له حركة ولا تدبير “ . ( انظر رسالة القشيري ص 76 ) . ولكننا نجد أقوالًا أخرى منسوبة إليه تفيد أن السعي سنة النبي . قال : “ التوكل حال النبي والكسب سنته ، فمن بقي على حاله فلا يتركن سنته “ . ( القشيري ، ص 77 ) . وللصوفية أقوال كثيرة حول هذا الموضوع ، تشغل أبواباً واسعة من كتبهم . ومما يتفق ومعنى الحديث “ اعقلها وتوكل “ ما يروى من قول عمر للرسول عليه السلام : 
“ يا رسول اللَّه ، أرأيت ما نعمل فيه ، أعلى أمر قد فرغ منه ، أو أمر مبتدأ ؟ “ فقال : “ على أمر قد فرغ منه “ ، فقال عمر : “ أفلا نتكل وندع العمل ؟ “ فقال : “ اعملوا فكل ميسر لما خلق له “ . 
( الكلاباذي : التعرف لمذهب أهل التصوف - القاهرة ، 1960 ). 


( 912 - 914 ) يدافع الشاعر هنا بلسان الأسد عن مبدأ بذل الجهد والسعي في الحياة ، وأن مثل هذا لا يتنافى مع مبدأ التوكل على اللَّه . 
وهذا الفهم للتوكل هو ما يتمشى مع عقيدة أهل السنة . ويعبر القشيري عن ذلك المعنى بقوله : “ واعلم أن التوكل محله القلب ، والحركة بالظاهر لا تنافى التوكل بالقلب ، بعد ما تحقق العبد أن التقدير من قبل اللَّه تعالى ، وإن تعسر شيء فبتقديره ، وإن اتفق شيء فبتيسيره “ . ( رسالة القشيري ، ص 76 ) .
وهذا هو المفهوم الأصوب لفكرة التوكل عند أهل السنة . وممن قال بهذا المعنى الجنيد الذي عرّف التوكل بأنه “ اعتماد القلب على اللَّه “ . ( أبو نصر السراج : اللمع ، ص 79 . القاهرة ، 1960) . 


( 919 - 920 ) إشارة إلى قصة فرعون مع موسى في طفولته . فقد


“ 504 “


كان يقتل الذكور من أطفال بني إسرائيل خشية أن يظهر من بينهم من يزلزل ملكه . ولكنه - مع ذلك - أبقى على موسى ، وهو الطفل الذي كان مقدراً له أن يقضي على ملك فرعون . قال تعالى :” وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ . فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ “. ( 28 : 7 - 9 ) . 
فحذر فرعون - الذي دفعه إلى قتل كل من وُلد من الذكور لبني إسرائيل - لم يُنجه مما كان يخشاه ، بل كان هو الذي رعى في المهد موسى ، فكان زوال ملكه على يديه . 


( 921 - 922 ) الإنسان لا يستطيع أن يدرك الأسرار ، ولا أن يرى الحقائق ببصيرته وحدها . ولا بد له - لكي يكتمل إدراكه - أن يفني بصره في بصره الحبيب . وعند ذلك يصبح بصر الحبيب بصراً له ، فيحسن إدراك المبصرات ، وتقدير الأمور ، ولا يقع له ما وقع لفرعون بنظره القاصر ، وإدراكه الباطل . 


( 925 ) أرواح البشر قبل حلولها في الأجساد كانت منطلقة في جو الصفاء . 


( 926 ) وعندما صارت الأرواح أسيرة الأجساد ، بعد أن قضى اللَّه على بني البشر أن يهبطوا إلى هذه الأرض ، صارت هذه الأرواح مسخرة لما يعتلج في نفوس البشر من غضب وحرص ورضى . 

( 930 ) الطمع الساذج هو ذلك الطموح المبني على غير أساس . 


( 931 ) على الإنسان أن يفيد من الوسائل والأسباب . فاللَّه قد وهبه هذه الجوارح المختلفة ليستخدمها . 


( 938 ) ينتقل الشاعر هنا ببراعة من موضوع التوكل والسعي إلى الجبر


“ 505 “

والاختيار . فالسعي لشكر النعمة قدرة ، وأما إنكار النعمة فهو جبر . . 
والنعمة المشار إليها هنا هي تلك الجوارح التي تُقدر الإنسان على السعي . 


( 941 ) فسر بعض شراح المثنوي “ الشجرة المثمرة “ المذكورة في البيت بأنها رمز للمرشد ، فهو وحده الذي يجب على المرء أن يسلم إليه إرادته . ولعل الأصوب أن تُفهَم “ الشجرة المثمرة “ على أنها رمز لقدرات الإنسان التي تعود عليه بمختلف الثمار . فعلى الإنسان أن يؤمن بالتوكل - وهو ما يرمز له هنا بالنوم - ولكن يجب أن يكون هذا التوكل مقترناً بالسعي المثمر . 


( 944 ) التعالي على أوامر الخالق ونواهيه ليس من علائم القوة والشجاعة التي يرمز إليها بالرجولة ، بل هو عنوان الضعف والحماقة . فقوله : “ فأنت لو تحققت الأمر امرأة . . “ معناه : “ لو تحققت الأمر فإنك ضعيف أحمق . . “ ذلك لأن القوة هي في المقدرة على الاستجابة لأوامر اللَّه . 
أما التخلي عنها ، والتهرب منها فهو الضعف ، وإن خيل لمرتكبيه أن قوة . 


( 956 - 968 ) هذه القصة التي تروى عن عزرائيل يمكن أن تعد الآن إحدى القصص الشعبية . فهي معروفة للعامة في وقتنا هذا ، ولكنها لا يعرف لها مصدر محدّد ، ولا مؤلف معين . وقد وردت في مصادر عدة ، إلى جانب المثنوي . ذكرها البيضاوي في تفسير قوله تعالى :” وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ “( 31 : 34 )  . كما ذكرها محمد عوفي في “ جوامع الحكايات “ . 


ولا تزال هذه القصة تروى في معرض الحديث عن الأجل المحتوم ، وكيف أنه محدد الزمان والمكان بالنسبة لكل إنسان ، ولا مجال لأن يقع به أدنى تغيير أو اختلاف . 


( 978 ) يسخر الشاعر من الجبر فيخرج به عن معناه الفكري المعروف ويصرفه إلى أحد معانيه الحسية ، وهو جبر الكسور . فيخاطب القارئ قائلًا : “ إنك لست مكسور الرأس فلا تعصب رأسك “ .



“ 506 “


( 985 ) المال إذا سيطر على الإنسان وتملك قلبه وحواسه كان سبباً لهلاكه . فإذا نجح الإنسان في أن يتعالى على سلطان المال ، واعتبره عرضاً ، يفيد منه فيما ينفع ، كان المال دعامة له وسنداً ، يغنيه عن الناس ، ويمكنه من أن ينفق فيما ينفع الناس . 


( 986 ) النبي سليمان مثال للغنى والقدرة ، ومع ذلك ، لم تُبطره كثرة المال ولا عظم المقدرة ، بل ظلّ يعدّ نفسه مسكيناً ، لأنه لم يدع الغرور بالمال والجاه ينسبه ضعفه أمام خالقه . وفي سيرة سليمان - كما يصورها صاحب قصص الأنبياء - أنه كان يجالس المساكين . يقول : 
“ وكان خاشعاً متواضعاً يخالط المساكين ويجالسهم ويقول : مسكين يجالس مسكيناً “ . ( ص 325 ) . 


( 988 ) المسكنة هنا هي إحساس الإنسان بضعفه وضآلته أمام اللَّه . 
( 990 ) أخرج من قلبك حب الدنيا والافتتان بها ثم املأه بهواء الكبرياء والتعالي المنبعث من عالم الملكوت . 


( 1004 ) النبي قد يظهر ضعيف الجسم في أعين معانديه ، لكن عظمته تخفى عليهم ، لأنهم لا يؤمنون بتلك القوة الهائلة التي يؤيده بهاربه . 


( 1008 ) الفضل ليس بالصورة الظاهرة ، ولا هو يتبع ضخامة الأبدان . فقد يتحقق منه للضعيف مالا يتحقق للقوي . وقد أورد الشاعر أمثلة متعددة لذلك في الأبيات التالية ، وخلص من كل ذلك إلى أن الإنسان يجب عليه أن يفتش عن جوهر الأشياء ، ويقيس الأمور على أساس تقديره لحقيقتها وجوها ، وليس على أساس نظراته السطحية إلي تلك الأمور . 


( 1014 ) في رأيي أن في هذا البيت إشارة إلى أثر إبليس على آدم ، ذلك الأثر الذي أدى إلى سقوطه . فهذا الزاهد خلال آلاف السنين ( عزازيل ، الذي أصبح بعد سقوطه معروفاً بإبليس ) ، لم يكتف بعصيان ربه ، بل هو قد عمل على إضلال آدم وظل دائباً على السعي لإضلال ذريته من بعده . هذا الأثر الذي كان لإبليس على آدم هو أنه أقنعه بتأويل


“ 507 “


الأمر الإلهي الصريح ، الذي نهى به اللَّه آدم عن أكل ثمار الشجرة المحرمة . 
فهذا النهي سر إلهي وقد كان صريحاً ، ولا سبيل لتأويله . فالتساؤل الذي وسوس به الشيطان لآدم ، كان سبب الخطيئة . فسقطة آدم كانت نتيجة للنظر العقلي إزاء نص صريح . وقد أصبحت هذه رمزاً لكل نظر عقلي ، بني على معارف الحس ، وأنكر الوحي والإلهام ، فناقش صريح الأمر ، والتمس في نقاشه العلل والأسباب ، وهذه تعجز عن إدراك الخفايا والأسرار الكامنة وراء صريح الأمر . 
ولهذ عبر الشاعر عنها بأنها أصبحت خطاماً على فم البشر يعوقهم عن ارتشاف لبان علم الدين . 
واستخدم العجل رمزاً لآدم ، وقصد بذلك أنه كان حديث الميلاد ، ساذج القلب بالقياس إلى إبليس الذي ظل آلاف السنين ملكاً من كبار الملائكة ، ثم ضل في النهاية ، نتيجة لتأويله صريح الأمر الإلهي بالسجود لآدم .
 وها هوذا قد وسوس لآدم بما جعله يسلك ذات السبيل إزاء الشجرة المحرمة . ويجب ألا ننسى هنا أن الصوفية يعدون النظر العقلي عاجزاً عن إبصال البشرية إلى العلم اليقيني . 
فسقطة آدم رمز لتمسك البشرية واعتدادها بالنظر العقلي وحده ، وإنكارها الروح وما يوحى إليها . 


( 1016 ) هذه العلوم العقلية البحتة ، صرفت الناس عن الإيمان بالعلم الروحي ، ذلك العلم الذي يكشفه اللَّه لمحبيه . فأصبحت هذه العلوم الحسية خطاماً وقيداً ، يعوقهم عن الانطلاق في ميادين المعرفة الروحية . 


( 1017 ) هذه الجوهرة هي مركز الإيمان في القلب الإنساني ، يشع منها ، فيغمر الكيان الإنساني ، ويجعل الإنسان وهو في هيكله المادي مرتبطاً بعالم الروح . 


( 1018 ) الصورة رمز للمادة ولكل ما هو حسي . وعابد الصورة هو الذي يعتد بالمادة اعتداداً كلياً ، ويكاد لا يرى للروح شأناً بالقياس إليها . وقد يبلغ بالإنسان اعتداده بالمادة أن يدعها تطغى على روحه وتكبلها بالقيود .


“ 508 “


( 1020 ) لو كانت المادة وحدها هي كل ما يُعتد به في الوجود لكان أي تصوير للإنسان مساوياً للإنسان ذاته . 


( 1022 ) عندما أراد اللَّه ، صار كلب أصحاب الكهف الذي ارتبط بهؤلاء الصلحاء أعظم من كل أسود الدنيا . 


( 1024 ) حين يبعث الإنسان برسالة إلى إنسان آخر فإنه لا ينعته إلا بصفاته المعنوية كأن يصفه بأنه عالم أو عادل . فالمعتاد في المراسلات ألا يخاطب إنسان صديقه بقوله : “ صديقي الوسيم الوجه “ أو “ صديقي الطويل القامة “ بل هو يخاطبه بقوله : “ صديقي العالم أو الفاضل “ . 


( 1025 ) ومثل هذه الصفات لا تتجسد لأنها معان مطلقة . 


( 1028 ) “ الأذن الحمارية “ هي أذن الحس التي لا تقدر على إدراك الرموز والاستماع إلى الأسرار . 


( 1033 ) مما هو شائع حتى الآن بين العامة أن الجن والشياطين . 
تسكن شواطئ البحار النائية والبقاع الخزبة . وهذا من بقايا أوهام القرون الوسطى . 


( 1035 ) هوا حبس الشيطان والنزوات والأوهام تطرق باب القلب ، وتحاول أن تتملكه . وهذه الهواجس لا ترى بالعين ، ولكنها مع ذلك محسوسة الأثر . 


( 1039 ) تستطيع حين يتبدل حسك المادي ، ويتحقق لك الحس الروحي أن تدرك كنه هذه الهواجس والأوهام ، وتستطيع التغلب عليها ، وتتمكن من إقصائها عن قلبك وروحك . وإذ ذاك تحل مشكتلك ، ويتضح لك السبيل . 


( 1040 ) وحين تبلغ هذا الحد من الإدراك الروحي ، تعلم حقيقة من خالفتهم من أنبياء ومرشدين روحيين ، ويتضح لك جوهر من كنت توليهم قيادك قبل أن تبلغ هذه المنزلة من الإدراك الروحي القويم .


“ 509 “


( 1049 ) يتضمن هذا البيت مصراعاً من بيت عربي شائع هو :كل علم ليس في القرطاس ضاع * كل سر جاوز الاثنين شاعوينسب هذا البيت أحياناً إلى علي بن أبي طالب .


[ شرح من بيت 1050 إلى 1200 ] 
( 1050 - 1051 ) الإشارات إلى منطق الطير وتسبيحها متعددة في القرآن الكريم ، وخاصة فيما يتصل بقصص داوود وسليمان . ومن الإشارة إلى ترابط الطير قوله تعالى :” وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ “. ( 6 : 38 ) . 


( 1061 ) قد يضيع عمر الإنسان في الاستماع إلى ألفاظ حلوة الوقع ، لكنها لا طائل وراءها . والأولى به أن ينفق هذا العمر في تحري الحقائق ، وترقية النفس وتهذيبها . 


( 1064 ) اللوح الحافظ - علي ما يبدو - يعني هنا العقل المفعم بالمعارف ، فإذا أصبح العلم بالنسبة لطالب الحكمة “ لوحاً محفوظاً “ فمعنى ذلك أنه قد بلغ أسمى مراتب المعرفة الروحية ، ففي اللوح المحفوظ علم كل شيء كان ويكون . وأما قوله : “ وعقله يغدو ذا حظّ من الروح “ فمعناه أنّ المعرفة لا تقف عند حدّ العقل ومدركاته ، بل تصبح الروح مصدراً للمعرفة ، ومبنعاً لها ، تمدّ العقل بما تتلقاه من كشف وإلهام . 


( 1065 ) حينما يبدأ المريد في ارتقاء سلّم المعارف يكون العقل بالنسبة له هو المعلّم والمرشد ، لكنّه حين يصبح من الواصلين ، فإنّ المعارف تأتيه عن طريق الكشف والإلهام ، فيتجلى للعقل حينذك ما لم يكن له سبيل إلى فهمه بالفكر المجرّد . 


( 1066 ) في هذا البيت إشارة إلى عروج الرسول إلى السماء في صحبة جبريل . وقد وردت الإشارة إلى هذا في قوله تعالى :” ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى ، فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ، فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ، ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ، أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى ، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ، عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى “. ( 53 : 8 - 15 ) .



“ 510 “


وسدرة المنتهى - كما يقول الجيلي - “ هي نهاية المكانة التي يبلغها المخلوق في سيره إلى اللَّه تعالى ، وما بعدها إلا المكانة المختصة بالحقّ تعالى وحده ، ليس لمخلوق هناك قدم ، ولا يمكن البلوغ إلى ما بعد سدرة المنتهى لأنّ المخلوق هناك مسحوق ممحوق . . . وإلى ذلك الإشارة في قول جبريل عليه السلام للنبيّ : لو تقدمت شبراً لا حترقت ( الإنسان الكامل ، ج 2 ، ص 8 ) . 


( 1068 - 1070 ) إنّ الإيمان بالجبر إحساس بالعجز ، واستسلام كامل يصرف صاحبه عن بذل أيّ جهد . فهو عند الشاعر حالة مرضية ، يتجلّى فيها ضعف النفس ، ذلك الضعف الذي يقضي عليها في نهاية الأمر . إنّ اعتقاد يؤدي بالضرورة إلى انعدام القدرة ، أي أنه يصبح مرضاً حقيقياً ، ينتهي بصاحبه إلى العجز الكامل ، الذي هو موت محقق . 


( 1073 ) لا بد من بذل الجهد في الحياة . فإذا أدى الإنسان واجبه وأخلص في أدائه ، فإنه لا بد مدرك غايته رغم ما يلاقيه من صعاب . 


( 1074 - 1075 ) المرء بتركيزه على بذل الجهد في تنقية النفس وتنزيهها عن الخطايا ، وفي سعيه إلى خالقه بقلب محب مخلص في محبته ، يصبح من الواصلين . وبعد أن يكون حاملًا أعباء السعي والجهاد لتنقية النفس ، يصل إلي مقام تكون فيه إرادته هي إرادة اللَّه . وبعد أن كان يتلقى الأوامر ، الإلهية ويعمل على مسايرتها ، أصبحت إرادته متمشية مع تلك الأوامر ، وأصبح هو الذي يحملها إلى الناس ويدعوهم إليها . 


( 1076 ) من اتحدت إرادته مع إرادة اللَّه لا يبقى للكواكب


“ 511 “


سلطان عليه . وكان المعتقد في القرون الوسطى أن الكواكب تتحكم في مصائر الناس . ولا يزال أثر ذلك الاعتقاد باقياً إلى اليوم . 


( 1098 ) العبرة ليست بالظاهر ، بل بالحقيقة والجوهر ، فالظاهر الحسن قد يكون وراءه بالطل ، وقد يكون وراءه حق . 


( 1099 ) إذا كان عمل الإنسان مجرد ظاهر لا حقيقة له ذهب هباء . 


( 1105 ) كانت النقود الإسلامية تحمل شهادة “ لا إله إلا اللَّه ، محمد رسول اللَّه “ . فكان اسم الرسول يطبع دائماً على النقود رغم تغير أسماء الملوك . 


( 1110 - 1111 ) يصور الشاعر البشر في هذا العالم بكؤوس طافية فوق بحر الوجود المطلق ، تبقى طافية ما دامت خاوية الجوف ، فإذا ما امتلأت بمائه غرقت فيه . والظاهر أن الشاعر كان مولعاً بهذا التشبيه ، ففي أحد أحاديثه المجموعة في كتاب “ فيه ما فيه “ شبه البشر بالكؤوس فوق صفحة الماء .
قال : “ إننا مثل كأس فوق صفحة الماء . وليست حركة الكأس فوق الماء مما تتحكم به الكأس ، بل إن الماء هو الذي يحكم هذه الحركة “ . ( ص 153 ، طبعة فروزانفر ) . 
وقد أراد بهذه الصورة أن يبين أن الخالق هو المحرك للبشر ، وإن كان الظاهر أنهم متحركون بإرادتهم . 


( 1112 ) العقل هنا هو العقل الكلي ، وهذا من المصطلحات التي يرمز الشاعر بها أحياناً إلى الخالق . فهذا العقل الكلي لا يرى ، أما ما نراه فهو هذا العالم المادي ، الذي هو فيض من أشعة شمس العقل الكلي ، أو موج ورذاذ من بحره . وهذا تعبير عن مذهب وحدة الوجود . 


( 1115 - 1119 ) قدم الشاعر هنا صورة لغفلة الإنسان عن الروح ، على الرغم من أن كل حياته مقتبسة منها ، فكأنه يمتطي حصانا ويحثه على الانطلاق به ، وهو مع ذلك غافل عن وجود هذا


“ 512 “


الحصان ، رغم أن الحصان يحمله ويمضي به مسرعاً فوق الطريق . 
( 1121 ) الروح تملأ كيان الإنسان ، وبعض الناس لا يعلم شيئاً عنها ، فهذه الغفلة تجعل الإنسان شبيهاً بإبريق امتلأ جوفه بالماء ، على حين أن حلقه قد جف ، فلا خبر له عما به من الماء . 


( 1122 ) لا سبيل إلى الوصول إلى الحقائق ، وإداراك تفصيلاتها ، ما لم يتوفر للإنسان أساس هذه المعرفة الحقيقة ، وهو عند الصوفية الكشف والهداية الإلهية . فحين يتوفر هذا للإنسان يصبح سبيله إلى المعارف المحققة . أما الانشغال بالجزئيات قبل التحقق بأساس المعرفة الأول فلا يؤدي إلى علم يقيني . فالهداية الإلهية كالنور ، وهي الوسيلة لتمييز الألوان . والألوان هنا ترمز إلى تفصيلات المعارف ، ولا سبيل إلي التيقن منها بدون النور ، أساس الهداية الأول . 


( 1126 ) الإنسان الذي أضاء بالمعرفة قلبه ، يكون نور عينيه مستمداً من نور قلبه . وبهذا يفترق نور العين عند الإنسان العاقل عن نور العين عند الحيوان الأعجم . فالحيوان يبصر ولكنه لا يميز تمييز العقلاء ، ولكن الإنسان يبصر ، ويدرك معنى المبصرات بنور قلبه . 


( 1127 ) الشاعر يفرق هنا بين نور القلب ، وبين نور الحس ونور العقل . فتور القلب هبة يلقيها اللَّه في قلوب الملهمين من عباده . 
والغزالي لا يفرق بين نور القلب ونور العقل حيث يقول : “ واعلم أن في قلب الإنسان عيناً هذه صفة كمالها ، وهي التي يعبر عنها تارة بالعقل وتارة بالروح وتارة بالنفس الإنساني ، ودع عنك العبارات ، فإنها إذا كثرت أو همت عند ضعيف البصيرة كثرة المعاني ، فنعني به المعنى الذي يتميز به العاقل عن الطفل الرضيع وعن البهيمة وعن المجنون . 
ولنسمه عقلا متابعة للجهور “ . ( مشكاة الأنوار ، ص 43 ) . 


( 1129 ) عرّف الغزالي النور بقوله : “ النور عبارة عما يبصر بنفسه ويبصر به غيره كالشمس “ . ( مشكاة الأنوار ، ص 42 ) .


“ 513 “


( 1131 ) إنّ اللَّه هو الكل لا ضد له ، ولا ندّ ، ولهذا لا يمكن إدراكه على ذات الوجه الذي تدرك به المحسوسات ، تلك التي تتميز للناس بضدها . 


( 1133 ) يشير الشاعر في هذا البيت إلى أنّ التمييز الحقيقيّ لا بدّ أن يكون مبنياً على الإدراك الواعي ، لا على مجرد الإحساس بالأشياء . 
فقوله : “ كل ضد يبيّن ضدّه في الصدور “ إيماء إلى أنّ المعرفة الحق هي ما يدركه العقل والقلب ، وبهذا يفترق إحساس الإنسان العاقل عن إحساس الحيوان . 


( 1148 ) إنّ اللَّه يخلق الزمن بسرعة تفوق تصور الآدميين ، فيبدو الزمن أمامهم متطاولًا ، وهو لا يعدو أن يكون لحمة من قدرة اللَّه الخالقة . 
ومقاييس الزمن - بالنسبة لسكان الأرض - اعتبارية محضة ، يحكمها دوران الأرض حول الشمس مرة في كل أربع وعشرين ساعة . ولهذا تغيرت هذه المقاييس بالنسبة لمن رحلوا إلى القضاء الخارجي ، وخرجوا من مجال الجاذبية الأرضية . أما فكرة الزمن ذاته فقد شغلت الفلاسفة على مرّ العصور ، ولسنا نرى مجالًا هنا لمثل هذا البحث . 


( 1189 ) إشارة إلى هلاك النمرود بن كنعان ، الذي يُذكر أنه كان من الملوك الجبابرة الطغاة ، أصرّ على الكفر ، وادعى لنفسه الألوهية . 
وقد ذكر المفسرون أنه هو المقصود في قوله تعالى :” أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ، قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ . قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ “. 
( البقرة ، 2 : 258 ) . وقد ذكر الثعلبي في قصص الأنبياء قصة هلاكه بقوله : “ فبعث اللَّه إليه بعوضة فدخلت في منخره حتى وصلت إلى دماغه ، فمكث أربعمائة سنة تضرب رأسه بالمطارق ، فأرحم الناس به من جمع يديه ثم يضرب بهما رأسه . وكان جباراً أربعمائة سنة فعذبه اللَّه أربعمائة سنة كمدة ملكه ، ثم إن البعوضة أكلت دماغه ، وأهلكه



“ 514 “


اللَّه سبحانه وتعالى “ . ( قصص الأنبياء ، ص 97 ) . 


( 1191 ) اقترن اسم هامان بفرعون في القرآن الكريم قال تعالى :” وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ “. ( القصص ، 28 : 6 ) . 
وقال :” إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ “. ( القصص ، 28 : 8 ) وقد ذكر المفسرون أنّ هامان كان وزيراً لفرعون . 


( 1199 ) إنّ الذين ركنوا إلى الدنيا وعدّوها وجوداً حقيقياً خالداً ، هم في واقع الأمر ضالون ، أسكرهم قهر الحق ، فظهر لهم العدم وجوداً فعاشوا في هذا الوهم منصرفين عن الحق .

.
الشروح والدراسات المثنوي المعنوي كاملة الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1394 - 1546 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالثلاثاء أغسطس 25, 2020 7:43 am

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1394 - 1546 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1394 - 1546 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات من الأبيات 1394 - 1546 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1394 - 1546

كيف جاء رسولُ الروم إلى أمير المؤمنين عمر رضي اللَّه عنه وكيف رأى كراماته

( 1394 ) لما كان عمر - كما ذكر الشاعر - يمتلك قصراً روحياً لا مادياً فلا سبيل إلى مشاهدة هذا القصر إلا لمن كان له قلب نقي خلا من شوائب المادة ، وبرئ من نوازع الحرص . فمثل هذه الشوائب تؤذي بصيرة القلب ، كأنها الشعر الذي ينبت في العين ، فيغشي بصرها .

“ 517 “
( 1399 ) في قول الشاعر : وكل من فتح له باب في صدره “ إشارة إلى الكشف الذي يؤمن الصوفية بأنه سبيل العلم اليقيني . 

( 1401 - 1402 ) الشاعر في هذين البيتين يرى أن احتجاب العالم الروحي ليس دليلًا على انعدامه . وهذا الاحتجاب ناشىء من أن النفس الأمّارة بالسوء تحجب قوة الكشف عند الإنسان ، فكأنها تضع إصبعاً على أعين تلك القوة ، فتحجب عنها ما يمكن أن تشاهده . ومثله على ذلك هذا العالم المادي . فالإنسان لو وضع إصبعين فوق عينيه لما شاهد منه شيئاً . 

وليس معنى هذا الاختفاء الناشئ عن احتجاب البصر في العينين أن العالم أصبح عدماً . 

( 1407 ) وُهب الإنسان القدرة على الإبصار الحسي والروحي لكي يعرف خالقه ويهتدي إليه . فإن لم ينفعه في ذلك بصره وبصيرته فلا جدوى منهما . والحبيب الحق هو هدف المشاهدة الحق ، أما الحبيب الفاني ، وهو ما يتلعق به قلب الإنسان من ملاذ هذه الدنيا الفانية فمن الخير للإنسان ألا يجعله هدفه ومبتغاه ، ومحط نظره ومستقر قلبه ووجدانه . 

( 1429 - 1431 ) إن عبارة” أَلَّا تَخافُوا “الواردة في قوله تعالى :” إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا “. ( 41 : 30 ) ، هذه العبارة تبعث السكينة في قلب المؤمن الذي يخشى اللَّه ، فهو حين يستمع إليها يطمئن قلبه ، ويهدأ خاطره . 

أما الكافر الذي لا يخشى اللَّه ، فلا تنفعه مثل هذه العبارة ، ولا جدوى له من سماعها . 

( 1434 ) المقامات والأحوال : المقام - في تعريف القشيري - ما يتحقق به العبد بمنزلته من الآداب مما يُتوصل إليه بنوع تصرف ، ويُتحقق به بضرب تطلب . . . وشرطه ألا يرتقي من مقام إلى مقام آخر ما لم يستوف أحكام ذلك المقام ، فإنّ من لا قناعة له لا يصح له التوكل ،



“ 518 “

ومن لا توكل له لا يصح له التسليم . . . “ ( الرسالة ، ص 32 ) . أما تعريف الحال - عند القشيري - فهو أنه “ معنى يرد على القلب من غير تعمد منهم ولا اجتلاب ولا اكتساب لهم من طرب أو حزن أو قبض أو انزعاج أو هيبة أو احتياج ، فالأحوال مواهب ، والمقامات مكاسب . . “ ( المصدر السابق ) . وفي كتاب اللمع لأبي نصر السراج ( ص 65 وما يليها ) تعريفات للمقامات والأحوال مع تعريف بكل مقام وكل حال . والمقامات التي ذكرها السراج هي التوبة ، والورع ، والزهد ، والفقر ، والصبر ، والتوكل والرضا . أما الأحوال فهي المراقبة ، والقرب ، والمحبة ، والخوف ، والرجاء ، والشوق ، والأنس والطمأنينة ، والمشاهدة واليقين . 

وغني عن الذكر أن كلمتي “ مقام ، وحال “ لم تكونا تحملان هذه المعاني الصوفية في عصر عمر . 



( 1438 ) الشاعر هنا يشيد بأصحاب المقامات . والمقامات ( كما يتبيّن في الشروح التي ذكرناها في حاشية 1434 ) تقتضي بذل الجهد لتحقيق درجات معينة يرتقي فيها السالك درجة بعد درجة . وقد وصفها القشيري بأنها مكاسب ، أما الأحوال فهي مواهب ، لا تحتاج إلى بذل جهد . 

وجلال الدين يؤمن دائماً بضرورة السعي والعمل وبذل الجهد . والتصوف عنده سلوك قويم وعمل بنّاء . 

( 1440 ) يصف الشاعر هنا عالم الروح ، ذلك العالم الذي كانت الأرواح منطلقة فيه قبل أن تحل بالأجساد ، وتصبح حبيسة عالم المادة . 

( 1441 ) العنقاء هنا ترجمة لكلمة “ سيمرغ “ الفارسية ، وهي تعني طائراً خرافياً شبيهاً بما تعنيه كلمة العنقاء عند العرب . وقد استخدم هذا الطائر الخرافي كثيراً في الشعر الصوفي الفارسي . وموطن “ العنقاء “ وكذلك “ سيمرغ “ جبل قاف وهو موطن خرافي أيضاً لا يعرف مكانه على وجه التحديد .

“ 519 “

( 1459 ) لا تغلق أُذن الروح عن نداء الغيب بما تشغلها به من مشكلات العالم المادي . 

( 1460 - 1461 ) لا بد من تنقية الروح والوصول بها إلى حالة الصفاء ، وذلك لتكون قادرة على إدراك أسرار العالم الروحي ، وتتحقق لها المعرفة اليقينية عن طريق الكشف والإلهام . 


( 1480 - 1483 ) الظاهر أن مذهب الكسب في تفسير أعمال العباد ، وهو ما قال به أبو الحسن الأشعري ، قد لقي قبولا عند الصوفية منذ وقت مبكر من تاريخهم . 

قال الكلاباذي : “ أجمعوا أنهم لا يتنفسون نفساً ، ولا يطرفون طرفة ، ولا يتحركون حركة ، إلا بقوة يحدثها اللَّه تعالى فيهم ، واستطاعة يخلقها اللَّه لهم ، مع أفعالهم ، لا يتقدّمها ولا يتأخرّ عنها ، ولا يوجد الفعل إلا بها . . . 

وأجمعوا أنّ لهم أفعالًا واكتساباً على الحقيقة ، هم بها مثابون ، وعليها معاقبون ، ولذلك جاء الأمر والنهي ، وعليه ورد الوعد والوعيد “ . 

(التعريف لمذهب أهل التصوف ، ص 46 ، 47 ) . 


( 1488 - 1493 ) تكلّم جلال الدين عن سقوط إبليس وسقوط آدم بهذا الأسلوب في كتابه المنثور “ فيه ما فيه “ . قال : “ عندما لعن اللَّه إبليس وطرده لجرمه ومعارضته ربّه وجداله معه ، قال : أواه ، يا رب ! إنّك فعلت كل هذا ، وكانت هذه فتنتك ، وأنت الآن تلعنني وتبعدني . 

وحينما اقترف آدم الخطيئة ، أخرجه اللَّه من الجنّة . وقال الحقُّ لآدم : يا آدم ، إنّني قدّرت ذلك عليك ، ثم زجرتك على هذا الجرم الذي اقترفته ، فلماذا لم تُسائلني في الأمر ، ولك الحجة في ذلك ؟ 

إنّك لم تقل : إنّ كل شيء منك ، وأنت صانعه ، وكل ما أردته يتحقق في العالم ، وكل ما لم ترده فلا سبيل إلى وقوعه . لقد كانت


“ 520 “
لك هذه الحجة البيّنة الصادقة ، فلماذا لم تقلها ؟ فقال آدم : يا رب ! كنت أعرف ذلك ، ولكني لم أتخلّ عن الأدب في حضرتك ، ولم يترك لي العشق مجالًا للتعاب “ . ( مترجمة عن النصّ الفارسيّ ، فيه ما فيه ، ص 101 ، 102 ، طبعة فروزانفر ، طهران ، 1330 شمسي ) . 

( 1497 - 1499 ) من الأعمال ما لا يكون من فعل الإنسان كالارتعاش مثلًا ، ومنها ما يكون من فعله - عن طريق الكسب - وهي الأعمال التي يُحاسب عليها الإنسان . ومن هنا قال الشاعر ( بيت 1499 ) : 

“ إنك لتندم على فعل أتيته بإرادتك ، ولكن كيف يكون الإنسان نادماً على فعل لا إرادة له فيه ؟ “ وشبيه بهذا ما قاله الكلاباذي : 

“ ومُجْمَعُ على أنّ حركة المرتعش خلق اللَّه ، فكذلك حركة غيره ، غير أنّ اللَّه تعالى خلق لهذا حركة واختياراً ، وخلق لآخر حركة ولم يخلق له اختياراً “ . ( التعرفّ لمذهب أهل التصوف ، ص 46 ) .[ شرح من بيت 1500 إلى 1650 ] 

( 1501 ) إنّ البحث العقليّ - في أرفع مستوياته - لا يمكنه الوصول إلى مستوى البحث الروحيّ . 

( 1517 - 1518 ) يبين عمر لرسول الروم سرّ احتباس الأرواح في الأجساد . ويضرب لذلك مثلًا تلك المعاني العميقة التي كان رسول الروم يسأل عنها . فهي معان مطلقة تتعلق بالروح وطبيعتها ومع ذلك فقد عبر عنها بكلمات محدودة مسموعة . فهو بهذا قد جعل المعنى المطلق أسيراً لكلمات محدّدة . وهو قد فعل ذلك لفائدة منشودة . فلا عجب أنْ تكون هناك فائدة من وراء حبس الأرواح في الأجساد ، وخاصّة لأنّ هذا قد حدث بأمر اللَّه . 

( 1521 ) هناك آلاف الفوائد ، ولكن لا يمكن أنْ تُقاس أية منها بالفائدة التي نجمت عن اجتماع الروح والجسد . 

( 1535 ) الوجود الحيّ في هذا البيت هو الإنسان الكامل أو الصوفيّ الكامل . 

( 1536 ) الميت هنا هو الإنسان الماديّ الغارق في ماديّته ، الذي

“ 521 “

ليس له نصيب من حياة الروح . 

( 1539 ) إذا قرأت القرآن بدون أن تمتزج روحك بمعانيه فأنت كمن شاهد الأنبياء ولكنّه اكتفى بالمشاهدة ، فلم يهتد بهديهم ، ولم يعمل على سلوك سبيلهم الذي دعوا إليه . 

( 1540 ) إذا قرأت القرآن متقبلًا معانيه ، محيطاً بمفهوماته متذوّقاً لها ، فإنّ الروح حينذاك تشعر بضيقها في حبس الجسد ، ويشوقها الانطلاق من هذا الجسد . 

( 1543 ) قول الشاعر : “ فمن الخارج يأتيك صوتهم “ يعني أنّ صوت الأنبياء يناجي الناس من عالم الروح ، مبيناً لهم طريق النجاة . 

( 1544 ) إن الدين كان وسيلتنا للخلاص من أسر المادة . ولا سبيل سواه يؤدي إلى هذا الخلاص . 

( 1545 - 1546 ) يمهد الشاعر بهذين البيتين للقصة التالية ، “ قصة التاجر والببغاء “ ، وتدور حول الشهرة ، وما توقعه بالخلق من مضار . 


.

الشروح والدراسات المثنوي المعنوي كاملة الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1565 - 1910 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالثلاثاء أغسطس 25, 2020 7:44 am

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1565 - 1910 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1565 - 1910 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1565 - 1910 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1565 - 1910

قصة التاجر الذي حَمّله الببغاء رسالةً إلى ببغاوات الهند حينما ذهب للتجارة
( 1565 - 1566 ) كل ما يفعله الحبيب يتقبله المحب ، ويكون به سعيداً راضياً . والمحب يسعد في عذابه وآلامه ، ما دامت هذه إرادة الحبيب . 
( 1567 ) إذا كانت هذه حلاوة جفائك ، فكيف يكون جمال وصالك ؟ وإذا كانت الآلام التي تعترينا من أجلك حبيبة إلى نفوسنا ، فكيف تكون السعادة التي يبعثها فينا قبولك ورضاك ؟ 


( 1572 ) هذا البلبل الذي هو رمز للمحب العاشق يأكل الشوك مع الورد ، أي أنّه يجد الآلام في الحب لذيذة سائغة ويتقلبها بذات الرضى الذي يستشعره حين ينعم بسعادة الحب . 


( 1573 ) إنّه عملاق ناريّ يلتهم كل ما يعترض سبيله ، ويقف حائلًا بينه وبين المحبوب . وقد أصبح كل ألم يلاقيه في سبيل ذلك حلو المذاق سائغاً ، لأن العشق جرده من الذاتية ، فلم يعد له من هدف


“ 522 “

سوى المحبوب ، وهان في سبيله كل ألم . 

( 1574 ) إنّ العشق قد بلغ به حالة الفناء في المعشوق ، فأصبح بذلك عاشقاً لذاته . يقول العزالي في وصف تلك الحال : “ العارفون - بعد العروج إلى سماء الحقيقة - اتفقوا على أنهم لم يروا في الوجود إلا الواحد الحقّ . ولكن منهم من كان له هذه الحال عرفاناً علمياً ، ومنهم من صار له ذلك حالًا ذوقياً . وانتفت عنهم الكثرة بالكلية ، واستغرقوا بالفردانية المحضة ، واستوفيت فيها عقولهم ، فصاروا كالمبهوتين فيه ، ولم يبق فيهم متسع لا لذكر غير اللَّه ولا لذكر أنفسهم أيضاً . فلم يكن عندهم إلا اللَّه ، فسكروا سكراً دفع دونه سلطان عقولهم ، فقال أحدهم : “ أنا الحق “ ، وقال آخر : “ سبحاني ، ما أعظم شاني ! “ وقال آخر : “ ما في الجبة إلا اللَّه “ . وكلام العشاق في حال السكر يطوى ولا يُحكى . فلما خفّ عنهم سكرهم ، ورُدّوا إلى سلطان يالعقل الذي هو ميزان اللَّه في أرضه ، عرفوا أنّ ذلك لم يكن حقيقة الاتحاد ، بل شبه الاتحاد . . “ ( مشكاة الأنوار ، ص 57 ، الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة ، 1964 ) . 


( 1575 ) ببغاء الروح هنا رمز للعقل الإلهيّ الذي جعل الشاعر منه عنواناً للأبيات . 


( 1575 - 1585 ) صنف الغزالي الأرواح البشرية النورانية إلى أنواع خمسة لكل منها مرتبتها . وخامس هذه الأنواع وأسماها هو “ الروح القدسيّ النبوي ، الذي يُختص به الأنبياء وبعض الأولياء ، وفيه تتجلى لوائح الغيب وأحكام الآخرة ، وجملة من معارف ملكوت السماوات والأرض ، بل من المعارف الربانية التي يقصر دونها الروح العقليّ والكفريّ “ . ( مشكاة الأنوار ، ص 77 ) . 


( 1579 ) من المعروف أنّ كثيراً من الصوفية قد رُموا بالكفر ، وحوكموا ، ومنهم من قُتل . وهؤلاء الذين اتهموا بالكفر هم عند


“ 523 “

الصوفية أمثلة عالية للإيمان . والشاعر يقول هنا إنّ كفر هؤلاء أصدق وأحقّ من كل إيمان يعتنقه خصومهم . وقد تناول السراج في كتابه المع ( ص 497 ) مسألة اتهام مشايخ الصوفية بالكفر ، وقال إنّ القائلين بذلك نوعان من الناس ، “ منهم قوم لم يفهموا معاني ما أشاروا إليه في كلامهم من غامض العلم وجليل الخطب ، ولم يكن لهم زاجر من العقل ، ولا وازع من الدين أن يستبحثوا عن المعاني التي أُشكلت عليهم ويسألوا ذلك من أهلها ، وقاسوا ما يسمعون من ذلك بما علموا من العلوم المبثوثة بين عوام الناس حتى هلكوا . . . ومنهم من علم مقاصدهم ومعانيهم فيما قالوا ، أو قد صحبهم برهة من الدهر فلم يصبر على حالهم ، ودعاه شيطانه وهواه إلى طلب الرياسة ، وجمع الدنيا ، وأكل أموال الناس بالباطل ، فجعل المعاداة والمنافاة معهم ، والطعن والوقيعة فهيم ، والسفاهة والإنكار عليهم ، سلماً إلى جميع الدنيا وسبباً إلى قبول قلوب الجهلة من العامة له “ . 


( 1594 - 1595 ) لا تُلق الكلام بدون تقدير لأثره وعواقبه ، فأنت لا تدري ما حولك ، وقد تُلقى كلمة واحدة جزافاً فتحدث من الأضرار والفتن ما لم يكن قائلها يدرك مداه . 

( 1597 ) من الكلمات ما يكون سبباً للكثير من الأضرار ، ومنها ما يكون بالغ النفع والجدوى . 


( 1598 - 1599 ) الأرواح في الأصل خيّرة كلّها ، وهي كنفس عيسى تهب الحياة ، ولكنّها - حين تجسَّدت وعلقت بالمادة - أصبحت متأرجحة بين الخير والشر . وهي إذا خلصت من أثر المادة وتحرّرت منها ، عادت لها طبيعتها الأصيلة وأصبحت خيّرة ، ولم ينبثق منها سوى الصلاح . 

( 1603 - 1610 ) في هذه الأبيات يتحدث الشاعر عن كرامات الأولياء . وقد كتب في ذلك كثير من المؤمنين عن التصوف ، وأثبت


“ 524 “


أكثرهم إمكان وقوع الكرامات على يد الأولياء . ( انظر : رسالة القشيري ، ص 158 - 160 ؛ اللمع للسراج ، ص 390 - 405 ) . 
يقول ابن الفارض في تائيته الكبرى :وعارفنا في وقتنا الأحمدي من * أولي العزم منهم آخذ بالعزيمة 
بعترته استغنت عن الرسل الورى * وأصحابه والتابعين الأئمة 
كراماتهم من بعض ما خصّهم به * بما خصهم من إرث كل فضيلة. . . . .
وللأولياء المؤمنين به ولم * يروه اجتنا قرب لقرب الأخوة 
وقربهم معنى له كاشتياقه * لهم صورة فاعجب لحضرة غيبةتعاند مطلوباً ، والمطلوب هو الشيخ الذي خلص من الحرص على الدنيا فأصبح مطلوباً لربه . 


( 1606 ) إنك لم تتخلص بعد من نفسك الحسية ، فلست أهلًا أن تضع نفسك في موضع رجال اللَّه ، الذين طهّروا قلوبهم من طغيان الشهوات ، فأصبحوا قادرين على مواجهتها بغير خوف منها . فالنار المذكورة في البيت رمز للشهوات . وهذه لا يستطيع مواجهتها إلا من تخلّص من نفسه الحسية ، وجعل الروح متحكمة في كيانه . 


( 1642 ) قال الغزالي في كتاب “ الأربعون في أصول الدين “ ( ص 63 ) : 
“ اعلم أن طيّب المطعم له خاصية عظمية في تصفية القلب وتنويره ، وتأكيد استعداده لقبول أنوار المعرفة “ . 


( 1644 ) ذكر الغزالي حديثاً منسوباً للرسول عليه السلام جاء فيه : “ من أكل الحلال أربعين يوماً نوّر اللَّه قلبه ، وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه ولسانه “ . ( المصدر السابق ، ص 62 ) .


[ شرح من بيت 1650 إلى 1700 ] 
( 1661 - 1668 ) يبيّن الشاعر هنا رأيه في الأفعال المولدة وهو موضوع سبق أن أثاره . وقد علّقنا عليه من قبل ، ( 840 - 840 - 840 - 851 ) . والشاعر هنا يزيد رأيه ، إيضاحاً فيترك الرمز ويذكر بصريح



“ 525 “


العبارة أن الأفعال المولدة إنما هي من خلق اللَّه . 


( 1670 ) من أمثلة ذلك - عند الصوفية - أن الوليّ إذا دعا على إنسان ثم ندم ورجع عن هذا الدعاء ، يستجيب اللَّه لرجوعه ، ولا يقع من جراء دعائه ضرّ ولا أذى . 


( 1679 ) يقول ابن العربي عن الإنسان : “ وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر ، المعبرّ عنه بالبصر . فلهذا سُمي إنساناً ، فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم “ . ( فصوص الحكم ، ص 50 ) . 


( 1680 ) أصحاب الصدارة “ في هذا البيت ربما تعني أقطاب التصوف . وقد تعني الأنبياء . ومهما يكن ، فالصوفية يؤمنون بالامتناع عن ذكر الأسرار لمن لا يكونون أهلًا لتلقيها . وفي مشكاة الأنوار للغزالي ( ص 40 ) حديث منسوب إلى الرسول عليه السلام وتعليق عليه الغزالي جاء فيه : “ إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء باللَّه . فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغرّة باللَّه ، ومهما كثر أهل الاغترار وجب حفظ الأستار على وجه الأسرار “ . 


( 1681 - 1690 ) تناول الشاعر في أبيات سابقة ( انظر 388 - 402 ) النوم وأثره على الإنسان . وهو في هذه الأبيات يصور الإنسان منفصلًا عن أفكاره وخبراته ساعة النوم . ومع هذا تعود إليه الأفكار والخبرات والطباع ذاتها حين يستيقظ ، كما يعود الحمام الزاجل إلى موطنه مهما أُبعد عنه.


 [ شرح من بيت 1700 إلى 1850 ] 
( 1700 ) اللسان يتلكم بالخير وكذلك بالشرّ . والشرّ الذي ينطلق من اللسان يقضي عى ما ينطق به من خير ، كما تقضي النار على البيدر . 


( 1701 ) يتحدث الغزالي عن أثر اللسان على القلب فيقول : “ إن الجوارح كلها تؤثر أعمالها في القلب ، ولكن اللسان أخصّ به لأنه يؤدي عن القلب ما فيه من الصور ، فيقتضي كل كلمة صورة في القلب محاكية لها ،







“ 526 “


فلذلك إذا كان كاذباً حصل في القلب صورة كاذبة ، واعوج به وجه القلب ، وإذا كان في شيء من الفضول مستغنى عنه اسودّ به وجه القلب ، وأظلم حتى تنتهي كثرة الكلام إلى إماتة القلب . . “ ( الأربعون في أصول الدين ، ص 106 ) . 


( 1703 ) إن اللسان يخدع القلوب كما يخدع الصفير الطيور . 


( 1704 ) السيطرة على اللسان تعدّ من الأمور العسيرة التي لا تتحقق إلا لمن أوتوا عقلًا راجحاً وحلماً كبيراً . أما الإنسان العاميّ فلا سيطرة له على لسانه ، مهما سعى إلى ذلك . 


( 1706 ) يخاطب التاجر لسانه بقوله : “ أجبني ، أو كن منصفاً فلا تتحدث بما يسيء إليّ ، أو انطلق بما يكون سبباً لسروري ، كذكر اللَّه والتحدث بالخير “ . 


( 1710 ) انتقل التاجر من وصف حزنه على فراق طائره المحبوب ، إلى الحديث عن حزن روحه لفراق عالمها الأعلى ، فهناك كانت خالية من الآلام ، نقية بريئة من أدران المادة . 


( 1711 ) هذه الآلام التي يعانيها العاشق مبعثها خيال المحبوب ، وما تعانيه الروح لا نفصالها عن وجودها الحقّ ، ووقوعها أسيرة للمادة في هذه الدنيا . 


( 1723 ) القمر هنا رمز للروح . والحساب رمز لماديات الحياة الدنيا . 
فهذه الماديات قد حجبت الروح كما يحجب السحابُ القمر . 


( 1726 ) إن العشق المضطرم لا يكون من المستطاع السيطرة عليه . 


( 1727 ) الحبيب هنا قد يكون إنساناً . ومن الممكن - عند الصوفية - حدوث اتحاد روحيّ بين إنسانين بلغا مرتبة رفيعة من المحبّة والصفاء الروحيّ . والحبيب هنا يدعو الشاعر ألا ينشغل عن الجمال بالألفاظ التي يقولها في وصفه . 


( 1728 - 1729 ) هنا يُؤكد الشاعر لمحبوبه أنه مصدر انسجام



“ 527 “


تفكيره وتوزانه ، وأن الألفاظ لا أهمية لها ، فليست هذه إلا إطاراً يحيط بالمعنى ، كما تحيط الأشواك بالكروم . 


( 1730 ) يريد الشاعر أن ينطلق من التحدّث مع محبوبه بالألفاظ إلى التحدّث معه حديثاً روحياً ، لا يقيده لفظ ولا صوت . 


( 1731 ) الإنسان الكامل عند الصوفية هو الجامع لأسرار العالم . 
والشاعر هنا يقول إنه سيبوح له بكلمة خفيت على آدم ، وهذه الكملة هي “ سر الاتحاد “ الذي يقول به الصوفية . يقول ابن الفارض في التائية الكبرى :
وإني وإن كنت ابن آدم صورة * فلي فيه معنى ناطق بأبوّتي 
ونفسي على حجر التجلي برشدها * تجلّت وفي حجر التجلي تربت


( 1732 - 1733 ) يمكن أن يُفسر هذان البيتان على ضوء ما قاله ابن الفارض في تائيته الكبرى :
وفي المهد حزبي الأنبياء وفي عنا * صري لوحي المحفوظ والفتح سورتي 
وقبل فصالي دون تكليف ظاهري * ختمت بشرعي الموضحي كل شرعة
وفي أبيات جلال الدين وابن الفارض حديث رمزي عن “ التجلي “ ، وهو - عند الصوفية - كاشف لجميع الأسرار التي سعى الأنبياء إلى كشف جانب منها لعامة الخلق . 


( 1735 ) لقد أدرك معنى الوجود الحق حينما تخلص من إحساسه بذاته ، وفني في حبّ الخالق ، فكانت اللاذاتية سبيله إلى الذاتية الحق . 


( 1744 ) ماذا يضيرني لو هلك الجسد ، ما دامت الروح - وهي جوهر الإنسان - ستفترق عنه مكتملة بالمحبة ، ساعية إلى عالمها العلويّ . 


( 1747 - 1748 ) في سبيل الحبيب ينبغي أن تكون الألم حلو المذاق ، وعلى المحبّ أن يتلقى الشقاء في الحب بذات الرضا الذي يتلقى به سعادة الحب . فليس المهم في العشق الصوفيّ رغبة العاشق ، وإنما يتوقف



“ 528 “


كل شيء على ما يريده الحبيب . 
يقول ابن الفارض :وكل أذى في الحب منك إذا بدا * جعلتُ له شكري مكان شكيتي 
نعم وتباريح الصبابة إذ عدت * عليّ من النعماء في الحب عدِّت 
ومنك شقائي بل بلائي منّة * وفيك لباس البؤس أسبغ نعمة


( 1749 ) النجوم في هذا البيت قد تكون رمزاً للتجليات الإلهية . 
أما الهلال فقد يكون رمزاً لنور العقل أو للوجود الإنساني . فالشاعر يقول إنّ لمحة واحدة من تجليات الحق تفوق في قيمتها مائة عقل أو مائة كيان إنساني . 
يقول ابن الفارض :إذا ما أحلت في هواها دمي ففي * ذرا العزّ والعلياء قدري أحلت


( 1750 ) ثمن الدماء هو ما خصّ اللَّه به محبيه من عناية جعلتهم يضحون بوجودهم الدنيوي في سبيل وجود أسمى يسارعون إليه بقلوب مطمئنة . 
يقول ابن الفارض :
وما هو إلا أن ظهرت لناظري * بأكمل أوصاف على الحسن أربت 
فحليت لي البلوى فخليت بينها * وبيني فكانت منك أجمل حلية


( 1751 ) شبيه بهذا البيت قول ابن الفارض :هو الحب إن لم تقض ، لم تقض مأربا * من الحب فاختر ذاك أو خلّ خلتي


( 1752 - 1756 ) في هذه الأبيات يصور الشاعر الحب الصوفي الذي يقتضي من المحب فناء كاملًا عن ذاته ، وقد وصف الشاعر من أبصر ذاته إلى جانب الحبيب بأنه ثنائي الرؤية . 
ولا بن الفارض أبيات تعبر عن المعنى ذاته قال فيها :
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى * ولكنها الأهواء عمت فأعمت 
وقد آن أن أُبدي هواك ومن به * ضناك بما ينفي ادعاك محبتي



“ 529 “


حليف غرام أنت لكن بنفسه * وإبقاك وصفاً منك بعض أدلتي 
فلم تهوني ما لم تكن فيّ فانيا * ولم تفن ما لا تجتلى فيك صورتي 
فدع عنك دعوى الحب وادع لغيره * وفؤادك وادفع عنك غيّك بالتيانظر أيضاً تعليقنا على البيت 517 . 
( 1759 ) حينما أنفي ذاتي فالمراد من ذلك إثبات ذات اللَّه “ . 
وفي البيت اقتباس من لفظ شهادة التوحيد “ لا إله إلا اللَّه “ . 


( 1760 - 1762 ) إن الصوفي يخفي عن الناس ما قد يتكشف له من تجليات وأسرار وراء قناع من الصمت والتحفظ . وليس مما يجيزه الصوفية أن يبوح أحدهم بسرّ تكشف له ، وخاصة إذا حدث هذا أمام من لا يعدُّون - في اعتبارهم - أهلًا لتلقي مثل هذا السر . 


( 1763 ) غيرة الحق هي أنه يريد من عباده ألا يكون لهم تعلق بأحد ولا بشيء سواه . 
ويقول القشير : “ الحق تعالى غيور ، ومن غيرته أنه لم يجعل إليه طريقاً سواه “ . ( الرسالة ، ص 116 ) . 
ويقول الغزالي : قال عليه السلام : “ أتعجبون من غيرة سعد ، أنا واللَّه أغير منه ، واللَّه أغير مني “ . ولأجل غيرة اللَّه حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن . ( الإحياء ، 2 / 46 ) . 
وانظر أيضاً : ان عبربي ، فصوص الحكم ، ص 109 ، 110 . 


( 1765 ) كل من أصبح موقن الإيمان ، يعبد ربه كأنه يراه ، لا يليق به أن يعود إلى إيمان العوام ، وما يشوبه من شوائب الغفلة والجهل . 


( 1773 ) القلوب العشرة رمز للتجليات المتباينة من رضى وسخط وقبول وإعراض وما إلى ذلك . ومنها أمور يشعر بها الصوفية ، ويتحققون بها ، ويعدّونها أحوالًا . والأحوال عندهم مواهب لا يد لهم في تحقيقها .



“ 530 “


( 1777 - 1778 )  آلام العشق محبية إلى نفس العاشق ، يتلقاها سعيداً راضياً بها . يقول ابن الفارض :
وما حلّ بي من محنة فهو منحة * وقد سلمت من حلّ عقد عزيمتي 
وكل أذى في الحب منك إذا بدا * جعلت له شكري مكان شكيتي


( 1781 ) قريب من معنى هذا البيت قول ابن الفارض :ولم أحك في حبيّك حالي تبرّما * بها لا ضطراب بل لتنفيس كربتي
( 1782 ) يذكر الشاعر أنه سخر من قلبه الذي شكا من آلام المحبة ، لأنه يعلم أن هذه الآلام من ضرورات المحبة . 


( 1784 ) في حضرة اللَّه ينعدم الزمان والمكان ، ولا يكون هناك من وجود سوى وجوده . يقول ابن العربي : 
“ فاعلم أنك خيال ، وجميع ما تدركه مما تقول فيه “ ليس أنا “ خيال . فالوجود كله خيال في خيال ، والوجود الحق إنما هو للَّه خاصة من حيث ذاته وعينه . . فيما هو عينه هو الحق ، وبما هو غيره هو الحق المتخيل الذي كنا بصدده . فسبحان من لم يكن عليه دليل سوى نفسه ، ولا ثبت كونه إلا بعينه . فما الكون إلا ما دلت عليه الأحدية ، وما في الخيال إلا ما دلت عليه الكثرة . فمن وقف مع الكثرة كان مع العالم ، ومع الأسماء الإلهية وأسماء العالم . ومن وقف مع الأحدية كان مع الحق من حيث ذاته الغنية عن العالمين “ . ( فصوص الحكم ، ص 104 ) . 


( 1787 ) في هذا البيت إشارة إلى الحديث القدسي المشهور عند الصوفية ، الذي يروي أن اللَّه خلق الخلق ليُعرف . يقول ابن العربي : 
“ وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلًا . فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز ، كما هو حد الإنسان إذا كان حياً . وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها ، كذلك جعل اللَّه صورة العالم تسبّح بحمده ، ولكن لا نفقه تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في



“ 531 “


العالم من الصور . فالكل ألسنة الحق ، ناطقة بالثناء على الحق . ولذلك قال :” الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ “ *. أي إليه يرجع عواقب الثناء ، فهو المثني والمثني عليه “ . ( فصوص الحكم ، 69 ) . 
( 1789 )  يا صاحب الأمر ! أظهر لنا ذاتك حتى تفنى ذوا تُنا ولا يبقى لنا وجود حسيّيّ . أما “ التنزيه عن الكلام “ الذي ذُكر في هذا البيت ، فالمقصود به أنّ الخالق منزّه عن اللفظ الحسّيّ الذي يألفه البشر . 


( 1795 ) الروح الممزّق ، هو هو الروح الذي أضناه العشق . 


( 1797 ) قول الشاعر “ وقد أحللت له دمي ، وهو يهرب مني “ . 
يشير إلى ما يعانيه الصوفية في المجاهدة سعيا لإفناء الذات الإنسانية في ذات الخالق ، ومع هذا يصعب عليهم تحقيق الفناء . فالصوفيّ “ يحل للحبيب دمه “ أي يطلب الفناء في الحبيب ، لكنّ هذا لا يتحقّق له بصورة دائمة .


[ شرح من بيت 1800 إلى 1950 ] 
( 1806 )  في هذا البيت نظر إلى قوله تعالى :” إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ “. ( مريم ، 19 : 40 ) . 


( 1807 )  قول الشاعر “ لقد أطلّ الصبح “ يمكن أنْ يُحمل على وجهين . أولهما أن النهار قد بدأ يلوح ، وكان من عادة الشاعر أن يملي أشعاره على حسام الدين طوال الليل ، ولا يتوقف عن ذلك إلا عند بزوغ الفجر.
 فهو هنا يرجو اللَّه أن يلتمس له العذر عند حسام الدين وأما الوجه الثاني فيمكن أنْ يفهم منه بزوغ الصبح على أنه إشراق نور اللَّه . وفي ديوان شمس تبريز بيت يعاون على هذا الفهم . يقول فيه الشاعر : 
صبح سعادت دميد ، صبح نه نور خداست ( لقد بزغ صبح السعادة . لا ، إنه ليس بصيح ، بل هو نور اللَّه ) . 
فيكون المعنى أن الشاعر حين تجّلى له نور اللَّه عجز عن المضي في



“ 532 “


إملاء أشعاره . فالتمس من اللَّه الذي ملك عليه حسّه أن يمهد له عذره عند حسام الدين . ويروى عن الشبلي ما يوضح هذا المعنى قال : كتبت الحديث والفقه ثلاثين سنة حتى أسفر الصبح ، فجئت إلى كل من كتبت عنه وقلت : أريد فقه اللَّه تعالى فما كلمني أحد ( اللمع ، ص 487 ) . 


( 1811 ) إن الخمرة المعتقة التي تجيش في دنها لا تعدُّ شيئاً إذا قيس بنا جيشانها ونشوتها . فنحن في نشوة وطرب ، تجيش أرواحنا بصورة تتمناها الخمر . والفلك الدوار الذي يدّبر الكون لا يدنو عقله وتدبيره من عقلنا وتدبيرنا . وكان أبناء القرون الوسطى يعتقدون أن للأفلاك عقولًا تدّبر أمور هذا العالم الدنيوي . 


( 1812 - 1813 ) يميل كثير من الشراح إلى اعتبار هذين البيتين تعبيراً عن قدرة الرجل الكامل ، الذي كان الوساطة في خلق الكائنات . 
ومنهم من يقول إن أجسام البشر خلقت من آدم وأما أرواحهم فخُلقت من روح محمد . ولما كنا قد أخذنا أنفسنا بألا نناقش شروح الغير - لأن ذلك يقتضي إطالة لا نرى لها كبير جدوى - فسنكتفي بذكر هذين التفسيرين . 
ورأيي أن إدخال فكرة الإنسان الكامل ، أو آدم والروح المحمدي هنا مما لا يقتضيه شرح النصّ . والتفسير الأديي هو أن الخمر لا وجود لنشوتها ما لم يستخلص منها الإنسان الحيّ هذه النشوة . فالخمر لا أثر لها على الموتى ولا الجمادات ، وإنما الإنسان الحساس هو الذي يجعل لها هذه الصفة ، ويظهرها لها . 
وكذلك قول الشاعر : “أن الجسم اتخذ وجوده منا . .الخ “ فهذا يشير إلى أن الوجود الحق للإنسان هو الروح التي ينطوي عليها كيانه . أما وجوده المادي فخيال زائل ، لا بقاء له بدون الروح . والروح التي هي الحياة الحق تبني الجسم وتُنميه ، وإن افترقت عنه تحلل كيانه .



“ 533 “


( 1819 ) مما يجعل الإنسان موضعاً لرضى اللَّه ، أن يعمل وأن يبذل في الحياة قصاص جهده . وحتى اليائس يجب ألا يقعده اليأس عن السعي والكفاح . 


( 1822 ) في هذا البيت يدعو الشاعر إلى السعي إلى الكمال ، ويطالب الإنسان بألا يتوانى لحظة واحدة في هذا السعي ، وأن يكرس له كل نفس من أنفاس حياته . 


( 1840 ) من فرّوا إلى كنف الحق من الأنبياء والأولياء تحققت لهم معجزات باهرة ، منها أن اللَّه جعل الماء والنار طوع إرادتهم . وقد ضرب لذلك أمثلة في الأبيات التالية ، ذكر فيها بعض الأنبياء ومنهم نوح الذي أغرق الكفار بالطوفان ، وموسى الذي انشق له البحر وابتلع أعداءه ، وإبراهيم الذي لم تمسسه النار بأذى . 


( 1849 - 1862 ) قصة الببغاء التي رواها الشاعر يتجلى مغزاها في هذه الأبيات . فهي تعالج مضار الشهرة وما يترتب عليها . وقد سبق أن ذكر الشاعر ، في أبيات سابقة - على لسان الببغاء - أن الإنسان يجب عليه أن يفرّ من الشهرة ، ولا يعرض حسنه في المزاد ( انظر الأبيات 1830 - 1835 ) . 
وهو هنا يبيّن الأثر السيء الذي يحدثه الملق في نفس الإنسان ، ويقول : إن الدليل على مضرّة الملق أن الإنسان لو هُجي لأحدث ذلك في نفسه أثراً مؤلماً . 
ورغم أن الإنسان يعلم أن سبب الهجاء هو الحقد الذي يضطرم في نفس صاحبه ، فإنه يتألم ، ويبقى أثر الهجاء في نفسه زمناً طويلًا . وضرر الملق شبيه بذلك ، فالملق ينبعث عن غرض في نفس صاحبه ومع ذلك لا ينفع في إبعاد ضرره أن يكون متلقيه عارفاً بكنهه ، وبالغرض الكامن وراء . 


( 1849 ) إنّ الجسم سجن للروح . وهذا السجن يزداد إيلامه للروح إذا كثر اختلاط المرء بالناس وانشغاله بهم . فهذا يصرفه عن تأملاته الروحية ، ويجعله فريسة لغشّ الناس وخداعهم .







“ 534 “


( 1852 ) “ صاحب العاليمن “ أي صاحب العالم الماديّ والعالم الروحيّ . 


( 1859 ) قول الشاعر : “ وأن طمعه فيك قد أصبح ضرراً لك “ يعني أن الطمع يجعل الإنسان مغرضاً فيميل مع الهوى ، ويرتكب الأذى . 


( 1861 ) بيّن الشاعر هنا الأثر النفسيّ للملق . فهو يكون مصدراً لتكبر الروح وانخذاعها ، وهو ما يحدث لكثير من الناس فيحجب عنهم الحقائق ، ويؤدي إلى هلاكهم في نهاية الأمر . 


( 1867 ) شبيه بمعنى الشطر الأول من هذا البيت قول الشاعرنا العربي خليل مطران .كلّ قوم صانعو نيرونهم * قيصرا قيل له أم قيل كسرىأما الشطر الثاني ففيه دعوة إلى التواضع . وأقوال الصوفية حافلة بذلك . ومن أمثلة ما روي عنهم قول الجنيد : “ ( التواضع ) خفض الجناح وكسر الجانب “ . وقول رويم : “ ( التواضع ) تذلل القلوب لعلام الغيوب “ . ( الكلاباذي : التعرف ، ص 97 ) . 


( 1890 ) النوم بحر عميق يغرق أفكار الناس وعقولهم كل مساء . 


( 1893 ) يتضمن هذا البيت صورة فنية رائعة . فالغراب بريشه الأسود يقف في الخريف فوق الغصون التي تعرَّت من أوراقها ، وينعق فكأنه قد ارتدى ثياب الحداد ، وأخذ ينعي جمال الرياض التي عصفت بها عواصف الخريف . 


( 1896 ) ينتقل الشاعر هنا انتقالًا رائعاً من تأمل أحوال الدنيا إلى تأمل أحوال القلب ، ويدعو الإنسان إلى تأمل ما يعتريه من ازدهار يشبه الربيع ، أو ذبول يشبه الخريف . 


( 1899 ) هذا الكلام الذي يحدّثك به المثنوي منبعث من العقل الكليّ ، وهو يحمل إليك شذى بستان العالم الروحي ، بما حفل به من سرو وسنبل .



“ 535 “


( 1901 ) هذا الشذى الروحيّ الذي تتنسمه هو الدليل الذي يقودك ، فتقتفي أثره ، حتى تصل إلى الخلد والكوثر . 


( 1902 ) هذا الشذى الروحيّ ينير عين القلب ، فيجعلها بصيرة قادرة على التأمل ، كما فعل شذى قميص يوسف ببصر يعقوب . 


( 1903 ) قد تكون “ الرائحة النتنة “ المذكورة في البيت رمزاً للشهوات الدنيويّة التي تعمي بصيرة القلب . 


( 1904 ) إنْ لم تكون أنت صاحب الجمال مثل يوسف ، فكن طالب الجمال مثل يعقوب ، وكن في حرصك عليه ، وافتقادك له حيلف الأسى والشجى مثل يعقوب . 
( 1906 - 1907 ) هذان البيتان مقتبسان بنصهما من ديوان سنائي . 
وقد ذكر الشاعر ذلك ، وبيّن نيكولسون في تعليقه عليمها نصّ قول سنائي . 


( 1908 ) فلا تؤكدّ ذاتك وتُظهر الغرور أمام المحبوب . ولا يكنْ منك سوى الضراعة والحزن والأشواق . 


( 1910 ) الضراعة مع إفناء الذات في المحبة هي المعنى الذي أدركه الببغاء وعمل به ، فأنقذ بذلك نفسه من الحبس . 


( 1910 ) بالضراعة والتأمل تتلقى نفحة إلهيّة تبثّ في روحك الحياة ، وتنفض عنها ما غشيها من تراب الموت في ظلمة المادة . 
.
الشروح والدراسات المثنوي المعنوي مجمعة الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1911 - 2142 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالثلاثاء أغسطس 25, 2020 7:45 am

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1911 - 2142 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1911 - 2142 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1911 - 2142 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1911 - 2142

شرح قصة عازف الصنج الهرم الذي عزف على الصنج ذات يوم وهو جانع بين القبور 
احتساباً للَّه في عهد عمر رضي اللَّه عنه
( 1911 ) “ الحجر الصلد “ رمز للعناد والكبر والغرور . وأما التراب فرمز للتواضع . والشاعر هنا يقول إنّ الربيع لا يؤثر على الحجر الصلد ، لكن أثره يمتدّ إلى التراب فيجعله بستاناً بديع الألوان ، عامراً بالورود والأزهار . 

( 1913 ) تبدأ بهذا البيت قصة عازف الصنج ، وقد ساقها الشاعر ليبيّن أهمية التواضع والضراعة .


“ 536 “

( 1916 ) إسرافيل هو الملك الذي ينفخ في الصور يوم القيامة فيبعث الموتى . 

( 1917 ) “ رسايل “ معناها هنا “ أنغام “ . وقد جاء في القاموس أنّ الترسيل في القراءة هو الترتيل . فهذه الأنغام الروحية تجعل الجسم الغليظ الثقيل خفيفاً ، لا تُزهق الروح تحت وطأنة ، بل تكون قادرة على أن تحلّق به . 

 ( 1919 ) للأنبياء أيضاً أنغام في باطنهم وهي الوحي الإلهيّ . وهذا الوحي يمدّ طالبيه بحياة روحية ، هي فوق أن تُقدّر قيمتها بثمن . 

( 1920 ) الصوفيّة والأولياء هم القادرون وحدهم على تلقي مثل هذا الوحي ، وأما الغارقون في الحسّ فلا سبيل لهم إلى سماعه . 


( 1921 ) بين المتعلقين بالروح والمتعلقين بالحس تباين كتباين الإنس والجن فكما أن الإنس لا يفهمون الجن ، كذلك لا سبيل إلى فهم المعاني الروحية لمن هم غارقون في ملاذ العالم المادي . 
( 1925 ) “ يا أجزاء النفي والعدم “ معناها “ أيها الجزئيون المتعلقون بكل ما يؤول إلى الفناء والعدم “ . 

( 1927 ) “ المنحلون في عالم الكون والفساد “ هم الذين ركنوا إلى العالم المادي ، وذهلوا عما سواه . 

( 1928 ) قول الشاعر “ لرفعت الأرواح رؤوسها من القبور “ أي “ لتنبهت الأرواح الدفينة في أجساد كالقبور “ . 

( 1929 ) اجعل أذنك قريبة من الأنغام الروحية ، فأنت - بالتأمل والسعي - قادر على الاستماع إليها . لكني لن أنقلها إليك ، لأن هذه الأنغام لا تُعرف لمن لا يكون مستعداً لتلقيها . 

( 1934 ) إشارة إلى قوله تعالى :” وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ “. ( الشورى ، 42 : 51 ) . وكذلك إلى قوله تعالى :


“ 537 “

“ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ “( الأنبياء ، 21 : 91 ) . 


( 1935 ) “ يا من تطرق الفناءُ إلى قلوبهم لتعلّقها بالماديات ، التي هي لا محالة فانية ! عودوا من العدم إلى حياة الروح فالحبيب يناديكم “ . 

( 1936 ) فهذا نداء من اللَّه أجراه على لسان رجل من عباده المخلصين . 
( 1938 ) قول الشاعر : “ إنك أنت السر “ يشير إلى عقيدة “ الإنسان الكامل “ عند الصوفية . يقول ابن العربي : “ فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشء الدائم الأبدي ، والكلمة الفاصلة الجامعة ، قيامُ العالم بوجوده . . فلا يزال العالم محفوظاً ما دام فيه هذا الإنسان الكامل “ .  ( فصوص الحكم ، ص 50 ) . 


( 1939 ) إشارة إلى حديث يروي عن الرسول أنه قال : “ من كان للَّه ، كان اللَّه له “ . 

( 1940 ) إشارة إلى عقيدة الصوفية أن الإنسان الكامل هو مجلى الذات الإلهية . 
يقول ابن العربي : “ فوصف نفسه لنا بنا ، فإذا شهدناء شهدنا نفوسنا ، وإذا شهدنا شهد نفسه . ولا نشك أنّا كثيرون بالشخص والنوع ، وأنّا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعاً أن ثم فارقاً به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض ، ولولا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد “ . ( فصوص الحكم ص 53 ) . 
وكلام ابن العربي هذا يفيد أن الإنسانية كلها مجلى اللذات الإلهية ، وهو جانب من مذهبه في وحدة الوجود . 

( 1942 ) “ الظلمة التي لم تبددها الشمس “ هي ظلمة الجهل والإثم والخطايا . 

( 1943 ) يقول ابن العربي عن آدم : “ فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع




“ 538 “


بهذا الوجود “ . كما سبق أيضاً ذكر قوله : “ وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها ، فما سبّحت ربها بها ، ولا قدّسته عنها تقديس آدم وتسبيحه “ . ( فصوص الحكم ، ص 50 ، 51 ) . 
( 1945 ) “ الكأس المباركة “ رمز للإنسان الكامل .


[ شرح من بيت 1950 إلى 2100 ] 
( 1950 ) كل الأنبياء والأولياء قد اغترفوا عليهم من معين واحد هو العلم الإلهيّ . 


( 1955 ) النفس النارية “ هي النفس المشتعلة بنار الشهوات . 
يقول الترمذي : “ إن النفس بلهاء ، فإذا مرت في الحلال وتمكنت منه سلست في الحرام ، إذا لم يكن في القلب ما يقيد النفس عن الحرام ، ويقويها حتى لا تسلس . وقوة القلب من النور ، فإذا جاهد العبد ، فمن جهاده أن يروض نفسه فيؤدّبها “ . ( كتاب الرياضة وأدب النفس ص 44 ، 45 ) . أما الروح الميتة فهي الغافلة عن حقيقتها ، الواقعة تحت سلطان المادة . 


( 1958 ) نقل صاحب المنهج القوي - عن نجم الدين الكبرى - تفسيراً صوفياً لقوله تعالى” إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ . .الآية “ ، جاء فيه : 
“ وحقيقة الأمانة الكبرى التي عبر عنها بالفوز العظيم ، وقد فسر بالفناء في اللَّه والبقاء باللَّه . وهو عبارة عن قبول الفيض الإلهي بلا واسطة ، وهي المحبة . . . واختص الإنسان بقبولها من سائر المخلوقات لاختصاصه بإصابة رشاش النور الإلهي ، فكان مستعداً لقبولها بلا واسطة فكان العرض عاماً وحملها خاصاً للإنسان لأن نسبة الإنسان مع المخلوقات كنسبة القلب مع الشخص ، فالعالم شخص وقلبه الإنسان . . . والظالم من يظلم غيره . 
والظالم من يظلم نفسه ، وكذا الجهول ، فظلمه لنفسه بحمل الأمانة ، لأنه وضع شيئاً في غير موضعه ، فأفني نفسه فيها . وأما جهله بنفسه أنه يحسب أنه هو هذه البيهمة التي تأكل وتشرب وما علم أنها قشر



“ 539 “


ولبّه روحه ، وروحه أيضاً قشر ولها لبّ وهو المحبوب الحقّ . . . “ ( المنهج القوي ، ج 1 ، ص 361 ) . 


( 1960 ) الإقبال على الطعام حال بينه وبين تلقي هذه النفحة الروحية المقبلة من الغيب . 


( 1961 ) في القرآن سورة باسم لقمان . وفي هذه السورة آية تصفه بالحكمة ، وبعض آيات تروي بعض حكمه . قال تعالى :” وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ “. ( 31 : 12 ) . وهناك خلاف حول شخصه ، أكان حكيماً أم كان نبياً ، وأغلب الروايات المنقولة عن الرسول والصحابة تفيد أنه كان حكيماً . كما أنّ أغلب الروايات أيضاً تفيد أنه كان عبداً أسود من السودان أو الحبشة . ( انظر الثعلبي - قصص الأنبياء ، 391 ، 393 ) . 


( 1962 ) “ وخز الأشواك “ كناية عن الشهوات الحسية . أما قول الشاعر “ أخرجوا الشوكةمن كف لقمان “ فمعناه : “ أنقذوا الروح الطاهر مما يؤذيه من شهوات الحس “ . 


( 1963 ) والحقيقة أن هذه الحسيات التي تخز الروح ليست ذات وجود حقيقي ، وما هي إلا خيال تتعلقون به ، لكن حرصكم عليه جعلكم مجردين من التمييز . 


( 1967 - 1968 ) الانسان غافل عن الروح متعلق بالمادة . فهو كالجمل الذي فوق ظهره الورد ( وهو رمز للروح ومباهجها ) ، ومع ذلك لا يحرص إلا على شواك الرمال ( وهي رمز لملاذّ الحس ) . 


( 1969 ) يا من تفتش عن السعادة الحقيقية ، سعادة القلب والروح ، من غير أن تسلك سبيلها ، إلى متى تتساءل “ أين مقر هذه السعاد ؟ أين ؟ “ . 


( 1970 ) فما دمت لم تتخلص من وخز الشهوات ، فإبصارك مظلم ، ولا أمل لك في أن تهتدي إلى قصد السبيل . 
( 1972 ) “ الحميراء “ لقب أطلقه الرسول على زوجه عائشة نظراً لأنها



“ 540 “


كانت ذات وجه أبيض مشرب بحمرة . وقد ذكر الغزالي أن الرسول كان يقول : “ كلميني يا عائشة “ لتشغله بكلامها عن عظيم ما هو فيه . 
(الإحياء ، ج 3 ، ص 101). 


( 1974 ) الروح في العربية كملة تُذكر وتؤنث ، ويغلب عليها التأنيث . 
( 1977 ) ليست الروح هي الحياة الجسدية أو الطاقة البدنية التي تنمو بتناول الطعام ، وتختلف أحوالها بين حين وآخر . 


( 1978 ) الروح مصدر الخير ، وهي ذاتها خيّرة ، بل هي عين الخير ، ولن يتحقق للإنسان خير حقيقي إلا ما يكون روحياً . 
( 1979 ) السعادة الباطنية تكون دائمة ، وليست متوقفة على عوامل خارجية . الإنسان الذي يكون سعيد الروح تدوم سعادته . أما الإنسان الذي يكون سعيداً بأسباب مادية ، فإن سعادته تزول بزوال هذه الأسباب . 


( 1982 ) العقل الجزئي هو العقل الذي يتمتع به أفراد البشر . وهو في العادة منكر لما لا يقع تحت الحس . ولهذا لا يتقبل القول بالمحبة الإلهية . 


( 1983 ) الشاعر لا ينكر فضل العقل الإنساني ، فيقول عنه “ إنه ذكي عالم “ ، ولكنه يأخذ عليه أنه ليس منتفي الذات . وفي هذا نقد لفكرة الاعتداد بالعقل على أنه - دون سواه - مصدر المعارف اليقينية . أما قول الشاعر “ والملك إن لم يكن منتفي الذات فهو شيطان “ ، فمعناه أن الغرور يجعل الملك شيطاناً . وأوضح الأمثلة على ذلك إبليس الذي كان ملكاً فأصبح بغروره شيطاناً . 


( 1984 ) إن العقل الإنساني رفيق للإنسان في أقواله وأفعاله الظاهرة ، لكنه لا وجود لا بالنسبة للحياة الروحية ( الحال الباطني ) لأنه منكر لذلك . 


( 1985 ) العقل الإنساني - بغروره واعتداده - غير قادر على إدراك المعارف اليقينية . وهذا العقل ، لو لم يتخل عن الغرور والاعتداد



“ 541 “


طوعاً ، فما أكثر ما يعرض له من المواقف التي تظهر عجزه ، وتجعله يدرك مدى قصوره . 


( 1986 ) الروح - في مقابل العقل - تمثل جانب الكمال في الإنسان . 
وكل ما صدر عنها من نداء ، فمنبعث من كمال طبيعتها . ولهذا كان الرسول يدعو بلالًا للأذان بقوله : “ أرحنا يا بلال “ ، أي “ أرحنا بذلك النداء الروحي ( وهو الأذان ) من هذا العالم الحسي وما فيه “ . 
يقول الغزالي : “ وكان لا يطيق الصبر مع الخلق إذا جالسهم ، فإذا ضاق صدره قال : “ أرحنا يا بلال “ ( الإحياءج 3 ، 101 ) . 


( 1988 ) في هذا البيت إشارة إلى مذهب الصوفية في الحقيقة المحمدية وأنها أول شيء خلقه اللَّه . يقول الجيلي : “ إن اللَّه لما خلق محمداً من كماله وجعله مظهراً لجماله وجلاله ، خلق كلّ حقيقة في محمد من حقيقة من حقائق أسمائه وصفاته ، ثم خلق نفس محمد من نفسه . وليست النفس إلا ذات الشيء . . . ثم لما خلق اللَّه نفس محمد على ما وصفناه ، خلق نفس آدم نسخة من نفس محمد . . “ ( الإنسان الكامل ، ج 2 ، ص 29 ) . 


( 1991 ) عبرّ الشاعر - على طريقة الصوفية - عن معانية بأسلوب رمزي . فرمز بالعروس لذلك التجلي الذي شهده الرسول ، وقال إن روح الرسول حظيت بتقبيل يدها أي أنها حظيت بنعمة القرب منها . 


( 1993 ) يرد الشاعر على من قدر يعترض عليه لا ستخدامه كملة “ عروس “ في هذا المجال ، فيقول : إن المعشوق والروح كليهما محتجبان عن الأنظار فلا مجال لأي تفسير حسي ، ومن هنا لا يعاب استعمال كلمة “ عروس “ . 


( 1996 ) هناك مقاييس إنسانية يقاس بها عيب الإنسان وفضله . 
وليس يعيب الخالق ما يكون في تقدير الآدميين عيباً . 


( 1998 ) وبالنسبة للإنسان ، فإنه لا يكون موضوفاً بالعيب لو كانت له نقيضة واحدة إلى جانب مائة من الفضائل . فإن هذه النقيصة تكون


“ 542 “


بين فضائله كالقشة في سكر النبات ، فلا يؤاخذ عليها ، ما دامت محاطة بكل هذه الفضائل . 


( 1999 - 2000 ) كما أنّ سكر النبات والقشة يوزنان بميزان واحد كذلك الروح والجسم إذا غلب الخير على الجسم . لهذا لا يكون من جزاف القول ما قال به بعض العارفين من أنّ أجساد الطاهرين صافية نقية كأرواحهم . 


( 2002 ) الروح التي لم تبلغ حالة الصفاء والنقاء لا فضل لها على الجسم الماديّ الصرف ، وليس لها من خصائص الروح إلا اسمها ، فهي عديمة الجدوى ، كأنها حجر زائد في لعبة النرد . 


( 2005 ) هذا الملح ، وهو صفات الطهر ، والكمال بقي في تركة الرسول . أما وارثوه فهم ورثة الحقيقة المحمدّية ممن بلغوا مرتبة الكمال الإنساني . 


( 2006 ) أهل الكمال من الأولياء قد يكونون أمامك ، ولكنك لا تدركهم ولا تشعر بهم ، لأنّ هؤلاء مستترون عن الجهلاء الغارقين في الحس . ولا بد لك أنْ تبلغ مرتبة الوجود الحق ، وهو التنبه والوعي الروحيّ ، وبذلك تستطيع إدراك وجودهم . 


( 2010 ) يا من أنت بوجودك الحسي زائل ، مآله إلى الفناء ! هل بعد فنائك تبقى مرتبطاً بهذه الجهات النسبية ؟ 


( 2014 ) الأشجار كائنات حية خرجت من جوف الثرى ، فهي كنزلاء التراب من البشر ، وسوف يخرجون أيضاً . 
وللشاعر بيت في ديوان شمس تبريز يشبّه فيه دفن الموتى بغرس البذور ، في قصيدته التي يبدؤها بقوله :
بروز مرگ چو تابوت من روان باشد * گمان مبر كه مرا دل درين جهان باشد
وفيها يقول :



“ 543 “


وأية حبة طواها الثرى ثم لم تنبت ؟ 
فلماذا تحمل مثل هذا الشك عن ذات الإنسان ؟ 
( انظر : محمد كفافي : جلال الدين الرومي ، شاعر الصوفية الأكبر ، ص 61 . جامعة بيروت العربية ، 1963 ) . 


( 2015 ) هذه الأشجار كائنات حية خرجت من باطن الأرض ، وهي دليل لمن أُوتي البصيرة على أن اللَّه قادر على أن يخرج الموتى من قبورهم . 


( 2016 ) اللسان الأخضر هو الأوراق ، وأما اليد الممدودة فهي الغصون . 
( 2020 ) المنكرون الذين يشير إليهم الشاعر هنا هم الماديون الطبيعيون الذين يقولون بقدم العالم . يصف الشهرستاني هؤلاء بقوله : 
“ فصنف منهم أنكروا الخالق والبعث والإعادة وقالوا بالطبع المحيي ، والدهر المفني . . “ ( الملل والنحل ، ج 2 ، ص 244 ، القاهرة 1956 ) . 


( 2021 - 2022 ) لقد كشف اللَّه لقلوب أحبائه حقيقة وجوده ، وما يرتبط بها من حقائق روحية ، فأخذ هؤلاء يفصحون عن الأسرار التي تلقتها قلوبهم ، ويفضحون هؤلاء المنكرين . 


( 2023 ) هذه المعارف التي تكشفت للأنبياء والعارفين سرعان ما انتشر أريجها في الدنيا ، ووجدت سبيلها إلى الناس على الرغم من المنكرين . 


( 2026 ) الأبصار الزائغة ليست أبصاراً حقاً ، وأما البصر الحق فهو الذي يرشد صاحبه إلى مكان الأمان . والمقصود بمكان الأمان عند الصوفية الإيمان ، وسلوك سبيل المحبة التي توصل الإنسان إلى أسمى الغايات . 


( 2036 ) عالم الروح لا يظهر إلا للخواص ، الذين يؤمنون به ، وأما من ليسوا كذلك فهم أهل الشك والريب الذين بلغ بهم الشك حد إنكار البعث . 


( 2044 ) استعملنا كلمة “ رياح “ كترجمة للكلمة الفارسية “ باد “ ولم نستعمل “ ريح “ اقتداء بالقرآن الكريم الذي استعملت فيه كلمة



“ 544 “


“ ريح “ في مواقف الشر ، على حين استعملت كلمة “ رياح “ في مواقف الخير . ومن أمثلة ذلك قوله تعالى :” وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ، ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ “( 51 : 41 - 42 ) ، وقوله :” إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ “( 54 : 19 ) . وكذلك قوله :” وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ “( 7 : 57 ) ، وقوله :” وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ ، وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ “( 30 : 46 ) . ( انظر الثعالبي : فقه اللغة ، ص 572 ، 573 . المكتبة التجارية ، القاهرة ) . 


( 2045 ) من كان ذا روح مدرك لما ينهل على البشر من نفحات الغيب كانت هذه النفحات أغلى عنده من روحه . 


( 2053 ) العقل الكلي ، هو الذي يسيطر على النفس المجموع ويخضعها لإرادته . وكذلك المرشد ، هو للمريد كالعقل الكلي بالنسبة للنفس . 


( 2095 ) عود الخلال هنا رمز للشيء الصغير . 


( 2063 - 2070 ) فسر نيكولسون هذه الأبيات تفسيراً نراه بعيداً عن مضمونها . فقد قال إن الشاعر يعتبر الغفلة بركة على هذه الدنيا لأنها تبقيها على حالها ، فتتيح المجال لبلوغ الكمال الروحي ، وتقي أجساد الصوفية من الفناء العاجل تحت وطأة الحب . ولسنا نرى في معاني هذه الأبيات ما يؤيد هذا التفسير ، ولو على وجه التأويل . 


( 2063 ) إنّ هذه الأمطار كانت لطفاً خفياً أنزله اللَّه على الجنس الآدمي لتسكين آلامه في هذه الدنيا . 
( 2064 ) فلو أن هذه البشر طال عيشهم في ظل هذه الآلام لحل بالأرض كثير من الخراب . 


( 2065 ) لولا هذا اللطف الإلهي لحل الخراب في هذه الدنيا ، ولا نطلقت نوازع الحرص من نفوس البشر ، فكان فيها القضاء عليهم . 
( 2066 ) إن الغفلة عن العالم الروحي ومبهاهجه هي دعامة هذا العالم ،



“ 545 “


لأن هذه الغفلة تجعل الناس متعلقين به حريصين عليه . كما أن اليقظة الروحية آفة لهذا الدنيا ، لأنها تجعل الناس ينبذونها ، ويتخلوّن عنها . 
( 2067 ) اليقظة الروحية هبة تُقبل إلى الانسان من العالم الآخر . فحين تصبح الغلبة لهذه اليقظة ، فلا بقاء لهذا العالم . 


( 2068 ) فاليقظة تقضي على الحرص الذي يسيطر على الناس في هذه الدنيا ، كما تذيب الشمس الثلج ، أو كما يغسل الماء الوسخ . 


( 2069 ) هذه الألطاف الغيبية التي تصل إلى هذا العالم - من آن إلى آخر - تحدّ من اندلاع لهيب الحرص والحسد في هذه الدنيا . 
( 2079 ) نفخ الصور بالنسبة للأولياء هو النداء الذي يوقظ الأرواح من سباتها ، وينبه القلوب من غفلتها . 


( 2080 ) إن ما يتكشف لقلوب الأولياء من أسرار إلهية ، هو الذي يجعل قلوب الناس ثملة بحب اللَّه . كما أن إفناءهم الذات في حبّ اللَّه ، هو الذي يرشدنا إلى أن نهتدي لحقيقة وجودنا الروحي ، فنعمل على إدراكه . 


( 2081 ) لابن العربي رأي في الولاية قال فيه : 
“ واعلم أن الولاية هي الفلك المحيط العالم ، ولهذا لم تنقطع ، ولها الإنباء العام . وأما نبوّة التشريع والرسالة فمنقطعة . وفي محمد ( ص ) قد انقطعت ، فلا نبيّ بعده : يعني مشرعاً أو مُشرِّعاً له ، ولا رسول وهو المشرع . . . 
فإذا رأيت النبي يتكلم بكلام خارج عن التشريع فمن حيث هو وليّ وعارف ، ولهذا مقامه من حيث هو عالم أتم وأكمل من حيث هو رسول أو ذو تشريع وشرع . فإذا سمعت أحداً من أهل اللَّه يقول أو ينقل إليك عنه أنه قال : الولاية أعلى من النبوة ، فليس يريد ذلك القائل إلا ما ذكرناه . 
أو يقول إن الولي فوق النبيّ والرسول فإنه يعني بذلك في شخص واحد . 
وهو أن الرسول عليه السلام - من حيث هو ولي - أتمّ من حيث هو نبيّ رسول ، لا لأن الوليّ التابع له أعلى منه ، فإن التابع لا يدرك المتبوع أبداً



“ 546 “


فيما هو تابع لم فيه ، إذ لو أدركه لم يكن تابعاً “ ( فصوص الحكم ، ص 134 ، 135 ) . 
وخلاصة قول ابن العربي أن كل نبي ورسول وليّ ، وليس كل وليّ نبياً . وجانب الولاية في النبيّ أو الرسول أعلى وأكمل من جانب النبوة أو الرسالة . 
ولعل أول من تكلم في الولاية بصورة مفصلة ، وحدّد لها مفهومات وقواعد وأصولًا ، هو أبو عبد اللَّه الحكيم الترمذي ( من رجال القرن الثالث الهجري ) . 
وقد أورد ابن العربي ثبتاً بأصول المسائل التي تناولها الترمذي في بحثه عن الولاية . ( انظر : الرياضة وأدب النفس - مقدمة الناشرين المحققين‌أ . آربري ،a . y . arberry، علي حسن عبد القادر ، ص 16 وما يليها ) . 


( 2087 ) كان الحرير يستخدم في صناعة أوتار الآلات الموسيقية ولهذا توجه المطرب إلى اللَّه طالباً ثمن الحرير . 


( 2096 ) معنى قوله : “ وأضحى نبع أيوب له شراباً ومغتسلًا “ ، أنه خلص من الآلام وبرئ منها ، وهو ما حدث لأيوب حين اغتسل في العين فزالت عنه جميع العلل .


[ شرح من بيت 2100 إلى 2250 ] 
( 1202 ) كان الأمر يأتيه قائلًا : أما وقد وهبت هذه الهبات ، ودخلت إلى رحاب العالم الروحي ، وبرئت من آلام الجسد ، فزال عنك وخز أشواكها ، فلا تطمع فيما هو أكثر من ذلك ، وارجع إلى عالم الدنيا ، حتى يتاح لك أو ان الانتقال النهائي . 


( 2109 ) بل أي حاجة لذكر البشر بأجناسهم ، ما دامت الأحجار والأخشاب وغيرها من الجماد قد سمعت نداء الحق ؟ 


( 2110 ) العالم متجدد على الدوام بأمر اللَّه . وقد سبق للشاعر أن عبر عن ذلك في مواضع عدة . ومنها قوله : “ ففي كل لحظة - يا رب - قافلة وراءها قافلة ، تسير من العدم إلى الوجود “ . ( البيت 1889 ) . 

( 2124 ) لو لم يكن في الدنيا عارفون يعلمون بقلوبهم قدرة اللَّه الخالقة ،


“ 547 “

التي تخلق ما تشاء من العدم ، لما كان هناك مجال لتصديق ذلك . 

( 2127 ) العقل قابل للانخذاع بما يثيره الشيطان من شبهات . 
( 2128 ) الاستدلال العقلي البحث طريق ضعيف في الوصول إلى الحقيقة ، فهو في هذا السعي كأنه ساق خشبية . 

( 2129 ) أما قطب الزمان ، وهو الإنسان الكامل ، فهو وحده صاحب المعرفة اليقينية ، وهو الذي أوتي من العلم الراسخ ما تذهل لرسوخه الجبال . 

( 2131 ) “ أرباب البصر “ هم العارفون ، الراسخون في العلم . 
( 2132 ) قد يكون أهل الظاهر - من المؤمنين بالعقل وحده - قادرين على أن يبلغوا قدراً من الهداية ، يشبه اهتداء الأعمى بعصاه . لكن جميع هؤلاء في رعاية العارفين الملهمين ، كما أن العميان جميعاً في رعاية المبصرين ، برغم اقتدارهم على درجة محدودة من الاهتداء . 


( 2135 ) هذا الأدلة العقلية التي تعتد بها ، إنما هي هبة من اللَّه ميّز بها الإنسان على غيره ، وهو قادر على تبديدها ، لكنه أبقاها للبشرية ، رحمة منه وإشفاقاً . 

( 2137 ) ما دامت هذه الأدلة والقياسات العقلية ، قد أصبحت مصدراً للخلاف والنزاع - وقد بلغ الأمر ببعض المتفلسفين أنهم استخدموها لمناقشة وجود اللَّه نفسه - فقد وجب عليك أن تحطمها ، أيها الانسان ، لأن مهمتها الأصلية هي أن تكون وسيلة للهداية كالعصا للأعمى . 

( 2138 ) لقد وهبك اللَّه هذه القدرة على التفكير العقلي لتهتدي بها إليه ، وتتقدم نحوه ، فإذا بك تستخدمها في التهجم عليه . 

( 2139 ) لا بد للناس من هاد مبصر ، يرشدهم بما يكشف اللَّه له من علمه . 

( 2140 ) “ دامن أو گير “ . آثرنا في ترجمتها “ ولتعتصموا بحبل من . . . “ بدلًا من الترجمة الحرفية “ ولتتمسكوا بأهداب من . . . “


( 2142 ) “ پنج نوبت “ وترجمتها “ خمس مرات “ وقد فسرها نيكولسون على أنها تشير إلى قرع الطبول أو عزف الموسيقى خمس مرات كل يوم في بلاد المشرق ، كعلامة للملك . ورأيي أنه لا صلة لهذا البيت بتلك العادة ، وإنما المقصود بالمرات الخمس مواقيت الصلاة . والجذع الذي كان يستند إليه الرسول ، وهو رمز لإدراك الجماد لخالفه ، يحن كل يوم خمس مرات في مواقيت الصلاة . 

( 2143 ) لو لم يكن هذا الذوق الغيبي فوق تصور أهل الحسّ لما كانت هناك حاجة إلى إظهار المعجزات . 

( 2144 ) كل ما كان في مستوى التفكير العقلي ، وعلى قدر طاقة هذا التفيكر ، فإن العقل يقبله ، ولا تكون هناك حاجة لاتخاذ المعجزات حجة لإثباته ، ودليلًا عليه . 

( 2145 ) مهما بدا لك طريق الإلهام الإلهي ، والمحبة الإلهية ، مما لا يتقبله العقل - لأنه طريق بكر - فإن هذا الطريق ذاته حبيب إلى قلوب العارفين الملهمين ، الذين كتبت لهم السعادة ، فهم وحدهم الذين يسلكونه . 

( 2147 ) إن البحث الفلسفي لم يكن يلقى قبولًا في زمن الشاعر . 

والظاهر أن المتفلسفين كانوا يتسترون ولا يجسرون على البوح بآرائهم ، وبخاصة ما كان منها باعثا على بثّ الشكوك في الدين . 



الشروح والدراسات المثنوي المعنوي مجمعة الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2142 - 2598 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالثلاثاء أغسطس 25, 2020 7:46 am

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2142 - 2598 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2142 - 2598 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2142 - 2598 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2142 - 2598

شرح قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم ولم يكن له نظير
( 2142 ) “ پنج نوبت “ وترجمتها “ خمس مرات “ وقد فسرها نيكولسون على أنها تشير إلى قرع الطبول أو عزف الموسيقى خمس مرات كل يوم في بلاد المشرق ، كعلامة للملك . ورأيي أنه لا صلة لهذا البيت بتلك العادة ، وإنما المقصود بالمرات الخمس مواقيت الصلاة . والجذع الذي كان يستند إليه الرسول ، وهو رمز لإدراك الجماد لخالفه ، يحن كل يوم خمس مرات في مواقيت الصلاة .
 
( 2143 ) لو لم يكن هذا الذوق الغيبي فوق تصور أهل الحسّ لما كانت هناك حاجة إلى إظهار المعجزات .
 
( 2144 ) كل ما كان في مستوى التفكير العقلي ، وعلى قدر طاقة هذا التفيكر ، فإن العقل يقبله ، ولا تكون هناك حاجة لاتخاذ المعجزات حجة لإثباته ، ودليلًا عليه .
 
( 2145 ) مهما بدا لك طريق الإلهام الإلهي ، والمحبة الإلهية ، مما لا يتقبله العقل - لأنه طريق بكر - فإن هذا الطريق ذاته حبيب إلى قلوب العارفين الملهمين ، الذين كتبت لهم السعادة ، فهم وحدهم الذين يسلكونه .
 
( 2147 ) إن البحث الفلسفي لم يكن يلقى قبولًا في زمن الشاعر .


والظاهر أن المتفلسفين كانوا يتسترون ولا يجسرون على البوح بآرائهم ، وبخاصة ما كان منها باعثا على بثّ الشكوك في الدين .


( 2151 ) إن المتفلسف المنكر ( لمعجزة الجذع الحنان ) ، يجد جوارحه ، كاليد والرجل ، وهي من الجماد ، مطيعة أمر روحه ، تعمل بما توحيه لها ، وفي هذا ما يدحض إنكاره . 


( 2152 ) ومع أن المنكرين ينطقون بالتهم التي تثير الشك في إمكان إدراك الجماد ، فإن أيديهم وأرجلهم سوف تشهد عليهم يوم القيامة ، مع أنها من المادة التي لا تنطق.
 ( 2154 - 2160 ) ساق الشاعر هذه القصة لإثبات قدرة الجماد على

“ 549 “
النطق ، بإرادة اللَّه . ولم أجدها منسوبة إلى أبي جهل في أي من المصادر التي رجعت إليها . 
ولكن هذه المصادر تبيّن كيف دأب أبو جهل على أن يطلب من الرسول عمل المعجزات . يقول البلاذري : “ وذكروا أن أبا جهل قال : 
يا محمد ، ابعث لنا رجلين أو ثلاثة من آبائنا ممن قد مات ، فأنت أكرم على اللَّه ، فلست بأهون على اللَّه من عيسى فيما تزعم . . . ( أو ) تسخر لنا الريح تحملنا إلى الشام في يوم وتردنا في يوم ، فإن طول السفر يجهدنا فلست بأهون على اللَّه من سليمان “ . ( أنساب الأشراف ، ج 1 ، ص 126 ، القاهرة 1959 ) . 


( 2196 ) إشارة إلى قوله تعالى :” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ “. ( ق ، 50 : 16 ) . 


( 2198 ) إن اللَّه يمدك في كل لحظة بعطائه وكرمه ، فهو كمن يعد لك الذهب ، ولما كنت تنسى نفسك أمام إنسان يلوّح لك بالعطاء ، وتتجه ببصرك إليه ، فيكف تغفل عن اللَّه واهب كل شيء ولا تلتفت إلا إلى نفسك ؟ 


( 2199 - 2200 ) الإحساس بالذات ينفي تحقق الفناء الصوفي . ( انظر تعليقنا على الأبيات 1752 - 1756 ) . 


( 2202 ) فلتشعل النار في ماضيك ومستقبلك حتى لا تبقى مليئاً بالعقد منهما كأنك عود من الغاب . فالإنسان الذي يكون أسيراً لماضية ومستقبله لا يستطيع أن يرى سوى ذاته . 


( 2203 ) إن الغاب الذي لا تُزال منه العقد لا يكون صالحاً لأن يصبح ناياً تعزف عليه أعذب الأنغام . وهكذا الإنسان الذي لم يتخلص من عقد الماضي والمستقبل ، لا يكون قادراً على تلقي الأسرار الإلهية . 


( 2204 ) إن من ركز نظره حول نفسه ، ولم يستطع أن يطوف إلا حولها ، شبيه بسائح طاف بالدنيا ، وامتلأت عيناه بمشاهدها . فحين عاد


“ 550 “


إلى داره بقيت هذه المشاهد مسيطرة عليه تملأ جوانب نفسه . فعارف الصنج - حين رجع إلى اللَّه - بقي مشغولًا بماضيه ومستقبلة وما كان فيهما من أحداث ملأت عليه نفسه . 


( 2205 ) مهما حصّل الإنسان من معارف ، فلا قيمة لها إذا لم يعرف مانح المعرفة . فهذا هو الأساس الأول للعرفان الحق . وتوبة مثل هذا أقبح من ذنبه ، لأنها مبنية على خوف العقاب وليست منبعثة من حب اللَّه . فالذاتية هي الدافع إلى مثل هذه التوبة ، وليست المحبة والعرفان . 
وقد وردت تعريفات للتوبة في كتب الصوفية . ويمكننا أن نقتبس هنا بعض ما أورده عنها أبو نصر السراج : “ وأما ما أجاب الجنيد عن التوبة : 
أن ينسى ذبنه ! أجاب عن توبة المتحققين : لا يذكرون ذنوبهم ، لما غلب على قلوبهم من عظمة اللَّه تعالى ، ودوام ذكره . . . كذلك سئل ذو النون عن التوبة فقال : توبة العوام من الذنوب ، وتوبة الخواص من الغفلة “ .  (اللمع ، ص 68 ) . 
وفي رسالة القشيري ( ص 45 - 48 ) فصل عن التوبة نقل ما جاء في كتاب اللمع عنها ، وذكر أقوالًا كثيرة إلى جانبه . 


( 2206 ) سئل رويم بن أحمد عن التوبة فقال : التوبة من التوبة “ . 
( اللمع ، ص 68 ) . 


( 2214 - 2215 ) إن اللَّه يريد أن يُظهر حقيقته ، وهو يدفع العقل الإنساني للإفصاح عن هذه الحقيقة . قال الشاعر ( بيت 1943 ) : 
“ فهو بذاته علّم آدم الأسماء ، ثم كشف بآدم الأسماء للآخرين “ . وكلما ازداد تأثر العقل الجزئي بالعقل الكلي ، يعبّر العقل الجزئي عما تلقاه من إلهام ، فيصل إلى العالم الدنيوي - من هذا السبيل - أمواج من بحر الروح . 


( 2217 ) قول الشاعر “ بقي في فمنا نصف هذا المقال “ ، معناه أنه لم يبح بكل ما آل إليه أمر هذا المطرب الشيخ . 


( 2221 ) يلتمس الشاعر من اللَّه أن يفيض على العالم من نور علمه


“ 551 “


ورحمته ، فيجدّد بذلك هذا العالم الذي شاخ في جهله وغفلته . 


( 2222 ) يعزّز الشاعر دعاءه في البيت السابق ، بقوله : إن كل ما يتجلى في الوجود الآدمي من حياة نفسية جيوانية ، وحياة روحية ، إنما هو منساب إليه من عالم الغيب كما ينساب الماء الجاري من منبعه إلى مصبه . 


( 2226 ) قد يكون الإمساك - في بعض الأحيان - خيراً من الإنفاق فينبغي ألا يُعطى مال اللَّه لمن لا يستحقونه ، وإلا كان ذلك لوناً من الإسراف الذميم . 


( 2230 ) هذا البيت قلق في موضعه ، كما بينا في حواشي الترجمة . 
ولكنه يعني أن الإنفاق للصدّ عن سبيل اللَّه ، يكون فاعله كعبد أراد أن يتصرف في مال مليكه بعدالة ، فأعطى هذا المال لمن ثاروا عليه . 
فالمال كله مال اللَّه . فيجب ألا يعطى لمن يصدّون عن سبيل اللَّه . 


( 2233 ) هذا البيت يقدم صورة للتعبد الذي لا يقصد به وجه اللَّه ، وإنما يُراد به الصدّ عن سبيل اللَّه . فهؤلاء الكفار كانوا يقدّمون القرابين للأصنام لعلها تنصرهم على الرسول . 


( 2236 ) قول الشاعر : “ وإن قدمت الروح في سبيل اللَّه ، أُعطيت روحاً “ ، يعني أن الصوفي الذي تفنى روحه في خالقها ، يُثاب على ذلك بالخلود ، إذ أنه بهذا الفناء يتحقق له البقاء . 


( 2242 ) “ الروح المالح المر “ هو الروح الحيواني ، وأما “ الروح الحلو “ فهو الروح الإنساني . 
(2244 ، وما يليه ) هذه قصة استغرقت بضع مئات من الأبيات . 
وليس معنى ذلك أن وقائع هذه القصة قد استغرقت كل هذه الأبيات ، فالشاعر على عادته قد اتخذ من القصة إطاراً لفلسفته وحكمته . 
وقد وردت هذه القصة بصورة مختلفة بعض الاختلاف في كتاب “ جوامع الحكايات والوامع الروايات “ الذي أكمل محمد عوفي تأليفه في


“ 552 “


عام 625 / هـ / 1228 م . وهذا الكتاب لا يزال مخطوطاً . وقد نُشرت في إيران منتخبات منه ، لكنها لم تحو إلا قسماً صغيراً من هذا الكتاب الكبير . وليست قصة “ الخليفة والبدوي “ من بين ما شملته هذه المنتخبات . 
وقد لخص نيكولسون قصة الخليفة والبدوي من مخلوط لكتاب جوامع الحكايات في مكتبة المستشرق الشهير إدوارد براون . وفيما يلي ترجمة لخلاصة القصة ، كما وردت في تعليقات نيكولسون ( ص 147 ، 148 ، ج 1 من شروحه على المثنوي) : 
“ يروى أنه حين ولي المأمون الخلافة ، ذاعت شهرة سخائه في جميع أرجاء العالم . وكان بدوي في ذلك الوقت يعيش في بادية جرداء . ولم تكن قبيلته تملك من الماء إلا غديراً ملحاً . أما الماء الذي كان يتساقط من الأمطار ، فسرعان ما كان يغدو ملحاً بسبب ملوحة التربة . 


وحدث أن هذا البدوي اضطر إلى الهجرة من دياره إذ اعتراها جفاف ومجاعة . وقد اعتزم الرحلة إلى بلاط الخلافة مؤملًا في العطاء . 


وحينما تجاوز مضارب قبيلته ، عثر ببئر ركدت فيه المياه ، فاجتذبت الأرض منها ملوحتها . وحينما تذوق البدوي ماء البئر عرته دهشة عظيمة لأن المسكين لم يكن قد تذوق الماء العذب ، ولا عرف أن مثل هذا موجود في الدنيا . فحدث نفسه قائلًا : “ واللَّه إن هذا لا يوجد إلا في الجنة . ولقد أرسله إليّ خالق الوجود ليخفف من كربتي . فلأجعلن بعضاً منه في قربة ، ثم لأحملنه هدية إلى الخليفة . ولما كان لم يتذوّق ماء مثل هذا ، فسوف ينعم عليّ بخلعة ، وبعطاء سنيّ “ . 


وحمل البدويّ بعض هذا الماء ثم مضى على الطريق . وكان الخليفة ومعه موكب من الفرسان يتصّيد في ضواحي الكوفة ، حين أقبل هذا البدوي . فأمر بأن يُحضر البدوي إليه ، وسأله من أين جاء . فقال البدوي : “ جئت من الصحراء “ . ولما سأله إلى أين يقصد ، أجاب


“ 553 “


البدوي بأنه يقصد قصر الخلافة . 
فسأله المأمون : “ وماذا أحضرت معك ؟ “ فأجاب البدوي : “ ماء من الجنة “ . فأدرك المأمون : - بحكمته التي لم تكن تخطىء - حقيقة ما حدث ، وقال : “ دعني أتذوق هذا الماء “ . وحينما قُدمت له القربة ، أمر أنْ يُفرغ ما بها في زجاجة ، وتناول رشفة صغيرة من هذا الماء ثم أبدى عجبه قائلًا : “ لقد قلت الحق أيها البدوي ! وماذا تطلب ؟ “ فأجاب البدوي : “ أيها الأمير ! إن المجاعة والفقر قد دفعا بي بعيداً عن وطني .
ولست أعرف مكاناً أقصده إلا باب قصر الخلافة “ . فقال الخليفة : إني مجيب سؤالك ، شريطة أن تعود الآن من حيث أتيت ، ولا تمضي إلى أبعد من هذا المكان “ . وقبل البدوي ، فأمر الخليفة أن تُملأ القربة بقطع من الذهب ، وكلف أحد حراسه بأن يصحب البدوي حتى يسلك طريق الصحراء . 


وحين أبدى رجال الحاشية عجبهم لما فعله المأمون ، وحرصهم على معرفة الحكمة في ذلك ، أخبرهم المأمون بأنه لو تقدم هذا البدوي قليلًا بعد هذا المكان ، لرأى نهر الفرات ، ولأصابه الخجل من جراء هديته التافهة . 
وأتبع ذلك بقوله : وإني لأخجل لو أن رجلًا جاءني بهدية ، ثم انصرف من حضرتي مهاناً مشيعاً بالعار ! “ والقصة - كما رواها جلال الدين - لا تعين شخص الخليفة الذي قصدة البدوي . وتذكر أن البدوي قصد قصر الخلافة في بغداد . 
كما أنها تذكر أن الخليفة أمر بأن يُعاد البدوي إلى وطنه بطريق البحر - على عكس ما ذكرية رواية عوفي . وأضاف الشاعر إلى القصة شخصية لا تظهر في رواية عوفي ، هي زوجة الأعرابي ، وأجرى بينها وبين زوجها صفحات متعددة من رائع الحوار . 
وقد جعل الشاعر امرأة الأعرابي رمزاً للنفس الحسية ( الحيوانية ) وجعل الأعرابي رمزاً للنفس الناطقة . كما اتخذ من الخليفة رمزاً للَّه .




[ شرح من بيت 2250 إلى 2600 ] 
( 2258 ) السامري هو الذي أُغرى اليهود بعبادة العجل .


“ 554 “


قال القرطبي في تفسير قوله تعالى :” وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ، ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ “. ( 2 : 51 ) . سأله قومه أن يأتيهم بكتاب من عند اللَّه ، فخرج إلى الطور في سبعين من خيار بني إسرائيل ، وصعدوا الجبل ، وواعدهم إلى تمام أربعين ليلة ، فعدوا - فيما ذكر المفسرون - عشرين يوماً وعشرين ليلة ، وقالوا : قد أخلفنا موعده ، فاتخذوا العلجل ، وقال لهم السامري : هذا إلهكم وإله موسى . فاطمأنوا إلى قوله “ . ( تفسير القرطبي ، ج 1 ، ص 395 ، طبع دار الكتب المصرية ) . وكان جزاء السامري أن نُبذ من الناس فكان لا يمس أحداً ولا يمسه أحد . 
( 2262 )  وأي عطاء نقدمه ونحن نلجأ إلى أخس الوسائل لنتجنب الجوع ؟ 


( 2268 ) في بعض المخطوطات وردت كملة “ يشم “ ( بمعنى خرز ) بدلًا من “ پشم “ ( بمعنى صوف ) . وإذا كانت هذه الرواية صحيحة فمعناها أنه يضع في العيون الخرز ، السحيق . وكان من المعروف أن اللؤلؤ السحيق يزيد نور البصر . فيكون المقصود أن الرجل يغش فيضع مسحوق الخرز ، بدلًا من اللؤلؤ السحيق . 


( 2272 ) “ ومع أنه أبعد من أن يعقد أي صلة بينه وبين ربه ، فإنه يدعي لنفسه صفات الأنبياء الصادقين “ . 


( 2275 ) أبو يزيد البسطامي عند الصوفية قطب من الأقطاب العظام . أما يزيد بن معاوية ، فقد أصيب بسوء السمعة في التاريخ الإسلامي نظراً لما حدث في عهده من انفسامات ، وما أريق من دماء . ومن أهم حوادث عصره مقتل الحسين ابن علي وآل بيته ، وو وقعة الحرة التي أبيحث فيها المدينة بضعة أيام . وقد لا تقع على يزيد كل المسؤولية في تلك الحوادث ، ولكن وقوعها في عهده قد أساء إلى سمعته في التاريخ . 


( 2277 )  إنني نائب الحق ، أنا ابن خليفته “ ، معناها “ إنني أنا


“ 555 “


الإنسان الكامل ، والوريث الروحي لآدم ، خليفة اللَّه في الأرض “ . 


( 2279 ) من الناس من وقف على باب هذا المزور يوماً بعد يوم ، باسطاً لنفسه طريق الأمل ، في أن يصل على يديه إلى مقام روحي مرموق ، ولكنه يضيع وقته وعمره هباء . 
( 2281 ) إذا ما اكتشف المريد أنه قد أضاع عمره على شيخ مزوِّر ، فلا جدوى من ذلك ، وكل هذا الوقت قد ضاع منه هباء . 
( 2286 ) فهذا المدّعى يعاني - في الحقيقة - من فقر روحي ، وبرغم ذلك يتظاهر بالفقر المادي ، وهو شعار الصوفية الصادقين الذين نبذوا المادة وأهملوها في سبيل الروح . 


( 2287 ) فلماذا ننافق ، ونتظاهر بغير حقيقتنا كما يفعل هذا المدعي ؟ 
الأولى بنا أن نظر على حقيقتنا ، ولا نزهق أرواحنا من أجل شرف مزوّر . 
فالتظاهر بغنى الروح يُلقي على المدعي تبعات لا قبل ليه بها ، ولا قدرة له عليها . 


( 2290 ) السيل المندفع ليس مورداً ميسوراً للشرب ، فالبحث في صفائه أو اعتكاره ليس مما يجدي . 


( 2298 ) إن الآلام الحسية في هذه الدنيا جزء من الموت ، الذي هو أعظم ما يخيف أهل الحس ويرهبهم . 
( 2300 ) إنْ كنت لا تبالين بآلام الحس ، فاعلمي أنك تستطيعين مواجهة المصير المحتوم متقبلة راضية “ . 


( 2302 ) كل من تلعق بملاذ الحياة ومتعها المادية ، كان الموت أقسى عليه ، فيتجرعه كأساً مريرة المذاق . أما من صرف وجهه عن ملاذ الدنيا ، وتعلقت روحه بعالم الروح ، فالموت بالنسبة له لا يعدو أن يكون انتقالا من حالي إلى حال خير منه . يقول الغزالي : “ المحب لا محالة مشتاق ، ومعنى الشوق في المحسوسات استكمال الخيال بالترقى إلى المشاهدة . فإن المشتاق إليه مُدْرَكٌ لا محالة بالخيال ، وغائب عن الأبصار ، وأحوال الآخرة وجمال الحضرة الربوبية مدرك كل ذلك اللعارف ، يعرفه كأنه نظر من وراء ستر رقيق ، في وقت الإسفار وضعف النور ، فهو مشتاق إلى استكمال ذلك بالتجلي


“ 556 “


والمشاهدة ، ويعلم أن ذلك لا يكون إلا بالموت . فلذلك لا يكره الموت لأنه لا يكره لقاء اللَّه تعالى “ . ( الأربعون في أصول الدين ، ص 275 ) . 


( 2303 ) يرى نيكولسون أنّ هذا البيت مقارب في معناه لقول الشاعر العربي :
الموت نقاد على كفّه * جواهر يختار منها الجياد
وأرى أنه لا صلة لهذا البيت العربيّ ببيت شاعرنا . فالجياد في في البيت العربي تعني الأخيار ، وعلى هذا تكون الجودة في هذا البيت معنوية وليست جسدية . 
وأما بيت جلال الدين فمعناه أنّ ضخامة الجسم كانت سبباً في هلاك الأغنام . فلا غرابة في أن تكون في الإنسان سبباً لهلاكه . 
ذلك لأن الإنسان الذي يُعنى بجسده ويتلعق به ، يكون ذلك منه على حساب روحه التي تتضاءل ، فلا يبقى لها كيان ، فيكون ذلك بمثابة هلاك لها في الدنيا ، وكذلك في الآخرة . و . قول الشاعر في البيت السابق : 
“ وكل من عبد جسمه فما حمل روحاً “ ، مرتبط بهذا البيت وهو يزيد معناه وضوحاً . فالإنسان الذي يعبد جسده ، يتضاءل فيه الروح الإنساني ، إلى درجة تجعله يبدو مجرداً من هذا الروح . 
( 2307 ) صانعو الحبال يتراجعون إلى الوراء وهم يصنعونها . ولا يزال هذا مشهوداً عند من يصنعون الحبال بطريقة يدوية . 
( 2333 ) إن طالب الدنيا يسعى إليها بكل الوسائل ، والدنيا كذلك تبدي له مغرياتها فتزيده تعلقاً بها . 
( 2334 ) فلو لم يكن هو الذي يسعى إلى الدنيا بكل الوسائل لما كانت الدنيا تستولي عليه ، وتصرفه عما عداها . 


( 2342 ) “ الفقر فخري “ عبارة ذات مدلول صوفي . فالفقر عند الصوفية مقام لا بد من تحقيقه . ولا يكاد يخلو من ذكره كتاب من كتبهم ، ( انظر الكلاباذي : التعرف ، ص 95 ؛ أبو طالب المكي : قوت القلوب ، ج 2 ، ص 398 ؛ السراج : اللمع ، ص 74 ؛ القشيري : الرسالة ، ص 122 ) . واعتداد الصوفية بالفقر ، لأنه يصرفهم عن التعلق بهذه الدنيا ، فيجعلهم بذلك


“ 557 “


فقراء إلى اللَّه ، وحينذاك يصبحون أغنياء باللَّه . والفقر عندهم محك لصدق الإيمان وكرم الأخلاق . فالفقير الصوفي لا يطلب من أحد شيئاً ، ويعطي ما يستطيع برغم فقره ، ويقول الحق ، ولا يجعله الفقر مداهناً يلتمس رضى الأغنياء . وأرفع الفقراء رتبة عندهم - على ما يقول السراج - “ من لا يملك شيئاً ، ولا يطلب بظاهره ولا بباطنه من أحد شيئاً ، ولا ينتظر من أحد شيئاً ، وإن أعطى شيئاً لم يأخذ ، فهذا مقامه مقام المقربين “ . ( اللمع ، ص 74 ) . 
وعد نصر بن الحمامي الفقر “ أول منزلة من منازل التوحيد “ . ( اللمع ص 75 ) على اعتبار أن الفقير لا يجد ما يشغله عن اللَّه ، فهو مستغن عن الناس وما يملكون . 
وخلاصة ما يفهم من أقوالهم أن الفقر هو الانصراف عن المادة ، ويتجلى هذا في الامتناع عن الحرص عليها سواء بطلبها ، أو الاحتفاظ بها إن وجدت لدى الإنسان ، ثم بالحاجة إلى اللَّه وحده ، وهذا المعنى الأخير يمثل انتقالًا من السلوك العملي إلى التأمل الروحي . وحين يتحقق لأحدهم الإحساس الكامل بالافتقار إلى اللَّه يصبح غنياً باللَّه . 


( 2345 ) رجل الحق مثل العين المبصرة ، فالأولى به ألا يغشي قلبه بماديات الحياة لأن هذه يحجب بصيرة قلبه ، كما يحجب الغطاء نور العين . 


( 2357 ) رُوي عن إبراهيم بن أحمد الخواص أنه قال : “ الفقر رداء الشرف ، ولباس المرسلين ، وجلبات الصالحين ، وتاج المتقين ، وزين المؤمنين ، وغنيمة العارفين ، ومنبّه المريدين ، وحصن المطيعين ، وسجن المذنبين . . . “ ( السرّاج : اللمع ، ص 74 ) . وجاء في “ قوت القلوب “ لأبي طالب المكي ( ج 2 ، 401 ) أقوال عن اعتراز الفقراء بأنفسهم منها قول ابن المبارك : 
“ من تواضع الفقير أن يتكبر على الأغنياء “ ، وقول المكي نفسه : “ ومن فرائض الفقر ألا يسكت الفقير عن حق ، ولا يتلكم بهوى ، لأجل دوام العطاء من أحد ، ولا لا جتلاب نفع “ .


“ 558 “


( 2358 ) “ صائد الإخوان ، وماسك الثعبان “ . وتعني هذه العبارة من يتصيد الإخوان بأن يخدعهم بعبارات تنّم عن الصلاح والتقوى ، فيوقعهم في حبائل مكره ، فكأنما هو يتصيد حيّات فيتلو عليها رقى وتعاويذ حتى يتمكن منها . 


( 2359 ) قد يُفهم من هذا البيت معنى رمزي ، هو أنه يجتذب المريدين ، فيزيل من نفوسهم أهواءها الدنيوية ، وبذلك يخلصها مما يجلب لها هلاكاً محققاً . وهو كذلك يفعل بالثعبان الذي يتصيده ، فيقتلع أنيابه حتى لا تكون سبباً في القضاء عليه . 


( 2371 ) “ تحرّي زنانه “ ترجمنا هذه العبارة “ بالجشع النسائي “ . 
فالتحرّي ينطوي على البحث والطلب ، وهذه المرأة كانت تطلب المال وتحرص عليه . ولهذا نرى أن فهم “ التحري “ على هذا الوجه ، خير من تفسير نيكولسون له بأنه “ الشك واضطراب الفكر “ . فمشكلة المرأة هنا هي الطمع ، وهو الذي يغشيّ على بصرها ويجعلها غير قادرة على مشاهدة الأمور على حقيقتها . فالزوج يدعوها إلى ترك الطمع لتراه على حقيقته ، ولا تزدريه لفقره . 


( 2372 ) “ إن اجتذابي للمريدين ليس لطمع فيهم . فهذا الحرص عليهم قد يبدو طمعاً فيهم ، ولكنه ليس إلا رحمة ، لأني أقودهم إلى طريق الحق “ . 


( 2378 ) الحقائق الروحية لا تتكشف إلا لمن كان طالباً لها ، حريصاً عليها . 


( 2381 ) إن الحقائق الروحية تحتجب ولا تتكشف إذا كان طالبها غريباً عنها ، غير حريص على تلقيها . 


( 2382 ) وأما من كل موضعاً لسرّ الغيب فإن هذه الحقائق تتكشف له ، وتتجلى لقلبه . 
( 2383 ) كلّ ما كان جميلًا رائق الحسن ، فقد صُنع من أجل

“ 559 “


الإحساس السليم ، الذي يدركه ويتذوقه . وكذلك الأسرار الإلهية لا تتجلى إلا للروح التي تكون قادرة على إدراكها وتذوقّها . 
( 2389 ) يسأل الأعرابي امرأته قائلًا : “ هل تزينت ذات يوم من أجل رجل أعمى ؟ “ وهذا استفهام إنكاري يرمز إلى أن الأسرار الإلهية لا تتكشف إلا للقلب المهيأ ، لها القادر على إدراكها . 


( 2390 ) لا جدوى من عرض الحكمة على من لم يكن أهلًا لها ، ذلك لأنها لا تجد سبيلًا إلى قلبه . 


( 2392 ) “ إنني لا أريد أن أشغل نفسي بهذه الدنيا ، وما فيها من خير وشرّ : بل إن قلبي لينفر حتى من خيراتها “ .


[ شرح من بيت 2400 إلى 2550 ] 
( 2412 ) “ أما وقد جعلت لي من عفوك نوراً يرشدني إلى طريق الندم ، المؤدي إلى رضاك فقد تبت “ . 
( 2427 ) رستم بن زال أحد الأبطال الذين اشتهروا في الأساطير الإيرانية . وقد شغلت سيرته آلافاً من أبيات الشاهنامه التي تروي وقائع العصر الكياني . 
أما حمزة المذكور هنا فهو حمزة بن عبد المطلب عم الرسول ، وكان من أعظم أبطال العرب . 


( 2428 ) الحميراء “ هي عائشة زوج الرسول . ( انظر البيت 1972 وتعليقنا عليه ) . 


( 2444 ) “ إن من شاخ في كفره يستطيع اعتناق الإسلام لو صحت منه التوبة والرجوع ، وندم على ما أضاع من عمره في الضلال . وما دام الكفر - وهو أكبر الذنوب - يغتفر بالتوبة ، فقد حقّ عليك غفران ذنبي “ . 


( 2446 ) كل ما في الوجود من أضداد مرتبط بالخالق الموجد ، وليس في الوجود شيء يخرج على أمره . وفي القصة التي تتلو هذا البيت ، يصوّر الشاعر موسى وفرعون - وهما يمثلان الكفر والإيمان - قاصدين ربهما ، إلا أن واحداً


“ 560 “


منهما اهتدى ، وأما الآخر فضلّ السبيل . ويتحدث الجيلي عن ذات اللَّه الجامعة للأضداد فيقول : “ ظهر في كل ذات بكل خلق ، واتصف بكل معنى في كل خلق وحق ، جمع بذاته شمل الأضداد ، وشمل بوحدانيته جميع الأعداد “ . 
( الإنسان الكامل ، ج 1 ، ص 2 ، 3) . 


( 2447 ) قول الشاعر : إن فرعون كان يقصد الحقيقة ، لكنه ضلّ السبيل - تعبير عن مذهب الصوفية ، بأن كل متعبد يقصد وجه اللَّه ، حتى ولو كان ظاهر تعبده أنه لغير اللَّه . يقول ابن الفارض :وإن عبد النار المجوس وما انطقت * كما جاء بالأخبار في ألف حجة 
فما قصدوا غيري وإن كان قصدهم * سواي وإن لم يظهروا عقد نيةويقول ابن العربي : “ فالناس على قسمين : من الناس من يمشي على طريق يعرفها ويعرف غايتها فهي في حقه صراط مستقيم . ومن الناس من يمشى على طريق يجهلها ولا يعرف غايتها ، وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر “ . 
(فصوص الحكم ، ص 108 ) . 


( 2449 ) يقول فرعون : “ يا رب ، لولا أن الكفر مقدّر علي منذ الأزل ، لما كان هناك على يطوقني ، ويصرفني عن الإيمان ، وأكون أمام الناس ما أنا عليه الآن “ . 


( 2425 ) إن القمر - وهو أعظم من النجوم - يعتريه الخسوف ، فما حيلتي إذا أصاب الخسوف نجمي ؟ “ ( 2461 ) “ إنني حين أكون وحدي ، فأنا في وفاق مع اللَّه ، لأني أحد مظاهر إرادته ، ومشيئته ، ولكني حين أواجه موسى أشعر أنني على خلاف ذلك . فموسى ضدي ، وهو يظهرني على صورتي المضادة لصورته ، وإن كنت في الحقيقة لا أعدو أنْ أكون منفذاً لإرادة اللَّه التي صدرت عنها الأضداد ، وكل مظاهر هذا الوجود “ . 


( 2462 ) إن ظهور الحق في الدنيا على أيدي الرسل قد كشف ما كان يسودها من زيف . وهكذا الذهب الزائف لو تُرك وشأنه لظن ذهباً ، ولكنه إذا وضع


“ 561 “


في النار تكشفت حقيقته . وفرعون - لو لم يظهر موسى - لبقي له رواء ملكه ومظهره الخادع . 


( 2467 ) حينما تحوّل الخلق من عالم الوحدة الروحية ، إلى عالم الدنيا ، عالم التعدد والتعين ، وقع الصدام بينهم . فالخق جميعاً يرجعون إلى حقيقة واحدة ، ويجمعهم لون متجانس ، ولكن حلول الأرواح في الأجساد جعلها تبدو مختلفة متباينة . 


( 2468 ) حينما يخلص الناس من عالم المادة ، وما فيه من ألوان متعددة ، يسود الوفاق بينهم جيمعاً ، ولا يكون هناك أثر لهذا التضاد الذي يتجلى في ضدين متباعدين مثل موسى وفرعون . 


( 2470 ) هذا التعدد اللونيّ في العالم المادي ، صادر عن لون واحد متجانس هو العالم الروحي . وهذا اللون المتجانس ( أو اللالون ، كما يحلو للشاعر أن يصفه ، تشبيها له بالماء ) هو الأصل في جميع الألوان التي يزخر بها العالم المادي ، فكيف يمكن تفسير صراع المادة مع الروح ؟ 


( 2474 ) مظاهر الصراع بين المادة والروح ، أو بين العالم المادي والروحي ، قد تكون مصدراً لحيرة الإنسان . وهذه الحيرة شبيهة بخربة ، ولكن هذه الأرض الخربة قد تكون منطوية على كنز . هذا الكنز هو العرفان الصوفي الذي يجب أن يهتدى به في إدراك اليقين حول مثل هذه الأمور . 


( 2475 ) هذا البحث العقلي ، الذي تركز حول المظاهر الخارجية قد استولى على اهتمامك ، فظننت أنه جوهر المعرفة . ولكن هذا الذي توهمته جوهر المعرفة ، صرفك عن المعرفة الحقيقة ، وأضاعها منك . 


( 2476 ) الإصرار على الأوهام والآراء لا يتفق مع نفي الذات ، وهو المقدمة التي يجب أن تتحقق لطالب المعرفة الروحية ، قبل أن يتقدم في سبيلها خطوة واحدة . أما من تمسك بمثل هذه الآراء ، والأوهام ، فهو كمن تمسك بالمادة وطلب الروح ، أو كمن بحث عن كنز دفين في منطقة آهلة بالسكان .


“ 562 “


( 2477 ) “ المناطق العامرة “ تعبير عن الدنيا وضجيجها وصخبها الذي يطغى على الروح . وحياة هذه الدنيا لون من الوجود ، ولكن الفناء الصوفي لا يرى هذا وجوداً يُعتد به ، فهذا الفناء الصوفي خير منه لأنه سبيل البقاء ومفتاح الخلود . 


( 2478 ) ليس المتعلق بالوجود المادي هو الذي يعرض عن الصوفي الذي ينشد الفناء ، بل إن الصوفي هو الذي يعرض عنه ، فالتصوف ينطوي على التحرر من سلطان المادة ، والمتعلقين بها . 


( 2479 ) لا تقل إنني هارب من مثل هذا الفناء عن الدنيا ، فهذا الفناء هو الذي يهرب منك ، لأنك لم تُؤت من الهبات الروحية ما يجعلك تسلك سبيله وتسعى إليه “ . 


( 2490 ) بدفع هذا العالم الدنيوي والعالم الروحي لأهل الظلم ، بقي هؤلاء محرومين من كلا العالمين . 


( 2492 ) إن لديهم قوة روحية أفاضها عليهم الخالق . فلو أنهم أظهروا تلك القوة لك ، لكان لهم من الأثر عليك مثلما يكون للكهرباء على القش . ( من المعروف أن أحجار الكهرباء تجتذب القش ) . 


( 2497 - 2498 ) إن العقل يقود الإنسان كما يقود الجمّال الجمل . والأولياء يقودون العقول كما تقود العقول الأجسام . 




( 2500 ) ما الحاجة إلى توضيح الأمر بتشبيه القطب بالدليل والجّمال ؟ إنه كالشمس لمن كان ذا مقدرة على الاهتداء به . 


( 2502 ) يوازن الشاعر هنا بين جسم الولي وروحه . فهو باعتبار الجسم ذرّة ، ولكنه باعتبار الروح شمس . وهو في ظاهره حمل ، ولكنه في حقيقته أسد . 


( 2507 ) كان أهل الغفلة يظنون الرسل أفراداً ضعافاً . وكيف يكون ضعيفاً من توثقت صلته بربه حتى جعله خليلًا وصفياً !
( 2509 ) انظر قصة صالح وقومه في “ قصص الأنبياء للثعلبي “




“ 563 “


( ص 66 - 72 ) . 
( 2514 ) يقال إن بلدة الحجر ، الواقعة شمالي المدينة ، كانت مقر ثمود ، قوم صالح ، ولا تزال إلى اليوم تعرف بمدائن صالح . وقد روى أبو الزبير عن جابر بن عبد اللَّه قال : “ لما مر النبي عليه السلام بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه : لا يدخلن أحد هذه القرية ، ولا تشربوا من مائها ، ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا معذبين ، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل الذي أصابهم . ثم قال : أما بعد فلا تسألوا رسولكم الآيات ، هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية فبعث اللَّه لهم الناقة . . “ ( قصص الأنبياء ، ص 71 ، 72 ) . 




( 2518 ) روى الثعلبي أنّ الكفار حاولوا إيذاء صالح مرات عدة ، ولكنّ اللَّه كان ينجيه من كيدهم . 




( 2519 ) لا يستطيع الكفار أن ينالوا من روح أحد الرسل . وكل ما استطاعوه لم يَعْدُ إيقاع بعض الأذى بجسمه . فجلب عليهم هذا العدوان الذي اقترفوه غضب اللَّه ونقمته . أما نبيّ اللَّه المرسل فلم ينل منه أذاهم . 


( 2521 ) إنّ رسول اللَّه يمثل قوة روحية عظيمة ، وقد جعل اللَّه هذه القوة متعلقة بجسم ، وذلك ليستطيع أبناء هذا العالم شهودها ، والاهتداء بها . 




( 2522 ) جسم الوليّ بالنسبة لروحه ، كالناقة بالنسبة لصالح . ولقد كانت الناقة في خدمة صالح كما أن جسم الوليّ مسخّر لروحه . فالروح بالنسبة اللوليّ هي العنصر الأقوى ، ولذلك فإنّ الجسم يكون خاضعاً لها . 
والشاعر يدعو في هذا البيت إلى الابتعاد عن إيذاء الأولياء والصالحين ويحث الناس على أن يخدموهم ويرعوهم ، وإن كان يرى أن هؤلاء مهما اجتهدوا فإنهم لا يستطيعون إزاءهم سوى الرعاية الجسدية . 


( 2523 - 2531 ) بعد أن عُقرت ناقة صالح أقبل عليه القوم يعتذرون فقال لهم صالح : “ انظروا هل تدركون فصيلها ( وليدها ) ، فإن أدر كتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب ، فخرجوا يطلبونه ، فلما




“ 564 “


رأوه على الجبل ذهبوا ليأخذوه فأوحى اللَّه إلى الجبل فتطاول في السماء حتى ما تناله اليطر . . . فقال صالح : لكل أمة أجل فتمتعوا في دياركم ثلاثة أيام ثم يأتيكم العذاب ، ذلك وعد غير مكذوب . . . قالوا : 
وكان عقر الناقة يوم الأربعاء فقال لهم صالح - حين سألوه عن وقت العذاب وآيته - إنكم تصبحون غرة مؤنس ( الخميس ) وجوهكم مصفرة ، ثم تصبحون يوم العروبة ( الجمعة ) ووجوهكم محمرة ، ثم تصبحون يوم شبار ( السبت ) ووجوهكم مسودة ، ثم يصبحكم العذاب يوم الأول ( الأحد ) ، فأصبحوا يوم الخميس ووجوههم مصفرة . . . 
فأيقنوا بالعذاب وعرفوا أنّ صالحاً قد صدقهم . . . فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كأنما خضبت بالدم . . . فلما أمسوا فإذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار . . . فلما اشتد الضحى من يوم الأحد أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة . . . فقطعت قلوبهم في صدروهم فلم يبق فيهم صغير ولا كبير إلا هلك . . . “ ( قصص الأنبياء ص 70 ، 71 ) . 








( 2532 ) مضى الشاعر هنا في تفسيره الرمزيّ لقصة الناقة وفصيلها ، فقال إنّ فصيل الناقة ، رمز لخاطر الوليّ . وكان قد ذكر في بيت سابق ( 2515 ) أن الناقة رمز لجسم النبيّ أو الوليّ ، وأما صالح فرمز للروح .




[ شرح من بيت 2550 إلى 2700 ] 
( 2559 - 2560 ) إن عصيان قوم صالح ، وطغيانهم الذي استوجب العقاب لم يمنعا هذا الرسول الكريم من أن يأسى عليهم ، ويبكيهم بدموع الرحمة والرثاء . 




( 2570 - 2573 ) يتحدث الشاعر في هذا البيت وما يليه عن اختلاط الخير والشر في هذا الدنيا . ويذكر أنه ، برغم هذا الاختلاط البادي في الحياة بين الأخيار والأشرار ، هناك فارق يباعد بين كل فريق منهما . ومما يشبه تلك الحال ذهَبُ المنجم الذي يكون مختلطاً بالتراب ، أو العقد الذي يضم حبّاتٍ



“ 565 “




من الدرّ النفيس وأُخرى من النحاس . فهذا التقارب لا يعني الامتزاج ، فكل عنصر يبقى محتفظاً بطبيعته رغم اختلاطه بغيره . 


( 2583 ) “ العين التي تبصر الحظيرة “ هي العين الحسية التي لا شأن لها بالمعنويات . والحظيرة هنا ترمز إلى عالم الحس . 


( 2584 ) كم في الكون من مغريات تبدو حلوة المذاق ، مع أن السم كامن فيها . وينطبق هذا على الماديات ، وكذلك على المعنويات . فالملق مثلًا يبدو لذيذاً سائغاً لمن يجد في طبعه ميلًا إلى تلقيه ، ولكن عاقبته تكون وخيمة في نهاية الأمر . 


( 2585 ) من الناس من أوتي قدرة على التمييز قبل معاناه الأمر ، ومنهم من لا يستطيع ذلك إلا حين يقترب منه بعض الشيء . 


( 2592 ) كان من المعتقد في زمن الشاعر أن العقيق يكتسب لونه وبريقه من نور الشمس . 


( 2598 ) قد يكون السم والحية هنا رمزاً لمتع الحياة . فهذه المتع تصبح سائغة مباحة لمن يعرف كيف يقف عند حد في تقلبها ، ومن أوتي من قوة الروح ما يجعله آمناً من سمومها ومخاطرها . يقول الترمذي عن المريد : “ فينبغي أن ينفي كل فرح للنفس فيه نصيب ، حتى يصل إلى ربه تعالى : فإذا وصل إلى ربّه عزّ وجل امتلأ قلبه به فرحاً وسروراً ويقيناً ، فكل شيء مدّ إليه يداً من دنيا أو آخرة لم يضره لأنه منه يقبل ، فإذا قبله منه حمده عليه وشكره ، وكانت جوارحه مستقيمة حافظة للحدود “ . ( الرياضة وأدب النفس ، ص 63 ) . 
.
الشروح والدراسات المثنوي المعنوي مجمعة الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2602 - 3012 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالثلاثاء أغسطس 25, 2020 7:47 am

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2602 - 3012 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2602 - 3012 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2602 - 3012 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2602 - 3012

شرح في بيان أنّه لا يجوز للمريد أنْ يتجرّأ فيفعل ما يفعله الوليّ ،
( 2602 ) يقول الترمذيّ في حديثه عن المريد الواصل : “ فإذا فرح بشيء من الدنيا فإنما يفرح ببرّ اللَّه تعالى له بذلك وتقديره وتدبيره ولطفه . . . فاستعمال جوارحه في ذلك الشيء بمنزلة رجل شرب ترياقاً فامتلأت عروقه منه ، فإن مدّ يده إلى حية أو عقرب لم يضره سمّها ، لأنه لم يجد السمُّ مسلكاً إلى عروقه ، فإذا لم يجد الترياق وجد السمّ مسلكاً إلى العروق ، فجمد الدم الذي في العروق ، من ذلك السمّ فمات “ . ( الرياضة وأدب 

“ 566 “

النفس ، ص 63 ) . 

( 2609 ) المرء يحتاج إلى قوة روحية عظيمة ، ليستطيع الصمود أمام مغريات المادة . وقد رمز الشاعر لمثل هذه القوة الروحية “ بهمّة سليمان “ . 

( 2619 ) صور الترمذيّ الصراح بين النفس ( التي تمثّل الشهوة والهوى ) والقلب ( الذي يمثل الحكمة والتعقل ) بقوله : “ وإنّ المؤمن قد ابتلي بالنفس وأمانيها ، وأُعطيت ( النفس ) ولاية التكلفّ بالدخول في الصدر . والنفس معدنها في الجوف وموضع القرب ، وهيجانها من الدم وقوة النجاسة ، فيمثلىء الجوف من ظلمة دخانها ، وحرارة نارها . ثم تدخل في الصدر بوسوستها ، وأباطيل أمانيها ابتلاء من اللَّه إياه ، حتى يستعين العبد بصدق افتقاره ودوام تضرعه لمولاه “ . 
(بيان الفرق بين الصدر والقلب ، والفؤاد واللبّ ، ص 40 ، القاهرة 1958 ) . 

( 2624 - 2626 ) الصورة والمعنى يكمل كلّ منهما الآخر . الصورة هي الشكل الظاهريّ ، والمعنى هو المضمون الباطنيّ . وللحقيقة صورة ومعنى ، كل منهما يكمل الآخر . ولو كانت الأهمية للمعنى وحده ، لكان خلق هذا العالم الدنيوي باطلًا ، ولما كانت هناك حاجة للصور المعبّرة عن المحبة والولاء سواء في العلاقة بين الإنسان وربه ، أو بين أفراد الجنس البشريّ . فالصلاة مثلا لها مدلولها الروحيّ ، ولكنها أيضاً تتم بصورة معينة . وعاطفه المحبة بين الناس يمكن التعبير عنها بصورة ماديَّة ، كتبادل الهدايا . 

( 2629 ) يفرق الشاعر هنا بين الصور التي تعبر عن معان حقيقية صادقة ، وبين الصور التي لا معنى لها . فالنوع الأول تعبير عن المحبة والاخلاص ، وأما النوع الثاني فمحض تظاهر ورياء . 

( 2634 ) في البيت إشارة إلى حديث ينسب إلى الرسول أنه قال : “ اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللَّه “ . 

( 2635 ) إذا لم يشهد الإنسان الصور الدالة على المعنى ، فإنه قد يستدلّ على هذا المعنى بأسباب تحققه . فإذا كانت هناك رابطة قربى بين إنسانين ، فهي - في العادة - مدعاة لافتراض المحبة ، وإن لم يتجلّ من المظاهر ما يؤكد ذلك .
  
“ 567 “

( 2636 ) كل هذه المعارف المبنية على المظاهر والأسباب لا تعدو أن تكون افتراضية . ولا سبيل إلى اليقين ، الذي يجعل الإنسان مستغنياً عن الأثر والسبب إلا بالكشف الإلهيّ . 

( 2640 ) من اعتبر الصورة والمعنى شيئاً واحداً كان خاطئاً . فالصورة قريبة من المعنى ، لأنها تعبر عنه ، لكنها بعيدة عن المعنى ، لأن له طبيعة أخرى ، ولأنه هو الجوهر المقصود . فمن اقتصر على صورة الصلاة وجهل معناها كانت صلاته باطلة لا جدوى منها . ومن كان حبه مجرد ابتسام وإظهار للمحبة ، من غير إحساس بها ، فهو من المرائين المخادعين ، وليس من المحبين . 

( 2648 ) ذكر الجرجاني في تعريفاته أنّ هناك أربعة ألواح : لوح القضاء ، ولوح القدر ، ولوح النفس الجزئية السماوية ، ولوح الهيولى . 

( 2650 ) راجع ما سبق أن نقلناه عن ابن العربي من نصوص تتعلق بآدم ، وتبيّن فضله على الملائكة . وقد ذكر جلال الدين في مواضع أخرى من شعره أن الإنسان في صورته الكاملة أعظم من الملائكة . ومن ذلك قوله في ديوان شمس تبريز .خود ز فلك برتريم واز ملك افزونتريم * زين دو چرا نگذريم ، منزل ما كبرياست( إننا أعلى من الفلك ، وأعظم من الملك ! * ولم لا نفوقهها ، ومنزلها الكبرياء ؟ )

( 2657 ) للعرش تفسير صوفي ذكره الجيلي . قال : “ هو المظهر الأعلى ، والمحل الأزهى ، والشامل لجميع أنواع الموجودات . فهو في الوجود المطلق ، كالجسم للوجود الإنسانيّ ، باعتبار أنّ العالم الجسماني شامل العالم الروحاني والخيالي والعقلي إلى غير ذلك . . “ ( الإنسان الكامل ، ج 2 ، ص 4 ) . ولسنا نريد أن نفترض هذا المفهوم في بيت الشاعر . ويمكن أن يفسر - بدون تأويل بعيد - على أساس أن آدم أهمّ مخلوقات اللَّه . فالعرش ذاته لا يبلغ

“ 568 “

مكانة روح آدم ، لأنه - برغم نوره واتساعه - لا يبلغ مبلغ الروح في اتساعها لخالقها . 

( 2659 - 2661 ) يشير الشاعر هنا إلى أن الملائكة تعلقوا بالأرض وأحبوها وأكبروها قبل خلق آدم وأنهم عجبوا لهذا التعلق ، فطبيعتهم السماوية مختلفة عن طبيعة التراب . ولكن السبب في هذا أن اللَّه كان قد أودع في التراب سراً هو آدم ، الذي خُلق من هذا التراب ، فكان أعظم مخلوقات اللَّه . أما التعلق بالأرض فقد يشير إليه ما جاء في القرآن حكاية عنهم حين أخبرهم اللَّه بخلق آدم :” وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ “.  (البقرة ، 2 : 30 ) . 

( 2663 ) تخاطب الملائكة آدم قائلة ، إنها قد تعلقت بالإرض لأن اللَّه كان قد جعل بها سراً عظيماً من أسراره ، ثم ما لبث أن أظهره لها بعد أن خلق من ترابها آدم . 

( 2667 ) صارت أفواهنا مرّة . . . “ معناها أن الملائكة حزنوا وتألوا . 

( 2675 ) أبدع الشاعر في التعبير عن الحلم الإلهي - وهو الرحمة التي يسبغها اللَّه على عباده - بقوله إن مائة أب ومائة أم تولد من هذا الحلم في كل لحظة . 

( 2676 ) وما حلم هؤلاء . . “ الإشارة هنا إلى حلم الآباء والأمهات . 

( 2677 ) إن حلم الإنسان - إذا قيس بحلم اللَّه - ليس إلا رشاشاً واهياً من هذا الفيض الإلهي العظيم .

[ شرح من بيت 2700 إلى 2850 ] 
( 2710 ) شبّه الجسم الإنساني بإبريق ، له خمس أنابيب تصب فيه ، هي الحواس الخمس . ويتضمن البيت دعاء اللَّه أن يطهر الحواس حتى يسلم الجسم من كل نجس .

“ 569 “

( 2726 ) المحو والسكر والانبساط : 
المحو - في تعريف السراج - هو “ ذهاب الشيء إذا لم يبق له أثر ، وإذا بقي له أثر فيكون طمساً . وقال النوري : الخاص والعام في قميص العبودية ، إلا من يكون منهم أرفع ، جذبهم الحق ، ومحاهم عن نفوسهم في حركاتهم ، وأثبتهم عند نفسه . 
قال اللَّه تعالى :” يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ “. 

معنى قوله جذبهم الحق : يعني جمعهم بين يديه ومحاهم عن نفوسهم يعني عن رؤية نفوسهم في حركاتهم ، وأثبتهم عند نفسه ، بنظرهم إلى قيام اللَّه لهم في أفعالهم وحركاتهم “ . ( اللمع ، ص 431 ) . 

وتكلم السرّاج عن السكر فقال إن معناه “ الغيبة “ غير أن السكر أقوى وأتم وأقهر من “ الغيبة “ أما شرحه للغيبة ، فهي أنها “ غيبة القلب عن مشاهدة الخلق بحضوره ، ومشاهدته للحق بلا تغيير ظاهر للعبد “ . ( اللمع ص 416 ) . 

وأما الانبساط فهو الذي يعرف بالبسط . ويُذكر البسط مع القبض . 
يقول عنهما السراج إنهما حالان شريفان لأهل المعرفة . وفسرهما على أن القبض هو أن يقبض اللَّه العارف عن المباحات في أكل وشرب وغير هما ، فلا يبقى له من فضل سوى المعرفة . وأما البسط فهو أن يبسط اللَّه العارف لهذه المتع الحسية ، ولكنه يصونه من الإغراق فيها “ حتى يتأدب الخلق به “ . ويُروى عن الجنيد أنه قال إن القبض والبسط يعنيان الخوف والرجاء . “ فالرجاء يبسط إلى الطاعة ، والخوف يقبض عن المعصية “ . ( اللمع ص 419 ، 420 ).
 
( 2739 ) هذا الرجل الكامل عم كرمه البشرية جمعاء . ولم يكن يفرق بين إنسان وآخر ، فكأنه الشمس أو المطر . بل هو - في تحقق النعيم على يديه - كان كأنه الفردوس . 
وهناك رواية أخرى تجعل “ ني “ بدلًا من “ بل “ في عبارة الشاعر
 

“ 570 “

“ بل چون بهشت “ . 
وشبيه بهذا ما قاله شوقي في العصر الحديث :ألم تر أن نور الشمس يغشى * حمى كسرى كما يغشى اليبابا 
وأن الماء تروى الأسد منه * ويشفي من تلعلعها الكلابا

 ( 2750 )الذين يسألون الحق هم الذين يظهرون للناس جوده . أما الذين خلصوا من وجودهم الذاتي ، فلم يستشعروا لذواتهم وجودا أمام الحق ، فهؤلاء هم الجود المطلق . 

( 2751 ) من لم يكن ممن يسألون اللَّه ، ويشعرون بالحاجة إليه ، فهو ميت ، لأنه فاقد للروح عديم الإحساس . وكذلك من لا يكون مع الحقّ ، بل يؤكد وجوده الذاتي ويبلغ به حبه للمادة وتعلقه بهذا العالم الماديّ أن يتوهم لنفسه وجوداً منفصلًا عن الخالق . فمثل هذا أيضاً يكون ميتاً لأنه تعلق بما يفنى ، وأعرض عن الحي ، الواهب للحياة . 
وأما قول الشاعر : “ إنه ليس من أهل هذا الباب “ ، فمعناه أن مثل هذا الشخص لا صلة له بعالم الروح : “ وما هو إلا صورة فوق ستار “ أي أنه لا يعدو أن يكون صورة لا حياة فيها . 

( 2757 ) ليس حب الذات الإلهية وهما ، وخيالا عن الأسماء والصفات ، بل إحساس جارف يتملك الروح ، ويسيطر عليها ، ويجعل صاحبه عاشقا للذات ، لا أسير وهم وخيال . 

( 2760 ) لو كان عاشق الأوهام ( الذي ينبثق علمه من أوهامه ، فيتعلق بهذا العلم ، ويحسبه من اليقين ) ، لو كان مثل هذا صادق النية في بحثه عن الحقيقة ، لهذه صدق نيته إلى الحقيقة . 

( 2762 ) لا يليق عرض الفكر الصوفي على من لا يكون أهلًا له ، لأن هذا يفهمه على غير وجهه ، ويخرج منه بمائة خيال باطل . 

( 2765 ) ليس الإنسان مجرد صورة . ولا شأن له بأسرار العرفان الروحي ، لو لم يكن قويّ الروح ، فصورة السمكة لا شأن لها بالبحر

“ 571 “

أو اليابسة . ولون الهندي ليس من فعل الأصباغ ، ولا هو مما يزال بالغسل . فطبيعته راسخة ، لا سبيل إلى تغييرها . وهكذا من رسخ في قلوبهم التلعق بالمادة ، وإغفال الروح ، ولا سبيل إلى تغييرهم . 

( 2770 ) كلمة “ نقشها “ ( النقوش ) في هذا البيت قد أو همت الشراح أن المقصود هنا تلك النقوش التي كانت تصوّر على جدران الحمامات . 
والظاهر أن هذه النقوش كانت شائعة ، وقد عدّها الغزالي من المنكرات وأوصى بإزالتها أو تشويه وجهها لإبطالها إن كانت لبشر . كما أنه نهى عن تصوير الحيوان وأجاز صور الأشجار وسائر النقوش . ( الإحياء ، ج 2 ، ص 339 ) . 
وقد زاد الأمر تأكيداً للشراح أن الشاعر في الأبيات السابقة على هذا البيت كان يتحدث عن التصوير والصور . ولكن فهم النقوش هنا على معناها التصويري ، يؤدي إلى استحالة فهم البيت ، وربطه بما يليه . 
والظاهر أن الشاعر انتقل هنا على عادته من الصور ، إلى الحديث عن الأجساد ، وهي لا تعدو - عند الصوفية - أن تكون شبيهة بالصور . 

وقد استعمل الشاعر كلمة “ نقش “ في مواضع عديدة بمعنى الجسم . يقول :گاه نقش خويش ويران ميكنند * از پي تنزيه جانان ميكند( المثنوي ، 2 / 60 ) . 
فالأجسام خارج غرفة خلع الثياب تتخذ صور الثياب ، لكنها في الداخل ، أي حين تتعرى تظهر على حقيقتها . وكما أن الثياب تخفي حقيقة الأجساد ، كذلك الأجساد تخفي حقيقة الروح ، فلكي يعرف الإنسان حقيقة الجسد ، عليه أن يخلع الثياب ، ولكي يعرف حقيقة الروح ، عليه أن يتخلص من الجسد . 

( 2771 - 2772 ) لا سبيل إلى إدراك حقيقة الروح ما دامت متلبسة بالجسم . فإذا ما انطلقت من الجسم ، ودخلت عالمها الروحي ، تجلت حقيقتها . فالجام هنا رمز للعالم الروحي ، والثياب رمز للجسم الذي

“ 572 “

يحجب الروح . ذلك لأن الثياب تخفي حقيقة الجسم ، وكذلك الجسم يخفي حقيقة الروح . فلا سبيل لإدراك حقيقة الجسم ما دام المرء خارج الحمام . وكل ما يرى حينذاك هو مظهر الثياب ، ولا صلة لهذه بحقيقة الجسم الذي تغطيه وكذلك الجسم في هذه الدنيا ، يحجب الروح ، فلا يمكن إدراك حقيقتها ما دامت منطوية فيه . 

( 2787 ) هذا الأعرابي سحب الماء من البرء وذهب به إلى الخليفة - وهو هنا رمز للإنسان الكامل - فكان جزاؤه أن لقي هذا الخليفة ، وسعد بلقائه . 
فهو كأفراد القافلة التي كانت منطلقة في الصحراء ، فأرسوا واردهم فأدلى دلوه ، فكان نصيبه أن شهد طلعة يوسف . 

( 2795 ) قد يثير هذا البيت مشكلة تاريخية لو فُهم على معناه الحرفي . 
فالمثنوي قد بدأ نظمه بعد وفاة المستعصم باللَّه آخر الخلفاء العباسيين . فقد ذكر الشاعر في مقدمة الجزء الثاني أنه تأخر في النظم بعض الوقت ، وذكر تاريخ شروعه في نظم هذا الجزء وهو عام 662 هـ . أما الجزء الأول فقد نظم قبل الثاني بعامين أي في عالم 660 هـ . وكان قتل المستعصم على يد المغول عام 656 هـ.

لكن الخلافة العباسية استمرت بصفة اسمية في القاهرة ، حيث وليها عم المستعصم الذي اتخذ لقب المستنصر بعد سقوط بغداد بثلاثة أعوام . فهل معنى ذلك أن الشاعر بدأ نظم المثنوي بعد قيام الخلافة العباسية من جديد بهذه الصورة الإسمية ، وانتهى من نظم الجزء الأول في عام واحد أي في عام 660 هـ ؟ 
ومن الممكن أن الشاعر لم يرد هنا أن يروي وقائع التاريخ ، وإنما روى حديث الأعرابي الذي قصد الخليفة . والمعروف أن الخليفة الذي تدور حوله القصة هو المأمون ، وكان عصر ازدهار ، يكاد يوحي لمن شهده أن دولة بني العباس باقية إلى آخر الدهر . وكان العباسيون أنفسهم يشيعون هذا عن دولتهم . 

ويروى عن داود بن علي - عم السفاح والمنصور - أنه ذكر في خطبته التي ألقاها يوم بيعة السفاح أن هذا الأمر باق في بني العباس حتى يسلموه إلى المسيح

“ 573 “

عيسى بن مريم عندما يعود قبيل قيام الساعة . ( ابن الأثير ، ج 4 ، ص 326 ) . 
ومن المستبعد بأن يؤمن جلال الدين - يو هو المدرك لأحوال الدنيا ، المؤمن بهوانها ، والمستخف بسلطانها ، بأن ملك الدنيا باق على الدوام في قبضة إحدى الأسر ، مهما كانت مكانة هذه الأسرة . 

( 2797 ) “ وقد قمت بقدر من صالح الأعمال ، راجياً من وراء ذلك حسن الجزاء ، فإذا بي أظفر - لقاء ذلك - بأرفع درجات المثوبة والقرب من اللَّه “ . 

( 2801 ) الخالق هو الكل . وهو غير قابل للتجرئة . أما المخلوقات التي توصف بالأجزاء فهي ظواهر فاضت منه ، ومآلها أن تعود إليه . 
ومن تعلق بمثل هذه الأشياء الزائلة ، فقد تعلق بفان لا سبيل له إلى الاحتفاظ به.
 
( 2802 - 2804 ) كان مخلوقات هذا الكون ترجع إلى خالقها ، فمن تعلق بأي منها فقد تعلق بما لا سبيل إلى استبقائه . فالمخلوق ضعيف . 
وهو يندفع عائداً إلى أصله بدون اعتبار لمن يتعلق به من المخلوقات . وكل مخلوق تعلقت روحه بمخلوق مثله شبيه بغريق تشبثت كفّارة بضعيف . 

( 2805 ) لا تتلعق إلا بمن كان مالكاً لأمره . أما المخلوقات الضعيفة فلا جدوى من التعلق بها . 

( 2806 ) خير ما في الخلوقات وهي الأرواح تعود إلى خالقها ، وتترك وراءها الأجسام الفانية ، وهذه كالأشواك التي لا جدوى منها . 

( 2809 - 2810 ) الصياد الذي يتصيد الظل رمز لمن يجري وراء الأوهام . وكذلك الرجل الذي أطبق كفه على ظلّ طائر ، فهو إنسان قد تعلق بخيال باطل . 

( 2811 ) إن قلتَ إن الخلوق مظهر من مظاهر الخالق ، فمحبته محبة للخالق ، كنت كمن يقول إن الشوك من الورد . فهل ترضى بأكل
 

“ 574 “

الشوك ؟ “ 
( 2821 ) إن المرشد الكامل كحوض مليء بالماء النقي . أما المريدن فهم كالأنابيب التي الماء من هذا الحوض إلى حفر السقاية . ويمكن أن تكون هذه رمزاً لماصدر المعرفة التي ينهل منها عامة الناس . فالماء النقي ، هو العرفان الصادق ، الذي يفيض من المرشد الكامل ، وينتقل إلى الناس عن طريق مريديه . 

( 2823 ) المعلم الذي يكون خبيث النفس ، لا يؤثر عنه إلا كل ما هو خبيث . 

( 2834 ) من الأحاديث التي ذكرها الغزالي في باب العلم أن الرسول قال : “ العلم علمان ، علم على اللسان فذلك حجة اللَّه تعالى على خلقه ، وعلم في القلب ، فذلك العلم النافع “ . ( إحياء علوم الدين ، ج 1 ، ص 59 ) . 

( 2835 - 2852 ) يتناول الشاعر في هذه الأبيات من أسماهم الغزالي “ علماء الآخرة وعلماء السوء “ ، ويوازن بين علوم الدنيا وعلوم الآخرة . 
يقول الغزالي : “ فمن المهمات العظيمة معرفة العلامات الفارقة بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة . ونعني بعلماء الدنيا علماء السوء الذين قصدهم من العلم التنعّم بالدنيا ، والتوصل إلى الجاه والمنزلة عند أهلها . قال صلى اللَّه عليه وسلم : 
“ إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه اللَّه بعلمه “ . ( إحياء علوم الدين ، ج 1 ، ص 58 ، 59 ) . 

( 2835 - 2836 )  يشير الشاعر هنا إلى نوع من العلماء ، يعتريهم الغرور بما حصّلوه من العلم . أما علم النحو هنا فرمز لأوضح أنواع العلم الظاهري ، فهو علم يهتم بالصورة واللفظ أكثر من اهتمامه بالمعاني والمفهومات . 

( 2839 ) السباحة هنا رمز للسلوك الروحي الذي ينقذ من أخطار العالم

“ 575 “

الدنيوي ومهالكه . 
( 2841 ) اعلم أن المعرفة الروحية هي المنقذ للإنسان ، وليس العلم الدنيوي . فمن استطاع أن يتخلص من غروره النفسي ، عبر الحياة بدون تعرض لأخطارها ، التي تتمثل في مغرياتها ، وما تؤدي إليه من انحرافات “ . 

( 2842 ) إن الحياة خضمّ لجب ، لا يستطيع أن ينجو فيه إلا من تغلبّ على رغباته الحسية ، وقتل غروره النفسي . 

( 2843 ) فإن تحقق له الفناء عن صفات البشر ، وما يسودها من جهل وغرور ، دخل بحر الأسرار ، وسبح فوق قمة أمواجه . 

( 2845 ) مهما عظمت علوم هذه الدنيا فهي فانية ، لأنها تتعلق بما هو فان وتدور حوله ، لهذا يجب ألا يصاب الإنسان بالغرور ، إذا بلغ درجة عالية في هذه العلوم . 

( 2848 ) إبريق الماء الذي حمله الأعرابي رمز لعلوم الدنيا ذات الطابع المحدود ، أما المعرفة الروحية التي تتاح للرجل الكامل ، فلا حدود لها .

[ شرح من بيت 2850 إلى 3000 ] 
( 2864 ) لو أن هذا الأعرابي أدرك طرفاً من علم اللَّه ، لهان أمامه ما يعرف ، ولعدّه من الوهم الذي يجب القضاء عليه . 

( 2866 ) لو أن كيان الإنسان المادي ( الجسم ) تحطم ، ما أصاب حقيقته وجوهره ضرّ من جراء ذلك . بل ربما ازدادت روحه كمالًا لخلاصها من الجسد . 

( 2867 ) إذا تحطم الجسم بقيت الروح سالمة وألم تخسر شيئاً من جوهرها ، فهي ليست كالماء الذي يراق إذا انكسر وعاؤه ، بل إن جوهرها يزداد نقاء بخلاصها من الجسد . 

( 2871 ) لقد أصبحتَ غير قادر على التحليق في أجواء الروح ، لأنك أغرقت نفسك في لذّات الحس ، فأصبح جناح فكرك مثقلًا بالمادة ، غير قادر على حملك إلى تلك الأجواء الروحية العليا .

“ 576 “

( 2873 ) من عود نفسه على الإسراف في الطعام والشراب ، أصبح نهما ، ونمت فيه غرائز الحيوانية ، فلا يكاد يطيق الجوع ، وحين يشعر به ، يصير مثل الكلب الضاري . 

( 2874 ) الصورة المقابلة للجائع النهم ، هي صورة ذلك الآكل النهم . 
الذي يسرف في تناول الطعام ، فيصل به الإسراف إلى مدى يجعله كالميت ، لا قدرة له على الحراك . 

( 2875 ) كيف ينفسح مجال التأمل الروحي أمام إنسان يقضي وقته بين التلهف على الطعام وبين معاناة التخمة ؟ 

( 2876 ) من المعروف أن كلب الصيد - إذا شبع - لا ينطلق وراء الفريسة ، ويصبح كسولا متراخيا . والجسد - بالنسبة للروح - بمنزلة الكلب للصائد ، فالروح تسعى للسيطرة على الجسد ، وتدفعه للسير في دربها . ولو أن الجسد اندفع في طريق الشهوات ، لا ستسلم للذات الحس ، ولم يعد للروح سلطان عليه . 
وقد شبّه الشاعر للجسم بالكلب في موضع مقبل من المثنوي . 
قال في البيت رقم 3021 : 
“ والروح قد صارت الآن رفيقة للجسم ، ( وبذلك ) صار الكلب حارساً للباب برهة من الزمان “ . 

( 2882 ) يشير الشاعر بهذا إلى شطحات الصوفية . وهذه الشطحات يعدها أعداء الصوفية كفراً . أما الصوفية أنفسهم فيقولون إنها تدل على عمق الإيمان ، ويؤوّلونها بصرفها عن معانيها المباشرة إلى معان أخرى . 
وقد نسب إلى مشاهير الصوفية - وبخاصة من يُعرفون منهم بأهل السكر - كثير من هذه الشطحات . وفي كتاب اللمع للسراج باب كامل عن هذا الموضوع ، تناول فيه “ تفسير الشطحيات والكلمات التي ظاهرها مستشنع وباطنها صحيح مستقيم “ ( ص 453 ) . وقد تناول الغزالي موضوع الشطح في كتاباته وحمل عليه في الإحياء ( ج 1 ، ص 36 - 38 ) . ولكنه عاد فأبدى

“ 577 “

شيئاً من تقبله على سبيل التأويل ، وبخاصة ما نُسب منه إلى بعض مشهوري الصوفية الذين لا يشك في صدق إيمانهم . 
وقد عرف السرّاج الشطح بقوله : “ معناه عبارة مستغربة في وصف وجد فاض بقوته ، وهاج بشدة غليانه وغلبته “ . ( اللمع ، ص 453 ) . 

أما الغزالي - وهو من منكريه - فيصنفه إلى نوعين : “ أحدهما الدعاوى الطويلة العريضة في العشق مع اللَّه ، والوصال المعني عن الأعمال الظاهرة ، حتى ينتهي قوم إلى دعوى الاتحاد ، وارتفاع الحجاب ، والمشاهدة بالرؤية ، والمشافهة بالخطاب . . . 
والصنف الثاني من الشطح كلمات غير مفهومة ، لها ظواهر رائفة ، وفيها عبارات هائلة ، وليس وراءها طائل ، إما أن تكون غير مفهومة عند قائلها ، بل يصدرها عن خبط في عقله وتشويش في خياله ، وإما أن تكون مفهومة له ، ولكنه لا يقدر على تفهيمها وإيرادها بعبارة على ضميره ، لقلة ممارسته للعلم ، وعدم تعلمه طريق التعبير عن المعاني . . . “ ( إحياء علوم الدين ج 1 ، ص 36 ) . 

لكن الغزالي عاد فغير موقفه بعض الشيء إزاء بعض هؤلاء الصوفية الذين نسبت إليهم الشطحات ، وعُدّت من الفكر . وقد سبق أن نقلنا نصاً يبين ذلك قال فيه : “ العارفون - بعد العروج إلى سماء الحقيقة - اتفقوا على أنهم لم يروا في الوجود إلا الواحد الحق . لكن منهم من كان له هذه الحال عرفاناً علمياً ، ومنهم من صار له ذلك حالًا ذوقياً . وانتفت عنهم الكثيرة بالكلية ، واستغرقوا بالفرد انية المحضة . . . ولم يبق فيهم متسع ، لا لذكر غير اللَّه ولا لذكر أنفسهم أيضاً ، فلم يكن عندهم إلا اللَّه ، فكسروا سكراً دفع دونه سلطان عقولهم ، فقال أحدهم : 
“ أنا الحق “ ، وقال الآخر : “ سبحاني ، ما أعظم شاني “ ! ( مشكاة الأنوار ص 57 ) . 

( 2887 ) الشطح الذي ينطق به الصوفي المؤمن ، قد يبدو خروجاً على الدين لمن لا يفهم مغزاها . لكنه - وقد صدر عن قلب مؤمن ، لا يمكن إلا أن يكون إيماناً . فالسكر لو جُعل على صورة الخبز لا يغير ذلك من مذاقه . 
وكذلك أقوال هؤلاء ، لو فُهمت على خلاف ما يُتوقع من الصالحين ، فما هذا
 
“ 578 “

إلا لخطأ في فهم مغزاها “ . 

( 2888 - 2890 ) يهاجم الشاعر بهذه الأبيات الشكل الظاهري الذي يستعبد أصحابه ، ويصرفهم عن الجوهر . فهؤلاء الصوفية الزهاد رُموا بالكفر ولم يُنظر في ذلك إلى حقيقة حالهم ، بل حُكم عليهم بناء على عبارات تفوهوا بها . فهذا الخضوع للشكل دون الجوهر عبادة للصورة . وينبغي على المرشد أن يخلص الناس من ذلك . فالأولى أن تحطم الصورة ، حتى لا تحجب الجوهر ، وتخفي حقيقته عن الناس . 

( 2892 ) أعتقد أن الشاعر لا يزال هنا يدافع عن الصوفية الذين رُموا بالكفر لعبارة تفوهوا بها . فقد نُسيت حقيقتهم وأُدينوا بكلمات . وشبيه بذلك إحراق بساط لأن برغوثاً علق به ، أو إضاعة يوم في مطاردة بعوضة ، ونراه في الأبيات التالية ينتقد أسارى الشكليات الذين يحكمون بظاهر الحال ، لا بحقيقته . 

( 2894 - 2896 ) هذه الأبيات يمكن أن تُمثل دعوة حارة لنبذ العنصرية التي تفرق بين الناس على أساس اللون . فاللون ليس سوى مظهر شكلي لا قيمة له ، ويجب أن يكون الاعتبار في الحكم على الأفراد لحقيقتهم وجوهرهم . 

( 2897 ) يقصد بالحكاية هنا حكاية الأعرابي وامرأته . 

( 2898 ) المعاني التي ترمز لها القصة قديمة قدم الأزل ، باقية بقاء الأبد . 
وهذه المعاني هي الصراع بين العقل والنفس ، وحنين الأرواح إلى خالقها . 
وقد ذكر الشاعر صراحة في البيت 2903 أن الزوج في القصة رمز للعقل وأما المرأة فرمز للحرص والطمع . 

( 2899 ) إنها كقطرة الماء ، لا تعرف لها بداية أو نهاية . أو كالدائرة ، لا يعرف من أين تبدأ أو أين تنتهي . 

( 2901 ) هذا البيت قريب المعنى من قول الشاعر في بيت سابق ( رقم 133 ) : 
“ الصوفي ابن الوقت أيها الرفيق “ . انظر التعليق على هذا البيت . 

( 2904 - 2906 ) لما كان الانسان قد صدر عن اللَّه ، واللَّه قد خلقه علم

“ 579 “

صورته ، فلماذا هذا التضاد في ذات الفرد الواحد ، ذلك التضاد الذي يتمثل في صراع النفس والعقل ، أو الجسم والروح ؟ ولماذا هذا التضاد بين أفراد النوع البشري ؟ 
إن الشاعر يجيب عن ذلك بقوله إن هذا التضاد نشأ لأن للكل أجزاء متنوعة . وليس قوله “ إن للكل أجزاء متنوعة “ يعني أن الخالق يقبل التجزئة وإنما الأجزاء هنا تعبير عن الصفات المختلفة ، والتجليات المتنوعة . فهذه التجليات المتنوعة ليست متصلة به اتصال الجزء بالكل . فهي ليست مثل عبير الوردة الذي هو جزء من الوردة ، ولا مثل شد والقمري الذي هو جزء من القمري . إن صفات الخالق قد يضاد بعضها بعضاً ، كالرحمة والرضى ، والسخط والغضب . 
فصفات اللَّه وأسماؤه يختلف بعضها عن البعض الآخر . وهكذا مظاهر تجلياته . 
ومع أن كل شيء قد صدر عنه ومآله في النهاية إليه ، إلا أن هذا لا ينفي أن يقع التنوع بين الأشياء ، المؤدي إلى تضادها . 
ومما يساعد على هذا الفهم نظرية ابن العربي في صفات اللَّه وأسمائه ، ويرى أن كل اسم من الأسماء ، وكل صفة من الصفات له مدلوله الخاص القائم بذاته . يقول : 
“ فهذه مفاضلة في الصفات الإلهية ، وكمال تعلق الإرادة وفضلها وزيادتها على تعلق القدرة . وكذلك السمع والبصر الإلهي . وجميع الأسماء الإلهية على درجات في تفاضل بعضها على بعض “ . ( فصوص الحكم ، ج 1 ، ص 153 ) . 

( 2908 ) فإن غمضت عليك الحقيقة ، وأحسست بالحرج ، فاصبر فلعل اللَّه يكشف لك السر الذي غمض عليك . 

( 2909 ) إن الأفكار تصطرع في القلوب ، ويفترس بعضها بعضا ، فهي تلعب دور الأسد وحمار الوحش . وأما القلوب فهي شبيهة بالآجام . 

( 2911 ) وما دامت هذه الأفكار والوساوس مصدر قلق لك ، فأقلع عنها واصرفها من قلبك . وليكن لك احتماء منها كاحتماء المريض من الطعام . 

( 2912 ) فليكن قلبك مستعماً إليَّ كأنه أذن ، حتى أُلقي إليك بحكمة روحية غالية كريمة الجوهر “ .

“ 580 “

( 2913 ) قول الشاعر : “ تصبح قرطاً في أُذن القمر الصائغ “ معناه “ تصبح رفيع المكانة عند العارف المستنير “ . 

( 2919 - 2920 ) من ساءت فعاله في الدنيا ، لا يريد يوماً تُكشف فيه السرائر ، بل يتمنى لو خلد في هذه الدنيا . فهو كالأسود القبيح الوجه ، الذي لا يطيق النهار لأنه يكشف قبحه ، أو كالشوك الذي يبقى مزدهراً وحده في الخريف ، فيتمنى لو دام الخريف ، لأن الربيع - الذي يحفل بالأزهار والورود - يظهر ما كان خافياً من قبحه إبان الخريف . 

( 2921 ) أما الورود والأزهار فالربيع حبيب إليها لأنه يحييها ، ويبرز جمالها . وكذلك العالم الآخر حبيب إلى الأرواح الطاهرة التي تجملت بحسن الفعال ، وأشرقت بالحبة والصفاء . 

( 2922 ) أبناء الدنيا المنعمون فيها ، المغرورون بها ، يودون البقاء في هذه الدنيا ، وهم فيها يتيهون على من زهدوا في متعها وانصرفوا عنها . 

( 2923 ) ومثل الحياة الدنيا كمثل الخريف ، يزدهر فيه الشوك ويحتجب الورد . فيظهر الشوك وكأنه الخضرة الوحيدة التي تزين الأرض ويكون غياب الورد سببا في خفاء قبح الشوك على من كان غير خبير بالورد والأشواك . 

( 2925 ) وليس ينفع الشوك أنه يخدع كثرة الناس في الخريف ، بازدهاره وحده ، فهناك شخص واحد يدرك قبحه حتى في الخريف ، لأنه يعرف جمال الورود ، ولو كانت مختفية عن الأبصار . ذلك هو الإنسان الذي بلغ درجة عالية من العرفان الروحي . 

وإدراك هذا الواحد خير من إدراك الدنيا كلها ، وتمييزه أهم من تمييز كافة أبنائها . والذين تعلقوا بالدنيا ، وتاهوا بأبهتها ورونقها ، يمكنهم أن يخدعوا آلاف الناس بهذا الرونق ، ويستولوا على إعجابهم ، ولكنهم لا يستطيعون خداع خبير برونق هذه الدنيا ، يدرك حقيقته ، ويعرف

“ 581 “

قميته ، لو قيس بما للعالم الروحي من رونق وبهاء . 

( 2926 ) هذا البيت غامض المعنى . ويمكن أن يخضع لتأويلات متعددة . وأعتقد أن أقرب تفسير له هو أن الشاعر يستدرك على ما قاله في البيت السابق : “ إن البستانيّ وحده هو القادر على إدراك القيمة الحقيقة للشوك حتى في الخريف “ ، فيقول في هذا البيت : “ ولو أن العالم اقتصر الإدراك السليم فيه على شخص واحد لكان عالما أبله “ . فالعارف يتلاقى مع أمثاله من العارفين ، وهؤلاء معا يتعاونون في كشف الحقائق ، وكلهم يستمدون نور العرفان من الحقيقة العليا . إنهم كالنجوم ، يُلقي كل منها بضوئه مع وجود القمر المنر الذي يكشف الظلمات . ولعلّ في هذا البيت استيحاء للحديث الذي يروي عن الرسول قوله : “ أصحابي كالنجوم ، بأيّهم اقتديتم اهتديتم “ . فالرسول - في هدايته - كالقمر . والعارفون من أصحابه كالنجوم ، يحمل كل منهم قبسا من نوره . أما المشكلة الفكلية التي يثيرها قوله : “ إن كل نجم من النجوم جزء من القمر “ ، فهي مما لا يحاسب عليه الشاعر وفقا لمعارفنا الحديثة . 

( 2927 - 2933 ) يتحدث الشاعر في هذه الأبيات - بصورة رمزية - عن عالم الروح ، وما ينتظر الإنسان فيه بعد الموت . 

( 2927 ) كلّ روح طاهرة نقية تستبشر بالانتقال إلى عالمها ، وترى أن حياتها هناك شبيهة بحياة الورود في ظل الربيع . 

( 2928 ) طالما بقيت البراعم مزدهرة فلا ثمار . وطالما بقيت الأجساد مزدهرة منطوية على الأرواح فهناك جمود لهذه الأرواح ، يمنعها من بلوغ غاية نضجها ، وهو ما يتحقق لها حين تنطلق من الجسم إلى عالم الروح . 

( 2929 ) في هذا البيت توضيح للرمز في البيت السابق . فالبراعم رمز للأجساد . والثمار رمز للأرواح . والأرواح تنطلق من الأجساد كما تنبثق الثمار من البراعم . فلا انبثاق للثمار ما لم تسقط البراعم . . . ولا انطلاق للأرواح ما لم تفن الأجساد .

“ 582 “

( 2930 ) البراعم هي الصورة ومعناها الحقيقي هو الإثمار . فهي - في ذاتها - لا قيمة لها ، ولكن قيمتها بمعناها . وحياة الجسد في هذه الدنيا ليست إلا بشرى بما يعقبها من نعمة كبرى هي حياة الروح في عالمها ، بعد انقصالها عن الجسد . 

( 2932 ) الخبز الذي لم يكسر “ رمز للجسد الذي بقي متماسكاً ( على افتراض إمكان ذلك لمن يحرصون عليه ) . فالخبز الذي يُكسر ، يؤكل ويتحول في جسم الكائن الحيّ إلى طاقة تهبه القوة . والجسم الذي يتحطم يجعل الإنسان روحاً قوياً منطلقاً . والعنب في عناقيده ، لا يصير نبيذاً ، ولكنه يصبح كذلك حين تعصر هذه العناقيد ، وهكذا الروح لا تتحق لها نشوتها إلا بعد خلاصها من الجسم . 

( 2935 ) رقة الجسم لا تقف حائلًا دون قوة الروح . 

( 2940 ) إنه شيخ بما حققه من عرفان لا بما مرّ عليه من سنين “ . 
فهو قد حصل من الحكمة والعرفان ما لا يتحقق إلا للشيوخ الحكماء . 

( 2941 ) “ لقد بلغ درجة من العرفان ألهمه اللَّه ، إيّاها ، فتحققت له هذه المكانة الروحية من غير أن يضيع السنين في تحصليها . وقد أفاض اللَّه عليه من فيض علمه ما لا أوّل له ولا آخر “ . 

( 2946 ) الغول من الكائنات الخرافية ، التي تذكر الأساطير العربية أنها كانت تعترض سبيل المسافرين في البيداء ، وتضلّهم عن الطريق . 
يقول المسعودي : “ ويزعمون أن رجليها رجلا عنز ، وكانوا إذا اعترضتهم الغول في الفيافي يرتجزون ويقولون :
يا رجل عنز انهقي نهيقا * لن نترك السبسب والطريقا 
وذلك أنها كانت تتراءى لهم في الليالي وأوقات الخلوات ، فيتوهمون أنها إنسان فيتبعونها ، فتزيلهم عن الطريق التي هم عليها ، وتتيههم . 
وكان ذلك قد اشتهر عندهم وعرفوه ، فلم يكونوا يزولون عما كانوا عليه من القصد . وكانت العرب قبل الإسلام تزعم أن الغيلان توقد

“ 583 “

بالليل النيران للعبث والتحبّل ، واختلال السابلة . . “ ( مروج الذهب ، ج 2 ، ص 155 ، 157 ) . 
والغول في هذا البيت ، والبيت الذي يليه رمز لشهوات الحسّ التي تضلّ الروح ، وتنحرف بها عن قصد السبيل . 

( 2950 ) اعتبر بمن اتبعوا شهوات الحس فهلكوا ، ولا تسلم نفسك لشهواتك ورغابك الحسيّة ، حتى لا تقودك إلى ذات السبيل التي سلكها هؤلاء الهالكون “ . 

( 2951 ) قوله : “ بل أمسك برقبة حمارك “ ، معناه “ سيطر على جسدك ، ولا تسلم قيادك لشهواتك الحسيّة “ . 

( 2954 ) يستخدم الحمار هنا رمزاً للنفس الحسيّة ، التي تعشق اللذات ، وتندفع وراء الشهوات . 

( 2955 ) إذا لم تكن من العارفين المدركين لطريق الروح ، فافعل عكس ما تطلبه نفسك الحسية ، وإذ ذاك تكون ممن لزموا قصد السبيل “ . 

( 2956 ) يشير في هذا البيت إلى حديث الرسول المتعلق بمشاورة النساء ، وفيه يقول : “ شاوروهن وخالفوهن “ . وفي قصة الأعرابي وزوجه جعل الشاعر المرأة رمزاً للنفس الحسيّة . فكأن الشاعر يدعو إلى مشاورة النفس ، مع عدم الالتزام بما تشير به . وقوله هذا يحمل ذات المعنى الذي يرمز إليه قوله : “ فافعل عكس ما يريده الحمار “ . حيث اتخذ الحمار رمزاً للنفس الحسيّة . ( انظر التعليق على البيت 2955 ) . 

( 2957 ) قال تعالى :” يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ “. ( سورة ص ، 38 : 26 ) . 

( 2967 ) العدّو الذي يعاند في الخفاء “ هو النفس الحسيّة التي تصرف

“ 584 “

الإنسان عن سبيل الروح . 
( 2969 )  قصة موسى مع الخضر وردت في تفسير آيات من القرآن الكريم ( سورة الكهف ، 18 : 65 - 82 ) . 
والخضر لم يذكر بالاسم في هذه الآيات ، لكنه ذكر في التفسير ، حيث قيل إنه هو العبد المقصود من قوله تعالى :” فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً “. ( 18 : 65 ) وقد ذكر الثعلبي قصة موسى مع الخضر بكثير من التفصيل . ( قصص الأنبياء ، ص 238 - 253 ) . 

( 2971 ) من العجائب التي صنعها الخضر أمام موسى أنه خرق إحدى السفن وقتل غلاماً . وكان ذلك لحكم خفيت على موسى فأخذ يسائله ويحاوره ، ولم يصبر - كما أمره الخضر - عن السؤال والاستفسار ، مما جعل الخضر يبوح له بتأويل أفعاله ثم يفارقه . 
قال تعالى :” فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً . قالَ أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً . قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً . فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ ، قالَ أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً . قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً “. 
( 18 : 71 - 75 ) . 

( 2973 ) الطفل هنا رمز للمريد المبتدىء ، الذي يكون خاضعاً لغرائزه كالأطفال . والمرشد يعمل على تخليصه من الأهواء ، فيقتل في المريد نزوات الجسد وأهواءه ، ويجيي بذلك روحه . وحياة الروح هي الحياة الخالدة . 

( 2974 ) من لم يتعلم من المرشد تعلماً مباشراً ، وإنما يجتهد وحده في سلوك سبيل الروح ، قد يصل إلى غايته بعون المرشدين ، الذين يمثلون القدوة . وهؤلاء يتوجون بقلوبهم إلى اللَّه ليسدّد خطى البشرية ، وبدعائهم يتحقق الهدى للساعين إليه .

“ 585 “

( 2976 ) “ إذا كان المرشدون يمتدّ أثرهم على هذا النحو إلى من لم يرتبطوا بهم ويأخذوا عنهم ، فما بذلك بمن لزموهم ، واختاروا الخضوع لإرشادهم وتعليمهم ؟ “ . 

( 2978 ) “ وأين من يكون بعيداً عنهم منهم ظفر بالقرب منهم ، ومثل بخدمتهم ؟ “ . 

( 2980 ) من أجل بلوغ حالة الصفاء الروحي يجب أن يكون المريد قوي التحمل ، لا ترهقه الآلام الحسية . فالمريد كالمرآة ، وهذه لا تبلغ حالة الصفاء إلا بعد أن يتلقى حديدها كثيراً من ضربات المطارق . وقد ذكر الشاعر بعد هذا البيت قصة تحت على الجلد ، وتدعوا إلى تحمل الآلام في سبيل الهدف المنشود .

[ شرح من بيت 3000 إلى 3150 ] 
( 3009 ) “ علم التوحيد “ يطلق على الدراسات التي تتعلق بذات اللَّه وصفاته ، وما يرتبط بها من الموضوعات . ويسمى هذا العلم أيضاً “ علم الكلام “ . والصوفية لا يميلون إلى هذا النوع من البحث الذي يثيره المتكلمون . والشاعر هنا يقول : إن علم التوحيد ينبغي أن يكون هو العلم الذي يبيّن للإنسان كيف يفني ذاته أمام خالقه . 

( 3012 ) قول الشاعر : “ وما كل هذا الخراب . . . “ معناه : “ وما كل هذا الضلال والخطأ إلا من تأكيد الإنسان لذاته وجوداً منفصلًا عن خالقه “ . والقصة التي تلي هذا البيت تبيّن - بأسلوب رمزي - وخامة الاعتداد بالذات والأنالية أمام الخالق . 

.
الشروح والدراسات المثنوي المعنوي مجمعة الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3013 - 3379 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالثلاثاء أغسطس 25, 2020 7:48 am

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3013 - 3379 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3013 - 3379 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3013 - 3379  .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3013 - 3379

شرح كيف توجه الذئب والثعلب إلى الصيد في معيّة الأسد
( 3013 ) هذه القصة التي يقصها الشاعر في الأبيات التالية من القصص المعروفة . لكن الشاعر أضفى عليها مغزى صوفياً جعلها تتخذ طابعاً مختلفاً ، وتعبّر عن معانية الصوفية بصورة رائعة . وممن ذكر هذه القصة أبو الفرج بن الجوزي . قال : “ زعموا أن أسداً وثعلباً وذئباً اصطحبوا فخرجوا يتصيدون ، فصادوا حماراً وظبياً وأرنباً . فقال الأسد للذئب : 
اقسم بيننا صيدنا . فقال : الأمر أبين من ذلك ، الحمار لك ، والأرنب
 
“ 586 “

لأبي معاوية ، والظبي لي . فخبطه الأسد فأطاح رأسه . ثم أقبل على الثعلب ، وقال : قاتله اللَّه ! ما أجهله بالقسمة ! هات أنت يا أبا معاوية : فقال الثعلب : يا أبا الحارث ! الأمر أوضح من ذلك : الحمار لغدائك ، والظبي لعشائك ، والأرنب فيما بين ذلك . فقال الأسد : قاتلك اللَّه ! ما أقضاك ! من علمك هذه الأقضية ؟ قال : رأس الذئب الطائح عن جثته “ . 
والشاعر قد صرف هذه القصة عن معناها الظاهر وأضفى عليها مغزى صوفياً . 

( 3029 ) الاستقامة ، لا تقف عند حدّ الأعمال ، ولكن لا بدّ من نقاء الكفر ، وصفاء الروح . 

( 3035 ) كيف يظن الإنسان باللَّه ظنّ السوء مع أنه هو الذي وهبه الصورة والفكر ؟ 

( 3040 ) الجاهل ينخدع بكثيرة ماله فيظن ذلك من علامات رضى اللَّه عنه . 

( 3050 - 3051 ) في هذين البيتين يتضح مغزى القصة . فوجود الإنسان يجب أن ينتفي أمام الخالق . 

( 3052 ) السبيل الوحيد للبقاء هو الفناء في اللَّه . فمن فني في اللَّه تحقق له البقاء . وقد قال تعالى :” كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ “. فليس لأحد سبيل إلى البقاء إلا إذا كان ضمن هذا الوجه . 

( 3053 ) من تحقق له الفناء في اللَّه فهو ليس من الهالكين ، لأنه يصبح حياً باقياً خالداً . 

( 3054 ) قوله : “ فإنه قد أصبح ضمن إلا . . . “ معناه : “ أصبح ممن ينطبق عليهم الاستثناء من الهلاك ، الذي أخبر به اللَّه في قوله :” كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ “، وبهذا يخلص من الهلاك ، ويتحقق له البقاء “ . 

( 3055 ) “ أما كل من يقصد باب اللَّه ، بدون أن يتخلى عن اعتداده بذاته

“ 587 “

الإنسانية ، فإن هذا الاعتداده لا يجديه نفعاً ، لأن مثله لا يقبل ، فيكون جزاؤه الفناء المحقق . 

( 3063 ) هذه القصة تدور حول معنى القول الصوفي المشهور :أنا من أهوى ومن أهوى أنا * نحن روحان حللنا بدنا 
فإذا أبصرتني أبصرته * وإذا أبصرته أبصرتنا

( 3064 ) من سعى إلى الاتحاد وهو محتفظ بأنانيته ، مؤكد ذاتيته ، شبيه بخيط مزدوج يراد إدخاله في سم الخياط . العشق وحده هو سبيل الاتحاد ، وليس العشق مصحوباً بالأنانية . 

( 3065 ) في البيت اقتباس من قوله تعالى :” إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ “. ( الأعراف 7 : 40 ) . 

( 3066 ) القوة الحسية الطاغية ، التي تحجب الروح ، لا يمكن التخلص من طغيانها بدون الرياضات ، والسعي الحثيت لإخضاعها ، وبذلك يتوصل الإنسان للسيطرة عليها . 

( 3069 ) إشارة إلى معجزات جرت على يد المسيح ، بقدرة اللَّه ، فاستعظمها الناس مع أنها ليست سوى أُمور يسيرة بالقياس إلى إمكانات القدرة الإلهية . وقد جاء في القرآن الكريم أن عيسى قال :” وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ “. ( آل عمران ، 3 : 49 ) . 

( 3078 - 3080 ) إن ارتباط روحين مؤمنين يجعل منهما وحدة متماسكة ، فالكاف والنون ( الحرفان اللذان يتكون منهما الفعل الذي ينطق به الخالق عند إرادة الخلق ) ، حينما يرتبطان يصبحان وحدة ، يكون أثرها انتقال الكائنات من عالم الإمكان إلى عالم الوجود . فكأن هذه الكلمة وهق جذب هذه الكائنات وأدخلها عالم الخطوب ، وهو العالم الدنيوي الحافل بمختلف أنواع الصراع . وهذا الوهق المعنوي الذي يجذب المخلوقات من عالم الإمكان إلى عالم الوجود شبيه بالوهق الحسي ( وهو عبارة عن حبل مزدوج يطرح على الحيوان الشارد ،

“ 588 “

للإمساك به ) . ومع أن الوهق حبل مزدوج إلا أنه يؤدي عملًا واحداً . 

( 3087 - 3090 ) انتقل الشاعر هنا إلى تنبيه مستمعيه إلى وجوب اليقظة لاستماع أقواله والتنبيه لمعانيها . وقد شبه اللسان الناطق بالحكمة الروحية بحجر الطاحون . فهذا اللسان ينطق بحكمة أوحى بها العقل الكلي . وماء النهر هنا رمز للعقل الكلي . فهذا الماء يدخل في الطاحون ليحركه وكذلك العقل الكلي يُنطق اللسان . ودوران الطاحون يهييء الغذاء الحسي ، أما نطق اللسان بالحكمة فهو وسيلة لإمداد الناس بغداء روحي . وكما أن مرور ماء النهر بالطاحون لمصلحة خاصة ، هي إدراة الطاحون وإنتاج الدقيق ، فكذلك مرور الحكمة العلوية على اللسان ، الهدف منه تيسير هذه الحكمة الروحية لمن لا سبيل لهم إليها . 
ولولا هذه المصلحة لكان الطبيعي أن يجري ماء النهر في النهر لا في الطاحون ، وأن تظل الحكمة الروحية كامنة في العقل الكلي ، لا جارية على اللسان . فإذا لم يتنبه أصحاب الطاحون لإدارته ، بل غفوا عنه ، فلا سبيل لمرور ماء النهر فيه . 
وكذلك إذا لم يلتمس الناس الحكمة الروحية من المرشدين ، ولم يوجد من يستمع إليها ، فلا سبيل إلى جريانها على اللسان . لقد أُجريت على اللسان من أجل الحريصين عليها من طلابها ، وإلا فإنها تبقى في مجراها الأصلي حيث كنوز الحكمة الروحية المكنونة ، في عالمها المنفصل عن عالم الحس . 

( 3091 ) حديث الحكمة الروحية ، له عالمه الروحي المجرد ، بما يشيع فيه من جمال وبهاء ، وهناك ينطلق هذا الحديث من غير أن تكبله الحروف والأصوات ، ويُستوَعبُ بدون جاجة إلى شرح ولا تكرار ، لأنه هناك لغة مفهومة واضحة . 

( 3092 - 3093 ) يا إلهي ، أظهر للروح ذلك العالم الروحي الذي احتجب عنها أثناء مقامها في هذه الدنيا . فهناك الكلام المطلق ، الذي تجرّد من الحرف والصوت . فالروح حين تشهد مباهج هذا العالم لن تتوانى عن السعي إلى رحابه . 

( 3094 ) عالم الروح ممتد واسع الأرجاء ، ومنه يغتذي خيالنا ، حين ينطلق إلى رحابه ، وهناك يخلص من قيود الواقع الحسي . وكذلك يُستمد منه

“ 589 “

وجودنا ، لأن الروح صادرة عن ، وهي التي تشكل وجودنا الحقيقي . 
( 3095 ) الخيال أضيق من عالم الروح . ومن جرّاء هذا الضيق الذي يعانيه يكون الخيال مسبباً للهموم والأحزان . وضيق الخيال ناشىء من أن الواقع المحسوس يقيده بصوره وتجاربه فيحد من انطلاقه . 

( 3096 ) عالم الوجود الممكن أضيق من عالم الغيب المجرّد . ولهذا يعتري النقص بعض إمكاناته . ويكون ما يتحقق منه في الوجود المحسوس أقل مثالية مما يمكن أن يتصور . 

( 3097 ) أما الوجود المادي المحسوس فهو أضيق من الوجود الممكن . 
وهو - في نظر الشاعر - لا يعدو أن يكون سجناً ضيقاً . وقد صور الشاعر هذه المعاني بأسلوب رائع في الأبيات التالية : 
لو أن إنساناً قال الجنين في الرحم : “ إن خارج هذا المكان عالماً بديع التنسيق : 
أرضاً بديعة ذات عرض وطول ، حافلة بالعنم والكثير من المآل ! وجبالًا وبحاراً وسهولًا ، وبساتين عطرة وحدائق ، وحقولًا حافلة بالغراس ! وسماء عالية مشرقة بالضياء ، وشمساً وقمراً وكثيراً ومن النجوم ! عجائبها لا يحيطبها الوصف . فلماذا أنت في هذه الظلمة أسيرُ للمحن ؟ 
تحتسي الدماء وقد صُلبت في هذا المكان الضيق ، يرهقك الحبس والنجس والعناء ! “ لكان الجنين - بحكم طبيعته - منكراً هذا القول ، معرضاً عن هذا الحديث ، كافراً به . 

فعنده أن هذا الحديث محال وخداع وغرور ، ذلك لأن الأعمى لا خيال له ! وفي عالمنا هذا حين يتحدث العارفون إلى عامة الخلق قائلين :
 
“ 590 “

إن هذا العالم بئر شديد الظلمة والضيق ، ولكن خارجه عالماً خلا من اللون والرائحة . 
لا يصغي إليهم الجهلاء . فإن الطمع يقف أمامهم سداً منيعاً هائلًا ، كالجنين الذي كان حرصه على الدماء التي يغتذي بها في مقره الخسيس ، حجاباً له عن إدراك العالم الخارجي ، لأنه لم يعرف غذاء سوى الدماء “ .  (المثنوي ، ج 3 ، 53 - 68 ) . 

( 3100 ) إن أمر “ كن “ لا يعدو أن يكون فعلًا ، من الناحية الفظية ، لكنه - مع ذلك - يعني قدرة اللَّه الخالقة . فهذا الفعل المكون من حرفين وسع من المعنى مالا يحد . 

( 3120 ) إشارة إلى الحديث الذي ينسب إلى الرسول قوله : “ أُمتي هذه أُمة ، مرحومة ، ليس عليها عذاب في الآخرة “ . 

( 3124 ) “ إنني في الظاهر لا أختلف عن أي إنسان فانٍ ، لكني أستند إلى قوة اللَّه الذي اختارني وبعثني رسولًا “ . 

( 3125 ) يشير الشاعر هنا إلى مفهوم الحديث القدسي الذي يروي عن الخالق تعالى قوله : “ ما تقرب إليّ عبدي بمثل أداء فرائضي ، وإن عبدي ليتقرّب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحبيته كنت سمعه الذي به يسمع ، وبصره الذي به يبصر ، ويده التي بها يبطش ، ورجله التي بها يمشي ، ولسانه الذي به ينطق ، وفؤاده الذي به يعقل “ . وهو حديث كثير الورود في كتب الصوفية ويروي بأسانيد مختلفة . انظر : 
( الترمذي : الرياضة ، ص 110 ) - ( السراج : اللمع ص 463 ) - ( ابن العربي ، فصوص ، ص 107 ) . وقد سبق أن ذكرنا هذا الحديث بصورة تختلف قليلًا عن هذه الرواية . ( انظر نص الترجمة ، رقم 1937 وحاشيته ) . 

( 3126 ) وما دمت قد تخليت عن ذاتي ، وأصبحت ناطقاً بأمر اللَّه فكل من حاربني فقد حارب اللَّه “ .

“ 591 “

( 3127 ) إن قوة إلهيّة قد احتجبت وراء هذا المظهر البشري المتواضع . 

( 3128 ) لكي يستطيع الإنسان أن يدرك رسالات اللَّه ، لا بدّ له أن يصدق جملة هذه الرسالات . فهذا التصديق مقدّمة لا بدّ منها لسماع كلمات اللَّه . 

( 3129 ) ولو لم يكن نوح منطوياً على قوة هائلة ، أيده بها الخالق ، لما استطاع بدعائه أن يغرق العالم بطوفانه . 

( 3131 ) لما لم يراع له الناس ما هو أهل له من الطاعة ، سلط عليهم الطوفان الذي أغرقهم . “ والعشر “ المذكور في البيت هو الخراج الذي كان يُجبي لبيت المال على نوع من الأراضي الزراعية . وكذلك على الواردات من بضاعة غير المسلمين ويرمز بالعشر هنا إلى ما كان لنوح من حق على الناس . 

( 3137 ) “ تخوا في حضرته عن شهوات الحس ، ودعوا طباع الثعالب كما ضع ذلك الثعلبب المذكور في القصة السالفة “ . 

( 3146 ) الإنسان الكامل الذي صفا قلبه من الصور الحسية ، وتوجه بروحه إلى عالم الغيب ، يصبح وكأنه مرآة تنعكس عليها صور الغيب . 

( 3148 ) ذلك الإنسان الكامل نافذ البصيرة ، وهو ببصيرته النافذة قادر على أن يميز الزهد الصادق من الرياء .

[ شرح من بيت 3150 إلى 3300 ] 
( 3151 ) القلب موطن الشجاعة ، وهو في الجانب الأيسر من الصدر ، لهذا كان الملوك يوقفون الأبطال عن يسارهم . 

( 3153 ) قوله : “ ذلك لأنهم مرآة الروح ، بل ( هم لها ) خير من المرآة “ ، يعني أن الصوفية لا يقف أثرهم عند بيان حقيقة الروح ، بل هم يعملون على صقلها . 

( 3154 ) “ الصورة البكر “ هي الوحي الأصيل الذي يهبط على قلوبهم .

“ 592 “

( 3155 ) كلّ جميل الروح صافيها يعشق من كان مثله جميل الروح ، فيكون كلّ منهما مرآة يرى صاحبه فيها حقيقة حاله . 

( 3156 ) هذا التعاطف والتلافي بين العارفين ناشىء من أن كلا منهما جميل الروح ، ينشد عند صاحبه مرآة لحقيقة حاله ، كما أنه يشهد من جمال الروح صاحبه ما يزيد روحه صفاء وقربا من اللَّه . 

( 3161 ) مهما آذيت الجسد ، فإن الروح يبقى متعالياً مستعصياً على الأذى . 

( 3163 - 3164 ) إن ما يصيب الظاهر من الأذى لا يغير من الحقيقة والجوهر . 

( 3165 ) فحبّة القمح التي توضع تحت التراب ، ليس يضيرها هذا ، بل إنها تنمو وتصنع من هذا التراب سنابل . 

( 3166 - 3167 ) وتُطحن حبات القمح فتزيد بذلك قيمتها ، إذ تغدو خبزاً يغذي الكاون الحيّ ، ثم يمضع الخبز ، فلا يقضي ذلك على جوهره بل يزداد هذا الجوهر وضوحاً ، إذ يتحول إلى طاقة وحياة في جسم الكائن الحي . 

( 3168 ) والروح لو تلاشت في العشق ، وغُرست في رحابه ، كما تغرس حبة القمح في الأرض ، فإنها تنمو وتزدهر وتصبح كالزرع اليانع الذي يعجب الزراع نباته . 

( 3172 ) اتخذ الشاعر من الهدايا التي يحملها الناس إلى الأصدقاء والأحباء عندما يتوجهون لزيارتهم ، رمزاً للعمل الصالح الذي يحمله المؤمن معه ، ويلاقي به ربه يوم الحشر . 

( 3173 ) “ لقد جئتمونا مجرّدين من الأعمال الصالحة ، ولم تتزودوا للقاء يومكم هذا ، فكأنكم لم تنتفعوا بشيء من حياتكم الدنيوية ، بل خرجتم منها كما دخلتموها ، وجئتمونا على هذا النحو “ . 

( 3175 ) أم أن هذا التراخي من جانبكم ، في القيام بصالح الأعمال

“ 593 “

كان نتيجة الشك في البعث وملاقاة اللَّه “ . 
( 3178 ) إن حياتك ثروة في يديك ، فلا تنفقها كلها في النوم والطعام ، بل اقتصد من هذه الحياة ما تنفق في صالح الأعمال ، فيكون هذا كالهدية ، تحملها إلى اللَّه يوم ملاقاته . 

( 3180 ) “ لا تكثر من الانغماس في خطوب الحياة المادية ، واسكن إلى حياة التأمل والتفكر حتى توهب الحواس المبصرة “ . والجنين في الرحم يكون في الأشهر الأولى ساكنا ، فإذا ما بدأ في الحركة كان ذلك دليلًا على اكتسابه الحواس . 

( 3181 ) أنظر التعليق على البيت 3097 . 
( 3182 ) وردت عبارة :” أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً “ *في عدد من آيات القرآن الكريم . فمما ورد من ذلك قوله تعالى :” إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْقالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها “. ( النساء ، 4 : 97 ) . 
والذين قالوا” أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً “ *، في هذه الآية هم الملائكة . ولعل الشاعر يعني أن الملائكة أشاروا بقولهم” أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً “ *إلى رحاب اللَّه الواسعة التي يدخلها الأولياء . 
ووردت عبارة” أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً “ *في قوله تعالى :” قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ( الزمر ، 39 : 10 ) . 

والقول هنا جاء ضمن خطاب اللَّه لعباده . وتأويل المعنى على طريقة الصوفية هو أن “ الأرض الواسعة “ ، تعني رجاب العالم الروحي الذي لا تحده الحدود ، كما هو الحال بالنسبة للعالم الحسي . 

( 3184 ) المتيقظ لأحوال العالم الحسي حامل أعباء حواسه ، لأن كل جارحة من جوارحه متعلقة بمستلزمات هذا العالم . 

( 3185 ) يقول الشاعر في هذا البيت إن النوم يمثلّ لونا من تذوّق
 
“ 594 “

حياة الروح ، حيث تفلت الأرواح من أسر الجسد ساعة النوم . ولهذا فإن النائم لا يشعر بالآلام التي ترهق حواسه في ساعات اليقظة . يقول الشاعر في أبيات أخرى : 
“ لقد بقيت آلاف السنين أحلق هنا وهناك - بدون مشيئة - مثل ذرات الهواء . 
فإن كنت قد نسيت هذا الزمن وتلك الحال ، فإن رحلتي ساعة النوم تعود بهما إلى ذاكرتي . 
ففي ساعة النوم أنطلق من هذا الصليب ذي الشعب الأربع “ 1 “ ، وأقفز من هذا القيد إلى سهوب الروح الفساح “ . ( المثنوي ج 6 ، 220 - 222 ) . 
وقد عبر الغزالي عن مثل هذا المعنى بقوله : “ وأما انفتاح باب ( القلب ) إلى عالم الملكوت ومطالعة اللوح المحفوظ فتعلمه علماً يقيناً بالتأمل من عجائب الرؤيا واطلاع القلب في النوم على ما سيكون في المستقبل أو كان في الماضي من غير اقتباس من جهة الحواس “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 21 ) . 

( 3188 ) هؤلاء الأولياء تخلّصوا من إرادتهم تخلصاً كاملًا في جيمع أفعالهم ، فلم يبق لهم من محرّك سوى إرادة اللَّه . 

( 3190 - 3191 ) أصبح هؤلاء الأولياء - لفناء إرادتهم في إرادة اللَّه - مجرّد صدى لتلك الإرادة . إن الإرادة الإلهية تتجلى فيهم ، فلا شأن لهم بما يصدر عنهم مما قد يسرّك أو يسوءك ، شأنهم في ذلك شأن صدى الصوت المنعكس فوق الجبل ، يتردّد على هذا النحو أو ذاك من غير أن يكون للجبل دخل فيما يحمله الصدى من المعنى .
............................................................... 
( 1 ) الصليب ذو الشعب الأربع هو وجود الإنسان الحسي ، ويتمثل هذا في جسده المكون من العناصر الأربعة .

“ 595 “

( 3195 ) “ لو أنني قدمت إليك قلبي وروحي لما كان تقديمهما إليك بالأمر الكبير ، فهما لا يعدّان شيئاً إذا قيسا بجمال قلبك وروحك “ . 

( 3201 ) الوجود المقصود هنا هو الوجود الحقّ . ومرآة هذا الوجود ، التي تجلوه وتظهره ، هي العدم . فعليك أن تفنى عن ذاتك الحسية لتصبح مجلى للوجود الحق . ولتكن الهدية التي تتزود بها للقاء الحقّ ، هي أن تلقاه وقد نفيت من روحك كل إحساس بالذاتية . 

( 3202 - 3212 ) يقدم الشاعر هنا نماذج من المتناقضات والأضداد التي يظهر بعضها بعضاً . والفكرة الأساسية التي تدور حولها مظاهر التضادّ - في هذه الأبيات - النقص والكمال . وينطلق الشاعر من هذا إلى القول بأن الإنسان لا يستطيع أن يبلغ الكمال إلا إذا عرف جوانب النقص في ذاته ، وعمل على التخلص منها . وكل من أدرك بحق جوانب النقص ، فإنه لا محالة مندفع في سعيه ، باذل جهده لا ستكمال نفسه . 

( 3213 - 3215 ) من توهم بنفسه الكمال - من غير أن يبذل أي جهد لتحقيق ذلك - فإن هذا يقعده عن السعي نحو خالقه . إن مثل هذا يكون مصاباً بالغرور ، وهذا أكبر علة تحلّ بالروح . وللتخلص من هذه العلة لا بد من الرياضات الكثيرة وإدامة التفكر والحزن ، وغسل العينين والقلب بدموع الندم . 

( 3223 - 3224 ) كثيراً ما ينشغل المرء بماله وبأسبابه الدنيوية عن تأمل حقيقة روحه التي تكون معتلة مريضة . فالمال والمتاع الدنيوي حجب عنه علته الروحية ، كما يحجب الذباب جرحاً عن بصر صاحبه ، فيتوارى قبح الجرح ، لكنه يزداد سوءاً بتراكم الذباب عليه . ومثل هذا العليل بحاجة إلى طبيب روحي هو المرشد الكامل.
 
( 3228 - 3239 ) قصّ الشاعر في هذه الأبيات - حكاية كاتب الوحي


“ 596 “

الذي ارتد لغروره . وقد جعل من هذه الحكاية منطلقاً إلى الحديث عن الغرور وبيان أضراره العظيمة . 
ويروى أن كاتب الوحي الذي ارتدّ هو عبداللَّه بن سعد بن أبي سرح . 
وقد ذكر ذلك البيضاوي في تفسيره لسورة المؤمنين . وتذهب الرواية إلى أن النبي كان يملي آيات من سورة المؤمنين ، هي قوله تعالى :” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ “. ( المؤمنون ، 23 : 12 - 14 ) . 

فنطق كاتب الوحي من تلقاء نفسه ، قبل إملاء النبي :” فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ “. فقال النبي : “ اكتب ، هكذا نزلت “ . فكان أن تولاه الغرور ، وارتد ، وعاد إلى قريش يؤازرها في حرب الرسول . وكان يقول : “ إني كنت أصرف محمداً حيث أريد “ . 
ويروى أن النبي - حين دخل مكة - أمر بقتل عبد اللَّه بن سعد هذا ، ولكن عثمان بن عفان شفع ، له ، وكان عثمان أخاً له في الرضاعة . والمعروف أن عبد اللَّه بن سعد قد علا أمره في الإسلام ، وأصبح حاكماً لمصر في عهد الخليفة عثمان . 

يقول البلاذي : “ وكان محمد بن أبي بكر بن قحافة ومحمد بن أبي حذيفة خرجا إلى مصر عام مخرج عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح إليها ، فأظهر محمد بن أبي حذيفة عيب عثمان والطعن عليه ، وقال : استمعل عثمان رجلًا أباح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دمه يوم الفتح ونزل القرآن بكفره حين قال : “ سأنزل مثل ما أنزل اللَّه “ . ( أنساب الأشراف ، ج 5 ، ص 49 ، 50 ، القدس ، 1936 ) . 

والقصة كما رواها جلال الدين لم يُذكر بها اسم كاتب الوحي المرتد . وذُكر أن هذا الكتاب المرتد قد قُتل . ولعل الشاعر لم يكن يريد أن يذكر القصة بصورتها التاريخية . أو لعله الطلع على بعض الروايات المتأخرة

“ 597 “

التي ذكرت أن كاتب الوحي المرتد قد قتل بعد فتح مكة . ومن أمثلة ذلك ما ذكره محمد بن طيفور السجاوندي ( من رجال القرن السادس الهجري ) في تفسيره المسمى “ عين المعاني في تفسير السبع المثاني “ . 

وقد لخّص نيكولسون ما كتبه شراح المثنوي عن ذلك في تعليقاته على هذه القصة . 
( 3240 ) تصوير رائع للغرور ، فهو القيد الثفيل الذي لا يُرى - ومع ذلك - يكون في سيطرته على صاحبه ، وتقييده لأعماله ، أكبر أثراً من قيد حديدي زنته مائة منّ . 

( 3251 - 3252 ) يبيّن الشاعر الصعوبات التي تواجه من يحاول أن يتخطى عقباب الحسّ ، ويتغلب على نوازع الكبر والغرور . ولكنه يقول إنه يخشى الإفاضة في شرح هذه العصوبات ، خشية أن يؤدي ذلك إلى إيقاع اليأس بالنفوس . ثم لا يلبث أن ينتهي إلى التفاؤل ، فيؤكد أن باب الأمل مفتوح ، فعلى الإنسان أن يكون دائم البشر بهذا الأمل ، وأن يلتجيء إلى اللَّه ، فهو المغيث لكل من لجأ إليه . 

( 3255 ) يمكنك أن تقتبس الحكمة من أهل الكمال الروحي . 
فهؤلاء لا يبخلون على أحد بالإرشاد . ولكن عليك أن تكون يقظاً حتى لا تصاب بالغرور ، وتحسب أن هذه الحكمة نابعة من نفسك ، وتنسى أنك قبستها من سواك “ . 

( 3273 - 3274 ) إن أشعة روح المرشد الكامل تشرق على أرواح المريدين ، كما يشرق الروح على الجسد ، فيبعث فيه الحياة . فإذا افترقت أشعة أرواح المرشدين عن أرواح المريدين أصبحت هذه كأنها أجساد خلت من الروح ، وفارقتها الحياة . 

( 3277 ) اتخذ الشاعر من الآيات التي أشار إليها دليلًا على إمكان نطق الجماد . 

( 3281 ) ينسب إلى الفلاسفة أنهم يقولون إن المخاوف والأحزان
 

“ 598 “

تُلقي في نفوس الناس بكثير من الأوهام ، فيعتقدون بوجود كائنات لا وجود لها . 
( 3282 ) إن خياله الجاحد قد سيطر عليه ، وجعله غير قادر على إدراك الحقائق . 
( 3208 ) النفس الناطقة “ هي نفس النبي المرسل . 

( 3209 ) إن البشر الذين خرجوا عن حدود الإنسانية ، أصبحوا كالحيوانات المتوحشة . وعلى هذا الأساس جاز قتلهم . وقد زاد الشاعر هذا المعنى إيضاحاً في البيتين 
( 3319 - 3320 ) ، وفيهما قال : “ إن دماء الكفار أصبحت - كدماء الوحوش - مباحة للسهام والرماح . . . وذلك لأنهم مستوحشون نافرون من العقل الجليل “ .

[ شرح من بيت 3300 إلى 3450 ] 
( 3315 ) في هذا البيت إشارة إلى حكم الشريعة ، الذي يحرّم أكل الحمار الأهلي ، ويجيز أكل حمار الوحش . 

( 3321 - 3354 ) قصّ الشاعر هنا قصة هاروت وماورت ، واتخذ منها إطاراً لبث آرائه عن مضارّ الغرور ، والاعتداد بالذات . وخلاصة هذه القصة ، كما رواها الثعلبي ، “ أن الملائكة لما رأوا ما يصعد إلى السماء من أعمال بني آدم الخبيثة وذنوبهم الكثيرة ، وذلك في زمن إدريس النبي ، عيّروهم بذلك وأنكروا عليهم ، وقالوا : هؤلاء الذين جعلتهم خلفاء في الأرض واخترتهم ، فهم يعصونك . فقال اللَّه تعالى : لو أنزلتكم إلى الأرض وركبّت فيكم ما ركبّت فيهم لفعلتم مثلما فعلوا . 
قالوا سبحانك ربنا ، ما كان ينبغي لنا أن نعصيك . 
قال اللَّه تعالى : “ اختاروا ملكين من خياركم أهبطهما إلى الأرض . فاختاروا هاروت وماروت ، وكانا من أصلح الملائكة وأعبدهم . . فركبّ فيهما الشهوة التي ركبّها في بني آدم ، وأهبطهما إلى الأرض وأمر هما أن يحكما بين الناس بالحقّ ، ونها هما عن الشراك والقتل بغير الحق ، والزنا وشرب الخمر . . فإنهما ثبتا على ذلك يقضيان بين الناس يومهما ، فإذا ما أمسيا ذكر اسم اللَّه تعالى الأعظم وصعدا إلى السماء . قال قتادة : فما مرّ عليهما شهر حتى افتتنا ، وذلك أنه


“ 599 “

اختصم إليهما ذات يوم الزهرة ، وكانت من أجمل النساء . . فلما رأياها أخذت بقلوبهما فراوداها عن نفسها فأبت وانصرفت ، ثم عادت في اليوم الثاني ففعلا مثل ذلك . فقالت لا ، إلا أن تعبدا ما أعبد ، وتصلّيا لهذا الصنم ، وتقتلا النفس ، وتشربا الخمر . فقالا : لا سبيل إلى هذه الأشياء ، فإن اللَّه قد نهى عنها . 
فانصرفت ثم عادت في اليوم الثالث ومعها قدح من خمر ، وفي نفسها من الميل إليهما ما فيها ، فراوداها عن نفسها فأبت ، وعرضت عليهما ما قالت بالأمس . 
فقالوا : الصلاة لغير اللَّه أمر عظيم ، وقتل النفس عظيم ، وأهون الثلاثة شرب الخمر . فشربا الخمر فانتشيا ، ووقعا بالمرأة فزنيا بها ، فرآهما إنسان فقتلاه . . وسجدا للصنم ، فمسخ اللَّه الزهرة كوكباً . . “ ( بتصرف عن : قصص الأنبياء ، ص 51 ) . 

( 3325 ) إن الجبروت الإلهي يحطم الطغاة والمستبدين ، على حين هو يرحم المتواضعين ، المدركين لضعفهم البشري أمام خالقهم . بل إن اللَّه يزيد هؤلاء المتواضعين قوة وتأييداً . ومثل هؤلاء الطغاة كمثل الأشجار العاتية ، تعاند الريح ، فتقتلعها الريح من أصولها . أما المتواضعون فهم كالأعشاب ، تنحني للرياح فتزيدها هذه نضرة وازدهاراً . 

( 3330 ) كل هذا الكون بمظاهره المتعددة ، لا يعد شيئاً مذكوراً أمام قدرة اللَّه . وهذه القدرة هي التي جعلت الفلك يبدو منقلباً منكسّاً . 

( 3331 ) اجعل من هذا الفلك الدوار مثالًا تقيس عليه حالك . فهذا الفلك يديره العقل المدبر ، الذي خطّ مقادير هذا العالم . 

( 3332 ) وهكذا يدير الروح الجسم . وقد احتجب الروح في الجسم كما يتحجب المحارب وراء المجنّ ، على حين أنه يديره إلى حيث يشاء . 

( 3333 ) ولكن هذه الروح الشبيهة بالريح المتحركة ، من ذا الذي يديرها ؟ إن طبيعتها التي أضفاها عليها خالقها هي التي تجعلها متحركة ، ومع ذلك ، فحركتها مقتبسة من الخالق ، محرّك الأرواح . فهي كالدولاب


“ 600 “

في مجرى النهر ، يكون دائم الحركة لا ستدراته من ناحية ، ولجريان ماء النهر من ناحية أخرى . 
( 3335 ) إن الروح هي التي تنطق اللسان بما تشاء ، وتحرك الجسم كيفها أرادت . فحينماً تجعله ميالًا إلى الوئام ، وحيناً تجعله مندفعاً نحو الشقاق والخصام . 

( 3336 - 3337 ) عادُ هم قوم هود . وقد أهلكهم اللَّه بريح هبّت عليهم . 
لكن هذه الريح يلم تؤذ هوداً ولا من آمنوا ( انظر المثنوي ، ج 1 ، رقم 855 ، 856 ) . ولعل الشاعر قد استخدم الريح هنا رمزاً لأعمال البشر . فمنها ما كانت حركتها للخير والسداد ، ومنها ما كانت حركتها للشر والعناد . 

( 3338 ) شيخ الدين هو العارف الكامل . وقد حاول بعض الشراح أن يذكر شخصاً معيناً على أنه المقصود من قول الشاعر “ شيخ الدين “ . 
وممن ذكر في هذا الصدد صدر الدين القونوي ، الذي كان تلميذاً لمحيي الدين ابن العربي . وكان صدر الدين صديقاً لجلال الدين ، وتوفى بقونيه في عام 673 ه ، بعد جلال الدين بفترة وجيزة . وتعيين شخص معين مما لا يستلزمه شرح هذا البيت ، لأنه لا ينطوي على رأي خاص . 

( 3339 - 3340 ) في هذين البيتين تعبير عن وحدة الوجود ، حيث تشبّه الذات الإلهية ببحر فياض ، وكل مظاهر هذا الوجود لا تعدو أن تكون قشاً سابحاً في هذا البحر . فكل حركة لهذا القش مصدرها البحر ، أما القش فليست له حركة ذاتية . 

( 3348 ) وردت في بعض نسخ المثنوي روايتان هما “ نفس گبررا “ أو “ نفس گبرما “ بدلًا من “ نفس كبريا “ . ومعناهما “ النفس الكافرة “ أو “ نفسنا الكافرة “ . وعلى هذا تكون ترجمة البيت : “ وهو يسمي هذا الغرور حمية دينية ، لكنه لا يبصر في ذاته النفس الكافرة “ . 

( 3350 ) للشطر الثاني من البيت رواية نصّها :


“ 601 “

“ درسيه كاران مغفلّ منگريد “ والمعنى : “ فلا تنظرا بغفلة إلى هؤلاء الذين اسودّت فعالهم “ . وفي هذا دعوة للملائكة - الذين استقبحوا أعمال البشر - إلى البحث عن العلل الكامنة وراء ارتكاب أهل الدنيا للمعاصي والآثام . وهذا ما يبيّنه الشاعر في البيت التالي . ( انظر رقم 3351 من الترجمة ) . 

( 3379 ) دعا اللَّه إلى كظم الغيظ في قوله :” وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ “. 
(آل عمران ، 3 : 133 - 134 ) . 

 .
الشروح والدراسات المثنوي المعنوي مجمعة الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3396 - 3720 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالثلاثاء أغسطس 25, 2020 7:49 am

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3396 - 3720 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3396 - 3720 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3396 - 3720 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3396 - 3720 

شرح في بيان أنّ إبليس كان أول شخص عارض النصَّ بالقياس
( 3396 ) كان إبليس أول من استخدم القياس ، حين كانت الحقائق واضحة ، تجلوها أنوار اللَّه ، المنبثقة من وحيه ، وصريح أمره . 

( 3402 ) إشارة إلى إسلام عكرمة بن أبي جهل ( وقد مات شهيداً في إحدى وقائع الشام ) ، وإلى ضلال ابن نوح ، وهلاكه في ضلاله وكفره . وقد ذكر القرآن قصته في قوله تعالى ،” وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ . 
قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ “. ( هود ، 11 : 42 - 43 ) . 

( 3404 ) إن العالم الورع يستخدم القياس حين لا يكون هناك أمر إلهي صريح . 

( 3407 - 3408 ) إنك قد تستمع إلى وحي إلهي ، فتحفظ ظاهر لفظه من غير أن تدرك كنهه وجوهره . وعلى أساس هذا الإدراك الظاهري تنشىء القياسات ، التي لا صلة لها بجوهر الوحي ، بل هي قد انبثقت من خيالك المحض “ . 

( 3410 ) لقد تعلمت من الوحي الإلهي ظاهر لفظه ، ولم تفطن إلى حقيقته ، فدفعك هذا إلى أن تلتمس في القياس وسيلة لإدراك ما استغلق

“ 602 “

عليك فهمه “ . 
( 3411 ) القياس الفاسد يؤذي . وقصة الأصم الذي ذهب ليعود المريض مثال يوضح ذلك . 

( 3412 ) يشير الشاعر إلى قصة كاتب الوحي الذي ضلّ . ( انظر الأبيات 3228 - 3239 ، وتعليقاتها ) . 

( 3422 ) “ إننا سوف نعدّ لأهل الأرض نظاماً سماوياً ، ثم ننزل إلى الأرض لنقرّه فيها ، ونرسي بذلك قواعد الأمن بين الناس “ . 

( 3425 ) لقد تجلى خطأ هاروت وماورت حينما سعيا لإقرار ما يليق بالملائكة بين أبناء العالم الدنيوي . فقد كان هذا من القياس الفاسد ، فكانت نتيجته وبالا عليهما . ولعل الشاعر يهدف من وراء ذلك إلى القول بأن المعرفة الروحية يجب ألا يقصد بها الجهلاء ، الذين لم يعدّوا لتلقيها ، ولم يصبحوا أهلا لتذوقها . والعارف الذي يفعل ذلك يكون شبيها بهذين الملكين اللذين قاسا أحوال أهل الأرض بأحوالهما . 

( 3426 ) ذكر نيكولسون في تعليقه نص بيت سنائي ، الذي أشار إليه جلال الدين ، وفيه يقول :بر مدار از مقام مستي پى * سر همانجا بنه كه خوردي مي( لا تنقل قدمك من مكان سكرك وضع رأسك في المكان الذي احتسيت به الخمر ) . 
والشاعر يوجه هذه النصيحة إلى الصوفية ، الذين يغلبهم الوجد ، فيجري على ألسنتهم من الشطح ما يكون مصدراً لسخرية الناس بهم ، واتهامهم بالمروق ، وتعريضهم للأذى والاضطهاد “ . 

( 3441 - 3442 ) الشاعر يشبه الناس - الذين أوهمهم الجهل والغرور أنهم يسلكون سبيل اليقظة الروحية - بأطفال يمسك كل منهم بذيل الآخر ، ويتوهمون بذلك أنهم يمتطون الجياد . ومثل هذا الظن لا يغني من الحق شيئاً ،

“ 603 “


ولا يمكن أن يوصل إلى أي هدف . 


( 3443 ) إن الشمس هي التي تجلو الظلام على أكمل وجه ، وكذلك الكشف الروحي هو الذي يزيل الظنون ويجلوها . 


( 3444 ) حين تتكشف لكم الحقائق سوف تعلمون أنكم لم تكونوا منطلقين نحو عالم الروح ، ويتضح لكم أنكم كنتم ملازمين لعالم المادة وقد علقت به أقدامكم ، على حين أنكم توهمتم الانطلاق - من غير سعي - نحو عالم الروح . 


( 3445 ) “ الوهم والتفكير العقلي المجرد والحسّ وما يرتبط به من إدراك ، كل أولئك وسائل لا توصل إلى اليقين ، فأنتم باعتمادكم عليها في السعي لإدراك اليقين ، شبيهون بأطفال امتطوا أعواد الغاب ، وهذه لا تنقلهم إلى أي مكان “ .


[ شرح من بيت 3450 إلى 3600 ] 
( 3450 ) إذا أحسن الإنسان استخدام علمه الدنيوي ، وأخلص في نفع الناس به ، متجرداً عن الهوى ، وهبه اللَّه العلم اليقيني الكامل . 
وفي الإحياء حديث يعبر عن هذا المعنى ، يروي عن الرسول قوله : 
“ من عمل بما علم ، ورّثه اللَّه علم ما لم يعلم ، ووفقه فيما يعمل حتى يستوجب الجنة ، ومن لم يعمل بما يعلم تاه فيما يعلم ولم يوفق فيما يعمل حتى يستوجب النار “ . ( الغزالي : إحياء ، ج 3 ، ص 23 ) . 


( 3451 ) من تجرّد في علمه من الهوى أصبح علمه الدنيوي سبيلًا إلى المعرفة الروحية . 


( 3453 ) وكيف السبيل إلى الخلاص من الهوى بدون المحبة الإلهية ؟ 
إنه ليس يكفي المرء أن يقنع بمعرفة أسماء اللَّه وصفاته ، بل عليه أن يسلك سبيل المحبة الإلهية . 


( 3454 ) الصفات والأسماء مخبرة عن اللَّه ، وهي تبعث في الإنسان الخيال الذي يجعل الإنسان متعلقاً بخالقه ، وعلى الإنسان حينذاك أن يتخذ من التعلق بالخالق

“ 604 “


ومحبته سبيله إلى الوصال . 
( 3456 ) لا تقف عند حدّ الاسم . بل اجعل من معرفة الاسم مجردّ بداية تنطلق منها إلى معرفة الحقيقة والجوهر . 


( 3457 ) يقول الغزالي : “ ومهما أقبل ( القلب ) على الخيالات الحاصلة من المحسوسات كان ذلك حجاباً له عن مطالعة اللوح المحفوظ . . . كما أن من نظر إلى الماء الذي يحكي صورة الشمس ، لا يكون ناظراً إلى نفس الشمس “ . 
(الإحياء ، ج 3 ، ص 21 ) . 


( 3458 ) إذا أراد الإنسان أن ينطلق من العلم الحسي المحدود ، إلى العلم الروحي الذي لا حدود له ، فلا بد له أن يكون قادراً على الخلاص من الذاتية . ويتمثل ذلك في قطع روابطه بما يكدر صفاء قلبه من علائق الدنيا وهمومها ومغرياتها . 


( 3460 - 3461 ) يقول الغزالي : “ فالأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر ، وفاض على صدروهم النور ، لا بالعلم والدراسة والكتابة للكتب ، بل بالزهد في الدنيا والتبري من علائقها وتفريغ القلب من شواغلها ، والإقبال بكنه الهمة على اللَّه تعالى ، فمن كان اللَّه ، كان اللَّه له “ . 
(الإحياء ، ج 3 ، ص 19 ) . 


( 3464 ) يقول الغزالي : “ فاعلم أن ميل أهل التصوف إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية . فلذلك لم يحرصوا على دراسة العلم ، وتحصيل ما صنّفه المصنّون ، والبحث عن الأقاويل والأدلة المذكورة ، بل قالوا : 
الطريق تقويم المجاهدة ، ومحو الصفات المذمومة ، وقطع العلائق كلها ، والإقبال بكنه الهمة على اللَّه تعالى ، ومهما حصل ذلك كان اللَّه هو المتولي لقلب عبده ، والمتكفل له بتنويره بأنوار العلم “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 19 ) . 


( 3466 ) القصة التي يذكرها الشاعر في الأبيات التالية ، وردت في كتاب الإحياء للغزالي . وقد ذكرها لبيان الفرق بين عمل العلماء ، وعمل الأولياء .


“ 605 “


قال : “ حكي أن أهل الصين وأهل الروم تباهوا بين يدي بعض الملوك بحسن صناعة النقش والصور ، فاستقر رأي الملك على أن يسلم إليهم صُفة لينقش أهل الصين منها جانباً ، وأهل الروم جانباً ويرخى بينهما حجاب يمنع اطلاع كل فريق على الآخر ، ففعل ذلك ، فجمع أهل الروم من الأصباغ الغريبة مالا ينحصر . ودخل أهل الصين من غير صبغ وأقبلوا يجلون جانبهم ويصقلونه فلما فرغ أهل الروم ادعى أهل الصين أنهم قد فرغوا أيضاً ، فعجب الملك من قولهم ، وأنهم كيف فرغوا من النقش من غير صبغ . فقيل : وكيف فرغتم من غير صبغ ؟ فقالوا : ما عليكم . ارفعوا الحجاب ، فرفعوا وإذا بجانبهم يتلألأ منه عجائب الصنائع الرومية مع زيادة إشراق وبريق ، إذ كان قد صار كالمرآة المجلوة لكثيرة التصقيل ، فازداد حسن جانبهم بمزيد التصقيل . فكذلك عناية الأولياء بتطهير القلب وجلائه وتزكيته وصفائه ، حتى يتلألأ فيه جلية الحق بنهاية الإشراق كفعل أهل الصين . وعناية الحكماء والعلماء بالاكتساب ونقش العلوم ، وتحصيل نقشها في القلب كفعل أهل الروم “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 22 ) ونلحظ أن الغزالي جعل الصينين أهل الصقل ( وهم الصوفية ) ، وجعل الروم أهل النقش والصبغ وهم العلماء . وعلى العكس من هذا نرى جلال الدين يجعل الروم أهل الصقل ، ويجعل الصينيين أهل الصبغ والنقش . ولا غرابة في ذلك فجلال الدين رومي الوطن ، أحسن الظن بقومه ، الذين عاش بينهم . ونجد جلال الدين يأخذ جانب الروم من أول القصة حين يقول : “ وتباحث الصينيون والروم ، فصمد الروم في هذا البحث “ . ( بيت 3469 ) . 


( 3476 ) إن الضوء يسقط على المرئيات فيظهر بألوان شتى . ولكنا إذا جردناه من هذه المرئيات المتعددة ، ونظرنا إليه في منبعه ، وجدناه لوناً واحداً متجانساً . 


( 3485 ) قال الغزالي : “ فالقلب في حكم مرآة قد اكتنفته هذه الأمور المؤثرة فيه . وهذه الآثار على التواصل واصلة إلى القلب . أما الآثار المحمودة التي ذكرناها ، فإنها تزيد مرآة القلب جلاء وإشراقاً ، ونوراً وضياء ، حتى يتلألأ


“ 606 “


فيه جلية الحق . . . وأما الآثار المذمومة فإنها مثل دخان مظلم ، يتصاعد إلى مرآة القلب ، ولا يزال يتراكم عليه مرة بعد أُخرى إلى أن يسوّد ويظلم ، ويصير بالكلية محجوباً عن اللَّه تعالى “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 12 ) . ويقول أيضاً : 
“ فكذلك القلب مرآة مستعدة لأن ينجلي فيها حقيقة الحق في الأمور كلها “ . 
( المصدر السابق ، ص 13 ) . 


( 3486 - 3488 ) إن قلب موسى قد اتسع لصورة الغيب ، مع أن هذه الصورة لا يحيط بها الفلك ولا العرش ولا الكرسي . 
وقد تناول الغزالي هذا الموضوع بقوله : “ وفي الخبز : قال تعالى : لم يسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين الوادع . . . ومن ارتفع الحجاب بينه وبين اللَّه تجلى صورة الملك والملكوت في قلبه ، فيرى جنة عرض بعضها السماوات والأرض ، أما جملتها فأكثر سعة من السماوات والأرض ، لأن السماوات والأرض عبارة عن عالم الملك والشهادة ، وهو إن كان واسع الأطراف متباعد الأكناف فهو متناه على الجملة ، وأما عالم الملكوت - وهي الأسرار الغائبة عن مشاهدة الأبصار ، المخصوصة بإدراك البصائر - فلا نهاية له “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 15 ) . 


( 3489 ) القلب الذي صفا وأصبح خالياً من الشوائب يتجلى به اللَّه كما تتجلى الصورة في المرآة ، والمرآة إذا تجلت بها الصورة ، أصبحت عين الصورة . وفي هذا تعبير عن استغراق قلب الصوفي العارف في محبة اللَّه بصورة لا تدع مجالًا لغير اللَّه . 


( 3492 ) انظر التعليق على البيت 3485 . 


( 3493 ) يشير الشاعر هنا إلى انصراف الصوفية عن علوم الدنيا . 
وانشغالهم بتصفية القلب ، وتلقي ما يبثه اللَّه فيه من اليقين . ويرى الغزالي أن الجمع بين علوم الدنيا وعلوم الآخرة “ لا يكاد يتيسر إلا لمن رسخه اللَّه لتدبير عباده في معاشهم ومعادهم ، وهم الأنبياء المؤّيدون بروح القدس ، المستمدون من القوة الإلهية التي تتسع لجميع الأمور ولا تضيق عنها . فأما قلوب سائر الخلق

“ 607 “


فإنها إذا استقلت بأمر الدنيا ، انصرفت عن الآخرة ، وقصرت عن الاستكمال فيها “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 18 ) . 


( 3499 ) ذكر الغزالي أن عمر بن الخطاب قال : “ رأى قلبي ربي “ . 
( الإحياء ، ج 3 ، ص 15 ) . وروي عن ابن عمر : “ قيل لرسول اللَّه ، يا رسول اللَّه ، أين اللَّه ؟ في الأرض أو في السماء ؟ قال : في قلوب عباده المؤمنين “ . ( انظر المصدر السابق ) . 


( 3500 ) يشير الشاعر هنا إلى حديث عرف باسم حديث حارثة ، ذُكر في النهاية ( ج 3 ، ص 159 ) . وقد ذكره الهجويري في كشف المحبوب ، والكلاباذي في كتاب التعرف . وكل من هذين أجرى الحديث على لسان حارثة . 
فالحديث لم ينسب صراحة إلى زيد بن حارثة ، وإنما نسب إلى حارثة . 
وقد يكون من الغريب حقاً ألا يُذكر في الحديث اسم زيد ، فيعرف باسم حديث حارثة ، مع أن اسم زيد ذكر في القرآن ، وعرف الرجل باسم زيد بن حارثة ، أو باسم زيد وحده . ولعل الشاعر التبس عليه الأمر ، فاعتبر حارثة هذا زيد بن حارثة ، وتبعه في ذلك شراح المثنوي . 


ونص الحديث كما نقله الكلاباذي في التعرف ( ص 23 ) جاء على الوجه الآتي : 
“ وقال حارثة حين سأله النبي صّلى اللَّه وعليه وسلم ما حقيقة إيمانك ؟ قال : عزفت بنفسي عن الدنيا فأظمأت نهاري وأسهرت ليلي ، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون وإلى أهل النار يتعادون “ . . . وقال النبي صّلى اللَّه وعليه وسلم : “ من أحب أن ينظر إلى عبد نوّر اللَّه قلبه فينظر إلى حارثة “ . 
ولعل إجماع المصادر التي ذكرناها على الإشارة إلى هذا الحديث باسم حديث حارثة يجعلنا نعتقد أن المقصود به حارثة بن سراقة . وقد كان حارثة بن سراقة هذا أحد شهداء بدر من الأنصار . 
وقد روي هذا الحديث متعلقاً به . يقول صاحب السيرة الحلبية : “ كان حارثة سأل رسول اللَّه صّلى اللَّه وعليه وسلم أن يدعو له بالشهادة فقد جاء أنه قال الحارثة يوماً وقد استقبله ، كيف أصبحت يا حارثة . 
قال : أصبحت مؤمناً باللَّه حقاً . قال : انظر ما تقول ، فإن لكل قول حقيقة . قال : 
يا رسول اللَّه ، عزلت نفسي عن الدنيا ، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري ، فكأني


“ 608 “


بعرش ربي بارزاً ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وإلى أهل النار يتعادون فيها . قال : أبصرت فالزم عبد ، أي أنت عبد بذر اللَّه الإيمان في قلبه . قال : فقلت ادع اللَّه لي بالشهادة ، فدعا رسول اللَّه بذلك “ . 
(علي برهان الدين الحلبي : السيرة الحلبية ، ج 2 ، ص 180 ، 181 . القاهرة ) . 


( 3512 ) وأما قبل البعث ، فإن حقيقة الروح لا تكون معروفة ، فحالها في الدنيا يخفى على عامة الخلق . 


( 3515 ) جميع أرواح الغابرين - في فترة الانتقال بين الموت والبعث - تستقبل الأرواح التي تنطلق من الأجساد . 


( 3519 ) ما دام الإنسان نزيلًا لهذه الحياة الدنيا ، فإن أكثر الناس لا يعرفون طبيعة روحه ، ولا مكانها من الخير والشر ، ذلك لأن القادرين على مثل هذا التمييز قلة نادرة . فالروح في الجسم كالجنين قبل الوضع . 


( 3520 ) هذه القلة النادرة من الناس هم الذين أوتوا الفراسة ، ويروي الصوفية أن الرسول أشار إليها بقوله : “ اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللَّه “ “ 1 “ . ( انظر السراج : اللمع ، ص 171 ) . 


( 3533 ) “ حُفَر النفاق السبع - كما أجمع شراح المثنوي - تعبير عن سبع من الخصال القبيحة ، يقابل كل منها باباً من أبواب الجحيم السبعة . 


وهذه الخصال - كما يقول صاحب المنهج القوي - هي الشرك باللَّه ، والسحر ، قتل النفس التي حرّم اللَّه إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات . ( المنهج القوي ، ج 1 ، ص 640 ) . وهذا - بطبيعة الحال - اجتهاد . ولا يمكن الجزم بأن الشاعر قصد هذه الخصال أو سواها بالذات . ومما يسند هذا الشرح ما ذكره المفسرون في بيان أبواب جهنم السبعة .
...............................................................
( 1 ) هذا الحديث كثير الورود في كتب الصوفية . وقد أخرجه الترمذي والطبراني .

“ 609 “


( 3552 ) قوله : “ إن كان التجلي قد جعل من صدرك طور سيناء “ . 
معناه “ إن كان صدرك قد شهد من التجلي ما شهده موسى حين تجلى له الخالق في طور سيناء “ . 
( 3553 - 3554 ) هل يستطيع إنسان أن يطوي قلبه على ما تكشف له من نور اليقين ؟ إن هذا النور ليبدد القلب الذي يطويه ، وليس يفنع في إيقاف ذلك جنون ولا عقل . 


( 3555 - 3556 ) إن اللَّه يحجب عن الناس الكثير من الأسرار ، وفي ذلك خيرهم . فهم لا يعلمون آجالهم . ولا يعرفون كنه مصيرهم يوم الحساب ، وبذلك يعيشون على أمل الغفران والثواب . وهذا الستر الإلهي دليل على أن اللَّه أراد لعباد ذلك . فعلى العباد أيضاً ألا يبوحوا بما يُكشف لهم من الأسرار الغيبية . وكما أن الإنسان قادر على الستر الحسي ، فهو كذلك قادر على الستر المعنوي . فهو يحجب الشمس أو القمر بطرف إصبعه . وهو أيضاً قادر على أن يحجب أسرار القلب بشيء من الإرادة وضبط النفس . 


( 3558 ) لقد فضل اللَّه الإنسان على كافة مخلوقاته . فهذا البحر الشاسع البعيد الأعماق طوع حكمة . أفلا تكون نفسه طوع حكمه ؟ 


( 3559 - 3561 ) وكما سُخرّت للإنسان مخلوقات هذه الحياة الدنيا ، كذلك سُخرّت له ينابيع الجنة وأنهارها ، يجريها كما يشاء ، فتعنو لمراده . 


( 3562 ) ينتقل الشاعر هنا من الحديث عن الإنسان ، وسيطرته على سائر المخلوقات ، إلى الحديث عن القلب ، وسيطرته على جوارح الإنسان وملكاته . 


( 3566 - 3575 ) يتحدث الشاعر هنا عن سيطرة القلب على الأعضاء والملكات الإنسانية . وهذا موضوع كتب عنه الغزالي ، وشبه القلب بملك له في الكيان الإنساني جنود وأعوان تطيع أمره . 
قال : “ وللقلب جندان ، جند يُرى بالأبصار ، وجند لا يرى إلا بالبصائر . وهو في حكم الملك والجنود في حكم الخدم والأعوان . فهذا معنى الجند . فأما جنده المشاهد بالعين فهو اليد والرجل والعين والأذن واللسان وسائر الأعضاء الظاهرة والباطنة ، فإن جميعها


“ 610 “


خادمة للقلب ومسخرّة له . فهو المتصرف فيها والمردد لها . وقد خُلقت مجبولة على طاعته ، لا تستطيع له خلافاً ولا عليه تمرداً . فإذا أمر العين بالانفتاح انفتحت ، وإذا أمر الرجل بالحركة تحركت ، وإذا أمر اللسان بالكلام وجزم الحكم به تكلم . وكذلك سائر الأعضاء “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 5 ) . 
وانتقل الغزالي من الحديث عن الأعضاء إلى الحديث عن قوى الإنسان وملكاته ، فقال : “ فجملة جنود القلب تحصرها ثلاثة أصناف صنف باعث ومستحث . . . وقد يعبر عن هذا الباعث بالإرادة . 
والثاني هو المحرك للأعضاء إلى تحصيل هذه المقاصد ويُعبر عن هذا الثاني بالقدرة : وهي جنود مبثوثة في سائر الأعضاء ، لا سيما العضلات منها والأونار . 
والثالث هو المدرك المتعرف للأشياء كالجواسيس وهي قوة البصر والسمع والشم والذوق واللمس وهي مبثوثة في أعضاء معينة ، ويعبر عن هذا بالعلم والإدراك . 
ومع كل واحد من هذا الجنود الباطنة جنود ظاهرة ، هي الأعضاء المركبة من الشحم واللحم والعصب والدم والعظم التي أُعدت آلات لهذه الجنود . فقوة البطش إنما هي بالأصابع ، وقوة البصر إنما هي بالعين ، وكذا سائر القوى “ . 
(المصدر السابق ، ص 6 ) . 


( 3571 ) “ اليد الخفية “ التي تحرك اليد الظاهرة هي القلب . 


( 3576 ) الحواس الخمس الباطنية هي : الحس المشترك ، والتخيل والتفكر والتذكر والحفظ . ( الغزالي : الإحياء ، ج 3 ، ص 6 ) . 


( 3578 ) أيها القلب ، ما دمت تملك هذه القوة ، فلتكن قوياً صامداً لما يطرق بابك من الهواجس ، قديراً على الاحتفاظ بنقائك وطهرك . وليكن لك من سلطانك ما تقهر به وساوس الشيطان ، وتقصيها عن ساحتك . 


( 3584 - 3597 ) القصة التي حكاها الشاعر عن لقمان وردت بإيجاز في قصص الأنبياء للثعلبي ( ص 393 ) . قال : “ أخبرنا أبو عبد اللَّه الحسين الدينوري عن عكرمة قال : كان لقمان أهون مملوك على سيده . قال : فبعثه مولاه مع


“ 611 “


رفقة إلى بستان له ليأتوه بشيء من ثمره . فجاءوا وليس معهم شيء ، وقد أكلوا الثمرة وأحالوا على لقمان . فقال لمولاه : إن ذا الوجهين لا يكون عند اللَّه أميناً . 
فاسقني وإياهم ماء جميماً ، ثم أرسلنا لنقذفه . ففعل فجعلوا يتقيئون الفاكهة وجعل لقمان يتقياً ماء نقياً فعرف صدقه من كذبهم “ . 


( 3599 ) في يوم الحساب ، يوم تُبلى السرائر ، لا يبقى هناك سر لا ينكشف أمام الخالق ، فحينذاك يتضح العيب الذي كان الإنسان يحسب أنه قد نجا منه ، بعد أن استطاع إخفاء في الدنيا .


[ شرح من بيت 3600 إلى 3750 ] 
( 3600 ) لعل هذا البيت العربي محرّف . فالشطر الثاني منه لا يكاد يرتبط بأوله . ولعل الصواب أن نضع كلمة “ الأحشاء “ أو “ الأمعاء “ بدلًا من “ الأستار “ فيكون المعنى مقتبساً من الآية القرآنية المشار إليها وهي :” وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ “( 47 : 15 ) . ويجوز أن يفهم البيت على أساس أن الماء كشف سرهم فمزّق أستار النفاق ، وأظهر ما كانت تخفيه . 


( 3601 ) وصف اللَّه قلوب العصاة من بني إسرائيل بقوله :” ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ، فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً “. ( البقرة ، 2 : 74 ) . 
ولما كانت قلوب الكفار كالحجارة ، فقد استحقت عذاب النار . ذلك لأن النار هي الفيصل في امتحان الأحجار . 
( 3610 ) إن اللَّه أراد أن يكون هناك غيب محجّب ، طيلة بقاء هذه الدنيا ، فلا تهتف بإعلان ما تكشف لك من الغيب ، ولا تفتح هذا الباب . 


( 3611 ) لا تندفع بإعلان السر . وتحكم في قلبك ولسانك . فالستر في هذه الدنيا أجمل . وخير لكل امرئ أن يسعد بما يتخيله عن حقيقة حاله . 


( 3612 ) فقد يؤدي كشف حقيقة الحال بالنسبة لبعض الناس إلى قنوط هؤلاء من رحمة اللَّه ، وانصرافهم عن عبادته . 
( 3616 ) الحجاب يزيد المهابة بالنسبة لأهل هذه الدنيا . فيجب أن تظل حقائق العالم الغيبي خافية عليهم لتزداد مهابة الغيب في نفوسهم . 
( 3617 ) الشريعة تستشير في قلوب الناس الخوف والرجاء ، وعالم الغيب

“ 612 “


المحجّب عن الأنظار هو الذي يجعل الناس يتحركون في مختلف الاتجاهات ، رجاء وخوفاً . وهو الذي يكون الإيمان به ابتلاء للعباد ، ومحكاً لمعرفة مدى تصديق أرواحهم لما بُلغوا من رسالات السماء . 


( 3618 - 3624 ) يشير الشاعر هنا إلى قصة سليمان حين سرق أحد الشياطين خاتمه فضاع بذلك ملكه ، وأصبح فقيراً ضعيفاً ، يحمل للصيادين السمك من البحر إلى السوق لقاء سمكتين ، كان يأكل إحدا هما ويبيع الأخرى . 
وقد ظل في هذه المحنة أربعين يوماً ، وذات يوم شق سمكة ليتعشى بها فوجد خاتمه في جوفها . وكان هذا الخاتم قد سقط من الشيطان في البحر ، فابتلعته هذه السمكة . وما أن وضع سليمان خاتمه حول إصبعه حتى عاد إليه ملكه . وقد رُويت هذه القصة بصور عديدة ذكر بعضها الثعلبي ( قصص الأنبياء ، 360 - 365 ) . 
وقد ترّدد ذكرها في تفسير قوله تعالى :” وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ “. ( ص ، 38 : 34 ) . 
ويم يرد في أيّ من الروايات التي اطلعت عليها إشارة إلى الفتى الذي ذكر الشاعر أنه رأى سليمان يصيد السمك على شاطىء البحر ، فحار في أمره ، وساءل نفسه : “ أهذا سليمان العظيم يصيد السمك ؟ وإن لم يكن هو فما هذا الشبه بينه وبين سليمان ؟ “ ، حتى إذا عاد لسليمان ملكه شهده على عرشه فانقلب الظن عنده إلى يقين . 
ومغزى القصة أن هناك من الغيب ما يتحرى الإنسان عنه ، فيهتدي - في نهاية الأمر - إلى حقيقتة ، ويصبح ظنه يقيناً . فسليمان على شاطىء البحر كان وهماً في خيال الفتى . وسليمان على عرشه - والخاتم في إصبعه - كان يقيناً لا شك فيه . 


( 3625 ) وردت في إحدى نسخ المثنوي كلمة “ وهم “ بدلًا من “ باك “ ، ومعناها الخوف . فتكون ترجمة البيت “ إن الوهم يكون حيث يكون الحجاب . . . “ ( 3627 ) إن الخيال مشتق من الحقيقة . فالسماء قد تبدو خالية من المطر ،

 “ 613 “ 
ولكن المطر يكون كامناً فيها . والأرض قد تبدو خالية من الخضرة ، ولكن الخضرة كامنة في طبيعتها . فالخيال هنا جزء من اليقين . 


( 3628 ) عامة الخلق في الدنيا لا يطلعون على الغيب ، ذلك لأن اللَّه حجبه عنهم . فلا بد لهم من الإيمان بالغيب ، لكي يصدقوا رسل اللَّه . وإن لم يفعوا ذلك فلا مجال لهذا التصديق . 


( 3629 ) لو أنني فتحت أمام الخلق نوافذ في السماء يطلون منها على الغيب ، لما كنت أخاطبهم قائلًا :” الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ “. ( 67 : 3 ) . فعالم الغيب محتجب عن شهود الخلق حتى يوم البعث . 


( 3630 ) وهذا الحجاب إنما جعل لامتحان الخلق . وقد جعلهم هذا الحجاب في ظلمة ، لا يعرف أي منهم ، ما خُبىء له ، فهم يعيشون في الدنيا بين الخوف والرجاء ، ومنهم من يهتدي ويسلك سواء السبيل ، ومنهم من يضلّ وينحرف عن الجادة . 
( 3631 ) وفي هذه الحياة الدنيا تنعكس الأمور ويعلّق اللصوص رجال الشرطة على المشانق . وقد يكون اللصوص هنا رمزاً للجلاء ، ورجال الشرطة رمزاً للعارفين . وربما يكون الشاعر هنا يشير إلى واقعة محددة من وقائع اضطهاد الصوفية كمصرع الحلاج . 


( 3632 ) تنعكس القيم في هذه الدنيا ، ويسود الجهلاء ، ويذلون العارفين والحكماء . 
( 3634 ) أين من يعبد اللَّه بعد أن يلقاه ، ممن يعبده خاشعاً في هذه الدنيا ، قبل أن يراه ؟ فمثل هذا يستحي من اللَّه لأنه عرفه ، “ والمعرفة توجب الحياء والتعظيم “ . ( القشيري ، ص 142 ) . 


( 3635 - 3636 ) مثل الوفاء للسلطان ممن يكون بعيداً عنه ، كمثل الإخلاص للَّه في الدنيا ، وقبل ملاقاته في الدار الآخرة . فحافظ الثغر يرعى

 “ 614 “ 
حق الملك وهو بعيد عنه ، والعارف يرعى حق اللَّه في هذه الدنيا ، وقبل أن يدخل رحابه في العالم الآخر . 


( 3641 ) لما كان الغيب والغائب والحجاب أفضل للخلق في هذه الدنيا ، وجب الإبقاء على قناع الأسرار . وعلى العارف أن يتجنب البوح بما يتكشف له . 


( 3651 ) الملائكة أيضاً يتفاوتون كالبشر ، ولكل ملك نوره ومنزلته التي تتفق ومدى إشراق هذا النور . 


( 3656 ) انظر اللمع للسراج ( كتاب الصحابة ، ص 166 ) . وقد استشهد هذا المؤلف - في بيان فضل الصحابة - بقوله تعالى :” وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ “. 
( التوبة ، 9 : 100 ) ، وكذلك بالحديث الذي إشارة إليه الشاعر ، ونصه : 
“ أصحابي كالنجوم ، بأيّهم اقتديتم اهتديتم “ . 


( 3657 - 3658 ) لو كان كل إنسان قادراً على أن يتلقى الوحي من اللَّه ، الجاز لنا أن ننكر الحاجة إلى رسل اللَّه ، وإلى من سار على نهجهم من الهداة والمصلحين ، فهؤلاء جاءوا شهوداً اللَّه على خلقه . 


( 3659 ) في هذا البيت اقتباس من آية أمر اللَّه رسول أن ينطلق بها ، وذلك قوله تعالى :” قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ “ *. ( 18 : 110 ) . فقد يكون القمر هنا رمزاً للرسول ، أما التراب والسحب والظلال فرموز لكل من يهتدي به ، ويستضيء بنوره ، على اختلاف طبائعهم ، ومراتبهم الروحية ، وقدراتهم على اقتباس النور . 
( 3660 ) لولا الوحي الإلهي لما اختلف الأنبياء عن عامة البشر . 


( 3661 - 3662 ) إنني - بالقياس إلى الصفات الإلهية - خافتُ النور . 
ولكن نوري يمثل مدى الإشراق الذي يقدر على التطلع إليه عامة البشر ، فيتلقون منه الهداية . فهم لا يستطيعون تلقي النور الإلهي بصورة مباشرة ، وفي نور النبوة ما ينير نفوسهم ويخلصها من ظلمات الجهل . 


( 3663 ) كان مزيج الخل والعسل يعتبر دواء لعلاج الكبد .

 “ 615 “ 


( 3665 )  حينما يصبح القلب الإنساني طاهراً من الهوى ، ويتخلص من كافة العلائق المادية ، والآفات الحسية ، يكون مثلُ هذا القلب أهلًا لأن يتجلى به الخالق ، بل يصبح القلب وكأنه عرش اللَّه . وفي الحديث ما يؤيد ذلك ، فقد رُوي عن الرسول أنه قال : “ قلب المؤمن عرش اللَّه “ . 


( 3668 ) قوله : “ لقد قفز من موضع صف النعال ، ورمى نعله “ ، معناه أنه ترك هذه الدار الفانية ، التي لا تعدو أن تكون ممراً وضيعاً بالنسبة لما يجيء وراءها ، كما يكون موضع صف النعال بالنسبة للمسجد أو الدار . ورَمْيُ النعل كناية عن الانصراف عن الدنيا ، ونبذها . فلن تكون له عودة إلى موضع صف النعال ( الدنيا ) ليلتقط نعله ، بل هو قد تخلى عن هذه العودة ودواعيها . 


( 3670 ) إن العارفين الذين سلكوا سبيل الفناء ، لن تجد لهم سبباً يربطهم بهذه الدنيا ، مهما كان هذا السبب واهياً . 


( 3672 ) في البيت اقتباس من آية كمريمة تشير إلى البعث . ولكن الشاعر استخدم مفهوم البعث هنا للدلالة على البعث الروحي ، الذي يؤمن به الصوفية ، وفيه تتجه حواسهم وعقولهم إلى الخالق ، فتكون كالأمواج التي تعود إلى البحر الذي انطلقت منه . 


( 3673 - 3674 ) إذا أقبل ليلى الوعي الحسي ، وزال نهار التجلي ، أعاد اللَّه عقول أهل الكشف إلى وعيها ، وأخرجها من نشوتها ، لتحمل من جديد أعباء هذه الحياة . فهذه العقول كنجوم أشرق عليها النهار فاحتجبت ، فلما جنّ الليل عادت إلى الظهور . وهي لا تكاد تحل في الأجساد حتى يعود إليها وعيها وإدراكها الذي كانت عليه . 


( 3676 ) فهذه الأجساد الخاوية من العقول والأرواح ، قد أصبحت فرساناً يثيرون الغبار حين رد اللَّه عليها العقول والأرواح ، وكذلك الحال بالنسبة لمن ماتوا من المؤمنين وتحللت أجسادهم ، يعيدهم اللَّه يوم القيامة أقوياء أشداء . وهنا ينتقل الشاعر من البعث الروحي بمعناه الصوفي إلى البعث بمعناه الاصطلاحي ، وهو إعادة الموتى إلى الحياة يوم القيامة .

 “ 616 “ 


( 3679 ) في هذا البيت إشارة إلى استحالة إحداث الوجود من العدم . 
فبموجب هذا القول الذي ينطبق مفهومه على الكائنات جميعاً ، يكون إيجاد المعدوم محالًا ، أو يكون المعدوم - على حد تعبير الشاعر - مستعصياً على الوجود ، يستنكر إمكان اقتلاعه من حاله التي هو عليها . ولكن هذا المبدأ لا ينطبق على الخالق ، الذي يخلق من العدم ما يشاء بإرادته . 


( 3680 ) يصور الشاعر إحداث الموجودات من العدم بقدرة اللَّه ، بأن الخالق جرّها من شعرها فأخرجها من حالها التي كانت عليها في عالم الإمكان إلى ما أصبحت عليه في عالم الوجود . 


( 3681 ) بانتقال المعدوم من عالم الإمكان إلى عالم الوجود ، دخل في دنيا لم تكن أحوالها ولا خطوبها تخطر له على بال . 


( 3682 ) إن العدم لمطيعُ أمر ربه فيما أراد ، ولا سبيل له إلى أن يستعصي على قوة اللَّه الخالقة . ومهما كانت له من قوة سلبية كقوة الشياطين فأنى للشياطين أن تستعصي على إرادة سليمان . 


( 3684 ) إن الموجود يخاف العدم . وكذلك العدم ، يخاف أن ينتقل من حاله إلى حال الوجود . وكل من العدم والوجود لا يملك لنفسه أمراً أمام إرادة اللَّه ، التي تستطيع أن تنقله من حاله إلى عكس تلك الحال . 


( 3685 ) ينتقل الشاعر هنا إلى الحديث عن ازديار خوف الإنسان من العدم بازديار خظه من متاع الدنيا . فهذا يزيده ارتباطاً بها ، وحرصاً على البقاء فيها . 
( 3686 ) ليست هناك حياة حقيقية إلا بمحبة اللَّه . أما محبة الدنيا والإقبال عليها ، مهما بدت لذيذة لعشاقها ، فليست إلا معاناة للنزع ، لأنها احتضار للروح يؤدي في النهاية إلى هلاكها . 


( 3687 ) يعرف الشاعر معاناة النزع هنا بأنها اتجاه المرء إلى الموت قبل أن يتحقق له ارتشاف ماء الحياة . وماء الحياة هنا تعبير رمزي عن المحبة الإلهية ، وهي عند الصوفية سبيل البقاء . فإذا قضى الإنسان عمره في تعلق بالحس ورغائبه ، فقد جعل من حياته فترة احتضار روحي ، وكان باستطاعته أن يتجه نحو ماء الحياة فيكتب له الخلود .

“ 617 “


( 3688 ) الناس في هذه الدنيا لا يتفكرون إلا فيها ، ولا يخشون إلا الخروج منها ، وقد صرفهم هذا عن سبيل المحبة ، الإلهية ، واعترتهم إزاءها الشكوك ، مع أنها سبيلهم الوحيد إلى البقاء . 


( 3689 ) قوله : “ وسر في الدجى نحو ربك ، فإنك إن أغفيت ضاع منك الليل “ معناه : “ ولا تضع ليل الحياة في غفلة وسبات ، بل اقطع هذا الليل ساهراً متنبهاً ، لعلك تهتدي إلى ما يحقق لك حياة الخلود . أما من غلبه النوم في هذا الليل ، فقد فاتته الفرصة ، وضاعت حياته سدى . يقول الغزالي : 
“ وليس يمكن العبد أن يصل إلى اللَّه سبحانه ما لم يسكن الدبن ولم يُجاوز الدنيا ، فإن المنزل الأدنى لا بد من قطعه للوصول إلى المنزل الأقصى ، فالدنيا مزرعة الآخرة “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 5 ) . 


( 3690 ) فتّش في هذه الحياة المادية المظلمة عن حياة الروح الصافية المشرقة ، واتخذ من العقل الكليّ هادياً لك في تلك الظلمات . 


( 3691 ) أنظر البيت 574 والتعليق عليه . 


( 3692 ) “ وكيف تستطيع الخلاص من هذه الغفلة ، وأنت الذي تغرس قلبك فيها ، وتجلت على روحك دواعيها ؟ “ . 


( 3693 ) هذه الغفلة الثقيلة جلبها عليك إغراقك النفس في متاع الحياة الدنيا . فقد كنت كتاجر غفل عن بضاعته ، وهي أيام عمره المحدودة ، فأخذ الشيطان يسرق منه تلك الأيام ويعطيه لقاءها ما يشغله به من مغرياته الرخيصة . وصرفتك هذه المغريات عن إدراك الضياع الذي أصابك . 


( 3701 ) “ نور إبراهيم “ هو نور الإيمان باللَّه ، الذي جعله ينجو من الاحتراق بنار الكافرين . 


( 3702 ) النفس الأمارة بالسوء تحرق الجسم كما تحرق النار عود الحطب . وليس سوى الإيمان يطفئ لهيب النفس المضطرم كنار النمرود .


“ 618 “


( 3718 ) إن المال في يد الخاطئين كبذور غرست في أرض ملْحة ، فهي لا تزكو ولا تثمر . أو هو كسيف في يد قاطع الطريق ، لا يتحقق منه سوى الغدر والإيذاء . 


( 3719 - 3720 ) من الواجب أن يميّز الإنسان بين أهل الدين وأهل الضغائن ، وأن يكون دليله في اختيار رفقائه ما يكون عليه هؤلاء من قيمة ذاتية ، وليس ما يربطه بهم من قرابة أو نسب . فالتعصب لذوي القربى لا يحتاج إلى حكمة ولا إدراك رفيع ، فهذا أمر لا يخفى على أحد ، ولو كان من أهل الغفلة .
.
الشروح والدراسات المثنوي المعنوي مجمعة الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3721 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالثلاثاء أغسطس 25, 2020 7:50 am

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3721 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3721 - 4003 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3721 - 4003 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3721 - 4003 

كيف بصق أحد الخصوم في وجه علّي كرّم اللَّه وجهه
( 3721 ) يبدأ الشاعر هنا سرد قصة معروفة عن علي بن أبي طالب ، خلاصتها أنه كان ينازل أحد الرجال ، وتغلّب عليه فطرحه أرضاً ثم جثم على صدره ليقتله ، فبصق الرجل في وجه عليّ . وإذ ذلك ألقى عليّ بالسيف من يده وأعرض عن قتله . فلما سُل في ذلك ، قال إنه فعل ذلك لأنه خشي أن يكون من أسباب هذا القتل غضبه لأن الخصم قد بصق في وجهه . وهو لم يُرد قتله لهوى في نفسه ، وإنما كان ذلك من أجل مرضاة اللَّه . 
وقد ذكر نيكولسون بعض المصادر التي وردت بها هذه القصة ، ومنها رسالة القشيري ، وكتاب الفخري . ( انظر تعليقاته على الجزاء الأول ، ص 213 ) . 
وقد أضفى جلال الدين على القصة من فنّه ما جعلها حافلة بألوان رائعة من الحكمة، وعلى عادته، جعل من حكاية صغيرة ، عملًا أدبياً ينبض بالحياة. 

( 3729 ) ما الذي تجلى لك من صور الغيب ، فسكن غضبك بهذه السرعة ؟ 

( 3740 ) قال الرسول هذا الحديث ، ناهياً أصحابه عن مواصلة الصوم ( انظر الحديث في تعليقنا على هذا البيت مع ترجمته ) . وقد روي الحديث بصور مختلفة ، لكنها تحمل المعنى ذاته . وللحديث تفسير

 “ 619 “ 


صوفيّ في كتاب اللمع للسراج ( ص 132 ، 294 ) . 

( 3741 ) يجب أن تتقبل الروح مثل هذا القول من الرسول ، بدون تأويل ، وتكون متذوقة له كما يتذّوق الحلق الشهد واللبن . 

( 3742 ) فالتأويل الذي يصرف هذا القول عن معناه يكون رفضاً لهذا الكشف الإلهي الذي نقله الرسول إلينا . وتأويل القول على هذا النحو ينطوي - بصورة عامة - على اعتقاد بخطئه . 

( 3743 ) الذي يرى الخطأ في كشف إلهي ، أو خبر صادق مأثور عن الرسول فإنما فعل ذلك لأنه ضعيف العقل ، ولا مقدرة له على استيعاب مثل هذه المعاني الروحية . فلقد فاضت هذه من العقل الكليّ ، والعقل الكليّ هو لبّ الحكمة ، وأما العقل الجزئي الذي يعتد به الإنسان فليس سوى قشور . 

( 3744 ) “ إذا لم تتذوق مثل هذه الأخبار الصالح فابحث في نفسك عن الخطأ ، ولا تحسبه في هذه الأخبار فتعمل على تأويلها . والأولى بك أن تُلقي النوم على عقلك إزاء ما لا تفهم منها ، لا أن تتناولها بالنقد والتجريح “ . وقوله : “ وسبّ نفسك ولا تسبّ بستان الورد “ يحمل ذات المغزى الذي يشير إليه قول المتنبي :ومن يك ذا فم مرّ مريض * يجد مرّا به الماء الزلالا

( 3747 ) إن صفح عليّ قد قتل الغرور والاعتداد في نفس خصمه . 
والحقّ يقتل رغبات الحسّ ويخلص الإنسان من طغيانها ، وبهذا يبثّ في روحه الحياة الخالدة .

[ شرح من بيت 3750 إلى 3900 ] 
( 3750 ) قوله : “ يا باز العرش ، يا صاحب الصيد الوفير “ معناه : “ أيها الباز الذي حلّق في سماوات العالم الروحي ، وظفر منها بالصيد الوفير “ . 
والصيد الوفير كناية عما ظفر به في سياحاته الروحية . 

( 3752 - 3754 ) يشير الشاعر في هذه الأبيات إلى مختلف درجات الكشف الروحي . فأهل العرفان يكون لهم من الشهود والعيان ما تؤهلهم له

 “ 620 “ 


قواهم الروحية ونفاذ بصيرتهم المتجهة إلى عالم الغيب . 

( 3754 ) يخاطب الكافر عليّاً بقوله : “ هؤلاء العارفون - على اختلاف درجاتهم - متجهون إليك ، وقد تعلقت أبصارهم وآذانهم بصنيعك ، لما تجلى فيه من جمال الكشف الروحي . فهذا الصفح قد أظهر أمامهم مثلًا رائعاً من الحلم وضبط النفس . وهم - في الوقت ذاته - منصرفون عنّي ، لم تلفت أنظارهم شناعة عملي ، لأن مبعثه الحقد والبغضاء والميل مع الهوى ، وهؤلاء لا صلة لقلوبهم بهذه الأحاسيس “ . 

( 3760 - 3762 ) المرشد يشرق نور هدايته - الذي يتجلى في سلوكه وأفعاله - فيهدي السالكين . ولكنه إذا تكلم كان أكثر هداية لهم ، وكانت أقواله تزيد أفعاله وضوحاً ، فيسهل على مريديه الاقتداء به . وقد قدم ابن العربي لحديثه عن الأولياء المرشدين بقوله :ومن عجب أني أحنّ إليهمو * وأسأل عنهم من أرى وهمو معي 
وترصدهم عيني وهم في سوادها * ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي( الفتوحات المكيّة ، ج 1 ، ص 178 ) . 

( 3763 ) في هذا البيت إشارة إلى الحديث الذي ينسب إلى الرسول أنه قال : “ أنا مدينة العلم وعليّ بابها “ . 

( 3764 ) قوله : “ حتى يتحقق بك وصول القشور إلى اللباب “ ، معناه “ حتى تكون هادياً لمن أسارى عالم الحس الظاهر إلى عالم الروح ، وهو الهدف الأسمى لوجود الإنسان في هذا العالم . 

( 3767 ) ليس للقلب سبيل إلى الانطلاق من عالم الحس إلى عالم المعنى ما لم يفتح له الباب مرشده وراعيه . 

( 3768 ) لو انفتح أمام القلب باب يشاهد منه العالم الروحي ، لبهره جمال ما يشهد ، وكان هذا الجمال مثيراً لخياله ، باعثاً له على الانطلاق محلقّاً بأجنحة شداد في عوالم من التأمل الروحي العميق . 

( 3769 - 3770 ) المرشد الروحي بما يكون عليه من التواضع والزهد

 “ 621 “ 


والتقشف يبدو للسالك مظهراً لا خير وراء . والسالك قد يقصده فيجد عنده كنوز المعرفة على غير توقع منه ، كما قد يجد بعض الناس كنزاً في الأرض الخراب . وإذ ذاك ينجذب السالك إلى كل مرشد روحي ، كما يندفع مكتشف الكنز نحو كل أرض خراب . ولو لم يجد السالك ما يسعده من جواهر الحكمة عند أحد المرشدين الروحيين ، لما قاده ذلك إلى أن يطلب صحبة رجال التصوف ، وينشد الارتباط بهم . 

( 3771 - 3772 ) الإنسان المعتدّ بنفسه ، المبتعد عن رجال الحقيقة ، يعيش أسير ظنونه ، ولا سبيل له إلى إدراك اليقين . فالمعتدّ بنفسه لا يستطيع أن يفيد معرفة من غيره ، كمن شمخ بأنفه فلم يعد يبصر شيئاً سواها . 

( 3775 ) كان من المعروف أن الشمس هي التي تبث الروح الحيواني في الأحياء . 

( 3784 ) قوله “ الباز الذي يصيد العنقاء “ معناه “ يا من أنت قادر على الظفر بأعمق حقائق العرفان التي تستعصي على الآخرين “ . 

( 3794 ) الرياح العاصفة “ هنا رمز للأهواء والشهوات التي تذهب بثبات الرجال وتعصف بهم . 

( 3797 ) الشطر الثاني من البيت يمكن أن يقرأ على النحو التالي : 
“ ورشوم چون كاه بادم ياد اوست “ . 
ومعناه : “ ولو صرت كالقشة فلا ريح تحركني إلا ذكره “ . والقراءتان - في نظرنا - مقبولتان . 

( 3806 ) قوله “ فما هو إلا عيان ومشاهدة “ يعنى أن اليقين يحل بالقلب النقي فيكون صاحبه صادراً في عمله عن يقين تكشّف له ، وليس دافعه حينذاك التقليد ، ولا الظن والخيال . 

( 3810 ) يتحدّث الشاعر هنا حديثاً مباشراً فيقول إنه لا يجوز أن تُكشف الأسرار الروحية لعامة الخلق إلا بمقدار ، فعقولهم لا تتسع لها ،

 “ 622 “ 


كما أن مجرى النهر لا يتسع لماء البحر . 

( 3818 ) إن الذي يتبع الشهوات لا يستطيع الخلاص من سيطرتها عليه . فكأنما هو قد ألقى بنفسه في بئر عميقة القرار . والشاعر يؤكد هنا إيمانه بمسئولية الإنسان عن أفعاله فليس ارتكاب الذنوب جبراً إليهاً ، بل هو خطيئة إنسانية . 

( 3819 ) البئر التي لا رسن يوازي عمقها “ كناية عن الخطايا والشهوات التي يصعب الخلاص منها على من أصبح أسيراً لها . 


( 3821 ) إن الأكباد التي لا تتأثر ، بمثل هذا النداء الروحي ، وبهذا التحذير من الحسّ وشهواته ، لم يكن فعلها هذا ناشئاً عن صلابتها وقدرتها على الصمود أمام روعة هذا النداء ، وإنما كان بسبب غفلتها وحيرتها وانصرافها عن سبيل الحق . فهي لا تسمعه ، ولهذا لا تتأثر به . 


( 3822 ) قوله : “ فلتدْمَ في وقت لا يكون فيه دمك مردوداً “ . 
معناه : “ فلتبادر إلى الإصغاء لنداء الحق والعمل به قبل أن يأتي وقت لا ينفعك فيه الندم ، ولا يفيدك إدراك الحقيقة بعد فوات الأوان “ . 


( 3824 ) إن الرسول قد أرسل شاهداً على الخلق . وإنه لأعظم الناس أهلية لهذه الشهادة ، لأنه قد تحرر من استعباد المادة تحرراً كاملًا . وعبد المادة والشهوة - كما ذكر الشاعر - أمعن في العبودية من العبد الرقيق . ( انظر 3815 ، 3816 ) . 


( 3825 ) عاد الشاعر هنا إلى إجراء الحديث على لسان عليّ . 


( 3826 ) في البيت إشارة إلى حديث قدسي نصّه : “ إن رحمتي غلبت على غضبي “ . 


( 3830 ) إن المعصية التي ارتكبها خصم عليّ كانت سبباً في اهتداء هذا الخصم . ذلك لأنها كشفت حلم عليّ وتجرده من الغرض أمام هذا الخصم ،

“ 623 “


فتجلى له اليقين ، وحمله الإيمان إلى أعلى سماواته . 


( 3832 ) كان عمر بن الخطاب قاصداً قتل الرسول ، فلقيه على الطريق من نهاه عن ذلك ، ونبهه إلى الالتفات إلى أهل بيته حيث أن أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو قد أسلما . فذهب قاصداً أخته وزوجها ليؤاخذهما على اتباع دين محمد . وكانت معهما صحيفة من سورة طه ، قرأها عمر فاهتدى إلى الإسلام ، وذهب إلى الرسول ثم أعلن إسلامه . 
( انظر القصة برواياتها المختلفة في سيرة ابن هشام ، ج 1 ، ص 366 - 375 ، طبعة الحلبي . القاهرة ، 1936 ) . 


( 3836 ) إن انبثاق الطاعات من المعاصي على هذا النحو الذي وصفه الشاعر يدل على أن باب الأمل مفتوح على مصراعيه أمام الناس . إن اللَّه قد ضرب عنق اليأس ، وأراد لعباده أن يتحرروا منه . 


( 3837 ) يشير الشاعر هنا إلى قوله تعالى :” إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً ، فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ، وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً “. ( 25 : 70 ) .
والتوبة هنا هي البداية الجديدة لحياة من الإيمان وصالح الأعمال تجبّ ما قلبها من حياة العصيان . وفي القرآن آيات كثيرة ذكرت التوبة وبينت أنها وسيلة لغفران الذنوب . ومن هذه الآيات قوله تعالى :” إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً “. ( 19 : 60 ) . 


وقوله :” وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ “. ( 7 : 153 ) . وللتوبة الحق شروط لا مجال لذكرها هنا . 
أما قول الشاعر “ على الرغم من الوشاة “ فمعناه أن اللَّه يقبل التوبة ممن يصح عزمه على الصلاح وترك العصيان ، وذلك على الرغم من قول المتشائمين ، الذين يذهبون إلى استحالة قبول التوبة من العاصي ، ويغلقون بذلك باب الأمل المفتوح أمام الناس . 


( 3841 - 3843 ) يقدم الشاعر في هذه الأبيات تصويراً لمحاولة الشيطان إغراء الناس وإيقاعهم في الخايا ، وتربية الإثم في نفوسهم .


“ 624 “


( 3844 ) عاد الشاعر هنا إلى إجراء الحديث على لسان عليّ . وقد ذكر في الأبيات التالية قصة عن علي خلاصتها أن الرسول كان قد أخبر خادم علي أن هلاك سيده يكون على يديه ، وأن علياً برغم علمه بذلك لم يقرب خادمه بسوء . وفي القصة عناصر لا يُعرف لها أصل ، وفيها عناصر يمكن أن تُرد إلى أصولها . 
فأما وصف عبد الرحمن بن ملجم بأنه كان خادم علي ، فهذا ما لم أعثر عليه في أي من المصادر التاريخية التي رجعت إليها . لكن هناك ما يشير في المصادر إلى أن علياً كان يعرف قاتله ، وكذلك أن الرسول تنبأ سلفاً بمقتل علي . ومما ذُكر من ذلك “ أن علياً كان يخطب مرة ويذكر أصحابه ، وابن ملجم تلقاء المنبر فسُمع وهو يقول : واللَّه لأريحنهم منك . فلما انصرف علي إلي بيته أُتي به ملبباً ، فأشرف عليهم فقال : ما تريدون ؟ فخبروه بما سمعوا . فقال : ما قتلني بعد ، فخوا عنه “ . ( الكامل للمبرد ، ج 3 ، ص 198 ، مطبعة نهضة مصر ، القاهرة ) . 
وخوطب علي في شأن ان ملجم فقيل له : “ كأنك قد عرفته ، وعرفت ما يريد بك ، أفلا تقتله ؟ فقال : كيف أقتل قاتلي ؟ “ ( المصدر السابق ) . 
وفيما رواه ابن طباطبا ما يشبه ما ورد في كتاب الكامل . ولكنه يضيف إليه قوله : “ وهذا يدل على أن رسول اللَّه أعمله بذلك في جملة ما أعمله به “ . 
(تاريخ الدول الاسلامية المعروف بالفخري ، ص 99 ، بيروت ، 1960 ) . 


( 3853 - 3854 ) القاتل ليس إلا أداة من الأدوات التي يستخدمها الحق في إماتة الناس . فهو وحده الذي يجيي ويميت . ولكن إذا كان هذا القتل من فعل اللَّه ، فلماذا يكون القصاص ؟ ويجيب الشاعر على ذلك بأن هذا القصاص من الأسرار الإلهية ، ولكنه مع ذلك لا يخرج من كونه صورة من الصور التي يتجلى فيها التضاد الظاهري فيما ينبثق عن الصفات الإلهية التي استوعبت الكون بكل مظاهره . 


( 3855 ) إن ما قد يظهر في الكون من قهر إلهي ، يعقبه لطف يمحو آثار هذا القمر ، ويشيع في مكانه الرحمة والرضى .

“ 625 “


( 3860 ) كل شريعة أنزلها اللَّه كانت أكمل مما سبقها . ولهذا فإن الخالق ما حطم شيئاً إلا صنع ما هو خير منه . 


( 3861 ) مظهر القهر قد يستر وراءه خيراً ولطفاً ، كاليل يحجب نور النهار بظلامه ، ويلف الخلق جميعاً بسكونه ، ومع ذلك ، ففي هذا الظلام والسكون ما يمكنّ العقول من التأمل والتفكر فتشرق عليها أنوار المعرفة . 


( 3863 ) قوله “ أليس ماء الحياة داخل الظلمات ؟ “ يعني أن الشدة قد تنطوي على الخير ، كما يحيط الظلام بماء الحياة . ( انظر البيت 574 والتعليق عليه ) . 


( 3865 ) إن الشر في هذه الدنيا بظهر الخير ، والآلام تظهر المسرات . 
وكل ضد يظهر ضد في الوجود . وليس للنور الدائم مقر إلا سويداء القلب . 


( 3774 ) إن موت الإنسان بداية لحياة جديدة أعظم من حياته على الأرض . 
وقد يكون قطع الخلق هنا رمزاً لإماتة الشهوات الحسية ، مما يجعل الروح قادرة على الانطلاق من إسار الجسد إلى عالمها الرحب . 


( 3875 ) “ الحلق الثالث “ هنا رمز لقدرة على التذوق من نوع آخر ، وتلك هي الذوق الصوفي . والصوفية بهذا الذوق ، “ يحتسون النور ، وينهلون شراب الحق “ كما يقولون . 


( 3876 ) إن من قُتلت فيه شهوات الحس ونزواته ، يولد له ذوق روحي ، فيكون فناء الحس سبيله لتحقيق البقاء ، ويكون نفي الذات طريقه إلى الخلود . 


( 3877 ) قوله : “ إلى متى تكون بالخبر حياة روحك ؟ “ معناه “ إلى متى تعتبر طعام الحس سر حياتك ، وتحسب أن هذه الحياة ارتكزت على متاع الدنيا وملاذها ؟ “ . 


( 3878 ) إنك أرقت ماء وجهك للحصول على المتع الحسية ،


“ 626 “


واعتبرت ذلك هدفاً لك في الحياة ، ولهذا فإنك لم تثمر ، فكأنك شجرة صفصاف . 


( 3879 ) “ فإن كنت غير قادر على التحرر من سلطان الحس فاتخذ شيخاً مرشداً ، فإن هذا المرشد قادر على أن يرتفع بنفسك من طبيعتها الحيوانية إلى طبيعة أسمى من تلك ، وأثره عليك يكون كأثر الإكسير على النحاس . 


( 3880 ) فإن كنت تريد غسل قلبك ، وتنظيفه مما علق به من شوائب المادة ، فلا تحوّل وجهك عن هؤلاء الخبراء بتنظيف القلوب وتطهيرها . 


( 3881 ) مع أن الخبر لذيذ يزيل آلام الجوع ( والخبز هنا رمز لمتع الحس التي ترضي النفس الحيوانية ) ، فإن خير الإنسان يكون في تعلقه بخالقه ، وإعراضه عن شهوات الحس ، مهما شق عليه هذا الإعراض . 


( 3882 ) كل ما يصدر عن اللَّه فهو خير . وقد يظهر للناس بعض ذلك مؤلماً ، ولكن صدوره عن الخالق يستلزم أن يكون منطوياً على الخير . 


( 3884 ) لعل الشاعر يشير هنا إلى تحريم قتل النفس ، إلا بالحق . والحق هو ما تنص عليه الشريعة الإلهية ، فالإنسان الذي يقتل ، لا يستطيع أن يحي ، لكن اللَّه يحطم حياة الجسد ، ويهب حياة أكمل منها هي حياة الروح . وإذا أخرج إنساناً من هذه الدنيا ، فهو قادر على أن يخلق من بعده كثيراً من البشر . ويؤيد هذا التفسير ما قاله الشاعر في البيتين رقم 3888 ، 3889 . 


( 3888 - 3889 ) لو لم يأمر اللَّه بالقصاص من القائل ، لما كان لإنسان أي حق في أن يقتل إنساناً آخر ، ذلك لأن الإحياء والإماتة هما من حق اللَّه وحده .


[ شرح من بيت 3900 إلى 4003 ] 
( 3900 ) في البيت اقتباس من قوله تعالى :” رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ “. ( آل عمران ، 3 : 8 ) .

“ 627 “


( 3904 ) الإنسان عدو لفنسه ، وكثيراً ما يجلب عليها الأضرار والمتاعب ولا سبيل إلى إنقاذ الروح مما يوقعه بها صاحبها ، إلا بلطف إلهي . وهذا اللطف هبة من اللَّه يؤتيها من يشاء من خلقه . 


( 3905 ) لو أنه أنقذ روحه من شهوات الحس ، فليس معنى ذلك أنه وصل بها إلى غايتها من الكمال . فالروح تخلص من إسار المادة ، لكي ترقى درجات الكمال حتى تبلغ في هذا السبيل أقصى الغايات . فإذا اقتصر الجهد على محاربة الأهواء والشهوات ، وبقيت الروح راكدة في ظل إحساسها الذاتي ، لا تستشعر الحنين إلى خالقها وموجدها ، كانت هذه الروح مسخرة للخوف ، مدبرة حيث كان ينبغي لها الإقبال . فانطواء الروح على إحساسها الذاتي يحول بينها وبين السعي إلى خالقها . 


( 3916 ) قوله “ وقطع حلق الناي ثم عاد فدلله “ ، معناه أنه جعل الغاب يُقطع من منبته ويثقب ليصبح آلة للعزف ، فلما صادر كذلك كرّمه بأن جعله قريناً المجلس السماع ، حيث يشغل الصوفية بذكر اللَّه . 


( 3923 ) الشطر الأول من البيت قراءة محرّفة للشطر الأول من بيت مشهور للشاعر الجاهلي لبيد بن ربيعة يقول فيه :ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل * وكل نعيم لا محالة زائل( 3924 ) يقول صاحب الفخري ( ص 99 ) : “ وكان علي - عليه السلام - دائماً يحسن إلى ابن ملجم “ . 
( 3925 ) انظر حاشية البيت 3844 . 


( 3930 ) قوله : “ أستشعر عشق المنيّة وهواها “ ، معناه : “ أشتاق إلى خلاص الروح من الجسد حتى تصعد إلى خالقها “ . 


( 3934 - 3935 ) في هذين البيتين اقتباس من قول الحلاج :اقتلوني يا ثقاتي * إن في قتلي حياتي 
وحياتي في مماتي * ومماتي في حياتي


( 3936 ) “ لو لم يكن في المقام بهذه الحياة الدنيا فرقتي عن عالم الروح ، لما



“ 628 “


كان يُقال” إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ “. ( البقرة ، 2 : 156 ) والمؤمنون يرددون هذه العبارة القرآنية حينما تصيبهم مصيبة ، أو يمر بهم ما يذكرهم بالموت ولقاء اللَّه . 


( 3944 ) ينسب إلى علي أنه قال :السيف والخنجر وريحاننا * أُف على النرجس والآس
( 3945 ) عُرف علي بالزهد والتقوى . والشاعر يصوره هنا منصرفاً عن جاء الدنيا ، وقد غلبت حياة الروح عنده على متع الجسد . 


( 3949 ) شبيه بمعنى هذا البيت قول البوصيري :وراودته الجبال الشمّ من ذهب * عن نفسه فأراها أيما شم
( 3954 ) “ إن متاع الدنيا لا يستطيع أن يصرفنا عن طريق الروح التي أخذنا أنفسنا بالسعي إليها ، كما أن جمال الخلق لا يحوّل قلوبنا عن محبة الخالق المبدع “ . 


( 3958 ) إن الغرض يلوّن الحقيقة بطابعه في بصيرة الانسان ، كما يحدث حين ينظر المرء إلى نور الشمس من خلال زجاجة ملوّنة . 


( 3959 ) “ الزجاجات الملونة “ هنا رمز للأهواء المختلفة التي تصبغ الحقيقة بألوانها . وكسر هذه الزجاجات كناية عن التخلص من تلك الأهواء حتى لا تكون مدعاة لخطأ البصيرة . فالإنسان الذي يتخلص من الغرض والهوى يصدق حكمه على الناس وعلى أفعالهم . وقوله : “ حتى تتبيّن فلا الغبار والرجل “ معناه : “ حتى تتكشف لك حقيقة الرجل الصالح ، فلا تقيس أحواله ، بأحوالك وتحكم عليه من خلال ما غشي بصيرتك من ضباب الشهوات والأهواء “ . 


( 3961 ) مثل الذي يستهزيء برجل اللَّه كمثل إبليس الذي نظر إلى ظاهر آدم ، ولم ينظر إلى حقيقة . فهيكل آدم الذي صُنع من الطين خدع إبليس عن حقيقة آدم فاستهان به ، وحسب نفسه خيراً منه . 


( 3965 ) الأسد ملك الحيوانات وأقواها يمثل الحس المادي في أقوى صوره ، هذا الحس “ الذي ينشد الصيد والغذاء “ وهما يرمزان هنا إلى


“ 629 “


الحرص واللذة ، أما “ أسد الحقّ “ وهو الرجل الكامل الذي انطلق بروحه نحو خالقه ، فلم يعد للجسد ، بكل لذّاته الحسيّة ، سلطان عليه . وسبيله الذي ينشده هو التحرر الكامل من طغيان الجسد . 


( 3973 ) “ السراج “ وصف للرسول جاء في قوله تعالى :” يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً . وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً “. 
( 33 : 45 - 46 ) . 


( 3979 ) قوله : “ وكسر زجاجة الحبيب لا يكون إلا بحجر الحبيب “ ، معناه أنه لا حق لإنسان في أن يميت إنساناً آخر . فاللَّه وحده هو الذي يميت ، سواه أكان ذلك بفعل مباشر ، أو بأمر واجب الاتباع ، مما نصتّ عليه الشريعة . 


( 3984 ) “ السراج الذي يبحث عن العين “ هو الذي يهدي القلوب التي تنشد الهداية . والعبارة كلها كناية عن الرسول . ويؤكد هذا المعنى وصف الشاعر لهذا السراج في الشطر الثاني من البيت بأنه هو الذي أمدّ سراج عليّ بالنور . 
فهدْيُ عليّ مقتبسُ من هدي الرسول . 


( 3985 ) هديُ الرسول بحر من النور ، وقد كان سبباً في ظهور كل هذه الأفعال النبيلة على يد أتباعه . ومنها سلوك عليّ إزاء ذلك الكافر . 


( 3990 ) ذكر بعض الشراح أن الشاعر يشير بهذا البيت إلى حادث معيّن ، أوقف نظم المثنوي عند نهاية الكتاب الأول . والمعروف أن هذا الحادث - على ما يُذكر في سيرة الشاعر - كان وفاة زوجة حسام الدين ، تلميذه المحبوب ، الذي كان يكتب ما يمليه الشاعر من أبيات المثنوي . 
ولكني اعقتد أن الشاعر يتناول في هذا البيت أثر المادة على الروح بوجه


“ 630 “


عام . فالتمتع الحسيّ ، يوقف جيشان الفكر وانطلاقه . 


( 4001 - 4003 ) يبدو في هذه الأبيات طابع من الحزن ، ولعل الشاعر هنا يشير إلى مأساة تلميذه حسام الدين بفقد زوجته . فهذه المأساة قد عكّرت صفاء التلميذ ، وجعلته غير قادر على المضي مع أُستاذه في العمل . 
وهنا رأى الشاعر أن نبع الشعر قد اعتكر ، وأنه لا بدّ من الوقوف عند هذا الحد إلى أن يعود الصفاء من جديد . 


(تمت شروح الكتاب الأول من المثنوي )



*
تم بحمد الله تعالى رب العالمين
عبدالله المسافر بالله
.
الشروح والدراسات المثنوي المعنوي مجمعة الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
» مقدمة مولانا المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
» حكاية عشق ملك لاحدى الجواري المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
» حكاية البقال والببغاء المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
» مقدمة المترجم وفهرس المحتويات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  حضرة مولانا جلال الدين الرومي-
انتقل الى: