منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 6:50 pm

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 35 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 35 على منتدى عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 35 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح المقدمة لمولانا جلال الدين الرومي



« 353 »
[ شرح ] مقدمة مولانا :
-اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ * الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ، الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ، يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ * يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ * نُورٌ عَلى نُورٍ * يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ * وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ( النور / 35 ) ،
فالمعرفة نور يقذفه الله في القلب ، وهذا المثنوى المعنوي حصيلة هذا النور ، فمعانيه نور ، وألفاظه وكلماته كالمشكاة والمصباح .

- وهو جنان الجنان : الجنة عند العرفاء آجلة وعاجلة ، فالآجلة نتيجة الأعمال الصالحة في الآخرة ، والعاجلة الأذواق الروحانية والعلوم والمعارف الربانية دلت عليها الأحاديث الشريفة وهو قوله عليه السلام : ارتعوا في رياض الجنة قالوا : وما رياض الجنة يا رسول الله ؟
قال : مجالس العلم وقال عليه الصلاة والسلام : إذا لقيتم شجرة من أشجار الجنة فارتعوا في ظلالها وكلوا من ثمارها ، قالوا : وكيف يمكن هذا في دار دنيانا يا رسول الله ؟
فقال عليه السلام إذا لقيتم صاحب العلم فكأنما لقيتم شجرة من أشجار الجنة ( يوسف بن أحمد المولوي : المنهج القوى لطلاب المثنوى ، ج 1 ، ص 5 يذكر بعد ذلك تحت اسم مولوى فحسب ) - « خير مقاما وأحسن مقيلا » ناظرة إلى الآية الكريمةأَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا( الفرقان / 24 ) .
- « وهو كنيل مصر شراب للصابرين وحسرة على آل فرعون الكاذبين » أنظر لتفصيلات هذا المعنى ، الترجمة العربية للكتاب الرابع من مثنوى مولانا جلال الدين ، لكاتب هذه

« 354 »

السطور ، الأبيات 3430 - 3524 وشروحها ( القاهرة 1993 ، ت . مدبولي ) . حيث يفصل ايضاً في المقارنة بين المثنوى بين متقبليه وكارهية بماء النيل بين قوم موسى وآل فرعون .
 
- وسعة الأرزاق : الأرزاق هنا هي الحكمة ( أنظر لتفصيلات الترجمة العربية ، الكتاب الثالث من المثنوى لكاتب هذه السطور ، الأبيات 3746 - 3750 وشروحها . الزهراء للاعلام العربي . القاهرة سنة 1992 ) .
-يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراًجزء من الآية 26 من سورة البقرة : وأن يضل به محض عدله أي يمنع عنه الاهتداء وذلك لضعفهم بتراكم المخالفات فلا تظهر إلا ظلمتهم ( مولوى 1 / 6 - 7 ) .

-بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ( عبس / 15 - 16 ) ومقارنة المثنوى ( في مفاهيمه والتزامه وجانبه التعليمي والروحي ) بالقرآن الكريم ترددت كثيرا في كتب المثنوى الستة ( لأكثر الإشارات تفصيلا ، أنظر الترجمة العربية للكتاب الثالث من المثنوى ، لكاتب هذه السطور ، الأبيات 4230 - 4246 وشروحها ) . وغنى عن الذكر أن المثنوى يسمى بالقرآن البهلوى من قبل الناطقين بالفارسية تعظيماً لشأنه واحتراما له ولا يكاد بيت في إيران حديثاً والدول الناطقة بالفارسية من قبل يخلو من المثنوى .

-لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ( الواقعة / 56 ) .لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ( فصلت / 42 ) .
فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَوعن حفظ الله للقرآن ، أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 1197 - 1214 وشروحها .
 
« 355 »

- « القليل يدل على الكثير والجرعة تدل على الغدير والحفنة تدل على البيدر الكبير » تبدو مثلا عربيا لكني لم أجد له أصلا .
- اجتهدت في تطويل المنظوم المثنوى : الواقع أن مولانا جلال الدين قد استرسل في بعض المواقع ، وكرر كثيراً من الأمثال والصور ، وعلينا ألا ننسى أن المثنوى في البداية كتاب تعليمي وأنه يحتوى على عدة مستويات وذلك لاختلاف مستويات المخاطبين ومع ذلك ففي مواضع كثيرة منع مولانا نفسه من الاسترسال واعترف بأنه لو استرسل لما تحمل أحد منظومة المثنوى ولصارت في سبعين مجلدا .

وطريقة الزهاد : لا تدل العبارة على أن مولانا كان يفضل الزهد كسلوك إلى طريق المعرفة . . بل توجد في المثنوى سخرية من الزهاد المتنطعين وكيف يصلهم العقاب الإلهى فالأصل عند مولانا التوسط في الأمور ( أنظر على سبل المثال لا الحصر : مثنوى عربي ثالث ، الأبيات : 1636 - 1639 و 1674 - 1694 وشروحها ومثنوى عربي خامس ، الأبيات 3440 - 3464 وشروحها ) .
 
لاستدعاء سيدي وسندى . . . إلى آخره : الأوصاف كلها من شيخ إلى مريده وليست من مريد إلى شيخه ( ! ! )
ولعل في هذا نوعاً من الإيهام ، فإذا كان المريد على هذه الدرجة من المعرفة والمشيخة فما بالك بالشيخ ؟ وفي الأبيات ( 430 - 432 ) من الكتاب الذي بين أيدينا يطلب من المستمع إن أشكل عليه شئ أن يسأل شمس الدين التبريزي ، فإن لم يجبه فحسن حسام الدين ، وأسقط نفسه تواضعاً ، والحب الذي يكنه مولانا لحسن حسام الدين لا يقل بحال من الأحوال عن الحب الذي يكنه لشمس الدين التبريزي ، وحسن حسام الدين مذكور في كل كتب المثنوى في مواضع الافتتاح وفي غيرها ( أنظر على سبيل المثال لا الحصر : الكتاب الثاني : 3 - 5
 
« 356 »
 
والثالث 1 - 3 والرابع إشارة في المقدمة بأن المثنوى مدين له في الأبيات 1 - 19 وفي الخامس يفتتح بأن حسام الدين هو الذي طلب منه دفتراً خامساً ( انظر الأبيات 1 - 14 ) وحسن حسام الدين في المأثور المولوي هو الذي طلب من مولانا منظومة على غرار حديقة الحقيقة لسنائى لتعليم المريدين وفي افتتاحية الكتاب السادس الأبيات 1 - 8 يعترف مرة أخرى بأن حسن حسام الدين هو الجاذب للمثنوى )
وحسن حسام الدين الذي كان نائباً لجلال الدين وأميناً لسره وموضعاً لثقته ومثار وجده الصوفي طيلة عشرة سنوات بعد وفاة صلاح الدين زركوب ، اسمه حسن وأبوه محمد وجده حسن ، ويرجع نسبه إلى تاج العارفين أبى الوفاء الكردي المتوفى سنة 501 للهجرة .

ولد سنة 622 في قونيه فكان بينه وبين مولانا ثماني عشرة سنة أو ست عشرة سنة . . توفى والده وهو صبي وكان شيخاً لزاوية الفتيان المسماة بالأخية والتي زارها ابن بطوطة ووصف دراويشها وشيخها ( ابن بطوطة : تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ، تحقيق د . على المنتصر الكتابي ، ج 1 ، ص 322 - 322 ، ط 2 مؤسسة الرسالة ، بيروت سنة 1979 ) وأراد الفتيان تنصيبه شيخا مكان أبيه ، إلا أنه فضل الالتحاق بجلال الدين حيث وصل إلى مرتبة نجيه ( أنظر لمعلومات أكثر تفصيلا : بديع الزمان فروزانفر : زندگانى مولانا جلال الدين محمد مشهور به مولوى ، ص 101 - 109 - تهران - زوار - 1354 ه . ش - عبد الباقي كولبينارلى : مولانا جلال الدين محمد ، ترجمة توفيق سبحانى - ، ص 195 - 201 ، تهران 1363 ه . ش ) .

- المنتسب إلى الشيخ المكرم بما قال : أمسيت كرديا وأصبحت عربيا : يقول استعلامى ( محمد استعلامى : مثنوى جلال الدين بلخى ، جلد 1 ، ط 1 - تهران 1360 ه . ش ص 193 ، يكتفى فيما بعد بذكر استعلامى ورقم المجلد والصفحة ) نقلا عن يادداشتهاى قزوينى نقلا عن

« 357 »

نفحات الأنس لعبد الرحمن الجامي : أن القول منسوب إلى الصوفي الفارسي بابا طاهر العريان الشهير بالهمدانى انه كان يريد ذات يوم أن ينضم إلى طلاب إحدى المدارس ، فلم يسمحوا له إلا أن يكسر الثلج في ذلك الشتاء ، وأن يغتسل بماء شديد البرودة ، ففعل ما أمروا به ، ونام ليلته ،

فقام من النوم أكثر علما وفتوحا من كل الطلاب وتضرب العبارة مثلا في الفارسية للطفرة ولمن يقطع في ليلة واحدة طريق سنوات والمقصود هنا التطور الروحي السريع ،
غير أن الأمر قد لا يتصل ببابا طاهر العريان وقد يكون الشيخ أبو الوفاء الكردي الذي أشار مولانا نسبة حسن حسام الدين إليه ، كما أشار إليها الباحثون ( أنظر الإشارة السابقة ) وأشار إليها يوسف بن أحمد ( مولوى 1 / 10 )
وساق رواية مفادها أن أهل زمانه طلبوا منه موعظة ، وكان أميالا يقرأ ولا يكتب فقال لهم : غدا تسمعون ،

ثم توجه تلك الليلة إلى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلّم بتوجه تام ، فرآه وقال له : يا طبيب القلوب عبدك العاشق استدعاه المسلمون للوعظ ولسانه اشتعل بلمعة الوعد ، أما تعلم يا فخر الرسل بأن أمي ؟ !
فتبسم الرسول صلى اللّه عليه وسلّم له قائلا : تجلى الله عليك باسمه العليم والحكيم ، فاجتمع الناس ثم أتى المسجد وصعد المنبر بعد الصلاة ، وافتتح كلامه بما قال : أمسيت كردياً وأصبحت عربيا ( والرواية موجودة أيضاً عند إسماعيل حقي الأنقروى - جلد 1 ، ص 18 من شرح المثنوى ، استنابول 1115 ه - يذكر فيما بعد اسم انقروى فحسب ) .
- ألقت على الشمس رداءها : إشارة إلى حديث أورده الأنقروى 1 / 91 : إن لله عباداً قلوبهم أنور من الشمس .
- الملوك تحت الأطمار : أي الصوفية الأولياء ، مختفون في الخرق ، لكنهم ملوك ذلك العالم . . . وفي موضع آخر يقول مولانا « إنهم تحت قبابى أو تحت قبائى كامنون » أنظر مثنوى عربي ثان : البيتان 931 - 932 ، ومثنوى عربي ثالث الأبيات 79 - 84 وشروحها ) .
 
« 358 »

[ شرح الأبيات ]

( 1 - 2 ) : البيتان هنا كما ورد في النسخ القديمة كلها على وجه التقريب في موضعين ذكر « هذا الناى » بدلًا من النص الأكثر انتشاراً « من الناى » وذكر في صوت التياعى بدلًا من صوت التياعى . . وكلاهما انتشر مع نسخة نيكلسون . وبهذين البيتين يبدأ مثنوى جلال الدين . .

ومن قائل أن هذا الافتتاحية للمثنوى والتي لا تزيد في أغلب النسخ على أربعة وثلاثين بيتاً هي خلاصة الأفكار التي ساقها مولانا في كتب المثنوى الستة ، وهو قول فيه تزيد كبير . على كل حال اختلف الشراح في تفسير المقصود بالناى فمن قائل أنه الإنسان الكامل ( مولوى 1 / 15 ) ، ومن قائل أنه الروح القدسية ، ومن قائل أنه النفس الناطقة ، وقال بعضهم بل الحقيقة المحمدية ( استعلامي / 194 ) ،

وقال الأنقروى ( 1 / 24 - 25 ) بل هو القلم ، فالناى والقلم من أصل واحد ، ونفير الناى كناية عن صرير القلم ، وساق بعض الأحاديث النبوية منها « القلم أحد لساني الانسان يؤدى به ما في الجنان ويبلغ البعيد كما يبلغ القريب باللسان » .
وقال بعض الشراح بل هو الروح أُنتزعت من نبتها من الجنان فلا تزال تئن شوقا إلى موطنها وحنينا إلى أو أن عودتها .
وقال عبد الرحمن الجامي في شرح له على بعض أبيات المثنوى أن الناى هو مجرد الإنسان المتصل بالله التواق إلى رحابه فليس هو الذي ينطق بل ينطقه الله سبحانه وتعالى ويضع على فمه هذا الحنين ،
وقد نقل السبزواري هذه الأبيات ( ملا محمد هادي سبزوارى ، شرح مثنوى ، ص 8 ، تهران 1285 ، بعد ذلك يكتفى باسم سبزوارى ) ، وجاءت عند عبد الرحمن الجامي كاملة :
- من هو الناى ؟ ! ! إنه ذلك الذي يتحدث لحظة بعد لحظة . .
قائلًا : أنا لست سوى موج بحر القدم - وعندما أصبحت خاليا عن وجودي ، لم يعد لي علمٌ سوى بالله .
- فأنا فانٍ عن نفسي باقٍ بالحق ، وشق عنى لباس الوجود دفعة واحدة .

« 359 »

- واسترحت إلى الحق نفوراً عن نفسي ، وأطلق خارجا ما ينفخه فىّ الحق .
- ولقد صرت مقترنا بشفتى نجيي ، ولا أنبس بشفتى إلا ما قاله .
- ومن صوتي وجد كلام الحق الظهور ، سواء كان الفرقان أو الإنجيل أو الزبور .
- ورقص الأنجم والأفلاك إنا يكون من لحنى ، وتسبيح الملائكة المقربين من صوتي .
- وكل من سقط من جراء حظه العاثر ، إنما أنبهه أنا بصوتى العال .
- أما من جلس في صف المقربين ، فأنا اهمس له بالسر في أذنه هوناً .
- أحياناً أشرح محنة الهجران ، وأضع الجراح على أرواح مسلوبي القلوب .
- وأحيانا آتى ببشرى قرب الوصال ، وأهب أهل الوجد مائة وجد وحال .
- وأقوم ببيان الشرائع ، كما أجعل الحقائق عيانا .
- ومن هذه الانغام العذبة التي تربى الروح ، المثنوى في ستة مجلدات موحدة النغمة ! !
- وإنما تتبغى فرصة سانحة وعمر طويل . . حتى أقص ثانية نبذة عن عمرى .
- وما دام هذا الكلام تتبغى له نهاية ، فتلأضع ختم الصوت فوق فمي ! ! ( رسالة الناي لمولانا عبد الرحمن الجامي وهي في شرح البيتين الأولين من المثنوي في أبيات شعرية وبعض الشروح النثرية - بتصحيح حامد رباني - تهران ب . ت . )

ويرى استعلامى أن الناى هو مولانا جلال الدين نفسه فقد شبه نفسه في المثنوى وفي الديوان الكبير حيناً بالناى وحيناً بالصنج " آلة وترية " ( أنظر البين 602 و 603 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وقد ذكر جعفري ( نقد وتحليل مثنوى جلال الدين محمد مولوى ، جلد 1 ، ، ط 11 ، ص 3 ، تهران خريف 1366 ه . ش .
يكتفى فيما بعد باسم جعفري فحسب ) خلال نص المقدمة خمسة أبيات أخرى منهما بيتان وردا في الكتاب السادس ( البيتان رقم 2009 و 2013 ) والأبيات الأخرى أثبتتها

« 360 »
 
في هامش النص على أساس أن نص جعفري المطول قد يكشف عن بعض معاني النص الأكثر اشتهارا ( وهو أمر كشف عن بعض خلل النص الأشهر في مواضع عديدة من كتب المثنوى الستة مما يشار إليه في موضعه )

ومفاد البيتين أن للناى فيمن أحدهما يخرج انينه والآخر مختف بين شفتيه ، وأن الأنين والضجيج منتشران في السماء مثلما ينتشران في الأرض ، ولو لم يكن النفخ من هناك لما كان الضجيج هنا ، وفي البيتين 602 و 603 من الكتاب الذي بين أيدينا معنى قريب من هذا المعنى ، فنحن الصنج وهو العازف بريشته ، ونحن الناى والأنغام فينا منه . .

ونحن الجبال وما يتردد فينا صدى صوته . فحتى أنين الناى وشوق الروح إنما يكونان من عطاياه . على كل حال : الموسيقى على وجه العموم في رأى مولانا نفحة سماوية ( لأكثر التفصيلات عن هذه الفكرة ، أنظر مثنوى عربى رابع ، الأبيات 730 - 744 وشروحها ) وكان العلاج بالموسيقى معروفا في بيمارستان أُسست في قونيه سنة 625 ه - أي في شباب مولانا جلال الدين ( أنظر آنا ماريا شميل طارئ : شكوه شمس ، ترجمة حسن لاهوتي ، ص 297 ، ط 2 ، 1370 ه . ش . ، والفصل الرائع الذي خصصته للموسيقى والرقص عن مولانا جلال الدين من 296 - 312 حيث تفصل قيمة الناى في الرقص والسماع المولوي )
واستخدام الناى كرمز لم يكن من ابتكار مولانا جلال الدين بل يشير فروزانفر إلى عبارة أسندها إلى أبى طالب المكي

( مثل المؤمن كمثل المزمار لا يحسن صوته إلا بخلاء بطنه ) وهو ما عبر عنه مولانا نفسه في احدى غزلياته :
إنك إن خلوت من كل شئ كالناى ، فإنك تمتلئ كالبوص بالسكرMESNEVI , TERECAMSI VE S , ERHE - CILT I , ABDULBAKI GOLBINARLI , UCUNC " U BASKI , ISTANBUL , 1990 , S . 19 -يكتفى بعد ذلك بذكر كلبينارلى . الترجمة الفارسية ،

« 361 »

توفيق سبحانى ، ط 1 ، تهران ، سنة 1371 ه . ش ، ص 68 - 69 . كما أن الناى الذي يفشى أسرار الملك الإسكندر عندما ينفخ فيه الراعي من قصص سنائى الشهيرة ( أنظر حديقة الحقيقة وشريعة الطريقة ، ترجمة كاتب هذه السطور ، الأبيات 7334 - 7361 وشروحها - دار الأمين - القاهرة 1995 ) كما وردت فكرة مولانا بنصها في سير العباد لسنائى ( عن شكوه شمس 298 ) هذا الناى آخذ في الشكوى من وجوده في غير موطنه من أنوع الفرقة وأنواع الغربة : غربة الإنسان عن الله الذي هو مبدأه ومنتهاه ، وغربة الإنسان عن الجنة التي هي موطنه الأصلي ، وغربة الإنسان عن أخيه الإنسان ، واختلاف اتجاه كل إنسان عن أخيه واختلاف الألسنة والمشارب والأهواء ( وكلها موضوعات تناولها مولانا في المثنوى ) .

هذا الاغتراب يعد ميداناً من ميادين الشعر الصوفي الرئيسية ، وهو من جوانب الضعف الإنسانى الذي يعترف به مولانا جلال الدين وينظر إليه نظرة إنسانية شديدة الرقى ، وغربة الولي هي أقسى أنواع الغربات فبينما يكون ملتفتا بأجمعه إلى الله ، إذا به مضطر إلى معاشرة هذا ومعاشرة ذاك وتحمل أذى هذا وعنت ذاك . .
وها هو الناى يواصلُ شكواه : منذ أن اقتلعت من الغاب وفارقت وطنى والناس كلهم يجدون أنينهم في أنينى ، يجدوننى خير تعبير عنهم ، وهذا هو الموضع الثاني في اختلاف هذه النسخة عن نسخة نيكلسون المشهورة –
وأغلب النسخ القديمة روت البيت برواية النسخة التي بين أيدينا - وفي تفسير آخر ورد على لسان مولانا جلال الدين أن الغاب هو الناس ، هو نحن ، وأن هذا الغاب في انتظار العشق لكي يضرم فيه النار :
1 . نحن الغاب وعشقه نار * ونحن ننتظر أن تضرم هذه النار في الناى ( كليات ديوان شمس غ 831 ، ص 338 )
 
« 362 »
إن أنواع الهموم التي يعبر عنها الناس بشتى أنواع الفنون ، المكتوبة والمنظومة والمجردة هي قبسٌ من هذا الأنين ويمكن أن يكون هذا الأنين المنطلق من الناى تعبيرا عنها . . .

 والناى منذ أن اجتث من الغاب وهو يقطع المراحل مرحلة بعد مرحلة « والحاصل أن الإنسان يتولد من صلب السماء إلى بطن الأرض ومنها إلى عالم النبات ومنها إلى عالم الحيوان ثم إلى مرتبة الإنسان » ( مولوى / 1 - 17 ) مرحلة بعد مرحلة وعذاب بعد عذاب ( لمولانا جلال الدين شعر عن هذه الفكرة بتعبيرات منبثة خلال كتب المثنوى أروعها المذكور في الكتاب الثالث الأبيات 3903 - 3908 ) . ( في شرح مثنوي شريف لبديع الزمان فروزانفر تفصيلات عن ورود الناي والآلات الموسيقية في الديوان الكبير ، كما أنه فسر الناى بأنه جلال الدين نفسه - أنظر الجزء الأول من الدفتر الأول صص 1 - 10 من ط 7 تهران 1373 ه . ش . يكتفي بعد ذلك بشرح فروزانفر ) ( 3 - 8 ) : الجنسية علة الانضمام ( مولوى / 1 - 18 )

وعادة ما يكون الحديث إلى من لا يحس بنفس آلام الشاكى بغير جدوى ولا نتيجة ، كان يعقوب عليه السلام يفتأ يذكر يوسف وعاب عليه أولاده . . . فقال : إنما أشكو بثي وحزنى إلى الله . ويدق مولانا كثيراً على هذه النقطة كثيراً وهي أن التجانس أساس التفاهم ، وليس الأمر هنا بظاهر اللغة ،
بل التجانس في المشاعر والأحاسيس . . . ويقول الصوفية « يعرفنا من كان منا وسائر الناس لنا منكرون »
ويقولون « من ذاق عرف » ويستشهدون بالبيت العربي الشهير :لا يدرك الوجد إلا من يكابده * ولا الصبابة إلا من يعانيهاثم يعود الناى ( أو الروح أو مولانا جلال الدين نفسه ) فيقول : وأي بدع في أن أئن وأبوح وأشكو

« 363 »
 
الآلام المبرحة التي نتجت عن مفارقة الموطن ومعاناة الغربة ؟ ! إن هذه هي الطبيعة ، فكل إنسان يحن إلى أصله ويترقب انتهاء غربته ، هذه إشارة إلى مبدأ النفس ومنتهاها ( مولوى 1 / 18 ) المهم أن يعرف المرء أصله - أين كان ومن أين جاء وكيف أصبح ، فمبدأ البحث عن الأصل هو معرفة هذا الأصل ،
والمثنوى كتاب يأخذ بيد المرء إلى مراحل خلقه ، ويحمله إلى منازل رحلته الطويلة من الجمادية إلى النباتية إلى الإنسانية ثم إلى ما لا يحده وهم ولا يحيط به فهم ، وإلى المبدأ يكون المعاد ، ومبدأ الخلق ومعادهم الواحد الأحد ، و « إنا إليه راجعون » ، هكذا يغنى أرغنون الروح .
 
والأمر كله كدائرة مفروضة متوهمة على كرة ( انقروى 1 / 31 ) و ، وليس هذا الأمر خاصاً بالعارفين والصادقين فحسب ، فالاشقياء والسعداء يعانون هذا الشوق ، والأشقياء أكثر حزنا وإن لم يشعروا ، ومن ثم يقدمهم مولانا عن السعداء ، فمن عرف المبدأ سهل عليه المعاد ، ومن لم يعرفه أحاط به الشقاء وسقط من النجاد إلى الوهاد وتفرقت به السبل ، فهم يظنون الوصل وهم في فصل ، والقرب وهم في بعد ، وكل مقيم على ظنه « كل حزب بما لديهم فرحون » ، قال ابن عطاء : قدم الظالم لئلا ييأس من فضله ، لأنه لم يكن له شئ يتكل عليه إلا ربه ، وأخر المعتقد ليعلمه أن المنة لله عليه ( مولوى / 1 - 19 ) ،

وهكذا فكل أمرؤ يظن أنه قد صار رفيقا لي ، وهذا مجرد ظن ، والظن لا يغنى عن العلم شيئاً ، تراه يستطيع أن يدعى هذا الادعاء وهو لا يبحث عن أسرارى ، وهل يظن أنه من الممكن أن يصل إلى الحقيقة دون بحث ودون سلوك للطرق المهولة ، ودون جهاد يهون دونه أي جهاد ؟ !
هذا وان كان سرى ليس ببعيد عن نواحي وأنينى ، لكني لا زلت أؤكد أن هذا الأمر أمر إدراك السر ليس في مقدور أي انسان ، فلا بد لأذنه وعينه من هذا النور الذي يمكنه من إدراك السر ،
فان هناك كثيرا من الناس لهم آذان لا يسمعون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ، والله هو الواهب للبصيرة والإدراك والفهم ، وأنظر هل يفهم كثير من الناس ما يقال لهم
 
« 364 »

بنفس الدرجة ؟ وأنظر إلى الشبلي لما سمع بائع السعتر ينادى على بضاعته « سعتر برى » فتواجد لأنه سمعها « اسع ترى برى » ، وألم تسمع ما قاله علي رضي الله عنه عندما سمع صوت الناقوس فقال : هل تعلمون ما يقول ؟ قيل لا ، قال : يقول سبحانك الله حقا إن المولى يبقى . . . وألم يقل محمد الباقر رضي الله عنه : يتجلى الله لخلقه في كلامه ولكنهم لا يبصرون » ( مولوى 1 / 20 - 21 ) والعلاقة بين اللفظ والمعنى ، والتعبيرات والأسرار هي تماما مثل العلاقة بين الجسد والروح . . .

فالجسد بلا روح مجرد جثة هامدة لا يتأتى منها شئ . . . وآثار الروح ظاهرة في كل حركاته وسكناته . . . لكن هل يسمح لاحد أن يعلم ما هي الروح أو أن يشاهد الروح أو أن يحدد بالضبط أين تمكن الروح في هذا الكيان الجسدي ؟ ! قل الروح من أمر ربى ( وما أبلغ التعبير العامي المصري الذي يسميها بالسر الإلهى ) وفي قول للجنيد ( الروح شئ استأثر الله بعلمه لا يجوز عنه العبارة )
فاقصر القول في هذا المجال .

( 9 - 10 ) : إياك أن تظن أن أنين هذا الناى مجرد نفخ للهواء فيه ، إنه نار ، نار تضرم في كل دنسك وكدوراتك ، تصفيك وتطهرك ، ليست بعيدة عن فكرة الدور التطهيرى للفن على وجه العموم ، وويله من لم يحصل على هذه النار ، يظل سادرا في غيه مقيما على دنسه ، تغطيه كدورات الدنيا طية بعد طية ، يكدس على جوهره الثمين اكداس التراب وهو لا يدرى ، يخبو وهو يظن أنه يتألق ، ويزداد سقوطاً وهو يظن أنه يزداد علوا . . .
 فما أسعدها من نار تحرق كل ما هو سوى المعشوق ( لتفصيلات أنظر الكتاب الخامس الترجمة العربية الأبيات 589 - 591 وشروحها ) وأنظر إلى تعبير الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربى عن العشق « العشق افراط المحبة »
وكنى عنه في القرآن بشدة الحب في قوله تعالى «وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ» وفي قوله تعالى «قَدْ شَغَفَها حُبًّا» أي صار حبها يوسف على قلبها كالشغاف على الجلدة الرقيقة التي تحتوى

« 365 »

على القلب ، فهي ظرف له محيطة ، فالعشق إلتفاف الحب على المحب حتى خالطه جميع أجزائه ، واشتمل عليه اشتمال العشقة . . .
وقال في محل آخر : فإذا عم الحب الإنسان بجملته وأعماه عن كل شئ سوى محبوبه ، وسرت تلك الحقيقة في جميع أجزاء بدنه وقواه وروحه ، وجرت فيه مجرى الدم في عروقه ولحمه ، واتصلت بجميع أجزائه جسما وروحا ، ولم يبق فيه متسع لغيره ،
وصار لطفه به سماعه ونظره في كل شئ إليه ، ولا يرى شئيا إلا ويقول هو هذا ،

حينئذ يسمى ذلك الحب عشقاً ، كما حكى عن زليخا أنها اقتصدت ، فوقع الدم في الأرض وكتب يوسف يوسف حيث سقط الدم ، لجريان ذكر يوسف مجرى الدم في عروقها . هكذا حكى عن الحلاج لما قطعت أطرافه ،
انكتب بدمه في الأرض الله حيث وقع ولذلك قال رحمه الله " هم الذين استهلكوا في الحب هذا الاستهلاك " ( عن الانقروى 1 / 37 - مولوى 1 / 26 ) . والعشق هو الذي يفور في البدن وتصبح به الخمر خمراً ، ( وفي الكتاب الخامس البيت 3571 : ان الخمر التي تفور في الدن سرا ،
إنما تفور هكذا شوقا إلى وجهك ، وفي الكتاب الذي بين أيدينا البيت 1861 إن الخمر تستمد غليانها من غلياننا ) والخمر في مصطلح مولانا هي المعرفة عادة وهي الفيض ، فكان العشق هو الذي يمهد سبيل المعرفة . . . وفي رأى السبزواري ( ص 120 ) أن المقصود بالغليان سريان العشق في كل الموجودات .

( 11 - 12 ) : والناى ( المرشد ، مولانا جلال الدين نفسه ) هو الذي يمكن أن يكون أليفا لكل من انفصل عن أليفه . . . فكلاهما يعاني من نفس الداء ومن نفس الألم ويستطيع أن يفهم آلام صاحبه . . .
ويمكن أن تؤدى الشطرة الثانية معنى ظاهريا يتصل بمهمة الموسيقى ووظيفتها في أن تحرك كوامن الأشجان ، وتجعل الذي يعاني يبوح بما يعانيه وينفث عن أسرار قلبه ، كما أنه من الممكن أن يكون معناه أن هذا الأنين من قبل الروح يطهرها ويزيل عنها الكدورات والحجب التي حجبتها

« 366 »
 
عن الحقيقة ، وحالت بينها وبين المعرفة ، وأخرتها عن المشاهدة ، فعاشق الصورة تفشى أنات الناى أسرار عشقه ، وعاشق الحقيقة ترفع انغام الناى الحجب عن عينيه حتى يدركها . ومن ثم فأنين الناى بمثابة السم لمن لا يعانون ألم الشوق وبمثابة الترياق لعشاق الحقيقة ، فلا يزال أولئك الذين لا يعانون ألم الشوق إلى الحقيقة يحسون بمذاق السم إن حدثتهم عما هم منغمسون فيه من حب للدنيا ولزوم للجسد ( والنصيحة سم ) . . .
كما أن نفوسهم قد ترق لحظة لسماع أنين الناى ، مثلما كان بعض الكفار يدمعون رقة وحشية وحنينا عندما يستمعون إلى القرآن الكريم ، ثم تتغلب عليهم نفوسهم وانغماسهم فيما هم فيه ، ويغلب عليهم كفرهم فإذا بهم يحسون بطعم السم ( والحق مر ) . . .

لكن عند أهل الباطل ، ومن ثم فالناى قرين ومشتاق ، ويفسر جعفري ( 1 / 18 ) هذا التضاد بأنه قرين لكل انسان ومشتاق لتوصيله إلى الحضرة العليا وهذا التفسير لا يعطى المعنى فلا بد أن يكون قرينا ومشتاقا في نفس الوقت ،
ومن ثم فالأغلب أن الناى في هذا البيت رمز للروح فهي قرينة لكل جسد ، وفي نفس الوقت تشتاق إلى الحضرة العليا ، وهي قرينة للحضرة العليا وسر من أسرارها لكنها مشتاقة إليها ( من الغريب أن الشراح كلهم يسكتون عن هذه الشطرة ! ! )
وقد يكون فيما ذكره جعفري فيما بعد نقلا عن ابن سينا ( جعفري 1 / 21 ) بعض ما يلقى الضوء على هذا المعنى « ولروح الانسان وجهتان : وجهة ناحية الأعلى وناحية موطنها وموضعها ، ووجهة نحو هذه الدنيا .
وقوة فعلها نحو هذه الدنيا ، وقوة إدراكها صوب الأعلى . . . وفي الدار الآخرة » .

( 13 - 16 ) : فمن ينبؤك إذن سوى الناى عن الطريق الدموي الملىء بالمشقة ، والذي قطعته الروح منذ منزلها الأول ، وطريق العشاق الذي لا فلاح فيه إلا ببذل الروح ، ولا مرتبة فيه لعاشق قبل أن يبذل روحه ، والذي يمتلئ بأمثال المجنون من العشاق الذين بذلوا كل شئ في طريق العشق ولمولانا إشارة في ديوان شمس :

« 367 »
 
جلجل أيها الناى في العدم وأنظر * إلى مائة من أمثال ليلى والمجنون ومائتين من أمثال وامق وعذار ( عن شكوه شمس ، ص 299 ) لكن كيف تدرك أحوال أولئك الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل العشق وأنت لا زلت في وعيك ؟ ! ألا فلتتخلص من وعيك ومن منطقك ومن عقلك الذي يكثر التساؤل من البداية ، وبعدها تستطيع أن تدرك أحوال من فقدوا حياتهم في هذا الطريق الدامي ، ينبغي أن تكون من أهل هذا الشئ لأن كلا ميسر لما خلق له . . .
كما يسرت الأذن لسماع اللسان ، أو كما قال أبو يزيد البسطامي " علم الله استعداد عباده ، فمنهم من لم يصلح للعشق والمحبة ، فشغلهم للخدمة والعبادة فهم العابدون والزاهدون ، ومنهم من يصلح لمحبته فاختصهم بمحبته فهم العاشقون الوالهون " ( عن الأنقروى 1 / 41 )

ثم يواصل مولانا : إننا مهما لاقينا من عنت الأيام ومن مشقات الطريق ومن الأحزان التي تتوالى علينا ونفاجأ بها في وقت وغير وقت ، ذلك أن الأحزان في سبيل الحبيب لا نهاية لها .

فإنما يعزينا أن الهدف يستحق ، وأنه هو الباقي المنزه في طهر لا مثيل له ، وجمال المقصد يهون مصاعب الطريق ، وبقدر تعب الغربة يكون الفرح بالموطن ، وعلى مستوى آخر من التعبير : إنك إن أدركت أن أحزان الحياة الدنيا ومتاعها هي آخر الأمر إلى نهاية ، وأنك بقدر تحملك لها تظفر بالكنز الباقي ، وأن الباقي في النهاية هو من لا مثيل له في الطهر والنقاء ، لما أحسست بأن هذه المتاعب فادحة إلى هذا الحد ، وغير قابلة للتحمل إلى هذا الحد .

( 17 - 18 ) : هذا الماء . . . ماء المعرفة والفيض الإلهى ، الأسرار المتوالية والمتتالية كالماء الزلال ، وطيور البحر كناية عن الأولياء الغواصين في بحار الحقيقة الخارجين بدرر الأسرار ، وهو تعبير نمطي من تعبيرات المثنوي ( ورد في البيتين 502 و 503 من الكتاب الذي بين أيدينا
 
« 368 »

والبيت 1341 من الكتاب الثالث والبيتين 2672 و 2673 من الكتاب السادس - عن شرح فروزانفر ص 22 ) ، هؤلاء لا يرتوون ولا يملون ، ولا يحسون بطول الزمان أو توالى الأيام ، فهم في حضور دائم وتجدد مستمر ، وإنما يحس بطول الأيام حقيقة كل من لم يكن له زرق من هذا الفيض ولا نصيب من هذا القوت ، تتشابه أيامهم ، وثقلتهم الوتيرية ، ويزحف عليهم الملل ، وتفوتهم الفرصة ، وفوت الفرصة سبب الحرمان [ روى أن يحيى بن معاذ الرازي كتب إلى أبى يزيد البسطامي : سكرت بشربة من كأس حبه ، فأجابه :
شربت الحب كأسا بعد كأس * فما نفد الشراب وما ارتويت
كان سلطان العارفين وبرهان الوصلين محيي الدين قدسنا الله بسره المبين يقول : الري ما يحصل به الاكتفاء ويضيق به المحل عن الزيادة ، لأن من رأى الغاية قال بالري ، وعلق الهمة بالغاية . . .
ويشهد على ذلك قول ابن الفارض :فلا عيش في الدنيا لمن كان صاحيا * ومن لم يمت سكراً بها فاته الحزم
على نفسه فليبك من ضاع عمره * وليس له منها نصيب ولا سهم( مولوى 1 / 28 - 29 ) . . . 
وقال محيي الدين :الري قال به قوم وليس لهم * علمٌ بأن وجود الري معدوم
لو كان رى تناهى الأمر وانقطعت * امداده وزيادات وتعليم
فالأمر ليس له حد يحيط به * لكنه الرزق في الأشخاص مقسوم
 
« 369 »
كما عبر مولانا خير تعبير عن هذا المعنى في هذا البيت من ديوان شمس :
لقد صبر الرمل على الماء وأنا لم أصبر فواعجباه * وقوسي لا يليق به هذا الشد فواعجباه وعبر عنه في هذا البيت من أبيات المثنوى :
أيها الأخ إنها حضرة لا نهاية لها * فلا تتوقف على كل ما تصل إليه ( انقروى 1 / 43 ) ،
ولأن أحوال الكمل الواصلين لا يدركها إلا الكمل الواصلون ، ولأن من لم تعركه الأيام ولم يشهد مرارة الطريق ساذج فج ، فإنه لا يدرك أحوال الناضج ، ومن ثم يجب على أن أقصر الكلام ، وألا أخوض فيه ، ولو كان في الدار ديار ،

ولو كان في القربة نفس ، ولو كان التطويل مفيداً ، لجاز هذا التطويل ،
وهكذا يصل مولانا في مواقع كثيرة من المثنوى إلى أنه سوف يخوض فيما لا يصلح لكل أمرؤ ، وفي ما يمكن أن يجر سوء الفهم ويجر المتاعب ، فيتوقف ، لأن شرط الحديث العميق وجود مستمع فذ يقظ ناضج ، ويفسر شمس الدين ( مقالات ص 618 )
صاحب الذوق عندما يؤثر فيه الذوق يعجز عن الكلام . ويعرف ابن عطاء الله الكامل الناضج بقوله ( الكامل عبدٌ إذا شرب ازداد صحواً ، وإذا غاب ازداد حضورا ، فلا جمعه يحجزه عن فرقه ، ولا فرقه يحجبه عن جمعه ، ولا فناؤه عن بقائه ، ولا بقاؤه عن فنائه ، يعطى كل ذي قسط قسطه ، وكل ذي حق حقه ) ( مولوى 1 / 29 ) .

وبهذا البيت انتهت مقدمة المثنوى التي كتبها مولانا بخطه ، ومن بعدها كان المثنوى يملى على حسن حسام الدين .
( 19 - 26 ) : تريد أن تكون عبدا كاملا أيها السالك ، أي بنى حطم كل ما يحيط بك من قيود الدنيا فهي التي تحد روحك وتمنعها عن الانطلاق في العوالم الجديرة بها ، وتجعلها حريصة على

« 370 »
 
الدنيا ، مع أن الإنسان إن حيزت له الدنيا بأجمعها فلن يستطيع أن يستفيد منها أكثر ما يطيقه وجوده ، بل يتمتع المحروم من متع الدنيا بأقل قدر يصله منها ، ويكون الحريص عليها كأتون النار في حاجة دائما إلى حطب يغذيه ، وإن نهل من متعها ، فإن هذه المتع تدمره ، فكأنه يسرع خلف حتفه . أنظر كم يستوعب الإناء من ماء البحر ؟ ! هل يستوعب أكثر من سعته الفعلية وطاقته ؟ !
ومن ثم لا تمتلئ عين الحريص ، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب والدر لا يتكون في الصدفة إلا إذا قنعت هذه الصدفة ، وانغلقت على أقل القليل مما يدخلها ( كان القدماء يعتقدون أن الدر يتكون في الصدفة عندما تسقط قطرة ماء عذبه من المطر فتنغلق عليها الصدفة .
ولسعدى الشيرازي في البستان رواية عن تحول قطرة المطر العذبة إلى درة داخل الصدفة ، حين تواضعت لما رأت سعة البحر وحقارتها : ( كليات سعدى : ص 309 / ط 2 ، تهران ، انتشارات جاويدان 1351 هـ . ش ) .

والعلاج الوحيد لحرص الدنيا أن تكون عاشقا ، فإن العشق هو الذي يمزق ثياب المادة ثوبا بعد ثوب ، فيخرج العاشق من أدرانها مرحلة بعد مرحلة ، فكما مزق ثوبا من الأثواب المادية ، أبدل خيرا منه ثوبا من أثواب الروحانية حتى يبرأ من العيوب ، وإلحاق ياء التنكير بكلمة عشق تشير إلى أن مولانا يريد أن يقول أن عشق المرء لشئ ما يعميه ويصمه عما سوى هذا الشئ ، فينصرف إليه بكليته ، ولا يكون له هم سواه ، فلا حرص له على شئ غيره ، ولا اهتمام له بما هو دونه ، والعشق عند مولانا هو سبب الحياة وحافظها . . .

وهو الذي يمنع نظرة مولانا إلى الكون والخليقة من التبدد والتفسخ إلى أشلاء ( أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث من المثنوى لكاتب هذه السطور ) ويخاطب مولانا العشق : أيها العشق المرتبط بالجذبة الإلهية ، لتسعد ، فإنك الطبيب الذي تعالج كل عللنا وأمراض نفوسنا وأدران بشريتنا وما يشدنا دوما إلى الحضيض ،

فكأنك بالنسبة لنا طبيب لا يستعصى عليه مرض من أمثال جالينوس وأفلاطون ، قال


« 371 »
 
صدر الدين القونيوى في شرح الأسماء الحسنى « العاشق لا يزال في حياة طيبة بشهود المعشوق ، وهو ألذ نعيم العشاق ، وأعظم العيش عند كل مشتاق ، وان ظهر في ظواهر هما آثار الآلام ، فلا ينافي ذلك طيب حياتهم ، فإن الآلام الجسمانية لا تقلل النعم الروحانية ، فالمحجوب إذا رأى بلاء في العشاق ، يحمل ذلك على نفسه ، ونفس العشاق على خلاف ما يتوهم هذا المحجوب ( عن الانقروى ص 49 ) .
ومن العشق ( يعرج ) هذا الجسد الترابى ويسمو إلى الأفلاك ( معارج الأنبياء والأولياء والصوفية وكل من أصابته شرارة العشق أو بالمصطلح المعاصر شرارة الفن ) .

ولا يتقصر الامر على الأنبياء والأولياء ، لا ، بل إن من العشق يهتز الجماد ويخف ويرقص ، وإن لم تصدق فاقرأ «وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ، قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ، قالَ لَنْ تَرانِي ، وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ، فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي ، فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً . .
فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» ( الأعراف / 143 ) . وفي مقالات شمس ( ص 174 ) : أنظر إلى الجبل ، الجبل هو ذات موسى وكان يسمى بالجبل لعظمة ومتانته :
أي أنظر إلى نفسك تراني ، من عرف نفسه عرف ربه .
 
( 27 - 29 ) : وهناك الكثير من الأسرار يمكن أن أبوح بها لو أنني وجدت من يستحقها ، ولو اقترنت بقرين نجى مجانس يستحق هذه الأسرار ، ففي هذا الصدر أسرار كثيرة لو تجد أهلا ومن غير المستحب أن تلقى هذه الحكمة أمام غير أهلها فيضيعوها ، وقد قال عليه السلام : ( لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها عن أهلها فتظلموهم ) واسرار العشق أمانة الله والأولياء أمناء الله ( انقروى / 53 ) ( سيرد الحديث عن عدم البوح بكل ما يعرفه المرء فيما بعد في الكتاب الذي بين أيدينا ) ،

ومهما كنت أغلى وجدا ، وأكثر من الكلام فأنا في الحقيقة صامت عن قول ما ينبغي أن يقال ، لأننى افتقر إلى وجود الشريك لي في اللغة ، وليس المقصود هنا لغة الكلام ،
 
« 372 »
 
ولكن المعاني التي تختبئ خلف الألفاظ ، ( أنظر الكتاب الذي بين أيدينا عن التجانس في اللغة ، الأبيات 1212 - 1215 وشروحها ) .
ولكل مقام مقال ، أتراك تريد من بلبل أن يغرد في خرابة ذرت أوراقها رياح الخريف وتركتها قاعاً صفصفاً ؟ !
فمن يسمع والرسول يقول : « إن الله يلقى الحكمة على قلوب المرشدين بقدر همم المستمعين » ( انقروى 1 / 54 ) وأنظر راوية أخرى في الكتاب السادس الأبيات 1663 - 1670 وشروحها ) .

( 30 - 34 ) : العاشق في حد ذاته حجاب دون معشوقه ذواتنا هي الحجاب الفاصل بيننا وبين المعشوق ، فلو ارتفعت الأنية حدث المعشق كما قال المنصور :
أأنت أم أنا هذا العين في العين * حاشاى حاشاى من اثبات اثنين
بيني وبينك إني نياز عنى * فارفع بفضلك إنيا من البين( أنقروى / 1 - 54 )
وأي تناسب بين العاشق والمعشوق ، العاشق كلهم إلى فناء ، والمعشوق هو الباقي الخالد «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ» ( القصص / 88 ) .
وإنما هي عناية المعشوق التي تحفظ العاشق ، ورعايته هي التي تبلغه المراد ( عن العناية انظر الكتاب السادس ، الأبيات 3853 - 3855 وشروحها ) وان لم يكن ثم جذب في فائدة السعي والجهد ؟ ! !

وان لم يكن ثم عطاء فما فائدة القابلية ؟ ! ! وان لم يكن ثم توفيق وهداية فمتى يبلغك عملك أملك ؟ ! !
وإن لم يكن هناك نور من الحبيب يضئ من قدام ووراء فهل يمكن أن تضاء السبل أو تبدو الطرق ؟ !
وأليس هو القائل :« وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ »( الحديد / 28 )

والقائل :« يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ »( الحديد / 12 ) .
وإن كنت عاشقاً صادقاً حقيقياً لا يمكن أن تخفى

« 373 »

العشق تكون كالمرآة تعكس حقائق الكون وأسرار المحبة ، يكون قلبك قابلا للأسرار وعاكسا لها كما هي ، إما إذا ران على مرآتك صدأ الدنيا وكدوراتها وعلائقها المادية ومتطلباتها ومهاوسها ، فطمست وجهها ، وجعلته كظهرها ، فمتى تظهر الحقائق والدقائق والأسرار أو تنعكس عليها الصور ؟ !
( أنظر أيضاً الكتاب الرابع الأبيات : 3854 - 3855 وشروحها ) .

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا





.

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 1.docx    الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 6:50 pm

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 1.docx 

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 1.txt 

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 1.pdf 






عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الأبيات من 35 - 247 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 6:51 pm

الهوامش والشروح الأبيات من 35 - 247 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح الأبيات من 35 - 247 على منتدى عبدالله المسافر بالله
الهوامش والشروح الأبيات من 35 - 247 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح قصة البقال والببغاء وسكب الببغاء للزيت في الحانوت

وإذا كنت لا تتحمل النظر إلى الحكمة الإلهية فانظر إلى ما يجرى في الحياة حولك : الطفل يبكى من إبرة الحجام " أو يبكى من حقنة الطبيب " لكن الأم ضاحكة ، لما ذا ؟ ! 
لأنها تفهم أن في هذا الألم الذي يعانيه طفلا راحة له ، فإياك ان تقيس الأمور بقدر فهمك وإدراكك ، وإلا تجد نفسك قد سقطت بعيداً . . .
 
( 264 - 278 ) : عن الدرويش القلندري : أنظر شرح كولبينارلي الترجمة الفارسية والكتاب التذكاري في تكريم فروزانفر ، وتنتهى اللطيفة التي ساقها مولانا عن القياس الذي في غير محله والذي يوقع صاحبه في الخطأ فالأشياء تتشابه في المظهر ، وبينها بون شاسع في المخبر . . .
وكثيرٌ من الالفاظ تتشابه في الكتابة لكنها تستخدم للتعبير عن معاني متعددة ، ويستخدم مولانا مصطلح الأبدال بمعنى عام أي رجال الحق بوجه عام ، وإن خاض الشراح في الحديث عن الابدال بالمعنى الخاص ( لتفصيلات انظر يوسف بن أحمد المولوي 1 / 89 - 90 ) ويضرب مولانا المثل بالكافرين الذين ضلوا لأنهم اعتبروا الأنبياء بشر «إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا» ( إبراهيم / 10 )
 
« 391 »
 
«هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» ( الأنبياء / 3 ) «أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ» ( المؤمنون 47 ) ، «وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ» ( الفرقان / 7 ) وهذا هو العمى الذي ينظر إلى الظاهر فحسب ، ولا يعرف أن هناك فرقا شاسعا بين هذا النبي وعامة الناس ، والحياة حولك مليئة بالأشباه ظاهرا وبينها مسافة سبعين عاما في الباطن فنحلٌ يفرز الشهد ونحل لا عمل له إلا الوخز ، وبوص خال وبوص آخر ملىء بالسكر ، وإنسان يأكل ليعيش حياة حيوانية ، وآخر يأكل فينقلب الأكل فيه إلى علم ونور وفيض وحكمة ، إنسان يأكل فيقوى كل صفاته البهيمية من حسد وبخل وحقد ، وآخر يأكل فيقوى في ذاته الصفات الربانية ، ليس البشر فحسب أو الأجساد ، فالجمادات هي الأخرى تتفاوت وإن كانت تصنف تحت أنواع واحدة : فأرض خصبة وأرض بور ، مثلما يكون إنسان ملاكا وآخر شيطانا ، وماءٌ ملح وماء عذب وإن اتفقا في الصورة ، لن تستطيع أن يميز بين هذه الأشياء المتنافرة الا صاحب ادراك .
 
( 279 - 285 ) : وإذا كانت الأعراض هكذا فكذلك المعاني : فالسحر والمعجزة متشابهان في الظاهر ، فكلاهما خرق للعادة ، لكن شتان بينهما ، ومع ذلك فقد اعتبر الناس المكر أساسا لكليهما ، وفي منارات السائرين عن الفرق بين المعجزة والكرامة : المعجزة : تقع عن قصد النبي وتحديه ، والكرامة قد تقع عن غير قصد الولي ، وقيل قد يجوز أن تقع الكرامة أيضا بقصد الولي وأن الفرق بينهما أن المعجزة تقع على التحدي والكرامة لا يتحدى بها الولي ، والولي قد يحدث الكرامة قاصدا ولكن دون تحدى والمعجزة ظاهرة ، والكرامة يجاهد الأولياء في إخفائها ، والمعجزات للنبوة تثبيت ، والكرامة للولاية استدراج ( لتفصيلات انظر منارات السائرين 143 - 148 ) . 


( عن الفرق بين السحر والمعجزة ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 1184 - 1197 ، وشروحها ) . فالاعمال بنتائجها ، وفرق بين عمل يكون رحمة من الله في إبدائه وفي نتيجته ، وعمل يكون شعوذة وإحتيالا لا يتأتى من ورائه إلا اللعنة ، وفرق بين المقلد وبين المؤيد من الله ، والكفار يتطبعون بطبع القردة ، فالقرد يقلد الإنسان في كل ما يقوم به ، فهل انقلب بذلك انسانا ؟ ! أو سحرة موسى حملوا عصا كعصا موسى فهل تغلبت على عصا موسى ؟ أو لقفت ما صنعوا لأنه كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى .
 
« 392 »
 
( 286 - 301 ) : وكما يكون الأمر كذلك بين المعجزة والسحر يكون بين الايمان والنفاق ، وقد يكون المنافق أكثر من المؤمن حرصا على رعاية الظاهر ، وذلك لكي يغطى كفره ونفاقه ، والمنافقون يزاحمون المؤمنين في العبادات : في الصلاة والصوم والحج ، لكن ما النتيجة ؟ ! كسب للمؤمن وهزيمة ساحقة للمنافق . . . وان كان كلاهما يجرى في مضمار واحد ، إلا أن الفرق بينهما كالفرق بين ساكن مرو ( أقصى الشمال الشرقي لإيران ) والري ( أقصى الشمال الغربى ) . . . كلاهما - وهما يقومان بعمل واحد على وجه التقريب ، يمضيان إلى غايتين بعيدتين عن بعضهما كل البعد ، والمنافق بنفاقه يضع حجباً متراكمة على عين قلبه ، وبناء على اسمه ( من النفق اى المسافة الخفية بين منطقتين منطقة الايمان ومنطقة الكفر ) فإنه كلما أمعن في النفاق أزداد بعدا عن الحقيقة ، لكن ما بال الاسم هنا يكتسب معنى ؟ ! ! 


يفسر مولانا هذا الأمر قائلًا : إن كل انسان سواء كان مؤمنا أو منافقا يسر إذا لقب بالمؤمن ، ويستاء إذا لقب بالمنافق ، فالاسم هنا كأنه عقرب يلدغ من الداخل ، فكأن اسم المنافق مشتق من النفق ، والنفق مظلم وخفى ومريب ، ويذكر بالدرك الأسفل من النار عاقبة المنافقين الحتمية ، وينتقل مولانا إلى مبحث آخر هو العلاقة بين اللفظ عموماً وبين معناه : فالقبح ليس من اللفظ ، واللفظ مجرد وعاء للمعنى ، وملوحة ماء البحر ليست من الإناء الذي وضعت فيه ، وكلاهما موجود في الدنيا البحر العذب والبحر المالح ، لكن «بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ» ( الرحمن / 20 ) فإذا أردت أن تنجو دعك من الظواهر . . . 
ودعك من الصنع وانصرف إلى الصانع ، وسله أن يضع محك التمييز في روحك ، وأن يسقيك شربة من أم الكتاب ، أي أساس التمييز بين الحسن والقبيح من اللوح المحفوظ ، أو يرزقك من علمه النذر اليسر ، أو محو الصفات البشرية وإثبات الصفات الروحانية ، أو كما يتضح من الأبيات التالية ، حسن الدين الذي به تستطيع أن تصل إلى حقيقته المتشابهات ، وهذا ما يقصده المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم بقوله : " استفت قلبك ولو أفتاك المفتون " ! 


( 302 - 311 ) : لأقرب لك معنى حس الدين عن طريق شر حس لك حسن الدنيا : إنك إن أحسست بأن قشة قد دخلت فمك من خلال اللثمة التي تبتلعها تتبعها حتى تعثر عليها وتخرجها .
هذا بشرط أن تكون حيا ويكون حس الدنيا حيا فيك ، إذن فلتحيى في نفسك حس العقبى ، حس
 
« 393 »
 
الدين ، سلم السماء والوصول ( شبه سنائى أيضا الطريق إلى الآخرة بالسلم . انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة الأبيات 215 - 225 ) وأنت تطلب سلامة حس البدن من الطبيب لكن اطلب سلامة حسن الدين من الله ، وأنت تعمر حس البدن لسلامة البدن . . . لكن حس الروح لا يعمر إلا بخراب البدن ، أي عدم اغراقه بالشهوات والموبقات ، وهذا التخريب للبدن هو بداية عمران الروح ، وكل عمران لا بد له في البداية من تخريب
 ( انظر شرح الأبيات 229 - 248 من الكتاب الذي بين أيدينا ) قطع الماء عن الجدول وتطهيره ثم إجراء الماء فيه . . . هدم المنزل للبحث عن الكنز - شق الجلد وإخراج النصل - هدم القلعة والاستيلاء عليها كلها أمثلة وردت في مقالات شمس ص 160 " ما دامت باقية في يد المتمرد ، لا بد من تخريبها " وعند ابن قيم الجوزية : لا بد في قبول المحل لما يوضع فيه ، أن يفرغ من ضده ، وهذا كما أنه في الذوات والأعيان ، فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات ، فإذا كان القلب ممتلئا بالباطل اعتقادا ومحبة ، لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع ، كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع ، لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه ، إلا إذا فرغ لسانه من النطق بالباطل . وكذلك الجوارح إذا إشتغلت بغير الطاعة لم يمكن شغلها بالطاعة الا إذا فرغتها من ضدها ، فكذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته والشوق إليه والأنس به لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته وحبه والشوق إلى لقائه ، إلا من تفريغه من تعلقه بغيره ، ولا حركة اللسان بذكره والجوارح بخدمته إلا إذا فرغها من ذكر غيره وخدمته ، فإذا امتلأ القلب بالشغل بالمخلوق والعلوم التي لا تنفع ، لم يبق فيه موضع للشغل بالله ومعرفة أسمائه وصفاته وأحكامه ( الفوائد :
ص 41 ، ط دار الزهراء للاعلام العربي ، القاهرة سنة 1995 ) .
 
( 312 - 324 ) : إنني أسوق الأمثلة هنا فحسب ، وإلا ، فأي علم لي بتحديد كيفية عمل من لا تحدد كيفية عمله ؟ ! وليس لي هنا إلا أن أقدم الحيرة ، والحيرة في الصنع وليست الحيرة في الصانع ، وحيرة الإعجاب والحب ، لا حيرة الإنكار والبغض والجهل والشك ، وقد قال سيد المحبين « اللهم زدني فيك تحيرا »
 ( عن الحيرة انظر الكتاب الثالث الأبيات 1115 - 1117 وشروحها ) هذه الحيرة المحمودة هي التي تجعلك ناظرا دائما إلى وجهه ، بحيث تصل في وقت من الأوقات إلى أن تكون عبدا ربانيا ، « أكون يده التي يبطش بها وقدمه التي يسعى بها ولسانه الذي ينطق به " . . .
 
« 394 »
 
وإن كنت لا تصدق أن من الممكن أن يكون أحدهم وجه الله ، فاقرا الحديث النبوي الشريف « من رآني فقد رأى الحق » ( رواه البخاري ومسلم ) ( أحاديث مثنوي / 63 ) وإن وصلت إلى هذه المرتبة ، فقد حلت أمامك جميع الإشكالات ، وتصبح عالما بقراءة الوجوه ومطالعة الوجوه ويسفر لك كل وجه عما يخفيه من باطن ، فلا تمدن يدك إلى كل شيطان مريد له وجه إنسان ، ولا يخدعنك أنهم يتحدثون بلسانك . . . 
فكم من صياد يخدع الطائر بصفير يشابه صفيره ( بل ويضع له طائراً ميتاً أو دمية على شكل طائر مثله في الفخ ، على أساس أن كل جنس ينجذب إلى جنسه ، وأخطر من أولاء جميعاً منحط أو خسيس يسرق مصطلحات الدروايش ويحدثك بها ، فتحسبه مرشدا ، فتذكر قول الرسول صلى اللّه عليه وسلّم : يوشك أن يظهر منكم شياطين كان سليمان بن داود أوثقها في البحر يصلون معكم في مساجدكم ، ويقرأون معكم القرآن ويجادلونكم في الدين ومنهم شياطين في صور الانسان ( أحاديث مثنوى ص 4 ) . 
فإذا به غول يجعلك تضل في البيداء ، وهم وإن كان لهم شكل الدروايش فليس لهم نورهم ، وإن كان لهم كلامهم ، فليس لكلامهم هذا تأثير كلام المرشدين الحقيقيين من مواساة وإرشاد . . . 
ليس لهم من التصوف إلا اللباس " وجوههم وجوه الذباب وقلوبهم قلوب الذئاب " ، لا يعرفون الفرق بين النبي الصادق وبين المتنبي الكذاب ، بين أحمد المصطفى وبين مسيلمة الدعي الكذاب ، وما بقي لمحمد أنه رأس أولى الألباب ، ولم يبق لمسيلمة من ذكر إلا الكذاب ، فالفرق بينهما هو الفرق بين شراب الحق وختامه مسك « وفي ذلك فليتنافس المتنافسون » والخمر التي تظوننا نتحدث عنها وخاتمتها نتن وعذاب .


* * *
"إضافة" شرح حكاية البقال والببغاء وإراقة الببغاء الزيت في الدكان 
من د.محمد عبد السلام كفافي
يقول د.محمد كفافي :
( 246 ) الواجب على الإنسان ألا يقيس كل أمر بمقياسه الخاص ، وألا يتخذ من نفسه ميزاناً لتقدير كل الأمور حتى ما كان منها خارجاً عن مدركاته . 
( 288 ) المروزي هو المنسوب إلى مدينة مرو وأما الرازي فهو المنسوب إلى الري ، وهذان يتصاحبان على الطريق ، لكنهما في النهاية يفترقان ، إذ يمضي كل منهما إلى مدينته . 
( 296 )” أُمُّ الْكِتابِ “ *ذكرت مرات عديدة في القرآن الكريم ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى :” يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ “. ( 13 : 39 ) . 
والتفاسير السنية - في أغلب الأحوال - تذكر أن أم الكتاب هي “ اللوح المحفوظ “ الذي سُجّل فيه ما كان وما يكون . 
وقد عبر الجيلي - في كتابه الإنسان الكامل - عن معنى” أُمُّ الْكِتابِ “ *بعبارات فلسفية صوفية إذ قال : “ اعلم أن أم الكتاب عبارة عن ماهية كنه الذات المعبر عن بعض وجوهها بماهيات الحقائق ، التي لا يطلق عليها اسم ولا نعت ، ولا وصف ولا وجود ولا عدم ، ولا حق ، ولا خلق ، والكتاب هو الوجود المطلق الذي لا عدم فيه ، وكانت ماهية الكنه أم الكتاب لأن الوجود مندرج فيها اندراج الحروف في الدواة “ . ( الإنسان الكامل ، ج 1 ، ص 75 ) . ويفرق الجيلي بين” أُمُّ الْكِتابِ “ *وبين “ اللوح المحفوط “ . يقول عن “ اللوح المحفوظ “ :

“ اعلم - هداك اللَّه - أن اللوح المحفوظ عبارة عن نور إلهي حقي متجل في مشهد خلقي ، انطبعت الموجودات فيه انطباعاً أصلياً ، فهو أم الهيولى لأن اليهولى لا تقتضي صورة إلا وهي منطبعة في اللوح المحفوظ . . . “ ( ج 2 ، ص 6 ) . 
( 297 ) المؤمنون والكفار يعيشون معاً في هذه الدنيا ، وكل من هذين الفريقين لا يمتزج بالآخر ، فهما كالبحر العذب والبحر الملح بينهما برزخ لا يبغيان تجاوزه وتخطيه . 
( 289 ) الخالق أصل كل شيء ، ولا يكون في الكون شيء بدون مشيئته أو رغم إرادته . 
( 299 ) المحك هو العرفان الصوفي ، فهو الذي يجعل الإنسان قادراً على تمييز الحق من الباطل . وهذا العرفان المبني على الكشف هو المحك الصادق عندهم . أما العقل والحواس فغير قادرة على هذا التمييز . وفي البيت التالي ( رقم 300 ) إيضاح لهذا المعنى .


[ شرح من بيت 300 إلى 450 ] 
( 313 ) يتحدث الشاعر هنا عن لون من الحيرة ليس مصدره الجهل وإنما هو مبني على الحب والإعجاب . وهذا الحب والإعجاب - حينما عظما وتزايدا - أصبحا بمثابة الحيرة والعجب . فالحيرة هنا حيرة العالم أمام روعة ما يعلم وليست حيرة الجاهل العاجز عن إدراك الأشياء ، كأنما هو قد ولاها ظهره . 
( 316 ) يميل بعض شراح المثنوي إلى أن يفسروا هذا البيت على أنه يشير إلى المبايعة المعروفة عند الصوفية ، والتي تقترن بالمصافحة بالأيدي بين الشيخ والمريد . ولكن صيغة البيت يمكن أن تنطبق على العلاقات العادية بين الناس ، تلك التي تفرض على كل إنسان ينشد السلامة والأمان ألا يتعامل مع كل من يعرض له من الناس ، وإنما يختار من يستطيع الركون إليهم ، وإلى صدق وفائهم .
( 321 ) كان من المعتاد أن بعض المتسولين يصنعون من الصوف تماثيل للأسود يستخدمونها في تسولهم . 
( 325 ) جوهر الرسالات السماوية واحد . ولقد جاء كل رسول في أحد الأدوار الزمنية ، وحمل إلى البشر رسالة السماء . وما دام الجوهر واحداً فلا ينبغي التفريق بين الرسل . 

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا



.

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الأبيات من 248 - 325 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 6:52 pm

الهوامش والشروح الأبيات من 248 - 325 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح الأبيات من 248 - 325 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح قصة البقال والببغاء وسكب الببغاء للزيت في الحانوت

وإذا كنت لا تتحمل النظر إلى الحكمة الإلهية فانظر إلى ما يجرى في الحياة حولك : الطفل يبكى من إبرة الحجام " أو يبكى من حقنة الطبيب " لكن الأم ضاحكة ، لماذا؟! 
لأنها تفهم أن في هذا الألم الذي يعانيه طفلا راحة له ، فإياك ان تقيس الأمور بقدر فهمك وإدراكك ، وإلا تجد نفسك قد سقطت بعيداً . . .
 
( 264 - 278 ) : عن الدرويش القلندري : أنظر شرح كولبينارلي الترجمة الفارسية والكتاب التذكاري في تكريم فروزانفر ، وتنتهى اللطيفة التي ساقها مولانا عن القياس الذي في غير محله والذي يوقع صاحبه في الخطأ فالأشياء تتشابه في المظهر ، وبينها بون شاسع في المخبر . . .
وكثيرٌ من الالفاظ تتشابه في الكتابة لكنها تستخدم للتعبير عن معاني متعددة ، ويستخدم مولانا مصطلح الأبدال بمعنى عام أي رجال الحق بوجه عام ، وإن خاض الشراح في الحديث عن الابدال بالمعنى الخاص ( لتفصيلات انظر يوسف بن أحمد المولوي 1 / 89 - 90 ) ويضرب مولانا المثل بالكافرين الذين ضلوا لأنهم اعتبروا الأنبياء بشر «إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا» ( إبراهيم / 10 )
 
« 391 »
 
«هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» ( الأنبياء / 3 ) «أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ» ( المؤمنون 47 ) ، «وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ» ( الفرقان / 7 ) وهذا هو العمى الذي ينظر إلى الظاهر فحسب ، ولا يعرف أن هناك فرقا شاسعا بين هذا النبي وعامة الناس ، والحياة حولك مليئة بالأشباه ظاهرا وبينها مسافة سبعين عاما في الباطن فنحلٌ يفرز الشهد ونحل لا عمل له إلا الوخز ، وبوص خال وبوص آخر ملىء بالسكر ، وإنسان يأكل ليعيش حياة حيوانية ، وآخر يأكل فينقلب الأكل فيه إلى علم ونور وفيض وحكمة ، إنسان يأكل فيقوى كل صفاته البهيمية من حسد وبخل وحقد ، وآخر يأكل فيقوى في ذاته الصفات الربانية ، ليس البشر فحسب أو الأجساد ، فالجمادات هي الأخرى تتفاوت وإن كانت تصنف تحت أنواع واحدة : فأرض خصبة وأرض بور ، مثلما يكون إنسان ملاكا وآخر شيطانا ، وماءٌ ملح وماء عذب وإن اتفقا في الصورة ، لن تستطيع أن يميز بين هذه الأشياء المتنافرة الا صاحب ادراك .
 
( 279 - 285 ) : وإذا كانت الأعراض هكذا فكذلك المعاني : فالسحر والمعجزة متشابهان في الظاهر ، فكلاهما خرق للعادة ، لكن شتان بينهما ، ومع ذلك فقد اعتبر الناس المكر أساسا لكليهما ، وفي منارات السائرين عن الفرق بين المعجزة والكرامة : المعجزة : تقع عن قصد النبي وتحديه ، والكرامة قد تقع عن غير قصد الولي ، وقيل قد يجوز أن تقع الكرامة أيضا بقصد الولي وأن الفرق بينهما أن المعجزة تقع على التحدي والكرامة لا يتحدى بها الولي ، والولي قد يحدث الكرامة قاصدا ولكن دون تحدى والمعجزة ظاهرة ، والكرامة يجاهد الأولياء في إخفائها ، والمعجزات للنبوة تثبيت ، والكرامة للولاية استدراج ( لتفصيلات انظر منارات السائرين 143 - 148 ) . 


( عن الفرق بين السحر والمعجزة ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 1184 - 1197 ، وشروحها ) . فالاعمال بنتائجها ، وفرق بين عمل يكون رحمة من الله في إبدائه وفي نتيجته ، وعمل يكون شعوذة وإحتيالا لا يتأتى من ورائه إلا اللعنة ، وفرق بين المقلد وبين المؤيد من الله ، والكفار يتطبعون بطبع القردة ، فالقرد يقلد الإنسان في كل ما يقوم به ، فهل انقلب بذلك انسانا ؟ ! أو سحرة موسى حملوا عصا كعصا موسى فهل تغلبت على عصا موسى ؟ أو لقفت ما صنعوا لأنه كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى .
 
« 392 »
 
( 286 - 301 ) : وكما يكون الأمر كذلك بين المعجزة والسحر يكون بين الايمان والنفاق ، وقد يكون المنافق أكثر من المؤمن حرصا على رعاية الظاهر ، وذلك لكي يغطى كفره ونفاقه ، والمنافقون يزاحمون المؤمنين في العبادات : في الصلاة والصوم والحج ، لكن ما النتيجة ؟ ! كسب للمؤمن وهزيمة ساحقة للمنافق . . . وان كان كلاهما يجرى في مضمار واحد ، إلا أن الفرق بينهما كالفرق بين ساكن مرو ( أقصى الشمال الشرقي لإيران ) والري ( أقصى الشمال الغربى ) . . . كلاهما - وهما يقومان بعمل واحد على وجه التقريب ، يمضيان إلى غايتين بعيدتين عن بعضهما كل البعد ، والمنافق بنفاقه يضع حجباً متراكمة على عين قلبه ، وبناء على اسمه ( من النفق اى المسافة الخفية بين منطقتين منطقة الايمان ومنطقة الكفر ) فإنه كلما أمعن في النفاق أزداد بعدا عن الحقيقة ، لكن ما بال الاسم هنا يكتسب معنى ؟ ! ! 


يفسر مولانا هذا الأمر قائلًا : إن كل انسان سواء كان مؤمنا أو منافقا يسر إذا لقب بالمؤمن ، ويستاء إذا لقب بالمنافق ، فالاسم هنا كأنه عقرب يلدغ من الداخل ، فكأن اسم المنافق مشتق من النفق ، والنفق مظلم وخفى ومريب ، ويذكر بالدرك الأسفل من النار عاقبة المنافقين الحتمية ، وينتقل مولانا إلى مبحث آخر هو العلاقة بين اللفظ عموماً وبين معناه : فالقبح ليس من اللفظ ، واللفظ مجرد وعاء للمعنى ، وملوحة ماء البحر ليست من الإناء الذي وضعت فيه ، وكلاهما موجود في الدنيا البحر العذب والبحر المالح ، لكن «بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ» ( الرحمن / 20 ) فإذا أردت أن تنجو دعك من الظواهر . . . 
ودعك من الصنع وانصرف إلى الصانع ، وسله أن يضع محك التمييز في روحك ، وأن يسقيك شربة من أم الكتاب ، أي أساس التمييز بين الحسن والقبيح من اللوح المحفوظ ، أو يرزقك من علمه النذر اليسر ، أو محو الصفات البشرية وإثبات الصفات الروحانية ، أو كما يتضح من الأبيات التالية ، حسن الدين الذي به تستطيع أن تصل إلى حقيقته المتشابهات ، وهذا ما يقصده المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم بقوله : " استفت قلبك ولو أفتاك المفتون " ! 


( 302 - 311 ) : لأقرب لك معنى حس الدين عن طريق شر حس لك حسن الدنيا : إنك إن أحسست بأن قشة قد دخلت فمك من خلال اللثمة التي تبتلعها تتبعها حتى تعثر عليها وتخرجها .
هذا بشرط أن تكون حيا ويكون حس الدنيا حيا فيك ، إذن فلتحيى في نفسك حس العقبى ، حس
 
« 393 »
 
الدين ، سلم السماء والوصول ( شبه سنائى أيضا الطريق إلى الآخرة بالسلم . انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة الأبيات 215 - 225 ) وأنت تطلب سلامة حس البدن من الطبيب لكن اطلب سلامة حسن الدين من الله ، وأنت تعمر حس البدن لسلامة البدن . . . لكن حس الروح لا يعمر إلا بخراب البدن ، أي عدم اغراقه بالشهوات والموبقات ، وهذا التخريب للبدن هو بداية عمران الروح ، وكل عمران لا بد له في البداية من تخريب
 ( انظر شرح الأبيات 229 - 248 من الكتاب الذي بين أيدينا ) قطع الماء عن الجدول وتطهيره ثم إجراء الماء فيه . . . هدم المنزل للبحث عن الكنز - شق الجلد وإخراج النصل - هدم القلعة والاستيلاء عليها كلها أمثلة وردت في مقالات شمس ص 160 " ما دامت باقية في يد المتمرد ، لا بد من تخريبها " وعند ابن قيم الجوزية : لا بد في قبول المحل لما يوضع فيه ، أن يفرغ من ضده ، وهذا كما أنه في الذوات والأعيان ، فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات ، فإذا كان القلب ممتلئا بالباطل اعتقادا ومحبة ، لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع ، كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع ، لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه ، إلا إذا فرغ لسانه من النطق بالباطل . وكذلك الجوارح إذا إشتغلت بغير الطاعة لم يمكن شغلها بالطاعة الا إذا فرغتها من ضدها ، فكذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته والشوق إليه والأنس به لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته وحبه والشوق إلى لقائه ، إلا من تفريغه من تعلقه بغيره ، ولا حركة اللسان بذكره والجوارح بخدمته إلا إذا فرغها من ذكر غيره وخدمته ، فإذا امتلأ القلب بالشغل بالمخلوق والعلوم التي لا تنفع ، لم يبق فيه موضع للشغل بالله ومعرفة أسمائه وصفاته وأحكامه ( الفوائد :
ص 41 ، ط دار الزهراء للاعلام العربي ، القاهرة سنة 1995 ) .
 
( 312 - 324 ) : إنني أسوق الأمثلة هنا فحسب ، وإلا ، فأي علم لي بتحديد كيفية عمل من لا تحدد كيفية عمله ؟ ! وليس لي هنا إلا أن أقدم الحيرة ، والحيرة في الصنع وليست الحيرة في الصانع ، وحيرة الإعجاب والحب ، لا حيرة الإنكار والبغض والجهل والشك ، وقد قال سيد المحبين « اللهم زدني فيك تحيرا »
 ( عن الحيرة انظر الكتاب الثالث الأبيات 1115 - 1117 وشروحها ) هذه الحيرة المحمودة هي التي تجعلك ناظرا دائما إلى وجهه ، بحيث تصل في وقت من الأوقات إلى أن تكون عبدا ربانيا ، « أكون يده التي يبطش بها وقدمه التي يسعى بها ولسانه الذي ينطق به " . . .
 
« 394 »
 
وإن كنت لا تصدق أن من الممكن أن يكون أحدهم وجه الله ، فاقرا الحديث النبوي الشريف « من رآني فقد رأى الحق » ( رواه البخاري ومسلم ) ( أحاديث مثنوي / 63 ) وإن وصلت إلى هذه المرتبة ، فقد حلت أمامك جميع الإشكالات ، وتصبح عالما بقراءة الوجوه ومطالعة الوجوه ويسفر لك كل وجه عما يخفيه من باطن ، فلا تمدن يدك إلى كل شيطان مريد له وجه إنسان ، ولا يخدعنك أنهم يتحدثون بلسانك . . . 
فكم من صياد يخدع الطائر بصفير يشابه صفيره ( بل ويضع له طائراً ميتاً أو دمية على شكل طائر مثله في الفخ ، على أساس أن كل جنس ينجذب إلى جنسه ، وأخطر من أولاء جميعاً منحط أو خسيس يسرق مصطلحات الدروايش ويحدثك بها ، فتحسبه مرشدا ، فتذكر قول الرسول صلى اللّه عليه وسلّم : يوشك أن يظهر منكم شياطين كان سليمان بن داود أوثقها في البحر يصلون معكم في مساجدكم ، ويقرأون معكم القرآن ويجادلونكم في الدين ومنهم شياطين في صور الانسان ( أحاديث مثنوى ص 4 ) . 
فإذا به غول يجعلك تضل في البيداء ، وهم وإن كان لهم شكل الدروايش فليس لهم نورهم ، وإن كان لهم كلامهم ، فليس لكلامهم هذا تأثير كلام المرشدين الحقيقيين من مواساة وإرشاد . . . 
ليس لهم من التصوف إلا اللباس " وجوههم وجوه الذباب وقلوبهم قلوب الذئاب " ، لا يعرفون الفرق بين النبي الصادق وبين المتنبي الكذاب ، بين أحمد المصطفى وبين مسيلمة الدعي الكذاب ، وما بقي لمحمد أنه رأس أولى الألباب ، ولم يبق لمسيلمة من ذكر إلا الكذاب ، فالفرق بينهما هو الفرق بين شراب الحق وختامه مسك « وفي ذلك فليتنافس المتنافسون » والخمر التي تظوننا نتحدث عنها وخاتمتها نتن وعذاب .

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا


.

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الأبيات من 325 - 743 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 6:54 pm

الهوامش والشروح الأبيات من 325 - 743 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )

الهوامش والشروح الأبيات من 325 - 743 على منتدى عبدالله المسافر بالله

 الهوامش والشروح الأبيات من 325 - 742 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح قصة ذلك الملك اليهودي الذي كان يقتل النصارى تعصبا

( 325 ) : يقدم مولانا بداية من هذا البيت حكاية عن فحوى الأبيات السابقة ، عن مرشد كذاب مزور استطاع أن يضل أمة بأكملها ( وما أكثر هم في العصر الحديث ) . . . 
والواقع أن أصول الحكاية عديدة وان استطاع مولانا أن يصنع منها حكاية متكاملة الأطراف فنحن أمام أساطير عربية ومن بينها أسطورة الزباء ملكة تدمر وبعض جزئياتها ، وتراث مسيحي عن الاختلاف حول الأناجيل وتحريفها ، وجو عام يذكر بخلافات المتصوفة في عهد مولانا ، وانقلاب التصوف من ذوق وعرفان وسلوك إلى مجرد جدل صوفي حول قضايا نظرية ، وقال جولبنارلى نقلا عن براون
 
« 395 »
 
أنها مأخوذه عن كتاب عن قصص الأنبياء كتبه أبو الحسن بن الهيثم وترجمه إلى الفارسية محمد بن عبد الله التستري كما ذكر مخطوطة إبراهيم بن منصور النيسابوري ووجود القصة فيها عن يهودي اسمه يونس القى بالخلاف بين المسحيين ( 2095 ) . ويرى فروزانفر أن هذه الحكاية ( مآخذ / 6 - 7 ) مأخوذة نقلا عن تفسير أبى الفتوح الرازي ، وأشار إلى مصادر منها تفسير الفخر الرازي وحياة الحيوان للدميري نقلا عن الكلبي وتفسير النيشابوري ، وأشار إلى أن جزئية قطع الوزير المحتال لأذنه وأنفه إلى أنها مأخوذه من حرب فيروز مع الهياطلة ، والأقرب أنها قد تكون مأخوذه من قطع قصير لأنفه وأذنه في قصة الزباء العربية المشهورة . 
 
وأصل القصة عن رجل يهودي يسمى بولس يظهر تقوى كاذبه ويعتنق المسيحية اعتناقا كاذبا ، ويتظاهر بأنه لقى العذاب والعنت من ملك اليهود من أجل مسيحيته ، ويندس بين المسيحيين ، ويقوم بتحريف الدين والفاء الفرقة ، وهو نفسه الذي قال بطبيعة إلهية للمسيح ووضع التثليث ، وشرح فروزانفر ( شرح 151 - 153 ) أنه نفس بولس هذا كان مؤمنا بالمسيحيه وان كان أصل البدع فيها . وفي تفاسير أخرى للقرآن ومصادر تاريخية أنه كان من بناة المسيحية وأنه لقى العنت في سبيلها ، وأنه استشهد بأمر من نيرون إمبراطور روما سنة 64 ، أو سنة 67 م ، ولم ينتحر كما ورد في قصة مولانا بناء على رواية قصص الأنبياء وتفسير إبى الفتوح الرازي . 


ويبدو أن مولانا أخذ رواية أبي الفتوح الرازي ، ووضع اسم بولس على وزير محتال هاماني الطبع لملك متعصب تعصبا يهوديا وقحا ، ومن خلال الشخصيتين تحدث إلينا عن التعصب ومضاره وعبادة الذات وتأثير النفس مى خلال الإنسان ، كما طرح بعض القيم الدينية ، وحدثنا عن ديناميكية ظهور مذاهب جديده وأفكار وآراء جديده مما قد يكون قد شهده خلال تجاربه العديدة . 
ومن العسير اعتبار القصة تعصبا ضد المسيحية ، فقد كان مولانا بريئا من التعصب براءة تامه - وفي جنازته سار اليهود والنصارى والمسلمون جنبا إلى جنب - فضلا عن أن القضايا الفكرية التي أثارها كلها قضايا صوفيه وعرفانيه ولا علاقة لها بالمسيحيه من قريب أو من بعيد . وانظر في البيت إلى التعبير " مختلقا للظلم " أي أنه كان يبتكر في المظالم تعصبا لليهودية وتحقيقا للهوية اليهودية .

« 396 »
 
( 327 ) : لم يكن هذا الملك المتعصب يسلك هذا المسلك إلا من حوله : فالأحول هو الذي يرى الشئ الواحد اثنين وهذا الملك الأحول لم يبصر الوحدة النبوية بين موسى وعيسى عليهما السلام فوقع في آفة التعصب .
 
( 328 ) : الطريفة التي يذكرها مولانا هنا بناء على قول فروزانفر ( مآخذ / 7 - 8 ) وردت في مرزبان نامه للوراوينى كما نقلها العطار في أسرار نامه ، وعند سنائى حكاية أخرى عن أحول آخر وان كانت تهدف إلى نفس المعنى ( أنظر الترجمة العربية لحديقة سنائى ، الأبيات 412 - 416 وشروحها ) .
 
( 334 - 336 ) : الغضب والشهوة حائلان دون الحكم الصحيح ، فلا حكم لغاضب ، والغرض مرض ، والهوى مضل ، وكلها حجب تحجب الرؤية الصحيحة ، يقول علي رضي الله عنه « واحذر الغضب ، فإنه جند عظيم من جنود إبليس » ( مشكينى / 421 ) والهوى حيض الرجال وكل هذه آفات أشبه بأن يكون القاضي مرتشيا ، فأي حكم من قاض مرتش تنتظر ؟ ! ! ( 341 ) : أي أن الدين لا رائحة له ، كالمسك والعود - تستدل عليه من رائحته ( لمولانا رأى آخر في الكتاب الثالث وهي أن رائحة الايمان ورائحة الكبر والشقاق تصل حتى السماء السابعة ، انظر الأبيات 160 - 169 وشروحها ) .
 
( 367 - 372 ) : روى عن حذيفة رضي الله عنه : كان الناس يسألون رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ( مولوى 1 / 106 ) لأن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم قال : من إتقى الشر وقع في الخير ( استعلامى 1 / 221 ) والغول في المأثور الفارسي مخلوق خرافي يظهر في الصحراء في صورة انسان ويُضل الناس ويلقي بهم في المتاهات ، لقد كان هدف الصحابة أن يعرفوا كيفية مكر النفس ذرة بذرة وشعرة بشعرة ومداخلها وتزيينها للشر والقبح ، وكلها أمور أخفى من دبيب النملة على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء . . . 
كان الهدف هو الوصول إلى الإخلاص في العبادة ، وإبعاد شبه الرياء والسمعه ، والتمييز بين ما هو حق وما هو باطل ، مثل التمييز بين الأشياء الظاهرة والمحسوسة ( الورد والكرفس ) وإذا كان أذكياء الصحابة يشعرون بالحيره من وعظه صلى اللّه عليه وسلّم فما بالك بنفسك أنت ؟ ! !
 
« 397 »
 
( 374 ) : الدجال طبقا للروايات الدينية يظهر في آخر الزمان ويدعى أنه عيسى عليه السّلام ويتبعه كثيرٌ من الناس ويفتنون به ويصدقونه وفي الحديث النبوي الشريف : « الدجال أعور العين اليسرى جفال الشعر ، معه جنة ونار فناره جنه وجنته نار » ( الإمام السيوطي ، جامع الأحاديث ، طبعة حسن عباس زكى ، ج 4 ، ص 155 ، القاهرة 1984 ) 
( 375 - 384 ) : الشباك والحبوب : كناية عن الفخاخ المصنوعه لنا نحن الطيور الضعيفة « وخلق الانسان ضعيفا » من جوعنا وحرصنا نقع في هذه الشباك ، وهذه الفخاخ من مال وجاه ونساء وما زين حبه للناس ، وأنت تخلصنا بأنبيائك وأوليائك وأصفيائك وتبدى لنا الطريق ثم نسقط مرة ثانيه ، خذ بيدنا السقوط ، وأنت أهل المغفرة والغفران والتسامح دون حاجه منك إلينا « والله غنى عن العالمين » . . . وهكذا فمهما جمعنا من عبادات وطاعات ، هناك نفس أمارة تفعل فعل الفئران فتنقب أهراءنا وتسرق ما فيها لتعود إلى ما جمعناه وما عملناه فنجده هباءً منثوراً ، وهكذا فعليك أيها الحبيب أن تتخلص من شر النفس الأمارة بالسوء ثم تجاهد بعدها في العبادات « التصوف خلق مما زاد عليك في الخق زاد عليك في الصفاء » . . . والصلاة نفسها التي هي لب العبادات وعماد الدين لابد من الاستعداد لها أو لا بحضور القلب كما قال السيدد السند وصدر الصدور محمد المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم « لا صلاة إلا بحضور القلب » وقوله صلى اللّه عليه وسلّم : لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الله فيها قلبه مع بدنه » ( أحاديث مثنوى / 5 ) . 


قال أبو طالب المكي : حدثت أن المؤمن إذا توضأ ، تباعدت عنه الشياطين من أقطار الأرض خوفا منه ، لأنه يتأهب للدخول على الملك ، وإذا كبر حجب عنه إبليس فإذا كبر ، نظر الملك في قلبه ، فإن كان صادقا ، قال صدقت الله أكبر في قلبك كما تقول ، فيشع من قلبه نور يلحق بملكوت العرش فيكشف له ملكوت السماوات ، وأما الغافل الجاهل إذا قام للوضوء احتوته الشياطين كاحتواء الذباب نقطة العسل ، وإذا كبر كان كل شئ في قلبه عنده أكبر من الله ، فيقول له الملك كذبت ، فيثور من قلبه دخان يلحق بعنان السماء فيكون حجابا لقلبه يرد صلاته لا يعقل ما كان فيه فهذا لا صلاة له . ( مولوى 1 / 109 ) . . . 
وان لم يكن ذلك الفأر اللص الخبيث المتمثل في وساوس النفس وتسرب الرياء إلى الأعمال ، ( ومثال الفأر وتسلله إلى المخزن ذكر في معارف بهاء ولد ص 43 - 44 ) . وانعدام الاخلاص ينقب أهراءنا



« 398 »
 
فأين نتيجة تلك الأعمال والحسنات التي قدمناها طيلة أربعين عاما ؟ ! ! إن الأعمال التي تتم باخلاص تتراكم فوق نفوسنا فتزكيها وتربيها وتجعلها نفوسا نورانية ربانية . . فإن لم يكن ثم عيب فيها فلما ذا لم يكن فعلها هكذا معنا ؟ ! ! .
 
( 385 - 387 ) : أنظر إلى الصورة : تنبعث في بعض القلوب البشرية ومضة برق من الخير يتقلها ذلك القلب المستعد القابل ، وغالبا ما تكون ومضه برق الخير هذه منبعثه من قلب المرشد ، وهذا هو معنى انبثاقها من الحديد ، فإن كان صادقا قبلها وان لم يكن صادقا انطفأت هذه الومضه من الخير ، ومن يطفؤها ؟ ! ذلك الشيطان اللص الذي يريد أن يكون الظلام سائداً ، ليسرق ما يشاء أثناء الظلام ، إنه يضع أصابعه ( الشهوات وطول الامل والحرص ) على هذه الومضه التي تشرق كالنجم في قلب المؤمن فيطفؤها : وذلك مصداقا لقوله صلى اللّه عليه وسلّم : لولا أن الشياطين يحومون على قلب ابن آدم لنظر إلى ملكوت السماوات ( مولوى 1 / 110 ) .
 
( 388 - 389 ) : يناجى مولانا جلال الدين الله سبحانه وتعالى : إننا جميعا معرضون لهذا المصير لولا عنايتك يا ربنا ، وإحاطة علمك بما ظهر وخفى منا ، وقبولك إيانا ( عن العناية انظر الكتاب السادس ، البيت 3883 ، وشروحه ) فما جدوى طاعتنا إن لم تكن عنايتك ، وإذا كانت هناك آلاف من أنواع الامتحان والإختبارات في طريقنا ، فما دمت معنا يا الهى ، لا خوف علينا ولا حزن .
 
( 390 - 393 ) : ومن قبيل رحمتك بنا وعنايتك بنا يا الهى أنك أنعمت علينا بنعمة النوم «قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ» ( القصص / 72 ) يخلص الأرواح من أقفاص الأجساد ويحررها كاسرا ما يحيط بها من ألواح العقل والذهن والأعراف والتقاليد والعادات ، ولهثانها طوال النهار في أثر نفع الدنيا ، وتشاحنها ، وتحملها لوطأة هذا الجسد الذي يشدها إلى الطين ومتطلباته ومغارمه ، لتعيش الأرواح في مساواة مجردة ، فروح السجين مرتاحه من السجن ، وروح السلطان متجرده عن الملك والحكم والأمر والنهى ، فلا حسره ولا رجاء نفع ولا خوف ضرر ولا قلق من هذا أو ذاك ، وكل ذلك دليل يا الهى على انك تستطيع أيضاً أن تحرر الروح سواء في اليقظة أو في المنام من كل هذه الأدران التي يثقل الجسد بها عليها .
 
« 399 »
 
( 394 - 396 ) : وهذا هو حال العارفين في يقظتهم ، أعينهم مغمضه عن الدنيا مفتوحه على الآخرة ، تجول أرواحهم في عوالم في اليقظة كما تجول أرواح العوالم في النوم ، مثل أهل الكهف «وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ» ( الكهف / 18 ) . قال نجم الدين كبرى " إن الثابت الصادق والطالب المحق ، من اعتزل عن قومه وانقطع عن إخوان سوئه ، واعتقد ألا يعبد إلا الله ، ولا يطلب إلا الله ، ولا يحب إلا الله ، ويعرض عما سوى الله ، ثم يأوى إلى كهف الخلوة متمسكا بذيل شيخ واصل ، ليربيه بنور الولاية كما كان أصحاب الكهف ، لكنهم مجذوبون بنور الولاية وذلك من النوادر ، ولا حكم للنادر " . ( مولوى : 1 / 112 ) . وقال الكاشاني في التأويلات : وتحسبهم أيقاظاً أي وتحسب العارفين بالله أيقاظا لانفتاح أعينهم وإحساسهم وحركاتهم إلى اشتغال الدنيا ، وهم رقود عما سوى الله في الحقيقة ، ونصرفهم إلى جهة الخير وتقلبهم تارة إلى جهة مقتضى الطبيعة والشواغل الجسمانية ، ظهورا لحكمتنا وكلبهم أي نفسهم باسط ذراعيه أي توكلهما بالوصيد أي بفناء البدن ملازمه لهم ( الانقروى 1 / 119 ) . إنهم مغمضو الأعين عن الدنيا ليل نهار ، وهم كالقلم بين يدي الرب يقلبه كيف يشاء ( عن تفصيل هذا المثل انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 3721 - 3729 وشروحها ) .
 
( 397 - 409 ) : وان هذا الذي يبديه الله تعالى للعقل من حال العارف جزءٌ يسير جداً مما خصه به ويسيره له ، والعقل منه في دهشة وحيرة . . . ويعود مولانا فيفصل الصورة التي جمعها في الأبيات 390 - 393 : تمضى أرواح العوام إلى صحراء لا وصف لها ، فتستريح الأرواح من الأبدان ، وتستريح الأبدان من الأرواح ، ليستريح كلاهما من هذا الصراع المحتدم فيما بينهما والمستمر ما دامت اليقظة قائمة ، ثم ثمة صفير ( كالذي يطلقه الصياد للطير ) ، 
وتمد شباك الدنيا وفخاخها عندما تشرق شمس النهار ، فيستدعى فالق الاصباح ، وكأنه نفخ في صور إسرافيل ، هذه الأرواح الشارده إلى عالم الصورة ، والجياد التي عريت من سروجها ، وهذا هو سر الحديث النبوي القائل « النوم أخ الموت ولا يموت أهل الجنة » فالموت قطع لكل العلائق من الدنيا ، لكن في النوم يبقى خيط غير مرئى بين الأرواح إلى أجسادها ، حتى يطلع النهار وتعود إليها ، قال تعالى «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ، وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ، فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ
 
« 400 »
 
وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ( الزمر / 42 ) ، وليته يحفظها في كنفه ، كما حفظ أرواح أهل الكهف ، أو كما حفظ سفينة نوح من أمواج طوفان ، العالم وطوفان الكفر الذي يحيط بها ، حتى ينمو الضمير ، وتنجو العين والأذن مما يسببه هذا الوعي وهذا العقل والصحو . وكثيرون هم أمثال أهل الكهف يعيشون في كنف الله وتحت حفظه وفي رعايته ، ولا تخلو منهم الدنيا ، هم في غار كنف الله وحفظه ، وهم يعيشون مع الحبيب ، لكنك لا تراهم ، لأن الله قد ختم على سمعك وبصرك ! ! ( 410 - 412 ) : ليست كل العيون جديره بإدراك هذا الجمال ، بل ربما تراه قبحا ، وليلى في المأثور الفارسي رمز الجمال الخالد ، والمجنون رمز العاشق المتيم الواله في الجمال الخالد ، لا يبصره سواه ولا يقدره إلا إياه . . . 
قال فروزانفر ( مآخذ / 8 ) إن الحكاية التي بين أيدينا وردت في ربيع الأبرار للزمخشري : " دخلت بثينه على عبد الملك بن مروان فقال : يا بثينه ما أرى شيئا مما كان يقول جميل فقالت : يا أمير المؤمنين انه كان يرنو إلى بعينين ليستا في رأسك " ، كما نظم العطار نفس الحكاية التي بين أيدينا في مصيبت نامه . . . 
ورواها سعدى في كتاب كلستان مستشهداً ببعض الأبيات العربية التي نسبت إلى المجنون ( كليات سعدى ، ص 169 - 170 ) ، وبالطبع ذكرها كل منهم في معرضه بيان معنى من المعاني . ووردت أيضا في مقالات شمس ( ص 105 ) قالت : نعم أن أنا ليلى ولكنك لست المجنون واستشهد بالبيت :
وكيف ترى ليلى بعين ترى بها سواها وما طهرتها بالمدامع .
 
والمعنى الذي بين أيدينا أن الخليفة لم يستطع أن يشاهد جمال ليلى ( الجمال الخالد ) ، لأن عينيه مفتوحتان على الدنيا ، وليس عاشقا ناظرا إلى الحقيقة ليدرك مدى جمالها ، بل إن من يلهيه طلب الدنيا ، ويلهث خلفها بسياط المال أو الشهرة ، حتى ولو كانت عن طريق حلال يغمض عينيه عن كثير من متع الدنيا نفسها كالتسامى عن طريق الفن والأدب وخدمة الخلق والعطاء ، فمثل هذا اليقظ يكون في الحقيقة في نوم ولا يستيقظ عادة إلا على كارثه تتم به أو مصيبه تحدث له ، ومن لا يكون متيقظا بالحق وللحق وفي سبيل الحق تكون يقظته سدا أمام تساميه ، وحاجزا أمام اليقظة الحقيقية ، إنه يجعل " روحه " تروح في سبات عميق ، هذا إذا اعترف أن له روحا أصلا ، ويلهث
 
« 401 »
 
وراء كل خيال ، يظن أن فيه راحته وفيه نجاحه ، ومثل هذا الشخص لا يبنى شيئا ، ولا يقيم صرحا واحدا حقيقيا ، في خيال مع الشيطان في النوم يصيب ماء شهوته ، وهي لا تنجب ولا تنسل ، فكأنه زرع بذره في أرض بور ، وما أشبهه بصياد يطارد ظل طائر ، الطائر في الأعالي ، البناء الدنيوي الخالد هو الذي يكون موصولا بالآخرة ، هدفه التسامى . . . هدفه راحة البشر ، وبناء الإنسانية ، وهو يظن أنه يصيد الطائر ، حتى تفرغ كنانته . مشهد نشاهده كل يوم : يلهث المرء وراء دنياه ، يجمع من المال ما يجمع لكي يستريح ، وحين يستيقظيجد نفسه مريضا مهدما وربما وحيدا ، وتكافئه الدنيا بأن يحس بأنه لم يفعل شيئا ، فما ذا يجديه كسب الدنيا إذا خسر نفسه ؟
وأغلب هذه الأنماط تنتهى إنتحارا ، ولا أمل إلا أن يكون ظل الله عليه ، يهديه سواء السبل ، ويخلصه من كل هذه الأوهام والخيالات .
 
( 421 - 431 ) : أتدري ما هو المقصود بظل الله ؟ ! ! إنه عبد الله الذي يحيا بالله ، أفنى بشريته في حب الله ، وهو مظهر صفت الجمال والجلال وهو السلطان الحقيقي الذي لا يروح عنه سلطانه ولا تأفل شمسه ، وإنني لأسميه بالظل ، لأنه دليل على وجود نور الشمس الإلهية ، ومن هجير الدنيا يلجأ إليه المستظلون ، وبهم تنجو من الفتن التي أخبر الرسول صلى اللّه عليه وسلّم أنها تظهر في آخر الزمن ، واقرأ «أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا» ( الفرقان / 45 ) وكن كالخليل ، وقل «لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ» ( الأنعام / 76 ) أي عن طريق ظل الله ، توصل إلى الله ، ما دام الظل هو الذي يوصل إلى الشمس ، وما دامت الشمس قد ذكرت ، قإن خير من يدلك على شمس الحقيقة الساطعة هو شمس الدين التبريزي . لكن أين أنت من شمس الدين التبريزي ؟ أمامك اذن حسن حسام الدين ، ولم يذكر نفسه تواضعاً واستتارا ، فذكر أستاذه ، وذكر تلميذه ، فالولي لا يدعو إلى نفسه ولا يظهر نفسه .
 
( 432 - 439 ) : وإذا قلت : فما بالك قصرت الأمر على أستاذك وتلميذك ، وجعلت الحقيقة في زماننا وقفا عليهما فإن هذا يكون حسدا منك ، وأنا أحذرك من الحسد ، فأول معصية كان سبيبها الحسد : فإن إبليس لم يسجد لآدم حسداً منه «قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ *» و« قالَ أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً »فألقى بنفسه من حالق سعادة الطاعة إلى حضيض شقاء المعصية ،
 
« 402 »
 
وأنا أقول لك من بداية المثنوى : لا عقبة في الطريق أسوأ من الحسد ، فهو الذي يحبسك عن الرجال ، ويردك عن أبوابهم ، فتنظر إليه بعين إبليسية ، وتستكثر عليهم نعمة الله ، وتتكبر ، وترى نفسك خيرا منهم ، وهذا الجسد المملوء حسدا إنما يلوث كل سكانه من حواس وقوى عقلانية وقوى قلبية وروحية ، والله سبحانه وتعالى قادرٌ على تطهير هذا البيت وخلاص سكانه ، وعندما قال الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام «طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ» ( البقرة / 125 ) 
كان يقصد أيضاً القلب فهو بيت الله في الجسد وموضع سره ، قال نجم الدين « أما الطائفون فواردات الحق وإلهاماته ولوامع أنواره وطوالع اسراره ووفور مواهبه ، فجملتها بلسان القوم الأحوال التي تطوف حول القلوب المطهرة من الملوثات ، السليمة من الآفات وأما العاكفون فأنوار معرفته ومحبته وحقائق صفاته وأخلاقه ، وأما الركوع والسجود فإشارة إلى صفات القلب المطهر وهي : الإرادة والصدق والاخلاص والخضوع والخشوع والدعاء والتضرع والابتهال والإنكسار والتواضع والخوف والرجاء والصفاء والوفاء والتسليم والرضا والخشيه والهيبة والتوكل والتفويض فجملتها العبودية " ( مولوى 1 / 120 ) 
فهو أي الجسد كنز للنور لأنه محل القلب ، وما التراب الذي خلق فيه إلا ما يطلسم به الكنز لكي لا يظهر لمن ليس بأهل ، والشيخ لا حسد لديه ، وإذا انصب حسدك عليه ، فإن أذى هذه الحسد لا يحيق الا بجسدك أنت ، فالحسد مرض عند صاحبه ، لا يتألم منه سواه ، وما علاج هذا الحسد إلا تواضعك لأهل الحق ، واستسلامك لهم ، هذه النصيحة مجربه ، جربناها قبلك .
 
( 440 - 448 ) : لقد كان ذلك الوزير المتآمر على المؤمنين حسودا ، وما تخليه عن أذنه وعن أنفه إلا من حسده ، إن الحسود لا يحتاج إلى أذن يسمع بها غير ما توسوس به إليه نفسه الحسود ، ولا يحتاج إلى أنف يشم بها شذى معارف العارقين ، والشم هو الذي يوصل إلى بساتين العارفين ورياض الصالحين وأحباء الأولياء ومواضعهم ، فالحسود لا يضر إلا نفسه ، ولا يغلق الباب إلا أمام نفسه . وقد قال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم « الحسد يفسد الايمان كما يفسد المر العسل » ( الجامع الصغير 1 / 151 ) 
وقال الامام على رضى اللّه « صحة الجسد قلة الحسد » ( مشكينى / 203 ) . وقلة الحسد تحفظ عليك حواسك من الخلل وفكرك من الزلل ، فاشكر الله على نعمة الشم ، بالا تلغيها ، فإنك إن
 
« 403 »
 
الغيتها زالت عنك ، ومن خواص شكر النعمة شكر الشاكرين " من لا يشكر الناس لا يشكر الله " وهؤلاء الناس في أيديهم سموك ورقيك ، فكن بين أيديهم كالميت بين يدي الغسال يقلبه كيف يشاء " ، ولا تكن مثل ذلك الوزير الذي كان ديدنه قطع الطريق على المؤمنين ، لقد كان يدس السم في الدسم كما يُدس الثوم في حلوى اللوز ( التعبير لسنائى : انظر حديقة الحقيقة البيت رقم 5305 ) .
 
( 449 - 455 ) : الأذكياء والحاذقون أذكياء القلوب لا العقول ، أولئك الذين يحسون بقلوبهم أن كلام الوزير هذا ( له خبىء ) ، أنه مقنع في الظاهر بليغ وفصيح ، لكن تأثيره في القلب عكسي تماماً ، وأحيانا يكون الكلام جميلا وفصيحا ومرتبا ، يراعى قائله كل أصول البلاغة لكنه يظل " مجرد كلام " يحس القلب من ورائه شيئا ، وكأن مولانا يقول أن المبالغة في تزيين ظاهر الكلام هكذا ، ما هي إلا لفقدانه الإخلاص ، وكلام الكاذب كالسراب ( مشكينى / 467 ) يحسبه الظمآن ماء وما هو بشئ ، أو كأنه الفضة المزيفة ، بيضاء اللون لكنها تسود اليد ، أو بتعبير آخر للإمام على رضى اللّه عنه ( كخضرة على مزابل ) ( سبزوارى / 28 ) 
وهكذا فالمهم الأثر ، والمهم المحك ، والمحك قلوب الأذكياء الواعين المنورة بنور المعرفة الالهية ، وكلام الوزير وإن كان متوهجا كالنار فإنه محرق ، والبرق وإن كان يحتوى على نور ، فإن نوره يخطف البصر ولا يضئ أمام البصر ، وهكذا كلام المنافقين الذي يتجرعه الهمل الرعاع ويستشهدون به ، إن كلام الوزير مجرد كلام " مبهر " ليس أكثر . كلام " مبرمج " بالتعبير المعاصر ، يدق على موضوعات بعينها ، لإدخالها في العقول قسراً ، حتى ولو كانت القلوب لا تطمئنّ إليها .
 
( 462 - 467 ) : المراد بالإثنى عشر أمير الأسباط الاثنا عشر أو الحواريون الاثنا عشر ؟ ! أو مجرد إثنى عشر أمير كان قوم عيسى يسلمون لهم أمورهم ويتبعونهم ، المهم أن الوزير الماكر بدأ برؤوسهم فتسلط عليهم ، وهكذا تبدأ الفتنة بالكبراء والملأ والقادة والقدوة ، وتتعفن السمكة دائما من رأسها .
 
( 469 - 500 ) : آثرت ترجمة " طومار " هنا بقرطاس ، على أساس أنه التعبير القرآني (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً) ( الأنعام / 91 ) والتخليط بالتلبيس وهو وضع الأفكار
 
« 404 »
 
المتداخلة المتناقضة وخلطها . والأفكار التي يسوقها مولانا على أساس ان الوزير قد وضعها ، لا تتصل بالعقائد بقدر ما تتصل بالطريق والعرفان والواقع أن هذا يوحى بأن مولانا كان يقصد بالقصة كلها بيان المرشدين الكاذبين الذين يلبسون الطريق على المريدين ، وأن عيسى والوزير اليهودي الماكر مجرد إطار ، فالوزير يتحدث عن شروط الطريق فهو حينا الجوع والرياضة الصوفية والتوبة والنابة والرجوع ، ثم يعود فيقول في قرطاس : لا ، لا نفع في الرياضة والمهم هو الجود ، وفي مرة ثالثة لا للرياضة ولا الجود ، فإن الرياضه والجود تدخل من العبد ، والتدخل شرك ، بل التوكل والتسليم على أساس أن الله سبحانه وتعالى يقدم ما فيه الخير لعبده ، ثم يقول :
التوكل سلبية ، يخلص بها المرء نفسه وينسى غيره بل الأصل في خدمة الخلق ، ثم يأتي في قرطاس فيسقط التكاليف ، ويقول الأصل في الأمر والنهى العلم وليس العمل ، لأن الله يعلم أننا غير قادرين على القيام بها ، فكيف يأمرنا بشئ نعجز عنه ؟ ! ! 
ثم يقول في قرطاس آخر : لا ، لا ينبغي أن تعتبر نفسك عاجزا لأن في هذا إنكارا لما منحك الله من قدرة ، ويعود في قرطاس فيقول :
دعك من العجز والقدرة ، فكل ما يظهر في طريقك صنم ويعود فيقول : النظر هو شمع طريق الوصول إلى الحق ، ثم يقول في قرطاس آخر : أطفىء شمع النظر فيعطيك شمع الروح النور وكل ما تبحث عنه يصلك ، ويقول في قرطاس : تمتع بما خلق الله لك من رزق ، ولا تجعل منه حلالا وحراما ، وتكلف نفسك العنت وفي قرطاس آخر يقول : أُنبذ كل ما قبله طبعك ، وليس معبار قبول الشئ موافقته للطبع ، فهناك أمور كثيرة ميسرة ، لكن عاقبتها عسر ، ولو كان كل ما يسر صحيحا ، لكانت كل أمه على الحق ، ثم ترك الموضوع مفتوحا ، فقال انظر إلى العاقبة وإلى المآل وهكذا ينقض في قرطاس ما قاله في قرطاس آخر ،
 فيقول في أحدها : لا بد من المرشد ويقول في آخر :
بل المرء مرشد نفسه ، وفي قرطاس يقول : كل الأديان والمذاهب دين واحد ، وفي آخر يقول :
كيف تكون المائة واحدا ، وكيف تكون المذاهب واحدة ، وفي كل منها ما يخالف الآخر : هل يكون الشئ الواحد سما وتريقا ؟ ثم يفرغ إلى نهاية التلبيس ، دعك منها كلها ، دعك من كل الطرق وكل المذاهب ، هذا هو الطريق الوحيد لكي تشم أريجاً من بستان الوحدة ( وكم تكون النصيحة بالشم مجدية حقا من فاقد للشم ! ! ) .
 
« 405 »
 
( 504 - 515 ) : لقد كان ذلك الوزير اليهودي يدعو بين قوم عيسى ، دون أن يكون قد علم النذر اليسر من أساس دين عيسى عليه السّلام ورساله ، والواقع أنه ربما كان يعلم ويفعل عامدا ما يجعل أساس هذه الفسلفه مبعثراً ومشتتاً عند أتباع عيسى ، واللون الواحد عند عيسى عليه السّلام " المحبة " والمحبة هي القادرة على أن تجعل حسن التفاهم يسود بين أرباب الأديان المختلفة ، ودن الصفاء هو معرفة الله ، . فالوصول إليها ينفى ما علق من الطرق من غبار الاختلاف ، وريما كان في هذا إشارة إلى ما روى عن عيسى عليه السّلام أنه اشتغل في صباه صباغا ، فطلب منه أستاذه أن يصبغ عدة ثياب بألوان مختلفة ، وذهب إلى بعض شأنه ، فنسى سيدنا عيسى عليه السّلام المطلوب لكل ثوب ثم وضعها في دن واحد ، وأخرج الأثواب ، . فكان كل ثوب فيها على ما طلبه أستاذه ( قصص الأنبياء للثعالبي 439 - 440 ) 


ليست وحدة اللون التي يكون منها الملل ، بل وحدة اللون التي تسكن إليها الروح ، مثلما يسكن السمك إلى البحر الزلال مع أنه ذو لون واحد ، وبحر الروح على بأج واحد ، لكن اليابسة ( الحياة المادية ) مليئة بالفتن والمجادلات والخصومات ، ومن هنا تسكن مخلوقات البحر ( العارفون ) إلى الماء وتنفر من اليابسة أي سمكة وأي بحر ؟ ! هكذا يستدرك مولانا ، ما هذا التشبيه ؟ ! 
يا لها من قاصرة هذه اللغة لا تستطيع أن تعبر عن عشر معشار ما يجول في القلب من معان أأشبه بحر الجود بالبحر ؟ ! 
وهذا البحر عطاء منه ؟ ! وما يعطيه البحر من لطفه ؟ ! ودره من مطره والسحاب الذي سيره ، كلها من شموس كرمه ؟ ! 
وهذا التراب القابل للحب ، أليس من علمه ؟ ! 
ألا ترى أن هذا التراب أمينٌ على ما تضعه فيه من حب ، هل زرعت مرة شيئاً وحصدت شيئاً آخر ؟ ! 
فأمانة التراب إنبثقت من الأمانه الإلهية ، ولا تقولن أن الربيع هو الذي يظهر النبات ، فهل يستطيع الربيع أن يظهر شيئا دون أن يجد إشارة من الحق ؟ ! ! 
 
( 516 - 524 ) : إذا كان هذا ديدن الخالق مع الجماد ، فذلك لأن الجماد إنقاد له مطئطا الرأس وتواضع واعترف بجماديته ، لكن هذا اللطف ينقلب إلى قهر مع الإنسان الحي العاقل الذي نفخ فيه من روحه وكرمه على كل مخلوقاته ، فيجعله يعمى عن كل هذه الآلاء والعطايا ، أتراني عندما أصل إلى هذا الوجد أستطيع أن اعبر التعبير الحقيقي والناس جميعا قد فقدوا السمع وملأت آذانهم ضوضاء الدنيا وجلبتها وضجتها ؟ ! إن الأذن التي تتجه إليه فحسب تصير عينا فتعاين الحقيقة
 
« 406 »
 
كأنها تشاهدها . والحجر الذي يتعرض لشعاع من شمس الطافه ينقلب إلى حجر كريم ، إن معه كيمياء التبديل التي تجعل من المعدن الخسيس معدنا كريما ! ! ماذا أقول ، إنه ليس في حاجة إلى وسيله من كيمياء وسيمياء ( الكيمياء والليمياء والهيمياء والسيمياء والريمياء هي العلوم الغربية المضمنون بها على غير أهلها وتجمعها عبارة : كله سر ) وهو الذي يعطى عباده المخلصين القدرة على المعجزة وهي قلب الأعيان دون وسيله ، وهذا الثناء منى عليه تجرؤ منى فإذا كان الرسول الكريم صلى اللّه عليه وسلّم قد قال « لا أحصى ثناءً عليك » كيف أقوم أنا ذاتي بالثناء عليه ؟ ! « وشرط المحبة إفناء الوجود في حب المعبود حتى يصير بصير الشاكر والمشكور والرب الغفور » ( مولوى 1 / 135 ) وشرط الثناء الحقيقي أن يكون وجودك فناءً أمام وجوده ، وأن من شرط هذا الوجود أن يكون أعمى عمن سواه ، فإن أثبت لنفسه رؤية ، لجرؤ على النظر إليه ، وان فعل لذاب ألست ترى الوجود كله متجمدا حزينا يرتدى زرقة الحداد ( السماء والبحر ) . إن هذا هو ما حفظ عليه وجوده ، فلو أثبت لنفسه وجود أمام هذه الشمس لذاب وانمحى كما قال الجنيد : " إذا قرن المحدث بالقديم لم يبق له أثره " ( انقروى 1 / 145 ) .
 
( 525 - 546 ) : لقد كان ذلك الوزير بمكره جاهلا غافلا ، كان يقاتل من لا يقاتل ويقاوم من لا يقاوم ، ويخلق من العدم إن شاء ما يفوق كل هذا الوجود الذي تراه وتراه واسعا وهو مجرد ذرة بين يدي قدرته ، انه يجعلك إن عرفته محيطا لمعرفته بمعرفة كل شئ ، وهذا العالم الذي تراه واسعا سجن لك ( الدنيا سجن المؤمن ) . وإذا أردت أن تعرف الفرق بين ما تراه في هذه الدنيا من أنواع العلم والقدرة وما يمنحه الإله من علم ومن قدرة لأصفيائه الذين اتجهوا إليه ، فانظر إلى هذه الأمثلة : عصا الله في يد موسى حطمت كل عصى السحرة وكل حراب فرعون وجيشه وخيله ورجله ، وأعظم علماء الطب لم يستطيعوا أن يفعلوا ما يفعله نفس واحد من أنفاس عيسى عليه السّلام ، ودواوين العرب كلها هباء أمام بلاغة ذلك النبي الأمى ؟ ! 
أتراك تقاوم هذا الإله الغالب ولا تستسلم له وتفنى فيه ابن لم تكن دنيئا خسيسا ؟ ! ! 
وكم من قلوب راسيات كالجبال قد خلعها بحبه خلعا من مكانها ، وكم من طيور ذكية ماهرة سقطت في الفخ اعتمادا على ذكائها ومهارتها ، إن فضل الله لا يناله كل قبيح بمال أو بعقل أو بجاه ، لأنه سبحانه وتعالى قال في حديثه القدسي :
 
« 407 »
 
« أنا عند المنكسرة قلوبهم » وكم من أغنياء وعلماء أجلاء صاروا لذلك الوزير إمعات ( لحية ثور ) ، أرأيت كيف يمسخ الضلال والطمع والحرص البشر ؟ ! ألم تقرأ في قصة هاروت وماروت أن المرأة التي أغرتهما قد مسخها الله تعالى وجعل منها كوكب الزهرة ؟ ! ( الأسطورة تكاد تكون عالمية فهي ناهيد الزهرة عند الفرس وافروديت عند اليونان وفينوس عند الرومان ( كولبينارى : 100 - 99 ]
، وانظر مقارنة بين الروايات القديمة المتشابهة ، عن الزهرة [ 100 - 99 ] ) أتعتبر 
تحول امرأة إلى كوكب مسخا ولا تعتبر هبوطك إلى حضيض الجسد وتجاهلك لعالم الروح مسخا . إن الروح ترفعك إلى أعلى عليين ، وأنت تتشبث بالجسد ليهبط بك إلى أسفل سافلين ( هذه هي أساس الجدلية الصوفية كلها وقد عبر عنها سنائى بقوله :
ما ذا أفعل بالجسد وأنا من عليين * وما ذا أفعل بالروح وأنا من طين وأنك بدلا من أن تسير في أثر الروح ، نزلت وتسفلت ، ألست ترى المسخ الذي حدث لك وأن لم يكن هذا مسخا فماذا يكون المسخ ؟ !
 إنك لا تراه لأنه مسخ باطني ، مسخ قلب ، ومن رحمة الله بأمة محمد أنه جعل مسخها في القلوب لا كمسخ بني إسرائيل في الأجساد والجوارح ( عن المسخ الظاهر والمسخ الباطن ، انظر الكتاب الخامس ، الأبيات 2593 - 2601 وشروحها ) 
وها أنت ترى نفسك جديرا بملك العالم وبأن تملأ سيرتك الدنيا ، وصعدت في الفلك السابع ، لكنك لم تدرك إن السجود لآدم كان سجودا لروحه ولم يكن سجودا لجسده .
 
( 547 - 552 ) : لكن لا تيأس من رحمة الله : فان معرفة الحق إن سطعت على كل ما في العالم من ثلج وما في دنياك من اهتمامات مادية أحالتها إلى ماء وأذابتها ، وشعاع واحد من رحمة الله وعنايته يجعل كل غزل ذلك الوزير أنكاثا ، ويجعل هذا الإضلال حكمة ، وهذا التلبيس رحمة ، وهذا السم شرابا سائغا ، فيهديك من حيث أراد غيرك بك الضلال ، ويمنحك محبته من حيث أراد غيره أن ينمى الحقد في قلبك ، أليس هو سبحانه وتعالى الذي رعى إبراهيم عليه السّلام وهو في النار ؟ ! أليس هو الذي أبدل المؤمنين من بعد خوفهم امنا في بدر ؟ ! 
إنه تعالى محرق الأسباب وفاسخ العزائم . وهذا ما يصيبني بحيرة العارفين ، وأرى أن التفكير بالعقل في فعله مجرد سفسطة وشقشقة ألفاظ .
 
« 408 »
 
( 553 - 568 ) : تدل الأبيات أن مولانا كان على دراية كبيرة بسيكولوجية الجماهير ، فالزعيم أو القائد إن ظهر كثيرا بين أتباعه يُبتذل ويُمل ، تقدم آراؤه ، وتستسخف لفتاته ونظراته ، وببساطة يستهلك تماما ، ولا تعود له نفس الجاذبية عند الجماهير ، ومن هنا فلا بد من أن يجدد " شوقها " إليه ، فيظهر على فترات متباعدة ، أو يختفى وفي حالة القيادة الدينية والمذهبية لا بد وأن يكون الأمر مصحوبا بجو ديني ومذهبي كالحالة التي بين أيدينا : لقد وضع الوزير الماكر بذور الفتنة ورواها ، ثم تركها تنمو وتختمر وتغلظ وتستوى ، واختفى في خلوة الممارسة الرياضية الصوفية ( بعض زعماء العصر الحديث يختفون قليلا ويقولون أنهم مختفون للتأمل مثلا ) وها هي جماهير العوام " كالأنعام " تجأر بالشوق إليه . . أنها تحس بدونه أنها عمياء لا ترى ، ولم لا وقد أخذ منها عيونها وحبسها معه في الخلوة . . 
فأصبحت بدونه كالأطفال حرموا الرعاية ( معظم زعماء العصر أقاموا دعايتهم وجاذبيتهم على أنهم آباء لشعوبهم من أول نابليون حتى أتاتورك وما بعد أتاتورك ، فساقوهم إلى الذبح ) وظمأى حرموا الماء الذي كان يحقنهم به صباح مساء ، الحكاية ليست حكاية تعصب ، إنها تقدم نموذجا لفن الخداع الجماهيرى الذي لم يصبح علما إلا في العصر الحديث ، انقلب الطالب إذن إلى مطلوب ، ومن ثم يدخل في مرحلة جديدة من مراحل الشعوذة وخداع الجماهير ، أي إضفاء هالة من القدسية على كل ما يقوم به ، وليس مكلفا بأن يقدم تبريرات بل عليه أن يتكلف بعض الحكمة ويصبها صبا في آذان الجماهير : فهي تشحذ فيهم الشوق وتضرم النيران ويمكن فيما بعد أن تصبح " أقوالا خالدة " للزعيم تدرس في المدارس وتكتب حولها الأبحاث .


.
يتبع

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا





عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 6:55 pm

الهوامش والشروح الأبيات من 325 - 743 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )

 الهوامش والشروح الأبيات من 325 - 742 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح قصة ذلك الملك اليهودي الذي كان يقتل النصارى تعصبا

( 569 - 580 ) : وهكذا يبدأ الوزير الحكيم في الحديث إلى الأتباع الذين برح بهم الشوق ، وبالرغم من أن الحديث الذي يقدمه إليهم عن لزوم الباطن بدلًا من أتباع الظاهر من الموضوعات النمطية التي خاض فيها مولانا جلال الدين كثيرا ، إلا أننا نجده عندما يسوق الحديث على لسان مدع يجعلنا نحس بأن الحديث بالفعل لا يعبر عما في الباطن ، وانه مجرد كلام ولا نميز تلك الروح الفياضة الشفافة التي تتجلى في هذه الأحاديث عندما يسوقها مولانا على لسانه أو على لسان شيخ مخلص : وهكذا فحديث الوزير هنا يبدو حديثا تعليميا جافا يفيض بالأدعاء : فهناك أذن
 
« 409 »
 
للظاهر وأذن للباطن ، وأذن للحس وأذن للروح ، وأذن الحس حجاب على أذن الروح ، ( والمثال الغفلة كقطن في أذن السر ، ورد في المعارف ص 231 ) ولا يهم في الكلام الذي تسمعه أذن الحسن ، فسد أذن الحس ، لكي تسمع الخطاب إلى الروح ب «ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً» ، والحس هو الذي يصلح لليابسة ( عالم المادة ) أو عالم اليقظة ، والأحاسيس الباطنة هي التي تصلح للبحر ( عالم المعنى ) وعالم النوم ( عن عالم المادة ) وما دمت في عالم المادة ، لن تحصل على ماء الحياة ( العلم الإلهى ) 
ومن معانيه أيضاً الفيض والعشق والوفاق والعلم اللدني وسرعة الوصول إلى الله والمحبة وقبلة الأحبة والحديث بالحقيقة والحركة والفقر والشراب المادي والمعنوي ( جولنبارلى 103 ) ولن تشق البحر ، ما دمت في عالم الفكر والوهم ، وهكذا ، عشرات من المصطلحات والقضايا يرصها الوزير رصا لكي يزيد في شوق المشتاقين وإلتياع الملتاعين ! !


( 581 - 594 ) : ولكن هذا الكلام لم ينفع ولم يقنع المريدين إذ كيف يترك الشيخ المريدين يحلقون في الأعالي ولم ينبت لهم ريش بعد ؟ ! كيف يطلب منهم أكل الخبز وهم لا يزالون في مرحلة الرضاعة ؟ ! 
وكيف يمكن للاذان إلى أن تتحول إلى وعى (آذان روحيه) دون أن ينصب فيها كلام الشيخ ، وكيف يأمرهم بالنزول إلى البحر بدونه وهو البحر ؟! 
وكيف يطلب منهم الصعود إلى الأفلاك وهم في الأفلاك - حتى على الأرض - ما داموا معه ؟ ! 
بل إن الأرض بوجوده لتسمو على الأفلاك وتنفوق عليها ، إنه هو النور المشع ، الفلك بدونه يصبح مظلما ، والأرض به تصبح منيرة ( كلام المريدين أكثر وجدا من كلام الشيخ لأنه صادر عن شعور صادق ) لأنه هو الروح وهو المعنى والرفعة للمعنى عن الصورة ! !
 
( 595 - 598 ) : لا يجد الوزير الماكر ( الزعيم المموه ، المرشد الكذاب ) ما يرد به على المريدين فلا يجد ما يقوله : ما هذا ؟ ! الا تتقون فىّ ؟ ! ألا تتقون فيما أقول ؟ ! ! 
كيف تتوسمون في الكمال ثم تنكروننى ؟ ! ! كيف تردون آرائى وأوامرى ؟ ! ! ألست مؤتمناً في النهاية على دينكم وعاقبتكم ، فكيف تتوسمون في من ائتمنتم الخيانة ؟ ! 
كيف تتهمونني بأنى لا أرعى مصالحكم ولا أريد خيركم ، لن أغادر الخلوة فأنا مشغول بإصلاح باطني ( كان مولانا ينكر الخلوة إذا كان ثم مريد في حاجة

« 410 »
 
إليه ، ويسخر من الزهد الريائى ومن التنطع والإفراط ، كما سنرى في مواضع عديدة في المثنوى ، ويرى أن كله هذه الصفات دليل نقص في الشخصية الصوفية السوية وليست دليل كمال ) .
 
( 599 - 609 ) : يرد المريدون : حاشا لله أن ننكر شيخنا ومولانا أو نتحدث إليه حديثا يشم فيه الإنكار ، إن هذا هو ما أسعفنا التعبير إليه ، نحن لا نجادل بل نبكى حنينا . . وأنت الذي علمتنا هذا الحنين ، نحن مجرد آلات موسيقية وأنت العارف عليها ، ونحن مجرد ناى وأنت النافخ فيه ، فكل كلمة نتفوه بها منك ( الحديث هنا وخصوصا على ألسنة المريدين يعبر عن شوق مولانا جلال الدين وتقديره لشيخه ومرشده ) نحن صدى صوتك يا جبل المعنى ، ونحن قطع شطرنج في يديك وأنت تنقلنا كيف نشاء ، وان كسبنا فمنك وان خسرنا فمنك ! !
 نحن ما ذا نكون جوار وجودك ؟ ! عدم صور مرسومة على الأعلام ان تحركت وهجمت فمن الريح ، وأنت الريح ، لا افقدنا الله إياك يا من كل وجودنا منك ، ( عن تفصيل الفكرة انظر 4 / 131 - 155 وشروحها ) .
 
( 610 - 614 ) : لا يزال المريدون المخلصون الذين ينطقهم الإخلاص بكلام وأفكار أعمق من أفكار الشيخ يتحدثون إلى شيخهم ( المزور ) وان كان هذا الحديث يغلب ان يكون من إفاضات مولانا خارج نطاق الحكاية والحديث يكاد يكون موجها إلى الله تعالى : إن الله تعالى أبدى للعدم لذة الوجود وابتلاه بالعشق حتى ينتقل إلى عالم الوجود وكل حلمه وصال الحق ( كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبى عرفوني ) فلا تسلب منى يا الهى لذة إنعامك إننا نتضرع إليك ، لا نجادلك ولا نناقشك فهل تجرؤ الصورة على مجادلة المصور ؟ ! 
( مثل تكرر أكثر من مرة في المثنوى ، أنظر على سبيل المثال لا الحصر الكتاب الثالث البيت 937 وشروحه ) يا الهى لا تعاملنا بفعلنا بل عاملنا بلطفك وكرمك ( اللهم احملنى على عفوك ولا تحملني على عدلك ، مشكينى 239 - من دعاء للإمام علي رضي الله عنه ( ولنفس الفكرة انظر الكتاب السادس ، الأبيات 2710 - 2716 وشروحها ) .
 
( 615 - 618 ) : من هذا البيت يناقش مولانا قضية من أهم القضايا الكلامية التي ناقشها في المثنوى على طول كتبه الستة ، وهي قضية الجبر والاختيار ، ( انظر القضية ككل في مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس تحت عنوان الإرادة الإلهية والحرية الإنسانية ) فبالنسبة للقدرة

 
« 411 »
 
الإلهية الخلق جميعا كالأجنة في الأرحام لا حول لها ولا قوة ، ومصيرها مكتوب ، فمنهم شقى وسعيد .
 
( 619 - 632 ) : الآية الكريمة (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى) ( الأنفال / 17 ) خضعت لأكثر من تفسير ، ووجهت لبيان أكثر من معنى في المثنوى : ( الكتاب الثاني 1306 و 2530 والكتاب الثالث بشكل أكثر تفصيلا من 3660 - 3364 والكتاب الرابع 763 و 1725 و 2947 والخامس عنوان سابق للبيت 2544 والسادس 2253 و 2844 و 3207 و 4593 ) 
لكن المعنى العام إن فعل الله متدخلٌ في كل أمر هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى إن الولي يصل إلى درجة يصبح بها مصداقا للحديث النبوي ويده التي يبطش بها ، ويخلص مولانا إلى أنه لا يعنى بهذا أن يقول بالجبر لكنه يشير إلى معنى الجبروت ، فنحن مجبرون عندما يحيق بنا البلاء ، لكننا مختارون إذ يعترينا الخجل والندم على بعض أفعالنا ( عاد مولانا إلى القضية في أكثر من موضع في المثنوى وجمعت في مناقشة للقضية ككل في مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس ) . ثم إن هناك دليلا آخر على انك مختار وهو انك كثيرا ما تقوم بمحاسبة نفسك وتتوب وتعد وتنذر وتكون كلك وعيا ، ويجدها مولانا فرصة للحديث عن موضوع آخر : إذا كان الآلام هي التي تجعلك أكثر وعيا وهي التي تقودك إلى الحبيب فلك ان تحتضن الآلام التي يهبها لك الله بعشق ( لتفصيلات انظر الكتاب الثالث الأبيات 195 - 204 وشروحها ، والكتاب السادس الأبيات 4316 - 4318 وشروحها ) .
 
( 633 - 646 ) : كل من هو أكثر يقظة ومعرفة بالله يكون أكثر ألما وخشوعا وانقيادا ، يقول المصطفى عليه السلام « أنا أعلمكم بالله وأنا أخشاكم له » ( مولوى 1 / 157 ) وعلى مستوى آخر :
أكثر الناس يقظة ووعيا هم أكثرهم ألما حتى لبلاء الآخرين إن لم يحق بهم البلاء هم أنفسهم . فها أنت تقول بالجبر ومع ذلك لا تتضرع إليه حتى يرفع عنك ما حاق بك . وإذا كنت سجينا للجبر الإلهى مقيدا به فما إظهارك للفرح ؟ ! 
وإذا كنت في أوان ذلتك ترى أنك مجبر فهل تراك مجبراً أو ان رفعتك في إذلال الآخرين ؟ ! 
ثم أين قولك هذا بالجبر وأنت في كل فعل تميل إليه تسرع إليه وتقوم به بكل قدرتك وقوتك ، أما إذا حاق بك ما تكره فلا تفتا تكرر أنه من الله ، ما هذا

 
« 412 »
 
التناقض ؟ ! ! لكني أقول لك حتى تستطيع أن تفرق : الأنبياء ورجال الله يعتبرون الدنيا بأجمعها في يد قدرة الله وجباريته ، أما أمور العقبى فمن اختيارهم هم ، أما الجهال يعتبرون أن ما يحدث في الآخرة متعلق بالجبر وذلك لكي يسقطوا التكاليف الشرعية عن أنفسهم ، الجهال والضالون يتصورون ان أمور الدنيا في أيديهم وفي مسئوليتهم هم ، وأن الآخرة بيد الله ، والأمر هنا يبدو معكوسا وغامضا إلى حد ما ، والمعنى الأبسط والأقرب إلى الذهن أن الأنبياء يختارون أمور الآخرة ويعيشون في الدنيا جبرا واضطرارا ، أما الجهال والكفرة فيختارون الدنيا ويوكلون كل ما يتعلق بالآخرة إلى الجبر الإلهى ، وهو جزء من التناقض الموجود في شخصياتهم ، ويفسر مولانا هذا الأمر بأن الأمر لا جبر ولا اختيار بل " كل يطير صوب جنسه " فالأنبياء من جنس الآخرة ومن ثم يهرعون إليها ، والكفار من جنس الدنيا ومن ثم يلتحقون بها ، ويرى مولانا أنه قد ينزلق إلى ما لا ينبغي الحديث فيه ، فيرى أن من الأولى العودة إلى الحكاية .
 
( 647 - 653 ) : الوزير المحتال يضن على المريدين حتى برؤيته ( وذلك لشحذ حرصهم وأشار مولانا إلى هذه النقطة بالتفصيل في الكتاب الثالث في قصة موسى وفرعون على أساس أن الإنسان حريصٌ على ما مُنع ، انظر الكتاب الثالث الأبيات 846 - 854 وشروحها ) 
ومن ثم يرد عليهم الوزير من داخل الصومعة ، ويرمى بالسهم الأخير فلا تبرير ولا موعظة ، إنه مأمور بكل ما يفعل والمأمور معذور ، ومن أمره بهذا ؟ ! عيسى نفسه ! ! أنه يدعوه لكي يقيم معه في الفلك الرابع ، وهكذا تبلغ شعوذته مداها " وكثيرون هم الطغاة والمشعوذون الذين يربطون كل ما يقومون به من أفعال بغيبيات الدين ويظلون يوحون إلى المخدوعين بهم أن ما يفعلوه إنما يفعلونه بأمر حتى يصدقوا هم أنفسهم ، وسوف نرى أن ذلك الوزير صدق نفسه حتى الموت .
 
( 666 ) : بعد أن أنهى الوزير المحتال مكيدته الكبرى أنهى حياته ، والأمر وإن بدا غير منطقي إلا أن المرء عموما عندما ينهى أساس حياته . وينتهى العمل الذي كرس نفسه سنوات من أجله ولا يبقى من بعدها شئ يفعله أو هدف يسعى في أثره ، يحس أن الحياة لم تعد لها فائدة . . وهذه هي سخرية متطلبات الدنيا ، كثيرا ما نقرأ عن انتحار أناس من كبار الأغنياء أو أصحاب الجاه
 
« 413 »
 
ويبقى الأمر لغزا ولا يمكن تفسيره ، وأغلب الظن أن ذلك الذي ينهى حياته على هذه الصورة ، إنما يكون قد فرغ من كل أمل ، وكل هدف وكل ما كان يملأ الحياة ويجعلها جديرة بأن تعاش .
 
( 673 - 684 ) : في هذه الأبيات يتحدث مولانا جلال الدين عن وجوب الإمامة بشكل عام ، فالنائب أو الإمام هو القائم على ميراث من يسبقه ، ويتناول مولانا القضية من أساسها : النبوة ، فلأن الله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار ، فقد جعل الأنبياء دليلا له ، فالأنبياء هم نواب الحق ، ثم يستدرك : ما هذا ؟ ! 
وهل يمكن الفصل بين النائب وبين من أنابه ؟ ! ! أليس « من يطع الرسول فقد أطاع الله » ؟ ! !


قال نجم الدين " ذاك لأنه صلى اللّه عليه وسلّم بوصف الفناء فانٍ بالله باقٍ بالله قائم مع الله ، وكان خليفة الله على الحقيقة فيما يعامل الخلق حتى قال الله تعالى : «وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى» يعنى ما رميت حيث كنت بك أنت إذ رميت يعنى إذ رميت بخلاقه الله لا بك لكن الله رمى إذ كنت به أنت وكان الله خليفته فيما يعامل الخلق قال تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ» لان الله بخلافتك باق لك عنك فبكونه كان خليفة بك عنك للخلق فكانت يد الله فوق أيديهم ، وكان من يطع الرسول فقد أطاع الله لأن الرسول كان فانيا عنه باقيا بالله ، والله جعله خليفته ، ولهذا كان يقول صلى اللّه عليه وسلّم الله خليفتي على أمتي فنتج أن بين الله وبين أنبيائه لا اعتبار للإثنينية حقيقة فإن أحكام الأنبياء هي أحكام الله ، فمن آمن بوحدانية الله وأنكر رسالة الرسول لا فائدة له من توحيده ( مولوى 1 / 163 )


إنك إن نظرت إلى الصورة أي إلى الظاهر تجدهما اثنين ، لكنهما واحد أمام من لم يقف عند ظواهر الحياة المادية ، فلا وجود إلا للواحد الأحد وما سوى ذلك شرك وتكثير ، والوحدة في النور ، وحتى عندما تنظر بعينين تنظر بنور واحد ، وعندما تضئ عشرة مصابيح ، وتترك النظر إلى المصابيح وتنظر إلى النور فإنك تجد النور واحدا ، والثمار وإن تعددت ، عصيرها وخلاصتها واحدة ، فلماذا لا تعترف إذن أن الواحد هو الموجود فحسب ؟ ! !


« 414 »
 
( 685 - 689 ) : بالرغم من أن جلال الدين الرومي يُقدم لنا على أساس أنه من صوفية وحدة الوجود ، إلا أن مولانا في هذا الجزء الأول من المثنوى يناقش القضية بشكل صريح ، فليس هناك وجودان لكي يتحدا ، بل وجود واحد ، إذا استطعت أن تسيطر على الصور وتنصرف إلى المعنى ، ففي المعنى لا قسمة ولا أعداد ولا تجزئة ولا إفراد ، وإنك إن لم تستطع ان تفعل ، فإن الله سبحانه وتعالى برعايته وعنايته يوجهك إلى الطريق ، ويجعلك سالكا ويعد لك خرقتك ( انظر 612 و 613 من الكتاب الذي بين أيدينا )
 
( 690 - 693 ) : إن الحقيقة واحدة ، ولب العالم واحد ، ويبين مولانا خلق عالم التراب وتجلى الوجود الحقيقي في عالم الصورة فيقول : لقد كنا جوهرا واحدا ساريا في كل الوجود ، ففي ذلك العالم لا طرح للرأس والقدم أو للبداية والنهاية أو الحدود أو الانفصال أو الاثنينية ، وهذا الجوهر الساري في كل شئ مثل نور الشمس وفي هذا الأمر لم تكن عقد ولا شوائب ، كان كالماء الصافي الزلال ، لكن هذا النور الخالص عندما تجلى في عالم الصورة عانى التعدد وتعدد الكيفيات ، تماما كما يتجلى النور على الشرفات وتلقى كل شرفة بظلها على الأرض ، ( والمعنى وارد في معارف بهاء ص 321 ) ، فلو أنك هدمت الشرفات الموجودة على رأس الجدار ( علائق الدنيا ومظاهر الحياة المادية ) لرأينا تجلى نور الشمس صافيا واحدا ولا نتفى التعدد والفرقة والتنوع والعلو في الوجود ، لكن كيف يمكن هدمها ؟ بمنجنيق الرياضة ، بترك العلائق ، بالعشق والسعي لإدراك الحقائق ! ! ( استعلامى 1 / 241 - 242 ) .
 
( 694 - 697 ) : يبدو أن أحد السامعين أو لعله حسن حسام الدين طلب من مولانا أن يفسر الأمر لكن مولانا على حذر ، فالموضوع خطر ، والمنزلقات كثيرة ، والجدل والشحناء واردان ، فكأن هذا الموضوع كالسيف البتار ، وكم قطع كثيرا من الرؤوس ، وإن لم تكن تعلم فتذكر الحلاج
 
« 415 »
 
وعين القضاة ، وما دمت لا تملك ترسا من الفهم الصحيح أو الأفهام الصحيحة فتقهقر ، وأصمت ( ضع سيف القول في غمده ، وعد إلى الحكاية التي كنت ترويها ) .
 
( 710 - 730 ) : يتحدث مولانا في نهاية القصة عن الموت : ليس المهم الموت بل المهم على أي شئ يموت المرء ، إنه أشبه بكسر ثمار الجوز أو الرمان أو التفاح ، صوت الكسر نفسه ينبئ عما إذا كانت الثمرة فارغة وعطنة أو مليئة وذات معنى ( يموت المرء على ما عاش عليه ويبعث على ما مات عليه ) ، المهم إذن هو المعنى هو الحقيقة التي تنطوى عليها الصورة وليس الصورة في حد ذاتها . . .
فالروح التي لا تحتوى على زاد من المعاني هي سيف خشبى أولى بها أن تظل في غلافها ، فإن خرجت فلا نفع فيها ، بل تكون سببا في الخسران والعقاب ، فالمعنى هو الجناح الذي يجعل الجسد يخف ويطير ويجعل للصورة فائدة ، ومن ثم فجالس أهل المعنى من المرشدين والأولياء ، وأطلب سيفا من خزائنهم ، وهذا ما أجمع عليه العلماء ، والعلماء كالأنبياء تماما " علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل " أي انهم رحمة للعالمين وأنت تستطيع أن تميزهم . . .
 
إن قلوبهم ظاهرة من أفواههم ( ظواهرهم تدل على بواطنهم ) مثلما تبدو حبوب ثمار الرمان من الرمان المتشقق ، ولكن حذار : فزهور الشقائق ضاحكة أيضا لكنها في ضحكها تسفر عن قلوب سوداء ، وإياك وسود القلوب . وهؤلاء الأولياء يضاء بهم بستان الدنيا كما يضئ الرمان المتشقق البستان ، والمرء ومن يخالل ، فصحبة الرجال تجعل منك رجلا ، وتحول كيمياؤهم قلبك الذي هو كالصخر إلى جوهر ، فأحببهم ، يعطونك ، وأطلب ودهم يبوحون لك بالإسرار ولا تيأس ! ! فأي يأس يكون في الظلام وهو شموس الظلام كهوف الأنام ، ورب القلب يجذبك نحو أهل القلوب وإياك والجسد فهو يجذبك إلى الماء والطين ، وصاحب المقبلين تكن مقبلا مثلهم ( أو بتعبير سنائى تشبث بطرف رداء مقبل ) عن الصحبة أنظر الكتاب الثالث البيتين 265 - 266 وشروحها ) .
 
« 416 »
 
( 731 - 742 ) : الكلامليس منبت الصلة عما قبله ، فإن قوم عيسى لما فرقهم مكر ذلك الوزير الداهية ، كان المخلصون منهم يجدون ذكر أحمد الموجود عندهم في التوراة والإنجيل بعثاً للأمل في نفوسهم ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 3836 - 3847 وشروحها ) وبالرغم من إنكار أهل الكتاب لما ورد في القرآن ( الأعراف / 157 والصف / 6 ) بهذا الشأن إلا أن بعض المفسرين وأهل الرأي جاهدوا في بيان هذا المعنى من كتب أهل الكتاب نفسها وذلك حتى قبل اكتشاف إنجيل برنابا ، الذي نص صراحة ، فأنكره أهل الكتاب وأكمل ما وصل إلى أيدينا في هذا الصدد ما في منارات السائرين ومقامات الطائرين لأبى بكر عبد الله بن شاهاوار الرازي ( نجم الدين بن الداية ) 
( تحقيق سعيد عبد الفتاح - القاهرة ، 1993 ) فكان في التوراة في الفصل العشرين من السفر الخامس " أن الرب جاء من طور سيناء وأشرق من ساعير ، وأستعلى من جبال قاران ومعه عن يمينه ربوات القاسين فمنهم العز وحدهم إلى الشعوب ودعا لجميع قديسيه بالبركة ، ومجىء الله من الطور إنزاله التوراة على موسى بالطور وإشراقه من ساعير إنزاله الإنجيل على عيسى وساعير أرض الخليل من قرية يقال لها ناصرة واستعلائه من جبل قاران إنزاله القرآن على محمد صلى اللّه عليه وسلّم وقاران أي أرض مكة . وفي الإنجيل قال المسيح " إني ذاهب عنكم وسيأتيكم الفار قليط روح الحق لا يتكلم من قبل نفسه ، يشهد لي كما شهدت له ، يعلمكم كل شئ " والفارقليط بلغتهم هو المحمد ( فارقليط بالسريانية هو المخلص ) . 
وفي الزبور في الثالث والخمسين والمائة من مزامير داود " ليرتاج البوادي وقراها ولتصر أرض قيدار مروجا ويسبح سكان الكهوف وليهتفوا من قلل الجبال بحمد الرب ، وأرض قيدار هي أرض العرب والكهوف إشارة إلى غار حراء حيث نزل الوحي ، وفي كتاب أشعيا : قال لي الرب أقم نظار ليخبر بما رأى ، فكان الذي رأى صاحب المنظرة أن أقبل راكبان أحدهما على حمار والآخر على جمل ، يقول راكب الجمل هوت بابل وتكسرت
 
« 417 »
 

أصنامها ، فهذا الذي سمعت من الرب إله بني إسرائيل قد نبأتكم به ، ويعنى براكب الحمار عيسى عليه السّلام وراكب الجمل محمدا صلى اللّه عليه وسلّم وكان على يده فتح بابل وكسرت أصنامها . ( ص 153 - 156 بتصرف ) . 
فإذا كان هذا هو تأثير اسم أحمد ، فما بالك بالنور الذي أنزل عليه ؟ ! ! لقد أصبح كالحصن الحصين من تمسك به نجا ، ومن تركه هلك .
.

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الآبيات من 743 - 904 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 6:56 pm

الهوامش والشروح الآبيات من 743 - 904 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح الآبيات من 743 - 904 على منتدى عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح الآبيات من 743 - 904 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية الملك اليهودي الآخر الذي سعى في هلاك دين عيسى
( 743 ) : مصدر الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / 9 ) مأخوذ عن أقوال المفسرين في الآية 4 ، من سورة البروج ( قتل أصحاب الأخدود ) كما ذكرها الثعلبي في قصص الأنبياء المعروف بعرائس المجالس " ذكر محمد بن إسحاق بن يسار عن وهب بن منبه أن رجلا كان قد بقي على دين عيسى فوقع إلى نجران فدعاهم فأجابوه ، فخيرهم ذو نواس بين النار أو اليهودية ، فأبوا فأحرق منهم اثنى عشر ألف ، 
وقال مقاتل إنما قذف في النار يومئذ سبعة وسبعين الف وقال الكلبي كان أصحاب الأخدود سبعين الفاً فلما قذفوا المؤمنين في النار خرجت النار إلى أعلى شفير الأخدود فأحرقتهم وارتفعت النار فوقهم اثنى عشر ذراعا ونجا ذو نواس ، وكانت امرأة قد أسلمت فيمن أسلم ولها أولاد ثلاثة أحدهم رضيع ، فقال لها الملك : أترجعين عن دينك وإلا القيتك أنت وأولادك في النار فأبت فأخذ ابنها الأكبر وألقى به في النار ثم أخذ الأوسط وقال لها ارجعي عن دينك فأبت ، 
فألقى به أيضا في النار ثم أخذ الرضيع وقال لها ارجعي فأبت فأمر بإلقائه في النار فهمت المرأة بالرجوع فقال لها الرضيع : أتضيعن يا أماه ، لا ترجعي عن الإسلام فإنك على الحق ولا بأس عليك فألقى بالصبي في النار وأمه على أثره .
 
( 744 - 750 ) : ليس المهم أن يكون الملك هنا من نسل الملك الذي سبق ذكره جسداً ، بل فعلا وصفات وأخلاقا وسنة يقول مولانا :
سواءٌ كانوا من بغداد أو هراة أو الري * فإنهم نسله دون امتزاج للأجساد
 
« 418 »
 
( عن استعلامى / 245 ) وفي الأبيات التالية إشارة إلى الحديث الشريف ( من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) فضلا عن اللعنات التي تنزل عليه أيضاً في كل لحظة ، ويشير مرة أخرى إلى جنس الظالمين على أنهم جنس واحد ( والمتمعن يجد الشخصية واحدة مهما تباينت الأفعال ومهما تقدم العصر واختلفت البئيات واختلفت التواريخ ) وعلى كل حال فهذا هو قدر البشر وسنة الله في الخلق ، فعروق الماء العذب وعروق الماء المالح تمتد في الأرض وتوجد إلى جوار بعضها، هو ديدن الدنيا حتى يوم البعث.
 
( 751 - 755 ) : يمضى مولانا جلال الدين خلف الفكرة ويتتبعها : الخير والشر ميراث والله تعالى يضع ميراثه حيث يشاء . . . قال تعالى " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " ( فاطر / 32 ) قال نجم الدين كبرى " يشير إلى إرثهم الكتاب حيث علمهم القرآن بلا واسطة لأن الميراث يقتضى صحة النسب أو صحة السبب على وجه مخصوص فمن لا نسب له ولا سبب له ، لا ميراث له فالنسب هنا طاعة العبد والسبب فضل الرب " ( مولوى 1 / 177 ) وطلاب الحق والسائرون في طريق الله تعالى إنما يطلبون في الحقيقة ميراثهم هذا من جوهر النبوة فعن طريقهم يصل الميراث إلى المستحقين ، وينتقل النور جميلا بعد جيل بطول دار الدنيا ، بانتقال الشمس من برج إلى برج ( النبوة من جيل إلى جيل ) .
 
( 755 - 764 ) : لكن كثيرا من الناس لا يرتبطون بهذه الشمس ويربطون مصائرهم وطباعهم بكواكب أخرى ( لتفصيلات عن هذا الموضوع انظر الترجمة العربية للحديقة ، الأبيات 10118 - 11030 وشروحها ) ويرون أنهم في أفعالهم وطباعهم مسيرون بما يمليه طبع ذلك الكوكب :
 
« 419 »
 
فمن طالعه الزهرة يغلب عليه الطرب والسرور والعشق ، ومن طالعه المريخ ، سفاك للدماء ، لكن دعك من هذه الكواكب فالكواكب التي يقبل منها الأثر في الحقيقة كواكب من نوع آخر تدور في سماوات أخرى :
فهناك سماوات في ولاية الروح * تمضى بحكمها على السماوات الدنيا هؤلاء هم كواكب الهدى ونجوم التقى يقتبسون الأنوار من شمس النبوة إلى سماء الولاية ، فريحهم غالب ، لكنه يبسط الجناح على مريديه وهو في طبع المغلوب ، الراسخون في العلم موجودون في أشعة النور الإلهى ، هم ( فيها ) لا هم متحدون بها ولا هم منفصلون عنها ، فنورهم غالب آمن من النقص والتغير والانمحاء فهو بين إصبعين من أصابع الرحمن مصداقا للحديث " إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء " ( عن استعلامى 1 / 226 ) وهو رش الله تعالى على الأرواح مصداقا للحديث النبوي " إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ورش عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ، ضل " وفي هذا إشارة إلى قول أبى بكر الطمستانى : أصبحوا الله فإن لم تطيقوا فاصحبوا من يصحب الله لتوصلكم بركة صحبته إلى صحبة الله تعالى ( انقروى 1 / 181 ) والمقبلون من أصحاب السعادة هم الذين يتقبلون هذا النور بجماع قلوبهم ( يفتحون لهم جحورهم ) ( ورد في معارف ص 206 ) . والإيمان بهم ليس كالإيمان بكواكب الفلك وتدخلها في مصير البشر وعن رسول الله أنه قال : هل تعلمون ما قال ربكم ؟ 
قالوا الله ورسوله أعلم قال صلى اللّه عليه وسلّم : قال تعالى أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكواكب ، وأما من قال مطرنا بالكواكب فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب ، وأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فهو مؤمن بي كافر بالكواكب .

« 420 »
 
( 765 - 772 ) : ومن أدركه هذا النور في الحقيقة ، جعله يشيح بوجهه عن كل ما سوى الله تعالى لأن كل كوكب يكون اتجاهه ويكون مساره حول مصدر نوره ، وكل جزء إنما يحن إلى كله الذي أنفصل عنه وفاض عنه ويتجه إليه اتجاه البلبل إلى الورد ، فلا يتغنى إليه له عندما يراه متفتحا وأريجه منتشرا ( انظر البيت 29 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ومن لم يعقد طرف ثوبه استعدادا للعشق وتشمرا له ، بدى ذلك على ظاهره ، وإن ألوان المقيم على الحياة المادية ( البقرة ) تبدو على ظاهره ، ورجل الحق لونه في باطنه ، وهي ألوان طيبة لأنها من دون الوحدة ودن الصفاء ، وألوان القبحاء وأهل الضلال من سواد طويتهم وسوء صلتهم وجفائهم وقسوتهم . . . ان المقصود بألوان رجل الحق ، عبر الله سبحانه وتعالى بقوله « صبغة الله » ، أي أن الله اظهر نعمة الإيمان عليه كما تظهر الصبغة في الثوب ، وقال نجم الدين » والإشارة في تحقيق الآية انه كما أن للكفر صبغة فللدين صبغة وصبغة الدين هي صبغة الله فليس العبرة فيما يتكلفه الخلق وانما العبرة فيما يتصرفه الحق فنصيب الأشباح من صبغة الله توفيق القيام بالأحكام وحفظ القلوب تصديق المعارف بالعوارف ، وكفل الأرواح منها شهود الأنوار وكشوف الأسرار فمن لم يشاهد الأنوار يكون على الكفر والنفاق ، " ولعنة الله تلحق بصاحب اللون القبيح أي بعده وطرده عن رحمته لأنه حصل من ماء الجفاء وهو فرعه والفرع تابع للأصل ( مولوى 1 / 181 )
 
وكل شئ في الحقيقة يرجع إلى أصله ، ما من النور إلى النور وما من التراب إلى التراب ، ( للتفصيلات انظر الكتاب الثالث الأبيات 4424 - 4445 وشروحها ) ، وصبغة الله عند ابن عباس وحسن وقتادة ومجاهد ، أن صبغة الله هي الإسلام كما فسرها بنفس التفسير الإمام جعفر الصادق عليه رضى اللّه عنه وقال الفراء والثعلبي أنها السنة ، وقال الراغب العقل الذي به يفرق بين الإنسان والحيوان ( كولبينارلى 121 ) .

« 421 »
 
( 775 - 787 ) : ( أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك ) والنفس الأمارة وثن وتابعها عابد للوثن ، وذلك الملك اليهودي لم يعامل صنم نفسه بما يستحق فتولد منها صنم الظلم وسفك الدماء ، وانتقل شررها إلى الآخرين ، فلم تدمر صاحبها بشهواته فحسب بل وسرت مسرى النار في الهشيم ، وانظر إلى التعبير : الصنم بمثابة الحية التي تلدغ الناس ، لكن صنم النفس تنين ( كان من المعتقد أن الثعابين والحيات تتولد من التنين ) 


هذا الصنم ، صنم الظلم بمثابة الشرر الذي يتولد من اصطدام حديد النفس بحجر النفس ( قسوة النفس وجبروتها وكبريائها بكفرها ) وإذا كان الشرر ينطفي من الماء ، فإن هذا الشرر ينطفئ من ماء الرحمة ، لكن متى كان الماء ينفذ في الحجر والحديد ويطفئ شررها ، ومن هنا قال تعالى «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» ( البقرة / 74 ) ثم يعود مولانا فيصور صنم الظلم بأنه كالماء الكدر يخفيه الإناء ( الجسد ) . . . 


والنفس الأمارة هي النبع ، والصنم الحقيقي المنحوت من الحجر من الممكن تحطيمه ، لكن النفس التي تتولد منها كل الأصنام ، ومن ثم فإن إهمالها والاستهانة بأمرها هو الجهل بعينه ، وإذا أردت صورة لهذه النفس فأقرأ (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) ( الحجر / 43 - 44 )


 والتعبير وارد عند نجم الداية ( منارات السائرين ص 298 ) :
[ وقد خلقها على صورة جهنم ، وخلق بحسب كل دركة فيها صفة لها وهي باب من أبواب جهنم يدخل فيها من هذا الباب إلى دركة من دركاتها السبع وهي سبع صفات : الكبر والحرص والحسد والشهوة والغضب والبخل والحقد ]
وبحر النفس الأمارة عميق ، في لحظة تغرق مئات من الفراعين ، فاهرب إلى الله وأنبيائه ( موسى ) وبأحمد المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم ، ولا تسلم نفسك إلى الجسد فهو بمثابة أبى جهل .

« 422 »
 
( 791 - 799 ) : إنها تبدو نارا للعوام كحجاب ودريئة على فعل الله المضنون بأسراره على غير أصفيائه ، هي مجلس انس على خواص الحق ، لقد أرادها ذو نواس نارا ، لكن الله أرادها جنة على محبيه والمؤمنين به مثلما فعل مع إبراهيم عليه السلام فجعلها بردا وسلاما ، وهكذا كل الأمور في الدنيا ، تبدو لنا ظواهرها ولا يدرك أسرارها إلا من أراد الله له ذلك . ألم أكن أنا متشبثا برحمك ، أرى حياتي فيه وأتغذى بدمك وخارج هذا الرحم عالم أكثر اتساعا ورزق أكثر وفرة ( عن تفصيلات لهذه الفكرة انظر الكتاب الثالث الأبيات 50 - 60 وشروحها ) ، الذي يبدو لنا هو الوجود ، بينما الوجود الحقيقي في العدم ( عن العدم الذي يبدو وجودا والوجود الذي يبدو عدما انظر الكتاب الخامس 1027 - 1040 وشروحها ) .
 
( 816 ) : يقول فروزانفر : ( مآخذ / 10 ) نقلا عن إحياء علوم الدين للغزالي ، إن الخبر الوارد هنا إشارة إلى ما روى أن الحكم بن العاص حاكى مشية الرسول صلى اللّه عليه وسلّم مستهزئا قال كذلك فكن ، فلم يزل يرتعش حتى مات .
 
( 819 - 820 ) : إشارة إلى الحديث النبوي " من ستر مؤمنا ستره الله يوم القيامة ، ومن عير مؤمنا بذنب لم يمت حتى يبتلى به " .
 
( 824 ) : الخضرة كناية عن سرور المعرفة ، والماء الجاري فيض المعرفة .
 
( 826 ) : مأخوذ عن عدد من الأحاديث النبوية الشريفة " لا يرحم الله من لا يرحم الناس " من لا يرحم لا يرحم " " ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء " " ارحموا ترحموا واغفروا يغفر لكم " ( أحاديث مثنوى / 7 ) .
 
( 834 - 856 ) : يقول الأشاعرة " الممكنات دون واسطة مستندة على الحق " ( استعلامى 1 / 250 ) وهذا يعنى ان النار لا تحرق بطبيعتها ، ولكنها تحرق بأمر الله . وقضاء الله على كل حال ، كما يكرر مولانا في أكثر من موضع خرق للأسباب والعلل ، ومثال الكلب والتركماني تكرر أكثر من
 
« 423 »
 
مرة ، فالطبائع والعناصر في يد الله عز وجل بمثابة الكلب في يد التركماني عون لأصدقائه ، أسد هصور على أعدائه ( انظر أيضا الكتاب الخامس الأبيات 2940 - 2945 وشروحها ) . ومن ثم فالحزن والسرور من عند الله « والله يقبض ويبسط » وسبحان من بيده القبض والسرور ، ومن ثم فالحزن علاجه الاستغفار ، فلا بد أنك قد أذنبت ذنبا دون أن تدرى فكان هذا الحزن عقابا عليه ( انظر الكتاب الثالث : الأبيات 348 - 351 ) . 


فمن مشيئة الله أن يكون حزنك سرورا ، إذ يفضى بك إلى السرور وتكون الأغلال في أقدمك حرية لك وراحة من أوضار الناس ، وفراغا في سجنك ومحبسك إلى الله تعالى ، وانسا به ولجوءا اليه ووقوفا ببابه ، وهكذا فالعناصر كلها تفعل فعلها بأمر الحق ، كما قال الشيخ الأكمل في تنوير المصابيح : وشرط المكتسب أن لا تعتقد أن الرزق من الكسب بل من الله ونسبة الرزق إلى الكسب كنسبة الطعام إلى الشبع ، كما أن الشبع إنما يحصل من الله لا من الطعام ، إذ رب أكلة تشبع الآكل إذا قدر فيها الشبع وربما لم تشبع إذا لم يقدر فيها ، فالتوكل العام أن يعلم الرجل أن لا مؤثر في كل الأشياء إلا الله ، فالطعام لا يشبع إلا بالله والماء لا يروى والأدوية لا تشفى والسم لا يقتل والنار لا تحرق إلا بأمر الله ( انقروى 1 / 200 - 201 ) . والسبب هو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء ، ثم أستعمل لكل ما يتوصل إلى شئ ( انقروى 1 / 201 ) . . .


وكلها - أي العناصر - تنصت إلى أمره وتسبح له ، وإنك إن صدمت الحجر بالحديد تتولد نار ، وإن جمعت حديد الهوى إلى حجره تتولد فتنة ، مثلما يتولد الولد عن جماع الرجل والمرأة ، كلها أسباب فلا تتمسك بهذه الأسباب وتنسى المسبب أو السبب الرئيسي الذي يجعل من ذلك السبب فاعلا أو باطلا ، وهذا السبب هو الذي يعرفه الأنبياء ، والسبب مجرد حبل يربط بدلو يوضع في بئر الدنيا لكن لا بد أن تديره عجلة ، وإن غفلت عمن يدير هذه العجلة فقد ضللت وعدت صفر اليدين واحترقت من خوائك وخلائك وكأنك عود المرخ الذي تذكى به
 
« 424 »
 
النيران ، وبأمر الحق يستطيع الهواء أن يطفئ النار ، وكلاهما أي الهواء والنار ثملان بخمر الحق ومعرفته ، وإن فتحت عينيك لأدركت أن ما تتصف به من حلم كالماء أو غضب كالنار هما أيضا من الحق .
 
( 857 - 872 ) : الموضوع المفضل عند مولانا جلال الدين : العناصر جند الحق صاحبه العقل والتميز بأمر الله تعالى وان خلتها غير ذلك : هل إذا كانت الريح مفتقده للعقل أكانت تستطيع التميز بين قوم عاد ؟ ! ! ( انظر لتفصيلات الخبر الكتاب السادس ، الأبيات 4832 - 4834 وشروحها ) . وما ذا كانت دائرة شيبان الراعي التي كانت تمنع الذئاب من دخولها والخراف من الخروج منها ( انظر أيضا الكتاب السادس الأبيات 4829 - 4830 وشروحها وانظر الأبيات 1615 - 1636 من الكتاب الثاني ) وريح الأجل ( الموت ) أيضا طيبة مع الأولياء لأنها مفعمة بشذى الحبيب وبشرى اللقاء ( كما كان قميص يوسف بالنسبة ليعقوب )


( انظر الكتاب الثالث الأبيات 3431 - 4444 وشروحها ) أو النار لم تحرق إبراهيم عليه السلام مثلما لا تحرق نار الشهوة أرباب الدين فهم مشغولون عنها ، والبحر انشق على آل فرعون بعد ان عبر قوم موسى ( يونس / 90 ) وعيسى عليه السلام جعل من الطين كهيئة الطير ونفخ فيه فصارطَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ( آل عمران : 29 ) كل هذه عناصر صدر منها ما لا يوافق مقتضى فعلها الطبيعي ، وانك إذا تسبح فإن نفسك مجرد بخار صادر من الجسد ، هذا النفس نفسه سوف ينقلب إلى طير من طيور الجنة ، فما العلاقة بينه وبين الطير


( والمعنى مأخوذ من معارف بهاء ولد ص 65 ) ؟ ! وفي هذا المعنى إشارة إلى ما ورد في الحديث النبوي « روى أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم فقال : تولت عنى الدنيا وقلت ذات يدي فقال رسول الله فأين أنت من صلاة الملائكة وتسبيح الخلائق وبها يرزقون قال : فقلت : وما ذا يا رسول الله قال : قل سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ، استغفر الله مائة
 
« 425 »
 
مرة ما بين طلوع الفجر إلى أن تصلى الصبح تأتيك الدنيا راغمة صاغرة ، ويخلق الله من كل كلمة ملكا يسبح الله تعالى إلى يوم القيامة لك ثوابه » وهناك حديث آخر « من قال لا اله إلا الله خلق الله من كل كلمة منها طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان » ( أحاديث مثنوى / 8 ) . 
وعن رقص الجبل انظر البيتين 25 و 26 من الكتاب الذي بين أيدينا .
 
( 878 - 882 ) : طرح مولانا من قبل مسألة التجانس ودوره في جذب كل شئ إلى جنسه ( البيت 642 ) ، كان اليهود من جنس النار ( مثل الشياطين ومثل إبليس ) . 
وهي بالتالي تحن إلى جنسها وتتجذب إليه وتفعل كل ما وسعها لتجد طريقها إلى الارتباط به والالتحاق به ، لقد كانوا طوال تاريخهم نارا على المؤمنين « كلما أوقدوا نار للحرب أطفأها الله » وجعلها تحيق بهم وبأجسادهم ، وقد عبر القرآن الكريم عن هذا المعنى فجعل أم العاصي الهاوية وهي جزء من جهنم فقال "فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ" ( القارعة / 9 ) 
وإلى هذا المعنى انتبه الإمام على رضى اللَّه عنه ( قال ومعنى أمه الهاوية فهو لا يزال ينزع إليها ) والابن يسرع نحو أمه كما أن الام لا تفتأ تطلب ابنها ، لأن الأصول تطلب الفروع كما تحن الفروع إلى الأصول .
 
( 883 - 903 ) : وأرواح البشر أشبه بالمياه الموجودة في حوض وهواء ( النَفَس ) يحررها لحظة بعد أخرى من السجن ، ويحملها إلى أصلها ، وما هذا الكلام الذي يصاعد منها إلا دليلا على ما أقول ، وإن لم تكن تعلم فأقرأ «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» ( فاطر / 10 ) 
وهي متحف منا إلى عالم العلا ، ومن بعدها تتنزل الرحمة ثم ينال العبد نعما من جنس المكأفاة التي نالها ، وهكذا يظل العمل الطيب صاعدا ومكافأته نازلة ، ثم يقول مولانا : دعنا من الحديث بالعربية ولنتحدث بالفارسية ( وفي الكتاب الثالث أضاف : وان كانت العربية أحلى ) : هذا الجذب الروحاني ، يتأتى من هذه اللذة التي تحدث تبعاً للمعارف الروحانية والأذواق الإلهية ، ولا لذة إلا

 
« 426 »
 
مع تجانس ، ولا لذة لجزء إلا من كله ، أو لقابل مستعد ، يتصل بغير جنسه فيكون منه ، كالكافر عندما يهتدى ، وكالطالح عندما يميل إلى الصلاح ، الأجناس عند مولانا بالعمل ، لا بالدم والتراب ، فانظر إلى الأعمال لا إلى الصور ، 
والمثال : الماء والخبز ليسا من جنس الآدمي ، لكنهما إذا دخلا في بدن الآدمي صارا من جنسه ، لكن حذار فهناك ، فهناك بعض التجانس على سبيل العارية ، ظاهري خادع يبدو تجانسا وهو ليس بذلك ، انه مستعار ، كصفير الصياد للطائر ، كالسراب للظمآن ، والسكة المزيفة بالنسبة للمفلس ، كل المظاهر التي قد تغرى وقد تخدع مهما كانت متقنة في البداية ، وقد يلقى بك من حالق مقام الأسدية إلى بئر الغرور ، على يد أوهن المخلوقات وأضعفها بالنسبة لك ، وان لم تكن تصدق فأقرا الحكاية التي سأرويها لك .
 
.

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا






عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الآبيات من 743 - 904 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 6:59 pm

الهوامش والشروح الآبيات من 743 - 904 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح الآبيات من 743 - 904 على منتدى عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح الآبيات من 743 - 904 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية الملك اليهودي الآخر الذي سعى في هلاك دين عيسى
( 743 ) : مصدر الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / 9 ) مأخوذ عن أقوال المفسرين في الآية 4 ، من سورة البروج ( قتل أصحاب الأخدود ) كما ذكرها الثعلبي في قصص الأنبياء المعروف بعرائس المجالس " ذكر محمد بن إسحاق بن يسار عن وهب بن منبه أن رجلا كان قد بقي على دين عيسى فوقع إلى نجران فدعاهم فأجابوه ، فخيرهم ذو نواس بين النار أو اليهودية ، فأبوا فأحرق منهم اثنى عشر ألف ، 
وقال مقاتل إنما قذف في النار يومئذ سبعة وسبعين الف وقال الكلبي كان أصحاب الأخدود سبعين الفاً فلما قذفوا المؤمنين في النار خرجت النار إلى أعلى شفير الأخدود فأحرقتهم وارتفعت النار فوقهم اثنى عشر ذراعا ونجا ذو نواس ، وكانت امرأة قد أسلمت فيمن أسلم ولها أولاد ثلاثة أحدهم رضيع ، فقال لها الملك : أترجعين عن دينك وإلا القيتك أنت وأولادك في النار فأبت فأخذ ابنها الأكبر وألقى به في النار ثم أخذ الأوسط وقال لها ارجعي عن دينك فأبت ، 
فألقى به أيضا في النار ثم أخذ الرضيع وقال لها ارجعي فأبت فأمر بإلقائه في النار فهمت المرأة بالرجوع فقال لها الرضيع : أتضيعن يا أماه ، لا ترجعي عن الإسلام فإنك على الحق ولا بأس عليك فألقى بالصبي في النار وأمه على أثره .
 
( 744 - 750 ) : ليس المهم أن يكون الملك هنا من نسل الملك الذي سبق ذكره جسداً ، بل فعلا وصفات وأخلاقا وسنة يقول مولانا :
سواءٌ كانوا من بغداد أو هراة أو الري * فإنهم نسله دون امتزاج للأجساد
 
« 418 »
 
( عن استعلامى / 245 ) وفي الأبيات التالية إشارة إلى الحديث الشريف ( من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) فضلا عن اللعنات التي تنزل عليه أيضاً في كل لحظة ، ويشير مرة أخرى إلى جنس الظالمين على أنهم جنس واحد ( والمتمعن يجد الشخصية واحدة مهما تباينت الأفعال ومهما تقدم العصر واختلفت البئيات واختلفت التواريخ ) وعلى كل حال فهذا هو قدر البشر وسنة الله في الخلق ، فعروق الماء العذب وعروق الماء المالح تمتد في الأرض وتوجد إلى جوار بعضها، هو ديدن الدنيا حتى يوم البعث.
 
( 751 - 755 ) : يمضى مولانا جلال الدين خلف الفكرة ويتتبعها : الخير والشر ميراث والله تعالى يضع ميراثه حيث يشاء . . . قال تعالى " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " ( فاطر / 32 ) قال نجم الدين كبرى " يشير إلى إرثهم الكتاب حيث علمهم القرآن بلا واسطة لأن الميراث يقتضى صحة النسب أو صحة السبب على وجه مخصوص فمن لا نسب له ولا سبب له ، لا ميراث له فالنسب هنا طاعة العبد والسبب فضل الرب " ( مولوى 1 / 177 ) وطلاب الحق والسائرون في طريق الله تعالى إنما يطلبون في الحقيقة ميراثهم هذا من جوهر النبوة فعن طريقهم يصل الميراث إلى المستحقين ، وينتقل النور جميلا بعد جيل بطول دار الدنيا ، بانتقال الشمس من برج إلى برج ( النبوة من جيل إلى جيل ) .
 
( 755 - 764 ) : لكن كثيرا من الناس لا يرتبطون بهذه الشمس ويربطون مصائرهم وطباعهم بكواكب أخرى ( لتفصيلات عن هذا الموضوع انظر الترجمة العربية للحديقة ، الأبيات 10118 - 11030 وشروحها ) ويرون أنهم في أفعالهم وطباعهم مسيرون بما يمليه طبع ذلك الكوكب :
 
« 419 »
 
فمن طالعه الزهرة يغلب عليه الطرب والسرور والعشق ، ومن طالعه المريخ ، سفاك للدماء ، لكن دعك من هذه الكواكب فالكواكب التي يقبل منها الأثر في الحقيقة كواكب من نوع آخر تدور في سماوات أخرى :
فهناك سماوات في ولاية الروح * تمضى بحكمها على السماوات الدنيا هؤلاء هم كواكب الهدى ونجوم التقى يقتبسون الأنوار من شمس النبوة إلى سماء الولاية ، فريحهم غالب ، لكنه يبسط الجناح على مريديه وهو في طبع المغلوب ، الراسخون في العلم موجودون في أشعة النور الإلهى ، هم ( فيها ) لا هم متحدون بها ولا هم منفصلون عنها ، فنورهم غالب آمن من النقص والتغير والانمحاء فهو بين إصبعين من أصابع الرحمن مصداقا للحديث " إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء " ( عن استعلامى 1 / 226 ) وهو رش الله تعالى على الأرواح مصداقا للحديث النبوي " إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ورش عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ، ضل " وفي هذا إشارة إلى قول أبى بكر الطمستانى : أصبحوا الله فإن لم تطيقوا فاصحبوا من يصحب الله لتوصلكم بركة صحبته إلى صحبة الله تعالى ( انقروى 1 / 181 ) والمقبلون من أصحاب السعادة هم الذين يتقبلون هذا النور بجماع قلوبهم ( يفتحون لهم جحورهم ) ( ورد في معارف ص 206 ) . والإيمان بهم ليس كالإيمان بكواكب الفلك وتدخلها في مصير البشر وعن رسول الله أنه قال : هل تعلمون ما قال ربكم ؟ 
قالوا الله ورسوله أعلم قال صلى اللّه عليه وسلّم : قال تعالى أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكواكب ، وأما من قال مطرنا بالكواكب فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب ، وأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فهو مؤمن بي كافر بالكواكب .

« 420 »
 
( 765 - 772 ) : ومن أدركه هذا النور في الحقيقة ، جعله يشيح بوجهه عن كل ما سوى الله تعالى لأن كل كوكب يكون اتجاهه ويكون مساره حول مصدر نوره ، وكل جزء إنما يحن إلى كله الذي أنفصل عنه وفاض عنه ويتجه إليه اتجاه البلبل إلى الورد ، فلا يتغنى إليه له عندما يراه متفتحا وأريجه منتشرا ( انظر البيت 29 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ومن لم يعقد طرف ثوبه استعدادا للعشق وتشمرا له ، بدى ذلك على ظاهره ، وإن ألوان المقيم على الحياة المادية ( البقرة ) تبدو على ظاهره ، ورجل الحق لونه في باطنه ، وهي ألوان طيبة لأنها من دون الوحدة ودن الصفاء ، وألوان القبحاء وأهل الضلال من سواد طويتهم وسوء صلتهم وجفائهم وقسوتهم . . . ان المقصود بألوان رجل الحق ، عبر الله سبحانه وتعالى بقوله « صبغة الله » ، أي أن الله اظهر نعمة الإيمان عليه كما تظهر الصبغة في الثوب ، وقال نجم الدين » والإشارة في تحقيق الآية انه كما أن للكفر صبغة فللدين صبغة وصبغة الدين هي صبغة الله فليس العبرة فيما يتكلفه الخلق وانما العبرة فيما يتصرفه الحق فنصيب الأشباح من صبغة الله توفيق القيام بالأحكام وحفظ القلوب تصديق المعارف بالعوارف ، وكفل الأرواح منها شهود الأنوار وكشوف الأسرار فمن لم يشاهد الأنوار يكون على الكفر والنفاق ، " ولعنة الله تلحق بصاحب اللون القبيح أي بعده وطرده عن رحمته لأنه حصل من ماء الجفاء وهو فرعه والفرع تابع للأصل ( مولوى 1 / 181 )
 
وكل شئ في الحقيقة يرجع إلى أصله ، ما من النور إلى النور وما من التراب إلى التراب ، ( للتفصيلات انظر الكتاب الثالث الأبيات 4424 - 4445 وشروحها ) ، وصبغة الله عند ابن عباس وحسن وقتادة ومجاهد ، أن صبغة الله هي الإسلام كما فسرها بنفس التفسير الإمام جعفر الصادق عليه رضى اللّه عنه وقال الفراء والثعلبي أنها السنة ، وقال الراغب العقل الذي به يفرق بين الإنسان والحيوان ( كولبينارلى 121 ) .

« 421 »
 
( 775 - 787 ) : ( أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك ) والنفس الأمارة وثن وتابعها عابد للوثن ، وذلك الملك اليهودي لم يعامل صنم نفسه بما يستحق فتولد منها صنم الظلم وسفك الدماء ، وانتقل شررها إلى الآخرين ، فلم تدمر صاحبها بشهواته فحسب بل وسرت مسرى النار في الهشيم ، وانظر إلى التعبير : الصنم بمثابة الحية التي تلدغ الناس ، لكن صنم النفس تنين ( كان من المعتقد أن الثعابين والحيات تتولد من التنين ) 


هذا الصنم ، صنم الظلم بمثابة الشرر الذي يتولد من اصطدام حديد النفس بحجر النفس ( قسوة النفس وجبروتها وكبريائها بكفرها ) وإذا كان الشرر ينطفي من الماء ، فإن هذا الشرر ينطفئ من ماء الرحمة ، لكن متى كان الماء ينفذ في الحجر والحديد ويطفئ شررها ، ومن هنا قال تعالى «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» ( البقرة / 74 ) ثم يعود مولانا فيصور صنم الظلم بأنه كالماء الكدر يخفيه الإناء ( الجسد ) . . . 


والنفس الأمارة هي النبع ، والصنم الحقيقي المنحوت من الحجر من الممكن تحطيمه ، لكن النفس التي تتولد منها كل الأصنام ، ومن ثم فإن إهمالها والاستهانة بأمرها هو الجهل بعينه ، وإذا أردت صورة لهذه النفس فأقرأ (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) ( الحجر / 43 - 44 )


 والتعبير وارد عند نجم الداية ( منارات السائرين ص 298 ) :
[ وقد خلقها على صورة جهنم ، وخلق بحسب كل دركة فيها صفة لها وهي باب من أبواب جهنم يدخل فيها من هذا الباب إلى دركة من دركاتها السبع وهي سبع صفات : الكبر والحرص والحسد والشهوة والغضب والبخل والحقد ]
وبحر النفس الأمارة عميق ، في لحظة تغرق مئات من الفراعين ، فاهرب إلى الله وأنبيائه ( موسى ) وبأحمد المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم ، ولا تسلم نفسك إلى الجسد فهو بمثابة أبى جهل .

« 422 »
 
( 791 - 799 ) : إنها تبدو نارا للعوام كحجاب ودريئة على فعل الله المضنون بأسراره على غير أصفيائه ، هي مجلس انس على خواص الحق ، لقد أرادها ذو نواس نارا ، لكن الله أرادها جنة على محبيه والمؤمنين به مثلما فعل مع إبراهيم عليه السلام فجعلها بردا وسلاما ، وهكذا كل الأمور في الدنيا ، تبدو لنا ظواهرها ولا يدرك أسرارها إلا من أراد الله له ذلك . ألم أكن أنا متشبثا برحمك ، أرى حياتي فيه وأتغذى بدمك وخارج هذا الرحم عالم أكثر اتساعا ورزق أكثر وفرة ( عن تفصيلات لهذه الفكرة انظر الكتاب الثالث الأبيات 50 - 60 وشروحها ) ، الذي يبدو لنا هو الوجود ، بينما الوجود الحقيقي في العدم ( عن العدم الذي يبدو وجودا والوجود الذي يبدو عدما انظر الكتاب الخامس 1027 - 1040 وشروحها ) .
 
( 816 ) : يقول فروزانفر : ( مآخذ / 10 ) نقلا عن إحياء علوم الدين للغزالي ، إن الخبر الوارد هنا إشارة إلى ما روى أن الحكم بن العاص حاكى مشية الرسول صلى اللّه عليه وسلّم مستهزئا قال كذلك فكن ، فلم يزل يرتعش حتى مات .
 
( 819 - 820 ) : إشارة إلى الحديث النبوي " من ستر مؤمنا ستره الله يوم القيامة ، ومن عير مؤمنا بذنب لم يمت حتى يبتلى به " .
 
( 824 ) : الخضرة كناية عن سرور المعرفة ، والماء الجاري فيض المعرفة .
 
( 826 ) : مأخوذ عن عدد من الأحاديث النبوية الشريفة " لا يرحم الله من لا يرحم الناس " من لا يرحم لا يرحم " " ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء " " ارحموا ترحموا واغفروا يغفر لكم " ( أحاديث مثنوى / 7 ) .
 
( 834 - 856 ) : يقول الأشاعرة " الممكنات دون واسطة مستندة على الحق " ( استعلامى 1 / 250 ) وهذا يعنى ان النار لا تحرق بطبيعتها ، ولكنها تحرق بأمر الله . وقضاء الله على كل حال ، كما يكرر مولانا في أكثر من موضع خرق للأسباب والعلل ، ومثال الكلب والتركماني تكرر أكثر من
 
« 423 »
 
مرة ، فالطبائع والعناصر في يد الله عز وجل بمثابة الكلب في يد التركماني عون لأصدقائه ، أسد هصور على أعدائه ( انظر أيضا الكتاب الخامس الأبيات 2940 - 2945 وشروحها ) . ومن ثم فالحزن والسرور من عند الله « والله يقبض ويبسط » وسبحان من بيده القبض والسرور ، ومن ثم فالحزن علاجه الاستغفار ، فلا بد أنك قد أذنبت ذنبا دون أن تدرى فكان هذا الحزن عقابا عليه ( انظر الكتاب الثالث : الأبيات 348 - 351 ) . 


فمن مشيئة الله أن يكون حزنك سرورا ، إذ يفضى بك إلى السرور وتكون الأغلال في أقدمك حرية لك وراحة من أوضار الناس ، وفراغا في سجنك ومحبسك إلى الله تعالى ، وانسا به ولجوءا اليه ووقوفا ببابه ، وهكذا فالعناصر كلها تفعل فعلها بأمر الحق ، كما قال الشيخ الأكمل في تنوير المصابيح : وشرط المكتسب أن لا تعتقد أن الرزق من الكسب بل من الله ونسبة الرزق إلى الكسب كنسبة الطعام إلى الشبع ، كما أن الشبع إنما يحصل من الله لا من الطعام ، إذ رب أكلة تشبع الآكل إذا قدر فيها الشبع وربما لم تشبع إذا لم يقدر فيها ، فالتوكل العام أن يعلم الرجل أن لا مؤثر في كل الأشياء إلا الله ، فالطعام لا يشبع إلا بالله والماء لا يروى والأدوية لا تشفى والسم لا يقتل والنار لا تحرق إلا بأمر الله ( انقروى 1 / 200 - 201 ) . والسبب هو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء ، ثم أستعمل لكل ما يتوصل إلى شئ ( انقروى 1 / 201 ) . . .


وكلها - أي العناصر - تنصت إلى أمره وتسبح له ، وإنك إن صدمت الحجر بالحديد تتولد نار ، وإن جمعت حديد الهوى إلى حجره تتولد فتنة ، مثلما يتولد الولد عن جماع الرجل والمرأة ، كلها أسباب فلا تتمسك بهذه الأسباب وتنسى المسبب أو السبب الرئيسي الذي يجعل من ذلك السبب فاعلا أو باطلا ، وهذا السبب هو الذي يعرفه الأنبياء ، والسبب مجرد حبل يربط بدلو يوضع في بئر الدنيا لكن لا بد أن تديره عجلة ، وإن غفلت عمن يدير هذه العجلة فقد ضللت وعدت صفر اليدين واحترقت من خوائك وخلائك وكأنك عود المرخ الذي تذكى به
 
« 424 »
 
النيران ، وبأمر الحق يستطيع الهواء أن يطفئ النار ، وكلاهما أي الهواء والنار ثملان بخمر الحق ومعرفته ، وإن فتحت عينيك لأدركت أن ما تتصف به من حلم كالماء أو غضب كالنار هما أيضا من الحق .
 
( 857 - 872 ) : الموضوع المفضل عند مولانا جلال الدين : العناصر جند الحق صاحبه العقل والتميز بأمر الله تعالى وان خلتها غير ذلك : هل إذا كانت الريح مفتقده للعقل أكانت تستطيع التميز بين قوم عاد ؟ ! ! ( انظر لتفصيلات الخبر الكتاب السادس ، الأبيات 4832 - 4834 وشروحها ) . وما ذا كانت دائرة شيبان الراعي التي كانت تمنع الذئاب من دخولها والخراف من الخروج منها ( انظر أيضا الكتاب السادس الأبيات 4829 - 4830 وشروحها وانظر الأبيات 1615 - 1636 من الكتاب الثاني ) وريح الأجل ( الموت ) أيضا طيبة مع الأولياء لأنها مفعمة بشذى الحبيب وبشرى اللقاء ( كما كان قميص يوسف بالنسبة ليعقوب )


( انظر الكتاب الثالث الأبيات 3431 - 4444 وشروحها ) أو النار لم تحرق إبراهيم عليه السلام مثلما لا تحرق نار الشهوة أرباب الدين فهم مشغولون عنها ، والبحر انشق على آل فرعون بعد ان عبر قوم موسى ( يونس / 90 ) وعيسى عليه السلام جعل من الطين كهيئة الطير ونفخ فيه فصارطَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ( آل عمران : 29 ) كل هذه عناصر صدر منها ما لا يوافق مقتضى فعلها الطبيعي ، وانك إذا تسبح فإن نفسك مجرد بخار صادر من الجسد ، هذا النفس نفسه سوف ينقلب إلى طير من طيور الجنة ، فما العلاقة بينه وبين الطير


( والمعنى مأخوذ من معارف بهاء ولد ص 65 ) ؟ ! وفي هذا المعنى إشارة إلى ما ورد في الحديث النبوي « روى أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم فقال : تولت عنى الدنيا وقلت ذات يدي فقال رسول الله فأين أنت من صلاة الملائكة وتسبيح الخلائق وبها يرزقون قال : فقلت : وما ذا يا رسول الله قال : قل سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ، استغفر الله مائة
 
« 425 »
 
مرة ما بين طلوع الفجر إلى أن تصلى الصبح تأتيك الدنيا راغمة صاغرة ، ويخلق الله من كل كلمة ملكا يسبح الله تعالى إلى يوم القيامة لك ثوابه » وهناك حديث آخر « من قال لا اله إلا الله خلق الله من كل كلمة منها طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان » ( أحاديث مثنوى / 8 ) . 
وعن رقص الجبل انظر البيتين 25 و 26 من الكتاب الذي بين أيدينا .
 
( 878 - 882 ) : طرح مولانا من قبل مسألة التجانس ودوره في جذب كل شئ إلى جنسه ( البيت 642 ) ، كان اليهود من جنس النار ( مثل الشياطين ومثل إبليس ) . 
وهي بالتالي تحن إلى جنسها وتتجذب إليه وتفعل كل ما وسعها لتجد طريقها إلى الارتباط به والالتحاق به ، لقد كانوا طوال تاريخهم نارا على المؤمنين « كلما أوقدوا نار للحرب أطفأها الله » وجعلها تحيق بهم وبأجسادهم ، وقد عبر القرآن الكريم عن هذا المعنى فجعل أم العاصي الهاوية وهي جزء من جهنم فقال "فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ" ( القارعة / 9 ) 
وإلى هذا المعنى انتبه الإمام على رضى اللَّه عنه ( قال ومعنى أمه الهاوية فهو لا يزال ينزع إليها ) والابن يسرع نحو أمه كما أن الام لا تفتأ تطلب ابنها ، لأن الأصول تطلب الفروع كما تحن الفروع إلى الأصول .
 
( 883 - 903 ) : وأرواح البشر أشبه بالمياه الموجودة في حوض وهواء ( النَفَس ) يحررها لحظة بعد أخرى من السجن ، ويحملها إلى أصلها ، وما هذا الكلام الذي يصاعد منها إلا دليلا على ما أقول ، وإن لم تكن تعلم فأقرأ «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» ( فاطر / 10 ) 
وهي متحف منا إلى عالم العلا ، ومن بعدها تتنزل الرحمة ثم ينال العبد نعما من جنس المكأفاة التي نالها ، وهكذا يظل العمل الطيب صاعدا ومكافأته نازلة ، ثم يقول مولانا : دعنا من الحديث بالعربية ولنتحدث بالفارسية ( وفي الكتاب الثالث أضاف : وان كانت العربية أحلى ) : هذا الجذب الروحاني ، يتأتى من هذه اللذة التي تحدث تبعاً للمعارف الروحانية والأذواق الإلهية ، ولا لذة إلا

 
« 426 »
 
مع تجانس ، ولا لذة لجزء إلا من كله ، أو لقابل مستعد ، يتصل بغير جنسه فيكون منه ، كالكافر عندما يهتدى ، وكالطالح عندما يميل إلى الصلاح ، الأجناس عند مولانا بالعمل ، لا بالدم والتراب ، فانظر إلى الأعمال لا إلى الصور ، 
والمثال : الماء والخبز ليسا من جنس الآدمي ، لكنهما إذا دخلا في بدن الآدمي صارا من جنسه ، لكن حذار فهناك ، فهناك بعض التجانس على سبيل العارية ، ظاهري خادع يبدو تجانسا وهو ليس بذلك ، انه مستعار ، كصفير الصياد للطائر ، كالسراب للظمآن ، والسكة المزيفة بالنسبة للمفلس ، كل المظاهر التي قد تغرى وقد تخدع مهما كانت متقنة في البداية ، وقد يلقى بك من حالق مقام الأسدية إلى بئر الغرور ، على يد أوهن المخلوقات وأضعفها بالنسبة لك ، وان لم تكن تصدق فأقرا الحكاية التي سأرويها لك .
 
.

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا






عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الآبيات من 904 - 1381 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 6:59 pm

الهوامش والشروح الآبيات من 904 - 1381 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح الآبيات من 904 - 1381 على منتدى عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح الآبيات من 904 - 1381 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح بيان التوكل ومطالبة الحيوانات للأسد بترك الجهد
 شرح بيان التوكل ومطالبة الحيوانات للأسد بترك الجهد
( 904 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت من الحكايات الشهيرة في كليله ودمنه ( طبعة دار الشعب .
41 - 42 ) ، لكن من الواضح ان مولانا يتخذ من الحكاية منطلقا نحو معاني صوفية وأخلاقية وتربوية عديدة . . . ومن خلالها يناقش مولانا قضية التوكل والجهد لأول مرة ( نوقشت أكثر من مرة خلال المثنوى أهمها من خلال حكاية الحمار والأسد في المجلد الخامس ) .
 
( 910 ) : إشارة إلى الحديث النبوي " اعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك وللإمام على رضى اللَّه عنه لا عدو أعدى على المرء من نفسه ، وقوله الله الله في الجهاد للأنفس فهي أعدى العدو لكم ( أحاديث مثنوى ص 9 ) .
 
( 911 ) : إشارة إلى الحديث النبوي : لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين ( أحاديث مثنوى / 10 ) .
 
( 912 ) : إشارة إلى الحديث النبوي : لن ينفع حذر من قدر ، ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، فعليكم بالدعاء عباد الله » كما يشير إلى قول الإمام على رضى اللَّه عنه " تذكر قبل الورود الصدر والحذر لا يغنى من القدر ( أحاديث مثنوى / 10 - 11 ) .
 
« 427 »
 

( 916 - 918 ) : التوكل مطلوب لكن إلى جوار السعي ، فالرسول صلى اللَّه عليه وسلم قال للأعرابى الذي ترك ناقته طليقة على باب المسجد « اعقلها وتوكل » واستمع أيضاً إلى قوله صلى اللّه عليه وسلّم « الكاسب حبيب الله » ( يقول بعضهم ليست حديثا بل مثل - وتكتب على أبواب الأسواق في البلاد الإسلامية غير العربية ) وتستخدم الكاسب في اللغة الفارسية أيضاً بمعنى الحرفي .
 
( 919 - 920 ) : تقول الحيوانات للأسد التي تريد في الحقيقة أن تحفر له بئرا من القعود عن الكسب - إن الكسب من ضعف إيمان البشر ، ذلك أنهم لا يعتمدون على الرزاق بقدر اعتمادهم على حولهم وطولهم وكسبهم ، فكأن اللقمة التي تدخل إلى الحلق من ضعف الإيمان لقمة رياء ، والله تعالى قال «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ» ( الطلاق / 2 - 3 ) والرسول صلى اللّه عليه وسلّم قال « إذا توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا » ( عن قضية التوكل والجهد أنظر أيضاً الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، الأبيات : 995 - 1042 وشروحها ) .
 
( 921 - 924 ) : الجوع بلاء ، لكن أكل الحرام بلاء أشد ، ورب حيلة أوردت صاحبها موارد الهلاك ، وسعى كان فيه حتفه ، وعدو في ثياب صديق ، وبحث عن عدوه وجد في البحث عنه وهو قابع داخل داره ، وهاك فرعون ، وانظر إلى جهد بلا توفيق ، كان يقتل أطفال الخلق ، والمقصود في داره ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 840 - 975 وشروحها ) .
 
( 925 - 932 ) : تعتمد إذن على عينك وعلى رؤيتك وبصيرتك ؟ ! ! لقد اعتمدت على وسيلة واهية ، فما قيمة عينك وما قيمة بصيرتك ان لم تقترن ببصيرة الحبيب ؟ ! إنك طفل القدرة ، فاعتمد عليه ، وإلا حدث لك ما يحدث للأطفال عندما يظنون أنهم أصبحوا رجالا ويستقلون بحياتهم لتلقى بهم الحياة في كل أودية أشرارها ، وانظر إلى الروح ، عندما كانت في كنف خالقها ، كانت تسبح
 
 
« 428 »
 
في بحر الصفاء . . . وعند السبزواري ( ص 41 ) كانت في عالم الأمر والتجرد ، وخلقت الأرواح قبل الأجساد بألف عام ، والمراد الألف الجبروتي والألف الملكوتي . لكنها عندما افترقت وهبطت في الأجساد بدا العناء والألم ، و « الخلق عيال الله ، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله " ، ( أحاديث مثنوى / 10 ) . إن القادر على إنزال المطر بلا جهد منك قادرٌ أيضا على رزقك بالخبز دون جهد منك .
 
( 933 - 941 ) : يقول الأسد المدافع عن الجهد : حتى في العبادة ، العمل هو السبيل ، تراك تستطيع ان تصل إلى الأعالي وإلى الحقيقة دون سلم ؟ ! إن هذا يكون من قبيل الحمق ومن قبيل القول بالجبر ! ! ألست ترى أن الله أعطاك قدما لتسعى بها ؟ ! وأعطاك يدا لتعمل بها ، وهل يعطى السيد الفأس لعبده ليلهو به ؟ ! أم إشارة إلى أنه يريد منه عملا بعينه ؟ ! وإن من قبل التفكر في العواقب التقاط هذه الإشارات ، فان فعلت وتلقفت إشاراته وعملت بها ، فأنت عبد مطيع ، وجزاء الطاعة أن يزيدك فتنزل عليك أسرار الروح ، ويضع الإصر عن كاهلك ، أي تستطيع آنذاك ان تتوكل ، وبدلا من أن تكون حاملا للأمانة تكون محمولا ، كما قال تعالى أنه حملك في البر والبحر ، ان عملك دليل على عبادتك وحسن طاعتك ربك ، تجعلك من حاملي أوامره وناقليها والواعظين بها ، وإن أردت الوصل تصل .
 
( 942 - 947 ) : إن من قبيل شكر النعمة ان تستعمل ما منحك الله إياه في موضعه ، ومن ثم فالسعى يكون من قبيل شكر النعمة ، وقعودك إنكار لهذه النعمة وجحد لها ، ولأن الله سبحانه وتعالى قال «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» ( إبراهيم / 7 ) والجحود جبر ، وما هذا الجبر إلا النوم في الطريق ، وطريقنا كله سعى وعمل فلا تتم أيها الكسول ولا تأمن إلا في موضع الأمن ، وإذا نمت واسترحت فليكن لك تكئة على رجل من رجال الطريق ( شجرة مثمرة ) ينثر من ثمار معرفته عليك ، أنومٌ في معمعة هذه الحياة المليئة بقطاع الطريق ؟ ! ! أنومٌ في هذا الطريق الذي توجد في
 
« 429 »
 
كل خطوة فيه غول يترصدك ليضلك ؟ ! ! أنومٌ والأمم تتداعى عليك تداعى الأكلة إلى القصعة ؟ ! ! ما أشبهك بهذا الديك الذي يؤذن في غير أوانه جديرٌ بقطع رأسه فهو يضل إذ يخبر بفجر ولا فجر ! ! ( خروس بي هنكام ) في الفارسية هو الديك الذي يؤذن في غير أوانه والمتطفل والخارج على قومه بالبدع والشؤم : انظر البيت 1167 من الكتاب الذي بين أيدينا وانظر الكتاب الثالث ، الأبيات 3336 - 3339 وشروحها ) .
 
( 948 - 951 ) : إشارات الحق أن تعمل ، فإن تجاهلت هذه الإشارات قعدت عن الطريق ولم تكن رجله ، بل امرأة ( ليست دلالة جنسية ) ، وان كان لديك قدر من العقل فنمه وربه بالعمل وإلا ضاع منك ، وان لم تصبح رأسا أصبحت ذيلا : ( لسنائى في الحديقة : خلقت من أجل العمل ، انظر الترجمة العربية للحديقة ، الأبيات 221 - 234 وشروحها ) ان الجحود شؤم يذهب بك إلى قاع الجحيم ، كن متوكلا لكن مع قيامك بالعمل .
 
( 952 - 959 ) : تقول الحيوانات مدافعة عن التوكل وترك الجهد : إذا كانت الأمور بالعمل ، فما بال كثيرين قد جاهدوا واحتالوا وطرقوا جميع السبل ، ومع ذلك عادوا محرومين وانقلبوا خواة الوفاض صاغرين وقد مكرت هذه الجماعة بحيث أن الله تعالى وصف مكرهم بقوله «وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ» ( إبراهيم / 46 ) ، وما نالوا في النهاية إلا ما قسم لهم في الأزل ، ألا تعلم أن الرزق يطلب المرء كما يطلبه أجله " انك ان سعيت إليه ، أو سعيت موليا عنه ، تكون قد صرت مثل ذلك الرجل الذي كان يسعى للهرب من أجله وهو في الحقيقة يسعى اليه .
 
( 960 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / 14 - 12 ) وردت في حلية الأولياء 4 / 118 وإحياء علوم الدين 4 / 337 وجوامع الحكايات لمحمد عوفي وفي كتاب عجائب
 
 
« 430 »
 
نامه من مؤلفات القرن السادس وفي كتاب للغزالي يذكر فيه حكاية أهل الإباحة كما نظمها العطار في الهى نامه مما يظن أنه مصدر مولانا جلال الدين المباشر . كما أن الحكاية واردة في معنى البيت العربي :إذا ما حمام المرء كان ببلدة * دعته إليها حاجة فيطيروهي ترجمة للحديث النبوي الشريف « إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة » وما نسب إلى الإمام على رضى اللَّه عنه " رب مرتاح إلى بلد وهو لا يدرى أن مماته في ذلك البلد " ( أحاديث مثنوى / 11 )
 
( 965 - 966 ) : عن تفصيلات لهذا المعنى ( انظر الكتاب السادس الأبيات 1406 - 1412 وشروحها ) .
 
( 974 ) : إشارة إلى البيت العربي :وكيف يفر المرء من أمر ربه * أيخرج من ارض له وسماء( 975 - 995 ) : قال الأسد في ترجيح الجهد : لكن انظروا أيضا إلى جهود الأنبياء والمجاهدين والمرسلين ، ألم يكونوا أيضا من المتوكلين ؟ ! فلماذا لم يقعدوا أذن عن الجهاد ؟ ! ! وألم يجازهم الخالق على جهادهم وقد صدقوا عهده ؟ ! ، ألم يجعل الأحوال الطيبة تترى عليهم ولم لا تكون طيبة ، ولا يأتي من الخير إلا الخير ! ! لقد صاروا صيادين للمعاني والأسرار الإلهية من السماوات ، وجبر الله كسرهم ، وأتمم عليهم نعمة الإيمان ، والجهاد ليس وقوفا في وجة القضاء ، فالجهاد أيضا قضاء وان توسلنا بالجهاد ، فكأننا " نفر من القضاء إلى القضاء " وان قلت بغير هذا أكون كافرا ، كما أنه من الكفر أيضا ان أقول إن سعى كل من كان مؤمنا سائرا في طريق الطاعة فيه الضرر لنفسه أو لإخوانه ، والرأس التي لم تشج كيف تربطها ، والبدن الصحيح كيف تقعده عن العمل ؟ فجاهد حتى تتعب ومن بعدها استرح ، ومن قال أن الجهد كله في طلب الدنيا ؟ ! ! ان الجهد في سبيل الدنيا هو الجهد المكروه ، ليكن الجهد في سبيل الآخرة ( غاية الدنيا في المنظور
 
 
« 431 »
 
الإسلامي الحقيقي هي الآخرة ، الدنيا مزرعة الآخرة ، والمال ان كثر ، ينبغي الخروج عن معظمه في سبيل كسب الآخرة ، وباب التطوع في الإنفاق باب واسع ، وهذا كلام يطول فعد إلى كتابي الثورة الإيرانية ، الجذور والأيدلوجية لمعلومات أوسع في هذا المجال ) و « الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر » وان يكون الجهد في حفر فجوة للخروج من هذا السجن لا في سدها - وليس المقصود بغنى الدنيا التملك بل الغفلة ، ورب غنى عارف بالله ، ورب فقير غافل عنه ، ألم يقل الرسول « نعم المال الصالح للرجل الصالح » ( أحاديث مثنوى / ! ! ) انه كالماء تحت السفينة وسيلة لها ولسيرها ، لا في السفينة وفي سويداء روحك وقلبك يكون هلاكا لك
( المعنى لسنائى ) ، المهم إلا يتعلق القلب بالمال عندما يكون متاحا ، ومن هنا قيل عن سليمان عليه السلام " كان خاشعا متواضعا يخالط المساكين ويجالسهم ويقول : مسكين يجالس مسكينا " ( استعلامى 1 / 259 ) ، الست ترى الجرة عندما تخلو تطفو على البحر العباب ؟ هكذا الفقير الدرويش عندما يخلى باطنه من حب الدنيا يطفو على سطحها ولا تفرقه بلاياها أو مصائبها ، والقلب كالجرة ، فاغلق فوهتها بعد ان تملأه بهواه الكبرياء الإلهى ، واعلم أن الجهد حق مثلما يكون المرض حقا ويكون الدواء حقا مثلما يكون الألم حقا ويكون العلاج حقا ، وان جاهدت في ان تنفى الجهد فأنت منكر لهذا ( انظر أيضا تفسير جف القلم ، الكتاب الخامس ، الأبيات 21333 - 3134 وشروحها ) .
 
( 999 ) : مع أن الأسد دافع عن الجهد كل هذا الدفاع إلا أنه رضخ في النهاية - برغم انه الغالب نظريا - لمطالب الوحوش أن يقعد عن الجهد ، وهذا نمط شهير جدا عند مولانا ، في الكتاب الخمس كان الحمار المدافع عن التوكل هو أول من سقط ، وكأن مولانا يريد ان يقول لنا ، ليس المهم هو ان تنتصر في المقال : المهم ان تثبت مقالك هذا في حيز الفعال .
 
( 1006 - 1008 ) : يقول الأرنب ( الذي جعل من نفسه نبيا للحيوانات ومخلصا لها ، ولم لا ، أليس معظم الأنبياء خرجوا من بين المستضعفين الجياع الخاضعين لسيطرة المستكبرين والملأ ، ألم يكن موسى من قوم أرقاء ؟ ! ! وألم يكن محمد بن عبد الله مجرد يتيم بني هاشم درس كرر الله سبحانه وتعالى وما من مجيب ! ! ) ويصور الأرنب ضآلته على أنها تشبه إنسان العين لا يكاد يظهر لكنه سر الرؤية ( تكرر التعبير في الكتاب الثالث ، الأبيات 3524 - 3528 وشروحها ) .
 
 
« 432 »
 
( 1009 - 1011 ) : الأرنب في نظر الوحوش مجرد أرنب عليه ان يتصرف في حدود قدراته والرسول قال : رحم الله امرئ عرف قدره ولم يتعد طوره ( انقروى 1 / 28 ) والوحوش كلها ذات أظفار وأنياب وبطش شديد ومع ذلك لا يتأتى الادعاء إلا من هذا الأرنب أصغر الوحوش جرما وأكثرها جبنا ، فعلى أي شئ يعتمد هذا الأرنب الضئيل ؟ ! ! وكيف يصل به العجب بنفسه إلى مثل هذا الادعاء الخطير ؟ ! ! ان كثيرين من أمثاله قد أرداهم العجب بأنفسهم وقضى عليهم وقضى على من تبعوه ، درس مكرر كثيرا في التاريخ ، يكون قضاؤهم في اتباع هذا المعجب بنفسه غير المقدر لقواه وإمكاناته .
 
( 1012 - 1039 ) : يرد الأرنب بان خلف هذا الجرم الصغير عالم أكبر ، رأى وسداد - وعقل من قبيل عقول المعاد - مؤيد بالإلهام الرباني وإليك هذا الدليل : فهل هو أضعف من النحل الذي يخرج هذا الشهد الصافي بإلهام الهى ؟ ! ! إلا فلتقرأ «وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ( النحل 68 / 69 ) وما هو أقل من النحل دودة القز ، أليست على ضعفها تقوم بما لا يستطيع الفيل ان يقوم به فتفرز الحرير ، الرأي قبل شجاعة الشجعان ، وهذا الإنسان الذي سيطر على البر والبحر ، وقيدت له كل المخلوقات ، أكان هذا بحوله وقوته ؟ ! بل برأيه وعلمه الذي علمه الحق إياه ، بهذا العلم فاق الملائكة فأمروا بالسجود له ، وإذا كنت تريد ان تعرف الفرق بين العلم والزهد ، فإليك هذا المثال : لقد أمر إبليس بالسجود مع أن إبليس مارس الزهد ستمائة الف عام ، إلا أنه حرم من هذا العلم ، كانت كمامة على فمه ليحرم من هذه اللبانة وهذا الشراب السائغ .
 
( 1020 - 1030 ) : وإن علوم أهل الحس التي يتيهون بها فخرا على الناس ولا يعملون بها ويجعلون منها مجرد وسيلة إلى المال والجاه والمنصب ورضا الخلق ، هي تماما مثل هذه الكمامة التي وضعها الله على فم إبليس ( عقله ) ليحرم من حلاوة هذا العلم الإلهى ، وخص بهذا العلم الإلهى قلب الإنسان الذي لا يزيد على قطرة من بحر خلقه ، خصها بالعلم اللدني ، وخصها بأنها
 
 
« 433 »
 
هي التي تسعه - جل شأنه - وان لم تسعه ارضه وسماؤه ، وخصها بالأمانة . . . وبالعشق ، وبالإشراف على الأكوان ، وباللطائف الغيبية والعلوم اللدنية - وهذا المعنى لخصه حافظ في قوله :
ان الملاك يعرف العشق ، فلا تزد في القول واطلب الكأس واسكب الشراب على تراب آدم ( عن استعلامى 1 / 262 ) ولكنك غافلٌ عن هذه اللطيفة الإلهية عاكف على الصورة ، والصورة خادعة تبعد عن الحقيقة ، فلو كان الأمر بالصورة لكان احمد المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم وأبو جهل لعنه الله واحدا فهما متماثلان في الصورة - هذا بالطبع في ناظريك وفي عينيك - وإلا فحتى بالنسبة للصورة بينهما بون شاسع ، وصورة الإنسان المرسومة على الجدار مثل الإنسان تماما ، فهل تراها مثله في الحقيقة ؟ ! ! ( في مواقع أخرى من المثنوى حديث مستفيض عن الفرق بين صورة أي شئ وبين معناه ، انظر على سبيل المثال لا الحصر الكتاب الثالث الأبيات 526 - 530 والكتاب الرابع الأبيات 3726 - 3729 والكتاب الخامس 3298 - 3305 والكتاب السادس 3735 - 3740 وشروحها )
وما قيمة الأسد إذا قيس بكلب أهل الكهف ذلك الذي صار وليا من صحبة الأولياء ، فما عادت صورته الكلبية بعد ان غرق في بحر النور الإلهى ، والمعاني الطيبة والمنفرة هي التي تكتبها الأقلام ، أقلام الحق وأقلام الخلق ، فهل رأيت ثم صورة للعدل أو العمل ؟ كلها مجرد أوصاف تكتب في الكتب دون أن تكون لها صورة محسوسة ومحددة ، وهي طارئة على هذا الواقع المحسوس المسمى - بالشخص - هي هويته ، ( تحط ) عليه من العالم الذي لا حدود له ولا محسوسات فيه ، فان العالم المحسوس لا يستوعبها ، ومن هنا لا يمكن أن تجسد الفضائل في عالم المادة ( استعلامى 1 / 261 ) .
 
( 1031 - 1037 ) : الحديث عن علم الأرنب لكنه في الحقيقة عن علم الإنسان أضعف المخلوقات جسدا وأقواها روحا وعقلا ، فهو الذي يجعله يحتال حيل الثعالب مع من هو أقوى منه جسدا ، فيستطيع أرنب بعقله ان يجندل أسدا ( كما سيأتي في القصة ) ، وبهذا العلم سخر للإنسان ما في الأرض جميعا ، وحمل في البر والبحر ، فكأنه بعلمه هذا يملك خاتم سليمان الذي كان يسيطر بقوته على كافة المخلوقات وما قوته في رأى يوسف بن أحمد إلا العلم المنقوش داخله ( 1 / 230 ) ،
 
« 434 »
 
وخاتم كل إنسان علمه وعقله وقلبه ، بها سيطر على كل وحوش البر والبحر وألجأ الجان والشياطين إلى سكنى السواحل هربا من مواجهته ( لسنائى في الحديقة قصة في هذا المعنى ، انظر الترجمة العربية ، الأبيات 5625 - 5645 وشروحها ) .
 
( 1038 - 1044 ) : ومن قوة الإنسان وسيطرته واحتياله وعقله ، يكثر أعداؤه ، ومن ثم فعلى الإنسان العاقل أن يكون حذرا ، فإنه قد يجد شوكة مختفية في ماء وضوئه ، أي قد يجد الأذى من آخر من يتوقع منهم الأذى ، وأكثر خطرا تلك الإيحاءات والوسوسة التي قد تتأتى للمرء من داخله وقد تأتى له من خارجه ، وأسوؤها وأكثرها خطرا ، فتمهل وتأمل ، حتى تتبدل فيك الأحاسيس ، وتصبح ، رجلا نورانيا تنظر بعين الله وتسمع بأذنه ، آنذاك تنكشف لك ما وراء هذه الوساوس والألقاءات والإيحاءات ، وتكشف أولئك الذين رددت أحاديثهم وجعلت منهم أئمة لك ، ويتبدى لك زيف كل ذلك وأنك كنت بعيدا عن طريق الحقيقة .
 
( 1047 - 1048 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف " المستشير معان والمستشار مؤتمن فإذا أستشير فليشر بما هو صانع نفسه ، جامع 2 / 186 " وقال كفافى ( 1 / 493 ) أنه من بيت منسوب إلى الإمام على : كل علم ليس في القرطاس ضاع كل سر جاوز الاثنين شاع ، ( أحاديث مثنوى / 12 ) ونقل جعفري ( 1 / 478 ) قولا مأثورا هو : " من شاور الرجال شاركهم عقولهم " .
 
( 1049 - 1058 ) : ( عن كتمان السر انظر شرح الأبيات 174 - 178 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وان المرء ليتحدث بالسر مع من يظنه صديقا له ( مرآة ) . . لكن سرعان ما يتكدر وجه قلبه بهذا السر ( حسدا وقلقا ) ( استعلامى 1 / 262 ) ، وكل سر جاوز الاثنين شاع مثل ورد في المثنوى أكثر من مرة ، وفسر فروزانفر الاثنين بأنهما الشفتان أي ان كل سر صدر عن فم صاحبه فقد شاع ( عن استعلامى 1 / 262 ) وفي البيت السابق على مضمون حديث مروى عن جعفر الصادق " استر ذهبك وذهابك ومذهبك " ويرى الشيعة انه أصل مبدأ التقية الوجود عندهم وقال جعفري ( 1 / 479 ) انه حديث نبوي ( ! ! ) ، وما أشبهك عند الاستثارة في مثل هذه الأمور بربطك بطيور ثلاثة إلى بعضها ، إنها لن تستطيع ان تنجو ( فالطيور الثلاثة هنا هي الذهب والذهاب والمذهب ) ، وانك تستطيع ان تشاور في حالة إذا ما شاورت وأنت تكتم سرك ، أي تشاور من طرف خفى ،
 
« 435 »
 
وعن طريق الإشارة وضرب المثل والكناية ، وهكذا كان ديدن الرسول عليه السلام ، كان يجيب على الرأي بالقدر الذي يفهم به الأصدقاء ، ويضلل الخصوم فلا يدرون عنه شيئاً فقد ذكر الأنقروى ( 1 / 237 ) مثالا على ذلك الحديث النبوي ( خمروا الآنية واوكئو الأسفية واجيفوا الأبواب واكتفوا صبيانكم عند المساء فان للجن انتشارا وخطفة واطفئوا المصابيح عند الرقاد فان الفويسقة ربما اجتزت الفتيلة فأحرقت أهل البيت " فان الرسول كان يقصد معاني أخرى غير تلك التي يفهمها الخصوم .
 
( 1064 ) : عن الأمير المتسيب قال مولانا في موضع آخر من المثنوى ان ذلك يؤدى به إلى تحول النساء إلى بغايا والرجال إلى مخنثين ! ! ( 1065 - 1075 ) : من خلال شكوى الأسد من تعرضه للخداع نتيجة الألفاظ الحيوانات المعسولة الخالية من المعنى ينتقل مولانا إلى الحديث عن قضية عامة هي ان الألفاظ ان كانت منمقة ظاهرة الإقناع فإنها توضع من يصدقونها في الخطأ ، فهي كالشباك ، تضيع أعمارنا ، فكأنها رمل يتشرب ماء أعمارنا ، لكن هناك من يتصف كلامهم بحلاوة اللفظ وعمق المعنى هم رجال الله المتصلون بالحق المنفصلون عن ذواتهم ، فهو رجل لأنك تراه جافا متيبا ، أفنى جسده لينمى روحه ، ومع ذلك فماء المعرفة فوار منه ، فعليك به ، وانصرف عن الرمل الجاف الذي يتشرب ماء عمرك دون ان تظفر منه بشئ ،
 
وإذا طلبت الحكمة فاطلبها من أهلها ، تتحول بعدها من طالب للحكمة ( لوح حافظ ) إلى منبع للحكمة ( لوح محفوظ ) ومن متوسل بالعقل ، إلى معلم للعقل ، لقد كان جبريل هو الذي ينزل بالوحي على سيد الأنبياء ، كان مصدرا للوحي ، فانظر إلى ما ناله سيد الأنبياء من تكريم عندما فهم الرسالة وادى لها حقها ورعاها حق رعايتها ، لقد فاق جبريل نفسه في المرتبة بحيث انه في ليلة المعراج انفصل عنه عند موضع ما وقال : لو تقدمت أنملة لاحترقت ، وهكذا عندما تتجاوز مرحلة التعلم بالعقل إلى مرحلة التلقي من الله ، بحيث يحار العقل نفسه فما وصلت إليه ، وبحيث يقول ابن الفارضولا فلك إلا ومن نور باطني * به ملك يهدى الهدى بمشيئتى
وبدري لم يأفل شمسي لم تغب * وبي تهتدى كل الدراري المنيرة
 
 
« 436 »
 
( عن انقروى 1 / 243 ) والعقل الكلى عند الصوفية هو الذي يعرف الله ويشبه هذا بجبرئيل .
جولبنارلى 1 / 158 . ( ينسب فروزانفر أحاديث حديث لو تقدمت خطوة إلى صاحب بحار الأنوار وهو متأخر والرواية موجودة في كل كتب الصوفية تقريبا ، انظر على سبيل المثال لا الحصر حديقة الحقيقة الترجمة العربية الأبيات 2884 - 2894 وشروحها ) .
: إن القاعد عن الشكر والصبر من كسله ، يفسر الأمر بأن الله كتب عليه ذلك ، وهذا هو الجبر المكروه ( أنظر لتفصيلات الأبيات : 621 - 645 و 947 - 959 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وهو من قبيل المرض ، ومن ادعى المرض مرض مصداقا للحديث الشريف " لا تمارضوا فتمرضوا ، ولا تحفروا قبور فتموتوا " ، والجبر لغة عكس المرض ، إنه جبر الكسير ، وقدمك لم تكسر في الطريق حتى تكون في حاجة إلى جبرها ، إنك في حاجة إلى العمل ما دمت قادرا .
 
( 1081 - 1089 ) : إن إبداء الجهد في الطريق ثمرته الوصول إلى حضرة الحق ، فالله لا يضيع أجر المحسنين ، يكون له عروج حقيقي إلى الحق ، ويصله البراق مطية العروج مثل محمد المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم ليلة الإسراء والمعراج ، يكون حاملا للتكاليف ، فيصبح محمولا بالعناية الإلهية ( أنظرا البيت 940 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وهكذا كل من يتقبل أوامر الله تعالى ، يصل إلى مرتبة أن يكون نافذ الأمر على الدنيا بأجمعها ، بل على الأفلاك ، وإن كنت ترى في كلامي هذا مبالغة ، أفلم تتوقف الشمس ليوشع بن نون ؟ وألم ينشق القمر لمحمد صلى اللّه عليه وسلّم ؟ والإيمان دائما في حاجة إلى تجديد ، وتجديد الإيمان لا يكون باللسان ، بل بالعمل ، فالإيمان عمل كما أن الهوى عمل ، وما دمت تجدد الهوى لا يتجدد الإيمان ، فالهوى بمثابة القفل على بوابة الإيمان والفتوح ، وأنت تؤول القرآن بما يتوافق مع طبيعة نفسك ومقتضى هواك ، ألا فلترجع إلى نفسك وتؤولها وتتبع ما في باطنها حتى تتضح لك حقيقة باطنك الميال إلى الهوى، وآنذاك لا تقوم بتأويل آيات القرآن ومنها " انشق القمر " بما يوافق هواك.
 
( 1090 ) : المثال المذكور هنا في رأي لفروزانفر ( مآخذ / 14 ) مأخوذ عن شطرة من بيت قاله أبو نواس في هجاء يحيى بن خالد البرمكي :
 
 
« 437 »
 
وأعظم زهوا من ذباب على خرء ، وأبخل من كلب عقور على عرق ، ( 1095 - 1099 ) : عالم كل إنسان بقدر رؤيته وبقدر نظره ، وبقدر عمق ذاته وهمته ، والبحر يبدو لكل إنسان بقدر نظره ، والذبابة تكون قطرة البول بحراً لها ، والإنسانبحره بقدر همته وتصوره وأفقه ، فاسم بنظرك ، لأن الذبابة لو سمت بنظرها ، لصارت مثل طائر البُلج المبارك ( الذي لو وقع ظله على إنسان لصار ملكا ، واسمه بالفارسية هُما ، ومن ثم كان من ألقاب ملوك إيران - حتى آخرهم - همايون أي المظلل بطائر الهما ) ، ولكانت مثل ذلك الأرنب الذي جندل الأسد ، فمتى كانت روحه بمقياس حجمه ؟ ويرى مولانا أن المعطيات في هذا الوجود واحدة ، لكنها تتلون بقدر الرؤية وبقدر عمق روح الناظر إليها وغناها ، والإنسان - في رأى مولانا - رؤية .
 
( 1100 - 1113 ) : أغمض عيني عن طريق أذني : أي خدعني بمعسول الكلام ، والجبريون هم الوحوش الذين أقنعوه بالقعود عن الكسب ، والسيف الخشبي هو حججهم الواهية ، وهم ليسوا إلا قشور دون لباب ، والقشر هو زخرف القلب ، وما أشبهه بمجن على ماء يغوص فيه ولا دوام له عليه . فالكلام قشر وجلد ، ولبابه المعنى ، والكلام كالصورة ، ومعناه هو روحه ، واللب المعيوب في حاجة إلى تتميق الكلام ، أما اللب الحسن ، فإن الغيرة الإلهية تهبه الغطاء المناسب له ، وأقلام الريح هي هوى النفس ، وأوراق الماء هي مطالب الدنيا ، وكلاهما لا دوام له ، وإن طلبت منهما وفاءٌ أو ثباتا ، فلن يكون حاصلك إلا أن تعض بنان الندم ، وإن تحررة من هوى النفس ومطالب الدنيا ، تسمع رسائل الحق المتصفة بالدوام والثبات . وأمور الدنيا لا دوام لها ، ألست ترى الخطب باسم الملوك تتغير ، وأن خطب الأنبياء هي الباقية ؟ ألست ترى أسماء الملوك تتغير من فوق السكة ، وأن اسم محمد صلى اللّه عليه وسلّم هو الباقي ، وأحمد هو كل الأنبياء " أنا أول الأنبياء خلقا آخرهم بعثا " و " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين " فالأنبياء كلهم قبس من النور المحمدي ( لتفصيلات عن هذه الفكرة - أنظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ج 1 صص 103 - 124 وشروحها صص 270 - 279 ) .
 
 
« 438 »
 
( 1117 - 1122 ) : العقل في التعبيرات الصوفية يطلق على مرتبة الوحدة وتجلى الحق في مرتبة العلم وهو التعين الأول كما يطلق أيضا على الحقيقة الإنسانية ، ويمكن أن يكون الحديث هنا عن العقل الكلي أو العقل الأول وهو أول الخلق في رأى الصوفية ( استعلامى 1 / 266 ) وقد يكون المقصود أيضاً هو عقل المعاد ( عن العقل عند الصوفية بما يلتقى مع أفكار مولانا جلال الدين وقد يكون مصدرا لها أنظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ج 1 ، ص 164 - 171 وشروحها ص 298 - 305 ) وإدراك عوالم العقل أو بحاره بتعبير مولانا لا يتأتى إلا بإنمحاء الصور والأجساد ( الموت المعنوي ) فالعقل مع كل عظمته قوة خفية أيضا ( مثل الروح ) وإن تجلت اشراقاته على وجودنا الظاهري الذي هو كالموج أو كقطرة الطل بالنسبة له ، لكن تعلقنا بأسباب الحياة يجعل هذا البحر يلقى بنا بعيدا عنه ، فلا يكشف لنا عن أسراره ، ولا يبصر القلب من يلقى فيه بالأسرار ، ولا يرى العبد أنه بمثابة السهم تلقى به يد المشيئة إلى نقاط بعيدة دون أن يرى الرامي ، إنه مستغرق في أنيته بحيث لا تسأل هذه الأنا : أي شئ يحملني إلى هنا وإلى هناك ( استعلامى / 1 / 266 - 267 ) إن الأسباب هنا تقوم بحجب المسبب .
 
( 1123 - 1127 ) : والإنسان الموجود في يد المشيئة والمتصل بالعقل الكلى بمثابة الفارس الذي يركب جواداً والذي لا يعلم أن جواده مجرد وسيلة توصله إلى أهدافه . . وعندما يحرن الجواد ( العقل ) يسوقه في الطرق الوعرة ، وهو يعلم أن جواده حرون عاص يسوقه في كل مكان ويلقى به في مهالك الطرق ومهاويها ، ومع ذلك يتساءل : أين جوادى ؟ ! ترى أين ذهب ذلك الجواد ؟ ! الجواد تحتك أيها الفارس ( تكرر المثل بشكل مختصر في الكتاب الثالث ، الأبيات 383 - 384 ) .
 
( 1128 - 1137 ) : إن الحق قريب من الروح قرب الماء من الدن ، لكن الرؤية قاصرة ، مثلما يكون الدن متيبس الشفة والماء فيه ، آثار الروح سارية في كل البدن وأنت غافلٌ عن هذه الآثار ،
 
« 439 »
 
وإنما تستطيع أن تميز آثارها إذا كنت على علم بالآثار الأخرى ، مثلما يكون تمييزك بين الألوان إن كنت تعرف هذه الألوان ، ولن تعرف الألوان إلا إذا أوتيت نور معرفتها ، ولا بد أنك تدرك هذا إذا اختفت عنك الألوان في ظلمة الليل ، إذن فالأصل هو النور وفي حديث أبي ذر قال ، سألت رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم هل رأيت نور ربك ؟ فقال : نور انى أراه ( انقروى 1 / 251 ) .
فابحث عن النور أولا ولا تقف عند الألوان فبلا نور لن تستطيع معرفتها أو التمييز بينها ، وهناك غير هذا النور نور آخر يشع من باطنك ، من قلبك ، ونور العين إشعاع لهذا النور الموجود في القلب ، وهو لا يدرك بالحس ، بل يكون الحس حجابا عليه ، رؤية هذا النور تكون بالنور ، وإدراكه يكون بالذوق وليس بمعرفتك ضده .
 
( 1138 - 1143 ) : يدق مولانا دائما على فكرة أنه بضدها تتميز الأشياء وتعرف ، ومن هنا خلق الله الألم والحزن ، وإذا لم يخلقا من أين تعرف السعادة والسرور ؟ ! ! ومن أجل هذا ، يظل الحق خفيا علينا ( والفكرة نفسها وردت عند محمود الشبسترى في كلشن راز ( " عن جعفري 1 / 526 ) فمتى كان له ضد جل وعلا عن الأشباه والأضداد ؟ ! الرومي يعرف بالزنجي ، والنور بالظلمة ، والله تعالى لا ضد له لكي تدركه بضده إذا «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ» ( الأنعام / 103 ) ، لكنه يتجلى في صنعه وفي فعله وهنا يشير الأنقروي ( 1 / 153 ) إلى بيت ابن الفارض :وما هي إلا أن بدت بمظاهر * فظنوا سواها وهي فيهم تجلت. . . مثلما تجلى على الجبل فاندك ، ( انظر تفسير البيت 26 من الكتاب الذي بين أيدينا ) والفكرة برمتها يرجعها فروزانفر إلى الغزالي ( شرح صص 435 - 436 والنص منقول عن إحياء علوم الدين 4 / 293 ) .

 
« 440 »
 
( 1144 - 1150 ) تجلى الله ووضوحه في صنعه مثل تجلى الفكر في الصوت وفي الكلام ، كلامك وصوتك نبعا من الفكر . فهل تستطيع أن تقدم شيئا محسوسا وملموسا وتقول إن هذا هو الفكر ؟ ! والكلام الطيب من بحر فكر طيب ، وعندما يريد الفكر أن يتجلى ، يجعل من الصوت والكلام صورة لتجليه ، وهذه الأصوات والكلمات تظهر ثم تعود ثانية إلى بحر الفكر ، وهذا ما يعنيه ب « إنا إليه راجعون » . الموجودات كلها تصدر منه ، ورجعتها إليه ، فالوجود الإنسانى في كل لحظة مظهر للتجلى الرباني ، يظهر تجل ويمضى ويموت ويفسح مكانه لتجل آخر ، ومن ثم ففيك كل لحظة موت ورجعة في كل لحظة قيامه وبعث ، فالدنيا ساعة ( اى برهة من الوقت ) ، فلتكن كما قال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم طاعة ، ويشير جعفري ( 1 - 522 * ) إلى قول هيراقليطس : أنا لم أنزل النهر الواحد مرتين ، فأصل العالم الحركة لا السكون ، وفي القرآن الكريم : وترى الجبال تحسبها هامدة وهي تمر مر السحاب .
 
( 1151 - 1152 ) : يقدم مولانا صورة جديدة : أفكارك كالسهام المنطلقة في الفضاء ، أتراها تستقر في الفضاء ؟ ! ! إنها تعود إلى الله ، وفي كل لحظة تتجدد الدنيا والعالم بتجل من التجليات الإلهية ، وهي مستمرة ودائمة ، ومتصلة بحيث لا تستوعبها عين الحس ، فالأشاعرة يرون جوهر الوجود ثابتا لكن أعراضه في تغير ( والعرض لا يبقى زمانين ) والدوام عند الصوفية صفة لذات الحق . لكن صور الخليقة مراتب للظهور والتجلي ( فروزانفر شرح مثنوى ج - 2 ، ص 440 ) ويرى بعض الصوفية ان الجوهر أيضاً في حالة حركة وتبدل ، ويشير بيان مولانا إلى مفهوم الآية الكريمة «بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ» ( ق / 15 ) .
 
( 1153 - 1157 ) : وكما تتواصل قطرات الماء فتكون جدولا ، فالحياة أو العمر مجموعة من التجليات الدقيقة والصغيرة للوجود التي تتواصل وتستمر ، وحدة هذا التغير وسرعته تظهر انه
 
« 441 »
 
متمردا مثل شرر في عود مشتعل ، إن حركته تبدو لك خطا من النار وهو ليس كذلك ، فالخليقة تتكرر وتستمر بسرعة بحيث تبدو لك تجليا واحدا ليس أكثر يدوم فترة طويلة . وان كنت تريد شرحا لهذا السر ، فاطبه من حسن حسام الدين فهو في هذا الأمر مرجع عظيم . و " خذ العلم من أفواه الرجال بقلب لا بعقل ذي عقال " ( انقروى / 257 )
 
( 1169 ) : معنى الصورة تنتج من اللاصورة اى من لا صورة له ينتج من صورة له ، والمعنى سابق على الصورة وقد ورد في معارف بهاء ولد ، ص 11 .
 
( 1171 ) : إشارة إلى الحديث النبوي ( زكاة الجاه إغاثة الملهوف ) ( أحاديث / 210 ) .
( 1197 ) : إشارة إلى مصرع النمرود بوسيلة بعوضة ( انظر قصص الأنبياء المسمى بالعرائس للثعلبي ص 81 ) .
 
( 1198 ) : العدو النفس الأمارة بالسوء .
 
( 1199 ) : لتفصيلات عن بعض مشاورة فرعون لهامان أنظر الكتاب الرابع الأبيات 2723 - 2737 وشروحها .
 
( 1200 - 1209 ) : إلى جواز فكرة الأضداد التي يهتم بها مولانا أشد الاهتمام ، هناك فكرة أخرى تتبع منها وهي آفة عدم التمييز بين الأضداد ، بحيث تظن أن العدو صديق وتتعامل معه على هذا الأساس ( في الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 316 - 320 تعبير آخر عن الفكرة ) في حين أنه عدو يرديك بكلامه المعسول ، سكره سم ، ولطفه قهر ، وعندئذ يحم بك القضاء من جراء فعله وإضلاله ، والنفس والشيطان كلاهما لك عدو فاتخذهما عدوا ، وتسلطهما أيضا من قضاء الله ، فاهرع إلى الله وتضرع إليه ، وسبح ، وتعبد وصم ، فلا نجاة لك من هذا الابتلاء ، إلا بحسن القضاء ، وادع الله سبحانه وتعالى بدعاء الحبيب المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم : اللهم أرنا الأشياء كما
 
 
« 442 »
 
هي ( أحاديث مثنوى / 45 ) ( لتفسيره تفصيلا : أنظر الكتاب الخامس ، الأبيات 1976 وشروحها ) وعن العدم الذي يبدو وجودا والوجود الذي يبدو عدما أنظر الكتاب الخامس الأبيات 1027 - 1053 وشروحها ) والقهر الإلهى هو الذي يبدو لك العدم وجودا والوجود عدما ، وشراب القهر الإلهى يصيب بالسكر « إن الله إذا أراد إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه » ( أحاديث / 13 ) ، فتعمى الأبصار عن طبيعة الأشياء ( ترى الحجر جوهرا والصوف يشما ( لمناسبة الكلمتين بالفارسية بشم بمعنى صوف ويشم بمعنى حجر اليشم ) .
 
( 1210 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 14 - 16 ) وردت باختصار في قصص الأنبياء للثعلبي ووردت بصورة مفصلة في كتاب نثر الدر للآبى " " كان نافع بن الأزرق يسأل ابن عباس عن العلم أو غيره ويطلب منه الاحتجاج باللغة وشعر العرب فيجيبه عن مسائله ، وروى أبو عبيده انه سأله فقال : أرأيت نبي الله سليمان عليه السلام مع ما خوله الله عز وجل وأعطاه ، كيف عنى بالهدهد على قلته وضآلته ؟ فقال له ابن عباس : إنه احتاج إلى الماء والهدهد على قماء ، الأرض له كالزجاجة يرى باطنها من ظاهرها فسأل عنه لذلك . فقال له ابن الأزرق :
قف يا وقاف كيف يبصر ما تحت الأرض والفخ يغطى له مقدار إصبع من تراب فلا يبصره حتى يقع فيه ؟ فقال ابن عباس : ويحك يا بن الأزرق : أما علمت أنه إذا جاء القدر عمى البصر " كما وردت أيضا في تفسير أبى الفتوح الرازي وعند قانعى الطوسي من شعراء القرن السابع الهجري وفي بوستان سعدى الشيرازي وفي رأى استعلامى ان حكاية مولانا أقرب إلى رواية مرزبان نامه للوراوينى .
 
( 1212 - 1217 ) : تعنى المشاركة في اللسان التآلف الذهني والمشاركة الفكرية والتقارب الروحي والمعنوي ، والمعاشرة مع من يفتقرون إلى هذه الخاصية بمثابة السجن ، إذ يظل المرء
يتبع
    

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا








عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الآبيات من 904 - 1381 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 7:00 pm

الهوامش والشروح الآبيات من 904 - 1381 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح الآبيات من 904 - 1381 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح بيان التوكل ومطالبة الحيوانات للأسد بترك الجهد
« 443 »
سجينا مع أفكاره ومشاعره وأحاسيسه التي لا يستطيع إبداءها لأنه لا يجد من يفهمها ، ورب مشتركين في لسان ولغة ما لكنهما غريبان ، ورب غريبين في اللغة لكن الألفة والإحساس المشترك والتآلف القلبي يجعل كل منهما أليفا للآخر يستريح إليه ويركن إليه ، وهذه هي العلاقة الباقية والآصرة القوية والتفاهم الحقيقي القائم على أسس متينة « الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف » ، وهي أمتن من الكلام والعهود والمواثيق ، وهناك وسائل التعبير القلبي " فمن القلب إلى القلب كوة " تسمح بانتقال المعاني ، بحيث لا تكون هناك ضرورة للسان أو اللغة التي قد تكون حجابا على الفهم الحقيقي .
 
( 1230 ) : الزاغ طائر أسود من فصيلة الغربان ( استعلامى / 1 - 272 ) عرب وقيل في المثل أسود من جناح الزاغ .
 
( 1234 ) : إشارة إلى مثل عربى أول الدن دردى ، والدردى ثمالة الكأس وهي من المفروض أن تكون في قاعه وآخره ، ولأحد الصوفية : " إذا كان أول الدن درديا فما يكون آخره ؟ " 
( 1241 ) : انظر تفسير البيت 1202 ( 1244 - 1256 ) : الدليل البين والظاهر على صدق الفكرة القائلة انه إذا جاء القدر عمى البصر وإن جاء القضا ضاق الفضا تتمثل في قصة آدم عليه السلام الذي علم الأسماء لا بصورها بل بتحقيقها ، اسم كل شئ وحقيقته وفعله وخواصه ومصيره على ما هو عليه بالفعل لا كما يبدو لنا ، فاسم اى شئ بالنسبة لنا هو ما يدل عليه ظاهره ، لكن اسمه عند الله تعالى حقيقته ومنتهاه ، فموسى عليه السَّلام يتوكأ أمامنا على عصا ، لكنها عند الله تعالى أفعى ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه لفترة أمام الناس الكافر الغضوب ، لكن منتهى اسمه ومبتداه مثال العدل والإيمان ، وذلك في يوم العهد يوم ألست يوم أن أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم
 
« 444 »
 
بالربوبية له وبالعبودية على أنفسهم ، والولد عموما قطرة من المنى ، لكن الله تعالى يعلم في أية صورة سوف تكون ، والصورة موجودة في علمه تعالى دون زيادة أو نقصان ، أسماؤنا أمام الله تعالى هو ما سوف تؤول إليه خاتماتنا لا ما نحن عليه بالفعل من أمور كلها عارية وعارضة لا تستمر . كان من جراء هذا العلم الإلهى الذي علم لآدم أن عكف آدم على العبودية والسجود اعترافا وشكرا ، أي أنه كان يعلمه قيمة ما منح له وما فضل به على كل المخلوقات ، ولم يكن بغير المقدر لقيمة العطية التي أُعطيت له ، وسجد الملائكة للنور الإلهى الذي خص به آدم وليس لآدم في حد ذاته ، هذا النور الموجود في الأنبياء والأولياء والذي لو أخذت في وصفه وفي مدحه حتى القيامة فلن أوفيه حقه .
 
( 1257 - 1262 ) : لقد علم آدم كل هذا ، كان مدركا لما خص به من علم شاكرا له غير مغتر به ، لكن عندما قضى عليه بالعصيان صعب عليه أن يفهم النهى ، مجرد نهى واحد . وأخذ يتساءل :
أهو تحريم لشجرة المنهى عنها أو هو مجرد نهى تنزيهي لا تترتب عليه حرمة ؟ ! هل هو حرام أو مندوب ؟ ! ومجرد التساؤل في أمر إلهي صريح الدلالة يفتح الباب للمزالق ، ويفتح الباب للتأويل ، والتأويل عادة يفضى إلى إختيار ما عليه الهوى ، فأسرع آدم إلى القمح ، تماما كأن تدخل شوكة في قدم الناطور ( التساؤل والجدل ) ويقعد عن الحراسة فيأتيه اللص ( الشيطان ) ويسرق المتاع ( الإيمان ) . ( انظر من 1490 - 1503 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 1263 - 1270 ) : لكن آدم لم ينغمس في إثمه ، وسرعان ما أفاق وقال « ربنا ظلمنا أنفسنا » أي ان الفعل منا والذنب منا وما حاق بنا من ظلمة فمن فعلنا . لكن مولانا يصر على موقفه من رفض الجبر ، فهذا القضاء هو مجرد سحابة تغطي شمس الرؤية ونور البصيرة ، فيصبح القوى ضعيفا ومتين الإيمان معرضا للمعصية ، ولا حيلة مع القضاء إلا بالضراعة إلى الله سبحانه
 
« 445 »
 
وتعالى فهو محول الأحوال . فإذا كانت شكواك من القضاء ففرارك يكون في القضاء " نفر من قضاء الله إلى قضاء الله " ، وما هذا القضاء إلا ابتلاءٌ لك وكلما نجحت في امتحان رقيت درجتك ، وهو يبتليك لكي يجتبيك ويصطفيك ، وهو مع ما أعطاه لفرعون لم يصبه مرة واحدة بصداع لأنه لم يكن يريد الاستماع إليه ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 200 - 204 وشروحها ) إنه سبحانه وتعالى يخوفك ، حتى لا تصاب بالغرور بقوتك وحولك وطولك وفي خوفك هذا الأمن من مكر الله .
 
( 1275 - 1281 ) : إمارات أحوال المرء وفكره وشخصيته تبدو على قسمات وجهه ، هذه هي السيماء التي تحدث الله عنها في كتابه الكريم فقال « سيماهم في وجوههم » ومن ثم يطلب العارف الخبر اليقين من السيماء ، فالله تعالى هو الذي جعل الوجوه تنطق بما في القلوب ، فلون المرء ورائحته ينبئان عنه كما ينبئ صليل الجرس عن القافلة وصهيل الخيل عن الخيل ، ومن الصوت تستطيع ان تميز بين نهيق الحمار وقرع الأبواب ، فتحدث حتى تُعرف وتبدو من صوتك فالمرء مخبوء تحت لسانه ( حديث نبوي وان أسنده فروزانفر واستعلامى 1 / 274 إلى الإمام علي رضي الله عنه ) ، ولون الوجه منبيء عن شخصية صاحبه ، فإن كان المرء متهلل الوجه فهذا دليل على الشكر ، وان كان شاحب الوجه فهذا دليل على الصبر مع وجود الهم وقلة الرضا . وفي الحديث الشريف « أطلبو الخير عند حسان الوجوه » ( كولبنارى 1 / 162 ) .
 
( 1285 - 1304 ) : سنة الله في خلقه : تبنى وتهدم وتعمر وتخرب وتؤلف وتشتت وتجمع وتفرق . لطفه الكلى وقهره الكلى سبحانه وتعالى مسيطران على الكون ، بادية آثارهما فيه ، وآثارهما يبدوان في الشكر والصبر ، البستان حينا أخضر وحيناً عرته رياح الخريف من الأوراق ، والشمس تطلع كأنها النار ثم لا تلبث أن تغيب ، والنجوم تطلع ثم تحترق ، والقمر يصبح بدرا ثم
 
« 446 »
 
يأخذ في النقصان ، والأرض تزلزل والجبال تندك وتصير كالعهن المنفوش ، والهواء الذي نتنفسه حين يحم القضاء يصبح نتنا فاسدا عفنا مليئا بالأوبئة ، والماء يأسن ، والنار تخمد ، والبحر يهيج ، والفلك يتبدل فيكون حضيضا ووسطا وأوجا ، ويصير سعدا ويصير نحسا ، ( كل ظواهر الكون الدنيوي عند مولانا كون في بذرته الفساد . ولتفصيل الفكرة على مستويات أخرى أنظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1592 - 1615 وشروحها ) وإذا كان الفلك نفسه بلا استقرار فكيف تطمع أنت تحت هذا الفلك بالاستقرار ( الفكرة للشاعر الفارسي ناصر خسرو المتوفى سنة 481 ه :
أي استقرار تتوقع تحت هذا الفلك * ما دام الفلك الدوار نفسه لا قرار له ( ديوان ناصر خسرو ص 9 تهران 1348 ه . ش ) فإذا كانت هذه الدنيا بمثابة الذئب ، فكيف تتعلق بها وأنت مجرد شاة لا حول لها ولا قوة ؟ والله تعالى هو الذي يصالح بين الأضداد في هذه الحياة الدنيا ، جسدك نفسه مكون من بضعة من الأضداد والحياة هي التي تحفظ التألف بينها ، والمرض يعنى أنها بدأت الحرب فيما بينها ( لتفصيلات هذه الفكرة بشكل أكثر وضوحا ، أنظر الكتاب الثالث الأبيات 4424 - 4437 وشروحها ، كما وردت الفكرة عند سعدي الشيرازي ( عن شرح فروزانفر ص 465 ) .
 
( 1308 - 1309 ) : الحديث عن الخلوة وعن نجاة المتمسك بها من الخلق ومن ظلم الخلق وظلماتهم ، والواقع ان مولانا لم يكن يحبذ الخلوة كثيرا ، ونادرا ما ذكرت في المثنوى في معرض التحبيذ ، فهي أحيانا عند مولانا دليل على التنطع والزهد الريائى ( مثل ما ورد في حكاية الدرويش الذي إختلى في الحبل ونذر ألا يأكل الكمثرى المذكورة في الكتاب الثالث ) وعند مولانا الخلوة تكون عن الأغيار لا عن الحبيب ، فالحبيب موجود مع المرء إختلى أو لم يختل ( الكتاب الثاني : بيت 25 ) وللجنيد البغدادي " العزلة أيسر من مداراة الخلطة " ( عن شرح فروزانفر ص 466 ) .

« 447 »
 
( 1317 - 1326 ) : الحديث عن الظلم ، وعن أنه " ظلمات يوم القيامة " ( أحاديث / 13 ) وعن أن حفرة الظلم عميقة ، وكلما زاد الظالم في ظلمه ازداد عمقها لكي تطبق عليه في النهاية ، ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيها " قال فروزانفر أحاديث 14 ، انها حديث نبوي " ، وكل ما يحيق بالظالم أن تكون صورته هو ارتدت عليه فالظالم والطاغية في عين قهره مقهور وفي عين نصره مأسور ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 4564 - 4569 وشروحها ) . 
لقد رأى الأسد صورته هو في المرآة وهجم عليها ، وهكذا الطاغية الظالم يدمر في الخلق الله وهو لا يدرى أنه يدمر في نفسه ، وفي النهاية يدمر نفسه حقيقة لا مجازا ، أنت كما تكون ، وما تنسجه حول نفسك كما تكون دودة القز ، فلا تداوم الظلم ، وتذكر العاقبة ، ولا تعتبر الضعفاء بلا معين ، فالنصر من الله ، ولقد حبا به الفئة المستضعفة من أوائل المسلمين على كل ما جمع الكفار من خيل ومن رجل ، وأقرأ « إذا جاء نصر الله والفتح » فالنصر الحقيقي من الله ، ولا تظن أنك وأنت الفيل بمنأى عن الهزيمة ، فالفيل مزقه الطير الأبابيل وهي طيور صغيرة ( والنمرود مزقته بعوضه ) وإن العرش ليهتز من دعاء المظلومين ، ورب دعوة مظلوم كانت أكثر وقعا على الظالمين من الطعان والسنان ، والمصباح الصغير التي تشعله أرملة كثيرا ما احرق قرية بأكملها ( انظر باب سير الملوك من بوستان سعدى وانظر الباب الثامن من حديقة الحقيقة ومعظم الأفكار السياسية في التراث الإسلامي ترد على شكل حكايات ونصائح ) إن كل ما يحيق بالظالم انعكاس لصورته هو ، وهو يظن أن الجميع أعداؤه وهو أعدى أعداء نفسه .
 
( 1328 - 1334 ) : ليس هذا خاصا بالطغاة والملوك المتكبرين ففرعون موجود في كل جبلة ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 971 - 973 وشروحها والأبيات 1252 - 1255 وشروحها ) ولذا فأنت ترى الآخرين ظلمة بينما أنت في الحقيقة لا تنظر إلا إلى نفسك نفسك أنت انعكست عليهم ،

« 448 »
 
ونيتك السيئة ( وردت الفكرة أيضا في الكتاب الرابع البيتين : 772 - 773 والكتاب الخامس البيتين - 1981 - 1982 ) ، فكيف يكون الخلق كلهم على هذه الدرجة من السوء التي تراهم عليها ، ولو رأيت سوء نفسك لانشغلت بها ، ولعاتبتها ، لكنك لا تفعل وتشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسك ، وفي خلال هذا ، يزداد بئر الطبع عمقا فيك ويستعد لابتلاعك فتتردى من سيىء إلى أسوء ، وتبدو لك عيوبك عيانا وتكون مثل ذلك الأسد الذي أردته صورته هو وسحبته إلى قاع الجب .
 
( 1335 - 1339 ) : صورتك أنت بالفعل هي التي تراها في وجوه الآخرين ، وعيوبك أنت هي التي تراها عيوبا فيهم ، والظلم من نفسك أنت لكنك تراه في الآخرين ، والعيب فيك وان رأيته في أقرب الناس إليك ، فكن جميلا ترى الوجود جميلا ، فالمؤمن مرآة المؤمن ( حديث نبوي ، أحاديث مثنوى / 41 وانظر الكتاب الثاني البيت 30 ) ، إنك تلبس منظارا أسود فترى العالم كله أسود ، فلتترك العمى ، ولتخلع هذا المنظار لترى العالم على ما هو عليه بالفعل .
 
( 1340 - 1347 ) : وإذا لم يكن المؤمن ينظر بنور الله مصداقا لقول نبيه « اتقوا فراسة العبد المؤمن فإنه ينظر بنور الله » ( أحاديث / 14 ) فكيف يرى أنواع الغيوب ؟ ! لكنك لا تنظر بنور الله بل تنظر بنار الله من اللعنات التي حاقت بك ، وماء التوبة جدير بأن يطفئ نار الغضب والشهوة والأخلاق الذميمة ، وماء الأخلاق الطيبة الطهور يبدل سيئاتك إلى حسنات ، وهذا التبديل في يده سبحانه وتعالى هو الذي يستطيع ان يبدل النار نورا ( آنس موسى عليه السلام على الطور نارا لكنه وجدها نورا ) والماء نارا ( جحيما مغرقا للطغاة على وجه الأرض وفي هذه الدنيا ) ودعاؤنا إياك يا الله منبثق منك أيضا تجريه أنت على ألسنتنا وأنت أعلم بحاجاتنا منا ( الدعاء عين الاستجابة وإذا أراد الله قضاء حاجة لعبده أجراها على لسانه . انظر الكتاب الثالث الأبيات :
 
« 449 »
 
361 - 370 وشروحها ) وإن شئت أيضا منحتنا ما نريد دون ان نطلبه منك ، فكنوز إحسانك لا تنفد ، ولو أعطيت كل الخلق ما يطلبون ما نفدت خزائن رحمتك وما نقصت .
( 1348 - 1354 ) : عندما يكون ثمة بسط ، يصبح العالم كله راقصا ، وانظر في الربيع إلى الأغصان والأوراق تصفق وتهتز وترقص ، لقد نجت من سجن التراب الذي حبست فيه في الشتاء فكأنها تتغنى بالآية الكريمة «كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى» ( الفتح / 29 ) ، وكما تنمو الزروع من قاع التراب ، يصبح كل غصن منها وكل ثمرة فيها مسبحة لله تعالى على عطاياه .
 
( 1355 - 1357 ) : وهكذا تكون الأرواح عندما تنجو من سجن الأجساد وتترك علائقها المادية والترابية ، تسعد لخلاصها من سجنها ، وتصبح راقصة في فضاء عشق الأحد ، فالأجساد عندما تكون راقصة منهمكة في وجد السماع تنال نصيبا من رقص الأرواح ، ولا تسل عما يحدث لها ، تفقد سيطرتها ، تضحك ، تبكى ، تمزق الخرقة والعمامة ، كل هذه الأمور من فعل الأرواح لا الأجساد فالأرواح هي التي تحرك الأجساد ، وتحرك أولئك الذين نجوا من سجن الجسد وأصبح دورانهم ( الأصل في الرقص المولوي الدوران ) مع الولي الكامل حول روح الأرواح ( إستعلامي 1 / 279 ) وفي نص استعلامى وانكه كرد جان : وترجمته ما حول الروح ، أما عند المولوي ( 1 / 265 ) وانكه كردد جان : وما يتحول إلى روح .
 
( 1358 - 1361 ) : الحديث عن أولئك الكبراء العظماء الذين لم يتعظوا بقصة أرنب يجندل أسدا بحيث صار عارا على الأسود ، وأخذوا يتفاخرون بالألقاب المطنطنة من أمثال فخر الدين ( ليست إشارة إلى فخر الدين الرازي العدو اللدود لبهاء الدين ولد والد جلال الدين ، بل هي إشارة إلى كل من يلقب نفسه بهذه الألقاب الطنانة الرنانة ) ، وهم أسارى ملقون في جب النفس الأمارة بالسوء
 
« 450 »
 
يشغلون أيامهم بالجدل والمراء والاستدلال والقياس وكل أدوات علماء الظاهر ، في حين أن نفوسهم في خواء بلقع لا تجد من يمد يده إليها ليأخذ بيدها من هذا الخواء ومن هذا الجب .
 
( 1326 ) : أبشروا يا قوم إذ جاء البشير : قال فروزانفر أنها مأخوذة من مطلع للشاعر الأنورى :
أبشروا يا أهل نيسابور إذ جاء البشير إذ دخل الموكب الميمون للمنصور الوزير ( شرح فروزانفر ص 480 ) 


( 1377 - 1381 ) : يفرق مولانا بين مصطلحين : أهل الظن وهم أصحاب علوم الظاهر ، وأهل الرؤية أو الصوفية العارفين ، ولا تزال الحرب سجالا بينهم ، وكل منهم له أدواته وله حججه ، وكل منهم ينتصر فترة من الفترات ( لمولانا رأى في موضع آخر هو ان الله تعالى يهب كل جماعة حججها وأسانيدها لكي تستمر هذه الحرب فيما بينهما ولو شاء تعالى لحسمها ) ، كما أن مولانا يقول هنا : حذار ولا تلق بنفسك في مهاوى التهلكة ، فليس كل أرنب يستطيع ان يجندل كل أسد ، وأنا هي نوبة لك يكون لك فيها التأييد الإلهى ، والتأييد الإلهى يكون للبشر العاديين مرحلة بمرحلة ، وللملوك الصوريين في أدوارهم ونوباتهم ، لكن عظماء الدين وأولياء اليقين من أصحاب الملك الدائم ، فلا تزل كئوس العلم الإلهى والفيض الرحماني تدور عليهم كرة بعد كرة ولا تنقطع عنهم .


.

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا




عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الأبيات من 1382 - 1556 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 7:01 pm

الهوامش والشروح الأبيات من 1382 - 1556 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشوح الأبيات من 1382 - 1556 على منتدى عبدالله المسافر بالله
الهوامش والشروح الأبيات من 1382 - 1556 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح مجىء رسول الروم إلى عمر رضي الله عنه ورؤيته لكراماته

( 1382 - 1394 ) : الحديث النبوي « قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، قيل : وما الجهاد الأكبر ؟ قال : مجاهدة العبد هواه » ( أحاديث مثنوى / 14 ) وبرغم ان الحديث شرط الجهاد الأكبر بعد الجهاد الأصغر ( لمثل هذا أشار بهاء ولد في المعارف ص 84 أنه ما لم يقم أحد بالجهاد الظاهر ( الأصغر ) لا تتيسر مجاهدة النفس ) لأسباب موجودة في كل نفس بشرية تسكرها خمر النصر وتنسيها ان النصر من عند الله فحسب ، إلا أن الكل تشبث بظاهر الحديث ، وادعى ان
 
« 451 »
 
الجهاد الأكبر جهاد النفس يشغله عن الجهاد الأصغر ( جهاد الكفار والمنافقين ) ، وهكذا تلوى أعناق النصوص لتبرير الجبن والخضوع ، ولا يعنى هذا أن النفس البشرية ليست أعدى أعداء الإنسان ، فقد قال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم : جهادك في هواك ، وأعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك ( مولوى 1 / 269 ) وقتل هذه النفس ليس أمر سهلا ، لا يتأتى من كل أرنب ، ويشبه مولانا النفس بجهنم وهو تشبيه ورد عند نجم الدين بن الداية « وقد خلقها على صورة جهنم وخلق بحسب كل دركة فيها صفة لها وهي باب من أبواب جهنم » ( منارات السائرين ص 298 ) وهي تنين ، ونار محرقة لا تستطيع البحار السبعة إطفاءها ، ولا تزال تمتلئ بالكفار وبالحجارة " وقودها الناس والحجارة " وقيل الحجارة هي قلوب الكفار القاسية وهي لا تمتلئ «يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ» ( ق / 30 ) ، 
انها لا تسكن إلا برضا الله سبحانه وتعالى ورحمته « يقال لجهنم هل امتلأت ؟ وتقول : هل من مزيد ، فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط ( أحاديث مثنوى / 15 ) ، 
والنفس جزء من جهنم ومن ثم تتصف بأوصافها ، فالله تعالى هو الذي يستطيع أن يخمد نيران هذه النفس ، وجهادنا ضدها من عنايته سبحانه وتعالى وانتصارنا بفضله ، وإلا فان السهام التي يطلقها الإنسان تجاه النفس قد تكون سهاما معوجة ترتد إلى راميها . ولذا قال أبو هاشم : قلع الجبال بالإبر أيسر من قلع صفة الكبر " انقروى 1 / 295 . 


وفي الحديث النبوي ، قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم : ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب " ( رواه البخاري ومسلم ، أحاديث مثنوى ص 16 )
 وفي مقالات شمس ( 66 - 85 ) : " ما هو معنى الولاية ؟ ! أن يكون للمرء جند ومدن وقرى ؟ 
لا بل الولاية أن تكون له ولاية على نفسه وعلى أحواله وعلى صفاته وعلى كلامه وسكوته وقهره في محل القهر ولطفه في محل اللطف " ، وليس إلا بالاستقامة يخرج السهم مستقيما نحو الهدف ، وهذا يذكر بقول أبى بكر الواسطي : " الاستقامة هي



« 452 »
 
التي تردك عن قسط النفس وتفتح لك بما يكون نصيبا لك " ( عن استعلامى 1 / 282 ) وبوصية الرسول صلى الله عليه وسلم : يا علي قل اللهم إهدنى وسددنى واذكر بالسداد السهم ( انقروى 1 / 294 ) .
 
( 1400 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت أصلها ما ورد في فتوح الشام للواقدي عن رومى أراد اغتيال عمر رضي الله عنه فلما رآه نائما في ظل نخلة تملكته هيبة وقال العبارة المشهورة : عدلت فأمنت فنمت يا عمر . والحكاية وردت في كتب عديدة قد تكون مصدرا لأصل حكاية مولانا ( فالحكاية عند مولانا كما سنرى حكاية بين مرشد ومريد ) ومن الكتب التي وردت فيها الحكاية قبل المثنوى أسرار التوحيد في مقامات أبي سعيد وكشف المحجوب وغيرها ، وأساسها ما روى عن تجرد عمر رضي الله عنه وزهده وعزوفه عن أبهة الملك وجاهه ( مآخذ / 17 - 18 ) .
 
( 1404 - 1415 ) : قصور الحكام يمكن رؤيتها بعين الحس ، أما قصور عظماء الدين فلا يمكن رؤيتها بغير عين القلب ، بشرط أن تكون خالية من الغرض والمرض والعلل ، وهو ما يعبر عنه مولانا بشعرة أي مقدار شعرة من حب الدنيا أو مقدار شعرة من كبرياء ، ومن تطهرت روحه من الشهوات يرى حضرة الغيب عيانا أمامه ، والمثال محمد المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم عندما تطهر من علائق الدنيا ، أينما توجه كان ثم وجه الله وما للأنبياء يكون للأولياء . 


إن نفسك توسوس لك بمعنى وجه الله فتراه ذا وجه وتصور هذا الوجه ، فتخلص أولا من وسوسة النفس لتدرك معنى وجه الله ، وأنت إذا شرح فيك الصدر ، أشرفت عليك شمس الحقيقة من كل صوب ، فلا هي مرتبطة بشرق تشرق منه أو بغرب تغرب فيه ، فالخالق ظاهر ولائح وأظهر من أن يحتاج إلى دليل ( انظر البيت 116 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، ونفسك ووساوسها أشبه بإصبعين تضعهما أمام عينيك فلا ترى شيئا والمعنى ورد في معارف بهاء ولد ( ص 414 ) إرفع إصبعى
 
« 453 »
 
النفس : الغرض والمرض من أمام بصرك ترى العالم بشمسه الساطعة المنيرة ، ولا تكن كقوم نوح عليه السّلام الذين قال فيهم «وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً» ( نوح / 7 ) فلا جرم أنهم لم يروا ما بشرهم به نوح وما أنذرهم به ، فارفع ثياب الغفلة من أمام بصيرة الروح .
 
( 1416 - 1417 ) : الإنسان رؤية وبصيرة ووعى وفيما عدا ذلك إضافات : الجسد والشكل والثياب والمنصب والجاه كلها إضافات لا تصنع إنسانا ولا تشكل إنسانا ، ليس هذا فحسب بل والبصيرة الحقة هي التي رأت المحبوب ، وأدركت انه معدن الجمال والجلال وكل ما يمكن ان يجعل للحياة قيمة ، وفي دعاء الحسين بن علي رضي الله عنهما " عميت عين لا تراك عليها رقيبا " ( جعفري 1 / 621 ) 
رؤية الحبيب هي التي تخلق الوعي الحقيقي ، تكون لك بصيرة بسعة الحق ، وإن لم يكن همتها رؤية الحبيب فأولى بها أن تكون عمياء ، وان إخترت حبيبا لا يبقى - وكل حبيب سواه لا يبقى - فالبعد أولى عن مثل هذا الحبيب ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 547 - 560 وشروحها ) .
 
( 1424 ) : لا يفهم من ظل الله هنا ان مولانا جلال الدين كان يؤمن بالحق الإلهى للملوك وكان سائدا في إيران القديمة شأنها شأن كل الأمم القديمة الأخرى ، إنه ظل الله هنا بعدله وتواضعه وشدته على نفسه ، المعنى هنا متعلق بالسلوك والأخلاق ، وكل ولى ظل الله ( هو في الحقيقة عند الصوفية بديل الإمام ) 


وعن أحاديث السلطان كظل الله أنظر الجامع الصغير 2 / 38 ومنها حديث السلطان العادل المتواضع ظل الله ورمحه في الأرض يرفع له عمل سبعين صديقا . وفي حديث عن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم : من أراد هيبة بلا سلطان وعزا بلا عشيرة فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله . ( جعفري 1 / 623 ) .
 
« 454 »
 
( 1427 ) : كان العلماء القدماء يعتقدون ان المشاعر مرتبطة بالتغيرات الفسيولوجية في الكبد ( استعلامى 1 / 284 ) .
 
( 1434 ) : هيبة الحق مرتبة من خوف الله يكون العبد شاعرا بها دون خوف من العقوبة بل مجرد إجلال لعظمة الخالق ، والمعنى هنا قريب جدا مما قاله الشاعر العربي :أهابك إجلالا وما بي خشية * عليك ولكن ملؤ عين حبيبها .وفي هذا إشارة أيضا إلى الحديث النبوي : « من خاف الله خاف كل شئ منه » ( مولوى 1 / 276 ) فمقام العوام : الخوف من التعذيب في النار ، ومقام الخواص : الخشية ، ومقام أخص الخواص :
الهيبة ، وإنما يفزعون من الحجاب والقطيعة ، وهذا النوع من الخوف ينشأ من القرب والمحبة ( منارات 381 ) .
 
( 1437 ) : السلام قبل الكلام ( أحاديث مثنوى / 17 ) " من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه " ( جعفري 1 / 623 ) .
 
( 1439 - 1442 ) : «إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» ( فصلت / 30 ) قال نجم الدين كبرى في تفسير سورة الأحقاف " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا بعد استقامة الإيمان في قلوبهم بجوارحهم على أركان الشريعة بأخلاق نفوسهم على آداب الطريقة بالتزكية بأوصاف القلوب على التصفية ، ويتوجه الأرواح على التخلية بالتخلق بأخلاق الحق ، فقالوا ربنا الله باستقامة الإيمان ، ثم استقاموا بالنفوس على الأركان ، وبالقلوب على الإيقان ، وبالأسرار على العرفان ، وبالأرواح على الإحسان ، وبالإخفاء على الأعيان ، وبالحق على الفناء بأنانيتهم ، والبقاء بهويته ، فلا خوف عليهم بالانقطاع " ( مولوى 1 / 277 ) إن الخطاب بعدم الخوف هبة من الله تعالى للخائفين ، وإلا فما حاجة الآمن إلى
 
« 455 »
 
الطمأنة ؟ ! أولئك الذين عبروا حال الخوف هم فحسب الذين لا يحتاجون إلى هذا الخطاب ، وندر من وجد منهم إلا أن يكون حاله تسليما كاملا ، فان العبد لا يأمن مكر الله وان كانت إحدى قدميه في الجنة .
 
( 1444 - 1448 ) : عمر رضي الله عنه بداية من هذه الأبيات يخوض في كل القضايا الصوفية التي يود مولانا الخوض فيها - ولماذا لا تتصور أن أحد الروم ممن كانوا يعرفون الفارسية كان يحضر مجلس مولانا ، وأن مولانا ساق هذه المعاني لهدايته ؟ ! إنه يحدثه عن الحق كرفيق ونعم الرفيق ، وعما يعطيه الله للخواص من خلقه أو الابدال بمصطلح مولانا ( انظر البيت 264 و 265 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، 


ثم حدثه عن المقام والحال : فالمقام كسب والحال عطاء ، والمقام ثابت ، والحال حسب الوقت يتنزل على الوقت فيحمله كما يحمل الروح الجسد ، والسؤال عن الحال محال لأن الحال هو فناء المقال ( كشف المحجوب ص 483 من الأصل 447 من الترجمة ) وعند مولانا آفة الحال إدراك المقال ( الكتاب الثالث بيت : 4738 ) 
 
والمقام هو إقامة الطالب على أداء حقوق المطلوب بشدة اجتهاد وصحة نية ، ويسكن الطالب إلى مقام مخصوص في النهاية ( كشف المحجوب أصل 484 ترجمة 449 ) ويفرق مولانا بأن الحال ظاهر ( كالعروس في ليلة الجلوة يراها عريسها وغيره من المدعووين ) والمقام مكتوم ( كالعروس ليلة الزفاف يراها عريسها فحسب ) 


ومن ثم فالصوفية أهل الحال كثيرون ، لكن أهل المقام قلة نادرة ، والمقامات هي أيضا مراحل الوصول ومنازل الطريق ( هي سبعة عند بعضهم وعشرة عند آخرين ومائة عند بعضهم وثلاثمائة عند آخرين وتصل إلى ألف منزل عند بعضهم ( استعلامى 1 / 285 ) .
 
( 1449 - 1455 ) : حدثه أيضا عن منازل الروح ( كأن مولانا كان يقدم هنا كل القضايا التي سوف يتناولها في المثنوى فالإحالات هنا أمر في غاية الصعوبة لأنها إحالات إلى كل المثنوى ) ،



« 456 »
 
والمقصود بمنازل الروح سيرها من مبدأ الوجود إلى منتهاه عند اتصالها بالله مرة أخرى ، وأجد منازلها ارتباطها بالجسد هنا ، فحدثه عن موطنها الأول عندما كانت كطائر العنقاء قوة وعظمة وبهاء من القرب ، بحيث لا تدركها همة طالب ولا نهمة مشتاق ، لقد انطلق عمر رضي الله عنه في الشرح لرسول الروم ، لأنه وجد رسول الروم وإن كان من الأغيار إلا أنه يحمل روح مشتاق ( وهكذا يشترط مولانا دائما ، ويقول إن الله تعالى يلقن الحكمة على لسان الواعظين بقدر همم المشتاقين ، أنظر الكتاب السادس ، الأبيات 1663 - 1670 وشروحها ) .
 
( 1456 - 1465 ) : يسأل رسول الروم : هذه الروح وقد شبهتها بهذا الطائر الخرافى المهول الذي لا يحده حد ، كيف هبطت من عليائها بحيث صار هذا الجسد المحدود قفصاً لها ؟ ! 
انها الكلمة الإلهية " كن " التي يعبر عنها مولانا هنا بالرقية أو العزيمة ، وهي التي تجعل الموجودات تسرع من العدم إلى الوجود بالكيفية التي يشاءها الله ويريدها أن تكون عليها ، 
وتماما عندما يريد أن يردها إلى العدم ، هذه هي كلمة الله السارية في كل الموجودات . يجعل بها الورد ضاحكا والحجر جوهرا والجسد روحا والشمس ساطعة حينا مصابة بالكسوف حينا آخر ، والسحاب ممطرا للدموع من المآقى ، والأرض ساكنة متواضعة تحت كل العناصر مطيعة لما أمرها عاكفة على إنجازه .
 
( 1466 - 1472 ) : أعمال الكائنات إذن تجليات للمشيئة الإلهية تأتى في ذهن الإنسان بتيار ، هذا التيار الذهني يؤدى إلى أعمال الجسد ، ثم إن هناك من البشر من لا يبين الله سبحانه وتعالى في بواطنهم إعمال أرادته بشكل واضح ، وكأن الله سبحانه وتعالى قد قرأ على قلبه اخذ المعميات والألغاز فيبقى في تردد : أيهما يقوم به ؟ وأيهما يفعله ؟ 
والخروج من هذا التردد يتم أيضا بعناية الله سبحانه وتعالى ، لكن العبد أيضا عليه مهمة : وهي ان يقلل من الاشتغال بأمور الدنيا ، أو بتعبير مولانا حشو أذن الروح بالقطن وإن لم يكن ثم اشتغال بأمور الدنيا فإن أذن الروح تستطيع



« 457 »
 
أن تستمع إلى وحى الحق ( انظر البيت 226 من الكتاب الذي بين أيدينا ) الروح ذات عين وأذن غير عين الجسد وأذنه ، وهما مفلسان مفتقران إلى سماع هذا الوحي . ( استعلامى 1 / 287 ) وفي حديث نبوي " للقلب عينان وأذنان " فإذا أراد الله تعالى بعبد خيرا فتح عينيه اللتين في قلبه . ( فروزانفر : شرح ص 547 ) 
 
( 1473 - 1483 ) : يعود مولانا إلى المشكلة التي يتناولها مرارا : الجبر والاختيار . ويرى مولانا أنه طالما كان السالك في الطريق لم يصل بعد إلى الحق ، فإن الجبر يضلله ويحطمه ويؤدى به إلى الكسل ( انظر 947 و 1076 من الكتاب الذي بين أيدينا وانظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس ) هذا الجبر هو جبر العامة ، وهذا النوع من الجبر لا يتحمله العشق 
( والعشق في الحقيقة هو حلال كل التناقضات في نظر مولانا جلال الدين ، أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) فجبر الخواص هو نوع من المعية ، معية الحق ، انه كسطوع القمر مبدٍ للطريق ، وليس كالسحاب يأتي بالظلمة ، إن جبر الخواص يفتح في قلوبهم بصيرة ، بصيرة ترى الغيب وتعرف الأثر ، 
فلا ذكر لماضى ولما قدر منذ الأزل ، فقلوبهم متصلة بالعلم الإلهى ، وجبرهم هو العشق الإلهى ، لأن شرط المحبة التسليم ، وإذا أردت أمثلة على الفرق بين جبرهم وجبر العوام أقول لك :
الفرق هو الفرق بين الدر وبين قطرة الماء التي كونت الدر ، والفرق بين دم الغزال وبين المسك ( والمسك بعض دم الغزال ) ، ان ظاهرنا دم لكن باطننا مسك ، وكالفرق بين النحاس والجوهر ، الجبر عندك أنت مجرد وهم وتصور وفكرة ، لكنه عندنا نور ، نور جلالي ، وشتان ما بين المفهومين .
 
( 1484 - 1489 ) : فان قلت كيف يتحول الخيال والوهم عندي إلى نور جلالي عندك ؟ ! أقول لك : ألست ترى الخبز على المائدة مجرد جماد في حين أنه يتحول في أجساد الناس إلى روح ؟ ( وفكر
 
« 458 »
 
وذكر في موقع آخر ) ، إنه لا يتحول على المائدة ، بل تحوله الروح ، فإذا كانت هذه هي قدرة الروح ، فما بالك بقدرة روح الروح ؟ ! ! دعك من هذا فربما يكون فوق قدرة فهمك ، وانظر إلى الإنسان : أليس هو في رأيك مضغة من اللحم ؟ أبها يا ترى يشق البحر والجبل ؟ ! أو بما ركب عليها من عقل وروح ؟ هذه قدرة الروح ، فكيف تشك في ان قدرة روح الروح تشق القمر ؟ ! ! ( الروح والعقل صعدا إلى القمر ! ! ) ، ولو أنصت إلى هذا الحديث وفتحت خزانة السر لصعدت بالروح إلى ما فوق العرش مسرعة منطلقة كأنها من غزاة الترك .
 
( 1490 - 1497 ) : يقارن مولانا بين فعلين - وهو لا يزال يخوض في قضيته المعضلة - إرادة الله وإرادة العبد - هناك فعل واضح هو فعلنا ، وفعل خفى هو فعل الحق ، فإن أثبتنا الفعل لنا ، فلا معنى لأن تسأل أحدا : لما ذا فعلت هذا الفعل ؟ ! 
وفي كل الأحوال نحن مخلوقون لله ، وأفعالنا من آثار خلقه ، وهناك مواضع أخرى في المثنوى ( مجموعة في مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس ) يصر مولانا فيها بالحكايات والأمثلة والإقناع على أن الإنسان مختار في فعله الشخصي مع نسبة الأفعال إلى الله ، وفعل الله يدير حياته ككل ، لكن الإنسان مختار في تصرفاته وأفعاله الجزئية ، وإلا لما كان للثواب أو العقاب من معنى - ويرى الأستاذ فروزانفر أن مولانا في هذه الأبيات يتبنى عقيدة الأشاعرة أن لتصرفات الإنسان عاملا أو داعيا باطنيا يدعوه فيجرى الله الفعل على يده ونسبة الفعل إليه قيام لا صدور وخلق الفعل من الله تعالى ( شرح / 559 - 561 ) ، 


وفي تفسير للشيخ الأكبر " قوله : اتقوا ربكم : أي اجعلوا ما ظهر معكم وقاية لربكم واجعلوا ما بطن منكم وهو ربكم وقاية لكم ، فإن الأمر ذم وحمد ، فكونوا وقاية في الذم واجعلوه وقاية في الحمد تكونوا أدباء عالين ، ، أنقروى 1 / 311 . 
ويذكر مولانا مثالا آخر : إن الناطق إما أن يهتم بألفاظه أو بمعانى هذه الألفاظ ولا يستطيع ان يجمع بينها ، أن يرى ما هو امامه وما هو خلفه في وقت
 
« 459 »
 
واحد ، الله فحسب هو الذي يحيط بكل شئ «وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً» ( النساء / 126 ) وفي قول للإمام على ( لا يشغله شأن عن شأن ) ( استعلامى 1 / 289 ) .
 
( 1498 - 1503 ) : هنا موقفان يثبتان على مولانا الجبر - وإن كان قد تحول عنه تماما وخصوصا في الكتاب الخامس : موقف إبليس الذي نسب ذنب ضلاله إلى الله تعالى علوا كبيرا - قال "فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ( الأعراف / 16 ) ، وآدم الذي اعترف أن الذنب ذنبه (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) ( الأعراف / 23 ) ،
 وفي رأى مولانا أن إبليس وآدم كانا يعرفان مسئوليتهما المباشرة عما حدث ، لكن إبليس اخفى فعله ، وآدم ابدى فعله تأدبا مع حضرة الحق مع علمه بأن كل ما جرى إنما جرى بمشيئة الحق وقضائه وقدره ، ومن ثم عفى عنه . فآدم في رأى مولانا هو مثال على الإنسان الكامل الذي لا يتنصل من مسؤولية عن فعله .
 
( 1510 - 1518 ) : يضيق مولانا بأنه انغمس ثانية في مناقشة عقلية ( عندما ذكر مثال الذي يتحرك يده ارتعاشا اى بلا إرادة منه والذي يحرك يده عمدا ) وذكر أستاذنا كفافى ( 1 / 504 ) أن المثل هنا منقول عن الكلاباذي من التعرف . ويرى أن المبحث العقلي قد يكون مفيدا ، إلا أنه مهما بلغ " مرتبة الدر والمرجان " فان المبحث الروحي من نوع آخر ، إن المبحث العقلي قد يكون ضعيفا ، 
لقد كان عمر وأبو الحكم كلاهما يحكمان العقل في الحكم على الرسول صلى اللّه عليه وسلّم وعلى رسالته ، ولما ترك عمر المبحث العقلي إلى المبحث الروحي ، أصبح عمرا الفاروق ، بينما ظل أبو الحكم على ديدنه من إنكار الروح فانقلب إلى أبى جهل ، وبحث العقل إما أنه من آثار الحقيقة الإلهية ، أو من أسباب مقدمات الوعي واليقظة والوصول إلى معرفة الحق ، وإن سطع نور

 
« 460 »
 
الروح فلا حاجة إلى المصباح وما يقتضيه من مصطلحات ، والبصيرة ذات النور متى كانت في حاجة إلى عصا ؟ ! ! إنما يحتاج الأعمى العصا ! ! 


( 1519 - 1524 ) : عودة إلى سياق القصة ، وإن كان مولانا يعترف بأنه لم يترك القصة حتى يعود إليها ، فالقصة الحقيقية التي لا يتركها أبدأ هي علاقة الإنسان بالله ، والله معنا حيثما كنا ( آية العنوان من الحديد / 4 ) ، كما قال صلى اللّه عليه وسلّم : كان الله ولم يكن معه شئ ، وقال الجنيد : الأن كان كما كان . ( انقروى 1 / 317 )
 مشيئته معنا ، إرادته تسوقنا ( هذه معية مع الحق وليست جبرا ، أنظر 1474 )
 فإن تحدثنا عن الجهل ، فالجهل سجن لمن استوجب قهره ، وإن تحدثنا عن العلم فالعلم إيوانه لمن يستحقون لطفه ، وإن غبنا فنحن سكارى بعشقه ، وإن صحونا فنحن في يده ، وإن بكينا فنحن سحابه ، وإن ضحكنا فنحن في بسطه ، وإن غضبنا فنحن في قهره ، وإن كنا في سلام فنحن في لطفه ، نحن كحرف الألف لا يضاف إليه شئ ( الألف لا شئ عليها في كتب ارجوزات تعليم الأطفال القديمة - جولبنارلى 1 / 177 ) .
 
( 1525 - 1537 ) : سؤال رسول الروم : في الحقيقة هو تتمة للسؤال الذي ذكره في البيت رقم 1456 ، ما الحكمة إذن في حبس الروح الصافية في البدن الكدر ؟ ! ! 
ويجيب عمر : إن هذا البحث بحث عميق ، لا يجوز الكشف عنه ، فرؤية الروح لم يسمح بها لإنسان ، وسر الروح لم يسمح به لبشر « قل الروح من أمر ربى » ، وأية ألفاظ تستوعب شرح هذه النقطة الدقيقة ، تريد أن تعبر بالألفاظ عما لا يعبر عنه بالألفاظ ، وأنت إن كنت طالبا للفائدة ( والمعنى ورد في معارف بهاء ولد ص 199 ) ،
 فهذه الفائدة محجوبة عنك ، والله تعالى هو العليم بما يسوق لنا من فوائد وسؤاله عنها من قبيل الاعتراض ، فإن لم يكن لقولك فائدة لا تقله إذا اقتنعت بان الله سبحانه وتعالى لم يخلق شيئاً عبثا ، فبدلا من أن تعترض أشكر ، أشكر شكرا حقيقيا ، لا أن تخفى الاعتراض وتقول بوجه
 
« 461 »
 
عبوس ( الحمد لله ) ( عن الشكر وإمارات الشكر ، أنظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1739 - 1759 وشروحها ) .
 
( 1538 ) : يشكو مولانا من أن المعنى في الشعر غالبا ما يكتنفه الغموض ويقول في البيت 1737 من الكتاب الذي بين أيدينا : إنني أفكر في القافية ويقول لي حبيبي لا تفكر إلا في لقائي ، وفي موضع آخر ( الكتاب الثاني ، مفتعلن مفتعلن قتلتني ) ، ومن ثم يتعلل مولانا برغم هذا التدفق بأن الضرورة الشعرية تمنعه كثيرا من حرية التعبير ، والواضح أن الأبيات السابقة تدل على تهرب عمر رضى اللَّه عنه من الجواب على رسول الروم عن سؤاله حول الروح .
 
( 1539 - 1556 ) : العبارة في العنوان منسوبة إلى أبى بكر الطمستانى والحديث عن صحبة رجال الله والكلام معهم وكيف يؤثران في المرء - حتى ولو كان كافرا - فها هو رسول الروم ينقلب إلى عاشق واله متيم فلا تبقى الرسالة في ذاكرته أو السفارة ، وما ذا في هذا ؟ ! 
أليست الحبة تزرع في المزرعة فتتحول بعدها إلى مزرعة ؟ ! ! 
وأليس الخبز يدخل في جوف الإنسان فيصبح روحا ، والحطب يدخل النار فيصبح نارا ؟ ! ! 
وحجر الأثمد يكحل العين فيصبح نورا ؟ أليس الولي في النهاية نفسا من أنفاس الله ؟ ومن ثم فهو حي أبدى الحياة ويهب الحياة الأبدية لمن يتصل به ؟ ! ! 
لكن أهل الدنيا أموات ، فلا تجالسوا الموتى قيل ومن هم قال : الأغنياء ( حديث نبوي ، أحاديث ص 156 ) فإن لم تجد فأمامك القرآن الكريم فهو عبارة عن أحوال الأنبياء « كان خلقه القرآن » ( والمعنى بنصه ورد في معارف بهاء ولد ص 429 ) ولا بد أن تكون قابلا له ، ومن المحال أن تجالس الأنبياء دون أن تتعلم منهم شيئا ، فإنك إن تعلمت ضاقت روحك بقفص الجسد ، وتاقت إلى الخلاص مما يكبلها من شهوات ، إذن لأسفر لها الدين عن وجهه ولقادها في طرقه ، ولست أقصد الموت ، بل الموت قبل الموت ( انظر لتفصيلات مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث البقاء في

« 462 »
 
الفناء ) وعليك ان تجعل نفسك شاكيا وباكيا مريضا ، حتى لا تصاب بلعنة الشهرة بين الخلق ، مما يبعدك عن الطريق ويقعدك عنه ( تسود الفضة لتختفى عن العيون ولا يطمع فيها اللصوص ، ويسور البستان بسور من الشوك ، ويوضع الكنز في الخرابات ويعبس الصوفي لكي ينصرف الناس عنه . . . صور تكررت كثيرا عند مولانا جلال الدين . . . 
وكلها غيرة من الله سبحانه وتعالى على الجمال والحق من أن يضيع بين الغوغاء ومن ليسوا له بأهل ) .
.

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا




عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الأبيات من 1557 - 1922 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 7:03 pm

الهوامش والشروح الأبيات من 1557 - 1922 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح الأبيات من 1557 - 1922 على منتدى عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح الأبيات من 1557 - 1922 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح قصة التاجر الذي حمله ببغاءه الحبيس رسالة إلى ببغاوات الهند 
( 1557 ) : القصة التي يبدأ بهذا البيت فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 18 - 19 ) من القصص التي كانت شهيرة في زمن مولانا ، أشار إليها الشاعر الخاقاني في منظومة ( تحفة العراقين ) ورواها أبو الفتوح الرازي في تفسيره لعلاقات سليمان عليه السلام وحكاياته مع الطيور ، كما نظمها فريد الدين العطار في أسرار نامه بشكل يوحى بأنها كانت المصدر المباشر لمولانا جلال الدين . . .
والقصة هنا في موضعها وتتصل بالأبيات السابقة . . . فالببغاء ما دام حيا يغنى كان سجينا في القفص ، وعندما تظاهر بالموت ، نال الخلاص .
 
( 1562 - 1567 ) : يقص الببغاء آلام الفراق - مثل الناى في مقدمة الكتاب ، أو مثل مولانا جلال الدين نفسه في أكثر من موضع من المثنوى ( انظر أوضح مثال في قصة العاشق البخاري الأبيات 3690 - 3701 وشروحها من الكتاب الثالث ) تراه كان مولانا جلال الدين نفسه يحن إلى موطنه على الأرض . . . كانعكاس لحنينه إلى موطنه الأصلي في السماء ؟!! لا يستبعد ، فإن تعبيراته عن سمرقند وبخارى وما وراء النهر موطنه الأصلي تفيض رقة وعذوبة وشوقا ، ومن ثم فالببغاء هنا يتحدث بلسان مولانا والهند هي الموطن الأصلي الذي يحن إليه مولانا والبيت 1574 يذكر بإحدى رباعيات الخيام إذا فعلت السوء وجازيتى بالعقاب فأي فرق إذن بين وبينك ، وإن كان جولبنارلى يرى أنها مدسوسة على الخيام ، وأنها وردت في ديوان فخر الدين العراقي

« 463 »
 
كما استشهد بها شمس الدين التبريزي في مقالاته ( 1 / 200 ) ( 1568 - 1575 ) : لا يزال الببغاء الحبيس يملى رسالته على التاجر المسافر إلى الهند ، ويزيد في وصف شوقه ومسكنته وهو في الحبس ، ويطلب منهم ان يتذكروه في خمر الصباح ، وان يشربوا كأسا على ذكراه عند شربهم من شراب الموطن ، ويهرقوا منها جرعة على الأرض مصداقا لقول الشاعر العربي :
شربنا وأهرقنا على الخمر جرعة * وللأرض من كأس الكرام نصيب
وتختلط رسالة الببغاء بأنظار صوفية مما يقطع بأن المشتاق هو مولانا جلال الدين ، وأن الشوق قد برح به ، بحيث يصور نفسه بأنه يحتسى الدم ، ويخاطب محبوبا جميلا مدلا : أيجزيه بالفراق على سوء العبودية فأين عفو السيادة ؟!! ويتمنى منه ان يرد ولو بالرد الغليظ ، فإن مجرد سماع الصوت أكثر طربا من السماع الصوفي ومن أنين الصبح . . .
 
( 1576 - 1584 ) : الخطاب لا يمكن إلا أن يكون للمعشوق الأوحد الذي يحلو جوره وجفاؤه لأنه منه ، فنارة نور ، ومأتمه عرس ، وجوره كله ملىء باللذة - أليس - الجور في حد ذاته التفات ؟
ومن لم يرض بنار الحبيب حرمت عليه جنته ، أو كما قال ابن الفارض :
وكل أذى في الحب منك إذ بدى * جعلت له شكري مكان شكايتى
وما كل بي من محنة فهو محنة * وقد سلمت من حل عقد عزيمتي
ومنك شقائى بل شقائي منة * وفيك لباس البؤس أسبغ نعمة
أو كما قال الشبلي : البلاء هو الغفلة عن البلى . 
أو كما قال القشيري : وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه : النعم الظاهرة المحبة والولاء والنعم الباطنة البلاء ، لأن البلاء يورث الفناء والفناء يورث اللقاء والبقاء ) ( انقروى 1 / 329 ) . ومن هنا فهو عاشق للقهر ، راض من البستان

« 464 »
 
بالشوك ، نائح كالبلبل إن حرم منه ! ! ! اى بلبل ؟ ! ! إن العاشق لا يمكن أن يكون بلبلا ، إنه تمساح ناري يحتمل هذا الجور وأضعافه ويرضى به ، وفي هذا الرضا ينتقل إلى الفناء التام في المعشوق ( انظر مقدمة الترجمة العربية الكتاب الثالث ، البقاء في الفناء ) .
 
( 1585 ) : يرى مولانا العقول الإلهية ( أي الباحثة عن الله سبحانه وتعالى ) بمثابة طيور ذات أجنحة تستطيع الطيران إلى الله ، وتكون جديرة بمعرفته . ويصفها هنا بأجنحة طيور العقول الإلهية ، ولا جدال في أن هذا الوصف هو وصف للشخصيات التي سوف يتحدث عنها فيما بعد ، ويعرفنا بهذا العنوان عن الروح وهي كالببغاء تريد أن تتصل ببغاوات هذا الغيب ، وتفنى حياتها الجزئية في الكل . . . والطيور هي الأرواح العاشقة للحقيقة . . . وقد جرى الحديث عنها وعن حبسها في أقفاص الأجساد عند مولانا وعند كثيرين قبله ( أبو حامد الغزالي وأحمد الغزالي لكل منهما رسالة عن الطير ) وتشبيه الروح بالطائر ورد أيضا في عينية ابن سينا الشهيرة . . . ولها جذور في المأثور العربي . . . والروح هنا جوهر مجرد حلت في الجسد حلولا مؤقتا وبعده تغادره ( شرح فروزانفر ص 628 ) ويرى المولوي ( 1 / 301 ) أن الروح المقصودة هنا هي الروح القدسية وهي مخصوصة بالأنبياء وبعض الأولياء ، فتكون فيها لوائح الغيب وأسرار التجلي ، والطيور الإلهية عبارة عنها ، والعشق والشوق والبكاء والأنين أجنحتها تطير بها من هواء الهوية إلى فضاء الأحدية ، وأدنى مراتبها التفرج في رياض جنات النعيم . أخرج مالك في الموطأ واحمد والنسائي بسند صحيح عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم قال « إنما قسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه إلى جسده يوم بعثه " ولو كانت أرواح العشاق بعد في أجسادها لأنها لم تخرج من أبدانها بالموت الحقيقي ، لكنها بفنائها لبشريتها كانت مظهر « موتوا قبل أن تموتوا » ، فبعد موتها المجازى ولو كانت بحسب الظاهر ترى انها أسيرة قفص

« 465 »
 
الوجود الإنسانى لكن حصل لها وسعة بأنه إذا وضع جملة الكون في زاوية بقلبه لمحى وما علم بأي جهة كان » .
 
( 1586 - 1593 ) : يصف مولانا الطيور الإلهية بأنها ضعيفة في الظاهر لكنها ذات قدرة قاهرة في الباطن لا تقل عن قدرة سليمان عليه السلام ، وهي قدرة الحق التي تجلت فيه « فبى يسمع وبي يبطش وإن سألني أعطيه وإن استعان بي أعنته » ، إنه مستجاب الدعوة ، ودعوته مقرونة بلبيك من الله تعالى عند الإجابة ، وزلته أفضل من طاعة العوام ، لان طاعة العوام تقليد ، 
ولذا قال الشبلي ( طوبى لمن مات في كفره ) لقياس أحواله على المجانين وإلحاقه بهم ( مولوى 1 / 302 ) . . . وهو في معراج إلى الخالق في كل لحظة ، وفي معيته ، متمتع بقربه ، وإن كان جسده فوق التراب ، فإن روحه عند رب الأرباب ، تأتيه الرسائل من اللامكان الذي لا يأتيك منه إلا الأوهام والتصورات ، مما وراء السماوات السبع وفلك الأفلاك . . . لكن ما أقوله كله مجرد خيالات بالنسبة لك ، لكنها واقع محسوس بالنسبة له وتحت سيطرته ، مثلما تكون انهار الجنة الأربعة تحت سيطرة ساكن الجنان .
 
( 1606 - 1612 ) : عن اللفظ الذي يطلق خبط عشواء يتحدث مولانا جلال الدين : رب لفظ أحرق عالما ، ولفظ آخر قد يبوح به شيخ لسالك غير ناضج فيكون فيه هلاكه هو ، ورب لفظ آخر يبوح به لسالك فيحوله من ثعلب متماوت إلى أسد هصور . . . والأرواح من خاصيتها أنها تحيى الموتى مثل عيسى ، لكنها أيضا قد تقتل إن تعلقت بأدران الدنيا ، وران عليها خبثها ، ولو أن الحجاب رفع عنها لكانت محيية على الدوام . على كل حال : حتى إن كان الكلام الذي تريد ان تقوله كالسكر فاصبر . . . ولا تغرنك حلواه فبعد الحلوى تكون الحمى ( هكذا يعتقد الفرس أن أكل الحلوى بكثرة يؤدى إلى رفع الحرارة ) ، فالصبر قوة العارفين ومشتهاهم ومره حلو في أفواههم ،

« 466 »
 
وبالصبر تبلغ ما تريد ، حتى ذروة الفلك ، وإن تسرعت من أجل الحلوى أي من أجل ما يتكشف لك في الطريق تسير القهقرى في الطريق .
 
( 1613 - 1624 ) : البيت المذكور في العنوان ورد في ديوان فريد الدين العطار ( انظر مقدمة الكتاب الذي بين أيدينا ) في غزلية مطلعها :
أي علم لي بأن هذا البحر الذي لا نهاية له يكون هكذا يتحول بخاره إلى سماء وزبده إلى أرض ( من ديوان فريد الدين العطار ، بتحقيق سعيد نفيسى ، ص 224 ، ط 3 ، تهران 1339 ه . ش ) .
وفكرة صاحب القلب الذي يشرب السم عيانا من الأفكار التي ترد كثيرا عند الصوفية ، من أن صاحب القلب " رجل الطريق ورجل الروح " لا يصيبه أذى مما يصيب الآخرين منه أذى . . .
فجسده تحت سيطرته تماما ، وفي ذلك أيضا إشارة إلى ما روى أنه بعد فتح المدائن حمل إلى عمر ضمن غنائمها قارورة فيها سم ، قيل له أن من شرب نقطة منه مات لتوه ، فحمل خالد بن الوليد القارورة ورفعها إلى فمه قائلًا : « بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ » وشربها ، ولم يصب بسوء ، فهو كما يقول مولانا قد وصل إلى صحته الكاملة ، أما الطالب فهو لا يزال يمرض ويصح ، والرسول صلى الله عليه وسلّم قد أمر الطالب بعدم المراء أمام مطلوبه . . . بل عليه بالطاعة الكاملة ( يشير جولبنارلي 1 / 202 إلى الحديث : لا تتمنوا لقاء العدو ، وإذا لقيتموهم فاصبروا - والمعنى فيما يبدو بعيد ) الطالب طالب والشيخ شيخ ، واعلم أن في داخلك نفسا هي أشبه بالنمرود ملقى الأنبياء في النار ، فلا تستمع إليها ما دمت لم تصل بعد إلى مقام إبراهيم عليه السلام ، واعلم أن بحار الطريق عميقة تحتاج إلى سباح ماهر ، وأنت أدرى بنفسك ، فإن لم تكن رجل بحر لا تخاطر بإلقاء نفسك فيه ، وأن هناك فرقا بين الكمل الواصلين وبين من لا يزالون في



« 467 »
 
أوّل الطريق ، فالتراب يتحول في يد الكامل إلى ذهب ، والذهب يتحول في يد الناقص إلى تراب ، ويد الكامل هي يد الله « كنت يده التي يبطش بها » قال الشيخ الأكبر ( ولا بد من إثبات عين العبد في الفناء في الله وحينئذ يصح ان يكون الحق سمعه وبصره ولسانه ويده ، نعم قواه وجوارحه بهويته على المعنى الذي يليق به ، وهذه نتيجة قرب النوافل ، وأما قرب الفرائض أن يسمع الحق بك فتكون آلته ( عن مولوى 2 / 306 ) أما يد الناقص فهي يد الشيطان تفسد كل ما تلمسه ، والكامل يستطيع أن يخرج من الجهل ( مما يراه في الجاهلين ) علما ، أما علم الناقص فآلة فساد وإفساد وتخريب " كمصباح في يد لص " . . . وكل شئ أمام المريض يصاب بالمرض .
ومن يك ذا فم مر مريض * يرى مرا به الماء الزلالا
والكفر إن سقط في يد الكامل تحول إلى إيمان . . . فحذار لا تتطامن برأسك إلى مستواهم . . .
فما ذا يفعل الراجل إلى جوار الراكب .
 
( 1625 - 1630 ) : موسى والسحرة ، علم النبوة ومعجزة النبوة والسحر ، الفرق بينهما مثل الفرق بين علم الكمل الواصلين ، وعلم الجهال الذين لا يزالون في أول الطريق . ويلتفت مولانا إلى نقطة مهمة أن السحرة قاموا بتعظيم موسى ، فدعوه إلى أن يبدأ هو« قالُوا : يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ قالَ : أَلْقُوا »( الأعراف / 115 - 116 ) وهذا القدر اليسير من الاحترام هو الذي قادهم إلى طريق التوبة وإلى طريق الدين وإلى التضحية بأيديهم وأرجلهم ( لتفصيلات أنظر الكتاب الرابع ) .
 
( 1632 - 1641 ) : يتوسل مولانا بمثال آخر لبيان الفرق بين الكامل الواصل والجاهل المبتدىء . فالسمع هو أداة التعلم ، والكامل المتصل بالحق في حكم اللسان ، وعلى من لا يزال في أول الطريق أن يستمع فحسب ، والسالك كالطفل ينبغي أن يسمع أولا حتى يتعلم بعد أن يستمع إلى



« 468 »
 
كثير من الألفاظ ، ويحاول تقليدها ، هذه كلها بدهيات ، أن تأتى البيوت من أبوابها ، أن تتعلم النطق عن طريق السمع ، وثمة كلمات ليست موقوفة على طريق هذا السمع هي كلمات الله سبحانه وتعالى ، فهو المبدع وكل ما هو موجود من إبداعه هو لم يعلمه إياه أستاذ ، وما سوى الله في الحرف وفي المقال في حاجة إلى أستاذ 
( 1642 - 1648 ) : هيا إذن وخذ منى الوسيلة ، إن لم تكن غريبا عن هذا الكلام ، فإن هذا الكلام يؤثر فيك ، وإلا لا فائدة ، تعال إذن وخشن ملبسك ، إلبس الخرقة . . . وإبك . . . فهذه كانت وسيلة أبيك آدم عليه السلام للتوبة عن ذنبه العظيم . . . ( بكى مائتي سنة وامتلأت البحار من دمعه ) ( استعلامى 1 / 199 ) . . . واستمع إلى قول الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( عينان لا تمسها النار أبدا ، عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله ) ( جامع 2 / 67 ) ( ولتفصيلات عن قيمة الدمع ، أنظر الكتاب الخامس ، الأبيات 1597 - 1609 وشروحها ) .
 
( 1649 - 1658 ) : النصيحة الثانية في طريق الكمل الواصلين : أطب مطعمك تستجب دعوتك ، والأولى أن تخلى بطنك ، فإن أخليت البطن ملأت القلب ( مولوى 1 / 311 ) ولذائذ الدنيا هي لبن الشيطان تقوى في داخلك الشهوات ، والشهوة مادة كل فتنة ، وروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلّم « أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام ، فقال : يا عيسى تجوع تراني . . . تجرد تصل إلىّ » ( منارات / 324 - 325 ) والبيت 1654 ناظر إلى قول سهل بن عبد الله التستري " لما خلق الله الدنيا جعل في الشبع المعصية والجهل ، وجعل في الجوع العلم والحكمة " ( منارات / 325 ) . . . وقال صلى الله عليه وسلّم « من أجاع بطنه عظمت فكرته وفطن قلبه » ( إحياء 3 / 82 ط الحلبي ) ويصور مولانا أن الطعام الذي ينيم الفكرة ليس زيتا بالنسبة لمصباحنا لكنه ماء ، لكن مولانا لا ينص هنا على الجوع بقدر ما ينص على كون اللقمة حلالا " فإن العبادة مع أكل الحرام كالبناء على أمواج

« 469 »
 
البحر " كما قال الإمام الغزالي ( إحياء 3 / 86 ) فلقمة الشبهة ظلام للقلب وقيل " من أكل الشبهة أربعين يوما أظلم قلبه ( إحياء 2 / 92 ) وقى البيت 1658 إشارة إلى قول أبى طالب المكي ( قوت القلوب 2 / 195 ) ان ملأ البطن يمنع من الذكر .
 
( 1668 - 1670 ) : يقر التاجر بأنه نقل رسالة الببغاء إلى رفاقه في الهند جهلا ، لكن اللسان أفلت :وجراحات السنان لها إلتيام * ولا يلتام ما جرح اللسانلقد أنطلق السهم ولا فائدة من الندم ، إنها اندفاع العقل والكلام حين يستحب الصمت ( بتعبير سعدى ) ( استعلامى / 1 - 301 ) .
 
( 1671 - 1678 ) : وكل فعل يبدر منا يؤدى إلى فعل آخر ، وكل حركة يقوم بها حرفى تستتبع حركة أخرى . هذه المواليد تتأتى من الغيب ، ولا سيطرة للإنسان عليها وإن نسبت إليه ( انظر 1490 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ولا يزال مولانا في كتابه هذا على الأقل المؤمن المخلص بآراء الأشاعرة ، فالعمل وآثار العمل كلاهما من خلق الله سبحانه وتعالى ويضرب مثلا : فإذا رمى زيدٌ عمر بسهم ، ثم مات لتوه - اى زيد - من الوجل ، ومات عمرو بعده بعام بآثار سهم زيد ، فهل يمكن ان تطلق على زيد صفة المميت ؟ ! وهل يتأتى فعلٌ من ميت ؟ ! ومن ثم فكل عمل يمارسه الإنسان مولود من قدرة الحق .
 
( 1679 - 1687 ) : وأولياء الحق تتجلى فيهم قدرة الحق ، ومن ثم تصدر منهم أفعال لا توزن بموازين هذا العالم المادي ، فإذا كانت الأفعال من الحق فكيف تكون لها علاقة بموازين هذا العالم الدنيوي ؟ لكن لو أن قدرة الله صرفت النظر عن إيجادها تستطيع أن يسيطر على بواطن المريدين بقوة المشايخ والرجال الكمل ، فيمحى ما قد قالوه وسمعه المريد من خاطر المريد ، والله سبحانه

« 470 »
 
وتعالى قال في كتابه العزيز «ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها» ( البقرة / 106 ) وقال «أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي» ( المؤمنون / 110 ) فإذا كان قد أسند فعل النسيان إلى غيره ممن لم يصل إلى درجة من الكمال فما بالك بالمؤمنين والمشايخ وأولياء الله ؟ ! قال الشيخ الأكبر : من جلس مع الصوفية وخالفهم في شئ مما يتحققون به نزع الله الإيمان من قلبه ، ويعلق المولوي ( 1 / 316 ) ما كان هذا النزع إلا بتصريف الله أولياءه في قلوب عباده .
 
( 1688 - 1690 ) : وصاحب القدرة المادية مالك على أجساد الرعية ، أما صاحب القلب فهو مسيطر على القلوب ، وهو صاحب قلب ببصيرته النافذة المسيطرة ( أنظر البيت 1337 و 1416 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ويعلق مولانا بأن الأمر ما دام رؤية فليس جديرا بقلب الإنسان إلا إنسان العين على صغره ودقته ، وفي بيت من الأبيات التي زادها جعفري : إن الناس يرون صاحب القلب صغيرا كإنسان العين في حسن انه يرى عالما ( ج 1 / 726 ) وانظر هوامش النص ) وينقل أستاذنا كفافى عن ابن العربى في شأن الإنسان " وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر المعبر عنه بالبصر ، فهذا اسمى إنسانا ، فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم ) ( كفافى 1 / 509 ) ويتوقف مولانا عند هذا الحد ، فبعده لن يستطيع أن يفصح ، إذ يمنعه أصحاب الصدارة ، وأصحاب الصدارة هنا قد تعنى كبار المشايخ الذين حذروا من البوح بالأسرار أمام غير أهلها ، أو أصحاب الصدارة من أرباب السلطان الذين يترصدون المشايخ ويأخذونهم بأقوالهم التي يفهمونها على ظاهرها ( انظر 1416 - 1417 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 1691 - 1700 ) : ذكر الإنسان ونسيانه من لدن الله تعالى بلا واسطة أو بواسطة الكمل من الرجال بواسطة مباشرة ، وفي هذا يقول ابن العربى " يتجلى الحق لمرآة قلب الولي الكامل فتنعكس الأنوار من قلبه إلى العالم ، فيكون العالم باقيا محفوظا بوصول ذلك القصد إليه ، فلا يجسر أحد من


« 471 »
 
العالم على فتح الخزانة الإلهية والتصرف فيها إلا بإذن هذا الكامل ، لأنه هو صاحب الاسم الأعظم ولا يخرج من الباطن إلى الظاهر معنى من المعاني إلا بحكمه ، ولا يدخل من الظاهر في الباطن شئ إلا بأمره ، وإن كان يجهله أحيانا عند تجلية البشرية عليه ( انقروى 1 / 348 ) بواسطة مباشرة ، إذ يفرغ أوعية القلوب كل ليلة من مئات الأفكار والفكر والذكر والمشاغل والحرف والتفكير في النفع والضر ( انظر الأبيات 390 - 392 من الكتاب الذي بين أيدينا ) أي يفرغها مما يشغلها طوال النهار من هموم ومشاغل ، هذا هو النسيان ، ثم تعود كل حرفة وكل فن وكل هم إلى صاحبه بمجيء النهار ، . ولأن النوم هو أخ الموت أو الموت الأصغر فقس أحوال القيامة على ذلك " الناس كما يعيشون يموتون وكما يموتون يبعثون " و " يبعث المرء على ما مات عليه " . . .
ويضيف مولانا أن الحرف والصنائع تعود إلى أهلها في الصباح ، بما زاد عليها في منتجعها . . .
وهي فكرة ذات دلالة عظيمة ، فإن كل صباح تضاف إلى أرباب الحرف والفنون خبرة فوق خبرة . . . فمن أين جاءت إذن ؟ ! ! 
 
( 1710 - 1714 ) : اللسان جامع المتضادات : فهو بيدر للذكر والعبادات وهو أيضا بز لله حارق لهذا البيدر ، إنه الكنز ( تحت العرش كنز مفاتيحه ألسنة الشعراء ) وهو أيضا الألم الذي لا دواء له ، " ولا يلتام ما جرح اللسان " وهو أيضا الصفير الذي يخدع به الصياد الطيور ! ! ولذا قال الإمام علي رضي الله عنه " ما سلامة الإنسان إلا في حفظ اللسان " واللسان صغير الجرم كبير الجُرم ، والبلاء موكل بالمنطق ( انقروى 1 / 352 ) فكيف الأمان منك أيها اللسان وأنت نفسك بلا أمان ؟ ! ! إن الروح تستمع إلى الكلام منك ، ولذلك فهي في تعب دائم من جرائك - وها أنت والكلام على لسان التاجر - قد ضيعت منى طائرى ، فهل ثم ظلم تلحقه بي افدح من هذا الظلم ؟ ! 
 
( 1715 - 1721 ) التفجع ليس من أجل الببغاء الذي مات في الهند ( أو على الأصح تظاهر


« 472 »
 
بالموت ) أو ببغاء التاجر الذي تظاهر بالموت أيضا عند سماعه بنبأ موت أليفه في الهند ، فمن الواضح أن مولانا ترك التاجر وطائره وانهمك في الحديث عن طيره هو . عن الروح ، المعشوق والسبيل إلى المعشوق ، الغاية والوسيلة والآلة ! ! 
ثم أنين الروح نفسها حين بست في هذا القفص الجاهل عاشق الكدح والذي كتب عليها الكدح إلى الأبد " لا أقسم بهذا البلد ، وأنت بهذا حل بهذا البيت ، ووالد وما ولد ، لقد خلقنا الإنسان في كبد " وكتب عليها أيضا أن تعاني الكدح في هذا السجن ( القفص ، المزبلة ، جوال الطين ) وعند غيابها يزداد كبد الإنسان وتعبه وتتفرق به الأودية والمسالك فلا يبالي في أيها هلك .
 
( 1722 - 1732 ) : إن هذه التفجعات التي يطلقها هي في الحقيقة انعكاس لغيرة الحق على أسراره من أن تتعرض للبوح ووشيكا سنتعرض لحديث الغيرة . لأن مولانا هنا فسر الغيرة الإلهية بأنها قائمة لأنه " غير " الجميع فالغيرة جزء من " الغيرية " ويتضح المعنى أكثر وأكثر كلما توغل مولانا في وجده وازداد تدفقه ، إن الحديث عن طائر الروح طائر المبدء وطائر المعاد ، وحى الحق ونفثته ، ونفسه الساري في أكرم المخلوقات ، ترجمان الفكر وترجمان الأسرار ، ثم إنه موجود في كل باطن ، مختف في الداخل وكل ما تراه في هذا وذاك هو في الحقيقة انعكاس له ( إنما ترى نفسك في الآخرين ) ، يسلب منك السرور الفاني بتذكيره إياك في كل لحظة ومع ذلك تكون مسروراً به ، ويجعلك تشق على نفسك وتقف في طريق شهواتك ، ومع ذلك تقبل ذلك منه .
وأنت يا من كنت تضحى بالروح لكي تزين الجسد ، أنظر إلى أنا المحترق أترى تريد محترقا ؟!! ولم ؟!! ألكى تضرم به النار في كل الدنيا ؟!! ألست ترى الدنيا برمتها محترقة ؟!! إذن فكيف تطلب نارا أخرى ؟!! 
 
( 1733 - 1739 ) : لا يزال مولانا في وجده الذي يتصاعد بيتا بعد بيت بحيث نسي التاجر

« 473 »
 
والببغاء والهند والسند وغيرها وغيرها ، ربما - والتعليق هنا لفروزانفر - ذكره العشق بشمس الدين ذلك القمر الذي اختفى خلف السحاب ( عن استعلامى / 1 - 305 ) لقد ظهر أسد الهجر ، وانتهى الأمر فكيف يكون ثمة حديث ؟ وإذا كان لا يتحمل الفراق في حال صحوه ؟ فكيف يكون في حال سكره ؟ اى مجال يحتويه ؟ أي مرج وهو أسد ثمل يعز عن الوصف ؟ أي شعر ؟ وهل ثم عقل في أن يفكر في القوافي ؟ وهل ثم وعى حتى يفكر في انتقاء الألفاظ ؟ ما أشبه هذه الألفاظ بسور شوكي حول كرمة . . . أترى هناك اى اتصال بين السور الشوكي وبين الكرمة ؟
 
( 1740 - 1745 ) : فلأحطم اللفظ والصوت والقول ، فما أريد أن أقوله لا يستوعبه لفظ أو صوت أو قول ، وما أريد أن أحدثك به جد خطير ، فهو حديث أخفيته عن آدم ، أخصك به أنت لأنك أسرار العالم ، وهو الحديث الذي لم أبثه للخليل في محنته ، بحزنك هذا وتوقك للمعرفة أيها الإنسان وهو ذلك الحزن وذلك الشوق الذي لم تعرفه الملائكة ، وذلك النفس الذي لم يتحدث به المسيح ولم يتحدث إليه به الحق غيره على أسراره المكنونة ، إلا أن مولانا لم يتحدث إلينا بهذا الذي وعد به لينصرف بعدها إلى مبحث لغوى عن وظيفة " ما " في اللغة كنفي وإثبات ، ليخلص منه إلى أن الإنسان أيضا بقاء وفناء ، وفناء في البقاء ، فإن كان ثم إثبات في اللفظ فالحقيقة تقول إنني فناء .
 
( 1746 - 1752 ) : العبودية هي التي تعطى معنى للملوكية ، العاشق مهم أهمية المعشوق ومن فُنى فيه يبحث عمن يفنى فيه ، والملك لا يزال يقرب من يبدي له الخضوع وهو أيضا نوع من الخضوع ، وكل الخلق يشعرون بالمحبة لمن يحبونهم ، فهم ثملون بمحبة الخلق لهم مثلما يثمل الخلق بمحبتهم ، والصياد لكي يصيد الطيور يجعل من نفسه صيدا لهم من البداية ، وكيف تكون هناك حسناء تشعر بحسنها دون ان يكون حولها كثير من العاشقين . أنت الصياد والصيد ، وهكذا



« 474 »
 
فالعشق شعور متبادل العاشق معشوق والمعشوق عاشق لعاشقه " يحبهم ويحبونه " فقدم حبه لهم على حبهم له وقال في الحديث القدسي « ألا طال شوق الأبرار إلى لقائي وأنا أشد لهم شوقا » ( انقروى / 1 - 360 ) . ويقدم مولانا هذه الصورة : كما يطلب الظامئون الماء فإن الماء يطلب الظامئين بدوره ، فكيف تتحقق له " المائية " دون ظاميئين خلفه ( تكرر البيت في الكتاب الثالث ، البيت 1401 ويفصل الفكرة تفصيلا شديدا في الأبيات 4399 - 4423 من الكتاب الثالث ، وانظر أيضا مقدمة الترجمة العربية ص ص 27 - 29 ) فإذا كان قد ثبت انه أيضا عاشق لك ما دمت أنت عاشقا له ، فأصمت إذن ودعه يجرك ويجذبك وكن كلك أذنا .
 
( 1753 - 1761 ) : ضع سدا من الصمت أمام هذا السيل المتدفق من الكلام وإلا فضحك ودمرك ، لكن ما الحيلة والكنز في الخرابات والغارق في بحر عشق الحق لا يقنع ولا يرتوى ، بل يريد أن يزداد غرقا ، لا يهمه أن يكون صاعدا هابطا ، في قاع البحر أو على سطحه ، ممزقا بسهمه أو محميا بدرعه وحفظه ، منبسطا بطربه أو ممزقا ببلائه ، وأنت أيها القلب كريشة في فلاة تلعب بها الريح فما مرادك هنا ؟ فمتى يكون للعاشق مراد ؟ وكل نجم يتجلى من الحبيب ( بارقة فكر ) فداؤها مائة بدر ( مائة رجل كامل ) ، والعالم كله فداء للحبيب ، فهو القاتل وهو الدية ( من عشقنى عشقته ومن عشقته قتلته ومن قتلته فأنا ديته ) ( حديث قدسي ، أستعلامى 1 / 307 ) ، وحياة العشاق في موتهم ( بقاؤهم في فنائهم )من مات عشقا فليمت هكذا * لا خير في عشق بلا موتوحياة القلب في ان يكون مسلوبا له .
 
( 1762 - 1765 ) : إنني لا أزال ابحث عن رضا الحبيب ، أواجه بصده ولا يثنينى هذا عن حبه ، لكنه يتدلل على إنه يرى عزة العقل والروح في حبه هراء ، فلا يزال في نفس يتردد وعرق



« 475 »
 
ينبض - والموت هو الثمن - ( انظر حكاية في هذا المعنى في الكتاب الخامس الأبيات 1244 - 1259 وشروحها ) . . . ما هذا ؟ ! هل تطيل الحديث عن بلائك في العشق ؟ ! أي ادعاء هذا يدل على تقل الروح وانعدام الحس ؟ وهل تحسب العشق أمر هيناً لأنك مُنحته دون ان تبذل فيه شئ يذكر مهما تقول أنك بذلت ؟
 
( 1767 - 1772 ) : كل هذا وأنا غارق في عشق كالبحر يغرق فيه عشق الأولين والآخرين ، وكل ما أقوله عنه مهما فصلت قاصر لايبين عن شئ ، كل ما يقال عن العشق من شرح وبيان أخجل منه عندما أصل إلى العشق نفسه ، ولو أبنت لاحترقت الأفهام واحترقت الألسنه ، ودعك من ظاهر أقوالي فإن قلت ساحل أو شفه فأنا اقصد ساحل بحر الأسرار الإلهية ، وان تحدثت بالنفي فإنما اقصد الإثبات ، وإن عبست فإنما افعل ذلك لأصرف الناس عن شغلى عن اللذة التي أحس بها في داخلي ، وإن صمت فمن كثرة ما لدى من أقوال مما لا يستطيع العوام فهمه أو إدراكه .
 
( 1773 - 1782 ) : البيت في العنوان منقول من ديوان سنائى ( ص 51 ، من طبعة مدرس رضوى ) وموضع الاستشهاد واضح ، ما يصدك عن طريق الحبيب وعن عشق الحبيب يستوى فيه الكفر والإيمان والقبيح والحسن ، فلا يشغلنك شيىء عنه ، والله غيور على حرمه ومن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وسعد المذكور في النص هو سعد بن معاذ ( انظر للإسناد أحاديث مثنوى ص 18 ) فالغيرة من الحق هي علامة الكبرياء والحكم والأمر ، وأية عبودية دون العشق بمثابة الكفر ، وأي تعبير عن هذه العبودية بغير العشق ضلال ، وأن تكون مجتبى من الإله مرزوقا بالعشق مجالا للحب مكرما باللب مسلوبا للقلب ، ثم تمضي إلى مظاهر العبادة فهو شين لا يليق بك ، وقد أعزك ورفعك ، فكيف تذل نفسك ؟ ومن ترجو بمظاهر الإيمان سواه وهو أدرى بإيمانك ، وأية درجة تريدها فوق الدرجة التي أرادها لك ؟ هذه هي غيرة الإله أن يوضع عزه في

« 476 »
 
غير موضعه ، وأن يختار المعزز به الذلة ، يقنع بالرائحة بعد المشاهدة ، غيرة الحق هي غيرة الاصطفاء ، وسواها غيرة على عرض من أعراض الدنيا .
 
( 1783 - 1792 ) : المعشوق ذو العشرة قلوب هو المعشوق كثير العاشقين ، ولأشكُ . . . لا . .
إنني أئن فحسب ، فإن هذه الحسناء تحب أن تسمع أنينى ( الحبيب سعيدٌ بأنات الساهرين ) ( حافظ الشيرازي عن استعلامى / 1 - 306 ) إنني في حلقة السكارى ولست في حلقة الواصلين ، فكيف لا أئن ؟ وأنا في ليل هجر فراقها محروم من وصالها فكيف لا أئن ؟ لكن هذا هو سر عشقى وأنا به راض ، فهذا الدمع در ، وتراب الغم كحل ، ولست اشكو من روح الروح بل أبوح ، وأنا اضحك من شكوى قلبي وأراها دليلا على نفاقه ، فما أنا متأكد منه انه سعيد في هذا العذاب راض به مستريح إليه .
 
( 1793 - 1804 ) : فخر المستقيمين كما يدل السياق هو القلب والخطاب واضح السخرية ، فكيف تلتوى هذا الالتواء ( تتظاهر بالشكوى وأنت سعيد ) وأنت صدر المعاني وموئلها ؟ وما العتبة وما الصدر هنا ؟ وما العلوا وما الدنو ؟ وما نحن وما أنا ؟ أيتها اللطيفة الروحية الموجودة عند كل الخلق من رجال ونساء ، وعندما تتحد هذه التعينات ، فالحقيقة الواحدة هي أنت وإنما خلقت الخلق لكي يعرفوك " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " اى ليعرفون و " كنت كنزا مخفيا فأحببت ان أعرف فخلقت الخلق فبى عرفوني " وكل الخليقة من أجل العشق ، من أجل ان تصير أنا وأنت واحدا ، من أجل العودة " إنا إليه راجعون " ، لكن كل هذا في انتظار أمر " كن " فتعال يا منزها عن الخطاب وعن القول فلست في حاجة إليها منا ، وإدراكك لا يتم بالإبصار « لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير » وهل يطوف في خيال تقليبك للقلب بين الحزن والسرور ؟ وهل القلب الذي تتقلب بين الحزن والسرور جديرٌ حقا برؤيتك . . . وهو ليس ثابتا على
 
« 477 »
 
عطائك راضيا مسرورا ببلائك ؟ ! وأليس عالم العشاق حديقة دائمة النضرة مليئة بالثمار اللدنية غير هذا الحزن والسرور وهما من امارت الدنيا ؟ ! آثمة حزن وسرور في العشق وهو أعلى منهما ؟ ! 
( 1805 - 1812 ) : القلوب التي مزقت إربا هي القلوب العاشقة ( انظر البيت رقم 3 من الكتاب الذي بين أيدينا ) فجد عليها أيها الحسن بزكاة جمالك ، فإن عينك الفاتنة تسم قلبي كل لحظة بجرح جديد وتؤجج في قلبي لهيب الشوق . . . فأجمل . . . وأقتل . . . واسفك الدم بدلا من هذا العذاب المتأجج المتجدد . . . لقد قلت لك مرارا دمى حلال لك . . . فإلى متى . . . إلى متى يظل المخلوق من تراب محزونا من فراقك . . . باكيا من الشوق إليك ؟ ! ! 
( يفسر المولوي هذه التساؤلات انها ليست على سبيل الإنكار بل لان مولانا في حال السكر - مولوى 1 / 336 ) ويستمر مولانا في مناجاته : يا من كل صبح أطل على هذا العالم وجدك فياضا مهتاجا مثل عين المشرق ( ثانية رمز الشمس ، أنظر الأبيات 120 - 125 من الكتاب الذي بين أيدينا ) أية حجج تسوقها في هذا الدلال ؟ ! ألا فلتستمع إلى أناتنا هذه المنطلقة من الأجساد لا من الأرواح والقلوب التي لا يصح بلا ان تئن وتتوجع . . . ودعك بحق الله من الحديث عن الجمال ( الورود ) وتحدث عن المعذب بهذا الجمال ( البلبل ) ! ! 
 
( 1813 - 1816 ) : يترك مولانا حال المعشوق ليعود إلى الحديث عن حال العاشق . . . لقد تحدث فيما سبق عن الحزن والسرور وارتباطهما بأمور الدنيا ، ثم يعود هنا فيقول ان أحوال العشاق ليست من الحزن والسرور أو الإشباع والحرمان أو النفع والضر وهي أيضا ليست نتيجة للوهم والخيال ، هي أحوال أخرى نادرا ما تحدث وليست قابلة للوصف ، لكنها لا تعزب عن قدرة الله تعالى ، فالجور والإحسان والحزن والسرور كلها أوصاف حادثة ، ولا يجوز ان تستخدم في
 
« 478 »
 
علاقة مع الحي الذي لا يموت والذي يرث الأرض ومن عليها .
 
( 1817 - 1824 ) : ها قد أتى الصباح . . . فانصرف يا حسن حسام الدين وامتنع عن مواصلة إملاء الكتاب المثنوى عليه ، وأنت المسيطر على العقل الكلى ، والمسيطر على الروح تصرفها أنى تشاء ، ذلك أنك روح الروح وأنت ضياء القلب ( المرجان ) . . . فها هو نور الصبح قد أشرق . . .
وصبوحنا من التوحيد ( خمر الحسين بن منصور الحلاج ) . . . وإذا كانت خمر عطاياك وتوحيدك ونورك تهبناكل هذا الغليان . . . فأي خمر دنيوية هذه حتى تشعرنى بالطرب ؟ ! إن الخمر لتسكر بنا ، والفلك أسير لعقولنا ، والجسد جسد بأرواحنا ( وإلا كان جثة ) . . . وحلاوة الروح كالعسل ، ونحن كالشمع ، وأجسادنا صورت كأنها خلايا النحل . . . ( الأصل في البيولوجيا الحديثة الخلية ! ! ) 
( 1825 - 1834 ) : عودة إلى حكاية التاجر الذي تتوالى عليه الأحوال فيتخذ طبقا لها المواقف . . . 
حينا يكون في مقام الفخر ، وحينا في مقام المسكنة والضراعة ، وحينا يغرق في بحار الحقيقة ويستنبط الحكم مما جرى ( يحاول مولانا ان يوحى بأن كل ما ساقه في الأبيات السابقة قد جرى في الحقيقة على لسان التاجر ) . . . انه أشبه بالغريق ( والغريق يتشبث بكل حشيش ) انه يضرب بيديه وقدميه . . . 
فلعله ينجو ( المعنى من حديقة سنائى ) وهذا ما يريده الله منك تماما : أن تحاول ، وأن تجتهد ، والملك لا يكون عاطلا ، فالملك هو ابن آدم فهو ابن الخليفة . . . ( التعبير من حديقة سنائى أيضاً ) واعلم أن «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ» ( الرحمن / 29 ) 
ومن يدرى قد تكون نجاتك موكلة إلى النفس الآخر واعبد ربك حتى يأتيك اليقين . . . قال نجم الدين كبرى : لأن حقيقة اليقين المعرفة ولا نهاية لمقامات المعرفة . فقط كن في الطريق . . . 
واعمل جاهدا «وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا» «وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى» والله سبحانه وتعالى « لا يضيعأَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا» .
 
« 479 »
 
( 1837 - 1848 ) : أدرك التاجر فجأة أن الببغاء الذي كان قد سقط ميتا في الهند إنما كان يتماوت في الحقيقة ، وأنه أرسل بذلك رسالة إلى الببغاء المقيم عنده يقول له : تريد النجاة مت قبل أن تموت ، دعك من التظاهر ، فما قيمة كل ما عندك من ميزات ؟ ما دامت ميزاتك هذه هي التي توردك موارد الهلاك ، إن كنت حبا يلتقطك الطيور ، وإن كنت برعمة يقطفك الأطفال ، لا تعرض حسنك في المزاد وإلا أصابك قضاء السوء ( انظر الأبيات 208 - 212 وشروحها من الكتاب الذي بين أيدينا ) . . . الأعداء يتربصون بك ، . . . والأصدقاء يلتفون حولك ويتلقون وقتك العزيز الشريف ، ويبعدونك عن صحبة الحق ، فيضيع ربيع العمر وأوان العمل دون غراس تغرسه ينفعك في خريف العمر وإدبار الأيام .
 
( 1849 - 1854 ) : إنما ينبغي الفرار إلى حمى الحق " ففروا إلى الله " فإن الله هو الذي يهبك الملجأ والملاذ من الأصدقاء ومن الأعداء على السواء ، وإن إصطفاك الله وكان لك الملجأ والملاذ والأنس ، فإنه يجعل الكون كله في خدمتك ، مثلما جعل الطوفان في خدمة نوح عليه السلام والبحر في خدمة موسى عليه السلام حين لم ينصرهما الخلق ، وجعل النار قلعة وحمى لإبراهيم عليه السلام ، وجعل الجبل نصيرا ليحيى عليه السلام من أعدائه ، ورد كيد خصومه إلى نحورهم . ( رواية حماية الجبل مذكورة في شأن إلياس عليه السلام وليس يحيى . أنظر قصص الأنبياء للثعلبي ط . 4 القاهرة 1954 ص 255 . ) 
 
( 1859 - 1877 ) : بوحي أيضا من قصة الببغاء الذي أراده جماله وحلاوة صوته ، وحبساه في القفص كما تحبس الروح داخل قفص الجسد ، ومن ثم كان الملامتية من الصوفية يتجنبون الشهرة " فالولي لا يكون مشهورا " ، وقال بعضهم " بل لا يكون مستورا " لأن في ستره نوعا من حبس القدوة ، على كل حال فإن مولانا يحذر في مواضع عديدة من المثنوي من مضار الشهرة ، وآفة
 
« 480 »
 
تعظيم الخلق ومدحهم ، فإن هذا هو بذور الكبرياء ، وشباك الشيطان ، وبداية البعد عن الطريق ، وتتجلى كل هذه المعاني عندما يتحدث مولانا عن فرعون ( أنظر الكتاب الثالث الأبيات : 778 - 781 و 1556 - 1558 وشروحها ) . . 
وهذا كله يكون من تلطف الدنيا معك ، ولطغها يكون لقمة حلوة ، لكنها لقمة نارية تحرق جوفك وترديك ، لذتها هي الظاهرة في بداية الأمر ، لكن نارها خفية ، سرعان ما تفتضح ويرتفع دخانها تنفجا منك وكبرياء وتصديقا لأقوال الخلق وغربة عن نفسك وجهلا بها ، فالكبرياء تنين ، والتنين لا يعيش إلا في النار ، وقال ابن الفارض :
وأحملني وهنا خضوعي لهم فلم * يزدني هوانا بي محلا لخدمتي
ومن درجات العز أمسيت مخلدا * إلى دركات الذل من بعد نخوتي
( أنقروي / 1 - 381 ) وهذا المعني وارد برمته في مقالات شمس ( ص 139 ) " أقول لك الخلاصة في كلمة واحدة ، هؤلاء القوم يرضون قلوبهم بالنفاق ويحزنون من الصدق ، قلت له : أنت رجل عظيم ، وأنت وحيد عصرك ، فسر وأخذ بيدي وقال : كنت مشتاقا لك ومقصرا في حقك ، بينما خدمته بالصدق في السنة الماضية فصار خصما لي وعدوا . عجبا ! ! أليس كذلك ؟ 
ينبغي العيش بين الناس بالنفاق ، حتى تصبح سعيدا بينهم ، وبمجرد أن تبدأ في قول الصدق ، عليك بالخروج إلى الجبل والصحراء ، فليس لك طريق بين الناس " إياك أن تتظاهر إذن بأن هذا المديح لا يهمك ، وأنك لا تحتاج إليه ، وأنك فاهم أن من يمدحونك إنما يمدحونك طمعا أو خوفا ، وأن نفسك محصنة ضد المدح ، فلو هجاك نفس مادحك ، لاحترق قلبك غضبا ولأضرمت داخلك النيران ، ولقلت أنه يهجوك لأنك رددت طمعه بالحرمان ، هذه هي طبيعة الإنسان ، قد لا تظهر عليك آثار المدح ، لكن آثار الذم تظهر عليك ، لأن المدح حلو والذم مر ، وإن شربت الدواء المر تضيق ، وإن أكلت
 
« 481 »
 
الحلوى تحس بحلاوتها على الفور ، مع أن الدواء يأتي لك بالشفاء ، والحلوى تأتيك بالحمى والبثور ، فاعرف الشيء من ضده ، واعرفه أيضا بآثاره ، والنفس من كثرة المديح تتحول إلى فرعون ، والرسول صلى اللّه عليه وسلّم قال لأحدهم يمدح آخر في غيابه " ويحك ، قصمت ظهره ، لو سمعك ما أفلح إلى يوم القيامة " وقال عمر رضى اللّه عنه " المدح وافد الكبر " ( عن شرح فروزانفر صص 731 - 732 ) 
 
( 1878 - 1887 ) : ولا حل إلا أن تكون عبدا ، أن تشعر بعظمة الله مهما بلغت أنت من عظمة ، ألا تتوق إلى السيادة والسيطرة ، أن تصبح مجهولا لا يعرفك أحد ، متحملا للضربات كأنك الكرة من الصولجان ، : فرب أشعث أغبر تزدريه العيون مجهول من الناس ولو أقسم على الله لأبره " واعلم أن نهاية المديح معروفة ، ونهاية الشهرة معروفة ، فكم من مشهور انصرف الناس عنه وأنكروه وضاقوا به وملوه بعد انقضاء شهرته ، ومن أحبك لشيء كرهك عند زواله ، ومديح الناس فخ ، يضفي على الإنسان ما ليس فيه ، يجعل من المملوك سلطانا ، ومن الخصي سيدا ، ومن تربى في جو الخصيان وجد فيه الشيطان مرتعا خصبا ، ثم انصرف الشيطان نفسه عنه وشعر منه بالعار "كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ ، فَلَمَّا كَفَرَ ، قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ ، إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ" ( الحشر / 16 ) ( أنظر أيضا الكتاب الثالث الأبيات : 4039 - 4055 وشروحها ) .
 
( 1888 - 1897 ) : لكنها على كل حال مشيئتك يا إلهي ، تجريها على عبادك وإن كانوا كارهين ، وما شئت يا إلهي يكون ، وكلنا مهما بلغنا من سلطان عبيد أرقاء لسلطانك ( في الكتاب الخامس الأبيات : 3113 - 3128 تفسير آخر لمعنى ما شاء الله كان يدعو إلى العمل لا إلى كسل الجبر ) ويواصل مولانا مناجاته : لقد أوحيت لنا بهذا القدر من الإرشاد ، لكنه على كل حال قطرة من
 
« 482 »
 
محيط علمك ، فأوصلها بالبحر ، وخلصها من كدر الجسد ، ومن تشرب التراب ، أليست كل قطرة يشربها التراب تعود ثانية إليك ، تخلصها مما علق بها من أدران ثم تعيدها طاهرة إلينا ؟
( لتفصيل هذه الفكرة أنظر الكتاب الخامس الأبيات : 201 - 225 وشروحها ) .
 
( 1898 - 1905 ) : لا شيء يعدم ، فالعدم هو خزانة الوجود ، والوجود هو موضع تجل العدم ، وفيك كل لحظة موت وحياة أو موت وبعث ، وفي الليل تنعدم كل أفكارك ثم تعود إليك في الصباح ، فإلى أين تذهب ؟ تمضي عنك الحرف والفنون ثم تعود إليك ، فإلى أين تمضي ؟ العالم كله أمامك في خلق ثم موت بعث ، قوافل تترى في أثر قوافل ، خريف يلتهم كل شيء ، ثم ربيع يحيي به الله الأرض بعد موتها . ( المعنى وارد في معارف بهاء ولد : كل ما مضى يعود .
ص . 272 ) .
 
( 1906 - 1911 ) : فأعمل العقل ، وانظر إلى داخلك ، فما يفعله الله في الكون من حولك ، يفعله أيضا داخلك ، تتبع كل أفكارك وخواطرك ، وحديقة قلبك ، تراها دائما نضرة حية ندية ، لا ينقطع عنها الفكر إلا بالموت ، وهذه الكلمات التي تفوه بها ، وتتأنق في جعلها حلوة سلسة ، جميلة ريانة ، هي مجرد عبير من تلك الرياض والسنابل ، فهل يفيض الإنسان بغير ما في داخله ؟ نعم . . . هي مجرد عبير من الفيض الإلهي الأول " العقل الكلي " ، تستطيع أن تفهم إذن أن تيار الحياة والساري في الوجود يسري أيضا داخلك ، وأنك مظهرٌ للفيض وأنك تستطيع أن تتبع هذا التيار الجزئي " العبير ، الرائحة " لتصل إلى أصله ومعدنه وحقيقته وبحره ومنبعه .
 
( 1912 - 1922 ) : ألم تكن رائحة القميص " بشرى الوصال " علاجا لعين يعقوب عليه السلام من قبل الوصال ؟ هذه الكلمات هي أيضا بمثابة الرائحة تقودك إلى حانوت الوحدة وإلى نهر الجنة .
وإذا لم تكن يوسف في جمالك ، فكن يعقوب في بكائك وضراعتك وإتجاهك إلى الله وشكوى بثك

 
« 483 »
 
وحزنك ، فكما قال الحكيم الغزنوي سنائي ( ديوان : ص 851 ) مع قبحك لا يجمل بك الدلال ، مثلما يكون الألم من العين الرمداء ، فكن جميلا ثم تدلل ، وكن مبصرا ثم تألم ، ولا تتظاهر أمام مرشدك ، ولا تبد الحسن أمام معدن الحسن ، فأين حسنك المستعار المؤقت من حسنه الأزلي الأبدي ؟ وكن ميتا عن آمالك ورغباتك ، وأمام مرشدك كن كالميت بين يدي الغسال ، حتى يحييك بإرشاداته وكلماته وفيضه ، وكن ترابا ينبت عليك النبات ، ولا تكن حجرا صلدا قحلا لا تجود ، فحتى من الحجارة تتفجر الأنهار ، أتراك ترضى أن تصبح بكبريائك وتجبرك أقسى من الحجر الصلد ؟
 .

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا



عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الأبيات من 1923 - 2114 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 7:03 pm

الهوامش والشروح الأبيات من 1923 - 2114 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح الأبيات من 1923 - 2114 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح قصة عازف الصنج الشيخ الذي كان في عهد عمر رضي الله عنه

( 1923 ) قصة عارف الصنج الشيخ من أجمل قصص المثنوي ، فقد اختار مولانا بطلا لقصته موسيقيا هرما ، ومن خلالها ساق كثيرا من آرائه عن الموسيقى مما يتناسب مع ما للموسيقي من مقام رفيع عند مولانا وبالتالي عند الطريقة المولوية من بعده ، واختيار سيدنا عمر رضي اللّه عنه كبطل آخر للقصة يخرج عارف الصنج الهرم من أزمته ويرعاه بهداية من هاتف غيبي مع ما عرف عن عمر رضي الله عنه من شدة في دين الله أمر له مغزاه . والقصة على ما يرى فروزانفر ( مآخذ / 20 - 23 ) وردت قبل مولانا في " أسرار التوحيد في مقامات الشيخ أبي سعيد " لمحمد بن المنور ، وعازف الصنج الهرم كان في نيسابور ، قعد عن الكسب ، فذهب إلى جبانة نيسابور وظل يعزف لله وأخرجه أبو سعيد بن أبي الخير الصوفي المشهور من أزمته على ما روي بالتفصيل في الكتاب ( أنظر : الترجمة العربية للكتاب لإسعاد قنديل صص 130 - 133 - القاهرة ب . ت . ) كما نظم العطار القصة في منظومته مصيبت نامه وجعل الشيخ يعزف في المسجد 
- ( ! ! ) بدلا من المقبرة ، وجعل بطلها الشيخ أبا سعيد . لكن كما سنرى انطلق مولانا من أصل القصة إلى معاني عديدة .
 
« 484 »
 
( 1924 - 1928 ) : لم يكن العازف على الصنج عازفا فحسب ، بل كان مطربا أيضا ، ويتحدث مولانا عن تأثير صوته وطبقاته ، وأنه كان يغني الدور الواحد بمائة طريقة ، وكان يبعث في كل نفس قيامتها ، فيذكر كل عاشق بمعشوقه ، وكل طالب بمطلوبه ، وكل عليل بطبيبه ( مولوي / 1 - 352 ) فما أشبهه بإسرافيل ينفخ في صوره ، فإذا بالموتى من الأجداث سراعا ينسلون ، كأنهم إلى نصب يوفضون ، والمقصود هنا بالطبع الأرواح التي تطرب لعزفه وصوته فكأنه إسرافيل ، أو كأنه رسيل إسرافيل ، أي ذلك الذي يردد الغناء مع المطرب مناظرة أو مسابقة ، ويرى مولانا أن إسرافيل يئن ( الموسيقى عموما أنين من الإنسان تعبر عن شوقه إلى الجنة حيث كان يسمع فيها أصواتا قريبة من هذه الأصوات . أنظر الكتاب الرابع الأبيات 731 - 738 وشروحها ) ويقدم مولانا صورة أخرى لتأثير غنائه بحيث كان ينبت للفيل جناح ، أي أن الإنسان المثقل بالعلاقات الأرضية كان يتخفف منها ويحلق في أقطار السماوات وكأنه رزق جناحا .
 
( 1929 - 1934 ) : الأنبياء أيضا عندهم أنغام تقوي الحياة الروحية والمعنوية عند الطلاب وإن كانت لا تُسمع بأذن الحس ، فهي أنغام من عالم الروح ولا بد أن تُسمع بأذن الروح ، وذلك لأن آذان الحس تدنست من الآثام والمظالم ، ولعدم التجانس لا يسمع أهل الدنيا هذه الأنغام ، ومن هذا القبيل أنغام الجن ( الجن في أساطير الشعوب القديمة غالبا ما يظهرون في مواقف غناء وطرب ) ولأن الإنسان لا يفهمها " أعجمي عنها " فهو لا يدركها ( أنكر الفلاسفة ومنهم ابن سينا وجود الجن أصلا ، بينما خاض الفقهاء في عصر مولانا في قضايا عن إمكان زواج الجن من الإنس ووضعوا لها قواعد شرعية 
- أنظر : بديع الزمان فروزانفر : شرح مثنوي شريف - جزو سوم از دفتر أول - ص 789 - تهران - دانشكاه تهران - 1348 هـ . ش . 
- يكتفى بعد ذلك ب فروزانفر - شرح ) ، ولعل مولانا يرد هنا بأن أولئك الذين يحاولون الاتصال بالجن مخطئون ، فالجني أيضا
 
« 485 »
 
مثل الإنسان حبيس في سجن جهله ويحتج بالآية الكريمة "يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا ، لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ" ( الرحمن / 33 ) ويخلص مولانا إلى أن نغمة القلب المتصل بالله أسمى من نغمتي الإنس والجن معا .
 
( 1935 - 1945 ) : هناك غير أنغام الأنبياء أنغام عند الأولياء ، وهي من جنسها ، وهي تخاطب أجزاء عالم التراب ، عالم النفي ، فأفيقوا من هذا العالم ، عالم الخيال والأوهام ، وما دامت أرواحكم لم تولد الميلاد الثاني ، ولم تنمُ ، ولا زالت تهترىء من التقليد وعبادة الموروث في عالم الكون والفساد هذا ، ولم تموتوا في عالم الحس وتولدوا في عالم المعنى فلن تسمعوا هذه الأنغام التي لها أيضا صفة الإحياء " يا أيها الذين آمنوا ، استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " " قال القشيري في اللطائف : المراد بالنسبة للعابدين الحياة بدلائل العبودية ، وبالنسبة للعلماء الحياة بدلائل الربوبية ، وبالنسبة للموحدين المؤمنين نور الموافقة وضياء التوحيد . 
( فروزانفر : شرح - ص 792 ) والمعنى عند مولانا أشمل ، وهذا أمر لا يتم بالنقل فلا إذن هناك بنقله ، بل على كل إنسان أن يصل بنفسه إليه بعون من الأولياء الكمل ، فكل منهم إسرافيل زمانه ، منهم يحيا ميت الجهل ، وللإمام علي رضي الله عنه :
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله * فأجسادهم قبل القبور قبور
وإن إمرآ لم يحي بالعلم ميت * وليس له حتى النشور نشور
( سبزواري / 60 ) 
 
وعندما تختلج الأموات في أكفانها ، ويحس ميت الجهل الذي أحياه الولي بالحياة تدب في بدنه ، يؤمن ويوقن أنها أصوات الله ، ذلك أن الإحياء والبعث من خصوصيات الله سبحانه وتعالى ، وهكذا صوت الحق ، سواء كان في حجاب من ألفاظ أوليائه ، أو بغير حجاب أي وحي القلب " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب " يعطي ما أعطاه لمريم عليها السلام "



« 486 »
 
روحا من أمرنا " ، فهيا عودوا إلى جلودكم أيها الموتى ، موتى الجهل والشهوة ، إذا ناداكم الحبيب .
 
( 1946 - 1952 ) : هذا صوت مطلق ، ليس مقيدا بأحد ، هو صوت المليك وإن نطق به العبد ، ألم يقل سبحانه وتعالى " من عادى لي وليا ، فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب مما إفترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلى النوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها " ( أحاديث مثنوي / 19 ) وألم يقل المصطفى " من كان لله كان الله له " ( أحاديث مثنوي / 19 ) حينا أقول :
أنت " الذي رميت " وحينا أقول أنا " ولكن الله رمى " وأنفاس الأولياء على سبيل المشكاة " تعكس النور " ، وعندما أسطع عليها ، تحل مشكلات عالم بأسره ، ونظيره ما قاله مولانا في الديوان الكبير :
لأصمت ، وإن لم أكن أنا المتحدث ، فالقول لك ، وأقوال الخلق مجرد صدى لصوتك ( عن فروزانفر : شرح - 796 ) ومن أنفاس الأولياء تتمحي تلك الظلم " الروحانية " التي لا تمحوها شمس الفلك .
 
( 1953 - 1960 ) : ولا يستكثر على ولي أن يكون له هذا العلم ، فالعلم عُلم لآدم أولا ، وعن طريق آدم تعلمه الملائكة ، فخذ العلم عن آدم أو خليفة آدم ، وخذ الخمر من الدن أو خذها من الكأس ، واعلم صفات محمد المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم الروحانية عن طريق محمد أو عن طريق من رأى محمدا " طوبى لمن رآني ، ولمن رأى من رآني " ( أحاديث مثنوي / 19 ) ، 
ولو كانت الرؤية رؤية الجسد فإن أغلب الكفار رأوه صلى اللّه عليه وسلّم لكن لم يبصروه "وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ" ( الأعراف / 198 ) والمصباح الذي يوقد من شمعة " المفروض العكس "

 
« 487 »
 
يحتوي على نور هذه الشمعة ، والنور المحمدي واحد وإن اختلف السراج ، فخذها من المصباح الأخير إن شئت أو من شمع الروح " الحق مباشرة " إن شئت أيضا ، المهم أن تدرك النور وليس من المهم أن تدقق في الوسيلة ، فالغرض من كل شيء ليس صورته ، لكن فائدته ومعناه ، فدعك من الصور واطلب المعنى والفائدة .
 
( 1961 - 1970 ) : الحديث النبوي المذكور في العنوان ( جامع / 1 - 90 ) وتكملته : ألا فتعرضوا لها ، فلا تشقوا بعدها أبدا . ( أحاديث مثنوي / 20 ) ويفسر المفسرون النفحة بأنها فيض الحق الذي يجده رجال الله في بواطنهم ، ويفسرها مولانا نفسه بأنها كما فسرها المحققون أنفاس إخوة الدين الذين سبقوا ، فأنفاسهم وأنظارهم وصحبتهم نفحات ومواهب وعطايا وخلع من الحق ، ينبغي اغتنامها ( فروزانفر : شرح ص 804 عن مكتوبات مولانا جلال الدين ) 
وهذه النفحات تسبق غيرها من النفحات ، فاغتنموها ، ذلك أن الروح النارية التي تتعرض لها تنطفىء نارها ، والروح الميتة من شهوات الدنيا تتحرك منها وتنفض أغلالها ، ومنها يكون البقاء ، والإشارة أن الولاية لا تنقطع ، بل هي دائبة العمل عن طريق المرشدين والأولياء تفعل فعلها في نفوس المريدين ، وهذه النفحة فيها من شجرة طوبى المغروسة في الجنة ، واهتزاز هذه الشجرة لا يهب إلا على الإنسان ، لأن السماوات والأرض والجبال لا يتحملنها ، وإن كنت لا تصدق فاقرأ : "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ ، فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها ، وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ ، إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا" ( الأحزاب / 72 ) 
قال نجم الدين : وحقيقة الأمانة الكبرى التي عبر عنها بالفوز العظيم قد فسر بالفناء في الله والبقاء بالله ، وهو عبارة عن قبول الفيض الإلهي بلا واسطة وهي المحبة ، ولهذا قال سيدنا ومولانا هي النفخة الإلهية والروح العلية المنفوخة في آدم ، التي هي مبنى جميع الأعمال والأحوال ، وعلة جميع التكاليف ، واختص الإنسان بقبولها من سائر المخلوقات
 
« 488 »
 
لاختصاصه بقبول رش النور الإلهي ، فكان مستعدا لقبولها بلا واسطة ، فكان العرض عاما ، وحملها الإنسان خاصا ، لأن نسبة الإنسان مع المخلوقات كنسبة القلب مع الشخص ، فالعالم شخص وقلبه الإنسان ، فكما أن عرض فيض الروح عام على الشخص الإنساني ، وقبوله وحمله مخصوص بالقلب بلا واسطة ، ثم من القلب بواسطة العروق ، فيصل فيض الروح إلى جميع الأعضاء فيكون متحركا به ، كذلك يصل عكس الفيض الإلهي إلى سائر المخلوقات قلبها ، وهو ظاهر الكون ، بواسطة صورة الإنسان من صنائعه الشريفة ، وملكوتها وهو باطن الكون أعني الآخرة بواسطة روح الإنسان ، وهو أول شيء تعلقت به القدرة ،
 فيتعلق الفيض الإلهي من أمر " كن " أولا بالروح الإنساني ثم منه إلى عالم الملكوت ، وظاهره وباطنه مغمور بظاهر الإنسان وباطنه ، وهذا هو سر الخلافة المخصوصة بالإنسان " ( مولوي / 1 - 361 ) .
 
( 1971 - 1982 ) : يقول مولانا : ليلة الأمس كان من الممكن لهذه النفحة أن تعرض لي وبالتالي تعرض لكم ، إلا أن " لقمة " سدت عليها الطريق ، والإشارة هنا إلى ما ذكره إستعلامي ( 1 / 320 ) أنه أكل طعاما مع المريدين أحس بعده بالإمتلاء والكسل ، أو ما ذكره فروزانفر ( شرح 807 ) لانشغاله بأمور دنيوية تخص الطريقة وتتعلق بالمريدين ، وكلا الاحتمالين وارد ، وواضح أن هناك تلاعبا لفظيا بين كلمة لقمة وكلمة لقمان ، فاللقمة هي زاد الدنيا ، ولقمان رمز الحكمة ، ولا يزال زاد الدنيا في صراع مع الحكمة ( لقمان الحكيم : تقول الروايات أنه من أسرة إبراهيم عليه السلام ، أو ابن أخت أو ابن خالة أيوب عليه السلام ، ويقول بعضهم وهو الشائع أنه كان عبدا حبشيا يشتغل بالنجارة أو الحياكة ، ومن المشهور أن له صحائف حكمة ، 
وقيل أنها كانت عند سويدة بن الصامت من صحابة الرسول صلى اللّه عليه وسلّم - عن شرح فروزانفر ص 806 " ومن الممكن أن يكون البيت " من أجل لقمة . . . إلى آخره إشارة إلى حكاية رواها مولانا في الكتاب الذي بين أيدينا
 
« 489 »
 
عندما أتهم لقمان بأكل فاكهة بستان سيده واضطر غلي القيء لإثبات براءته ( أنظر الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات : 3598 - 3611 وشروحها ) فكأن اللقمة التي أكلها العبيد حبست لقمان عن الحكمة فترة من الزمن ووضعته مواضع التهم . ويواصل مولانا : إنك تطلب الشوك " الدنيا " من كف لقمان ، وليس في كف لقمان لا الشوك ولا ظله ، وحتى إن رأيت الرطب فاعتبره شوكا ، لأن نعمة الدنيا تسد الطريق أمام نعمة العقبى وأمام الحكمة ، وروح لقمان هي الروح المكرمة التي ينصب عليها غذاء الحكمة ، فكيف تنغرس في أقدامه أشواك الدنيا ؟ 
ويا أيها البعير ، يا جسد الإنسان ، إنك تحمل الروح وهي بمثابة عدل من الورد ، ومع ذلك تميل إلى الشوك والرمل غافلا عن الورد الذي تحمله ( هذا المثل ورد عند إخوان الصفا وتمهيدات عين القضاة الهمداني وإحياء علوم الدين للغزالي - عن شرح فروزانفر ص 809 ) ، وقد صور مولانا هذا الصراع بين الروح والجسد مرات عديدة في المثنوي " عددها فروزانفر بثلاثة وتسعين موضعا " وصورها في حكاية مفصلة في الكتاب الرابع ( أنظر الأبيات 1533 - 1555 وشروحها ) ، وأنت تمضي في طلب هذا الورد من حي إلى حي وهو داخلك ، كامن فيك ، فاطلبه من ذاتك . . وهل يليق بالإنسان وفيه إنطوى العالم الأكبر أن تحبسه عن هذا الكون الأكبر نزوة بهيمية أو شهوة نفسانية ؟ ! 
 
( 1983 - 1986 ) : أثارت هذه الأبيات معاني عديدة عند الشراح من الفرس المعاصرين ( استعلامى 1 / 331 وفروزانفر ص 810 - 812 ) فقالوا ان الإنسان مهما بلغ من مراتب روحية لا يفتأ يطلب المؤانسة من البشر وضربوا مثلا على هذا بأن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم كان يطلب من السيدة عائشة رضي الله عنها ان تحدثه وتؤانسه ويقول لها " كلميني يا حميرا " . . . وتفسير ضعي سنبك الجواد في النار قد يكون معناه استحضرينى . . . أذكرينى وخاصة ان تفسير وضع السنبك في النار يشير إلى عادة قديمة عندما يراد استحضار شخص غائب يكتب اسمه على سنبك جواد ، ويوضع



« 490 »
 
في النار ، ورواية كلميني يا حميرا . . . أن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم كان كلما استغرق في تأملاته أهاب بعائشة رضي الله عنها أن تخرجه مما هو فيه . . . ويشير البيت الثاني إلى هذا المعنى . . . حتى تصبح الهموم التي في ثقل الجبال ياقوتا من المعاني ، فعائشة رضى الله تعالى عنها هنا لا يمكن أن تكون حجابا للمشاهدة ، أو بديلا عن الأنس بالله . . . 
ويفسر مولانا الأمر أكثر فيقول ان عائشة مؤنث والروح مؤنثة ، فكأنه يقول أن في خطاب الرسول لعائشة رضي الله عنها خطابا إلى الروح . . . ويفرغ من الأمر برمته فيقول أن الروح أعلى من المذكر والمؤنث ، ولا علاقة لها بهذه الأبحاث اللغوية .
 
( 1987 - 1996 ) : ولا أقصد بالروح تلك الروح التي تعيش على الخبز ، أو تتغير أو تتبدل ، بل أقصد الروح الفاعلة للذة الواهبة لها ، وهي لا يمكن أن تكون واهبة للذة دون أن تكون لذيذة بطبعها ، لأن فاقد الشئ لا يعطيه ، فاللذة التي تحدث عن سبب خارجي أو طارىء ، تنعدم عندما يختفى هذا السبب الخارجي أو الطارىء ، لكن اللذة المنبعثة من داخل المريد الذي مارس التصفية والتنقية ، تجعل العقل يغيب - والعقل هو موضع السؤال وهو الذي يجعل كل لذة مشوبة بتساؤلاته وبإنكار لما لا يدركه ، وهو ذكي لماح لكنه في هذا المجال غير موجد لأنه ليس فانيا ، ومن لم ينسب إلى الفناء في الله نسب إلى الشيطان ! ! فالشيطان هو الذي أثبت وجوده أمام وجود الله وبما أنه لم يفن طوعا فإننا نعتبره فانيا بالرغم منه .
 
( 1997 - 2002 ) : الروح التي تمضى نحو الكمال نداؤها أيضا يكون إلى الكمال ، ولذلك كان الرسول صلى اللّه عليه وسلّم يقول : يا بلال " أرحنا بها " أي بالصلاة عند انقباضه من الدنيا ، فالصلاة هي معراج الروح . . . 
هيا ارفع صوتك يا بلال بقوة الإيمان ، تلك النفخة التي نفحتها في قلبك ، تلك النفخة الإلهية التي أصابت آدم بالدهشة ولم تطق الملائكة سماعها . . . ومن هذه النفخة
 
« 491 »
 
أيضا فاتت المصطفى صلاة الفجر في ليلة التعريس . . . والتعريس نزول القوم في السفر آخر الليل يقفون فيه وقفة للاستراحة ثم يرتحلون ، روى البخاري : كان النبي صلى اللّه عليه وسلّم في سفر مع أصحابه فناموا فما أيقظهم إلا حر الشمس ، فقال صلى اللّه عليه وسلّم ان الله قبض أرواحكم ، وهو مجاز عن سلب الحس والحركة الإرادية عنهم لان النائم كمقبوض الروح ، فقم فأذن بالصلاة وهذا يدل على وجوب قضاء الفائتة ( مولوى 1 / 367 ) ويرى استعلامى : أن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم من استغراقه في هذا النفس لم يلتف إلى العبادة الظاهرية ( الصلاة ) وهو قول فيه تزيد كبير ، فالرسول صلى اللّه عليه وسلّم يستحضر إلى العبادة لكي يفيق من أشغال الدنيا التي دفعت جسده إلى النوم وإلى فوات الصلاة ، لقد نام جسده ولم تنم روحه ( تنام عيناي ولا ينام قلبي ) 
والدليل أن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم قال عن نفس تلك الليلة : " ما ألقيت على نومة قبلها " . . . 
 
والخلاصة من كل هذا أن مولانا يريد أن يقول إن أرواح الكمل الواصلين لا تنام وإن نامت أجسادهم ، فأجسادهم في نوم وأرواحهم في قرب ، وصور مولانا نوم الرسول صلى اللّه عليه وسلّم بأنه استغراق في المحبة ، وقرب من عروس الصدق وتقبيل ليدها ، اى انه صلى اللّه عليه وسلّم كان في وصال مع الجمال الأزلي الأبدي .
 
( 2003 - 2010 ) : لو أن الرفيق قد أبدى لك مللا أو ضيقا من تشبيهاتي التي أسوقها . . . لسكت . . . لكن رفيقي يقول لي : تحدث . . . لا عيب فيما تقول ، فهذه هي الإفاضات التي أفاضها الغيب عليك . . . 
ولا إرادة لك فيها ، إنني إن شبهت الحقيقة بالعروس . . . يكون عيبا عند من لا يرى إلا العيب ، والعيب فيه في الحقيقة ، إنه عيب عند أرباب الجهل ، لكنه مقبول عند الله العالم بالسر والعالم بالقصد والنية ، والله إن شاء لعباده الكفر ، ومعنى أن الكفر إن نسب إلى الله فهو طيب وإن نسب إلى العبد فهو مكروه ورد في معارف بهاء ولد ( ص 401 ) على أساس أن كل ما يأتي
 
« 492 »
 
من الحبيب طيب ، وأنه هدد بأن يملأ جهنم من الجن والإنس أجمعين . . . فقد شاءت حكمته أن يكون ثم كفر وإيمان ، لكنه عيب بالنسبة للبشر ، فكل شئ خلقه الله سبحانه وتعالى لحكمة ، فمما يحتوى على مائة ضر ، قد يكون فيه نفع واحد ، على مثال سكر النبات والعود الذي يصب عليه سكر النبات ، كلاهما يوزنان عند البائع في ميزان واحد ، وكلاهما لازمان لزوم الروح للجسد والجسد للروح ! ! كلاهما من تصوير الأستاذ الذي يحسن تصوير القبيح وتصوير الحسن ( انظر الكتاب الثاني الأبيات 2544 - 2559 وشروحها وانظر حديقة الحقيقة الترجمة العربية ، الأبيات 400 - 405 وشروحها ) .
 
( 2011 - 2022 ) : وإن قلت : كيف تقرن الروح بالجسد وتسوى بينهما ؟ ! 
أقول لك في الصنع كلاهما من صنع الحكيم الخبير ، ومن هنا قال العظماء إن أجساد الطاهرين طاهرة كأنها ذات الروح ، فالجسد الذي ينغمس في التراب وشهوات الدنيا يتطبع بها ، والجسد الذي تسيطر عليه الروح الطاهرة تطبعه بطابعها ، فأقوالهم ونفوسهم وصورهم كلها أرواح مطلقة ( انظر لتفسير الفكرة عن طريق الحكاية الكتاب الرابع حكاية أبى يزيد البسطامي والمريدين الذين ضربوه بالمدى فكان الطعن في أجسادهم هم ، الأبيات 2125 - 2140 وشروحها ) 
وعلى العكس فإن أعداء الأطهار قد تغلبت عليهم أجسادهم فأصبحوا جسدا خالصا ، والمنغمس في التراب تراب ، والمغمور في الملح ( الرياضة والمجاهدة والكدح في الطريق ) 
يصبح طاهرا بكليته ، ومحمدٌ صلى اللّه عليه وسلّم هو بالنسبة لنا كالملح ( أنا أملح من أخي يوسف ويوسف أجمل منى ) ( مولوى / 370 ) وملاحته صلى اللّه عليه وسلّم في فصاحته : ( أنا أفصح العرب بيد أنى من قريش ونشأت في بنى سعد بن بكر ) ( شرح مثنوى 824 ) ، 
وملاحة الرسول صلى اللّه عليه وسلّم هي معنوياته وتراثه الباقي في وارثيه إلى يوم الدين ، ووارثوه هم المرشدون والأولياء ، أولئك الذين تراهم أمامك لكنك تنكرهم ، وإن كنت روحا فإن الأمام لا
 
« 493 »
 
يعنى شيئا بالنسبة لك ، فالجهات من فعل أحاسيس الجسد والروح ذات عالم آخر لا يعرف الجهات ، فان كنت عدما فانيا في عالم الروح ، فهل ثم جهات في عالم الروح ، إن أمطار الرحمة تهطل اليوم . . . 
فإن كنت لا تستطيع ان تتحملها فامض ، وان كنت تستطيع فتعال ، وتعرض لها ، وافتح عين الغيب لتشاهد مطر عالم الأرواح .
 
( 2023 - 2030 ) : الرواية التي تبدأ بهذا البيت عن رواية لأنس بن مالك رضي الله عنه قال السيوطي في الآلى المصنوعة انها من الموضوعات : " بينما نحن وقوف مع رسول الله إذ رأيناً برداً وندى فقلنا يا رسول الله : ما هذا البرد والندى ؟ قال : أو قد رأيتم ذلك ؟ قلنا نعم قال ذلك عيسى بن مريم سلم على " وقد مزج مولانا هذه الرواية مع رواية أخرى عن شيخ حفظه الله من أن تلوث قدمه بالوحل في يوم مطير لأنه خرج على التوكل ( شرح فروزانفر 826 - 827 ) 
وتشبيه الإنسان تحت التراب عندما يدفن بالبذرة التي لا بد وان تخرج منها شجرة ورد أيضا في كليات ديوان شمس أية حبة غرست في الأرض ولم تنبت ، فلماذا يكون ظنك هذا بحبة الإنسان ؟
( كليات ديوان : غزل : 911 ) الطبيعة من حولك موت وحشر ونشر فلما ذا لا تؤمن بقيام الإنسان .
 
( 2031 - 2037 ) : يرد على الطبيعيين الذين يقولون أن أمور الطبيعة هكذا منذ القدم فلماذا تربط كل شئ بالله ؟ ! لكنه يقول إنه يتحدث عن بساتين أخرى وربيع آخر يفجره في بواطن أوليائه ، وكل زهرة من هذه الزهور ( أو سر من أسرار عالم الغيب ) مخبرة عن الأسرار الكلية منبثقة عنها . . . لكن متى تشم حشرة الجعل أريج الورود ، ان ديدنها العيش في البعر والقمامة ، أو متى يفهم ضعيف العقل قصف الرعد ، الذي يدعوك إلى التأمل والتنبه واليقظة . . . 
ومع ذلك فضعيف العقل يتأملها قليلا ثم يليه لمعان البرق . . . فلا رعد يثنيه ، ولا برق يجعله يتدبر صنع الله .
 
( 2046 - 2056 ) : البيتان بنص مولانا لسنائي ، وعلى وزن الحديقة ، لكني لم أعثر عليهما في
 
« 494 »
 
الحديقة أو في منظومة أخرى من منظومات سنائي ، وقد نقل فروزانفر تفسير البيتين عن مولانا من مناقب العارفين للأفلاكي : " يعلم رأيكم النير ما كان يقوله الشيخ صلاح الدين أن مطر الرحمة ينزل فلا يبلل الثياب لكنه يطهر القلب والروح ، كانت جماعة قد أتت بالأمس ، وكان المطر ينزل مدرارا بحيث لا يقف أمامه سقف أو جدار ، كان مطرا منورا شديد اللطف ، 
وكنت أقول لنفسي : كثيرون من فضلاء العالم وفضلياته محرومون منه حتى تشملهم عنايتك وقبولك ، فكل من قبلته قال إنه مطر غيبي ومطر رحمة ينزل وينصب ، وهكذا الأمطار الغيبية والأنوار لا تراها إلا عيون الغيب " ( مناقب العارفين : 725 - 726 والنص عن شرح الأستاذ فروزانفر ص 837 وقد كرر مولانا المعنى في كليات ديوان شمس :
غير ربيع الدنيا هناك ربيع خفي ، قمري الخد ، حلو الفم ، فهات الخمر أيها الساقي .
ومن مئات الآلاف من القطرات لا تسقط قطرة على الأرض ، ولو سقطت لخربت الدنيا بأجمعها .
لخربت كل الدنيا ، ومن العشق ، أضحت كل خرابة راكبة مع نوح في السفينة ، ومأذونا لها بالطوفان .
ولو كان الطوفان ساكنا لما دارت السماء ، ولدارت الأرض من أمواج الطوفان العالية .

كما ورد نفس المعنى في مقالات شمس الدين التبريزي " أين من على صفة إبراهيم الخليل حتى يقول بلسان الحال : لا أحب الآفلين . . . وسر هذا العابد في فلك آخر لأن الأفلاك مخفية في باطن عالم الأرواح وعالم الأسرار والشموس والأقمار والنجوم ) ( نسخة محمد على موحد ص 308 من ج 1 ، تهران 1369 ه . ش ) إن كل الموجودات إذن ذات صورة غيبية دائمة وخالدة "وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ" ( الحجر / 21 ) . . . وأنفاس الأبدال ومواجيدهم وإفاضتهم من قبيل برد الربيع ، فان رأيت ثم ذابلا فليس العيب من الأبدال ، بل العيب على من لم يستقبل أنفاسهم بروحه .



« 495 »
 
( 2057 - 2070 ) : الحديث المذكور في العنوان منسوب إلى الإمام علي رضي الله عنه ( توقوا البرد في أوله وتلقوه في آخره فان يفعل في الأبدان كفعله في الأشجار ، أوله يحرق وآخره يورق ) ( أحاديث مثنوى / 21 ) فالصوفية هم أمناء الإلهام مثلما يكون النبي أمينا للوحي ، وعلى المريد أن يعرض نفسه على الشيخ ، وان يأخذ عنه ، فالمشايخ هم ربيع القلوب وحياة النفوس ، وعطر الرحمة ، وشموس الأنوار بهم يتجدد عزم المريد ، فيقوى على الطريق .
 
( 2071 - 2076 ) : تسأل الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها : وهل المطر الذي نزل اليوم من أمطار الرحمة والوعد ( الربيع ) أو من أمطار التهديد والوعيد ( الخريف ) ؟ ! ويجيب الرسول صلى اللّه عليه وسلّم :
إنه من أجل تسلية الغم الذي يحدث من موت الرفاق والصحاب وغيره من المصائب التي تنزل على بني آدم ، وأنه من أجل التنبيه على عدم ثبات هذه الدنيا والتوجه إلى عالم الآخرة ، فإن أحزان الإنسان تشبه ألسنة النيران التي تشتعل في وجوده ، ولو بقي الإنسان مقيما عليها لحدث في الدنيا خراب شديد ، فلا بد من بعض الغفلة يسلطها الله تعالى على قلوب الخلق من رحمته حتى تعمر الدنيا . 


ونقل فروزانفر عن شرح محمد أكبر آبادي أن المطر المذكور ولما كان يوقظ الحرص الطمع النائمين فهو من نوع مطر التهديد لكنه يتضمن حكمة ربانية في أنه يقر نظام العالم حتى تصل الروح الإنسانية إلى كمالها . . . وقال صاحب شرح بحر العلوم انه بالنسبة للمؤمنين ربيع وبالنسبة لعباد الدنيا خريف . . . والمعنى كله في رأى الأستاذ فروزانفر ناظرٌ إلى قوله تعالى "أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ" .
 
( 2077 - 2081 ) : عمادُ الدنيا الغفلة ، النسيان يحيط على القلب فينسى المصائب والآلام والأحزان وما يصيبه من عنت الدهر ومكائد الأعداء وغدر الأصدقاء ، وفي الحديث النبوي " لولا الحمقاء لخربت الدنيا " ( انقروى 1 / 419 ) ( انظر لتفصيل الفكرة الكتاب الرابع الأبيات 1327 -
 
« 496 »
 
- 1339 وشروحها ) لكن الغفلة إن استمرت ، واختفى تدبر العواقب عن القلوب ، لانقلبت الدنيا إلى غابة ، وانقلب البشر إلى وحوش ، ومن ثم تقتضى الحكمة الإلهية أن يكون ثم غفلة ثم يقظة بالتناوب ، حتى يحدث الإعتدال في أمور الدنيا .
 
( 2084 - 2092 ) : الحديث عن تأثير السماع عند الصوفية ، وللسماع عند كل سالك أمر يساوى درجته ، فقلوب أهل المحبة في طرب وقلوب أهل التوبة في خوف وقلوب أهل الشوق في لهيب ، فالسماع كالمطر ، إن وقع على أرض طيبة اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ، وهو ينطوى على كل ما ينطوى عليه الوجود من خوف ورجاء وسرور وحزن وشوق ومحبة وحزن ، حينا تتجلى في صورة طرب وحينا في صورة بكاء من القلب ، وقال رويم أن الصوفية في هذه الحالة " يشهدون المعاني التي تعزب عن غيرهم ، ويقدم عبد الحميد بن معين الدين القتالى الرفاعي أحد شراح المثنوى السماع نقلا عن ابن العربى وتقسيمه على ثلاثة أنواع : 
السماع الطبيعي : أي سماع الحس وهو سماع الموسيقى والطرب ، 
والسماع الروحاني حيث تسمع الروح الإلهية بواسطة النفس الملكوتية حفيف أقلام الصنع على اللوح المحفوظ بحيث تلقى المعاني العجيبة والغربية في القلب عند السماع ، 
ثم السماع الإلهى حين يسمع القلب الإنسانى والكلمات الإلهية بلا واسطة من كل ذرة من ذرات الكائنات 
( في الفتوحات 482 - 486 عن فروزانفر شرح 849 - 850 ) 

من هنا فكل جميل يصير قبيحا وكل عزيز ينقلب إلى ذليل اللهم إلا تلك الأصوات الموجودة في صدور الأعزاء وفي بواطنهم ، والبواطن كلها ثملة بما هو موجود في ذلك الباطن من معان ، والمعارف التي يصلون إليها في فنائهم ، فهم بمثابة حجر الكهرمان يجذبون الأفكار كما يجذب الكهرمان القش ، ويفيضون بها على من سواهم فكل العالم آكل فتاتهم ( انظر عن القطب وكيف أن كل العالم من أكلة صيده ، الكتاب الخامس ، الأبيات 2341 - 2354 وشروحها ) .


« 497 »
 
( 2107 - 2112 ) : يشبه روح عازف الصنج الشيخ بالطائر المائي وعالم الغيب ببحر العسل ويشير إلى قصة أيوب عليه السلام وإلى الآية الكريمة "ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ "( ص / 42 ) . . . وفي المأثور الإسلامي مساحة كل فلك من الأفلاك مسيرة خمسمائة عام وبين كل فلك وفلك مسيرة خمسمائة عام أخرى ( انظر شرح فروزانفر عن قصص الأنبياء 856 ) ( وانظر الكتاب الرابع الحديث عن أرض الله 2381 - 2384 وشروحها ) .
.

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا




عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الأبيات من 2115 - 2254 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 7:07 pm

الهوامش والشروح الأبيات من 2115 - 2254 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح الأبيات من 2115 - 2254 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح أنين الجذع الحنان عندما صنعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبرا 

( 2117 - 2118 ) : الصوت والكلام من آثار الوجود وكل ما يتصف بالوجود وجد وجوده من الله تعالى أصل الوجود ، ووجود الآخرين مستمد منه ، فالنداء الإلهى إذن هو أصل كل الأصوات وأصوات كل الموجودات انعكاس لصوته . والعالم السفلى في رأى الحكماء قابل للأمر من العالم العلوي والعالم البشرى في كل الأحوال ظل للعالم الإلهى ( نقلا عن الإمتاع والمؤانسة للتوحيدى عن فروزانفر ص 857 ) والله تعالى يسمع خلقه صوته بلا واسطة وهو في رأى الصوفية اتصال مباشر خلافا لرأى الحكماء ، وكذلك فإن لكل موجود بحسب إمكانه وافتقاره إتصالًا بالله تعالى " اتصال بلا تكيف ولا قياس " والله تعالى يبث أسراره لعبده حينا بالصوت ، وحينا بالإلقاء في القلب ، وهذا أمر ليس مخصوصا بالبشر لكنه أيضا عطاء يحدث أحيانا للجماد .
( عن فروزانفر 858 ) .
 
( 2121 - 2123 ) : "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ، شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ" ( الأعراف / 172 ) إشارة إلى يوم العهد ويوم الميثاق ويوم عقد ميثاق العبودية للبشر أجمعين مع الله سبحانه وتعالى وللصوفية معاني عديدة يستنبطونها من هذه الآية الكريمة ، ويقول مولانا هنا إن هذا النداء مستمر ومتصل ، ولا يرسل موجود من عالم العدم إلى الوجود إلا بعد أخذ الميثاق عليه ، ومجرد مجيئنا إلى عالم الوجود إقرار منا بهذه العبودية " الخلق هو الشاهد " .

 
« 498 »
 
( 2124 - 2130 ) : ليست هذه العطية خاصة بالبشر ولكن للجماد نصيب منها . . . ويسوق مولانا دليلا : " كان رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم يصغى إلى جذع وكان عريشا فكان يخطب إلى ذلك الجذع ، فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله نجعل لك شيئا تقوم عليه يوم الجمعة حتى يراك الناس ويسمع الناس ، قال نعم ، فصنع له ثلاث درجات فصعد النبي فقام عليه كما كان يقوم فأصغى إليه الجذع فقال له رسول الله : أسكن فقال النبي لأصحابه هذا الجذع حن إلى فقال النبي : أسكن إن تشأ أغرسك في الجنة فيأكل منك الصالحون وإن تشأ أغرسك رطبا كما كنت ، فاختار الآخرة على الدنيا ( مآخذ / 24 ) . وبناء على نفس هذه الروايات أنهم دفنوا الجذع في الأرض أو وضعوه في سقف المسجد ، ويروى البعض ان أبي بن كعب نقل الجذع إلى بيته بعد وفاة الرسول . صلى اللّه عليه وسلّم 
 
( 2132 - 2139 ) : إن الله سبحانه وتعالى يجتبى من خلقه من يراه أهلا لهذه العطية ، ومن كان جل شغله هو الله تعالى ، ومن ثم . . . فلا تتوقع من أحد لم يوهب عطية الأسرار أن يصدق أنين الجذع . . . وحتى إن صدق بلسانه فإنما يقوم بذلك خوفا من أن يُتهم ، وهناك من أهل التقليد والدليل من الفلاسفة والمعتزلة لينكرون هذا الأمر إنكارا تاما . . . ويرون أن الحياة شرط للإدراك ( انظر لتفصيلات أكثر في هذا الموضوع 1009 - 1029 وشروحها ) وكان حكماء الإسلام يعتبرون أقوال أرسطو وأفلاطون من قبيل الأصول الثابتة العلمية ( وهذا هو ما لا يصل إلى مرتبة الوهم بل هو في رأى مولانا نصف وهم . . . 
ومن قبيل الظن الذي لا يغنى عن العلم شيئا ) وقد أثار ابن سينا جدلا شديداً في أوساط الصوفية ( الغزالي ) والمفسرين على السواء ( فخر الدين الرازي ومدرسته ) فالفلسفة في رأى مولانا ذات جانب تقليدى ، والظن من صفات النفس ومن إدراك السالك الذي لا يزال في مقام النفس ( انظر لتفصيلات شرح فروزانفر 867 - 870 ) ومن ثم يصف مولانا بأن أدلتهم من قبيل الأقدام الخشبية . . . واهية . . . تنكسر عند أول حجر عثرة في الطريق .

 
« 499 »
 
( 2140 - 2153 ) : إن رجلا واحدا هو القطب " وهو شخص فريد محل نظر الله من كل الدنيا وهو موجود في كل عصر وعلى قلب إسرافيل " . . . والقطب - في رأى ابن العربى - هو مدار أمر الجماعة من البدلاء والأوتاد ، والأقطاب المحمديون إثنا عشر شخصا كل منهم تابع لواحد من الأنبياء ، والرأي السائد أن القطب واحد ويمسى أيضا بالغوث والغوث الأعظم 
( انظر عن القطب الكتاب الخامس ، الأبيات 2341 - 2354 وشروحها ) 
والقطب هو البصير ، ومن سواه عميان يتوكأون على العصى الخشبية ، فالعصى هي في الحقيقة أقدامهم ، وأهل القلوب هم الآخذون بأيدي عمى الأبصار ، ومن رحمة الله أن تستمر هذه الأقدام الخشبية 
( فلو لم تكن موجودة متى كان أصحاب البصائر يعرفون ؟ ! ! ) 
لكن أتراه يمنحك هذه العصا من أجل أن تهاجمه بها ؟ لما ذا لا تجعل منها عصا كعصا موسى تلقف ما يأفكون ؟ ! 
لما ذا لا تكون عصاك كالجذع الحنان تحن إلى الأنبياء والأولياء وتميل إليهم وتشتاق إليهم ، ألست ترى التشابه بين العصا و " عصى " ؟ ! ! وألم تقرأ " فعصى آدم ربه فغوى " وألا تعلم أن عصا موسى وتحولها إلى أفعى وأنين الجذع الحنان إمارة السلطة المطلقة الدائمة إلى يوم القيامة ( وهي النوبات الخمس ) .
 
( 2154 - 2164 ) : لو لم تكن لذة الدين من قبل اللذائذ التي لا تدرك بالعقل . . . لما كان الأمر في حاجة إلى بيان معجزات ، ومن ثم فإنك منكر لهذا الطريق لأنه بالنسبة لك طريق بكر وغير مطروق . . . وأنت تهرب منه بإنكاره ولا تقوى على مناقشته ، مثلما هربت الوحوش والجن من بني آدم لأنها لا قبل لها به وبصراعه ولا أمل لها في التغلب عليه ، وليت هؤلاء يهربون فحسب ، بل تراهم ينافقون ، ويتحدثون بألفاظ الشرع والتوحيد ، ويدسون فيها الشريف ، مثلما يدس حب الزوان ( حب الصرع ) في الخبز فيمرره ( أو مثلما يدس الثوم في حلوى اللوز ) . وأليس هذا المتفلسف يرى يده ورجله طوع أمره ؟ . . . فكيف إذن لم يفهم قوله تعالى "وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ

 
« 500 »
 
أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ" ( يس / 65 ) ويرى فروزانفر ( شرح / 882 ) . أن المقصود جماعة ممن كانوا يحاولون التلفيق بين الشريعة والفلسفة مثل أبى زيد البلخي ( متوفى 32 ) وأبى تمام النيشابوري وأبى الحسن محمد بن يوسف العامري وإخوان الصفا ، وليت مولانا قد عاش إلى زمن رأينا فيه الذين ينقضون الأحكام الشرعية وينكرون الحديث ويرون القرآن نصا إنسانيا ابن زمانه ويهاجمون الحدود ، يسمون بالمفكرين الإسلاميين ! ! ! ناهيك عن أولئك الذي يلفقون بين الماركسية والإسلام ! ! 
 
( 2165 ) : عن أبي ذر رضي الله عنه قال : كنا جلوسا مع النبي صلى اللّه عليه وسلّم فأخذ حصيات في كفه فسبحن ، ثم وضعهن في الأرض فسكتن ثم أخذهن فسبحن " ( شرح فروزانفر ص 882 عن دلائل النبوة للبيهقي ، ط مصر ) .
 
( 2189 ) : يطلق لقب المحتسب على عمر رضي الله عنه لشدته في أمور الحسبة .
 
( 2202 - 2205 ) : يتحدث عازف الصنج بمصطلحات الموسيقى ويجرى مولانا على ألسنة شخصياته دائما ما يتناسب مع صنعتهم والأدوار إثنى عشر هي نوى وأبو سليك وراست وعراق وأصفهان وزير افكند وبزرك وزنجوله وراهوى وحسينى وحجازي والزير على قسمين : صغير وكبير أحدهما في خفيض هذا المقام والثاني في جهيره ، والزير افكند تأثيره في ترطيب الطبائع والشعب أربعة وعشرون لأن لكل مقام شعبتين ( لتفصيلات شرح فروزانفر 888 - 890 ) .
 
( 2206 - 2209 ) : يا ربي ، أشكو إليك نفسي ، يا من أنت أقرب إلى منى "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" ( ق / 16 ) لكن أمنيتى كانت حجابا ، وها هو الحجاب يرتفع ، فليكن بصرك مثبتا عليه مثلما ثبت بصرك على من يهبك الذهب ويعده لك بحيث تذهل عن نفسك .
 
( 2210 - 2218 ) : يقول سيدنا عمر رضي الله عنه ( المرشد ) للشيخ عازف الصنج إن بكاءه
 
 
« 501 »
 
دليل على الصحو والحضور والانتباه ، وإثبات الوجود الجزئي أمام الوجود الكلى من قبل الذنب . . . فكأن مولانا يفضل السكر عن الصحو . . . فرؤية النفس ذنب عظيم ومن هنا قيل :
وإن قلت ما أذنبت قالت مجيبة * وجودك ذنب لا يقاس به ذنبأ
و ما يقول الحلاج :
بيني وبينك انى ينازعني * فارفع بلطفك إنيى من البين
وكل هذه بمثابة العقد في القصبة ، والقصبة إذا كانت مليئة بالعقد لا تصلح لأن تكون نايا ليبث الأسرار ، فأنت مع ذاتك سواء كنت في طواف خارج هذه الذات ، أو عدت من طوافك إلى دارك ، فأنت أيضاً مع ذاتك ، وهكذا فإنك لكي تتوب تضحى باستغراقك في الله ومن ثم فتوبتك أقبح من ذنبك ، إذ تنشغل في تذكر ماضيك ، " التوبة أن تنسى ذنبك " وقال جعفر الصادق رضي الله عنه :
التوبة غفلة عن الذنب ، وقال ذو النون : توبة العوام من الذنوب وتوبة الخواص من الغفلة ، وقال الجنيد : دخلت على السرى فرأيته متغيرا فقلت له : مالك ؟ قال : دخل على شاب فسألني عن التوبة فقلت له : أن لا تنسى ذنبك ، فعارضني وقال : التوبة أن تنسى ذنبك ، فقلت : الأمر عندي ما قاله الشاب فقال : لم ؟ فقلت : إني إذا كنت في حال الجفاء فنقلنى إلى حال الوفاء فذكر الجفاء في حال الصفاء جفاء ( مولوى 1 / 402 ) . 
وهكذا أنت : عندما تريد أن تخبر عنى المخبر فإن كل أخبارك تدل على جهلك ، . . . إنك تخبر عن نفسك وبمعيارك وميزانك في حين " ان ما توهمتم من شئ فتوهموا الله غيره " ، ( أحاديث مثنوى / 142 ) فأنت في أوان ذنبك عاكفٌ على موسيقاك ، وفي أوان توبتك تبكى وتنوح ، في حين أن " من عرف الله كل لسانه " فدعك من وجودك والاهتمام بوجودك حتى تصل إلى الله .
 
( 2219 - 2228 ) : وهكذا يكون تأثير المرشد في المريد : لقد حلت في الشيخ روح أخرى ، لقد

 
« 502 »
 
فرغ من الضحك والبكاء ومن السرور ومن الحزن ، وماتت روحه الحيوانية وحلت فيه روح قدسية ، فوراء كل هذه الأحوال حال الاستغراق في جمال ذي الجلال ، ولا يسفر هذا الحال إلا عن الحيرة ، والحيرة هي الصمت ، ومن هنا فالحديث لا يجوز هنا ، فالعقل الجزئي لا يستطيع الحديث عن الكلى ، اللهم إلا إذا واصل مرحلة الطلب ولم يقعد عنه ، فإن فعل ، يصل موج هذا البحر الكلى إلى العقل الجزئي ، وعندما وصل الشيخ عازف الصنج إلى هذا الحال ، كف تماما عن الكلام ، ومن هنا نترك هذه الحكاية ولم نقل إلا نصفها ! ! 
 
( 2229 - 2232 ) : يبدو ان حالا من البسط والسرور قد أصاب روح الشيخ عازف الصنج ، نتيجة لمعرفته بالله التي تتأتى من التضحية بمئات الأرواح ، فعد إلى صيد المعاني من أجمة الروح ، وانشر النور مثل شمس الدنيا . . . ولتجدد الحياة في هذا العالم القديم ، فإن المدد لا يزال يصل إلى نفسك وروحك من الغيب .
 
( 2234 ) : بعد المدد الروحي في قصة الشيخ عازف الصنج ، يقدم مولانا مددا أخلاقيا ( عن الإنفاق والإمساك ) ويمهد به للحكاية التالية من حكايات المثنوى ، والعنوان مقتبس من الحديث الشريف " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا ) ( أحاديث مثنوى / 24 ) .
 
( 2240 - 2242 ) : "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ" ( الأنفال / 36 ) والإشارة إلى كبار المشركين في موقعة بدر الكبرى وكانوا اثنى عشر شخصا ينحرون في كل يوم عشرة من الإبل لإطعام الكفار ومن ثم سموا بالمطعمين ، وقيل نزلت الآية في أبي سفيان الذي أنفق على المشركين في أحد أربعين أوقية من الذهب ، ليس كل إنفاق إذن محمود . . . أنظر فيم تنفق . . . وفي سبيل ما ذا تنفق .

 
« 503 »
 
( 2245 ) : الدعاء في الصلاة "اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ" أي اجعل أعمالنا كلها صحيحة النية وفي موضعها .
 
( 2246 - 2252 ) : " وما أنفقتم من شئ فإن الله يخلفه " والبيت الثاني ناظر إلى قول عيسى عليه السلام " ان استطعت ان تجعل كنزك حيث لا يأكله السوس ولا تدركه اللصوص فافعل " ( شرح فروزانفر ص 912 ) .
 
.

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا




عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الأبيات من 2255 - 2614 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 7:08 pm

الهوامش والشروح الأبيات من 2255 - 2614 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح الأبيات من 2255 - 2614 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح قصة الخليفة الذي فاق حاتم الطائي كرما في زمانه ولم يكن له نظير 
( 2255 ) القصة التي تبدأ بهذا البيت فيما يرى فروزانفر وردت في كتاب " روح الأرواح " لشهاب الدين أبى المظفر السمعاني من كتاب منتصف القرن السادس ( وحكى أن بعض الأعراب خرج قاصدا بعض الملوك يستمنحه فاستطاب الماء في بعض المراحل في الطريق فملأ مطهرته ماء ، فجاء إلى الملك ، فلما رآه ملأ مطهرته دنانير ، فقال له ندماؤه في ذلك فقال : جاء الأعرابي بما لم يكن له غيره ولنا من هذه الدنانير غير ما أعطيناه فاليد له ) ، كما روى فريد الدين العطار الحكاية في مصيبت نامه ورواها عوفي في جوامع الحكايات 
( انظر شرح مثنوى 918 ومآخذ / 24 - 27 ) وبطلها عندهما الخليفة المأمون وافتتاحية القصة وحوار المرأة مع زوجها تذكر بأبيات جرير في قصيدة مشهورة :
تعزت أم حرزة ثم قالت * رأيت الواردين ذوي امتناح
تعلل وهي ساغبة بنيها * بأنفاس من الشبم القراح
 
( 2264 ) : قال الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه : إن من بقاء الإسلام والمسلمين أن تصير الأموال عند من يعرف فيها الحق ويصنع منها المعروف ، وإن من فناء الإسلام والمسلمين ان تصير الأموال في أيدي من لا يعرف فيها الحق ولا يصنع فيها المعروف (عن جعفري 2 / 151).
 
( 2269 ) : إشارة إلى قصة السامري والعجل الذهبي الذي صنعه لبنى إسرائيل ليعبدوه عندما
 
 
« 504 »
 
ذهب موسى عليه السلام إلى الطور . ومسألة قبضته قبضة من أثر الرسول ( جبريل ) ونفخه الروح في العجل بهذه القبضة من الموضوعات التي أثارت أفكارا عديدة عند مولانا جلال الدين ، وعاقب الله السامري على فعله بألا يتصل بأحد ولا يتصل به أحد ، وقيل في الروايات : أن حكم الله تعالى كان يقتضى أن يصاب هو ولامسه بالحمى إن لمسه أحد « فاذهب فان لك في الحياة ان تقول لا مساس » قال نجم الدين " ان قصدك ونيتك فيما سولت لك نفسك أن تكون مطاعا متبوعا إلفا مألوفا فجزاؤك في الدنيا أن تكون طريدا وحيدا ممقوتا متشردا متنفرا تقول لمن رآك لا تمسني ولا أمسك فتهلك . ( مولوى 1 / 410 ) وقال الشاعر :
وأبدلنى من وحشة الأنس آنسا * وأبدلنى من لا مساس مساسيا
( 2271 ) : تريد أن تقول له : لا أنت في العير ولا أنت في النفير ، أي لا تستطيع ان تغزو ولا تستطيع ان ترعى أو تعطى .
 
( 2275 - 2293 ) : ينصرف مولانا إلى من يطلبون الحكمة من غير أهلها نظرا لاحتياجهم الشديد وافتقارهم إلى الإرشاد . فإذا نزلت فانزل على كريم واطلبوا الخير من حسان الوجوه ، " ولا تأكل إلا طعام تقى ولا يأكل طعامك إلا تقى " ( حديث نبوي ، استعلامى 1 / 338 ) وما أشبه هذا المرشد بطبيب يداوى الناس وهو عليل :
وغير تقى يأمر الناس بالتقى * طبيب يداوى الناس وهو عليل
( شرح فروزانفر 967 ) .
إن أمثال هؤلاء المرشدين الكذابين سود الباطن ، عجزوا عن تربية نفوسهم فكيف يقومون بتربية نفوس الآخرين . . . انه شديد الادعاء . . . ظاهره يقول إنه آدم ( صاحب علم الأسماء ) وشيث ( ابن آدم ومظهر الوجود والخلق عند الصوفية ) ( استعلامى 1 / 339 ) ، يتحدث حديث أبي يزيد
 
 
« 505 »
 
البسطامي ، وباطنه أسوأ من باطن يزيد بن معاوية الملعون ، وهو ينادى المخدوعين فيه ، يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ، ويذكرون بما قاله أعشى قيس :لعمري لقد لاحت عيون كثيرة * إلى ضوء نار في يفاع تحرقووعد الغد في المأثور الفارسي أي الوعد الذي لا يتحقق أبدا النسبة للغد الذي لا يأتي ، فافتضاح أمثال هؤلاء المدعين يحتاج إلى وقت حتى يظهر تحت هذا الظاهر المزدان : أيوجد كنز المعاني أم جحر حيات أو نمال ، ويقول سعدى " خبث النفس لا يظهر في سنوات " ( كلستان عن فروزانفر 973 ) .
 
( 2294 - 2298 ) : يحس مولانا أن هذه التعاليم قد تؤيس الطالب فيقول ان نور الحق وصدق النية قد يجعل النور ينبثق من داخله فيصل هو بينما يكون المرشد ضالا مضللا ، وهذا هو جزاء المتحرى عن القبلة إن أخطأها في الظلمة ، والقبلة هي وجه الحق ، والظلمة هي المرشد الكذاب المدعى المضلل ، تقول المرأة : ان الفقر ظاهرٌ علينا لا يمكن إخفاؤه ولا يجوز إخفاؤه . . .
وخبث المدعى في باطنه فله الحق في أن يخفيه - فكيف نخفى ما هو واضح من أجل هذه الأقوال البالية التي تقولها ؟ ! ! ( المرأة النفس والرجل العقل ) .
 
( 2302 - 2314 ) : " لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " ( حديث نبوي ، أحاديث مثنوى / 169 ) والبازي ( رجل الطريق ) صرف بصره عن جيفة الدنيا ( الدنيا جيفة وطلابها كلاب ) فصار ساعد المليك موطنا له . . . والخلق كلهم عيال الله ، ان هذه الشكوى في الحقيقة هي من كبريائنا ، ولو تفتح بابا من عمل الشيطان ، وينبغي ان يعتاد المرء الألم والشكوى من الاهتمام بلذائذ الحياة ، والألم هو جزء الموت ورسوله ، فإن لم تتحملى هذا الألم الجزئي ، فكيف يكون تحملك للألم الكلى ( سكرات الموت ) ؟ ! !
وأشد الناس عذابا بسكرات

 
« 506 »
 
الموت هو الحريص على الدنيا ، الباكي على فوت لذاتها ، المغتر بها فيها " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد " فإن تحملت آلام الحياة كان موتك حلواً ، وإلا فإن الخراف السمينة هي التي تساق أولا إلى الذبح .


( 2315 ) : البيت في أغلب النسخ يا " تمُر " وهو إضغام اسم تيمور من الأسماء التركية الشائعة ويرى أغلب الشارحين أن مولانا يخاطب سامعا وهميا وكثيرا ما يذكر الأسماء في طيات المثنوى مثل أبى الحسن وأبى العلا وغيره . وذكر المولوي الكلمة " ثمر " وقال إنها اسم زوجة الأعرابي ، بينما ملت في النص إلى رواية جعفري يا قمر على أساس ان الأعرابي يتحبب إلى زوجته حتى تقلع عن مطالبتها إياه بالنفقة .
 
( 2323 ) : إشارة إلى قصة الأعرابي والعالم التي سترد في الكتاب الثاني وفي هذا إشارة إلى قول أرباب الشهود " وضع الله خمسة أشياء في خمسة مواضع العز في الطاعة ، والذل في المعصية ، والهيبة في قيام الليل ، والحكمة في البطن الخالي ، والغنى في القناعة " ( مولوى 1 / 417 ) .


( 2324 ) : سيأتي تعريف القناعة عند الصوفية في بيت لاحق .
 
( 2326 ) : في العنوان إشارة إلى الآية الكريمة "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ" ( الصف / 2 - 3 ) .
 
( 2329 ) : إشارة إلى الحديث " خير الناس غنى متواضع ، وشر الناس فقير متكبر " أو كما قال صلى اللّه عليه وسلّم " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم : شيخ زان وملك كذاب وفقير متكبر " ( انقروى 1 / 457 ) .
 
( 2330 ) : "وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ" ( العنكبوت / 41 ) .
 
( 2331 - 2334 ) : عرف ابن خفيف القناعة بأنها ترك التشوف إلى المفقود والاستغناء

 
« 507 »
 
بالموجود " وعرفت " القناعة سكون النفس عند عدم المألوفات " وتريد المرأة ان تقول أن زوجها يتشوف مثلها إلى حياة أفضل وأن هذا لا يتفق مع القناعة التي يدعيها . . . إن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم فسر القناعة بأنها " كنز لا يفنى " أي خزينة جارية . . . فهل تجرى هذه الخزينة داخلك وما إمارتها عليك ؟ ! ! 
وأنت دائما يغلب عليك الحزن والقلق 


 
( 2338 - 2352 ) : تقول المرأة : أتراك أعقل منى؟ ومتى رأيتني ناقصة عقل؟ وهل تسمى هذا العقل الذي هو لك عقلا ؟!! 
انه عقيلة تحبسك عن الانطلاق والطموح وتضع العراقيل في طريقي ، وهو ليس بعقل ، إنه ثعبان ، وأنت كالمشعوذ تظن هذا الثعبان صديقا لك وهو في الحقيقة عدو لك ، يخدعك كما تخدعه ، ، ويشعوذ لك كما تشعوذ له ، وهو يتوعدك ويتهددك بأن رقيتك التي لم تتطلسمه ، بل طلسمه اسم الحق ، والحق سوف يأخذ بحقه ، فكأنها شبهت نفسها بالحية ( وليس ذلك غريبا في المأثور الديني ) وشبهت زوجها بالمشعوذ ( آدم وحواء والحية كلهم شركاء في الخطيئة ) ، لكنها تتصل : إنه هو الذي يسحر لها ويطلسمها بكلامه هذا ، والله المنتقم الجبار سيجعل انتقامه منه إما عن طريقها ، وإما سيحمله إلى السجن مثلما حملها هو إلى سجن الفقر .
 
( 2353 ) : الإشارة في العنوان إلى الحديث النبوي " الفقر فخري وبه أفتخر " والفقر فقهيا عدم امتلاك نصاب الزكاة ، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه هو السؤال والتكفف . والفقر عند الصوفية " ألا تملك شيئا ولايملكك شيء " وهو أيضا الاحتياج إلى الله تعالى وعدم الاحتياج إلى الخلق ، وانتظار ما عند الله تعالى ، لا ما عند الخلق " 
قال عبد الله الأنصاري : الفقر على ثلاث درجات : فقر الزهاد وهو نفض اليدين عن الدنيا وإسكات اللسان عنها مدحا أو ذما والسلامة منها طلبا أو تركا ، والثانية : الرجوع إلى السبق بمطالعة الفضل ، والثالثة : صحة الاضطرار في التقطع الوجداني والإحتباس في قيد التجريد والمراد من أن " الفقر سواد الوجه في الدارين " التبري من الانتفاع والتمتع في العالمين بعدم المحبة ، فإن من خلت يده من الذهب والفضة وقلبه مملوء


 
 
« 508 »
 
بحبهما فهو متصف في هذه الدنيا بسواد الوجه باعتبار خلو يده منها ، وفي العقبى لحبه لهما ( مولوى / 1 - 422 ) ويرى ابن الداية أيضا ( منارات ص 481 ) أن الفقر على ثلاث درجات : فقر العوام وهو بعدم المال فيكون المرء كما ولدته أمه ، وفقر الخواص ، وهو بعدم الآمال والخروج من أحكام الصفات كما كان في عالم الأرواح ، وفقر الأخص وهو بعدم الوجود كما كان في علم الله من قبل إيجاده بالوجود ليكون عبدا مملوكا لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه . والفقر الحقيقي بالحق ، به يقوم وجود العبد وصفاته وحوله وقوته بوجود الحق تعالى وهو الغنى الحقيقي ( سبزواري ص 67 ) . 
والافتقار إلى الله والاستغناء بالله حالتان لا تتم إحداهما إلا بالأخرى ، سئل محمد بن عبد الله الفرغاني عن الافتقار إلى الله أتم أم الاستغناء بالله ؟ فقال : إذا صح الافتقار إلى الله صح الاستغناء به ، وإذا صح الاستغناء به ، كمل الغنى به " ( منارات ص 485 ) فليس الأمر فقرا أو غنى ، فالغني الصالح الذي يرى أنه مستخلف في ماله ، ويقوم فيه بحق الله ، ولا يشغل بالتكاثر فقير في رأى الصوفية .
 
( 2360 - 2363 ) : يذكر هذا المعنى ببيت مسروق بن الأجدع :بأن ثراء المال ينفع ربه * ويثني عليه الحمد وهو مذممكما يشير إلى الحديث النبوي " العلم والمال يستران كل عيب ، والجهل والفقر يكشفان كل عيب " ( عن شرح فروزانفر ص 1003 ) وللإمام علي رضي الله عنه " إذا أقبلت الدنيا على أحد ، أعارته محاسن غيره ، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه " ( عن جعفري 2 / 178 ) ( 2374 ) إشارة إلى ما ورد في الكتاب الرابع الأبيات 3544 - 3556 .
 
( 2376 - 2381 ) : الخبر الوارد هنا لم يرد بنصه في مصدر قبل مولانا ، وإن كانت له سوابق عديدة بمعناه ، وإلى مثل هذا المعنى أشار مولانا في الكتاب الرابع ( في البيتين 350 - 351 )
 
« 509 »
 
ويصف الإمام الغزالي الرسول عليه السلام بقوله " كانت شمائله وأحواله شاهدة بصدقه حتى أن العربي القح كان يراه فيقول : ما هذا بوجه كذاب " والمعنى كله ورد في بيت لابن الرومي : 
أنا كالمرآة ألقى كل وجه بمثاله .
ووردت حكاية شبيهة لها في التمثيل والمحاضرة عن سقراط " 
وقالت له امرأة معروفة بالمجون والسرف على نفسها : يا شيخ ما أقبح وجهك 
فقال لها : لولا أنك من المرايا الصدئة لبان حسن صورتي عندك " ( شرح فروزانفر 1009 - 1010 )
 
( 2382 - 2388 ) : يخاطب الرجل زوجته : إنك ترينني طامعا ، وما هذا الطمع الذي ترينه في إلا ما هو داخلك انعكس فرأيته فيّ ، وإن سموت عن هذا الفكر لرأيتنى ساميا ، فأي طمع عندي وقد رحمني ربي فصرف عني الطمع الدنيا ، والفقر فيه الغنى المضاعف ، أي غنى الدنيا وغنى الآخرة ، والعز الإلهي كامن في الفقر ، فهو شعار الأولياء وحلية الأصفياء . 
وسئل الجنيد عن أعز الناس فقال : الفقير الراضي . وقال معروف : إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله ، وزوى عنه الخذلان ، وأسكنه بين الفقراء . 
وإذا أراد الله بعبد سوءا زوى عنه العمل ، وابتلاه بالخذلان وأسكنه بين الأغنياء فإذا نظر إليهم ، إستعظم غناهم . ( مولوى 1 / 427 - 428 ) ويواصل الأعرابي مخاطبة زوجته : لكن إذا أردت أن تصلي إلى هذا المعنى أن تتركي بيع الخل " كناية عن العبوس " فإن الرضا هو الذي يجعلك تدركين هذه المعاني ، وكثيرون هم الذين يتحملون أنواع المرارة والبلايا ضاحكين راضين سعداء ، فكل ما يأتي من الحبيب خير ، ولو أدركت فيك إستعدادا أكثر لتقبل الحقائق لقلتها لك .
 
( 2389 - 2396 ) : يعود مولانا إلى إحدى الأفكار التي مرت بنا في الكتاب الذي بين أيدينا ، وهي أن المتكلمين يتكلمون بقدر همم المستمعين ، كما تكررت الفكرة في كل كتب المثنوى ( على سبيل المثال لا الحصر أنظر : الكتاب السادس الأبيات 1663 - 1670 وشروحها ) فاللبن لا يفور من
 
 
« 510 »
 
الثدي ما لم يكن هناك رضيع يرضعه ( في مناقب العارفين يروى أن جمعا من المريدين كانوا يريدون الاستماع إلى مولانا ولم يكن حسام الدين حاضرا فاستأذن معين الدين بروانه في إستدعائه ، فأذن له ، لأنه جاذب للبن المعاني من ثدي الحقائق " ( عن شرح فروزانفر 1013 - 1014 ) ومثله ما نقل عن الحسن البصري أنه كان ينزل عن المنبر إن لم تكن رابعة حاضرة ويقول : الشراب الذي أعددناه للفيلة لا يقوى عليه النمل " ( استعلامي 1 / 345 عن تذكرة الأولياء للعطار )
 
( 2436 - 2443 ) : إشارة إلى الآية الكريمة "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ" ( آل عمران / 14 ) واختلف المفسرون حول من زين . قال المعتزلة : هو الله زينها لإختبار خلقه ، بينما يرى الحسن البصري وبعض المعتزلة أن الذي زينها هو الشيطان ، وقال بعضهم : كل ما هو واجب ومستحب زينه الله تعالى ، وكل ما هو حرام زينه الشيطان ، ويرى الأشاعرة في سياق أن كل الأفعال من خلق الله تعالى أن الذي زين هو الله تعالى ( فروزانفر - شرح - ص 1024 ) . روي أن عمرا رضي الله عنه قال عندما نزلت الآية : الآن يا رب وقد زينتها لنا كيف نتركها ؟ وفي البيت التالي يشير إلى الآية الكريمة "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها" ( الأعراف / 189 ) ، 
وفي البيت 2439 إشارة إلى ما مر في البيت 1983 من الكتاب الذي بين أيدينا ( عن العلاقة بين الرجل والمرأة أنظر أيضا الكتاب الثالث 4412 - 4423 وشروحها - وعن الشهوة الجنسية وتأثيرها في الرجل أنظر الكتاب الخامس الأبيات 943 - 962 وشروحها ) 
وتصوير الرجل بالماء والمرأة بالنار تصوير معتاد إلا أن مولانا يزيد هنا بأن الماء غالب على النار ، إلا أن النار تغلب الماء إن كان ثم حجاب ، والحجاب هنا هو الشهوة .
 
( 2446 - 2448 ) : الحديث المذكور في العنوان على أنه حديث نبوي ليس حديثا نبويا بل نقل بتصرف لقول منسوب إلى معاوية بن أبي سفيان " يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام "
 
 
« 511 »
 
( شرح فروزانفر 1032 - 1033 ) ويفسر المولوي ذلك بأن أصحاب القلوب يُغلبون لهن لأنهم أصحاب مروءة ( 1 / 437 ) أما الجاهل فيغلبهن لأنه لا ينقاد ولأن نفسه مسلطة عليه ، ويقول فروزانفر ( شرح 1033 ) لأن العاقل يعلم أن على المرأة تربية الأطفال ورعاية المنزل وأن اللجاجة في الخصومة معها تنتج أطفالا غير أسوياء ، والعاقل إنما يفعل ذلك طلبا لراحة البال والطمأنينة اللازمة لمواجهة الحياة ، بينما يفسر مولانا جلال الدين نفسه ذلك بأن الرقة في المعاملة مع النساء من طبيعة " الإنسانية " بينما تغلب على الجهال الطبيعة الحيوانية ، والحب من خواص الإنسان كما ذكر في البيت 2443 وهذا لعلو مرتبته وليس من خواص الحيوان .
 
ثم يأتي البيت 2448 وهو الذي أثار كثيرا من النقاش وبخاصة في شطرته الثانية ، فبينما ترجمة المولوي صراحة " كأنك إن شاهدت ذاك الحسن - أي حسن المرأة - تقول خالقة بحسب كونها مظهر الحسن من حيث تأثيره فيها تعالى بالحسن والمرأة موصوفة بالخلاقة التي هي بمعنى المسوية والمقدرة والمربية ، قال تعالى :فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَأي المقدرين أو نقول : حسن المعشوقة ضياء وشعلة الحق وليس هو حسن المعشوقة ، والمحبة له محبة للخالق ليست محبة للمخلوق وهذا أسلم ( 1 / 438 ) واستشهد أنقروي ( 1 / 474 )
 ببيت ابن الفارض :وكل مليح حسنه من جمالها * معار له ، بل حسن كل مليحة .ويقول استعلامي : ونلاحظ أنه لا يتقدم في تفسير البيت تقدم المولوي أن المحبة للمرأة هي محبة لشعلة الخالق فيها ، ولا يتعرض لتعبير " المرأة خالقة " الذي تعرض له المولوي ، ويرى فروزانفر رأيا قريبا من هذا الرأي ويذكر أن الشارحين القدامى إنما تبعوا ابن عربي في تفسيره محبة الرسول عليه السلام للنساء " في الفص المحمدي من فصوص الحكم " أن ظهور المحبة يكون أقوى في المرأة لأن محبة الرجل تبدو فيها إذ يرى الحق في ذاته بظهور الفاعلية ، ويمكن مشاهدة الخلق في المرأة عن طريق الفعلية وقابلية الفعلية ( الخلق ، فهي التي تربي النطفة
 
 
« 512 »
 
وتوصلها إلى مرحلة الجنينية ، وهذا هو جانب الفاعلية ) ( فروزانفر - شرح - ص 1036 ) والواقع أن البيت يحتمل تفسيرات عديدة ، وقد يكون مقصود مولانا أنها خالقة للشخصية والصفات الذميمة والحسنة في الرجل ، تجعل منه شجاعا أو جبانا ، جوادا أو خسيسا ، ممتلئا أو فارغا .
 
( 2451 - 2453 ) أنظر شروح الأبيات : 1240 - 1243 من الكتاب الذي بين أيدينا .
 
( 2458 - 2470 ) : في أبيات سابقة تحدث مولانا عن أن الخير والشر يقيمان هنا بميزاننا ، وهما في الحقيقة تجليان لقدرة واحدة هي قدرة الحق سبحانه وتعالى ، ويذكر مولانا هنا موسى وفرعون كمثال ، فكلاهما في نظره سالك ، لكن أحدهما اهتدى بينما ضل الآخر ، وكلاهما راضخ للمشيئة الإلهية . ( والمعنى وارد في معارف بهاء ولد ص 220 ) وعند ابن عربي يموت فرعون مؤمنا " فقبضه طاهرا مطهرا من الآثام ، ليس فيه شئ من الخبث ، لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام " ( عن شرح فروزانفر 1040 ) وهذا مخالف في الحقيقة لنص القرآن الكريم ، فالله تعالى كان يعلم حقيقة إيمان فرعون ، وأنه آمن خوف الموت - وفي الأبيات يبدو فرعون بطلا تراجيديا ، الضلال قدره ، ولا فكاك له منه ، وهو يعرف أنه ضال ، ويبكي ويناجي الله : هكذا خلقه وهكذا خلق موسى ، وأنه - أي فرعون - لا شأن له بخلق الله ، لقد خلق موسى قمرا وبدر تمام ، لكنه خلق قمر فرعون في خسوف ، والناس يدقون الطسوت عند خسوف القمر ( لا زالت عادة متبعة في بعض مناطق ريف مصر ) ويلعب مولانا على معنى آخر من معاني دق الطسوت : الإفتضاح ، وفرعون مفتضح بادعاء الألوهية . ويرى فروزانفر في تفسير آخر " أن موسى كان مظهرا لاسم الهادي وفرعون كان مظهرا لاسم المضل " ( شرح ص 1041 ) وإلى مثل هذا التفسير ذهب بهاء ولد في المعارف ( ص 220 ) : أكان فرعون وإبليس لا يعرفان حقيقة آدم وموسى مع كل هذه المعجزات ، لكن قيد القهر كان يحفظ كلا منهما في موقعه قائلا : أيها الكلبين ، مكانكما هو هذا المكان . وتشير الأبيات إلى فكرة أخرى هي جبرية
 
« 513 »
 
فرعون ( أشار مولانا فيما سبق إلى جبرية إبليس ) فالمثل الذي يضربه فرعون عن البستاني الذي يقلم أغصانه ، فيترك بعض الأغصان مقطوعة ، ويأخذ أغصان أخرى فيزرعها أو يطعم بها ، تشير إلى مخاطبة الحق بأن كل ما يجري في الحقيقة إنما يجرى منه جل وعلا عن ظلم عبيدة علوا كبيرا ، والمعنى موجود صراحة في قصيدة مشهورة للشاعر ناصر خسرو ( ديوان ص 364 - 368 ) .
 
( 2471 - 2477 ) : يصور مولانا فرعون بأنه من أصحاب التلوين ، فهو في النهار فرعون الجبار الطاغوت مدعي الربوبية المسلط على أرواح الخلق ورقابهم وأرزاقهم ، وفي الليل العبد الضعيف المسكين الذي يجأر إلى الله تعالى بالشكوى من أنه خلقه هكذا ، ويعترف بأنه عبد ومن تراب ، إلا أنه حين يلتقي بموسى يتبدل لونه ، وتبدو كل شقوته ، والإشارة هنا إلى جدلية نفسية وهي أن المتصف بصفة سيئة لا يطيق في الحقيقة أن يرى من يتصف بعكسها ، فالجاهلون لأهل العلم أعداء ، فالجاهل لا يطيق رؤية العالم والجبان لا يطيق رؤية الشجاع ، لأن في رؤيته تحريكا لسخائم قلبه ، وتجلية لصفته السيئة وباطنه السيء ، هذه هي طبيعة البشر ، فما بالك إذا كان أحد الأطراف نبيا كرم بأكبر قدر من النور الإلهي والطرف الآخر رأسا من رؤوس الكفر يضرب به المثل في الكفر والظلم طوال العصور ! ! ويتذرع فرعون بأنه هكذا خلق ، وهكذا أراد الله له ، هذا هو حكم " الخلق " ، ، قال له " كن " هكذا " فكان " هكذا ، ولا يستطيع أن يهرب من هذا المصير ( أنظر شرح البيت 615 من الكتاب الذي بين أيدينا وتفصيلات للفكرة في الكتاب الخامس الأبيات : 1687 - 1692 وشروحها )
 
( 2478 - 2484 ) : اللالون وعالم اللالون هو الوجود المطلق الذي لا يكون مقيدا بشكل أو بصورة أو مكان أو زمان ، وهو عالم المطلق والإطلاق وعالم الوحدة وعالم المعنى وعالم الغيب ، ويصبح أسيرا للون أي ينطلق من الإطلاق إلى التعين ويحد بصورة ولون وجسم . وموسى هنا
 
 
« 514 »
 
هو كل مظهر من مظاهر الصفات الإلهية ، فهذه المظاهر تتمايز في عالم الصورة وتتضاد وتتقاتل فيما بينها ، ونحن - لأننا أسرى النفع والضر في عالم التراب - نرى أحدهم موسى ونرى آخر فرعون ، وأنت إن فرغت من هذا العالم المادي ووصلت إلى عالم الوحدة وانعدام اللون ، لن تجد مظاهر الكون في حالة قتال ، ستعود إلى الحالة التي كنت عليها في الأصل قبل هبوطك إلى عالم الأجساد والألوان ، والقيل والقال كناية عن النزاع حول مظاهر عالم المادة ، ولقد ولد كل مولود من بني آدم على الفطرة أي بلا لون ، ومن العجب أن يشتبك من له لون " فرعون " مع من لا لون له " الخالق " ويرى مولانا أن الزيت أصله ماء ( هو بالطبع ماء مع مواد أخرى ) 
فكيف يكون له هذا التضاد مع الماء بحيث يطفو فوقه ولا يذوب فيه ، وإن الورد ليخرج من الغصن الشائك فكيف يكون بينهما هذا التضاد ؟ 
وإذا كانت كل المذاهب تنبثق من أصل واحد ، فلما ذا هذه الحروب وهذه الخلافات الدموية ؟ ( استعلامي 1 / 349 - 350 ) 
أليست العودة إلى عالم الوحدة حلا لكل هذه الخلافات ؟ ففي عالم الخلق وفي العلم الإلهي : لا عداوات ( فروزانفر 1049 ) .
 
( 2485 - 2493 ) : يعود مولانا فيقول : لعلها ليست حربا ، أو لعلها حرب مصطنعة مثل جدال بائعي الحمير فيما بينهم " لتصريف البضاعة " أو في مصطلح آخر من مصطلحات مولانا جلال الدين جرى مجرى الأمثال : جدال الصاغة ، أو لعلها ليست هذا وليست ذاك بل لجعل سوق الحكماء رائجا ، وليحتدم الجدل بينهم ، أو ربما هي حيرة : حيرة إثبات لا حيرة إنكار 
( أنظر شرح البيتين : 313 - 314 من الكتاب الذي بين أيدينا ) 
يقول ابن العربي " ما للهدى هو أن يهتدى الإنسان إلى الحيرة ، فيعلم أن الأمر حيرة ، والحيرة قلق ، وحركة الحركة حياة " ، وهذه الحيرة هي التي تحل المشكلات للسالك ، الاستغراق في محبة الصانع الذي يصرف السالك عن الاستغراق في المصنوع ، ونحن نعتبر أو هامنا وأفكارنا حلولا ، في حين أن هذا الوهم هو الذي


 
 
« 515 »
 
يبعدنا عن الحقيقة . ويقارن مولانا بين عالمين : عالم نظن أنه وجود وهو عدم يبدو وجودا ، وعالم نظن أنه عدم وهو أصل كل الموجودات ( عن تفصيلات للفكرة أنظر الكتاب الخامس الأبيات 1027 - 1037 وشروحها ) ، 
ومن اهتم بالعدم الذي يشبه الوجود فقد كل شئ ، ومن إعتبر نفسه عدما أدرك كثيرا من الموجودات ، والمولود الذي يأتي من عالم العدم صارخا لأنه قد رد عنه وطرد منه ، فأنت في الحقيقة لست هاربا من العدم ، لكن العدم رآك غير أهل له فردك ، وهذه هي الأمور المعكوسة التي يتحدث عنها مولانا كثيرا ترى نفسك كارها للعدم والعدم هو الذي يكرهك ، مثلما كان فرعون يكره موسي ، في حين أن المفروض العكس ، والعدم أيضا هو السالك الذي خلص من الوجود ونجا من كل ما هو موجود . ( فروزانفر - شرح ص 1056 ) .
 
( 2494 - 2500 ) : الآية المذكورة في العنوان " خسر الدنيا والآخرة " جزء من الآية 11 من سورة الحج ، والأشقياء هم الذين يترددون بين الكفر والإيمان ، وتؤثر في إيمانهم ظواهر الأمور ، ويعبدون الله على حرف فإن أصابهم خير إطمأنوا به ، وإن أصابهم شر انقلبوا على أعقابهم خسروا الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين . والحكماء يبنون معتقداتهم على ما يرونه من ظواهر الدنيا . والمثل هنا مأخوذ من ابن سينا من طبيعيات الشفاء وقال جعفري ( 3 - 220 )
 أن الأصل لبطلميوس " وقائل أنها كروية ، وأنها ساكنة ولا تتحرك ، وإنما لا تتحرك لأن الفلك يجذبها إلى الجهات جذبا متشابها فلا يكون جهة أولى بأن تجذب إليها من جهة ، كما يحكى عن صنم كان في بيت مغناطيسي الحيطان والقرار والسقف ، وكان قد قام في وسط البيت منجذبا إلى السطوح الست بالسوية ، كما وردت صفة هذا الصنم المعلق في منظومة كرشاسب نامه لأسدي الطوسي ، كما ذكر بعض المؤرخين هذه الصفة عن صنم سومنات المعلق في ذلك المعبد الموجود في الهند والذي فتحه السلطان محمود الغزنوي ، لكن أغلب المؤرخين قالوا أنه كان من الحجر ( شرح فروزانفر صص 1091 - 1094 ) .


 
 
« 516 »
 
( 2501 - 2507 ) : يشبه مولانا وضع بواطن أهل الضلال بالنسبة لأهل الكمال بوضع الأرض بالنسبة للأفلاك ، فأمثال فرعون يبقون معلقين في ضلالهم ، لأن رجال الحق يطردونهم من كل ناحية ، فالدنيا تردهم والآخرة تردهم ، ومن ثم فإن عصيان الضالين لأهل الكمال ، ويقابل أيضا بكراهية من أهل الكمال يرد منهم ، فإن شاءوا جذبوك بروحانيتهم كما يجذب حجر الكهرمان القش ، لكنهم يحجبونها عنك لأنك لا تستحقها ، فيتحول تسليمك إلى عصيان ، وكما أن الإنسان مسلط بكل قواه على الحيوان ، فإن الأولياء مسلطون أيضا على الإنسان .
 
( 2508 ) مفاد هذا البيت أن الناس عباد للأولياء والمرشدين ، فحين إرشاد الأمم دعا عبده أحمد صلى اللّه عليه وسلّم وقال له : أدعُ كل خلق العالم وقل " يا عبادي " أي قل مبلغا عن الله تعالى " يا عبادي " ، وإذا كان لفظ " عبادي " هو لفظ الله ، إلا أنه مبلغ من الرسول عليه السلام والرسول جرى على لسانه يا عبادي بياء المتكلم ، ومن شأن الولي التصرف في الذي ملكه ولو كان ملكه على سبيل المجاز ، وهذه رتبة قرب الفرائض ، لأن من اخلص لله بالعبودية ، كانت جميع الخلائق عبيده ، فالناس عبيده وهو مولاهم ، وهم أيضا عبيد خلفائه يتصرفون فينا بتصريف الله لهم فينا . ( مولوي 1 / 449 ) .
 
( 2509 - 2512 ) : جسد الإنسان بمثابة البعير ، وعقله هو حادي هذا البعير ، وعقول البشر - بالنسبة للأولياء - بمثابة الإبل والقافلة ، والأولياء هم الحداة والأدلاء لهذه القافلة ، يقودونها برغم عدم ميلهم إلى الانقياد لهم ، فانظر إليهم ببصيرة الاعتبار . . . أي جمال وأي حاد ؟ ! ! ! مالي أضرب أمثالا ناقصة ؟ ! إن الأمر يحتاج إلى بصيرة ترى الشمس .
 
( 2513 - 2516 ) : الخلق كلهم مسرون ومصلوبون في ليل الغفلة في انتظار أن تسطع عليهم شمس الولي ، لكنك سوف تنكر أن يكون الولي شمسا ، فكيف تختفي شمس في ذرة هي ( ظاهر الولي ) ؟ وأسد ( روح الولي ) في إهاب حمل ( جسده ) ؟ كيف يختفي البحر المواج بأمواج المعاني
 
 
« 517 »
 
تحت قشة ؟ ( جسد الولي الذي غالبا ما يكون مهدودا ونحيلا من الرياضة ) لكنك في تردد وخطأ وظن في معرفة الولي الكامل ، لكن رحمة الله كامنة في ظن كهذا ، فإن لم يعرف الظانون أهل الحق ، فإن قيمة أهل الحق تزداد بهذا الجهل لهم من قبل من لا يستحقونهم ، وقد يكون هذا الإنكار أيضا سببا في يقظة الظمآنين وإرشادهم ( إستعلامي 1 / 352 ) .
 
( 2517 - 2520 ) : الولي فرد عبارة لشمس الدين التبريزي ( مقالات ص 171 ) ، وهذا لا يعيب الولي ، فكل نبي بعث فردا ، لكن نفس هذا الفرد كان العالم الأكبر قد إنطوى فيه " أنظر لتفصيلات الفكرة مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع : الإنسان ذلك العالم الكبير ) هذا النبي رآه البلهاء فردا وضعيفا وحزينا ، ومتى يكون ضعيفا وحزينا ذلك المتصل بالملك الأكبر .
 
( 2521 ) : بمناسبة الجسد والعقل " البعير والحادي " يتوارد إلى ذهن مولانا قصة من قصص القرآن الكريم هي قصة الناقة وثمود وصالح عليه السلام . لقد كانت معجزة صالح لقومه ناقة خرجت من صخر الجبل " وكأنها مولودة من ناقة " بتعبير آخر لمولانا جلال الدين ، ثم وضعت فصيلا قويا ، واتفق صالح مع قومه أن يشربوا من ماء القرية يوما ثم يتركونه يوما للناقة وفصيلها " لكم شرب ولها شرب يوم معلوم " وذلك اليوم يشربون من لبن الناقة . لكنهم نكصوا العهد وعقروا الناقة فحق عليهم العذاب على ما فصلته كتب التفسير وفصله مولانا جلال الدين في النص ( انظر قصص الأنبياء للثعلبي صص 66 - 72 ) .
 
( 2523 - 2533 ) : وصفت ناقة صالح في القرآن الكريم في موضعين بأنها " ناقة الله " ( هود / 24 والشمس / 13 ) ، لقد كانت ترعى في أرض الله وتشرب من ماء الله ، فبخل عليها أولئك الأخساء برزق الله ، فحق عليهم العذاب ، وما أشبه ناقة صالح هذه بذوات الصالحين أو صورهم الظاهرة وأجسادهم ، فهي آية من الله تحتوي على معجزات إلهية ، بينما ينظر إليها الطالحون كمجرد أجساد ، فيكون من هذه النظرة هلاكهم وحرمانهم . والروح بمثابة صالح ، والجسد هو

 
« 518 »
 
المظهر الظاهر لهذه الروح ، ومهما تلقى الجسد من طعنات ، تظل الروح بلا نقصان ، وربما تكون الطعنات التي تصيب الجسد خلاصا للروح وعلوا في مقامها ، لقد كان العدوان على ناقة صالح أو ذات صالح وجسده ، ولم يصب صالح بأذى ، لكن الثمن والفدية كان مدينة بأكملها ، فلقد كان العدوان على المعجزة وعلى المظهر والدلالة ، كان تحديا للروح ووقوفا أمام الكمل والواصلين وتأييد الله لهم " ومن عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب " ، فالله تعالى متصل بالولي ، وماء هذا الدن من ذلك الجدول ، وتحطيم الدن إنكار للنعمة وجود لها ، ومجازاة القربة بالبعد والعطاء بالجحود ، وعض اليد الممدودة بالعطاء ، وخيانة حيث يجب الوفاء ، وكفران حيث يجب الشكر . والاتصال بروح الولي يلزمه في البداية عبودية لهذا الولوي ورضوخ له وإقرار بولايته .
 
( 2534 - 2553 ) : لوعيد صالح عليه السّلام وما حاق بالمدينة أنظر قصص الأنبياء للثعلبي ص 71 وفي البيت 2551 إشارة إلى الآية الكريمة "فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ، فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ *" ( الأعراف / 78 ) .
 
( 2561 ) : "فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ : يا قَوْمِ ، لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ، وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ" ( الأعراف 1 / 79 ) .
 
( 2571 ) "فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ ؟ !" ( الأعراف / 93 ) وقائلها هو شعيب عليه السلام .
 
( 2576 ) قوم الكلاب قوم أسطوريون ذكرهم هيردوت كما ذكرهم زكريا القزويني وقال أنهم يسكنون في جزيرة في الجنوب ، ويأكلون البشر ، كما ذكرهم أسدي الطوسي في " كرشاسب نامه " ووصفهم وذكر أن كرشاسب حاربهم وانتصر عليهم . ( فروزانفر - شرح صص 1083 - 1084 ) ( 2587 ) إشارة إلى المثل العربي : ذنب الكلب لا يستوي . ( فروزانفر 1048 ) .
 
( 2581 ) : إن الله بين للناس أهل الجنة على الأرض في صورة الأولياء وذلك ليبين لهم أيضا أهل الجحيم وجعلهم ممتزجين مختلطين أجسادا وصورة مفترقين معنى وحقيقة .

 
« 519 »
 
( 2582 - 2589 ) : ما ورد في العنوان الآيتان 19 و 20 من سورة الرحمن ، يفصل مولانا جلال الدين في الفكرة التي أوردها في البيت السابق ( قال نجم الدين : مرج البحرين الروحاني الجسماني يلتقيان بينهما برزخ ، قالب الإنسان حاجز يمنعهما أن يتغيرا ، يعني إن لم يكن حاجز القلب بين القوى العلوية والسفلية لتغير مزاج القوى النورانية العلوية من دخان القوى الظلمانية السفلية ، ويبطل أيضا إحساسات القوى السفلية من غلبات أنوار القوى العلوية ، لأن القوى السفلية ضعيفة عاجزة عن حمل الأنوار العلوية ، إن لم يكن بينهما واسطة اللطف من القوى السفلية . وقال الكاشاني : بحر الهيولي الجسمية هو المالح وبحر الروح المجردة هو العذب يلتقيان في وجود الإنسان بينهما برزخ النفس الحيوانية التي ليست في صفاء الأرواح المجردة ولطافتها ولا في كدورة الأجساد الهيولانية وكثافتها ، لا يتجاوز أحدهما فيغلب على الآخر بخاصيته ( مولوي 1 / 462 ) . ونظرة مولانا هنا نظرة شاملة : أن الدنيا تحتوي على الأضداد ، وهذه الأضداد تتعايش وتتعامل برغم كل هذه التناقض ، فالدر إلى جوار السبه " حجر الجزع اليماني " ، والذهب إلى جوار التراب ، فما العجب أن يكون البحر العذب بجوار البحر المالح ؟ هذا التقارب الظاهري في الحقيقة يخفي البون الشاسع بين كل عنصر وآخر من هذه المتناقضات ، وهذا هو السبب الحقيقي في الاختلافات والحروب والصراعات ، فالأجساد في حرب ، والأرواح في صلح ، وعالم الأرواح في سلام دائم .
 
( 2590 - 2603 ) وكما يكون الكون قائما على مجموعة من الأضداد ، فإن الشخصية الإنسانية أيضا قائمة على التناقضات ، وباطن الإنسان يحتوي على كل التناقضات بحسب تعاقب صفات الخير والشر " أمواج الحرب وألوان الحب " وكلاهما معتمد على لطف الله وقهره ، فإذا إنجذب إلى أمواج اللطف تحولت المرارة إلى حلاوة ، وهذا التحول يتم بشكل غير محسوس ، لا تدركه إلا العين الفاحصة الناظرة إلى العاقبة ، وثمة فرق بين العين الناظرة إلى العاقبة والعين الناظرة
 
« 520 »
 
إلى شهوات الدنيا وملذاتها ، واكتشاف الأمر صعب لأن الأمور المتشابهة ظاهريا المختلفة باطنيا كثيرة ، وكثيرا ما يقع المرء في الخطأ ، فيظن السكر سما والسم سكرا ، وما هذا الأمر إلا لكي يعمل المرء فكره وكل قواه الروحانية . وهناك من نور باطنهم بنور الإيمان يعرفون الأمور بمجرد روائحها ، وطائفة أخرى تذوقها ، وطائفة ثالثة لا تميز بينها إلا إذا وصلت إلى حلوقها ، وأخرى لا تعرف مضارها إلا وهي تغوطها ، وطائفة لا تدركها إلا بعد أيام وشهور ، وطائفة أخرى لا تعرف مغبتها إلا يوم النشور ، وذلك بحسب قابلية كل إمريء للنور .
 
( 2604 - 2608 ) : وديدن المعاني في هذا الأمر كديدن الأعراض ، فلا بد من فترة من الزمن ، والمعاناة والكبد في الطريق ، والذي يستطيع أن يخلص من معاناة هذا الكبد هو المرشد ، ولكل نبات مهلة ، ولكل مادة زمن تتشكل فيه وتتكون ، وهذا المعنى مأخوذ من سنائي الغزنوي :
تنبغي سنون كي يصبح حجر أصلي بتأثير * ياقوتا في بدخشان أو عقيقا في اليمن 
وتنبغي شهور حتى تصير بذرة قطن من الماء والتراب * حلة لحسناء أو كفنا لأحد الشهداء
 وتنبغي أيام حتى تصبح قبضة من الصوف من ظهرشاة * خرقة لزاهد أو رسنا الحمار 
وتنبغى أعمار حتى يصبح طفل موهوب * عالما فحلا أو شاعرا حلو الكلام 
وتنبغي قرون حتى تصبح نطفة من صلب آدم * أبا الوفاء الكردي أو أويس القرني
 فلتتشبث بأهداب صاحب دولة ربما * لتنجو من بذل المجهود وإنفاق الوقت 
( ديوان سنائى : صص 376 - 377 ) 
كما ورد مثال النباتات في معارف بهاء ولد ( ص 243 ) . 
والمقصود بما ورد في سورة الأنعام الآية الكريمة "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ، ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ" وقرأ المفسرون كلمة


 
 
« 521 »
 
الأجل الأجل ، وقالوا بأجلين أجل في هذه الدنيا وأجل من الموت إلى القيامة ، لكن العارفين قالوا أن الأجل الثاني ، عند اتصال السالك بالله عز وجل ويصبح في عداد الواصلين ، ويمكن أن يتم هذا في الحياة الدنيا وهذا هو الأجل المسمى عنده ، ومرحلة الاتصال بالحق لا موت بعدها ، فكأنها ماء الحياة .
 
( 2609 - 2614 ) : ليست الأعيان هي المختلفة في العالم فحسب ، بل تتفاوت آثارها أيضا باختلاف المتلقي ومدى إستعداده وقدر نصيبه من النور ، بحيث يكون السم نفسه عذبا عند بعضهم ( عند سنائي : السم لذا هلاك ولذاك مئونة ) ، كل شيء في موضع سم وفي موضع دواء ( تعالج أمراض عديدة في الطب القديم وفي الطب الحديث بأنواع من السموم ) . وعندما يقول الحلاج " أنا الحق " فهو منتهى الإيمان ، وتعبير عن مقام الفناء ، وعندما يقول غيره أنا الحق فهو كافر وزنديق ، والطعام للمتقين نور وزيادة في الحكمة وللغافل زيادة في الغفلة ومجبلة للنوم ، والأعراض تتغير - بقدر النضج - فالماء في الحصر مر ، وفي مرحلة العنبية يتحول إلى عصير حلو ، وفي الدن إلى خمر محرمة ، ثم يتحول إلى خل ، وهو طبقا للحديث النبوي الشريف " نعم الإدام " ( أحاديث مثنوي / 25 ) أو كما قال مولوي ( 1 / 470 ) خير خلكم خير خمركم . أنظر : المادة واحدة ، لكن آثارها تختلف باختلاف البشر بل باختلاف المراحل والأحوال من شخص واحد .
.

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا




عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الأبيات من 2615 - 3025 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 7:09 pm

الهوامش والشروح الأبيات من 2615 - 3025 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح الأبيات من 2615 - 3025 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح ما يفعله الولي لا يجب على المريد أن يتجرأ ويقوم بفعله

( 2615 - 2627 ) : يدق في العنوان على الفكرة التي ساقها في الأبيات السابقة ، فالحقائق لا يمكن البوح بها إلا للكمل الواصلين فلا خطر منها عليهم ، فالأولياء لهم ما للأنبياء من الفتوح "إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ" ( الفتح / 1 - 2 ) . 
يقول نجم الدين : يشير إلى فتح باب قلبه صلى اللّه عليه وسلّم إلى حضرة ربوبيته بتجلي صفات جماله وجلاله وفتح ما إنغلق على جميع القلوب ، وتفصيل شرائع الإسلام وغير ذلك من فتوحات قلبه ، ليستر لك بأنواع جلاله ما تقدم من ذنب وجودك من بدء خلقك وروحك ، وما تأخر من ذنب وجودك إلى الأبد ،
 
« 522 »
 
وذنب الوجود هو الشركة في الوجود ، وغفره ستره بنور الوحدة لمحو ظلمة الإثنينية ، ويتم نعمته عليك وهو نور وحدانيته ، ويهديك صراطا مستقيما ، وينصرك الله نصرا عزيزا ببذل وجودك المجازي في وجوده العزيز الحقيقي . 
( مولوي 1 / 470 - 471 ) هذا هو المقام السليماني الوارد في الآية الكريمة "قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" ( ص / 35 ) ، وأهل الظاهر يعتبرون هذا من قبيل الأنانية ، إذ كيف يمكن لسليمان عليه السلام وهو نبي أن يطلب من الله عطية تكون حكرا عليه ولا يكون مثلها لأحد من بعده ؟ ! لا . .
ليس الأمر كذلك ، إن دعاء سليمان عليه السلام من قبيل الشفقة على من يأتي من بعده من الأنبياء ، فكلما زادت القدرة زاد الخطر ، خطر الزلل ، وخطر القدرة نفسها ، ويرى مولانا أن السلطة مطوية على الخطر ، وأن في القدرة يكمن الزلل ، يقول في ديوان شمس :
إذا زاد الفضل والذهب فقد زاد الخوف والخطر ، فللملوك حمى الرعشة وهم على الحشايا الحريرية وشبيه به قول حافظ :
إن العظمة والتاج السلطاني يندرج فيهما خوف الروح * وهو قلنسوة جذابة ، لكنها لا تساوي التضحية بالرأس وكم يبدو هول موج البحر في البداية سهلا على أمل الربح * ولقد أخطأت فإن هذه العاصفة لا تساويها مائة جوهرة وأفضل لك أن تستر وجهك عن المشتاقين * فإن سرور امتلاك الدنيا لا يساوي شغب العسكر ( ديوان حافظ - تحقيق خلخالي - ط 4 تهران 1371 هـ . ش . ص 149 ) .


فملك الدنيا من هنا هو وجع الرأس ، أما وجع السر فيما فسره فروزانفر ( ص 1098 ) فهو المحيطون بك الذين يجعلون الباطن مشوشا مضطربا على الدوام بملقهم ومدحهم وانتفاعهم وتربحهم ، وكلها أمور بعيدة عن جادة الشرع ، وهذا هو ألم الدين وهذا هو وجع الدين ، وهنا إشارة إلى ما ورد في أول الآية المذكورة "وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ"

« 523 »
 
إشارة إلى ما جرى لسليمان عليه السلام نفسه من فقدانه لعرشه ( انظر تفصيلات هذا الحادث في الترجمة العربية للكتاب الرابع من المثنوي الأبيات 1150 - 1155 و 1262 - 1279 وشروحها حيث تفصيلات أكثر لما قدمه مولانا تفسيرا للآية هنا ) ، فالملك المطلوب في دعاء سليمان عليه السلام هو القدرة على مخالفة النفس وقمع الهوى والتجاوز عن ظواهر الملك ، والمعرفة اليقينية بأن الملك الحقيقي هو لله تعالى ، وكل من يصل إلى هذا الملك يكون في مرتبة سليمان وهذا الدعاء من إلهام الله تعالى له وليس لسليمان دور فيه ، وقد زاده الملك وزادته السلطة استغراقا في الله تعالى وليس لكل من لم تصل همته إلى درجة همة سليمان هذه القدرة على أن يكون له ملكه ويعيش عيشة الفقراء مثله ، إنه " معه " أي مقرون بشخصيته ، ومع هذا الشرح يرى مولانا أن هذه النقطة في حاجة إلى توضيح ، لكنه يرى أن من الأفضل العودة إلى حكاية الأعرابي وزوجته .
 
( 2628 - 2634 ) : ومع ذلك لا يعود مولانا إلى سياق القصة ، بل يخوض في مغزاها . فعلاقة الرجل بالمرأة هنا أشبه بعلاقة نفس الإنسان بعقله الباحث عن الكمال وهو غير العقل المحتال عقل المعاش ( انظر البيت 2046 و 1510 ) والعقل والنفس كلاهما لازم لتنظيم أمور هذه الدنيا ، ولا يستغني عن وجودهما معا إنسان ، فهما ضروريان ضرورة وجود الرجل والمرأة لبقاء النسل ، هذا وإن كان لكل منهما - أي النفس والعقل - منطقة نفوذه التي لا بد عليه ألا يتجاوزها ، فالنفس تدبر ، والعقل " عقل المعاد " في هم السمو والتعالي إلى البحث والسعي في طريق الله ( بحث مولانا علاقة النفس والعقل والسماء والأرض كعلاقة الرجل والمرأة ينظمها ويسيرها ويوجهها العشق وذلك في الكتاب الثالث . انظر الأبيات 4413 - 4423 وشروحها ) .
 
( 2635 - 2650 ) : ظاهر الحكاية في رأى مولانا هو الشبكة والحبوب التي تجذب الطيور " المريدين " إلى لباب القصة ، وفي موضع آخر من الجزء الثاني وغيره في الجزء الثالث شبه
 
« 524 »
 
ظاهر الحكاية بأنه القش وباطنها بالبُر . ويرى مولانا أن المعنى لا بد له من صورة ، وذلك من أجل قوام العالم ، حتى المعاني العالية لا بد وأن تبين في صور وأي شعور لا بد وأن يتحلى في صورة ، فالهدايا بين الأصدقاء دليل على المحبة ، ومحبة الله تتجلى في الصوم والصلاة ، والإحسان المتجلي في صور ظاهرية هو في الحقيقة تعبير عن المحبة لله سبحانه وتعالى ، فالإيمان ليس لفظا يقال لكنه عمل " ما وقر في القلب وصدقه العمل ونطق به اللسان " ( الفكرة مفصلة في الكتاب الخامس أنظر الأبيات 184 - 191 وشروحها ) . 
الأعمال شهود ، لكن الشاهد حينا يكون صادقا وحين يكون كاذبا ، والسكر قد يكون من الخمر وقد يكون من المخيض " اللبن المخمر " وحركات المثل متشابهة ، والصوم والصلاة قد يكونا رئاء الناس ، والله سبحانه وتعالى وصف مسجدا بأنه ضرار وكفر ، فمن أين لنا علم النية يا رب العالمين إلا بتمييز منك ترزقنا إياه ( فسر مولانا فكرة الشاهد الزور في الكتاب الخامس الأبيات : 192 - 200 ) ومن ثم كان الصوفية يدعون " اللهم أرنا الأشياء كما هي " و " اللهم أرنا الأشياء كما تريها صالح عبادك " ( أحاديث مثنوي / 45 ) ، هذا هو الحس المعتمد على نور الله وإن لم يكن الفعل ظاهرا وباديا بأثره ، فهناك أيضا السبب " بالسبب يدرك المسبب " ثم العشق وهو أوضح الوسائل ، فمن بلغ رتبة العشق ، لم يبحث عن سبب أو استدلال أو عن وسيلة فهو طريق مليء بالبلاء ، لكن العشق هو الدليل ، يعلمنا على أي وجه نمضي . .


هذه هي عين النور التي تحدث عنها سنائي الحديقة والتي لا حاجة بعدها إلى دليل ( أنظر الترجمة العربية لحديقة سنائى الأبيات 565 - 568 وشروحها ) ( 2651 - 2654 ) : يقول الصوفية عباد الجمال : نحن ننظر إلى المعنى في الصورة ، ولأوحد الكرماني ( المتوفى سنة 635 ه ) عدة رباعيات في هذا المعنى . ويبدو أن مولانا جلال الدين يرد عليه هنا . . يقول أوحد الدين :أتدري لما ذا أنظر في الصورة * لأنه لا يمكن إدراك المعنى إلا بالصورة
 
« 525 »
 
يقول مولانا : أجل المعنى يبدو في الصورة ، لكن الصورة على كل حال محدودة ، والمعاني لا حدود لها وتتجلى في صور عديدة ، وهما مختلفان في الماهيات ، اختلاف ماهية الشجرة عن ماهية الماء ، فبرغم أن الشجرة صوريا تنبت من الماء فهي شئ مختلف تماماً عن الماء ومن ثم مهما كانت الصورة دالة على المعنى ، إلا أن هناك بونا شاسعا بينهما . . . أو كان انعكاس المعنى في الصورة مثل انعكاس الشجرة في الماء . . . لكنك من انعكاس الشجرة لا تحصل على ثمر ، ولا تستطيع ان تنام في ظل . . . وكيف يمكن إدراك اللامتناهى في صورة المتناهى ؟ ! ! ( فروزانفر : شرح / 1110 - 1111 ) .
 
( 2657 ) : " حبك الشئ يعمى ويصم " ( أحاديث مثنوى / 25 ) ( 2660 - 2662 ) : انظر شروح الأبيات 1016 و 1243 من الكتاب الذي بين أيدينا ، والألواح في تفسير فروزانفر في رأى الصوفية أربعة لوح القضاء أو العقل الأول ، ولوح القدر أو النفس الناطقة ولوح النفس الجزئية السماوية ولوح الهوى في عالم الصورة ( شرح 1113 ) .
 
( 2665 - 2667 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف " لا تسعني أرض ولا سماء ويسعني قلب عبدي المؤمن " ( أحاديث مثنوى / 265 ) كما أن رجلا قال لأبي يزيد البسطامي : دلني على عمل أتوب إلى الله تعالى فقال : أحبب أولياء الله وادخل في قلوبهم فإن الله ينظر في قلوب العارفين كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة لعله ينظر إلى اسمك في قلبه فيغفر لك " ( انقروى 1 / 511 ) . ويشبه قول فيثاغورث : ليس لله تعالى في الأرض موضع أولى به من النفس الطاهرة " ( فروزانفر / 1114 ) فالحقيقة الإنسانية هي جامعة الحقائق ومرآة الحضرتين ( الغيب والشهادة ) ليس المقصود بالطبع عظم الإنسان ولحمه وشحمه ، بل قلبه العامر بالعشق المصفى بالرياضة مركز التجليات ومجمع العلوم ، والواقع بين إصبعين من أصابع الرحمن ( فروزانفر 1114 - 1115 ) .
 
 
« 526 »
 
( 2668 ) : «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي» ( الفجر / 27 - 30 ) قال نجم الدين : " أيتها القوى النفسية المطمئنة المعرضة عن هواها المقبلة على مولاها ارجعي حين خروجها من قبل قالبها فادخلي في عبادي بعد التجاوز عن العظمة الكتؤد النفسانية وادخلي في جنة القلب المضافة إلى الرب لشرفها " . قال ابن عطاء :
النفس المطمئنة هي العارفة بالله التي لا تصبر عن الله " ( مولوى 1 / 481 ) . وقال المفسرون :
هذا ما ينادى به الملائكة على المؤمنين عند الموت والقيامة . ( فروزانفر / 1167 ) .
 
( 2669 - 2677 ) : والعرش مع نوره ، عندما يرى النفس المطمئنة عائدة إلى ربها يهتز ، ويتحرك من موضعه لكي يلقى هذه الروح الناجية من سجن التراب والتي ارتفعت إلى مرتبة الحضرة . . . إن العرش مجرد صورة ، والنفس المطمئنة معنى بل هي لب المعاني ، وما قيمة الصورة ولو عظمت إلى جوار المعنى ولو صغر ؟ ! ! ان الملائكة أنفسهم ليعشقون هذا التراب الذي خلق منه آدم ( الإنسان ) . . . كانت ألفتهم وميلهم إلى وجه الأرض ذلك لأن الله سبحانه وتعالى كان قد نثر من تراب آدم على الأرض فألفته الملائكة ( فروزانفر / 1118 ) وكانت الملائكة يتعجبون من ألفة النور بالظلمة والسماء بالأرض والنار بالتراب حتى خلق آدم فعرفوا أن هذه الألفة كانت من مجرد رائحة آدم ، جسد آدم ، ذلك ان جسد آدم هو المخلوق من تراب لكن نوره ( روحه - علمه ) ، وكانت هذه الروح هي التي تفوح من التراب وتحرك كل هذا العشق من الملائكة .
 
( 2678 - 2689 ) : المستفاد من الأبيات أن الملائكة الذين يخاطبون الله سبحانه وتعالى كانوا يسكنون الأرض مقيمين عليها عاكفين على أريج آدم الذي يفوح منها ، يهللون ويسبحون لا يفترون ، وأن اعتراضهم على خلق آدم وجعله خليفة في الأرض مرده إلى حنقهم من حرمانهم من متعة الانعكاس الإلهى في خلق آدم . . . ولقد تركهم الله تعالى يقولون كل ما لديهم من جراء
 
 
« 527 »
 
الانبساط ، أي عدم رعاية ما يليق من الحديث والانطلاق في القول ، وما تركهم الله أن يفعلون هكذا إلا رحمة منه ، ذلك أنه هو القائل في الحديث القدسي " سبقت رحمتي غضبى " ( أحاديث / 26 ) أي أنا الذي أظهر فيك موجبات الغضب حتى أجازيك بالرحمة ، وأضع الحديث الذي تفوح منه رائحة الاعتراض والشك والإنكار حتى أبدى لك حلمى الذي هو بمثابة الدر إذا كان حلم الأب صدفا ، فنحن بحار الحلم ، وحلم البشر بمثابة الزبد له ، قال صلى اللّه عليه وسلّم :
ما تقولون في رجل مات وهو لا يحسن الظن بالله فقام رجلان وقالا : لا نعلم إلا شرا وقال الباقون : النار ، فقال عليه السلام : بل عبد مذنب ورب غفور . وقال الله أرحم بعبده من الوالدة المشفقة بولدها . وروى أيضا عنه صلى الله عليه وسلّم انه كان جالسا في مسجده إذ سقط طير من جدار المسجد وفي منقاره قطعة طين فصاح صيحة عظيمة فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له في ذلك فقال : ان هذا الطير يقول كما أن لا أكدر بحر الكلام بهذا الطين كذلك ذنوب أمتك لا تكدر رحمة الله ( مولوى 1 / 484 - 485 ) .
 
( 2690 - 2695 ) : يبدأ الحديث على لسان الأعرابي لزوجته ، فيقسم لها بحق الزبد ( حلم البشر ) وبحق البحر الصافي ( حلم الله ) أنه صادق في قوله من أنه قد خضع لرأيها ومال إلى قولها في طلب العيش ، وأن ذلك افتتان منه بها ، وخضوع لها ، وليس على سبيل الامتحان والاختبار لها .
ويقول لها : هيا أفصحى ما في قلبك حتى أفصح لك عما في قلبي ، ولا تخفى شيئا ، حتى لا يبقى شئ مخفيا لدى . . . وانظرى إلى جيدا لتدركى ما أنا قابل له وما أنا قادر على فعله .
 
( 2696 - 2700 ) : الخليفة في مصطلح الصوفية المستخلف بصفات من استخلفه ، ولا يشتم بالطبع من قول مولانا في وصف الخليفة على لسان زوجة الأعرابي ان وصفه هذا ينطبق على أي ملك أو أي خليفة . . . ويختلط وصف الخليفة بوصف الولي الأعلى الذي تعد نظرته كيمياء تبديل تبدل نحاس نفوس المريدين إلى ذهب مثلما جعلت نظرة المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم

 
« 528 »
 
من أبى بكر عبد الله بن أبي قحافة صديقا ( عن مقام أبى بكر رضي الله عنه وهو ما خاض فيه الصوفية عموما ، انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، الشروح ج 1 ، ص 279 - 281 ) والحديث عن الصحبة وقيمتها في تغيير المريد وتربيته وهي من أهم أسس الطريقة .
 
( 2703 - 2705 ) : إشارة إلى قول مجنون بنى عامر :يقولون ليلى بالعراق مريضة * فياليتنى كنت الطبيب المداوياوأيضا :يقولون ليلى بالعراق مريضة * فما لك لا تضنى وأنت صديق
سقى الله مرضى بالعراق فإنني * على كل مرضى بالعراق شفيق
فان تك ليلى بالعراق مريضة * فانى في بحر الحتوف غريق
أهيم بأقطار البلاد وعرضها * ومالي إلى ليلى الغداة طريق( فروزانفر : شرح / 1126 )
 
( 2706 - 2710 ) : إن الحق سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى حجة أو ذريعة أو وسيلة لكي نتصل به ، فإنه سبحانه وتعالى هو الذي ينادينا ويقول : قل تعالوا «قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ» ( الأنعام / 151 ) والدعوة وسيلة الجذب ، وهي الآلة التي لو كانت للخفاش لظهر في ضوء النهار وترد المرأة : وما هذا التفكير في الوسيلة ؟ ! ! إن الوسيلة في طريقة هي التسليم ، انعدام الوسيلة ، فما بالك تفكر في وجودك الوقتى أمام الوجود المطلق ( انظر الأبيات 833 - 872 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 2711 - 2715 ) : يقول الأعرابي : أين لي في هذه الرحلة بترك السبب ؟ ! ! ان ترك السبب وعدم التوسل بالأداة هي مرحلة الكمل من الواصلين ؟ ! ! 
ان الملك يريد شاهدا على إفلاسى وقلة حيلتي ، فدعينا من القيل والقال ومن اللون أي الأعمال الظاهرية أو ما يبدو على بالفعل

 
« 529 »
 
من أمارات الفقر وعلامات الاحتياج . . . فالقاضي يريد دليلا ملموسا ، وهذه الدلائل التي تذكرينها كلها دلائل مردودة ، فالكلام الصادق يلزمه أيضا دليل وإلا ظل مجرد كلام . ويفسر فروزانفر نقلا عن الأنصاري ان الصدق على ثلاثة درجات : صدق القصد وهو توجه القلب بتمام الهمة في سلوك الطريق مقترنا بجذب الحق دون غرض أو رياء ، والثانية : الحياة والعيش من أجل الحق وليس غيره والثالثة : أن يكون صادق الرؤية في معرفته ، موافقا لرضا الله . . . 
ويرى ابن العربى ان الصدق هو الشدة في الدين ، فالصفة حال إذا وصف بها العبد ومقام إذا وصف بها الرب . . .
وفي قرب النوافل يتصف العبد بصفات الرب . والصدق في رأى مولانا - على لسان المرأة - هو الفناء عن النفس والبراءة عن الجهد ( فروزانفر / 1131 - 1132 ) .
 
( 2720 - 2726 ) : ينقل مولانا من الحديث عن جرة الماء التي يريد حملها إلى الخليفة إلى " جرة الجسد " المليئة بماء الحواس المالح ، وهي ما ينبغي أن يقدمه العبد إلى الخالق . . . والخالق لا بد شاريها مصداقا لقوله تعالى : «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ» ( التوبة / 111 ) وهذا الشراء مجازى فكيف يشترى الله ما يملك حقيقة ؟ ! ! إنما يهب الجنة ثمنا لشق الإنسان على نفسه وتركه لهواها ، ومتابعته للحق بصدق . . .
ويتم ذلك عندما يطهر جرة الجسد ذات المنافذ الخمسة ( الحواس ) وتصير جديرة بان تحمل بالفعل إلى السلطان ، ولا يتم هذا إلا بتفريغها من هذا الماء المالح ، ووصلها بالبحر ( بحر المعنى ) حينئذ لا ينقطع ماؤها ، ويمكن حملها إلى السلطان ( عما يمكن حمله إلى السلطان أنظر لمعاني أخرى الكتاب الرابع 1564 - 1570 وشروحها ) فأقرأ «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ» ( النور / 30 ) أي أبصار الجسد عن المحارم وأبصار القلب عما سوى الله ( من تفسير للصوفى خير النساج ) ( انظر الترجمة العربية للحديقة 1 / 263 ) .
 
« 530 »
 
( 2728 - 2731 ) : ما أشبه كل ما تقدمه لله ( وهو الذي هداك إليه ) وما يقدمه الله لك في مقابله بتلك الجرة من ماء المطر التي كان الأعرابي يحملها إلى الخليفة إلى جوار نهر دجله ! ! ! ( 2751 ) : البيت ناظر إلى بيت المتنبي :كالشمس لا تبتغى بما صنعت * منفعة عندهم ولا جاها( فروزانفر / 1142 )
 
( 2756 - 2763 ) : السائل لازم للجواد لزوم الجواد للسائل ، والسائل يطلب الجواد كما يطلب الجواد السائل . ( الظامىء يقول أين الماء والماء يقول أين الظامىء ) والحياة لا تتم إلا بهذين . ومن ثم قيل للرسول «وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ» ( الضحى / 10 ) . ثم ينتقل مولانا إلى معنى أوسع : كما تبصر الحسناء وجهها في المرآة ، يبصر الجواد جوده في السائل ، وجود أي جواد قطرة من محيط جود الحق . ومن ثم فالمسئول في الحقيقة هو الله والعاطى في الحقيقة هو الله ، وإن سألت الله فإنك تسأل الجود المطلق . . . وإن سألت الناس وأنت موقن بأنك تسأل الله فأنت مظهر الجود ، وإن سألت الناس وأنت املٌ في الناس فأنت ميت . . . بل مجرد صورة على ستار ( جعلت ستاراً على الحق وتشبثت به ) ! !
 
( 2764 - 2768 ) : هناك فرق بين تكدى الدرويش السالك وتكدى الدرويش العاطل ( فسر مولانا هذا القول بشكل رائع في قصة الصوفي محمد سررزى الغزنوي في الكتاب الخامس . انظر الترجمة العربية ، الأبيات 2690 - 2785 وشروحها ) فثمة فرق بين الفقير بالله والفقير من الله فالفقير بالله يسأل لا عن حاجة بل عن امر ( حطاً لمقام النفس وصرفا عن القيمة ) والفقير عن الله هو طالب الدنيا الذي يريد أن يضع هم عيشه على الآخرين ويعيش عالة عليهم . وكان مولانا يمنع دراويشه من التكدى ( انظر مناقب العارفين ص 245 ) . والنصف الثاني من الفقراء هم فقراء
 
« 531 »
 
الحقائق ينبغي التخلي عنها ، مثلما يتخلى المرء عن ثيابه إن أراد أن يتجاوز مكان خلع الملابس ويدخل الحمام ! ! فلامكان للملابس ( للصورة والأجساد ) إلى هذا الطريق .
 
( 2792 ) : مقتبس من الحديث النبوي " اتقوا فراسة العبد المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ( أحاديث مثنوى : 14 ) .
 
( 2797 - 2812 ) : المهم الفتوح وإن تكون العطية مقسومة للمرء ، فيقصد اليسير التافه فينال من هذا القصد الثمين الغافل ، فيكون قصده من الله وعطيته من الله ، وما أرسله الله في سبيل القصد اليسير إلا لينال العطية الغالية . ويضرب مولانا الأمثال : يذهب أحدهم يطلب ماء من البئر فيجد في البئر يوسف الحسن ( يوسف / 19 ) ويطلب موسى عليه السلام نارا من الطور فيجدها نورا ( طه / 10 - 14 ) ويساق عيسى إلى الصليب فيرفع إلى السماء الرابعة ويحط البازي على الشبكة من أجل حبة فيصاد ويدرب لكي يكون موضعه من بعد ذلك ساعد السلطان عند الصيد وسنبلة من القمح تجعل من آدم أبا للبشر . وعن إتيان البيوت من أبوابها يقول ابن الفارض :أتيت بيوتا لم تنل من ظهورها * وأبوابها عن قرع مثلك سعدت( سبزوارى / 90 ) ونفس المعنى في الغزلية التي مطلعها :
لمن يكون هذا الإقبال ؟ لمن يأتي إلى شاطىء جدول ليشرب الماء من الجدول فيجد انعكاس القمر .
ويذهب الطفل إلى الكتاب بعد إغراء والده بالحلوى ، فيرتقى في مدارج العلم ويرتقى به العلم إلى أن يكون وزيراً من الوزراء أو كبيراً من كبراء الدولة ، ويمضى العباس في عداوة للرسول صلى اللّه عليه وسلّم فلا يسلم إلا في السنة السابعة للهجرة لكي تكون الخلافة في ولده فترة طويلة من الزمن ، وكانوا يرون أن خلافتهم باقية أبد الدهر وفي بيعة السفاح قال : " إعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخراج منا حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم " ( شروح فروزانفر 1164 ) وهكذا يصف الأعرابي نفسه ، ثم يعرج
 
 
« 532 »
 
إلى فكرة صوفية فيمدح نقباء الخليفة ( الخليفة رمز الخالق والنقباء رجاله ) على أنه خرج في سبيل القوت فإذا به - وهو لا يزال في أول الطريق - يقع على هذه الجنة . فلا عاد يفكر في خبز ولا قوت ، ولم يعد له من غرض إلا الطواف حول الباب - أي العشق في حد ذاته - فالطواف بلا غرض هو طواف العاشقين .
 
( 1813 - 2816 ) : الآية المذكورة في العنوان جزء من الآية 54 من سورة سبأ . ومثل الجدار وانعكاس الشمس والفكرة كلها فكرة الانصراف عن عشق الكل في سبيل عشق الجزء عبر عنها مولانا جلال الدين بشكل رائع في الكتاب الثالث ( انظر الأبيات 540 - 560 وشروحها ) .
 
( 2817 - 2826 ) : المثل المذكور في العنوان من الأمثال العربية السائرة والمقصود : إعشق بقدر همتك ( والمعشوق يكون بقدر همة العاشق ) فإذا كانت الدنيا ظل وأنت في أثرها فما أشبهك بصياد ينهك نفسه ويفرغ كنانته في أثر ظل طائر والطائر محلق في الهواء ( ذكر هذا المثل آنفاً في الأبيات 420 - 424 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ويرى جماعة من الصوفية أن عشق الجمال المجازى يقود إلى عشق الجمال الحقيقي ( عشق الجزء يقود إلى الكل ) ويرد مولانا : إذن فعليك بعشق الشوك بدلًا من الورد . . . إن العلاقة هنا علاقة من وجه واحد هي علاقة التعين ولا يصل السالك إلى المطلق إلا إذا محا التعينات تماما وكلية . . . وإلا لانمحت الحكمة من بعث الأنبياء ، ما دام الجزء مرتبطاً بالكل من كافة الجهات
 ( إنكار تام لفكرة وحدة الوجود التي يرى بعضهم إنها أساس فكر مولانا جلال الدين ! ! ! ) .
 
( 2831 - 2836 ) : « الناس على دين ملوكهم » ( أحاديث مثنوى / 28 ) و « كما تكونوا يول عليكم » ومثال الملك كالحوض وعما له كالأنابيب ورد في قول أفلاطون « الملك هو كالنهر الأعظم تستمد منه الأنهار الصغار ، فإن كان عذبا عذبت وإن كان مالحاً ملحت » 
وقال الإمام علي رضي الله عنه نفس المعنى ، ونسبه أبو نعيم الأصفهاني لأبى مسلم الخولاني كما نسبه العطار إلى شقيق
 
 
« 533 »
 
البلخي في موعظة لهارون كما روى في عبارة وجهها أحدهم إلى عمر بن عبد العزيز " قال عمر بن عبد العزيز لرجل قدم عليه من ناحية : كيف رأيت عمالنا فيكم ؟ ! فقال يا أمير المؤمنين إذا طابت العيون عذبت الأنهار " ( فروزانفر شرح 1172 - 1173 ) وفي خطاب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه " لو رتعت لرتعوا " فالحاكم هو النموذج والروايات الإسلامية في هذا الباب لا تعد ولا تحصى . 
كما قال صلى اللّه عليه وسلّم : القلب ملك إذا صلح الملك صلحت جنوده وإذا فسد الملك فسدت جنوده ، أنقروى 1 / 537 .
 
( 2837 - 2846 ) : كما أن للدولة ملكا يؤثر في أركان مملكة وحاشية ورعية ، فأن للجسد ملكاً هو الروح . وكل آثار اللطف في الجسد من الروح ، ثم هناك أيضاً الطاف العقل ( عقل المعاد ) التي يمد بها الجسد . 
والبيتان التاليان ناظران إلى البيتين العربيين :رأيت الدهر يرفع كل فدم * ويخفض كل ذي شيم شريفة
كمثل البحر يغرق كل در * وما ينفك تطفو فيه جيفةكما ورد المعنى في مقالات شمس ، ص 148 .
والعقل حسن الأصل وحسن النسب ( أي ليس من جنس الجسد بل مصدره من العلو ) وهناك أيضاً العشق ، والمرشد الكامل الأستاذ ، كل هذه قوى تؤثر في الجسد وتشرف عليه ، وبقدر ( تلمذة ) الإنسان على أحدهما يكون محصوله ، تماماً كعلوم الظاهر .
فالذي يدرس على أستاذ في الأصول يكون قد درس الأصول ، وعند عالم النحو تكون دراسة النحو ، كل علم يطلب من أستاذه ومن بابه ، وأهم من كل أولئك الأساتذة أستاذ الباطن ، معلم العشق يمدك بعلمين هما اللذين ينفعانك في آخرتك :
 المحو أي الفناء ( أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) والفقر .

« 534 »
 
( 2847 ) : من المحتمل أن الحكاية التي تبدأ بهذا البيت من مؤلفات مولانا وذكرت من بعده نثرا من شاعر القرن التاسع عن عبيد الزاكانى في لطائفه . وهناك حكاية مشابهة مروية في كتاب مناقب العارفين للأفلاكى ( ص 106 - 107 ) عن لغوى متنطع أيضا .
 
( 2852 - 2864 ) : يعرف المتأخرون المحو عدة تعريفات ويقسمونه عدة تقسيمات : محو أرباب الظاهر وهو رفع العادات الذميمة . ومحو أرباب السرائر : إزالة الآفات التي تعوق دون الوصول إلى الحقيقة ومحو الجمع أو المحو الحقيقي ويعنى فناء الكثرة في الوحدة ومحو المحو :
بقاء الحق بعد فناء الخلق ( شرح فروزانفر 1179 ) وفي مقالات شمس ( ص 620 ) لا يعرف نحو أحد إلا إذا كان محوا فوالله ما لم يمح لن يعرف شيئاً من النحو . إن هذا المحو هو الذي ينجيك من هذا البحر فالآنية الممتلئة تغرق والآنية الفارغة تطفو . فما بال هؤلاء العلماء المغرورين بظاهر من العلم يدعون الناس حميراً ، وهم إن خرجوا عما حفظوه ، ودرسوه عجزوا كحمير تسير على ثلج ، وإذا كانت الدنيا كلها إلى زوال فما قيمة علم الدنيا ؟ ! ! وألا يأتي علماءٌ في عصر ما فينقضون كل ما توصل إليه علماء قبلهم كانوا في عصورهم من الأعلام ؟ ! ! أليس هذا ما يعنيه مولانا من أن قيمتها في تنزل . وأي علم هذا الذي تدعيه وتقدمه لله ، تراك كهذا الأعرابي الذي حمل جرة من ماء المطر إلى دجلة ؟ ! ! ويقدم مولانا تفسيرا لرموز القصة : فجرة الماء علومنا أي علوم الظاهر . والخليفة هو الرجل الكامل ودجلة علوم الله ( وسبق أن قلنا إن الرجل الأعرابي هو العقل وزوجته هي النفس ) .
 
( 2871 - 2882 ) : انتقل من الرمز إلى الخليفة بالمرشد الكامل العالم بعلوم الله ، إلى الحديث عن الملك الوهاب الذي يقبل منا جهد المقل وهو الغنى عنا المعطاء لنا . والعالم كله بمثابة جرة الماء لا تساوى قطرة واحدة من دجلة جنته وبحر جماله . . . وهذه فكرة ما يرويه الصوفية " قال داود عليه السلام : يا رب لم خلقت الخلق ؟ قال : كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق


 
 
« 535 »
 
كي أُعرف " والحديث له تفسيرات عديدة وتفسيره هنا بالتجلي تجلى الجمال الإلهى على كل ما في الكون من جمال ( أنظر لجرعة الحسن الإلهى التي صبت على كل شئ ، الترجمة العربية للكتاب الخامس ، الأبيات 372 - 379 وشروحها ) ولو رأى الأعرابي أو كل العالم علمه الإلهى وشاهدوا جماله لحطم هذه الجرة تحطيماً ( العالم بأجمعه ) فلا طاقة لأحد على تحمله ، إنه يرى الجمال فيغدو ذاهلا ( أنظر الكتاب الثاني ، الأبيات 1665 - 1669 ) الذهول والحيرة ، والرقص وغلبة الحال والوجد ، في هذا الإنكسار تكون السلامة « أنا عند المنكسرة قلوبهم » ، يفنى المرء عن نفسه وعما علم ( لا الجرة ظاهرة ولا الماء ) . والله أعلم بالصواب .
 
( 2883 - 2890 ) : دق باب المعنى كناية عن المجاهدة ومواصلة الطلب ، ومثلها خفقان جناح الفكر المحلق السامي عن المتطلبات الأرضية ، والصقر الملكي كنى به مولانا حينا عن الروح وحينا عن المرشد والولي الكامل . والمعنى عموماً أن من واصل القرع إنفتح له الباب . « من قرع بابا ولّجَّ وَلَج » و « من أدمن الاستفتاح فتحت له الأغلاق » ، ونظيره ما نسب إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ما دمت في صلاة فأنت تقرع باب الملك ومن يقرع باب الملك يفتح له » . وقول الشاعر :أخلق بذى الصبر أن يحظى بحاجته * ومدمن القرع للأبواب أن يلجأ( فروزانفر / 1187 ) والطين هو علائق الدنيا . . . فكل ما فيها من طين وإلى طين ، ومن لازمها بقي كالطين ملتصقا بالأرض وأكل الطين حرام على كل مسلم " من أكل الطين فكأنما أعان على قتل نفسه " ( حديث نبوي ، فروزانفر / 1188 ) ، لا سمو له وطيران ، وما دامت الدنيا جيفة فطلابها كلاب ، والجاهل يسعى في أثرها كالكلب الجائع فإن شبع تمرد وإن يكون المرء حينا ميتة ( ملتصقا بالطين ) وحينا كلبا يسعى في أثر الجيفة ، فمتى يقوم بالسير الروحاني في طريق الحق ، وكان يقال : مسكين ابن
.

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا




عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الأبيات من 3026 - 3409 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 7:10 pm

الهوامش والشروح الأبيات من 3026 - 3409 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح الأبيات من 3026 - 3409 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح ذهاب الذئب والثعلب مع الأسد إلى الصيد
( 3026 ) القصة التي تبدأ بهذا البيت وردت فيما يرى فروزانفر في نثر الدر لأبي سعد الآبي " طبعة دار الكتب الباب الرابع عشر أمثال ونوادر على ألسنة البهائم " كما وردت في كتاب الأذكياء لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ، كما وردت في محاضرات الأدباء ودفى فرائد السلوك بالفارسية ( مآخذ / 28 - 30 ) والأسد . هنا رمز للولي والمرشد ( هناك استخدام آخر لهذا الرمز بالتفصيل أنظر الكتاب الخامس الأبيات : 2341 - 2349 وشروحها ) . فالمرشد رحمة ، والله ينزل رحمته على خلقه بواسطة حججه وأوليائه ( سيد جعفر شهيدى : شرح مثنوي - الجزء

 
« 545 »
 
الرابع من الدفتر الأول - تكملة العمل الذي لم يسعف الأجل المرحوم فروزانفر لإتمامه - ص 2 - تهران 1373 ه . ش . يذكر فيما بعد تحت عنوان شرح شهيدى ) .
 
( 3030 - 3034 ) : كون القطب مع مريديه ، كما يكون الملك بين حاشيته ، تواضع منه وخفض جناح ، وإعمالٌ للحديث النبوي الشريف " الجماعة رحمة والفرقة عذاب " ( بأسانيده أحاديث مثنوي ص 31 ) ، كما أن الرسول عليه السلام الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، أمر باستشارة أصحابه (فَاعْفُ عَنْهُمْ ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ( آل عمران / 159 ) ، والذهب يوزن بحبات الشعير ، وأحيانا تضاف حباب الشعير إلى كفة الذهب ( حبة الشعير تعادل واحدا من ثمانية وأربعين جزءا من المثقال ) ، والجسد الترابي بحواسه الخمسة حارس للروح ، وأين مقامه من مقام الروح ؟ ! ( 3039 - 3054 ) : الذئب والثعلب كلاهما رمز لطلاب الدنيا ومتاعها ، وعندما يكون الصيد والزاد سمينا يزداد الطمع . . وها هما بعد الصيد ينتظران من الأسد عدل الملوك وقسمة الملوك ، وينتقل مولانا من أسد الغابة إلى أسد الرجال ، فقد فهم الأسد طمعهما ، وأنظار الرجال مشرفة على قلوب المريدين ، ولهذا قال أبو يعقوب السوسي في شرح حديث اتقوا فراسة العبد المؤمن فإنه ينظر بنور الله : إنهم جواسيس القلوب ، يدخلون في قلوبكم ، ويطلعون على أسراركم ، فإن جالستموهم فجالسوهم بالصدق . ( أنقروي 1 / 565 ) ( أنظر أيضا حكاية الدرويش والحطاب في الكتاب الخامس ) ولذا فقد علم الأسد ما يدور في خلد الذئب والثعلب لكنه تجاهل الأمر ، فمن سمات الأولياء التغاضي عن زلل المريدين وعدم مواجهتهم به ، لم يكن غضب الأسد لأن الذئب والثعلب أرادا القسمة ، لكن غضبه لأنهما أسماءا الظن به وبعطائه ، ويسوق مولانا بيتين يشير بهما إلى سوء ظن العباد بالخالق الذي قال في حديثه القدسي " أنا عند حسن ظن عبدي بي " ، لكن النقش لا يزال يطامن النقاش ويكيد له وهو صورة في يد النقاش ، وهذا المعنى تكرر كثيرا
 
 
« 546 »
 
عند مولانا ( أنظر على سبيل المثال لا الحصر الكتاب الثالث البيت 937 وشروحه ) وأولئك هم (الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ، عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) ( الفتح / 6 ) ، وينوي الأسد بينه وبين نفسه أن يجعل منهم مثلة للزمان ، كل ذلك دون أن يبدي لهم شيئا فهو يبتسم مما يذكر ببيت المتنبي :إذا رأيت نيوب الليث بارزة * فلا تظنن أن الليث يبتسم. وهذا المال الموجود في الدنيا وهذه الزينة هي بسمات الحق ، إنها مجرد فخاخ منصوبة للخلق ، والافتقار إلى الله تعالى ، وبذل المشقة أفضل في هذا الطريق ، هي التي تفوت تأثير هذه الفخاخ والبسمات وتجلب رحمة الله وعطاءه .
 
( 3063 - 3068 ) : ذنب الذئب أنه رأى الأسد ، وسمح له الأسد بصحبته ، ثم أثبت أنية ووجودا لنفسه ، ولا ذنب هناك أبشع من تجاهل بعد علم ، ووقاحة عن معرفة وعن رؤية ، وانسلاخ عن آيات الله بعد أن يؤتاها المرء ، فلا يكون مرتكب ذلك جديرا من المليك إلا بإنزال أشد أنواع العقاب ، ومن ادعى أنية أمام وجوده فهو هالك لا محالة ، مصداقا لقوله تعالى (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ( القصص / 88 ) وانظر إلى الشهادة : لا إله إلا الله ، فمن وقف عند لا فقد أنكر ، ومن وقف عند إلا فقد أثبت التوحيد ، وظفر بالبقاء والخلود ، أما ذلك الذي يقول أنا وأنت فهو واقف على الباب مردود عن الدخول ، محروم من العطاء .
 
( 3069 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل المثنوي في حياة الحيوان للجاحظ وربيع الأبرار للزمخشري ورسالة العشق والعقل لعبد الله الأنصاري ومصيبت نامه للعطار ، وأقرب الروايات إلى رواية مولانا هي رواية العطار ( مآخذ / 30 - 31 ) .
 
( 3070 - 3071 ) إن الذي يكون على باب الحبيب ، ويقول : أنا ، ليس إلا فج ساذج لم تتضجه نار الفراق ، وروى الأنقروي : قال جابر رضي الله عنه : أتيت باب الرسول صلى اللّه عليه وسلّم ، فدققت الباب ، فقال : من ذا ، فقلت أنا فقال : أنا أنا كأنه كرهها ( أنقروي 1 / 569 ) ، ونار
 
 
« 547 »
 
الفراق كما ورد في مقالات شمس ( ص 162 ) هي التي تنضج وتهذب ، ومن علامات النفاق ادعاء المحبة وإثبات الذات ، فالمحب الحقيقي فان في محبوبه منكر لذاته وحظه .
 
( 3076 ) ليس في الدار غيره ديار .
 
( 3077 - 3082 ) الخيط المفرد : الإفراد ، والخيط المزدوج : الثنوية ، والإبرة الطريق الدقيق ، طريق الذهاب إلى الحق ولقاء المحبوب ، والصورة ناظرة إلى ما ورد في إنجيل متى " إن مرور جمل من ثقب إبرة أبسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله " ( عن شرح شهيدى / 17 ) والآية القرآنية الكريمة (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها ، لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) ( الأعراف / 40 ) لكن الجمل ( في مصطلح مولانا المتطامن المتكبر والنفس الأمارة والشهوة المستعرة ورؤية الذات ) بأمر " كن فيكون " يستطيع بالرياضة والمثابرة وصحبة الشيخ أن يتحول ، ويصور الرياضة بالمقراض الذي يأخذ من الوجود المادي ويقلل منه لصالح الروح ، فلا محال أمام الله ، ولا مرض غير قابل للشفاء ، ومن أقل عطاياه لنبيه عيسى عليه السّلام إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ، وذلك العزيز في البيت 3082 قد يكون المقصود به عيسى عليه السّلام وقد يكون المقصود الحق جل وعلا .
 
( 3083 - 3088 ) : وما الميت أمام قدرة الله والميت وجود بلا حركة ينتظر أن تبث فيه الحركة وما أيسرها على الله تعالى ، أما العدم وهو لا وجود له ، فمنه تنبع كل الموجودات بأمره تعالى وبقدرته جل شأنه ، فهو لم يخلق الخلق عبثا ، ولن يتركهم سدى ، بل (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ( الرحمن / 29 ) وللإمام علي رضي الله عنه " الحمد لله الذي لا يموت ولا تنقضي عجائبه ، لأنه كل يوم هو في شأن من إحداث بديع لم يكن " ( عن شرح شهيدي / 19 ) ، وحركة البشر نفسها في رواح وغدو ، والصورة منقولة من قول الإمام رضي الله عنه " لله تعالى في كل لحظة ثلاثة عساكر ، فعسكر
 
 
 
« 548 »
 
ينزل من الأصلاب إلى الأرحام ، وعسكر ينزل من الأرحام إلى الأرض ، وعسكر يرتحل من الدنيا إلى الآخرة " ( عن أحاديث مثنوي / 32 ) 
 
( 3091 - 3099 ) ليس ثم إلا الواحد ، وليس ثم إلا الوحدة ، والمتعددات والكثرة ما هي إلا مظهر من مظاهر الوحدة " كن " على حرفين لكنها تؤدي فعلا واحدا ، هي كالوهق مزدوج ذو طرفين ويقوم بفعل واحد هو الجذب ، كالقدمين يسيران معا في طريق واحد ، كالمقراض مكون من طرفين ويقوم بقص واحد ، كعمل قصارين " غاسلي ثياب " ( أنظر إلى تدرج مولانا في تقديم الصور ) ، وأصدق مثال على تعدد الصور ووحدة الأثر : الأنبياء والأولياء ، أليسوا جميعا معهما تعددت صور الدعوة وأساليبها ومعجزاتا وكراماتها ينادون بالاتجاه إلى الواحد وعبادة الواحد ؟
( أنظر أيضا لهذه الفكرة : الكتاب الثالث الأبيات : 2124 - 2126 وشروحها ) 
 
( 3100 - 3106 ) وقفة من مولانا جلال الدين عن الفيض " الماء " لأن الماء قد جرف حجارة الطاحون " جاوز الكلام قدرة مولانا على الإفضاء " ، وثمة سبب آخر وهو الغفلة التي انتابت المستمعين ، وما لم يكن مستمع لا يفيض الحديث ، وما دام المرء لا يحتاج إلى الطاحون فإن الماء لا يدخل الطاحون ، وإنما يكون الحديث من أجل مستفيد متعلم ، وإن لم يكن مستفيد أو متعلم فما جدواه ؟ ، إنه يعود إلى أصله أي إلى الجنان " تحت العرش كنوز مفاتيحها ألسنة الشعراء " ، وإياكم أن تظنوا أنه ينبع من الحلق والحبال الصوتية ، وليت الكلام يكون بلا صوت ولا حرف ولا قيل ولا قال ، ينبعث من القلب " مجراه الأصلي " إلى القلب " أذن القلب " ( أنظر البيت 1740 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، لكن محال ، لا بد من النزول إلى مستوى الحرف والصوت ، وليته يصادف فهما صحيحا سليما ( لمولانا : مت حسرة بحثا عن الفهم الصحيح - البيت 2100 من الكتاب الثالث - وليت الكلام يكون بلا حروف : أنظر الكتاب الثالث الأبيات : 1307 - 1309 وشروحها والكتاب الخامس الأبيات 2240 - 2243 وشروحها ) .
 
 
« 549 »
 
( 3107 - 3113 ) : هناك عوالم عديدة يدعو مولانا الله إلى تمكينه من تجاوزها إلى عالم العدم الأكثر رحابة وإتساعا ، فالخيال : هو عالم المثال وعالم النفوس المنطبعة ، والوجود : هو عالم الوجود الخارجي ، عالم الحس واللون ، عالم الشهود ، وتتراوح سعة كل عالم عن العالم الآخر وهي في سعتها متدرجة من أعلى إلى أسفل : " عالم العدم وعالم الخيال وهو أكثر ضيقا ومن ثم مسبب للحزن ، وعالم الوجود الأكثر ضيقا ، ثم عالم الحس عالم الكثرة الذي هو أدنى درجة من درجات العوالم في مقابل عالم التوحيد الذي هو أعلاها ، وقطع هذه العوالم ليس بالأمر الصعب إن كان ثم رعاية إلهية وقبول رباني ، إذ يمكن طيها كلها بأمره سبحانه وتعالى الذي لا يزيد عن حرفين " كن " ( 3116 ) : الآية الكريمة "فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ *" ( الأعراف / 136 - الحجر / 79 - الزخرف / 52 و 55 ) .
 
( 3123 - 3125 ) : " من كان لله ، كان الله له " ( أنظر الأبيات : 1947 - 1950 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) .
 
( 3126 - 3136 ) : الحديث عن الاعتبار ، والعاقل هو من اعتبر من مصير غيره ، ومن أقوال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه " واعتبروا ممن أضاعها ، ولا يعتبرن بكم من أطاعها " ( عن شرح شهيدي : ص 33 ) والسابقون المذكورون هم الأمم السابقة التي لولا اتعاظ المسلمين بمصائرها لما هُدوا " وليتهم يتعظون الآن " ومن هنا قال عليه السلام " أمتي أمة مرحومة ليس عليها في الآخرة عذاب ، إنما عذابها في الدنيا القتل والبلاء والزلازل " ( بأسانيده في أحاديث مثنوي ص 32 ) فاعتبروا إذن بمن قبلكم وإلا اعتبر بكم من بعدكم . و : خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد .
 
 
« 550 »
 
( 3137 - 3149 ) : يتحدث مولانا كثيرا عن نوح عليه السّلام كمثال للثبات على الدعوة والأمر مع طول مدة الدعوة وقسوة قلوب العصاة وعدم استجابتهم ، ومع ذلك إلا لأنهم رأوا نوحا عليه السَّلام مجرد إنسان مثلهم " وربما في بعض الأحيان أقل منهم " ويسوق نوح عليه السّلام الحديث هنا إلى الكفار : إياكم أن تظنوا أني مجرد إنسان مثلكم ، إن حديثي منه (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) ( النجم / 3 - 4 ) ، أنا رسوله ، وقيمة الرسول من قيمة مرسله ، لا تنظروا إلى الجسد وانظروا إلى الروح ، ولا تستهينوا بما تيسره لكم عيون ظواهركم ، إنكم تنظرون ولا تبصرون ، وإذا لم يكن نوح عليه السّلام أسدا ، فلماذا دمر الحق عالما كاملا من أجله ؟ ولما ذا مزقهم كما مُزق الذئب في الحكاية السالفة الذكر ؟ أتبدي إذن جرأتك أمام أسد الله وأوليائه وأصفيائه ؟ ألا ليتك تعلم بما حاق بمن قبلك وتتعظ به ! ! وليت العقاب كان قد حاق بالأجساد فحسب ، فكل عقاب يحيق بالأجساد نفع إذا كان الإيمان باقيا ، وتطهير وغفران إذا بقيت الأرواح سليمة ، 
لكن لعلكم تتساءلون :
كيف يكون كفر بالأجساد ومع ذلك يظل الإيمان سليما ؟ هذا هو السر الذي لا أستطيع أن أفشيه . والواقع أن مولانا لا يريد أن يخوض في قضيتين : الأولى : هل مرتكب الكبيرة كافر ، وفيها خلاف بين كل الفرق ، والثانية : قضيته الأساسية ؛ قضية الجبر والاختيار ، فإذا كان فعل الكفر عند العبد من الله ، فإن الله قدر على الاستتابة وعلى التطهير ، ومن الممكن أن يقبض عبده المذنب والمتجرى على ملكوته تائبا آئبا ليس عليه شاهد بذنب . ( أنظر الكتاب الثالث الأبيات : 3385 - 3395 وشروحها ) .
 
( 3150 - 3162 ) : يعود مولانا إلى الثعلب الذي ترك الأنية وذاب في " الأنا العليا " المرموز لها بالأسد ، ففاز بكل الصيد ، لقد قلل الاهتمام ببطنه ، واعتبر نفسه غير مالك لشيء ، وأن الملك كله له يقسمه كيف يشاء ، وأن المخلوق دائما في افتقار إلى الله تعالى ، الذي يضع كل شيء في موضعه وبقدره ، وقد خلق كل الخليقة من أجل الإنسان ، فليعلم الإنسان أنها له ، وليحسن
 
 
« 551 »
 
طلبها ، وطلبها بمعرفته (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أي ليعرفون ، وإياك والشك في عطاء الحق ، فإن هذا الشك مجلبة لسخطه ، وهو يعرف سرك وجهرك وسعيك واحتيالك ، وأولئك الذين صفوا قلوبهم ، وأبعدوا عنها ما سوى الله تعالى ، أصبحوا في الصدر من حضرته ، وكل من أخلى صدره من كل شغل ، تجلى الحق في مرآته ، والمؤمن مرآة المؤمن " ( أنظر البيت : 1337 من الكتاب الذي بين أيدينا ) والقلوب هي المحك والمعيار لكي تفرق بين الزائف والصحيح . 
 
( 3166 - 3169 ) : على ذكر القلب من الجسد " السلطان من الأمة في المأثور السياسي " يتوارد إلى ذهن مولانا أهمية الموضع الذي يتبوأه الصوفية العارفون من مجالس الملوك ، فإذا كان الأبطال والعسكر يجلسون على ميسرة الملك " القلب " والكتاب وأرباب القلم على يمينه " اليد اليمنى التي تكتب " ، فإن الصوفية يجلسون في مواجهتم ، لأنهم مرايا الروح ، وفيها ينعكس ما يدور في قلب الملك ، فيراقب نفسه ، ويرعى حرمة الجالس أمامه " للصوفية مواقف في مواجهة الطغاة وكف طغيانهم عن عوام الناس - أنظر أسرار التوحيد في مقامات أبي سعيد ترجمة إسعاد قنديل وسيرة الشيخ الكبير ترجمة كاتب هذه السطور " ، ويستدرك مولانا قائلا بأن صاحب الوجه الحسن هو الذي يديم النظر في المرآة ويكون عاشقا لها ، فكثير من السلاطين يعرفون دخائل قلوبهم وقبحها ، فلا يطيقون أرباب القلوب ولا يأنسون إليهم ، فهم المرايا التي تظهر الحقائق ، وهم جواسيس القلوب . وفي تعليقات نيكلسون " السلطان هو الروح ، والأبطال هم القوى النفسانية والمشرفون ، وأهل القلم هم العقل ، والصوفية هم قلب الولي الكامل .
ويضيف شهيدي أنه من أجل فهم المعنى الظاهري يجب الانتباه إلى أن الصوفية وشيوخهم تمتعوا بمقام ملحوظ في بلاطات آسيه الصغرى في العهد الذي عاش فيه مولانا ، مما يمكن ملاحظته في ثنايا كتاب مناقب العارفين للأفلاكي " ( شرح شهيدي / ص 52 ) .

 
« 552 »
 
( 3170 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / ص 31 ) وردت قبل مولانا في كتاب " المستجاد من فعلات الأجواد " كما وردت في " جوامع الحكايات " لمحمد عوفي ، وأضاف زرين كوب ( عبد الحسين زرين كوب : بحر در كوزه ، نقد وتفسير قصها وتمثيلات مثنوي صص 57 و 58 - ط 2 - تهران 1376 ه . ش . - يذكر فيما بعد تحت عنوان بحر در كوزه ) مصدرين هما إلهي نامه للعطار وفيه ما فيه لمولانا جلال الدين ، ويضيف زرين كوب هنا أن يوسف عليه السّلام هنا رمز للجمال الإلهي الذي يتجلى في مرآة أو مرايا عديدة .
 
( 3172 - 3181 ) : الأبيات تشير إلى أن يوسف عليه السّلام حتى في أوان محنته كان صابرا موقنا في عناية الله به ، شاعرا بقدره عنده ( في موضع آخر كان ذلك اعتمادا على الرؤية الصادقة التي رآها بسجود الشمس والقمر والكواكب له أنظر : الكتاب الثالث الأبيات : 2335 - 2342 وشروحها والكتاب الرابع الأبيات : 3395 - 3399 وشروحها والكتاب الخامس الأبيات : 4060 - 4062 وشروحها ) كان عارفا بأن كل هذا الخراب الذي يحيق به من أجل عمران آت لا محالة ، ولولا هذا الخراب ما جاء هذا العمران . ويضرب يوسف في الحكاية التي بين أيدينا الأمثال التي طالما يضربها مولانا في أكثر من موضع ليدلل على أن العمارة في الخراب والجمع في التفرقة ( أنظر : الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات : 306 - 312 وشروحها حيث إشارات إلى نفس الفكرة في مواضع أخرى من المثنوي ) وفي البيت 3177 إشارة إلى علاج في الطب التقليدي الإيراني يسمى كحل الجواهر حيث كان الدر يدق ويكتحل به على اعتقاد بأن له خاصية في تقوية البصر ( إستعلامي 1 / 387 ) أو في إعادة البصر إلى الأعمى ( شهيدي / 49 ) ، والمعنى كله وارد في معارف بهاء ولد " أي دق رأيت قلت به قيمة المدقوق ؟ " ( معارف / ص 103 وص 250 ) .
ويعجب الزراع الواردة بالعربية في البيت 3182 إشارة إلى الآية الكريمة (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ ، يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ، لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) ( الفتح / 29 ) ( وعن فكرة أن زرع الجسد في القبر بعد الموت لا بد وأن ينتج عنه نبات أنظر : الكتاب الثالث الأبيات : 3529 - 3536 وشروحها ) .
 
 
« 553 »
 
( 3183 - 3192 ) : يخلص مولانا من فكرة أن كل إنسان يعود من السفر إنما يحمل هدية لحبيبه إلى فكرة أكثر عمقا وهي : إذا كانت مرحلة الحياة الدنيا مرحلة سفر عن الوطن ، والموت عودة ولقيا للحبيب فما ذا تحمل إلى الحبيب عند عودتك من السفر ؟ ويشير إلى الآية الكريمة (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) ( الأنعام / 94 ) وفرادى تعني : خاوين من كل ما أنعم الله عليكم به في الدنيا ، وإنما ينبغي لك أن تحمل إليه ما أديته من أعمال في مقابل هذه النعم من صالح الأعمال ، هذا إذا كنتم في الأصل لم تقطعوا الأمل في العودة ، وأنكرتم البعث ، واعتبرتم الأمر باطلا ، وإن إنكار مثل هذه الضيافة من قبيل الحمارية ، فلن يكون لك من نصيب من هذه الضيافة العامة إلا جهنم ونارها وترابها ، أتريد أن أقول لك طرفا من هذه الهدية التي ينبغي أن تحملها إليه ؟ اقرأ الآية الكريمة (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ، وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ( الذاريات / 17 - 18 ) ( لتعبير آخر عن هذه الفكرة أنظر : الكتاب الرابع الأبيات :
1564 - 1577 وشروحها ) .
 
( 3193 - 3197 ) : لتفصيلات عن فكرة أن الإنسان في الدنيا مثل الجنين في الرحم ثم ينتقل إلى الأرض الواسعة ، أنظر الكتاب الثالث الأبيات 50 - 68 وشروحها . والأرض الواسعة اقتباس من الآية الكريمة رقم 97 من سورة النساء ، وهي هنا أرض عالم الغيب وعالم الوجود الحقيقي ( لتفصيلات عنها أنظر الكتاب الرابع الأبيات : 2381 - 2383 وشروحها ) ( 3198 - 3204 ) : لشرح هذه الأبيات أنظر الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 390 - 399 والأبيات 406 - 409 وشروحها ، وعن الجبل والصدى وعلاقته بالفكرة الموجودة في الأبيات أنظر الكتاب الثالث الأبيات 283 - 284 و 1345 - 1353 وشروحها - وعن أهل الكهف وتشبيه الأولياء بهم أنظر البيت 407 من الكتاب الذي بين أيدينا وشرحه ) .
( 3208 ) حامل الكمون إلى كرمان مثل فارسي يقابله في العربية حامل التمر إلى هجر .
( 3210 ) تشبيه المرآة بصدور الرجال ورد كثيرا في المثنوي أنظر على سبيل المثال لا الحصر الأبيات 3159 و 3166 و 3167 من الكتاب الذي بين أيدينا .
 
( 3214 - 3223 ) : كما أن الحسان عندما يرون وجوههن في المرآة ينشغلن بها ويغبن عن أنفسهن

 
« 554 »
 
فإن العبد إذا أراد أن يرى نفسه في مرايا الحق عليه أن يصبح فانيا ، وعندما يرى الإنسان نفسه عدما ، يفيض عليه الحق وهو الغني المطلق ، وعندما يفيض عليه يتجلى الحق . يقول عبد الوهاب الشعراني " واجهد نفسك عندما ترى الصورة في المرآة ، أن ترى جرم المرآة ، فإنك لا تراه أبدا ، لكن إن قلت أن المتطبع في المرآة صورتك صدقت ، لأنها نشأت من مقابلتك ، وإن قلت غير صورتك صدقت ، لأن صورتك لم تنتقل ، فافهم " ( مولوي 1 / 585 ) ثم ينزل مولانا جلال الدين بمستوى التعبير قليلا ويقدم صورا من الواقع المعاش : ما لم تبدُ الحاجة لا يكون العطاء " لا يفور اللبن من الثدي إلا إن كان ثم رضيع باك " وحيث ثم جائع يكون الخبز ، وإن كان ثم عود حرق لا بد أن يكون هناك زند ، والحائك الماهر لا يخيط ثوبا جاهزا ، والنجار لا يسوى خشبا مشكلا بل يأخذ فرعا لم يسو بعد ، ومجبر الكسور يقصد مكسور القدم ، والطبيب يقصد المريض . النقص هو سبيل الكمال وهو مرآته ، فإذا كنت تريد الكمال فأبد النقص " أنا عند المنكسرة قلوبهم " والأمور تعرف بأضدادها ، وجاء في الحديث النبوي " من عرف نفسه فقد عرف ربه " أي : من عرف نفسه بالتذلل عرف ربه بالتفضل ، ومن عرف نفسه بالحقارة ، عرف ربه بالجلالة ، ومن عرف نفسه بالفناء ، عرف ربه بالبقاء " ( مولوي 1 / 586 ) 
( 3225 - 3233 ) : المهم أن تدرك أنواع النقص فيك ، فإنك إن عرفتها أسرعت في إصلاحها بسرعة عشرة جياد ، فإذا كنت تظن في نفسك الكمال . . كيف تسرع إلى ذي الجلال ، وويلك من هذا العُجب وهو أكبر آفات النفس ، ويجر عليك الويلات ، وأفظعها قاطبة غضب الله سبحانه وتعالى " الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ، فمن نازعني ردائي وإزاري ، قصمته ولا أبالي " ، وألا فلتعلم أن الكبرياء كان الداء الأكبر عند إبليس اللعين ، وهو الذي دفعه إلى عدم السجود لآدم (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ *) ( الأعراف / 12 ) 
والكبرياء في الإنسان أخفى من البعر في الجدول الصافي " أو أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء " و " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " ولا سبيل إلى علاج الكبرياء إلا من وجهين : أحدهما أن ينظر المرء إلى النفس بعين الحقارة ، فيرى خسة طبعها وركاكة نظرها ودناءة قيمتها وأنواع عيوبها وتمردها على الحق وتعلقها بالباطل وخباثة ذاتها ودمامة صفاتها وتعديها وظلمها لنفسها ، ومع ذلك يرى عجزها وفقرها وذلها وضعفها ومسكنتها .

« 555 »
 
والوجه الثاني : أن ينظر إلى عظمة الله وعزته وكبريائه وجلاله وجبروته وشدة عذابه وألم عقابه فيها ، ويتحقق أن بطشه بالمجرمين شديد وعقوبته للمتمردين عظيمة ، فيصغر نفسه باللوم لمعرفة قدرها ، ويتواضع لله بالعجز لمعرفة قدره ، خائفا من عذابه ، راجيا ثوابه ، كما قال تعالى ( يدعون ربهم خوفا وطمعا ) فيبدل الله سيئة كبرها بخسة تواضعها " ( منارات السائرين / 307 - 308 ) .
 
( 3234 - 3240 ) : إنه هو الشيخ الذي يستطيع أن يتتبع أدق أمارات الكبر داخل نفسك ، وهو الذي يشق الجداول الصافية " الخالية من بعر الكبرياء المختفي " داخل رياض النفس الكلية التي يحمل السالك إليها ( عن صلة الشيخ بالنفس الكلية أنظر : الترجمة العربية لحديقة سنائي الأبيات 4973 - 5070 وشروحها صص 308 - 309 من نفس المجلد الأول ) وهو الذي يستطيع أن يعالج جراح النفس التي حط عليها ذباب الأفكار والهموم وأموال الدنيا وشهواتها ( عن علاج الشيخ للكبرياء بوسائل لا تقل علمية عن العلاج النفسي المعاصر ، أنظر : أسرار التوحيد في مقامات أبي سعيد ، وانظر أيضا : ديداري با أهل قلم ، لغلام حسين يوسفي ، مقال : عارفي از خراسان صص 191 - 196 - انتشارات دانشكاه تهران - 1355 ه . ش . ) ، والمرشد عالم بالله ، جاء في قوت القلوب العلماء ثلاثة : عالم بالله وبأمر الله فذلك العالم الكامل ، وعالم بالله غير عالم بأمر الله فذلك العالم التقي الخائف ، وعالم بأمر الله غير عالم بالله فذلك العالم الفاجر ، 
وقال ابن عربي :ما حرمة الشيخ إلا حرمة الله * فقم بها أدبا بالله بالله
هم الأدلاء والقربى تؤيدهم * على الدلالة تأييدا على الله
الوارثون همو للرسل أجمعهم * فما حديثهمو إلا عن الله
كالأنبياء تراهم في محاربهم * لا يسألون من الله سوى الله
( مولوي 5881 ) فإياك أن تظن أن هذا العلاج من نفسك أنت ومن مجاهداتك أنت . . . وإلا كانت جرأة
 
 
« 556 »
 
كجرأة كاتب الوحي الذي سطع عليه شعاع من نور الرسول صلى اللّه عليه وسلّم فظن أن الوحي ينزل عليه ( ومثل حكايات تأمير الشاب الهذلي الواردة في الكتاب الرابع الترجمة العربية الجزء الخاص بشعاع السكر ، الأبيات 2154 - 2158 وشروحها ) .
( 3241 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما رواه فروزانفر ( مآخذ / 32 - 33 ) نقلا عن أسباب النزول للواقدي وتفسير أبى الفتوح الرازي عن كاتب الوحي عبد الله بن سعد بن أبي سرح الذي كان يملى عليه الرسول صلى اللّه عليه وسلّم الآية الكريمة (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) ثم انتهى إلى قوله ( ثم أنشأنه خلقاً آخر ) فبادر ابن سرح بقوله (فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) فقال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم « اكتبها فهكذا نزلت على » وقد ناقش الأستاذ شهيدى هذه الرواية ( شرح المثنوى / 66 ، ص 72 ) ورفضها لأنها لا تتفق مع روح الإسلام من ناحية ، ومن ناحية أخرى هناك روايات أخرى عن أسباب ردة ابن سرح أكثر إقناعاً منها ، وبمناقشة ترتيب نزول الآيات المختلفة التي قيل أن المقصود بها ابن سرح تبين أنه ارتد والتحق بأهل مكة بعد صلح الحديبية ، وذلك بعد سبع سنوات من نزول الآيات المذكورة . . . فضلا عن أن أبى سرح لم يكن صادق الإسلام ، وكان أبوه أيضاً من كبار المنافقين فضلًا عن بعض الخلافات القبلية . . . ويرجع الأستاذ شهيدى اختلاف هذه القصة إلى عهد ولاية عبد الله بن أبي سرح لمصر في عهد عثمان رضي الله عنه عنه وإتقاله الناس بالضرائب والمكوس وسيره فيهم سيرا بعيداً عن العدل .
 
( 3253 - 3267 ) : عن القيود الخفية غير الظاهرة وبها يتعذب صاحبها دون أن يرى الناس فيه سبباً ظاهراً يستدعى هذا العذاب أنظر الكتاب الثالث الأبيات 1652 - 1669 وشروحها . وأنظر إلى قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ، وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) ( يس / 8 - 9 ) هذه الأغلال الخفية لا يبصرها إلا هو سبحانه وتعالى ، ولا يستطيع المرء أن يبصرها ، حتى صاحبها ذلك الذي يستطيع أن يتتبع الآلام الظاهرة ويعالجها يقف دونها مكتوف الأيدي . . . فهذه السدود تبدو أمامه طبيعية لأنها جزء من النفس . . . ولأنها محببة إلى النفس . . . كشهوات الدنيا تكون محببة لديك لكنها تمنعك عن المحبوب الحقيقي ، حسناؤك التي تسلبك لبك سد أمام ميلك إلى الجمال المطلق ، وأقوال مرشدك

 
« 557 »
 
الكذاب تقنعك وتشبعك وتمنعك عن البحث عن المرشد الحقيقي ، وكبرك يمنعك عن الاعتراف بالحق ، ومئات من السدود والموانع داخل نفسك ، لو فصلتها لأصبت بالاحباط واليأس . . . لكن لا تقنط فآلاف آلاف الضالين هداهم الحق إليه ، فاهرع إلى الله ، وأطلب منه الغوث ، وإياك والعجب فإنه هو الذي أضل ذلك الشقي . . . الذي انعكس على النور من الرسول الكريم صلى اللّه عليه وسلّم فظن أنه نوره هو ينبعث من باطنه فكان أن كفر .
 
( 3268 - 3274 ) : وأنت أيضاً أيها الأخ ، لا تقبس قولًا من هنا وقولًا من هناك من أقوال المرشد وتظن أنها من نفسك ، فهي فيه طبع وفيك عارية ، وهذا النور الذي وجدته في نفسك إنما هو انعكاس لأنوار من وصلوا ، وبدلًا من العجب والكبر ، أشكر الله الذي منحك هذا النور ، وكن أذنا صاغية لمن وصل إليك النور عن طريقهم . . . وكثيرون هم الذين اغتروا ببعض النور فأضلهم الله على علم ، وانسلخوا عن آياتنا ، وأتبعهم الشيطان وكانوا من الغاوين ، فمهما وصلت إليه من علم . . . إعلم أنك لا تزال في الطريق ولم تصل إلى السماط ( الحضرة الإلهية ) فهناك آلاف من المنازل والأربطة عليك أن تمر بها حتى تصل إلى المنزل الأخير .
 
( 3275 - 3284 ) : الكون كله أصول وعاريات ، فلا تظنن أن العارية أصل بل انتظر ، فإن بقي في الشئ ما يتبجح به فهو أصل . . . أنظر إلى الجدران تتبجح بأنها منيرة مضيئة ، فترد عليها الشمس : إنتظرى حتى أغرب ، ( أنظر الكتاب الثالث الأبيات 552 - 553 - 559 وشروحها ، وأنظر الكتاب الرابع ، الأبيات 451 - 461 وشروحها ) ويدل الجسد بحسنه وجماله فتقول له الروح : إنتظر حتى أغادرك . . . وأنظر إلى ما يتبقى منك بعد ذلك وكيف لا يستطيع تحمله من كان يموت هياماً فيك ( كل كون حسى يحمل في داخله الفساد ، أنظر الكتاب الرابع 1594 - 1613 وشروحها ) .
 
( 3285 - 3294 ) : إن النطق والبصر والسمع كلها شعاع من الروح على الجسد ، والغليان في الماء ( تدفق الحكمة ) هو تأثير النار في الماء ، ومثلها تماماً تجلى أشعة العارفين والكمل من الرجال على روحي ، هؤلاء هم روح الأرواح ، إن سحبت منك فأنت ميت ، تماماً جسدٌ بلا روح ، ومن هنا : فأنا دائماً ما أطاطىء رأسي ساجداً إلى الأرض تواضعاً لله تعالى متبرئاً من كل
 
« 558 »
 
حول وقوة مقراً ومعترفاً بأن كل ما يراه الناس فىّ ليس منى بل منه ، وأن فيض الحكمة من فعل شيوخى وليس من فعل نفسي ، أسجد على الأرض لأن هذه الأرض سوف تشهد يوم القيامة واقرأ قولها تعالى «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها ، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها» ( الزلزلة / 1 - 4 ) .
 
( 3295 - 3299 ) : يناقش مولانا قضية طالما ناقشها بتفصيلات أكثر في أجزاء أخرى من المثنوى وهي قضية نطق الجمادات وتسبيحها وحركتها ووجود الحياة فيها ( أنظر الكتاب الثالث الأبيات 1012 - 1027 وشروحها حيث يناقش رأى المعتزلة ) وهنا يخاطب مولانا المتفلسف أو المعتمد على الاستدلال والحس الذي ينكر أنين الجذع الحنان ، والفكرة هنا منقولة عن مقالات شمس ، ص 111 ، 118 . 
( أنظر الأبيات 2124 وشروحها من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وما إنكاره هذا إلا لأن شعاع الأولياء لم ينعكس عليه ، بل انعكس عليه فساده وكفره فكان إنكاره نتيجة لهذا الكفر وهذا الفساد ، إن المتفلسف ينكر كل أمر غيبى ومن ضمن الأمور الغيبية التي ينكرها وجود الشيطان ، في حين أنه هو في حد ذاته أبلغ دليل على وجود الشيطان ، وهو لو نظر إلى نفسه لوجد الشيطان حاضرا ، ولرأى وسم الجنون الأزرق ( عادة قديمة ) موجوداً على جبهته ، وشكله والتواء قلبه ينعكسان عليه سواداً في الوجه ( لون وجوه الكفار يوم القيامة ) مهما أبدى من إيمان .
 
( 3300 - 3310 ) : كل إنسان مهما بلغ إيمانه في داخله عرق شرك وكفر ، فاحذروا منه أيها المؤمنون ، فإن في داخلكم كثيرا من العوالم ( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع ) وقد يكون هذا العرق مختفيا داخلها . . . وكل مؤمن يرتعد فرقا منه ( إني لأنظر في المرآة سبعين مرة في اليوم مخافة أن يسود وجهي : أبو يزيد البسطامي ) . . . ودعك من السخرية من الضالين ( إبليس والشيطان ) فإنك لست تدرى إلام ينتهى أمرك ، فعند ما تقلب الروح الفراء ( أي تظهر لك خبايا نفسك على أبشع صورة وقلب الفراء تعبير مأخوذ من الإمام علي رضي الله عنه كناية على انقلاب الظاهر شديد الحسن وظهور الباطن شديد القبح فوجه الفراء أشد جمالًا من كل أنواع الملابس وباطنه أيضا أشد قبحا ) . . . وأنتظر الامتحان والمحك ، فأي زيف مطلى بالذهب يطا من الذهب

 
« 559 »
 
النضار في دكان الصائغ ، والذهب ينتظر طلوع النهار ( يوم العرض . . . يوم كشف الغطاء ، يوم لا أنساب ) . . . فليس على إنسان أن يأمن بعد أن رأى مصير إبليس . . . ألم يكن عابداً متهجدا مجاهداً في العبادة لآلاف السنين حتى سمى طاووس الملائكة ؟ ! ! فما ذا كانت نهايته ؟ ! ! أسفر عن مجرد كونه بعراً عندما سطعت عليه شمس الحقيقة ، فإذا بعبادته مجرد كبر ورياء ، وإذا به ينقلب إلى رأس الفسقة والكفار وإلى المضل الأكبر والموسوس وقاطع الطريق القاعد لعباد الله كل مرصد .
 
( 3311 ) : الحديث عن بلعم أو بلعام بن باعوراء ( بالعربية : سيد الناس في معجم الكتاب المقدس وعابد البطن في دائرة المعارف الفارسية ) ، قيل أن ملك كنعان دفع له أجرا ليلعن بني إسرائيل ، وعندما كان يمضى إلى العبرانيين توقف حماره ولم يسر ، وجاءه ملك سأله أن يدعو لعبرانينن بدلًا من أن يلعنهم . . . وفي الروايات الإسلامية أنه كان حبراً من بني إسرائيل أنفسهم ، مشهوراً بالعلم والتقوى ، وكان ينتظر أن تنزل الرسالة عليه ، فلما نزلت على موسى عليه السّلام حسده ونفسه ولم يؤمن به ، وأن الآية الكريمة «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ» ( الأعراف / 175 ) قد نزلت في شأنه ، وبلعم عند الصوفية مثل إبليس ، كلاهما كان عابداً في البداية عالماً حبراً ، وكلاهما مني بكبيرة من الكبائر التي تردى ، ( إبليس الكبر وبلعام الحسد ) ، وصار كلاهما مثلا عن مطمئن إلى عبادته ويأمن مكر الله ( انظر حديقة الحقيقة لسنائى :
البيتين 1273 - 1274 وشروحها ) .
 
( 3317 ) : هناك تفسيران في البيت . . . يرى استعلامى أن المقصود بالعلم هنا جمة بقر جبلى كان الصيادون والشجعان يعلقونها على أسنة رماحهم أو أعلامهم كناية عن النصر . . . وحمل الراية إلى المدينة كناية عن الغلبة والإنتصار ( 1 / 395 ) ويرى شهيدى أن معناها الجر من الناصية أو الأخذ بالناصية وأن فيها تلميحا إلى الآية الكريمة «يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ» ( الرحمن / 41 ) ( شرح شهيدى / 95 ) .
 
( 3318 - 3321 ) : إنك مدلل مرفه مكرم على كل الأحياء محمول في البر والبحر ، لكنك لست إليها ، فأعرف حدودك أولًا ، فربما تجاوزت واعتديت على من هو أحب إلى الله منك ( أعتداء
.
يتبع

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا





عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الأبيات من 3026 - 3409 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 7:11 pm

الهوامش والشروح الأبيات من 3026 - 3409 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح الأبيات من 3026 - 3409 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح ذهاب الذئب والثعلب مع الأسد إلى الصيد

« 560 »
 
إبليس على آدم وبلعام على موسى ) ، ولقد دمر الله سبحانه وتعالى مدنا بأكملها لاعتدائها على أنبيائها ( عاد وثمود ) وإن كل هذه البلايا تنزل على المنكرين بياناً لعزة الأنبياء والأولياء عند الله تعالى . . . وأنهم محتوون على النفس الناطقة التي تميز بها الإنسان على الحيوان .
 
( 3322 - 3333 ) : اللب في مصطلح مولانا أي الروح القادرة على معرفة الحق ( أنظر في الكتاب الذي ين أيدينا ، الأبيات 14 و 407 و 589 و 2077 وشروحها ) ( استعلامى 1 / 395 ) فالحيوان أدنى مرتبة من الإنسان ، ومن ثم فالإنسان مسلط عليها ، وكذلك فهذا اللب مسلط على البشر ، ومن الممكن التضحية بالبشر في سبيله ، وفرق بينه وبين العقل الجزئي ، والحيوان المستأنس هنا قد يكون بمعناه الحرفي أي الحيوان الذي في خدمة الإنسان ، وقد يكون بمعنى الإنسان نفسه كما قال استعلامى ، ومن ثم فللإنسان الحق في سفك دم الحيوان البرى لأنه مفتقر إلى العقل نزاع إلى الدم خطر على الإنسان . . . ولا فرق هناك يذكر بين الإنسان المفتقر إلى العقل الدارك للحقيقة وبين الحمر المستنفرة فإذا توحش الإنسان . . . وكفر بخالقه . . . أبيح دمه . . . تماما كما يباح دم الوحش ودم البهيمة . . . مهما كان عاقلا . . . فإن العقل هو المدرك لعقل العقل ، وإلا كان وجوده كعدمه ، وانتقل بصاحبه من رتبة الإنسانية إلى رتبة الحيوانية ، والوحشية .
 
( 3334 - 3351 ) : نموذج آخر من نماذج الضلال على علم ، والعجب الذي يردى صاحبه ، وامتحان الديان الفرد الذي يأتي فيضع الأمور في نصابها ويتم الاستدراج . . . ويرى المفسرون أن الإسميين سريانيان ، كما يرى بعض الباحثين أن في القصة سمات بابلية وإيرانية قديمه ( أسطورة هورنات وامرتات ) ( بحر در كوزه / 304 سرني / 142 ) وقد قص مولانا القصة في أكثر من موضع من المثنوى ، وروى في كل مرة جزءاً منها لبيان معنى من المعاني العديدة التي تثيرها القصة في نفس مولانا وفي نفوس الصوفية عموماً ( أشار إليها إشارة عابرة في البيتين 539 و 540 من الكتاب الذي بين أيدينا ، ثم عاد إليها في الكتاب الثاني عن تفضيلهما العذاب في بئر بابل عن عذاب الآخرة الأبيات 2468 - 2470 ثم في الكتاب الثالث الأبيات 796 - 801 في معرض الحديث عن الإستدراج والامتحان وفي بيت واحد في الكتاب الرابع وهو البيت 2673 وفي الكتاب الخامس عند سقوطها في بئر بابل سقوط الروح في الجسد ، البيت 621 وفي الكتاب
 


 
« 561 »
 
السادس في تغير طبعهما من طبع الملائكة إلى طبع البشر في البيتين 3012 و 3013 ) ( التفصيلات القصة في المأثور الإسلامي ، أنظر قصص الأنبياء للثعلبي 50 - 52 ) والأبيات تتناول آفة الأمن والعجب والاعتماد على القدسية . . . ومن المرء أنه محصن ضد الخطيئة وضد الزلل . . . وأنه إن وجد في نفس ظروف الخاطىء فلن يقع في نفس الخطأ . . . ويشير مولانا إلى أن السهام دائما ما توجه ضد القوى أو الذي يتظاهر بالقوة أمام القوى ، فالأسد مسلط على الحيوانات مهما كانت ضخمة ، والرياح لا تقتلع إلا الأشجار القوية وتمر هونا على الأعشاب الضعيفة . . .
البلطة لا تخشى الأشجار المتكاثفة . . . إن الكون كله صور . . . وما الصورة إلى جوار المعنى ؟ ! ! إن كل هذه الصور المحيطة بك والتي كلما نظرت إليها تزداد دهشة : الفلك ، الرياح ، كلها ذات عقل يسيرها وإلا فإنها بدونه بلا حول ولا قوة ، تماما كالنفس الإنسانية معجزة المعجزات . . .
بدون روح لا يكون . . . وهي التي تجعله ينطق بالألفاظ جيم أو حاء أو دال ، ( لابن العربى تفسيرات عن الحروف وعن الجيم والدال أنظر شرح الأنقروى 1 / 607 ) كلمات متضادة . . .
روضة أو أجمة شوك ، سلام أو حرب . . . مثل تصريف الرياح حينا يجعلها رخاءً وحينا يجعلها عذاب وفكر وأذى ( عن الرياح واختلافها ، أنظر الكتاب الرابع ، الأبيات 125 - 155 وشروحها ) .
 
( 3352 - 3354 ) : اختلف المفسرون في المعنى بشيخ الدين . . . قال الأنقروى ذكر سروري وشمعى أن المراد صدر الدين القونوى لكن المعنى لا يدل على التخصيص ، وقال آخرون بل المعنى محيي الدين بن العربى أو أبو الحسن الخرقانى ( أنظر سرني 481 - 482 ) وقال نيكلسون أنه صدر الدين القونوى لأنه كتب كتابا اسمه إعجاز البيان في كشف أسرار القرآن شرح فيه سورة الحمد لكنه يرى أنه من المستبعد أن يعنى مولانا به الرسول صلى اللّه عليه وسلّم أو ابن عباس . . . وقال شهيدى ان العبارة المعنى هو الله وردت في مقالات شمس الدين التبريزي ( مقالات شمس 1 / 120 وانظر مناقشة المحقق لها ص 906 ) 
( المناقشة كلها من شهيدى 107 ) وقال استعلامى أنه الرسول صلى اللّه عليه وسلّم ( 1 / 397 ) فالوجود الحقيقي والدائم هو لله سبحانه وتعالى ، فهو بحر الحقيقة جل وعلا والوجود ،


 
 
« 562 »
 
كله كالزبد والقذى تقلبه أمواج القدرة حيث تشاء . . . أحيانا يصده . . . وأحيانا يذيبه فيه كما تفعل النار بالهشيم .
( 3358 - 3365 ) : لقد انشغل الملكان وهما في المساء بعيوب أهل الأرض ولم تشغلهما عيوبهما ( الكبر والعجب والغرور ) ( طوبى لمن شغلته عيوبه عن عيوب الناس ) ويسوق مولانا في البيت 3360 صورة مأخوذة من حكاية لسنائى الغزنوي في الحديقة ( انظر الترجمة العربية ص 161 كما عاد إليها مولانا في الكتاب الثاني البيت 2698 ) ان المتكبر المعجب بنفسه المغرور يستشيط غضبا عندما يرى أحدا يذنب ويسمى هذا الغضب غضبا للدين وحمية للدين ، وما هي إلا كبر منه وإعجاب بنفسه ، يقول الإمام علي رضي الله عنه « وإنما ينبغي لأهل العصمة والمصنوع إليهم في السلامة أن يرحموا أهل الذنوب والمعصية ، ويكون الشكر هو الغالب عليهم والحاجز لهم عنهم ، فكيف بالعائب الذي عاب أخا وعيره ببلواه ، أما ذكر موضع ستر الله عليه من ذنوبه مما هو أعظم من الذنب الذي عابه به ، وكيف يذمه بذنب قد ركب مثله ، فإن لم يكن ركب ذلك الذنب بعينه فقد عصى الله فيما سواه مما هو أعظم منه . . . وأيم الله ، لئن لم يكن عصاه في الكبير وعصاه في الصغير ، لجرأته على عيب الناس أكبر . . . يا عبد الله لا تعجل في عيب أحد بذنبه فلعله مغفور له ، ولا تأمن على نفسك صغير معصية فلعلك معذب عليه . . . فليكفف من علم لكم عيب غيره لما يعلم من عيب نفسه ، ولكن الشكر شاغلا له على معافاته ما ابتلى به غيره . ( نهج البلاغة ، ترجمة سيد جعفر شهيدى ص 136 - 137 ) إن حمية الدين ليست عيب الناس وإنما هي مجاهدة في الخير ، وقصر للنفس عن الشر ، واستغفار بجلب الخير للدنيا ( ويجعل لون الدنيا أخضر ) .
 
( 3366 - 3373 ) : لو أنني ركبت فيكم الشهوة والميل إلى الجنس لما وسعتكم السماوات ، ولما شغلتم أوقاتكم بالتسبيح . . . فالعصمة التي أنتم فيها هي من عصمتي أنا ، وإياكم أن تظنوا أنها منكم أنتم ، وإلا وجد الشيطان الفرجة ، وتسلل إليكم مثلما حدث لكاتب الوحي ذاك الذي ظن أنه ينطق بالحكمة وينطق بالوحي ، وما هو إلا شعاع ضئيل من نور الرسول صلى اللّه عليه وسلّم . . . فظن نفسه طيرا من طيور الحكمة الإلهية وشيخا من شيوخها ، وما تغريده إلا صفير ، وما علمه إلا لفظ ، وما إيمانه
 
 
« 563 »
 
إلا تقليد . مثل ذلك الأصم الذي كان يفهم من تحريك شفتى المتحدث ما تنبأ بأنه سيقوله سلفا ( إشارة إلى الحكاية الثالثة ) .
( 3374 ) : لم يذكر فروزانفر أصلا لهذه الحكاية . . . وذكر نيكلسون انه لم يعثر لها على أصل . . .
وأرجع كريستنسن الحكاية إلى كتاب محبوب القلوب وروى محمد بن هلال الصابى في الهفوات النادرة حكاية شبيهة بها « مرض محمد بن عبد الملك فذهب أحمد بن خالد وكان أصم لعيادته فسأله : - كيف أنت ؟
- في حال سيئة - الحمد لله . . . من عادك من الأطباء ؟
- إبليس - نعم من رفيق . . . وبما ذا أوصاك ؟ ! - بالطوب المدقوق - خفيف طيب ، خذه ولا تفرط فيه ( عن شرح شهيدى / 114 ) كما وردت أيضا حكاية شبيهة لها في مقالات شمس ( ص 666 - 667 ) عن أصم كان عائدا من الطاحونة والأصم هو الذي قاس ونسي أن الآخر سوف سيبدأه بالسلام . . . 
فكانت النتيجة أنه أخطأ في البداية فكان كل ما فعله خطأ في خطأ . ولها مثيلات عديدة في الآداب العالمية الشعبية . ومن ثنايا الحكاية يبدو أن الغرض منها هو ذم القياس والتوصية بعدم الاعتماد عليه كوسيلة من وسائل المعرفة ، خاصة إذا كان قائما على حواس مريضة ، وهذا في الأمور العادية فما بالك بمن يريد أن يقيس الوحي الإلهى والإدراك الغيبي بنفسه ، أتراه يعتمد على أذنه الظاهرة وبخاصة إذا كانت أذن الظاهر هذه معلولة ، فضلا عن الأصم قام بعبادة ناقصة ( عيادة المريض ) لقد آذى المريض ، وخرج راضيا عن نفسه ، وما أكثر العبادات الناقصة التي يؤديها القوم . . . فيحمل من فوق المنير إلى النار . . لا من قبر المجوس وهذه هي المفارقة التي ذكرها سنائى الغزنوي ( انظر ديوان 156 ) .

« 564 »
 
( 3403 - 3409 ) : في البيت إشارة إلى الآية الكريمة «فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ» ( البقرة / 24 ) وفي البيت الثاني إشارة إلى ما ورد عن أبي هريرة أن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم دخل المسجد فدخل رجلٌ فصلى ثم جاء فسلم على رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم فرد الرسول صلى اللّه عليه وسلّم ، ثم قال ارجع فصل فإنك لم تصل ، فرجع الرجل فصلى كما كان صلى ، ثم جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلّم فسلم عليه ، فقال رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم وعليك السلام ثم قال : ارجع فصل فإنك لم تصل ، حتى فعل ذلك ثلاث مرات . . .
( رواه البخاري ومسلم وأحمد في مسنده . . . أحاديث مثنوى / 33 ) . . . ومن أجل هذا فإننا نطلب الهداية في كل صلاة ونقول : إهدنا الصراط المستقيم . . . أي اجعل صلاتنا خالصة لك مقبولة لديك لا رياء فيها ولا سمعة ولا ضلال . . . لقد قاس الأصم المسكين في أمر هين فوقع في هذه الضلالة ، فما بالك بمن يأتي في القضايا الشائكة فيقيس مع وجود النص ، ويستخدم عقله فيما يكون فيه نص صريح ، وهو لا يدرى حتى إن كانت أذن حسه غير معيوبة ، فإنما تلزم أذن أخرى من أجل إدراك الحقائق الباطنة .
.

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا




عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الأبيات من 3410 - 3734 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 7:12 pm

الهوامش والشروح الأبيات من 3410 - 3734 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح الأبيات من 3410 - 3734 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

أول من قاس النص بالقياس إبليس
( 3410 - 3417 ) : يسوق مولانا مثالا على القياس الخاطىء ، وهو أول قياس أيضا في تاريخ الخلق ، فإبليس لم يقبل النص الصريح بالسجود لآدم . . . بل قاس . . . وقال : أأسجد لمن خلقت طينا ؟ ! ! وذلك على أساس أنه من النار " والطين لا يسمو سمو النار " لقد قاس الفرع على الأصل ( الأرض ظلمة والنار نور ) . . . وجعل الرفعة وراثة والتقى وراثة ، وكلها أمور لا علاقة لها بأصل القضية ، وهي تكريم الطين بالعلم والتقى ( الحقيقي ) والتواضع ، انه ليس ميزان دنيا حتى يكون بالنسب ، بل هو ميراث العقبى «فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ» ( المؤمنون / 101 ) . . . والتقى والعلم ميراث الأنبياء . . . وإلا فهل ترى ورث عكرمة التقى عن أبي جهل ؟ أو ورث كنعان المعصية عن نوح عليه السّلام ؟ ! ! ! وانظر إلى المفارقة : ابن التراب نور بنور العلم والتقى والطاعة ( المقصود آدم وكم من أبناء التراب يرفعهم العلم ) وابن النور ( إبليس ) ران على وجهه سواد الكفر ، استخدم مولانا في هذا المجال القياس بنوعيه ، القياس المنطقي الذي يستخدم في الاستدلال والقياس الأصولي أي القياس في مواجهة النص ( شرح شهيدى / 126 ) .

( 3418 - 3421 ) : إن استخدام القياس في مواجهة النص بمثابة التحري عن القبلة أي البحث


« 565 » 

عن جهتها الصحيحة والكعبة في مواجهتك ، والحبر كناية عن المتفلسف المنطقي الذي يستخدم المنطق في إثبات البديهيات ، فيخطىء من حيث يظن الصواب ، ويبتعد من حيث يظن القرب .

( 3422 - 3428 ) : وها أنت تقوم بها يقوم به المتحرى عن القبلة في وضح النهار : إنك تستمع إلى بعض أقاويل أهل الحق ، فلا تدرك سوى ظواهرها ، ثم تحرف فيها وتبدل وتقيس من نفسك ، وتصل إلى بعض الأفكار من نفسك دون أن تدرك أعماق مصطلحاتهم ، ولا تدري خبرا حقيقيا عن حقيقة أقوالهم ، وتسرع خلف خيالاتك وأوهامك ، ألا فلتعلم أن كل ما تعلمته من منطق الطير هو مجرد تقليد أصواتهم فهل تراك - مثل سليمان عليه السّلام - علمت بالفعل منطق الطير ؟ ! ! ما أشبهك بكاتب الوحي إياه ، لقد سمع مجرد التغريد ، فظن أنه قد وصل إلى المعنى ، فكان في هذا ضياعه .

( 3429 - 3439 ) : الخطاب من الحق - جل وعلا - لهاروت وماروت : حذار . . . حذار . . .

إنكما في مقام سماوي رفيع ، مقام «وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ» ( الصافات / 165 / 166 ) وانجوا من الأنية والعجب ، وأشفقا على إساءات المسيئين ( انظر شرح الأبيات : 3358 - 3362 ) . . . واحذرا الغيرة الإلهية ( تقييم البشر من خصائص الخالق فحسب . . .

والغيرة هي التي تؤدى إلى الامتحان - ( أنظر 1722 و 1775 و 1773 ) من الكتاب الذي بين أيدينا ) . . . لقد كان الله يحذرهما ، وهما يردان : هل يتأتى منا السوء ؟ كيف ذلك ؟ ! ! محال ؟ ! ! وويل لعبد يرى نفسه أعلى من فعل السوء ومن الخطيئة ، فإن الغيرة الإلهية تمتحنه امتحانا مرا . . . لقد وخز شوك النفس الملكية ! ! ! فانبت فيها غرس خطيئة من أكبر الخطايا وهي العجب . . .

وبلا من مراجعة النفس والخوف من الله . . . ازدادا عجبا . . . فإذا بهما يزمعان على النزول إلى الأرض ليمحوا كل ما فيها من خطايا . . . وكأن الأمر كان صعبا على الله جل وعلا لو أنه شاء . . . لقد إدعيا لنفسيهما ما لا يوجد في قدرة مخلوق . . . لقد وقعا في القياس مثل إبليس ، قاسا أحوال الفلك بأحوال الأرض . . . ناسين أن الأرض أرض الامتحان ، وأن الله في سابق علمه خلقها هكذا . . . ولا تكون إلا هكذا . . . لكن تمتع الملكين بقبس من الأنوار جرهما إلى هذا الانبساط وإلى هذه الجرأة . . . وليتك إن أصبت بشئ من هذا السكر بقيت في مكانك حتى تفيق .

( 3440 - 3451 ) : الحكيم المذكور في العنوان هو سنائى الغزنوي ، والمعنى المستعار هنا من
 

« 566 »

 
قول سنائى :

لا تذهب خطوة عن مقام السكر * وضع رأسك في نفس المكان الذي شربت فيه الخمر ( البيت 951 - من الترجمة العربية للحديقة ص 95 ) والسكر في مصطلح الصوفية دهشة تصيب المحب من رؤية جمال المحبوب ، فيفقد حواسه وقد يفوه بما لا يقصد ، ويظن به الجنون ( شرح شهيدى / 133 ) يأخذ مولانا هذه الصورة ويفصل فيها : الثمل الذي يخرج من الحانة يترنح والأطفال في إثره . . . وهكذا الثمل بالجمال الإلهى أمام أهل الدنيا ( وهم أطفال غير راشدين ولا يكون راشدا إلا من خلص من الهوى وتشبيه المتشبث بالدنيا بالأطفال ورد أيضا في ديوان شمس :

هيا إلام نحن كالأطفال في عالم * نملأ جحورنا بالتراب والحصى وقطع الفخار فلترفع أيدينا عن التراب ولتحلق * ولنفر من عالم الطفولة إلى محفل الرجال ( غ 1353 / 525 ) " وجماع الأطفال " كناية عن اللذة المتخيلة المقلدة وليست الحقيقية ، إنهم يقلدون بها الكبار ، وهكذا أيضا خلافا الخلق وحروبهم كلها حول أمور طائرة وعرضية ولا قيمة لها ، هي أيضا كحروب الأطفال ( الصورة أيضا من حديقة سنائى ، أنظر الترجمة العربية ، الأبيات 6957 - 6966 وشروحها ) والدلدل المذكور في البيت 3451 اسم بغل كان للإمام علي رضي الله عنه .

( 3452 - 3455 ) : إنهم مجرد " حملة " للعمل الظاهري ، لكن كم يتيهون عجبا بهذا العلم الظاهري ويظنون أنهم به أصبحوا محمولين على الطريق من الحق ( انظر عن الحامل والمحمول البيتين 940 - 1020 من الكتاب الذي بين أيدينا ) . . . فانتظر يوما ترى فيه قيمة علمك عندما ترى العلماء الحقيقيين يسوقون خيولهم عابرين الطباق السبع إشارة إلى حديث " إن يدخلك الله في الجنة فلا تشاء أن تركب فرسا من ياقوته حمراء تطير بك في الجنة حيث تشاء إلا ركبت " ( عن
 

« 567 »


كنز العمال ومسند أحمد / شرح شهيدى 137 ) وهذا هو المقصود بالآية الكريمة «تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ» ( المعارج / 4 ) فقارن إذن بين هذا العروج والسير المعنوي ، وبين مجرد أطفال يجعلون من ذيول أثوابهم مطايا . . . تراهم لا يسيرون على أقدامهم . . . ومتى توصلهم أقدامهم الواهية إلى شئ ؟ ! ! ( 3456 - 3462 ) : " وما أشبه هؤلاء الذين يعتمدون على الظن بأولئك الأطفال «وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً» ( النجم / 28 ) فكيف تريد أن تتوخى الظن وتستخدم الظن وتتجاوز أقطار السماوات ، حتى ولو رجحت أغلب الظنين ، فأي ظن وأي ظنين والشمس واضحة ولائحة أمامك والحق لا ينكر ؟ ! . . . ويوم أن يظهر لك الحق ، سوف تعلم أنك كنت مثل أولئك الأطفال تركب قدميك ، وإنك ما قطعت منزلا واحدا من الطريق ، بل كانت همتك نفسك ، ووسيلتك وهمك وحسك وإدراكك ، وأنك كنت قد وقرت ظهرك بحمل من العلم ، حملته ولم يحملك ، ووقر ظهرك ، وقعد بك ، إنه لم يكن كعلم الروح معينا حاملا ، وإذا كنت لا تصدق فاقرأ «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً» ( الجمعة / 5 ) وهو كل علم لا يوصل إلى الله ويشتغل به البشر ، فهو كمصباح في يد لص وشتان بين هذا العلم والعلم الذي يكون من لدنه « وآتيناه من لدنا علما » هو نور يقذف في القلب فتنشرح به الصدور .

( 3463 - 3466 ) : وفرق كبير بين هذين العلمين : علم الديان وعلم الأبدان ، العلم تؤتاه من لدنه ، والعلم الذي تضرب فيه بالأهواء والظنون والحس والحدس ، سرعان ما يزول ، كأنه أصباغ تضعها الماشطة ، تحس من بعد تحصيله ، وبعد ضياع العمر ، أنك ضيعت عمرك في " قيل وقالوا " ولم تسال قلبك مرة واحدة : ماذا يقول هو ، ولم تطلب منه سبحانه وتعالى أن يوفقك إلى خير العلم وصالح العمل . . . لكن هناك طريقا آخر أدلك عليه : إذا قمت حتى للعمل الظاهر بواجبه حق أدائه ، مراعيا فيه حق الله وحق الناس ، عالما عاملا بكل ما تعنيه الكلمة ، فإنك تستطيع أن


« 568 »


تعبر هذه المرحلة - بعون من اله تعالى وكثواب لك . . . إلى أن توهب السعادة ، وتعبر هذه العلوم الظاهرة إلى علوم الروح الممنوحة من الله تعالى . . . تجرد من الهوى ومن الغرض ومن استخدام العلم وسيلة للجاه وللشهرة لإضلال الخلق وممالاة السلاطين ، ترى في باطنك كنزا لا يفنى من العلم قد انبثق ونهرا من الفيض لا ينضب .

( 3467 - 3471 ) : لكن لا سبيل لك إلا أن تشرب كأسا من محبة " هو " الحرفان اللذان أضغم فيها العارفون كل أسماء الله الحسنى فهو فوقها وهي دونه . . . وأي اسم يستطيع أن يعبر عما لا يحده اسم أو رسم ؟ ! ! " وهو مركب من حرفين : الهاء التي مخرجها من أول الحلق وهو مبدأ المخارج ، والواو التي مخرجها من الشفة وهي منتهى المخارج ، إشارة إلى أن كل حادث من الله ابتداؤه وإليه إنتهاؤه ( كذا في شرح الأسماء الحسنى للقشيرى ) والهاء حارة يابسة ، وعلى نسبة التفصيل جامعة للدرجة الأولى والثانية بين حرارتين من حيث الجمع والتفصيل سر للصدر ، وهو في عالم الآخرة سر الكرسي وسر مجمع مياه الرحمة ، وهو الحوض والهاء لوح محفوظ مستدير نوري ، فالعارف إذا تأمل يه يشاهد عجائب الملكوت وأسرار النفوس ، وهو إشارة إلى أنه منزه عن العقول والأفكار والوجوه والأبعاد ، راجع إلى الغيب المطلق ، منفرد بصفات الجلال والجمال عبارة عن الوجود الأزلي بلا اشتراط النسب والإضافات ، وهو أول كلمة دعا الله عباده إليها بقوله قل هو وختم بها الكلام ثم قال : الله أحد ( كذا في شرح الأسماء الحسنى لصدر الدين القونوى ) وبالجملة هو الاسم الأعظم قال على رضى اللّه عنه رأيت الخضر في المنام مثل بدر فقلت له علمني شيئا أنتصر به على الأعداء فقال : قل يا هو يا من لا إله إلا هو ، فلما أصبحت قصصتها على رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم فقال : يا علي علمت الاسم الأعظم ، ولكن المحجوب إذا تلاه الف مرة لا يفيده حتى يلاحظ الصفات الجلالية والجمالية ليهتدى إلى المسمى ( مولوى 1 / 628 وهناك رواية أيضا في الأنقروى 1 / 626 ) . وهذا هو المقصود من أنه لا يتولد من الاسم إلا الخيال ، فإنك إن ذكرت اسما أمام مجموعة من الناس لا يعرفون مسماه ، فإن كل واحد منهم يتخيل مسمى لهذا الاسم . . . والخيال دلال . . . وما فائدة الدلالة بعد حضور المحبوب ، وطلب الدليل بعد حصول المدلول محال . . .

على كل حال : الاسم يدل على حقيقة ما . . . فهل وجد اسم دون مسمى ؟ ! وهل قطفت ورد
 

« 569 »

لمجرد ذكر اسم الوردة ؟ ! ! ( المثل الفارسي : بقول لفظ حلو لا تحس الشفة بالحلاوة ) . . . وما دمت قد عرفت الاسم فانهض في طلب المسمى . . . المهم أن تعرف الطريق . . . تعرف أن القمر في السماء وإن ما هو موجود في ماء الجدول انعكاس له . . . ولتبحث عن الصانع لا عن الصنع وعن المدلول لا عن الدلائل .

( 3472 - 3480 ) ك أقول لك الوسيلة في كلمتين : طهر نفسك ، وفي ثلاث كلمات : أجلُ مرآة صدرك ( أنظر شرح البيت 34 ، من الكتاب الذي بين أيدينا ) فالحديد يصقل فيفقد طبيعة الحديد ويصبح مرآة ، والرياضة هي الصقل بالنسبة للبشر ( أنظر البيتين 939 و 3464 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وصف نفسك من أوصاف وتبعات الهوى وتعينات البدن وإضافات المشاغل ، تطل ذاتك الحقيقية ذات النفخة الإلهية ، وحينذاك تحل في النفس الأنوار " العلم اللدني : نور يقذفه الله في القلب " ولا تقل أن هذا الأمر خاص بالرسول صلى اللَّه عليه وسلم والأنبياء صلوات الله عليهم ، فالرسول نفسه إعتبر الذين آمنوا به دون أن يروه إخوانه : " وددت لو لقيت إخواني ، فقال أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلّم :

أوليس نحن إخوانك ؟ قال : أنتم أصحابي ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني " ( بأسانيده أحاديث / 34 ) ومن بين العارفين العظام أويس القرني رضي الله عنه روي أنه لم ير الرسول صلى اللّه عليه وسلّم وآمن به دون أن يراه . يقول صلى اللّه عليه وسلّم : إن من بين أمتي من يكون في همتي . ويقول يوسف بن أحمد : روي عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم قال : واشوقاه إلى إخواني يكونون من بعدي ، شأنهم شأن الأنبياء ، وهم عند الله بمنزلة الشهداء ، ينظر الله إليهم سبعين مرة ، يا أبا ذر ، وإني إليهم لمشتاق " ( مولوي 1 / 630 ) وهذا دون علم من الكتب ، بل من تفهيم لكلام الرسول صلى اللّه عليه وسلّم يوضع في قلب الولي ، وهذا هو المقصود بمشرب ماء الحياة ، مثلما وجد النبي صلى اللّه عليه وسلّم العلم في شربة لبن ليلة الإسراء ( مولوي 1 / 630 ) هذا العلم هو الذي عبر عنه أحد الصوفية بقوله " أمسيت كرديا ، وأصبحت عربيا " كناية عن التحول المفاجيء الذي يطرأ على حياة المرء واتجاهه ( أنظر تفسير القول في شرح مقدمة الكتاب الذي بين أيدينا ) ومعظم سير الصوفية تقص لنا نماذج من هذا التحول المفاجيء ( جلال الدين نفسه - أنظر مقدمة الترجمة ) ، ثم يسوق مولانا حكاية فحواها أن الأمر كليه متوقف على جلاء الصدر حتى يحل فيه هذا العلم الخفي .
 

« 570 »

 

( 3481 ) أصل الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما رواه فروزانفر ( مآخذ / 33 - 35 ) فيما رواه صاحب إحياء علوم الدين ( 3 / 17 ) كما نظمها الأنورى ( من شعراء القرن الخامس ) ونظامى الكنجوى في إسكندر نامه ، ورواية نظامى مطابقة لرواية الاحياء عن رواية مولانا . . . فقد جعل مولانا أهل الصين ينقشون وأهل الروم يجلوون ويصقلون . . . فجعل الغلبة لأهل الروم مما يناقض الروايات السابقة عليه .

( 3490 - 3491 ) : تعدد الألوان والأضواء والأنوار مصدرها القمر وليس مصدرها السحاب . . .

مصدرها الواحد وليس مصدرها التعينات ( أنظر أيضا شرح البيتين 2478 - 2479 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .

( 3497 - 3513 ) : ينقل مولانا إلى الخلاصة من قصته : أنه يقصد بنقاشى الروم الصوفية .

وعلومهم ليس موجودة في الكتب ( امح الأوراق لو كنت رفيقا لنا . . . فعلم العشق لا يكون في دفتر ) ولا دراسة ولا تظاهر بالفضل . . . وسيلتهم هي صقل الصدور وتطهيرها من الحرص والطمع والبخل حينئذ يكون القلب كالمرآة . . . يستطيع أن تعكس الصور غير المحدودة صور المعاني العليا والفيض الذي يتواتر على القلب ، هو النور الذي انعكس على يد موسى فجعلها بيضاء ( الأعراف / 108 - طه / 22 - النمل / 12 - الشعراء / 33 - القصص / 32 ) هذه الصورة التي لم تسعها السماء ولم تسعها الأرض يسعها هذا القلب المصقول الخالي من الحقد والحسد وأمراض النفس ( يسعني قلب عبدي المؤمن ) صور الجمال التي تبقى ولا تنتفى ، تبدو واضحة جلية لا حجاب عليها ولا غطاء تستمر ثابتة ولا تمضى ، وإن الذي يمضى ويتغير هو قشور العلم أما علم مرحلة عين اليقين ( العلم العيانى ) فثابت ، وهم يهزأون من الموت . . . فالموت هو عرس الأبد في رأيهم وهو الميلاد الثاني ( أنظر الكتاب الثالث ( 3529 - 3536 وشروحها ) لأنهم يعلمون أن الضرر يجرى على الجسد ( الصدف ) لا على الدر ( الروح ) لقد تركوا العلوم الظاهرية وانمحوا في الحق وفنوا فيه فسطعت على قلوبهم صور الجنان الثمانية . . . إن قدرهم أعلى من العرش والكرسي والجلاء فهم ساكنون في مقعد صدق عن مليك مقتدر «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ» ( القمر / 54 / 55 ) ولما سئل أبو يزيد عن الغرباء


« 571 »


قال : الغريب إذا طلبه جبريل في الدنيا لم يجده ولو طلبه رضوان في الجنة لم يجده فقيل فأين يكون يا أبا يزيد فقال : في مقعد صدق عند مليك مقتدر . وقال الواسطي : هم أهل الصفة المتحققون بأنوار المعارف الذين لا يحجبهم الجنة ولا النعيم ولا أي شئ في مقعد صدق . . . الخ وقال صلى اللّه عليه وسلّم : الفقراء جلساء الله ( مولوى 1 / 635 ) .

( 3514 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت فيما أورده فروزانفر وردت في أسد الغابة كما ذكرها صاحب اللمع والغزالي في الإحياء عن حارثة بن سراقة بن حارث الأنصاري " بينما رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم يمشى إذا استقبله شاب من الأنصار فقال له النبي : كيف أصبحت يا حارثة ؟ قال : أصبحت مؤمناً بالله حقا يا رسول الله . . . فقال النبي صلى اللّه عليه وسلّم : أنظر ما ذا تقول فان لكل قول حقيقة : قال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلى وأظمأت نهارى فكأني بعرش ربى بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني أنظر إلى أهل النار يتعاوون فيها ، فقال : الزم عبد نور الإيمان قلبه ( مآخذ / 35 - 36 ) ورواها الكافي عن شاب من الأنصار أما الشوشتري فقال إنه حارثة بن مالك بن النعمان الأنصاري ( شرح شهيدى / 154 ) .

( 3516 - 3519 ) : يقول حارثة ( زيد عند مولانا ) : لقد جاوزت تعينات الزمان ( والمكان ) وما يحدد هذه الدنيا ، ورأيت الأمة كلها فيما وراء منافع هذا العالم المادي ، فالعالم كله وحدة واحدة تستوى فيه آلاف السنين مع لحظة واحدة . . . كل شئ مرتبط بالأزل وبالابد ، فالعقل ليس متوجها إلى هذه الدنيا ، بل مرتبط بعالم لا زمان فيه ولا اختلاف " ليس عند ربكم صباح ولا مساء " ( شرح شهيدى / 156 وانظر الكتاب السادس ، العنوان السابق على البيت 2723 وشروحه ) ويقصد المتحدث أن " وقته " موقوف على الحبيب " وبصره " ناظرٌ إلى الواحد ، الأحد وانتفت عنه كل التعينات ، وأصبح كل ما يدركه العق لغير ذي موضوع عنده ، فليس له سبيل إلى " تلك الناحية " التي يسير فيها .

( 3520 - 3527 ) : حدثنا يا حارثة عن إمارات هذا العالم الذي تسيح فيه بما يُفهم أنك تدركه بالفعل . قال : إنني أعاين العرش مثلما يعاين الناس السماء ، أرى الجنان الثمانية ، ودركات النار السبعة " سقر والسعير واللظى والحطمة والجحيم وجهنم والهاوية " ( شرح شهيدى / 157 ) كلها
 

« 572 »

 

أراها رأى العين " كما يرى الوثني الصنم " ، وأهل النار وأهل الجنة ، وعاقبة الخلق في يوم الميلاد الثاني ويوم ظهور الحقيقة " في "يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ" ( آل عمران / 106 ) . . لقد كانوا جميعا غائبين في رحم الخليقة ، وإن كان مصير كل منهم معلوما ، " فالسعيد سعيد في بطن أمه ، والشقي شقي في بطن أمه " إن الله خلق السعادة والشقاوة قبل أن يخلق خلقه ، فمن خلقه سعيدا لم ينغصه أبدا ، وإن عمل شرا أبغض عمله ولم يبغضه ، إن كان شقيا لم يحبه أيدا ، وإن عمل صالحا أحب عمله وأبغضه " عن أصول الكافي - شرح شهيدي / 157 - 158 ) .

 

( 3528 - 3534 ) الحديث لمولانا جلال الدين : يشبه الروح بالجنين الذي يحمله رحم الجسد ، والموت هو المخاض ، وما لم تمت لا يكون شئ عن مصيرها معلوما ، يتنازعها الصالحون " الروم " والطالحون " الزنج " فإن ولدت صارت معلومة اللون " إيمانا أو كفرا " ، وحملها من تنتسب إليهم . . وهناك من يدرك سر الروح من قبل أن تولد في العالم الثاني ، وإبان وجودها في الجسد ، فاتقوا فراسة العبد المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله . ( أنظر الأبيات : 1340 و 1342 و 2646 و 2792 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .

 

( 3535 - 3540 ) : والأصل في الروح أنها طاهرة ، والمني أبيض ، وإنما يبيض ويسود في رحم الأم " الدنيا ، الجسد " ، وانظر إلى قوله تعالى "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ، ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ" ( التين / 4 - 5 ) فاللون يأتيها حين تتحول من الوحدة إلى الكثرة ، ومن المعنى إلى المادة ، ومتى يظهر الهندي " الأسود - الطالح " من التركي " الأبيض - الصالح " وهما في الرحم " الدنيا " ؟ إنما يظهران بالميلاد وبالحشر عيانا بيانا "لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ" ( الكهف / 48 ) .

 

( 3546 - 3556 ) : "وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ ، فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ، وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ" ( الواقعة / 41 - 43 ) كما فسر بعض المفسرين "فَتَأْتُونَ أَفْواجاً" ( النبأ / 18 ) : بأن بعض أهل جهنم يأتون يوم القيامة وقد قطعت أيديهم وأرجلهم ( تفسير أبي الفتوح وكشف الأسرار وتفسير البيضاوي ومجمع البيان - عن شرح الشهيدي / ص 162 ) ولون الكفر السواد " وتسود وجوه " ،
 

« 573 »

 

ولون الختم الملكي الأحمر هو لون أهل الجنة ، واختلف المفسرون حول المقصود بفتحات النفاق السبعة : قال بعضهم هي أبواب جهنم ودركاتها السبعة ، وقال نيكلسون إنها الغرور والحرص والشهوة والحسد والغضب والطمع والحقد ، وقال شهيدي إن صفة واحدة من هذه الصفات لا تنطبق على النفاق ( شهيدي / 163 ) ، وكلها إن شئنا الدقة خفية . وأضاف شهيدي أنه من الممكن أن يكون المقصود بفتحات النفاق السبعة العينين والأذنين وفتحتي الأنف والفم ، وكلها تؤدي عند المنافق عكس ما يحس به قلبه . . . وقال المولوي ( 1 / 640 ) إنها المنهي عنها في قوله عليه السّلام " اجتنبوا السبع الموبقات : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " وفي رأى المولوي أن القمر الذي لا يعتريه المحاق هو نور النبوة ، وهو في رأى إستعلامي ( 1 / 408 ) أنه نور الإيمان ، وفي رأى شهيدي أنه نور اليقين . ويواصل حارثة : إن كل ما قلته عن أهل الجنة وأهل النار هو مجرد إشارات ، ومن الممكن أن يستفيض لولا خوفه من رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم .

 

( 3557 - 3566 ) : لقد انهمك زيد " أو حارثة أو مولانا جلال الدين إن شئت الدقة " في الحديث ، بحيث أو شك أن يتجاوز المسموح به ، هذا وإن كان يقول الحق ، و " " الله لا يستحيى من الحق " ، ومن ثم انمحى الحياء عن المتحدث ، فأوغل في حديثه ، بحيث كاد يبوح بأسرار لا ينبغي البوح بها ، ولا تتحملها الأسماع ، لقد قفزت المرآة من غلافها " قفز قلبك من جسدك " وآخذ يطوف بمظاهر القيامة ويفشي أسرارها ، والقلب والميزان كلاهما لا يخفي الحقيقة ، ولو قمت بخدمتهما طوال عمرك ، ومرآتك تظهرك على حقيقتك ، وميزانك يزن أعمالك خيرها وشرها ولا يحيد قيد أنملة عن الحق ، والتعبير مأخوذ عن مقالات شمس ( 1 / 69 و 71 ) " المرآة لا تميل ، فلو سجدت لها مائة سجدة قائلا لها : هذا العيب الوحيد الموجود في أخفه عني ، لقالت لك بلسان الحال : هذا غير ممكن " و " إن المرآة هي عين الحق ، وهو يظن أن المرآة غيره ، ومع كل هذا فما دام عنده ميل إلى المرآة ، فالمرآة تميل إليه ، ومن ميل المرآة إليه يكون ميله إلى المرآة والعكس صحيح ، فإن كسرت المرآة كسرتني ، والنتيجة أن تميل المرآة أو تتكلف ، وكذلك المحك والميزان ميله إلى الحق ، فلو قلت ألف مرة : أيها الميزان ، أظهر هذا القليل كثيرا ، فإنه لا يميل إلا إلى الحق . . لو


« 574 »

 
خدمته ألف عام وسجدت له . " ويواصل : إن لم يكن هذان موجودين ، ما قيمة الإنسان أصلا ؟

هل يخلق عبثا ويترك هملا ؟ . كلامك أيها الشاب ووصفك مفيدان جدا ، لكن . . لتخف مرآتك في اللباد إذا كان التجلي قد حدث على طور سيناء الصدر ، فإن موسى عليه السّلام حرم من هذا التجلي ، فخر صعقا ، واندك الجبل دكا ، فهل تراك تتحمل أنت هذا التجلي ؟

( 3567 - 3575 ) : يرد زيد : أجل ، من الممكن لمرآة أن تختفي تحت اللباد ، لكن هل من الممكن إخفاء شمس الحقيقة ؟ أخفها إذن إن استطعت ! ! ( وهل تخفى النار وهي بين صوف وقطن ؟ . . أنظر عن تفصيل الفكرة : الكتاب الثالث ، الأبيات : 4735 - 4738 وشروحها . ) ويرد الرسول صلى اللّه عليه وسلّم : قدرة الحق تيسر إخفاء أسرره " غيرته في الحقيقة " ، ومن ستر الله أن يجعل إصبعا واحدا قادرا على إخفاء الشمس في كبد السماء ، طن وضعته على عينيك . . هذا هو العالم الذي تخفيه نقطة فاصمت ، وانظر إلى سعة البحر وعمقه ، ومع ذلك سخر الله هذا البحر للبشر " كيف لا يستطيع الإنسان كتم أسراره عن التدفق ، وهو الذي أقام السدود أمام البحر ؟ ! " ، والبحر مسخر للإنسان مثلما سخرت أنهار الجنة الأربعة لساكن الجنة ، لا بحوله ولا بطوله ، بل ترجمة لفعله ومقامه في الدنيا ، وهي موجودة في ذواتنا " فنهر الماء هو في هذا العالم نهر ماء العلم والمعرفة ، ونهر اللبن هو نهر العمل ، ونهر الخمر هو نهر العشق ، ونهر العسل هو نهر حلاوة القربة " مولوي 1 / 644 ) ( عن وجود هذه الأنهار على الأرض أنظر الكتاب الثالث الأبيات 3460 - 3464 والكتاب الخامس الأبيات : 1631 - 1640 وشروحها ) .

( 3576 - 3587 ) : وتأثير الله سبحانه وتعالى فسريان هذه الأنهار له مثال في داخلك أنت واضح من تأثير الروح ، فهذان العينان كنهرين جاريين ، يسيرهما القلب حيث يشاء ، حينا إلى الشهوة ، وحينا إلى العبرة ، حينا نحو المحسوسات ، وحينا نحو الملبوسات ، حينا نحو المسائل الكلية وحينا نحو المسائل الجزئية ، ليس العين فحسب ، بل وسائر الحواس كالأنابيب المتصلة بالقلب ، تجري وفق هواه ومراده ، وكذلك الأعضاء كاليد والقدم مطيعة للقلب ، يجعل منها تقوم بالفعل الذي يطلبه ويرتضيه .

( 3588 - 3597 ) : يتساءل مولانا : ما ذا يقول القلب للأعضاء والحواس ؟ وما هي طبيعة

 

« 575 »

 
العلاقة بينهما ؟ وبم وجد عليها هذه السيطرة ؟ تراه يملك خاتم سليمان الذي نقش عليه الاسم الأعظم ، وبه وجد السيطرة على الجن والإنس والطير ؟ بم سيطر على كل هذا الجيش ؟ :

الحواس الظاهرة الخمسة والخمسة الباطنة : الحس المشترك والخيال والوهم والذاكرة والعقل " المتصرفة " ( الفكرة منقولة عن ثالث إحياء الغزالي - عن شهيدي / 171 - 172 ) ، فأنت أيها القلب في عظمة سليمان عليه السّلام ولك سيطرته ، فإن سرت بالعدل والإخلاص ، وبرئت من الرياء ، فلن تستطيع الشياطين الثلاثة : وهي في رأى المكر والشهوة وطلب الجاه ( إستعلامي 1 / 410 ) ، وفي رأي : النفس والهوى والهوس ( نيكلسون - عن شهيدي 176 ) وفي رأى : النفس والشيطان وحب الهوى ( مولوي 1 / 647 ) ويفسرها شهيدي بالنساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة اعتمادا على الآية 14 من آل عمران ( شرح شهيدي ص 177 ) والتعبير مأخوذ من سنائي وقد فسر الشياطين الثلاثة بالمكر والشهوة والزور ( أنظر الترجمة العربية للحديقة البيتين 5468 و 5470 وشروحهما ) ولكن إذا سلبك الشيطان الخاتم فقد خسرت كل شيء ( أنظر لتفصيلات المعنى الكتاب الرابع الأبيات : 1150 - 1155 وشروحها والأبيات :

1265 - 1282 وشروحها ) وبذلك يتحقق فيك منطوق الآية الكريمة "يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ، ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ" ( يس / 30 ) ويوم التناد هو يوم القيامة ، وأنت إن أنكرت فضحتك مرآتك وفضحك قلبك ، مثلما إفتضح العبيد الذين سرقوا الفاكهة وأكلوها ، واتهموا لقمان بأكلها .

( 3598 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 36 ) وردت قبل مولانا في قصص الأنبياء للثعلبي وتفسير أبي الفتوح الرازي ، وذكر زرين كوب مصدرا أقدم وهو حكايات إيسوب ( بحر در كوزه / 162 - 163 ) .

( 3613 - 3621 ) : إذا كانت هذه حكمة لقمان وهو عبد من عباد الله ، فما بالك بالحكمة الإلهية ؟

اقرأ قوله تعالى "يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ" ( الطارق / 9 ) ، واعلم أنه أيضا سوف يخرج المخبوء منك ، واقرأ أيضا "وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ( محمد / 15 ) ، ولأن قلوب الكافرين كالحجارة أو أشد قسوة ، فقد جعل النار عذابا لها ، فالحجر لا يختبر إلا بالنار ، وعلاج الجرح

 

« 576 »
 

السئ الكي ، والكي علاج فظيع قاس ، والحمار عاقبته الموت ، وتعمل الكلاب في رأسه بأنيابها ، وكل يأخذ ألفه من جنسه ، " والْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ. . .وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ" ( النور / 26 ) و " المرء على دين خليله فلينظر أيكم من يخالل " ، وأنت وما تريد ، فإن أردت إمض إلى قرين سوء ، واندمج معه وخذ من صفاته ، أما إذا كنت تريد نور المعرفة ونور الإيمان فكن مستعدا له بتصفية مرآة التلقي ، وإذا كنت تريد البعد فأنت ونفسك ، إلزمها وابتعد ، وأنت في هذه الدنيا كأنك في سجن خرب ، فإن كنت تريد الخلاص منه ، فمل إلى الحبيب "وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ" ( العلق / 19 ) .

( 3622 - 3638 ) : يعود مولانا إلى إفاضاته التي يسوقها على لسان زيد ، فيعود إلى نصيحة الرسول صلى اللّه عليه وسلّم له بأن يعقل براق الناطقة ، فإنها لا تفتأ تمزق أستار الغيب ، وهي كاشفة لعيوب الناس فاضحة إياها ، وما الكلام إلا طبل أجوف إلا إذا قرن بالفعال ، فلا تتسرع ، ولا تنبت ، فإن كل إنسان مسرور بظنه و "كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ" ( الروم / 32 ) و " الغفلة أساس الدنيا وعمادها " ، فلا تؤيس الناس من رحمة الله ، فربما تركوا عبادتهم ، بل أولى أن يعبدو الله على الرجاء فيما عنده وانتظار فضله وأجره ، فيأمن الخائف من قهره ورده ، ويأمل في هذه الرحمة العامة ، " ورحمتي وسعت كل شيء " وليرين الله الخلائق يوم القيامة من سعة رحمته ، حتى أن إبليس يتطاول في النار يتوقع الرحمة " ( مولوي 1 / 653 ) . والحق تعالى يريد الخلق هكذا :

بين الرجاء والخوف ، وذلك ليمحصهم ، وليجعل قلوبهم بين إصبعي اللطف والقهر ، وهذا التأرجح بين الخوف والرجاء قائم ما دام المرء في حجاب الدنيا ، فإن كشف الحجاب ، فقد صار الغيب كله على الملأ ، فالغيب بمثابة الخاتم الموجود في إصبع سليمان عليه السّلام ، إنك قد ترى سيماء السليمانية والعظمة في وجهه وهو مجرد صياد سمك بعد أن سرق منه الخاتم ، لكنه مجرد صياد سمك فقير ، لكن عندما يعود الخاتم إليه ، ويتربع على عرشه ، ويحشر له الجن والإنس ، يتيقن الناس أنه سليمان ( أنظر تفصيلات أكثر لقصة سليمان والخاتم في الكتاب الرابع الأبيات :

1150 - 1155 و 1265 - 1282 وشروحها ) ، والمعنى المراد أن الشاب ظل على شكه في صياد السمك " الذي عليه سيماء الملك والعظمة " حتى تأكد يوم استوى على عرشه والخاتم في يده .


« 577 »

 

( 3639 - 3644 ) : وهكذا يظل المرء أسير الوهم ، يظل الوهم متضخما في صدوره وفكره وخياله ، حتى يرى الحقيقة ، هذا في حالة وجود الدلائل ، فإن لم يكن ثم قطر في هذه السماء ، فمن أين يكون للأرض النبات والثمر ؟ وإن لم تكن سماء الغيب " سماء النور " بلا فيض أو رحمة ، فكيف تكون الحياة ممكنة ؟ ومن هنا يكون الإيمان بالغيب مطلوبا ، فهو مصداق الطاعة الحقيقة ، فإن آمنت فحسب بما ترى وتعاين وتشاهد ، فأين دليل طاعتك هنا ؟ ( والمعنى وارد في معارف بهاء ولد س 305 ) وعندما يشق الله أقطار السماء فكيف يقول هل ترى فيها من فطور ؟ "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ، ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ ، فَارْجِعِ الْبَصَرَ ، هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ؟

" - ( الملك / 3 ) ، إنما يكون التساؤل عن الفطور والانشقاق عندما تكون السماوات مخفية عنه ، وهو يريد من العبد التصديق على الغيب ، وإلا فما قيمة التصديق على المشاهدة والعيان ؟ والناس إنما يضربون على العمياء ، ويتحرون في ظلام الحجب ، ومن ثم تمضي كل فئة إلى جهة من الجهات وإلى طريق من الطرق .

( 3645 - 3654 ) : هذا المشي على العمياء كثيرا ما يوقع في الدنيا الكثير من المتناقضات ، فيُعدم الأولياء والأبرياء ، ويجلس المجرمون والخونة واللصوص على كراسي السلطة ، وينقلب السلطان إلى عبد رقيق ، ويجلس العبيد على كراسي الحكم ، ما دامت الأمور ليست ظاهرة وكلنا نعيش في حجب الغيب ، وهذا السيد على الإطلاق ، والذي لا شك في سيادته ، تراك تريد أن تعبده يوم تتأكد من سيادته ؟ وألست ترى في هذه الدنيا أن هناك فرقا شاسعا بين من يؤدي فروض الطاعة للملك في محضره وبين من يؤديها له وهو بعيد عنه ؟ يكون كمحافظ القلعة على الحدود ، هو أقرب إلى العدو بجسده ، لكنه لا يخون ولا يفرط في القلعة ولاءً للملك البعيد عنه . .

ومحافظ القلعة هذا يكون عند الملك أفضل بكثير من أولئك الذين يضحون بأنفسهم من أجله في حضوره وإن " دعوة في السر تعدل سبعين دعوة في العلانية " ( أحاديث مثنوي / 35 ) ، والعبادة في الدنيا ذات قيمة ، وفي الآخرة مرفوضة ولا قيمة لها " فالدنيا عمل ولا حساب ، والآخرة حساب ولا عمل " و "يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً" ( الأنعام / 158 ) . قال نجم الدين : " فيكشف الغطاء يوم اللقاء ،
 

« 578 »


وبعد كشف الغطاء ، لا ينفع نفسا إيمانها " ( مولوي / 1 - 658 ) وقال عليه السلام " والذي لا إله غيره ما آمن أحد إيمانا أفضل من إيمان الغيب " ( أنقروي / 1 - 655 ) .

( 3655 - 3696 ) : الغيب والغائب إذن يجملان بالحجاب ، فالسكوت أولى إذن - يا زيد - ، وانتظر رحمة الله تعالى أن يبدي من الغيوب ما يطمئن القلوب ، وأي شاهد تريده على الشمس ، يكفي الشمس دليلا على الشمس ( أنظر البيتين : 116 - 117 من الكتاب الذي بين أيدينا وشرحيهما ) . . لا . . ولأعترف ، لقد قرن الله تعالى بينه وبين غيره في الآية الكريمة "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" ( آل عمران / 18 ) ، فإذا كنت أضرب المثل بالشمس " معادل شمس الدين التبريزي " فالله تعالى أشرك معه الملائكة وأولي العلم في الشهادة ، وما دام الله قد شهد ، فما قيمة شهادة الملائكة وأولي العلم ؟

أقول لك : لكي يجعل لأحبابه نصيبا من غيوبه ، ولكيلا يؤيس البشر ، وإلا فإن وجود الملائكة وأولي العلم حيث تسطع شمسه يكون كوجود الخفاش ، لا طاقة لهم على تحمل الضياء ، فالملائكة ذكروا لمجرد إسداء العون لنا ، إنهم مجرد وسيلة ، نواب في الضياء ، قبسة من نور الشمس لتوصيلها ، كل على درجته "جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ" ( فاطر / 1 ) والملائكة والعقل خلقوا من مادة واحدة ، وتشكلوا في صورتين ( أنظر الكتاب الثالث الأبيات :

1195 - 1198 وشروحها ) ، ولذلك كان لكل إنسان قرين من الملائكة يمده بالنور ، ولأن كل إنسان ليس قابلا لهذا النور ، ولا يتحمل هذا النور ، فقد جعل له من النجوم شموعا على قدر طاقته حتى يجد الطريق .

( 3670 - 3681 ) : " أصحابي كالنجوم ، بأيهم اقتديتم اهتديتم " ( أحاديث مثنوي / 19 ) ، هؤلاء النجوم يكونون على قدر من يستهدي بهم ممن لا طاقة لهم على تحمل أنوار الشمس " الحقيقة العليا " أو القمر " الحقيقة المحمدية . وها هو القمر يخاطب من حوله : لقد كنت بشرا مثلكم ، لكن الفرق أنه يوحى إلي "قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ *" ( الكهف / 110 ) ، بالنسبة لله أنا بشر ، وبالنسبة لمظلمي النفوس أنا قمر يهدي إلى النور ، وإنما خلقني الله هكذا حتى يتحمل الخلق نوري ، وامتزاج النور بالجسد ، يشبه تماما امتزاج الخل بالعسل " علاج كان القدماء
 

« 579 »
 

يستخدمونه لعلاج الصفراء " ، أما وقد آمنت ونجوت من مرض الكفر ، فاقتبس النور وخذ الشهد الصراح ، ثم ترتفع مرتبة أخرى ، فيحل الحق في قلبك دون واسطة " يسعني قلب عبدي المؤمن " ، ما دمت قد وجدت الصلة به - جل وعلا - مباشرة .

( 3682 - 3691 ) : يتحدث مولانا : لقد مضى زيد ، أبلى نعله في الطريق ، ومضى عن صف النعال " الدنيا " ، وليس من المهم أن تجد أنت زيدا أو لا تجده ، ما دام النور الذي سطع على زيد وجعل منه على تلك الدرجة من المعرفة لا يزال موجودا ، لقد كان زيد مجرد نجم من النجوم ، وسطع عليه ضوء الشمس فأخفاه ، مثل كل آبائنا ، أضمروا في علم سلطاننا " نبينا " ولم يبق سوى علمه ، كلهم موجودون لم يُعدموا ، أضمروا في الصفات ، وإن كنت تظن أنهم معدومون فاقرأ "وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ" ( يس / 32 ) والمحضرون لا يكونون معدومين ( أنظر لتفصيل الفكرة الكتاب الثالث الأبيات : 442 - 445 وشروحها ) . وعندما يشرق صبح القيامة ( هكذا في نسخة قونية ص 85 وعند شهيدي ونيكلسون : عندما يحل الليل وبهذا لا يستقيم المعنى ) ، يكون الاستقبال في الملأ الأعلى ، وكل هذه النجوم الغارية في ليل الحياة الدنيا تكون راقصة مهللة صائحة "رَبَّناأَحْيَيْتَنَا" ( غافر / 11 ) ينشر الله الموتى ، فتهجم من العدم صوب الوجود .

( 3692 - 3704 ) : وما لك تنكر هذا ؟ ألم تكن من قبل في العدم فأتى بك إلى الوجود ؟ ، ألم تكن تظن أنك ليست بخارج من بطن أمك ؟ وألم تكن منكرا لوجود عالم رحب خارجها ؟ ( أنظر الكتاب الثالث الأبيات : 53 - 61 وشروحها ) ألم تر من قبل صنع الله بك ، وأنه جرك من عالم عدم سابق إلى عالم الوجود ؟ إن سلطانه على عالم العدم الذي انتقلت من الدنيا إليه لا يقل عن سلطانه على عالم الذي خرجت إليه من الدنيا " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه ، قال :مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ، وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ" ( يس / 79 - 80 ) ( أنظر أيضا الكتاب الرابع الأبيات : 889 - 893 وشروحها ) . فانتبه ، واعمل ليوم بعثك ، فلا يزال سليمان على عرشه ، والشياطين تصنع له جفانا كالجواب ، والأشياء ثابتة في علمه ، وإنك لتخشى الموت والعدم ، والعدم في سلطة الله جل وعلا . . . لكنك متشبث بالدنيا ، هلوع على مراتبها ومناصبها وجاهها وسلطانها وهيلمانها ، ولهذا تحس أن نزع الروح صعب ، لأنك واقف
 

« 580 »

على هذه المرتبة ، غير مؤمن بما يليها من مراتب أعمق وأغنى وأكثر ثراءً وحياة وخلودا . . .
فجاهد ، وأسر في ليل الدنيا ، حتى تحمد السرى عند سطوع شمس القيامة ، وإلا مضى إليك هدرا ، وكابدت السفر والسير في غير أو ان السفر والسير .

( 3705 - 3720 ) : وإن بحثك عن النهار يكون في هذا الليل المظلم " الدنيا مزرعة الآخرة " ، وليكن العقل هاديك ومرشدك ، ليس ذلك العقل الذي تدبر به أمور المعاش ، بل عقل المعاد الذي يحرق ظلمات شهوات الدنيا المقعدات عن طلب المعاد والمنتهى ، ذلك أن الدنيا قنطرة الآخرة مثلما يكون المجاز قنطرة الحقيقة . . . وفي الليل " الدنيا " كثير من الخيرات ، وهي دار الاختبار ودار الامتحان ، ومن لا معاش له لا معاد له . واحذر الغفلة ، وإلا سطا اللص على المتاع ، ولا تغفل عن خصومك ، فالشيطان خصمك ، يقعد لك كل مرصد ، وقد أقسم على الانتقام منك . . .

ونحن نعيش في دار خصومة : النار خصم للماء ، والماء خصم للنار ، فأطفىء نار الشهوة بماء التوبة والمعرفة ونور الدين واليقين " تقول النار للمؤمن : جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لتهيبى " ( أحاديث مثنوي / 52 ) ولك في إبراهيم عليه السلام أسوة حسنة ، فإن نار النمرود كانت عليه برحمة الله وبركة إخلاصه وردا وسوسن . وإنك إن حاولت طرد الشهود تزداد أوارا ، فاتركها ، لكن لا تمدها بالغذاء فتقوى عليك ، بل قاومها بالتقوى وتعظيم شعائر الله "ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ ، فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" ( الحج / 32 ) .

( 3721 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل مولانا جلال الدين في نوادر الأصول لمحمد ابن علي الترمذي ، كما وردت في دلائل النبوة لأبي نعيم الأصفهاني ( مآخذ / 36 - 37 ) وأضاف شهيدي أنها وردت في تاريخ الطبري وفي الكامل لابن الأثير . ( شرح شهيدي / 216 ) .

( 3732 ) : "وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ" ( النساء / 5 ) .


( 3734 ) : كثيرون هم الذين ينفقون أموالهم على أقاربهم ويظنون أنهم ينفقون في سبيل الله ، وهذا من قبيل الكسل في العبادة " لا يبحثون عن محتاج بعيد . . هذا بالطبع في حالة ما إذا كان القريب غير محتاج ، وإلا فإنه إن كان محتاجا فهو أولى بالصدقة " .

.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح الأبيات من 3735 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 7:14 pm

الهوامش والشروح الأبيات من 3735 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح الأبيات من 3735 - 4018 على منتدى عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح الأبيات من 3735 - 4018 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح إلقاء الخصم بصقة في وجه أمير المؤمنين كرم الله وجهه
وإلقاء أمير المؤمنين علي بالسيف من يده
( 3735 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت قال فروزانفر أنه لم يجد لها أصلا إلا فيما روى عن عمر رضي الله عنه
 
« 581 »
 
أنه رأى سكيرا فأخذه ليعزره فشتمه السكير ، فتركه عمر مخافة أن يكون تعزيره لغضبه لنفسه وليس لله وحدوده ( مآخذ / 37 ) وقام الأستاذ شهيدي ببحث حول الحكاية ، واكتشف أنها وردت بنصها وعن علي رضي الله عنه في كيمياء السعادة للإمام الغزالي وفي كتاب الفخري في الآداب السلطانية لابن الطقطقي ( شرح شهيدي ص 220 ) ومناسبة الحكاية العبادة للفخر والسمعة لا لله وهو موضوع الأبيات السابقة .
( 3744 ) أي : ما ذا رأيت من عالمك الخاص ، بحيث انعكس تأثيره علي ، فأحسست أنا أيضا بتغيير في عالمي ومعتقداتي ونظرتي إلى الدنيا .

( 3746 - 3758 ) : إشارة إلى ما حدث لقوم موسى عليه السّلام في التيه ، عندما ظللهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى رحمة من الله سبحانه وتعالى ( أنظر الأبيات 81 - 86 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، ولقد قطعت الرحمة عن بني إسرائيل لخستهم ودناءتهم ورفضهم لنعمة الله ، لكن أمة محمد صلى اللّه عليه وسلّم أمة مرحومة "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" ( آل عمران / 110 ) جاء في خطبة للإمام علي رضي الله عنه : كان في الأرض أمانان من عذاب الله ، وقد رفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسكوا به ، أما الأمان الذي رفع فهو رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم ، وأما الأمان الذي بقي فالاستغفار ، قال الله تعالى "وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ، وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" ( الأنفال / 33 ) ( نهج البلاغة - تحقيق وترجمة سيد جعفر شهيدي ص 374 ) ، هذه الرحمة التي خص بها رسولكم الكريم صلى اللّه عليه وسلّم حتى قال " إني لست كأحدكم ، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " وهو الطعام المعنوي والفيض الإلهي على ما فسره الصوفية ، في حين قال آخرون : إنه الطعام الجسدي ، وإنك إن قبلت هذا المعنى دون تأويل ، فسوف تدرك حقيقته وتحس بلذته . . وألا فلتفسر نفسك ، ولتدرك بأية وسيلة تنظر إلى الأمور ، وما هو أساس تفكيرك ، ومن أين دخل إليك ، ومن من شياطين الإنس والجن وسوس لك به ، ولا تعب رياض المعاني ، بل عب على إدراكك أنت :وكم من عائب قولا صحيحا * وآفته من الفهم السقيم( البيت 1088 من الكتاب الذي بين أيدينا : أول نفسك ، ولا تؤول الذكر ) .

( 3759 - 2765 ) : اشتهر سيدنا علي رضي الله عنه بالسيف والعلم ، فهو رضي الله عنه أسد الله

 
« 582 »
 
الغالب ، وهو مقتلع باب خيبر ، وتجمع مصادر السنة والشيعة على السواء على منزلته رضي الله عنه المعترف بها في الشجاعة والعلم ، وفي الروايات الشيعية أنه أعطي تسعة أعشار العلم والعشر الباقي شريك للعلماء فيه ( في رواية عن ابن عباس ) ، والماء هو مظهر العلم والتراب مظهر الجهل ، وعلي في البيت هو المظهر التام للإنسان الكامل ( أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع - ولمناقب الإمام في المأثور الصوفي أنظر : حديقة الحقيقة صص 134 - 144 من النص وشروحها صص 286 - 292 ) والقتل بلا سيف هو قتل الصفات الذميمة والنفس الحيوانية لإحياء الروح ، فكأنه إحياء وليس قتلا ، وهذا من الأسرار الإلهية ، فكأن من سل عليه أسد الله السيف ، أدرك أن انصراف علي رضي الله عن قتله سر رباني ، وإحياء روحاني ، وهو يريد أن يعرف هذا السر منه ، لأنه رضي الله عنه بازي العرش ، صياد المعاني ، نافذ البصيرة ، مدرك الرؤى التي لا يدركها غيره ، حتى وهو مغمض العينين .

( 3766 - 3770 ) : الناس مختلفون في إدراك الحقيقة حتى وإن كانت في وضوح القمر في كبد السماء ، فأحدهم يرى قمرا واحدا في السماء " المؤمن " والثاني " الكافر " لا يرى في السماء قمرا قط ، ويرى الدنيا في ظلام حالك ، والثالث يرى في السماء ثلاثة أقمار " النصراني " وكلهم حواسهم الظاهرية سليمة وقوية وغير معيوبة ، فلا بد إذن من وسيلة للإدراك هي الباطن الذي يلون كل شيء بلونه ، فيوسف الحسن يراه أحدهم جميلا ، ويراه آخر ذئبا قبيحا ، والعوالم شاسعة متعددة مختلفة ، ولا يمكن أن تدركها كل عين ، أو يحدها كل بصر ، وهناك اختلاف حول تفسير الأقمار الثلاثة يرى الأنقروي أنها القمر والشمس والعقل الكلي ، كما يحتمل أن يكون القمر الواحد رمزا للتوحيد بين الذات والصفات ، ومن الأقمار الثلاثة الفصل بينها ، وكلها مظاهر لحقيقة واحدة ، يقول ابن الفارض :وما برحت تبدو وتخفى لعلة * على حسب الأوقات في كل حقبة

وتظهر للعشاق في كل مظهر * من اللبس في أشكال حسن بديعة( شرح شهيدي / 230 ) ( 3771 - 3779 ) حسن القضاء بعد سوء القضاء المعني به لطف الله تعالى يحل بالعبد من بعد
 
 
« 583 »
 
الابتلاء ، وهو هنا انصراف علي رضى اللّه عنه عن القتل وعفوه عن الكافر وإحيائه إياه ، على أساس أن خصمه الكافر أخذ يميل نتيجة لهذا العفو غير المتوقع من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، وأصبح شريكا في السر الذي أشع على علي رضي الله عنه وانعكس فيه ، فكيف يضن به عليه وقد أصبح مشاركا له فيه . . وإذا كان قد أصبح مشاركا فيه فلما ذا يتمنى سماعة ؟ لأن سماعه سوف يعجل به في السرى في ضوء قمر المعرفة ، وفي ضوء مثل هذا القمر الإلهي يمكن للسراة السرى آمنين من التيه وناجين من غيلان الضلال التي تحملهم عن الجادة ، كما أن الأذن تريد أيضا نصيبها من الفيض " ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر " ولتفتح الباب يا مدينة العلم طبقا للحديث الشريف " أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب " ( أنظر تحقيق الحديث في حديقة الحقيقة ص 289 ) ، وأنت شعاع من الحلم الكلي ، وأنت على باب الحظيرة الإلهية ، وأنت باب حظيرة الرحمة الإلهية " محمد صلى اللّه عليه وسلّم " ألا فلتجعل الرحمة تنهمر علي ، ولتفتح باب الرحمة على طالب هذا الباب ، حتى تتبدل فيه القشور إلى لباب والأجساد إلى أرواح ، والصور إلى معاني .
( 3780 - 3786 ) : إن كل ذرة في الكون مخبرة عنه دالة عليه مؤدية إليه ، لكن لا بد من أن يكون الباب مفتوحا إليها ، ولا بد للحارس " الولي - العارف - المرشد " من أن يفتح هذا الباب ، ولا بد من طرف الحبل " كل عمل يجد فيه المرء لا بد وأن يذيقه الله بعض لذته في البداية " ، هذا هو فتح الباب ، يتحرك بعده الطمع ويتحرك الرجاء ، ومن وجد كنزا في مكان لزمه ، وتردد عليه ، المهم ألا تطلب على الظن ، وأن تكون متيقنا ممن تطلب ، فليست كل خرابة تحتوى على كنز ، وما لم يدلك الله على نفسه " يصل إلى أنفك أريج من الغيب " فلن ترى أبعد من هذه الأنف .
( 3787 - 3791 ) : يتحدث الخصم الذي كان كافرا في الأصل بما يوحي بأن كل لحظة تمر تجعله يتحدث بلسان إسلامي مبين " انعكاس ولاية علي رضي الله عنه " ، ثم يتحدث مولانا عن تأثير الكواكب السيارة في عملية الخلق " فهو نطفة مستقرة في صلب الأب ، فإذا اختلط مع ماء الأم ، فعلى قول الحكماء دخل تحت تربية زحل شهرا وشهرا تحت تربية المشترى فكان علقة وظهرت حرارة الإختلاج ، وشهرا تحت تربية المريخ فيكون مضغة يحصل له الثخانة ، وتظهر فيه القوة الغضبية ، وشهرا
 
« 584 »
 
تحت تربية الشمس فينفخ فيه الروح ويلقى الحياة ، وشهرا تحت تربية الزهرة فيأتي للوجود بالهيئة الإنسانية وتحصل له القوة الشهوانية ، وشهرا تحت تربية عطارد فتظهر له زينة الشكل والشمائل ، وشهرا تحت تربية القمر . فهذه سبعة أشهر يتم بها الوجود الإنسانى ويتحرك في الظاهر والباطن ، ورطوبة القمر مناسبة للحياة ، إن تولد فيه كان أغلب حاله الحياة والبقاء ، وإن لم يخرج تكرر في الثامن زحل ، ولكون زحل باردا يابسا ، إن خرج كان مزاجه مناسبا للموت ، وإن استقر إلى الشهر التاسع ، دخل تحت تربية المشترى ، ولأن المشترى حار ورطب في طبيعته الحياة ( مولوي 1 / 679 ولخصها شهيدي بما لا يختلف عن إخوان الصفا - شرح شهيدي / 235 - 236 ) .
 
( 3792 - 3801 ) : هذا الجنين ليس له من الكواكب إلا الصورة ، ولا وجود حقيقي له إلا إذا سطعت عليه شمس الحقيقة ونفثت فيه الروح ، وهي التي تنفث الروح في كل الكون ، وهي كيمياء التبديل ، وبقدر قابليات الموجودات تكون عطاياها ، فهي ساطعة على كل شيء ، تجعل من التراب ياقوتا ، وتجعل المطايا تسرع حتى ليتطاير الشرر من سنابكها ، وهي التي تهب الثمار النضج ، وهي التي تجعل من الجبان شجاعا إذا مسه شرر عشقها . . . . فلتشرح لي يابازي الروح يا متمرسا على ساعد المليك . . . فأنا صيدك ، إشرح لي يا أمة وحدك ، أي سبب هذا الذي أوجب الرحمة في موضع القتل وسفك الدماء ، وما الحكمة في إسداء العون للتنين الذي قصد هلاكك ؟
 
( 3802 - 3813 ) : يرد الإمام علي رضي الله عنه قائلا : إنني أسد الحق ، أقاتل من أجل الحق لا من أجل الهوى ، وأنا أمسك بالقوس والرامي هو الله سبحانه وتعالى "وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ، وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى" ( الأنفال / 17 ) فأين ذاتي إن كان ثم ذاته ؟ وكل ما خلا الله باطل ولا وجود له ، وأنا بالقتل أحيى موتى الجهل ، وأخلصهم من علائق الجسد ، وسيفي مليء بجواهر الوصال ، لامع بالنور مهما سال عليه الدم ، وأنا مجرد حاجب على الباب ، ولست صاحب الأمر والنهي ، لكتي أفتح الباب لمن أراه جديرا بالوصول إلى صاحب الأمر والنهي . . . وأنا برئ من القوة الغضبية ، لست قشة تقتلعني كل ريح ، بل أنا جبل من الحلم والصبر والعدل ، وإنما قوتي بالإيمان . . . وأنا

 
« 585 »
 
جبل به ، لكني قشة في يد تصريفه ، فلا حركة لي إلا بريحه ، ولا عشق عندي لسواه ، والغضب ملك على الناس ، مسيطر على الملوك ، لكنه غلام عندي " ليس الشديد بالصرعة ، لكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب " ( بأسانيده : أحاديث مثنوي / 16 ) . . ( وفي هذا المعني هناك حكايات عن ديوجين وسقراط وغيرهما في الكتاب الثاني من المثنوى البيت 1469 وما يليه ) ( استعلامي 1 / 422 ) 
 
( 3815 - 3829 ) : وأنا أرى غضب الله رحمة ، لأني ناظر إلى العاقبة ، ومهما حرمت من لذات الدنيا ، فأنا أرى نور الله يغنيني عنها كلها ، وبرغم أن اسمي " أبو تراب " ( من أسماء الإمام علي رضي الله عنه - أنظر الترجمة العربية للحديقة ج 1 ص 289 ) ، فإنني أعيش في روضة غناء من الفيض الإلهي ، وإن علة ما قد تدخلت في القتال " يشير إلى بصق خصمه على وجهه " ، وهو ما قد يجعل القضاء عليك غضبا وليس انتصارا لله ، والحب ينبغي أن يكون في الله ، والعطاء ينبغي أن يكون لله " من أعطى لله ومنع لله ، وأحب لله ، وأبغض لله ، وأنكح لله ، فقد استكمل الإيمان " ( أحاديث / 37 ) ، ولذلك فلا تحري عندي ولا اجتهاد ، فأنا أبصر جيدا موضع قدمي ، وأستمد مباشرة من الله تعالى ، وفوق ذلك لا أستطيع أن أقول ما لا يمكن أن تستوعبه أفهام البشر ، فحديثي بسيط على قدر العقول ، وهذا هو ديدن الرسول عليه السّلام " إنا معاشر الأنبياء نكلم الناس على قدر عقولهم " ( أحاديث مثنوي / 37 - 38 ) والأبيات التي تلت عن الشهادة وأحكامها الفقهية ، وضرورة أن يكون الشاهد حرا وليس مملوكا " في الفقه الشافعي والحنفي ، وأجازها الفقه الشيعي إن كان رشيدا بالغا " ( شرح شهيدي / 225 - 226 ) .
 
( 3830 - 3834 ) : ينقل مولانا من الحديث عن العبودية في الفقه إلى الحديث عن العبودية في الطريق ، فمن السهل أن يعتق عبد الشراء ، لكن الأسوأ منه هو عبد الشهوة الذي لا ينفك يسرع خلف شهواته تلهبه بسياطها طوال حياته ، ولا يزال يمد في البئر الذي حفره لنفسه ، ويعمق فيه بحيث ييأس هو نفس من النجاة ، وهذا لأنه هو أسقط نفسه فيه لا هو بالجبر من الله ولا هو الظلم فيه جل وعلا عن الظلم علوا كبيراً ( أنظر الأبيات من 8621 إلى 645 و 942 ومن 952 - 959 و 1475 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) .

 
« 586 »
 
( 3835 - 3839 ) : لو أنني واصلت هذا الكلام ، وكانت آذان القلب والاعتبار مفتوحة فإن الأكباد سوف تتفتت من هذا الحديث وماذا تكون الأكباد ؟ ! إن الحجارة نفسها لتدمى من هذه الأحاديث لكن هناك قلوباً أشد قسوة من الحجارة لا تجدى فيها هذه الأقوال فتيلًا ، فلتندم حين يجدى الندم ، ولتصر دماً عندما يكون لذلك قيمة لا بعد المعرفة بآلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ( يونس / 91 » ، ويعود مرة أخرى إلى قضية الشهادة ، إذا كانت شهادة العبد الرفيق غير مقبولة في الشرع وتحرره من هذه العبودية أمر سهل ، فالشاهد العدل إذن هو الذي لا يكون عبداً لشهوته « الغول » ، ومن هنا صار أفضل الخلق صلى اللّه عليه وسلّم شاهداً على أمتهيا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً( الأحزاب / 45 ) وما كان هذا إلا لأنه حر ابن حر ابن صلى اللّه عليه وسلم من أصلاب أحرار ، وكان صلى اللّه عليه وسلّم حراً من شهوات الدنيا خالصاً منها لا ينظر إليها ولا يأبه بها وصفه على رضى اللّه عنه بقوله : " تأس بنبيك الأطيب الأطهر صلى اللّه عليه وسلّم وآله فإن فيه أسوة لمن تأسى وعزاءً لمن تعزى ، وأحب العباد إلى الله المتأسى بنبيه والمقتص لأثره ، قضم الدنيا قضماً ولم يعرها طرفه أهضم أهل الدنيا كشحا وأخمصهم من الدنيا بطنا ، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها " ( نهج البلاغة ، تحقيق وترجمة الأستاذ شهيدى ص 162 ، وأنظر عن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم عند الصوفية أنظر مولوى 1 / 687 - 693 وأنظر الترجمة العربية الحديقة الحقيقة ، ج 1 ، النص 103 - 124 والشروح من 270 - 278 ) .
 
( 3840 - 3850 ) : الحديث على لسان الإمام على رضى اللّه عنه موجها إلى خصمه في القتال : ما دام الله قد أنعم علىّ بنعمة الحرية فكيف أكون عبداً للغضب وأنا أفرغت ذاتي من كل صفات البشرية ، وتخلقت بصفات الربوبية ، ومن صفات الإله أن رحمته قد سبقت غضبه ( رحمتي سبقت غضبى ) أنظر 2684 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحه ) : هيا أدخل في الإسلام فقد لحقت بك عناية الحق ، وشملتك كيمياء تبديله ، وحولتك من حجرية القسوة والكفر إلى جوهر من جواهر الإيمان ، فتقدم خطوة في عالم معرفة الحق وتخيل كالوردة . . . فأنا وأنت قد صرنا واحداً . . . نمضى في طريق واحد وقد تفاهم قلبانا وصار كل منهما يعكس الصور على الآخر . . . ولا تقنط من معصيتك السابقة وكفرك . . . فهذه المعصية وهذا الكفر هما السبب في إيمانك ، فلو لا أن تصديت

 
« 587 »
 
لي بالقتال لما جئت إلى ساحة الإيمان . . . وهناك أمثلة عديدة في هذا المجال : إيمان السحرة لفرعون وقيامهم لنصرته جرهم إلى لقاء موسى والوصول إلى الإيمان بالله ونصرة موسى ، عداوة عمر الشديدة للرسول صلى اللّه عليه وسلّم وعزمه على قتله هو الذي جره إلى بيت أخته وقراءته سورة طه وميله إلى الإيمان ثم بحثه عن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم لا ليقتله بل يؤمن به ( أنظر الترجمة العربية للحديقة البيت ، 3056 وشرحه ) فرب معصية يقطع بها المرء في طريق الإيمان طريقا لا يستطيع قطعه بالطاعات " وطويت السماء في لحظة واحدة " فرب عاص تائب ذليل في حضرة الحق أقرب من مقيم على الطاعات مدل بطاعته متكبر بها آمن من مكر الله جل وعلا . وجاء في الحديث : أن الرجل ليذنب ذنباً يدخل به الجنة ، قالوا كيف يا رسول الله ؟ ! قال : يكون نصبا بين عينيه ويتوب منه ( أحاديث مثنوى / 38 ) .
 
( 3851 - 3855 ) : والله تعالى هو القائلوَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ، إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ( يوسف / 87 ) فجعل اليأس من رحمة الله كفراً ، وقطع عنق القنوط ، بل إن سيئاتك نفسها يبدلها الله إلى حسناتإِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ( الفرقان / 70 ) هذا برغم المعاصي ، فإذا بالشيطان برى أنه كلما زاد ابن آدم في المعصية كان كأنه يجمع في الحسنات إن تاب ، بل ويزيده الله من فضله .
 
( 3859 ) : يواصل الإمام على رضوان الله عليه الحديث مع خصمه : كيف أقتلك لمجرد أنك بصقت في وجهي . . . وأنا الذي كنت أعرف قاتلي ولا أفكر في أن أمسه بسوء ؟ ! ! والرواية التي يقدمها مولانا هنا فيها تصرف كثير ( لم تكن الرواية في حد ذاتها تهمة بقدر المعاني الذي يريد استنباطها منها ) فلم يكن عبد الرحمن بن ملجم سائساً عند الإمام على رضى اللّه عنه ، ولم يسلم أصلًا إلا في عهد عمر رضي الله عنه ، وقاتل إلى جوار على رضى اللّه عنه في صفين ، ثم انقلب عليه حين قبل التحكيم ، وكان من أشد الخوارج عداء له ، واستغل الخوارج هذه العدواة لتكليفه هو بقتل على ضمن الثلاثة الذين كلفوا بقتل على رضى اللّه عنه ومعاوية وعمرو بن العاص على أساس أن هذا هو السبيل الوحيد لإخماد الفتنة ( أنظر الترجمة العربية للحديقة ، الأبيات 3450 - 3475 وشروحها ، وأنظر مقاتل الطالبين لأبى مخنف لوط بن يحيى الأزدي ص 20 ، من ط - النجف 1353 ه - ) ورواية أن
 
 
« 588 »
 
الرسول صلى اللّه عليه وسلّم أخبر علياً رضى اللّه عنه بأن قاتله هو عبد الرحمن بن ملجم فقد ورد في حديث " روى الهادي عن عثمان بن صهيب عن أبيه أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم قال لعلي : من أشقى الأولين ؟ قال : الذي عقر الناقة ، قال صدقت ، فمن أشقى الآخرين ؟ ! قال : لا أدرى ، قال : الذي يضربك على هذا يعنى يافوخه فيخضب هذا يعنى لحيته ، هو عبد الرحمن بن ملجم من قبيلة مراد " ( مولوى 1 / 696 ونقل فروزانفر في مآخذ 38 - 39 روايات أخرى كما ذكره السيوطي في اللآئى المصنوعة ) . وأقرب الروايات الثابتة ما روى عن عمر رضي الله عنه عندما تهدده أبو لؤلؤة المجوسي وقيل له إن الرجل قاتلك فاقتله ، فقال : ويحكم ، وهل سمعتم عن قتيل قتل قاتله ؟ ! ! ( 3866 ) : إشارة إلى الحديث " جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة " والمعنى هنا يشير أن ما قدر في علم الله قائم بلا حيلة ( هناك تفسير آخر للحديث في الكتاب الخامس ، أنظر الأبيات 3133 - 3149 وشروحها ) .
 
( 3867 - 3847 ) : لا تزال الروح الجبرية مسيطرة على مولانا ويوجه الإمام على رضى اللّه عنه الحديث إلى سائس خيله : اذهب فأنا لا أحس بأي بغض تجاهك . . . فأنا أعلم أنك أداة في يد الحق ، أنت أداة تنفيذ لا أكثر ولا أقل والفعل من الحق ؟ ! ويقول السائس : إذا كان الأمر كذلك فلم القصاص إذن ما لم يكن لي دخل في الأمر ؟ ! فيقول الإمام : إنه هو الذي يقتص أيضا ، الفعل منه والقصاص منه ، وهو الخليق بأن يعترض على فعله وينقضه ويثيب أو يعاقب عليه ، لأنه الواحد الأحد « لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون » وأقرأما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( البقرة / 106 ) ، ( أنظر بيت 1683 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 3875 - 3880 ) : وهذه هي سنة الله في خلقه ، وأنظر إلى نسخه للشرائع التي نزلت قبل شريعة المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم وذلك لكي يزيل العشب قبل أن ينبت الزهر ، فإن قلت أن الليل ينسخ النهار ويبدو أقل منه فإنك تكون قد أخذت الأمور على ظواهرها ، فمن قال لك أن الليل ليس ذخيرة لنهار ، ففيه يستريح العقل ويهمد الجسد ويجددان نشاطهما . . . وان المرء ليسكت قليلا قبل أن ينطلق منه الصوت " ورب صمت خير من الكلام " . . . وكثير من الظواهر تبدو بأضدادها ونور
 
 
« 589 »
 
الله يتجلى في سويداء القلب . . . وما هي السويداء ؟ ! ! نقطة سوداء في داخل القلب ! ! 
( 3881 - 3891 ) : في التحطيم والخراب قد يكون العمران الكامل ( أنظر الأبيات : 306 - 311 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) . . . ومن هنا فقد كانت الحروب التي قام بها الرسول صلى اللّه عليه وسلّم أساسا لإقرار الدين والسلام الشامل . . . وصلح آخر الزمان ( الصلح الشامل والعدالة الشاملة بظهور المهدى وحربه مع الدجال وسيادة الإيمان ) يكون من الحروب التي تسبقه . . . وألا يقتلع البستاني الأعشاب الضارة لتنمو في مكانها أشجار ؟ ! ! وكل الحرف قائمة على الهدم من أجل البناء ومن أجل الاعمار والاصلاح . . . ومن هنا فالزيادة في النقصان . . . وأنظر إلى الشهداء أليس في موتهم وقتلهم حياة الأبد ؟ ! ! ألا تمتد الدماء التي تسيل منهم في عروق الأمة ؟ ! ! وهم هم أنفسهم يبدأ رزقهم الأبدي بمجرد قتلهموَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ( آل عمران / 169 - 170 ) أليس في ذبح الحيوان حياة للإنسان ؟ ! ! فما بالك إن قطع حلق الإنسان يتولد له حلق آخر ( عن حلوق الأعيان والمعاني أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 40 - 43 وشروحها ولنفس الفكرة ببيان آخر أنظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، الأبيات 11385 - 11388 وشروحها ) وان الذي ينجو من العالم الفاني بروحه انما يعيش على الإثبات الذي قام به يوم العهد والميثاق يوم أخذ النطف والإشهاد بالربوبيةأَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى( الأعراف / 172 ) .
 
( 3892 - 3907 ) : الخطاب موجه إلى المتعلق بهذه الدنيا ، والذي يقصر يده عن هذه المعاني ، ذلك أن همته بقدر بطنه وبقدر خبزه ، ويخاطبه قائلًا : أحصل على كيمياء التبديل وحول نفسك الحيوانية إلى نفس سامية ، وأطلب الشئ من موضعه ، وإذا أحدثت علاقتك بالخبز خللا في علاقتك بالحق ، فاطلب مجبرا لكسرك ، وهو جابر الكسيرين ، وفتقه رتق ، ولا يترك كسيرا دون أن يعالج كسره ، وهو أدرى بعبيده ، وهو الذي يستطيع أن يرتق وأن يرفو ، وأن يمزق وأن يخيط ، وهو الذي يطهر الجناة بقصاصه ( فالقصاص حياة للمقتص والمقتص منه ) ، ومتى كان إبراهيم عليه السلام ينزل بالسيف على رأس ولده إن لم يكن يعلم أن في هذا القتل تكمن الحياة
 
 
« 590 »
 
الخالدة . . . ولو لم يشرع الله القصاص لما استطاع أحد أن يتحمل أمر الله . . . لما استطاع عمر رضى اللّه عنه أن يقيم حداً من حدود الله على ولده . . . فلا تطعن إذن في الأشرار واشكر الله سبحانه وتعالى على النجاة ( في حكاية الغامدية بعد إقامة الحد عليها أخذ الناس يتغامزون عليها في المسجد فنهاهم الرسول صلى اللّه عليه وسلّم قائلا : إنها تابت توبة لو وزعت على أهل الأرض لوسعتهم جميعا ) وهنا تتجلى نزعة مولانا جلال الدين الإنسانية - وهي سمة سائدة عند كل الصوفية - وعلى العصاة ومرتكبى الذنوب وانكسارهم وذلهم أمام الخالق .
 
( 3908 - 3917 ) : يواصل مولانا الحديث عن عُجب الصالحين وأمنهم ونظرتهم إلى الأشرار نظرة سيئة فيها احتقار ، وهو يلبس المعاني هنا أشخاص لتجسيدها ، إذ لم أجد مصدرا لهذا الحوار بين آدم وإبليس ، وغيرة الحق هنا لأن آدم أثبت لنفسه وجوداً وحاسب إبليس على زلته ، وهو لا يدرى أنه من الممكن للقدرة الإلهية " أن تقلب الفرو " أي أن تجعل اللطف قهرا والقهر لطفا فتجعل من إبليس توابا أواباً يحيل الله كل سئياته إلى حسنات . وسرعان ما يثوب آدم إلى رشده ، فيعتذر عن خطئه ويطلب من الله العفو والمغفرة ، وأن يثبته في جريدة أهل الصفاء ، وألا يزغ قلبه بعد إذ هداه ، وأن يثبته في مقام القرب فليس أمر على المرء من البعد بعد القرب ، والمنع بعد العطاء ، وليس الطرق غير طريقه إلا إعوجاج في اعوجاج ، ليس ثم طريق فيه الهداية إلا طريقه سبحانه وتعالى ، فالأصل ليس الحول والطول ، لكن رعايته سبحانه وتعالى ، وهدايته لعبده ، وقبوله إياه ، وحمايته له .
 
( 3918 - 3922 ) : إن متاعنا الدنيوي قاطع لطريق متاعنا الأخروى ، وأجسادنا هي التي تسرق متاع أرواحنا ، وأيدينا تسد الطريق أمام أقدامنا . . . نحن الوجود المتضاد : جسد وروح ، طين ونفخة إلهية ، سمو إلى العلا وميل إلى الحضيض ، كله فينا يا رب العالمين ، ولا نجاة إلا باللجوء إلى جمالك والوقوف ببابك ، فإن نجت أرواحنا من أدران الجسد دون اتصال بك ، فإنها تظل دائما في خوف وهلع ، فهي في نجاتها ليست ثابتة ، وفي خلاصها ليست آمنة من الزلل ، لأنها لم تكسب المعركة نهائيا ، ولن تكسبها إلا إذا انفصلت ثم اتصلت ، انفصلت عن الجسد واتصلت بالله ، وإلا سوف تظل عمياء حزينة ميتة وان نجت من سجن الجسد .
 
« 591 »
 
( 3923 - 3938 ) : العظمة لله وحده ، والكبرياء له وحده ، والتنزيه له وحده سبحانه ، كماله يزرى بكل كمال ، وجماله يزرى بكل جمال ، وقدرته تزرى بكل قدرة والقمر والشمس والسرو والفلك والعرش والبحر والمنجم كلها من آياتك أنت ناقصة فانية مؤقته . . . وأنت المنزه عن النقص والعدم . . . وأنت الهادي المضل ، المحيى والمميت ، العاطى والمانع ، الهادم والباني ، ربيعك إلى خريف ، وخريفك إلى ربيع . . . أما نحن فمن نكون ؟ مصنوعين ولسنا بصناع ، مساكين وإن كان لنا بعض فتات الجمال الكلى ، فقراء إليك وأنت الغنى الحميد . . . يصيح كل منا . . . نفسي نفسي وما نحن إلا شياطين في الحقيقة ، إن لم تجعلننا بشراً بإرادتك ، وأرواحنا عمياء ما لم نقدمها إليك ، وكل ما هو سواك نار محرقة ، بل الجحيم نفسه ، وكل من لجأ إلى نفسه النارية ، يكون مجوسيا عابدا للنار ، بل يكون إمام المجوسية زردشت نفسه ( عن زردشت أنظر : إيران في عهد الساسانيين ، تأليف كريستنسن ، الترجمة العربية ليحيى الخشاب ) ، وقال عليه السلام حديث قدسي : يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدونى أهدكم ( أنقروى 1 / 700 ) . الخلاصة فيما قاله ذلك الشاعر العربي القديم ( لبيد ) وقال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم عنه أنه أصدق ما قاله العرب قبل الإسلام :ألا كل شئ ما خلا الله باطل * وكل نعيم لا محالة زائل
 
( 3939 - 3952 ) : عودة إلى قصة سيدنا علي رضي الله عنه مع قاتله ، وكل ما ترويه كتب التاريخ أن سيدنا علي رضي الله عنه رفض قتل ابن ملجم لأنه لا قصاص دون قتل . لكن مولانا هنا يسوق حوارا على لسان علي رضي الله عنه ( يشابه الحوار الذي جرى على لسان بلال وحمزة وجعفر رضي الله عنهم الوارد في الكتابين الثالث والسادس ) هذا الحوار قائمٌ على شوق سيدنا على إلى الموت وتوقه إليه واعتباره إياه ميلاداً في حياة أرحب وأخصب وأكثر خلوداً وغنى وثراء . وفي نهج البلاغة " والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدى أمه " ( نهج البلاغة / شهيدى / 13 ) ( قلت يا رسول الله : ما هذه الفتنة التي أخبرك الله تعالى بها : فقال : يا علي إن أمتي سيفتتنون من بعدى ، فقلت يا رسول الله أوليس قد قلت لي يوم أحد حين استشهد من استشهد من المسلمين وحيزت على الشهادة فشق على فقلت لي : أبشر فإن الشهادة لمن ورائك فقال لي : ان ذلك كذلك فكيف صبرك إذاً " ( نهج البلاغة / شهيدى 156 ) وهكذا يفسر مولانا فكرته عند موت الولي على لسان سيدنا

 
« 592 »
 
على فيقول : إن موتى يعزف صنج يوم البعث ( موتنا عرس الأبد ) وهو موت بلا موت أي ليس فيه ذلك الذي يظنه الناس موتا ، فهو حياة في الباطن ، كخروج الجنين من الرحم ، هو قدرة على الاستغناء ( التعبير من سنائى ) . . . انني عاشق للأجل تواق إلى الموت . . . وهذا النهى الموجود في القرآن فيلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ( البقرة / 195 ) موجه إلىّ ، ذلك أن هؤلاء الذين يعتبرون الموت فناءً ليسوا في حاجة إلى النهى ، فالموت عندهم كريه في حد ذاته ، وليسوا في حاجة إلى نهى للابتعاد عنه ( نفس التفسير قدمه مولانا في لسان حمزه في الكتاب الثالث أنظر الأبيات 3431 - 3442 وشروحها ) ومن هنا حلت لي ثمرة الموت . . . فأنا أقول : اقتلونى اقتلونى يا ثقات ( الشطرة للحلاج ) والشطرد الثانية من البيت الثاني وبقية الشعر المذكور بالعربية تصرف من مولانا ) إنه ليس موتا ، إنه عودة إلى الوطن ، عودة إلى المدينة الزاهرة من البادية الخربة ، عودة إلى الجمع بعد التفرقة ! ! 
 
( 3953 - 3954 ) : المقصود بالوقت العبوس والقيامة تلك اللحظة التي يقتل فيها السائس علياً رضى اللّه عنه 
 
( 3955 - 3962 ) : يستنكر سيدنا على رضى اللّه عنه أن يقوم بقتل " قاتله " ذلك بأن ذلك محال . . . لأن القضاء أن يكون هو القاتل لا المقتول ويضيف : لا تحزن فإنني سوف أكون شفيعك ، لأنك قمت بتخليص روحي من سجن الجسد وسجن الدنيا بقضائك على هذا الجسد . . . والجسد لا قيمة له . . .
فأنا أيضاً بدونه الفتى ، ألم يقل عنى رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم " لا فتى إلا على " وألست أنا القائل :السيف والخنجر ريحاننا * أف على النرجس والآس( شهيدى / 282 ) ويتعقب جسده أن يتعقبه بالرياضة ، ومتى يكون الذي تهون الدنيا عليه كل هذا الهوان حريصاً على إمارة أو خلافة ؟ ! ! إنما يريدها ليقيم منها نموذجا يحتذى ولكي يمنحها رونقا آخر ، قال عبد الله بن عباس : دخلت على أمير المؤمنين رضي الله عنه بذى قار وهو يخصف نعله فقال لي :
ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت : لا قيمة لها ، فقال رضي الله عنه : والله لهى أحب إلى من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلًا " ( خطبة 33 من نهج البلاغة ، تحقيق وترجمة شهيدى ص 34 ) .
 
( 3963 - 3971 ) : الحديث المذكور في العنوان " الدنيا جيفة وطلابها كلاب " منسوب أيضاً إلى

 
« 593 »
 
الإمام على رضى اللّه عنه ، وقال فروزانفر ( مآخذ / 39 - 40 ) أن الرواية هنا قائمة على حديث نبوي شريف روى في صحيح مسلم عن أبي سعيد أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم جلس على المنبر فقال عبد خيره الله بين أن يعطيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده . ووردت تفصيلات في إحياء علوم الدين ( 1 / 171 و 3 / 237 و 4 / 140 و 159 وحلية الأولياء 3 / 256 و 4 / 331 ودلائل النبوة 331 والفتوحات المكية 4 / 686 ) . وذكرت في معرض آخر عندما طعن الكفار في الرسول صلى اللّه عليه وسلّم وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق ، فضاق قلب الرسول صلى اللّه عليه وسلّم فنزل جبريل وقال : رب العزة يبلغك السلام ويقول لك : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق . . . إلى آخر الرواية ثم عرضت الدنيا على الرسول صلى اللّه عليه وسلّم فقال بل أجوع يوما فأصبر وأشبع يوما فأشكر . . وأضاف شهيدى ( شرح / 285 ) أن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم فيما روى الطبري قالها يوم تقسيم فيىء حنين فقال ما معناه : لا آخذ شئيا من فيئكم إلا خمسي وهو عائد إليكم . . . والمقصود بيوم الامتحان يوم أن صعد الرسول صلى اللّه عليه وسلّم على المنبر في آخر يوم من حياته وقال : " عبدٌ خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة " ورواية تزين الحور والجنان نفسها له مقصود بها معراجه صلى اللّه عليه وسلّم ( أنظر الترجمة العربية للحديقة ، الفصل الثالث ) ، والحديث المذكور بالعربية " لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل " ويرويه الصوفية في مجال الاستغراق والمشاهدة ، " وما زاغ " إشارة إلى الآية القرآنيةما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى( النجم / 17 ) ويفسرها الصوفية بأنه قد عرض عليه الكونان فما زاغ بصره عن محبوبه . . . لقد كانت الدنيا هينة في نظره بكنوز الأفلاك والعقول . . . فكيف يطمع في ملك الأرض كلها ؟ ! ! 
 
( 3972 - 3978 ) : إذا ظن أحدهم هذا الظن برسول الله صلى اللّه عليه وسلّم فإنما ينظر من مرآة نفسه ، ويصف إناء بيته ، ويقيس على حرصه وجهله ، وينظر إلى الشمس من خلف زجاجة صفراء فيرى الشمس صفراء ، وكسر الزجاجة الصفراء والزجاجة الزرقاء كناية عن التخلي عما في النفس عند الحكم على العظماء وعن الرأي المسبق ( أنظر 1338 من الكتاب الذي بين أيدينا ) . . . وذلك للتميز بين الغبار وبين الفارس الذي يمتطى الجواد ويختفى بين غباره ( أنظر الأبيات 383 - 385 من الكتاب الثالث وشروحها ) . . . وهؤلاء الذين ينظرون إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلّم على أنه جسد ( غبار ) هم

 
 
« 594 »
 
ورثة إبليس إذ ورثوا نظرته إلى آدم . . . وما لم تكن ابنا لإبليس فمتى كان ميراثه يصل إليك ؟ ! ! 
( 3979 - 3987 ) : الحديث على لسان علي رضي الله عنه : لست كلبا اطلب جيفة الدنيا ، بل أنا أسد الحق لا تغريه صورة " يا صفراء ويا بيضاء غرى غيرى " إنما أطلب الحرية من قيد الجسد ، وهذه الحرية لا تتم إلا بالموت " موتوا قبل أن تموتوا " ( أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) وهذا هو الامتحان الحقيقي ألست ترى أن الله سبحانه وتعالى عندما أراد أن يمتحن صدق اليهود قال لهم :قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ( الجمعة / 6 ) وقالقُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ( البقرة / 94 ) . . . وقد قال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم لو تمناه اليهود ما بقي يهودي على وجه الأرض . . . وفي تفسير كشف الأسرار " ولم يتمنه اليهود لأنهم لو تمنوه لماتوا " ( عن شهيدى / 292 ) وفي رواية الطبري في تفسيره " لو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على ظهر الأرض يهودي إلا مات " وفي تفسير النيسابوري " لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه ولا يبقى على الأرض يهودي " ( أحاديث مثنوى / 40 ) والفكرة وردت في مقالات شمس ص 87 ( في كل حال وكل فعل ترى نفسك فيه محبا للموت فهو أمر حسن ، إذن فمن بين عمليين تتردد بينهما ، انظر أيهما أليق بالموت هل يجب أن تجلس نورا صافيا مستعدا ومنتظراً للموت أو تجلس مجتهداً في انتظار وصول هذا الحال ) .
 
( 3994 - 4000 ) : يقول سيدنا علي رضي الله عنه لخصمه الذي بصق في وجهه الشريف : لقد صورك الحق ولم أصورك أنا ، ومن ثم ينبغي أن يكون قتلك من أجل كفرك بالحق ، لا من أجل أن يكون نصفه من أجل الحق ونصفه من أجل الهوى والغضب لنفسي على بصقتك في وجهي . . . ويستخدم مولانا دائما لفظ المجوس كناية عن الكافر ويخاطب الخصم سيدنا علي رضي الله عنه قائلا : لقد كنت عدوا لك أغرس بذور الحقد عليك والجفاء لك في قلبي بينما كنت أنت ميزان العدالة ومحورها . . . وأنت كنت أحن على من أهلي ومن قومي الذين أخرجوني لقتالك فأخسر الدنيا والآخرة ، فإذا بك المصباح المنور بنور الحقيقة تهتدى به الخلق . . . وشمع الدين الذي يضئ الطريق . . . وأنا عبد الله الذي يبحث عن العين التي تراه . . . والذي هو أصل النور الموجود فيك وأنا عبد لبحر النور
 
 
« 595 »
 
الذي أخرج جوهرة مثلك .
( 4005 - 4007 ) : يتوقف مولانا عن قص القصة . . . ويقول أن اللقمة أو اللقمتين اللتين أكلهما قد أصابا جيشان الفكر بالتوقف فيأخذ بعض المفسرين الفكرة على ظاهرها فيرون أن مولانا كان يملى المثنوى في مجلس قد يحضر فيه الطعام وأن هذا الطعام قد يمنع تدفق مولانا أو تحمل المريدين والرفاق ( أنظر 1631 و 1651 و 1972 و 3707 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ( استعلامى 1 / 430 ) بينما يرى شهيدى أن بعض الشارحين قالوا أن السبب هو حزن حسن حسام الدين بسبب فقده لزوجته . . . وخاصة وهو يفتتح الكتاب الثاني بهذا المعنى . . . لكن لأن المعنى تكرر في مواضع عديدة من المثنوى يمكن القول أن التعبير هنا عن قبض ألم به فمنعه من الحديث . . . ( شرح شهيدى ص 298 ) ومن الممكن أن يكون المعنى مرتبطاً بالموضوع الذي يتحدث فيه مولانا عن النبي صلى اللّه عليه وسلّم الذي عزف عن الدنيا وما فيها ، والإمام على الذي عزف عن الإمارة والخلافة فأصبحا موضعا للأنوار الإلهية بينما نحن بلقمة أو لقمتين ننصرف عن عالم المعنى ونضرب في عالم المادة . . . وأقل ما في الدنيا . . . وأقل شهوة صارفة عن عالم المعنى . . . فآدم جعلته حبة قمح يهبط من جنة الخلد ، والذنب وهو في مصطلح الفلكيين نقطة التقاطع الجنوبي للفلك مع منطقة البروج والنقطة الشمالية له الرأس فإذا كانت الشمس في عقدة الرأس والقمر في عقدة الذنب فوقع الخسوف ( شرح شهيدى / 297 ) . . . ومن شدة لطف القلب تمنعه لقمة واحدة عن السير في عالم الأفلاك .
 
( 4008 - 4015 ) : الخبز إن أكل ليقيم الأود فهو يعين على المعنى ، وإن أكل شهوة ولذة ، فإن عاقبته تكون جحودا ونكرانا . . . تماما كالعشب الأخضر والعشب الجاف بالنسبة للبعير ، يربو من الأول ويسمن ، ويمزق الثاني شدقه . . . ينقلب الخيز المغموس في مربى الورد إلى أشواك ونصال . . . ولأنك اعتدت على الطعام الصوري ( الطعام المعنوي طعام أهل الجنة ) أيها الإنسان المدلل المكرم المرفه ربيب الجنة . . . فإنك تأكل على ذكره هذه اللذائذ المادية التي اختلطت بشهوات الدنيا . . . وما أحراك . . . يا من انقلبت من إنسان إلى بعير ، أن تتعفف عنه .
 
( 4016 - 4018 ) : ما هذا الكلام الذي أقول ؟ ! ! لقد فقد كلامي الروح وأصبح ممزوجا بالتراب
 
 
« 596 »
 
لقد تعكر ماء المعرفة ، فلتسد فوهة بئر المعرفة ( الفم ) ولتنتظر حتى يجعله الله صافيا ، ولا تتعجل ، فبالصبر ستنال ما تتمنى ، والله أعلم بالصواب .
( تم الشرح بحمد اللَّه تعالى )
 
*
تم بحمد الله تعالى رب العالمين
عبدالله المسافر بالله
.

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 1.docx    الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالثلاثاء سبتمبر 08, 2020 7:16 pm

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 1.docx 

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 1.txt 

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 1.pdf 




عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» ديباجة مولانا الدفتر الأول المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  حضرة مولانا جلال الدين الرومي-
انتقل الى: