منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:33 am

الهوامش والشروح 01 - 68 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

الهوامش والشروح 01 - 68 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 01 - 68 فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح مقدمة مولانا المثنوي المعنوي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

شروح وتعليقات 
“ 412 “
.  
“ 413 “
[ شرح الديباجة ]
الحكم جنود الله :
الحكمة في اصطلاح العارفين ، هي العلم الباطني بالقرآن الكريم والمعرفة التي تبعد العبد عن الدنيا وأمورها وتجعله عارفا بعالم الغيب والوجود الحقيقي ، ولا تتأتى هذه المعرفة عن طريق مدرسة أو كتاب أو معلم ، فهي من أجل الحق وللحق يجذبهم إليه بعنايته إن كانوا جديرين بها ( استعلامى / 3 - 244 ) ، يقذف بها بنور حقيقي في قلوبهم ( يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيراً كثيراً )
 
جاء في الكتاب الأول :
هكذا رأى كاتب وحى الرسول الحكمة في ذاته وفي النور الأصلي ( بيت 2355 ) كما ورد في المجلد الثاني : “ وهو الذي يوصل إلى العين ما يشاء من الجمال ومن الكمال ومن نظرات المحبة - وهو الذي يوصل إلى الأذن ما يشاء من الأنغام والبشائر أو من الصراخ - إن الكون ملىء بالوسائل لكنك تبقى بدون حلية ما لم يفتح عليك الله منفذا إليها ( أبيات 680 - 683 الكتاب الثاني ) .
كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ: النساء / 94 نزلت الآية الكريمة في سياق في النهى عن الشك في إيمان من ألقى السلم ، ويتعامل مولانا مع الآية الكريمة لكي يؤدى بها معاني عرفانية ، لكي ينهى السالك الواجد عن الفخر ، فقد كان ذات يوم من الذين حرموا من هذه العطية ، أما وقد فتحت عليه الإنعامات الإلهية فليس عليه أن يفخر على من لا يزالون محرومين منها ( محمد استعلامى : مثنوى مولانا جلال الدين محمد ج 3 ص 225 - تهران - زوار 1373 هـ - ش . يذكر بعد ذلك باسم استعلامى فقط .الآيات الكريمة
:يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُانُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ ، وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ- صحتهايُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا ( الصف 8 ) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ( الحجر ) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ
 
“ 414 “
  
يُبَدِّلُونَهُ( البقرة 181 ) يستعير مولانا ما نزل بشأن القرآن الكريم على أساس أن كل ما قصد به وجه الله تعالى من جوامع الحكمة والعرفان مشمول بالعناية الإلهية شأنه في هذا شأن القرآن الكريم إذا وعد تعالى بحفظه إلى يوم الدين ، وقد عاد مولانا إلى هذه الفكرة مرة أخرى ففصلها في هذا الكتاب الثالث ( انظر المتن 4230 - 4252 والأبيات 4323 - 3285 الأبيات 1198 - 1215 ) .
 
[ شروح الأبيات ]
( بيت 1 - 5 ) الخطاب لحسن حسام الدين أحد كبار مريدى مولانا ، وكاتب وحيه الشعرى ، ( لمعلومات عن حسن حسام الدين أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الأول ) أما قوله : وقد جرت السنة على ثلاثة مرات إشارة إلى اعتقاد شعبى فارسي يعبر عنه بصيغ مختلفة ، وله أساس بالطبع في المأثور الإسلامي على أساس أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم كان يكرر القول والدعاء ثلاثا ، قال صاحب شرعة الإسلام : إذا سلم النبي صلّى اللّه عليه وسلم سلم ثلاثا وإذا كلم كلم ثلاثا ، وروى في المصابيح عن سعد بن مالك قال : إذا أكل النبي عليه السلام أكل بثلاثة أصابعه ، وقال ابن عباس رضي الله عنه ، توضأ النبي عليه السلام مرتين مرتين ولكن ثلاث مرات غسل - يقول يوسف بن أحمد : هذا الدفتر الثالث ، يقصد الكتاب الثالث من المثنوى ، هو بمثابة غسل الأعضاء المعنوية ثلاث مرات ، فسنة النبي صلّى اللّه عليه وسلم وسنة الأنبياء من قبله ثلاث مرات ( يوسف بن أحمد المولوي : المنهج القوى لطلاب المثنوى - ج 3 بدون تاريخ أو مكان طبع بعد ذلك يكتفى بكلمة مولوى )
وينظر أيضاً شرح إسماعيل حقي الأنقروى : شرح المثنوى : شرح المثنوى بالتركية مجلد 3 أستانبول 1130 هـ - ص 14 - ص 15 يذكر بعد ذلك أنقروى فقط 3 ، بديع الزمان فزوزانفر : أحاديث المثنوى ص 17 تهران 1332 هـ - ش )
والمقصود بترك الأعذار غير واضح اللهم إلا إذا كان المقصود بالبيت التالي الحديث عن القوة المعنوية في مقابل القوة المادية ، إن حسن حسام الدين كان يشكو مرضا ، وإن مولانا جلال الدين كان يواسية بأن القوة المادية لا علاقة
 
“ 415 “
 
لها بالأعمال المعنوية وأن “ عمارة الروح من خرب الجسد “ وهي فكرة ( يدق ) عليها مولانا جلال الدين ( ويدق ) عليها الصوفية كثيراً ، ويضرب مولانا الأمثال من السماء القائمة بغير عمد ، والقوة التي تتم عن طريق مزاولة الأعمال الروحية كقوة جبريل من رؤية الخالق ، وهي قوة وصفت في القرآن الكريمذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ( التكوير / 20 ) وإن الرسول صلّى اللّه عليه وسلم سأل جبريل عن قوته فقال : خلعت ديار قوم لوط بجناحي ورفعتها إلى السماء فقلبتها “ ( شرح الأنقروى ثالث ص 17 - مولوى / 3 ص 8 ) .
 
( 7 ) الأبدال في مصطلح جلال الدين بمعنى عام هو العارفون السائرون في طريق الله أو كما سيرد فيما بعد ( من بدلت صفاتهم وبدلت ذواتهم الجسمانية وتبادلوا إلى أرواح ) .
 
( 9 ) وفي البيت التاسع ما يؤكد أن حسن حسام الدين كان مريضا ، ويضرب له المثل بأن هذا المرض لن يؤذيه كما لم تؤذ النار إبراهيم الخليل عليه السلام ، وكانت عليه برداً وسلاما ورد هذا المعنى في سورة ( الأنبياء ) .
 
( 10 ) والدليل على ذلك أن العناصر التي تؤثر في مزاج الإنسان العادي والعامي لا سلطة لها على الأبدال والعارفين بل هي خاضعة لسلطتهم الروحية الخارقة .
 
( 11 ) ومزاج العارف والمقصود بالمزاج أخلاط الجسم هي أعلى من كل مرتبة لأن - هؤلاء قد صاروا روحا خالصة ، وتمت سيطرة أرواحهم على أجسامهم بحيث إن حالات الجسم قد تكون انطلاقا للروح .
 
( 12 ) ، وهؤلاء - أي أبدال الحق - إنما يعيشون على الأرض كنموذج للعالم المنبسط أي عالم الوجود الحقيقي الذي لا يحتوى على جسم .
 
( 13 ) ، ويقف مولانا جلال الدين عن الاسترسال في أوصاف العارفين ،
 
“ 416 “ 
 
وليس ذلك إلا أن الخلق محجوبون عن أمثال هذه المعاني ، فساحة أفهامهم ضيقة لأنهم متعلقون بهذا العالم الأرضي ، وهمتهم على قدره ، وحلوقهم مكيفة على أغذية الأرض وليس على الغذاء المعنوي ، ويستطيعون تفهم هذه المعاني .
 
( 15 ، 16 ) ، وهذه المعاني كان للجبل الحلق الذي يتشربها ومع ذلك فقد صار دكا وخر موسى صعقا وورد هذا المعنى في سورة ( الأعراف / 143 ) إنه لم يحافظ على ثباته ورقص كالجمل ( انظر أيضا بيت ( 25 ) من الكتاب الأول ) .
 
( 17 ) إن الجود بالطعام هنا أو كما ذكر حرفيا “ منح القمة “ يقصد به تعليم أسرار الحق وتلقينها ، أما الجود بالحق أي استعداد إدراك هذه الحقائق فهو من هبات الله سبحانه وتعالى فحسب .
 
( 19 ) هنا يصير المرء منسوبا إلى ذي الجلال أو كما يقول مولانا “ إجلاليا “ أي جديرا بألطاف الحق وعنايته .
 
( 20 ) صب السكر أمام الذباب كناية عن الحديث بالأسرار الإلهية أمام من ليسوا لها بأهل .
 
( 21 ) فإن رجل الحق لا يقول سر الحق لكل إنسان ، بل جدير به الأخرس لأن من عرف الله كل لسانه “ احفظ أسرار أولى الأبصار عن الأغيار الأشرار “ ( مناقب 1 / 138 ) .
 
( 22 - 25 ) الوجود الأرضي عبارة عن دائرة تبدأ من التراب وتنتهى إلى التراب ، وما خلق الإنسان إلا لكي يقطع هذه الدائرة .
 
( 26 - 30 ) يطرح الفكرة السابقة من منطلق اخر : إنه لطف الله الذي يجعل
 
“ 417 “
 
كل المخلوقات منتفعة على بعضها - أو إنها إسراع الموجودات كلها إلى العدم حيث يسلط مخلوق على مخلوق ، كيلا يبقى سوى وجهه فكل شئ هالك إلا وجهه والذرات كناية عن ظواهر الحياة المختلفة ، أو كما عبر ملا محمد هادي سبزوارى في شرحه الفلسفي على مثنوى مولانا جلال الدين ( افست كتابخانه سنائى طهران عن طبعة 1285 هـ - ق في مجلد واحد ) في الصعود تكون الجمادات غذاء للنباتات والنباتات غذاء للحيوانات ومن ثم فكل عالم أدنى يفنى فيما هو أعلى كفناء الغذاء في المتغذى وهذا ما تراه في الإنسان حتى يظل من الخالدين ( ص 189 ) .
 
والمقصود بالأوراق إمكانية تداوم الحياة واستمرارها ، فكل ورقة من أوراق الشجرة هي وسيلة لإدامة الحياة من لطفه سبحانه وتعالى على عبيده ، وهذا الإنعام هو الذي يرى العالم وما في العالم من حواضن ومربيات والمقصود “ بالباقين “
 أي أولئك الذين تجاوزوا هذا العالم الظاهر وهم باقون ببقاء الحق ، فهم مقبلون ( استعلامى 3 - 226 ) ومقبولون عند الله فلا هم يأكلون من الغذاء المادي ، ولا هم يصيرون مأكولين : فالبقاء بالله هو البقاء الدائم الأبدي ، وهو النجاة من شبكة الدنيا وفخ الخليقة ، والخروج عن النسق الإنسانى .
 
( 31 - 35 ) يواصل مولانا المقارنة بين “ الباقين “ وبين بقية أهل الدنيا ، فسكان هذه الدنيا ، منتشرون “ أي في “ تفرقة “ ومنقطعون عن بعضهم البعض وعن بقية سكان العالم أما “ الباقون “ فهم قابلون للبقاء وهم وجود واحد ( مجتمعون ) ومن ثم ينبغي على المرء أن يسعى في أثر ماء الحياة ، وماء الحياة هو الاتصال بالله ، والمتصلون بالله هم الباقيات الصالحات “ ومن ثم فلأنهم باقون فهم في أمان من كل افات الدنيا ، وأخطارهم ، ولأنهم مجتمعون لأن مادتهم النفسية مصورة بصورة واحدة فصورتهم المعنوية هي علم التوحيد وكلهم مختلقون بأخلاق واحدة ، السراج واحدة وتعددت المسارج ( سبزوارى
 
“ 418 “
 
189 ) فهو وحدة واحدة لأنهم أجزاء للوحدة المطلقة ، أما تعدده وكثرتهم فهي من خيالنا وظننا ( استعلامى / 227 ) فالعلماء نفس واحدة ( الأنقروى 24 ) عند عبد الباقي جلبنارلى : ترجمة وشرح مثنوى شريف - الترجمة الفارسية لتوفيق سيحانى - دفتر سوم تهران 1371 هـ - . ش ص 31 في ما بعد جلبنارلى - 3 ]
المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه أشتكى كله ، وإن اشتكى عينه أشتكى كله حديث شريف .
 
( 36 - 42 ) جرى الحديث إذن عن “ الآكل والمأكول “ كظواهر بهذا العالم المادي ، ولكل منها حلق ، سواء الآكل والمأكول والغالب والمغلوب ، ولكن منها عقل مناسب لحياة هذا العالم ، لكن ابتداء من البيت 37 يجرى الحديث عن أكل اخر وخلق اخر خارجين عن هذا الإطار ، فعصا موس تحولت إلى عصا “ وهبت الحلق “ وأكلت العصى والجبال الأخرى ، فأكلها ليس أكلا ماديا لأن جسمها لم يزدد من هذا الأكل ، ومن ثم فإن مرتبة اليقين في السير إلى الله على نفس هذا النسق تفترس كل ظن وتبعد الشك عن قلب العبد ، فالأمور الروحانية الباطنية ذات حلوق كالأعيان ، وليس رزقها ماديا ، والمقصود به “ من أدنى العالم إلى أعلاه “ أي في كل مراتب الخليقة ، فكل المخلوقات وحتى الظواهر الروحانية غير المحسوسة ذات حلق يناسب خلقتها ، وتأكل ما يناسبها اللهم إلا الروح التي فرغت من العالم المادي فإن رزقها يصل من الإجلال ( استعلامى / 3 - 227 )
ونقل الأنقروى عن الشيخ صدر الدين القونوى في كتابه إعجاز البيان “ إن لكل شئ غذاء خالصا فغذاء الأسماء أحكامها بشرط المظاهر التي هي محل الحكم وغذاء الأعيان الوجود ، وغذاء الوجود أحكام الأعيان ، وغذاء الجواهر الأغراض ، وغذاء الأرواح علومها وصفاتها وغذاء الصور العلوية حركاتها وما به دوام حركاتها وغذاء العناصر الصور والمزاج “ أنقروى 3 / 25 - مولوى 3 / 13 ) .
 
“ 419 “
 
( 43 - 45 ) إن شرط أن يكون “ حلق الروح خاليا من فكر الجسد “ هو تبديل الاحتياجات الروحانية ، فالطبيعة السيئة أو المزاج السيئ هو الدنيا الذي يبعدها عن الحياة الروحية ، ويشبه هذه الحالة “ بأكل الطين “ وهو حالة مرضية أغلب ما تحدث للائى يعانين أمراض الحمل ، ومن هنا فالبطنة هي سبب إصفرار الوجه ، وإصفرار الوجه مساو للموت ، كما أن البطنة تؤدى إلى موت القلوب ، ولسنائى الغزنوي في الحديقة أبيات طويلة حول هذا الموضوع .
 
( 46 - 49 ) إن هجر الحياة المادية وتبديل الطبيعة كأنه فطام الطفل ، وفطام الطفل في حاجة إلى حاضنة ، والحاضنة هو المرشد الذي يفطم طفل الدنيا عن لبنها ويعود الروح على النعم الروحية ، وهي والبستان في هذه الأبيات رمزان لمعرفة الحق كما أن الثدي “ هو “ العلائق الدنيوية ، ومن ثم فإن الحياة المعنوية هي فطام عن لبن الدنيا .
 
( 50 - 68 ) يرى مولانا هنا تشابها بين الحياة الجسمانية ومراتب الكمال الروحاني فهو جنين أكل للدم ثم رضيع ، ثم أكل للطعام ، وعندما يشغل عن هذا العالم يصير كلقمان ، ويستطيع المؤمن إذن أن يظفر “ بالطهر “ من “ النجس “ كما يخرج الجسم من الدم النجس ، وكما أن هناك فرقا بين العالم الذي يعيش فيه الجنين والدنيا ، هناك فرق أيضا يشبهه بين عالم الدنيا وعالم الآخرة ، وكما لا يصدق الجنين إذ حكيت له عن العالم خارج الرحم ، لا يصدق عابد الدنيا أن هناك عالما خارجا هذه الدنيا ، ولسنائى في الحديقة أبيات نتحدث فيها عن هذه المراحل لكنه يخلص منها إلى فكرة حفظ الله للإنسان وعدم تضييعه إياه ورزقه إياه في كل مرحلة وتطور هذا الرزق بقدر تطور الإنسان يقول :
“ ألم تر أن الذي فوق الوجود ، حين خلق وجودك في الرحم - أعطاك رزقك من الدم تسعة شهور ، ذلك الخالق الحكيم الذي لا مثال له - ورباك أيضاً في بطن أمك ، وبعد تسعة شهور أتى بك إلى الوجود - وحينما أغلق هذا الباب للرزق في وجهك
 
“ 420 “
 
أعطاك بعده بابين أفضل منه - أعطاك بعده الألفة بالثديين ، فهما أمامك ليل نهار ينبوعان يجريان - وقال لك أمتص من هذين الاثنين وكل هنيئا فليسا حراما عليك - وحينما فطمت بعد عامين - تبدلت جميع أحوالك - أعطاك رزقك من يديك وقدميك أمسك بتلك واسع بذى في كل مكان - فإذا كان البابان قد جاز غلقهما عليك ، فقد أقام بدلا منهما أربعة أبواب . فخذ باليدين واسع بالقدمين بدأب ، وأطلب الرزق في أنحاء العالم ، وحين يحم القضاء فجأة ، تكون أمور الدنيا كلها مجازا ، عجزت اليدان ، والقدمان عن العمل وبدلا من الأربعة أعطاك ثمانية - فحينما قيدت الأربعة منك في اللحد ، صارت الجنان الثمانية خالية من أجل ،
( حديقة : الأبيات 264 - 276 من الترجمة العربية لكاتب هذه السطور دار الأمين 1995 )
وواضح الفرق بين الفكرتين فضلا عن أن مولانا جلال الدين يعود إلى الفكرة أكثر من مرة كأداة لشرح أفكار أكثر عمقا مما سيأتي في حينه ، ويضرب في الأبيات 62 - 68 مثالا اخر غير مثال الجنين وهو مثال الأعمى ، والمقصود بالطبع أعمى البصيرة والعمى الروحاني وليس عمى البصر أو العمى الجسماني ، فالعمى الجسماني ليس بحجاب عن العالم الروحاني لكن العمى الروحاني هو الحجاب ، والأوطان الدنية أو الدنيئة فسرها استعلامى بأنها الرحم ( 3 / 228 ) لكن تفسير يوسف بن أحمد بأنها ظلمة القلب وظلمة المشيمة وظلمة الرحم ( مولوى 3 / 18 ) .
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 3.docx   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:33 am

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 3.docx

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 3.txt

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 3.pdf






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 69 - 496 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:34 am

الهوامش والشروح 69 - 496 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 69 - 496 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 69 - 496 فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح قصة آكلي ولد الفيل من الحرص وترك نصيحة الناصح
( 69 ) مصادر القصة التي تبدأ بهذا البيت كثيرة ، فقد رويت في حلية الأولياء لأبى نعيم الاصفهاني ( الجزء العاشر ) عن نذر أبى عبد الله القلانسي إن أنجاه الله من سفينة عصفت بها الرياح ألا يأكل من لحم الفيل ، ثم انكسرت السفينة ووقعوا على الساحل فإذا بولد فيل أكله رفاقه وناموا ، ثم جاءت الفيلة تطلب ولدها حتى انتهت إلى عظامه فشمت أفواه أكليه ومزقتهم شر ممزق ولم تجد رائحة من القلانسي ، فمكنته من ركوبها ونقلته إلى العمران ، ثم نقلت من
 
“ 421 “
 
حلية الأولياء في أكثر من مصدر منها حياة الحيوان للدميري ( مجلد 2 ) كما نسب ابن بطوطة هذه الحكاية لابن خفيف الشيرازي ، نقلتها أنا ماريا شميل في سيرة ابن خفيف ( أنظر سيرة الشيخ الكبير ص 275 - من الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ص 276 القاهرة 1977 ) بديع الزمان فروزانفر : ماخذ قصص وتمثيلات مثنوى تهران 1333 ه - ش ص ص 87 - 88 بعد ذلك يذكر ماخذ فقط ) كما ترجمت الزميلة المرحومة الدكتورة إسعاد قنديل هذه القصة تحت عنوان “ قصة أكلى ولد الفيل مع بعض التعليقات “ .
 
( 79 - 84 ) يبدو أن مولانا يقصد في هذه الأبيات الحديث النبوي “ الخلق كلهم عيال الله “ فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله “ ( مروى في الجامع الصغير عن ابن مسعود ) وهم أطفال الله لأنهم وكلوا أمرهم كله الله ، ولو وكلوا لأنفسهم في رأى نجم الدين كبرى “ كانوا يعملون السيئات ( مولوى / 3 - 20 ) ،
لأن الولي في غيبته أو حضوره أو في سكره وصحره لا يغفل عن الله طرفة عين ، ومن ثم فمهما بدوا في أعين الخلق أذلاء حقراء إلا أنهم “ أولياء “ الله في حفظة . . . وهم ( كنفس واحدة ) ( انظر البيت 35 وتعليقاته ) .
 
( 85 - 91 ) ومن ثم فإن كل معجزات الأنبياء هي من هذه الولاية ، وهي بيان عملي من الله على قدرتهم وعظمتهم ويجرد الآيات القرانية فالبيت 85 مستند على الآيات
 
( 56 - 72 ) من سورة طه ، و 86 مضمون سورة نوح الآيات ( 14 - 15 ) من سورة العنكبوت و 87 قصة عاد ولعنة لوط ، ويقصد في البيتين ( 88 - 89 ) خرائب مدينة لوط وهي بالقرب من بيت المقدس ، أما البيت 90 فيرى أن معجزات الأنبياء من هذا القبيل كثرة وهي موجودة في كل قرن من القرون الماضية .
 
“ 422 “
 
( 93 ) الأعمى الحاد النظر هو الإنسان الذي يشاهد كل ما يدفعه إليه حرصه لكنه لا يرى ما وراء ذلك .
 
( 97 ) ينقل فروزانفر ( أحاديث مثنوى / 180 ) من روضات الجنات خبرا عن الإمام الرضا رضي الله عنه “ إن لله تبارك وتعالى شراباً لأوليائه إذا شربوا سكروا وإذا سكروا طربوا وإذا طربوا ذابوا وإذا ذابوا خلصوا وإذا خلصوا وصلوا وإذا وصلوا اتصلوا وإذا اتصلوا لا فرق بينهم وبين حبيبهم “ ايضاً جلبنارلى ثالث / 41 ) .
 
( 102 ) ( 1 ) إشارة إلى الآية 61 من سورة التوبة عندما كان الكفار يؤذون النبي ويقولون “ هو أذن “ أي يسمع كل ما يقال ويصدقه ، لكن مولانا هنا يستخدم الآية استخداما اخر وهو أنه كان يسمع كلام المنافقين دون أن ينطقوه ( مولوى / 3 - 25 ) .
 
( 123 ) يرى مولانا أن كل لحظة في عمر الإنسان عمر مستقل يولد فيه الإنسان ويموت ( إن لك في كل لحظة موتا وبعثا - الكتاب الأول / بيت 1150 ) .
 
( 127 ) إن كل لحظة تمضى لا عوض عنها إلا السجود والاقتراب والعبادة فإن هذا يجعل العمر قربة إلى الله تعالى وهذا هو العوض الوحيد عن ضياع العمر .
 
( 138 ) الناصح هنا هو أبو عبد الله القلانسي أو ابن خفيف الشيرازي ( انظر 690 ) .
 
( 140 ) دين الناصح : على أساس أن كل مسلم مدين بالنصح لجميع المسلمين .


“ 423 “
 
( 158 ) المقصود بأم وليد الفيل ذاك قدرة رجال الحق “ استعلامى / 3 - 232 “ .
 
( 161 ) إشارة إلى ما روى عن الرسول أنه قال وهو في المدينة “ إني لأجد ريح الرحمن من قبل اليمن “ يقصد أويس القرني ( مولوى 3 / 35 ) .
 
( 169 - 170 ) : في الدعاء الذي علمه الإمام على رضي الله عنه لكميل بن زياد المعروف باسم دعاء كميل “ اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء “ وفي وصيته رضي الله عنه بعد أن ضربه ابن ملجم “ لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيولى عليكم شراركم فتدعون فلا يستجاب لكم “ ( جلبنارلى - ثالث - ص 44 ) .
 
( 171 ) اللفظ لا يهم في الدعاء إلى الله المطلع على ما في القلوب إنه يتجاوز الاعوجاج في اللفظ وعدم حسن التعبير إن صحت النية ، ولمولانا جلال الدين في هذا المجال معالجة أكثر تفصيلا في الكتاب الثاني في قصة “موسى والراعي“ (الكتاب الثاني - الأبيات من 1620 إلى 1774).
 
( 172 - 179 ) يضرب مولانا مثلا على عدم أهمية مخارج الألفاظ إذا صحت النية وصلح القلب - أو عدم أهمية الظاهرة إذا صلح الباطن عموما - أو أن خطأ المحبوب أفضل من صواب غير المحبوب بهذه القصة عن بلال ، وهي في الظاهر مأخوذة عن حديث موضوع هو “ سين بلال عند الله شين “ كما ورد نظيرها في تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار عن الحسن البصري ، الذي صلى وراء الصوفي حبيب العجمي ولما راه يقرأ الحمد ( الهمد ) انصرف عن الصلاة خلفة ، فعاتبه الله تعالى في نومه قائلا : “ إن هناك فرقا كبيراً بين تقويم اللسان وتقويم القلب “ ( مأخذ / 88 - 89 ) وإخوان الصفا 179 ليس مقصودا به الجماعة التي تحمل هذا الاسم .
 
“ 424 “
 
( 180 - 186 ) الرواية الواردة في الأبيات مبنية على ما ورده الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره ، قال عليه السلام : ادعوا الله بألسنة ما عصيتموه بها ، قالوا يا رسول الله ومن لنا بتلك الألسنة قال يدعو بعضكم لبعض لأنك ما عصيت بلسانه وهو ما عصى بلسانك ( ماخذ 89 ) وفي الجامع الصغير ، دعاء المرء المسلم مستجاب لأخيه بظهر الغيب ، عند رأسه ملك موكل فكلما دعا لأخيه بخير قال الملك أمين ولك بمثل ذلك “ و “ دعوتان ليس بينهم وبين الله حجاب ، دعوة المظلوم ودعوة المرء لأخيه بظهر الغيب “ جلبنارلى - ثالث - ص 107 - ص 108 .
 
( 189 - 197 ) نقل يوسف بن أحمد عن نجم الدين كبرى أن الذكر هنا يحتوى على فاء التعقيب معناه أذكركم فاذكروني كما قال رضي الله عنهم ورضوا عنه ويحبهم ويحبونه ( مولوى / 3 - 38 ) ، ويفسر مولانا هنا فكرة طالما تناولها في المثنوى وفحواها أن الله هو الذي يلهم الدعاء ، وهو الذي يجيب ، والدعاء والاستجابة من الله ، أو كما يعبر هنا : يا الله هي لبيك ، وواضح في البيت 196 أن مولانا يقصد أن الخوف من الله وحب الله كلاهما جذب من قبل الله ، وهو دائما ما يستجيب لتضرع الصادق ورجل الحق “ في الكتاب الأول “ يا رب واحد منه مقابلها ستون لبيك بيت 1588 ) .
 
( 198 - 201 ) وكما أن الدليل إلى الدعاء هو جذب من الله تعالى أنه يسد باب الدعاء أمام من ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم ، فلا إذن لهم يقول “ يا رب “ ، ويصل الأمر ألا يبتلى من لم يؤذن له بالدعاء ، “ وإذا أحب الله عبداً ابتلاه “ فكان البلاء هنا عطية من الله تعالى لأنه يدفع للدعاء المقرون بالاستجابة .
 
( 205 - 210 ) والمخلوقات الأخرى ، حتى المخلوقات التي يقال إنها نجسة كالكلاب ( وتعاطف مولانا جلال الدين مع هذه المخلوقات مشهود في مواضع
 
“ 425 “
 
عديدة من المثنوي كما سنرى ) ليست محرومة من الدعاء ، لأن كل راغب أسير لمانع ، فإن خلص قد نجا ( مولوى / 3 - 41 ) وكما يصل الإنسان بالدعاء والتقرب إلى الخروج من الطبيعة الإنسانية وكذلك بإرشاد المرشد ، فإن الكلب يستطيع ذلك ، والمثال كلب ال الكهف ، وهو مثال يتكرر عند الصوفية كثيراً عن الرياضة والسلوك والعبادة التي يمكن أن تغير من الطبيعة ، فهو مع الملوك أي أصحاب الكهف في الغار ، وهو يشرب ماء الرحمة بلا كأس ، لأنه متى يسع هذا الماء المعنوي كأس ؟ أما الذين يرتدون جلود الكلاب فهم الذين تزدريهم العين لقبح منظرهم أو لسوء هندامهم ، هم الشعث الغبر الذين لو أقسموا على الله لأبرهم .( 211 - 218 ) ينتقل مولانا جلال الدين إلى فكرة أخرى يقرنها بالدعاء ، فالدعاء في حاجة أيضا إلى عمل وجهاد مع النفس وصبر على مصاعب الطريق وعدم الشكوى من صعوبة الطريق . . . وحسن اختيار المرشد ، فإن المرشد المزيف الذي لا يعرف الطريق ويدعى أنه يعرفه أكثر خطورة من الذئب ، وهو أشبه بالغول أو بإخوة يوسف .
 
( 228 - 235 ) إن العيبة أي “ الخُرج “ هي الزاد المعنوي والتقوى ، ويشير في الشطرة الثانية إلى قصة شهيرة من قصص تراث الأدب الفارسي هي قصة العاشق ويس والمعشوقة رامين ، وقد نظمها شعرا فخر الدين أسعد الجرجاني ، إن المعشوق إذن هو ذاتك ، فكن باحثا عن حقيقة هذه الذات ، وكل ما هو سواها مانع . فمن عرف نفسه عرف ربه ، وإلى جوار الصبر والجهاد هناك الحزم وبعد النظر وعدم الاغترار بدعوة أهل الدنيا الذين يجعلون المرء يحيد عن الطريق ، فهي كصفير ذلك الصياد الذي يقلد صوت الطائر لكي يخدع الطيور فتقع في الفخ ( انظر الكتاب الأول بيت 318 ) وفي البيت 234 الطائر الدى أعطاه الله الحزم أي العبد الذي لا تخدعه الدنيا ولا تلهيه مغرياتها .
 
“ 426 “
 
 
( 236 ) القصة التي تبدأ بهذا البيت ورد شبيه لها في كتاب البخلاء للجاحظ وهي قصة المروزي الذي كان ينزل بمنزل العراقي فيكرمه أشد الكرم فيلح على العراقي بزيارته لرد بعض جميلة ، وفي النهاية تعن للعراقي حاجة في مرو ، لكن المروزي ينكره تماما ( طبعة صادر ص / 16 )
( ماخذ / 89 - 90 ) ويجعل مولانا من هذه القصة بين الخضري والقروي كعادته في التعامل مع قصصه مجرد خلفية لإرشاد المريدين والخوض في الأفكار السامية العالية ، ويشك استعلامى في كتاب البخلاء كمصدر للحكاية ( 3 ص 235 ) ويرى أنها تقدم نموذجا بشريا للجحود والنكران والخداع يتكرر في كل عصر وفي كل بيئة ، وربما قرأها مولانا في كتاب اخر أو سمعها من شيوخه أو رفاقة أو نقلها اقتباسا واستحياء من الحديث النبوي الذي ذكره في الأبيات من 518 إلى 523 ، عن تأثير القرية في العقل وسيرد في حينه ، والقصة اية في فن القص سواء من ناحية الحبكة أو من ناحية السرد أو من ناحية الحوار أو من ناحية مطابقة الحوار للشخصية ، وتسودها روح ساخرة ترجح الرأي القائل باستنادها إلى الحكاية المروية عند الجاحظ ، وقد عرض الزميل الفاضل الدكتور رجاء جبر للقصة في كتابه “ في الأدب المقارن دواسة في المصادر والتأثيرات لثلاثة من الأعمال الأدبية العالمية “ ( القاهرة - مكتبة الشباب 1966 - ص 137 - 176 )
وحللها تحليلا عظيما وترجم بعض أبياتها أثناء تحليلها ويرى الزميل الدكتور رجاء أن الرحلة إلى القرية ترمز إلى كل ما هو مضاد للمعرفة والعقل والدين ، ودعوة القروي للمدنى هي دعوة إلى الجهالة والانسياق وراء خداع الشكل والظاهر ( ص 160 ) ،
 
وفي تفسير اخر ليوسف أبن أحمد أن القروي هو النفس والحضري هو العقل والأبناء هم الحواس ، ولا شك أن المفسرين القدامى لجلال الدين كانوا يحاولون ربط كل ما ورد في المثنوى بأفكار جلال الدين العرفانية ، وسوفى تنبئ القصة أثناء تحليلها هنا عن معان أخرى كثيرة .
 
“ 427 “
 
( 250 ) طائر اللقلق من الطيور التي تهاجر في فصل الشتاء ثم تعود في بداية الدفء ، وتقيم عادة بأعلى المآذن أو قباب المساجد ، ومن ثم يسمى “ حاجى لقلق “ وانظر إلى سخرية جلال الدين وهو يصف تردد الريفي على المدينة في موعده وأنه طائر “ اللقلق “ ، فضلا عن أن تصور الريفي طائر اللقلق بساقيه الرفيعتين وريشه المتهدل ووقار مظهره يضيف صوراً فنية عديدة إلى هذا المعنى .
 
( 263 ) يخاطب الحضري ابنه بلقب “ سيبوبه “ ويقصد به طبعاً النحوي المشهور أبا بشر عمرو بن عثمان البيضاوي مؤسس علم النحو المتوفى سنة 183 ه - أو سنة 185 ه - ، وذلك لأنه “ استفاض “ في محاولة إقناع أبيه بالسفر إلى القرية ، ومن المستبعد بالطبع ما ذهب إليه استعلامى ( 3 / 235 ) من أن مولانا استخدم الكلمة استخداما لغويا ، ويقصد أن ينادى ولده “ يا تفاحتى الصغيرة “ ، والشطرة الثانية مثل مشهور أورده الميداني كمثل من أمثال العرب ، كما ينسب أيضاً إلى الإمام على رضي الله عنه ويرى جلبنارلى ( ثالث / 109 )
 أن قول الإمام على هو “ احذروا صولة الكريم إذا جاع واللئيم إذا شبع “ والمعنى بعيد ، ويعلق مولانا بحديث عن الصداقة فيرى أنها بذرة النفس الأخير ، أي من الذخائر التي يعدها المرء لأخريات حياته وليس من اليسير بمكان أن يهب صداقته لأي إنسان ، بل يجب أن يبحث عن صحبة كالربيع لا صحبة كالشتاء القارس في المزارع ، وينبئ الحضري هنا بحسه الداخلي عن عدم استراحته للسفر إلى الريف وعدم حسن ظنه بالريفى “ فسوء الظن من حسن الفطن “
 وقد نسبه إلى الرسول صلّى اللّه عليه وسلم ، وورد في الجامع الصغير ، لكنه ورد أيضاً في مجمع الأمثال للميدانى منسوبا إلى أكثم بن صيفي ، ويقدم مولانا جلال الدين في الأبيات التالية ،
درسا عن الطريق : فحذار للسالك من أن يظن الطريق ممهدا ، فالصحراء تبدو ممهدة مستوية ، لكن كل قدم منها تحته
 
“ 428 “
 
فخ على السالك أن يحذره ولا يكون كالماعز الجبلي الذي لا يرى الفخ فيقع فيه من جهله وغفلته وعدم حزمه ، بل إن الظواهر نفسها تدلنا على الفخاخ ، فهل يوجد الشحم والدسم في المزرعة ؟ إنه إن وجد فلا بد أنه لفخ ويشير مولانا أيضاً في هذا المثال إلى أنه لا يوجد “ غذاء معنوي “ في المزرعة “ الريفية “ فإن وجد ( تظاهر الريفي ) فلابد أنه زيف وشبكة صياد وفخ .
 
( 276 ) إن كانت لك بصيرة ربانية فامض في الطريق ، وإن لم تكن لك بصيرة فاستعن بعصا ( مرشد ) وإن لم تكن لك هذه العصا ، فهناك عصا أخرى تعتمد على العقل والطهارة الأخلاقية ( الحزم والاستدلال ) .
 
( 281 ) الصورة تكررت في الكتاب السادس الأبيات 4093 - 4095 .
 
( 282 ) القصة التي تبدأ بهذا البيت معتمدة على قصة سبأ كما وردت في القرآن الكريم ( أنظر سورة سبا الآيات 15 - 19 ) ، ويبدأ مولانا القصة هنا ثم يتركها غير كاملة لأن الاسترسال في موضوعات إرشادية يقطع سياق القصص عنده دائما ولكنه يعود إليها ثانية ابتداء من البيت 364 والبيت 2602 - لكنه يتخذ من هذه القصة منطلقا لتقديم تصوير حي للقصص الديني عن طريق المناقشات التي تجرى بين الأنبياء الذين أرسلوا لسبأ وعددهم ثلاثة عشر ( أنظر البيت 2671 ) وهذا في حوار حي مفعم بالنقاط العرفانية .
 
( 293 - 297 ) ينتقل مولانا من الصور التي يأخذها من الحياة ، ومن الحوار بين “ الكلاب “ إلى أوج بيانه العرفاني ، فها هو يخاطب الناكص عن “ أبواب القلوب “ من أهل الحق والعارفين بعد أن نال غذاءه الروحاني من ماء الحياة ( الماء المذكور في الأساطير الفارسية أن من يشربه يعيش إلى الأبد ، وهو ماء الحياة وماء الإسكندر وماء الخضر وماء الحيوان ) ، والمقصود بالانسلاخ عن الذات الخلاص من نوازع النفس ، والدب بالطبع لا يطوف على


“ 429 “
 
باب كل دكان ولكن المقصود هنا هو اللاعب بالدب “ الذي يطوف بدبه بين الدكاكين ليتكدى به “ . . . وفي رقم 296 يرى أن الدسم الحقيقي هو “ دسم “ الروح من المعاني والإرشادات ومن الأفضل هنا أمر القانط ، أي أن القانط من رحمة الله عليه أن يلزم هذه الأبواب ، أهل الروح وأهل المعنى ، أو خير للإنسان هنا أن يقنط مما في أيدي الناس .
 
( 299 - 306 ) يضرب بعيسى عليه السلام المثل على أبواب أهل القلوب المفتوحة أمام مكدودى الدنيا ومرضاها ومتعبيها على ما ورد في القرآن الكريم ، والمقصود بالطبع أنه إذا كان باب عيسى قد أغلق ، فإن من رحمة الله سبحانه وتعالى على خلقه ألا يغلق باب هذه الرحمة ، وأن يوجد في كل عصر من أهل القلوب والأولياء وأبدال الحق من يقومون في عصورهم بما كان يقوم به عيسى عليه السلام في عصره .
 
( 307 - 322 ) يتوجه مولانا جلال الدين بالحديث إلى المريدين الذين ينكصون عن عهد الشيوخ وميثاقهم ويضلون عنهم تمهيدا لأن يضلوا عن أنفسهم أيضاً فالمنكر لشيخه غالبا ما ينكر ذاته ويتخبط في متاهات الدنيا ، ثم يعود في الأبيات
( 314 - 322 ) إلى الحوار الذي يجرى بين الكلاب الوفية والكلاب الجحودة وزجرها إياها عن التحول عن “ الباب الأول “ و “ الجرى بين الأبواب “
 ( أنظر أبيات ( 291 - 292 ) ويضرب المثل أيضا بكلب أهل الكهف ( أنظر الأبيات 406 - 409 من الكتاب الأول وشروحها ) .
 
( 323 - 330 ) إن الوفاء بالعهد من الأهمية بمكان بحيث يفخر به الله سبحانه وتعالىوَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ( التوبة / 111 ) لكن الوفاء لا يليق مع غادر لعهد الله تعالى ، لأن حقوق الله دائما سابقة على حقوق البشر ، ويضرب المثل بحق الأم وهو مقدم على كل حقوق البشر ، لكنه لا يقدم على حق الله تعالى ، لأن الله تعالى هو الذي وضع “ الأمومة “ في طبعها وجبلتها ، فلا
 
“ 430 “
 
تفترض أن هذا الأمر منها هي .
 
( 331 - 337 ) يناجى مولانا جلال الدين الله سبحانه وتالي : يا قديم الإحسان ، أي يا من إحسانك علينا منذ الأزل “ الحق سبحانه وتعالى عند الحكماء فاعل بالعناية وعند العارفين الشامخين فاعل بالتجلي ( سبزوارى / 193 ) يا من حفظك لنا قديم قدم العهد حتى قبل أن تأتى بنا إلى عالم الصورة ، منذ أن أخذتنا من ظهورنا ، وأشهدتنا بالربوبية وهذا المعنى في سورة ( الأعراف / 173 ) فكل الوجود منك حتى الذكر فإنك أنت الذي أمرتنا بالذكر ، وحفظتنا مرة ثانية كنطف في ظهور أجدادنا عندما كنا في سفينة نوح - وفي البيت 335 يذكر الماء النارى الطبع إشارة إلى ما يروى من أن طوفان نوح قد بدأ من تنور عجوز في الكوفة ، وإنه انبعث من هذا التنور ما يشبه البركان ( استعلامى 3 / 238 ) .
 
( 348 - 363 ) إن هذا الحفظ الإلهى في حاجة إلى شكر من الإنسان ، لكن الإنسان الذي لا يؤدى حق المنعم بشكر نعمته يتعرض للعذاب ليس في الآخرة فحسب بل وفي الدنيا أيضا ، ويؤكد مولانا جلال الدين كثيرا على هذه الفكرة أن العذاب ليس في الآخرة فحسب ، بل إن الله سبحانه وتعالى لكي يحمل عبده سبحانه وتعالى على الجادة ، يرسل إليه من المشاعر الداخلية والأحوال ما يخزه في هذه الدنيا .
 
وكأني بمولانا جلال الدين كان يرى في ذلك العصر المبكر أن المجرم هو أول من يعاقب نفسه ، وقد وردت الفكرة عن سنائى أيضا : إذا فاتتك صلاة فانظر إلى نفسك تصير من المرضى “ سنائى ديوان 436 “ وإن العقاب على الجريمة ليس من اللازم أن يأتي من الخارج ( الفكرة التي قامت عليها رواية الجريمة والعقاب لديستيوفسكى ، وكثير جدا من الأعمال الأدبية المعاصرة ) ،
ويعبر مولانا عن هذا العقاب الداخلي بمصطلح القبض ( الانقباض ، الاكتئاب ، الحزن بلا سبب ظاهر ) ، إنه - أي مولانا - يخاطب المريد الناكص الجاحد على شكل الاستجواب ألم يحس المريد بقبض لأنه ترك وردا من أوراده ؟ إن هذا

 
“ 431 “
 
القبض يستمر ثم يصير كالغل الحديدى ، أليس هذا يعنى أن بعض أمراض الجسد يبدأ من أمراض النفس ؟ وبدلا من أن يكون واردا ( وقتيا ) يثبت ويعلن على الملأ ، وهذه هي المعيشة الضنك التي أوعد الله سبحانه وتعالى بها من أعرض عن الذكر ( طه / 124 ) ،
ثم ينتقل ابتداء من البيت 355 إلى مثال حي اخر : إن اللص عندما يسرق مال الناس يحس بهذا القبض ( الانقباض ) ويتساءل بينه وبين نفسه لماذا ؟ ويجيب مولانا . . . إن حزن ذلك المظلوم الذي تعرض لأذاك ، ولا يلبث أن ينقلب “ قبض “ القلب إلى “ قبض “ الشرطة والعسس ، ينقلب ككل شعور يرسخ إلى “ عمل “ ظاهر معلن على الملأ ، ومن ثم فعلى المرء أن يتتبع مشاعره فهي أشبه بجذور إن لم تقتلع فإنها سريعا ما تؤتى أوراقها وثمارها وتنتشر من القلب “ على الملأ “ ، وعلى العكس فإن “ بسط “ القلب وسروره أيضا في حاجة إلى متابعة مباشرة حتى يؤتى ثمار الروح التي يمكن إن تؤثر بها الأصدقاء .
 
( 368 ) المقصود ما ورد في الآية الكريمةرَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا( 19 سبأ ) يقول يوسف بن أحمد : يروى أنه كان بين سبأ والشام أربعة آلاف قرية عامرة ، فطلب أغنياؤهم من الله أن يجعلها فيافى وقفارا حتى يتطاولوا على الفقراء بركوب المطايا وحمل الزاد . ( مولوى 3 / 66 ) .
 
( 371 - 372 ) يرى استعلامى أن مضمون الأبيات العربية شبية بشعر نسب إلى امرئ القيس هو :يتمنى المرء في الصيف الشتا * فإذا جاء الشتا أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد * قتل الإنسان ما أكفره !وواضح من صياغة هذا الشعر ومن لغته أنه لا يمكن أن يكون لامرئ القيس .
 
( 374 ) إن النفس شبيهة بهذا الإنسان الكفور ، ومن ثم فهي جديرة بالقتل .
 
“ 432 “
 
ومن هنا قال موسى عليه السلام :وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ” يفسر نجم الدين كبرى الآية بما يذهب إليه مولانا جلال الدين : ارجعوا إلى الله بالخروج عما سواه ولا يمكنكم إلا بقتل النفس بقمع الهوى لأنه هو حياتها “ ( مولوى 3 / 66 ) وفسرها يوسف بن أحمد : أي ليقتل البرئ المجرم ( مولوى 3 / 66 ) .
 
( 380 - 389 ) يعود مولانا إلى فكرة يؤكد عليها كثيرا ( انظر الكتاب الأول 1264 - 1271 ) وهي أن القضاء الإلهى يمحو كل قدرة أخرى نراها في الوجود وينقل جلبنارلى ( ثالث - ص 111 ) حديثا نبويا هو “ إذا أراد الله انفاذ قضائه وقدره سلب ذوى العقول عقولهم حتى ينفذ فيهم قضاؤه وقدره ، فإذا قضى أمره رد إليهم عقولهم ووقعت الندامة “ ، وكحل العين ، في البيت 382 هو قدرة الحق القريبة من الأبصار قرب الكحل من العين ، وفي 383 - 384 الفارس هو القضاء الإلهى والقدرة الإلهية ونحن أسارى لمظاهرها واثارها ولا نرى من الفارس إلا الغبار ( استعلامى 3 / 240 ) ويرى يوسف بن أحمد أن الفارس هو الله والغبار أسباب الدنيا ( 3 / 67 ) والفارس هو الحقيقة والغبار هو غبار الطبع والأغراض والأمراض التي تخفى وجه الحقيقة ، وكعادة مولانا في تكرار الصور
 ( المثنوى كتاب تعليمي في الحقيقة كتب ليعلم المريدين ، فانظر كيف كان المريدون يتعلمون منذ ثمانية قرون ) يكرر هذا المعنى في صورتين : الذئب والأسد ، ويضرب بالذئب مثلا للقدرة الإلهية خاصة عند القهر والغضب .
 
( 390 - 397 ) ينتقل مولانا جلال الدين من الحديث العام إلى الموضوع الذي يتناوله وهو موضوع أهل سبأ فالذئب هو القهر الإلهى والخراف هم الضالون الذين يغمضون العين عن راعى العقل “ أو في حالة أهل سبأ ينصرفون عن أنبياء الله الذين أرسلوا لهدايتهم ، وتمسكوا بالحمية حمية الجاهلية ، ظلموا الأنبياء ومزقوا صدورهم .


“ 433 “
 
 
( 398 - 411 ) يتحدث مولانا عن تعرض القلب والروح للظلم في سجن الجسد ، إن القلب “ الباحث عن الحق “ مقيد في “ حي النفس “ ، إنك تعامله كالحيوان ، تحاول أن ترضيه بمنافع الدنيا ، تحضر له عجلا حنيذا كي يشبع “ ويسمن “ وأولى بك أن تحمل هذا العجل إلى مستودع التبن فإن قوت الروح هو رؤية الله ومشاهدته إنه - أي القلب الباحث عن الحق - يستغيث بالله في هذا البلاء ويرجو منه العون على هذا الذئب العجوز ( النفس ) ، إنه أي القلب الباحث عن الحق يشبه نفسه في إسار الجسد بالأنبياء في إسار الكفار : محمد صلّى اللّه عليه وسلم في تعامله مع اليهود ، وصالح عليه السلام في سجن ثمود ، فكما وهب الله تعالى السعادة لأرواح الأنبياء تطالب الروح بالسعادة ، تطالب الروح بأن يدعوها إليه ، أما تعال : فلا تعنى المجئ بل تعنى في رأى ليوسف بن أحمد : تجل بجمالك واقطعنى عمن سواك ( 3 / 70 )
فالكافر نفسه لا يستطيع أن يصبر عن الرؤية ، إنه القائل يوم القيامة عندما يرى حرمانه من الرؤية والمشاهدة ( يا ليتني كنت ترابا ) ( النبأ / 40 ) ، ثم يخاطب الله سبحانه وتعالى الروح بلطف طالبا منها أن تتجمل بالصبر ، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يسعى من أجلها ، يعمل في جذبها برسن اللطف إلى حضرته ، وفي الكتاب الأول :
إنه يبدي نفسه للقلوب وهو الذي يخيط خرق الدراويش ( بيت 685 ) .
 
( 419 - 432 ) الرفيق المذكور في البيت 419 المقصود المقصود به أهل الله والرفاق في الطريق أما كنز الفقير فهو المرشد ورجل الحق فهو في الظاهر معدم لكنه خازن خزانة الله في الحقيقة ، وفي الأبيات من 421 فما بعدها أسباب نزول الآية الكريمةوَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ( الجمعة / 11 ) وحوار البازي والبط فيما يقول زرين كوب ( سرني 1 / 300 ) مأخوذ عن نظامى دون تحديد .
 
“ 434 “
 
( 453 - 464 ) ينتقل من الحديث عن الأرض إلى الحديث عن “ الأرض “ أي الإنسان ، إذ كانت الأرض مستسلمة لحكم القضاء ، ومن هذا الاستسلام يكون لها الزرع والثمر والرياض والبساتين فأولى بالإنسان وهو من تراب هذه الأرض أن يستسلم ، وقد ورد هذا الربط في شعر لسعدى :
لقد خلقك الإله الطاهر من تراب * إذن فتواضع أيها العبد كالتراب ( بستان - كليات ص 408 طهران 1351 ه - ش )
فكما تستسلم البذرة فتنبت حبا وسنابل سامقات ، على الإنسان أن “ يسلم “ ، وفي هذا التسليم علو له ، فكما ينزل كل شئ من أعلى ، ثم يصعد إلى أعلى مرة ثانية ، فقوسا الصعود والهبوط ليسا خاصين بالسير العلوي الإنسانى ، بل هي قاعدة إلهية تجرى على كل المخلوقات : فكلهم رجعتهم إليه ، وكل شئ هالك إلا وجهه .
 
على السبزواري على قوله كل الأجزاء سواء في تحرك أو سكون : إن الأشياء إذا كانت ساكنة من جهة فهي متحركة من جهات وطالبة للحركة واتجاهها إلى المطلوب ، فالنباتات ساكنة في المكان لكنها ذات حركة في المقدار اللهم إلا في وقت الوقوف وكذا كل شئ يبدو ساكنا ( ص 196 ) .
 
( 466 - 473 ) يعود ثانية إلى قصة الحضري والقروي ، وكيف أن القضاء يجعل القوى مغلوبا للضعيف ، يسلبه لبه ، يستطيع سليمان أن يحبس الجنى والشيطان في زجاجة ويلقيها في اليم ، ويمضى هاروت نحو الفتنة والضياع والسجن في بابل ، ( مضامين سبق لمولانا تناولها : انظر الكتاب الأول الأبيات 1202 ، من 1236 - 1242 ، 1242 - 1271 )
 
هنا تلميح إلى قول منسوب إلى الإمام على أنه عندما سمع قول أفلاطون إن العالم كرة والأرض نقطة والأفلاك قسى والحوادث سهام والمواليد أهداف والله كالرامي : قال ففروا إلى الله ( سبزوارى ص 196 ) ولا حيلة إلا الفرار من القضاء إلى القضاء ، فلن ينجو


“ 435 “
 
إلا من يلجأ إلى الله ، ولا يستطيع “ تربيع “ أي طالع سوء أن يجد سبيله إليه ، والتربيع في اصطلاح علم الهيئة اسم نقطتين في مسير القمر حول الأرض بحيث يبدو نصف القمر مظلما ، وفي علم التنجيم يعنى وقوع نجمتين في منطقة البروج بحيث يكون بينهما برجان ، وينظر أحدهما إلى الآخر في الخانة الرابعة ، ويعتبر المنجمون هذا الوضع من طوالع النحس ( استعلامى 3 / 243 - 244 ) .
 
( 474 - 481 ) ضروان موضع في اليمن على بعد فرسخين من صنعاء ووردت قصة أهل ضروان في القران الكريم في قوله تعالى :إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ( القلم 17 - 27 ) في رواية كان أبوهم أهل خير وإنفاق فلما مات بخلوا بحق الفقراء ، فأرسل الله على مزارعهم نارا بليل أحرقتها عن أخرها ( ماخذ / 169 - 170 )
ومن الواضح أن مولانا سيترك القصة بعد عدة أبيات . . . إلى أن يعود إليها في الكتاب الخامس ، والشطرة الأولى من البيت 479 مقتبسة من الآية الكريمةأَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ( الملك / 14 ) ،
وفي البيت 481 اقتبس الشطرة الثانية من الآية الكريمة ( وأحصى كل شئ عددا )
( الجن 28 ) واقتباس الآيات القرآنية في أشعار الشعراء الفرس الكبار ظاهرة ملحوظة عند سعدى وحافظ وجلال الدين ، ولعلهم كانوا ينقلون عن القران الكريم خوفا من اللحن عند الكتابة بالعربية .
 
( 482 - 487 ) يترك مولانا قصة أهل ضروان ، ليتحدث عن هجر المحزون
 


“ 436 “
 
أي إلى بث الروح التي تتألم من ألم الهجر ( انظر ترجمة أغنية الناى في الأبيات الأولى من الكتاب الأول وفي كتاب فصول من المثنوى للدكتور عبد الوهاب عزام ) ، وانظر إلى قول مولانا في البيت التالي : إنها زكاة تلك التي تؤديها للمحزون باستماعك إليه يبث شكواه ، إن مجرد البث والشكوى راحة للمحزون وسلوى له ، فالروح شريفة نزلت في منبت الشرف ومن النفخة الإلهية وحبست في الماء والطين “ أي الجسد “ ، ويشبه الإصغاء لهذا البث والشكوى كأنه “ كوة “ تخرج الدخان من قلب المكلوم أو المحزون . . . ويطلب من السالك أو من عابر السبيل أن يقدم هذا الإصغاء .
 
( 488 - 496 ) تتناول الأبيات شكوى الروح ، أو شكوى ذلك الإنسان الذي يحس بهذه الروح وبترددها بين الجنوح نحو موطنها ومنبتها الأول وبين سجن الجسد والطين ، وهو ميدان الصراع عند الصوفي أو السالك ، أو القضية الأولى في جدلية العرفان إذا جاز لنا التعبير ، ويدق عليها مولانا كثيرا ، ويتركها ويعود إليها في مواضع كثيرة وقد عبر مولانا سنائى عن هذه الجدلية في بيت واحد :
ما ذا أفعل بالجسد ولست من الطين ؟ * وما ذا أفعل بالروح ولست من عليين ( ديوان سنائى - تهران 1362 ه - ش . ط 3 ص 385 ) .
 
إن هذا التردد عقبة لأنه لا يزال يجذب الإنسان نحو الماء والطين ، ولا حل كما يعبر مولانا في هذه الأبيات إلا التعلق بمن يعرف الطريق والسير في أثره أو كما عبر عنه مولانا سنائى : “ التعلق بأهداب سرج صاحب دولة أو مقبل “ ديوان سنائى 486 “ . أما السير على النار فهو يعنى السير في الطريق الصوفي المحفوف بالمخاطر والملئ بالعقبات ، ولا ينجو فيه إلا من حرره الله تعالى من الخوف ، وخاطبه كما خاطب موسى عليه السلامقُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى
 
“ 437 “
 

( طه / 68 ) ، غير أن هذا الخوف هو السبيل إلى جذب رحمة الحق ، على المرء أن يخاف ويحس بالقلق إن لم يحس في قلبه بالخوف ، وفي هذا الموضع روايات كثيرة عن الصوفية أبرزها ما قاله السرى السقطي “ إني لأنظر في المرأة في اليوم سبعين مرة مخافة أن يكون قد اسود وجهي “ ويعلق صاحب شرح التعرف على هذا القول “ وهذا لأن الرسول - صلّى اللّه عليه وسلم - قال وجه المؤمن مراة قلبه ووجه الكافر مراة قلبه “ . وقالوا إن بياض وجه المؤمن يوم القيامة هو نور إيمان قلبه وروى عن السرى أيضا : لا أحب أن أموت حيث أعرف مخالفة ألا تقبلني الأرض وكل هذه الأمور نابعة من أن تكون العبادة عن رياء أو خوف أو طمع ( شرح التعرف لإبراهيم بن المستملى البخاري 2 / 8 - 9 ) ويطول الكلام في هذا المجال ، أي أن تكون عبادته رياء وعجبا ويشعر بالزهو من تعظيم الخلق “ وسوف يرد هذا المعنى “ فيسود الوجه ، فغير الخائف لا إذن له بالطواف حول هذا المحل .
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 3.docx   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:35 am

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 3.docx

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 3.txt

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 3.pdf






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 497 - 778 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:35 am

الهوامش والشروح 497 - 778 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 497 - 778 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 497 - 778 فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حركة السيد نحو القرية
( 502 - 506 ) في هذه الأبيات العربية يستلهم مولانا القران الكريم أيضا ( انظر تعليقات 474 - 481 ) فأبناء الحضري فرحون ، لكن العقل الواعي بالحقيقة المنتبة إليها الذي بينه وبين القلب كوة ( وهو غير عقل الفلسفي الذي يعتمد على الظواهر ) يحذر من أن الفرح بغير الله ترح وبُعد عن الطريق ، وفي البيتين ( 504 - 505 )
 
اقتباس من الآية الكريمة لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ” القصص 76 “ في خطاب قوم موسى لقارون ، وفي البيت رقم 506 إشارة إلى الآية الكريمة لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ( الحديد / 23 )
 
 وفي هذا المعنى حديث روى عن الرسول - صلّى اللّه عليه وسلم - وكل ما ألهاك عن مولاك فهو دنياك “ ( استعلامى 3 / 245 ) .
 
“ 438 “ 

( 508 - 516 ) الاستدراج في مصطلح الصوفية هو الأمور الخارقة للعادة التي تبلغ الكرامة وتصدر عن المدعين بل والمنكرين والمرائين وينخدع بها السذج فيقعون في شراكهم ، وجلال الدنيا وعظمتها وشوكتها وملكها كلها من أمور الاستدراج ، ويفضل الحزن كل هذه الأمور ، لأن الحزن هو الذي يوصل إلى المليك . فحزن الروح هو الذي يجعلها تحن إلى أصلها ، وحزن الجسد هو الذي يحفز الروح على مقاومة النفس وأهوائها وكل هذا منه طريق النجاة ، ولا يقدر على هذا سوى الرجال ، أي رجال الطريق الذين يستمدون من رجولة الهمة والخلق وليس الجنس ، فرب امرأة في الطريق أفضل من مائة رجل ، أما الأطفال - وهم من لم يصلوا إلى مرتبة الرجولة في الطريق - فهم الذين يغريهم لهو الدنيا ولعبها وزينتها ، أما المقصود بصحراء القلب في البيت 514 فهو طريق معرفة الحق ، وفي مقابلها صحراء الطين ، إي الدنيا والحياة المادية - “ وسارية “ هو المذكور في رواية سيدنا عمر الشهيرة : “ يا سارية الجبل “ . ومن العجيب أن الشارح محمد استعلامى الذي يشرح  لا يقترب من هذا البيت وهذا الأسباب لا تخفى . . .
 
وهذه الكرامة لعمر رضي الله عنه وهي مشهورة وفحواها أن عمر سير الجيوش وعلى رأسها “ سارية “ وعلى المنبر أبصر بعيني القلب أن العدو كمن للمسلمين خلف الجبل فصاح من فوق المبنى يا سارية الجبل وسمعه سارية ، وأعجب منه شرح السبزواري ( الفيلسوف ) الذي فسره لفظيا فقال عن سارية إنه بعض ( الجماعة السارية ) ولم يذكر عمر ( ص 197 ) .
 
( 517 - 523 ) ينقل يوسف بن أحمد حديثين نبويين أولهما “ التوطن في القرى قبر للنهي “ والحديث الثاني “ ساكن الكفور كساكن القبور “ ( 3 - 87 ) كما أورد فروزانفر حديثا اخر هو “ من سكن في القرى يوما تحمق شهرا ومن
 
“ 439 “
  
سكن في القرى شهرا تحمق دهرا “ ( استعلامى 3 - 246 ) ، وفي معارف بهاء ولد ( والد مولانا جلال الدين ) 2 / 89 تحقيق فروزانفر - طهران - ظهورى - ط 1352 هـ - ش ) يقال الريف مقبرة العلم إذ يندرس فيها العلم ، وتجوع بطن الذئب ، ويكون الجو قبرا ، والقرية هنا كما يفسر مولانا نفسه في الأبيات التالية رمز للمكان الذي لا يحصل فيه المرء على بضاعة القلب ، كما سنرى في سياق القصة فيما بعد ، والعمى المذكور في البيت
( 521 ) هو عمى الباطن عن الحقائق ، والقرية أيضا هي الشيخ غير الواصل الذي يريد أن يبدي طريق الحق بالتقليد أو بالاستدلال وفي مناقب العارفين للأفلاكى ( 2 / 661 - أنقرة / 1961 ( قال ذات يوم أن مولانا عليكم بالسواد الأعظم يعنى بخدمة الشيخ الواصل وإياكم والقرى يعنى صحبة الناقصين ، وفي مقابلها يرى أن المدينة هي “ العقل الكلى “ المدرك للحقائق الإلهية ، لكن التقليد والحجة كحمار معصوب العين يدور في طاحون .
 
( 524 - 534 ) يترك مولانا سياق القصة لكي يفصل معانيه العالية التي تشبه حبات الدر عن حبات القمح ، إنه يوجه الحديث وهو يعلم أن من بين مريديه قد يوجد من لا يستطيع أن يفهم هذه المعاني فيقول لهم : دعوا الدر وخذوا القمح والدر هو باطن الحكاية أما القمح فهو ظاهرها ، والظاهر قد يقود إلى الباطن كما أن المجاز هو قنطرة الحقيقة ، فقد يوصل العشق الأرضي وهو مجاز إلى العشق العلوي وهو حقيقة ، والقصة ما هي إلا مخيم لكي يدعى الترك وتعنى اصطلاحا في الأدب الفارسي الحسان إليها والحسان هي الحقائق الإلهية . . . ويعود إلى القصة بعد أن يشرح هذه الفكرة ، وفي البيت رقم 533 إشارة إلى الحديث النبوي ( سافروا تصحوا وتغنموا ) ( ورد في الجامع الصغير 2 / 30 ) .
 
“ 440 “
 
( 535 ) عن الإمام الصادق رضي الله عنه ، قال في حكمة داود عليه السلام :
إن على العاقل ألا يكون ظاعنا إلا في تزود لمعاد أو مرقة لمعاش أو طلب لذة في غير محرم ( عن جعفري 6 / 347 ) .
 
( 539 - 561 ) يترك مولانا سياق القصة ليتحدث عن العشق ، ويسوق الأمثلة لكي يقرب المعنى من مريديه على جميع مستوياتهم ، فينتقل من فكرة مطروقة هي أن الحنظل من المعشوق يصير رطبا إلى أفكار منتقاة من الحياة من حوله : فالدار تعتبر مرجا من رفيقه الدار أو الزوجة ، وقد تصير جحيما أيضا ، وكل ما في الحياة من كدح في سبيل رفيقة محبوبة ، فالإنسان يتحمل الشوك في سبيل محبوب كالوردة ، فانظر إلى الحمال : لقد مزق ظهره من حمل الأحمال في سبيل ماذا ؟ في سبيل محبوب فاتن ، والحداد في عمله يصيبه دخان الكير فيسود وجهه . . . من أجل ماذا ، من أجل أن يقبل قمرية وجه ، والتاجر يجوب البحار ، كما يعود بعدها إلى جليسة منزل والنجار . . . وماذا ؟ والسيد المسمر في حانوته . . . لماذا سمر في حانوته لأن عشق معشوقة كالسرو قد مد جذوره في قلبه وعن جلبنارلى ( 3 / 116 ) أن هنا إشارة إلى المثل العربي شرف المكان بالمكين إن هذا العالم يحركه العشق ، فما بالك بعشق الحي الذي لا يموت ؟
 
وإذا كان كل ما أنست إليه قد مات ، فما بالك لا تأنس إلى الحي الذي لا يموت ؟
وإذا كانت مشاعر الحب ومشاعر الكراهية تنتهى . . . فلما ذا لا تتجه إلى العشق الذي لا ينتهى ؟ حتام تعلقك بالزيف وأنت تظن أنه ذهب ؟ وحتام غرامك بالظل والظل نفسه في أثر الشمس ، وحتام هيامك بالقناة وتركك للبحر إن الدنيا وكل ما هو فيها ما هي إلا جزء من شحم الإلية يوضع في الفخ كي يصيد الذئب ، فمتى يدرك الذئب هذا ، متى يدرك أنه لا يمكن أن يكون أصل الإلية فخا . . . له ؟
 
والفكرة مأخوذة عن مثل عربى جاء في مجمع الأمثال للميدانى وهو “ إليه في برية ما هي إلا لبلية “ وساقه في ذيل حكاية أن ثعلبا رأى إليه مطروحة في مغازة


" 441 "
 
فتخيل أنها ألقيت بحبالة فجاء إلى ذئب وقال له : ادخرت الأشياء لصداقتك فتقدم الذئب حتى جاء إلى الإلية فلما أراد حملها وقعت الحبالة في عنق الذئب وسقطت الإلية من الحبالة فتناولها الثعلب وقيل على لسانه ذلك المثل : ( عن ماخذ ص 76 في التعليق على البيتين 2722 و 2723 من الكتاب الثاني - كفافى 540 ). \
 
( 567 - 571 ) وردت الحكاية الصغيرة التي تبدأ بها هذه الأبيات قبل مولانا في تمهيدات عين القضاة الهمذاني وإحياء علوم الدين للغزالي وتفسير أبى الفتوح الرازي باختلافات يسيرة ( ماخذ ص 91 ) ومولانا مثل كل شعراء الصوفية يطوع الحكاية بحيث تكون صالحة لتبيان الفكرة التي تهدف إليها من نصها :
 
أحب لحبها السودان حتى * أحب لحبها لسود الكلاب ( 578 - 585 ) بما أن الكلب الذي انعكس عليه نور المحبوب ممكن أن يكون محبوبا ومعشوقاً ، يخلص مولانا إلى أنه إذا تجاوزنا التعلق بالصورة فإننا سوف نرى عالم المعنى وهو رياض في رياض ، والطريق هو تحطيم صورة “ النفس “ وإحراقها ومن ثم تكون صورة العالم ذليلة ولا قيمة لها ويكون تحطيم الصور في سهولة تحطيم عَلِىّ رضي الله عنه لباب خيبر ، ويخلص من الحديث عن خطر “ الصورة “ إلى القصة : إن هذا الحضري الساذج مثل طائر خدع بالحب فوقع في الفخ خدع أيضا بكلام القروي السقيم ، وفي البيت 585 : يقول إنه كل أفراحنا مدعاة للحزن فكلها ممتزجة بالخداع وأخشى أن أعددها لك أيها السالك فتقعد عن الطريق .
 
( 588 - 595 )  بالرغم ممن أن الحديث يدور حول رحلة السيد إلى القرية ، إلا أن الحديث يمكن أن يفهم على وجه أنه تنبيه عام للسالك ، فالحديث عن ضرورة المرشد ، فالذي يسير على العمياء لابد وأن يضل ، ولابد للأمور من
 
" 442 "
 
شكلها الطبيعي ، فالطريق يلزمه مرشد ، فمن النادر أن يظهر إنسان إلا من والدين مثل آدم وحواء وعيسى ، والمال موكول بالعمل ، ومن الأحوال النادرة أن يأتي بلا عمل وأن الرسول صلّى اللّه عليه وسلم - لم يكن له جسم بالمعنى المادي بل إن جسمه روح وعلاقته بالله بلا واسطة ، ومن ثم فقد علمه القرآن بلا واسطة من القلم من أجل أولئك الذين يريدون في أعمالهم الواسطة والآلة .
( 601 - 604 ) يصور مولانا وجه القروي في لقائه للحضرى بأنه وجه كله احتيال وشر ، من الوجوه التي يقف فوقها الشيطان كأنه الذباب ، مستعد كل لحظة أن تخرج كل الشيطانية من هذا الوجه لتقع في الإنسان الذي ينظر إليه ، إنه إنسان عدوانى “ بكل معنى الكلمة لا يطيق حتى النظر إليه فما بالك بالنزول في ضيافته ، هذه هي الوجوه التي قال فيها تعالى ( كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ) ( العلق / 15 ) .
( 610 )
 : ما أشبهه بالبيت العربي :
غير ارتضاء رضيت برك بي ، والجوع يغرى الأسود بالجيف .
( 613 ) في البيت إشارة إلى الآية الكريمةيَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ( عبس / 34 - 35 ) وأوجه نظر القارئ إلى الحوار في الأبيات التالية بين الحضري والقروي وكيف تقمص مولانا شخصية الريفي وأجرى على لسانه الحوار الجدير بشخصية تدعى التدين واعوجاج نفسيته فقدم صورة حية كثيرة الحركة .
 
( 615 ) : الشطرة الثانية إشارة إلى الإمام على رضي الله عنه :كل سر جاوز الاثنين شاع * كل علم ليس في القرطاس ضاع( جلبنارلى / 3 - 117 ) ( 623 ) ما أشبه بالبيت العربي :
وظلم ذوى القرى أشد مضافة على النفس من وقع الحسام المهند .

“ 443 “
 
( 638 - 644 ) يقول استعلامى : يتدخل مولانا معلقا داخل القصة :
فالحضرى والقروي كلاهما من أهل الدنيا ، لكن الحضري وهو أكثر وعيا كان عليه ألا يخدع بهذه السهولة وأن يأتي به طمعه ( ؟ ! ! ) إلى القرية ( 3 / 250 ) ، والواقع أن الحضري لم يطمع في القروي ولا انتظر منه خيرا ، بل جاء وهو ينتظر جزاء إحسانه سوءا . . الواقع أن الحضري ندم على فوت صحبة الكرام ورجال الله وتفضيل صحبة قروى جلف عليها ، والمقصود بملوك التراب ملوك الدنيا ، وأصوات الطبول أي كلمات جوفاء لا نتيجة منها ، والمقصود بالعقل هو العقل الباحث عن الله ، والغول إشارة إلى أهل الظاهر ، واختار النقل ، أي اعتمد على كلام أهل الظاهر .
 
( 651 ) ترجم المفسرون هذا البيت بأنه جسد ذئب وحيد أو متروك أو مهجور ويرى استعلامى ( 3 / 251 ) أن الأقرب إلى الصواب أن القروي جاء بتمثال الذئب لكي يقيم فخا للحضرى ، ولا أدرى كيف جاءه هذا التفسير ، خاصة وأن ذئبا لم يظهر قط بل كان جحش القروي كما سيبدو ، وذئب وحيد أو متروك أو متهافت أكثر إقناعا على أساس أن الحضري رأى الجحش في الظلمة كتمثال لذئب يبدو من وراء التل فأصماه .
 
( 667 - 680 )يرى استعلامى ( 3 - 251 ) أن هذه الأبيات من كلام مولانا ليست على لسان الحضري لكنها إفاضات مولانا ، والواقع أن هذه الأبيات على لسان الحضري نفهم منها أن القروي عندما كان يهرب من الحضري كان يتظاهر بأنه في حالة سكر وغيبة بحيث لا يعرفه والواقع أن كثيرا من الأبيات التالية وحتى البيت
 
( 710 ) يختلط الكلام الذي على لسان الحضري بالكلام على لسان مولانا . فالقروى الذي ادعى الغيبة وعدم معرفة رفيق عشرة سنوات استطاع أن يميز ضراط جحشة في الظلمات الثلاث فأي سكر هذا وأية غيبة هذه ؟ ويقدم مولانا خلال هذه الأبيات صورة كثيرة الحركة وشديدة السخرية لفئة
 
“ 444 “
 
من المتصوفة في عهده ( وفي كل عهد ) ليس لهم من التصوف إلا حفظ بعض المصطلحات والتفوه بها ، والتظاهر بالوجد والسكر والحال ، وكل منهم يحسب نفسه في مرتبة الجنيد ويا يزيد والقروي نفسه يخلط بين سكر العشق وسكر الخمر فيقول في البيت ( 670 ) أنا عاقل ومجنون بالحق واعذرنى عن غيبتي ثم يتحدث عن قاعدة فقهية عن بطلان طلاق الثمل أو عتقه أو بيعه ( ! ! ) ولأن الادعاء كثير فقد كان الامتحان أشد والفضيحة أفدح ، لأن هذا الصوفي الواجد الثمل الغائب قد فضحته ريح خرجت من دبر جحش ! ! فانظر إلى السخرية .
 
( 683 - 694 ) يتحدث مولانا عن امتحان الغيرة ، أو عن امتحانات الله سبحانه وتعالى التي يمتحن بها صدق عبده ، وليس الحق في حاجة إلى امتحان عبده بل يهدف سبحانه وتعالى إلى بيان الزيف من الحق وبيان المخلص من المرائي ، إن الأمر يشبه أن يدعى أحد أنه حائك ماهر فيلقى إليه أحد بأطلس فاخر ليخيط له فراجة . . . ومن هذا الامتحان الصعب يبرز له قرنان أي يصير مضحكة وسخرية للخلق ، وهكذا الله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده أن يكونوا صيدا للمرائين ، وقد يمد للمرائي أو العابد طمعا أو خوفا . . لكن تأتى لحظة الامتحان الأخيرة من حيث لا يدرى أو يحتسب ، هذه هي غيرة الله سبحانه وتعالى على عبيده ، فلو لم يكن الامتحان ، لظهر كل متنفج مدع كذاب مخنث في صورة رستم فالمعمعة هي التي تبديه على حقيقته ، ويهاجم مولانا الادعاء ، كيف يجعل المدعى من نفسه الحسين بن منصور الحلاج لكنه بدلا من أن ينظر إلى القطن في مخزنه فينفصل عنه البذر في التو واللحظة ( تذكرة الأولياء للعطار ص 566 ) يضرم هو النار في أقطان الرفاق .
 
( 695 - 700 ) بالرغم من أن الحديث يدور حول موضوع عام هو المدعين في الطريق ، وسخف قولهم ، وافتضاحهم ، إلا أن مولانا يشير بين الآن والآخر إلى القروي موضوع قصتنا . . . وفي البيت 695 يمكن أن تكون صفة “ يتبرزون في الطريق “ تشير إلى أهل الريف ويمكن أن تشير أيضا إلى من يلوثون الطريق


" 445 "
 
بفعالهم الدنيئة . والبيت ( 700 ) إشارة إلى بهلول وهو عارف مشهور قيل إنه كان في عهد هارون الرشيد ويعتبر استعلامى ( 3 / 253 ) أن إضافة كلمة “ القرية “ هنا لا لزوم لها بل جاءت فحسب للقافية ، والواقع أنها في محلها تماما وأن الإشارة هنا إلى القروي الذي ادعى أمام الحضري أنه عارف “ القرية “ .
 
( 701 - 709 ) يتحدث مولانا عن القرب ، والقرب أنواع ، وليس كل من وجد القرب بالذي يمكن أن يؤثر فيه هذا القرب ، وكثيرون هم الذين ينتفجون بالقرب على أساس أن الصانع قريب من المصنوع ، ونصيب كل من تشرق عليه الشمس منها ليس متساويا ، فهناك غصن غض يقبل إفاضاتها وغصن يابس يزداد تيبسا ، والمدعون كأشجار الصفصاف تشرق عليهم الشمس لكنهم لا يثمرون .
 
( 710 - 720 ) إن السكر الذي يجلب الندم هو السكر بالذات والغرام بها والسكر بهوى النفس ، هو السكر الذي يستطيع صيد الأسود لا صيد الفئران “ في استعلامى 3 / 253 “ هذا البيت بأن القط يصيد الفئران ، لكنه لا يستطيع أن يحلب الأسد ، والواقع أن ترجمة “ شير “ في الفارسية بمعنى لبن وبمعنى أسد لكن الترجمة لا تحتمل غير هذا المعنى ، وهكذا فسره يوسف بن أحمد ( 3 / 112 ) وهكذا ترجمه نيكلسون (III P . / 42) والمقصود بهذه الناحية أي الدنيا وتلك الناحية أي الآخرة والبيت رقم 716 متأثر ببيت لسنائى الغزنوي :
إنك لا تملك القدرة على الاستغناء فلا تهزل بأحاديث الدراويش ولا تملك وجها كوجوه العيارين فلا تقتلع روحك عبثا ( ديوان / 485 ) وفي البيت رقم 720 يشبه كل خيالات المدعين بأنها تشبه من يصنع أنية من
 
“ 446 “
 
الثلج في الشتاء ، أي أنها سوف تذوب عندما تسطع عليها الشمس .
 
( 721 - 731 ) بعد الحديث عن الادعاء ، يضرب مولانا الأمثال ، وحكاية ابن اوى ودن الصباغ من الحكايات الواردة في خرافات العرب ( ماخذ / 92 ) ، أو لعلها صورة أخرى في حكاية تقليد الغراب لمشية الحمامة من الحكايات المشهورة في كليلة ودمنة ، والقفز على المنبر في البيت رقم 728 مقصود به اغتصاب حق وعظ الخلق دون أحقية أو علم ، وفي البيتين ( 730 - 731 ) يعلق مولانا قائلا : إن الإقبال هو الأولياء الحق وليس لكل مدع مراء ، ويترك مولانا الحكاية ليعود إليها في البيت رقم 766 .
 
( 732 - 739 ) لا يزال مولانا ( يركز ) على موضوع الادعاء ، ويسوق حكاية أخرى في هذا المجال ، وإن كان فحواها يدل على أنها سيقت لتبرهن على أن المدعى وإن كان راضيا بمظهره إلا أن باطنه يلعنه ، وأن ضرر الادعاء لا يعود إلا على المدعى نفسه ، والحكاية المذكورة في هذا المجال فيما اتفق عليه الباحثون الإيرانيون من مبتكرات مولانا جلال الدين ، وأنها صارت مثلا ، فعندما يقال مثلا : في إيران تلك الشحمة سرقتها القطة “ فالمقصود أن مجال الاستفادة من شئ ما قد انتهى ( انظر داستانهاى أمثال : أمير قلى أميني 19 - 20 أصفهان 1351 ) وواضح من الحكاية أيضا أنها شائعة في المأثور الشعبي المصري ، وكالعادة يترك مولانا الحكاية ليعود إليها في البيت 474 ( 740 - 746 ) البيت 740 إشارة إلى الآية الكريمةهذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ( المائدة / 119 ) البيت 741 إشارة إلى الآية الكريمةفَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ( هود / 112 ) حتى ولو كان قد فتح عليك بالإفاضات الإلهية فلا تتحدث وذلك خوفا من أن تمتحن ، ويضيف أنه هو نفسه تعرض لمثل


“ 447 “
 
هذه الامتحانات .
 أما الشطرة الثانية في البيت 745 فهي إشارة إلى جزء من الآية 126 من سورة التوبةأَ وَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ.
 
( 747 - 765 ) بلعم بن باعوراء من زهاد بني إسرائيل وكان معاصرا لموسى وبالرغم من أنه أوتى من الآيات والعلم إلا أنه لم يؤمن بموسى وناصبه العداء ، ويضرب به المثل في المأثور الصوفي الفارسي على من يضله الله على علم وتأتى قصته دائما في تفاسير القران الكريم على الآية الكريمةوَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ( سورة الأعراف / 175 ) وفي البيت أيضا إشارة إلى إبليس على أساس أنه كان من أكثر الملائكة عبادة لكنه لم يوفق في الامتحان الأخير عندما طلب منه أن يسجد لآدم ومنعه كبرياؤه من ذلك ، وهذه القصة أيضا تناولها الصوفية من وجهات نظر عديدة أهمها أن على الصوفي ألا يأمن مكر الله فإنه لا يدرى من أين تأتيه الفتنة ولن يكون أكثر علماً من بعلم ابن باعوراء أو أكثر عبادة من عزازيل ، وعلى عكس ذلك أيضاً لا تنظر إلى كافر باحتقار فربما مات مسلما ( كتاب 6 / بيت 2541 )
 
وبقية الأبيات ابتداء من البيت 748 حتى 765 تكمله الرجل الذي كان يدهن شاربه بالإلية وفحوى الحكاية أو الهدف منها يرد في البيت رقم 571 وهو أن التنفج والادعاء يمنعان عنا كرم الإله أو كرم رجال الحق ، فأولى أن يظهر الإنسان حاجته حتى يعطف عليه المولى أو يبعث الشفقة في قلوب قوم يعطفون عليه .
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 778 - 1405 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:36 am

الهوامش والشروح 778 - 1405 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح 778 - 1405 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 778 - 1405 فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح تشبيه فرعون وادعائه الألوهية بابن أوى الذي ادعى الطاووسية 

( 778 - 789 ) لا يكاد مولانا يترك فرصة دون أن يسخر من جبارى الأرض أولئك الذين ينازعون الإله رداء كبريائه ، وكيف يصير هؤلاء فتنة للخلق ولأنفسهم ، وهذا هو “ فرعون “ يرصع لحيته بالجواهر ( أو يرصع بزته بالنياشين والأنواط ) ، ويظن بهذا المظهر أنه أعلى من عيسى عليه السلام ، وما هو إلا ابن اوى سقط في دن المال والجاه ، وسجد له الخلق وصدق ، وهؤلاء الخلق هم الذين يخلقون “ كل فرعون “ في “ كل عصر “ وذلك أنه كما روى عن أفضل الخلق - صلّى اللّه عليه وسلم - “ المال حية والجاه أضر منه “ ( استعلامى 3 / 256 ) فكل المتجبرين المغرورين بالدنيا كأبناء اوى الملونة والطواويس المذكورة - بيت ( 784 وما بعده ) - هم رجال الله ، وهم المحك الذي يفضح أولئك المدعين الذين يرتدون إهاب الأسود وهو كلاب ولا يمكن أن تتواءم صورة الأسد مع أخلاق الكلاب ، وإلا تعرض لامتحان من زئير أسد حقيقي .
 
( 790 - 796 ) يتناول تفسيرا للآية الكريمة التي نزلت في شأن المنافقين - أي الذين تختلف ظواهرهم عن بواطنهموَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ( محمد / 30 ) والسياق مناسب بالطبع فالنفاق والادعاء سيان ، والبيتان 792 ، 793 اقتباس


“ 449 “
 
من قول منسوب للإمام على - كرم الله وجهه - “ كما تعرف أواني الفخار بامتحانها بأصواتها فيعلم الصحيح منها من المكسور كذلك يمتحن الإنسان بمنطقة فيعرف ما عنده “ ( استعلامى 3 / 256 - 257 ) .
 
( 797 - 800 ) قصة الملكين ببابل أي هاروت وماروت من قصص القرآن الكريم التي تستوى مولانا كثيرا وذلك للدروس الكثيرة التي تقدمها في ميدان العرفان والتصوف ، ومولانا نفسه يذكر أنه تحدث مرات عن القصة ( انظر الكتاب الأول الأبيات 539 ، 540 ، 3334 فما بعد 3425 : الكتاب الثاني 2475 ، 2476 ) وانظر أيضا البيت 417 من هذا الكتاب ) وأنه يعود إليها هذه المرة ليقول جزءا من آلاف الأجزاء أو معنى من آلاف المعاني التي تثيرها هذه القصة في وجدانه العرفاني ، أو كأنه ذكر عضوا واحدا من أعضاء الفيل ( انظر الأبيات 1260 فما بعده من هذا الكتاب وتعليقاتها ) والقصة نفسها مذكورة مع اختلافات يسيرة في كل كتب التفاسير ( على الآية 102 من البقرة ) وكتب قصص القرآن ( الثعلبي مثلا قصص الأنبياء 42 - 45 ) ويتناول مولانا القصة من منطلق “ الامتحان “ وكلما ذكر الامتحان في المثنوى ذكر هذين الملكين ، وكيف كانا يعتبر أن الذنب خاصاً بأبناء ادم وبناء على طلب منهما وبإذن من الله نزلا إلى الأرض حتى يثبتا أن الملائكة أبرياء من الذنوب ، ووضع امتحان الحق في طريقهما امرأة جميلة ، وبعد أن زنيا بها تعرضا لعقاب الحق بأن علقا في بئر ببابل .
 
( 801 - 807 ) كانا ملكين مقربين وعلى صلة بالروح المطلقة ، وكأنما كانا يشاهدان الإله ويسكران من هذه المساعدة ، لكن هذا السكر كان استدراجا لهما ، أي من قبيل تلك القدرة الظاهرية التي لا توصل السالك إلى شئ ، وتصيبه بالغرور ، فيأتيه الامتحان ( انظر عن الاستدراج تعليقات البيت 508 من هذا الكتاب ) وفي البيت 802 يتساءل مولانا : إذا كان سكر الاستدراج هكذا فكيف


“ 450 “
 
يكون سكر المعراج حيث قوبل الرسول في حظيرة الحق ؟ والحبة في الشراك المذكورة في البيت 803 هي نفس هذا الاستدراج ومائدة الإنعام هي المعراج أو رؤية الحق . وأية حبوب تستطيع أن تفتقها ، أي ماذا يمكن أن تفعل معنا ؟
بالتأكيد تغيرنا وتبدلنا تماما ، وفي البيت 804 : ناجيان من الوهق أي حران من الحياة النفسانية والمادية ، قبل أن ينزلا إلى الأرض وفي البيت 805 : الامتحان هو امتحان الحق الذي يشبه “ ريح الصرصر “ التي اختطفت قوم عاد ، وما قوم عاد ؟ إنها الريح التي يكون الجبل في مهبها كأنه القشة . . ولم يكن لهما أي حس بهذا الامتحان فقد كانا “ ثملين “ ، وهما في سكرهما كالعاشق . . . الذي لا يرى الخطر أمامه ولا يستطيع أن يدركه .
 
( 808 - 817 ) في هذه الأبيات يشبه حالة هاروت وماروت بحالة الماعز الجبلي وكيف يلقى بنفسه في الخطر عندما يرى أنثاه على جبل اخر وذلك لتشبيه سقوط هاروت وماروت من أجل امرأة . . فالشهوة هي بالفعل التي تعمى العين عن الخطر ، ولعل مولانا في هذا التشبيه متأثر ببيت ورد في أسرار نامه لفريد الدين العطار :
حتام تريد السفاد كالماعز * فسوف يقصم ظهرك في هذا طوعا أو كرها ( ماخذ / 92 ) .
 
( 818 - 827 ) إن رجل قوى كرستم يكون مصرعه الشهوة نفسيا وهوى النفس والبيت التالي يتحدث عن نفسه وربما يقصد العارف عموما ، وهو يعتبر سكر الشهوة أمرا حيوانيا ، ومثاله في الجمل الذي يتحمل الأثقال والعطش والرحلات الطويلة في الصحراء القاحلة لكنه ينوء بكلكله من ثقل الشهوة وسكره بها ، جاء في ( معارف بهاء ولد 2 / 3 ) “ سكر الجمل في كل سنة أربعون يوما في الربيع في حالة قضاء شهوته بالناقة وفي السكر لا يأكل شيئا
 
“ 451 “
 
أربعين يوما “ لكن شتان بين سكر وسكر : سكر الشهوة وسكر الملائكة من مشاهدة الحق ، فسكر المشاهدة يقضى على سكر الشهوة الذي يشبه الماء المالح لا تحس بملوحته إلا إذا جربت الماء العذب ، وخمور السماء أي عنايات الحق تجعلنا في غنى عن أي سكر أو خمر ساق ، ومن ثم فإن الملائكة ورجال الحق ذوى الأرواح الطاهرة ذوو نصيب من هذه الخمر الإلهية بحيث لا يلقون أي بال إلى خمور الدنيا ، وما هي خمور الدنيا ؟ إنها المال والجاه والمقام والمنصب ، أما القانطون والمطرودون من رحمة الله فهم مثل الكفار في القبور “ كما يئس الكفار من أصحاب القبور “ فقد يئسوا من التوبة تماما ، وكانوا كل ما يزرعونه شوكا ، ومتى ينبت الشوك الثمر ؟ وهل ينبت الشوك إلا الشوك ؟
 
( 828 - 839 ) يعود مولانا إلى قصة هاروت وماروت ، لقد أمنا في عصمة الله وثملا بمشاهدة جماله واستبعدا أن يبدر منهما خطأ أو ذنب وعابا وعذلا وتدخلا في ملكوت الله بقولهما ، لو كنا في الأرض لعمرناها بالعدل والعبادة والوفاء ، لكن القضاء الإلهى كان يقول لهما : قفا ، خففا الوطء ، حذار فإن طبيعة الأرض صحراء البلاء ، حذار وامشيا الهوينى ، مفتحى البصر في هذه الأرض التي من طبيعتها قتل الطيبين الأخيار الأطهار ( كربلاء ) ، انظرا إلى الأقوام الذين أهلكهم سيف القهر الإلهى “ فأديم الأرض من هذه الأجساد “ . . . ومن هنا يقول الله تعالىوَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً( الفرقان / 63 ) وفي البيت 835 مزرعة الشوك أي الدنيا ، لكن هاروت وماروت لم يستمعا إلى تحذير القضاء ، فقد كان هناك من الوجد والسكر حجابا على أذانهم ، وهكذا الجميع أغلقوا عيونهم واذانهم ، اللهم إلا رجال الحق الذين تخلصوا من ذواتهم ، وهذا الختم على الأسماع والأبصار لا دواء له ولا علاج إلا العناية الإلهية ، وهذا القهر لا يطفؤه إلا محبة الحق ، ولا جهد هناك يؤدى إلى نتيجة إلا بتوفيق وعناية الحق العالم بالسداد .
 
( 840 - 845 ) القصة التي تبدأ بهذه الأبيات من قصص القران الكريم
 
“ 452 “
 
ويتضمن هذا الكتاب جزءها الرئيسي ، ولا يكاد كتاب من كتب المثنوى الستة يخلو من ذكر لموسى عليه السلام وفرعون عليه العنة الله . . ترى إذا لم يكن مولانا يعتبر الحرب بين الطغيان والإيمان من أهم المبادئ التي يتجلى فيها العرفان ، ويقوى بها السالك ، إذن لماذا أخذت منه القصة كل هذا الاهتمام ؟
( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب السادس ) وقصة موسى وفرعون وردت في سور عديدة من سور القرآن الكريم ، ولا داعى لتكرارها منعا للإطالة . ويرى فروزانفر أن مولانا اعتمد في سرده لأحداث القصة ( معانيها بالطبع ) على تفسير أبى الفتوح الرازي ( ماخذ 93 - 93 ) ويقدم مولانا القصة هنا كنموذج للجهد الذي بلا توفيق ، فكل مساعي فرعون انتهت دونما نتيجة ، فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، والمقصود بليلة الحمل في البيت 845 هو موعد انعقاد النطفة .
 
( 858 - 861 ) يرى استعلامى ( 3 / 259 ) أن هذه الأبيات إشارة من مولانا إلى أحوال المصريين في آسيا الصغرى في عصره ومقارنتها بأحوال بني إسرائيل تحت حكم فرعون وفي تلك الفترة كان هناك صراع بين عز الدين كيكاوس وأخيه ركن الدين قلج أرسلان على حكم قونية ، لعل عز الدين تحالف مع مماليك مصر ومن أجل ضرب هذا التحالف كان قلج أرسلان يقتل المصريين ، وهذا التفسير غير مفهوم فعز الدين وأخوه ركن الدين لم يكونا من المغول ، ولم يصل المغول إلى آسيا الصغرى إبان حياة جلال الدين ، والقصة شبيهة بقصص حكيت عن المغول في التسام ، وربما سمعها جلال الدين من أحد شيوخه الشوام أو أثناء إقامته في الشام .
 
( 865 - 866 ) حتى بين الشحاذين الطماعين الملحاحين قد يوجد رجل حق كما يوجد الجوهر بين حصى البحر .


“ 453 “
 
 
( 879 ) طبقا لكثير من تفاسير القران ومن بينها تفسير أبى الفتوح الرازي :
“ أن الملائكة حملت امرأة عمران إلى زوجها في مقر عمران ، وبعد جماعها حملوها مرة ثانية وأعادوها “ . وطبقا لرواية قصص الأنبياء للثعلبي أن النساء فكرن بأن فرعون لن يعود إلى الميدان ، وأسرعت كل منهن إلى زوجها وعلى باب البلاط وجدت امرأة عمران زوجها .
 
( 901 ) طبقا لمعتقد في المأثور الإسلامي أن كل نبي كان يولد إلا ولدت نجمة حمراء له في السماء ( انظر ماخذ ص 94 ) كما قال جلبنارلى ( ثالث / 123 ) أنها وردت في إنجيل متى .
 
( 952 ) طبقا لتفسير أبى الفتوح الرازي ، “ ألقت بالطفل في التنور ، وسدت باب التنور وهربت تاركة البيت “ ( ماخذ ص 94 ) .
 
( 959 - 960 ) البيتان ترجمة تقريبية للآية 7 من سورة القصص :فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.
 
( 963 - 968 ) “ الأعمى حاد البصر “ أي الأعمى الذي لا يرى ما تحت قدميه ومع ذلك يمد بصره طامحا إلى رؤية الأشياء البعيدة ، وهكذا كل إنسان من الحرص والطمع قد يغمض العين عما في يده ويمد بصره إلى ما بعد عنه ، مثل فرعون يقتل أطفال الناس حيثما وجدهم ، و “ موسى “ وهو الهدف في صدر منزله لكن الله أعماه عن رؤيته ليتم أمره - وهذا هو الجهد بلا توفيق ، كان مكر فرعون كالأفاعى ، لكن موسى كان أكثر قوة منه ، وكانت أفعاه أقوى من أفعى مكر فرعون . . . وفي البيت 967 يد فوق يد مثلما نقول نحن : أبدان مسلطة على أبدان ، بمعنى أن كل من في هذا الكون مسلطون بعضهم على البعض ، فالقوى يقضى على الضعيف ثم هو أقوى منه فيقضى عليه ، وهكذا
 
“ 454 “
 
حتى نصل إلى الله سبحانه وتعالى . . . فإليه المنتهى . . . فهو البحر الذي لا نهاية له . . . وكل البحار أمامه كأنهار كونها مجرى السيل .
 
( 971 - 975 ) يعلق مولانا على قوى الشر الكامنة في البشر ، فهو عندما يتحدث عن فرعون موجود ، إنما يتحدث عن القوى الفرعونية الكامنة في كل إنسان إن كل ما هو موجود في فرعون موجود فيك ، لكن فرعون وجد الوسيلة ، ولو وجدت أنت الوسيلة لصرت أشد فرعونية من فرعون ، فالأفاعى الفرعونية والرغبات الكامنة وقوى الشر والتدمير هي في بئر من الضعف وانعدام الوسيلة ونار الفرعونية موجودة في كل إنسان لكنها لا تجد الحطب ولو وجدت الحطب لأصبحت مثل نار الفرعون ، ولا يرى مولانا أنه لابد أن ينبه إلى هذه الحقيقة ، إنه يتحدث عن فرعون ، لأن السالك سوف يخاف أن يتحدث إليه عن فرعونية مباشرة ، كما أنه لن يتركه بلا تنبيه حتى لا يظن أن ما يحدثه عنه مجرد حكاية أو أسطورة لا يوجد مثيلها داخل النفس المهلكة الموجودة عند كل إنسان .
 
( 976 - 977 ) إن “ أفعى “ فرعون أو نفس فرعون التي تشبه الأفاعي تجعل مولانا يستحضر حكاية جديدة وهي حكاية الصياد والأفعى المتجمدة وبالرغم من أن فروزانفر لا يذكر الحكاية في كتابه عن مصادر حكايات المثنوى ، يصل استعلامى إلى أن أصل الحكاية من حكايات العرب ، كما يذكر حكاية وردت في مرزبان نامه لسعد الدين الوراوينى عن فلاح صادق حية ، وذات يوم من أيام الشتاء يجدها متجمدة فيضعها في مزود الحمار حتى تدفئها أنفاس حماره ، وعندما تعود الحية إلى وعيها تلدغ الحمار وتعود إلى جحرها ( استعلامى 3 - 263 - مرزبان نامه - تأليف مرزبان بن رستم بن شروان - وأعاد صياغتها سعد الدين الوراوينى ص 36 - ص 37 من طبعة طهران أوفست عن طبعة بريل بلندن ) والواضح أن الحية المتجمدة ترمز هنا إلى النفس الإنسانية إن وجدت القدرة انقلبت إلى عدو ذي خطر ، ويبدأ مولانا القصة ببيتين ثم يتركها حتى البيت رقم 995 ) .
 
“ 455 “
 
( 978 - 994 ) يترك مولانا قصة صائد الحيات ، ويتحدث “ عن الطلب “ أي دور الطلب عند سالك طريق الحق ، والطلب إما أن تكون بإرشاد مرشد أو شيخ ، وإما أن يكون بإرادة الحق وعنايته ، والطلب مقبول بأية طريقة كانت ، “ وبلا أدب “ أي بلا أي نوع من رعاية الشكليات ، والشم : أي الجهد في معرفة طريق الحق عن طريق اثاره ومظاهره ، والنموذج الحقيقي للطلب طلب يعقوب ليوسف عليهما السلام ، فلا يأس ولا قعود مصداقا للآية الكريمةيا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ( يوسف / 87 ) ، وإذا كان هذا هو حال نبي من أنبياء الله فأولى بالسالك والمريد ألا يقعد عن البحث ، وعليه أن يوظف كل قواه في هذا الطلب : السؤال أو السمع أو إدراك اثار الحق .
والرائحة الطيبة هي اثار وجود الحق أو عناية الحق التي تمدها القلوب الواعية ، وإذا ظفرت بأحد عنده هذه الرائحة وفيه أثر من اثار اللطف الإلهى فالزمه وخذه دليلا فإن هذا الجزء يدل على الكل . . . وكل ما في الكون من حسن يدل على وجود هذا الحسن الكلى ، وكل امرئ لديه منه بقدر استعداده وبقدر طلبه ، والمطلوب جدير بهذا الطلب والجهد ، أليست حروب الخلق كلها من أجل الوصول إلى الحسن ؟ وأليس السلام في حاجة إلى حرب ؟ وألا يتعب المرء من أجل أن يصل إلى الراحة ، فما بالك بمنبع الحسن ومنبع السلام ومنبع الراحة ، ألا يستحق دأبا في الطلب ومواصله له ؟ وحتى مظاهر الحياة المادية وصراعات الحياة اليومية ، وتلك الهموم الصغيرة التي تشغل الإنسان هي في الحقيقة سعى إلى الله وسير إليه فالمجاز قنطرة الحقيقة . . . فحتى صياد الحيات يبحث عن الحية من أجل أن تعينه على الحياة ، غائبا عن حقيقة الأمر وهي أنه يطلب العون ممن لا عون منه ، ويقلق من أجل فارغ من الهم .
 
( 995 - 1002 ) يعود إلى قصة صائد الحياة وتكرار المعنى لإبداء الدهشة والتعجب ، وسبب الدهشة هو عجب ذلك الصياد من منظر الحية ، فكيف يعجب
 
“ 456 “
 
الإنسان ويفتن وهو جبل تعيش فيه الحيات والأفاعي إلى جوار آلاف العوالم ، كيف يتعجب ذلك “ العالم الأكبر “ من حية ؟ يقول يوسف بن أحمد “ الإنسان في حد ذاته جبل عظيم ، معدن أنواع الصفات ومنبت أصناف الأعمال والأفعال ومسكن جميع الوحوش والطيور والهوام ومع كل هذه العظمة لأي شئ يكون مفتونا .لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍوهو لا يعرف قدره وفي المعاصي يصرف وقته ( مولوى 3 - 150 ) فأصل الوجود الإنسانى هو الوجود المطلق . إن الكون حائر في الإنسان ومع ذلك فالإنسان قد يحط من قدر نفسه ويحار في جزء تافه وحقير من هذا الكون فكيف ؟ لأن الجانب الضعيف فيه هو الذي يوجهه ، وإذا لم يكن صائد الحيات واقعا تحت سيطرة النفس وهي أفعى ، فكيف كان له أن يسعى في أثر الحيات ؟
 
( 1008 - 1012 ) كما أن الحية متجمدة ميتة في الظاهر ، يقول مولانا : إن عالم التراب هذا ميت في الظاهر وكل “ جامد “ يبدو بلا حركة ، لكن عندما تسطع عليه شمس الحشر ، ويشاء الله أن تبعث الروح في التراب ، سوف نرى ، سواء في الدنيا أو في الآخرة - عالم الجماد وهو يضج بالحياة ، والدليل : عصا موسى التي تخبرنا كيف تحيا الجمادات ، وكل الجمادات إذن في نظرنا ميتة ، لكنها في علاقتها بعالم الغيب ذات حياة وهي تتحدث مع ذلك العالم ، قال الشيخ نجم الدين كبرى - أستاذ بهاء ولد والد جلال الدين “ إن الله تعالى أثبت أن لكل ذرة من ذرات الموجودات ملكوتا لقولهفَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍوالملكوت باطن الكون وهو الآخرة ، والآخرة حيوان لا جماد لقوله تعالى :وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ” منهج 3 / 151 “ وقال الإمام أبو محمد البغوي في معالم التنزيل : إن الله علما في الجمادات والنباتات وسائر الحيوانات لا يقف عليه غيره تعالى فلها صلاة وتسبيح وخشية ( أنقروى 3 / 161 ) .
 
“ 457 “
 
( 1013 - 1019 ) يواصل مولانا قضية أن للجمادات حياة بأمره تعالى ، وهذا شديد الوضوح بالنسبة للأنبياء ، فعصا موسى تنقلب إلى حية ، وتغنى الجبال مع داودوَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ( الأنبياء / 79 )وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ( سبأ / 10 ) ، ووَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ،فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ( الشعراء / 63 )اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ( القمر / 1 )قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ( الأنبياء 69 ) ( ويبتلع التراب قارون بدعوة من موسى ) ( القصص / 79 وما بعدها ) ، ويئن الجذع ويتوجع شوقا إلى محمد صلّى اللّه عليه وسلم - عندما يتركه ليقف على منبر . . . ويقول - صلّى اللّه عليه وسلم - : إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علىّ ، وعندما هرب يحيى عليه الصلاة والسلام من اليهود قال له جبل : “ أهرب إلىَّ حتى أضعك في جوفي “ ، ويعترف الحصى في يد أبى جهل بنبوة محمد - صلّى اللّه عليه وسلم - ، وعن علي - كرم الله وجهه - : كنا بمكة مع النبي عليه السلام - فخرج إلى بعض نواحيها فما استقبله حجر ولا شجرة إلا قال : السلام عليك يا رسول الله . ( الأنقروى 3 / 167 ) .
 
( 1020 - 1028 ) يواصل مولانا مناقشة المنكرين لتسبيح الجماد الذين يريدون إدراك أسرار عالم المعنى متوسلين بالمعايير المادية وموازين الدنيا ، فهم إنما يسيرون إلى جماد أي أنهم في حدود هذا العالم يسيرون ، “ وروح الجماد “ أي علاقة الجماد بعالم المعنى وبعالم الحق ، ولو توجهوا إلى عالم الروح لوجدوا كل أجزاء العالم في ضجيج من التسبيح ، لكنهم بدلا من هذا يلجأون إلى “ التأويل “ ، إنهم لا يستطيعون إنكار القرآن الذي يعترف صراحة بأن ما من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا يفقهون تسبيحهم فيلجئون إلى التأويل ، ولو سمعوا
 
“ 458 “
 
 
بإذن الروح تسبيح الجماد لما لجأوا إلى التأويل ، لكن هذا الأمر لا يتم إلا بنور الحق . ويشرح مولانا عقيدة المعتزلة : الذين يرون أن تسبيح الجماد مقصود به أنه يدفع الإنسان إلى التسبيح تسبح بلسان الحال إن المرء ليعتبر من عالم الجماد فيسبح ، وليس هذا في نظر مولانا إلا لأنهم ينظرون بنظر الحس .
( 1051 ) المقصود الحجاج بن يوسف الثقفي والى بنى أمية المشهور ويضرب به المثل في المأثور الإسلامي في سفك الدماء .
 
( 1053 - 1066 ) تنتهى قصة صياد الحيات ويبدأ مولانا في الحديث عن الدروس المستفادة من القصة . إياك أن تظن أن نفسك التي بين جنبيك قد ماتت ، إنها “ تجمدت “ فحسب لأنها لم تجد الوسيلة ، إن فرعون مع كل جبروته وعظمته لو كان قد وجد الوسيلة ، لما جعل ماء النيل يجرى إلا بأمره ، ( وردت في حديقة سنائى 1440 - 1446 ) ولبلغ بعتوه هذا المبلغ وقد جاء في كتاب شرح التعرف أن فرعون وصل إلى هذه المرتبة استدراجا من الإله وقال : جاء في الخبر أن الله تعالى حبس النيل عن أهل مصر ، فخرج فرعون منفردا عن قومه وسجد لله وتضرع إليه واعترف على نفسه بالكذب في دعواه الربوبية وسأل له أن يجرى النيل بأمره ، فاستجاب له الله استدراجا وامتحانا فصار الماء يجرى معه فإذا وقف فرسه وقف الماء ، وإذا أمر بجريه جرى الماء ( أنقروى 3 / 172 ) أي أن طغيان النفس لا حدود له . فعليك ألا تعطيها القوة ، لأنها بهذا تنجو هي وتنجو أنت ، وهذا مصداق لقوله عليه الصلاة والسلام : “ إذا أحب الله أحدا حماه الدنيا كما يحمى أحدكم سقيمه عن الماء ( جامع 1 / 16 ) وقال على رضي الله عنه :في طلب البسطة لا تجتهد * إن من العصمة ألا تجد( إنقروى 3 / 172 )
 
“ 459 “
 
وكما تشبه النفس بالأفعى ، فإن “ شمس العراق “ هي الشهوة ، إنها تجعل هذا الخفاش الضعيف صقرا ، وما الحل إذن : جهاد النفس مجاهدة الرجال ، وهذا هو الجهاد الأكبر ، فمن المستحيل إذن أن تنتصر في هذه المعرفة دون تضحيات ودون أن تتعرض للأذى ، فهذه هي المعركة الكبرى ، فإذا انتصرت على أعدى أعدائك أي نفسك التي بين جنبيك سهل عليك بعدها القضاء على معظم الأعداء ، هنا تكون الحية طوع بنانك ، كما كانت مع موسى بالرغم من كل ما دبره فرعون ، وهذا من رأى موسى وقوته ، ونور الله الذي يمشى به .
 
( 1067 - 1095 ) منطق الطغيان ، ففرعون الذي استذل الناس واستبعدهم وأضلهم وادعى الألوهية ، ينقلب فجأة إلى حبيب الشعب “ يلوم موسى رسول الله إلى الناس لإنقاذهم من استبعادهم وكفرهم وحياتهم البائسة التي تفضلها حياة الحيوانات ، ويبلغ منطق الطغيان و “ استحمار “ الخلق مداه عندما ينذر فرعون موسى بأنه لن يتبعه سوى “ ظله “ وأن نهايته سوف تكون على أيدي “ الناس “ والذين يسميهم فرعون “ الغوغاء “ ، وهذا هو كل فرعون في كل عصر ، ويستمر المنطق الفرعونى الذي يرى أن الخلق قد اختاروه ( بنسبة 99 % لا جدال ) ، وأن “ موسى “ وحده هو الذي يقف ضده ، فهل من المعقول أن يكون موسى أعقل من كل هذا الإجماع “ الذي لم يسبق له مثيل “ ! وهكذا يرى مولانا أن “ الطغيان “ هو من أهم أمراض “ النفس “ بل أخطرها ، لأن صاحب “ النفس المريضة “ يدمر نفسه فحسب ويبعدها عن الحق ، ويرضى لها بالظلمة ، لكن الطاغية لا يرضيه إلا أن يكفر الناس جميعهم ، وهكذا فتنة الطغيان ، تلك التي لا يحطمها إلا ثبات الإيمان الذي يبديه موسى في هذا الحوار وهو وحيد في مواجهة فرعون إلا من تأييد الله سبحانه وتعالى ، ويطلب فرعون المهلة ، لا ليدبر هو ، فهو عاجز عن التدبير عجزه عن الكلام ، يملؤه الرعب من هذا الفرد وعصاه ،
 
“ 460 “
 
 
لكن ليجمع السحرة ، وهذه نقطة أخرى جديرة بالتوقف : ففراعين العصر أيضا لا تدير شيئا ولا تستطيع ، لكنها تجمع “ السحرة “ من خبراء الإعلام وكتاب الخطب ، والمنادين “ بعزة فرعون “ دون عزة الله تعالى .
 
( 1101 - 1107 ) “ فهرب فرعون ، وكان أعرج ، فأخذت الحية ذيل ثيابه ، ورمته خلف السرير ، فجعل يقول يا موسى بحق أسية خلصني من هذه الحية فلما سمع موسى بذكر آسية صاح بالحية فأقبلت نحوه كالكلب الذي يكون لصاحبه متعاقبا فأدخل موسى يده في فمها فإذا هي عصا كما كانت “ ماخذ / 95 عن قصص الأنبياء للثعلبي 154 وغيره ) .
 
( 1108 - 1117 ) يتحدث مولانا عن الغشاوة التي يضعها الله على العين وذلك على لسان موسى ، فتلك المعجزة التي يحملها في يمينه كانت كفيلة بالإقناع لولا أن ختم الله على القلوب ، إن الحقيقة واضحة كشمس الضحى ، لكن الله سبحانه وتعالىخَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ( البقرة / 7 ) وكم من الغشاوات توجد على العين : من الكفر والطغيان والانبهار بعزة فرعون وقوة “ الحضارة “ ( ! ! ) وهكذا يتساءل موسى :
لماذا لا يحنى الطاغية جبهته أمام المعجزة ؟ لماذا لا يسلم ويصر على الكفر ؟
ويجيب مولانا : إن هذه النفس وما تحمل من أفكار ومعتقدات ووساوس وما تراه أمامها من مغريات هو الذي يحجب أصحابها عن تقبل المعجزة رغم بساطتها ، إنما يتقبلها أولئك النائمون الأيقاظ الذين يغمضون أعينهم عن المغريات والأوهام والأفكار المسبقة ، لكن عيونهم متفتحة على الجانب الآخر ، فهم على علاقة مباشرة بالحق ، قلوبهم صفحات بيضاء لم يخط عليها خط واحد من خطوط الدنيا ، ومن ثم فعندما ينام فكر النفس وفكر الذات يكون حلق الروح مفتوحا لكي يتقبل الحقائق كما هي ، والسبيل إلى فتح هذا الحلق هو “ الحيرة “ تلك الحيرة التابعة من التدبير في حقائق الكون ، ليس الفضل أو العلم بصالح هنا ،
 
“ 461 “
 
الحيرة إذن هي التي تبتلع الفكر والذكر وتفتح الطريق أمام الإيمان الذي لا يشوبه تساؤل منه فكر مستيقظ أو علم مكتسب يسد الطريق إلى الله ، ولذلك قال الصوفية “ اللهم زدني فيك تحيرا “ ولم يقولوا “ اللهم زدنا من علوم الدنيا “ وأنشد الشبلي :” قد تحيرت فيك خذ بيدي * يا دليلا لمن تحير فيكا “وأنشد النوري : “ يا من أشاهده عندي وأحسبه منى قريبا وقد عزت مطالبه “ والمعنى : إنك لست في مكان حتى أطلبك في هذا المكان ولا في زمان حتى أنتظرك في هذا الزمان ولست بمعلول حتى أبحث عن العلة ، ولذلك فأنا قانط من الحصول عليك لكني بحكم المشاهدة أظن أنني وجدت ولست أمنا بهذا القدر من المشاهدة ، فهي ليست الحصول بذاته والمشاهد على خطر ( شرح التعرف 3 / 169 ) . وأولئك الذين يبدون هنا في مقدمة البشر بعلمهم في الحقيقة متأخرون عندما تنقلب المسيرة .
 
( 1118 - 1125 ) إن هذا القطيع من أبناء ادم في رجعة صوب الحق ، والماعز التي تكون مقدمة في القطيع ، تكون في نهاية القطيع عند العودة ، فهذا واضح جدا عندما يعود القطيع من وروده للماء ، فالماعز المتقدمة تكون في المؤخرة بينما يتقدم ذلك الماعز الأعرج “ الإنسان الذي ترك الأسباب والوسائل وظهر عليه الضعف بحيث سبقه كل القطيع من البشر “ في طريق العودة فهو في اخر الصفوف ، ومن هنا فالعابسون هنا يضحكون عند الرجعة ، عندما تنعدم المقاييس إلا من مقياس واحد هو قرب الحق ، وهكذا مثلهم تماما أولئك الدراويش الفقراء المسلمون لله تعالى الخالون من كل علم إلا علم الحق ، إنهم هم الذين باعوا فخر هذه الدنيا ، واشتروا عارها ، لكن بالرغم من أقدامهم المحطمة فهم يذهبون إلى الحج أسرع من غيرهم ( جامى : نفحات الأنس ص 136 - 137 ) “ ربما يكون المقصود مجازا وربما إشارة إلى الحكاية الواردة


 
“ 462 “
 
 
في سيرة ابن خفيف الشيرازي : يفعل بالضعيف حتى يتعجب القوى ، ( ص 136 - ص 137 ) فهذا الفريق من الدراويش غسل القلوب من “ هذه العلوم “ أي علوم الدنيا وظاهرها وزخرفها ، أما المعرفة التي تبقى لهم فهي المعرفة القادمة من تلك الناحية أي المعرفة اللدنية من الملأ الأعلى ، هو “ العلم اللدني “ ( وعلمناه من لدنا علما ) ( الكهف 65 ) .
 
( 1126 - 1135 ) العلم الذي ينبغي أن يمحى من الصدر ، علوم هذه الدنيا ، ومن ثم فاختر الاستسلام والضعف ، كن محطم القدم حتى تصل سريعا ، لا تكن كثير الوسيلة والفيهقة والجدل فكلها حجب في طريق الله تعالى ، كن من الآخرين السابقين أي من أمة محمد الحقيقية تلك التي قال فيها الرسول - صلّى اللّه عليه وسلم - :
“ نحن الآخرون السابقون “ أي المتأخرون عن الأمم السابقون لها بالعز والشرف ، كن كالفاكهة من الشجرة ، هي اخر ما يظهر في الشجرة لكنها هي المقصودة بخلقة الشجرة اخر الأمر ، اعترف بالضعف كالملائكة الذين قالوا “ سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا “ ، إن أحمد كان أميا ، لكنه طار بنور الحب ، إن لم تدع العلم هنا أودع الله لك العلم في قلبك ، وما ذا في هذا ؟ قد تفقد بعض الشهرة هنا ، قد لا تكون معروفا بين الناس لكنك لست بالقليل عند الله سبحانه وتعالى ، “ فبحسب امرئ من الشر أن يشار إليه بالأصابع إلا من عصمه الله في دنيا أو اخرة “ و “ رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره “ ( أنقروى 3 / 185 ) ، والخرابات المهجورة هي موضع الكنوز ، ومن ثم فالعلم الإلهى في صدور هؤلاء المهجورين من الخلق . ويدرك مولانا أن في هذا الكلام كثيرا من الشبه : كيف يهاجم مولانا “ العلم “ وكيف يمكن أن نتقبل نحن هذا في “ عصر العلوم “ ؟ لكن مولانا يرى أن الدابة القوية تحطم العقال والقلوب العامرة تحطم الشبه وتقضى عليها ولا تسرع في أثر “ الزيغ “ ، فالطريق الذي يتحدث عنه مولانا هنا هو طريق خاصة الخاصة وواضح أنه يتحدث عن “ الطريق
 
“ 463 “
 
إلى الله “ ليس الطريق إلى “ الحضارة العظمى “ وإلا فإن تبجيل “ العلم والعمل “ منتشر على طول المثنوى وعرضه .
 
( 1136 - 1147 ) إن العشق . . . عشق الحق تعالى يمحو كل هذه الشبه ، إنه كنوز النهار يمحو كل خيال ، فإذا كان السؤال قد جاءك من الحق فاطلب جواب سؤالك من الحق ، إذا كان السؤال قد نبع من قلبك ، فاطلب من الحق أن يضع جوابه في قلبك أيضا ، فإن لم يكن قلبك محدودا بزوايا ، فهو طريق واسع شاسع ممتد مباشرة إلى الحق ، تنيره شعلة إلهية من قمر لا هو بالشرقى ولا بالغربى ولا تتردد إذا كنت تعرف طريقك ، فالشحاذ هو الذي يتردد ، فإذا كنت أنت جبل المعنى ، فكيف تريد جواب المسائل المعتقدة المعنوية من الدنيا وأسبابها ( الصدى ) ؟ ضع أذنك على داخلك وانصت حتى تستمع إلى حديث الحق ، تذكر عندما تكون متألما . فأنت لا تعرف سوى جهة واحدة تتجه إليها رافعا أكف الضراعة وأنت راكع . فكيف إذن عندما يمضى الألم تقول : أين الطريق ؟ لما ذا لم تعكف على من أزال عنك الألم ؟ إنه هو القادر أيضا على شفاء شبه العقل ؟ إنك بعدها تقول إن لديك عقلا ، لكن متى كان هذا العقل على وتيرة واحدة ؟ لكن العقل الكلى العقل الباحث عن الله امن من ريب المنون ، فعقل الدنيا جدير بعلوم الدنيا ، وأفضل منه الحيرة ( انظر تعليقات 1117 ) ، وتقبل “ الذل “ في طريق الحق ، ودعك من الدنيا وزخرفها وزينتها . ( بخارا حيث مركز العلم الظاهري ) .
 
( 1147 - 1156 ) إنه يتعجب ، ما هذا ؟ لقد جرفنا الحديث وتركنا موضوعنا الأصلي “ السبزواري : هذه ليست حكاية : إنها شهود ففي الحديث :
( اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) “ ص 203 “ ( موضوعه الأصلي هو هذه الأحاديث بالفعل ، وليس الحكايات ) ، على كل فليست هذه الحكايات إلا تجل لشخصيتنا وأفكارنا إنني
 
“ 464 “
 
أنمحى عن ذاتي ، وأنغمس في أنينى وحنينى حتى أجد التقلب في الساجدين ( الشعراء / 219 ) ، أي حتى أحسب من بين عباد الحق ، ومن ثم فإن ما تقوله يعد من قبيل الحكايات ، إنه صورة لأنفسنا وما يدور فيها من أفكار وطموحات إلى الملإ الأعلى ، إن الذي لا يقبلها كحكاية هو من يكون في هذا العمل ، إنها وصف لحالة وحضور لرجال الحق وهم الأصدقاء الأعزاء ، قالوا : إن القران هو أساطير الأولين ، إنما قالوا هذا من نفاقهم ، إن هي إلا وصف لأحوالنا نحن وما نحن فيه ، وفي عالم المعنى لامكان ولا زمان ، أما الماضي والحاضر والمستقبل فهي كلها أمور فينا نحن وخاصة بنا ، إن ما أقوله عن عالم المعنى هو مجرد مثال ، وإلا فكيف تستطيع ألفاظنا أن تصف هذا العالم ؟ إن الله تعالى قد ضرب المثل لنوره بمشكاة فيها مصباح . وما المناسبة بين هذا النور ونور المشكاة ؟
( منهج 3 / 171 - 172 ) وفي شعر أبى تمام :لا تنكروا ضربي له من دونه * مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراس( ديوان ص 153 ط - دار صعب . . . بيروت ) وليس بحر الحق بالجدول الذي له شاطئ بحيث تملأ قربتك منه وتمضى ، ينبغي أن تمخر فيه لا أن تبحث عن الشاطئ أو الساحل .
 
( 1157 - 1197 ) المقصود بالأبيات أن الساحرين كانا مبتكرين في سحرها ولم يكونا مقلدين ، وهما في رواية من أهل مصر وفي رواية أخرى من أهل نينوا ، لقد تنازع الدهشة والإعجاب قلبيهما ، لأنهما أعجبا بموسى وهارون كساحرين مثلهما ، والمقصود بعرق الجنس هنا أي المنافسة في العمل بين أهل المهنة الواحدة ، وفي البيت 1174 يتحدث مولانا عن حال المراقبة عند الصوفية عندما يضعون رؤوسهم على ركبهم في تفكر لكشف أسرار الحق ( انظر : ج 2
 
“ 465 “
 
تعليقات البيت 158 ) وفي الأبيات التالية ما جاء عن سلوك الساحرين وزيارتيهما لقبر أبيهما ونصيحة أبيهما ومحاولتهما سرقة العصا . . . إلى اخره هو مطابق لما ورد في تفسير أبى الفتوح الرازي ( انظر الرواية في ماخذ / 93 - 94 ) .
 
( 1198 - 1215 ) القران بالنسبة لمحمد - صلّى اللّه عليه وسلم - هو كالعصا بالنسبة لموسى عليه السلام ، هو معجزته والمعجزة لا تبلى على مر الزمن ، والذي أنزلها وعد بحفظها ،إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ( الحجر / 9 ) والمقصود الحفظ من التحريف والتعدي والفهم الموجه والتأويل ، ويفسر استعلامى “ رافض للطاعنين في حديثك “ على أن المقصود هنا بالحديث هو القران ( 3 / 272 ) ، والواقع أن هذا تزيد ، فالقران ليس حديث الرسول وإنما هو حديث الله سبحانه وتعالى ، والمقصود بالحديث هنا أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام كجزء لا غنى عنه من مصادر الدين ومصادر التشريع ، ويركز مولانا كثيرا على هذا المعنى ، وكأنه كان يستشرف أنه كما طعن كثير من المغرضين في الأحاديث النبوية الشريفة ، سوف يأتي زمان يحاول فيه بعض من ينتسبون إلى الإسلام بالاسم أن يخرجوا الأحاديث النبوية من الشريعة الإسلامية على أساس أن بعضها مشكوك فيه وما دام بعضها مشكوك فيه فإنه من الممكن أن ينصرف هذا الشك إلى الكل . وهذا مجرد نموذج كما يمكن أن يؤدى إليه تطبيق مناهج الشك الحديثة على موضوعات قديمة ، والمقصود بكل هذا الجزء عند مولانا أنه كما أن الساحرين لم يستطيعا مع كل براعتهما أن يحصلا على عصا موسى أثناء نومه ، فإن أحدا من سحرة المقال والمنهج العلمي لن يستطيع أن ينال من القرآن مهما أوتى من قوة ومن “ فلسفة “ فإن النور المحمدي كالسهم سوف يصمى فاه .
 
( 1216 - 1228 ) عودة إلى قصة موسى عليه السلام ومحاولة الساحرين سرقة العصا ، إن وصف مولانا لنومة سيدنا موسى عليه السلام خارج المدينة
 
“ 466 “
 
في النخيل مستوحى من وصف كتب السيرة والتاريخ لنومة سيدنا عمر - رضي الله عنه - عند مجىء رسول الروم . إن هذا النائم كان هو الوحيد اليقظ في عالمه ، لقد أغلق عين الرأس لكن عين القلب كانت تستشرف الأكوان ، وهكذا فعندما تنغلق عيون الماء والطين “ الجسد “ فإن عين البصيرة تنفتح على كل الأكوان ، وما إغماض العين إلى جوار يقظة القلب ، أليس الرسول الكريم هو الذي قال : “ عيناي تنامان ولا ينام قلبي “ ( منهج 3 / 180 ) وإذا كان الملك “ القلب “ يقظا . . . بماذا يضر نوم الحارس ( عين الجسد ) ؟
 
( 1252 - 1259 ) يترك مولانا قصة سيدنا موسى دون عودة ويدخل في النتيجة المستفادة من سردة للقصة : والواقع أن مولانا كان يقتبس من قصص الأنبياء والأولياء ما يصلح للتعبير عن أفكار عنت له عند إملاء المثنوى ، وواضح من قصة سيدنا موسى هنا أو الجزء المنقول منها أنها تعبر عن موقفين : الجهد الذي لم ير توفيقا من الله سبحانه وتعالى وكيف لا يؤدى إلى نتيجة مهما كان المدبر أو المجتهد ومهما كان حوله وطوله ومهما كان عدد خيله ورجله ومهما ركض وسعى ، فالله غالب على أمره في النهاية . وفكرة أخرى منبثقة عنها وهي أن أقل جهد مبذول بنور الله يستطيع أن يقضى على كل هذه الجهود وأن معجزة واحدة إلهية تستطيع أن تبتلع سحر العالم بأجمعه ، ويخلص مولانا إلى أن كلا منا في داخله موسى وفرعون ، وعلى كل منا أن يتبع موسى وفرعون في داخله . هما موجودان حتى القيامة ، ويتغير السراج ولكن لا يتغير النور فالنور واحد ، وأما أن تكون من رجال الحق وترى هذا النور أو تتغلب عليك تلك النفس الفرعونية وتقضى عليك ، والنور هو الواحد ، وهو الذي ينجى من الضلال ، لكن الأعداد والثنوية والاختلاف بين الأديان تأتى من اختلاف وجهات النظر وإن كان الكل يسيرون في أثر حقيقة واحدة . ومن تعليق يوسف بن أحمد ( فموسى وفرعون نقد حالك . . . موجود فيك ، اللائق أن تطلب هذين الخصمين في نفسك
 
“ 467 “
 
لأنهما حسب حالك ، وتعلم أن المراد من موسى الروح الإنسانى ومن هارون عقل المعاد ، ومن العصا القران أو العرفان والإيقان والخواطر الرحمانية التي يعبرون عنها بالوحي الإلهامى ، ومن اليد البيضاء نور التوحيد ومن فرعون النفس الأمارة ومن هامان عقل المعاش والوساوس الشيطانية ومن السحرة الفسق والعصيان وأعوان النفس من الهوى والشهوة وغيرها ، وهذه كلها في الأنفس ما دام سالك طريق أهل الله يصادق فرعون نفسه ، ويخاصم روح بدنه وعقل معاده لا يقدر على الوصول لربه ، وإن أردت الحصة من الآفاق تعلم أن المراد من موسى الدال على الباقيات الصالحات من الوعاظ ومن هارون الذي يعاون الناس على الصلاح ، ومن العصا القران لزجر الفساق ، ومن فرعون أصحاب العصيان ومن هامان إخوان الشياطين أصحاب الخذلان ومن السحرة أهل الدنيا الذين يزينون للناس العصيان والشهوات ( منهج 3 / 183 ) .
 
( 1260 ) الحكاية التي تبدأ بهذه الأبيات وردت قبل مولانا جلال الدين في مقامات أبى حيان التوحيد وأحياء علوم الدين وكيمياى سعادت للغزالي ، كما وردت في حديقة الحقيقة لسنائى باختلافات جزئية ، فمولانا هنا جعل الفيل في حجرة مظلمة بينما جعلته الروايات الأخرى ظاهرا للملأ لكن الناس كانوا عميانا وواضح من بعض التفصيلات أن مولانا كان - مع ذلك - ناظرا إلى رواية سنائى :
“ كانت هناك مدينة كبيرة في حدود الغور ، وكان كل أهل هذه المدينة عميانا - ومر ملك بهذه المدينة ، أحضر العسكر وضرب الخيام - وكان له فيل كبير ذو هيبة ، اتخذه من أجل الجاه والحشمة والصولة - فرغب الناس في رؤية الفيل ، وذلك من كثرة ما سمعوا عنه من تهويل - وتقدمت مجموعة من هؤلاء العميان إلى الفيل ، ولكي يعلموا شكل الفيل وهيئته ، أسرع كل واحد منهم إليه متعجلا ، فتقدموا إليه وأخذوا يلمسونه بأيديهم ذلك أنهم جميعا كانوا فاقدى البصر


“ 468 “
 
فلمس كل واحد منهم عضوا ، واطلع على جزء منه - وتعلق كل منهم بصور مستحيلة ، وربط روحه وقلبه وراء خيال - وحينما عادوا إلى أهل المدينة ، تجمع العميان الآخرون حولهم - وكان كل واحد من هؤلاء الضالين سيىء العقيدة راغبا ومتشوقا - فسألوا عن صورة الفيل وشكله ، وسمعوا جميعا ما قالوه ، فذلك الذي وقعت يده على الأذن ، سأله الآخر عن شكل الفيل فقال : شكل مهول وعظيم عريض وسميك ومتسع كالكليم - وذلك الذي وقعت يده على الخرطوم قال : لقد صار شكله معلوما لدى - فهو كالأنبوية أجوف القلب ، هو عظيم ومسبب للحيرة - وذلك الذي وقع ملمسه من الفيل على قوائمه الغليظة المليئة بالجذور - قال : إن شكله كما هو مضبوط حقيقة كأنه العمود المخروط . لقد رأى كل واحد منهم جزءا من الأجزاء ووقع لهم الظن الخطأ ( انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة الأبيات 166 - 187 وشرحها ) والحكاية من أشهر الحكايات التي انتشرت على المستوى العالمي وواضح من البيتين 1263 و 1264 أنهما مطابقان تماما لما قاله سنائى .
 
( 1269 - 1280 ) ما دمت لا تعرف ، وما دمت لا تملك عينا بصيرة فلماذا لا تأخذ مرشدا دليلا لك ؟ وإذا كنت معتمدا على عين الحس فإن عين الحس لن تكون لك في هذا المجال أكثر من كف لا يمكن أن تحيط ( به ) ، إنك ترى الزبد من البحر لأنك تنظر بالعين التي ترى الزبد ، فانظر بالعين التي ترى البحر لتراه أن كل ما تراه هو من اثار عالم الغيب وأنى لك رؤية عالم الغيب ذاته ؟ ومن هنا فنحن في نزاع . . . نطفو على سطح البحر كالسفن المتصادمة دون علم لنا بماهية البحر وأعماقه ، إنك تنظر إلى الماء ، فانظر إلى الماء الذي يسيره والتعبير مأخوذ من حديقة سنائى أو النفس الرحماني ( الذي أطلق اسم الماء عليه للطف سريانه في الأشياء “ أنقروى 3 / 208 “ وذلك الماء أي الماء الأصلي موجود من قبل موسى ومن قبل عيسى بل من قبل آدم وحواء هو أزلي يسقى مزرعة الموجودات منذ الأزل ، ثم يستدرك مولانا : ما هذا الكلام الناقص ؟ ما الفيل ؟
 
.
يتبع
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 1406 - 1879 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:37 am

الهوامش والشروح 1406 - 1879 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 1406 - 1879 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 1406 - 1879 فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح قصة انشغال عاشق بقراءة كتب العشق ومطالعة رسائل العشق ،
في حضور معشوقه ، وعدم استحسان المعشوق لذلك ،
طلب الدليل عند حضور المدلول قبيح والاشتغال بالعلم
بعد الوصول إلى المعلوم مذموم
( 1407 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت باختلافات يسيرة في محاضرات الراغب الأصفهاني وأغانى أبى الفرج الأصفهاني ( ماخذ 99 / 100 ) ، والعاشق الذي يقرأ رسالة في حضور المعشوق أشبه بالواصل الذي يجد في طلب علوم الظاهر ( انظر البيت 1402 ) ، وهذا يدل على أنه حتى من بين رجال الحق
 
“ 477 “
 
من يوجد في سيره نوع من الآفة والعيب ، فالعاشق الذي خلا من ألام العشق هو الذي يتوسل بألفاظ تتحدث عن هذه الآلام . والعين الجافة هي العلاقة الظاهرية بالمعشوق والماء الزلال ، هو حقيقة العشق : وفي البيت 1415 ترد المعشوقة : حسبك . . إن ما بيننا هو بعد المشرقين ، كما يبتعد البلغار عن مدينة قتو ( في التركستان ) ، إن العاشق إنما يريد المعشوق كله ، ولا يريد حالة واحدة من حالاته وإلا كان عاشقا لهذه الحالة والحكاية شبيهة ( في أجزاء ) بحكاية أوردها سنائى في الحديقة ( الترجمة العربية . . . الأبيات 4736 - 4750 وشرحها ( عن الذي نهرته محبوبته لأنه رأى خالا في وجهها ولم يكن قد رآه من قبل مع أنها مولودة به ) ، والحال لا يبقى ، فهو مؤقت ، يقلبه مقلب الأحوال ، إن ذلك الجزء الذي تعشقه كان لك ، وجئت تطلبه ولم يعد لك ، إنك لست طالبا لي بأجمعى ، والآن وليس لدى هذا الخال فأنا كمنزل للمعشوق بلا معشوق وكخزانة لا مال فيها .
 
( 1419 - 1426 ) انتهت الحكاية ، ويحدثنا مولانا في المعرفة والتمجيد للمعشوق الفرد الصمد الذي لا تطرأ عليه الأحوال فهو المبدأ والمنتهى ، وإذا وصلت إليه فلن يكون بعد الوصل فصل ، وسوف تراه مهما تبدلت أحوالك ، فهو ليس في حالة وهو مسلط عليها والزمان عبد له ، ويستطيع حتى من الهواجس المادية في داخلنا أن يبعث روحا باحثة عن الله ، فهو المنتهى لأنه لو طرأت عليه الأحوال لما استطاع أن يكون المنتهى ، والمحدود هو الذي ينتظر حتى يوجد الله تعالى فيه حالا ، والمقيم على الحال هو الإنسان الذي تطرأ عليه أحوال مختلفة بإرادة الحق .
 
( 1427 - 1436 ) كما أن هناك إنسانا متوقفا على الحال ، فمن بين سالكى الحق من هو صوفي يلزم الوقت الذي يأتيه فيه الحال ومن ثم يقال عليه “ ابن الوقت “ العارف ابن الوقت أي أن ظاهره تبع لباطنه وباطنه تبع للحق ، لأن الله
 
“ 478 “
 
سبحانه وتعالى هو الذي يحرك باطنه أو يسكنه فيتحرك ظاهره ويسكن ، وهذا كما يكون الماء في لون الكأس ، فهناك وقت يجب فيه على العارف السكون ووقت يجب عليه فيه الاضطراب والحركة ووقت ينبغي فيه أن يشكو ، وحينا يصبر وحينا يشكو ، وحينا يختلط بالناس وحينا يعتزلهم “ شرح التعرف 4 / 142 “ لكن هناك من هو في مرتبة أعلى فلا حاجة به إلى الوقت ، أو إلى الحال وهو “ الصافي “ من صافاه الحب فهو صاف ومن صافاه الحبيب فهو صوفي والصفاء طبع والتصوف تكلف ، وليست صفة الصفاء مرتبطة بالأعمال والأحوال ، بل الصفاء سمة الأحباب وهم شموس بلا سحاب ، فالصفاء صفة المحبين ، والمحب هو الفاني في صفائه والباقي في صفات محبوبه ، ( كشف المحجوب ترجمة 41 - 44 ) والحكاية التي رواها السبزواري ( ص 208 ) مناسبة في هذا المجال : التقى صوفي مع صافي فسألة الصافي في أي مقام أنت ؟ قال :
في مقام التوكل وبعد فترة التقى به فسأله في أي مقام ؟ قال : في مقام الصبر ، ثم لقيه فسألة في أي مقام فقال : في الرضا فقال : كل عمرك مشغول بنفسك وإصلاح نفسك فمتى تشغل بالله والمقصود عدم رؤية العمل لا عدم العمل فالسير في الله والسير إلى الله والسير من الله كلها مطلوبة ، والصافي هو الواصل المسيطر على أحواله ، ومن أنفاسه التي تشبه أنفاس المسيح هناك أحوال مختلفة تتوالى عليه بعزمه ، الذي تتوقف عليه أحوال الصوفية وأوقاتهم ، وليس هو مثل ذلك المذكور في الحكاية السابقة ، إنه لا يمكن أن يكون معشوقا للخليل الذي قال : “ لا أحب الآفلين “ ، إن هؤلاء المتوقفين على الأحوال أشبه “ ببرج القمر “ ( صورة برج القمر في علم الهيئة ) دون نور القمر ، والصوفي ينتظر الوقت ليغتنمه ، لكن الصافي غريق في نور الجلال ، وهو ليس ابن الوقت أو ابن شئ اخر ، إنه غريق النور الذي لم يلد ولم يولد فهو أزلي أبدى ليس محدودا بمكان أو زمان .


“ 479 “


 
( 1437 - 1450 ) يدور الحديث حول العشق الذي يجعلك غريقا في نور ذي الجلال وينسيك “ أنيتك “ ولا يجعلك عبدا للأحوال المختلفة ، وشخصية كل امرئ يمكن معرفتها من مطلوبه وهمته ( الهمة هي التوجه الباطني للسالك ، وللمراد أو الشيخ قدرته ونفوذه الباطني ) ، وجاف الشفة هو ذلك الذي ترى فيه علامات الحاجة إلى السير إلى الله ، ويراها مولانا في كل حركات العبد في السير إلى الله ( انظر الأبيات 979 وما بعدها ) وفي مقابل السعي هناك الجذب ، السعي جالب للجذب لا محالة :
إذا كان الظمأى يبحثون عن الماء * فالماء يبحث عن الظمأى في العالم ( الكتاب الأول / بيت 171 ) وهذا الطلب هو الذي يقضى على كل مانع في الطريق ، والآلة في البيت 1446 مقصود بها الاستعداد الروحي من أجل سلوك الطريق وربما يقصد بها المرشد أيضا ، فلا حاجة في أمور الحق إلى الأسباب والعلل ، إن لم يكن لديك الة فابحث عن طلاب الحق والزمهم ومهما رأيت في نفسك من عدم جدارة أو استحقاق لو سلكت طريق الحق ، تستطيع أن تكون رفيق طريق رجال الحق ، فالنملة وجدت الطريق إلى حضرة سليمان عليه السلام والمعنى في ( سورة النمل / 18 - 19 ) .
 
( 1451 ) الحكاية التي تبدأ هنا من قصص القران ووردت في التفاسير المختلفة كما وردت في قصص الأنبياء للثعلبي ( ص 234 ) وفي تفسير أبى الفتوح الرازي ( ماخذ / 100 - 101 ) وواضح عند المقارنة بين الأصل وتناول مولانا جلال الدين أن مولانا لم يكن يأخذ من القصة إلا الجزء الخاص بالحادثة فيها ثم يضيف ويحذف بما ينفق مع هدفه في إرشاد السالكين والمريدين ، وتناول المعاني الصوفية العرفانية . . . والنبي داود عليه السلام هنا رمز للشيخ


“ 480 “
 
المراد ، والكسول الذي كان يريد رزقا بلا سعى رمز للمريد الذي أسلم نفسه لله دون ألة أو عدة أو استعداد ، اللهم إلا الإلحاح والضراعة في الدعاء وعن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهما قال : إني أجدني أمقت الرجل يتعذر عليه المكاسب فيستلقى على قفاه ويقول : اللهم ارزقني ويدع أن ينتشر في الأرض ويلتمس من فضل الله والذرة تخرج من جحرها تلتمس رزقها . ( جعفري 7 / 179 ) ( 1475 ) المقصود أن نوره من نور الله لا من جهة الشرق أو من جهة الغرب ولذلك فهو في كل الجهات .
 
( 1485 ) حديث إن الله يحب الملحين في الدعاء ( الجامع الصغير 1 / 75 - البيهقي في شعب الإيمان ) .
 
( 1491 ) يترك مولانا استرساله في الحكاية ويجيب سائلا يستحثه في إتمام الحكاية وهل بيده أن يكمل الحكاية ؟ إن الحكاية ( العمل الفنى - العمل الأدبي ) كالجنين لا بد أن يأخذ دورته المحتومة لكي يولد . وهكذا كان مولانا يعتبر العمل الأدبي والفنى مخاضا وولادة معنوية قبل أن يشيع هذا التعبير بقرون ( انظر أيضا الكتاب الثاني - بيت 1 وشروحه ) هذا الجذب متأثر بإلهام الله سبحانه وتعالى مسير بقدرته ، ويتجه مولانا إلى الله تعالى طالبا منه العون . فهو قادر على أن يجعل لسانه يجرى بالنظم ، كقدرته على جعل الجماد مسبحا ( انظر تعليقات الأبيات 1013 - 1028 ) وليس بمستبعد أن ينكر الإنسان تسبيح الجماد ، وكل إنسان ينكر تسبيح الإنسان نفسه إذا لم يكن على مذهبه . مع أن التسبيح مهما اختلفت أشكاله وألفاظه موجه إلى ذات عليا واحدة هي الله سبحانه وتعالى . فالسنى والجبري مسبحان . لكن كلاهما ينكر تسبيح الآخر ، وكلاهما ينكر على الآخر أن يقوم ملبيا أمر الله تعالى لنبيه بأن “ قم “ ( سورة المدثر ) . وما هذا الخلاف إلا لكي يظهر الله سبحانه وتعالى حقيقة كل منهم ،
 
“ 481 “
 
فالله سبحانه وتعالى يضع القهر في صورة اللطف واللطف في صورة القهر امتحانا لعباده ، والناس يرون القهر قهرا واللطف لطفا ، اللهم إلا أولئك الذين وضع الله في قلوبهم محقا ربانيا ، أما أولئك الذين يسيرون على الظن فكأنهم طائر يطير نحو عشه بجناح واحد ماله الضلال والسقوط .
 
( 1511 - 1522 ) العلم المقصود هنا هو العلم الإلهى ، وفي مقابله يستخدم مولانا الظن والوهم وما إليها ، ومقصوده منها العلم الظاهري وأبحاث علماء الدرس الذين يسميهم أهل الحس أيضا ، وعلم أهل الحق متصل بالحق ومن ثم فهو قرين باليقين . وهو يقصد بهذه الأبيات أنه بعلوم هذه الدنيا أو علوم أهل الحس أو العلوم التقليدية والمدرسية غالبا ما يقع الإنسان في الظن والوهم ولا يصل إلى الحقيقة أو إلى الراحة التي تبعثها الحقيقة ( انظر المقلد والمحقق الأبيات 491 - 496 الكتاب الثاني ) وفي البيت 1515 يشير مولانا إلى الآية الكريمةأَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ( الملك / 22 ) .
 
وفي البيت التالي يقصد بالقال والقيل الجدل الموجود بين الفرق المختلفة . وفي الأبيات التالية يصف الإنسان الذي يصل إلى مرتبة التيقن : لا يغره الثناء ولا يؤيسه الذم ، إنه نسيج وحده ، لا يطير خلف كل ناعق ، ولا يهمه إن كان وحيدا في يقينه حتى وإن كان العالم كله على نقيضه ولا يؤمن بما يؤمن به . وهو أيضا لا يمرض بالوهم بطعن الطاعنين والبيت تمهيد للحكاية التالية .
 
( 1523 ) شخصية مريض الوهم من الشخصيات التي يقال إن الذي أدخلها إلى الأدب العالمي هو موليير في مسرحيته التي تحمل هذا الاسم ، لكن مريض الوهم الذي يقدمه مولانا جلال الدين أقدم من مريض موليير بقرون ، والقصة وردت مثلها في عيون الأخبار وألف ليلة وليلة وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ( ماخذ / 101 ) وفيها يتجلى فن مولانا في نسج القصة وحبكها ، ومن ثم فمثل كثير من القصص التي وردت في المثنوى أصبحت بعده جزءا من التراث
  
“ 482 “
 
الشعبي كمثل من الأمثال الشعبية يعتمد على هذه الحكاية ، يضرب لمريض الوهم الذي يظهر من التفجع ما يفوق مرضه فيقال له “ اخوند بدنباشى أو ملا بيمار مكن “ أي لا بأس عليك يا شيخ “ أو “ لا تجعل الملا مريضا “ ( انظر داستانهاى أمثال 13 و 421 ) والمعلم هنا نموذج لفاقد اليقين الذي يقع في الوهم والظن من كلام هذا وذاك .
 
( 1538 - 1539 ) تتفاوت العقول كما تتفاوت الصور ، والشطرة الثانية من البيت 1539 فيها إشارة إلى كلام منسوب إلى الإمام علي عليه السلام : تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه “ ويروى في بعض المصادر كحديث نبوي شريف ( استعلامى 3 / 287 ) . كما ينقل جلبنارلى ( 3 / 243 ) بعض الأحاديث الآخرى منها “ الجمال في الرجل اللسان “ .
 
( 1540 - 1546 ) غالبا ما يناقش مولانا المعتزلة ، وهو أقرب في فكره الكلامي إلى الأشاعرة ( مثل سنائى والعطار ) وقد مرت مناقشته لتأويلهم لتسبيح الجماد ، وناقشهم في الكتاب الثاني في مسألة رؤية الله تعالى بالأبصار وهنا يناقض قول المعتزلة في تساوى العقول ، ثم تفاوتها بتأثير التعليم والإرشاد ، ويرى مولانا أن كل الفضائل تنبعث من تأثير الأنبياء والأولياء كتجل للعناية الإلهية ، ومن هنا يرى أن اختلاف العقول موجود في الأصل وفي الجبلة ، فذكاء طفل المكتب أكثر ذكاء من كل أقرانه ، ويكاد رأى مولانا جلال الدين يكون مشهودا ، فما من مدرسة أو فصل واحد إلا وفيه الجاهل والعالم والذكي والخامل ، ومن هنا ، يخلص أن الذكاء الفطري أكثر أهمية من الذكاء الحاصل عن التعليم ، وفي البيت التالي يصف أهل المدرسة بأعرج يحاول أن يعدو .
 
( 1556 - 1562 ) في خلال القصة يعرج مولانا على نموذج لمريض اخر بالوهم ، إنه فرعون الذي أدى الألوهية من تعظيم الخلق له ( وكم من فرعون
 
“ 483 “
 
ينفخ فيه من حوله ! ) ، فالعقل الجزئي ( عقل البشر ) لأنه محدود في معرفته الحياة المادية مأخوذ بالوهم والظن . فهو نابع من ظلمات النفس والحس ، وخوف الوهم ، والوهم يولد الخوف . وانظر إلى الصورة فالذي يمشى على جدار عال عرضة للسقوط مهما كان الجدار عريضا ، لأن الخوف من السقوط موجود ، بينما يكون السائر على الأرض - الواقف على أرض صلبة متماسكة - امنا لو كان عرض الطريق نصف ذراع و ( 1580 ) مأخوذ من حديث منسوب إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلم : لا تمارضوا فتمرضوا ولا تحفروا قبوركم فتموتوا ( استعلامى 3 / 288 ) .
 
( 1606 - 1611 ) يترك مولانا القصة عندما يذكر الشيخ أنه كان منهمكا في القيل والقال وغافلا عن هذا الألم الموجود في داخله . وهكذا يرى مولانا أن الانشغال بالظاهر قد يجعل الإنسان يغيب عما يمكن أن يجرى له : فنسوة مصر قطعن أيديهن من النظر إلى يوسف عليه السلام ( يوسف 31 ) والمقاتل قد ينهمك في القتال دون أن يحس أن عضوا منه قد جرح .
 
( 1612 - 1615 ) يتحدث مولانا عن الجانب الباطني للوجود . وليس الجسم إلا رداء وغطاء للوجود الحقيقي ، ومن البله التعلق هكذا بالظاهر ( فما بالك بمن يتعلق بظاهر الظاهر أي بما يوضع على الجسم ) وأولى بالروح ذكر الله تعالى ، وفي البيت التالي يبرهن على فكرته بأنك ترى في النوم أنك تسعى بقدميك وتستخدم يديك ، في حين أن قدميك ، ويديك اللتين تعتبرهما حقيقتين - موجودتان في الفراش ، وإذا كنت هكذا وبدنك نائم تمتلك البدن فلماذا تعتبر إذن أن الموت هو موت البدن وتخشاه ؟
 
( 1616 - 1617 ) الحديث القدسي المروى في العنوان الذي يسبق هذين البيتين “ أنا جليس من ذكرني وأنيس من استأنس بي “ أصله موجود في الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية : “ أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت
  
“ 484 “
 
شفتاه “ ويقول جعفري ( 7 / 336 ) أن مضمون العنوان راجع إلى خطبة لعلى رضي الله عنه في نهج البلاغة : اللهم إنك انس الآنسين لأوليائك وأحضرهم بالكفاية للمتوكلين عليك تشاهدهم في سرائرهم وتطلع عليهم في ضمائرهم وتعلم مبلغ بصائرهم ، فأسرارهم لك مكشوفة وقلوبهم إليك ملهوفة إن أوحشتهم الغربة انسهم ذكرك وإن صبت عليهم المصائب صبا لجأوا إلى الاستجارة بك علما بأن أزمة الأمور بيدك ومصادرها عن قضائك . كما أن البيت المذكور قبل البيت 1616 ليس في المثنوى وإنما هو من المنسوب للشاعر الصوفي الفارسي أبي سعيد بن أبي الخير . . . والمقصود بالحديث هنا الصوفي أبو الخير عباد بن عبد الله التيناتى الأقطع النيسابوري في بعض المصادر ، ويخلط صاحب المنهج بينه وبين صوفي اخر ورد في مقالات شمس الدين التبريزي ، ومن شيوخه هو أبو بكر سله باف التبريزي ، ( 134 ) وربما حدث هذا الخلط لأن مولانا نفسه نسج من حياة الشيخين حياة واحدة . وماذا في ذلك والأولياء كلهم كنفس واحدة وإن كان قد ذكر أيضا أن أبا الخير الأقطع كان يجدل السلال بيدين وأن الله كان يرد له يده المقطوعة عند قيامه بعمله كما سنرى .
وذكر العطار أنه نقل حكايته رواية عنه ( توفى أبو الخير بعد سنة 345 هـ
- بينما توفى العطار كما يقال في غزوة المغول سنة 616 هـ - ) ( ! ! )
على كل ينقل العطار عنه حكاية لا بأس بها فحواها أنه حدث ذات يوم أن ملكا كان يمر بجوار جبل وكان يعطى كل فقير دينارا وأخذ أبو الخير الدينار بظهر يده وألقى به ، وبعد ذلك قرأ القران ذات يوم دون أن يتوضأ ، في ذات يوم فقدت أموال في سوق المدينة واتهموا جماعة من الدراويش ومن بينهم أبو الخير ، وأقاموا الحد عليه وقطعوا يده وهو يقول : هذه اليد التي لمست أموال العسكر وحملت القران دون وضوء مستحقة للقطع . وكان يقول لامرأته وهي تنوح : ليتهم قطعوا هذا القلب ( تذكرة الأولياء للعطار أوفست عن ليدن 549 ) والحكاية عند مولانا جلال الدين
 
“ 485 “
 
أقرب إلى ما رواه ابن الجوزي في تلبيس إبليس ( ص 312 - ص 314 ) وواضح أن مولانا يركز في الحكاية على بعض الجزئيات التي تخدم الهدف من قصها .
وبعد البيتين 1616 - 1617 يترك مولانا الحكاية حتى البيت رقم 1636 ( 1618 - 1625 ) كل إنسان له ميله الخاص في الحياة ، ولقد خلق الله كل إنسان لعمل ، ويسره لهذا العمل “ اعملوا فكل ميسر لما خلق له “ ( 1622 ) :
ترجمت طائر “ الهما “ وهو طائر خرافي ورد في الأساطير الفارسية بطائر البُلَح ( بضم الباء وفتح اللام ) متابعة للزمخشري في أساس البلاغة ( ج 1 ص 61 ) والمقصود بالبيت أنك إذا كنت منبتا عن الأرض وكل ميلك نحو رجال الحق ونحو الأعمال الروحانية فإنك سوف تستطيع أن تصل إلى أعلى ما يحلق إليه طائر البُلَح ، وأن تتفوق على ملوك الأرض ، وفكر في المنتهى ، في حضرة الحق .
 
( 1626 ) الحكاية هنا فيما يرى استعلامى من الحكايات الشائعة في زمن مولانا ( 3 / 290 ) والواقع أنها من التراث الشعبي إذ يوجد مثيل لها في الأدب الشعبي المصري ويقصد أن الذكي يرى عواقب الأمور وهي لا تزال في بداياتها .
 
( 1636 - 1642 ) يواصل مولانا حكاية أبى الخير الأقطع ، ومن الواضح أن ما ورد هنا غير متطابق مع ما يروى عن قصة أبى الخير الأقطع ، وهو يتصل بعهد أخذه أبو الخير الأقطع على نفسه ، وهو عهد يبدو فيه أنه شق على نفسه ، و “ تنطع “ مع الله تعالى ، وهذا الجزء من الحكاية الخاص بالعهد ورد في شأن كثير من الصوفية الذين عاهدوا على أمور غير طبيعية ، ومن ثم فقد لحق بهم الامتحان الإلهى ، ذلك أنهم تركوا الاستثناء ، أي قولهم : “ إن شاء الله “ واعترفوا بالقوة والحول لأنفسهم دون استمداد من قوة الله تعالى ومن حوله ( انظر الأبيات 48 - 50 من الكتاب الأول ) فالله تعالى يحول القلوب كل لحظة ، وهو مقلبها ومحولهاكُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ( الرحمن / 29 ) .


“ 486 “
 
( 1643 - 1651 ) في هذه الأبيات إشارة إلى حديث نبوي “ إن هذا القلب كريشة بفلاة من الأرض يقلبها الريح ظهرا لبطن “ وحديث آخر هو “ لقلب ابن ادم أشبه انقلابا من القدر إذا اجتمعت غليا “ ( استعلامى 3 / 291 ) و “ شرح الأنقروى 3 / 266 - مولوى 3 / 231 “ والمقصود أن غليان القدر ليس منه بل من شئ اخر . إن رغائب القلب ليست نابعة منه لكنها نابعة من المشيئة الإلهية التي تجعل غزل الإنسان أنكاثا ، وقوة قضاء الحق هي التي تجعل كل نواياك بددا ، ولا سبيل إلا الاستثناء ، أي قول إن شاء الله .
 
( 1652 - 1672 ) ابن العظيم الحافي العاري الذي سقط في حب بغى فأفلسته وحطمته هو الإنسان ابن الخليفة الذي سقط في حب الدنيا فذرت كل تراثه الروحي ومكامن عظمته أدراج الرياح . إنه يطلب الدعاء من أهل الحق قائلا :
أدعو حتى يخلصني الله من هذا القيد . وتنظر إليه فلا تجد قيدا على قدميه أو على يديه . فأين إذن هذا القيد : انه قيد قضاء الحق الثقيل الذي يعجز كل حدادى العالم عن تحطيمه ، إنه قيد معنوي لا يتحطم إلا بهمة رجال الحق إذ لا يراه سواهم وهم أطباء القلوب . وزعيم أطباء القلوب هو محمد صلّى اللّه عليه وسلم إذ إنه هو وحده الذي رأى الحبل في جيد زوجة أبى لهبوَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ( 4 - 5 المسد ) فمتى كانت زوجة أبى لهب المنعمة المدللة تحمل الحطب ومن رأى سواه صلّى اللّه عليه وسلم الحبل على جيدها ؟ إنه هو الذي يستطيع أن يرى الأمراض المعنوية التي لا تنبىء منها هيئة المريض أو مظهره ، لم ير أحد الحبل فأولوا السورة - يقول يوسف ابن أحمد “ وأولوا سورة المسد بأنها تقصد جنون امرأة أبى لهب ، فلا يعقل وهي ابنة العز والحسب أن تحمل الحطب ، فأولوه بأنها تحمل حطب الأوزار وحطب النميمة التي تشعل نار الفتنة . . ولم يعلموا أن حملها للحطب حقيقة ومجاز ، وفي تفسير نجم الدين كبرى : في عنق كبرها حبل من ذلة فهو حبل معنوي ، وفسر نجم الدين ابن الداية ( امرأته حمالة
 
“ 487 “
  
الحطب ) أي الهوى المؤذى في أهل خاطر الهوى ( مولوى 3 / 233 - 234 ) وغضب الله عندما يحط على إنسان - والعياذ بالله - يكون دائم الشكوى وهو لا يعاني شيئا في الظاهر ، وغالبا ما يتعجب إنسان : مالفلان هذا دائم الشكوى وهو لا يعاني شيئا في الظاهر ، فلا هو يشكو مرضا في البدن أو نقصا في المال . . . لكنها القيود الربانية التي توضع حول النفس العاصية وتجعلها دائمة الشكوى . إن الذي يرى العلامات الباطنة هو رجل الحق ، والمصطفى صلّى اللّه عليه وسلم رأى الحبل ولم يره سواه . وهو الذي يعرف الشقي من السعيد لكنه لا يكشف سرا لذي الجلال .
 
( 1673 - 1701 ) يعود مولانا إلى قصة أبى الخير الأقطع : لقد مرت خمسة أيام وبلغ به الجوع مبلغه . وهذا أول امتحان من الله . فهذا الصوفي المنقطع جاع بعد خمسة أيام فقط في حين أن غيره من الصوفية كانوا يطوون ( يصومون صوما متواصلا ) أربعين يوما . فما باله لم يصبر سوى هذه الفترة ؟ لقد كان عهده جرأة ولم يكن يحسب فيه حساب المشيئة ، ولم يلبث الامتحان الثاني والعقاب الإلهى أن وصل إليه ، وهنا يختلف مولانا في رواية القصة عن منابعها ، فها هو في الجبل ويصل جماعة من اللصوص يقسمون المسروقات ، “ ويكبس “ عليهم الشرطة بعد بلاغ من أحد المخبرين ، “ ويقبض على أبى الخير وهو لا يتكلم ولا يدافع عن نفسه ، فهو يعلم الدرس جيدا ، وبعد أن تقطع يده ، يمد رجله لقطعها “ حد الحرابة “ فيصل فارس ( لعله من رجال الغيب ) وينقذ قدم الشيخ في اخر لحظة . ويقدم مولانا الدرس المستفاد على لسان الأقطع نفسه وهو يرد على اعتذار الوالي ( المقصود بالطبع رئيس الشرطة ) ويجعله في حل من يده : لقد نكث بالعهد ولم يحافظ على عهده أمام الله . . فأمرت محكمته بقطع يمينه . إنه شؤم الجرأة لقد رأى لنفسه حولا وطولا ولم يذكر حول الله وقوته ومن ثم فكل شئ فداء لحكم الحبيب . إن مولانا يقدم درسا في الأدب
 
“ 488 “
 
على لسان أبى الخير طالما قدمه الصوفية . قال الشبلي ذات مرة بين يدي الجنيد : لا حول ولا قوة إلا بالله . فقال له الجنيد : هذا ضيق صدر وضيق الصدر إنما يكون من عدم الرضا بالقضاء ، وقيل لرابعة : متى يكون العبد راضيا فقالت : إذا سرته المصيبة كما تسره النعمة ( مولوى 3 / 237 ) ويسوق مولانا تعليقه هو اخذا الأمثلة من الحياة التي تحيط به : هذا هو الطائر يحلق عاليا لكن طمعه في الحب يجعله يسقط في الشراك ، وطائر اخر مغرد يسقط في قفص الأسر من جراء طمعه ، والسمكة في أعماق الماء يأخذها الشص لحرصها وطمعها ، والسيدة العفيفة في حجابها قد تنهار وتبيع جسدها من جراء شهوة الفرج وشهوة الحلق . والقاضي العالم الحبر حسن السمعة قد يرتشى طمعا ويفتضح ، ولماذا نبتعد أليس هاروت وماروت قد حرما من ملكوت السماء من جراء الشهوة ؟ ( انظر شروح 471 و 797 ) .
 
( 1702 - 1704 ) الرواية الواردة عن أبي يزيد البسطامي هنا وردت في تذكرة الأولياء ص 184 ( 1707 - 7221 ) ذكر ياقوت الحموي عند حديثه عن بلدة تينات أن بها أبا الخير التينانى وهو يفعل بيد واحدة ما لا يمكن القيام به إلا بيدين ، لكن في كثير من مصادر الصوفية - ومن بينها هذه الأبيات - أن الله كان يرد إليه يده وقت العمل ، وبالطبع هذا أكثر مناسبة للمذاق الصوفي ، كان أبو الخير يخفى هذه الكرامة ، لكن الناس اطلعوا عليها ، فناجى ربه : يا إلهي إنك أنت الذي تعلن ويجيب الحق : إن هذا لكيلا يسئ الناس الظن بالحق . وحتى لا يردوا قانطين عن الأعتاب الإلهية . وإلا فبالنسبة لك تستوى الأمور ، فإن ضياع البدن لا يعنى عندك شيئا .
 
( 1723 - 1734 ) إن هذا هو السبب الذي لم يخف سحرة فرعون ( الذين امنوا بموسى ) من تهديد فرعون لهم بقطع أجسادهم ، كانوا قد تحرروا من
 
“ 489 “
  
الخوف وعرفوا القيمة الحقيقية للجسد ، إنه مجرد ظل وإن الوجود الحقيقي لله ، وإنه إذا انتفى الظل أصبح الطريق إلى الوجود الحقيقي مفتوحا ، فكان ما يعتبره فرعون موتا هو بالنسبة لهم حياة ، وما يعتبره هلاكا هو بالنسبة لهم وجود ونجاة ، إن اليد التي تبتر هنا إنما تبتر في حلم ما دامت الدنيا حلما ، ولا ضير إن بترت اليد في حلم فإنك إذا استيقظت سوف تجد يدك في مكانها ، بل إن الحلم ليدل على عكسه تماما ، فإن قطعت ( في سبيل الله بالطبع ) في هذه الدنيا . .
فتأويل ذلك أن عمرك خالد طويل ، وأنك في أتم صحة ( روحانية ) .
 
( 1735 - 1739 ) عن جابر قال : كنت مع النبي صلّى اللّه عليه وسلم إذا أتاه رجل أبيض الوجه فقال : يا رسول الله ما الدنيا ؟ قال عليه السلام : حلم النائم . فقال : كم ما بين الدنيا والآخرة ؟ قال عليه السلام : غمضة عين . فقال : كم القرار فيها .
قال عليه السلام : قدر التخلف عن القافلة . ثم ذهب الرجل فقال عليه السلام :
هذا جبريل أتاكم يزهدكم في دنياكم ( مولوى 3 / 242 ) ويقول جلبنارلى ( 3 / 245 ) أن المعنى ناظر إلى قول منسوب إلى علي رضي الله عنه “ الدنيا حلم والآخرة يقظة ونحن بينهما أضغاث أحلام “ يقول مولانا : لقد قبلت هذا القول على سبيل التقليد لكن أهل الله يرونه على سبيل التحقيق ، وحتى حياتنا عند اليقظة هي حياة على سبيل النوم . وعندما تنام تقول ها أنا سأذهب لأنام وأنت غافل عن أنك في النوم الثاني : فالنوم الأول هو حياتك في غفلة أما النوم الثاني فهو النوم البدني ، إنك تدرك معنى النوم الثاني عندما تدرك النوم الأول ، ويكون مطلعا على كل أعمالك خلال هذا النوم .
 
( 1740 - 1747 ) الفخارى هنا كناية عن الحق سبحانه وتعالى ، وهو الذي يستطيع أن يجبر كل كسورنا ويستر عوراتنا ، والأعمى هو الذي لا يملك البصيرة ويخشى من مشكلات الدنيا ويجعلها كل همه ومبلغ علمه ، أما رجل الحق فهو العالم بالطريق والعالم بحفره . . ومن ثم فهو مستبشر بالله تعالى .
  
“ 490 “ 
 
ويعود مولانا إلى الحديث على لسان السحرة : والمراد بتمزيق الخرقة تمزيق الجسد والعرى من الجسد أفضل فهو انطلاقه الروح من سجنها ، فالروح تحتضن المحبوب في عريها ، ومن الأفضل أن تكون بلا لباس والتحرير من المزاج والطبيعة أي التحرير من الجسد ومن الانشغال بنشاطه الفسيولوجى وهذه هي الحرية الحقيقة .
 
( 1748 - 1764 ) المثال الوارد هنا ورد بنصه في مقالات شمس الدين التبريزي في ثلاثة مواضع : ص 44 ، وص 241 وص 327 . . فالبغل كناية عن أعمى البصيرة المذكور فيما سبق ، والجمل رمز لمن يستشرف الدنيا من عل وهو الشيخ كامل النظر . ثم يتحدث مولانا عن أصحاب الرؤية الاستشراقية من ذوى البصيرة ، وفي البيت 1757 يشير مولانا إلى الآية الكريمةقُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَ فَلا تَتَفَكَّرُونَ( الأنعام / 50 ) ويعود إلى مثال الجنين : لقد علمه الله في مقامه هذا كيف يجذب غذاءه . ثم يظل مع الإنسان يعلمه جذب الأشياء فكيف لا يعلم الروح أيضا جذب الأشياء ، أليست الروح تتغذى كما يتغذى الجسد ؟ فكيف يهتم الله سبحانه وتعالى بالجسد وهو عارية ولا يهتم بالروح وهي الأصل ؟ ، بل إن الحق جامع لذرات هذا العالم . وهو الذي يرتق وجود الخليقة بهذه الذرات . ويستطيع ثانية أن يضمها إليه . ألست ترى هذا يحدث لك كل يوم عند النوم : أنت ترى أن كل إحساساتك تسلب منك عند النوم وعندما تستيقظ تستدعيها ثانية لتعود إليك . فكيف تشك أنها تضيع في النوم الأبدي ؟ أليس بقادر على أن يعيدها مرة ثانية ؟
 
( 1765 - 1773 ) لقد ضرب الله المثال على هذا بوضوح أكثر ودون لبس وراه غيرك بعين الحس ، فلماذا لا تراه أنت بعين الروح ؟أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ
 
“ 491 “
 
فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( البقرة / 259 ) والقصة وردت باسم عزيز في قصص الأنبياء وفي البيتين 1772 - 1773 : يخاطب الحق عزيزاً لقد بينت لك هذا حتى تفهم فلا تخشى الموت وتعلم أنه كالنوم ، فمتى نقص بدنك من النوم ؟ .
 
( 1774 - 1790 ) يواصل مولانا الأمثلة والحكايات حول هذه الفكرة :
والحكاية المذكورة لها أشباه كثيرة في سير الصوفية ، فقد وردت في “ حلية الأولياء “ و “ الرسالة القشيرية “ و “ تذكرة الأولياء “ ، وفي المصدر الأخير ذكرت في موضعين الموضع الأول حكاية عن الفضيل بن عياض ، وأنه لم ير مبتسما إلا يوم أن مات له ولد ، والموضع الثاني حكاية عن ابن عطاء ، وكيف أن قطاع الطرق قد وقعوا عليه ومعه أبناؤه العشرة ، فأخذ اللصوص في قتل أبنائه وهو ينظر إلى السماء ويبتسم ، فعيره الابن العاشر بعدم شفقته وقسوة قلبه .
فقال له : إن من يفعل هذا لا يمكن الاعتراض عليه فهو يعلم ويرى ويستطيع .
ولو يشاء لحفظهم جميعا ( ماخذ / 105 - 106 ) وواضح أن مولانا وفق بين الحكايتين في حكاية واحدة . وفي البيت 1776 العبارة المذكورة على أساس أنها حديث نبوي ذكرت في كثير من المراجع على أساس أنها من مأثورات الصوفية
 
( استعلامى 3 / 297 ) أما البيت 1785 فهو إشارة إلى الحديث النبوي “ شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي “ ( ينظر شرح التعرف ج 2 ص 11 وما بعدها ) وفي رواية أخرى : أترونها للمطيعين ؟ لا بل هي لأصحاب الدماء والعظائم المتلوثين بالذنوب ، وقوله عليه السلام : وإني اختبأت شفاعتي لأمتي ، وتمام هذا الخبر أن الرسول قال : لكل نبي دعوة مستجابة واختبأت دعوتي لأمتي ، وعن عائشة الصديقة رضي الله عنها قلت لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلم : أين أطلبك يا رسول الله ؟ ، قال : عند الحوض أسقى أمتي ، قلت : فإن لم أجدك ؟ قال : عند


“ 492 “
 
الميزان أثقل ميزان أمتي ، قلت : فإن لم أجدك ؟ قال : عند الصراط أقول رب سلم رب سلم ، قلت : فإن لم أجدك ؟ : قال : لا أخلو من هذه المواطن الثلاثة ما بقي من أمتي واحد . وشفاعة الرسول في كل موضع أما الشفاعة الكبرى فهي أن الناس عندما يخرجون من القبور يقفون أمامها ألف عام يتشفعون بالرسل فلا يرد عليهم أحد فيأتون محمدا عليه السلام وهو قدام العرش فيخر ساجدا فيقال : يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع - ( ص 115 ج 2 شرح التعرف ) . ويعلق صاحب مناقب العارفين : عندما يكون السيف المهند قاطعا في غمده فقس أنت عليه عندما يُسّل ( 1 / 356 ) وفي البيت 1789 : صلحاء أمتي لا يحتاجون لشفاعتى ، وإنما لهم شفاعة في المذنبين ( استعلامى 3 / 298 )
وفي البيت 1790 : الشطرة الأولى إشارة إلى الآية الكريمة :وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى *( الأنعام / 164 ) والشطرة الثانية إشارة إلى الآية الكريمة :وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ( الشرح / 2 ) .
 
( 1791 - 1800 ) من كل ما سبق من إشارات قرانية ونبوية يشير مولانا : إن الذي لا وزر عليه هو “ الشيخ “ وكأنه قوس انطلق من يد الحق : إنه ليس شيخا بمعنى أنه أشيب الشعر ، بل بمعنى أنه لم يبق فيه مثقال شعرة من التعلق بالدنيا والأمل بالباطل هو المؤمل في الدنيا . ولا علاقة للمشيخة بالعمر .
فعيسى عليه السلام كان شيخا في المهد . والذي فنى عن أوصافه هو الشيخ أما الذي بقي من وصفه مقدار شعرة فهو “ افاقى “ وقد فسر استعلامى افاقى بأنه “ دنيوي “ ( 3 / 298 ) بينما ورد اللفظ نفسه في شرح التعرف بأن الآفاقي هو الذي يكلف برؤية الآيات في الآفاق وهي مرتبة دون رؤية الآيات في الأنفس الأولى للعامة والثانية للصلحاء والصديقين ( شرح تعرف 2 - 115 وما بعدها من طبعة لكهنو الكاملة دون تاريخ ) .
 
( 1806 - 1815 ) يخرج مولانا من سياق القصة ليتحدث عن تأثير الأولياء
 
“ 493 “
  
في نظام الكون وفي نسقه . . فالأولياء رحمة للعالمين وهو وصف اختص به محمد صلّى اللّه عليه وسلم ( الأنبياء 107 ) إلا أن مولانا يرى أن الأولياء ملحقون أيضا بهذا الوصف ، أما الرحمة الجزئية المذكورة في البيت 1809 فالمقصود بها عشر الرحمة الذي وزع على الخلق فيه يتراحمون ، أما الرحمة الكلية فهي تسعة أعشار الرحمة التي بقيت لله تعالى ( إن الله تعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض فجعل منها في الأرض رحمة منها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض ، وأخر تسعا وتسعين فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة ) وفي رواية أخرى أن الله تعالى خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة وأرسل في الخلق كلها رحمة واحدة ، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار ( جامع 1 / 70 ) والرحمة الجزئية هي السبيل إلى الرحمة الكلية . وإن وقف عليها الإنسان فهو يظن أن كل غدير بحر . وإذا كان هو نفسه أي صاحب الرحمة الكلية ( من الأولياء وغيرهم ) . ولا يدرى أين البحر فكيف يدل الناس على هذا البحر ؟ .
 
( 1819 - 1825 ) في جواب الشيخ على امرأته يشير مولانا إلى أن الشيخ يرى بنور الباطن ما لا نراه نحن ، ويقصد بالشطرة الثانية : أننا لسنا متساوين في الرؤية . إن من تظنهم قد غابوا تحت طيات الثرى يراهم هو حوله يلعبون ، لأن رؤيته فوق الزمان وفوق المكان . وبينما يراهم الآخرون في النوم يراهم هو في اليقظة ، لماذا ؟ ، لأنه يعطل الأحاسيس الدنيوية لحظة ويسقطها من شجرة الوجود . . . ومن ثم يكون حس العقبى وهو سلم لذلك العالم في قوته . . فيراهم ( انظر . حس الدنيا وحس العقبى - الكتاب الأول البيت 570 وما بعده ) .
 
( 1826 - 1836 ) ينتهى كلام الشيخ ليبدأ كلام مولانا . عن كيفية الخروج
 
“ 494 “
  
من سلطة الحس ، فكما أن الحس أسير للعقل ، ولا يحكم العقل إلا في منطقة الحواس ، وإطارها ، فهناك عقل أخر فوق هذا العقل ، وهو كالماء الصافي عليه على الحواس مشاهداتها فتحجبه عن المشاهدات السامية العليا ، ثم يأتي العقل الآخر ( الباحث عن الله ) فيزيح كل القذى ( المشاهدات الحسية ) عن هذا الماء وإلا فإن “ هوى النفس “ يأخذ كل من عالم الحس فيضعه على هذا الماء بحيث يصبح “ غورا “ ، ولا حل إلا أن تقيد يد الهوى بالتقوى ، ومن هنا تصبح الحواس المتسلطة الدنيوية مساعدة للعقل الباحث عن الله بدلا من أن تكون عقبة في طريقه ، ذلك أن غلبة العقل العارف تجعل هذه الحواس نائمة دون نوم ظاهر ، ويعدها يسطع نور معرفة الغيب في الروح ( استعلامى 3 / 300 ) .
 
( 1837 - 1856 ) وردت هذه القصة في الرسالة القشيرية عن زاهد ضرير يقال له أبو معاوية ( ماخذ 106 ) وفي خلال هذه الحكاية يورد حكاية أخرى في المجال نفسه عن لقمان وداود وردت في “ العقد الفريد “ لابن عبد ربه و “ قصص الأنبياء “ للثعالبي و “ إحياء علوم الدين “ للغزالي وتفسير أبى الفتوح الرازي ( ماخذ / 106 - 107 ) وإن كان يغلب أنه أخذها من مصدر قريب منه وهو مجمل التواريخ والقصص والمقصود بالبيت 1850 أنك أن تسرعت وسألت ولم تظفر بالإجابة الشافية فكأنك أضعت وقتا كان أولى أن تقضيه في الصبر ، ولذا فهو أسرع في التوصيل إلى المقصود وفي البيت 1854 عبارة شبيهة بعبارة وردت في مجمل التواريخ والقصص “ الصمت حكم وقليل فاعله ( ماخذ / 107 ) والصبر قرين للحق سبحانه وتعالى مصداقا لقوله وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ( العصر ) 
 
“ 495 “ 
 
( 1874 - 1879 ) يخلص مولانا من قصة الضرير والمصحف إلى نتيجة هي أن الولي لا اعتراض عنده ، لأنه على ثقة بالله تعالى ، وفي يقين من أمره وحكمه وأنه إن سلبه شيئا فسوف يعوضه أفضل منه ، وحتى إن قضى على الحياة نفسها وسلبها فإن العوض هو وصاله وهو الحياة الحقيقية ، وفي البيت 1876 إشارة إلى حكاية أبى الخير الأقطع ( انظر الأبيات 1707 وما بعدها ) ويقصد في البيت 1878 بتعبير “ بلا نار “ أي بترك الأسباب الدنيوية و “ تجذبنا ناره “ أي تقضى مصاعب طريق الحق على وجودنا المادي ( استعلامى 3 / 301 ) .
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 1880 - 2307 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:38 am

الهوامش والشروح 1880 - 2307 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح 1880 - 2307 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 1880 - 2307 فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح صفة بعض الأولياء الراضين بالأحكام فلا يدعون 
ولا يشكون قائلين : ارفع عنا هذه الأحكام
( 1880 - 1885 ) يدور الحديث حول الرضا بقضاء الله ، وقمة الرضا هي التسليم دون دعاء بأن يرفع الله البلاء ، وهذا ما دام عوض البلاء يفوق البلاء نفسه بمراحل ، ومن ثم فأهل الرضا يحرمون الدعاء على أنفسهم ويسلمون للمشيئة والأمر على صلة بالرضا والطمأنينة والتسليم للمقادير والسرور عند المصيبة والابتلاء ( شرح التعرف / 3 - 144 / 148 ) وهو اعتماد على حسن ظنهم بالله يتلذذون بالبلاء لأنهم يرون فيه تجلى الحق سبحانه وتعالى .

( 1885 - 1899 ) ما يرد في هذه الأبيات وصف للمرشد الكامل أو القطب وهو الذي يرى كل ما يدور في العالم - ويحسبه الآخرون من ظواهر الطبيعة - هو من المشيئة الإلهية ، وما دام مسلما بالمشيئة الإلهية فالعالم كله يسير فوق هواه ، فلا خوف عنده ولا شكوى . بل إن الحياة والموت ينفذان أمر القطب ، ويصدق بهلول ( انظر تعليقات البيت 700 في هذا الكتاب ) على كلام هذا الدرويش ، لكن يطلب منه الشرح ، ليقتنع به الفاضل ، وهو الذي علم بالطريق والفضولي وهو الذي يقحم نفسه على أهل الفضل ويضايقهم بتعليقاته وأسئلته ، ويضرب المثل للمائدة التي تعطى من نفسها لكل طالب على مذاقه وحاجته بالقرآن الكريم “ إن للقران ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن “ .

( 1900 - 1916 ) يفسر المرشد ( الدرويش ) لبهلول كيف أن الدنيا تسير 

“ 496 “

وفق هوى رجل الحق ، فإن رجل الحق يرى كل تغيير في ظاهره أو في باطنه مرده إلى الله تعالى ، فلا مشيئة له بل هو مريد لما أراد الله ، وفي البيت 1901 إشارة إلى ما ورد في سورة الأنعام اية 59وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍإن هذه كلها أمور لا يمكن شرحها فالأمر يطول لو شرحت ، كما أن “ الجلد “ على ذلك ليس على ما يرام .

فمن الذي يستطيع أن يعد أوراق الشجر ؟ ويوالى رجل الحق شرح التناسق بين المشيئة الإلهية : فعندما يكون العبد راضيا بأمر الله فهو يخضع له دون تساؤل ودون تكلف ودون انتظار لثواب أو خوف من عقاب “ إلهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك “ ، إنه يحيا بالله لا أملا في كسب . ويموت بالله لا نتيجة لخوف أو لنصب ، وهذا في جبلته وطبعه فلا هو اكتسبها بسلوك أو طريق ، إنه فرح بقضاء الله في حد ذاته ، نقل عن أبي على الدقاق أنه قال : هذا الأمر لا هو بعلة ولا لجهد لكنه جبلة كما قال اللهيُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُولم يذكرها في سياق ذكر الطاعة والقيادة ( تذكرة الأولياء 2 / 164 ) .
 

( 1917 - 1925 ) في هذه الأبيات يخلص إلى النتيجة الكلية بين مدرستين في التصوف الإسلامي مدرسة كانت تحبذ الدعاء ، ومدرسة كانت ترى الدعاء نوعا من نفاذ الصبر من القضاء ، فبينما يبدو بعضهم متلذذا حتى بثكل الأبناء ( إشارة إلى ما ورد في الأبيات 1774 - 1790 ) ، وبعضهم يرى أن الدعاء ليس ضيقا ولكنه لأن الله سبحانه وتعالى أراد له أن يدعو ، إنه لا يدعو رحمة ولا شفقة ، وإلا فإن كل هذه الأحاسيس العادية قد أفناها في نفسه عندها انمحت كل صفاته ، لقد أحرق كل صفاته بنار العشق . ومن الذي يستطيع أن يدرك هذه الفروق الدقيقة إلا “ الدقوقى “ ؟


“ 497 “

( 1926 ) يبدأ مولانا من هذا البيت الحديث عن الدقوقى وكراماته ، في حوالي أربعمائة بيت ، ولم يذكر اسم الدقوقى بهذه الكرامات وبهذه الصورة في مصدر قبل مولانا ، هناك بهذا الاسم شخصيتان لا يتفق ما ورد عنهما مع ما ذكره مولانا في هذا الجزء من المثنوى : أولهما عبد المنعم بن محمد الدقوقى المحدث في القرن السابع والمتوفى في حماة سنة ( 640 هـ - ) والثاني : تقى الدين محمود الدقوقى الذي ولد في أواخر عمر مولانا ، وكان حيا حتى سنة ( 733 هـ - ) وكان واعظا - ولم يكن أحدهما بالعارف أو من يملك شخصية عارفة بحيث ينسج مولانا حوله هذه القصة الطويلة . ولا “ يوجد “ “ دقوقى “ اخر معاصر لمولانا أو قبله ، وحتى إذا قيل : إن الاسم تحريف لاسم أبى على الدقاق وهو صوفي مشهور كان دائم السفر فإنه لم تنسب له كرامة أو رواية يمكن أن تكون أساسا لهذه القصة الطويلة ( انظر نفحات الأنس 291 ) وربما يكون الأمر كله ابتكارا من مولانا جلال الدين على أساس الرؤى التي تكررت كثيرا في “ الفتوحات المكية “ لابن عربى مستخدما اسما ما أعجبه

( ماخذ 107 - 110 ) أو سمع به ، أو لعله رأى بين الاسم وبين “ الدقة “ سببا فاختاره ، والدقوقى في نظر مولانا روح سامية ، يعيش بين الناس دون أن يعيش بينهم ، يرى في اليقظة ما يراه الآخرون في النوم والسكر ، دائم الطلب لرجال الطريق ، يسافر سفرا لا كيفية فيه ويرى شموعا تتحول إلى بشر وبشرا يتحولون إلى شموع والأشجار وهلم جرا . كل ذلك في بيان يطعمه مولانا بمذاق باطني خاص ، وبأسلوب أدبى رفيع يبلغ فيه الرمز الصوفي قمة استخدامه الفنى ، بحيث تبدو القصة كقصة استبطانية سابقة لمنهج الاستبطان في الأدب بقرون عديدة كما سنرى .

 

( 1929 ) ورد في عوارف المعارف : إنما سمى السفر سفرا لأنه يسفر عن الأخلاق ، قال بشر بن حارثة : يا معشر الفقراء سيحوا تطيبوا ، والمسافر في طريق الله إما يسافر بفكره في المعقولات وهو من طلب الآيات على وجود صانعه

“ 498 “

وشهود خالقه إلى حق اليقين ، وإما مسافر بالأعمال من عمل ( مولوى 3 / 265 ) ، وقد يكون في إشارة يوسف بن أحمد عن السفر في المعقولات دليل على أن رحلة الدقوقى شأنها كشأن معارج الصوفية أغلبها معارج في الروح وفي الباطن لا في الأماكن والأصقاع ، وفي هذه الإشارة إلى كثرة سفرة الدقوقى ما يشير إلى غرام كثير من مشايخ الصوفية بالسياحة ، وبينهم أبو علي الدقاق ( هل يمكن أن تكون الدقوقى إمالة للدقاق ؟ ) ( نفحات الأنس / 191 ) .

وإبراهيم الخواص الذي روى عنه أنه لم يكن يمكث في مدينة ما أكثر من أسبوعين .


( 1932 ) الاثنينية هي قطع العلائق عن الصور الظاهرة ، والمقصود أنه كان منفردا لأنسه بالحق وليس كبرياء على الخلق .

( 1936 ) الإشارة هنا إلى حديث مروى عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلم ( إنما أنا لكم مثل الوالد ) “ استعلامى 3 / 305 “ وإلى حديث آخر “ أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفى من المؤمنين وترك دينا فعلى قضاؤه ، ومن ترك مالا فهو لورثته “ وقال تعالى في هذا المضمون في سورة الأحزاب آية ( 6 )النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ( مولوى 3 / 265 ) .

( 1938 ) ترجمة أيضا لحديث نبوي “ كل شئ قطع من الحي فهو ميت “ ( استعلامى 3 / 305 ) .

( 1939 ) ما دام الرسول صلّى اللّه عليه وسلم وأولياء الله هم جزء من كلية الوجود فمن انقطع عنهم فهو ميتة حتى يتصل بهم ثانية .

( 1947 ) خواص الحق هم الأولياء الكاملون ومجالستهم حتى بالنسبة للواصلين شديدة النفع ، وهي ضرورية في نظر مولانا .

إذا صرت بعيدا عن حضور الأولياء * فأنت في الحقيقة تصير بعيدا عن الحق


“ 499 “

( انظر الكتاب الثاني الأبيات 2220 - 2224 وشروحها ) .


( 1956 ) في النص مثل داود والواقع أن داود كان المشكو له ولم تكن تسعون نعجة كما ذكر مولانا بل هي بنص القران الكريم “ تسع وتسعون نعجة “إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ( ص / 23 ) .

( 1958 - 1963 ) التعليق هنا خارج القصة ومن لدن مولانا ، والمقصود بالذكور أو الرجال رجال الحق الذين يقوون على الطريق ، والمخنثون هم الذين لا يملكون من الرجولة إلا مظاهرها ولا قوة لهم على الطريق ، والرجولة في الطريق ليست رجولة الجنس ، فرب امرأة في الطريق “ أكثر رجولة “ من كل الرجال . والسر الخفي في هذا الطريق أن سالكه لا يشبع من التجليات والإنعامات . فليس في هذا الطريق “ صدر “ أي ليس فيه زعامة ، ولا لسالكه منتهى ، يقول إن وصل إليه “ لقد ان لي أن أتوقف “ بل يظل الطريق في حد ذاته هو المنتهى .
 

( 1964 - 1974 ) والدليل على هذا هو قصة موسى والخضر عليهما السلام ، والخضر هو المرشد صاحب العلم اللدني ، فموسى كليم الله كان طالبا للشيخ والمرشد ، فحتى الواصل لا بد له من الشيخ والمرشد ، أما المقصود بالشمس والقمر فهما موسى والخضر ، فكلاهما كوكب منير لكن القمر يستمد نوره من الشمس ، أما مجمع البحرين “ في تفسير لبعض العارفين “ فهما كناية عن وليين من أولياء الحق وهما هنا موسى والخضر ، أو هما الجمع بين السير المباشر إلى الله والسير بصحبة شيخ ، ويرى موسى أن متابعة الخضر لسنوات أمر جدير بالنصيحة المرجوة . فإذا كان المرء يسعى ويكدح في سبيل “ عشق الخبز “ أفلا يساوى عشق الأحبة كدحا أكثر وعملا أكثر ؟ .
 

“ 500 “

( 1975 - 1986 ) عودة إلى قصة الدقوقى : والخافقان هما الشرق والغرب أو هما السفر بين عالم المادة وعالم المعنى ، أو السير الباطني داخل الذات ، وكل ذلك في سبيل عشق المحبوب ، المشي حافيا على الشوك والحصى كناية عن صعوبة الطريق الصوفي ووعورته ، ولا يحس العارف بهذا لأن المشي لا يتم بالأعضاء ، بل هو سير بالقلب ، بل إن القلب نفسه في سكره بالمحبوب لا يحس بهذا الطريق ، وينتقل مولانا إلى موضوع محبب إليه : وهو أن الطفرات التطورية في حياة الإنسان العادي تتم دون انتقال ودون حركة ، فرحلة الإنسان من النطفة إلى العقل ومن العقل إلى الجنان


( انظر من الجنين إلى الجنان تأليف مولانا قطب الدين عنقا ترجمة كاتب هذه السطور - القاهرة دار نشر الثقافة 1977 ) لا يتم بالسير أو الخطو . وفي البيت 1983 يقول مولانا أن الدقوقى كان يسير هو الآخر في عالم المعنى ، أي يسير لا نقل فيه ولا حركة بالرغم من أنه كان ينتقل ويتحرك ، وفي البيت 1984 يعود مولانا إلى الحديث على لسان الدقوقى : إن الدقوقى يرى البشر تجسيدا لأنوار الحبيب ، يرى في كل إنسان جزءا من هذا النور ، وهو يطالع هذا النور في أقل جزئيات العالم ، الذرة أو الهباء الذي يظهر في شعاع الشمس وكالقطرة التي تمثل البحر ، ثم يدخل بنا في مشاهداته عند وصوله إلى “ ساحل ما “ أي ساحل هذا ؟ قد يكون ذلك الحد الذي يفصل بين مشاهداته المعنوية وتجسد هذه المعنويات في صورة تبدو كالأشباح عندما يصل السالك إلى ساحل عالم الأرواح ، وعالم المثال في صورة هذا العالم فإن اللبن صورته في عالم المثال العلم ، وكذا المحبة والعشق صورته في عالم المثال الخمر ، وكذا الأشجار المثمرة صورة العلماء ، وكذا الشموع المنيرة صورة الأولياء ، فالعوام يدخلونه حالة النوم والخواص يدخلونه حالة اليقظة ( مولوى 3 / 272 ) .

( 1987 - 1992 ) الشموع السبعة في رأى صاحب المنهج هي مصابيح أرواح الأبدال السبعة في عالم الظلمات ( 3 / 272 ) ، والرقم سبعة في كثير من


“ 501 “

الأساطير والروايات المذهبية الشرقية ذو قيمة معنوية مقدسة ، وفي تصنيف الأولياء ، هناك طبقة عليا يسميهم الهجويرى في كشف المحجوب الأبرار ، ويسميهم ابن عربى “ الأبدال “ وهم الحكام الباطنيون على الأقاليم السبعة التي ينقسم العالم إليها في منظور الجغرافيا الإسلامية ، وقد تكون الشموع السبعة هنا هي تجلى نور الحق في الأبرار أو الأبدال السبعة ، خاصة أن الشموع السبعة تتحول فيما بعد إلى سبعة رجال . وتزداد حيرة الدقوقى من مشاهداته التي لا يراها الخلق ، وهم سادرون في غيهم يبحثون عن مصباح مع وجود هذه المصابيح المنيرة . لكن الله لم يشاء هدايتهم إليها “ إنه يهدى من يشاء “ .

( 1993 - 2002 ) تحول الشموع إلى شمعة واحدة كناية عن وحدة أولياء الحق ( انظر شروح الأبيات المقدمة ) وهي في مرتبة الوحدة تشق جيب الفلك أي تصل إلى أسرار تخرج عن نطاق هذا العالم الترابى ، أما تحولهم إلى سبع شموع مرّة ثانية فهو كناية عن عودتهم من عالم الرحدة إلى عالم الكثرة ، أو من تجلى الذات إلى تجلى الصفات ، ورغم الكثرة فإن الاتصالات التي بينها لا توصف لأنها ليست من عالمنا الأرضي ، وتعبيراتنا مرهونة بهذا العالم الأرضي ، والمشاهدة الواحدة بعين الباطن لا يمكن التعبير عنها في سنوات ، وما يصل إليها الإدراك الباطني في لحظة لا تقوى الأذن على سماعه في عام وما دام التعبير ليس ممكنا فانشغل بنفسك وهذبها وسر في الطريق حتى تصل إلى الساحل الذي تنكشف لك فيه المشاهدات عيانا . وقل ما دمت لا تجد ما تتحدث به من الثناء “ لا أحصى ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك “ وفي الأبيات ( 2000 - 2002 ) يحاول الدقوقى أن يتقدم نحو هذه الشموع لكنه لا يقوى ويسقط مغشيا عليه .

إن محاولة إدراك الباطن بالظاهر ( الجسد والحركة ) مقضى عليه بالفشل . لأن “ القشة “ بتعبير مولانا لا تتحمل الجبل ( انظر الكتاب الأول - المقدمة ) .

“ 502 “

( 2003 - 2004 ) في رأى القدماء أن النور بلا جسم ، ويبدو هذا الأمر في هذه القصة ، فتجلى عالم الغيب على عالم الصورة ظل ما دام في صورة النور والشموع سعيا ما بين المعنى والصورة ، فهو نوع من الأعيان الثابتة أو الصور المثالية ، وفي هذين البيتين تنتقل المشاهدات من عالم المثال ، وتنقلب الشموع السبعة إلى سبعة رجال ، لكن أنوارهم مع ذلك ترتفع إلى عنان السماء . وربما شاهد الدقوقى في صحوة أنهم سبعة رجال ، لأن حالات الحيرة والإغماء المتتالية تخرج الشيخ من المشاهدة الباطنية ومن عالم السكر إلى عالم الصحو .

( 2005 - 2010 ) حدث تحول الرجال إلى شجر عندما تحول بصر الدقوقى إلى عالم المثال فرأى كل رجل قد تحول إلى شجرة ، فقد رآهم في البداية شموعا لتجردهم من المادة العنصرية ، ثم رآهم رجالا لمشاهدته إياهم في هذا العالم مع أبدانهم فلما نظر في عالم المثال شاهدهم أشجارا ، أي شاهدهم مع أرواحهم وأجسادهم وحواسهم واثارهم وعلو مراتبهم ( مولوى 3 / 275 ) وهذه الرؤية في عالم المثال تثبت فترة أطول كما سنرى - وفي البيت 2008 يقصد السمكة والثور الأسطوريين عندما ساد الاعتقاد بأن الأرض على قرن ثور والثور على ظهر سمكة . وثمار هذه الأشجار روحانية أيضا ينبثق منها النور أيضا ، وهذه الثمار هي إفاضات هؤلاء الأبدال وحديثهم على الحق وو رحمتهم بهم ، وهم سبب الرزق وسبب المطر الإلهية .

 ( 2011 - 2034 ) تتناول هذه الأبيات فكرة أن أولياء الله غالبا ما هم مجهولون من الناس محجوبون عن الخلق ، إنهم لا يلجأون إلى ظلالهم الفينانة ويلجأون إلى أهل الدنيا في هذه الصحراء القاحلة التي لا تحتوى على أشجار سواهم ، لقد سد الغضب الإلهى عليهم أبواب المعرفة ، فهم ينظرون إلى “ السها “ ولا ينظرون إلى القمر ، وتتعلق أبصارهم بالهباء المنبعث مع أشعة الشمس ولا تنظر إلى الشمس ، ويتقاتلون على متاع الدنيا وهو بمثابة التفاح المهترىء ،

 “ 503 “

 ويدفعهم القحط إلى السلب والنهب ، بينما كل ورقة وكل برعمة من هذه الأشجار تقول ( يا ليت قومي يعلمون ) ( يس / 26 ) إنهم لا يزالون يدعون الخلق إليهم لكن غيره الله تعالى عليهم وغضبه على الخلق لا تجاهم إلى “ الغير “ يغمض عيونهم ، لأنهم لا يستحقون الفيض ، فأولوية شروط الفيض الاستحقاق ، وهم من جهلهم لا يسمعون من يوجهونهم ، أي تلك الأشجار الوارفة ، إنهم يظنونه يهذى من كثرة رياضاته وجوعه وسهره ، بحيث إن الدقوقى نفسه يشك : تراه واهما ؟ وكيف يكون واهما وهو يمشى بين هذه الأشجار يتفيأ ظلالها ويأكل من ثمارها ؟ إن ما يراه من تناقض بين حاله وأحوال الخلق يتقاتلون في سبيل متاع تافه ( نصف حبة حصرم ) ، يجعله في حيرة من أمره ، أتراه غافل عن أمره يتثبث بوهم ؟

 

( 2035 - 2039 ) يعلق مولانا هنا : اقرأ يا دقوقىحَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا( يوسف / 110 ) الرسل أنفسهم ييأسون لا من رحمة الله بل من تكذيب الخلق ، واقرأها “ كذبوا “ بتشديد الذال ، لأن قرأءتها بالتخفيف تعنى أن الكذب قد قيل لهم ، ولكن كذبوا بالتشديد تعنى المعنى المفترض وهو أن الخلق قد كذبوهم ، وعند اليأس الشديد يأتي النصر .

كما ينبلج الفجر الصادق من ظلمة الليل البهيم . إن قراءتها بالتخفيف تعنى أن الأنبياء قد رأو أنفسهم “ غير “ الحق وأنهم كانوا في حجاب . على كل دعك من البحث في هذه الأمور الظاهرية “ كيفية القراءة “ ، فإن المهم هنا هو الثمار المعنوية ، فأسرع وجاهد ، لكي تأخذ نصيبك منها ، فإن ثمار عالم المعنى ذات سحر ، ولها في كل لحظة سحر جديد .


( 2040 - 2047 ) عودة إلى حيرة الدقوقى ومشاهداته : ها هي الأشجار تنادى الناس لكنهم يظنونها خيالا من هؤلاء الناس الذين يرونهم مبتلين بالسوداء والهذيان والوهم ، إنهم يحكون عيون الأجساد علهم يرون شيئا ،

“ 504 “

 لكن متى كانت رؤية هذه الأمور منوطة بعيون الأجساد ؟ إنهم يتعجبون لأنهم لا يرون . والدقوقى يتعجب من ختم الله الذي ختم على قلوبهم وأبصارهم وأسماعهم غشاوة ، إن عجب أبى لهب من صنع الله ، لكن عجب محمد صلى الله عليه وسلم من غفلة الأبصار والأسماع والقلوب عن صنع الله . . وخير للعارف أن يصمت . فإن لم تكن هناك اذان واعية فماذا يجدى الحديث ؟

 

( 2048 - 2055 ) يتوالى تغير الصور على الدقوقى ، حينا يراهم سبعة وحينا يراهم واحدا . وهكذا بشكل مستمر ، هم سبعة عددا ، لكنهم نفس واحدة ، هم من حيث التعين متعددون ومن حيث الحقيقة واحد ، لكن رؤية الدقوقى “ بحسب حاله “ فإن حل به التكوين رآهم سبعة ، وإن تحقق من مرتبة الذات رآهم واحدا ( مولوى / 281 ) وها هو يرى “ الأشجار “ تصطف للصلاة ، لماذا يراها أشجار حتى عند الصلاة ليثبت أنهم حتى في عالم المثال عابدون راكعون ، وإن لم تصدق أن الشجر يصلى ، فاقرأ من سورة الرحمنوَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ( اية / 6 ) ومن قال : إن الصلاة يلزمها مفاصل وركب ؟ إن هي إلا صورة الصلاة ، أما معنى الصلاة فحدث ولا تسل ! !

 ( 2056 - 2065 ) تنتقل التجليات من عالم المعنى إلى عالم الصورة وتتحول الأشجار السبعة إلى رجال سبعة ، وهذا واضح ، فسوف يتحدثون مع الدقوقى ، ومن العسير أن يتم الحديث وهم في صور عالم المثال “ الأشجار “ . . لقد كانوا يعرفونه ، ونادوه باسمه ، ويتحير الدقوقى : إذا كانوا بالفعل مستغرقين في نور الجلالة فكيف يعرفون الألفاظ والأسماء ؟ لكنهم يجيبونه : متى تخفى الأسماء على القلب المستغرق في الله ؟ إنه هو الذي يعلم الأسماء كلها . . فكيف يضن على “ صفوة أوليائه بعلم كان لأحدهم “ ادم “ ؟ فإذا غاب الاسم عن الولي حينا فهو موكول بهذا الحين فحسب ، لأنه يكون في “ استغراق “ مع الله تعالى لا يرى سواه ولا يدرك إلا ما يجعله يدركه .

 

“ 505 “


( 2066 - 2073 ) يكرم الأبدال الدقوقى بأن يطلبوا منه أن يؤمهم في الصلاة لكن كيف يقوم الدقوقى بالإمامة وهو في حالته هذه أنه يطلب برهة من الزمان لكي يكون مستعدا ، ولكي تحل المشكلات التي تعن له ، والصحبة هي التي تحل هذه المشكلات وإن صدقت هذه الفكرة مع الأعيان والجماد والنبات فكيف لا تصدق مع رجال الله ، إن حبة الكرم بصحبتها وتفانيها في التراب تتحول إلى كرمة سامقة ، والروح أيضا تمتزج بالجسم لكنها من عطايا الكرم جديرة بالتحليق والطيران ولا تتخلص الذات من “ القبض “ أي انقباض قلب السالك من غضب الله وتصير إلى البسط ( أي انبساط الخاطر والطمأنينة ) إلا بأن تمحى بالكامل ، وبما أن ذات الدقوقى قد أعجبت في أصلها فقد تخلص من المادة وصار موضعا لتجلى المعنى والحقيقة . كان الدقوقى في حاجة إلى أن يصير من جنس الأبدال لكي يكون إماما لهم ومن ثم طلب هذه المهلة ، وقد وافقه الأبدال على ذلك .

 

( 2074 - 2078 ) حلت إذن مشكلات الدقوقى ، ومنحه الأبدال السبعة التأييد وكلهم جلسوا للمراقبة والرحلة إلى عالم المعنى منفصلين جميعا عن ذواتهم لا خبر عندهم ولا انتباه إلا إلى الحق سبحانه وتعالى ، لقد تخلصت روح الدقوقى من محدودية الزمان ، والخلاص من محدودية الزمان هو الشباب الدائم ، ومن ثم فلا طريق للذبول والشيخوخة إلى رجال الله ، وتنجيه أيضا من ألوان التلويث أي اثار الحياة المادية ذات الألوان المتعددة وتعلقاتها ، فالصوفى الواصل من هنا يسمى في مرحلة اللون الواحد . . وإنك إن خرجت فترة بسيطة من جوف الزمان والعالم المحدود فإن حديث الكيفية والماهية سوف ينتقى تماما ويكون مأذونا لك بأسرار الغيب فالزمان مقيد بعالم المادة لا يدرك الأزمان والخروج عن قيود الحياة المادية . وإن أراد أن يعرف شيئا خارج هذه الحياة المادية فلن يظفر إلا بالحيرة ( انظر الأبيات من 2937 - 2940 ) .


“ 506 “

 ( 2079 - 2085 ) كديدان مولانا يتدخل بتعليقاته هو من خلال حكاياته ، فالحظيرة هي ما يجتمع فيها ذوو الأجناس الواحدة وعالم البحث والسعي هو الطريق ، والمقصود أنه في العلاقة بين الله والعبد فإن كل إنسان يمضى مع من يجانسه ، والإنسان كالدابة تربطه المشيئة الإلهية بأحد هذه الحبال ، والرائض هو مدرب الخيول ، والرافض هو من يخرج عن طريق “ جنسه “ والقائمون “ السائسون “ على الحظيرة ، هم الشيوخ والمرشدون يأخذون بزمامه ويسحبونه ، والحفظة هي المشيئة الإلهية تسلب منا اختيارنا ( لاختيار هو أفضل بلا جدال ) ، والعيار هو مدعى الذكاء ، والحافظ هنا مقتبس من الآية الكريمةإِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ( الطارق / 4 ) وفي البيت رقم 2084 يقول مولانا :

إنك تنوى شيئا ما ، وتسعى فيه ، ولا تصل إلى نتيجة فما الذي قيد يديك وقدميك ، وفي البيت التالي يقول : إنك مع ذلك لا تؤمن بأن الذي فعل ذلك هو قدرة الله وتسمى هذا الأمر بتهديدات النفس ، أي مشاغل هذه الدنيا التي تضخمها النفس في نظر السالك وتجعله مشغولا بنفسه وتبعده عن الخالق ( استعلامى 3 / 312 - 313 ) .

 
( 2086 - 2098 ) يواصل مولانا حكاية الدقوقى ، لكنه يتحدث حديثه هو ، ها هم يطلبون منه أن يؤمهم في ركعتين ( الفروض ) فأولى أن يكون العارفون . . المستنيرون ذوو البصيرة هم أئمة القوم ، فإن الأعمى لا يؤم المصلين وبالرغم من أنه يمكن أن يكون المقصود بالأعمى هنا أعمى البصيرة ، فإن الإشارة أيضا إلى قاعدة فقية ، وذلك لعدم اهتداء الأعمى إلى القبلة وصون ثيابه من الدنس .

وإن لم يوجد أفضل منه فلا كراهة ( مولوى 3 / 286 ) لكن الأبيات التالية تشير إلى أن المقصود هو “ أعمى الطريق “ ، ذلك لأن النجس الظاهر من الممكن أن ينتفى بالغسل ، أما نجس الباطن فلا حيلة فيه وفي البيت 2096 إشارة إلى الآية الكريمةإِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ( التوبة / 28 ) ونجس الكافر

 “ 507 “

 في باطنه ، والمقصود بالرائحة في البيت 2098 تأثير الكفر ومفاسده .

 ( 2100 - 2110 ) يتحدث مولانا إلى المريدين الذين لا طاقة لديهم لتحمل المعاني العميقة ويقدم لهم الأمثال من العالم المحسوس ومن الواقع المعاش .

إنكم لو كسرتم جرة “ الجسد “ وتغلبتم على هوى النفس فإن ماء الفهم يسيل خارجا ويصير سلسا رقراقا ، والحواس الظاهرة التي ترد الفهم الصحيح بمثابة الأنابيب التي تهدر الفهم ويشير في البيت 2103 إلى الآية 53 من سورة النور :

لقد سمعت أمر الله تعالى : غضوا أبصاركم ، ومع ذلك فقد اعوج سيرك وسال منك ماء الفهم الصحيح ، كما أن الكلام والاستماع إلى كلام الآخرين قد يمنعان الفهم الصحيح أيضا ، وفي البيت 2105 يقصد بالثقوب الأخرى الحواس الأخرى علاقتنا المختلفة بالحياة المادية والفهم المضمر هو الفهم الصحيح وإدراك الحقائق الإلهية . وزوال الفهم كأنه تبخر الماء . إن لم يكن هناك عوض من المطر لا نقلب العالم إلى صحراء .

 ( 2111 - 2119 ) يدرك مولانا نفسه أنه أحيانا يستغرق في المعاني بحيث ربما يترك القصص دون أن ينهيها . ومن المنافذ التي تأخذ مولانا إلى عالم المعنى ذكر أشخاص من مثيل أستاذه ومرشده شمس الدين التبريزي أو حسام الدين جلبي ( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الأول ) ، وهنا يذكر مولانا حسام الدين چلبى قائلا : إنه إن مدح السابقين فهو يقصد أيضا حسام الدين چلبى على أساس أن الأولياء نفس واحدة . لقد ثبت يا حسام الدين في القلب والروح ، وهما أيضا جديران بحلول من هو مثلك لأن السماء والأرض والأركان والعناصر لم تلد من هو مثلك . إن أي ثناء سقته لأحد هو ثناء لأولياء الحق . فنحن لا نمدح إلا الخير في الناس ، إنني أسوق هذه الحكايات والأمثال . حتى تأتى “ أسرار الأحبة في أحاديث الآخرين “ ولا يظن من هم ليسوا بأهل أنني أمدح حسن حسام الدين . والمدح أيضا مهما بلغ لا يبلغ ما هو جدير بحسن حسام الدين .
 

“ 508 “

( 2129 - 2133 ) يواصل مولانا الحديث عن أن كل أنواع المدح هي في الحقيقة مدح الله سبحانه وتعالى ، فالنور الذي يشع على جدار ليس من الجدار في شئ ، وانعكاس القمر في بئر يجعل الضال يدلى برأسه في البئر ويمدح .

وكل هذه الأحداث الخاطئة هي في الحقيقة نوع من توجيه مدح الله سبحانه وتعالى إلى غيره ، هي مثل ذلك الذي رأى شعره من حاجبه وظنها الهلال ( انظر الكتاب الثاني وأيضا ماخذ / 43 ) .

( 2135 - 2141 ) المقصود بالأصنام هو كل موجود سوى الله ، وفي المصطلح الصوفي “ كل ما شغلك عن الحق فهو صنمك “ ومدح هذه الأصنام كمدح الشهوة الوقتية ومن هنا فإن الميل إلى مخلوقات الدنيا ينبغي أن يكون وسيلة للتحليق نحو افاق عليا ، إن الخيال هو السبيل إلى الحقيقة ، والمجاز قنطرة الحقيقة ، والعشق الأرضي وسيلة للسمو إلى العشق الأعلى ، المهم أن توطن النفس على العشق ، المهم أن تحتفظ بهذا الجناح . ولا تعتبر نفسك واقفا على الصور الأرضية وإلا فقدت جناحك الذي تطير به إلى عالم المعنى . وكعادة مولانا يمنع نفسه من الاسترسال في الحديث ، وإن كان يطلب المهلة ويرجىء الحديث إلى موضع اخر حتى يتم قصة “ الدقوقى “ .


( 2142 - 2168 ) يواصل مولانا الرحلة الروحانية للدقوقى ( التي توقفت عند البيت 2078 ، وبعد المراقبة يصطف الأبدال للصلاة خلف الدقوقى إن تكبيرة القيام هي بمثابة ذبح النفس ، بحيث لا يبقى من النفس شئ والأضحية في الصلاة معناها إفناء النفس . فالروح تكبر تكبيرة الذبح على الجسد كما كبر إبراهيم عليه السلام تكبيرة الذبح على إسماعيل عليه السلام ، إن البسملة هي بمثابة البسملة على الذبيحة ، والصلاة بمثابة القيامة حيث يعرض الناس جميعا على الحي القيوم . وحيث موقف الحساب ويشتق مولانا من كلام الإمام على رضي الله عنه “ لا يزول قدم ابن ادم حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن شبابه

 “ 509 “

فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعما عمل فيما علم “ ( جعفري 7 / 495 ) ثم يواصل مولانا تفسيره عن الصلاة ويعطى معاني جديدة لحركات الجسد في الصلاة ، فالأكتاف المرفوعة أمام الخالق في القيام تنوء بهذه الأسئلة الملقاة عليها “ فتركع “ خجلا ، فينادى من الحق أن ارفع رأسك ، وأجب عن أسئلة الحق ، لكنه لا يقوى على مواجهة الحق فيخر ساجدا وهكذا تمر الصلاة ما بين سؤال من الحق ، وخجل وركوع وسجود من العبد ، بحيث لا يبقى له إلا أن يطلب الشفاعة .

 ( 2169 - 2177 ) إن تسليم الصلاة يعنى أن المصلى وقد أعياه السؤال يتلفت ذات اليمين وذات اليسار هيبة من الله تعالى وبحثا عمن يشفع له أو يعينه فييَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍفلا يجد شفيعا ولا حميما ، فكل مشغول بنفسه ، وكل انسان لا يستطيع أن يدافع عن ذنوب غيره . . ويخلص مولانا إلى تنبيه المصلى إلى هذه الإشارات الحسنة طالبا منه أن يستنتج من الصلاة بهذا التعبير الجميل : أخرج الفرخ من بيضة الصلاة : أي استخرج المعاني الكامنة في الصلاة كما يخرج الفرخ من البيضة . والبيضة هي الأفعال والفرخ هو المعاني ( مولوى 3 / 299 ) .

( 2193 - 2203 ) إن الشيطان نفسه ليسخر من العبد العاصي الذي لا يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والإنابة إلا حين يدركه الغرق . وعبدة الكلاب يعنى يا عبدة النفس الكلبية ، والعلتان : أي ما سبق من نفاق وكفر ، وما يبدو من نفاق حاضر وتظاهر بالتقوى . ولو رددتم لعدتم إلى مما كنتم فيه . ويعلق مولانا : إن حديث الشيطان واضح وظاهر ولكن لا تسمعه إلا الأذن الطيبة .

ويرى بعض المفسرين أن الحديث النبوي المشار إليه في الأبيات هو من كلام الإمام علي عليه السلام “ أول رأى العاقل اخر رأى الجاهل “ ( استعلامى 3 / 318 ) وفي البيت 2201 إشارة إلى حديث نبوي : “ الكيس من دان نفسه

“ 510 “

وعمل لما بعد الموت “ 2203 إشارة إلى الحديث النبوي “ سوء الظن من حسب الفطن “ .

 ( 2210 - 2225 ) يقترب مولانا من “ الدرس “ المستفاد من الحكاية وهو أن رجال الله لا ينتبهون إلى ما يجرى في الدنيا ، ومن ثم فهم لا يدعون إلا إذا كان الدعاء من مشيئة الخالق سبحانه وتعالى ، فالدعاء من الله سبحانه وتعالى والاستجابة منه أيضا سبحانه وتعالى . فهو الذي يطلب الدعاء ويوحى بهادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْوإن أولياء الله لا يدعون ، لأن وجودهم قد فنى . فلا رغبة عندهم سواء بالنسبة لهم أو لمن سواهم ، فهو عندما يدعو لا يدرى جسمه أو روحه الفردية خبرا عن دعائه .

 ( 2227 - 2244 ) المقصود بالبطل هو الدقوقى بالطبع . وأهل السفينة هم أهل هذه الدنيا . فالقدرة المعنوية لأهل الله هي قدم الثعلب ، وعلوم أهل الظاهر والتدابير الدنيوية . ومن أجل الوصول إلى الهدف عليك أن تستخدم القدم لا الذيل ، ونحن بالبحث والاستدلال والفكر نريد أن نجذب هذا وذاك إلينا ويعتقد فينا . . وهذا هو الطمع في الألوهية أي أن كلا منا يطمع في أن يكون إلها ، والحفرة المذكورة في البيت التالي هي حفرة الجهل والغفلة وهكذا أنت أيها الديوث يا من أنت في الجهل والغفلة : عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس . إنك أسير الدنيا بعناصرها المادية . وهي مؤخرة الحمار ، وأنت كالحمار لا تنظر إلا إلى مؤخرة الحمار . هذا هو كل عالمك فأين هو من عالم القلب ؟


( 2245 - 2282 ) في رواية للأفلاكى أن مولانا وعظ أحدهم قائلا : الزم القبلات الأربعة . قال : وما هي وعلمنا أن هناك قبلة واحد ؟ . قال : القبلة الأولى هي قبلة الصلاة وهي معلومة ، والثانية السماء قبلة الدعاء ، والثالثة أولو الأمر ما أقاموا العدل وقضوا الحاجات فالله في جانبهم ، والرابعة قلوب رجال الله وهي أسمع وأرفع ، فهي موضع نظر اللَّه ، فهو مسجد الخلق كافة لأن الله هناك

 “ 511 “

 ( مناقب 1 / 464 ) ، ليس كل قلب إذن جديرا بعشق الحق ، فإن الذي يجعل نفسه فانيا في الحق كما يفنى الجزء في الكل هو الذي يصير قلبه جديرا بجذب العناية الإلهية ، “ فإن الله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأفعالكم ، والقلب الذي ينظر إلى الدنيا الدنية ليس قلبا ، بل هو أشبه بالرطوبة الموجودة في الطين “ الجسد “ لا تصلح للوضوء ، والقلب عندما يصل إلى مرتبة “ البحرية “ يكون جديرا بجذب الحق ، وماؤنا أي قلوبنا وأرواحنا حبيسة في الطين “ الجسد “ وأسيرة في الحياة الدنيا . ويتجه مولانا بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى أن يخلص روحه من سجن الجسد . ولكن الله سبحانه وتعالى لا يجذب إلا القلب المتجه إليه لا القلب الذي يدعى أنه “ ماء عذب “ ، وهذا الادعاء هو الذي يجعل المرء محروما ويرده عن الباب ويؤذيه .

ويجعله دائما رهين الدنيا ، يحزنه مفقودها ، ويفرحه موجودها ، مع أن الخوف والفرح ينبغي أن يكونا بالله فحسب ولله . أما وأنك هكذا وتعاند وتدعى أنك من أصحاب القلوب ، ولا تبحث عن المدد من أصحاب القلوب الحقيقيين ، لأن قلبك معلق بالدنيا فهو أعمى . والقلب موضع نظر الله فهل يتفق أن يكون موضع نظر الله أعمى ؟ إياك أن تعتبر هذه القطعة الصنوبرية من اللحم قلبا ، فأي اتساع لها للعالم الأكبر وأقصى همها لذات هذه الدنيا التي هي مجرد انعكاس للذة الكلية . هذه القطعة الصنوبرية من اللحم عند الناس جميعا ، لكن القلة القليلة هي التي ظفرت بالقلب الذي هو موضع سر الله ، وبين أصبعي الله ، وموضع يتسع للحق ، هو القلب الذي يعرض عن الغير وعن الإعراض ويفنى بالحق ، يحيط بالوجود وينشر إحسانه على الجميع جودا ، لكنك مشغول كالأطفال تملأ حجرك بالحصى والحجارة وتظنها ذهبا ( كليات ديوان شمس تبريز غزلية 1353 بيت 9 ص 525 ) فهذه المعارف ليس بالعمر وتقدم السن بل هي بالإدراك . . ولا يدركها إلا الرجال .

 
“ 512 “

( 2283 - 2295 ) عودة إلى قصة الدقوقى : والمقصود بهذه الجماعة الأبدال ، والدقوقى ، ويرى بعض المفسرين أن إنكار الجماعة على الدقوقى أن السفينة كانت في سبيلها إلى الغرق في الفناء الإلهى ( ! ) وأن دعاء الدقوقى رد المشيئة الإلهية ( ! ) وهذا التفسير بعيد عن سياق المثنوى الذي ينسى أحيانا لدخول مولانا في تشعبات معنوية عديدة ، فالسياق كان عن الأولياء الذين لا يدعون .

فهم - كما عبر مولانا هنا - لا يبدون الاعتراض على المشيئة . وقصة الدقوقى مع الأبدال فيها كثير من روح قصة سيدنا موسى مع الخضر عليهما السلام فهو لم يستطع معهم صبرا . وكانت النتيجة أنهم اختفوا عن نظر الدقوقى الذي كان رغم مكانته يحمل كثيرا من “ هم الدنيا ومن فيها “ . . لقد صاروا في “ قباب الحق “ ( أوليائي تحت قبابى لا يعرفهم غيرى ) .

( 2296 - 2307 ) تنتهى حكاية الدقوقى عند هذا الحد ويضيف مولانا عليها بعض التعليقات القصيرة ، ولعل أحد المريدين أو الحاضرين قد اعترض على تجلى الحق في صورة البشر ، ويتساءل مولانا : إنك تعترض على أساس أنه كيف يلتفت رجل الحق إلى البشر بينما هو في مشاهدة الحق ؟ أقول لك : إنك تراهم موجودات بشرية مع أنهم ليسوا كذلك . والحمار هو الذي يقف على هذا الاستنتاج ويستريح إليه . وهذا قياس إبليسى : لقد ضل إبليس لأنه لم ير من ادم إلا الطين ( ولم ير النفخة الإلهية ) . . وها هو يخاطب الدقوقى ، “ وكل من يبحث عن الحق “ بألا يتوقف عن الطلب ، فإن الاستجابة مرهونة بالطلب .ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ( المؤمن / 60 ) ومن ثم فرجل الحق ليس أقل من الفاختة التي تهدل في سيرها قائلة ( كو . . كو : أين أين ؟ ) وهذا المثل ورد عند سنائى في الحديقة ( ص 12 ) وفي رباعيات الخيام .
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت سبتمبر 19, 2020 8:38 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 2308 - 2738 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:38 am

الهوامش والشروح 2308 - 2738 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 2308 - 2738 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 2308 - 2738 فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية ذلك الذي كان طالبا للرزق الحلال بلا كسب
وتعب في عهد داود عليه السلام والاستجابة إلى دعائه
( 2308 - 2311 ) يأتي ذكر الطلب ، فتذكر مولانا تلك الحكاية التي بدأت بالبيت 1451 وتركها دون أن يتمها ، مما يدل على أن المثنوى كان يملى بشكل

“ 513 “
 
تلقائى وبنوع من الاسترسال مع المعاني ودون خطة مسبقة . فكثيرا ما يترك موضوع “ حتى تنصب الحكمة من فضل الحق “ كما ورد في البيت 2311 .
 
( 2334 - 2359 ) المقصود أن رؤيا يوسف كانت بشارة له عليه السلام ، ومن ثم فإن كل ما كان يحدث له من بلايا مثل الجب والسجن والافتراء والتهم ، كلها كانت خطوات في سبيل وصوله إلى العرش ، مع أنها للنظر السطحي وللمنطق الإنسانى خطوات لا تؤدى إلى هذه النتيجة وقد ورد هذا التفسير في مقالات شمس الدين التبريزي ، “ مثل يوسف عليه السلام اعتمادا على رؤيا سجود الشمس والقمر والكواكب استعذب الجب والسجن “ ( ص 48 ) : فلو لم يلق يوسف في البئر لما وجده السيارة ، ولو لم يجده السيارة لما وصل إلى مصر وإلى بيت العزيز ، ولو لم تتهمه امرأة العزيز لما دخل السجن ، ولو لم يدخل السجن لما وصل العرش ، وهكذا فإن بعض “ ترتيبات “ الإله تتناقض تماما مع “ تدابير “ البشر ، وهذا يشبه “ لذة ألست “ وبشرى “ ألست “ أو يوم العهد والميثاق . فالإنسان منذ أن كان في ظهور أجداده وابائه قد شهد بالإيمان وعاهد الله عليه ، ومن ثم فهو يتحمل ما يتحمله في الدنيا ألما في تحقق العهد . إنه هذا اليوم كالحلم ، كالرؤيا التي يظل الإنسان يتذكرها ، وتجعله جلدا على تحمل الشدائد والمصاعب والأثقال كما يتحمل الجمل الأحمال والنقل ، وها هو حال المؤمن في هذه الدنيا . . لكن ذلك الذي لا يذكر “ ألست “ يظل من المُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ( النساء / 143 ) . . . 
وبما أن مولانا في عجلة من أمره لكي يعود إلى قصة مدعى الثور فهي يوصى السامع أو القارئ بالعودة إلى سورة الشرح ففيها من المعاني ما يكفيك في هذا الموضوع الذي أنا مدين بشرحه . فإن هذا ( الشرح ) المذكور في السورة الشريفة هو بمثابة شرح الباطن الذي يوصل الإنسان إلى الإيمان والعبودية الحقيقة ( انظر بيت 1476 من الكتاب الأول ) .
 
“ 514 “
 
( 2360 - 2370 ) عودة إلى القصة : فها هو مغتصب الثور يثور على صاحبه لأنه دعاه بالأعمى ، وهو يسمى هذا قياسا بقياس إبليس في موضوع السجود ، إنه قياس ليس نابعا من الإيمان ، لأن مغتصب الثور لم يتكد إلا من باب الله ولم يلجأ إلى الخلق ، وعمى العشق هو ألا يرى العبد شيئا سوى الله تعالى وإشارة إلى الحديث النبوي ( حبك الشئ يعمى ويصم ) وحسن المذكور هو حسن حسام الدين . إنه لم يعتبر الثور غصبا بل اعتبره مجرد استجابة من دعائه لله سبحانه وتعالى . . لقد كان يدعو ولا ينتظر سوى الاستجابة . . تماما مثل رؤيا يوسف التي كانت تدفعه وهو في أشد الظروف سوءا إلى انتظار عرش مصر من الله سبحانه وتعالى .
 
( 2370 - 2375 ) لا يرى صاحب الثور أبعد من ثوره ، ولا يرى في ضراعة الرجل واتجاهه إلى السماء داعيا وحديثه العميق عن العشق إلا نوعا من الاحتيال لا يخيل عليه . . فهو بالطبع ينكر أن يكون ( للدعاء ) دخل في ( الرزق ) أو في نقل الملكية ، أنه مقيد بعالم الحس قد أعمته المادة كما سنرى .
 
( 2391 - 2395 ) يعدد داود عليه السلام الأسباب الشرعية للملكية :
أهي الهبة أو الشراء أو هل أخذها لكسب على عمل أداه ؟ هل ورثها وهل يعمل له بالزراعة وأعطاه إياه ؟ وداود هنا في صورة البشرية واقف عند ظاهر الشرع يطبق القانون حرفيا ، وذلك قبل أن يلقى الله سبحانه وتعالى في قلبه النور ليعلم لب القضية .
 
( 2403 - 2415 ) لقد أثر بكاء الرجل قاتل الثور في قلب داود ، وبدأ يحس أن وراء القضية سراما ، لكن كيف له بانكشاف هذا السر ؟ لا حل سوى الخلوة والصلاة ، وهكذا يكون مصداق الحديث النبوي “ وقرة عيني في الصلاة “ حيث تنفتح كوة القلب على الملكوت وتتجلى فيه الأسرار دون واسطة ، وهذا من الصفاء الذي تمنحه الصلاة للباطن ، والخطاب والمطر والنور كلها رموز عن
 
“ 515 “
 
الإلهامات الغيبية و ( معدنى ) المقصود به مبدأ الوجود والأصل ، والمنزل الذي لا كوة فيه أي القلب الذي لا طريق منه إلى الخالق : “ وفتح الكوة “ أي تسليم القلب لله سبحانه وتعالى وفي البيت 2407 : جاهد وقم بعمل حتى تجد الطريق إلى الله سبحانه وتعالى وفي 2408 أيها العبد إنك تحب شمس هذه الدنيا وحياة هذه الدنيا والجمال الموجود وفيها انعكاس للشمس الكلية الموجودة وراء الحجاب ، وإذا انتفى حجاب العلائق الدنيوية ترى تلك الشمس وفي 2409 النور الحقيقي ليس هو النور الموجود في هذه الدنيا ، فهذا النور يراه الحيوان أيضا ، وكرامة الإنسان المذكورة في الآية الكريمةوَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ( آية 70 سورة الإسراء ) تعنى أنه كرم بمشاهدة النور الكلى ، ثم يتحدث داود عليه السلام حديث أهل الحق : إن رجل الحق هو النور وهو غارق في النور ولا يرى “ ذاته “ منفصلة عن ذلك النور ، لكن العبادة من أجل هداية الخلق ، فالعبادة أمر في حد فهم السالكين ، لكنها ليست في المستوى الروحاني لرجل الحق ، وهي مثل الخدعة مع العدو لا بأس بها طبعا للحديث المروى عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلم “ الحرب خدعة “ . . وينقل جلبنارلى ( 3 / 259 ) الحديث النبوي الشريف ( كل الكذب يُكتب على ابن آدم إلا ثلاث ، رجل يكذب في الحرب فإن الحرب خدعة ، ورجل يكذب على المرأة فيرضيها ورجل يكذب بين الرجلين فيصلح بينهما ) .
ويقول مولانا : لولا أن الله لم يأذن لتحدث داود عليه السلام بكل الأسرار ، وفي 2415 المقصود أن أحدكم أخذ بخناقه لكي يخرجه من حالة الوجد التي هو فيها ، ولكي يوقفه عن الحديث حتى يتحدث حديثا مناسبا للوقت ، وهي عادة بين العارفين إذا تم الوجد وزاد أن يأخذ عارف كامل في إيقاط العارف الذي في الوجد “ مولوى 3 / 328 “ .
 
( 2422 - 2443 ) ما ستره الله هو أن صاحب الثور كان عبدا لوالد مغتصب الثور ، وبعد أن قتله سلب أمواله ، وبالنسبة لتفاسير القران يعترف صاحب
 
“ 516 “
 
الثور بهذا الذنب ، وفي الرواية أن داود رأى في النوم من يأمره بقتل صاحب الثور فلما علم صاحب الثور بذلك اعترف ( استعلامى 3 / 327 ) لكن مولانا يفصل في القصة بما يتوافق وذوق المريدين . بحيث يطيل في اعتراض صاحب الثور على حكم داود ( الملك النبي ) ، وكان مولانا لم يكن يجد مندوحة في أن يعترض “ متظلم “ على حكم الحاكم حتى ولو كان ذلك الحاكم يجمع بين “ الحكم والنبوة “ وهذه هي روح الإسلام الحقيقية ، كما أن داود عليه السلام كان يعلم سر الرجل برمته ومع ذلك أراد أن ينهى الأمر “ وديا “ لولا أن الرجل بجهله وعناده ولجاجته في الأمر لم يكن بالذي يقبل . فأي علم لهم بما وراء الحجاب ؟
إنهم في هوى أنفسهم الظالمة فكيف يعرفون الظالم من المظلوم ؟ وهذا الموقف من الناس هو الذي جعل داود عليه السلام يقلع عن ستره على الرجل ، فإن الأمر كان يهدد بأن ينقلب إلى “ فتنة “ فها هم الناس بدورهم يعذلون داودا عليه السلام .
 
( 2454 - 2473 ) الفسقة والعجزة هم الذين يفضحون أنفسهم ويعلنون جرمهم على الملأ لأن الله سبحانه وتعالى عندما يسترهم فإنهم يمدون في طغيانهم وفسقهم وفجورهم ، بحيث لا يبقى طي الكتمان وبحيث يستشرى ولا يمكن إخفاؤه والشهود موجودون ، وتشهد اليد والقدم واللسان في الآخرة فقط بل وفي الدنيا أيضا . عندما يعمينا الغضب تكون فرصة الضمير أن يأمر اللسان بأن ينطق ، بل إن الظلم والقسوة التي نرتكبها تأمر الأيدي والأقدام بأن تتحدث وتفشى . وشاهد السر هو الضمير الذي يمسك بزمام الإنسان ويدفعه إلى إفشاء سره بنفسه . فإذا كان هذا الأمر في الدنيا فما بالك بالآخرة ؟ إن الله سبحانه وتعالى يستطيع أن يوكل بك من داخلك من يشهد عليكالْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ( يس / 65 ) إن جوهر الظالم شديد الوضوح ونفسه النارية تشهد عليه أنه ماض إلى النار .
 
“ 517 “
 
ومثاله ذلك العنود اللجوج العاصي الذي ستر الله عليه ، وأبى إلا أن يفضح نفسه . لقد قام بكل هذا العناد من أجل ثور . ففقد كل ماله وروحه . لقد فعل ما فعل بينما كان غلاما لا يعقل ، ولو كان قد تاب واستناب ودفع دية قتيله ، وطلب من الله سبحانه وتعالى أند يدفع الدية لأنه “ عاقلة “ كل القاتلين خطأ منذ يوم ألست “ والدية على العاقلة “ فحوى حديث نبوي والعاقلة هم أقارب قاتل الخطأ من ناحية الأب وعند الشافعي - رضي الله عنه - قبيلة القاتل وعشيرته ( انقروى 3 / 402 - 403 ) لقد كان در الاستغفار والضراعة والاستنابة كافيا لغفران الله ورحمته وستره .
 
( 2488 - 2505 ) إلزامه الحجة : أي إثبات الجرم عليه ، وفي البيت 2490 الدم لا ينام أي لا يبقى الجرم خفيا ، ويفسر في الأبيات التالية كيف يكون هذا :
إن عدالة الله توحى للناس أن يتساءلوا عما حدث وأن يتحيروا وبهذا يظل الدم يفور ، وفوران الدم هو عدم بقاء الجرم خفيا ، وهكذا يسجد الناس لداود متذكرين بهذه المعجزة الجديدة معجزاته السابقة بما يطابق الآيات 247 - 251 من سورة البقرة ، معجزة الحجارة الثلاثة التي كلمت داود وهو راع يرعى الغنم قائلة له خذني من أجل غزو جالوت فحملها في مقلاعه وفتله ، وصنعة الدروع ، وتأويب الجبال ، وهبة الحياة الخالدة أي الحياة الباطنية والروحانية التي هي باقية ببقاء الحق ، ونفس المعنى هو المقصود من “ الحياة الأبدية “ - وحين يموت الظالم تحيا الدنيا ولا يعبد أحد إلا الله بعد الضلال وعبادة الطواغيت ، فالظلم كفر على أساس أنه يؤدى إلى الكفر وإلى الشرك بالله ( مناقب العارفين 1 / 23 ) .
 
( 2506 - 2527 ) هكذا تنتهى القصة ، ويقدم مولانا الدروس الصوفية المستفادة منها أو المستوى الصوفي لها والمراد بالبيت 2506 أن فناء “ الذات “ يؤدى إلى الوجود الحقيقي وفي تلك المرحلة “ الدنيا “ حياة باقية ببقاء الحق والمقصود “ بالسيد “ الروح الباحثة عن الحق في الإنسان والذي ينبغي أن
 
“ 518 “
 
تكون “ النفس “ “ أمة “ لها . . والبيت مناظر للآية الكريمةفَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ( البقرة 54 ) فهذا القتل الباحث عن الله ينبغي أن يكون غالبا ومسيطرا على “ ثور الجسد “ أما الرزق الذي لا تعب فهو الأرزاق - الإلهية والمعنوية التي أعطيت للأنبياء والوصول إلى إلى هذه الأرزاق منوط بصفاء النفس والكنز هو التوفيق في الوصول إلى هذا الرزق ونحن لا نزال في الحياة الدنيا ، ويشير مولانا في بعض الأحيان إلى أن المعاني لا تطيعه فلا بد أنه “ أكل شيئا “ على أساس أن الطعام يمنع من حدة الذهن ، ثم يعود فيقول : إن الأمر ليس مرتبطا بطعام أو شراب لكنها مشيئة الله سبحانه وتعالى “ وحسان العيون “ أي أولئك الذين لديهم بصيرة الباطن ، وهؤلاء لا يتعلقون “ بالأسباب “ لأن فوق الأسباب أسبابا أخرى ، وهم لذلك قائلون بقطع “ الأسباب “ أي الإيمان بأن هناك أسبابا أخرى تحرك أسباب الدنيا ، وإلا فإن كل معجزات الأنبياء لا علاقة لها بأسباب الدنيا : وفي البيت 2521 : إشارة إلى ما روى عن إبراهيم الخليل عليه السلام ، إنه ذات يوم أخذ النمرود في توزيع الأرزاق على الجميع ما عدا إبراهيم فتوجه إبراهيم إلى الله تعالى طالبا منه الرزق ، ثم ملأ جواله بالرمل عند عودته إلى المنزل ، فحول الله الرمل إلى دقيق خبز منه أهل البيت ، ووجد إبراهيم عليه السلام الخبز جاهزا في الصباح ( ماخذ / 110 ) وفي الشطرة الثانية إشارة إلى تحول الصوف إلى وبر في يد موسى عليه السلام وزوجه بينما كان يغزلانه ( ماخذ / 111 )
 أما سنابل القمح دون زراعة فهي إشارة إلى مائدة عيسى عليه السلام ، وفي البيت التالي إشارة أبى لهب ليس المقصود بها الشخص المعروف بل هي هنا علم الكفار ومنكري المعجزة عموما ، وفي البيت 2523 إشارة إلى واقعة محاولة أبرهة هدم الكعبة على ما ورد في سورة الفيل ، وفي 2524 يحلق عاليا أي يسير في عالم الغيب ويأخذ أمره من الحق وإلهامه فيجندل الحصى الصغير الفيل الضخم وفي البيت 2527 إشارة


“ 519 “
 
إلى معجزة لسيدنا موسى عليه السلام الواردة في الآية 67 فما بعد في سورة البقرة حيث أمر الله تعالى بذبح بقرة ثم ضرب القتيل بذيلها حتى يحيا ويدل على قاتله ( انظر كفا في : الكتاب الثاني من المثنوى ص 151 - ص 152 والتعليقات 475 - 476 من نفس الكتاب ) وكل هذه دلائل تدعو إلى رفض الأسباب وقطعها .
 
( 2528 - 2538 ) ما زال مولانا يتحدث عن قطع الأسباب ، إن هذا الأمر ليس موكولا بالعقل الذي يكشف عن الأسباب والعلل ، أو العقل الدنيوي أو العقل المزايد ، والإدراك هذه الحقيقة هنا طريق واحد : العبودية المحضة دون استدلال ، فالفلسفى هو أهل الاستدلال والمنكر للحقائق الغيبية فهو أسير للمسائل العقلية والاستدلالية ، لكن الصفى ذو عقل اخر ، إنه عقل العقل الذي يستمد مداركه من منبع النور والضياء ، فالعقل الدنيوي قشر والقشر لائق بالحيوان والإنسان أجدر باللب ، والقشر باحث عن البرهان ، واللب أو عقل العقل باحث عن اليقين ، والعقل الظاهر همه في تسويد الكتب بالأبحاث والمقالات ، والجدل لكن العقل العارف يمضى في نور من مئات الأقمار والمواجيد الإلهية ، والأسود والأبيض كناية عن مظاهر العالم المادي ، وقيمة كل ما هو موجود في العالم المادي بقدر النور الذي يسطع عليا من عقل العقل ، وكذلك أرواحنا الإنسانية في قيمتها بقدر تقلبلها للنور ومن هنا فالكافرون موتى ( ص / 30 ) لأن أرواحهم بلا نصيب من هذا النور .
 
( 2539 - 2552 ) هنا يحس مولانا أن كلامه باق للأجيال ويستحث نفسه للحديث فكلامه هذا سوف يبقى “ رفيقا للباحثين عن الحق “ كما أن التوراة والإنجيل كانا قبل القرآن مصدقين للقرآن ومؤيدين لهوَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ( هود / 120 ) هذا هو الرزق الذي بلا تعب فخذه ، إنه الأرزاق المعنوية والغيبة التي تصل إلى رجال الحق
 
“ 520 “
 
( انظر الأبيات 2509 - 2513 ) . . إنها تؤدى نفس ما يؤديه الخبز ، هي الخبز الذي بلا مائدة يهبه الله لأوليائه فحسب ، وهي لا تتأتى بالكدح في الدنيا ، بل يعطيها الشيخ لمريديه ، وهو يشبه الشيخ بالنبي داود عليه السلام هو العادل كداود ( كما ورد في القصة المذكورة ) ونفس داود : هو النفس الروحاني لرجل الحق المستند على العلم الإلهى . إن نفس الشيخ هي بمثابة زمردة التي تعمى عين الأفعى ( في المأثور الإيراني أن الزمرد يعمى عين الأفعى ) .
 
( 2554 - 2571 ) يعود مولانا إلى مطابقة أفكاره بالرموز الواردة في القصة فكما كان صاحب الثور كاذبا مرائيا فإن النفس أيضا كاذبة مرائية ، إنها تخدع المدينة بأجمعها إلا الملك ( الشيخ ، المرشد ، داود ) ، إنها لا تستطيع أن تتغلب على العقل إلا إذا وجدت مجالا في وجودك وبقي عقلك غريبا ، هنا تكون كالكلب الذي يبدو على باب صاحبة أسدا ( مثل فارسي عامي ) لكن الأسود الحقيقيين هم سالكو طريق الحق ، واجمتهم هي حضور الشيخ ، والعوام في المدينة لا يعلمون مكر النفس ، وليس لها إلا القلب غريما والعوام جميعهم على صلة بالنفس بشكل أو بأخر يصاحبونها ويبتغون هواها اللهم إلا الشيخ فهو ليس من “ جنس “ النفس وليس رفيقا لها ، “ وكل من يرفعه الله عن مرتبة النفس ويوصله إلى مرتبة القلب لا يصبح بعد من جنس الجسد “ ومراتب الكمال المطروحة هنا هي اللطائف السبعة أو الأطوار السبعة “ الطبع ، النفس ، القلب ، الروح ، السر ، الخفي ، الأخفى “ وهي المراتب التي يقطعها الإنسان ليصل إلى “ مقام القلب “ وليس هذا لكل إنسان ، بل للصفوة ، لأن معظم الناس مرضى من السير وراء العلل والأسباب ، ومن ثم فهم يميلون إلى كل خسيس ظانين أن النجاة في يده ، غافلين عن أنه كالصياد الماكر يصفر للصيد حتى يسقط في شباكه ، إن المطلوب هو الهرب من مثل هذا المدعى ، الذي لا تعرف ضحيته نقده ( أي إدراكه المستقيم ) من نقله ( أي ما ينقله عن الأخرين ويدعى أنه وصل إليه
 
“ 521 “
 
بجهده هو ) المفروض الهرب منه مهما بدا “ معنويا “ أي مهما بدا عالما بالمعاني ومهما تشتدق بالمعاني ، فإن النجاة على يديه هي عين الأسر ، واليقين الذي يتأتى منه هو الشك بعينه ، ومهما كان المرء ذكيا . إن لم يميز “ المدعى “ من “ الحقيقي “ فهو أحمق ، ومن الخير أن تفر من الأحمق .
 
( 2572 - 2601 ) بما أن الحديث يدور عن الحمق والغواية وغلبة هوى الأحمق ونفسه عليه يسوق مولانا حكاية عن سيدنا عيسى عليه السلام ، وكيف فر من الأحمق رغم أنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى لأن :لكل داء دواء يستطب به * إلا الحماقة أعيت من يداويهاوالحكاية وردت عند الزمخشري في ربيع الأبرار وكتاب يذكر فيه حماقة أهل الإباحة للغزالي ( ماخذ 112 - 113 ) والأبيات فيما بعد تعتمد على ما روى من معجزات عيسى عليه السلام في القران الكريم وكتب التفاسير وسير الأنبياء وفي البيت 2590 قول منسوب إلى عيسى عليه السلام “ ما عجزت عن إحياء الموتى كما عجزت عن إصلاح الأحمق “ وتنتهى القصة بأن هرب عيسى عليه السلام لم يكن خوفا ، فهو امن بالله سبحانه وتعالى ، لكنه هرب لكي يعلمنا أن نهرب من الأحمق .
 
( 2602 - 2613 ) الحمق هو سبب الكفر ، وهو ليس مقصورا على الأفراد بل قد يكون مرضا جماعيا عند أمة من الأمم ، ويكون منشأه الوصول إلى درجة عليا في الحياة المادية ، وهدا أشبه بما يقال عن نمو الحضارات ووصولها إلى المراتب العليا من الناحية المادية فيغيب الإيمان ، ويتجرأ الناس على الخالق ، فيكون الانهيار المادي نتيجة للانهيار الروحي ، وقد التقط مولانا نموذجا لهذه النظرية من القران الكريم ، حيث قدم قوم سبأ مثالا على الفراغ مع عدم الإيمان والذي يعقبه الانهيار ، وقد بدأ مولانا القصة في البيت 282 ثم تركها إلى البيت
 
“ 522 “
 
364 ثم تركها ليعود إليها هنا عندما جاء سياق الحديث عن العلاقة بين الحمق والكفر ، ويقدم مولانا فيما بعد نماذج عن نزول الأنبياء في قوم أثقل الترف نفوسهم وختم على قلوبهم وأبصارهم فجرأهم على الجدل وأفشى بينهم المنطق الأرضي فختم الله على سمعهم وعلى أبصارهم وعلى قلوبهم غشاوة فهم لا يعلمون . وفي البداية يقدم مولانا مفارقة عن طريق قصة من قصص الأطفال . .
وكم في قصص الأطفال من عبر ومواعظ ، فكأن سبأ بكل ما فيها من فراغ هي البلدة التي وردت في قصة الأطفال التي يسوقها ، وكأن أهلها قد تلخصوا في هؤلاء الأشخاص الثلاثة الذين يرمزون إلى ما في البشرية من داء عياء ، وكأن الله سبحانه وتعالى أجرى على ألسنة الأطفال وهم صغار العقول ما يدل على هؤلاء الحمقى الذين بلغوا الغاية من الترف المادي ، ويرى يوسف بن أحمد أن المراد بالبلدة الإنسان وسكان المدن العشرة هم الحواس الخمسة الظاهرة والخمسة الباطنة والخلق هم القوى الجسمانية والتقوى الروحانية والأعمى حاد البصر هو الحرص وسليمان الحقيقة ورجل النملة الدنيا ، أما الأصم حاد السمع فهو الأمل والعريان الكاسى هو حب المال والطير السمين النحيل هو الدنيا ، أكلوا منه وهو ميتة مصداقا لقول الرسول ، : “ الدنيا جيفة وطلابها كلاب “ وظنوا أنفسهم قد تضخموا لكنهم مضوا من فرجة باب الموت وهي خفية وظاهر والزفاف هو الموت لأنه عودة الروح إلى أصلها ( منهج 3 / 351 - 353 ) ، وهناك تفسيرات أخرى ستأتي خلال عرض الأبيات .
 
فالمدينة العظيمة الواردة في البيت 2604 هي الوجود المادي وهو في نظر أهل الدنيا عظيم جداً وضخم في حين أنه في نظر أهل الحقيقة صغير جداً لا يعدو حجم الفنجان وفي البيت 2608 تبلغ بنا هذه التناقضات إلى أن أفراد الكائنات في هذه الدنيا بلا وجود حقيقي ، وهو مع هذه الكثرة لا شئ ، ماله وجود هنا هو الشهوة والحرص والغرور أو الادعاء وهم لم يغسلوا وجوههم أي ليسوا جديرين
 
“ 523 “
 
بحضرة الحق سبحانه وتعالى ، وفي البيت 2609 يعود فيقول : إن الخلائق على كثرتهم لا وجود لهم فالحرص والشهوة والغرور تظهر أنفسها منهم في كل أن ، 2610 فكل هذه النفوس لو أنها لا تسير إلى الله فهي لا تساوى لو كانت آلاف فهي لا تساوى نصف شخص وفي 2612 يصف الشهوة التي تسمتع إلى كلام أهل الدنيا جيداً لكنها صماء عند سماع أسرار الغيب ، ولا يساوى سمعها الحاد شيئاً . أما في البيت 2613 فالعارى هو الغرور أو المغرورون يظنون أنفسهم يملكون كل شئ لكن كل ما لهم لا يمكن أن يكون لباساً فوق الروح الباحثة عن الله تعالى هو فقط ذيل سابغ للثوب يعوق السير إلى الله ( استعلامى / 334 ) .
 
( 2614 - 2619 ) في هذه المدينة العظيمة التي لا تعدو فنجانا صغيراً في نظر أهل الحقيقة فإن الحرص والشهوة والغرور يتحدث بحديث لا علاقة له بالواقع وهو من نتاج الخيال الباطل عندها ، وهي تستمع من أنفسها لهذه الأباطيل وتصدقها وتخاف وتهرب من المدينة .
 
( 2620 - 2629 ) إن الحرص والشهوة والغرور ، هي رفاق تخاف من كل شئ بل يخاف كل واحد منها من الآخر ، تفر من مكان إلى اخر ، لكن ما تجده في الحقيقة لا شئ ، فالمدينة هي الأوضاع المساعدة في هذا العلم ، وهؤلاء الأصدقاء الثلاثة يهربون منها إلا ما لا يساوى قربة ، فالطير السمين هو لذات هذه القرية وهو يرضى الأصدقاء الثلاثة لكنه لا يزيد عن جلد وريش وعظامه أشبه بالأغصان الجافة ، واللذة التي تحدث من طيبات “ المدينة العظيمة “ كلها باطلة ، ومع كل هذه “ السمنة “ المتخيلة المظنونة يعبر الأصدقاء الثلاثة من طريق الموت بسهولة ، وكم يمر به من حفلات الزفاف أي انتقال الروح من غربتها إلى موطنها الأصلي .
 
( 2630 - 2635 ) يفسر مولانا في هذه الأبيات رموزه أن هؤلاء الأشخاص
 
“ 524 “
 
الثلاثة هم : الشهوة وهي صماء والحرص وهو أعمى والغرور الذي يخشى أن يسلب ثوبه بينما في الحقيقة عار ، ثم يقول : إن الشهوة معنا حتى الموت دون أن تعلم أنها هي نفسها إلى موت ، والعاري : هو ادعاء الإنسان الأجوف الذي يظن أن لديه ما يسلب ويخاف عليه من كل الناس ، ورجل الدنيا هو من يتصف بهذه الصفات الثلاثة .
 
( 2636 - 2643 ) إن الروح لتضحك عندما تسمع النواح عند الموت لأنها تعلم أن الموت هو تحرر للروح من الحرص والشهوة والغرور وفي البيت 2638 يشبه التعلق بالدنيا عندنا بحالة طفل يملأ حجرة بقطع الفخار والحصى وهو مثل تردد كثيراً عند مولانا ( أنظر 2245 - 2282 ) ويستخدمها في ألعابة كفضة وذهب ، وهكذا هو فلا دثار له من العلم ، وهكذا أيضاً يكون الغنى الذي يظن نفسه مالكاً لما في يده بينما هو في الحقيقة مستخلف فيه مبتلى به لينظر الله تعالى ماذا يكون سلوكة فيما استخلف فيه ، فأهل الدنيا في نوم الغفلة ، وشاد الأذن “ هو القدرة الإلهية توقظنا من حلم الدنيا “ ( انظر تعليقات البيت 1735 ، الدنيا كحلم النائم ) .
 
( 2644 - 2658 ) لقد مر الحديث عن المدينة العظيمة جداً التي تبدو هكذا لأنظار أهلها لكنها لا شئ ، وعن أهل هذه الدنيا المفلسين الخائفين من اللصوص كالأطفال الذين يملأون حجورهم بالحصى ، ويتحدث هنا عن علماء الدنيا : وهو يسخر منهم بأنهم “ عقلا ذوو فنون “ ، ومن هنا قال عنهم الله تعالى : أنهم لا يعلمون . . إن هؤلاء يشكون دائماً من الناس ويقول أحدهم : إنهم “ يسرقون وقتي “ في حين أن وقته كله لا نفع فيه ، إنه أشبه بالعريان الذي تؤرقه الخشية من سرقة ثوبه ، إن علمه كله خارج ذاته ، ماذا يجديه أن يعرف مئات الآلاف من الفصول دون أن يعرف نفسه ؟ ماذا يجديه لو عرف خاصية كل جوهر وهو لا يدرى شيئا عن جوهره هو ؟ وعلماء الشرع هؤلاء علماء الظاهر الذين يفنون


“ 525 “
 
الوقت في الجائز أو غير الجائز دون أن - يدرى أحدهم ، هل هو نفسه جائز أو أنه في حضرة الحق شيخ مهدم فان لا يتأتى منه أي شئ . . وعالم النجوم الذي يعرف مطالع السعد ومطالع النحس دون أن يعرف هل هو جدير بحضرة الحق أم لا وروح العلوم كلها هو معرفة النفس : لأن من عرف نفسه فقد عرف ربه ، ومعرفتك لنفسك أهم من معرفة الأصوليين “ أصول الفقه وأصول الكلام “ ومعرفة النفس أهم ، لأن فيها النجاة ، فقلل من فخرك بالعلوم الظاهرة ، وتدرك قيمة اللامتناهى في الحقارة أمام اللامتناهى في العظم وهذا هو لب المعرفة .
 
( 2659 - 2670 ) يعود مولانا إلى قصة أهل سبأ : بدأها في البيت 282 ثم تركها ، ثم عاد إليها في البيت 2602 وتركها وها هو ذا يعود إليها والمقصود من يفرون من أسباب اللقاء : أي السبل الموصلة إلى معرفة الحق ، ويعدد مولانا فيما بعد ذلك من أسباب مظاهر الغنى عند قوم سبأ على ما ورد في كتب التفاسير ويضيف إلى أن النعمة لم تكن نعمة مادية فحسب ، بل كانوا إلى جوار ذلك يتمتعون بالنعمة الثانية وهي نعمة “ الأمن “ فما فائدة الغنى إذا كان المرء غير امن على نفسه أو ماله ؟ وفي الإسلام نعمة المال مقرونة دائماً بنعمة الأمن “ أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف “ ثم يمنع مولانا نفسه عن الاسترسال في الحديث عن نعم القوم ، لأن هذا قد يمنعه عن الحديث في الموضوعات المهمة وبخاصة أن الأمر الإلهى ورد بلزوم الاستقامة ، والاستقامة هي القصد .
 
( 2671 - 2678 ) حدد عدد الأنبياء الدين جاءوا إلى سبأ بثلاثة عشر نبيا بناء على رواية أبى الفتوح الرازي في تفسيره ، والنعمة والشكر مرتبطان أشد الارتباط ، فلا نعمة بلا شكر ، ولا شكر بلا نعمة ، وإلا فغضب الله سبحانه وتعالىلَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ( إبراهيم / 7 ) وهؤلاء المرفهون يحسون علل النعمة الذي يسلب منهم الشكر عليها والغول في مصطلح مولانا هو الذي يضل المرء في بيداء الغفلة ولا يزال يناديه بصوت يشبه صوت صديق أو حميم حتى يضله “ أشبه بالنداهة في المأثور الشعبي المصري “ . . لقد بلغ بهم الملل مبلغه بحيث إن النعم المتصلة لم يعد لها طعم في
 
“ 526 “
 
أفواههم ، وبحيث ضلوا عن منبعها وفي الأبيات بعض ما ورد في تفسير أبى الفتوح الرازي ، “ كفروا وقالوا لا نرى لله نعمة علينا ، ولو كانت النعمة منه ، قولوا له أن يأخذها منا “ ( ماخذ / 113 ) .
 
( 2679 - 2690 ) من هنا فصاعدا يطرح مولانا مناقشة قوم سبأ للأنبياء ومن خلالها أيضاً يسوق مولانا الحديث إلى مريديه ، ويدور الحديث هنا عن الروح المريضة التي لا تجد في نفسها ميلا إلى الحق ، والتي طمست النعمة والرفاهية الجسدية طرقها إلى السمو والعلو ، فهي تزهد ما في يدها ، وتتوق إلى ما ليس في يدها مهما كان تافهاً وحقيراً ، فهي من مرضها تظنه عظيماً ، هو الشذوذ إذن الذي تبتلى به النفوس التي عبت من الرفاهية والرخاء ما شاء لها أن تعب حتى لا ينقلب الموت إلى حياة ، إذ لا تجد هذه الروح المريضة شيئاً تدمره فتدمر نفسها . . فكل ما تحصل عليه ينقلب داخلها إلى أداة تدمير ، وكل ما يصل إلى يدها تزهده وتتوق إلى ما وراءه ، هي إذن تلك الحمى التي تنتج من اعتبار المادة هي غاية المنى ومنتهى الأمل ، أترى مولانا كان يستشرف من خلال قصة قوم سبأ ما نشاهده الآن من أمراض في الحضارة الغربية يرى اشبنجلر بفكرة المصير بدلًا من العلية ، إذ إن المصير يعبر عن جزع الروح لما يهدد جوهرها أو كيانها أو تفاعلها ، من أجل إثبات الذات وفي ذلك تعبر عن الحياة ولا يمكن إدراك فكرة المصير إلا بالتجربة الحية فلا يمكن تعرفها بمنطق العلم ، ولا يعبر عن سياق التاريخ في نظر اشبنجلر إلا غير المصير ويسرى على الحضارات ما يسرى على الكائنات العضوية تنبت وتنضج وتذبل وتفنى ، وأهم ما في نظرية اشبنجلر مما ترهص به أفكار مولانا أن القوة الروحية أساس رئيسى من أسس الحضارة وإن للحضارة إمكانات خارجية وإمكانات باطنية وحين تبلغ الحضارة غايتها خارجياً ينضب دمها وتتحجر قواها ، وخريف الحضارة هو فترة مدن باقية وتجارة منتشرة وملكيات مركزية وفيه يبدو انحلال الدين وفقر الحياة الداخلية ، كما أن العقلانية والتنوير علاقاته بظاهره ثم تنحدر الحضارة إلى الشفاء الذي يتمثل في ذبول الإبداع الفنى والذهني وموت الدين وظهور
 
“ 527 “
 
الشك والمادية المفرطة وعبادة العلم بقدر فائدة العلم وهي أمور يبديها مولانا هنا في مناقشة أهل سبأ للأنبياء وشكهم وظهور الملل من الترف المادي الزائد .
“ لآراء اشبنجلر أنظر : مصطفى النشار : فلاسفة أيقظوا العالم 307 - 323 ( القاهرة دار الثقافة 1981 ) وأنظر أيضا عبد الرحمن بدوي : اشبنجلر القاهرة النهضة المصرية طبعة 1945 م - واشبنجلر : تدهور الحضارة الغربية - الترجمة العربية لأحمد الشيباني : الجزء الأول : دار مكتبة الحياة :
بيروت - بدون تاريخ “ .
 
( 2691 - 2701 ) يدور الحديث حول نوعين من العلاقة : أحدهما بين عقلين طالبين للكمال ، وفيها الصفاء والنور المعنوي ، وهي تتوطد وتزداد أو اصرها بمرور الوقت ، هي “ الولاء “ والثانية بين النفوس الإنسانية تقوم على أسس مادية وهي تقل لحظة بلحظة ، وعندما تكون النفس مريضة تفسد العلاقة وتسوء المودة ، وفي هذه الحالة تسمم كل ما تلمسه بيدك حتى الفنون وحتى الشعر بيدو لك كل ما تقوله ثقيلا ممجوجا مبتذلًا “ ميل الحضارات في أفولها إلى كل غريب وعجيب من الفنون مللا من كل ما هو سائد “ وكل هذا من العلة والمرض - فإن شفيت من العلة والمرض ، أي التخمة وعبادة المادة ، فإن كل قديم سوف يبدو أمامك جديدا سوف ينقلب الوجود إلى جمال في عينيك . انظر إلى الجذر القديم في الحفرة : أليست تنبت منه في كل أن أوراق خضراء وبراعم وزهور ؟
 
( 2702 - 2711 ) إن الأنبياء والأولياء أهم أطباء هذه العلة ، وهم الذين ينشق البحر لهم ( إشارة إلى معجزة موسى عليه السلام ) وهم غير الأطباء الطبيعيين الذين يعرفون أحوال المريض عن طريق النبض ، لأنهم ينظرون إلى القلب دون واسطة “ واعلم أنه كما يقال في الطبيب إنه خادم الطبيعة ، كذلك يقال في الرسل والورثة إنهم خادموا الأمر الإلهى في العموم . فالرسول والوارث طبيب أخروي للنفوس منقاد الأمر الله حين أمره فينظر في أمره تعالى وينظر في إرادته تعالى فيراه قد أمره بما يخالف إرادته ولا يكون إلا ما يريد ولهذا كان


“ 528 “
 
الأمر ، فأراد الأمر فوقع “ محيي الدين بن عربى - فصوص الحكم - 97 - 98 شرح أبو العلا عفيفي - دار الكتاب العربي ببيروت - بلا تاريخ “ تاريخ المقدمة 1946 ) ، لأن لديهم فراسة من الحق سبحانه وتعالى ، أولئك هم أطباء الغذاء وعلل الجسد ، أما الأولياء فهم أطباء الفعال والمقال ، وهم يعالجون بنور الله سبحانه وتعالى ، أولئك يلاحظون البول ويستنتجون منه ، وأما هؤلاء فوسيلتهم إلهام الله تعالى وهم لا يريدون أجراإِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ( هود 29 ) . . وهم يدعون إليهم المرضى . وليسوا مثل الآخرين يذهب المرضى إليهم ، فإن مرض القلب مستتر حتى على صاحبه .
 
( 2712 - 2734 ) إن المنكرين في كل عصر وزمان لا ينظرون إلى هؤلاء الأطباء من الأنبياء والأولياء إلا نظرتهم إلى كل إنسان أنه جسد “ يأكل الطعام ويمشى في الأسواق “ ولا فرق هناك بينهم وبين غيرهم من المرضى ، “ “ فليرعوا “ إذن في هذا المرعى “ ويعيشوا “ دون أن تشغلهم هذه الأمور ، إن المتعة جاهزة فلماذا لا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام ؟ ويرد الأنبياء : إن كلامكم هذا هو ناشىء من العلة ، إنهم لا يرون جوهر النبوة ، وهذا من العمى ، إن الشمس هي الدليل على وجود الشمس ، ولو تحدثت لقالت لك : انهض لقد طلع النهار و “ الصباح أغنى عن المصباح “ . وكل من يطلب في الصباح مصباحا إنما يقدم الدليل على عماه . فإذا كنت لا ترى لكنك تظن أن هذا الكلام حقيقي فاسكت حتى يأتيك الفضل من الله سبحانه وتعالى ، فالصبر والصمت سبيلان إلى الرحمة . فإذا كنت في أثر الدليل فمعناه أنك عليل ، واستمع وانصتوَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَضح بمالك وبروحك أمام رجل الحق حتى لا تنتكس ، وضح بنفسك وبعلائقك في سبيل الطريق إلى الله ولا تنبس ببنت شفة ، فإن رضى هؤلاء الأطباء عنا ، فسوف نعرف “ أنفسنا “ وأننا “ لا شئ “ أمام عظمة الوجود ، هؤلاء الأطباء لا يشفون الناس من لدن أنفسهم أو الجانب البشرى فيهم ، بل هي هداية من الحق .
 
“ 529 “
 
( 2735 - 2755 ) يرد المنكرون : ما هذا إلا مكر واحتيال ، فمتى ينيب الله عنه بشرا عاديين ، ونائب الحق ينبغي أن يكون من جنسه لا من الماء والطين ؟
أين أنتم من الله ؟ وأين البعوضة من العنقاء ؟ وأين الهباء من الشمس ؟ 
إن هذا أشبه بما ورد في كليلة ودمنة من قصة الأرانب والعين التي كان القمر يظهر فيها ، وكيف احتال الأرانب لإبعاد الفيلة ، وكيف أن أحد الأرانب ادعى أن رسول القمر الذي في البئر إلى ملك الفيلة وكيف أن صورة القمر في البئر واهتزازها من اهتزاز الماء قد خوف ملك الفيلة فجلوا عن العين ، 

وها هم المكرون يقولون : نحن لسنا من الذين يخافون من وهم ( يقول الملحدون المعاصرون كالقدماء تماما : إن الإيمان بالألوهية نوع من الوهم باق من طفولة البشرية ) .
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 2740 - 3131 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:41 am

 الهوامش والشروح 2740 - 3131 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

الهوامش والشروح 2740 - 3131 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 2740 - 3131 فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية الأرانب التي أرسلت أحدها برسالة إلى الفيل قائة له :
قل : إنني رسول قمر السماء إليك ويأمرك قائلا :
ابتعد عن عين الماء تلك كما هو مذكور بتمامه في كتاب كليلة ودمنة
( 2756 - 2759 ) يقول الأنبياء : إن الدواء الذي قدمناه لكم والنصح الذي نصحناكم به لم يؤثر فيكم ، بل إن طبيعتكم الكافرة الملحدة قد حولته إلى سم ، وهكذا العلة . وهذا هو من غضب الله عليكم . إن نبوتنا لا تأتى منكم ، نحن كالبحر وأنتم كالسفين . وهل يشرف البحر من السفين الملىء بالبعر وهو بحر ملىء بالدر ؟ ! أي أن الرئاسة التي تتأتى منك ليست أمرا مشرفا .
 
( 2760 - 2774 ) يستمر كلام الأنبياء مع أهل سبأ ، لكن الواقع أن مولانا يتحدث إلى مريديه . . ويتأسف من عين الظاهر التي لا ترى نور شمس الحقيقة إن هذا كعمى إبليس اللعين الذي لم ير من آدم إلا قبضة من الطين فقال أنا خير منه ، وعين هذا المجنون هي التي أضلته ، فألقى حكما هو نابع من خلقته هو ومن أصله هو ، ومن إدباره وسوء حظه ، لقد واتاه الحظ مرة واحدة فتحول عن
 
“ 530 “
 
طريقة . لأنه كالعنين الذي يصل إلى حبيبه . وما من سبب لهذا ، لا العين ولا الرأي ، بل هو الحرمان ، هو قضاء السوء ويعود الأنبياء للحديث مرة أخرى موجهين الكلام إلى المنكرين من أهل سبأ : ليس السبب هنا أنكم غير مقتنعين بنا ، ولكن السبب في أن اللعنة قد حلت بكم لأنكم عكفتم على أصنامكم ( ذواتكم ورفاهيتكم ونفوسكم المريضة ) فإذا كنتم قد اعتبرتم هذه الأصنام آلهة لكم ، فكيف تنكرون أن يكون موضع العقل والروح موضع سر الله ؟ لقد أنكرتم على البعوضة الحية أن تكون موضع سر العنقاء ولم تنكروا ذلك على البعوضة الميتة ( دنياكم وأصنامكم ) ، ألأن البعوضة هي من صنعكم أما البعوضة الحية فمن صنع الله ؟ إذن لقد وضح الخفاء : إنكم لا تعبدون الله ولا تعبدون الأصنام ، بل أنتم في الحقيقة تعبدون أنفسكم وتعبدون ما تصنعونه أنتم . إنكم تعتبرون أنفسكم آلهة . إن صنع الله حتى في خلق “ بعوضة “ جدير بالتمجيد والتحميد .
 
وما عبادتكم لأنفسكم إلا كما يدور ذيل الحية حول رأسها . ولا في الذيل أو في الرأس أية فائدة ، لكنهما من جنس واحد . فالتافه غالبا ما يميل إلى التافه . وهذا يشبه ما ورد عند الحكيم الغزنوي ( سنائى الغزنوي “ الذي يقول في الحديقة :
اجعل الفضول خارج هذا الموضوع فإن أذن الحمار مناسبة لرأس الحمار ( حديقة الحقيقة البيت 403 ) فقلل إذن الكلام هنا ، فإن المنكرين إنما ينكرون سوء القضاء ، ولا يستطيعون أن يقولوا أكثر من هذا ، وهذا القضاء مناسب لهم ( 2775 - 2785 ) إن القضاء مناسب لما نحن جديرون به ، هذا كما تتناسب الأعضاء مع الأبدان ، وكما تتناسب الأخلاق والطباع مع الأرواح ، والله سبحانه
 
“ 531 “
 
وتعالى هو الذي يضع الصفات الحسنة والصفات القبيحة للأرواح ، لقد ( أعطى كل شئ خلقه ثم هدى ) ( طه / 50 ) وفعل الحق كفعل الرسام يرسم الصور الحسنة والصور القبيحة كلها تدل على أستاذيته . ( انظر : الكتاب الثاني - الأبيات 2546 - 2550 ) ، وفي البيت 2779 إشارة إلى الحديث النبوي : “ إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء “ وفي المصطلح الصوفي أن الإصبعين كناية عن “ اللطف والقهر “ و “ القبض والبسط “ و “ الخوف والرجاء “ و “ الجلال والجمال “ كلها تجليات لعظمة الله سبحانه وتعالى ، فلطف الحق يسبب البسط في قلب المؤمن : وقهره يسبب القبض ، ثم يخاطب مولانا قلب المؤمن : إن كنت جديرا بعناية الجلال ، إننا نشبه قلما في يد القدرة ، وسن هذا القلم ( مفرقة ) على مفترق طرق أربعة :
قهر ولطف وقبض وبسط ، وبمشيئة الحق نكون مشمولين في واحد من هذه الطرق ، وأحوالنا كلها كالحروف التي يكتبها قلم القلب ، وهي من كتابه الحق .
فإذا عزمت وإذا فسخت فكل هذا من الله سبحانه وتعالى . وانظر بين إصبعىّ من تكون : أي قدر اليد التي تمسك بك وتقلبك حيث تشاء واخضع ولا تتمرد . .
لكن واسفا ليس كل قلب بالعالم بهذا . لكن هذا القلم ( القلب . . قلب مولانا ) يعلم لأنه يكتشف قدرة في الخير وفي الشر .
 
( 2786 - 2796 ) يعلق مولانا على المثل الذي أورده المنكرون بقصة الفيل والقمر أنه من الحيلة والكفر ، وإلا فما قيمة هذه الأمثال أمام الحقائق الأزلية الإلهية ؟ في الأمور يستطيع الله فحسب أن يضرب الأمثال للناس ( يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم ) ( النور 35 )
“ 532 “
 
وكيف تكون خاليا من العشق الإلهى - “ أقرع “ - وتضرب المثل للجمال الإلهى بالوجه الحسن والجدائل السوداء ؟ إن موسى - مع مقام نبوته - لم يكن يعلم أن عصاه حية مع العلم بأن باطنه كان عليما بإمكان حدوث هذه المعجزة ( انظر طه 19 ، 20 ) ، أي علم لك بما يضعه الحق في طريقك ليقوم بصدك ؟ إنك بمثلك هذا تحطم نفسك ، فإن الله تعالى يجعل من أمثالك وبالا عليك ، لأنك بمثابة فأر وتتخذ مثلا من فضولك بما لم يقو عليه الأنبياء ، مصيرك كإبليس الذي قاس النار بالتراب ، وقارون ادعى أنه أوتى المال على علم عنده ، ومن ثم فمثلك هذا هو سبب خرابك .
 
( 2797 - 2800 ) موضوع هذه الأبيات مقتبس من الآية 38 من سورة هود :
( ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه ) .
 
( 2801 - 2807 ) ينزل مولانا إلى المستوى العقلي والروحي لأولئك المدعين فيقدم حكاية رائجة من المأثور الشعبي عن الغفلة في القياس والاستنتاج ، فمن الواضح أن اللص ينقب جدار المنزل ، ومع ذلك فالرجل الساذج بدلا من أن يستغيث يدخل معه في حوار عن الذي يفعله ، فلا يجد بدا من السخرية فيجيب بأنه طبال ، فإن سأله : وأين أصوات الطبول ؟ قال أصوات الطبول سوف تقدمها غذا بصياحك واستغاثتك ( بالطبع بعد أن تكتشف السرقة ) .
وهكذا يكون الجواب للمنكرين إن سألوا : أين الدليل ؟ يقال : غدا تقدم أنت نفسك الدليل عندما تستغيث فلا تغاث إلا بماء يشوى الوجوه .
 
“ 533 “
 
( 2808 - 2824 ) هنا يرد مولانا على المنكرين من أهل سبأ ، وعلى كل أولئك الذين يتناولون عوالم الغيب بمقاييس العالم المادي الذي يعيشون فيه ، وفيما سبق
 
( 2787 ) قال مولانا : إن أي إنسان لا يستطيع أن يضرب الأمثال عند الحديث عن عالم الغيب . والآن يتناول المثال الذي قدموه وهو مثال الأرنب : إن مثال الأرنب لا يمكن أن ينطبق على رسالات الأنبياء إن هذا المثال يرمز إلى شئ اخر ، ويهدف إلى بيان معان أخرى ، فالأرنب في هذه الحكاية هو شيطان الفضول ، والفيل هو نفسك ، وماء العين هو معرفة الحق التي تهب الإنسان الحياة الخالدة ، وتفسيركم هذا اللقصة وتكذيب رسالات الأنبياء كفر وانتظروا العقاب عليه ، فأي تشابه بين القمر والفيل والأرنب مع قمر الحقيقة الذي يقف الوجود أمامه عاجزا ؟ إن الخاص ومن هو من العوام كلهم عاجزون أمام ذلك القمر أي قمر الحقيقة ، إنه شمس وشمس الشمس ، بل إن هذا التعبير قاصر ، انظروا إلى المكذبين من قبلكم ، اقرءوا ( وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون ) ( الأعراف - 4 ) .
 
انظروا كم خربت من قرى من أمثال قرى عاد وثمود ، بل انظروا إلى جبل الطور وقد انشق من التجلي الإلهى ، بل إن الشمس نفسها في جنون مما ينزل بها من كسوف ، إن غضب الأولياء والأنبياء كفيل بأن يسلب منكم كل نعم الحياة ومتعها ، وأن يحول خواص كل شئ إلى أضدادها ، إنكم موتى لم تكفنوا بعد ، فانظروا إلى ما حاق بقوم لوط ، إذهبوا وانظروا فلا تزال اثارها باقية وما فيلكم هذا ؟ ألم تقرءوا سورة الفيل وكيف مزقت الفيلة طير الأبابيل ؟ ألم تسمعوا عن طوفان نوح ؟ ألم تسمعوا عن حرب جند فرعون مع موسى وغرق قوم فرعون ؟ ألم تسمعوا عن دمار ثمود صرصر عاد ؟
 
“ 534 “
 
( 2825 - 2834 ) دعنا من فيلة أبرهة . ألم تسمعوا عن الفيلة التي تجندل أي فيل قوى في الوغى ؟ وهذا بقدرة الله لأنهم من رجال الله وأوليائه ، ألم تسمعوا عن الظلمة من الملوك وجبارى الأرض الذين أخذهم غضب قلوب رجال الحق ؟ فمضوا من ظلمة الظلم والجبروت إلى ظلمة القبر دون أن يغيثهم أحد ؟
ألم تسمعوا الذكر الحسن والذكر القبيح ؟ ويتكرر هذا المعنى كثيرا في المثنوى أن القحط يحل حينما يحل غضب الأولياء من الظلم والتعدي على حرمات الله تعالى . وكثيرا ما أشار مولانا في مجالسه عما حاق بخوارزم من غزو المغول نتيجة ظلم خوارزمشاه الذي دفع والد مولانا إلى الهجرة بأسرته ( مناقب - 1 وأنظر الكتاب الثاني البيت 3123 وشروحه ) إنكم تتجاهلون هذا الأمر ، لكن الموت هو الذي سيفتح عينك ما دمت قد أغمضتها هنا على بئر الحياة الدنيوية ولم تفتحها على عالم المعنى ، إنك مفعم بالطمع والافتراس فكيف تتخيل جمال يوسف ، إنك لا تسمع مع أن كلمات الحق استمعت إليها الجبال من لسان داود .
 
( 2835 - 2842 ) العقل هنا هو العقل الناظر إلى الحقيقة والباحث عن الله سبحانه وتعالى . ثم يسوق مولانا بضعة أبيات باللغة العربية والبيت الخامس بالعربية من ليس يرجو خيركم لا يستقيم المعنى ، والمفروض إنه من ليس يرجو “ ضركم “ ولعله من خطأ النساخ . ولنتحدث الفارسية : أي لنقدم بالفارسية خلاصة ما قلناه بالعربية ، والخلاصة كانوا عبيدا لله وهو ما يسعى إليه الفارسي والتركي والهندي وصدقوا براهين الأولياء ، فقد مالت الملائكة إليهم وسجدوا لآدم عليه السلام .
 
( 2843 - 2863 ) تحدث مولانا كثيرا عن الحزم وأكد أنه هو التسليم لأمر الله وإطاعة أوامر رجال الله ( انظر الأبيات 213 و 267 و 2204 ) ويقول هنا :
 
“ 535 “
 
أيها المنكرون انظروا إلى الماضين وإلى الكافرين واتعظوا أو انظروا إلى العاقبة بحزم ، وحتى إن لم تكن مؤمنا فافعل شيئا في طريق الحق من باب الاحتياط ، فمن يدريك أن ما تنكره هكذا ليس حقيقة ؟ ثم يخاطب أبناء الخليقة ( بني آدم ، أولاد الخليفة ، ألم يكن آدم هو خليفة الله في أرضه ؟ ) احزموا أمركم وخذوا بثأركم ممن أضل والدكم وعزله عن عرش الملوكية وطرده من الجنة وهزمه في لعبة شطرنج القلب ، هكذا فعل مع والدكم وهو نبي ، فتخيلوا ما يحدث لكم إن لم تقفوا له بحزم ، تذكروا أباكم في منفاه يبكى حتى ينبت النبات من دمع عينيه وتجرى البحار من غزارة هذا الدمع ، إن ادم ضاق ذرعا منه ، فقس هذا الأمر على نفسك ، فيا عباد الدنيا ، اهزموا هذا الشيطان بتذكر حول الله وطوله وبقولكم :
لا حول ولا قوة إلا بالله ، واعلموا أن كل من زهد في طيبات الدنيا ، يصل إليه قوته من الغذاء المعنوي .
 
( 2864 - 2886 ) يقدم مولانا مثلا اخر للمتردد بين الفخ والنجاة ، أو بين الشهوة والحزم ، فالشبكة والحبة هي الدنيا ، والخلاء هو عالم المعنى ، والطائر هو الإنسان الذي يستطيع الاختيار بين طريق الحق أو خداع الدنيا ، والطائر الذي ترك التردد هو الإنسان الذي يسلك طريق الحق دون شك ودون تردد ، وما أسعد ذلك الطائر الذي يطير نحو الحق ، هو مقتدى الأحرار الذين تحرروا من خداع الدنيا ، وساروا في الرياض والبساتين أي منازل السير إلى الله ، وهو يخاطب المتردد الذي يسقط ويقوم : لقد أسلمت طريق وصول الغذاء المعنوي إليك “ الحلق “ للذبح أكثر من مرة ثم يتوب عليك التواب اللطيف ، ثم تعود ، “ وإن عدتم عدنا “ ( الاسراء / 8 ) لأن الجزاء من جنس العمل . . وهما : أي الجزاء والعمل
 
“ 536 “
 
متصلان كزوجين يحمل الزوج أسيرا تسرع زوجته في أثره ، وكثيرا ما أنجاك اللطيف الخبير لكن فراشة النسيان تجذبك ثانية نحو النار ، لقد نسيت أن الشكر على أنه أنجاك من النار هو ألا تعود إلى هذه النار أبدا ، لكنك لا زلت تحوم حول الفخاخ في حين أنك إن ابتعدت عنها سوف يهبك رزقا بلا شباك أي رزقا خالصا معنويا .
 
( 2887 - 2901 ) يقدم مولانا هنا مثالا اخر على التردد المنبعث من الحرص ، فالكلب المنكمش من البرد يفكر عندما يأتي الصيف أن سيبنى منزلا ، فإن أتاه الصيف وتمددت عظامه واكتست لحما ، اغتر ورأى أن أي منزل لا يمكن أن يسمعه وهذا هو الحرص ، فعندما يكون الإنسان معدما يكون حرصه أقل ، وهذا طبعا عكس أن يكون مالكا فيكون حرصه أكثر وأشد ، وهكذا يفكر الإنسان في التوبة عند الشدة ( البرد ، الشتاء ) فإن ذهبت الشدة ذهب تفكيره في التوبة وبدلا من أن يشكر على النعمة ويتوب ، إذا به ينكص على عقبيه ، مع أن الشكر هو روح النعمة ( أنظر التعليق على الأبيات 2671 - 2678 ) ويعمد مولانا هنا العودة إلى قصة قوم سبأ .
 
( 2902 - 2910 ) يعود مولانا إلى قصة قوم سبأ ، وكيف وقفوا أمام نصح الأنبياء قائلين : إن نصحكم هذا لا فائدة منه لأن الله لا يريد لنا أن ننتصح وهو الذي ختم على قلوبنا وهذه إرادته . . هذا ما أراده لنا كما أراد لكل شئ طبيعته ، ولا يتحول عن طبيعته فلا الحجر يتحول إلى ياقوت ، ولا القديم يصير جديدا ،
 
“ 537 “

ولا التراب يصير ماء ، ولا الماء ترابا ، كل مخلوق وقسمته وجبلته التي جبله الخالق عليها ، أي أن المقصود : نحن على كفرنا وإنكارنا مجبرون .
 
( 2911 - 2918 ) أجاب الأنبياء أن هناك صفات ذاتية وصفات عرضية ، والصفات العرضية قابلة للتغيير والتبديل ، ومن أجل هذا وجد الأنبياء ، فالمبغوض يتغير ويصير محبوبا سواء في علاقته مع الناس أو في علاقته مع الله والتراب ينبت الزهر ، والمعادن قابلة للتحول بالكيمياء والله سبحانه وتعالى خلق لكل داء دواء .
 
( 2919 - 2923 ) أجاب الكفار : لقد ثبت بالدليل القاطع أن ما بنا من داء لا يقبل الدواء ، والدليل أنكم فعلتم كل ما في وسعكم دون أن يؤثر هذا علينا ودون الوصول إلى نتيجة ، زو يزول ذرة مما فينا ، فالتهاب الكبد وتورمه “ السدة “ يأتي بالعطش الشديد الذي لا يرويه ماء .
 
( 2924 - 2949 ) يرد الأنبياء : إن هذا الكلام هو من نتاج اليأس واليأس قبيحلا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( الزمر / 53 ) 
ولنفرض أنكم قد صرتم كالحجارة ، وأن هناك أقفالا على قلوبكم ، فهذا ليس شأنناوَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ( يس / 17 ) إننا مكلفون بنصحكم من لدن الحكيم الخبير ، ولا شأن لنا باستجابتكم من عدمها وأجرنا في هذا على الله ، ونحن لا نكل ولا نمل من خدمة ربنا ، وليس يصيبنا حزن ، فإنما يحزن من هو في فراق عن الحبيب ، ومحبوبنا معنا ، ونحن واصلون إلى الحق ، ولا قيمة للزمن عندنا ، إذا لا تطرأ علينا شيخوخة ، والدليل فتية الكهف الذين
 
“ 538 “
 
مكثوا في الكهف ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا ، وما دام قد سقط من حسابنا فلا سأم ولا شيخوخة ولا ملل ، وهذا كلام غريب عليكم “ لأن من ذاق عرف ومن حرم اختلف “ وهل يتوهم الجعل أنفاس الورد ؟ 
إن كل متوهم معدوم . وحتى الوهم نابع من شخص من يتوهم فهل يتوهم الجحيم الجنة ؟ وهل يتوهم الخنزير القبيح الطلعة الحسنة ؟ 
إن هداية الله قريبة منكم كلقمة وصلت إلى الفم ، ونحن قد قطعنا الطرق الصعبة ، ولم يبق إلا القليل إن الشيخ هو الذي يقطع الطرق الصعبة لكي يمهدها لمن يأتون من بعده “ ، وإن القلب يصير مثل الخيط ، والروح في شهود حتى يمسك الشيخ بأول الخيط “ . ( كتاب 6 / 2943 - مناقب 1 / 76 ) 


( 2950 - 2956 ) يكرر المنكرون حجة أخرى طالما وجهت إلى أولئك الذين يرون المجتمع في حاجة إلى إصلاح فيخرجون ويجأرون بالنصح فيرد عليهم أولئك الذين استكانوا إلى الرفاهية : لقد فرقتم جمعنا ، لقد ألقيتم بيننا الفرقة والشحناء ، أنتم سبب ما نحن فيه من بلاء ، ما هذا الكلام عن الآخرة ؟ 
إنكم تلقون بنا - نحن المنعمين - في فكر الموت وفي هم الموت ، إنكم تسلبون منا الهناء وتثيرون فينا التساؤلات وتأخذوننا من هذه الحياة المنعمة إلى قصص الحزن وحكايات النكال ، ما هذا ، هذه الصورة التي يقدمها مولانا جلال الدين أليست تتكرر في كل عصر وفي كل بيئة ؟ وقد جمعها القران في آية واحدة قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ( يس / 18 ) .
 
( 2957 - 2984 ) أجاب الأنبياء : نحن لسنا بالفأل السئ عليكم ، بل إن نحسكم وشؤمكم يأخذ المدد من داخلكم أنتم طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ
 
“ 539 “
 
قَوْمٌ مُسْرِفُونَ( يس / 19 ) . . لماذا التطير هنا ؟ لماذا تسمع قول الطبيب وقول المنجم عندما يأمرك بألا تفعل شيئا ؟ لماذا لا تقول له : إنه يتحدث بفأل السوء ؟
مع أن المنجم والطبيب قد يخطئان لكن النبي لا يخطئ أبدا ، ومن هنا ففأل السوء معك أينما تمض تدركه وتراه عيانا ، وحينما يحيق بك شر كفرك وعصيانك سوف تجأر بالصياح لما ذا لم تنبهنى ؟ 
لقد نبهتك يا هذا كثيرا لكنك قابلت الإحسان بالسوء ، وهكذا طبع اللئام ، فعالج نفسك أولا ، اجعلها مطيعة بالصبر إنها لئيمة فاجعلها تتواءم مع الإحسان ، حتى تعلم العرفان بالجميل ، وحتى لا يكون مصيرك هو مصير الكفار الذين يعاندون حتى إذا ألقى بهم في الجحيم نادوارَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ( المؤمنون / 107 ) .
 
( 2985 - 2999 ) في عنوان الأبيات إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى بعد أن خلق الخليقة ينظر إلى السماء والأرض ويقول لهما :ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ( فصلت / 11 ) ، فالطيب والشرير في الوجود كلاهما في طاعة الله ، والكافر يجأر إلى الله في ملمات الدنيا وعندما يذوق نار الجحيم ، وعندما يدخل اللص واللئيم السجن يجأران إلى الله بالدعاء والشكوى والجحيم بالنسبة للكافر والمنكر مسجد لأنهما يذكران الله فيه ، وكل من في الوجود يعبد الله عبادة ما وبأسلوب ما ، وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( الذاريات / 56 ) ، وخلقت الخلق لكي أعرف ، ومن الإنسان يتأتى الشر والخير لكن المقصود في الأصل هو العبادة ، لكنك تترك الأصل من خلق الشئ وتنصرف إلى الفرع . كما تتخذ من الكتاب وسادة ، ومن المسمار سيفا ، والله يجعل من عبادة كل إنسان جديرة به وبشخصه ، فالكريم يعبد طوعا ، لكن اللئيم يعبد كرها ،
 
“ 540 “
 
لقد أراد موسى عليه السلام أن يذل الجبارين فصنع “ باب الحطة “ وفي خطبة للإمام محمد الباقر رضي الله عنه قال : نحن باب حطتكم ( جلبنارلى 6 / 307 ) وهو أقصر من قامة الإنسان حتى يدخل جبارو بني إسرائيل منحنيني ، وانظر إلى أي جبار في هذه الأرض ، إن الله سبحانه وتعالى يسلط عليه أحقر خلقه لكي يذلوه ويحطوا من كبريائه ولكي يعلم أن فوقه خالقا ، ولكي يجأر إليه بالشكوى شاء أم أبى! ، أليس هذا هو ما نشاهده كل يوم ؟ 
وأليست كلمة الخالق سبحانه وتعالى هي التي جعلت مصرع النمرود - جبار الجبارين - على يد أحقر الخلق أي بعوضة ؟ ، 
انظر إلى مولانا في الأبيات السابقة والأبيات التالية ، كيف كانت عينه دائما على جبارى الأرض ؟ .
 
( 3000 - 3015 ) بينما يتشدق المتشدقون بأن الإسلام قد قال بالحق الإلهى للملوك ، ها هو ذا مولانا جلال الدين في تحليله لظاهرة الطغيان والجبارين يقدم فكرة جديدة : وهي أن الملك الحقيقي الجدير بالسجود هو الله سبحانه وتعالى وأن هؤلاء الملوك الظاهرين إنما خلقوا فتنة وإذلالا لكي يسلطوا على من لا يقوم بعبادة الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له ، وهو يشبههم ، هنا بالباب الصغير أو باب الحطة الذي أقامه موسى عليه السلام على ربض القدس ، لكي يكون إذلالا لجبارى بني إسرائيل إذ يطأطئون الرؤوس عندما يدخلون إجلالا للحق وحده وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ( البقرة / 58 ) 
ولا يسجد لهؤلاء الملوك الصوريين إلا أعداء السجود للملك الديان ، وبما أن هناك محرابا يتوجه به العابد بالصلاة للخالق وحده ، فهناك “ مزابل “ جعلها

“ 541 “
 
هؤلاء الملوك الصوريين محرابا لهم ، وأسماء هذه المحاريب المزابل ( ! ! ) الأمير والبطل ، ولا يأتي إلى محراب الكلب ( سلاطين الدنيا ) إلا الأخساء ، وعار على رجال الحق أن يميل إليهم هؤلاء الأخساء ، ولا يخشى القط ( سلطان الدنيا ) إلا من كان فأرا ، فأرا في جبنه وحرصه وطمعه وعبادته للفتات ، هؤلاء جبلوا على الخوف من كلاب الحق “ سلاطين الدنيا “ ومن ثم فهم لا يخافون الله سبحانه وتعالى ، لأن الخوف من الخلق لم يترك في قلوبهم مجالا للخوف من الحق ، فهم جديرون بهذا الرب الذي يعبدونه “ ربى الأدنى “ وليسوا جديرين بعبادة الإله الواحد الأحد “ ربى الأعلى “ ، إنهم العابد والمعبود من جنس واحد ، العابد لاعق للأطباق طفيلى يجرى وراء متاع الدنيا ولا يهمه أن يبيع دينه بدنياه ، والمعبود من هؤلاء السلاطين والأمراء والقواد لاعق أيضا وإن كان لاعقا للقدور كل منهم يجرى وراء متاع جدير به وبمنصبه في الدنيا ، ويرى مولانا أنه قد مضى في شرح هذه النقطة و “ اندفع “ كعادته فيمسك نفسه ساخرا : كفاك . . فلو أنك مضيت في الشرح ، وشرحت هذه الأمور بعمق ، فإن “ الأمير “ سوف يغضب ، وهو سوف يغضب لأنه هو نفسه يعلم أنه كذلك ، يعلم أنه يخيف الناس وهو يخاف من السلطان ، وأن الناس يلعقون أطباقه بينما هو لاعق لقدر “ السلطان “ ، وهكذا يتواتر الظلم والخوف والطفيليون من أعلى إلى أسفل ، ويعود مولانا إلى شرح عبادة اللئيم “ كرها “ وعبادة الكريم “ طوعا “ واللئيم جحود ، والكريم شاكر ، ومن ثم يطغى أهل النعمةإِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى، ومن هو الطاغي ؟ إنه ذلك الأمير الذي يلبس قباء مذهب الحواشى ، إنه يتوهم أنه يخفى بملابسه ، ونياشينه قبح نفسه ، ومن هنا فمن صفت سريرته لا يهمه أن يكون
 
“ 542 “ 

في قباء ممزق ، فالشكر لا ينبت من النعمة ، إنه ينبت من البلايا والنقم التي تصقل النفوس والأرواح وتذيب من عليها كدر الرفاهية والراحة .

( 3016 - 3031 ) إن أهل البلوى والصفاء شاكرون حتى على عدم العطاء ويقدم مولانا حكاية جديرة بالمقام لم ترد في مصدر قبله ، فها هو ذا أحد الصوفية يرى سفرة خالية معلقة بمسمار ( السفرة هي مفرش يبسط على الأرض ثم يعلق بعد الطعام ) فيتواجد الصوفي أي يصاب بحالة من الوجد ، ويصاحبه الصوفية في رقصة وهياجه وحرقته وذوبانه ، إن السفرة الخالية المعلقة تقول لهذا الصوفي : إنه وإن لم توجد لديك لقمة خبز واحدة تستطيع أن تكون عاشقا للحبيب ، إنه زاد من لا زاد له يعطى الفقراء والدراويش القدرة على السير أو السلوك الصوفي وعدم النظر إلى العالم المادي ، وإذا وصل المرء إلى هذه المرحلة فإن القحط والآلام لا تؤثر فيه ، وها هو ذا فضولي خال من المعنى يعلن تعجبه لهذا . . ولم لا ؟ 
إنه صورة بلا معنى إنه صورة إنسان دون معنى الإنسان ، هو معلق بالمادة ، ويترك مولانا الحكاية إلى نتيجتها : إن عشق الخبز بلا خبز هو الضراعة والجذب دون نفع مادي محسوس ، إن هؤلاء الذين يضحون بالوجود إنما يأخذون كسب هذه التضحية قبولا من الحق وهو النفع الكلى ، لأن المقبولين من الحق قادرون على كل شئ دون أن تكون لديهم أداته المادية ، ويذكر أبا الخير الأقطع ( انظر تعليقات 1614 ) نموذجا واضحا ، 
والعدم المذكور هنا هو العدم الصوري ، حيث لا اهتمام بالوجود الظاهري والحياة المادية وعشاق الحق موجودون في ذلك العالم ، لهم وجود واحد مرتبط بوجود الحق ، ثم يتحدث مولانا عن النضج المعنوي والإدراك ، فالوليد لا يفهم معنى الغذاء المطبوخ
 
“ 543 “

والجنى يتغذى بالرائحة ( في اعتقاد القدماء ) ، لكن الإنسان ذو احتياجات مادية فإن تجرد منها سما على طبيعته ، وهذا كما يكون ماء النيل دما على قوم فرعون وماء لقوم موسى ، ويكون البحر غرقا لقوم ومعبرا لقوم موسى .
 
( 3032 - 3039 ) إن كل إنسان لا يستطيع أن يدرك حقائق عالم الغيب ، فإخوة يوسف عليه السلام لم يروا في وجهه تجلى نور الحق ، بينما راه يعقوب ورأى عن طريق اثار الربوبية ( رائحة الحق - رائحة القميص ) ، ومن ثم فإن يعقوب بكى على يوسف حتى ابيضت عيناه بينما ألقاه إخوته في البئر ، ومن ثم فقد كانت “ سفرة “ يوسف خالية بالنسبة لإخوته لكن يعقوب رأى فيها القوت المعنوي ، وذلك الذي “ لم يغسل وجهه “ أي ليس جديرا بإدراك عوالم الغيب ، ولا يمكن أن يرى وجوه الحور أي أسرار الغيب ، فلا صلاة أي لقاء مع عوالم الغيب ، إلا بطهور ، والمعنى هنا تحوير لمعنى شائع “ لا صلاة إلا بحضور “ ومن هنا ما يعشق هو قوت الأرواح ، ولا قوت للأرواح إلا بتهذيب النفس عن طريق الجوع ، فالجوع يقوى الروح في سيرها ، ومن هنا كان يعقوب يبحث عن يوسف “ غذاء الروح “ ولم يكن يرضيه سوى هذا ، وبينما كان البشير يحمل قميص يوسف من مصر إلى أرض كنعان لم يكن يشم ريح القميص ( عوالم الغيب ) بينما كان يعقوب يشمها وهو في أرض كنعان .
 
( 3040 - 3043 ) العلم إذن غير الذوق ، وليس العلم دليلا إلى عوالم الغيب ، فعلماء الظاهر حفاظ للعلم ولا نصيب عندهم من “ علوم “ عوالم الغيب ، فهم ليسوا بالأحبة المختصين بهذا العلم ، ومن الممكن للعامي الذي يستمع إلى
  
“ 544 “ 

علماء الظاهر ويدرك شيئا “ معنويا “ عن علومهم الظاهرة لأنها ليست متغلبة عليه ، وليس مشغولا بها ، وليس مغرورا باستظهارها وحفظها ، لأن هذا العلم في يد علماء الظاهر مثل قميص يوسف في ذلك البشير أو في مثل جارية حسناء في يد نخاس ، هي في يده مؤقتة وغير باقية ومن أجل المشترى .
 
( 3044 - 3050 ) هذه هي قسمة الحق ، أي أنها شئ مخصوص بالحق ، وهو لا يعطى رزق أحد لآخر ، وكذا مشاغلنا وأوهامنا في الدنيا هي أيضا من عطاء الحق ، أحيانا يصنع من خيالنا جنة في وجودنا ، وأحيانا يصنع من تصوراتنا وأوهامنا جحيما في وجودنا ، ورياض الله هي قلوب من يفكرون في الله ومزابله هي بواطن الأشرار وأولئك الذين لا طريق لهم إليه . . وكل إنسان لديه الإمكانية أن يجعل من باطنه جنة أو جحيما أو جنة أو مزبلة ، ولا يدرى أحد من أي أركان الروح ، أي من أي النواحي النفسية والنواحي الإلهية لروح الإنسان تنبع هذه الأفكار السيئة أو الأفكار الطيبة ، فالقلب الذي هو في طريق الله لا يرى هذه المنابع في الروح ، ولو كان يراها لسد طريق الأفكار الشريرة بالحيلة لكيلا تتعثر في الطريق إلى الله ، إن أي “ جاسوس “ أي حارس للقلب الذي في طريق الله لا يخطو خطوة واحدة إلى منبع الخيالات فإن منبع الخيالات حيثما لا يكون وجود صوري ويسميه مولانا العدم ، أي الوجود المطلق اللانهائى الذي يسميه أهل الظاهر العدم .
 
( 3051 - 3056 ) إن أفكارنا وأحوالنا إذن تنبع من العدم ، ولكي لا نسقط فريسة للأفكار الشريرة ولا تظهر في بواطننا “ جهنم “ أو “ مزبلة “ علينا أن
 
“ 545 “
 
نعتمد على فضل الحق ، التسليم بعمى . . و “ قبض الأعمى “ مصطلح شرعي فحواه أنه إذا كان المشترى في المعاملات أعمى ينبغي أن تسلم البضاعة المشتراه إلى يده حتى يكون انتقالها مسلما فأمسك برداء فضله إذن كما يمسك الأعمى بما اشتراه ، وما هو طرف رداء فضله ؟ إنه طاعة الله ، والتقى إذن سعيد لأنه في فضل من الله ، ومن يوفق إلى هذه الطاعة والتقى كأنه دائما في مكان جميل ، ومن لا يصل إلى هذا التوفيق يكون في المكان نفسه في عذاب ، ويقول الموفق للمحزون : إنك تستطيع أيضا أن تكون سعيدا فيقول له ، لا أستطيع لأن الله سبحانه وتعالى لم يمنحه هذا التوفيق .

( 3057 - 3065 ) وردت هذه الحكاية قبل المثنوى في مكتوبات مولانا جلال الدين ، وقبلها أوردها والد مولانا في معارف بهاء ولد ، وفي فيه ما فيه لمولانا قصة رجل غير مسلم كان له غلام مسلم بينهما ما يشبه هذه الحادثة وكان زمن القصة هو عهد الرسول ، ( ماخذ / 117 ) وفي 3058 : حجر الطفل حجر كان يستخدم في الاستحمام ، وفي 3063 لم يكن إشارة إلى اخر سورة الإخلاص “ لم يكن له كفوا أحد “ ، وفي 3065 ذو الفنون أي الله سبحانه وتعالى .

( 3073 - 3078 ) “ البحر “ في مصطلح مولانا هو عالم المعنى والوجود الإلهى المطلق ، والأسماك هنا هم الواصلون إلى الحق الذين يسبحون في بحر المعنى ، وسكان البر أولئك الذين لا علم لهم بذلك العالم ولا طريق لهم إليه . .
وهم يريدون بالحيلة والتدبير وبالعقل المادي والعلم الظاهري أن يصلوا إلى حقائق الغيب وهذا ليس ممكنا ، ويخاطبهم مولانا : بالتسليم أمام مشيئة الحق
 
“ 546 “ 
وقبول رضا الحق تستطيع أن تفتح باب عالم المعنى أمامك ذلك أنه لو تبدلت كل ذرات العالم إلى مفاتيح فإن باب عالم المعنى لن يفتح أمام محبي الدنيا اللهم إلا إذا أبدى الله سبحانه وتعالى لطفه ، ولهذا شرطان :
الشرط الأول : أن نترك “ التدبير “ ، والشرط الثاني : أن يقوم شيخ بهدايتك ، إن نسيان الذات هو باب ذكر الله لك ، والعبودية الكاملة لله هي أساس الحرية الكاملة .

( 3079 - 3083 ) يواصل مولانا قصة قوم سبأ الذين أنكروا رسالة ثلاثة عشر نبيا ، ويشير مولانا في العنوان إلى الآية ( 110 من سورة يوسف ) حيث ييأس الرسل من إنكار الناس وكفرهم فيأتيهم نصر الله ، وها هم أولاء أنبياء قوم سبأ يعبرون عن يأسهم بينهم وبين أنفسهم : إن نصح هؤلاء أشبه بالدق على الحديد البارد والنفخ في القفص الذي لا يبقى على ريح ، أي عمل لا طائل من ورائه والحركة من الخلق من القضاء ، وفي موعد يعلمه الله تعالى ، إنه يجعل أقدار النفس الجزئية منوطة بالنفس الكلية ، فالعقل الكلى من المقدرات الإلهية وظهورها في النفس الجزئية الإنسانية لأن الجزء مغلوب للكل ، فالشفاء مما هو منقوش في اللوح ( مولوى 3 / 410 ) ، إن القضاء جار على الأجزاء الكلية للعالم وكل ما يبدو من الأجزاء أنه هو تابع للكليات ، وحيثما تستوجب الروح الإنسانية القهر ، فإن الروح الكلية للعالم تهاجمها ويبدو فيها فعل الكفر والأفكار لأن عفن السمكة ، من رأسها ، ومن هنا فليس من الممكن هداية هؤلاء وها هم أولاء يبدون يأسهم قائلين : حتام النفخ في القفص ؟ لكن مولانا يجيبهم : أعلم
 
“ 547 “ 

أن الأمر هكذا ، لكن واصل عملك . . إنك عبد وقد قال لك خالقك أبلغ ولا مهرب من هذا .

( 3091 ) مضمون البيت مقتبس من حديث منسوب إلى رسول الله “ التاجر الجبان محروم والتاجر الجسور مرزوق “ .

( 3092 ) كل الأمور موكولة بالأمل فيها والرجاء في أمور الدنيا ممكن أن يتحقق أو لا يتحقق ، لكن الأمل في الله ليس أملا واهيا ، وإذا انشغلت بأمور الدين فسوف تنجو من هذه الأمور الدنيوية .

( 3094 ) وقرع الباب هو الأمل في الله وهو الطلب ( انظر شرح 4783 - 4798 ) .

( 3095 - 3105 ) المقلد هو من لم يدرك حقائق عوالم الغيب عن طريق القلب ، وعكسه هو المحقق ، فالمقلد يطوى الطريق إلى الله بالخوف والرجاء أما المحقق فقد محى في الحق فلا رغبة عنده حتى يخاف أو يرجو ، ومن ثم يقول :
مع وجود الاحتمال بأنك لن توفق فإن الرجاء يجذبك نحو العمل ، هأنتذا تكافح في هذه الدنيا مع وجود الخوف من الحرمان ، فلما ذا لا تخشى الحرمان في طريق الحق ؟ ولماذا لا يوهنك هذا الخوف في سعيك من أجل الدنيا ؟ ، مع أنه إن كان قد كتب عليك الحرمان فقد كتب عليك منذ الأزل ، فإذا أجبت : إنني إن لم أسع الدنيا فإن احتمال حرماني فيها أكثر ، أسألك : إنك وأنت تسعى في الدنيا تخاف من الحرمان فلماذا لا يمسك بك هذا الخوف من الحرمان في أمور الدين ولا يتركك تعمل ؟ إن السبب هو أنك سىء الظن ولا إيمان عندك أو ربما لا تعلم
 
“ 548 “
  
أية منافع هي تلك التي يحصل عليها رجال الحق ، إن الفوائد الموجودة في سوقنا لا يعلمها إلا الله تعالى ، مثالها أن النار لا تؤذيهم ( إبراهيم عليه السلام ) ، وأن البحر يحملهم ( نوح وسفينة ) ، وأن الحديد يلين في أيديهم ( داود عليه السلام ) ، وأن الريح تحت حكمهم ( سليمان عليه السلام ) ، وما هو للأنبياء يكون للأولياء .
 
( 3106 - 3111 ) وإذا كانت ألطاف الإلة بالأنبياء جلية ، فإن ألطافه بالأولياء خفية ، ذلك أن “ للَّه أولياء أخفياء رؤوسهم مغبرة وجوهم إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم وإذا غابوا لم يفتقدوا وإذا حضروا لم يدعوا وإن مرضوا لم يعادوا ، وإن ماتوا لم يشهدوا وهم مجهولون في الأرض مشهورون في السماء “ ( حديث نبوي مولوى 3 / 413 ) . إنهم يملكون كل ما ينسب إلى الأنبياء لكن لا عين تقع عليهم ، فكر أماتهم مسبغة بالسر الإلهى وحيث أن الأبْدَال لا يعرفونهم ، إنهم مستترون حتى على من هم من جنسهم ، ومما روى عن أبي بكر الكتاني أنه كان مراقبا في فناء الكعبة وهناك محدث فأتاه الخضر عليه السلام وقال له : لم لم تسمع ؟ قال : إذا حضر النبي لا يسمع من غيره ، قال : من أين يعلم أن هناك نبيا قال : أما أنت الخضر النبي ؟ قال : كنت أعتقد أنى أعلم جميع الأولياء فعلمت الأن أن منهم من يعلمني ولا أعلمه . ( مولوى 3 / 413 ) إن هؤلاء يدعونك ، وإذا دعاك الكريم أن تلقى بنفسك في النار فألق نفسك فيها .
 
( 3112 - 3131 ) الحكاية هنا قائمة على خبر عن النبي : كان النبي ، يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها فإذا توسخ ألقاه في النار

“ 549 “
 
فينظف فيمسح به وجهه ويقول : النار لا تأكل شيئا مر على وجوه الأنبياء ( مولوى / 414 ) ، ولعل اختيار أنس رضي الله عنه لأنه أدرك الرسول وعايشه والحكاية مصداق للبيت رقم 3111 . لقد سمعت الجارية أمر أنس رضي الله عنه بأن تلقى المنديل في النار ولم تتردد لحظة أنها على ثقة بالكرام ، بل إنه لو طلب منها أن تلقى بنفسها في النار لألقت بنفسها دون تردد ويعلق مولانا طلبا بأن يعرض المرء نفسه على هذا الإكسير أي الثقة والتوكل والثقة بأولياء الله ، ولا ينبغي أن يكون الرجل في صدقه وثباته على الطريق أقل من المرأة ، فرب نساء في الطريق كن أكثر ثباتا من الرجال ، والقلب الذي يكون عند الرجل أقل من قلب امرأة ، ليس قلبا بل هو بطن ( وعاء للشهوة الدنيوية ) .
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 3132 - 3567 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:42 am

الهوامش والشروح 3132 - 3567 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 3132 - 3567 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 3132 - 3567 فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح قصة نجدة الرسول عليه السلام لقافلة من العرب هدها الظمأ وقلة الماء
واستسلمت للموت وقد تدلت ألسنة الخلق والإبِل من أفواههم
( 3132 ) وردت هذه الحكاية التي تبدأ بهذا البيت قبل المثنوى في دلائل النبوة وصحيح البخاري وصحيح مسلم ( ماخذ 118 - 119 ) .
 
( 3152 - 3154 ) كانت قربة الماء مجرد دريئة - مجرد حجة ظاهرية ، أما الذي روى الظامئين وملأ القرب فهو الفضل الإلهى ، “ وأمره “ أي الإلهى والبحر الأصلي هو عالم الغيب ثم يقول : إن الحرارة تجعل من الماء بخارا وتجعل البرودة من البخار ماء ، لكن الحديث ليس عن العلل والمعلولات فإنه خارج علم هذا العالم فإن قدرة التكوين من العدم الموجودة عن الحق هي التي أوجدت الماء .
 
( 3155 - 3164 ) إن الأسباب هي العلل الظاهرية للأمور والأحداث ، والتعلق بها من الطفولية وعدم النضج فالنضج يتأتى من الطريق ، فالأسباب تشغل عن المسبب ، وتعلق المرء بالدريئات ، أي بالأمور الظاهرية التي يأتي بها
  
“ 550 “ 
 
الله لإخفاء أمور باطنية ، وأنت بسبب هذه الأسباب تجأر بالصياح إلى الله سبحانه وتعالى ، ويسأل الله تعالى : ماذا حدث حتى تذكرت قدرة الله ؟ ! ما دمت تذكرتنى من صنعي ولم تتذكرنى لذاتي إمض إذن إلى هذه الأسباب .
فيقول العبد : إنني لن أخدع ثانية بالأسباب ، فيجيب الله : إنك مثل الكافرين “ ولو رُدوا لعادوا لما نُهُوا عنه وإنَّهم لَكَاذِبُون “ لكني مع ذلك أرحم - وأعطيك كلما دعوت وفي البيت 3163 عودة إلى الحكاية : وفي البيت 3164 : أغرقت العرب والكرد : أي أغرقت من عرفوك ومن لم يعرفوك “ .
 
( 3191 - 3205 ) يعرج مولانا من حديث العبد الأسود مع صاحبه إلى الحديث عن مسألة عرفانية ، فاللون هنا يرمز إلى قيود الحياة الدنيوية وأماراتها وهو من الأمور العارضة في عالم اليقين ، وفارغة من اللون : أي الروح التي لا تجعلها المطالب المادية والحياة الصورية غافلة عن الله ، والأركان هي العناصر الأربعة في عالم المادة ، والعارفون بالجسد هم الذين لا يعرفون عن الأشياء إلا تعينها المادي ، وبدلا من أن ينظروا إلى الماء ينظرون إلى القربة ، وأولئك الذين يشربون الماء هم أولئك الذين يدركون حقيقة الوجود ، والعالمون بالروح هم أولئك الذين على علمهم بشاربى الماء ، والعدد من سمات عالم الصورة والتعين الذي يستمد أيضا “ عالم الكثرة “ وفارغون من الأعداد كفار غين من الألوان تماما ، فمن عنده علم بحقيقة الوجود هو وجود واحد بلا كيفية ولا عديدة وهو غريق البحر 
وفي البيت 3194 صِرْ روحا أي خلص نفسك من العلائق المادية واعلم الروح أي اعلم حقيقة الوجود أو ذات الحق ، وهذا ممكن عن طريق الله تعالى . هذا عن طريق الرؤية وليس عن طريق القياس ، وفي البيت 3195
  
“ 551 “ 
 
يصعد مولانا إلى أفق أعلى من عالم المادة فمنشأ العقل ومنشأ الملائكة واحد ولكن مشيئة الحق شاءت أن يخرج من منشأ واحد تجليان مختلفان 3196 ، فالملك يطير من الناسوت والملوت أما العقل فقد أخذ المجد الباطني 3198 ادم هنا إشارة إلى سيدنا آدم عليه السلام وإشارة إلى كل إنسان 3199 ، وكما أن العقل والملك من منشأ واحد فالنفس ( عند الإنسان ) والشيطان من منشأ واحد أيضا ، 3200 ومن هنا لم ير الشيطان من آدم إلا الطين بينما رأى فيه الملائكة الآخرون نور الحق ، وفي الأبيات التالية يتحدث مولانا عن عجزه عن هذا الحديث لعمقه ولعدم وجود من يمكن أن يفهمه ، إذ لو استطاع أحد أن يفهمه لنطق له الحجر والمدر ولشرحا له أسرار الوجود .
 
( 3206 - 3221 ) يواصل مولانا نفس الفكرة : أن الجماد ليتحدث مع الخبير بأسرار الغيب ، إنه يعتبر الجدارة نوعا من الضراعة وإن الخليقة هي مجموعة من الاحتياجات والضراعات والضرورات والآية المذكورة 62 من سورة النمل ، ولب الكلام إنه عندما يبدي العبد الاضطرار والضراعة فإن الله سبحانه وتعالى ينجده ويغيثه فلولا موقف مريم عليها السلام لما نطق عيسى في المهد مبرئا إياها : والمعنى أنه نتيجة للحاجة والاضطرار فإن أجزاءنا تتحدث عنا ، وهذا الحديث حديث خفى لا هو باللسان ولا هو بالحنجرة ، 


وفي البيت رقم 3208 تشير الشطرة الأولى إلى شهادة الأيدي والأرجل علينا ( يس 62 ) “ انظر تعليقات 247 “ ، ومن ثم يسأل في الشطرة الثانية : إذن لماذا تستخدم يديك وقدميك في طريق الكفر والإنكار وليس الأمر هكذا فحسب بل إن وجود كل شئ هو نتيجة الحاجة إليه ، فإذا كنت تريد الماء أي جواب الحق فأظهر الظمأ أي الاضطرار
 
“ 552 “ 
 
والحاجة ، والمضي إلى الأعلى والأسافل هي مصاعب الحياة أو مشكلات المجاهدة عند السالكين ، ورهينا للحرارة : أي مأخوذا بعقبات هذا الطريق والمقصود زنبور الهواء الرعد ، وهو علامة المطر يقول مولانا : إن هذه الآلام تعرفك بأثار الحق وأمارات عناية الحق ، ونفس هذه الآلام تجعل الصعب عليك سهلا كما أن صوت الرعد يجعل تحمل الظمأ سهلا على أمل الماء ، وكما يحتاج الزرع إلى الماء ، ينبغي حقيقة أن تكون محتاجا حتى تدرك الحقائق ، وفي مزارع أرواحنا يختفى جوهر المعرفة بدلا من حبوب الزرع والمطر الذي ينبغي أن يمطر على هذه المزرعة هو سحاب الرحمة الملىء بماء الكوثر ( المعرفة )
 وفي البيت 3221 إشارة إلى الآية 21 من سورة الدهر ( الإنسان )وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراًوفي تعليق للأفلاكى أن عطاء الشيخ بقدر ضرورات المريد وضراعاته واحتياجاته . . معانينا على قدر همم الطالبين . . الاضطرار يوجب الاستحقاق 1 / 200 “ .
 
( 3222 - 3239 ) الرواية الواردة في هذه الأبيات لم ترد بنصها في سيرة الرسول ، لكن الاسم الوارد فيها يذكر برواية وردت في مسند أحمد بن حنبل رضي الله عنه ، وفحواها أن خيثمة بن عبد الرحمن روى أن أباه عندما كان طفلا صحبه أبوه إلى رسول الله فسأله عن اسمه فقال : عزيز فقال رسول الله : بل سمه عبد الرحمن ( استعلامى 3 / 361 ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
 
جاءت امرأة بصبي ولم يتكلم قط فقال النبي : من أنا يا غلام قال : أنت رسول الله . فقال عليه السلام : صدقت بارك الله فيك ( منهج 3 / 427 ) . وواضح أن الحكاية كلها تأكيد لما ورد من أن الله يعطى العبد قدر حاجته حتى لو أنطق
 
“ 553 “
  
الطفل “ عيسى “ تبرئة لأمه ، وأنطق الطفل هنا لكي يبرئ نفسه من الكفر ، ولكي يعرف بالرسول ، لأن الأنبياء معروفون من الله سبحانه وتعالى ، وقد يدفع الحجر والمدر إلى الحديث تصديقا بهذا التعريف .
 
( انظر تعليق الأبيات 3195 - 3200 ) ( 3240 - 3256 ) وردت الرواية المذكورة هنا قبل المثنوى في دلائل النبوة ، وأحياء علوم الدين ، والدعوات الكبيرة ، وقد نقلها يوسف بن أحمد : روى عن ابن عباس رضي الله عنه : كان رسول الله أراد الحاجة يوما وذهب فقعد تحت شجرة فنزع خفيه ثم لبس أحدهما فجاء طائر فأخذ الخف الآخر وطار به إلى السماء وقلبه فسقط منه أسود سالخ فقال النبي ) : هذه كرامة أكرمني الله بها :
اللهم إني أعوذ بك من شر من يمشى على رجليه وأعوذ بك من شر من يمشى على بطنه ( مولوى 3 / 427 ) ، 
والعقاب يتحدث هنا في الحكاية اعتذار للرسول ) وإظهار استبعاد ألا يكون الرسول - عليه السلام - لم يدرك أن في نعله حية ، بل إن العقاب يذكر أنه ما رأى الحية في النعل إلا في الانعكاس النوراني لوجهه الكريم .
 
( 3257 - 3267 ) هذه الأبيات تعليق على الحكاية السابقةفَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً( الشرح / 5 ) إذ لا ينبغي أن يشكو المرء من البلايا والمصائب فالمؤمن حقا هو الضاحك عند البلاء ذلك أن يعلم أن هذا البلاء ربما حول عنه بلايا عديدة ، إنه يعلم أنه ما يسميه الآخرون “ عقابا “ من الله تعالى إنما هو “ عقاب “ اختطف الحية
  
“ 554 “ 
 
من النعل . والعبارة المذكورة لأحد الصوفية ولم أجد لها أصلا وإن كان يوسف ابن أحمد قد ربط بينها وبين عبارتين إحداهما للجنيد ( التصوف الكون مع الله بلا علامة ) والأخرى للشبلى “ : “ التصوف الجلوس مع الله بلا هم “ ( مولوى 3 / 430 ) ، ثم مضمون الآية الكريمةلِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ( الحديد / 23 ) .
 
( 3268 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت جديرة بالسياق الذي مر : أي الفرج عند البلاء والنزول على حكم القضاء ، فإن القضاء وإن بدا سيئا هو الذي يحول بلايا كثيرة عن المرء هي أفدح وأعظم ، وبينما يجاهد العبد في أن يحول عن نفسه القضاء “ بدعاء نبي “ أو “ بتدبيره “ فإنما يساعد في أن يغرس في صدره سهم البلاء ، إنه يدعو البلاء إلى نفسه بينما هو فرح مختال فخور بأنه حول القضاء ، أو مغتم لنزول القضاء بساحته ، وهذا من نقص معرفته وظلمه وجهله إذ يرى الخسارة الحاضرة ولا يرى النفع الآجل ، ويحاول أن يشارك الله في علمه . 
وبالرغم من أن الحكاية لم ترد في مصدر قبل المثنوى بكل تفصيلاتها ، لكنها تشترك في معناها مع حكاية وردت في الكتاب الثاني عن شخص أصر على عيسى - عليه السلام - أن يعلمه اسم الله الأعظم لذي به يحيى الموتى ، فلما تعلمه مر على عظام رميمة فقرأ عليها الاسم ، فانقلبت إلى أسد هصور افترسه ، كما أنها شبيهة من حيث المعنى بقصة ذلك الذي نظر إليه عزرائيل في السوق نظرة لم تعجبه ، فتوسل إلى سليمان عليه السلام ، أن يأمر الريح بحمله إلى الهند فأمرها فحملته ، وفي اليوم التالي سأل سليمان - عليه السلام - عزرائيل لم نظر إلى الرجل هذه النظرة ؟ فقال : لقد كنت مأمورا
 
“ 555 “
  
بقبض روحه في نفس ذلك اليوم في الهند ولما رأيته حيث هو تعجبت وقلت بيني وبين نفسي : ترى بأية وسيلة سوف يكون في نفس اليوم في الهند ، لقد أسلم نفسه للقضاء بفراره من القضاء تماما كبطل حكايتنا هذه ( انظر الكتاب الأول الأبيات 956 - 970 ) .
 
( 3274 ) الإنسان حريص على ما منع وهو مثل معروف وروى أيضاً كحديث نبوي ( استعلامى 3 / 363 ) .
 
( 3282 - 3287 ) إن أحد فوائد انعدام القدرة ألا يستطيع الإنسان فعل الشر ، ومن هنا يفتخر الأنبياء بالفقر وبه فخر خير المرسلين “ الفقر فخرى “ ومن عيوب القدرة أنها تقضى على خير الإنسان وحلمه ، وإن الشهوات التي لا لزوم لها هي التي توقع الإنسان في هوى النفس ويظل دائما وراء أهوائه وشهواته ما دام قادرا عليها وعابدا للدنيا ، أي أن أكل الطين لا يستطيع أن يعتاد على شرب المسكر أو أكل الحلوى ( أي لا يجد وقتا أو لزوما لتعلم الحقائق الإلهية ) .
 
( 3288 - 3301 ) يأمر الله سبحانه وتعالى موسى بأن يعلمه قليلا من لسان الطير ، وأن يعطيه فرصة الاختيار ( بين لسان الطير ) ويجدها مولانا فرصة للحديث عن الاختيار ، فالاختيار هو ملح العبادة . إن العمل في حد ذاته ليس هو معيار الأجر ، لأن العمل قائم على المشيئة الإلهية لكن عند الحساب فإن الخير والشر منوطان باختيارنا ونيتنا ، هل رجحنا الخير على الشر ؟ أم الشر على الخير ؟ فإذا كنا قد اخترنا الخير فهو من “ فضلنا “ فالعالم كله يسبح طوعا
  
“ 556 “
  
أو كرها ، فإذا أعطى الاختيار فيمكن له أن يقول إن كان في طريق الحق أم لا ، والاختيار هو سر التكريم فيوَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ( الإسراء / 70 ) فالملاك خير بطبعه والشيطان شرير بطبعه ، والذي يستطيع أن يكون ملاكا أو شيطانا باختياره هو الإنسان . لكن المؤمن مثل نحل العسل يمتص عصارة النباتات كلها لكن لا يخرج منه إلا العسل والشهد ، فالمؤمنون يشربون من عين الحياة التي لا يموت من شربها ، وما يشربه أهل النفس هو “ سم الموت “ فهو موت في عالم المعنى - ولنترك عالم المعنى إلى عالم الصورة : إن مدحنا للمحسن وذمنا للمسىء هو دليل على أن لدينا اختيارا وأننا مسؤولون عن أعمالنا ، وفي السجن إن لم يسئ المسىء فلا فضل له ، بل تظهر شخصية الإنسان على حقيقتها عندما تكون له حرية الاختيار ، فاشتغل وقت القدرة في عبادة الله - ومن هنا فالإنسان بعناية الله وكرمه مختار إذا أدرك كيف يستغل هذا الاختيار .
 
( 3315 ) موت الحمار عرس الكلاب مثل في الفارسية والعربية والتركية ( جلبنارلى 3 / 350 ) .
 
( 3334 ) يقول الديك : لو وُضِعْنا تحت طست نستطيع في الظلمة أن نعرف مشرق الشمس ، لأن هذه الشمس تشرق من باطننا ، وهنا يشير مولانا أنه يتحدث عن أمور أخرى فوق إدراك الديك وبعض البشر ، فيتحدث في البيت التالي .
 
( 3335 ) عن شمس الحقيقة التي يعرف الأولياء طلوعها .
 
( 3336 - 3339 ) إن الله قد خلقنا معشر الديكة من أجل إخبار الناس
  
“ 557 “ 
 
بوقت الصلاة ، وهناك حديث في هذا المعنى : لا تسبوا إليك فإنه يوقظ للصلاة ، وفي الروايات الدينية أن الديك يسمع أصوات الملائكة فيصاحبها في التسبيح ومن هنا يقال للديك أبو يقظان ، فإن أذن بلا وقت حل دمه ( في اللغة الفارسية خروس بي هنگام وخروس بي محل تطلق على الشخص الذي يبدي الفضول في أمور لا شأن له بها ) . والديكة قد يؤذن بلا وقت اللهم إلا ذلك الديك الذي هو روح أولياء الحق فهو على علاقة بالوحي ( استعلامى 3 / 366 ) .
 
( 3351 - 3363 ) يخرج مولانا من سياق الحكاية لكي يتحدث مع المريدين فالرياضة الصوفية التي وإن كانت مشقة على الجسد إلا أن الروح الباحثة عن الله تجد البقاء والخلود بها ، ومن هنا فإن السالك يتحمل الرياضة لأنه يرى فيها بقاءه بعد الفناء ، وكذلك التضحية بالمال والروح في سبيل الله ذات مقابل ، ومن يضحى يرى العوض كما أن ولى الحق يتخلق بخلق الله ، وتفرغ روحه من هذه الدنيا وتعلقاتها ،وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ )( محمد / 38 ) والفقير هو كل إنسان يعطى على أمل العوض ، والدنيا كلها قائمة على الأعواض : كما يسلم الطفل البصلة المتعفنة ( الآدمي والدنيا ) على أمل التفاح ( في الجنان ) ، إن الكل يفكرون في الأعواض والدنيا كلها بمثابة سوق ، في المثل العامي الفارسي “ فلا أحد يلقى سلاما على أحد دون أن يكون في هذا السلام رائحة طلب نفع أو فائدة ، هذا اللهم إلا “ سلام الحق “ أي عناية الحق لنا واهتمامه بنا ، فهو لا يطلب لها جزاء ولا شكورا ، وهذا السلام تستطيع أن تسمعه من إنسان تكون رائحة الحق قد عطرت مشامه وإنني “ مولانا “ لأسمع سلام الناس أي لأعاشر الناس على أمل أن أسمع من أحد سلام الحق ، ولا يتأتى
 
“ 558 “
 
هذا السلام إلا من إنسان يكون قد أفنى نفسه في الحق، وبعدها يبقى لأنه يتصل بوجود الحق .
 
( 3374 ) إن من لديه عقلا مدركا للمعارف يرى عن طريق القلب عاقبة كل أمر ، أما الذي يراها في نهايتها فهو قليل المعرفة ، ومضمون البيت الأخير من كلام - الإمام على - رضي الله عنه - ( انظر تعليقات 2198 - 2199 ) ( 3389 ) إشارة إلى ما روى عن الشبلي أنه رأى في النوم بعد مصرع الحلاج ما يشبه القيامة وسمع خطاب الحق ، “ فعلت به ذلك إذ أفشى أسرارنا أمام غيرنا “ ( استعلامى 3 / 368 ) .
 
( 3396 ) منزل سر “ لدينا محضرون “ أي الحضرة الإلهية ، والمعنى مقتبس من الآية الكريمة ( وإن كل لما جميع لدينا محضرون ) .
 
( 3397 - 3400 ) يتحدث مولانا عن عدم الأسى على ما فات ( انظر 3267 و 3342 ) ويستنتج منها نتيجة معنوية هي لزوم الرياضة ، ومهما كان فيها من مشاق وصعاب على السالك فينبغي أن يسلم ، فإنه لم يقم بالرياضة باختياره ، لكنها كتبت عليه بأمر الله .
 
( 3401 - 3420 ) الحكاية المذكورة هنا ذات أصول من أحاديث نبوية ورد في الجامع الصغير عن أبي موسى : إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون : نعم ، فيقول : ما ذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع فيقول الله تعالى ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد ( منهج 3 / 444 ) . وفي البيت 3408
  
“ 559 “
 
إشارة إلى الحديث القدسي “ قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر “ والشطرة الثانية إشارة إلى الآية 35 من سورة النورمَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وللشاعر العربي أبى تمام :لا تنكروا ضربي له من دونه * مثلا شرودا في الندى والباس
فا قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراسوهذا هو ما قصده مولانا : أي تشبيه هذا ؟ إننا نشبه الجنة “ التي ليس كمثلها شئ “ بهذا المثل كما شبه الله سبحانه وتعالى لنوره من المشكاة وأين المثل من الممثول ؟ لقد كان لطف الحق فوق تحمل هذه المرأة ، والنص المذكور في البيت 3411 هو بيت الحمد المذكور في الحديث النبوي الشريف ، إن المرأة عندما ترى في نومها هذا النعيم تخاطب الحق : افعل بي ما شئت وصب البلاء فوق رأسي واسفك منى الدم ، وفي البيت التالي إشارة إلى الآية الكريمةوَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ( الطور / 21 ) وفي البيت التالي مضمون الشطرة الأولىما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ( النحل 96 ) ، وعينا الغيب : بصيرة العارف بعالم الغيب ووعيه ، فالله تعالى لا يفعل إلا الخير بعبده ، فإن سال من أنفه دم كثير فقد كفاه مئونة الفصد ونجاه من الحمى ، فحتى البلايا تنجى
 
“ 560 “
 
الإنسان من الشر الكثير . وكل ما يملكه الإنسان إنما يملكه من سيره إلى الحق ومن تسامى روحه وتعاليها .
 
( 3421 - 3446 ) إن أولياء الله تعالى يرون الموت ( نقلا ) من دار إلى دار أرحب وأفضل ، ويرون الحياة قشرا والموت هو اللب والدليل هذه الحكاية عن سيدنا حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - ، لقد كان في أخريات حياته يدخل الحرب دون ترس أو مجن ، وقد اعتبر بعضهم هذا الأمر من قبيل إلقاء النفس في التهلكة وذكروه بالآية الكريمةوَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ( البقرة / 195 ) وها هو ذا حمزة رضي الله عنه يرد على أولئك المتهمين الغافلين الذين لا يدركون أفكار حمزة - رضي الله عنه - عن الموت : إنني عندما كنت شابا أهتم بأن أظل حيا لأنى كنت أعتبر الموت وداعاً لهذه الحياة لكني الآن وببركة الإسلام ومن فيض محمد - لم أعد أخاف فخارج هذه الدنيا الفانية أنظر إلى “ معسكر “ الحق وأرى الجند الذين هم نور الحق ، فأين الخطر هنا وأين الموت ؟ إنني بعون الله وفي حماه أمن من التفكير في الموت ، إنما ينبغي أن يأخذ الآية الكريمة على ظاهرها ذلك الذي يرى في الموت “ هلاكا “ ( في الكتاب الأول البيت 3437 تفسير اخر على لسان الإمام على - رضي الله عنه - لنفس الآية الكريمة ) ، لكن الذي يرى الموت فتحا للباب ، فتحا لباب الحياة الأبدية الخالدة فهو يعمل بالآية الكريمةوَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ( آل عمران / 133 ) إن كل من رأى الموت في جمال يوسف قد فداه بروحه ، لكن من راه ذئبا قد ارتد عن الهدى وظن أن الموت هو نهاية المطاف ، فالموت يبدو في “ لون “ كل إنسان هو يبدو حبيبا لأحباء
 
“ 561 “
 
الله وأوليائه ويبدو عدوا لأعداء الله ، إنه كالمراة لا تبدى إلا ما ينعكس فيها ( انظر الكتاب الأول بيت 3981 - 3982 ) . في ديوان شمس تبريز “ إعلم أنك تساوى ما ترتعد من أجله “ ومن هنا فقلب العاشق أعلى من العرش . ص 262 . وفي حديقة سنائى :
الموت لهذا هلاك ولذاك مئونة * والسم لذاك غذاء ولذا موت ( ترجمة حديقة سنائى البيت 460 ) .
إنه مرتبط أيضا بخلفية الروح عندنا ، فمن هو في شوك إنما هو في شوك من أحواله الباطنة ومن هو في خزى فقد نسج هو الخزي حول نفسه ، إنما مصيرك مراة لنفسك .
 
( 3447 - 3476 ) لكن جزاء أعمال الإنسان لا يتشابه مع هذه الأعمال مثلما تكون الصورة في المرأة ، فعملنا عرض من أعراض وجودنا لكن الجزاء ثابت لأنه من لدن الحق ، كما لا تتشابه الخدمة مع المكافأة ، فالخدمة التي يقدمها الفعلة كلها عنت وعرق ، لكن الأجر عليها طعام لذيذ . فإذا اتهمت بشئ ما فلابد أنك ظلمت أحدا ودعا عليك ، ليس المهم أن تكون اتهمته بما ليس فيه فاتهمت بما ليس فيك ، المهم أنك وضعت بذرة الظلم ، ومتى كانت البذرة متشابهة مع غرسها ؟ انظر إلى جزاء الأعمال متى كان يشبهها ؟ متى كان الجلد كالزنا ؟ إنك لم تضرب أحدا فلماذا تجلد وإنه ليس جزاء الزنا إنه بلاء لا يتشابه الذنب والعقاب ، فأي تشابه للعصا مع الحية ؟ وأي تشابه لقطرة المنى مع الوليد الذي يتحول إلى شخص سنى وإن الجزاء من جنس العمل لكنه لا يشبهه ؟ متى
  
“ 562 “
 
يشبه حمدك وثناؤك على الخالق الطير ؟ ( إشارة إلى حديث نبوي : من قال لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة منها طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان ) إن التشابه هنا غير موجود في الظاهر فإن نطفه الطائر من الهواء ( في اعتقاد القدماء أن أنفاس الطيور تؤثر في سفادها ) فحمدك وتسبيحك هما أنفاسك تلد هذه الطيور الفردوسية . ومتى تشبه الزكاة الأشجار المورقة في الجنة ؟ وأي شبه لحبك وحنانك وحدبك على الناس بأنهار اللبن في الجنة ؟ فهي جزاء من الحب والحدب ؟ ومتى يشبه شوقك وهيامك بالله أنهار الخمر التي هي جزاء هذا الشوق والحب ؟ إنها أسباب : الصبر والحنان والود ولذة الطاعة والسكر والشوق كلها أسباب للأنهار الأربعة في الفردوس ، فإذا كنت متصفا بها في الدنيا دانت لك الأنهار الأربعة في الآخرة ، إنها أبناؤك كما يسير ابنك خلفك قائلا لك : أنا جزء منك ، وهكذا أيضاً أعمالك الشريرة فإنها ( تترجم ) في الحياة الأخرى إلى الجحيم وحيات وعقارب وأشجار زقوم ، إنها الترجمة الفعلية لطبعك النارى .
 
( 3478 - 3495 ) يوجه مولانا الحديث إلى المريدين الذين لا يقبلون الهداية ويجعلون الأولياء منتظرين ، إن هذا سوف يترجم يوم القيامة إلى انتظار للعقاب الإلهى تحت شمس القيامة المحرقة ، أن هذه هي نتيجة التسويف ، إن غضبك هنا ( من النار ) هو بذور السعير فأطفئه هنا في الدنيا قبل أن يستعر جحيما في الآخرة ، ولا يطفأ إلا بأنوار الأولياء طبقا لما روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم - : “ تقول النار للمؤمن يوم القيامة ، جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبى “ ( مولوى 2 / 295 - 3 / 453 ) . “ وانظر الأبيات 1250 فما بعده من الكتاب الثاني “ ، ولا فائدة للتغلب على الغضب بدون عون من أولياء الحق فهذا يكون من قبيل
 
“ 563 “
 
التكلف ، فإن نارك تكون موجودة لكنها تحت الرماد . سر إذن نحو هذه الطيور المائية : أي الأولياء الغارقين في بحر الجلال حتى يهدوك إلى عين ماء الحياة الحقيقية ، وإياك أن تخطىء فإن الأولياء والبشر العاديين متشابهون في الظاهر والشكل لكنهم لا يمتزجون كالماء والزيت : كما أن الوسواس الشيطانية والوحي كلاهما في عداد المعقولات لكنهما ليسا سيين . ورد في الجامع الصغير عن ابن مسعود - رضي الله عنه - “ إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله ومن وجد الأخرى فليعذ بالله من الشيطان “ ( مولوى 3 / 455 ) ثم يقول مولانا : كلاهما يعمل من أجل ترويج بضاعته ، فينبغي على “ صراف القلب “ الذي يعلم الغث من الثمين أن يقيم بين البضاعتين ليختار الأمثل والأثمن ، وإن لم تعلم التفريق بينهما فتمهل ، وامنح نفسك فرصة التفكير وقل “ لا خلابة “ .
 
( 3496 - 3499 ) الحكاية القصيرة الواردة هنا لها أصل في أصول الحديث شكا أحد الصحابة إلى الرسول أنه يغبن في البيع والشراء ، فقال له رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلم - : إذا بايعت فقل لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام . ماخذ 118 ، أي على شرط ألا يكون هناك غبن ولى حق الفسخ إلى ثلاثة أيام . والبيت 3499 إشارة إلى الحديث النبوي : التأنى من الرحمن والتعجل من الشيطان “ وبقية الأبيات حتى البيت 3518 عن أهمية أن يلزم المريد التأنى لكيلا يصير من المنبتين فشرط المداومة على الطلب في الطريق هو أن يطلبه المريد بتأن وصبر وعدم تسرع .
 
“ 564 “
 
( 3519 - 3528 ) لا يزال مولانا يتحدث مبينا أن موت الأولياء هو من قبيل الانتقال والرواية التي وردت هنا بشأن بلال رضي الله عنه وردت قبل مولانا في معظم مصادر الصوفية ومن بينها الرسالة القشيرية وحلية الأولياء ، ففي الرسالة القشيرية ، “ ولما حضر بلالا الوفاة قالت امرأته : واحرباه “ أي وامصيبتاه “ فقال بل وطرباه غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه “ ولكن الرواية في حلية الأولياء وردت بشأن الربيع بن خيثم ( ماخذ / 119 ) . إن كل من لم ينور قلبه بالإيمان ونور الحق كان يرى بلالا مجرد عبد أسود “ كما كان إبليس يرى آدم مجرد مخلوق من طين “ ، لكن إنسان العين أسود وهو مركز الرؤية والبصيرة ، وفي البيت 3525 فما بعده والإنسان الذي لا بصيرة له أي إنسان العين الذي لا يرى الظاهر فحسب هو أعمى ، أما الإنسان العين أو من في منزلة إنسان العين ، أو المبصر بنور الله هو مراة لنور الله سبحانه وتعالى ، وإنه لا يرى الباطن في الدنيا إلا ذوو العيون البصيرة أصحاب الكمال ، إنه لم ير بلالا حقيقة إلا “ إنسان عين المؤمنين “ محمد ، ومن سواه عندما ذكروا بلالا إنما ذكروا صفاته السامية على سبيل التقليد لا التحقيق .
 
( 3529 - 3536 ) ليس الموت فراقا بل هو وصال ، ليس غربة بل هو عودة إلى الوطن ، عودة من الدنيا القصيرة إلى خاصة أهل اللهفِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ( القمر / 55 ) هي في أعلى في السمو ، لا في الأدنى أو الأحقر ( الحياة الدنيا ) إنك تنظرين إلى خراب المنزل ، لكن انظرى إلى ما وراء السحاب تجدين القمر ، وانظرى إلى ما وراء الخراب تجدين العمران ، فالقوم “ الروح “ عظيمة ومتسعة ورحبة ، لا بد أن نخرب منزل الجسد لكي نجد عالمها الذي تحن
  
“ 565 “
 
إليه مثلما يحن الناى إلى منبته . ( انظر الكتاب الأول - الأبيات الأولى ) . وهذه الفكرة عبر عنها مولانا تعبيرا رائعا في ديوانه شمس الدين التبريزي :
موتنا هو عرس الأبد * وسر ذلك في قل هو الله أحد إن الشمس لتفرق بين النوافذ * وانغلقت النوافذ وذهب العدد وتلك الكثرة التي كانت في حبات العنب ليست في العصارة التي تنقطر من العنب .
وكل من هو حي بنور الله * يكون من الموت المدد لروحه ( غزلية 833 ص 338 ) ويوضح هذه الفكرة أكثر :
عندما يحملونى في نعشى يوم وفاتي * لا تظن أنني أهتم بهذه الدنيا فلا تبك من أجلى ولا تنح قائلا واسفاه واسفاه * إن سقوطك في حبال الشيطان هو مدعاة الأسف وعندما ترى جنازتى لا تقل الفراق الفراق * فذاك زمان الوصل واللقاء بالنسبة لي وعندما أودع في قبرى لا تقل وداعا وداعا * فإن القبر هو الحجاب على مجمع الجنان
 
“ 566 “
 
لقد رأيت الأفول فانظر إلى الشروق * فمتى كان أفول الشمس أو غياب القمر خسارة لهما إنه يبدو لك غروبا لكنه شروق * ويبدو اللحد كالسجن لكنه خلاص للروح فأي حبة غرست في الأرض ولم تنبت * فكيف يكون ظنك هذا بحبة الإنسان ؟
( غزلية 911 ص 367 ) .
 
( 3537 - 3553 ) فيما يبدو يجرى الكلام على لسان بلال لكنه حديث مولانا على لسانه يقول : لقد كنت محزونا في هذه الدنيا كادم عليه السلام .
كانت منفى لي كما كانت منفى له لكن روحي الآن تشرف على العالم بأكمله ، كنت في هذا الجب “ كيوسف “ ثم أصبحت الآن ملكا ، والملك في حاجة إلى قصر ، إن الدنيا لم تكن أنس الأنبياء لأن أنسهم لا يتم إلا بالله سبحانه وتعالى ، وإن لم تكن الدنيا ضيقة فلماذا هذا الكدح والعناء والمشقة فيها ولماذا ينحنى من يعمرون فيها وما هذا النواح للروح في قفص الجسد ؟ ولماذا تتحرر الروح عند النوم من علائق الجسد ؟ ولماذا يتحرر الظالم من ظلمه ، ولماذا لا يحس السجين عند نومه بوطأة السجن عليه ؟ كيف يصير هذا العلم الواسع الرحب ( عالم المعنى ) ضيقا بحيث تجوب الروح فيه ؟ وانظر البيت 3552 أليس يورد تشبيها شاع في العالم كله الآن على أنه مثل غربى : ما ذا يجدينى اتساع العالم
 
“ 567 “
 
إذا كان حذائى ضيقا ؟ وهو يشير في البيت 3553 إلى مفارقة ظاهر الجبار الظالم مع باطنه إنه في موكبه وفي زينته يبدو متهللا سعيدا لكنه في باطنه في عذاب من جراء ظلمه للخلق .
 
( 3555 - 3567 ) إن النوم هو ملك الأولياء ( نوم العالم عبادة ) لأنهم في النوم يتخذون طريقهم إلى عالم المعنى ، والنوم هنا مجاز وإلا فإنهم يرون في اليقظة ما يراه غيرهم في النوم ويدلفون إلى عالم المعنى بغير باب “ من النوم أو الموت “ وإنه إنما يخرب جسده “ بالرياضة “ عامدا لكي يترك المجال لروحه للطيران سواء في النوم أو اليقظة ، وعندما يتم للروح كمالها مثلما يتم للجنين كماله ، يترك تعلقه بالرحم الضيق “ الدنيا “ ( ما شبهت خروج المؤمن من الدنيا إلا مثل خروج الصبى من ذلك الغمر والظلمة إلى روح الدنيا ) “ حديث نبوي - استعلامى 3 / 374 ) ولولا هذا المخاض ( هذه الرياضة ) لبقيت رهين المحبس بين الظلمات الثلاثة . 
وكما تشق الطبيعة المادية طريقا للوليد ( حتى في الحيوانات ) وربما تموت الأم لتخرج الروح مثل الحمل من الشاة ، فإن الطبيعة الروحية تساعد الروح لكي تخرج من سجن الجسد ، مهما كان العناء ، فالعناء على الوالدة في المخاض ، لكن الجنين مستبشر ، هذه هي سنة الحياة ، ليست في الأحياء فحسب بل في الأمهات ( العناصر : التراب والماء والهواء والنار ) وإن لم يكن لها علم بهذا ( هي مجبرة على هذا ) إلا إذا كان لها سير إلى الله ( السير إلى الله من تكريم الله للإنسان فحسب ) . 
وأولئك الذين لا ينظرون إلى الظاهر “ شكل الجنة “ يظلون تواقين إلى الأسرار .
 
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 3568 - 4037 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:43 am

الهوامش والشروح 3568 - 4037 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ ) 

الهوامش والشروح 3568 - 4037 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 3568 - 4037 فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح بيان أن كل ما هو غفلة وكسل وظلمة كله من الجسد
فهو أرضى وسفلى
( 3568 - 3576 ) يصل مولانا إلى خلاصة قصة بلال والنتيجة المستنبطة
 
“ 568 “
 
منها إن الجسد عندما يتحول إلى روح ، أي عندما تتخلص الروح من علائق البدن ، فلا شك أن الأسرار تنكشف لها ، وكذلك فعندما تختفى “ الأرض “ من جو الفلك فلا ظل ، وكذلك عندما يختفى الجسد النور في قلوبنا ، فالدخان من الحطب ، أما الأجسام النورانية فلا دخان لها ، لأنها لا تتصل بالمادة ، وعندما ينبنى الفكر على المادة فمن الممكن أن يقع في الوهم والخطأ ، لكن العقل “ عقل الروح “ نادرا ما يقع في الخطأ لأنه لا ينظر إلى المشاهد والمحسوسات ، إن الناس يربطون حالات الإنسان بالأخلاط “ السوداء والصفراء والبلغم والدم “ ، لكنها أي الحالات في الحقيقة من الله “ المسبب لا السبب “ إن العلة الظاهرة لا يراها سوى أهل الظاهر .
 
( 3577 - 3584 ) ومن ثم : فإن الروح البعيدة عن اللب “ الحقائق “ ، والمتعلقة بالقشور “ الحياة المادية “ لابد لها من طبيب ومن علة ، فالروح أسيرة الجسد هي مريضة وفي حاجة إلى علاج باد : وخلاص الروح من قيد الجسد “ كسر القيد “ ، الوصول إلى الحرية . . . بمثابة الحياة مرة ثانية يقول في ديوان شمس :
كنت ميتا فأصبحت حيا كنت باكيا فأصبحت ضاحكا * لقد حلت دولة العشق وصرت دولة ثابتة لي بصيرة شبعى ولى روح شجاعة * ولي جرأة الأسد ، إذ صرت متألقا ككوكب الزهرة ( غزلية 1393 ص 539 )
 
“ 569 “
 
فالروح الحرة لا تتحدث عن العلل ، الا تؤمن إلا بالعلة الأولى ، هي مع الحركة الكلية للوجود لا علاقة لها بالحركات الجزئية ولا تنظر إلى الكون مجزءا وكأن هذه الروح “ عريس “ يزف إلى “ عروس “ الصدق ، والصورة هي الحجلة التي يجلس فيها العروسان ، ليس هذا فحسب بل تسمو على هذا العالم وتمضى إلى عالم لا يحتوى على قيد المكان أو الزمان ، وعقولنا هي ظل لهذه الأرواح الحرة عليها أن تعترف لها بالجميل وأن تقبل قدمها ، وإن المحقق لو أدرك القران لما استدل على شئ من ألوان وجوه الناس ، بلال رضي الله عنه أو غيره ، ولما استخدم القياس عندما لا يدرك الحقائق فلا قياس مع وجود النص .
 
( 3585 - 3596 ) يتحدث مولانا عن تفسير عدم أهمية القياس مع وجود النص : إن النص القرآني قد أوحى به من جانب الروح القدس ، والروح - القدسية أو الروح الطاهرة - هي الوجود المطلق لإله المنزه عن قيود عالم التعين ، أما العقل الجزئي فهو العقل الذي يستطيع أن يدرك حدود العالم المادي ، ومن ثم فإن قياس هذا العقل واستدلاله في سبيل تأييد النص يظل بلا أثر والروح المذكورة في البيت 3586 هي الروح الإنسانية التي تجعل العقل يعمل ، ومن ثم فهذه الروح سواء الروح الفردية أو الروح المطلقة لا تدخل تحت تصرف العقل الجزئي حتى يثبت العقل باستدراكه أو يؤيده وفي 3586 يدور الحديث حول غرور العقل الجزئي المضل ( تنظر تعليقات 3238 ) إن روح سيدنا نوح كانت تنبؤه من
 
“ 570 “
 
داخله أنه مؤيد من الحق ، في حين أن روحك لو قالت لك داخلك أنك مؤيد فأين الأمارات الأخرى لرجال الحق ؟ وهذا الخيال والغرور نتيجة لأن العقل الجزئي لا يفرق بين الروح وبين آثار الروح وما يتحدث إليك في داخلك من الممكن أن يكون أثر الروح فنور الشمس غير الشمس ، إنه أشبه برغيف خبز ( أي نصيب قليل ) وهذا هو الإدراك المحدود لعوالم الغيب ، إن السالك في طريق الحق يسعد من مواجيده الأولى لأن نفى هذه الإدراك هي وسيلة إلى إدراك الحقيقة ، يلقى به النور نحو قرص الشمس ، إن النور الموجد هو آثار الروح المطلقة في عالم المادة ، إنه أفل ، إنه أثر نور وليس النور نفسه والآثار إلى زوال ، أما أولئك الذين وصلوا إلى أصل النور ومنبع الحقائق ، فهم دائما غارقون في النور ، فلا السحاب “ التعينات المادية “ ولا الغروب أي : “ ضياع اثار النور المادي “ تؤثر فيهم ، إنهم لا يحسون مطلقا بذات الحق حتى تحس صدورهم بالغصص والأحزان ، فلعل هؤلاء الواصلين إلى الحق منرهون عن الوجود المادي والترابى ، وأصلهم مما وراء عالم المادة ، وإن كان لهم وجود ترابى فقد تبدل بالنضج الروحاني ، فمن الممكن أن يتحمل الوجود الترابى إشراق نور الحق ، لكن نور الحق لو سطع عليه على الدوام فمن الممكن أن يحرقه ، اللهم إلا إذا كانت عوارض المادة قد انمحت عنه تماما ( لا تتحمل القشة الجبل ) .
 
( 3597 - 3603 ) في طريق الحق نلتقى بنوعين من البشر : نلتقى بالكمل الواصلين الذين يسبحون دائما في بحار الغيب ، ونلتقى بالمدعين الذين كالثعابين ينزلون إلى الماء لكنهم لو ظلوا في الماء طويلا لماتوا ، هؤلاء المدعون ( الثعابين ) ذوو فنون في الجبل “ الدنيا “ وهم يخدعون البسطاء من السالكين

 
“ 571 “
 
ويعدون أنفسهم سابحين في بحار عوالم الغيب ، لكنهم يستطيعون هذا الادعاء في هذا اليم فحسب “ الدنيا “ ، إن الفنون الحقيقية جديرة بأهل الحق فحسب :
ومن ( فنونهم ) أنهم يستطيعون أن يصحبوا في طريق الحق العابد للدنيا ، إنهم يسيرون حتى في أعماق بحر الجلال ، بحيث يعلمهم هذا البحر كيف يؤثرون في الآخرين ، إن نفوذهم معنوي وتأثيرهم هو السحر الحلال “ انظر تفسير 4082 “ وهو الذي يجعل غير الممكن ممكنا فهو متصل بقدرة الحق وقوله :
تمضى مائة قيامة ، أي يمضى وقت طويل جداً جدير بانتهاء عالم اخر مائة مرة .
 
( 3604 - 3619 ) يشير العنوان والأبيات إلى عدم اهتمام بعض المريدين بكلام جلال الدين . . لقد صاروا ملولين يعتبرون أقواله تكرارا لما سبق من قول لكن مولانا يقول : إن هذا الكلام حياة وتكراره هو أن يهب عمرا مكررا للآخرين .
إن ما يجعل الشمعة تظل منيرة ، هو هذا النور الضئيل المتكرر ، وحتى التراب “ الإنسان “ يتغير بسطوع الشمس “ شمس الحقيقة “ عليه . . . أو أن التراب الحقيقي يتغير بسطوع الشمس عليه ويتحول إلى ذرات من الذهب ويعتقد القدماء أن تكوين المعادن الثمينة يتم بسطوع الشمس وإلى هذا أشار سنائى بقوله :
تنبغى سنون حتى يصير حجر بتأثير الشمس * ياقوتا في بدخشان أو عقيقا في اليمن ( كليات ديوان سنائى ص 485 ) وهو يستخدم “ الرسول “ في موضع الشيخ إشارة إلى حديث نبوي : “ الشيخ
 
“ 572 “
 
في قومه كالنبي في أمته “ ( استعلامى 3 / 377 ) ، كما أن المشايخ هم رسل الضمير لأنهم يخبرون عن الباطن ، والمستمع الذي في طبع إسرافيل هو المستمع الذي يستطيع أن يحيى الموتى ( بعث الموتى عن طريق صور إسرافيل ) .
إن توقير الأستاذ شرط أول لاستفادة الطالب ، والطالب الذي لا يوقر أستاذه إنما يسد أمام نفسه طريق المعرفة ، ويقنط الأستاذ من قدرته على الاستفادة فينصرف الأستاذ بدوره عنه . إن اذانهم مستحسنه لأنها من حضرة الحق وهم يعلمون بلا من ولا أذى إنهم سلاطين ، وصدقة السلطان تصل إلى من يستحقها ومن لا يستحقها ، 
فمن ثم يخاطب المرشدين أو يخاطب نفسه : انطلق في طريقك وداوم على التعليم ، فإن التركي “ القائد والمرشد والبطل الهمام “ الذي يسعر الوغى سعيد بعمله هذا ، إنها لذة التعليم ولذة الإرشاد حتى ولو لم يوجد من يستحق ، فالفرس منطلق ، أي الإرشاد والتعليم فقد أغمض عينه عن كل ما سوى الله وعن الغير ، أي غيرة عشاق الحق من اهتمام الناس بغير الحق ، على الشيخ ألا ينظر إلى الأغيار ويقول وينطلق ، وينبغي ألا يدفعه الندم إلى الكف عن إرشاد المريدين ، فحتى الندم نفسه ينتهى عندما يرى الهداية من شيخ طريق .
 
( 3629 - 3636 ) إن المريد الذي يقف في وجه مرشده هو جرىء على الحق ينازل ما لا يمكن نزاله ومالا يمكنه الصمود أمامه ، إنه أشبه بإنسان يجادل خالقه ويقف في وجهه ويتحداه وهذا ما لا يقع فيه حتى الحيوان ، فالجواد يعرف زئير الأسد ويشم رائحته ، والخفاش لا يخرج في نور النهار لأنه لا يقوى على النظر
 
“ 573 “
 
إلى الشمس ( الخفاش أيضا ) رمز لعابد الدنيا وظلمتها والبعيد عن عالم المعنى والساقط في هوى النفس ) . . . إن الخفاش لا يواجه الشمس فكيف يواجه المريد شيخه ؟ ومتى تتوارى الشمس بالحجاب أسفا على الخفاش ؟ ويصل مولانا إلى النتيجة : إن عاديت فعاد على حد قدرتك ، لا تعاد من لا سبيل لك إليه ولا استطاعة عليه ، فان فعلت فمصيرك هو مصير قطرة تعادى بحرا ودائرة تعادى سماء ، فإذا كان هذا هو مصير عدو الشمس “ الشيخ “ فما بالك بمصير من يعادى شمس الشمس “ الحق “ ؟ إنك لا تستطيع أن تعاديها بل إن عداءك لها خصومة مع نفسك . إن من ينازل النار إنما يصير حطبا لها ، وهو أيضا لا يتأثر باحتراقك ، إنه رحيم لكن رحمته ليست كرحمتنا فإن الرحمة تتأتى في قلوبنا من الإشفاق على الآخرين والاهتمام بهم والتألم لألمهم ، إن إدراك رحمته غير ممكن ، ولكن انظر فحسب إلى اثار رحمة ربك .
 
( 3637 - 3652 ) يواصل مولانا هذه الفكرة : إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يعرف ماهية رحمته وحقيقتها ، وهكذا أيضاً كل صفات الكمال الإلهى إننا نعرفها بالمثال فقط لا بالماهية ، فمتى يعرف الطفل لذة الجماع ؟
إنك تمثله له بالحلوى ولكن متى كان الجماع كالحلوى ؟ إننا كلنا أطفال كل إدراكاتنا عن الحقائق إنما تتم بالتمثيل لها فحسب ، ولا نستطيع أن ندرك حقيقة الوجود وماهية عوالم الغيب لكننا ندرك اثارها ، ومن هنا فإن قلنا نعرف فهذا صدق على اعتبار أننا نعرف بالمثال ، وإن قلنا لا نعرف فهذا أيضاً صدق على اعتبار أننا لا نعرف الماهية . ونوح هو المثال : إن قلت أعرفه فقد قرأت قصته في القرآن أثناء وجودي في الكتاب وسمعت عنه من الأئمة في المحاريب ، فأنت قد
 
“ 574 “
 
عرفت قصته ولم تعرفه هو ، إنما يعرفه من هم مثله . وإذا قلت أي علم لي به ، وأين أنا منه قلت صدقا أيضاً أيها الفتى، لأنك بالعقل لم تعرفه بماهيته ، والعجز عن درك الإدراك إدراك.
 
( 3652 - 3659 ) إن الكمل والواصلين هم الذين يستطيعون إدراك الماهيات ، فلا تقل : إن هذا الحكم يشمل الجميع ، وسر الماهيات هو العلم الأزلي للحق أو ذات الحق ، وعند بعض المفسرين أن ماهية كل شئ كانت موجودة في العلم الأزلي قبل أن تتحقق في عالم الصورة ( انظر الكتاب الثاني الآيات 169 - 180 ) ، 
وفي البيت 3656 يرى أعقل البحث والجدال أي العقل الذي يسيطر عليه الحس أو العقل الجزئي يقترن بأن إدراك سر الماهيات أمر أعمق وأبعد غورا من أن نفهمه ، ولا يمكن أن تصل إليه إلا “ بالتأويل “ ، فابتعد عنه ، ويرد القطب أو المرشد القائل : إنك تتحدث عن مالك أنت وهم أمر واهن وتظن أن مالا تفهمه لا يفهمه الآخرون أيضاً ، ويمكن أن يكون قصد مولانا المريدين الملولين أيضاً مخاطبا إياهم بألا يعمموا الحكم بعدم الفهم لأنهم لا يفهمون ، ويخاطبه قائلا :
أليست الواقعات وهي أول ما يستطع في القلب من نور المعرفة كانت تبدو لك محالا في البداية ؟ وإذا كان كرم الله قد أخرجك من سجونك العشرة أو تأثير حواسك العشرة : الخمسة الظاهرة والخمسة الباطنة ، وسمح لك بهذا أن تنطلق بعيدا عن هذا التيه وهذه الصحراء الجافة (الدنيا) فلماذا تظل أسيرا فيها ما دام الله قد حررك فلا تجعل من هذا الظاهر سجنا لك.
 
( 3660 - 3670 ) الأمور نسبية ، المهم من أية وجهة نظر تنظر إليها ، وقد يجتمع الضدان ( النفي والإثبات ) في شئ واحد ومع ذلك فليس في الأمر هنا أي
 
“ 575 “
 
نوع من التناقض ، ويشير مولانا إلى الآية الكريمة ،وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى( الأنفال / 17 ) فالآية الكريمة تحتوى على نفى وإثباتما رَمَيْتَورَمَيْتَ: لقد رميت إذ إنك الذي رميت الرمح أو هكذا يبدو لك ، ولكنك لم ترم في الحقيقة فالرامى هو الله سبحانه وتعالى ، والقوة والحول منه والسلطان له جل شأنه ، والنصر والهزيمة بيده فمتى كان لقبضة من التراب أن تهزم جيشا ؟
ومن هنا فالنفى والإثبات “ معا “ جائزان وحتى الأنبياء ( انظر مثال نوح عليه السلام في التعليق على الأبيات 3637 - 3651 ) ليعرفهم أضدادهم وأعدؤهم لكنهم يكتمون هذه المعرفة ( وهذا هو الكفر فالكفر ستر للحقيقة لأن الحقيقة أوضح من أن تنكر ) وهذا مصداقا للآية الكريمةالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( البقرة / 146 ) إذن بم تفسر التناقض بين هذه الآية وبين الحديث القدسي “ أوليائي تحت قبابى لا يعرفهم غيرى “ ؟ لا تناقض : فإن الحق سبحانه وتعالى يعرف حقيقتهم ويجيزها لكن يمكن لغيره سبحانه وتعالى أن يعرفهم من ظواهر أعمالهم ومن آثارهم . والخلاصة أن ذلك من هذا الجدل فإن الأمر يكشف لك بقدر فهمك وإدراكك ( انظر تفسير الأبيات 3637 - 3651 ) .
 
( 3671 - 3684 ) يدخل مولانا في مثال اخر من نفس القبيل : وهو موضوع الفناء والبقاء ، والفناء هو ترك العلائق الدنيوية وعدم التعلق بها ونفى الظواهر الخادعة والتغلب بالتالي على كل جوانب الذات والنفس وانمحاء العبد في ذات الحق أما البقاء فهو خلود الحق بحيث يبقى العبد بعد فناء ذاته ببقاء
 
“ 576 “
 
الحق - ويرى استعلامى أن القائل بأنه ليس في الدنيا درويش هو مولانا نفسه ، والواقع أن مولانا يتحدث بلسان القوم فقد ورد أن الدرويش الذي يدرك أنه درويش ليس بدرويش ، إنه في رؤيتة لذاته قد ابتعد عنه فهو في رؤيته هذه لم ينمح في ذات الحق تماما ولا تزال فيه نظرة إلى نفسه وذاته . . .
 
ويفسر مولانا أنه إن وجد درويش فليس موجودا بذاته هو ، لكنه موجود بذات الحق ، وليس فيه من الظواهر والأمارات ما يدرك بحواسنا ، وهو موجود غير محسوس كنور الشمعة أمام الشمس أو كنذر يسير من الخل في مائتي من العسل ( المن مكيال فارسي يختلف باختلافف العصور وباختلاف أقاليم إيران ويترجم قديما وحديثا بكلمة من أيضاً ) ، فنور الشمس غير ظاهر أمام الشمس لكنه يحرق قطعة قطن إن قربتها منها ، وطعم الخل ليس موجودا في الشهد لكنه موجود إن حللت وفصلته عنه “ إن السالك أمام الله إذن كالغزال أمام الأسد ، إن ما أقدمه هو “ قياس الناقصين “ إنه من غليان العشق ( تمهيد للحكاية القادمة وتدور حول العشق ) .
 
فكيف يوضع العاشق في كفة أمام المليك ؟ ! لكن العاشق الذي فقد الأدب هو بالنسبة لله في منتهى الأدب .
إن ادعاءه العشق يبدو “ مطامنة “ لمن لا يطا من ، لكنه وعشقه “ معا “ فانيان أمام المعشوق سبحانه وتعالى ، ولسنائى الغزنوي “ ما دمت لا تصنع من العدم خوذة على رأسك فإنك لا تيمم وجهك شطر البقاء “ ( حديقة ص 34 ) إذن لقد أطل العشق من الباب . فإذا بكل خيالاتنا وهم وعبث لقد أسفر العشق عن وجهه فعنت كل الوجوه ، وبهذا يمهد مولانا جلال الدين لواحدة من أروع قصص المثنوى على الإطلاق . . ولم لا ؟ وهي في الميدان الذي يصول فيه مولانا جلال الدين ، ويجول
 
“ 577 “
 
ويثبت أنه شاعر الإنسانية الأول في كل أنواع العشق المجازى “ عشق البشر “ والحقيقي “ العشق الإلهى “ وبينهما برازخ ودرجات .
 
( 3688 - 3698 ) هنا تبدأ حكاية صدر جهان وعبده الذي هرب منه ثم رده العشق حيث سيده ، ثم يعفو عنه سيده ، فليس المعشوق بأقل انجذابا إلى العاشق من انجذاب العاشق إليه كما سنرى ، وانظر قبل أن تتحدث عن أصل الحكاية ( وماذا يهمنا أصلها وأصلها هو العشق ذاته وانجذاب ذرات الحقيقة بالعشق ، ثم انجذابها كلية إلى أصل العشق ومعدنه الحقيقة الكبرى أو الحقيقة الوحيدة . الله سبحانه وتعالى ) .
انظر إلى هذا الرمز الواحد في ( صدر جهان ) “ صدر الدنيا “ والعبد أية مناسبة ؟
 يا لها من مطامنة وياله من طموح إنساني لا حد له وألا يرمز الأمر كله إلى هروب العبد ( الإنسان من سيده الأعلى ثم غربته في الأرض بعيدا عن منبته وعن جنته وحنينه إلى العودة ، وتوظيف كل قواه في سبيل هذه العودة ، وأنين روحه كما يئن الناى منذ أن قطع عن موطن الغاب “ انظر أغنية الناى مقدمة الكتاب الأول من المثنوى كافتتاحية هي أشبه بافتتاحيات الأعمال الموسيقية الكبرى تمهد بأالحانها المتداخلة لكل الألحان الواردة في العمل على طوله وتنبىء عنها وتلخصها في الوقت نفسه ) وما صلة هذه الحادثة التي يوردها المفسرون بحكاية صدر جهان وعبده التي نحن بصددها . يقول المفسرون : إن الحكاية مستوحاة من السيرة التي أوردها محمد عوفي في لباب الألباب لمحمد بن عمر بن مسعود من أمراء ال برهان في بخارى ، فر من أبيه لسوء معاملة زوجة أبيه له ، ولجأ إلى مرو حيث هجا زوجة أبيه ، ثم راسل أباه ليعفو عنه وكان عوفي نفسه حامل هذه الرسائل وعفا عنه أبوه فعاد إلى بخارى
 
“ 578 “
 
( ماخذ ص 119 - ص 121 ) . وهذه الحادثة ربما كانت نقطة انطلاق مولانا جلال الدين أو الإطار الذي ساق فيه “ إفاضاته “ عن الميدان المحبب إليه العشق “ كليات ديوان شمس الدين التبريزي مائة ألف بيت كلها عن العشق والمثنوى كله لا يزيد عن ستة وعشرين ألف بيت “ ، فهل يمكن أن يكون مثل هذا الجدول الصغير أو هذه البركة الآسنة منبعا لهذا المحيط من العواطف الجياشة ؟ لا أظن ! ينقل مولانا ثلاثة أبيات كقصة : لقد هرب عبد “ صدر جهان “ أو مستخدمه منه ، وساح في البلاد عشر سنوات ، وبعد عشر سنوات كان الفراق وعذبه الشوق ، ويصف مولانا الفراق وتأثيره ، إن كل أنواع الآلام والمتاعب ، وكل مرارة الحياة ومعاناتها هي من جراء هذا الفراق وهذا الانفصال عن المنبع وعن أصل الوجود ( انظر أغنية الناى مقدمة الكتاب الأول ) : من جراء هذا الفراق تبور الأراضي ويأسن الماء وتصير الريح ناقلة للأوبئة ، وتتساقط أوراق الحدائق وتذبل ولا يتحمل العقل ويتعطل ، وإنما يرتعد الشيخ هكذا من بعده عن الحق ، والنار نفسها لو كانت مورد عنايته لتحولت إلى جنة . . إن الحديث عن الفراق يطول دون أن يوفيه الجزء اليسير جدا من حقه ولا نملك هنا إلا أن ندعو : رب سلم في الفراق ( إشارة إلى الحديث : شعار المسلمين على الصراط يوم القيامة : اللهم سلم سلم ( استعلامى 3 / 381 ) ويترك مولانا سياق “ الحكاية “ بعدها حتى البيت 3791
 
( 3702 - 3717 ) الرواية الواردة هنا إشارة إلى تمثل الروح القدس لمريم عليها السلام بشرا سوياوَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً
 
“ 579 “
 
شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا * قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ( مريم 16 - 18 ) 
ويبدأ بأن يربط بين ما كان يتحدث فيه انفا وبين ما هو بصدده : الآن وقد أدركت أن كل شئ إلى فناء ، فقبل أن يفوت منك كل شئ انفصل عن صورة الوجود ، وقل كما قالت مريم : إني أعوذ بالرحمن منك ، لقد تمثل لها الروح الأمين ( جبريل ) بلا نقاب أي بدون غطاء ما من الصورة أو المادة جميلا كل الجمال . لقد كانت عارية وخافت من الغواية . إن الغواية هنا مقرونة بالعرى ، ينميها العرى ويسهلها فإن الثياب الساترة للمرأة وقاء لها من أن تغوى وليس كما يقول بعضهم وقاية لها من إغواء الآخرين . ولما لم تجد طاهرة الذيل بدا فرت إلى الله سبحانه وتعالى .
 
إن هذه النظرات المحرقة للعقل ( تجلى العشق الإلهى والجمال الإلهى في صورة جبريل ) تجعل العالم كله طوع أمرها ، فلا أبطال ولا ملوك ولا جيوش ولا بدور .
إن هذا التجلي للجمال الإلهى يجعل كل الخليقة عبيدا له ، فما بالك بمريم التي كانت عارية خائفة من الغواية ؟ إن العقل الكلى نفسه ليسلم نفسه طائعا لهذا الجمال .
 
( 3718 - 3724 ) إن مولانا لا يستطيع أن يعبر عن كل هذا الجمال ( حكاية مريم عليها السلام ليست إلا تكأة ، ليتحدث عن الجمال الإلهى كأساس من أسس العشق موضوعنا الأصلي ) إن أنفاس هذا الجمال قد أحرقت منبع أنفاسه إن المنبع الأصلي والاشتياق إليه قد أحرق حنجرتى فلا أستطيع الحديث وإن لم تصدق فانظر إلى أثر ذلك فأنت لن تدرى ماهيته وكنهه ، إنني دخان هذه النار . لا إن هذا تعبير باطل ، فاللفظ قاصر عن بيان عوالم الغيب ( انظر تعليقات
 
“ 580 “
 
الأبيات : 4725 - 4732 من هذا الكتاب ) إن نور الشمس هو دليل على الشمس ( ينظر تعليقات الكتاب الأول بيت 116 ) وإن الظل ليبدو أحيانا دليلا على الشمس ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ) لكن عندما ترى الشمس ما فائدة هذا الدليل وما قيمته ؟ إن عظمة الحق وجلاله كافيان دليلا على وجوده ، أما إدراكاتنا الذهنية فقد حدثت بعد هذا الإثبات ، بل إن هذه الحركة الذهنية بطيئة بالنسبة لإدراك تجليات الحق ولا تصل إليه ، إن تجليات الله سبحانه وتعالى سابقة ، فكيف نصل إليها على هذه الحمر العرجاء ( الفكر ، العقل الجزئي ، الوهم ، الخيال ) ، إنه يأخذ الطريق عليها دائما .
 
( 3725 - 3735 ) وبالرغم من هذا فإن هذه الإدراكات البطيئة لا تقعد في سبيل إدراكات تجليات عوالم الغيب ، وإن قوانا الذهنية مثل البازي ، ومثل السهم ، ومثل السفينة في حركة ، وتذهب وتعود ولا تصل إلى مكان ما ، إن هذه الوسائل تزيد في هجومها كلما بدت لها التجليات الإلهية عن بعد وعندما تختفى فإن إدراكاتنا تضل ، ومن ثم فإن هذه الإدراكات تظل في نصب وتعب دونما نتيجة ، فعليها أن تستريح حتى لا تضل ، ينبغي أن يستريج البدن قليلا مثلما يستريح في الليل ( ليل اليأس من الوصول بهذه الوسائل ) .
 
( 3736 - 3745 ) يبدأ مولانا بعد انتهائه من البحث في إدراك تجليات عوالم الغيب ( إدراكها هو الذي يخفى السالك العاشق على إكمال الطريق ، أليست تجليات المحبوب أو اثاره التي تبشر بقربه ؟ ) في إرشاد السالكين :
 
“ 581 “
 
والحديث عن القبض والبسط ، إذا يضيق صدر المريد من فشله في الطريق ، أو يسر من وجدانه المراد وقربه من عوالم الغيب ( انظر الكتاب الثاني الأبيات 2971 ، 2975 ) ، فالقبض والبسط في رأى مولانا مثل الدخل والمنصرف لا ينبغي أن يظل السالك على حال واحد منهما ، فكل فصل من فصول العام له دور في نظام العالم “ حتى الزمان يدور في دورته المناسبة وبتقدير من الحكيم العليم ) . .
فإذا حل بك القبض ففكر أنك سوف تصل بعد الوصول إلى المراد إلى البسط ، فما بال هؤلاء المريدين كالأطفال لا يصبرون على المصاعب ( القبض ) ويريدون السرور ( البسط ) فحسب ؟ إن المريدين الواعين كالكبد دائما يتحملون أحزان طريق الحق ، أما أولئك الذين لا وعى عندهم فهم كالرئة يريدون دائما السرور ( فسر القدماء الأحوال والعواطف تبعا لأعضاء الجسد فربطوا دائما الشجاعة بالكبد والسرور بالرئة منبع التنفس ) “ استعلامى 3 / 383 “ وفي البيت التالي يتلاعب بلفظي “ اخر “ “ معلف “ واخر “ عاقبة “ والمعلف كناية عن الدنيا ، فالمريد الواعي يعلم تماما أن المنافع المادية لا توصل إلى عالم الغيب فالذي يرى الدنيا نفعا ورعيا كالأنعام إنما ينتظره في النهاية قصاب القضاء الإلهى ، فعاقبه الدابة ساطور القصاب .
 
( 3746 - 3761 ) إذن إذا كنت تريد أن تنجو فخذ غذاءك من الحكمة من عوالم الغيب ، من نور الله ، اترك البدن ، وغذاء الروح من غذاء المعرفة الذي يعطيه الله سبحانه وتعالى لخاصته دون انتظار لمقابل ، فعندما قال الله تعالىوَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ( الملك / 15 ) كان يقصد برزقه هذا المعرفة والحكمة وهو الرزق الوحيد الجدير بالروح والمناسب لها ، فهناك غير هذا الفم الذي يأكل الطعام فم
 
“ 582 “
 
اخر ( انظر تعليقات البيت 18 من نفس هذا الكتاب ) يأكل لقمة السر هذا هو قلب العارف ، لكن هناك شرط لكي يظهر لك هذا الفم هو أن تفطم عن لبن الشيطان ، أي اللذات المادية ووساوس الشيطان ، لا إنني لم اشرح هذا الأمر جيدا . لقد أنضجته نصف نضوج ، كما يفعل الترك بثريدهم . استمع إلى شرح هذا من الحكيم الإلهى سنائى الغزنوي يشير إلى ما ورد في الحديقة :
 
ألم تر أن الذي فوق كل الوجود حين خلق وجودك في الرحم أعطاك رزقك من الدم تسعة شهور ، الخالق الحكيم الذي لا مثيل له ورباك أيضا في بطن أمك وبعد تسعة شهور أتى بك إلى الوجودة ، وحينما أغلق هذا الباب للرزق في وجهك أعطاك بعده بابين أفضل منه ، أعطاك بعد ذلك الألفة بالثديين فهما أمامك طوال النهار والليل ينبوعان جاريان ، وقال لك : امتص من هذين الاثنين وكل هنيئا ، فليسا حراما عليك وحينما فطمت بعد عامين تبدلت جميع أحوالك ، أعطاك رزقك من يديك وقدميك ، امسك بتلك واسعى بذى في كل مكان ، فإذا كان البابان قد جاز غلقهما عليك ، فقد أقام بدلا منهما أربعة أبواب ، فخذ باليدين واسع بالقدمين بدأب ، واطلب الرزق في أنحاء العالم ، وحين يحم القضاء فجأة تكون أمور الدنيا كلها مجازا ، عجزت اليدان والقدمان عن العمل ، وبدلا من الأربعة أعطاك ثمانية فحينما قيدت الأربعة منك في اللحد ، صارت الجنان الثمان خالدة الثمان خالدة من أجلك ، فقد أعاد فتح الأبواب الثمانية لك ، وأحضر أمامك الحور والغلمان تذهب إلى أي باب مسرورا وكيفما تشاء ولا تتذكر شيئا من الدنيا ، فهو أكثر حنانا عليك من الأم والأب ، وهو رائدك إلى الخلد ، والخلعة التي كانت لك يوم عرسك ، لا يستردها منك يوم البعث . . ( الترجمة العربية لحديقة الحقيقة الأبيات : 264 - 280 ) وقوله أيضا :
 
“ 583 “
 
“ اهتم بنفسك ولا تنكر في الآخرين ضع حمل نفسك أمامك “ لا تهتم بأولئك الذين يشغلوننا بالدنيا ، ولا تكن كالطفل الذي يرجح سكر السرور أي لذات الدنيا ، فسكر السرور الحقيقي هو حصول المراد في طريق الحق ، وليس هو هذا السرور أي سرور الدنيا فهو جرح ومرهمه الغم ، وفي طريق الحق أحبب الحزن ، إنه يشبه الربوة تطل منها على مدينة الحقيقة ، والربوة جبل على بعد ثلاثة فراسخ من دمشق .
وقد صارت الشطرة الثانية مثلا ، وأن عاشق الحقائق كالأشياء المحسوسة .
ولم تبتعد انظر إلى ما حولك في الحياة : ألا ترى الحمالين يتشاجرون على حمل واحد ؟ إنه حمل ثقل ينوء به كاهله ، لكنه يريده ولو تشاجر مع الآخرين ، إنه يفعل ذلك في سبيل الآجر فما بالك بالأجر الإلهى ، إن الأجر الذي يعطيه الحق هو الكنز الدائم الذي لا يورث لكنه يتقدمك إلى قبرك .
 
( 3762 - 3768 ) كن ميتا قبل الموت إشارة إلى حديث يرويه الصوفية عن الرسول عليه السلام “ موتوا قبل أن تموتوا “ أي اميتوا هوى النفس والنزوع إلى الدنيا ، وإن فعلت فسوف تصبح قرينا للعشق السرمدي ، فحب الله وحب الدنيا لا يجتمعان معا ، وإن أصبح المرء قرينا للعشق السرمدي ، فسوف يرى الخير كل الخير فيما يحدث له فلا يتأتى من الحبيب إلا كل خير ، وما دام الحبيب ظاهرا له فإنه سوف يتحمل كل ألوان المجاهدة ، سيكون الصبر قرينا لمجاهدته ، فالحزن في هذا الطريق يساوى السرور الذي يوصل إليه ، بل إنه الضد الذي
 
“ 584 “
 
يتجلى فيه ضده الآخر ، بقدر ما يكون القبض يكون البسط ، والأمر طبيعي جدا ، كأنه قبض الكف وبسطها ، فمنهما معا يتيسر لهما الرزق ، وتتيسر لهما الحركة ، إنهما مثل جناحي الطائر ، ولا يمكن لطائر أن يطير بجناح واحد بل لابد له من جناحين ، لكي تتيسر له الحركة .
 
( 3769 - 3790 ) عودة إلى قصة مريم عليها السلام وتجلى العشق لها ، لقد اضطربت مريم عليها السلام لكن للحظة “ تسلحت بيقينها وإيمانها فعادت إلى وعيها ، وهذا هو الروح الأمين يطمئنهاإِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا( مريم / 19 ) إنه تجلى الكرم من المقربين من الحضرة الإلهية فكيف تهرب منه إلى عالم الغيب ، إن من المقربين في هذا العالم ، أنه من هذا العالم الذي تسميه مريم “ عالم العدم “ لكن الوجود الحقيقي موجود داخله ويفسر لها جبريل ما خفى عليها ( وهذا التفسير بالطبع من مولانا جلال الدين ) . انظرى يا مريم إنني أمثل بالنسبة لك صورة مشكلة : إن لي وجودا ظاهرا وليس لي وجود ظاهر في الوقت نفسه ، إن هذا التمثيل في صورة إنما يتم للحظة ، هو وجود مستعار بالنسبة لي ، إنني وجود عيني “ هلال “ ووجود ذهني “ خيال “ هذا الخيال سيظل معك ، لقد استقر في القلب ، أينما تهربين فهو معك ، لأنه وارد حق ووارد الحق يستقر ، أما وارد الباطل فإلى ذهاب وضياع ، وإذا كالصبح الصادق “ عالم الأنوار “ ذلك الذي لا يكتنفه ليل “ ظلمة الجسد ، ظلمة النفس “ إنني وجود ثابت لا أفول ولا غروب له ، هيا يا مريم : ولا تستعيذى بالله ولا تلجأى إلى الحق فمن نفس الملجأ أتيت وبمشيئته سبحانه وتعالى تمثلت لك إنما تلوذين بي منى . إنك لا تعرفيننى ( مثلما سنكتشف أن وكيل صدر جهان لم يكن يعرفه


“ 585 “
 
حق المعرفة . كان ينتظر منه القهر ولم يكن ينتظر منه اللطف ) وعدم المعرفة في الطريق إلى الله هي أكبر آفة في طريق العارف ، نحن جميعا في حمى المقربين إلى الحق دون أن نعرف ، فنحن نسمى الحزن في طريق الله حزنا وهو ليس بحزن بل سرور إن لطف الحق يظللنا كالأشجار الوارفة ، لكنه يمكن أن يكون قهرا وعذابا لمن ينكر الله ، ونحن لصوص لأننا غرباء عن عوالم الغيب ، ومن ثم فإن أشجاره الوارفة لن تكون إلا مشنقة لنا ، مثلما صار النيل دما لقوم فرعون ، إنه ماء ويعلم أنه ماء ويصيح في الناس إنه ماء ، لكن نظر قوم فرعون هو الذي تغير ، ولماذا نبتعد ونأتى بالأمثال من التاريخ : انظر إلى نفسك ! ألا يتغير أصدقاؤك إلى أعداء لك عندما تغير سلوكك معهم ! إنهم لم يتغيروا إن شحمهم ولحمهم لم يتغير ، سحناتهم لم تتغير ، نظرتنا إليهم قد تغيرت !
 
( 3791 - 3796 ) عودة إلى سياق قصة وكيل صدر جهان : اترك إذن قصة مريم ، فهي شمعة ستظل مضيئة ، وعد إلى هذا الذي يكابد حرقة العشق يمضى إلى بخارى منبع العلم والعرفان ، وكم انتسب إلى بخارى من العارفين الواصلين إلى الحق ، وليس هذا الأمر مقصورا على بخارى فأنت أمام الشيخ كأنت في بخارى فإن لم تبد الذلة ، لن يفيض عليك الشيخ بعرفانه من منبع العلم والمعرفة الموجود في قلبه . وفي البيت 3796 إشارة إلى الخبر “ طوبى لمن ذلت نفسه وطاب كسبه وحسنت سريرته وكرمت علانيته وعزل عن الناس شره “ ( استعلامى 3 / 386 )
 
( 3809 ) وطن العاشق حيث يكون المعشوق ، وهذا هو “ حب الوطن من الإيمان “ فوطن الإنسان في نظر الصوفية هو الجنة التي طرد منها ، ونفى إلى الأرض وامتدت غربته فيها وكل سعيه من أجل الوصول إليها .
 
“ 586 “
 
( 3810 - 3813 ) فيما يبدو أن مضمون الفكرة ورد في أبيات لسنائى :
وما دامت صورة خيال الحبيب معنا * فنحن في نزهة مع أنفسنا طول العمر وحيثما يكون جمال الحبيب * فوالله يكون صحن الدار منتزها وحيثما يأتي مراد القلب * فان شوكة واحدة خير من ألف من الرطب ( كليات ديوان ص 805 - ماخذ / 121 )
 
( 3823 - 3831 ) حتى في المكان الذي يكون فيه موكل ( حارس ، شرطي مطارد ) ظاهر ، فهناك موكل خفى يحركه ، وإلا فان هذا الشرطي الظاهر لا يبدي كل هذا التوحش وهذه القسوة من نفسه بل لابد أن هناك من يدفعه إليها ، ويسمى هذا الموكل الخفي “ غضب مليك العشق “ ، أي القهر الإلهى . لقد دفع القهر الإلهى هذا الموكل إلى هذا الأذى ، إنه هو الذي يأمره بضربه ولو كان يدرى أن القهر الإلهى هو الذي يحمله لجأر بالشكوى والضراعة إلى حضرة الحق طالبا منه أن يخلصه من ذلك الشيطان المرعب ( النفس ) . إننا لا نرى ذلك الأمر ، أي أن القهر الإلهى عامل باطني في أعمالنا ، لأن رؤيتنا أنفسنا عظاما تمنعنا من ذلك لأن لنا أجنحة مزيفة من نعيم الدنيا الزائل ، ولو تخلصنا منها لرأينا الحقائق الخفية ، وإلا فان طين الدنيا يجعل الأجنحة ثقيلة ويمنعها من الطيران إلى العوالم العليا .
 
( 3833 - 3847 ) إن عالمك لا يعرف العشق : تحتمل معنيين : أي أن العالم الذي تأخذ عنه كل هذه النصائح إنما يقولها من واقعة ( العقلي ) ولا علم له بعوالم
 
“ 587 “
 
العشق التي تخضع لقوانين أخرى ومعايير أخرى ، أما المعنى الآخر فهو أنك أنت نفسك الذي تدعى العلم لا تعرف عوالم العشق ، ومن ثم فحالك هذا مثل أحوال علماء الظاهر الناصحين الوعاظ الذين يعلمون ظاهرا من القول ولا علم لهم بأحوال العشق ، هؤلاء مهما كانوا في علم أبي حنيفة النعمان أو الشافعي - رضي الله عنهما - إلا أنهما هنا عاجزان وقال جلبنارلى ( 3 / 426 إن المعنى هنا مأخوذ بنصه من سنائى كما ضمن مولانا في غزلين من ديوان شمس ، ومثل هذه النقطة ركز عليها الشاعر الفارسي الشهير حافظ الشيرازي كثيرا :
امح الأوراق إن كنت رفيقا لنا في الدرس * فإن هذا العلم لا يحويه دفتر وحسنا ما قاله الحلاج على المشنقة لا تسألوا الشافعي عن أمثال هذه المسائل .
ومن ثم فان العبد العاشق يموت كل لحظة ، أي يفنى في ذات الحق ، وفي كل لحظة موت إشارة إلى مراتب الفناء في الله سبحانه وتعالى ، فناء صورة العبد في ذات الحق ، وفناء أوصاف العبد في أوصاف الحق ، وفناء وجود العبد في وجود الحق ، إن روح الهدى “ أي روح المعشوق “ ، تقتل العاشق في كل لحظة ثم تهبه الروح التي تساوى عشرة أرواح من طهرها وعظمتها واطلاعها على عوالم المعنى ، وهذا مصداق للآية الكريمةمَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها( الأنعام ) ، إن ما يسميه أهل الظاهر حياة هي في الحقيقة موت ، والخلاص من هذا الموت ، أي الحياة الحقيقية تتم ببقاء الله : إن هذا أشبه بما قاله الحلاج :
 
“ 588 “
 
اقتلونى اقتلونى يا ثقات * إن في قتلى حياة في حياةوالأبيات فيها بعض التصرف بالطبع لأن مولانا جلال الدين يبدأ في استخدام العربية عندما يستبد به الوجد . إن كل من يتحدث سواء بالعربية أو بالفارسية إنما يتحدث عن العشق ، لكن يظل كثير مما لم يقل : إن تجلى الحق مما لا يوصف ، وما يتأتى منا في وصفه شئ فإنه بالتجلي ( تضوع الرائحة ) يأخذ بالألباب ، ومن الأفضل أن نصمت ونترك وصف العشق للحق نفسه ، فهو القادر سبحانه وتعالى على وصفه ، ولكن ليس معنى أن نترك الوصف هو أن نترك العشق ، فإياك أن تصدق توبة العاشق إنه لا يزال في عشق حتى وهو يساق إلى المشنقة ، انظر إلى الحسين ابن منصور الحلاج كان يمضى نحو المشنقة وهو في القيود الثقيلة كما يساق العيارون وهو يترنم بعشق الحبيب ( رواية تذكرة الأولياء 591 ) .
 
( 3848 - 3854 ) يشير مولانا إلى قصة وكيل صدر جهان مجرد إشارة ثم يمضى إلى عوالمه ، إنه يمضى إلى بخارى لكن لا إلى بخارى التي هي منبع العلم بل إلى بخارى الخاصة به ، إلى بخارى منبع العشق ، أنه كعاشق منبت الصلة عن المدرسة والدروس ، فان معلم العاشقين هو الحق ، ودروسهم مشاهدة الحق وتجلى الحق في بواطنهم ، إنه العلم اللدني ، إنهم في الظاهر صامتون لكن درس العشق يتكرر دائما في بواطنهم ، إنهم لا يحبون دروس أهل الظاهر فهي لا توصل إلى شئ ، إن دروسهم هي آداب السماع ، وتجلى
 
“ 589 “
 
الحرقة والوجد والدوران والرقص ، ولا علاقة لهم بكتاب الزيادات في الفقه لمحمد بن الحسن الشيباني أو للإمام الغزالي ولا يتأتى التسلسل المنطقي للأبحاث والمسائل بحيث يترتب اللاحق على السابق . إن “ تسلسلهم هو الغرق في أوصاف الحق وبدلا من أن يتحدثوا عن الدائرة المنطقية يدورون حول الحبيب “ الرقص الصوفي “ ولا علاقة له بكتاب السلسلة لأبى محمد عبد الله الجويني - جلبنارلى 3 / 427 ) . أما مسألة الكيس إحدى مسائل عقاب اللص : أي أنه إذا مد يده إلى جيب أحد وأخذ كيسه وما فيها قطع أما إذا حفظ صاحب الكيس كيسه في مكان ماء وسطا عليه اللص ، فان العقوبة تكون أخف ويرى مولانا أنه لا علاقة لأهل العشق بذهب الدنيا وفضتها ، فان معرفة الحق لا تحفظ في كيس وليست قابلة للسرقة ، والخلع الطلاق بميل المرأة بحيث تتنازل عن مستحقاتها والمبارأة أن يتم الطلاق باتفاق الطرفين ، وإن تحدث أهل العشق عن الفراق فلا تقلق فإن الحديث يدور عن وصال الحبيب ( استعلامى 3 / 388 / 389 ) .
 
( 3855 - 3861 ) يفسر مولانا خروجه عن سياق الحكاية فبالرغم من أن أمواج المعاني تخرجه عن سياق الحكاية إلا أنه في هذا الأمر لا يخلو من إرادة ، إنه يرى في هذه التعليقات معنى كبيرا بحيث يتناولها ، فحتى الكلمات وظواهر الأمور لها معانيها الباطنة . ومن ثم فان تعليقاته على الحكايات هي ماهياتها وبواطنها ثم يتحدث عن بخارى كمركز للعلم الظاهري ، لقد تعلمت فيها كل هذه الدروس السابقة ، لكنك إن قهرت النفس وعرفت الحق عن طريق القلب فسوف تترك كل هذه العلوم . ( انظر تعليقات الأبيات من 3794 - 3796 ) إن وكيل صدر جهان قد عرف الشوق عن طريق القلب وهو متعلق
 
“ 590 “
 
بصدر جهان تعلقا باطنيا ، فان أية معرفة أو توقى لن تجعله يحيد عن هذا الطريق ، إنها رؤية أهل الخلوة التي لا تجعل من المعرفة وسيلة للشهرة والجاه والمقام ، ومثل هذا الشخص يكون ضائقا من علم أهل الظاهر ، ولأن الرؤية هي الغالبة ( على أسماع أهل العلم ) فالعوام متعلقون بالدنيا ، لأنهم يروها ( نقدا ) بينما يرون الآخرة ( نسيئة ) .
 
( 3862 - 3873 ) لا يزال مولانا يدور حول بخارى : إن وكيل صدر جهان ليس العاشق الوحيد لبخارى لأنها موطن عشقه ، بل لا يزال مولانا يحن إلى بخارى إحدى عواصم خراسان الكبرى مسقط رأسه “ بلخ “ والذي تركها طفلا ، ولأن المقام مقام شوق يعرج مولانا على قطعة شهيرة للرودكى :
إن حصى نهر جيحون ووعورة طريقه تبدو تحت قدمي كالحرير وإن ماء جيحون من سروره لرؤية وجه الحبيب يطف حتى يصل إلى أواسط مطايانا ( انظر جهار مقاله الترجمة العربية لعزام والخشاب ) ثم تتداعى البلاد ومعانيها سمرقند التي كالسكر ( قند تعنى السكر بالفارسية ) .
ولقد شفنى النحول يا بخارى حتى أصبحت كالهلال طلبا للبدر ، وأبحث عن الصدر ( صدر جهان أو الرجل الكامل ) وسط صف النعال ( اخر صف في المسجد حيث توضع النعال وكناية عن الناس العاديين الذين تشغلهم الدنيا ) .
وعندما يصل العاشق إلى ظاهر المدينة طفح به السرور ، لم يتحمل كل هذه المشاعر التي جاش بها قلبه ، فأغمى عليه ، وطار وعيه إلى عالم الغيب ، لكن مالك أنت وهذه الأمور ؟ إنك ( غافل عن عوالم الغيب ) ، إنك بوص
 
“ 591 “
 
( جسد بلا رحيق وبلا سكر ) إنك مأخوذ بعالم المادة غافل عن عالم المعنى ، وغافل عن المقصود بالآية الكريمةجُنُوداً لَمْ تَرَوْها *. ( التوبة / 26 ) .
 
( 3874 - 3885 ) لقد دخل العاشق دار الأمان حيث معشوقه ، إنه في غيبوبة من عالم الوصال ، لكن الناس لا يزالون يحذورنه ، سوف يكون عقابه بقدر ما كان قربه وعلمه ( ادم والله سبحانه وتعالى ) . ترى ما الذي جاء به ، وما الذي جعل الأرنب يتوقح على حضرة الأسد ، لكنه القضاء ، وسوف يتضح أن هؤلاء الذين يتحدثون إنما يتحدثون لأنهم لم يجربوا عوالم العشق .
 
( 3886 - 3902 ) يخرج مولانا عن سياق القصة كعادته ، إلا أن هذا الملمح من ملامح المثنوى يزداد في هذه الحكاية وذلك لأن العشق في حد ذاته علاقة معنوية ولا شائبة فيها من المادة ، فضلا عن أن مولانا يرى نفسه في كثير من أجزاء الحكاية ، إن وكيل صدر جهان هو أحد الطالبين الباحثين في عالم الغيب لا أكثر . . إن العاشق كالمستسقى وفي اعتقاد القدماء أن الاستسقاء كان يحدث عن نوع من “ السدة “ بحيث يجذب الماء إلى داخل الجسم ويهلك الظمأن لكن الماء هنا يرمز بالطبع إلى وصال المحبوب الذي يفنى المحبوب نفسه في سبيله وبالنسبة لهذا المستسقى ، بالرغم من أن الماء فناء له ، إلا أنه يبحث عنه ، إنه يتمنى لو كان جدول ماء ، وما جدول الماء ؟ إنه يتمنى لو سفك الروح الأمين ( أي المطلوب - المرشد الكامل - المعشوق ) دمه . لقد اختار وكيل صدر جهان “ الفناء في الشيخ “ وهو في سبيل هذا الفناء مستعد لتحمل كل البلايا ، وهكذا هو المريد عندما يغضب الشيخ . إن الشيخ “ عيد “ ، ومريديه هم “ ضحايا “ هذا العيد ،
.
يتبع
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 3568 - 4037 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:43 am

الهوامش والشروح 3568 - 4037 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ ) 

الهوامش والشروح 3568 - 4037 فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح بيان أن كل ما هو غفلة وكسل وظلمة كله من الجسد
فهو أرضى وسفلى
“ 592 “

إنهم “ كالبقرة “ خلقت من أجل العيد ، وعندما تذبح في سبيل الشيخ فكأنها بقرة بني إسرائيل ( تفسير الآيات من سورة البقرة 67 - 72 ) ثماضْرِبُوهُ بِبَعْضِهالقد ضرب القتيل بذيل البقرة المذبوحة فقام حيا وأرشد عن قاتله : وهكذا يرى وكيل صدر جهان : أنه حتى إن قتل فسوف يكون قتله حياة ( القتل المادي يؤدى إلى الحياة المعنوية ) .


( 3903 - 3923 ) إن هذه هي سنة الحياة : أي أن الموت تعقبه حياة أفضل ، هي سنة الله في الكون وفي نواميسه : إن التراب بتبدل إلى نبات ويصير النبات حيوانا ، ويصيد البشر الحيوان ، وعلى هذا النسق فان وراء كل موت حياة أسمى وأرقى ، وهذه المراحل موجودة أيضا في خلق الإنسان : النطفة والجنين والوليد ، والإنسان الراشد . إن مراحل الجمادية والنامية مقدمتان لمراحل الإنسانية ، والموت عن الحيوانية ترك العلاقة النفسية - وموت الجسم إذن هو مقدمة لعالم الروح حيث يمكن أن يتدرج الإنسان إلى ما هو أعلى من الملائكية . . .
حيث يكون فناء العبد في الله سبحانه وتعالى لأن كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( القصص / 88 ) إن


- العدم هو الوجود المطلق وهو الغيب والعدم يحدثني كالأرغون حديثا كالموسيقى ، لأنه حديث لا يستطيع الكلام أن يؤديه ، فاعتبر الموت كما اعتبره الصادقون المؤمنون ظاهره مظلم لكن ماء الحياة مخفى في داخله إن أعمارنا على هذا الطرف من النهر ( الدنيا ) قصيرة كأعمار الزهور ، فألق بنفسك في الجدول كالمستسقى واغرق ومت .


وأين أنت والعشق أيها المتجمد الذي لا علم لك بعالم المعنى مهما تظاهرت بأنك عاشق .
انظر وأنت في جمودك وحزنك المصطنع ، إن العاشقين يضحون وهم فرحين .


“ 593 “


إن المرشد أمامك فأَدْلِ بدلوك وخذ من الأسرار . إن الإناء ( المريد ) عندما يوضع في الجدول “ الشيخ “ ينمحى فيه لكن هذا المحو هو عين الحياة ، لأنه لن ينقص بعدها أبدا ، وفي النهاية يتذكر مولانا صدر جهان الذي يقول : لا عودة إليه حتى ولو كانت هذه العودة هي بمثابة “ المشنقة “ لي فان هذا هو أقل اعتذار على أنني هربت منه . إن الناس يرونه ماضيا إلى النار ، لكن متى كان المرشد حتى في غضبه نارا إنه كله نور حتى كان عقاب الله غضبا إنه رحمة بالعبد ورأفة به ، إنه لا يمد إلا للظالمين الذين طردهم من رحمته وختم على سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة .


( 3924 ) من هنا تمتزج حكاية وكيل صدر جهان بحكاية أخرى ، ويدخل عاشق اخر إلى الميدان ، ويبقى وكيل صدر جهان في طي النسيان حتى البيت 4380 على وجه التقريب والعاشق هنا إنما يخرج “ عشقه “ للموت بثقة في أن الجسد إن فنى فالروح باقي ، ويلقى بنفسه في طريق المخاطر بشجاعة نادرة دون أن يبالي على أي جنب في الله كان مصرعه ، وفيما يبدو أصل القصة من الحكايات الواردة في ألف ليلة وليلة “ الليالي 424 ، 425 “


وهي قصة علىّ المصري والمنزل المسكون الذي كان فيه كنز ذهبي مرصود باسمه ويقوم الجنى على حراسته ، وكان كل من يبيت فيه يوجد في الصباح ميتا حتى جاء علىّ المصري ورد على الجنى الذي يناديه في منتصف الليل وفك الطلسم وظفر بالذهب ، كما أن هناك العديد من الروايات العامية في كل مدينة حول مسجد أو دار لهما نفس هذه الصفة ، وفي الروايات العامية الإيرانية السائدة في طهران أن المسجد المذكور في الحكاية هنا هو مسجد “ ما شاء الله “ الواقع في شمال ابن


“ 594 “

بابويه ، كما يقص أهل كرمان نفس الحكايات عن مسجد “ كنج “ بالقرب من حي بامنار في كرمان ، ( ماخذ 122 / 123 ) .


( 3935 - 3939 ) لو فرض أن جسدي قد فنى ، إن هذا الجسد لا يساوى شيئا إنه كحبة واحدة من كنز الروح ، وإن ذهب الجسد وهو صورة فليست الصورة بذات قيمة ، بل إن الصور تتبدل إلى ما هو أفضل ما دامت الروح باقية ، وما دامت نفخة من الإله مصداقا لقوله تعالىوَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي *فمن الممكن لهذه النفخة أن تخرج من الجسد وتتحرر ، وحتى تخرج جوهرة الروح من صدف الجسد ، وإذا كان تمنى الموت هو علامة الصدق مصداقا لقوله تعالى : قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( الجمعة / 6 - 8 ) فاننى أقدم روحي قربانا خالصا له سبحانه وتعالى .

( 3945 ) إشارة إلى حديث يروى عن النبي ) “ الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم “ وانظر تعليقات البيت 140 من نفس الكتاب ( استعلامى 3 / 393 ) .


( 3949 - 3961 ) المقصود هنا : أنه عاطل ومشرد فيما يتصل بأمور الدنيا أو فيما يتصل بالحياة المادية ولا مبال بهما وهذا يساعد في السير المعنوي ، أي أنه ليس من أهل العافية وإيثار السلامة بل إني أحب أن تأتيني


“ 595 “

الجراح من هذه الدنيا ، إنني عاطل كسول مشرد عن هذه الدنيا ، لكني جلد وسريع إذ أعبر جسرها وأصل إلى عالم الغيب ، إنني أطير عن عالم المادة لكي أوصل نفسي سريعا إلى أصل الوجود ومبدئه ، فالروح في الجسد كالطائر في القفص فعندما يرى الطيور من حوله سعيدة في البستان يضيق بهذا القفص ، فهو فيها وليس فيها ، لكنه عندما يرى قطا يحوم حول القفص “ العقاب الإلهى “ لا يرغب في الخروج من هذه القفص ، وهكذا من يخشى عقاب الله ، لا يرجو لقاءه بل يتمنى أن تزداد الأقفاص حوله ، وما هذا بمنجيه .

( 3962 - 3976 ) إن مثل هذا الطائر الحبيس في القفص الذي يرى القطط خارجة كمثل جالينوس ذلك الذي يضرب به في العلم الدنيوي والمادي المثل لكنه فيما يتصل بالعلم الإلهى لا يقل عن العوام ، والدليل على ذلك أنه كان متعلقا بالحياة الدنيا إلى درجة أنه كان يفضل رؤيتها من “ فرج بغل “ ، عن مغادرتها بالموت ، والعبارات واردة في مقالات شمس تبريزى ( عن : ماخذ ص 123 ) ، 


وبعد أن يسوق مولانا هذه الحكاية يعود إلى مضمون البيت 3959 ، ويعتبره من أهل الدنيا الذين لا يريدون مغادرتها خوفا من العذاب . 

إن جالينوس لم يعرف شيئا عن ماهية الحياة بعد الموت - فهو كالجنين في رحم الأم ( انظر تعليق الأبيات 53 وما بعدها ) ، ثم يقول مولانا إن الفرق بين الأنبياء والناس العاديين هو أنهم يرون بستان عالم الغيب عند مغادرة الدنيا ولا خوف لديهم من موت الجسم .

( 3977 - 3994 ) ويشك مولانا في أن يكون جالينوس هو قائل هذا القول ذلك أنه من المستبعد أن يتعلق من هو في حكمه جالينوس بالدنيا كل هذا


“ 596 “

التعلق ، وسواء كان هو القائل أو سواه ، فإن قائل هذه العبارة لم ينور باطنه بنور المعرفة الربانية ، إن روحه كالفأر عندما يرى القطط ( عوامل القهر الإلهى ) يفر إلى جحر ويصير هذا الجحر عالمه ودنياه يبنيه ويأخذ من العلم ما هو جدير به ، ويظل قائلا للدنيا : هل من مزيد و “ إنه لا يصل حتى إلى الفأر “ إن مثل أهل الدنيا كالعنكبوت ومثل أهل الحق كالعنقاء ومَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِولكنه مهما فر في جحره فان القطة تمد مخلبها داخل القفص وعوامل القهر الإلهى كثيرة إذ ان رجل الدنيا غالبا ما تصيبه الأمراض والعلل التي هي مخالب الموت من قبل الألم والدوار والمغص ، فالموت قادم إليه لا محالة إذ لا مهرب منه ولا مفر . 


إن حكمه ماض في الناس جميعا ، والمرض هو الشاهد هو رسول هذا القاضي ، صاحب الحكم النافذ ، والمرء إنما يبحث في الدواء والعلاج عن مهلة أمام هذا القاضي ، إنه هروب من رسول القاضي ، ورتق تلك الخرقة المهلهلة المسماة بالجسد ، وليس من رتق إلا التوبة فقلل من الانشغال بالدنيا ( سوق الجواد في الظلمة ) فرسول القاضي يستحثك على هذا .


( 4001 - 4013 ) إن الأسد هو الذي يستطيع أن ينازل القضاء ، ومن هو الأسد ؟ ! إنه أبدال الحق الذي تبدل وجوده لأنه يعتمد على قدرة الحق اللامتناهية وهو الذي يهزم الموت ( حياته دائمة لأنه ينتقل من دار إلى دار ومصداقا للحديث المنسوب إلى النبي - ، - إلا أن أولياء الله لا يموتون بل ينتقلون من دار إلى دار ) ، لقد خلصه الله من سجن الدنيا وحتى الخل يصير خمرا له ( عندما


“ 597 “

يشرب الولي السم يصير له عسلا 2615 من من الكتاب الأول ) ، لكن أولئك الذين ليسوا من رجال الحق يظنون أنفسهم صيادى أسود وهم فريسة لها وفي مقابل رجال الحق هناك المنافقون وعلامتهم أنبَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى( الحشر / 14 )


إنهم فرسان المقال يتنفجون فيما بينهم ، يفخرون شعرا ويقعقعون لفظا ، لكنهم عندما تقع الحرب يظلون كالنساء في البيوت “ أو يولون العدو الأدبار “ ؟ مع أن الرسول ، ذلك القائد المغوار قال إنه لا شجاعة قبل الحروب وقد أخذ جلال الدين مضمون فحواه ، “ لا تعرف ثلاثة إلا عند ثلاثة : الحليم عند الغضب والشجاع عند الحرب والأخ عند الحاجة إليه “ وهو منسوب في إحياء علوم الدين والرسالة القشيرية إلى لقمان الحكيم ( استعلامى 3 / 396 ) .

ومثل هؤلاء كالباحث عن الصفاء في عشق الحق ، لكنه يفر من الظروف التي تمنحه هذا الصفاء ، يفر من الامتحان الذي ينقيه ومن البلاء الذي يصهره وعندما يريد الموت أو الفناء الدليل فقدمه ، وقبل الحية ، أي اقبل كل خطر في هذا الطريق حتى تصل إلى كنز معرفة الحق ( في المأثور الفارسي كل كنز تحرسه حية ولا يظفر بالكنز إلا من يقتلها ) .

( 4014 - 4038 ) يقدم مولانا الصور تلو الصور ، لكي يصل إلى معنى عام هو : أن الآلام في طريق العشق ليست إيذاء لروح العاشق ، إنها أذى وقمع للصفات الموجودة في نفس العاشق والتي تبعده عن العشق ، وأولى بهذا التأديب أولئك الذين حادوا عن طريق الرجال ( الجهاد في الطريق ) إن هؤلاء عار على الطريق ، إياك أيها السالك أن تمضى معهم فأولئك الذين نزلت فيهم الآية الكريمة

“ 598 “

لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا( التوبة / 47 ) إن هذا الرفيق الضعيف الواهن يذهب شجاعة الأبطال ويفل عزم الرجال ، فالرجال مهما كانوا في قلة ( والكرام قليل ) أفضل من أن يكونوا في كثرة مع أولئك النفر ، فلا طريق لخائف جبان ، فالخائف الجبان لا يعرف له طريقا حقا إنما يبذل في سبيل الطريق من هو عالم بنهايته ( وما نهايته إلا الحياة ) ليس كالمجوسي الذي جعل الدنيا كل همه ومبلغ علمه . 

إنني لا زلت أوصيك : إذا أردت القتال فاطلبه من الرجال ، وإذا أردت الصيد فاستخدم العقاب لا الطاووس مهما أعجبك ريش الطاووس ، ومن هنا تتخلص من الطبع ( النفس والهوى ) فإنهما يضلانك كما يغويك ريش الطاووس .
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 4039 - 4563 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:44 am

الهوامش والشروح 4039 - 4563 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح 4039 - 4563 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 4039 - 4563 فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح قول الشيطان لقريش : تعالوا لقتال أحمد فسوف أساعدكم
واستنفر قبيلتى للعون وهروبه عند لقاء السصفين
( 4039 - 4055 ) إن المنافق يضل في الحرب . . يتشدق بالشجاعة ثم يكسر الصفوف ، وهذا ما فعله الشيطان مع الكفار في بدر عندما ظهر لهم في صورة سراقة ابن مالك ووعدهم بالعون ورغبهم في قتال المسلمين وقد وردت في تفسيرات الآية الكريمةوَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ( الأنفال / 48 ) وواضح بالطبع أن مولانا قد اعتمد في هذه الأبيات على رواية المفسرين تماما بعد أن اكسبها بعض التجديد عن طريق الحوار الحي .
 
( 4056 - 4065 ) إن النفس الإنسانية هي والشيطان من أصل واحد كما أن الملاك والعقل الباحث عن المعرفة كانا من أصل واحد ، وتجليا في صورتين
 
“ 599 “
 
( انظر شرح الأبيات 3195 - 3200 ) . والنفس في داخلك عدو يقف للعقل كل مرصد ، ويسد عليه طريق المعرفة ، وليس لها جحر واحد بل لها جحور عديدة ، إن لها مئات المداخل إلى الإنسان ، وهي العدو الموجود معك في إهاب واحد وعلى ذلك فهو يعرف أنواع ضعفك ، ويعرف نقاط الضعف عندك ، ويعلم مداخلها أنها كالضب يقوم بهجومه ثم يفر إلى جحره . وجحور النفس عديدة ، ومن ثم فقد سميت “ الخناس “ من “ خنوسها “ والخنوس هو اختفاء الرأس داخل الجسد ، فكأن الرأس ؟ عندما تختفى تبدأ - بالوسوسة ، إنها تخشى أن تطل برأسها من العقاب الإلهى ، لكنها أن وجدت الفرصة تستطيع أن تخدع الحية نفسها ، ولنا أن نتخيل خطر هذا العدو الذي يأتي من الداخل ، الذي يعرف كل مواطن الضعف فيك ، الذي يصاحبك نفسا بنفس وخطوة بخطوة ، ينتهز فرصة ليدخل إليك فيها وليفسد قلبك فيها ، لا يكف عن الوسوسة ، ولا يكف عن الهجوم ، وقد تكون غافلا عنه فلا تجاهده الجهاد الأكبر .
 
( 4066 - 4072 ) لا يزال مولانا يتحدث عن أن كل عوامل الضلال فينا تنبع من داخلنا ، إنها تدمر من الداخل ، فيكون التدمير من الخارج سهلا ، وعندما تدمر من الداخل يستطيع الموكلون من قطاع الطرق ، أو من “ عمال الحكومة وشرطتها “ التغلب عليك كأن مولانا كان يعلم أساليب السيطرة على عقل المتهم وعلى نفسه وأساليب إضعاف الروح المعنوية بحيث يستسلم “ المتهم “ داخليا قبل أن يعلن استسلامه ، ويكتب كل ما يملى عليه من “ اعترافات “ . إن الهزيمة تأتى من الداخل تقطع عليك النفس الطريق فتشعر بالخوف والهلع . فتصير فريسة سهلة لقطاع الطريق من الخارج ، تسيطر عليك شهوتك من الداخل فتجعلك


“ 600 “
 
أسيرا للحرص والطمع والآفة ، وشيطان الداخل أي النفس يسلمك إلى شيطان الخارج من عسس وجلادين وشرطة فتصير لصا واثما وفاسقا ( لأمراض النفس التي تسلم إلى أمراض البدن ولقبض النفس الذي يسلم إلى قبض الشرطة - انظر أيضا التعليقات على الأبيات ( 348 - 393 ) . ومن هنا مصداق الحديث النبوي الشريف “ أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك “ ، أليس من عداوتها أنها تشغلك كل هذا الشغل بنعيم الدنيا وزخرفها بحيث يبدو العقاب الإلهى في الآخرة سهلا ميسورا في نظرك ؟ إن النفس من سحرها لتبدى لك الموت نفسه سهلا .
 
( 4073 - 4082 ) يواصل مولانا الحديث عن حيل النفس ، ومن هو أقدر من الطبيب النفساني للمريد أي المرشد على الحديث عن هذه الأمور ، إن سحر النفس داخل الإنسان من أخطر ما يتعرض له المريد ، فإن النفس من حيلها لتجعل الصعب سهلا ميسورا والسهل صعبا ، وتقلب الحسن قبيحا والقبيح حسنا ، وتزين الشر والفسوق والمعصية ، وتقبح الخير وتجعله مكروها . . هذا هو السحر الذي يقلب الأعيان والأشكال ، إن فيه سرا مستترا ، إن تزيينات النفس هي من قبيل تزيينات الشيطانوَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ *. لكن إياك والناس فكما يوجد السم يوجد الترياق ، وكما توجد النفس والشيطان يوجد رجال الحق أطباء النفوس الذين يستطيعون تتبع “ تزييناتها “ وإبطال سحرها إن هذا الحديث الطويل عن النفس يريد به مولانا أن يبين أن في مقابل عالم العشق والتضحية والتحليق في الآفاق العليا يكون عالم النفس قبيحا ، ولأن النفس حجر عثرة أمام العشق فإن العشق هو الذي يستطيع أن يقضى عليها ، والبيت 4082 إشارة إلى الحديث النبوي ، “ إن من البيان لسحرا “ .
 
“ 601 “
 
( 4091 - 4100 ) القصة الواردة في هذه الأبيات فيما يراه فروزانفر لم ترد قبل مولانا ، وإن وردت بعده في بعض المصادر نقلا عنه ( ماخذ ص / 124 - ص 125 ) .
 
( 4101 - 4105 ) يواصل ضيف المسجد حديثه ، والحديث في الحقيقة هو حديث مولانا : إنني عاشق لأسرار الغيب ، لقد ضحيت بالوجود المادي “ لا “ في سبيل الوجود المعنوي “ إلا “ أن هذه التهديدات ما هي إلا من قبيل طبلة الطفل الصغيرة ، بينما تصيرت هي مثل تلك الطبلة الكبيرة التي يحملها الجمل للسلطان محمود . إنني أضحى بالروح كما كان الإسماعيلية أتباع الحسن بن الصباح - شيخ الموت الذين كانوا يقومون بكل ما يكلفه به شيخهم من أعمال انتحارية طمعا في جنة أبداها لهم وهم في غيبوبة المخدر كما في الروايات ، أو طاعة كاملة للشيخ كما هو في الحقيقة ( انظر برنارد لويس : “ فدائيان إسماعيلى “ ) ( الترجمة العربية تحت عنوان الحشاشون لمحمد العزب موسى ) .
أو إنني إسماعيل - عليه السلام - الذي كان مستعدا لأن يكون قربانا في طريق الحق - سبحانه وتعالى - ، إنني أقوم بما أقوم به لا طمعا في الشهرة في الدنيا ، ولا تظاهرا بالبطولة أو رياء ، لقد ناداني الحق ، وهأنذا ألبي النداء ( قل تعالوا ) استفتاح الآية الكريمة 151 من سورة الأنعام .
 
( 4106 - 4117 ) الحديث المذكور في البيت الأول هو في الحقيقة من نهج البلاغة “ من أيقن بالخلف جاد بالعطية “ ( استعلامى 3 / 399 ) . والمضمون من
 
“ 602 “
 
الآية الكريمةمَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها( الأنعام / 160 ) وعلى هذا يعيش الناس ومن أجل هذا يعلمون وسوق الدنيا كله قائم على هذا .
كل أعمالك في الدنيا وحرفك وتجارتك قائمه على التنفع ، فلماذا عندما يأتي ذكر الآخرة والربح فيها تنسى ديدنك ؟ ألأن الآخرة أمر معنوي ؟ إذن فما علمك في الدنيا وما فنونك إلا متاع يعرض في سوق الدنيا .
أليست من الأمور المعنوية ومع ذلك تريد بها الجاه والشرف والحيثية والمناصب ؟
هيا فلنقس بهذا القياس : الروح عزيزة ما لم يوجد أعز منها ؟ فإن وجد ما هو أعز منها أصبحت الروح بالقياس إليه شيئا واهيا حقيرا لا قيمة له .
إن الدمية هي للطفلة شئ غال عزيز المنال ، لكنها بمجرد أن تكبر وتصير ولودا للأطفال “ يبرد “ حب الدمية في قلبها والتعبير من حديقة سنائى ، وهكذا حالك ما دمت متعلقا بالدنيا فأنت طفل ، خيالاتك وتصوراتك ومعتقداتك ومقاييسك ومعاييرك نابعة من هذه الطفولة ، وعندما تكبر ما تفكر فيه هو وصال الحق الذي تعتبر دنياك كلها إلى جواره شيئا حقيرا وواعيا ، إنني لا أستطيع أن أتحدث بصراحة أكثر فليس هناك من هو جدير بأن أتحدث معه عن الوفاق مع الله .
 
( 4118 - 4128 ) يشير مولانا إلى ما ورد في سورة التوبةإِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ( الآية / 111 )
فانظر إلى قيمة البضاعة الفانية بالنظر إلى الثمن الخالد الباقي . لكنك بشكك وعدم إيمانك وضعف يقينك لا زلت تنظر إلى البضاعة ولا تنظر إلى الثمن ، وإليك إذن مراتب معرفة البشر : إنها الظن والعلم واليقين : فالظن هو العلم المبنى على المحسوسات ، هو علم الحياة المادية والعلم هو المعرفة القائمة على الطلب
 
“ 603 “
 
والعقيدة ، وطاعة المرشد ، ثم اليقين وهو الإدراك الذي لا أثر فيه لشك أو استدلال هو كما يقول العارفون ، “ مشاهدة الغيب بعد الكشف عن طريق القلب “ وفيه ثلاث مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين ، وهكذا يقول مولانا : إنه حتى أولئك الذين هم في مرتبة الظن يرغبون في معرفة قائمة على اليقين في القلب . ونفس هذه الرغبة توصلهم إلى مرتبة “ العلم “ وإليها يخلدون قليلا وبدلا من الطيران يسيرون ، وهذا العلم مرتبة أعلى من الظن لكنه أقل من اليقين وهذا في الطريق الذي جريه رجال الحق وقطعوه ، ومن ثم فإن من لديه اليقين يرى الحقائق بعين الباطن عيانا فهو “ يبحث عن الدليل “ ، وإنك إن كنت في شك من هذه المعاني فاقرأ صورة التكاثركَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ ( 5 - 7 التكاثر ) .
إن محبي الدنيا يسيرون من الظن إلى العلم ومن العلم إلى اليقين على ما قاله الله سبحانه وتعالى في سورة التكاثر : أي أنهم عندما يرون الجحيم يعلمون أنه حقيقة ماثلة ، إننا نحصل على البصيرة الباطنية عندما نتيقن بحقائق عالم الغيب. إن هذا التطور ماثل في سورة التكاثر.
 
( 4129 - 4143 ) القائل هو ضيف المسجد في الظاهر وفي الحقيقة هو مولانا : إن الإنسان الواصل والكامل لا يتحدث عن الظن والعلم واليقين ولا يتحول عن طريقة من لوم اللائمين ، لقد “ أكل من حلواه “ أي صار ذا نصيب من المعرفة بعالم الغيب ومعرفة الحقائق ، إن هذا الطريق الذي أسير فيه هو عودة إلى مبدأ الوجود ، لقد تجلى الجمال في قلبي ، كما تجلى في ضحك الورود ، وتجلى في امتشاق قامة السرو ، وتجلى في حلاوة السكر في قلب البوص ، وتجلى في
 
“ 604 “
 
جمال الحسان الموجودات في مدينة شكل ( إحدى مدن التركستان ) تجليا جعل من الجسم المادي منبعا للجمال ، وجعل حاجب الحسان سالبا للب ، وجعل اللسان ينفث سحرا ( إن من البيان لسحرا ) . لقد فتح خزانة الأسرار وتجليات عالم الغيب ، أصمى قلبي بسهم من سهام العشق ، فجعل ألم هذا السهم شكرا له وسكرا في فمي ، ومن هنا فكل لحظاتى وأحوالي هي من أجله ، وعقل روحي ، أي عقلي الباحث عن الحق متوجه إليه في كل حال ، والعقل والروح حارسان لجوهرته اليتيمة “ العشق “ . . إنني لا أتقول هذا ، وإن كنت تظن أنني لا أصف ما في نفسي حقيقة فانظر إلى ماء وجودي قد أخمد نار العلائق النفسانية فِىّ فلا خوف ولا اضطراب لدىّ ، إنني لا أستطيع أن أتقول فإن مخزن الأسرار هو في يده سبحانه وتعالى ، ولهذا فأنا صامد لأننى في اعتماد على الحق ، ومن في عناية الله إنما يقضون على أعداء طريق الحق ويفضحونهم كما تفضح الشمس كل ما هو في الخفاء .
 
( 4144 - 4151 ) لقد صمد الأنبياء ، وكل نبي كان وحده ، كان فارس ميدانه هجم على جيوش الملوك ، وبثباته الذي يشبه الحجر الصلد دك هذه الجيوش التي كانت أمامه كأنها المدر ، إنه الصامد بعون الله وتأييده ، وبينما الآخرون من ملوك وجيوش يستمدون صلاتهم من عوامل دنيوية فسرعان ما يتحطمون ، وهل يضير القصاب كثرة الخراف ؟ وهل للخراف أية قيمة بدون حفظ الراعي وسعيه في خيرهم “ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته “ والنبي راع من الرعاية والحفظ لا من الرعى ، يرعاهم حبا حتى ولو أغلظ عليهم ، إنما غلظته عليهم من أجل شفقته بهم ( تمهيد لموضوع قادم في أن البلاء من الله تعالى صهر للمؤمنين وإنضاج لهم ) .
 
“ 605 “
 
( 4152 - 4161 ) لا شجاعة ولا صمود ما لم يكن هناك أمل في النصر ينبع من الداخل والباطن ، وهكذا لا ينى مولانا ينبه إلى أن عالم الإنسان بكل ضعفه وقوته وهزيمته ونصره وتسامية وسقوطه إنما ينبع من داخله هو . . . إن هناك هاتفا يهتف داخل ضيف المسجد ( أو مولانا جلال الدين ) ، إن العناية تهتف به : إنني أنا الذي أبتليك فاعتبر البلوى نعمة ، إنني أحزنك حتى أبعد عنك من السوء ، إنني أصهرك داخل هذا الأتون لأعرف معدنك إنني أستطيع أن أوصلك إلى هدفك دون تعب ودون طريق ، لكنك لن تجد للهدف آنذاك مذاقا حلوا ، إنني أعبر بك الدوامات والزوابع ، لكي تصل بعدها إلى الكنز ، وبقدر تعبك تكون راحتك ، وبقدر تشردك تكون اللذة في الاستقرار ، وبقدر غربتك يكون تمتعك بأهلك وسكنك .
 
( 4162 - 4188 ) بينما يحلق جلال الدين في سماوات عرفانه ، لا يزال ينظر في زوايا الحياة اليومية والواقع المعاش ، إنه يريد أن يقرب الفكرة إلى مريديه على جميع مستوياتهم ، ألم يكن فيهم الأمى والعامي ؟ بكل تأكيد ، وها هو ذا لكي يقرب فكرة أن البلاء هو إنضاج للإنسان وتسام به وتربية لوجوده يقدم صورة من الواقع المعاش صورة “ الحمص والبقول الأخرى “ تُطْهى في قدر ، ويصور حركتها عند غليان الماء وصعودها إلى أعلى القدر بأنها تحاول الخلاص منه والهرب ، ويتصور مولانا حوارا بينها وبين السيدة التي تغليها ، ويخرج مولانا من صورة حبة الحمص . إلى صورة المؤمن الذي يبتليه الله بالقهر لكي
 
“ 606 “
 
يعرف لذة اللطف ، ثم يعود إلى حبة الحمص في تواصل بين الصور كيف أن الإنسان يسمو من البلاء ، وتسمو حبة الحمص من نبات في البستان إلى غذاء يمتزج بروح الإنسان فيصير فهما ونطقا وفكرا . إن الرحمة قد سبقت الغضب “ رحمتي سبقت غضبى “ ولذلك فإن كل ما يراه الإنسان غضبا من الله سبحانه وتعالى هو رحمة به وهو سبحانه وتعالى لا يريد منه سوى التسليم ، وكما تكون حبة الحمص في الحقل والبستان ، ويكون الإنسان في الدنيا ، وعندما يفنى كما تفنى حبة الحمص في القدر فإنه يسمو، وينجو من صفاته المادية، ويعود إلى عالمه الأصلي ناجيا من تأثير النجوم والأفلاك.
 
( 4189 - 4198 ) يعود مولانا إلى الفكرة التي تسيطر عليه كل هذا الكتاب من المثنوى وتنظمه في سلك واحد ، إن كل فناء يستوجب بقاء أعلى منه في المرتبة ( انظر تعليقات الأبيات 3903 - 3908 ) وينقل بيت الحلاج ( اقتلونى اقتلونى يا ثقات ) ففي هذا القتل تكون الحياة الأبدية الخالدة ( انظر 3841 ) هكذا يكون الكسب بعد الممات ، إن الملائكة تتقرب إلى الله بالأفعال والأقوال الصادقة وعلى نفس النسق فإن المواد الغذائية تجد في أجسادنا تعاليها وتساميها ، وتبدأ المرحلة الثانية من حياتها وهي الحياة الحيوانية ، ثم ينص مولانا على أن هذا البحث لا ينتهى ، فهو دائما ما يوكله إلى فرصة أخرى ليقدم شرحا أكثر تفصيلا . إن القوافل التي تأتى على الدوام من الفلك هي اثار الخليقة ومظاهرها من نبات وحيوان تفعل فعلها في الحياة المادية ثم تعود إلى مبدأئها ومنشئها ، هكذا سنة الحياة فاقبل أنت أيضا الذهاب عن هذه الدنيا واعتبره “ لذيذا وحلوا “


“ 607 “
 
بمحض إرادتك ، فهذه هي إرادة الله ، والله لا يريد إلا ما هو خيرك فامض سعيدا لا كاللص الذي يفتقر إلى الصدق أمام الله ، ويجعل الدنيا كل همه ( انظر 4199 وما بعدها ) . إنك إن فكرت في عاقبة مشاق طريق الحق لن تجدها من قبيل المشاق . إن هذه المشاق من قبيل العنب المتجمد الذي يحفظ في أوانه في الثلج لكي يؤكل في غير أوانه ، وصب الماء البارد عليه لكي يخرج من حالة التجمد .
 
( 4199 - 4205 ) عندما يقف المؤمن المدرب بالرياضة الناضج على حقيقة الأمر فإنه يقبل البلاء ، ويقبل هداية المرشد وتأديبه ، وها هي ذي حبة الحمص تقتنع بهذه الأفكار وتطلب من السيدة أن تداوم على تقليبها ، إن في هذا عمرانها ، هيا إياك أن تجعلينى في هدوء وسكون كالفيل ، أحلم بالأرض القديمة ، وأرتكس وأحزن عن طريق الحق وأجعل كل همى الدنيا ، اجعلينى دائما في حاجة إلى السمو ذلك ( إن الإنسان ليطغى أن راه استغنى ) .
 
( 4206 - 4214 ) تتحدث السيدة إلى حبة الحمص مشجعة إياها ، والواقع أن المرشد هو الذي يتحدث ويقص تجربته للمريد ، كي يشجعه على الرياضة والمجاهدة : إنني عندما ذقت لذة المجاهدة صرت قابلا لها وجعلت نفسي قابلا إياها ، وأنا أيضا قطعت مراحل الوجود من الجمادية إلى الآدمية ( انظر من 3903 - 3908 ) وذلك قبل أن تدخل الروح قالب الجسد ، وبعد فترة في قالب الجسد ، وبعد “ الغليان “ في هذه المراحل صرت أحاسيس قوية أي استطعت أن أجعل أحاسيسى قادرة على إدراك العالم المعنوي ثم نسيت حياة الجسد وصرت
 
“ 608 “
 
روحا وصرت مرشدا لك ، وحتى عندما كنت في مرحلة الجمادية كنت أفكر في الاتصال بعالم المعنى ، فالجماد له روح والروح تود أن تتجاوز مرحلة الحيوانية ، ففكر أنت أيضا في نهاية الطريق الذي هو الوصال بعالم المعنى والفناء في الوجود المطلق ، وإن كلام الحق يؤثر في الإنسان بقدر قابليته وجدارته ، انظر إلى القران الكريم إنهيُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ( 26 البقرة ) “ وليست المشكلة في تعاليم الأديان أو إرشاد المرشدين ، ينبغي أن يكون المريد جديرا لا عنودا ، لديه الرغبة في السمو والرقى إلى العوالم العليا والنضج المعنوي .
 
( 4215 - 4229 ) يعود مولانا إلى قصة ضيف المسجد تلك القصة التي بدأها في البيت 3924 ، وأورد جزءا منها من البيت 4082 وما بعده وها هو ذا يعود إليها ، يخاطب الضيف الذي هو كله باحثا عن الكمال المسجد قائلا : لتكن ميدان قتال “ كربلاء “ لي . . أجل فإن كربلاء هي التي صنعت سيد الشهداء الحسين بن علىّ - رضي الله عنه - ، لتكن مشنقة لي فإنني سوف أتجلى على المشنقة كما تجلى عليها الحسين ابن منصور الحلاج وكما كان يسعى إليها ( في ترجمة لفريد الدين العطار عن الحلاج تذكرة ص 589 ) .
 إن الشهادة هي التي تصنع الشهيد ، تجعل منه بطلا وتحييه وتجعله خالدا ، حتى ولو كنت أيها المسجد نارا فسوف أصير كالخليل لا أطلب الغوث حتى من جبريل فسوف أقول لك عندما تسألني : ألك حاجة ؟ أما إليك فلا ، ولن أحترق ، أما إذا احترقت فإن احتراقى سوف يملأ العالم بالعبق كاحتراق الند والعود ، ( ودماء الشهداء اللون لون الدم والريح ريح المسك ) ، أجل إنني أسرع إلى النار فهي حياة لي وليست


“ 609 “
 
موتا . إن الروح الحيوانية منى كانت في إثر المادة ، ولما كانت جديرة بالاحتراق فلتحترق ، ولو كانت ذات اهتمام بعالم المعنى لأفادت واستفادت ، لعمرت وعمرت ، إن النار التي تحرق حقيقة هي نار العشق ، أما تلك النار التي نراها في الألم فهي انعكاس لها وأثر منها ، إن النار الغيبية هي نار العشق التي تسرى في عالم الملكوت ومنها خلق الملائكة ، وما دام الإنسان على علاقته بالدنيا فإنه لا يرى تلك النار الكلية أي نار العشق ( من هنا تتضح الصلة بين هذه الحكاية وبين الحكاية التي وردت بداخلها حكاية صدر جهان فكلاهما يدور حول العشق ، والحكاية هنا أشبه باللحن الداخلي داخل عمل موسيقى كبير ) ، ولأننا متعلقون بالدنيا فإن انعكاس هذه النار أي نار العشق لا يبقى فينا طويلا ، إنه بقدر قامة المرء في الزوايا المختلفة لانعكاس النور ، فالقامة هي القامة ، ونار العشق هي نار العشق ، لكنها مرتبطة باستعداد الروح وقدرتها على السمو ، ولأن هذه الانعكاسات لا تجد ثباتا فإنها تعود إلى أصلها ومعدنها ( الأمهات ) سريعا ، ثم يجد مولانا نفسه قد تعمق في الحديث ودخل إلى المرحلة التي ينبغي أن يصمت عندها ، فيقول لنفسه : انتبه لئلا تحدث الفتنة أي مثلا تحدث تأثيرا منحرفا فإن هذا الكلام يضل من ليسوا بأهل له ، وانته من هذا واجعل عين الكلام جافة فالله أعلم بالرشاد .
 
( 4230 - 4246 ) يترك مولانا القصة ليرد على العيابين في المثنوى ، وما أكثرهم على مر التاريخ والأزمنة . إن هؤلاء العيابين لا يهجوننى ، لكنهم قد يؤثرون في المريدين ، ثم ينتقل على مولانا سنائى في شأن أولئك الذين لا يرون من الكلام إلا ظاهره وحجبوا عن حقائقه ومعانيه ، والأبيات المذكورة مقتبسة من
 
“ 610 “
 
بيت شعر لمولانا سنائى :
ليس عجبا ألا يكون نصيبك من القران إلا حروفه * فإن الأعمى لا يرى من الشمس إلا حرارتها ( كليات سنائى ص 52 ) كما ورد في نفس المعنى في الحديقة ( أنظر الترجمة العربية للبيتين ( 1980 - 1981 ) إنهم يقولون :
إن هذا المثنوى لا يحتوى على مقامات الفناء ولا سير فيه إلى الله على ما دأب عليه المشايخ من قبل ، ويرد مولانا : إن أمر المثنوى سهل لقد أنكر كثيرون القرآن الكريم وقالوا :إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ *( الأنفال / 31 ) وليس فيه بيان يعجز العقل فيه ، إنه يحتوى على الشريعة ، ويرد عليهم مولاناقُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً( الإسراء / 88 ) .
 
( 4247 - 4252 ) يعتمد مولانا في هذا الجزء على حديث نبوي ( إن للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن ( انظر 1899 ) . كما جاء الحديث في شروح المثنوى ( للقرآن ظاهر وباطن وحد ومطلع ) ، وقد فسرها ابن عربى بأنها التفسير والتأويل وما يصل إليه فهم الإنسان وفسر الحد والمطلع بأنهما المعاني والمدركات التي هي أعلى من التفسير والتأويل ولا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ( استعلامى 3 / 407 ) . وبالرغم من أن مولانا قد تحدث عن سبعة أبطن
 
“ 611 “
 
إلا أنه لم يتجاوز البطن الرابع بالحديث ، ويرى كما يرى محيي الدين أن ما فوق هذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى . ويخلص مولانا أنه إذا نظرت إلى القران الكريم بظاهره فحسب ، فكأنك إبليس الذي اعتبر ادم حفنة من التراب ولم ينظر إلى النفخة الإلهية ، وإياك أن تحكم من الظاهر فإنك لا تعرف عن أقرب الناس إليك إلا مقدار شعرة ، ولسنائى الغزنوي تفضيل اخر في هذا المجال موجود في حديقة الحقيقة حيث خصص فصلا للحديث عن القران الكريم ( انظر الترجمة العربية الحديقة الحقيقة ص ص 93 - 100 ) .
 
( 4253 - 4284 ) إن الأنبياء لم يعتزلوا الناس هربا بل تعليما ، فأي جبل هذا الذي يستطيع الولي أن يختفى خلفه ، ومن هذا الذي تحسده الأفلاك على قربه ويختفى ؟ إنه مختف في عوالم روحه التي لا نهاية لها ، وهكذا الإنسان فإنه وجود محجوب وغامض لا يستطيع العقل أن يسبر أغوار عمقه ، وإذا كان هذا هو حال الإنسان العادي ، فما بالك بادم صاحب النفخة الإلهية ؟ وما بالك بالأنبياء ذوى المعجزات مع أنهم بشر ، ألم يستطيعوا أن يأتوا بالمعجزات ؟ وما عصا موسى ؟ وما رقية عيسى التي كانت تحيى الموتى ؟ ولم لا ؟ أليس قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن ؟ ( انظر 2779 ) ، وكما أنك تخطىء كثيرا إن اعتبرت عصا موسى مجرد قطعة من الخشب ، واعتبرت رقية عيسى مجرد كلام عادى ، فإنك تخطىء كثيرا إذا اعتبرت الإنسان مجرد هذه البضعة من اللحم والعظام . هذه المظلة السوداء تقدم قليلا لترى الروح الوثابة القادرة على التحليق في الملأ الأعلى ، تقدم قليلا لترى اثار تربية الرجال ، وترى “ همة الرجال تقتلع الجبال “ ، وتجعل الجبال ترقص من هممهم “ انظر 15 ، 16 من هذا الكتاب و 25 ،
“ 612 “
 
26 من الكتاب الأول “ وهي هي ذي نفسها تلك الهمة التي تجعل الجبال تئوب لداود وتغنى معه ، ومصداقا لهذا فإن رجال الحق أيضا هم مثل داود لهم أنين ويسمعون أصواتا لا يسمعها كل إنسان ، وإن نغمة هذا الصافي الجسد أي الجبل تصل إلى أذن رجل الحق وحده مهما كان معه جلساء وليست كل أذن مهيأة لسماع تسبيح الجمادات التي تصل من اللامكان ، أي عالم الغيب ، وحتى إن كنت لم تسمعها فينبغي أن تصدق بوجودها لأن “ الولي “ يسمعها .
 
( 4285 - 4294 ) يعود مولانا إلى توبيخ الطاعنين في المثنوى قائلا : إنك أيضا تطعن في القران الكريم ، وماذا يكون المثنوى إلى جوار القران ، إنك تريد أن تطعن في القران ولا تجد سبيلا إلى ذلك فتطعن في المثنوى الذي هو قبس من نور القران وهو في هذا المعنى يقتبس من مولانا سنائى :
إذا طعن فيه هذا الجهول فقل له : أطعن ، إنه ليس أفضل من القران ( حديقة الحقيقة البيت 11780 ) إنه كلام الحق ومن يقع فيه فإن القهر الأعلى يستولى على روحه وعلى إيمانه ، إن القران سوف يخاطب هذه الفئة يوم القيامة قائلا :
لقد كنتم تطعنون فىّ قائلين : إنني أساطير الأولين ، وها أنتم أولاء أنفسكم قد رأيتم أنكم أنتم الذين صرتم أسطورة بينما أنا وجود مطلق وغذاء معنوي وعيني وجوهر لا زيف فيه ولا غش . . ثم يتحدث مولانا عن نفسه وعن المثنوى : إنني منبع هذه المعاني أمنح العاشقين الحياة الخالدة ، وإن عفن الحرص هو الذي جعل الحق لا يصب جرعة من هذه المعاني على وجودكم الميت ، أي أن العيب فيكم أنتم يا من لا تتقبلون المعاني ولو كانت فيكم قابلية لها لفهمتموها ، فإن العطايا بقدر
 
“ 613 “
 
القابليات ويستمد مولانا العون من سنائى الغزنوي ، ويصرح بأن هذا الطعن لن يقعده عن عمله ورسالته .
 
( 4295 - 4312 ) ينقل مولانا حكاية أخرى عن سنائى :
قال ذلك المهر لأمه : لماذا يصفرون هم بينما نشرب نحن الماء قال الفرس للمهر : امض لا تتحدث عبثا قم بعملك فإنهم يقتلعون لحيهم عبثا .
 
( ديوان سنائى 162 ) ويضيف مولانا على لسان الأم : إن هذا هو عمل المزايدين ، أولئك الذين لا تخلو منهم الأرض ، فكما يوجد العاملون الذين يعملون في صمت يوجد أيضا المزايدون الذين لا يجدون ما يفعلون سوى عرقلة أعمال العاملين ، وما على العاملين إلا أن يقوموا بأعمالهم دون النظر إليهم أو الاهتمام بهم ، ومن ثم فإن ماء النهر هو معرفة الحق ، وصوت السائسين هم أولئك الجهلة الذين يطعنون في رجال الحق ولا ينبغي الاهتمام بهم ، فإنهم إنما يقتلعون لحيهم فهيا أيها المريد إن الحقائق التي تفيض من رجال الحق هطالة وفيرة ، هيا قبل أن يمزقك الهجر والبعد والحرمان من هذه الحقائق ، وحتى لا تظل شجرة وجودك بلا ثمر ، فإن كلام الأولياء هو منبع ماء الحياة والحياة الخالدة ، هيا وحتى وإن لم تكن لك بصيرة مهيأة لإدراك الحقائق ، فجرب ، وكن كالأعمى الذي لا يرى الماء ويدلى بدلوه في الماء تقليدا للآخرين ( انظر لفكرة التقليد الذي يوصل الحقيقة الكتاب الثاني - هيا إذن وضع القربة التي تفكر في الماء ( مفكرا في الماء ) في الجدول ( أول العمل فكر ) .
 
“ 614 “
 
( 4313 - 4323 ) يستنتج مولانا من مثل الأعمى والقدر وماء الجدول نتيجة أخرى قائلا : إن السفهاء يشبهون هذا الأعمى بقدره الفارغ ، ولأنهم غير ممتلئين بالمعرفة الإلهية فإنهم يجذبون نحو كل صوب ، إن الخفة التي في وجودهم وانعدام “ الثقل “ تجعل كل ريح تختطفهم ، فلا مرسى لهم ، والمرسى هو العقل الباحث عن الحق الطامح إلى المعرفة الذي يحول دون الضلال ويمنح الثبات و “ الوجهة “ والهدف ، فإن لم تكن تملكه فاطلبه من الشيوخ والمرشدين فإنهم هم الذين يستمدون من بحر الجود الإلهى ، وهذه الإمدادات الإلهية هي التي تجعل القلب واعيا وتضئ بصيرة القلب ، وفي انعكاس نور القلب يصير البصر كالقلب ، والبصر بلا قلب عاطل ولا يستطيع أن يبصر الحقائق ، لكن دعك الآن من ماء المعرفة ، وعد إلى الماء المبارك الذي أنزل من السماءوَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً( ق 9 ) إننا مشغولون بهذا الماء دون أن نلقى بالا إلى طعن الطاعنين كالمهر الذي يشرب الماء زلالا دون اهتمام بصفير السائسين .
 
( 4324 - 4329 ) عودة إلى قصة ضيف المسجد ( الذي يقدم دون أن يلقى بالا إلى طعن الطاعنين ولوم اللائمين ) : ها هو ذا في سبيل الكشف عن الحقيقة مثل غريق في الماء لا ينام ، نومه كنوم الطيور والأسماك “ أي لا نوم “ وفجأة يسمع صوتا مهولا يهتف به ، إنه صوت يمزق القلب إربا ، وعند هذه النقطة يترك مولانا سياق الحكاية وتسلسل الحوادث فيها وكأنه يريد أن يستغل تشوق السامع لنهاية القصة ، وبالطبع يجدها فرصة للانتقال من الخاص ( سياق الحكاية ) إلى العام ( التعاليم الصوفية ) .
“ 615 “
 
( 4330 - 4347 ) إن هذا الصوت المهول هو من قبيل وسوسة الشيطان والعنوان إشارة إلى الآية 64 من سورة الإسراءوَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً( الإسراء 64 ) والخطاب من الله سبحانه وتعالى إلى إبليس الذي توعد بإغواء أبناء ادم ، وهكذا فإن الشيطان يجرى في بنى ادم مجرى الدم ، يقف للإنسان كل مرصد ، يخوفه من طريق الجهاد . يخوف بالفقر والذل والغربة والانقطاع عن الأصدقاء وهكذا فمن تأثيره تسوف في طريق الدين ، وتؤجل البدء بالجهاد ناسيا أن الموت لك بالمرصاد وعليك أن تأخذ قدرا من العلم والحكمة ، وتعزم على ألا تترك طريق الجهاد خوفا من الخسران في الدنيا ، فيقعد لك مرة ثانية ويصيح بك ويخوفك الفقر ، فتترك الطريق من تخويفك ، وتركن إلى هذا المضل ، ومن هنا فقد أخذ الخوف من صياح الشيطان بحلوق الخلق ، ولا نتيجة إلا اليأس من وصول النوركَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ( الممتحنة / 13 ) .
فإذا كنت تخاف هكذا من صياح الشيطان بك فأولى بك أن تخاف من الصيحة الإلهية . إن الخوف من الشيطان لضعاف الإيمان كخوف الذباب من العنكبوت ، لكن الخوف من الله هو ديدن الرجال ، والصيحتان صيحة الحق وصيحة الشيطان هما من أجل التفرقة بين الخير والشر وبين الصالح والطالح ، وهما لا يجتمعان في انسان ، فالذي يخشى الصيحة الإلهية لا يلقى بالا إلى تهديد الشيطان .
 
“ 616 “
 
( 4348 - 4367 ) إن هذا الصوت المهول لم يلق الرعب في قلب ذلك الضيف الهمام الشجاع ، إنه لم يعتبره إلا كالطبل الأجوف ، إنه مجرد صوت دون أن يوجد ما يدل عليه ، فيقف للصوت داعيا إياه للمواجهة ( كما حدث في ألف ليلة وليلة مع علىّ المصري تماما ) . وفي الحال يبطل طلسم ويتساقط الذهب ويظفر الشجاع الهمام بالذهب ، لكن إياك أن تظن أن الذهب المقصود هنا هو هذا الذهب المعروف ، لا . . . فهكذا يفكر عميان القلوب ، وتفكيره هذا لا يعدو تفكير الأطفال الذين يكسرون قطع الفخار ويضعونها في حجورهم ويسمعونها ذهبا : ( ينظر كليات ديوان شمس تبريزى ص 525 - غزلية 1353 ) .
حتام نحن كالأطفال في عالم التراب * نملأ حجورنا بالتراب والحصى وقطع الفخار فلنرفع الأيدي عن التراب ولنحلق في السماء * ولنهرب من الطفولة نحو محفل الرجال فالذهب هنا ليس ذلك المعدن المعروف ، إنه الذهب الذي ضرب في دار السكة الإلهية أي المعرفة بالله التي لا تنهب ولا تسرق ولا تنتهى ، إن قيم هذه الدنيا انعكاس لقيم ذلك العالم . إن ذهب الدنيا ما هو إلا انعكاس لذهب المعرفة الإلهية الذي إن وصل إليه الباحث أغناه عن كل ذهب الدنيا ، إنه غنى النفس المذكور في الحديث ( ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس ) ( استعلامى 3 / 411 ) .
 
“ 617 “
 
( 4368 - 4379 ) إن ضيف المسجد كان باحثا عن الحقيقة ، كان كالفراشة التي تحوم حول النار ولا تبالى باحتراق بدنها ، وكان المسجد كالشمعة أي يحكى الحقيقة الإلهية ومن ثم كان سقوطه فيه نصرا له وفتحا عليه . إياك أن تظن العشق نارا إنه نور ، رآها موسى عليه السلام نارا لكنها كانت عليه نور كانت العناية الإلهية قد حولتها إلى نور ، وانظر إلى الانقطاع عن الدنيا ألا يبدو نارا في حين أن رجال الله قد وجدوه نورا ، وهكذا الولي . إن تعليماته تبدو لك نارا لكنها في الحقيقة نور ، وهكذا كان يبدو صدر جهان للوكيل نارا ، وكان اللائمون والمثبطون يخوفونه من لقائه ، لكنه كان لوكيله عين النور . لقد ساق جلال إذن هذه الحكاية الطويلة بكل ما تخللها من معان لا كانتقال من موضوع إلى موضوع كما فسر أغلب مفسري المثنوى ، بل إن قصة المسجد هي من قبيل المثل أو المثال المحسوس قدم لبعض المريدين من ذوى المستوى المحدود لشرح قصة عشق وكيل صدر بخارى ( وهي قصة لمن خبروا مبادئ العشق ) .
 
( 4380 - 4388 ) عودة إلى وكيل صدر جهان : ها هو ذا وكيل صدر جهان يطوف حول صدر جهان كالفراشة تطوف حول الشمعة : فمهما رآها الآخرون نارا فهي ليست بالنسبة لها إلا نور ، ولا يتحمل هذه المقاساة إلا العاشق ، والألم من العاشق يقابله الرحمة من المعشوق ( انظر الأبيات 3918 - 3920 ) . ويتحدث مولانا عن رحمة المعشوق وهو في الحقيقة يتحدث عن رحمة المعشوق الكلى الواحد ، إن العاصي والمجرم عندما يخاف فكأنه يعترف ويقر بالذنب ، وهذا
 
“ 618 “
 
الاعتراف والإقرار أول أبواب التوبة ، فكان في خوفه الأمل في النجاة . إن الوقح المهذار المتجرىء بالذنب المفاخر به هو الجدير بأن يخيفه الله تعالى ، لكن أي خوف يكون الخائف بالفعل في حاجة إليه ؟ إن أولئك الذين يأنسون مكر الله تعالى وعقابه هو أجدر بالتخويف ، لكن الخائفين أجدر بالحلم والعفو . إن تخويف الخائف أشبه بإشعال النار تحت القدر الذي يغلى في حين أن النار أولى بالقدر البارد ، وقد خاض الصوفية في أفضلية مقام الخوف على مقام الرجاء مما يطول شرحه ( انظر كشف المحجوب ) .
 
( 4389 - 4405 ) إن باطن كل الإنسان كأنه جذع الشجرة ، يطرح ما في الباطن على الجذور والأوراق والثمار ، وباطن رجل الحق هو منبع للفيض بالرغم من أن ظاهره يكون جافا مثل الخشب اليابس ، وهكذا في كل أمر يؤثر الباطن على الظاهر سواء على الأشجار أو في الأنفس أو في العقول . . وإن الوفاء والحب أشبه بشجرة فروعها وأوراقها مشمخرة إلى السماءأَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ( إبراهيم / 24 ) وفي معارف بهاء ولد “ ثم فكرت بيني وبين نفسي في أن روحي تعظم الله سبحانه وتعالى وتتفكر في أمر الله وترتاض حتى تزداد محبة الله فيها ولابد وبأي وجه كان . إن هذه الأحوال لا ترضى الله تعالى أو إنها ليست من إلهامه جل شأنه ، فلا يمكن أن تكون المحبة من جانب واحد “ ( معارف 1 / 24 ) ، وإذا كانت أوراق الحنان والوفاء صعدت من شجرة إلى السماء كيف لا ينمو الحب في قلب صدر جهان ؟ لقد أخذ العفو يتموج في قلبه “ والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف “ وهناك طريق من القلب إلى القلب .
إن ندم الوكيل قد أثمر الرحمة في قلب صدر جهان ، وهكذا تكون العلاقة بين أهل
 
“ 619 “
 
الباطن .
إن الترابط بين القلوب مثل امتزاج أنوار المصابيح ، فالمصابيح متفرقة لكن الأنوار ممتزجة وفي حين أن العشق يصيب العاشق بالنحول ، فإنه عند المعشوق ( لإحساسه بأنه معشوق ) جالب للسرور والرضا . وهكذا فاعلم أن حب الحق يستوجب حبا من الحق للعبد . هكذا فقد قرن يحبهم بيحبونه إنه أمر مزدوج كالتصفيق لا يمكن أن يتأتى من يد واحدة ، فكما يحن الظمأن إلى الماء يكون الماء أيضا في حاجة إلى الشارب ، إنها حكمة الله تعالى في خلقه لكي تتجاذب الأشياء وتأتلف ، يعتبرها بعضهم قضاء من الله ومشيئة إلهية ، ويعتبرها بعضهم من أفعالنا نحن .
 
( 4406 - 4423 ) يواصل مولانا الحديث عن “ العشق “ كسر لتواصل الخليقة ، فكل جزء من أجزاء العالم طالب لقرينه أو أليفه ، والأرض والسماء زوجان من اتصالهما تبدو الخليقة ، وكان القدماء يعتقدون أن الأرض معلقة في الفضاء تحت تأثير جاذبية السماء ، ويردد مولانا اعتقاد علماء الفلك الأقدمين باعتبار الكواكب السيارة “ اباء الخليقة “ ( أي الآباء العلويون ) والعناصر الأربعة التراب والماء والهواء والنار “ أمهات “ الخليقة ، ويتحدث مولانا عن الأبراج الأربعة أو العناصر الأربعة على أساس أن القدماء كانوا يعتبرون الأبراج الفلكية الاثني عشر في مدار الشمس مخلوقات ذات طبع ومزاج فالثور والسنبلة والجدى أبراج ترابية طبعها بارد جاف أو سوداوى ، والسرطان والعقرب والحوت أبراج مائية وطبعها بارد رطب ، والجوزاء والميزان والدلو أبراج هوائية طبعها حار رطب ، والحمل والأسد والقوس أبراج نارية وطبعها جاف حار . ويريد مولانا أن يقول :
إن هذه الأبراج مؤثرة بحكمة الله تعالى في أحوال العالم الأرضي ، وتوجد في كل
 
“ 620 “
 
زمان وفصل ظروفا بمقتضى الحكمة والمشيئة ، بل إن الأرض والسماء زوجان حقيقيان يتمتعان بهذا الاتصال وإلا فلماذا تقع الأرض بين أحضان السماء ؟ ومن هذه الحكمة الإلهية يسكن الزوج إلى زوجته حتى يقع الميلاد ، ومن ثم فكل جزء في الخليقة يحن إلى الجزء الآخر ، لكي تحدث الخليقة فإياك أن تظن أن هناك تنافرا فهذا التنافر لا يوجد حتى بين الليل والنهار فكل منهما يطلب الآخر ، ففي الليل تدخر المخلوقات لكي تنفق بالنهار “ من القوة والاستعداد للغد “ والفكرة هنا من طريق التحقيق لسنائى ( مثنويات حكيم سنائى ص 112 والترجمة العربية لطريق التحقيق لأحمد فتحى شتا ) .
 
( 4424 - 4450 ) وينتقل مولانا إلى مرحلة أخرى من علاقة العناصر والأمهات والآباء العلويين ، عندما تتفتت هذه العلاقة ويعود كل عنصر إلى “ أبيه “ أي إلى أصله السماوي ، فكل برج يجذب من الجسد “ الأخلاط “ و “ الأمزجة “ المناسبة له ، وليست الأمراض العديدة إلا نتيجة أن كل عنصر يريد أن يجذب الجزء الخاص به من الجسد ، ويبقيها الله تعالى إلى أجلها . وعندما يجذب كل جزء من الجسد إلى الأصل الخاص به فإن الروح تتألم من فراقها لعالم الأرواح ، وأن وجودنا الصوري ما هو إلا تركيب من أجزاء عنصرية تبقيها الروح حية ، وفي الوقت نفسه فإن كل جزء من هذه الاجزاء يساعد على حفظ هذا التركيب ، وهذا التركيب هو سجن للروح ومن ثم فالروح تحن دوما إلى أصلها ، وكما أن قوت كل عضو من أصله ، فإن قوت الأرواح هو من الحكمة والعلوم والرغبة في الترقي والشرف الذي هو في نفس الوقت سير إلى عالم الغيب والوجود المطلق فهي باحثة عن الحق والحق باحث عنها مصداقا لقوله تعالى :يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
 
“ 621 “
 
( المائدة / 54 ) . ليس العشق من العاشق فحسب لكنه من المعشوق أيضا . إن المعشوق في بحث عن العاشق كما يبحث عنه العاشق ، وهو يبدو ظاهرا بلا حاجة لكنه في الباطن ذو ميل وجذب .
 
( 4451 - 4464 ) يعود مولانا إلى قصة وكيل صدر جهان : لقد كان صدر جهان أيضا يشتاق إليه ، لكن مظاهر السلطة كانت تمنعه من إظهار هذا الشوق . وليس هذا الأمر قابلا للإدراك ، أكان ميل الوكيل هو الذي يجذبه إلى بخارى أو أن مجىء الوكيل هو الذي أوجد الجذب في قلب صدر جهان ؟ لكن إياك أن تتحدث في هذا ، واترك المراء والتذاكى في هذا الأمر ، إنني لن أواصل في هذا الموضوع فإن تلك القوة غير المرئية ( الإلهام - الوحي الإلهى ) تأمرني بألا أقول فكيف أقول ؟ إن الأمر ليس بيدي فمهما عزمت ومهما نويت فإن عزم الله هو الذي يكون وما قدره نافذ . إن الأمر أشبه بالجواد والفارس يمسك الفارس بزمام الجواد الذي يجمح في كل ناحية ويوجهه إلى حيث يشاء ، وخير للجواد أن يكون ذكيا وأن يعلم أنه في يد الفارس يوجهه في أي اتجاه شاء . وهكذا فإن قدرة الله تعالى تبدو في فسخ العزائم ونقضها مصداقا لما ورد في حديث علىّ رضي الله عنه “ عرفت الله سبحانه بفسخ العزائم وحل العقود ونقض الهمم “ ( استعلامى 3 / 415 ) .
 
( 4465 - 4475 ) يحلل مولانا فكرة فسخ العزائم ونقضها وخلاصة ما يذهب إليه مولانا أن الله سبحانه وتعالى يدفعنا إلى العزم في الأمور ثم ينقض هذا العزم حتى نحس بقدرته دائما ونحس أننا خاضعون لقدرة الحق . وهناك

.
يتبع
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 4039 - 4563 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:45 am

الهوامش والشروح 4039 - 4563 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح 4039 - 4563 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 4039 - 4563 فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح قول الشيطان لقريش : تعالوا لقتال أحمد فسوف أساعدكم
واستنفر قبيلتى للعون وهروبه عند لقاء السصفين
“ 622 “

صنفان من الناس في التسليم لقدرة الله تعالى : العاشقون والصادقون أو العاشقون والعاقلون ، والعشاق يعرفون مولاهم بصدهم عن الوصول لآمالهم .
وإن لم تصدق فاقرأ “ حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات “ . إن انكسار الصادقين العاملين لا يشبه انكسار العاشقين ، فأولئك منكسرون جبرا أما العاشقون فمنكسرون اختيارا ، أولئك عبيد مقيدون ، وهؤلاء في رضا الحق كأنهم يستحلبون السكر ، إن العقلاء هم مصداق “ ائتيا كرها “ أما العشاق فإنهم مصداق “ ائتيا طوعا “ طبقا لما ورد في الآية الكريمةثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ( فصلت / 11 ) .
 
( 4476 - 4488 ) يحضر مولانا رواية من السيرة النبوية عن أولئك الذين يستسلمون للمشيئة الإلهية “ كرها “ وفي الحديث الشريف “ عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل وهم كارهون “ وفي مناسبة الحديث روايات فمن قائل : إنه قيل يوم بدر “ فروزانفر ماخذ / 125 - 126 ) ومن قائل إنه قيل في أسارى قريظة وبنى النضير ( مولوى 3 / 573 أنقروى 3 / 744 ) والرواية الأولى أصح لارتباطها بما يلي من آيات . والب أرسلان هو ثاني سلاطين السلاجفة العظام حكم ما بين 455 - 465 ه - ( جلبنارلى 30 / 462 ) .
 
( 4489 - 4505 ) ما ورد في العنوان جزء من الآية 19 من سورة الأنفال ، ويستمر مولانا في رواية حديث الكافرين وهم يساقون أسارى ، وهنا إشارة إلى ما دعاه أبو جهل قبل وقعة بدر قائلا : اللهم انصر أحب الفئتين ، فالنصر هو لمحمد - ، - حتى في الحديبية التي اعتبرها المؤمنون هزيمة كانت نصرا وبعدها نزلت سورة الفتح ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) ( الفتح / 1 ) .
 
“ 623 “
 
( 4506 - 4514 ) ذكر هزيمة بني قريظة وبنى النضير هنا خطأ تاريخي ، فالانتصار على بنى النضير وبني قريظة سابق لهذا التاريخ ، وكان الانتصار هنا على يهود خيبر ، على كل حل كان مولانا يقصد الانتصارات التي حققها الرسول - صلّى اللّه عليه وسلم - بعد الحديبية التي كانت تبدو كهزيمة ، ويقصد مولانا أنه حتى إن لم تتحقق هذه الانتصارات فإن المؤمن في هزيمته كما هو في نصره تماما إنه يستقبل الهزيمة “ البلاء “ كما يتقبل النصر ، فالبلاء في نظر المؤمن “ صعود “ ليس “ هبوطا “ والمهم هو العناية الإلهية .
 
( 4515 - 4532 ) ومصداقا لهذا يفسر مولانا حديثا منسوبا إلى الرسول - صلّى اللّه عليه وسلم - “ لا تفضلوني على يونس بن متى فإن معراجى إلى السماء ومعراجه إلى الماء “ والحديث ورد في مقالات شمس ( ص 256 ) بتفسير أقرب إلى تفسير مولانا ، فاللقاء ليس بالمكان وإنما بالعناية والرعاية ، فليس المعراج بمقاييس الأرض وليس هو الصعود أو الهبوط بل هو التخلص من سجن الوجود ومن قيود المكان وأسر الحياة المادية ، إنه أمر يتصل بالفناء أو كما يعبر عنه مولانا متصل بالعدم الذي تختلف مقاييسه عن مقاييسنا . ومن هنا فإن هزيمة المؤمن لا تشبه بحال من الأحوال هزيمة الكافر ، فالكافر في هزيمتة ساخط والمؤمن راض ، والقدرة على الاستغناء هي اقطاع خاص بهم ، والفقر فخرهم ( إشارة إلى حديث نبوي الفقر فخرى وبه أفتخر ) . وعلى هذا النسق فإن تفسير الكفار لا بتسامة الرسول - ، - بأنها افتخار بالدنيا وعجب بالنظر ، هو تفسير نابع من تفكيرهم هم .
 
“ 624 “
 
( 4531 - 4538 ) إن الحارس لم يسمع كلام الكفار الأسرى بالرغم من أنه كان يمشى إلى جوارهم ، بينما وصلت هذه الهمهمة إلى أذن الرسول - صلّى اللّه عليه وسلم - من لدن الحكيم الخبير ، فالقابلية عند الرسول لتلقى الوحي ، وهذا يتكرر كثيرا في حياة الأنبياء فذلك الذي كان يحمل قميص يوسف إلى يعقوب عليهما السلام لم يكن يشم منه ريح يوسف ، لأن الريح خاص بيعقوب ، وهكذا فإن الرسول - صلّى اللّه عليه وسلم - يوحى إليه وهو نائم مصداقا لقوله عليه السلام “ تنام عيناي ولا ينام قلبي “ ، وإدراك عوالم الغيب بمعايير هذا العالم غير متيسر بل لابد من وجود العناية الإلهية ، ومحمد - صلّى اللّه عليه وسلم - مشمول بالعناية الإلهية ، بحيث إن النجم الثاقب الذي يطارد الشياطين التي تسترق السمع يأمرها بأن تأخذ الأسرار منه عليه السلام إذ تصل إليه مباشرة من لدن الحكيم الخبير ، وهي رزقه لا بحوله أو بطوله . وهكذا العطايا أرزاق ولا تتدخل فيها القوة فاذهب إلى الدكان واسع في سبيل الرزق ، لكن إياك أيضا أن تنسى الذهاب إلى المسجد وطلب الرزق من الله .
 
( 4539 - 4552 ) يواصل الرسول - ، - الحديث إلى الأسرى من الكفار : إن ضحكى ليس من انتصارى عليكم في المعركة ، وأي ضحك عندي من أناس ماتوا واهترأوا في الفناء سواء عاشوا أو ماتوا فهم أموات ، وأي لذة عندي من انتصار على بضعة من الرمم المهترئة والقمر ينشق عندما أثبت في المعركة ، ثم إن الأمر لم يتغير عندي : هكذا كنتم أراكم من كوة الغيب مهزومين أسارى حتى وأنتم أحرار ، إن سلاحكم الذي تعتمدون عليه في هذه الدنيا لا محالة يؤدى إلى الهزيمة ، فالاعتماد على المال والحسب شأنه كما يوجد جمل على قناة ( لا يتأتى منه نفع ولا يحسن التصرف ) ، وهكذا فإنني منذ أن تخلصت من صورة الجسد
 
“ 625 “
 
وعلمت أنها صورة مفتضحة ، كنت على علم بكل ما هو أت ، بل إني أعلم عاقبة كل موجود قبل أن يظهر في عالم الجسد ( كنت نبيا وادم بنى الماء والطين ) ( استعلامى 3 / 418 ) ، ومن أنتم فقد رأيتكم منذ الأزل ومنذ يوم الميثاق وأنتم مغلولون مقيدون ، إذن لماذا أضحك ؟ كنت أضحك لأنى أرى اللطف في القهر ، أرى أن الله سبحانه وتعالى بقهره إياكم إنما يسوقكم نحو لطفه ( المناسبة مناسبة الحكاية لحكاية صد وكيل صدر جهان ) ، كنتم تأكلون سكرا ممتزجا بالسم ( اللطف الممتزج بالقهر ) كنتم تأكلونه وأنتم لا تسمعون كلام الله ولا تدركون قصده من إذلالكم .
 
( 4553 - 4563 ) يواصل الرسول جوابه لأسرى الكفار : تراكم ظننتم أنني غزوت من أجل الدنيا ؟ إن هذه الدنيا ما هي إلا جيفة وطلابها كلاب “ حديث منسوب إلى الرسول - صلّى اللّه عليه وسلم - وفي بعض الروايات إلى الإمام زين العابدين السجاد رضي الله عنه “ ، إنني أغزو لأحيى موتى الكفر الذين يظنون أنفسهم أحياء ، وأسوقهم من قهر الله إلى لطفه ، ولكي يتحرر العالم من طغيان الكفر ومن فساده ، إنكم كالفراش المتهافت على النار وأنا أقف بينكم وبين هذه النار ، وإن نصركم إذا انتصرتم هو هلاك لكم ، كنتم تجدون إلى النار وكنت أحول بينكم وبينها ، كنتم تسرعون بنصركم هذا إلى براثن قدرة الحق ، وكنت أهزمكم لكي أحول بينكم وبين هذا النصر المدمر .
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 

* * *

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا 

* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 4564 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:46 am

الهوامش والشروح 4564 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )

الهوامش والشروح 4564 - 4814 على مدونة عبدالله المسافر بالله      

الهوامش والشروح 4564 - 4814 فى المثنوي المعنوي الجزء الثالث د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح بيان أن الطاغية في عين قهره مقهور وفي عين نصره مأسور
( 4564 - 4567 ) سوف أقدم لكم مثلا على هذا الأمر “ سوف أبين لكم أن الطاغية مدمر حتى حين نصره ومأسور حتى حين غلبته ، إنه كلما انتصر على
 
“ 626 “
 
أعدائه وطغى عليهم وبغى وتجبر إنما يكون مد من الله له فتزداد ذنوبه ، حتى يأخذه القهر الإلهى ، ولو أن الله سبحانه وتعالى ألحق به الهزيمة ، لوقف طغيانه عند حد ، وربما عاد عنه وتاب عنه : ترى مولانا كان يستشرف مصير الطغاة في زمانه ؟ 
ألسنا نرى في معرض حياتنا اليومية طغاة يتجبرون ويتغاشمون ، وكلما انتصر على فئة ضعيفة ازداد طغيانا وتجبرا وأسرع نحو الهلاك على يد فئة أقوى منه أو أخذه الله نكال الحياة الدنيا والآخرة ، وحين يضرب مولانا المثل يضربه بلص سطا على مال سيده “ أليس الطاغية لصا على كل حال ؟ لقد مضى سعيدا بنصره على سيده فوقع عليه الوالي بعد أن حشر له شرطته ، ومن ثم فإن انتصار اللص قد اختطف رأسه “ .
 
( 4568 - 4583 ) وهكذا أنت أيضا يأمن جللت بالنصر على “ الناس “ على المستضعفين في الأرض ، وقيدتهم في الأغلال ، إنك تجرهم خلفك ، وهو أي القهر الإلهى يجرك إليه ، إن انتصارك وغلبتك وظفرك “ بالناس “ فخ لك فسق الهوينى وإياك أن تسقط في هذا الفخ ، وليكحل عقلك الباحث عن الحق بكحل العناية ، ولتكن خصومتك مع الخلق إلى حد ، فإن من صفات المؤمن أنه لا يلج في الخصومة ولا يفجر فيها “ أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان ، وإذا خاصم فجر “ كما نقل يوسف بن أحمد حديثا بهذا المعنى عن الحارث بن وهب أنه - عليه السلام - قال : “ ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف مستضعف لو أقسم على الله لأبره “ ( مولوى 3 / 584 ) . فهم “ إخوان على سرر متقابلين “ بينما أهل النار في جدال وخصام ، إن هذا ليس من الضعف بل هو من
 
“ 627 “
 
الحزم وسوء الظن لقوله - ، - “ الحزم بسوء الظن “ ( انظر البيت 268 من نفس هذا الكتاب ) ، ومن ثم فإن إظفار الكفار الظاهر في الحديبية هو نصر حقيقي للمؤمنين ، فهو حماية لجماع المؤمنين الضعفاء في قلة وهم عدة الإسلام وعتاده في انتصاراته التالية ، وهذا مصداق للآية الكريمة :وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً( الفتح / 24 - 25 ) .
 
وهكذا كان الرسول في نصره ينظر إلى كبرياء الله تعالى وإلى قهره ، وابتسم عليه السلام لأنه يجر الكفار إلى الجنة في السلاسل ويخلصهم من الغضب الإلهي .
 
( 4584 - 4591 ) وهكذا هو سلوك المقلد الذي يسير إلى الله لا بالقلب أو الطريق بل بالعقل والعلم ، إنه يؤخذ إلى اللطف في صورة القهر ، أما الولي فهو ليس في بلاء حين يحل به البلاء ، بل يقطع الطريق في شوق إلى الحق ، إن الجميع يتحمل هذا الأمر كقدر لا مفر منه إلا العارفين المنورين بنور المعرفة الذي يجعل المشقة في طريق الحق أمرا سهلا ميسورا ، ويخرجه من صورة السخرة ، ثم يقدم مولانا صورة من الواقع المعاش : إنك تأخذ الطفل أول يوم إلى المدرسة وهو يملأ الجو ضجيجا وعجيبا ، لكنه عندما يعتاد على المصروف ( مهما قل ) يسرع إلى مدرسته جريا .
 
“ 628 “
 
( 4592 - 4603 ) يقارن مولانا بين عشق الأولياء وعبوديتهم وسلوك المقلدين قائلا : جاهد أنت أيضا حتى تحصل على الأجر من الله تعالى ، حينذاك تغبط المؤمنين الذين نالوا الأجر من قبلك ، فإذا كان الأمر طوعا أو كرها فليكن طوعا أفضل لك ، لا تكن من أهل التقليد تأتى كرها بل كن من أهل الصفاء اتيا برغبتك . ويعود مولانا إلى المفاضلة بين أهل التقليد وأهل الصفاء : إن المرضعة محبوبة للطفل ومحبوبة أيضا لرجل اخر ( في سنها ) ولا رغبة للطفل فيها إلا في لبنها أو في المنفعة منها ، لكن البالغ يعشقها لذاتها ، وهذا هو الفرق بين المقلد والواصل ، فالمقلد يحبه بالرجاء والخوف ، ويحاول أن يصل إليه عن طريق الدرس ( الذي خبره غيره ) . . لكن الواصل يحبه دون علة ودون غرض ، والحق في كلتا الحالتين يجذبهما إليه ، ييسر لكل إنسان الطريق الذي يسير فيه ، ويشمله بالعناية التي توصله إليه ، وهذا هو جذب المعشوق .
 
( 4604 - 4617 ) ها هو ذا مولانا يريد أن يبدأ حكاية أخرى ، لكن وكيل صدر جهان يكاد يهلك انتظارا ( يعامل مولانا أبطاله كشخوص حية . . يتفاعل معهم ويتعاطف معهم ويتخيل أنهم ينتظرونه إن طالت غيبته عنهم في الحديث عن موضوعات أخرى ) ، ها هو ذا وكيل صدر جهان يريد منه أن يعود لكي يجعله يلتقى مع صدر جهان حتى تدب الروح في جسده الميت ، فإن الحبيب الذي لا ترد به حياة لا يكون حبيبا ، بل يكون كالشجرة فلا ورق ولا ثمر ومن ثم فإن من يفديك بنفسه يمكن أن تسمية حبيبا ، حتى الموت إن مضيت إليه بلا كراهية فهو
 
“ 629 “
 
صورة للموت فقط وليس حقيقيا بل هو انتقال من دار إلى دار “ ألا أن أولياء الله لا يموتون بل ينتقلون من دار إلى دار “ ومن ثم فلا يكون الموت قائما بل يكون الإنسان عليه “ ومن كان لله كان الله له “ ( استعلامى 3 / 421 ) .
( 4618 - 4624 ) التقى العاشق بالمعشوق ففقد وعيه ، وهكذا فعندما يتم اللقاء يحدث الفناء ، وهكذا العشاق أمام الحق يجدون إليه فإن وصلوا انفصلوا وفنوا ، وكيف يمكن للظل أن يبقى إن سطعت عليه الشمس ؟ وكيف يمكن للقطرة أن تكون ذات وجود إن مزجت بالبحر ؟
 
( 4627 - 4660 ) لا يبقى الظل عندما تسطع الشمس ، ولا تبقى القطرة إن حضر البحر ويسوق مولانا حكاية موافقة لمقتضى الحال ، والحكاية وردت قبل مولانا في أسرار نامه لفريد الدين العطار ( ص 57 - 58 من أسرار نامه تحقيق سيد صادق كوهرين انتشارات صفى على شاه تهران 1338 ه - . ش ) ، كما وردت في كتاب اللمعات للشاعر فخر الدين العراقي ( المتوفى سنة 680 ه - ) ( ماخذ 126 ) وها هي ذي البعوضة تتظلم أمام سيدنا سليمان عليه السلام من الريح ، والريح في أمر سليمان - عليه السلام - ويتعجب سيدنا سليمان من وجود ظلم في عهده ، إن الظلم من الظلمة ، وعندما يسطع النور تنمحى الظلمة ، عندما يسطع نور النبوة والشريعة فلا ظلم ولا بغى فمن الذي يجرؤ على ارتكاب الظلم في عهد سليمان ؟ إن حكمه هو من أجل إرساء العدل ، إنه صورة من العدل الإلهى في الأرض إنه يحكم حتى لا يبكى اليتيم “ فإن اليتيم إذا بكى اهتز العرش لبكائه “ ( حديث منسوب إلى الرسول ، ) ( استعلامى 3 / 422 ) ونفس
 
“ 630 “
 
المعنى ورد عند سعدى في البستان :
“ ألا لا يبكين فإن العرش العظيم * يهتز عندما يبكى اليتيم “ ( كليات سعدى ص 270 ) إن سليمان عليه السلام يقول : نحن بنينا أساس نظم هذه المملكة على الشريعة الإلهية ، ومن ثم فبدلا من أن تشكو لله أشك إلىّ أنا فقد أعطاني الله شريعته وأمرني بالحكم به وسوف يحاسبنى عليها ، لكن لابد من أجل ضمان العدل من وجود الخصم ، ويستدعى داود الريح ، لكن البعوضة المتظلمة تفر هاربة . إنها لا يمكن أن توجد مع الريح في مكان واحد فكيف يمكن لها أن تقف معها موقف الخصومة في مكان واحد ؟
 
( 4661 - 4666 ) يقارن مولانا بين حال البعوضة أمام الريح وحال العبد أمام القدرة الإلهية ، أو بمعنى أصح هنا حال العاشق أمام المعشوق ، فإن معرفة الحق تمحو الوجود الفردى والصوري للعبد ، فإن شرطها الأول هو فناء العبد في صفات ذات الحق ، ولا شك أن هذا الفناء هو ارتباط بالوجود المطلق ، ومن ثم فهو يحمل معه البقاء الخالد ( انظر للبقاء بالحق البيت 3671 ) وعندما يسلم العاشق رأسه في طريق الحق ، فإن العقل الدنيوي الموجود في هذه الرأس لا يهم وجوده بعد ، ومن هنا فإنكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ( القصص / 88 ) ، إن الوجود والعدم أي كل ما هو موجود في عالم المادة هالك أمامه ، ومن هنا فإن الوجود في العدم أي بقاء الموجودات بعد فنائها في الحق هو وجه الطرافه هنا ، فكيف يكون العدم وجودا ؟ إن هذا الأمر غير قابل للشرح أكثر من ذلك ، فقد
 
“ 631 “
 
حارت العقول وانكسرت الأقلام ولم تبلغه الأفهام والأوهام .
 
( 4667 - 4679 ) يوجه صدر جهان الحديث إلى عاشقه الذي فقد الوعي ، يحاول أن يعيده إلى وعيه ، إنه لم يقو على اللقاء تماما كأي إنسان لا قدرة له على إدراك معرفة الحق وأسرار الغيب ويتدخل مولانا فيقدم مثالا قريبا : إن وعينا وعقولنا أشبه بكن الطائر لا قدرة لها على استيعاب أسرار الحق ، وهذه عين الصورة التي قدمها في ديوان شمس تبريز :
إن العقل طائر منزلي ، وهذا المنزل هو جسدك * وبعير جمال العشق ضخم سامق الرأس وهذا الطائر لا يحتمل كأس المليك الثقيل * فإن الرائحة التي تفوح منه تتلاعب بمائة عقل ( كليات ديوان شمس غزل 2937 ص 1086 ) إن هذه الناقة هي أسرار الحق ، ولا يستطيع أن يدركها إلا عقل كعقل النبي صالح - عليه السلام الواصل إلى الوجود المطلق ، ومن ثم فإن رجال الحق يدركون هذه الأسرار ، ومن ثم فعندما أطلت أسرار الوجود في قلب صاحبنا وكيل صدر جهان ، دمرت كل وجوده ، إن هذا هو من فضول الإنسان ومن ظلمه وجهله عندما حمل الأمانة ( الأمانة هنا هي الطموح إلى أسرار الغيب ) إنها عناية
 
“ 632 “
 
الحق التي تجعلنا في طلب الزيادة بحيث تطمح إلى أسرار الغيب ومن هنا فهذا الإنسان ظلوم وجهول لأنه بقدرته المحدودة يطمح إلى ما هو غير محدود ، كأرنب يحاول أن يعانق أسدا ، ومن ثم فهو ظالم لنفسه ( انظر الكهف / 35 ) ، إنه يقتل نفسه في طريق الحق ، وهو ظلم خير من ألف عدل ، مع أن هذا الجهل خير من علم أهل الظاهر ، إنه يمنحه الجرأة على البحث عن أسرار العالم .
 
( 4680 - 4689 ) يريد مولانا أن يواصل قصة وكيل صدر جهان ، لكنه يواصل حديثه عن عالم خارج هذا العالم ، إن ما يتحدث عنه هنا هو العلاقة بين الخالق وبين العبد العاشق ، إن بيت الجسد هو الإنسان الفاني في ذات الحق ( انظر 3671 ) الذي يحيا ببقاء الحق ولا يبقى له وجود فردى وكل ما هو موجود هو البقاء المطلق للحق ، ذلك أنه يختلف عن الذي لم يسمح له باستيعاب الأسرار الإلهية ، وليس كالروح التي أصلها من حية أي الروح الواصلة الجديرة بوصال الحق ، إنني أساعده وأعينه ، أنفخ فيه من نفس الحي حتى ينفصل لبه “ روحه “ عن قشره “ الحياة المادية الدنيوية “ هذه الروح تصبح جزءا ميتا لا انفصال بينها وبين ذاتي ، أدعوها برفق وأخاطبها خطابا يختلف عن أساليب الخطاب في الدنيا أداة وألفاظا وشكلا ومضمونا ، ذلك أن أساليب هذه الدنيا لا جذب لها لهذه الأسرار ، فهذه الأسرار أشبه بالورود والخضرة التي تنبت على ساحل جدول الغيب ، أو في روح ذلك الذي يسير نحو حضرة الغيب ، ومن ثم تلزم لها أذن تختلف عن أذن الدنيا هي أذن الروح أو الأذن التي بلا أذن من أجل ذلك السر الذي لا تتخيله والذي هو متضمن في الآية الشريفةوَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ( سورة إبراهيم / 27 ) أي يفعل مالا تستطيع أنت أن تحدده أو أن تصل إلى مجرد توهمه وتصوره ، إنها أسرار الحق الخاصة والتي لا يمنحها سوى أوليائه .
 
“ 633 “
 
( 4690 - 4696 ) يعود مولانا إلى وكيل صدر جهان الذي تدب فيه الروح نتيجة لهذا الخطاب كما يتحول ذرات التراب من رياح الصبا إلى خضرة وورود ، وكالنطفة تتحول بأمر كن إلى إنسان حسن التقويم ، وتتوالد الطيور عن طريق انتقال بذرة وجودها عن طريق الرياح وفي هذا إشارة إلى اعتقاد القدماء بأن الريح هي التي تحمل نطفة الذكر من الطيور إلى الأنثى ، وورد في نزهة القلوب لحمد الله مستوفى أنه إذا تشاجر ذكران من ذكر القطا تحمل منهما أنثى القطا وكان أرسطو يظن أن أنثى النسر تحمل من الريح ( شرح نيكلسن 119 / 2 ) ، ( استعلامى 3 / 424 ) ، كما أن الجبل بأمر الله يشكل ناقة ( ناقة صالح ) ، ولكن هذه الناقة تلد أيضا فصيلا ، إن أهل العدم أي أهل عالم المادة ينتج عالما ماديا ، والسبب هو العشق بالطبع .
 
( 4697 - 4705 ) يخاطب العاشق وكيل صدر جهان معشوقه ، لكن أسلوب الخطاب يوحى بأن عبدا ينادى ربه مستغفرا لذنبه ، أو أن مريدا يخاطب شيخه معتذرا مازجا اعتذاره هذا بوجده الشديد ، يخاطبه قائلا : أيتها الروح الواصلة إلى الحق ، ويأتها المرشد الكامل الذي تطوف حوله أرواح المريدين ، حمدا لله إنك عدت من غربتك وراء جبل قاف ( جبل أسطورى وفي بعض الروايات جبلان يمسكان بأطراف العالم على أساس أن العالم منبسط وخلفه تعيش العنقاء وهي رمز في التصوف للذات الإلهية وللمرشد الكامل ) ، إنك كإسرافيل تنفخ في الصور فإذا بالموتى قيام من قبورهم ، إنك أيضا - يا صدر جهان - تحيى محبِك بأنفاسك
 
“ 634 “
 
يا حقيقة العشق ويا أيها العشق المحض ، ويا من يعشقك العشق نفسه ، إن أول ما أريده منك من هبة وتفضل ( وتفضل المرشد أن يفهم حال المريد ) ، هو أن تضع أذن السر على كوة قلبي هذا بالرغم من أنك تدرك هذا الحال إلا أنني أريد أن أتحدث ، أريد إن أبوح بما في القلب ، فالبوح راحة ، ومجرد إحساسى بأنك تسمعنى وتصغى إلى بلسم للروح ، وكأن كلامي هذا هو الزيف بعينه لكنك تقبله كالنقد الصحيح، وهذا الحكم هو ما يعتبر فتنة لروحى وكيانى.
 
( 4706 - 4714 ) وها هو ذا وكيل صدر جهان يبوح بأحواله في زمن النفي وأوان الغربة ( النفي عن الموطن أىّ محل الحبيب والغربة عن أهل الروح ) فقد تخلصت من أسراك أيها الحبيب وفررت من أمامك فكأننى قد فقدت كل شئ ، وبحثت ولم أجد لك ندا أو قريبا ، وكأنني منذ فررت من أمامك قد خرجت من ديني ، وقلت ثالث ثلاثة وتجلى لي الإله الواحد ثلاثة كما تجلى للنصارىلَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ( المائدة / 73 ) ، وعندما احترق وجودي من فراقك فقد ضاع منى حساب كل شئ . أن كلامي هذا ما هو إلا مقدمة للبكاء ، فإن البكاء هو التعبير الوحيد إذ أستطيع أن أعبر به ، ومع ذلك فإنني في حيرة أأبكى أم أشكرك على كريم عنايتك وتفضلك .
 
( 4715 - 4721 ) عندما يحار المرء في التعبير ينطلق في البكاء ، لم يكن أحد يعرف لماذا يبكى ولماذا يضحك ولماذا يتحدث لقد اشتدت دهشتهم إذ كيف يبكى بعد أن وصل إلى الحبيب ؟ إن هذا اللقاء وهذه الضجة وهذا البكاء والوجد
 
“ 635 “


الشديد ذكرت الناس بالقيامة ، وكان الفلك شارك في هذا الوجد ومزقت المجرة ثيابها وتفتت بددا .
 
( 4722 - 4736 ) يترك مولانا سياق القصة ، ويحدثنا عن العشق أو بمعنى أدق يستمر في تأملاته عن موضوع العشق في تدفق شديد لا يكاد يجمع بينه خيط ، لقد نسي مولانا فيم يتحدث ونسي سياق القصة بحيث لا تبدو الأبيات تعليقا عليها بقدر ما تبدو نوعا من الوجد الشديد وغليان الألفاظ فالعشق شئ لا يشرح طبقا لمعايير هذه الحياة ولا بميزان عالم اخر ، إن كل إنسان مجنون بالعشق بشكل ما ، وكل أتباع “ الاثنين والسبعين مذهبا “ ، عاشقون ، والحقيقة أن مولانا هنا يقصد الثلاث والسبعين فرقة إشارة إلى الحديث النبوي “ افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة الناجية منها واحدة “ ليس للعشق صلة بالمذاهب والآراء ، فهذا موضوع اخر ، إن الأولياء ورجال الحق أنفسهم حيارى في ماهية العشق وفي حسرة لعدم معرفتهم بالعشق على حقيقة ، إن ملة العشق منفصلة عن كل الأديان ( انظر : الكتاب الثاني 183 ) إن كل ألوان العظمة الموجودة في هذا العالم لا قيمة لها إلى جوار عظمة العشق ، وكل ما هو موجود في هذه الدنيا وله مفهوم يمكن التعبير عنه بالألفاظ إنما هو مانع لإدراك حقيقة العشق ، وسواء كنت في خدمة الآخرين أو كان الآخرون في خدمتك ، فأنت من قبيل المشتغلين بالدنيا ، فالعبودية قيد والسيادة صداع “ وملوك الدنيا من سوء خلقهم لا يشمون شيئا من رائحة شراب العبودية وإلا دخلوا مثل إبراهيم بن أدهم وأنهوا بساط الملوكية “ ( أفلاكى 1 / 353 ) إن العشق هو عالم الغيب وهو
 
“ 636 “
 
بحر لا ساحل له ، والعقل غير قادر على إدراكه بل تتحطم قدماه كلما اقترب منه ، إن كل ما تحاول التعبير عنه هو حجاب ، وكل ما نقوله لا يعبر عن الحقيقة ، إن هذه أحوال لا يعبر عنها الكلام ، واللفظ قاصر على الدوام عن التعبير عن الحقائق الغيبية . هذه اللغة التي تتعامل بها لغة أرضية تعارفنا من خلالها على ما نعبر به عن أشياء هذه الأرض ، ومن ثم فإن كل ما يقوله عن العشق لا يرفع حجبا ( انظر لغة التصوف من كتابي التصوف عند الفرس ص 62 - ص 64 دار المعرف 1978 ) بل يضيف حجبا جديدة ، ولو كان الحقائق الوجود لسان لرفعت الحجب عن وجودها ولأدركنا أن موجودات هذه الدنيا لا حقيقة لها ، ولتحدث نفس هذا الوجود الصوري الدنيوي إلى الإنسان قائلا له : إن كل ما تتحدث به عن الحق لا يفصح عنه بل يجعل معرفته أكثر صعوبة . وهل يعبر المقال وهو أرضى عن الحال وهو وارد غيبى ؟ إن الحال قد يوصل السالك لكن الأحوال والأقوال كلها تمنع إدراك الحقيقة ، لأن الحال في حد ذاته هو تعبير عن بعض أعراض هذا العالم ، وهذا العالم نجس كالدم ، ولا معنى لغسل الدم أي النجس بالدم والتعبير مأخوذ من سنائى الغزنوي . إذن فما العمل ؟ ينبغي أن تمحو في نفسك اثار كل هذا العالم حتى تتصل روحك بالروح المطلقة وتدركها ، وهذا هو ما فوق الأحوال والأقوال ، إنني وأنا الصفى لعشاقه والمأذون له بأسرارهم أجد نفسي كالنافخ في القفص ، أقوم بعمل لا جدوى منه ( انظر 3080 ) - وها أنت ذي أيتها الروح ثملة مضطربة تصلين الليل بالنهار . . فإياك أن تتحدثى بهذه الأسرار إلى من لا إذن لهم بها ، تحدثى إلى من أذن له ، وحذار . . إنك كالعاشق الثمل تبوحين بكل ما يعن لك . إن خطر سقوطك موجود ( انظر 4542 ) . وربما ضللت ، إن الأسرار
 
“ 637 “
 
عندما تأتى على اللسان ، تصاب السماء نفسها بالقلق خوفا من أن تقال لمن ليس بأهل وترفع يدها بالدعاء قائلة : يا جميل الستر ، لكن أي إخفاء ؟ وهل يخفى سر العشق ، إن سر الحق في قلبنا كنار في صوف وقطن فهل يمكن لهذه النار أن تختفى ؟ .
 
( 4737 - 4751 ) لا يزال مولانا غارقا في الحديث عن العشق مع قناعته بأن هذا الحديث لن يوصل إلى نتيجة : ويمكن أن يكون الخطاب إلى الذات الإلهية ، أو الأسرار الإلهية ، أو الهائمين في العشق الإلهى فيقول مولانا :
إنني أسعى في إخفاء سر الحق أو سر العشق لكن لا أستطيع ، هذا أمر بالرغم من أنفى ، ويا أيها السر بالرغم من أنك لم تبق خفيا ابتعد عن ذهني ، إنك مثل الروح يحس الجميع بوجودك لكنهم لا يدركون حقيقتك ، ويجيب السر على مولانا : لقد حبسني وجودك المادي هذا . . ولولا وجودك المادي هذا لكنت سعيدا هانئا أغلى فرحا كخمر في دن . . ويجيب مولانا : إنني مضطر لحبسك ، إن سكرى هذا سوف يؤدى بي إلى التلف ، امض عنى حتى لا يحل بي هذا التلف ، ويجيب السر : إن كنت لا تريد التلف فأشربنى من الكأس اللطيف ، أي تحدث عنى ببيان مناسب أو خذني من أهل المعنى فهم لا يصيبهم من تلف ، وإن لم تطرحنى أمام من ليسوا بأهل ، ووضعتنى حيث ينبغي وحيث يجب ، فأنا معك حتى تنتهى هذه الحياة المادية ، وحتى أن انتهت فسوف أظل معك ، وسوف أحتفظ لك بكأس أهل المعنى ، فإن العارف لا يحرم من سر الحق حتى بعد انتقاله من هذه الحياة الدنيا ، ومن هنا تسمى الخمر بالمدام ، لأنها دائمة ، ولأن من
 
“ 638 “
 
يشرب من خمر الحق لا يرتوى أبدا ، إنه شراب التحقيق الذي يغلبه العشق ، وهو من أجل الصديقين ، والعشق هو الساقي ، وإن طلبت وكان التوفيق قرينا لطلبك فسوف تفهم أن الخمر هنا هي الماء ( المعرفة ) الذي يهب الروح الرشد ، وإن الجسد هو إبريق هذه الخمر ، وعندما يضيق بها الإبريق تسيل وتتفتت هذه الحياة الدنيا . . ويفنى الإنسان في الحق ( انظر : 3671 ) ، وعندما يفنى إبريق الجسد فلا كيانات متفرقة بأسماء الساقي والشارب والخمر ، ويقول أبو يزيد البسطامي : يصير العاشق والمعشوق والعشق واحدا ولا تسل : كيف يمكن هذا ، فهذا في علم الله . إن النبيذ إنما تنعكس فيه أنوار العشق . إن غليان العشق هو الذي سقط في الخمر ( مقدمة الجزء الأول البيت 10 ) . إن كل متحرك يلزمه محرك ، وهذا أمر بَدَهِىّ وسل فيه ذلك الذي تحير في عوالم العشق ( مولانا نفسه ) .
 
( 4752 - 4765 ) بالرغم من أن مولانا كان في سبيله إلى ختام الكتاب الثالث من المثنوى المعنوي ، وبالرغم من أنه هو نفسه كان يشكو من أن خيط الحكايات ينقطع منه ( والأمر لم يكن كذلك في الحقيقة على ما فسرت أنفا ) ، وبالرغم من أن حكاية وكيل صدر جهان لا تعد بعد من الحكايات المنهية ، فإن مولانا يدفع إلى الساحة بعاشق اخر كثير الامتحان ، ويرى زرين كوب أن القصة مأخوذة فيما يبدو حتى قصة قيس ولبنى وما دار بينهما من حوار ( سرني 2 / 811 ) والعشق هنا من نوع العشق المجازى الذي هو قنطرة إلى الحقيقة فالعاشق لا يجد طريقا إلى محبوبه ، بل إن كل الطريق تتحول طرقا مسدودة ، وكل ما يتوسل به لا يحقق شيئا ، إنه من نوع العشق الذي يبدو “ دمويا “ يهرب
 
“ 639 “
 
منه كل من لم يكن خبيرا بعوالمه ، فالرسول إليها يتحول إلى مانع ، والحطاب الذي يقرؤه مصحفا بحيث لا تؤدى الكلمات المعاني المقصود منها وربما العكس منها ، والرقعة التي يحملها الطائر لا يصل بها إذ تحرقه حرارتها قبل أن يصل بها ، ولماذا هذا كله ؟ إنها غيرة الحق التي تتألم من توجه العبد إلى ما هو غير الحق وتسد أمامه الطريق لكي يكون عشقه كله موجها إلى الحق ، لقد كانت حياته كلها في الانتظار ، وفي النهاية هزمه هذا الانتظار ، وبلغ مرحلة ما بين العشق المجازى والعشق الحقيقي ، فعندما يفور جسده فهذا هو العشق المجازى ، وعندما تسكن روحه كانت عين الاتحاد بالمحبوب تغلى حارة وعندما يئس تماما من العشق المجازى ووطن نفسه على الاستغناء أطل منه عشق الحق ، وأسرعت إليه القدرة على الاستغناء ، لقد صار مثالا للعاشقين الحقيقيين ومرشدا لهم ، لقد خير العشق المادي ويستطيع أن يهدى من خلاله إلى العشق الحقيقي ، وأغلب الظن هنا أن مولانا جلال الدين يتحدث عن تجربة خاضها بنفسه .
 
( 4766 - 4782 ) إياك إذن أن تغتر بظاهر الناس ، فرب إنسان لا ينبئ ظاهره عن باطنه ، ومن قائل : إنه لا دخل لهذه الأبيات بقضية العشق ( استعلامى 3 / 428 ) ، لكن الحقيقة هنا مرتبطة بأن كل إنسان عاشق في مرتبة وكيل صدر جهان ، فرب أمرىء حمل في صدره الكثير من الأسرار ولا يستطيع أن يبوح بها لأنه لا يجد من هو أهل لها ( انظر 4733 ) ومن ثم فهو عابس لأنه لا يستطيع أن يبوح بهذه الأسرار ، وهناك أناس يموتون ويحملون معهم هذه الأسرار ، وربما إن سرنا بين القبور تكشف لنا بعض هذه الأسرار ، وتكشف لنا كيف كانوا يسيرون في عالم الغيب ، وإن هذا الاختلاف ليذكر باختلاف الأحياء ألست
 
“ 640 “
 
ترى صورهم الجسدية واحدة ، وحالاتهم النفسية مختلفة ، فكيف تعلم أحوالهم ما لم تسمع أقوالهم ؟ إنك تسمع منهم صيحات الوجد ، لكنك لا تدرى أن أحوالهم الباطنة شديدة التعقيد ، وإذا كانت الصورة تختلف والأصوات أيضا تختلف والحركات أيضا تختلف وإن تشابهت في صورها ، إن صهيل الجياد في المعمعة ، وصوت خفقان الطائر في الفضاء ، كلاهما من قبيل الأصوات لكنهما لا يحملان معنى واحدا ، وهذه الشجرة تهتز لكن من ضربات الفأس “ ألما “ وتلك تهتز من نسيم السحر “ طربا “ ، وكثيرا ما خدعت الظواهر فهي كقدر مغطى لا تدرى ما يغلى بداخله ، وكثيرا ما تدفعنا أسرار الموجودات في الخطأ ، ومن الممكن أن يدعونا الطيب والشرير إليه ، وإن لم تصل نفسك إلى مرتبة الوعي والتمييز ، فاستمد العون من إنسان يستطيع أن يستدل على ما يغلى في القدر عن طريق الشم “ المرشد “ ، وإن لم تصدق أن حاسة الشم تؤثر ، فاقرأ كيف رد بصر يعقوب - عليه السلام - إليه عندما شم قميص يوسف - عليه السلام - وإياك أن تظن أنها حاسة الشم الأرضية ، إنها رائحة روضة الغيب ، وفي البيت التالي ينبه مولانا إلى أنه لم يكمل بعد قصة البخاري ( ولم يكملها حتى نهاية الكتاب الثالث ) .
 
( 4783 - 4798 ) الآية الكريمة المذكورة في العنوان من سورة الزلزلة ( اية 7 ) والمثل معروف وورد في المثنوى مرارا . عاد مولانا إلى قصة العاشق البخاري فتحدث عنها في بيت واحد ، لقد ظل يبحث سبع سنوات بحيث صار كالخيال ، وظل الله يكون فوق رأس العبد وعنايته تحوطه طالما هو في مرحلة سعى وفي مرحلة بحث ، ويواصل مولانا الحديث عن هذه الفكرة تاركا حكاية البخاري ويشير إلى الحديث النبوي الشريف “ ما دمت في صلاة فأنت تقرع باب الملك ومن
 
“ 641 “
 
يقرع باب الملك يفتح له “ ( استعلامى ) . وأورد يوسف بن أحمد صيغة أخرى للحديث هي “ من قرع بابا ولَجَّ ولج “ ( 3 / 609 ) .
ومعروف عند الجميع أن سعى العبد في طريق الحق ليس بلا ثمر وإن لم تقبل هذا ، ومن الممكن أن يحدث ذلك نادرا ( لكن النادر كالمعدوم ) ، وغالبا ما يستند الإنسان على هذه الأحوال النادرة إن لم يكن مشمولا بالعناية الإلهية ، ويقولون إن العبادة بلا نتيجة استنادا على زاهد بني إسرائيل بلعم بن باعوراء الذي أضله الله على علم فادعى النبوة أمام موسى - عليه السلام - ( انظر الأعراف / 115 ) .
وإبليس الذي عبد الله ألف سنة وفي النهاية عصى ، ألا يرى هذا المنكر إلا هذين المثلين مع وجود آلاف الأمثلة التي ترد على راية هذا من الأنبياء والأولياء . . ولم يقع المسكين إلا على هذين المثلين من حمقه وإدباره وبعده عن العناية الإلهية .
 
( 4709 - 4805 ) لقد ترك هذا المدبر الدنيا المليئة بشموس التقوى والمغفرة والنور وأقمار العرفان والوصول ، ونظر إلى حيث لا توجد هذه المظاهر للعناية الإلهية ، وتساءل أين النور ؟
ارفع رأسك تجد النور فالذي حجبك أنك لا تطلب النور من حيث يطلب ، اترك بئر الحياة الدنيوية والاهتمام بالمادة وامض إلى الإيوان والكروم إلى حيث توجد الإفاضات الربانية ، وإياك والجدل “ اللج شوم “ ، ولا تعتبر الأمور النادرة قاعدة عامة فالذي عمل نال نتيجة عمله وأنفك راغم .
 
( 4806 - 4813 ) يعود مولانا إلى قصة العاشق كثير الامتحان ، لقد وصل إلى محبوبة في ظروف لا توصل أبدا إلى محبوب ، لقد فر ذات ليلة من العسس ووقع على بستان فوجد محبوبة كالشمع والمصباح ، فانطلق شاكرا الله سبحانه
 
“ 642 “
 
وتعالى على أنه يسبب الأسباب من حيث لا تطلب ولقنه درسا على ألا يحتقر أي شئ مهما كان تافها ، وأنه هو الذي يجبر الكسير فيخلق جناحا يحلق به الإنسان بدلا من القدم الكسيرة ، ويفتح بابا للملك من قاع الجب ،
فإياك أن تنظر إلى مظاهر الأسباب بل انظر إلى المسبب الذي يخلق سببا من حيث لا تعلم أنه سبب ، فبيده مفتاح الطريق بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( آل عمران / 26 )
 وينهى مولانا الكتاب الثالث طالبا من الذي يريد بقية الحكاية أن يلتمسها من الكتاب الرابع .
 
( تم الكتاب الثالث بحمد الله تعالى ويليه الكتاب الرابع بإذنه تعالى )
*
تم بحمد الله تعالى رب العالمين
عبدالله المسافر بالله
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 3.docx   الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 8:47 am

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 3.docx

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 3.txt

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 3.pdf










عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» ديباجة مولانا الدفتر الثالث المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  حضرة مولانا جلال الدين الرومي-
انتقل الى: