منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:33 am

الهوامش والشروح 01 - 30 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

الهوامش والشروح 01 - 30 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 01 - 30 فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح ديباجة مولانا [ الدفتر الخامس ]
[ ديباجة الدفتر الخامس ]
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )
[ شرح الأبيات ]
( 1 - 3 ) : بالنسبة لحسن حسام الدين وحياته وموقعه من مولانا جلال الدين الرومي ودوره في تأليف المثنوى ينظر : مقدمة الترجمة العربية للكتاب الأول لكاتب هذه السطور ، ويرجع أيضاً إلى الكتاب الأول الأبيات : 2947 - 2950 والكتاب الثاني الأبيات 3 و 1127 و 2290 والكتاب الثالث أيضاً البيت 2110 والرابع الأبيات 1 و 754 و 2075 و 3423 و 3824 والكتاب السادس الأبيات 183 و 1202 و 1991 و 2010 .

( 5 - 7 ) : مزج الماء بالزيت كناية عن إخفاء لباب الحقيقة في قشور الكلام ، والسجناء هم سجناء الحس والطبع والنفس البهيمية .

( 17 ) : ما لا يدرك كله لا يترك كله ، قول سائر ، منسوب في تمهيدات عين القضاة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
( 24 ) : استفادة المريد من الشيخ شرطها الأدب والتعظيم الشيخ . قال أبو عثمان : " إذا صحت المحبة تأكد على المحب ملازمة الأدب " . وقال أبو علي الدقاق ، إنما قال أيوب عليه السّلام :
( أنى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) ولم يقل ارحمني لحفظ الأدب في الخطاب . 
وقال عيسى عليه السّلام : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك ) ولم يقل لا تعذبهم وقال أيضاً : ( إن كنت قلته فقد 
“ 433 “
  
علمته )
ولم يقل : لم أقل لحفظ الأدب ، ومولانا يدق كثيرا على نقطة أن المستمع الواعي المنتبه المتيقظ القائم بشرط التعظيم هو الذي يمكن له أن يستفيد من المرشد وأن يجعل النقاط العظيمة تنهمر من فم المرشد بعكس المستمع البليد الذي يجعل حافظة الشيخ تنام .
 انظر مثنوى 3 / 3604 وما بعده .

( 30 ) : إشارة إلى الآية الكريمة :وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ، قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ، قالَ : بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ، قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( البقرة / 260 ) .
 
وتناول مولانا جلال الدين لتفسير الآية وجعله الطيور رموز الصفات أقرب إلى ما ورد في تفسير نجم الدين كبرى : " إنك محجوب بها عنى فأنت بحجاب صفاتك عن صفاتى محجوب ، وبحجاب ذاتك عن ذاتي ممنوع ، فإن مت عن صفاتك تحيا بصفاتى ، وإذا فنيت عن ذاتك بقيت ببقائى ، فخذ أربعة من الطير وهي الصفات الأربعة التي تولدت منها العناصر الأربعة التي خمرت طينة الإنسان منها وهي التراب والماء والنار والهواء ، فتولدت مع ازدواج كل عنصر مع قرينة صفتان ، فمن التراب وقرينه هو الماء تولد الحرص والبخل وهما قرينان حيث وجد أحدهما وجد قرينه ، ومن النار وقرينها وهو الهواء تولد الغضب والشهوة وهما قرينا يوجدان معا ، ولكل واحد من هذه الصفات زوج خلق منها ليسكن إليها كحواء وآدم ، ويتولد منها صفات أخرى ، فالحرص زوجه الحسد والغضب زوجه الكبر ، وليس للشهوة اختصاص بزوج معين بل هي كالمعشوقة بين الصفات يتعلق بها كل سفيه ، فمن كان الغالب على صفته فيها يدخل النار بذاك الباب ، فأمر الله خليله بذبح هذه الصفات وهي الطيور الأربعة فلما ذبح الخليل بسكين الصدوق وحده هذه الطيور ، وانقطعت منه متوالداتها ما بقي له باب يدخل به النار ( مولوى 5 / 11 ) .

وفي رواية أبى الفتوح الرازي أن المفسرين اختلفوا في أمر هذه الطيور ، فقال عبد الله بن عباس : هي الطاووس والنسر والغراب والديك ، وقال مجاهد
  
“ 434 “
 
وعطاء وابن يسار وابن جريج هي الغراب والديك والطاووس والحمامة ، وقال أبو هريرة :
هي الطاووس والديك والحمامة وطائر يقال له الفرنوق ( الغرنوق ؟ ! ) .
وقال عطاء الخراساني :
أوحى له تعالى أن يأخذ أربعة طيور : بطة خضراء وغرابا أسود وحمامة بيضاء وديكا أحمر ، 
وقال أهل الإشارة أن هذه الطيور حددت لأن الطاووس طائر جميل والغراب طائر حريص والديك شهوانى والنسر طويل العمر والحمامة أليفة ( هي الآن خمسة ! ! )


قالوا اخذ هذه الطيور الأربعة بمعانيها واقتلها وبقتلها يقتل هذه المعاني الأربعة في نفسك : 
اقتل النسر واقطع الطمع في طول العمر واقتل الطاووس واقطع الطمع في زينة الدنيا ، واقتل الغراب واقطع حلق الحرص ، واقتل الديك تقتل من طائر الشهوة الجناح والقوادم واقتل الحمامة واقطع الألفة من الدنيا كلها .
 
( عن مآخذ قصص وتمثيلات مثنوى ، بديع الزمان فروزانفر ، ص 159 ) ،
كما وردت الفكرة في حديقة الحقيقة لسنائى ، إن الطباع الأربعة في البدن طيور أربعة فاقطع رؤوسها كلها من أجل الدين ثم أصمها هي الأربعة بإيمان العشق ودليل العقل ، مثلما فعل الخليل ( حديقة / الأبيات : 11370 - 11375 ) .

كما وردت الفكرة في مرصاد العباد لنجم الدين بن الدايه ( الباب الرابع ) عن طيور إبراهيم الأربعة وبتفسير مشابه عن مراتب النفس ( استعلامى 5 / 211 - تهران 1370 هـ . ش ).

.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 5.docx   الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:34 am

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 5.docx

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 5.txt

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 5.pdf


عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 31 - 535 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:35 am

الهوامش والشروح 31 - 535 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح 31 - 535 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 31 - 535 فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد

( 35 ) : مال الشارحون إلى اعتبار البيت موجها إلى حسن حسام الدين ، لكن البيت موجه إلى الإنسان عموما ، فهو الشكل ، وهو العالم الكبير ، وكل هذه أجزاء منه عليه أن يتخلص منها .
( 60 - 63 ) :الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ( البقرة / 268 ) .
( 63 ) : الحديث النبوي الشريف : [ المؤمن يشرب في معي واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء ] ، وورد في الجامع الصغير ( 2 / 184 ) أحاديث مثنوى ، ص 145 ( 64 ) : أصل هذه الحكاية الرواية التالية :
 
“ 435 “ 
 
بلغني عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة ، أنه قال : خرجت خيلٌ لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فأخذت رجلا من بنى حنيفة لا يشعرون من هو حتى آتوا به رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : أتدرون من أخذتم ؟ !
هذا ثمامة بن أثال الحنفي ، أحسنوا أساره ورجع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أهله فقال : أجمعوا ما كان عندكم من طعام فابعثوا به إليه وأمر بلفحته أن يغدى إليه بها ويراه فجفل لا يقع من ثمامة موقفا ويأتيه رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فيقول : أسلم يا ثمامة فيقول : إيهاً يا محمد ، إن تقتل تقتل ذام دم ، وإن ترد الفداء فسل ما شئت ، فمكث ما شاء الله أن يمكث ثم قال نبي الله يوما : أطلقوا ثمامة ، فلما أطلقوه خرج حتى أتى البقيع فتطهر فأحسن الطهور ،
 
ثم أقبل فبايع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على الإسلام ، فلما أمسى جاءوه بما كانوا يأتوه به من طعام فلم يأكل إلا قليلا ، وباللفحة فلم يصب من حلابها إلا يسيرا ، فعجب المسلمون من ذلك ،
فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم حين بلغه ذلك : مم تعجبون ، أمن رجل أكل أول النهار في معاء كافر وأكل آخر النهار في معاء مسلم ، الكافر يأكل في سبعة أمعاء وإن المسلم يأكل في معي واحد ، ( ابن هشام 4 / 315 - 316 ) .
وجاء في نوادر الأصول : " عن أبي صالح السمان قال قدم ثلاثون راكبا على رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم من غفار منهم رجل يقال له أبو بصيرة مثل البعير ، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بددوا القوم وجعل الرجل يقيم الرجل والرجل يقيم الرجلين على قدر ما عنده من الطعام حتى تفرق القوم غير أبى بصيرة ،
فقال : وكل القوم يرى أن ليس عنده ما يشبعه ، فلما رأى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ذاك قام واستتبعه فتبعه فلما دخل دعا له بطعام فوضعه بين يديه فكأنما لحسهن ثم دعا بقدح فجعل فيه مشربه حتى حلب له في سبعة أقداح فشربها ، فبات عند رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يعرض عليه الإسلام فتكلم منه بشيء فلما خرج رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم إلى صلاة الغداة واستتبعه فتبعه فصلى معه الغداة ، فلما سلم رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أقبل على القوم بوجهه فقال : علموا أخاكم وبشروه ،
فأقبل القوم بنصح يعلمونه وألقى عليه رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ثوبا حين أسلم ثم قال ، فاستتبعته فتبعه ، فلما دخل دعا له بطعام فوضعه بين يديه ، فلم يأكل إلا يسيراً ، حتى قال : شبعت ، ثم دعا له بقدح فحلب فيه ، فلم
 
“ 436 “ 
 
يشرب إلا يسيرا حتى قال رويت ، فضرب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم على منكبه ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنى رسول الله ، إنك كنت أمس كافراً وإنك اليوم مؤمن وإن الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، وأن المؤمن يأكل في معي واحد . كما وردت رواية مشابهة في موطأ مالك ، ومسند ابن حنبل ، ( عن مآخذ / 160 - 161 ) .
 
( 73 ) : الناس على دين ملوكهم ، حسوب إلى الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم . وفي شعر الشاعر ( المتنبي ) :وإنما الناس بالملوك وما * تفلح عرب ملوكها عجم( 78 ) : أبو قحط عوج بن غز : بالطبع أبو قحط كنية ساخرة وعوج بن غز تحريف عن عوج بن عنق ، والغز هم الترك ويضرب بهم المثل في الإغارة وعوج بن عنق كما ورد في قصص الأنبياء للثعلبي ، " كان طول عوج ثلاثون وعشرين ألف ذراع وثلاثمائة وثلاثين ذراعا بالذراع الأول ،
وكان عوج يحتجز السحاب ويشرب منه الماء ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ويأكله ، ويروى أنه أتى نوحا أيام الطوفان فقال له : احملنى معك في سفينتك ،
فقال : اذهب يا عدو الله فإني لم أومر بك ، فطبق الماء الأرض من سهل ومن جبل وما جاوز ركبتيه وعاش ثلاثة آلاف سنة حتى أهلكه الله على يد موسى ، وكان لموسى عسكر فرسخ في فرسخ فجاء عوج ونظر إليهم ثم جاء إلى الجبل وقد منه صخرة على قدر العسكر ثم حملها ليطبقها عليهم ، فبعث الله عليه الهدهد ومعه الطيور فجعلت تنقر بمناقيرها حتى تورت الصخرة ، وانتقبت فوقعت في عنق عوج بن عنق فطوقة فصرعته ، فأقبل موسى وطوله عشرة أذرع وطول عصاه عشرة أذرع وقفز إلى فوق عشرة أذرع فما أصاب منه الا كعبه وهو مصروع في الأرض ، فقتله ، قالوا فأقبل جماعة كثيرة ومعهم الخناجر فجهدوا حتى حزوا رأسه ، فلما قتل ، وقع على نيل مصر فحسره سنة " . وعنق هي أمة بنت آدم عليه السلام
( عن هوامش الكتاب الثاني من المثنوى ، كفافى ، ص 517 - 518 ) .
 
( 88 - 89 ) : فكرة أن الذي يمتلئ فكره بشئ ما في اليقظة يحلم به أثناء النوم ، وردت في كتاب ابن سيرين ، كما أثبتها علم النفس الحديث .
 
“ 437 “
  
( 93 ) :لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً( الفرقان / 14 ) ( 101 ) عن صبغة الله انظر الكتاب الأول البيتين : 769 - 770 .
وصبغة الله هي صنع الله في خلقه البعيد عن الروائح والألوان وعما درج عليه الناس من ربط الأشياء بالأسباب أو ما فسره نجم الدين كبرى في تفسير الآية الكريمة صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ( البقرة / 138 ) .
 
كما أن للكف صبغة فللدين صبغة ، فليس العبرة فيما يتكلفه الخلق وإنما العبرة فيما يتصرفه الحق فتصيب الأشباح من صبغة الله توفيق القيام بالأحكام وحظ القلوب منها تصديق المعارف بالعوارف وكفل الأرواح منها شهود الأنوار وكشف الأسرار والمراد أيضاً بصبغة الله دينه الذي فطر الناس عليه ( مولوى 5 / 20 ) .
 
( 106 ) : بالنسبة للهدم الذي هو تعمير ، انظر تفصيلات في الكتاب الرابع ، الأبيات 2341 - 2350 وشروحها .
 
( 112 ) : من أنواع التكريم الذي خص به الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلّى اللّه عليه وسلّم أنه أقسم به وبحياته ، فقال عز من قائل :لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ( الحجر / 72 ) . والبيت 111 يشير إلى إيمان مولانا بأن جسم رجل الحق لا يعرفه جسد مادي آخر ، انظر بيت 30 من الكتاب الثالث ( استعلامى 5 / 214 ) .
 
( 122 ) :إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ ، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ( الفتح / 10 ) .
( 123 - 131 ) : عندما رأى الكافر أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم هو الذي يغسل ملابسه بنفسه ، تجلى له كفره على أسوأ صورة ، فأصابته حالة من الوجد بحيث حذر الناس من الاقتراب منه ، لقد تجلت له حقارته التي لا نهاية لها إلى جوار العظمة التي لا نهاية لها المتمثلة في تواضع الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ، ومولانا جلال الدين يرى أن حالات السكر والوجد قد تطرأ على الكافر ، ربما كان مثالها الواضح في المثنوى ما ورد في قصة ذلك الشيخ من قوم فرعون الذي طلب من
 
“ 438 “
  
زاهد من قوم موسى أن يملأ له ماء النيل ليشرب دون أن يتحول إلى دم ( الأبيات 3495 وما بعدها وشروحها من الكتاب الرابع ) .
 
( 134 - 143 ) : يدق مولانا جلال الدين على فكرة أن الله سبحانه وتعالى عندما يرضى على عبده يهبه البكاء والضراعة . ومن البكاء والضراعة تجيش الرحمة الإلهية ، مثلما يفور ثدي الأم باللبن لبكاء رضيعها .
فكان بكاء الرضيع هو الذي جلب اللبن ، مثلما يجلب بكاء التائب الرحمة ، ومن هنا فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ( التوبة / 82 ) .
ليس هذا فحسب بل إن عماد الدنيا كلها البكاء والحرقة ، ومع السحاب وحرقة الشمس ، فكأن العالم بأكمله وحدة واحدة ، تتجلى في مظاهر الطبيعة مثلما تتجلى في نفس العبد ، وفي علاقته مع ربه ، وفي علاقته بالبشر ، والبكاء هو آية إظهار الخضوع . والفكرة هنا تكرار لما ورد في الكتاب الثاني ( الأبيات 1659 - 1669 )
وفسر شيخنا كفافى الحرارة بأنها حرارة القلب ، والماء بأنه دموع الخوف والرجاء والبستان بأنه عالم الروح ( ثان 489 ) .
وسيأتي تفسير آخر للبكاء والدمع في نفس هذا الكتاب في الأبيات 1271 وما بعدها فلتطلب في موضعها من النص والشرح .
 
( 146 ) : إشارة إلى الآية الكريمةوَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً( المزمل / 20 ) .
( 147 ) : إشارة إلى الحديث القدسي : ( أعددت لعبادي الصالحين المتطهرين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) " .
( 149 ) : إشارة إلى الآية الكريمةإِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً( الأحزاب / 33 ) . ومن تعليق ليوسف بن أحمد : فإن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم طهر ثوب الضيف بيده وأشار بهذا الصنيع إن الذي لا يتجنب كثرة الأكل والشرب لا ينجو من النجاسة ولا يتخلق بأخلاق أهل البيت ( مولوى 5 / 26 ) .
 
“ 439 “ 
 
( 153 ) : إشارة إلى حديثين نبويين : [ نفسك مطيتك فارفق بها ] و [ أعط كل بدن ما تعوده ] .
( 161 ) : عن الحزم وعدم التردد ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 2884 - 2849 وشروحها .
( 164 ) : [ حفت الجنة بالمكاره والنار بالشهوات ] حديث نبوي ، ( جامع 1 / 148 ) .
( 167 ) : إشارة إلى الآية الكريمةوَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ( الشورى / 38 ) .
وعن رفقة العقل لعقل صديق ، انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1970 وما بعده وشروحها .
 
( 174 - 182 ) : الدهليز في رأى للسبزواري هو عالم الطبيعة شبه بالدهليز لضيقه ( شرح مثنوى 333 ) و " ألست " و " بلى " إشارة إلى العهد والميثاق الوارد في الآية الكريمةوَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ( الأعراف / 172 ) أي قلنا في عالم الأرواح بلى فأرسلنا إلى محكمة الدنيا لنشهد ، وحملنا هذه الأمانة ، فعلينا أن نؤديها قبل أن تغرب شمس الروح ، هذا العهد وهذه الأمانة هي الالتزام الإنسانى الأول ، وهذا العهد هو جذور الإنسان كما
 
ورد في الأبيات ( 1166 - 1170 )
من الكتاب الذي بين أيدينا وسوف يرجع إليها في موضعها .
( 183 - 195 ) : مثلما يكون الإنسان شاهدا على وجود الإله وشهادته هذه هي العهد الموجود بينه وبين الله تعالى منذ يوم الميثاق فإن أعمال الإنسان نفسها شهود عليه . إنها كلها تدل على باطنه وعلى ما في هذا الباطن من جواهر أصيلة تترجم إلى أعمال وعلى إجابته بالإيجاب في يوم العهد ، وهذه الشهادة إن أديت رياء وسمعة فهي تخرج من محكمة عدل الإله ، فضلا عن أنها تطعن في صوم الصائمين وزكاة المزكين بإخلاص ، لكن بالرغم من هذا تظل رحمة الله سابقة غضبه ، وتمنح هذا الاعوجاج نورا إليها فينقلب إلى استقامة ،
 
“ 440 “
  
ويعتبر العمل الذي أدى رياء وسمعة عملا من البر والإخلاص ، وأعمال الإنسان تصديق على إيمانه والإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل .
 
( 200 - 215 ) : الأعمال تغسل الذنوب ، ثم يغسلها الله سبحانه وتعالى تماما كالماء ينزل طهوراً من السماء ، فيتكدر ، فيرفعه الله سبحانه وتعالى ، ليعود طاهراً مطهرا ينادى أولئك الذين دنستهم الأفعال الشيطانية والتسويلات النفسانية . هذا الماء الطهور هو الفيض الإلهى هو الرحمة الإلهية ( وهو فيض الله الذي لا ينقطع ونور الله الذي لا يأفل ) . ( سبزوارى 343 - وانظر 3 / 1275 ) وكما أن الماء لا يلزم إن لم يوجد الدنس . فالرحمة لا توجد إن لم توجد المعصية ، هذه هي سعة روح مولانا جلال الدين وسعة أفقه ، فلا يلزم أن يكون الإنسان ملاكا ، لكي تدركه رحمة الله ، بل هي أولى بالعصاة ( انظر الكتاب الرابع ، شرح الأبيات 81 - 94 ) .
 
( 221 - 223 ) : يفسر مولانا جلال الدين ما هو المقصود بهذا الماء ، إنه أرواح الأولياء ، ( انظر الكتاب الرابع 4 / 3358 وما بعدها ) هي التي تغسل ما لحق بالنفوس الإنسانية من كدر ، ثم تعود إلى مولاها فيطهرها ، وهذا العود عروج معنوي لا مكاني وعن زيد بن علي ابن الحسن رضي الله عنهم أجمعين ، قال : قلت يا أبت أليس الله جل ذكره لا يوصف بمكان ، فقال : بلى : تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا ، فقلت : فما معنى قول موسى عليه السّلام لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ( في المعراج ) : ارجع إلى ربك ؟ فقال رضي الله عنه : معناه قول إبراهيم عليه السّلام [ إني ذاهب إلى ربى سيهدين ]
ومعنى قول موسى عليه السّلام [ وعجلت إليك رب لترضى ] ومعنى قوله عز وجل : [ ففروا إلى الله ] يعنى فحجوا إلى بيت الله ، يا بنى إن الكعبة بيت الله فمن حج البيت فقد قصد إلى الله والمساجد بيوت الله فمن سعى إليها فقد سعى إلى الله وقصد إليه ، والمصلى ما دام في صلاته فهو واقف بين يدي الله عز وجل ( جعفري 11 / 157 - 158 ) .
  
“ 441 “
  
( 224 - 226 ) : معراج العودة إلى الله إذن هو الصلاة ، ومن ثم كان صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أهمه أمر قال :
أرحنا بها يا بلال ، فهي معراج المؤمن ، ومن هنا فعند الخروج منها يسلم المؤمن دليلا على عودته من معراجه .
 
( 227 - 234 ) : وهذه كلها مجرد وسائط وإلا فإن لطف الله سبحانه وتعالى ينصب على عباده دون واسطة ، ودون مساعدة من أحد ، المريد فحسب هو الذي يحتاج إلى المرشد يأخذ بيده ، لكن المرشد نفسه في غنى عن الواسطة ، والعوام هم الذين يتعلقون بالوسائط والأسباب ( عن الأسباب ، انظر الكتاب الثالث البيت 3155 وما بعده ) ، البيت 2516 وما بعده ، والسمندل في المثال المذكور كناية عن أهل الله ، الخليل هو الذي يدخل النار فتكون عليه برداً وسلاماً ، وأهل الله هم الذين يشبعون دون خبز ، واللطف من الحق وإن كان الناس يلتمسونه في الرياض والبساتين . ( انظر حكاية الصوفي المراقب في الرياض في الكتاب الرابع ، الأبيات 1358 وما بعدها ) . لكن أهل الله والأنبياء يجدون هنا الأمور مباشرة ودون واسطة أو علة أو كسب .
 
( 235 - 240 ) : وردت الأفكار الواردة هنا في الكتاب الثالث ، انظر الأبيات 2702 وما بعدها وشروحها ، وفي الكتاب الرابع ، انظر الأبيات 1794 وما بعدها وشروحها .
( 248 - 250 ) : إن ما يصاحب العبادات من حركات وتصرفات هي بمثابة العرض ، والعرض ما هو إلا مظهر لجوهر ما ، وقد تناول مولانا جلال الدين هذه الفكرة في الكتاب الثاني
 
( الأبيات 948 - 970 وانظر أيضاً 4 / 809 ) . ولقد سكت مولانا هنا عن قول الغلام أي بحشر الأعراض ، لكنه في الأبيات التي بين أيدينا يوحى بقوله بعدم حشر الأعراض ، بل إن حصادها من بقاء جوهر الروح الذي هو الدليل يوم الحساب على أن هذه الأعراض قد تم القيام بها .
 
( 255 - 260 ) : يشير مولانا جلال الدين إلى هذا المرض المستشرى ، التناقض الشديد بين القول والفعل، يعشق الإنسان العدالة ومع ذلك يمارس الظلم ، يتحدث عن الأمانة ويخون،
 
“ 442 “
 
يعشق العلم ويستخدمه كأداة للوصول إلى المال والجاه والمنصب ، ينطلق في الحديث عن التصوف وأعلامه دون أن يحاسب نفسه أدنى حساب . هذا التناقض بين الأقوال والأفعال هو الذي تعبر عنه الآية الكريمةإِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى( الليل / 4 ) .
أي متعدد الطرق والمسالك متناقض الأهداف ، أفعالك وأقوالك غير مقبولة ، حياتك لا تدور حول محور واحد لا يبالي بك الله في أي واد هلكت ، ولا يأبه بك أصحاب القلوب ولا بأقوالك أو أفعالك ، بل هم ما دمت في عنادك وفي جدلك هذا ، يعاندونك ، وما دمت في مكرك يمكرون بك ( جعفري 11 / 167 - 168 ) . وفي البيت الأخير إشارة إلى الآية الكريمةفَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ( السجدة / 30 ) .
 
( 267 - 272 ) : إشارة إلى الآيتين الكريمتين :قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً ، وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً( الإسراء / 63 - 64 ) .
 
( 273 ) : إشارة إلى حديث نبوي ، قاله الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم لسيدنا على رضي اللّه عنه ما معناه : إذا لامست أهلك فقل اللهم جنبنى الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني ، فإن رزقت بولد لم يصبه ضرر . ( عن انقروى 5 / 78 ، وجلبنارلى 5 / 55 ) .
 
( 275 - 276 ) : إشارة إلى أن عازر الذي أحياه سيدنا عيسى عليه السّلام بأمر الله وفي الأناجيل أنه كان امرأة ( عن جلبنارلى 5 / 56 ) وتقول الروايات إن عازر أو اليعازر مات لتوه مرة أخرى بعد أن أحياه سيدنا عيسى عليه السّلام .
 
( 289 - 290 ) : ينقل جعفري هنا حديثا ليس موضعه هو : ما بعث الله رسولا إلا وفي وقته شيطانان يؤذيانه ويفتنانه ويضلان الناس بعده ( 11 / 174 ) لكن الحديث هنا " لكل امرئ شيطان ، لكن شيطانى أسلم " .
 
“ 443 “
 
( 291 - 292 ) : أي إيمان وأية عقيدة لا يمكن أن يقضى عليها إلا إيمان آخر وعقيدة أخرى ، والعشق الإلهى هو قمة الإيمان وفوق أية عقيدة ، بل إن ظاهرة الإيمان نفسها هي من قبيل العشق ، والشيطان نفسه لو أنه ذاق قطرة من منزل سر اليقين ، لتغير حاله وتبدل .
 
( 300 - 304 ) : من مناجاة سيدنا على رضي اللّه عنه الواردة في نهج البلاغة " سبحانك خالقا ومعبوداً بحسن بلائك عن خلقك ، خلقت دارا وجعلت فيها مأدبة ، مشربا ومطعما ، أقبلوا على جيفة افتضحوا بأكلها واصطلحوا على حبها ، من عشق شيئا أعشى بصره وأمرض قلبه " ( عن جعفري 11 / 179 ) .
 
( 305 ) : قال نجم الدين في تفسيرلَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنابالطلب والصدق والشوق والمحبة والوصلوَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَفي الإقبال على استيفاء الحظوظ الحيوانية والإعراض عن الحقوق الربانية .
 
( 307 ) : عن الرائحة والجرعة التي أنزلها الله تعالى من لطفه كنموذج لهذه اللطف في الدنيا حتى يطلب الناس أصلها ومنشأها ( انظر الكتاب الذي بين أيدينا ، الأبيات 375 وما بعدها ) .
 
( 309 ) : عن الدعاء الذي يستجاب دون أن يقال ، انظر الكتاب الثالث : في بيان أن عين دعائك هو قول الحق لبيك ، الأبيات 189 وما بعده .
 
( 310 - 315 ) : لقد صور الله سبحانه وتعالى صورا جميلة من العدم ، لكنه جعلها كالحروف ، وعن طريق قراءة هذه الحروف يمكن للمرء أن يقرأ كتاب الجمال الكلى ، وإلى مثل هذا ذهب الشيخ الشبسترى :
كل ما هو موجود عيانا في الكون * كانعكاس شمس ذلك العالم والدنيا كالجديلة والخط والخال والحاجب * كل شئ فيها حلو في مكانه ( عن استعلامى 5 / 225 )
 
“ 444 “
 
ومن هنا فخليق بالأفكار والعقول أن تتجه إلى العدم ، فمن العدم يتأتى الوجود ، فكأن العدم هو أساس الوجود وهو مصنعه ، ووردت الفكرة في 3 / 377 ولتفصيل هذه الفكرة ، انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 2441 - 2468 وشروحها .
 
( 317 - 327 ) : لا يزال يفصل فكرة أن منشأ الموجودات كلها من العدم ، فالعقول النورانية تقرأ كل يوم من اللوح المحفوظ حظها ، أي تكون كل اهتماماتها من لدن الحكيم الخبير ، فعقل المعاد هو الذي يخط حروفا على صفحات القلوب بلا بنان ، لكن أرباب الشهوات في حيرة من هذه الخطوط ، لأن كلا منهم مرتبط بخيال ما قد عكف عليه ، وكل إنسان تتفرق به السبل ، ما دام قد انصرف عن البحث عن قبلة الروح ، هذا الخيال من بحث عن الذهب أو الدر أو الزهد والتزهد أو قطع الطريق ، أو الطبابة ، كل إنسان وما ينبعث من باطنه ، ذلك أنه إذا اختفت قبله الروح أو الهدف الأسمى فإنما يبحث كل إنسان عن شفاء لعليل نفسه في ناحية ما .
 
( 335 ) : الساهرة المراد بها يوم الحشر إشارة إلى الآيات الكريماتيَقُولُونَ أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ ، أَ إِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً ، قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ ، فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ ، فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ( النازعات 10 - 14 ) .
 
( 336 ) : الشموع الموجودة في الدنيا كناية عن الخيالات والاهتمامات الموجودة في الأبيات من 317 - 327 .
 
( 338 - 339 ) : النار الموسوية الإقبال : هي تلك النار الإلهية التي شاهدها موسى عليه السّلام على الجبل ، والتي نودي عندها ، وهي رمز للشهود الإلهى والدخول إلى الحقيقة .
( 341 ) : شمع الظفر كناية عن معرفة الله سبحانه وتعالى بنور الله ، وكلما أفنى المرء نفسه فيه تحقق وجوده تحققا أكثر ، وظفر بالوجود الخالد .


“ 445 “
 
( 342 ) : شمع السوء كل ما شغل عن الحق من اهتمامات وخيالات مذكورة آنفا ، وكل ما شغلك عن الحق هو طاغوتك .
( 344 - 345 ) : احتراق الشموع غير الحقيقية كناية عن فناء كل ما يشغل الإنسان عن الهدف الأسمى .
 
( 350 ) : الأعزاء هم الصوفية ، واللاصوب أو اللا مكان هو ما لا تحده جهات الدنيا .
 
( 353 ) : ديدن الصوفية هو على غير ما تعارف عليه أهل الدنيا ، والصوفي لا يمزق القباء إلا وجداً ، والوجد هو قمة الشعور والإحساس الصوفي ، فكأنه يبلغ بالتمزيق ما لا يبلغه غيره بالرتق .
 
( 354 - 355 ) : الحكاية المذكورة هنا واردة في مقالات شمس الدين التبريزي : مزق جبته ، وقال : وافرجاه فسميت الجبة الممزقة فرجية ( مقالات شمس ، ص 295 من طبعة محمد على موحد طهران 1369 ه - ش ، مآخذ / 161 ) وربما يمزق الصوفي قباءه وجدا ، ومن ثم شاع لبس الجبة الواسعة ذات الأكمام الواسعة والتي لا ياقة لها والرسم السائد عند المولوية أن يلبس الشيخ خرقة ذات أكمام ، أما المريد فجبة بلا أكمام ، ثم سميت فيما بعد الخرقة ( جلبنارلى 5 / 73 - 72 ) .
 
( 356 ) : ثم يعود مولانا ويقول إنه لا حاجة للصوفية بالألفاظ والألقاب والرسوم ، فكلها كدر ، والصوفي لا يهمه إلا الصفاء .
( 362 ) : الجبة هنا هي الوجود ، وهي الجسد ، وهي النفس فبدون تمزيقها لا يتأتى الصفاء الحقيقي .
 
( 363 - 370 ) : إياك أن تظن أن التصوف هو الخرقة وما إليها ، إنك إن ارتديت الخرقة هادفا ذلك الصفاء الذي ينبغي أن يتميز به الصوفي . يجمل بك ذلك ، لكن إذا انتقلت سريعا من الخيال والوهم ، إلى الحقيقة لم تعكف على الانتقال من خيال إلى خيال ومن وهم إلى وهم
 
“ 446 “
 
وكل وهم يسد الطريق أمامك ويقول لك : قف هنا ، إنك وصلت ، فتظن أنك وصلت من حيث فصلت . والملك الحقيقي هو الذي لا تسيطر عليه هذه الخيالات والأوهام ، إنه يبدي هيبة الملك وينطلق في طريقه وهو يعرف هدفه تماما .
 
( 372 - 389 ) : ترى ما هو سر الجمال وسر العظمة الموجودة في هذا العالم ، الذي نسميه عالم الوجود ، ما الذي فيه ويجذبنا إليه كل هذا الانجذاب ؟ ! يجيب مولانا جلال الدين على هذا السؤال إجابات مختلفة ، ففي الكتاب الثالث ، يرى أن كل سعادة نابعة من القلب ، لطف اللبن والعسل ، إنما ينبع من القلب ، ومن ثم ، فالقلب هو الجوهر ، والعالم كله عرض بالنسبة له ، هو الحقيقة وكل ما سواه ضلال ( انظر جعفري 7 في شرح الكتاب الثالث الأبيات 2246 وما بعدها ) .
الإجابة الثانية هي ما يوجد بالأبيات التي بين أيدينا ، إنها جرعة من كأس الجمال الإلهى صبت على هذا التراب القبيح كما يصب الكرام جرعة على الأرض :شربنا وأهرقنا على الأرض جرعة * وللأرض من كأس الكرام نصيبومن هذه الجرعة التي تبلغ عشر معشار الجمال الحقيقي يوجد كل ما في عالم الكون من جمال ، مجرد صدى من الجمال الحقيقي انعكاس نور الشمس على الجدران الصماء ، كما ورد في الكتاب الثالث ، وعند سعدى الشيرازي يظل معدن الجمال هو الإله نفسه ، وهو معنى تكرر عند مولانا جلال الدين أيضاً يقول سعدى :
إنني سعيد من الدنيا لأنها تنضرت من هو * وأنا عاشق لكل العالم لأن كل العالم منه ( عن جعفري 11 / 196 - 197 ) ( 390 - 392 ) : جرعة الجمال التي صبت على الحمأ المسنون هي كما هو واضح الروح ، والجرعة الأخرى هي التوفيق الإلهى للخلاص من تبعات الحمأ المسنون .
 
( 395 ) : الطاووس ذو اللونين هو رجل الجاه والمال والدنيا يتجلى بمظهره فيخلب اللب وينظر إلى باطنه فإذا هو كساق الطاووس .
 
“ 447 “
 
( 400 - 410 ) : وهناك من البشر من هم على مثال الطاووس ، إنهم يهتمون بظواهرهم ، فظاهرهم خلاب ، كلامهم سلس ولين ، ودودون ، إن كل هذه شباك يصيدون بها الخلق ويمضى عمرهم ، ويقترب من نهايته ، وهم مغترون بأن " معارفهم كثر " ، وأصدقاءهم ( في كل مكان ) ، فما فائدة صيد الخلق ، إنك إنما ألقيت بنفسك في شباكهم ، ولم تصد في النهاية شيئا ينفع ، إنه أشبه بصيد الخنازير ، لقد ربيت في نفسك الكبرياء ، الناس مخدوعون بك ، وأنت مخدوع بنفسك .
 
( 411 - 417 ) : لقد صرفك غرامك بصيد الخلق عن الاهتمام بصيد العشق ، لكن العشق لا يصاد ، بل يصيد ، فدع كونك صيادا إذن وانقلب إلى صيد ، والملوكية الحقيقة في العبودية لله والملوك الحقيقيون هم أولئك الذين ملكوا أنفسهم وسيطروا على شهواتهم فوجدوا الملك الإلهى أما ملوك الدنيا فما أشبههم بقبور الكفار ، ظاهرها جميل ، لكن في باطنها غضب الله عز وجل ، نفس الأبيات التي ذكرها محمد إقبال وهو يصور الحضارة الغربية ، ( كبرياء وعنجهية وتسلط وظاهر خلاب ثم قهر الله عز وجل ) .
 
( 422 - 423 ) : النار هنا هي نار الطاعات والمجاهدات وترك الأهواء على فحوى حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ، ونهر الكوثر هنا ، رمز للشهوات تطير في عيون أهل الدنيا كأنها مياه الكوثر فيعرضون عن الطاعات وهي في الحقيقة الكوثر ويرغبون في الشهوات التي هي في الحقيقة نار ، وهذا هو اللعب المعكوس ( مولوى 5 / 68 ) وهذا أشبه بقول ابن الفارض :فإحياء أهل الحب موت نفوسهم * وموت قلوب العاشقين مصارعوربما استند هنا مولانا على قول منسوب للإمام على رضي اللّه عنه : " سبحان من اتسعت رحمته لأوليائه في شدة نقمته واشتدت لأعدائه نقمته في سعة رحمته " ( انقروى 5 / 119 ) وقوله تعالىالَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا( الملك / 2 ) .
 
“ 448 “
 
( 451 ) : إشارة إلى الآية الكريمةوَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ( إبراهيم / 46 ) .
 
( 454 ) : في النص " خوش جواز " وقد ترجمتها " أحل الطيبات " ، أي أجازها . وروى استعلامى حديثا هو : قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم : كان من خلقي الجواز " ( 5 / 234 ) أما عن العقل :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم : بم يتفاضل الناس في الدنيا ؟ قال صلّى اللّه عليه وسلّم :
بالعقل ، قلت : وفي الآخرة ؟ قال : بالعقل ، قلت : أليس ما يجزون بأعمالهم ؟ قال : يا عائشة وهل عملوا إلا بقدر ما أعطاهم الله من العقل ، وبقدر ما أعطوا من العقل كانت أعمالهم وبقدر ما عملوا يجزون ، وقال صلّى اللّه عليه وسلّم : إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ولا يتم لرجل حسن خلقه حتى يتم عقله فعند ذلك تم إيمانه وأطاع ربه ، وعن أبي سعيد الخدري ، قال صلّى اللّه عليه وسلّم : [ لكل شئ دعامة ودعامة المؤمن عقله بقدر عقله تكون عبادته ] ( انقروى 5 / 126 ) .
 
( 459 ) : بشأن مناقشة قضية تفاوت العقول من الفطرة انظر الكتاب الثالث الأبيات من 1540 وما بعدها وشروحها .
 
( 467 - 475 ) : ليس المقصود بالأمر أمر إقبال وحظ وأن الأمور تجرى بالمصادفة بل الأمر كله من عطاء الله ومن توفيقه ، فليس عليك أن تعتمد على عظمة عقلك الجزئي ، فهذه العقول الجزئية لا قيمة لها إلى جوار العقل الكلى ، والحل هنا هو التواضع والتسليم ومعرفة أن قدرة الخلق مهما عظمت إلى حدود ، وأن مكر الإنسان لا يساوى شيئاً إلى جوار مكر الله ، وإن الأمر منوط بالدعاء والضراعة والدموع ، فقلل اعتبار القوة هنا ذات فعل أو أثر .
 
( 469 ) : المقصود بأن تجد النبوة في الأمة ، أن تجد المشيخة ورتبة الإرشاد ، فالشيخ في قومه كالنبي في أمته .
 
( 477 ) : الحكاية التي تبدأ بالبيت من الحكايات المشهورة في التراث العربي ، ولم يلتفت إليها فروزانفر في " مآخذ قصص وتمثيلات مثنوى " ونظمها شاعر مصرى معاصر . والبيت المذكور لأبى المهوش الأسدي ورد في الميداني ( 3 / 216 ) من تحقيق أبى الفضل إبراهيم ،
 
“ 449 “
 
دار الجبل . والشاعر المعاصر المصري الذي نظمها هو حافظ إبراهيم وأشار إلى أنها مثل ، ولم أجد هذا المثل على طول ما بحثت عنه ، 
يقول حافظ في قصيدته في الدعوة إلى الجامعة المصرية :
ودونكم مثلا أوشكت أضربه * فيكم وفي مصر إن صدقا وإن كذبا
سمعت أن امرءًا قد كان يألفه * كلب فعاشا على الإخلاص واصطحبا
فمر يوما به والجوع ينهشه * نهشا فلم يبق إلا الجلد والعصبا
فظل يبكى عليه حين أبصره * يزول ضعفا ويقضى نحبه سغبا
يبكى عليه وفي يمناه أرغفة * لو شامها جائع من فرسخ وثبا
فقال قوم وقد رقوا لذي ألم * يبكى ، وذو ألم يستقبل العطبا
ما خطب ذا الكلب ؟ !
قال الجوع يخطفه * منى ، وينشب فيه النار مغتصبا
قالوا وقد أبصروا الرغفان زاهية * هذا الدواء فهل عالجته فأبى
أجابهم ودواعي الشح قد ضربت * بين الصديقين من فرط القلى حجبا
لذلك الحد لم تبلغ مودتنا * أما كفى أن يراني اليوم منتحبا
هذى دموعي على الخدين جارية * حزنا وهذا فؤادي يرتعى لهبا
( ديوان حافظ إبراهيم ، ص 161 - 162 ، ج 3 ، المطبعة الأميرية ، مصر 1948 ، تحقيق أحمد أمين ، أحمد الزيني ، إبراهيم الأبياري ) .
 
كما علق عليها شاعر قديم ببيت شعر جرى مجرى الأمثال :
لا ألفينك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتنى زادي
والحكاية تبين نوعا من البشر يوجد في كل زمان ومكان ، ذلك الذي لا يتجاوز تعاطفه الكلمات الرنانة وذرف الدموع وإعطاء الكلام حقه والتفجع ما ينبغي له ، لكنه لا يتجاوز هذا الأمر نحو أي نوع من الفعل ولو كان قادرا عليه ، فرسان الكلام وأبطال المقال هؤلاء كانوا
 
“ 450 “

يثيرون مولانا جلال الدين ويشحذون مقدرته على السخرية ، وهؤلاء لا يكذبون على البشر فحسب بل يكذبون على أنفسهم قبل أن يكذبوا على الخلق .
 
( 486 - 491 ) : هذا الصنف من الناس مستعد لكل ما ليس من شأنه أن يجعله ينفق شيئاً أو يبذل جهداً ، إنه يظن من خسته أن الدمع أرخص من لقمة الخبز ، مع أن الدمع هذا دم تحول إلى ماء ، إن الدمع الحقيقي والبكاء الحقيقي يجعل السماء نفسها تبكى معه ، تتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يقبل ضراعته ويقبل بكاءه مصداقا للحديث النبوي : [ بكت السماوات السبع ومن فيهن ومن عليهن والأرضين السبع ومن فيهن ومن عليهن لعزيز ذل ، وغنى افتقر ] ، لكن الذي لا يبذل وجوده في سبيل الله هو من قال الله في شأنه :فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ.
 
( 492 - 495 ) : النحاس العابد للهمة هو الإنسان عندما يدرك جوانب نقصه ويحس بالانكسار ويعرض نفسه على كيمياء التبديل فيتضرع تاركا جوانب المكر والاحتيال ، والحول والطول مسلماً نفسه لكل ما تأمر به الإرادة الإلهية .
 
( 499 - 500 ) : جناح طاووسك هو عجبك وكبرياؤك وحولك وقوتك وما يبدو أنه وسائل في يدك وهو ما تراه جميلا في وجودك جديراً بأن ينظر إليه الناس ، بل انظر إلى القدم من هذا الطاووس إلى ألوان قبحك وضعفك واحتياجك وانكسارك ولتخش على الأقل وأنت تعرض جوانب القوة فيك من نظرات الحاسدين ، واقرأ الآية الكريمةوَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ، وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ( القلم ( 51 / 52 ) . قال البيضاوي : والمعنى أنهم لشدة عداوتهم ينظرون إليك شذرا بحيث يكون يزلقون قدمك ويرمونك من قولهم نظر إلى نظرا يكاد يصرعنى ، أو انهم يكادون يصيبونك بالعين ، إذ روى أنه كان في بنى أسد حاسدون فأراد بعضهم أن يعين رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أي يصيبه بالعين ، فنزل ، وفي الحديث : إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر .
“ 451 “
 
( 512 - 514 ) : والأمور كلها موكولة إلى القضاء لكن الأمر يكون في حاجة إلى سبب ، فالعين حسودة تصيب مثلما تكون الساقية ، ظاهرة في دوران الماء لكن الماء هو الذي يديرها . ومن الممكن أن تقف عين المرشد الطيبة أمام العين الحسودة ، فالعين الطيبة من الرحمة ، والعين الحسودة من النقمة .
 
( 517 - 524 ) : عودة إلى قصة سيدنا إبراهيم عليه السّلام فحرص البط حرص إلى الطعام ، وحرص الطاووس حرص إلى الزينة والشهرة والكبرياء ، والعجب والتفاخر ، وهذا المقصود ، بإضعاف الحرص إلى الطعام ، وإذا كنت تريد مثالا لزلة البطن والباه فانظر إلى آدم ، إن زلته تنزل وليست كبرياء إنها مرض لكنها ليست كزلة إبليس ، كبرياء وعجب وحرص على الرئاسة ، وفي الحرص على الرئاسة أنواع من الأمراض النفسية تزيد على هذا الأمر زيادة كبيرة ، إنه يصل إلى مرحلة الشيطنة نفسها ، بل قد يزيد ويصبح طامعا في مقام الألوهية ، فالمال حية والجاه أضر منها .
 
( 526 - 530 ) : إن عشق الجاه والسلطة ليس مجرد شهوة بسيطة إلى الطعام أو إلى النساء ، لا تلبث أن تطفأ ، لكنها شهوة لا تشبع ، إذ لا نهاية لها ، إن كل متجبر جبار ، يكون كالنار تأكل كل شئ ، والطاغية يكون دائما في حاجة إلى وقود لناره هذه ، ومن هنا فهو يفتك بكل من يتصور أن ينازعه حتى لو كان ابنه ، ومن هنا قيل : " الملك عقيم " ، ويمضى مولانا مع سيكولوجية الطغيان إلى نهايتها ، فالطاغية كالنار والنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله .
 
( 531 - 534 ) : إن من العصمة ألا تجد " في طلب البسطة لا تجتهد " هكذا قال مولى المتقين علي كرم الله وجهه ، فما دمت لا تملك شيئاً ، ولا تتصدر وتبدى رأسك فلن تصير هدفا للسهام ، إن جبارى الأرض لا ينتبهون إلا إلى أولئك الذين ينتظرون منهم الخطر ، وما دمت متواضعا فلن تثير خوفا من طاغية ، ( انظر أيضاً شروح الأبيات 778 - 789 من الكتاب الثالث ) .

.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 536 - 1025 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:36 am

الهوامش والشروح 536 - 1025 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 536 - 1025 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 536 - 1025 فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية ذلك الحكيم الذي رأى طاووسا ينزع جناحه الجميل 
( 536 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت كما قال فروزانفر مأخوذة من أبيات للشاعر سعد الدين شرف الحكماء كافى البخاري :
رأيت طاووسا يقتلع جناحه ، قلت له : لا تفعل فإن جناحك جميل ذو بهاء .
فبكى بكاء مرا وقال لي : أيها الحكيم ألست عالما بأن عدوى اللدود هو جناحي هذا ؟ ! ( مآخذ / 161 - 162 ) . والواقع أن الفكرة تكاد تكون عامة وشائعة ، وقد تناولها مولانا بشكل أقل تفصيلا في الكتاب الأول : ( الأبيات 209 - 212 ) نعم ، إن مقتل المرء في موضع الجمال فيه وفي موضع القوة فيه ، وإلا فمن الذي يقصد الضعفاء بسوء ، وأقوى عضو في الإنسان هو الذي يصاب بأخطر الأمراض .
 
( 542 - 548 ) : يقابل مولانا جلال الدين بين سلوكين في الطريق ، سلوك الدلال ، وهو مستهجن ، لأنه فيه يكمن الخطر ، فمهما كنت معززا مكرما عند المليك ، فإنه يريد منك الضراعة وشكر النعمة ، لا التدلل ، والخروج عن هذه النعمة ، فإن هذا من الكفران ، الله لا يقول لك : اخرج عن النعمة التي أنعمتها عليك ، بل يقول لك إياك أن تخرجك هذه النعمة عن طورك ، فأين العفة إن لم يكن ثم إغراء ، وأين الإنفاق إن لم يكن ثم كسب ، وأين الاعتصام إن لم يكن ثم إغواء ، وأين الجهاد إن لم يكن ثم حرب ( انظر الأبيات 574 - 582 من هذا الكتاب ) .
 
( 549 - 552 ) :إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ( الأنعام / 95 ) إذا كانت الأشياء تخرج من أضدادها ، والوجود يخرج من العدم ، فكن ميتا لتحيا وعدما لتصبح موجوداً ، تواضع لكي تجد الرفعة ، فكيف ينبثق منك النهار دون أن تكون ليلا ، والربيع دون أن تكون في البداية شتاء ، وفي تفسير صوفي لنجم الدين كبرى : يخرج القلب الحي بنور الله من النفس الميتة عن صفاتها وأخلاقها الذميمة إظهاراً للطفه ورحمته ، ويخرج القلب الميت من الأخلاق الحميدة الروحانية من النفس
 
“ 453 “ 
 
الحية بالصفات الحيوانية الشهوانية إظهارا لقهره ويحيى الأرض بعد موتها ، وكذلك تخرجون من العدم إلى الوجود ، ( مولوى 5 / 87 ) ، ويضيف السبزواري " على ما جاء في قول أفلاطون :
مت بالإرادة تحيا بالطبيعة " ( سبزوارى / 341 ) .
 
( 557 - 558 ) : ليس المقصود بالطبع النهى عن الفكر على أساس أنه هو الذي يخرج النفس المطمئنة عن اطمئنانها ، بل الخواطر الفاسدة والفيهقة والتزيد والتنطع وتصنع الفكر ومناقشة ما لا يناقش ، كلها أمور تعكر صفو النفس المطمئنة هذا هو الجدال فيما نهى عن الجدال فيه ، إنها كلها كأنها أظافر مسمومة ، ووجه الروح الجميل يخمش منها بعمق ، ويروى يوسف بن أحمد حديثا : " إياكم والتعمق في الدين ، فإن الله تعالى قد جعله سهلا فخذوا منه ما تطيقون " .
والحديث المروى هو : [ إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ] .
 
( 5 / 89 ) والنفس المطمئنة في تعريف لنجم الدين الرازي هي نفوس الأنبياء والأولياء وهي في الصف الأول في عالم الأرواح ( مرصاد العباد 369 ) ( 559 - 570 ) : إن كل هذه العقد والمشاكل التي تطرحها الفلسفة لكن تطرح لها الحلول لا طائل من ورائها إلا تضييع العمر ، إن العقدة الحقيقية والمشكلة الأولى التي ينبغي أن يطرحها الإنسان على نفسه ، هي : هل هو شقى أو سعيد ؟ هذا هو المشكل الوحيد حقيقة ، فالفكر المجرد ، والمشاكل المجردة التي تطرحها الفلسفة وإن أثرت تاريخ الفكر الإنسانى ، إلا أنها حقيقة لم تسهم بدور يذكر في حل المشاكل الحقيقية التي تواجه البشرية ، إنها حرب تدور في مخايل المفكرين والفلاسفة حول مشاكل مجردة حول الوجود والماهية وما إلى ذلك ( جعفري 11 / 236 ) إن كل الأعيان والأعراض ذات حدود معلومة ، لكن أي حد يمكن أن يستوعب روح الإنسان التي جاوزت كل الحدود ، أليست في النهاية روحا ربانية " وليس هناك شأن ليس فيه شأنه " ، ( سبزوارى / 341 ) ، فالموجود المطلق هو الموجود بوجود الله وبإيجاد الله والباقي المطلق هو الباقي ببقاء الله وبإبقاء الله ، وهو القادر على الوصول إلى اللامحدود أي
 
“ 454 “
  
مرتبة " لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل " ، وأين من هذا طوائف المشتغلين بالدليل ، والقياس والاستنباط ، والأسباب والوسائط والاستدلال بالصنع على وجود الصانع ؟ كل هذا من قبيل الجهل الذي يدفع الجاهل إلى البحث عن الشمس الساطعة على أضواء الشموع ( سبزوارى / 342 ) والصفى يمضى إلى لب الحقيقة دون وسائط ( عن الفرق بين أسلوب الفلسفي وأسلوب الصفى ، انظر الكتاب الأول ، الأبيات 2162 و 3291 و 3296 وشروحها والكتاب الرابع الأبيات 2834 وما تلاه وشروحها ) .
 
( 574 - 581 ) : عن أنس قال : توفى لعثمان بن مظعون رضي الله عنه ابن ، فاشتد حزنه عليه حتى اتخذ من داره مسجداً يتعبد فيه ، فبلغ ذلك رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فقال له : يا عثمان إن الله تبارك وتعالى لم يكتب علينا الرهبانية ، إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله " ، ليس في الإسلام عفة بخصى ، أو جهاد بغير عدو ، وكيف يمكن معرفة صمودك أمام الإغواء ، إن لم يكن إغواء ؟! 
إنما يكون الجهاد بقدر ما يكون العدو ، ويكون الانتصار بقدر مرارة الحرب ، وكيف يبين الإنسان الصبر إن لم يكن هناك ما يصبر عليه أو يتصبر عنه ؟! 
وكيف يمكن معرفة صدق المرء إن لم يتعرض للابتلاء ؟! 
وبقدر المشقة يكون الجزاء . ليس المطلوب أن تقتلع الطبيعة من نفسك بل أن تقاومها ! !
 
( 586 - 599 ) : من الحديث القدسي : " من عشقنى عشقته ومن عشقته قتلته ومن قتلته فعلى ديته ومن على ديته فأنا ديته " ( سبزوارى / 443 ) . أورده فروزانفر ( أحاديث مثنوى / 134 ) من أحبني قتلته ومن قتلته فأنا ديته ، عن المنهج القوى 4 / 398 . 
وعن العشق عد إلى الكتاب الثالث ، الأبيات 3830 وما بعده وشروحها وثمة فرق شاسع بين تعبيره هناك وتعبيره هنا ، وبقدر الوجد يكون التعبير عن العشق ، إنه يعبر هنا عن أفكار شديدة المباشرة ، فالعشق نار يحرق كل ما سواه ، وسيف " لا " في عبارة " لا إله إلا الله " ، هو الذي يحرق كل شئ ويقضى على كل شئ ، فلا يبقى " إلا الله " ، وكل أنواع الحسن في العالم انعكاس
 
“ 455 “
 
للحسن الإلهى ، بل إن الحسن الإلهى هو بمثابة الروح لأنواع الحسن أو بتعبير ابن الفارض :وكل مليح حسنه من جمالها * معار له بل حسن كل مليحة( انقروى 5 / 159 ) . وما تفرق الناس خلف كل لذة يظنونها إلا لأنهم ابتعدوا عن هذا الجمال الحقيقي ، ولم لا ، إن أي جمال بالنسبة له كالدخان بالنسبة للنار ، ومن لم ير عدالة عمر بن عبد العزيز يظن الحجاج بن يوسف عادلا ، والطائر أو الروح التي لم تعرف العشق الخالص ، إنما تطوف حول العشق المجازى وهو بمثابة الماء المالح بالنسبة للماء العذب .
 
( 600 - 603 ) : ومن هنا فأنت في هذه الدنيا حتى تعرف قيمة الجنة والدار الآخرة وهي الحيوان لو كنت تعلم وما حياتك فيها عندما تدرك ما وراءها إلا كالقائم بنخل التراب عسى أن يجد فيه فتات رزق ، وأنت هلوع من الموت نفور من ذلك العالم الطاهر ، لا زلت متمتعا في السجن مع أنك تدعى الإيمان ، وما الدنيا إلا " سجن للمؤمن "
 
( 605 ) : قال السيوطي في كتاب بشرى الكئيب بلقاء الحبيب ، أخرج النسائي عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم : " ما على الأرض نفس تموت ولها عند الله خير تحب أن ترجع إليكم ولها نعيم الدنيا وما فيها " ( مولوى 5 / 98 ) . ونقل جعفري عن انقروى ( ولم أجدها عند انقروى ) ما من أحد يموت إلا ندم ، إن كان محسنا ندم ان لم يكن ازداد ( ؟ ) وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون نزع " ( جعفري / 11 - 248 ) .
 
( 612 - 619 ) : عودة إلى حوار الطاووس مع الحكيم ، لقد اقتنع الطاووس بقول الحكيم ، وهنا هو يحار جوابا فيبكى بكاء مراً ، إنه بكاء ذلك الذي فصل من حيث أراد الوصل وأبعد من حيث أراد القرب ، وهو البكاء الجدير بأن يثير بكاء الأرض وبكاء السماء ، والعقول والقلوب تبكى لأنها منسوبة إلى العرش ، ومن ثم فهي من معدن الرحمة .
 
( 620 - 624 ) : يتكرر مثال هاروت وماروت كثيرا في مثنوى مولانا ( الكتاب الأول :
الأبيات 3334 وما بعده ، الكتاب الثاني ، الأبيات 2475 ما بعده والكتاب الثالث الأبيات 796
 
“ 456 “
 
- 802 ) .
ويدق مولانا على الموضع على أساس أن الإنسان يستطيع أن يتفوق على الملائكة مع أن الشهوة مركبة فيه ، لأن الملائكة أنفسهم لو ركب فيهم ما ركب في البشر ما استطاعوا مقاومته والمثال هاروت وماروت وتتضح هذه الفكرة فيما ورد في الكتاب الأول .
 
لقد كان حبس هاروت وماروت في جب بابل أشبه بحبس الروح والعقل في بئر الجسد والطبيعة ، ويتناول مولانا هنا تعلمهما السحر ، لقد كان تعلمهما إياه على سبيل الفتنة والامتحان ، ومع ذلك فهما يعلمانه للخلق لكن بعد تبصيره بأنه فتنة ، وهكذا فليس كل علم مما يتعلم لأي إنسان ( انظر حكاية اسم الله الأعظم في الكتاب الثاني ، وحكاية تعلم لسان الطير والكلام في الكتاب الثالث ) ،وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ.
 
ويعارض الانقروى بعض أجزاء الرواية الخاصة بوقوعهما أي الملكين على امرأة تسمى زهرة ، وإنها صعدت معهما إلى السماء فتعلمت السحر إلى آخره ، فهذا نقلا عن القاضي البيضاوي مروى عن اليهود أي أنه من الإسرائيليات ، كما نقل عن الفخر الرازي ، إن هذه الرواية فاسدة مردودة ليس في كتاب الله ما يدل عليها بل فيه ما يدل على خلافها من وجوه ،
الأول : ما فيه من الدلائل الدالة على عصمة الملائكة من كل المعاصي
وثانيها : أن قولهم أنهما خيرا بين العذابين ممنوع إذ كان الأولى أن يخيرا بين التوبة والعذاب لأن الله تعالى خير بينهما من أشرك طول عمره ، فكيف يبخل عليهما بذلك ؟
وثالثهما : أن من أعجب الأمور قولهم إنهما يعلمان السحر حالة كونهما معذبين أما الإمام السيوطي فقد اعترف بصحة الرواية ، ويفرغ الانقروى إلى مثل ما علق به أحدهم على حاشية البيضاوي ، وهو - أي المعلق - بالتأكيد ذو مشرب صوفي وتفسيره أقرب إلى تفسيرات نجم الدين كبرى على القرآن الكريم ، المراد بأحد الملكين الروح الإنسانى وبالملك الآخر العقل ووجه التعبير بالملكين إنهما مصدران لكل خير وهبوطهما إلى الأرض نزولهما من عالم الأنوار إلى عالم الطبيعة وبالمرأة المسماة بالزهرة هي النفس الأمارة بالسوء وتعشق الملكين بها ابتلاء الروح والعقل بالنفس
 
“ 457 “
  
الأمارة بأنهما انقادا لأمرها بالشرور وبكونهما محبوسين في بئر بابل ابتلاء الروح والعقل بجب البدن الترابى وبكونهما معذبين في البئر إلى يوم القيامة عبارة عن ابتلائهما بالكدورات البشرية إلى الموت فإنهما يتجردان عند خراب البدن فيعودان إلى عالم الأنوار ( انقروى 5 / 167 - 168 ) وواضح أن مولانا في المثنوى طابق هذا التفسير تماما .
 
( 625 - 640 ) : انعدام الوسيلة خير بالنسبة لمن لا يستطيع المقاومة ، والخير والشر كلاهما كامن في النفس البشرية ، وكلاهما مستعد للحركة عند الدعوة ، والفكرة تتكرر عند مولانا بشكل أو بآخر ، ( مثلها الأكثر وضوحا في الكتاب الثالث ، حكاية صياد الحيات والحية التي ظنها ميتة لكنها كانت متجمدة حركتها شمس الفراق ، وهي رمز للنفس المتجمدة التي لا تجد الوسيلة لكنها إن وجدتها فهي أسد هصور ) 
وهذه النفس هنا مثال الكلاب النائمة الهامدة ، لأنه ليس هناك ما يحرك شهوتها ، حتى إذا نفق حمار في الحارة استيقظت فيها كل صفاتها السبعية ، أو كالبزاة عندما تخاط عينها فلا تفتح إلا على الصيد ، أو كشهوة المريض إلى الطعام ، عظيم ، إن كنت قادرا فتعرض للامتحان ، ولكن إن لم تكن قادرا ، فأولى بك أن تترك كلاب البدن نائمة .
 
( 647 ) : روى عن ابن عمر في الجامع الصغير أنه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : ثلاث مهلكات وثلاث منجيات وثلاث كفارات وثلاث درجات ، فأما المهلكات فشح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه ، وأما المنجيات فالعدل في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى ، وخشية الله في السر والعلانية ، وأما الكفارات فانتظار الصلاة بعد الصلاة وإسباغ الوضوء في السرات ( الغدوات الباردات ) ونقل الأقدام إلى الجماعات وأما الدرجات فإطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام " ( مولوى 5 / 103 ) ، جامع 1 / 138 .
 
( 650 - 660 ) : إن لم تكن متقيا ، وإن لم تكن آمنا أنك في حفظ الله ، فدعك من الآلة ، وتخل عنها ، وهذا الجناح هو الآلة ، آلة عجبك وتيهك وغرورك ، إنه سلاح في يد طفل أو
 
“ 458 “
 
في يد ثمل فانزع هذا السلاح ، وإلا وقع سلاحك في يد خصمك وقضى به عليك ، نعم : القوة لمن يستطيع أن يسيطر عليها لا لذلك الذي تسيطر عليه والسلطة كذلك .
 
( 670 - 672 ) : هكذا يكون من خصمه نفسه التي بين جنبيه ، من يحمل بين جوانحه سلاحا يقضى عليه ، إنه يكون في هلع دائم ، ومن هنا كان صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : [ اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ] إن هذه النفس العدوة تكون تابعاً للمرء كأنها ظله ، وهل يستطيع الإنسان أن يهرب من ظله ؟ ! والنفس ظل في مقابل العقل والقلب اللذين هما بمثابة النور .
 
( 672 - 682 ) : صاحب الفناء الذي اختار الفقر على الغنى والضعف على القدرة يكون نورا خالصا كمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم الذي كان نورا خالصا ومن ثم لم يكن لجسده ظل ( جلبنارلى - 5 / 128 ) 
وهكذا لأنه صلّى اللّه عليه وسلّم افتخر بالفقر فقال : " الفقر فخرى " وبه افتخر على كل الأنبياء ، صار نورا للدين وشمعا لليقين ، فهل هناك ظل للشمع ، الشمع بأجمعه نور ومن ثم فلا ظل له ، واللهيب محترق في الشمع ، والشمع محترق في اللهيب ، أي شمع وأي لهيب ؟ 
إنني أقصد هنا شيئا آخر فإياك أن تتصور الشمع الظاهري ، إنني أقصد شمعا آخر هو شمعة الجسد التي تحتوى على نور الروح داخلها ، وكلما ذابت تجلى شعاع الروح كأعظم ما يكون التجلي ، ولا ظل للروح ، فمتى يكون النور الخالص ظل ؟!
 
( 683 - 695 ) : ولأضرب لك مثلا آخر : من السحاب والقمر ، السحاب له ظل والقمر لا ظل له ، صحيح أن السحاب قد يغطى القمر لكن السحاب نفسه يظل قابسا من ضوء القمر ، فانظر إلى لطف القمر بالرغم من أن السحاب عدو له إلا أنه متمتع بنوره ، بالرغم من أنه حجاب عليه إلا أنه ينال نصيبا من نوره ، وهكذا رجل الله ، لا يمنع فيضه حتى عن العدو ، فهو لا ينقص لفيضه هذا ، لأن هذا الفيض يستمد من البحر الذي لا ينفد ، هذا النور الذي لا ينفد تستمد منه كل الموجودات نورها وإن كان النور أصيلا في القمر ( النبي - الولي - المرشد ) فهو عارية على كل من يستمد منه هذا النور .
 
“ 459 “
 
( 696 - 701 ) : وفي القيامة ، تعلم أصل النور ، تعلم أن الشمس واسطة والقمر واسطة ، وتعلم أن كل ما تظنه أصلا إنما هو في الحقيقة عارية أظهرت الجمال الإلهى فترة من الزمن على هذه الموجودات الصماء الخالية من الجمال ، وأن معدن الجمال الحقيقي هو السبب في كل هذه الأنوار وهو أصلها فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ ، وَخَسَفَ الْقَمَرُ ، وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ، يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ، كَلَّا لا وَزَرَ ، إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ( القيامة / 7 - 12 ) .
 
حينئذ يضع الإنسان يده على الأم الحقيقية ، ويعلم أن الملك لله الواحد القهار ، وأن كل هذه التي كان يظنها في الدنيا " أمهات " هن مجرد حواضن مستأجرات من أجل نور مستعار ومن أجل حنان بالأجر . وشتان ما بين الحاضنة والأم ( عن الحاضنة والأم انظر أيضاً الكتاب الثاني الأبيات 2981 - 2983 ) .
 
( 702 - 705 ) : الوسائط تزيد في الوسائط ، إن طلب النور من الأصل ، أو طلب اللبن من الأم لا من المرضعة هو أطيب بالنسبة للمريد السالك ، ويعتبر المولوية أن الوسائط هي بمثابة ( انتظار القلب ) فاطلب لطفه من لطفه ورحمته من رحمته ، ودعك من الوسائط فإنها حجب ( جلبنارلى 5 / 130 - 129 ) .
 
( 705 - 709 ) : ألا تصدق إنه من الممكن أن يكون مطر ( رحمة ) بلا سحاب ( وساطة ) .
عد إذن إلى ما ورد في الكتاب الأول قصة عائشة رضي الله عنها وسؤالها المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم قائلة إن السماء أمطرت اليوم عندما ذهبت إلى المقابر فلماذا لم تبتل ثيابك ؟! 
( البيت 2023 وما بعده ) أما السقاية من مطر ولا سحاب فانظر الكتاب الثالث ، الأبيات 3130 وما بعدها وشروحها ) ، وهكذا الأجساد إن استمدت النور من معدن النور بلا واسطة تنتفى عنها صفات الأجساد .
 
“ 460 “
 
( 710 - 718 ) : يقول الطاووس إن جناحي متعة للغير ، ورأسي هي من أجلى أنا ، فيها سمعي وفيها بصرى ، فكيف يضحى المرء برأسه من أجل متعة الغير ، إن هذا كفر مطلق ، كيف تزين نفسك وتجعل نفسك كالسكر ، من أجل أن تأكلك الببغاوات ؟ ! لماذا تجعل نفسك كالجيفة يمدحها الكلاب بينما هم يلتهمونها ، لا ، فلتكن نفسك مر اللحم حتى لا يأتي الصيادون نحوك ، اعبس أيها الشيخ حتى لا يجتمع إليك كل عاطل من أجل الاستمداد منك ( انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1025 وما بعده وشروحها ) .
فهمت إذن لماذا خرق الخضر السفينة ؟! 
ولماذا فخر أحمد صلّى اللّه عليه وسلّم بالفقر ؟! 
ولماذا توضع الكنوز في الخرابات ؟! 
إذا كنت لا تستطيع أن تقتلع عوامل قوتك وغرورك وعجبك فابتعد عن الناس إذن حتى لا يأكلوك ويمزقوك بددا ، وتصبح بين مخالبهم كالجيفة بين مخالب الكلاب .
 
( 719 - 725 ) : عن أن كل العالم آكل ومأكول ، انظر مقدمة الكتاب الثالث ، الأبيات 37 وما بعده وشروحها . والمثال هنا عن اللص والمتاع والطويئر الذي يأكل الدود مكرر بنصه .
( 726 ) : إشارة إلى الآية الكريمةقُلْ أَ غَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ( الأنعام / 14 ) .
 
( 729 - 734 ) : بل إن الأفكار والأوهام ، والخيالات في داخلك تنقسم بدورها أيضاً إلى آكل ومأكول ، فكل فكرة تتغذى على فكرة أخرى وكل خيال يتغذى على خيال آخر ، وفكرة أن الأفكار كالنحل ، والنوم كالماء ، تفسير لفكرة سبق ورودها في الكتاب الرابع ( الأبيات 435 وما بعده وشروحها ) . هذه الخيالات والأوهام التي تطوف حولك كالنحل أو الذباب وتشتتك وتفرق خاطرك ، هي أقل الآكلين ، فدعك منها ، واهرب من أفكارك وخيالاتك إلى الله ، ولتجعل همك هما واحدا حتى يخلصك مصداقا لقوله تعالىإِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ( هود / 57 ) وقولهفَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ( يوسف / 64 ) .
 
“ 461 “ 
 
( 735 - 745 ) : إن لم يكن ثم عقل ، وإن لم تكن تستطيع أن تعرف الطريق إلى أرحم الراحمين ، فعليك بمن وجدوا الحفظ ، ضع يدك في أيديهم ، فهذه هي بيعتك في زمانك ، وسوف تكون بعدها من أهل البيعة التي وردت في القرآن الكريم إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً( الفتح : 10 )
بهذه البيعة تكون قد حضرت على نبي زمانك ، تكون قد حضرت الحديبية ، وتكون من العشرة المبشرين بالجنة ، هنا تتحقق لكل المعية " فالمرء مع من أحب " كما يقول صلّى اللّه عليه وسلّم ، وتنال الدنيا والآخرة معا . فمن تشبه بقوم فمنهم ومن أحب قوما حشر في زمرتهم .
 
( 748 - 753 ) : وإذا كنت تريد أن تتعظ وتعلم النهاية فانظر إلى مصارع الفجار ، وكفى بموت الجار واعظا ، إنك لا ترى يد الله التي فوق كل الأيدي ، إذن فاعلم أن الله سبحانه وتعالى يُهلك بلا يد ، ويقمع بلا آلة ، وغدا يا منكر لوجوده ، تقر أثناء العذاب أنه موجود ، ويا من تقول أنه بعيد ، تجأر بصوتك مناديا إياه مستنجداً قائلا " يا قريب " .
 
( 761 - 764 ) : لقد بقيت في الذنب واقعا في الفخ بحث إنك عندما فكرت أن تنجو ، كان الفخ قد التصق بك والتصق بجناحك ، فماذا أفعل ؟ ! وماذا ينبغي أن تفعل أنت إلا أن تستغنى عن هذا الجناح ، هيا ضح بالجناح من المال والجاه والمكنة والثروة كما يضحى الثعلب بذيله من أجل أن يظفر بالخلاص ، وينجو . 
ها أنا أحدثك على قدر عقلك ، وإلا فإن هناك وسائل كثيرة ، لكنك لن تفهمها ، وربما تسىء فهمها ، فيزداد ضياعك ووقوعك في الفخ ، هيا اقطع الحبال التي أحاطت بك ، حبال الحرص والحسد ، فحول نفسك الأمارة التي تشبه زوج أبى لهب في جدلها وحقدها وحسدها ، حبلٌ من مسد ، فحطم هذه الحبال وانج .
 
( 768 - 775 ) : إشارة إلى الآية الكريمةقالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ، قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ، قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ، قالَ
 
“ 462 “
 
فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ( الأعراف / 13 - 16 ) . إن أتباع إبليس يطلبون العمر الطويل لا لطاعة الله بل للانغماس في المعصية ، فكأنهم يطلبون زيادة ذنوبهم ، لقد خلقت لهم قرني اعتداء ، وبدلا من أن يطلبوا من الله أن يخفف من ذنوبهم ، يطلبون إضافة قرنين آخرين ، وبدلا من أن ينادواقالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ( الأعراف / 23 ) يطلبون العمر الطويل ، وليتهم يطلبون التوبة أو القرب أو حتى الموت حتى لا يزدادوا انغماسا في المعصية ، وتزداد ذنوبهم .
 
( 781 ) : قال السبزواري : تبديل الأعيان الثابتة من الثبوت إلى الوجود وتبديل الماهيات من الليس إلى الأيس ومن الظلمة إلى النور وتبديل الذوات في التكميلات من الطبع إلى النفس ومن النفس إلى العقل ومن العقل إلى المحو في الحق والطمس والمحق فيه ( سبزوارى / 348 ) .
 
( 784 ) :وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى.


( 785 ) : تجعل من المخلوقين من التراب سكان سماء من أمثال الأنبياء والأولياء ، والنجوم في الأرض هم الأنبياء والأولياء والمرشدين ، مصداقا للحديث النبوي [ أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ] .
 
( 786 ) : كلما ازداد تمنع المرء بطيبات الحياة الدنيا ، كان الموت أسرع إليه ، حقيقة ازدادت ثباتا أخيرا ، فكأن المرء وهو منصرف إلى لذائذ الدنيا بنهم وهي أشبه بالسم أو بالمخدر ، يكون أسرع إلى هدم قواه وأسرع إلى الموت .
 
( 788 - 795 ) : كون فناء الإنسان رقى له ، انظر الكتاب الثالث الأبيات 3902 - 3907 وشروحها ، الكتاب الرابع ، الأبيات 3687 وما بعدها وشروحها حيث يدق مولانا على هذه الفكرة كثيرا إن الإنسان يفنى من حيث يريد البقاء ويبقى من حيث يظن الفناء ، وكلها خلق
 
“ 463 “
 
من بعد خلق دون واسطة وعليك أن تبقى حائراً فالحيرة هي الطريق إلى المعرفة ، ومن هنا قال بعض الصوفية " يا دليل المتحيرين زدني تحيرا " ( انظر عن الحيرة الكتاب الثالث ، الأبيات 1116 وما بعدها وشروحها ) .
 
( 802 - 806 ) : إنك على وعى تام بهذه المراحل وتحسها فيك ، فأنت جامع الجماد والنبات والحيوان ( انظر ناصر خسرو ، جامع الحكمتين ، الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، ص 377 وما بعدها ، وانظر الكتاب الرابع - مقدمة الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ) لكن إلى مرحلة معينة ، إلى البر ، إلى عالم الخلق ، لكن بداية من مرحلة عالم الأمر تبدأ منازل البحر الذي لا يدرك ساحله ، فبحر الحقيقة أو بحر الوحدة ليس فيه علامة أو مرتبة أو منزل ، أصل منازله ليست على نسق منازل الأرض ذات السقوف والأبواب ، ولا أسماء لها ، ولا علامات فيها ، فالأسماء والعلامات والأوصاف كلها أمور جديرة بعالم الخلق ، إن المنزل الواحد فيها بكل المنازل التي قطعتها بين مرحلة النماء ، ومرحلة تحولك إلى عين من الأعيان ، فتخيل إذن قيمة ما لا تعرف بنظرتك إلى ما تعرف وعجبك به على قلته .
 
( 809 ) : كل سنة جديدة أفضل لك من ثلاث سنوات قديمة يعنى أن عطاء المبدل الذي يخلع عنك القديم يعوضك عنه بجديد يفوق هذا القديم في كل شئ ، خلقا من بعد خلق ، في أحسن تقويم ، فانظر دائما إلى الأمام ، ولا تنظر إلى الماضي وإلى الخلف ، فعطايا الله سبحانه وتعالى في ازدياد كما ، وفي تحسن كيفا ، وإن لم تكن لتصدق ، فانظر إلى ماذا كنت وكيف أصبحت ، لكي تستطيع أن تتخيل إن سرت على نفس الجادة ، إلام ستصير ؟ ! !
 
( 817 - 821 ) : ليست هذه قيمتك ، وليس هذا مكانك ولا يليق بك أن ترضى بما أنت عليه من قبح ، لست قبيحا لكنك من معدن الجمال ، لست من الأرض بل من الجنة ، فلا تقنع بالأرض وليكن سعيك إلى تمام الدائرة ، وطي قوس الصعود ، حتى تتم الدائرة ، وإلا فأنت في عذاب حقيقي ، عذاب لوجودك في غير بيتك ، وفي غير المحيط الجدير بك ، وفي غير
 
“ 464 “
 
الجو الحقيقي الذي ينبغي أن تعود إليه ، ومن هذه أنت جدير بالرحمة وبالشفقة .
 
( 822 - 832 ) : نعم أنت جدير بالرحمة والشفقة على موجب الحديث الشريف ارحموا ثلاثا ، عزيز قوم ذل وغنى قوم افتقر وعالما لعبت به الجهال ) أي استهزءوا عليه ( انظر أحاديث مثنوى 156 وفي رواية انه من أقوال الفضيل بن عياض ) .
وهو أشد الغرباء ، قال صلّى اللّه عليه وسلّم أحب العباد إلى الله تعالى الغرباء قالوا من الغرباء يا رسول الله ؟ ! قال : الفرار بدينهم يجتمعون مع عيسى بن مريم يوم القيامة . قال شيخ الإسلام : الغريب حالا هو رجل صالح في زمان فاسد بين قوم فاسدين أو عالم بين قوم جاهلين أو صديق بين قوم منافقين وهذا من الغرباء الذين طوبى لهم على موجب قوله صلّى اللّه عليه وسلّم
( إن الدين بدأ غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء ) قال شيخ الإسلام غربة العارف هي غربة القربة لأنه غريب في الدنيا والآخرة ( مولوى 5 / 128 )
وعن علي رضى اللّه عنه : ثلاثة يُرحمون عاقل يجرى عليه حكم جاهل ، وضعيف في يد ظالم قوى ، وكريم قوم احتاج إلى لئيم . ( جعفري 11 / 295 ) .
والأوصاف كالأجساد من اتصف بشئ غير مشهور في مجتمعه نبذ من هذا المجتمع ، ومن فقد صفة من صفته فكأنما فقد عضوا من جسده ، ونحن جميعا نعانى ، لقد شربنا كأس الميثاق ومعاهدة الله على العبودية ، وكلنا يعاني من خمار تلك الخمر التي شربها في ذلك اليوم في المحضر الإلهى ، آفتنا الأولى أننا بشر ، من نفخة السلطان ، وأبناء الخليفة ، لو كنا من أصل سىء لاسترحنا ، فهل بحث كلب أو قط عن السلطنة إنه ابن آدم وحده الذي يعيش في غربة غريبة يعز به أنه أصبح في الأسمال والملابس الخلقة ، بينما هو في داخله يطمح إلى السيادة والسلطنة .
 
( 833 ) : حكاية أخرى من الحكايات التي تجاهلها فروزانفر ولم يذكرها في المآخذ وتبدو الحكاية من الأمثلة التي يضربها مولانا جلال الدين ، المهتم اهتماما خاصا بقضية المتجانس ضرب عليها الأمثلة كثيرا من عالم الحيوان وعالم البشر وعالم النبات .
 
( 845 ) : ذكر فروزانفر أن الحكاية مأخوذة عن معجم البلدان لياقوت عند ذكر قم ، كما نقل
 
“ 465 “
 
القاضي نور الله الشوشتري في كتابه مجالس المؤمنين هذه الحكاية وقال أن نظيرها مذكور بالنسبة لمدينة سبزوار ، وهناك أيضاً حادثة تاريخية ذكرها عطا ملك الجويني في الجزء الثاني من كتاب تاريخ جهانكشاى عن حصار للسلطان لسبوزار حتى تشفع أحد شيوخها ويسمى أحمد البديلي ( استعلامى 5 / 255 ) ، وواضح أن مولانا كون من الحادثة التاريخية ومن رواية ياقوت حكاية تشبه هذه ( عن مآخذ / 162 - 163 ) وقد حكم محمد خوارزمشاه من 568 للهجرة وكان هجومه على سبزوار سنة 582 للهجرة .
 
( 887 ) : قتو : اسم مدينة في ما وراء النهر .
 
( 869 ) : [ إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ] ( حديث نبوي ) جامع 1 / 74 .
 
( 872 ) : قال أبو يزيد البسطامي : لو كان العرش وما حوله في زاوية من زوايا العارف ما أحس به ، وورد في الحديث النبوي : ما وسعتنى أرضى وسمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ( انقروى - 5 / 9219 .
 
( 919 ) : قال يوسف بن أحمد " روحانية أهل الله لا تزول بصورة الفقر " ( 5 / 140 ) .
 
( 925 ) : انظر شرح الأبيات 822 - 832 من نفس هذا الكتاب .
 
( 926 - 931 ) : تبداً غربة الإسلام بقول مولانا جلال الدين عندما ينفر منه أهله يتركونه ويضيعونه أو يمسخونه ويأخذون الصورة التي يروجها أعداؤه عنها ، يؤولونه ويتركون أسسه ، يجردونه من السلطة ليظل مجرد شعائر وعبادات ، يشوهه العدو في أعيننا ونتقبل نحن هذا التشويه ، يزاح من قلوبنا بعد أن أزيح من حياتنا ثم من عقولنا ، يأتي العدو ويسلط عليه بعض المنتسبين إليه بالاسم ، فيقولون ما لا يجرؤ العدو على قوله ، هذه هي غربة الإسلام الحقيقية عندما يصبح غريبا بين أهله ، موضع كراهيتهم وقتالهم ، تظل منه صورة خالية من الطعم والرائحة ، مجرد صورة ، نتبجح على أساسها ونقول " ماذا حدث للإسلام ،
 
“ 466 “
 
ألسنا مسلمين ؟ ! وبالتالي نظل في الضياع والتيه والفرقة والتبعية الثقافية والاقتصادية ، وحتى أغنياؤنا يظلون تبعا ، ولا يدرى أحد أن هذا التيه وهذا الضياع لأننا فرطنا في أساس وجودنا وكرهنا سبب حياتنا ، ونفرنا من عنصر عزنا ، فأصبح فينا غريبا ، وأصبحنا مجرد أبقار منذ أن وضع أسد الإسلام في إهاب بقرة ( حقيقة ليست مجازا ) وإلا أفلا نبصر يوميا الأبقار التي ترعى وهي تتشدق بالإسلام ، يقول مولانا : أجل تشدقى أيتها الأبقار بالإسلام ، ولكن حذار ، فعند ما ينشق إهاب البقرة الذي ركب على الإسلام سيسفر ذلك الإهاب عن أسد يفترس الأبقار السمان ، أو على الأقل يخرج منها طبيعة الأبقار ويجعلها في طبيعة الأسود .
 
( 932 ) :وَقالَ الْمَلِكُ : إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ ، يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ( يوسف / 43 ) . فالسمان هي الصفات البشرية السبع وهي التي بها القالب محبوس والكبر يأكلهن سبع عجاف وهي القناعة والسخاء والعفة والغبطة والشفقة والحلم والتواضع ، فإذا أراد الله أن يخلص القلب من سجن صفات البشرية يذهب الذي هو ملك مصر القالب ويقول : أيها الأعضاء والجوارح والقوى أفتوني فيما رأيت في الملكوت إن كنتم للرؤيا تعبرون ( مولوى 5 / 42 ) .
 
( 942 ) : الرواية هنا مأخوذة مما ورد في إحياء علوم الدين للغزالي : " وقال أبو أمامة إن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال إن إبليس لما نزل إلى الأرض قال يا رب انزلتنى إلى الأرض وجعلتني رجيما فاجعل لي بيتا ، فقال : الحمام ، قال : اجعل لي مجلسا ،
 قال : الأسواق ومجامع الطرق ، قال : اجعل لي طعاما ، قال : طعامك ما لم يذكر اسم الله عليه ، فقال اجعل لي شرابا : قال : كل مسكر ، قال اجعل لي مؤذنا : قال المزامير ، قال اجعل لي قرآنا ، قال :
الشعر ، قال اجعل لي كتابا ، قال : الوشم ، قال : اجعل لي حديثا : قال : الكذب ، قال :
اجعل لي مصايد : قال النساء ، ( عن مآخذ / 164 ) .
وفي الحديث القدسي ، " ما جعلت
 
“ 467 “
 
فتنة أضر على الرجال من النساء " ، كما فسر مولانا في الكتاب الأول الحديث النبوي ( إنهن يغلبن العاقل ويغلبهن الجاهل ) ، ( الكتاب الأول الأبيات : 2444 - 2448 ) .
 
( 960 ) : أي تجل للجمال يشاهده العارف كمظهر من مظاهر الجمال الإلهي أو كما قال ابن الفارض :وما ذاك إلا أن بدت بمظاهر * فظنوا سواها وهي فيهم تجلت
وتظهر للعشاق في كل مظهر * من اللبس في أشكال حسن بديعة( انقروى - 5 / 239 - 240 )
( 961 ) :وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ، لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ، ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ( التين / 1 - 6 ) .وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلا يَعْقِلُونَ( يس / 68 ) . والحسن المذكور في الأبيات ، إما أن يكون الحسن المجرد ، أو الحسن الذي كان في آدم عليه السّلام بالطاعة وبالعلم ، والذي نزع عنه وطرد من الجنة بذل المعصية والاستماع إلى الشيطان .
 
( 965 - 967 ) : تساقط الحلل إشارة إلى الآية الكريمة يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ، ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ، يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما ( الأعراف / 26 وجزء من 27 ) .
والعز هو عز الطاعة بالطبع والذل هو ذل المعصية .
والشيخوخة مآل كل حي ، لكن شتان ما بين شيخوخة وشيخوخة ، بين شيخوخة تشرف على عمر من الطاعة والنضج العقلي والفكري ، وتقف على أرض صلبة مما تكون أثناء فترة الشباب والعمل ، وشيخوخة قضى صاحبها شبابه في لذات الجسد ، فلما ضاعت عنه ولم يعد قادرا عليها ضاع منه كل شئ ، الأول جميل ذو عز في شيخوخته مثلما كان في شبابه والثاني هو الذي ينكس ولا يكون له من وقار الشيخوخة وجمالها شئ بل خرف وانهيار وذل
 
“ 468 “
 
ومسكنة .
( 974 ) : إنه نور الله هو الذي ينقذ المرء من أن يرتد إلى أسفل سافلين ، هو الذي يجعلهإِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ، إن قوته ليست من الجسد ، إنها قوة الروح وقوة الإيمان ، وإن كان واهن الجسد يكون قوى الروح ، وليست قوة الروح لأي إنسان ، ورب شيخ مهدم كانت شيخوخته هي قمة العطاء في عمره وفي حياته ، ألم يبدأ آية الله الخميني كفاحه وهو في الحادية والستين من عمره وتوجه وهو في السابعة والسبعين من عمره ، وكان حتى آخر لحظة من حياته صاحب القول الفصل فيما يعن لأمته من مشكلات ! ! أليس هناك شيوخ عديدون قادوا أممهم وهم في غروب العمر ، هذه شيخوخة ، لكن قوة الإيمان ووضوح الطريق ووضوح الهدف والعمل من أجل الله والناس معا ، كل ذلك يجعل الشيخوخة الجسدية تعوض بشباب الروح ، فالروح لا تشيخ ولا تعجز ولا تسقط ، إنها ليست جسداً يجرى عليها ما يجرى على الجسد .
 
( 984 - 991 ) : ليت كل جميل يعلم أن جماله عارية ، وأنه مجرد انعكاس بسيط لشمس الحسن على جدار يعكس النور لكنه لا يبعثه ( انظر الكتاب الثالث حيث جاء المثال بنصه ، الأبيات 552 وما بعده وشروحها ) أتدري ما الذي يجعلك ذاهلًا كل هذا الذهول أمام الحسان ؟ ! إن قبس النور قد ضوعف ويكون من خلال زجاج ملون ، هذا هو فحسب ، لكن ليتك تعتاد على مشاهدة النور دون مشاهدة هذا الزجاج ( ارجع إلى الأبيات 372 - 379 من هذا الكتاب حيث الحديث عن جرعة الحسن ) .
 
( 992 - 999 ) : أتدري ما هو النور أيضاً من خلال الزجاج ، إنه العلم المكتسب ، وليس العلم الذي وقر في القلب من لدن الله سبحانه وتعالى ، وهذا العلم المكتسب معرض للنسيان ، إنه مصباح مستعار ، لكنك إن نسيت ، فاشكر الله سبحانه وتعالى لأنه سوف يعوضك عن هذا النسيان بالأضعاف المضاعفة ، بالنور الذي يقذفه في القلب ، إن شرط
 
“ 469 “
 
الشكر ، ولَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ،الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ( محمد / 1 و 2 ) ، إن إضلال الأعمال ألا يحس الكافر بود أو شكر أو صلة قرابة ، إنه لا يحس بنصر إن بلغ أمله ، يظل طوال حياته يسرع في أثر رغباته ، ولا يحس أنه بلغ واحدة منها .
 
( 1008 ) : تمزيق الخرقة عند الصوفية : إشارة إلى ما يقوم به الصوفي عندما يبلغ به الوجد مداه في مجلس السماع فهو يمزق خرقته إربا ، ومن القطع الممزقة من الخرقة يصنع سجادة فمن المعيب أن ترتق خرقة مزقت عشقا ( وخرقة الجسد إن مزقت في سبيل العشق كان ذلك علو شأن الروح ) ( جلبنارلى 5 / 181 - 182 ) .
 
( 1016 - 1025 ) : عن أن العدم هو مصدر الوجود ، انظر الأبيات 1960 وما بعدها ومن هذا الكتاب وشروحها ، والأبيات 3096 و 3617 وما بعدها من الكتاب الثالث وشروحها .
وعرف السبزواري الإبداع بأنه إيجاد الشئ دون أن يسبق بمادة أو بمدة (سبزوارى / 356 ).
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 1026 - 1474 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:37 am

الهوامش والشروح 1026 - 1474 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح 1026 - 1474 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 1026 - 1474 فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح مثال لعالم الوجود الذي يبدو عدما وعالم العدم الذي يبدو وجودا
( 1016 - 1025 ) : عن أن العدم هو مصدر الوجود ، انظر الأبيات 1960 وما بعدها ومن هذا الكتاب وشروحها ، والأبيات 3096 و 3617 وما بعدها من الكتاب الثالث وشروحها .
وعرف السبزواري الإبداع بأنه إيجاد الشئ دون أن يسبق بمادة أو بمدة (سبزوارى / 356).
( 1030 ) : عن الكلام الظاهر والفكر المستتر ، انظر 1 / 1897 و 2 / 1284 .
 
( 1037 - 1038 ) : عن هذا السر انظر 3 / 1164 .
 
( 1045 - 1050 ) : [ يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد ، يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله ] ( إحياء علوم الدين للغزالي ، ج 2 ، ص 143 ) ونقل فروزانفر روايات عديدة عن هذا المعنى عن الشيخ الصدوق وعن حلية الأولياء وعجايب نامه وفرائد السلوك ( مآخذ / 164 - 168 ) وكلها مجرد حكايات معتمدة على الحديث النبوي المذكور عاليه ، والحديث الذي جاء في العنوان الذي تلاه .
 
( 1072 ) :هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ، يَعْلَمُ
 
“ 470 “
 
ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( الحديد / 4 ) .
( 1077 - 1078 ) : الجواد هو الروح ، يقوم كيان المرء بها ولا يزال يتساءل أين هي .
 
( 1080 - 1082 ) : ما أقرب هذه المعاني كلها إلى ما عبر عنه حافظ الشيرازي في بيتين اثنين :
لسنوات والقلب يطلب منا كأس جمشيد * وما فتىء يتمنى من الآخر ما هو موجود لديه إن تلك الجوهرة التي خرجت من صدفة الكون والمكان * تطلب ( الأشياء ) من التائهين على شاطىء البحر ( جامع نسخ حافظ غزل 201 ، ص 163 ) ( 1084 ) : ( من جعل الهموم هما واحدا كفاه الله سائر همومه ومن تفرقت به الهموم لا يبالي الله في أي واد منها هلك ) ، ورد في الأحياء مثيله ( 4 / 214 ) : ( من أصبح وهمه الدنيا شتت الله عليه أمره وفرق عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن أصبح وهمه الآخرة جمع الله همه وحفظ عليه ضيعته وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ) .
 
\( 1086 - 1088 ) : الغصن السئ كناية عن الأفكار السيئة النابعة من النفس الأمارة بالسوء ، والغصن الحسن كناية عن الأفكار الحسنة النابعة من القلب وقد عبر مولانا عن نفس هذه الفكرة في الكتاب الثالث ، في جذور الأحزان في القلب التي تنبت الأشواك وجذور البسط التي تهتدى إلى الأحباب ، ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 360 - 364 وشروحها ) .
 
( 1089 - 1094 ) : لعله من أبسط التعريفات عن العدل : وضع الشئ في موضعه ،
 
“ 471 “
 
وبالتالي فالظلم وضع الشئ في غير موضعه ، ومن هنا فمن الظلم أن تضع أحمال البلاء على الروح ، لأنها هي الجديرة بكل نعم الله المعنوية .
 
( 1104 - 1108 ) : ذكر جلبنارلى أن الرباعية المذكورة في العنوان من رباعيات مولانا جلال الدين ووردت في الديوان الكبير ( جلبنارلى 5 / 197 ) لكن لم أعثر عليها في نسختي من الديوان الكبير ، ويقول مولانا جلال الدين إن على المرء أن يتحرك ويحاول ، وإن لم يكن الطريق ظاهرا له فإن الحركة هي التي تكشف الطريق ،وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا( العنكبوت : 69 ) ، المهم من المرء الحركة ومن الله البركة ، وزليخا قد تكون هنا رمزا للنفس الأمارة بالسوء ويوسف رجل الحق ، وقد غلقت زليخا الأبواب ، إلا أن يوسف وجد النجاة من الحركة .
 
( 1109 - 1113 ) : يدق مولانا على فكرة سبق الحديث عنها في الكتاب الثالث ، الأبيات 3292 وما بعده وشروحها ) والكتاب الرابع ( الأبيات 3060 ) وما بعده وشروحها ) كما عاد إليها بعد العنوان التالي وهي أن الإنسان قطع مراحل قوس النزول من الجمادية إلى النباتية إلى الحيوانية ثم إلى الإنسانية دون أن يدرى ما هي المنازل التي قطعها وما هي طبيعتها ، وهو في مرحلة ما بين المرحلتين هذه كأنه في النوم ، وإذا بدأ قوس الصعود بالموت فسوف ينتقل أيضاً في منازل لا يعلم عنها شيئا ، فهل درى من أين جاء حتى يدرى إلى أين سميضى ؟ !
 
( 1114 - 1118 ) : إنك إن أغلقت عينيك ترى في النوم من الأماكن والمدن ما لا يخطر لك على بال ، ثم إنك إن أغمضت عينيك عن هذه الدنيا سوف تفتحها على ما لم لا يخطر لك ببال ، لكنك لا تريد أن تغمضها ، إن هناك آلاف الأشياء التي تنظر إليها ، أهمها جاه الدنيا وإقبال البشر ( المشترين ) الذين تتوقعهم وتجذبهم إليك ، إنك لا تهتم إلا بالجاه والناس مثلما تتهم بومة النحس بالخرائب ، وبضاعتك هباء ، ولا قيمة لها ، ولو كان عندك قوت من النور
 
“ 472 “
 
الإلهى لما اهتمت أدنى اهتمام بإقبال الناس عليك .
 
( 1119 ) : بهذا البيت تبدأ قصة أخرى من القصص التي تجاهل فروزانفر البحث عن أصولها ، والقصة من التراث الشهير جدا بحيث انتقلت إلى الأدب الشعبي والخليفة المذكور في الروايات الشعبية هو هارون الرشيد .
 
( 1125 - 1129 ) : انظر شروح الأبيات 1109 - 1113 من نفس هذا الكتاب .
 
( 1135 ) : دار السلام قد تكون بغداد وقد تكون الجنة وهو الأرجح على أساس أن الإنسان هبط من الجنة ، وعلى أساس أن ما يقابلها بالفعل دار الملام أي الأرض .
 
( 1155 - 1159 ) : المثال هنا يشبه الحديث إلى الجنين الوارد في الكتاب الثالث ( الأبيات 54 وما بعده وشروحها ) والمنقول بدوره من إحياء علوم الدين للغزالي : " فنسبة عموم القيامة الكبرى إلى خصوص القيامة الصغرى كنسبة سعة فضاء العالم إلى سعة فضاء الرحم ، ونسبة العالم الذي يقدم عليه العبد بالموت إلى سعة فضاء الدنيا كنسبة فضاء الدنيا إلى الرحم بل أوسع وأعظم ، فقس الآخرة بالأولى فما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة . ( إحياء علوم الدين 4 / 64 ) .
 
( 1165 - 1170 ) : تناول مولانا هذه الفكرة بشكل مبسط في الكتاب الذي بين أيدينا ( الأبيات 174 - 182 ) ويعود إليها هنا على أساس أن العهد بالنسبة للإنسان هو بمثابة الجذر بالنسبة للشجرة ، وإن كانت الشجرة خضراء وجذرها فاسد فسرعان ما يختفى ، وربما إذا فسرنا هذا الأمر بلغة معاصرة نقول أن معيار الإنسانية بالشعور بالالتزام تجاه الخالق والرسالة الملقاة على عاتق الإنسان ، بأن يسعى إلى ربه سعيا فيلاقيه ، وأن يكون في الأرض جديرا بالنفس الإلهى الذي نفخ فيه ، وإن لم يحس الإنسان أنه مسؤول أمام من هو أعلى ، فإن طبيعته النزاعة إلى الشر سوف تجره إلى أسفل ، بل وتصير كل مجهوداته حتى العظيم والمتعالى منها مجرد غثاء لا جدوى منه ، قشور ، فإن التزام الإنسان أمام الله في سره وجهره وفي
 
“ 473 “
 
العلم الذي يقوم به وفي سعيه يمنح الإنسان تعاليا وتساميا في أهدافه ، ويهذب كثيرا من النفس البشرية النزاعة إلى الهوى وإلى الدم ، ويمنح كثيرا من نشاطاته جانبا يجعلها أكثر رأفة ورحمة بالإنسانية ، هذا الجانب في الالتزام الإلهى خصيصة إسلامية يسيطر على كل مناحى الحياة الإسلامية حتى الفكرية والاقتصادية منها ( انظر جعفري 11 / 410 - 418 ) .
 
( 1171 - 1179 ) : إذا كنت تريد أن ترى نموذجا حيا على فوائد الوفاء بالعهد ومضار الغدر فانظر إلى جزاء من أوفوا ، وإلى الشياطين الذين غدروا ، والوفاء بالعهد من صفات الله سبحانه وتعالى ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 324 وما بعده وشروحها ) وليكن اعترافك بالعهد مقرونا بالصمت ، فالأمر أمر عمل لا أمر شقشقة باللسان " فمن قل كلامه كمل عقله " كما قال الإمام على رضي اللّه عنه ، أو كما قال جعفر الصادق رضي اللّه عنه " قلب الأحمق في فمه وفم الحكيم في قلبه " ( جعفري / 11 - 432 ) .
 
( 1180 ) : يقول مولانا الحسد عصيان ، لأنه تدخل في ملكوت الله وفي عطائه ، وكان أول الحاسدين إبليس ، وجرد حسده إلى الشرك وإلى العصيان ، لأنه حسد آدم ، فأبى السجود واستكبر وطرد من ملكوت الله .
 
( 1181 - 1184 ) : وفاء العبد يقابله وفاء الحقوَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ( البقرة / 40 ) ، وللفكرة أكثر تفصيلا ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 324 وما بعده وشروحها ) .
 
( 1188 - 1192 ) : دعك من الدعاء باللسان وازرع في مزرعة الدنيا ما بقي من مالك ومن أعمالك وابذرها وانثرها في سبيل الله تعالى ، فإن كل بذرة تتطلب أن تكون شجرة ودعاؤك وتضرعك يهبك أشجار العناية الإلهية وحتى وإن لم تكن عندك بذورها ، فمتى تقف العناية الإلهية والقدرة الإلهية عند الأسباب ، مثل مريم البتول لقد كان لها الرطب الجنى لأنها هزت النخل اليابس بأمر الله ، وألم يكن سبحانه وتعالى قادرا على أن ينزل عليها الرطب بلا
 
“ 474 “
 
نخل ولا هز ؟ ! كان قادرا سبحانه وتعالى لكن الضراعة والألم ذات تأثير عظيم في استنزال رحمة الله سبحانه وتعالى ( انظر البكاء وتأثيره في استجلاب الرحمة في هذا الكتاب الأبيات 135 وما بعده وشروحها ) .
 
( 1196 - 1199 ) : هناك من الأمور من يجب الثبات عليه ، ويكون الثبات عليه أمرا صعبا ، ولا يدعو مولانا جلال الدين هنا الله بأن يهب الثبات في كل أمر ، بل في ما يجب من أمور : السلوك والطريق ، والعكوف على العلم ، والزهد في المادة في عالم أصبح يقيس كل شئ بالمادة ، والسير في طريق يراه الآخرون " غير مجز " ، و " غير مجد " ، ينظر الأخرون إليه بعجب ، ودهشة يحاولون إثناءه عن هذا الطريق الذي لا خير فيه ، في حين أن الإنسانية لم تتقدم إلا بأولئك الذين ساروا في طرق غير مسلوكة ، وعكفوا على تنمية النور الذي وضعه الله في القلب وفي العقل وفي الذهن ، وتحملوا سخرية الآخرين الذين يسيرون في الطرق المأهولة الموصلة إلى الغنى والثروة ويغيرونها كلما استدعت الحاجة ، أو كلما نزعت النفس إلى الهوى ، أولئك الذين يرون " الدنيا تجارة " ، فهم يغيرون معروضات محلاتهم طبقا " لرغبات الجماهير " ، و " آخر الواردات " ، هؤلاء الرجال " المعارض " ، لا يتأتى منهم جديد ، انهم ينتظرون الجديد فحسب .
 
( 1200 - 1207 ) : إن هذا التنقل والتغير وتغيير مجال العمل وأسلوب الحديث ( وأحيانا الأسرة والمعارف والأصدقاء ) منشؤه الأصلي هو الحسد ، يتحاسد الناس في سبيل ماذا ؟ ! السلطة والثروة والنساء ، فهل هي أمور ثابتة أو دائمة ؟ هل دامت لأحد ، هل تدوم السلطة أو الثروة ، وهل تدوم لحظات متعة الشهوة والجسد ، حتى أولئك الذين سارت الركبان بقصص حبهم وعشقهم ، يس ومعشوقته رامين وخسرو ومعشوقته شيرين ، أين هم الآن ، فنوا وفنى حبهم وعشقهم ومعشوقهم ، فما كان عشقهم عشقا وما كان معشوقهم بالذي يستحق كل هذا ، ضعف الطالب والمطلوب ، وفني العاشق والمعشوق . وكلهم عدم عاشق لعدم ،
 
“ 475 “
 
وما جعل الله العدم عاشقا للعدم ، إلا لكي يضرب العدم ببعضه ، فيحمى سوق الدنيا القائم على الغفلة ، وينقلب العدم إلى وجود ، فهذا التحاسد هو الوقود الذي يجعل هذه الدنيا تبدو ذات وجود حقيقي .
 
( 1210 - 1216 ) : لولا أن جعل الله من الشريعة عامل تلطيف في هذه الدنيا ، لفنى الناس تحاسدا وتباغضاً ، ولاشتعلت نيران الحسد في كل مكان ، ولاعتدى القوى على الضعيف ولأكل الغنى الفقير ولانقلب المجتمع إلى غابة ، والشريعة واضحة ، من خلالها يعلم كل إنسان حقه ، ولا محيص له من قبول ما تحكم به الشريعة لأنها من لدن لطيف خبير يعلم من خلق ، وليست من وضع إنسان ، يعرضها كل لحظة للتغيير والتبديل ، والذي لا يقبل الشرع يبقى شيطانا حسودا يملأ هذه الجيفة القبيحة المسماة بالدنيا حسدا وحقدا .
 
( 1216 - 1224 ) : هكذا عندما تغيب الشريعة عن مجتمع ما ، فإن الذي يسطر على هذا المجتمع شياطين الجن وشياطين الإنس ، فمن اليسير الاحتيال على قوانين الأرض ، لكن متى كان الاحتيال على قوانين السماء ، ويستوى شياطين الجن وشياطين الإنس في جعل الأرض على هذه الدرجة من السوء والتدنى والتباغض والتحاسد والتقاتل ، وسرعان ما تطبع الشياطين بني آدم بطابعها الذي يغلب عليه الحقد والحسدوَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً( الأنعام / 112 ) ،
وانظر إلى مجتمع غابت عنه الشريعة ، وترك الناس ينطلقون وفق أهوائهم وغرائزهم دون ضابط أو رابط ، كلهم ساقطون في حبال الشيطان ، يستعين بهم الشيطان يجعل منهم المحتال والنصاب والقواد والديوث ، ينقلب المجتمع إلى قطعة من جهنم حيث لا قيم ولا أخلاق ولا فضيلة ولا علم ولا فن ، بل تدن وسقوط وانهيار ، وغيبة للعقل والمنطق والوعي ، وسقوط للبشر يوما بعد يوم ، بحيث يحتاج بقاء المرء نظيفا إلى قوة فوق قوى البشر .
 
( 1226 - 1235 ) : عودة إلى قصة الخليفة ومدعى النبوة ، فالخليفة يسأله عن وحيه وعما
 
“ 476 “
 
نزل به هذا الوحي عليه ، ويجيب الرجل إجابة خليقة حقا بالعقل وبالإنسان ، ولعلها إجابة جلال الدين نفسه ، لتعرض أن الوحي النازل على محمد بن عبد الله صلّى اللّه عليه وسلّم قد انقطع بوفاته ، فهل يوجد إنسان بلا وحى ؟ ! هل الإنسان أقل من النحل ؟ ! الذي نزل فيهوَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ( النحل / 68 ) ،
أيكون الإنسان الذي نزلت فيه آيةوَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا( الإسراء / 70 ) ،
أيكون مثل هذا المخلوق أقل من النحل بحيث يوحى إلى النحل ولا يوحى إليه ؟ ! وكيف تقرأإِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، وتبقى ناظرا لنفسك على أنك أقل من أن يوحى إليك ؟ !
أليس هذا الكوثر هو الخير مجموعا كله ، وهو أصل الخير ، وهل يمكن أن يختص محمد صلّى اللّه عليه وسلّم بالخير ، دون محبيه وتابعيه والمؤمنين بالنور الذي نزل عليه ، وهل يكون النص منقطعاً ؟
لا بل إن كل من ترى في وجهه سيماء الإيمان ونضرة الاتباع لابد أنه نال نصيبا من هذا العطاء سواء كان القرآن أو حوض الكوثر أو الخير الكثير ( شرح المثنوى للسبزواري 5 / 361 - جعفري 11 / 348 ) وإذا كان المرء مع من أحب ، وكان فيه صفة الإيمان ( والمؤمن إذا أحب أحب لله وإذا أبغض أبغض لله ) ( انقروى 5 / 303 ) ، ليس هذا فحسب ، وأنت إذا آمنت بالنبوة وحزت شرفها ووصلت إلى مرتبةوَلَقَدْ كَرَّمْنا، صار قلبك محل الوحي الإلهامى والإلهام إفهام القلب وما يلقى في الروع بطريق الفيض الإلهى فهناك بلا شك تقارب في المعنى ،
قال جامى : " اعلم أن الفيوضات من الحق تعالى على قلوب كل عباده على نوعين منها ما يفيض عليهم بواسطة الملك بعبارات محفوظة عن التغيير مرادة تلاوتها وهو القرآن المنزل على نبينا صلّى اللّه عليه وسلّم ومنها ما يفيض عليهم بغير واسطة وهي معاني صرفة وهذا النوع ليس مخصوصاً بالأنبياء بل يعم الأولياء وصالحي المؤمنين ( مولوى 5 / 178 ) .
 
( 1236 - 1241 ) : إذا أردت هذا الوحي ، فكن طالباً للكوثر ، وأين يطلب الكوثر إلا من
 
“ 477 “
 
محمد بن عبد الله صلّى اللّه عليه وسلّم وإلا عند من سبقوك إلى شرب هذا الكوثر ، لكن إن وجدت إنساناً لم يشرب من هذا الكوثر فاهرب منه ، إنه كالموت وإنه كالحمى ، يصيبك الجهل الذي عنده بموت الروح وهو أشر موت وإن كان الجسد حياً ، فر من مثل هذا الإنسان ولو كان أباك ، ولك في إبراهيم عليه السلام أسوة حسنةوَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ( التوبة 114 ) ،
وأنت دون علم بهذا الطريق ما لم توف سر " لا وإلا " أي " لا إله إلا الله " أي سر التوحيد ، فالتوحيد إفراد لله سبحانه وتعالى عما سواه أو فيما ذهب إليه السبزواري وأن " لا " نفى للتعيينات وسلب للماهيات والسرابات وإلا إثبات للذات وماء الحياة ( شرح مثنوى 5 / 361 ) وهذا هو المنهاج الواضح لهذا الطريق وسره الأول .
 
( 1242 ) : العنوان الوارد قبل البيت يحتوى على الآية الكريمةتَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ( السجدة 16 ) وجرجيس عليه السلام أحد الأنبياء ظهر في الفترة بين بعثة عيسى وبعثة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وورد في دائرة المعارف التركية أنه قد ولد في الرملة وتوفى سنة 303 ميلادية في نيقوميديا ، وكان مأمورا بدعوة حاكم الموصل ، واستشهد أربع مرات تحت تعذيب هذا الحاكم " وفي رأى لاستعلامي 5 / 276 سبعين مرة " ويسمى عند المسلمين سان جورج ، ولجرجيس بالذات وجود في المأثور الشيعي فقد وردت عنه حكايات كثيرة في بحار الأنوار للمجلسي ، وفي المأثور الشعبي الفارسي هناك مثل يقال عند تعرض المرء للكوارث دائماً " وكأن نبيه من بين الأنبياء هو جرجيس " ( انظر جلبنارلي 5 / 223 - 222 ) ورد فروزانفر الحكاية إلى ما ورد في إحياء علوم الدين " رأيت رجلًا متعلقاً بكم صبي وهو يتضرع إليه ويظهر له المحبة فالتفت إليه الصبى وقال له إلى متى هذا الالتفات الذي تظهره لي ؟ ! فقال : حتى تعلم الله أنى صادق فيما أورده حتى لو قلت لي مت لمت ، قال إن كنت صادقاً فمت قال : فتنحى الرجل وغمض عينيه فوجده ميتاً ( إحياء 4 / 340 ) ، كما ورد
 
“ 478 “
 
ما يشبه هذا في ألف ليلة وليلة وقائع الليلة السابعة بعد الأربعمائة ( مآخذ 169 ) وما أشبه هذا بما ورد عند ابن الفارض :وجانب جناب الوصل هيهات لم تكن * وها أنت حي ، إن تكن صادقا فمت( انقروى 5 / 307 ) .
 
( 1247 - 1251 ) : المفروض أن العاشق لا يتحدث كثيراً عن عشقه فهذا أمر بالعمل والفعل وليس بالكلام ، فضلًا عن أن لغة العشق هي الإشارة والإيماء ، لكن العاشق مع ذلك لا يمل الكلام عن عشقه ومعشوقه خاصة إذا كان هذا المعشوق مستحقاً لهذا العشق وليس من قبيل العشق الذي تكون عاقبته عاراً ، والعاشق لا يتحدث لكي يعدد أياديه على المعشوق ، بل لأنه بمجرد الحديث ( انظر عن الحديث أو الصمت في العشق الأبيات 4710 وما بعده من الكتاب الثالث وشروحها ) والنار الموجودة في داخل العاشق ولا يمكن التعبير عنها أشبه بما يقوله حافظ الشيرازي :
لا أدرى من يوجد في داخلي أنا المتعب القلب * فأنا صامت لكنه هو في صياح وعويل لعله السر الذي العاشق انه أصبح متواجداً به بحيث يصبح معه واحداً ( حافظ نامه لبهاء الدين خرمشاهي 1 / 198 ) .
 
( 1265 ) : الحكاية الواردة هنا ذات تشابه بما ورد عن محمد بن علي بن الحسن بإسناده عن منصور بن يونس أنه سأل الصادق رضي الله عنه عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكى فقال قرة عين والله وقال إذا كان ذلك فاذكروني عنده " وبرواية أخرى عن أبي حنيفة قال سألت أبا عبد الله عن البكاء في الصلاة يقطع الصلاة فقال إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان ذكر ميتاً له فصلاته فاسدة .
 
( 1271 ) : زويت لي الأرض : إشارة إلى الحديث النبوي [ إن الله زوى لي الأرض أي
 
“ 479 “
 
جميعها فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي إلى ما زوى لي منها ] ( انقروى 5 / 313 ) ولم يتناول فروزانفر أصل الحكاية ، والواقع أنها ليست حكاية بالمعنى المفهوم ، بل مجموعة من الأفكار الصوفية وضع لها مولانا شخوصاً ، والأبيات تتناول مفهوماً شائعاً عن الوجد والتواجد ، فالوجد صفة الشيوخ ، والتواجد صفة المريدين ويصوره إبراهيم بن المستملى البخاري بصورة أدبية رائعة حيث إن التواجد يبدو في ظاهره كأنه السيل المندفع لكنه عندما يصل إلى البحر يضيع في خضمه ومن ثم فالتواجد صفة السالكين وعندما يصل السالك إلى الموطن لا يبقى التواجد ( شرح التعرف 4 / 31 ) والوجد خاص بكبار المشايخ لأنه بشارات الحق بالترقى إلى مقامات مشاهداته ، ومن ثم يكون التقليد من المريد مذموما ( شرح التعرف 4 / 26 )
وعند الهجويرى " من شعر بالوجد فإما أن يكون مضطربا بالشوق المحرق في حال الحجاب ، أو مستكينا بالمشاهدة في حال الكشف ، إما زفير وإما نفير ، إما حنين وإما أنين ، إما عيش وإما طيش ، إما كرب وإما طرب ، والتواجد هو تكلف الوجد بملاحظة نعم الله تعالى وآياته بالقلب والفكر في الاتصال والرغبة في أعمال الصالحين ، وبعضهم يتواجد على حسب الرسم ويقلدونهم بحركاتهم الظاهرة ، ومثل هذا التواجد حرام لكن بعضهم يفعلونه رغبة في الوصول إلى أحوال كبار الصوفية ومقاماتهم ومن تشبه بقوم فهو منهم ،
( كشف المحجوب : الترجمة العربية 499 - 501 ) والوجد هو أول درجات الخصوص وهو ميراث الصديق بالغيب في قول لأبى سعيد الأعرابي وأشبه بما ورد هنا ما روى عن ذي النون المصري من أنه سمع أبياتا من الشعر فقام وسقط على وجهه ثم قام رجل آخر فقال ذو النون : الذي يراك حين تقوم ، فجلس ذلك الرجل وكان ذاك إطلاعاً من ذي النون على قلبه انه متواجد متكلف ( إحياء علوم الدين 2 / 291 )
وواضح من السياق هنا أن مولانا جلال الدين لا يحبذ التكلف في إظهار الوجد من قبل المريدين الذين يقلدون الشيوخ تقليداً ، فإن الأمر هنا ليس بالتقليد بل بالذوق وعلى المريد أن يقتبس من نور الشيخ وألا يجد في نفسه القابلية


 “ 480 “
 
على تقليده حتى في الأمور الظاهرة .
 
( 1274 - 1282 ) : يقدم مولانا عدداً من الأمثلة والصور لكي يبين كيف أن المريد الساذج يظن وهو لا يزال في أول الطريق أنه قد بلغ مرحلة تتيح له أن يفعل ما يفعله الشيخ ، وما ذاك إلا لأن شعاعاً من الشيخ قد سطع عليه وهو يظن أن هذا الشعاع من نفسه هو ، إن هذا الذي يظن أن الشعاع منه هو قد يزل وقد يطغى وقد يلقى به غروره هذا في مهاوى النفاق والكفر ، فهو كالأصم الذي لا يسمع ما يقال ويرى القوم يضحكون فيضحك مثلهم ، وهو كالسلة في الماء تظن الماء فيها وهو خارجها ، وكالمشكاة التي يتلألأ فيها ضوء القمر ، وقد وردت هذه الفكرة في الكتاب الأول ( الأبيات 3237 - 3240 ) .
 
ويبين مولانا في نفس الموضع قصة كاتب الوحي ، الذي كان شعاع الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ينعكس عليه ، فتجرى في بواطنه أنهار الحكمة التي يأتي بها الوحي ، فظن أنه يوحى إليه ، إلى هذا الحد قد يدير نفسه من يظن لنفسه جناحاً قبل أن ينبت له ريش .
 
( 1284 - 1296 ) : هناك مرحلتان لابد وأن يمر المريد بهما المرحلة الأولى هي مرحلة الوهم والظن والخيال والتقليد ، وهو في هذه المرحلة يميل إلى النقاش والفيهقة في الحديث والتعالم ، وما أشبهه في هذه المرحلة بالطفل الميال إلى الصخب الذي يظن بامتطائه الأعواد أنه يمتطى الخيول ويملأ حجره بقطع الفخار ويعتبرها ذهباً ( انظر كليات ديوان شمس غزل رقم 1353 ، ص 525 ) وعندما يصل إلى محفل الرجال ينظر إلى حياته الماضية نظرة إشفاق وسخرية ، ويدرك أنه مهما كان ماهراً فإنه عندما يصل إلى أولئك الذين يعيشون في البحار والمحيطات يدرك أن قدمه التي كان يسرع بها على البر كانت وسيلة متواضعة جداً وأن علمه المدعى كان يبتعد به عن العلم الحقيقي .
 
( 1300 - 1312 ) : مقابلة أخرى بين عالم المريد وعالم الشيخ ، وبين بكاء المريد وبكاء الشيخ ، وشتان ما بين هذين النوعين من البكاء ، فالمريد قد يبكى لكن بكاءه قد يكون من

“ 481 “
 
حزن وقد يكون من فرح ، ولا يعلم أن هناك أسباباً أخرى قد يبكى منها الشيخ الذي قد يكون بكاؤه وقد يكون ضحكه لأسباب لا تدور للمريد في خلد ، إن بكاءه مثله تماماً لا بد وأن يكون من نوع آخر ، هذه العين التي تبصر ما لا يبصره الآخرون كيف يكون دمعها نابعاً من أسباب كالأسباب التي يبكى منها الآخرون ؟ وكيف يمكن للمريد بوسائله القاصرة أن يدرك بكاءا لا هو بالعقل ولا هو بالحواس وكيف يقيس نفسه به ؟ كيف يقاس الليل بالنهار والبعوضة بالرياح ؟ ! ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 4630 وما بعده وشروحها ) .
 
( 1316 - 1332 ) : كم تتشابه أشياء كثيرة في المظهر لكنها في المخبر متباعدة ويوجد فيما بينها بعد المشرقين ، تتشابه كل الحروف ، لكن متى كانت كل الحروف ذات تأثير كتلك الحروف التي تجىء في فواتح السور ؟ ألم يقل ابن عباس إن لكل شئ لباباً ولباب القرآن الحواميم ؟ وألم يقل الشيخ الأكبر في الفتوحات حاء الحواميم سر الله في السور أخفى حقيقته عن رؤية البشر ( انقروى 5 / 321 )
لقد أخفى سر هذه الفواتح عن جبريل نفسه ، وإنما كان الله سبحانه وتعالى يريد أن يعلم الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم شيئا لا يريد أن يعلمه جبريل نفسه ، وقد روى في الأخبار أن جبريل عليه السلام لما نزل بقول الله تعالى كهيعص فلما قال كاف قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم علمت ، فقال ها فقال علمت ، فقال يا فقال علمت ، فقال عين فقال علمت ، فقال ص فقال علمت ، فقال جبريل كيف علمت ما لم أعلم ( مولوى 5 / 200 )
وانظر أيضا تفسير كهيعص في الدفتر الرابع ) هذا التفسير من الصوفية لفواتح السور يلتقى مع تفسيرهم للمعراج وللمرحلة التي وقف عندها جبريل وتقدم الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم هذا الاصطفاء ميراث من الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم للأولياء والمشايخ المرشدين ، فإياك أن تظنهم مثلك ويشبهونك ولا تقم بقياس حالك على أحوال الأطهار ، فهناك فرق شاسع بين كلمتي " شير " بمعنى أسد و " شير " بمعنى لبن وان كانت يكتبان في صورة واحدة وهذا من أوائل الموضوعات التي تحدث عنها مولانا جلال الدين في المثنوى ولا يفتأ يعود إليها بين الآن والآخر ( انظر الكتاب الأول الأبيات : 264 -
 
“ 482 “
 
277 وشروحها ) .
مثل هذا الدق الشديد على هذا الموضوع بين طبيعة نظرة مولانا جلال الدين التي تحاول أن تعرى النفاق والتقليد والوقوف على الظاهر والتظاهر ، إن الناس ينظرون نظرات سطحية ، يحبون ويبغضون ، يوافقون ويعترضون ، وفي موقف الاعتراض ، تضيع كثير من الأمور الدقيقة التي لا يدركها كل إنسان ، إنها في حاجة إلى ذوق ، وإلى مرشد ، وإلى معلم ، وكم من المصائب والكوارث يقع فيها الإنسان الذي يظن أنه أصبح كبيراً على المرشد وعلى المعلم ويريد أن يتظاهر بالإرشاد والتعليم ، فيورد نفسه موارد التهلكة .
 
( 1333 ) : بهذا البيت تبدأ واحدة من أكثر حكايات مثنوى مولانا جلال الدين إثارة للنقاش والاستهجان بحيث قال محمد تقي جعفري صراحة أن مثل هذا الحديث ومثل هذا الأسلوب لم يكن منتظراً من مولانا ولا كان يصح أن يصدر عنه ( محمد تقي جعفري مثنوى 11 / 475 ) ،
ومن ثم لم يشرح الحكاية ولم يعلق عليها والحكاية من الحكايات الشائعة في المأثور الشعبي ، ويقوم عليها مثل يقول " كير ديدى كدو نديدى " رأيت الذكر ولم تر القرعة " لمن يرى محاسن الشئ دون أن يرى مخاطره ،
وذكر استعلامى أن الحكاية لا مثيل لها قبل جلال الدين والواقع أنها موجودة في المأثور الشعبي المصري بكل تفصيلاتها وأذكر أنني سمعتها منذ وقت بعيد كما ذكر زرين كوب " سرني ، جلد 1 ، ص 325 ، ط 3 ، تهران علمي 1368 "
نقلًا عن نيكلسون أن القصة تذكر في بعض تفصيلاتها بالقصة اليونانية المسخ القائمة على ممارسة امرأة للجنس مع حمار كان إنساناً ومسخه أحد السحرة .
 
والواقع أن ثورة شراح المثنوى من المعاصرين على هذه الحكاية ليس له ما يبرره ، فأمثال هذه الحكايات عند مولانا تضرب للتمثيل ولشرح معان سامية ، وطالما قلنا أن المثنوى نص متعدد المستويات ، وهو نص تعليمي في المقام الأول ، ووجود الحكايات ذات المدلول الجنسي منه ضرورة كان العصر يتقبلها ، وكل موسوعات الفكر الإسلامي التراثى تحتوى على أبواب كاملة تتحدث
 
“ 483 “
 
صراحة عن الأمور الجنسية ، فلم يكن القوم ينظرون إليها نظرة الحرج التي ينظر بها المعاصرون ، وطالما دق سنائى ودق جلال الرومي على أن هزلها ليس هزلًا إنه تعليم ، ومستويات المريدين متفاوتة ، وقوة التعبير في هذه الموضوعات تستلزم قدراً من الصراحة ، والموقف كله موقف شاذ ، موقف المرأة التي تمارس الجنس مع حمار ، وفي ألف ليلة وليلة هناك جارية تمارس الجنس مع دب ، وحكايات هذه العلاقات الشاذة جزء من التراث الإنسانى نظر إليها الإسلام نظرته إلى موضوعات عادية جداً وطبيعية جداً وجزء من النفس البشرية وضعفها والتوائها وسقوطها ،
وهذا النص " القضاة الذين ينادمون الوزير المهلبي ويجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على اطراح الحشمة والتبسط في القصف والخلاعة وهم ابن قريعة وابن معروف والقاضي التنوخي وما منهم إلا أبيض اللحية طويلها وكذلك كان المهلبي ، فإذا تكامل الأنس وطاب المجلس ولذ السماع وأخذ الطرب منهم مأخذه ، وهبوا ثوب الوقار للعقار ، وتقلبوا في أعطاف العيش بين الخفة والطيش ، فإذا أصبحوا عادوا إلى عادتهم في التزمت والتوقر والتحفظ بأبهة القضاء وحشمة المشايخ الكبراء " ( ياقوت الحموي معجم الأدباء 14 / 166 عن الإسلام والجنس تأليف عبد الوهاب بو حديبة ترجمة هالة العورى ص 190 القاهرة مدبولي 1987 )
والنص التالي أيضاً من مسامرة أبى حيان التوحيدي للوزير أبى عبد الله العارض ومحادثته في شتى صنوف المعرفة الإنسانية التي امتدت إلى أربعين ليلة ، ولنلق نظرة على الموضوع الذي تناولته الليلة الثامنة عشرة "
وقال مرة : تعال حتى نجعل ليلتنا هذه مجونية ونأخذ من الهزل بنصيب وافر ، فإن الجد قد كدنا ونال من قوانا وملأنا قبضاً وكرباً ، هات من عندك ،
قلت : قال حسنون المجنون بالكوفة يوماً وقد اجتمع إليه المجان يصف كل واحد منهم لذات الدنيا فقال : أما أنا فأصف ما جربته فقالوا : هات فقال : الأمن والعافية وصفع الصلع الرزق وحك الجرب وأكل الرمان في الصيف والطلاء في كل شهرين وإتيان النساء الرعن والصبيان الزعر ، والمشي بلا سراويل بين يدي من لا تحتشمه ،
 
“ 484 “
 
والعربدة على الثقيل ، وقلة خلاف من تحبه والتمرس بالحمقى ومؤاخاة ذوى الرفاء ، وترك معاشرة السفلة " ومتن المؤانسة في هذه الليلة لتغطى عشر صفحات من المجون ، ويعلق الناشر الذي علته حمرة الخجل " ويلاحظ أن المؤلف قد أتى في هذه الليلة ببعض المجون الساقط والنوادر المبتذلة ولولا الأمانة العلية والإخلاص للتاريخ لحذفنا أكثرها واكتفينا بما لطف ورق ولم ينب عن الذوق " ( الإسلام والجنس 186 - 187 )
نعم قد ينفر الذوق الغربى أو المستغرب الذي ينظر إلى الجنس في الأصل كخطيئة وليس كجانب طبيعي من جوانب الحياة ، أو على الأقل كنوع من الضعف كما نظر إليه مولانا ، ومن هنا ترجم نيكلسون بعض أبيات الحكاية إلى اللاتينية لكي تكون في متناول بعض خاصة المثقفين فحسب ، وهذا الموقف ناشىء عن اختلاف النظرة واختلاف التراث ، فالأدب الجنسي يمتد في تراثنا الإسلامي عبر الف عام منذ الجاحظ وحتى حسن خان ( مؤلف عثمانى في القرن التاسع عشر ) وقد أورد ابن النديم في الفهرست قائمة بمائة رسالة ونيف لم يبق منها إلا القليل ( يرجع إلى عرض ما تبقى منها في الكتاب القيم الإسلام والجنس من ص 203 - 222 )
فلم يكن جلال الدين بدعاً لا في تيار الآداب الإسلامية على وجه العموم ولا في تيار الأدب الفارسي ، فقد كان معاصره الشيخ سعدى الشيرازي حكيماً لا يشق له غبار ومع ذلك كتب الخبائث والهزليات والمضحكات وهو مؤلف الكلستان والبستان ومن قبله كان سنائى ذلك الأستاذ الجهم ومع ذلك فقد ضمن حديقة الحقيقة حكايات لا تقل ابتذالًا " في مفهومنا " عن هذه الحكاية ، ومن بعده كان عبيد الزاكانى أعظم شعراء الفرس في فن السخرية ، ومعهم وقبلهم كان سوزنى وأبو العلاء الكنجوى ، وعندما سقط بعض هذا التراث في شعر الشاعر المعاصر ايرج ميرزا جلال الممالك قامت الدنيا ولم تقعد على كل حال كان مولانا جلال الدين بهذه الحكاية يحاول أن يشرح لنا بشاعة الشذوذ والجهل معاً ، والجهل المركب الذي يأخذ من الأمور بطرف لكنه يتكبر عن السؤال فتكون النهاية المفجعة بمفاد " كل ناقص ملعون " وهو حديث نبوي .
  
“ 485 “
  
( 1342 ) : " من طلب شيئاً وجد وجد " ومن قرع باباً ولج ولج " حديثان منسوبان إلى الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ( انقروى 5 / 327 ) .
 
( 1363 - 1364 ) : فسر استعلامى ( 5 / 282 ) البيتين بأنها صارت سعيدة سعادة من صار ماعزه الفاً ، وهذا تفسير خاطىء فالحديث حقاً عن شهوة الماعز ، وعن أن الماعز تصاد لإسراعها خلف الذكر من جبل إلى جبل بحيث إن الصيادين يكمنون بين جبلين عارفين بأن الماعز سوف تقفز إلى الذكر من جبل إلى آخر ، وتصور لها الشهوة أن المسافة بين الجبلين قصيرة للغاية فتسقط ( من شهوتها ) فريسة سهلة للصيادين ( أنظر الكتاب الثالث من مثنوى جلال الدين الأبيات 807 - 817 وشروحها ) .
 
( 1367 ) : من أجل الانجذاب والتحول انظر الكتاب الثالث من مثنوى جلال الدين الأبيات 4722 - 4725 وشرحها ) .
 
( 1373 - 1382 ) : نفس التفسير النبوي لقوة الشهوة ، إذا أمر الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم بالصوم ، ويدق مولانا في مواضع كثيرة من المثنوى على قلة الطعام اتباعاً للصوفية الذين قالوا " أم الشهوات شهوة الطعام " وفي هذا الجزء من المثنوى تفسير للحديث النبوي [ المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء ]
( وينظر أيضاً الأبيات 1631 - 1651 و 1972 " من الكتاب الأول ) لكن مولانا يلجأ إلى التوسط والاعتدال ، ولا يأمر بقمع الشهوة قمعاً كاملا أو تجاهلها ، فلا رهبانية في الإسلام وينصح بالزواج ، والقط يرمز إلى هوى النفس وكثيراً ما استخدم مولانا هذا التعبير ، أما الشحمة فهي التقوى وسلامة الروح ، وسرقة القط للشحمة مثل فارسي سائر ، وقد ربط نيكلسون بين هذا البيت وقصة الرجل النفاج الذي كان يدهم شاربه بالشحمة الواردة في الكتاب الثالث ( البيت 758 وما بعده ) ولا علاقة بينهما ، والحمار الذي يبرطع هو الشهوة ، والقدر والنار والحساء كلها رموز جنسية لا تخفى ، والمقصود كله كبح جماح الشهوة وإلا أحرقت صاحبها بنارها .
  
“ 486 “
  
( 1391 ) : عذاب الخزي هو الواردة في الآية الكريمةفَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ( فصلت 16 ) .
 
( 1392 - 1399 ) : المستفاد من هذه الحكاية أن هذا الحمار ما هو إلا النفس البهيمية ، وما الخاضع للنفس البهيمية إلا مثل تلك المرأة العجوز التي هلكت هلاكاً مقترناً بالفضيحة والعار ، وهكذا فان الناس في القيامة يحشرون على صورة نفوسهم ويحشرون على صورة الحيوانات التي تمثلها نفوسهم ( انظر الكتاب الرابع 3664 ) والنار ولا العار صورة تكررت في الكتاب الثالث ( انظر البيت 394 ) ، لكن هذا العار كله من نار الشهوات ونار الكفر ونار العناد ، ونار الحرص التي جعلت تلك المرأة تأكل لقمة أكبر من حلقها فغض حلقها بلقمة الموت المقترن بالعار والفضيحة ، الموت السىء المستقبح ، والحشر المفتضح ، إن كان مشغولًا في الدنيا بالمأكل يحشر على موجب حظ نفسه سكران ، وان كان ناماً وفتانا يحشر بشكل القردة وإن كان مكاراً وغدار ومتغلباً على الخلق لأجل حظ نفسه يحشر بشكل الجعل ، وإن كان ديوثاً آكلًا للمال الحرام يحشر بشكل الخنزير ، وإن كان مؤذياً للمؤمنين جافيا يحشر بشكل الحيات والعقارب ( مولوى 5 / 310 ) .
 
.
يتبع
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا 

* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 1026 - 1470 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:38 am

الهوامش والشروح 1026 - 1470 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح 1026 - 1474 على مدونة عبدالله المسافر بالله 

الهوامش والشروح 1026 - 1470 فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح مثال لعالم الوجود الذي يبدو عدما وعالم العدم الذي يبدو وجودا
( 1400 - 1403 ) : إن الله سبحانه وتعالى عندما خلق كل شئ خلقه كما ينبغي وجعل للميزان لساناً حتى يميز الأوزان من نقص وزيادة ، وأقرأ من سورة الرحمنوَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ( الرحمن 7 - 9 )
فلا ميل بالهوى إلى إفراط أو تفريط فلتقم لنفسك ميزانا عند كل أمر ، ولا تترك الميزان من حرصك ، فمن الحرص والطمع تحيد عن العدل وعن القسط وعن حقائق الأمور والحريص طالب لكل شئ فاقد لكل شئ ، فلا أحد يريد كل شئ ويظفر به ، وكل شئ في هذا العالم وضع بالقسط ووضع بالميزان ، وإن رغبت أنت في كل شئ ، فإنك في الوقت نفسه تفقد
 
“ 487 “
  
كل شئ ، فإياك والحرص أيها الحقير التافه الذي ولدت من حقير تافه لم يعلمك أن تكون مقسطاً في مطالبك ، وإلا فكل حريص محروم والحرص يوقع المرء في الفقر كما قال الإمام على رضي اللّه عنه .
 
( 1404 - 1417 ) : إن الجارية تنعى سيدتها وتنقدها وتقدم الدرس المستفاد من الحكاية هذا الدرس الذي يقول أن كل من يظن نفسه استاذاً ويستنكف عن السؤال عما لا يفهم فإنه في الحقيقة يقوم بعمل أخرق وأهوج يعود بالسوء عليه هو نفسه قبل كل الناس ، ومستويات هذا الدرس عديدة بداية من ذلك الذي يأخذ من أستاذ حرفته علماً ناقصاً ، ثم يبدأ في الاستقلال عنه فلا يكون مثله ، إلى ذلك المتعلم المستفيد الذي يظن نفسه استاذاً قبل الأوان ، إلى ذلك المريد الذي يظن نفسه قد أصبح شيخا وفي غنى عن إرشادات الشيخ فهو يضرب في كل بيداء على الشبهة وعلى الظن الذي يعتبره علماً ، وما أشبههم جميعاً بهذا الطائر الذي ترك البيدر وطار في أثر كل حب فسقط في الشراك وأخذ الشراك بعنقه ، وأكل العاقل لنعم في مقابل تجرع الجاهل للأحزان وحمل هموم الدنيا من أفكار سنائى الغزنوي ( الأبيات 5499 - 5502 من حديقة الحقيقة )
 
والشراك هو الطمع والتقاط الحب يعنى طلب القوت من غير موضعه " أو طلب العلم من حيث لا ينبغي " أو طلب الإرشاد من مرشد مزيف أو من لا مرشد على الاطلاق ، إن هذا يكون أشبه بالطائر الذي يلتقط الحب وهو في الشراك ويكون في هذا الحب موته ، وهكذا شراك الدنيا وشهواتها ، وهكذا العوام في شراك الدنيا وشهواتها من أموال وأولاد وجاه ومنصب و . . . إلى آخره ، إنهم لا يزالون يرعون كالبهائم حتى تأخذهم سكين الأجل ، وماتوا وهو في شراك الدنيا بعكس الطيور الذكية التي ابتعدت عن هذه الشباك ، والعاقبة أن الطيور البلهاء أصبحت لحومها طعاماً للنار ، أما الطيور الذكية فهي في غناء وتغريد ، وصاحب الشباك هو الله الواحد القهار ، وهو بشباكة التي يضعها في الدنيا يستطيع أن يميز بين طيوره الذكية وطيوره الغبية .
 
“ 488 “
  
( 1423 - 1429 ) : هنا مستوى ثان من مستويات هذه الحكاية ويتناول أولئك الذين يقتربون من الطريق فيعتبرون أن المشيخة هي مجرد المظهر ولبس الصوف ، وهناك أيضاً من لم يحترف في طريق الرجال إلا فترة قصيرة ، لكنه لم يتعلم من ملوك الطريق إلا قشور الكلام دون لباب المعنى ، تراك تظن أن كل عصا هي عصا موسى عليه السّلام وأن كل نفخة هي نفخة عيسى عليه السّلام إياك أن تظن هذا أو تدعيه وإلا تعرضت لامتحانات عسيرة يضعها الحي الباقي كل يوم أمام المدعين " انظر عن المدعين وامتحانات المدعين الكتاب الثالث الأبيات 743 - 746 وشروحها " ، ولابد أنك سوف تسألني وما الدليل الذي أستطيع به أن أميز بين شيخ مزيف وشيخ حقيقي ، فلتسأل الأستاذ الباقي " الله سبحانه وتعالى " فلا أحد يستطيع أن يدلك على الطريق سواه فان كل حريص أعمى وأخرس ، ولقد تركت هذا الأستاذ الباقي وأسرعت في أثر هذا وذاك ، وطلبت كل سبل الطريقة دون أستاذ ، فتخلفت عنها جميعاً ولم تظفر منها بشئ ، وبدلًا من أن تتبع شيخاً أو أستاذاً صادتك الذئاب والبشرية التي تقتات على لحمك وعلى دمك ، تراك تستطيع أن تكون ترجماناً وأنت لم تتقن بعد لغة المشايخ والكاملين ؟
ما أشبهك ببغاء تردد الألفاظ دون أن تدرى لها معنى .
 
( 1430 ) : يفسر مولانا في هذا المثال أنه كما يتعلم الببغاء النطق عن طريق مرآة يرى فيها صورته هو ويحدثه إنسان دون أن يظهر في المرآة فإن البشر أيضاً يتعلمون وحى الحق عن طريق الأنبياء والأولياء والكاملين من المشايخ الذين تكون عندهم طاقة تلقى عطايا الحق وتستطيع أرواحهم أن تتحمل هذه العطايا مباشرة ، ومن هنا فإن المريد الممتلىء جهلًا لا يرى من مرآة الولي ( جسد الولي ) إلا نفس هذا الحديث ( دون أن يدرك لبابه ) فضلًا عن عدم إدراكه أنه ليس حديثه في الأصل لكنه حديث الحق على لسانه ، وفيض العقل الكلى يتجلى في بيانه ، والآية القرآنية المذكورةلا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ( القيامة 16 - 19 ) فإذا كان الله سبحانه وتعالى
 
“ 489 “ 
 
طلب من الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم نمطاً معيناً في تلقى الوحي ، وقال لنبيه وحبيبه وصفيهلا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَوقال في موضع آخروَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى( النجم 3 - 5 ) فما بالك تعجل وتسرع وترتدى لباس المشيخة وأنت لم تشب على الطوق ؟ وفي النهاية فإن " المؤمن مرآة المؤمن " الجامع الصغير 2 / 184 " والمقصود في آخر العنوان بأنه مثال لا مثل أن المثال هنا لا ينطبق تماماً على ما ضرب له بل التشابه من جمعه ما ( انظر الكتاب الرابع البيت 462 ) .
 
( 1433 ) : الذئب القديم هنا هو ذلك الأستاذ المدرب الخبير الذي يأخذ على عاتقه عملية تعليم الببغاء أو المرشد الذي يأخذ المريد الفج وهو أشبه بالطائر ويجعل منه شيخا كبيراً وليس الأمر كما قال استعلامى أن التعبير لو قصد به الله سبحانه وتعالى فليس تركاً للأدب ( استعلامى 5 / 285 ) تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا .
 
( 1438 - 1442 ) : فرق كبير بين ذلك المريد الذي يرى من الشيخ مجرد كلامه وبين ذلك النديم ( الصاحب والصديق والمتفهم ) فهو كمن يتعلم الحروف وشتان بين هذه الحروف وبين السر الأزلي ( سر العشق وسر الخلة وسر تلقى الفيض مباشرة ) إنه مجرد ببغاء يردد الحروف ، وهناك من يقول أنه يعلم صغير الطير ، إنه يستطيع أن يقلد هذا الطير لكي يسقطه في شباكه ، لكن فرداً واحداً هو الذي تعلم لغة الطير وهو سليمان عليه السّلام ، فليس كل من قلد صغير الطير استطاع أن يفهم لغة هذا الطير ورجل الحق أيضاً مثله ( لتشبيه رجل الحق بسليمان عليه السّلام انظر الكتاب الرابع البيت 1439 وشروحه ) .
 
( 1443 - 1444 ) : إن الناس يرددون ألفاظ الدراويش ، ولا يفتأون يقولون : قال بعض العارفين أو بعض المشايخ ، وهم يزينون محافلهم ومجالسهم بهذه الأقوال ويرددونها كالببغاوات ، لكن هذا في حد ذاته لا بأس به فإما أن هذا هو رزقهم وهذه عطاياهم ، وإما أنه من الممكن فيها أن يبدي لهم الله سبحانه وتعالى الطريق إلى الحقيقة ، فمن العطاء القليل يكون العطاء الكثير ، ومن المجاز هناك سبيل إلى الحقيقة .
 
“ 490 “ 
 
( 1445 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت لم ترد في مصدر قبل جلال الدين الرومي ، وأحد أصحاب القلوب أي أحد العارفين ( انظر البيت 1613 من الكتاب الأول والبيت 2243 من الكتاب الثالث ) أما ما يعلم تأويله فإشارة إلى الآية الكريمةهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ( آل عمران 7 ) . والأربعينية المذكورة في البيت يعنى الخلوة الأربعينية ( ذات الأربعين يوما ) وقد يطويها ( أي يصومها صوماً متتابعاً ) بعض المريدين ( انظر الكتاب الثاني البيت 25 وانظر تقاليدها عند المولوية كتاب عبد الباقي جلبنارلى (ss . 391 - 398 Mevlanadan Sonra Mevlevlikوالترجمة الفارسية لتوفيق سبحانى مولويه بعد از مولانا 468 - 473 ) والراسخون في العلم أولئك الذين لا تزلزل عقائدهم أمام بعض الصعوبات التي يجدونها في المتشابه مثلما لا تزلزل قلوبهم أمام مصائب الحياة ، أولئك الذين يقولون مثلما قال على رضي اللّه عنه " لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا " ، و " إني على بينة من ربى " و " ما شككت في حق مذ رأيته " ، ( جعفري 11 / 481 - 482 ) .
 
( 1449 ) : الواقعة في مصطلح الصوفية حالة مفاجئة من اليقظة وكشف الأسرار ( انظر الكتاب الثالث البيت 3658 وشرحه ) وهو يسمى الحلم هنا بالواقعة لأن في أحلام العارفين قد تتكشف الأسرار أيضاً ( استعلامى 5 / 289 ) .
 
( 1452 ) : روضة الذكر وحديقة التفاح كناية عن جمع الخاطر وفراغ البال الذي يمكن الدرويش من الذكر .
 
( 1453 - 1460 ) : الجهال أي أولئك الذين لا يعرفون أسرار الغيب ومع ذلك يظنون أنهم يعرفونها ، أما الحجب والأستار فهي علائق الدنيا ومشاغلها التي تمنع عن إدراك الحقائق
  
“ 491 “
  
وإغماض العيون كناية عن عدم إبصار الحقائق ( انظر البيت 2198 من الكتاب الأول و 572 من الكتاب الثاني وعن إغماض العيون انظر الكتاب الثالث ، البيت 1109 وشروحه ) ، وعن الضعف في البصر أو العلل في البصر ، انظر ( 673 و 1444 من الكتاب الرابع ) ، وهؤلاء جميعا يريدون بنفاجهم وإدعاءاتهم المريدين والاتباع والمشجعين ، إنهم يبيعون بضاعة فاسدة فلا يشتريها إلا من فسدت أذواقهم ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ إنهم يفتون بلا رؤية ، يصفون دون بصر ونظر ويتحدثون عما لا يعرفون " يملأون " الأنظار فحسب ، لكنهم لا يملأون القلوب ، وما مشتريهم إلا جاهل غمر أو ريفى غفل ( لمعاني الريفي عند مولانا جلال الدين ، انظر : الكتاب الثالث ، الأبيات 642 - 646 وشروحها ) ،
وما القمر في هذه الأبيات إلا مثال لسطوع الحقيقة وعالم الغيب ، فإذا كان هذا ديدنهم في الحقائق الساطعة فما بالك بهم في خفيات الأمور .
 
( 1461 - 1465 ) : المشترى هنا هو الله سبحانه وتعالىإِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ( التوبة / 111 ) ، ( أنظر الكتاب الأول ، 2721 ) .
 
قال نجم الدين : أي يبذلون النفس لأجل الجهاد الأصغر فيقتلون أي يطلبون الجنة بصرف المال في مصالح الجهاد وبذل النفس فإما أن يقتلوا الأعداء فهم الغزاة فلهم الجنة وإما أن تقتلهم الأعداء فهم الشهداء فلهم الجنة ، والجهاد الأكبر مع النفس المتمردة يجاهدون في سبيل الله أي في طلب الله ،
وهو لأهل الجهاد الأكبر فيقتلون ويقتلون أي يقتلون النفس الأمارة بالسوء بسيف الصدق ومخالفة هواها وتبديل أخلاقها وبذل المال في مصالح قتلها ، والجهاد معها فعند فنائها يصل العبد إلى ربه ويقتلون يعنى تقتل النفس بجذبات الألوهية وتجلى صفات الربوبية ( مولوى 5 / 219 - 220 ) .
 
هذا هو المشترى الذي إذا تقربت منه شبرا تقرب منك ذراعا وإذا سعيت إليه مشيا سعى إليك هرولة ، وهو فوق كل شئ عالم بمبدئك ومنتهاك ، وضميرك ونجواك ، إنه " يشتريك " ، برغم ما يعلم عنك ويجذبك برسن لطفه ، ويدعوك ويناجيك
 
“ 492 “
  
ويضع عفى فمك الدعاء ويهبك الاستجابة ، وإياك أن تجمع بينه وبين معشوق آخر ، فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، وهو الواحد الأحد يغفر كل شئ إلا أن يشرك به .
 
( 1466 - 1472 ) : أي مشتر تعدله بالله سبحانه وتعالى ؟ ! وأية فائدة تتأتى منه ، أله قيمة عقلك وحجاك حتى تسلمه هذا العقل والحجى ؟ ! فلتسلم العقل والحجى لمن منه العقل والحجى ، وليس أولئك الذين تعرض عليهم الغالي وهم لا يملكون ثمن الرخيص ، وما هذا إلا من حرصك " والحريص محروم " ، ( انظر البيت 1404 من هذا الكتاب )
 
والشيطان يدفعك إلى الحرص ويخوفك من الفقر ويأمرك بالفحشاء والمنكر ليجعلك ملعونا مثله ، فهكذا وعد لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ أجمعين و لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ ، هذا هو مشتريك في أية صورة كان وما أكثر الصور التي يتجسد فيها الشيطان في زماننا ، هذا هو مشتريك إن لم يشترك الله سبحانه وتعالى ، والشيطان ديدنه الإغواء والإهلاك فاعتبر بقوم لوط أو بأصحاب الفيل " أو بأصحاب الكرملين " ،
وتدبر أمرك ، وأطلب المشترى بصبر ( وَاصْطَبِرْ على عبادته ) ، وإلا كنت في التعساء الأشقياء الفانين " لأنهم لم يبقوا ببقاء الحق " ، ( انظر مقدمة الترجمة العربية من الكتاب الثالث ) وإن كنت تريد مثالا على أن الحريص محروم فإليك المثال مما ورد عن أهل ضروان .
 
( 1473 ) : الحكاية الواردة ابتداء من هذا البيت تكملة لما بدأه مولانا جلال الدين في الكتاب الثالث بداية من البيت 474 ، وتركها بعد بضعة أبيات دون أن يستمر فيها وهي بجملتها معتمدة - بخلاف بعض الجزئيات - على ما ورد في سورة القلم إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ، قالَ أَوْسَطُهُمْ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ ، قالُوا
 
“ 493 “
  
سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ ، قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ ( آيات 17 - 32 )
وموضوع أنه كان يخرج زكاة المحصول كلما تغيرت قيمة المحصول " المادية والاستهلاكية " ، تثير مسألة فقهية مهمة جدا وهي هل تجب الزكاة على المحصول مرة واحدة أم تجب عليه كلما تغيرت قيمته ، أو تحول من مادة خام إلى سلعة صناعية وربما تعرض لها الشارع في باب زكاة الثمار وفيها أقوال كثيرة يضيق المجال عن ذكرها
 ( انظر محمد جواد مغنية ، الفقه على المذاهب الخمسة ، ص 174 ، بيروت دار الجواد 1984 ) .
وبالنسبة للعين المقدرة اللعواقب الواردة في 1473 ،
انظر الفرق بينها وبين العين الناظرة إلى المزود البيت 2595 - من الكتاب الأول ، و 1572
من الكتاب الثاني وأيضاً في الكتاب الثالث ، الأبيات رقم 276 - 278 وشروحها . وضروان حديقة كانت بالقرب من صنعاء .
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 1975 - 2361 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:39 am

الهوامش والشروح 1975 - 2361 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )   

الهوامش والشروح 1975 - 2361 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 1975 - 2361 فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح الملك إياز ومعنى أرنا الأشياء كما هي  ومعنى لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا 

( 1974 - 1984 ) : في العنوان : اللهم أرنا الأشياء كما هي ، دعاء منسوب إلى الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ( أحاديث مثنوى / 45 ) ، ولمولانا جلال الدين : وإذا كانت الرؤية الصحيحة بالأمر الهين فمتى كان الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم يطلبها من الله ، 
أما العبارة الثانية : " لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا " ، فمنسوبة إلى الإمام على رضي اللّه عنه والبيت المذكور في العنوان لمولانا جلال الدين " والدرجة العوجاء تلقى ظلا أعوج " من الأمثال الفارسية ، 
يقول مولانا : أيها العبيد تعلموا العبادة الصحيحة من اياز ، إن الدنيا لم تبصره ، فعبادته من أجل الحق لا من أجل المنفعة ( مثلما كانت عبادة عزازيل ) ، إنه ديك يعلم الفجر الصادق ( الآخرة ) ولا يخدعه الصبح الكاذب ( الدنيا ) ، ذلك الذي أهلك القوافل ، وإياك أن تقول عنه انه كاذب منافق مرائي فإنك بهذا تصف نفسك ، وتنظر في مرآتك ، وسوء الظن من سوء الفعل ، 
ولعل مولانا في هذا المعنى ناظر إلى البيت العربي :
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه * وصدق ما يلقاه من توهم
والمثل الدارج الفارسي : " الكافر يظن أن الناس جميعا على دينه " . 
والأمر ليس ببعيد ، لقد سمى الكفار الأنبياء بالسحرة والكهنة ، واعتبر أولئك الضالون الأنبياء من الضالين ، ويعود مولانا إلى قصة اياز ، هكذا كان ديدن هؤلاء الأمراء مع إياز وهذا هو سر ظنهم باياز ، إنهم يظنونه مثلهم .
 
( 1989 - 1998 ) : بالرغم من أن الحديث يدخل في إطار قصة إياز إلا أن الذي يجرى على لسان الملك أدخل في باب آداب الطريق ( الصوفي ) ذلك أن الملك هنا يحس بوحدة مع اياز ( وحدة المشاعر والأحاسيس بين الشيخ والمريد أو بين الحقيقة العليا والدنيا ) ، انه يتساءل : تراه سوف يضيق من هذا البلاء ، لا ، لن يضيق . . . إنه وقور ثابت كالجبل ، وسوف يتلقى هذا البلاء كما ينبغي ، إنه بلاء من الحبيب فهو لطف وليس قهرا ، إنه سوف يفسر هذا الأمر بنفس السهولة التي فسر بها سيدنا يوسّف عليه السّلام رؤى صاحبي السجن ( انظر يوسف / 41 ) ، والكلام الذي يجرى على لسان الملك يشبه أن يكون كلام الخالق في الولي الصالح ، والبيت 1996 لعل فيه إشارة إلى ما مر في الكتاب
 
“ 523 “ 
 
الرابع عن ضرب المريدين لأبى يزيد البسطامي بالمدى ( انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 2102 - 2134 وشروحها ) ، ويقرر بعدها أن اياز هو هو : أنا من أهوى ومن أهوى أنا ، في الحب تسقط الأثنينية ، ويكون استخدام الضميرين أنا وأنت من قبيل الإشراك ، وهذا الاتحاد ليس مشاركة في الوجود لان كل ما هو في الوجود له تحققه العيني ، كما أنه لا يعنى اشتراكا في الجنس واشتراكا في السمات أو في سائر الظواهر والخواص ، لأن البشر كلهم مشتركون فيها ، وهناك علاقات كثيرة تقوم فيما بينهم منها العشق كما أنه ليس مشاركة في الأفكار والمثل ، الذي يصل إلى أن يكون انمحاءً كاملا في شخصية المعشوق بحيث تعبر عنه تعبيرا حقيقيا الحكاية التالية ( جعفري 11 / 597 - 599 ) .
 
( 1999 - 2019 ) : يقدم مولانا عالم العشاق الحقيقيين ، عشاق الحق ، فعاشق الحق لا يعتبر لنفسه وجودا غير وجود الحق ، ولا يعتبر للكائنات كلها وجودا ، بل هو ذائب في العشق الإلهى ذوبانا تاما ، 
ويقول في العنوان : إن العاشق والمعشوق قد يكونان متناقضين تناقض الاحتياج والاستغناء ، أي قد يكون أحدهما مستغنيا والآخر محتاجاً لكن كلا منهما منجذب إلى الآخر ، هما في الحقيقة واحد كالمرآة والصورة المنعكسة فيها ، والعاقل تكفيه هذه الإشارات ، فما الحاجة إلى القول بأنى أرد بهذا الكلام على من يزعمون أنه من المحال أن يكون هناك عشق إلهي ، لأنه كيف يعشق المحتاج إلى ما لا نهاية المستغنى إلى ما لا نهاية ، ناهيك عن عشق المستغنى بلا نهاية إلى المحتاج إلى ما نهاية ، " يحبهم ويحبونه " ، وهذا الخبر عن الجنون لم يهتم أحد بالبحث عن مصدر له ، وقد يكون من وضع مولانا جلال الدين ، لقد اشتكى المجنون مرضا هو من الهجر والفراق ، فوصف له الطبيب الفصد ، لكن المجنون أبدى خوفه من أن يفصد ، وسأله الطبيب : مم الخوف ، أليست الوحوش تحيط بك دون أن تؤذيك ، أن العشق الذي من وجودك يفيض حتى على الحيوانات من حولك " يشير مولانا جلال الدين إلى أنه من الممكن للحيوان والوحش أن ينسى طبيعته الحيوانية ، إذا أحس بالحب وهو أمر يعرفه مروض الوحوش المحدثون جيداً "
( ويعود ويقدم تفسيرا آخر في الكتاب الذي بين أيدينا ، الأبيات 2721 - 2727 فارجع إليها وإلى شروحها ) . 
ولماذا نبتعد ، انظر إلى كلب أهل الكهف ، نعم ، الكلاب تعرف العشق والحيوانات تعرف العشق ، فمن تم ذلك الذي ينكر العشق ، يكون أقل من الكلب وأقل من الوحش ، ولا تقل أنه كلب واحد ذلك الذي تبع أهل الكهف ، ونام في كهفهم وبعث
 
“ 524 “
 
معهم ، وذكر معهم في القرآن ، هناك كلاب كثيرة ، تعرف معنى هذا العشق لكنها ليست مشهورة ، ومثالها ما رواه عند الرحمن الجامي في نفحات الأنس : أن سعد الدين الحموي وكان مريدا لنجم الدين كبرى عبر بخاطره ذات يوم سؤال وهو : هل في هذه الأمة من تؤثر صحبته في الكلاب ؟
وأدرك الشيخ فنهض ووقف على باب الخانقاه فمر كلب بالخانقاه ووقف وأخذ يهز ذيله ، فنظر الشيخ إليه فوصلته العطية ، وتحير وغاب عن الوعي ، وأدار وجهه إلى المدينة ، وذهب إلى الجبانة ، رأوا أنه حيثما كان يسير كان تحيط به حلقة من الكلاب تبلغ خمسة وستين كلبا وتقف في احترام ، ثم مات فأمر الشيخ بان يدفن وأن يقيموا على قبره نصبا ( انقروى 5 / 454 ) 
وبالطبع هذه الروايات رويت قبل أن يتم تدريب الكلاب على أعمال كثيرة قد لا يتقنها البشر ، وهذا التدريب يتم بوسائل عديدة من أهمها أيضاً الرعاية والحب ، وأنك إن أنكرت ذلك فلأنك منكر بطبعك ، فأنت لا تعلم شيئا عن قلوب من هم من جنسك فكيف تعلم شيئا عن قلوب الحيوانات ، إنك لا تأنس إلى البشر وتحاول فهمهم ، فكيف تأنس إلى الوحوش وتحاول فهمها
( انظر من أجل العشق الساري في كل الكون إلى الكتاب الثالث ، الأبيات 4395 - 4423 وشروحها ) ،
ويظل مولانا جلال الدين منطلقا في تداعياته حول موضوعه المحبب : العشق ، انظر إلى عماد هذه الحياة ، إنه كله قائم على العشق ، حتى تناولك للخبز يكون من ميلك إلى هذا الخبز ، الميل إذن هو الذي يحول هذا الخبر " الميت " إلى روح ، كما أنه أيضا يجعل الروح خالدة ، ويعود مولانا جلال الدين إلى هذا الخبر المروى عن المجنون ، إنه لا يخشى الفصد من أجل نفسه ، بل يخشى على ليلى لأنه يحس أنه ممتلئ بليلى امتلاءً تاما ومن ثم يخشى أن يخز المبضع ليلى ، وإلا فإنه - أي المجنون - عاشق للجراح ، يسعى إليها ، ففي البلاء يكون النعم .
 
( 2020 - 2030 ) : البيت المذكور في العنوان ، قال عبد الباقي ( 333 / 5 ) ، واستعلامى ( 5 / 315 ) ، أنه لسنائى ومن الحديقة وأضافا بأنهما لم يعثرا عليه في الحديقة ، كما لم أعثر عليه في الحديقة ، بل عثرت عليه في منظمة سير العباد إلى المعاد لسنائى ( انظر سير العباد إلى المعاد ضمن مثنويات حكيم سنائى ، ص 208 ، سطر 10 ، تحقيق محمد تقي مدرس رضوى ، انتشارات دانشكاه طهران ، تهران 1348 ه . ش ) . ومرآة اليقين يعنى بها قلب العبد المؤمن الذي لا يشوب إيمانه بالله تعالى أدنى شك ولا يريد دليلا أو برهانا ،
 
“ 525 “ 
 
والسطر الأخير : أخرج بصفاتى إلى خلقي من رآك رآني ومن قصدك قصدني ، وارد في معراج أبى يزيد البسطامي ، وفيه روايات مختلفة . ( انظر انقروى 5 / 457 ) ، وانظر من أجل الاختبار الكتاب الثالث ، الأبيات 743 - 746 وشروحها ، والاختبار جائز عند الوصال وليس في أي وقت آخر ( انظر الكتاب الرابع ، الأبيات عن امتحان المرشد 374 - 389 وشروحها ) ، 
وعن فناء قطرة الخل في العسل ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 3670 - 3675 وشروحها ) ، وامتلاء الحجر بالشمس وتحوله إلى ياقوت وخروجه عن صفات الحجرية من أفكار سنائى ( انظر ديوان سنائى ، ص 376 ) ، وزاد مولانا على الفكرة بأن الحجر الذي يتحول إلى ياقوت يكون كل ما فيه محبا للشمس ، وحتى حبه لذاته هو حب للشمس ، ولا فرق هناك بين حبه لنفسه وحبه للشمس ، فكله من الضياء من المشرق ، الضياء الإلهى .
 
( 2031 - 2042 ) : إنه أي الياقوت أو الحجر الذي تحول إلى الياقوت ، أو العاشق الذي أشرقت عليه شمس العشق فبدلته من حجر إلى ياقوت ، إن لم يتحول إلى ياقوت بالفعل ، فان ذلك الحجر يصبح عدوا لنفسه ، ذلك أنه أنية منفصلة عن الضوء نافرة منه ظلمانية ، ومن ثم فإنه إن أحب نفسه ، وهو لا يزال على حجريته هذا ، فإن هذا يكون من قبيل الكفر ، لا يليق به أن يعترف بأن لنفسه وجودا ، فأي وجود للحجر ، ما أشبههه إذن بفرعون
الذي قال : أنا ربكم الأعلى ، فأذله الله سبحانه وتعالى ، بواسطة موسى عليه السّلام ، وإن كنت تريد أن تعرف الفرق ، فانظر إلى الحلاج الذي قال " أنا لله " ومع ذلك فقد نجا بها وصار رأسا للأولياء ، لأنه كان فانيا في صفات الله 
( انظر لتفصيلات الكتاب الرابع الأبيات 2102 - 2134 وشروحها ) ، والفكرة فيما يرى استعلامى ( 5 / 316 ) واردة في معارف برهان محقق ، وتكررت هذه المقارنة في المثنوى كثيرا ( انظر الكتاب الثاني الأبيات : 307 و 2531 و 2532 وشروحها ) ،
 
إذا أردت مثالا على الحجر فخذه من فرعون فلم يكن يحق له أن يقولها ، وإذا أردت مثالا عن الياقوت فخذه من المنصور وما كان له أن يقولها إلا بعد أن امتلأ وجوده بالنور ، لم يكن حلولا كما ظن بعضهم ، لكنه كان امتلاء بهذا النور الإلهى ، وأنا أقول لك أيها المريد ، جاهد ، فمن جهادك هذا يمكن للحجر الكامن فيك أن يتحول إلى ياقوت ، هذا هو البقاء في الفناء الذي تشاهده في كل لمحة ، حينذاك تمضى عنك العلائق الدنيوية ، أما السكر فالمقصود به الانسلاخ عن الذات والحيرة من العشق الإلهى والنشوة التي تصيب المرء من إدراك العوالم الإلهية .
 
“ 526 “ 
 
( 2043 - 2049 ) : والطريق إلى هذا الأمر إنما يكون بان تتحول بأجمعك إلى أذن سامعة لرجل من رجال الحق يأخذ بيدك ويدلك على الطريق ويعدك لنور الشمس الساطعة ، فتتجلى بها وبمعارفها وكأنما ألبست أذنك قرطا من الياقوت ، وداوم على إخراج تراب العلائق الدنيوية والانغماس فيها من بئر وجودك هذا إذا كنت ترى نفسك إنسانا جديرا بأن تمحو عن النفخة الإلهية كل ما يعلوها من تراب ، وإن الله سبحانه وتعالى إن رآك جادا في الطلب منصرفا إليه بكل روحك وكيانك ، فإن جذبة واحدة من جذباته وهي تساوى عمل الثقلين ( مولوى 5 / 298 ) سوف تجعل ماء المعرفة الزلال ينبثق من وجودك ( انظر البيت 4786 من الكتاب الثالث ) ، وذلك أن من جد وجد وسعد وأتاه الإقبال من الإله الأوحد ، ومن قبيل الجد في العمل أن تداوم على الصلاة فإنها قرع على باب الوجود مصداقا لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : [ أدم قرع باب الملكوت بالركوع والسجود ] ( استعلامى 5 / 317 وانظر الكتاب الثالث ، البيت 4785 ) ، والإقبال هو العناية الإلهية وبابها العمل .
 
( 2050 - 2056 ) : لا يزال مولانا جلال الدين يركز كثيرا في عناوين أشعاره على أن ايازا هنا مجرد رمز عن العبد الصالح المقرب إلى الله " السلطان " ، وإلا فأية صلة بين اياز مملوك السلطان محمود الغزنوي والأنبياء والأولياء حتى يقرن بهم ؟ !
وها هو يعود إلى القصة التي بدأها في البيت 1857 وعاد إليها عدة مرات للإيهام بأنه يتحدث عن اياز ومحمود والواقع انه يتخذ منها تكئة نحو الانطلاق في إفاضاته عن العشق ، الموضوع الأول والخيط الجامع للمثنوى المعنوي بأجزائه الستة ،
 
وفي البيت 2053 أن إيازا كان أضن بسره هذا بحيث جعل الحجرة فعلا تبدو وكأنها تحتوى على كنز ثمين ، وهكذا ، قلوب الرجال فهي قبور الأسرار ، وكان أيضاً يعلم أن " العوام " ، يسيئون الظن به ، فمنهم من يعتبره محظيا للسلطان ومنهم من يعتبره مشعوذا ومحتالا ، وهكذا يكون صاحب الهمة - هكذا يعلق مولانا - إنه أضن بأسرار قلبه ، ولابد أن يحفظها عن العوام ، وهذه الأسرار عند ملوك الطريق تقدم فداء للروح .
 
( 2058 - 2065 ) : لا يتابع مولانا أحداث القصة إلا في بيتين اثنين ويدخل في حديث عن الحرص ، إن حرص هؤلاء الذين هاجموا حجرة اياز كان يسرع بهم نحو سراب ، ومهما أخذ العقل يحذر ، فإن الحرص قد غلب ، فلا نصح نفع ، ولا تحذير أجدى ، ( عن الحرص وآفاته ، انظر الكتاب الذي بين أيدينا ، الأبيات 518 - 522 وشروحها ) ،
 
“ 527 “
 
والحريص يزداد حرصا كلما زيد تحذيرا لكنه عندما يسقط ويكتشف أن حرصه أراده " وكل حريص محروم " ، تكون النتيجة المؤكدة أن النفس اللوامة " وهي الروح الإنسانية التي انتهت إلى خطاياها ( مرصاد العباد لنجم الدين بن الداية ، ص 351 ) تسيطر عليه ولا تفتأ تلومه ، إنه - أي الحريص - لا يفيق إلا إذا اصطدم بجدار البلاء ، إنه مجرد طفل ، والأطفال يقبلون على حلوى اللوز المصنوعة من الجوز " وفي نسخة أخرى اللوز " ، ولا يستمعون النصح ، إلا عندما تظهر القروح ( لم أعرف العلاقة بين أكل حلوى اللوز وبين ظهور القروح ، ولم يشر أحد من الشراح إلى هذا الأمر ) ، ولعل الأمر يرمز إلى أن أطفال الدنيا ، وأولئك الذين لا يعتبرون من " رجال " الطريق ينهمكون في لذائذ الدنيا ، ولا ينتصحون إلا عندما تكون نتيجة هذا الإنهاك قروح وآلام تظهر على أجسادهم ، لكن المطابقة هنا لا تتم ، فلابد أن تكون من نتيجة أكل الأطفال للحلوى بالجوز بعض المتاعب ولعلها كانت من أنواع الحلوى الشائعة في أسواق قونية والتحذير من أكل حلوى السوق عموما .
 
( 2066 - 2079 ) : عودة إلى قصة إياز : لقد أعماهم الحرص فتهافتوا على الحجرة الخالية تهافت الهوام على المخيض ، أو تهافت الذباب على الشراب ، إنها تسقط فيه مندفعة ، فلا هي تستطيع أن تأكل ولا هي تستطيع أن تطير ، وهكذا أولئك الذين كانوا يفتشون غرفة اياز ، لا هم يجدون شيئا ، ولا هم يستطيعون الانصراف ، فالحجرة الخالية زادتهم شكا وريبة ، والحذاء والسترة ، وهما كل ما في الحجرة ، أصبحا سببا في زيادة الشك والريبة ، وهكذا الحريص مهما منى بالخيبة في طريق حرصه فإنه لا يعود بل يزداد حرصا وطمعا ، إنهم ينقبون الجدران ، ويحفرون الأرض ، ويدمرون ، وكلما ازدادت خيبتهم ازدادوا تدميرا ، وسرعان ما اكتشفوا أي خطا وقعوا فيه ، لكنهم مع ذلك لا يستطيعون تدارك هذا الخطا ، فالجدران والحفر تشهد عليهم ، ولا حل إلا العودة إلى المليك والاعتذار له ، والاعتراف بالخطا ، وإبداء التوبة .
 
( 2080 - 2085 ) : لا يزال مولانا يركز في العناوين انه لا يتحدث عن اياز كشخص بل عن الأنبياء والأولياء عموما ، والآيات الموجودة في العنوان :يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ( آل عمران / 106 ، 107 ) ،
 
“ 528 “
  
أما الآية الثانية فهي :وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ، أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ( الزمر / 60 ) ، وفي البيت 2080 يسألهم السلطان قاصدا أو ساخرا : هه . . . كيف الحال . . . أين الذهب والأموال ، ثم ينتقل مولانا إلى فكرة دق عليها في أكثر من موضع في المثنوى : أن سيماء الوجه تفضح ما هو موجود في الباطن ، إذا حاول الإنسان كتمه أو حاول أن يظهر غيره مصداقا لقوله تعالى :سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ( الفتح / 29 ) ، وبالطبع السيماء هنا من أثر الخيبة والاحباط ، وفكرة الجذر الموجود في القلب الذي يثمر بما تمليه طبيعته على الوجه وردت في الكتاب الثالث ( انظر الأبيات 360 - 365 وشروحها ) ، أما فكرة الذي يتظاهر بما ليس في باطنه فقد مرت في الكتاب الرابع ( انظر الأبيات 1740 - 1755 وشروحها ) .
 
وفي البيت 2085 إشارة إلى الآية الكريمة 65 من سورة يس :الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.
 
( 2087 - 2095 ) : حمل السيف والكفن من العادات القديمة عند الإقرار بالذنب أو بالدم ، أي إن شئت فاقتص وإن شئت فاعف ، وفي البيت 2091 إشارة إلى الآية الكريمةقُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ( الإسراء / 84 ) ، وفي البيت 2015 إشارة إلى الحديث الذي تكرر في أكثر من موضع من المثنوى : " المؤمنون كنفس واحدة " ( أكثر التفسيرات تفصيلا لهذا الحديث موجودة في الكتاب الثالث ، الأبيات 84 - 91 والكتاب الرابع ، الأبيات 1651 - 1653 ) .
 
( 2096 - 2108 ) : إن العبد الذي تتجه إليه الاتهامات عليه أن يسعد بها وبخاصة وأنه يعلم أن ساحته بريئة أمام الخالق ، وما دام بريئا فأي ضرر يصاب به من جراء هذه التهم الباطلة ، إنها فرصة له لكي يستخدم " حلمه " ، ويضاعف أجره من جراء هذا الحلم والبيت 2097 تكرار لمضمون البيت 1184 من الكتاب الرابع : إن الدنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضة ، ولو كانت كذلك لما سقى منها الكافر شربة ماء ، فليس إقبال الدنيا دليلا على رضا الله ،وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ، إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ( إبراهيم / 42 - 43 ) .
 
وأن هذا الحلم هو الشفيع لكل البشر فإنه يعلم بعلمه ويستر بحلمه سبحانه وتعالى ، والذي يستر بحلمه في الدنيا ، قادر بنفس هذا الحلم أن يفغر ، حلمه هذا هو "
 
“ 529 “ 
 
العاقلة " التي تتحمل الدية ( العاقلة عند الإمام الشافعي هم قبيلة القاتل خطا وعشيرته ، وهم عموما أقرباء أب القاتل وإن كان من أهل الديوان فعاقلته عند الحنفية أهل الديوان ) ، وهل تجرؤ النفس على ارتكاب الخطا إلا إذا كانت معتمدة على هذا الحلم ، هذا هو الحلم الإلهى ، والحلم الإنسانى من نوع آخر ، فكما أن الحلم صفة مستحبة عند الخالق ، فهو صفة مستحبة أيضاً عن المخلوق ، وإن كان الانغماس فيه يجعل الشيطان يجد فرجة إلينا ، فالاعتماد على حلم الخالق يجعل النفس تستنيم إلى فعل المعصية ، فيجد الشيطان السبيل إليها ، ويخدعها ويضلها ، وآدم نفسه رغم انه كرم بالعلم وأنه مسجود الملائكة ، لكنه عندما استنام في الجنة إلى الحلم ، استطاع الشيطان أن يجد الطريق إليه ، فلا تعتمدن على حلم الله ، انه ستار لكنه أيضاً يعاقب ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 164 - 171 وشروحها ) .
 
( 2109 - 2112 ) : يدافع مولانا عن حد القصاص في القتل ، وكأنه كان يتوقع أن يأتي زمان ينادى فيه بأن المجرم مريض ويبغى أن يعالج وأن الحياة منحة من الله لا ينبغي أن يستردها سواه سبحانه وتعالى ، وتلغى أحكام الإعدام ، وتقام السجون " الفخمة " ، ليوضع فيها القتلة والسفاحون ، ناسين أن في قتل القاتل حفظا لحياة الآلاف ، ومن ثم جاء في الآية الكريمةوَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( البقرة / 179 ) وهناك تلك القاعدة الحدية التي تقول أكثروا القتل فإن القتل يقتل القتل ، وأيضاً القتل أتقى للقتل ، ( انقروى 5 / 417 ) ،
 
هيا يا اياز أنت صاحب الحق فاحكم باحتراز ، وحذار ولا تجعل غضبك لذاتك ولشخصك ولما لحق بك يجعلك تميل إلى الهوى ، هذا بالرغم أنني خبرتك في العمل مرات عديدة ، وكم امتحنتك وخرجت من كل امتحان موفقا طاهرا نقيا ، وبرغم أن الخطاب من الملك إلى إياز في صيغة المخاطب إلا أن البيت 2112 في صيغة الغائب لأنه مدح مباشر في اياز ولا يصح أن يخاطب به في وجهه ، إن هذا البحر - اي اياز - ليس مجرد علم ، وهذا الجبل ليس مجرد حلم أي هناك أشياء كثيرة يحتاجها البحر سوى العلم وهناك أشياء عديدة يحتاجها الجبل سوى الحلم .
 
( 2113 - 2120 ) : هنا نتيجة من نتائج هذه الحكاية ، وها هو جواب اياز : إنني أيها الملك لست شيئا ولا أساوى شيئا دون عطائك فأنا لست شيئا سوى هذا الحذاء وهذه السترة ( في رواية العطار :
 
“ 530 “
 
في اليوم الأول عندما فتح هذا الباب أمامى * كانت هذه السترة فوق كتفي مصيبت نامه ، ص 139 ، بتحقيق د . نوراني وصال ، تهران ، 1338 ) ثم يلتقط مولانا جلال الدين طرف الحديث ويبدأ في إفاضاته : أتدري ما هو المقصود بالحذاء ، إنه النطفة ، أما الدم فهو سترة الراعي ، أنت نطفة ودم ، أصلك نطفة ودم ، وما عدا ذلك فعطاؤه ( ما هذا ؟ النطفة والدم عطاؤه أيضاً ) ، ومن هنا فإن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم قال :
 
[ من عرف نفسه فقد عرف ربه ] ، ( منسوبة أيضاً إلى الإمام على رضي اللّه عنه وإلى سقراط ، من عرف نفسه بالعبودية عرف ربه بالربوبية ومن عرف نفسه بالعجز عرف ربه بالقدرة ، ومن قدرته انه جعل هذه النطفة وهذا الدم مدركة لعوالم الغيب عالمة متسلطة مسيطرة على الطبيعة ، خليفة لله في الأرض ، سيده على الخليفة وأنت وما تستحق ، بقدر جهدك وعملك وكفاحك وجهادك يجعل منك ، لقد أعطاك هذه العطية " النطفة والدم " ، كمجرد نموذج على ما في ملكه تماما كما يعرض البستاني بضع ثمار البستان ولا يعرض البستان كله ، وكما يبين الأستاذ جانبا من علمه وكما يعرض الزارع كفا من القمح ليدلك على البيدر ، فإياك أن تظن أن هذا هو عطاؤه فحسب ، فكأنك أخذت تستقل خزائن ربك التي لا تنفدهذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ( ص / 39 ) ، وإن قلت أن هذا هو ما عند الله فحسب صرت من المبعدين .
 
( 2121 - 2127 ) : يتعجل الملك " إياز " ، في الحكم على من دسوا عنده ، هيا فاحكم بهذا العدل الإلهى الذي يختلف عن العدل الدنيوي الوهى ، لكنه لا يلبث أن يقول : إن الذين أجرموا في حقك يستحقون القتل ، مع أنه لا قتل إلا في قتل ، إذن فربما فسر الأمر على أن " الفتنة أكبر من القتل " ، لكنهم مع ذلك يرجون عفوك ، وكلا الأمرين وارد ، الناس حينا يرون أن القصاص واجب وحينا آخر يرون أن العفو واجب ، والله سبحانه وتعالى سبقت رحمته غضبه ( الترغيب هنا في الرحمة والعفو ) .
 
وبهذين الحبلين يجذب الحلق منذ اليوم العهد والميثاق ، منذ أن أخرج ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا : بلى ، فهناك موضع يصلح فيه الكوثر ( العفو ) وموضع آخر يصلح فيه اللهب ( الانتقام ) حتى لفظ " ألست " ، هو أيضاً يحمل الضدين : النفي والإثبات ، هو استفهام للإثبات ، وإن كان لفظ " ليس " ، موجودا فيه ، أي نفى وأي إثبات
 
“ 531 “ 
 
تخوض فيه ، أترك هذا كله فلا يجوز أن تناقش هذه الموضوعات أمام العوام ، إنها من موضوعات الخواص .
 
( 2128 - 2133 ) : يعود مولانا إلى الفكرة التي يدق عليها كثيرا وهي أن الأمور نسبية ، وطبقا للجذب ، فالحق يجذب الحق والباطل يجذب الباطل كما يجذب المعناطيس الحديد ، وكما يجذب الكهرمان القش ، وكما تجذب المعدة الجديرة بالحلو الحلو إليها ، وكما تجذب المعدة المريضة إليها الخل ، كما يقضى الفراش البارد على الحرارة والفراش الحار على البرودة ، وكما تفيض رحمة ومودة وبشرا عندما ترى الصديق وبغضا وسطوة عندما ترى العدو ، أنت وطبيعتك وعملك وفعلك ، ثم يعود إلى خطاب الملك إلى اياز : هيا وافصل في الأمر فإن الانتظار في حد ذاته نوع من الانتقام ، العدالة ينبغي أن تكون سريعة .
 
( 2134 - 2140 ) : في العنوان : " الانتظار هو الموت الأحمر " . . . والموت الأحمر في معجم الصوفية له عدة معان منها تحمل اذى الخلق ، الموت في الجهاد ، وتحدث المولوي عن أربعة من أنواع الموت : موت أحمر وهو تحمل الجفاء وكف الأذى وموت أصفر وهو الجوع والاصطبار على الإعسار وموت أبيض وهو العزلة وموت أسود وهو مخالفة النفس والهوى ( مولوى : 5 / 411 ) .
 
وروى صاحب تذكرة الأولياء عن حاتم الأصم أنه قال : على من يدخل هذا الطريق أن يذوق ثلاث ميتات : موتا أبيض وهو الجوع وموتا أسود وهو الاحتمال وموتا أحمر وهو لبس المرقع ( تذكرة الأولياء / 201 ) ،
 
والذي يناسب السياق هنا هو تفسير الموت الأحمر بمعناه اللفظي أي القتل . يجيب اياز بأن الأمر كله متروك للملك ، والبيت 2135 يكاد أن يكون ترجمة لبيت النابغة الذبياني :فإنك شمس والملوك كواكب * إذا طلعت لم يبد منهن كوكبويرى اياز أنه هو الذي أثار شكهم وريبتهم ، فلو انه كان قد نسي ماضيه وأصله ، ذلك أن [ كل ذي نعمة محسود ] ،
وما دام المرء مقيما على غير ما درج عليه الناس فهو عرضة لاتهامهم [ والمخلصون على خطر عظيم ] ، إنني أنا بكتمى هذا السر ، ووضعي الأقفال على الحجرة المسؤول عن كل هذا الموقف لقد أدى إلى الشك في أنا الذي اعتبر معدنا للوفاء ومثالا له ، وما كان بحثهم عن الغدر منى إلا كباحث عن مدرة جافة في قاع جدول ، أو عن سمكة خارج الماء ، أي كان بحثهم عن غدرى وخيانتى من قبيل البحث عن المحال .
 
“ 532 “ 
 
( 2141 - 2149 ) : من هنا يترك مولانا القصة ويدخل في حكايات وموضوعات غيرها حتى البيت رقم 3250 عندما يعود إليها . . . يقول : إن حديثي عن الوفاء أمام من جبلوا على الغدر والخيانة هو إلقاء بالمشقة عليهم ، كيف يمكن أن يتحدث أحد عن اللباب أمام من وقفوا عند القشور ، وذلك أن للقشور صوتا يعجب الآذان ، إذن فاعلم أن للباب أيضاً له صوت ، وصوت حسن ، أفضل كثيرا من خشخشة القشور التي تعجب بها ، لأنها تدلك على أن هناك لبا ، فتذهب وتسطو عليه ، لكن صوت اللب ليس مبذولا لكل أذن ، فالقشر هو ظاهر الإنسان واللب هو باطنه الذي ينبغي أن يستمع إليه بأذن الروح ، والطريق إلى فتح أذن الروح وتمكينها من العمل يكمن في أن تسد أذن الجسد وشفة الجسد ، وتصمت ، وتصبر ، وتطلب أن تنزل عليك عطايا الله ، ويطلب مولانا من نفسه أن يقوم بهذه التجربة ، لقد جربت كثيرا من النظم والنثر ، فجرب لمدة يوم واحد أن تكون صامتا ، تراه لم يصمت حتى ليوم واحد ؟ !
أغلب الظن انه فعل ، لكنه يخاطب نفسه أحيانا بما كان ينبغي أن يخاطب به المريدين .
 
( 2150 - 2162 ) : المن نوع من الحلوى المشهورة في إيران وهو حلو ، لكن مولانا افترض أن هناك منا مراً ، وحريفا ورمز للكلام والحديث بالمن المر والحريف وللصمت بالمن الحلو ، وفكرة كتاب اليمين وكتاب الشمال مرت في الكتاب الذي بين أيدينا ، الأبيات 1806 - 1826 ، وفكرة النظر في الكتاب مرت في الكتاب الرابع ، الأبيات 15640 - 1677 وفكرة التبديل تبديل السيئات إلى حسنات مرت أيضاً في الكتاب الذي بين أيدينا ، الأبيات 1847 - 1858 .
 
( 2163 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، تجاهل كل المفسرين القدامى والمحدثين تأصيلها ، وهي تبدو من الحكايات الشعبية أيضا ، وفيها غير قليل من الهزل آثرت ترجمته لكي يكتمل النص وكما فعلت في الحكايات المشابهة ، كما ناقشت عند تعليقى على قصة السيدة والحمار موضوع الجنس في التراث الإسلامي عموماً ( انظر تعليقى على البيت 1333 من هذا الكتاب ) ، والآية المذكورة في العنوان :وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ *( لقمان / 25 ) .
 
والحكاية قائمة على من يكذب حاله مقاله وهو من الموضوعات المحببة عند مولانا جلال الدين ( مثالها الواضح قصة ذلك الشاعر الذي لم يأخذ صلة من الممدوح ، الواردة في الكتاب الرابع ، الأبيات 1739 - 1765 ) ،
  
“ 533 “ 
 
وفي الحكاية أيضاً قاعدة فقهية لم ينتبه إليها المفسرون وفحواها أن جماع ملك اليمين لا يتم إلا بإذن من الزوجة وليس أمرا مباحا على الإطلاق ، واستخدام الزاهد هنا سخرية من الزهاد المرائين ، وهم كالصوفية المتظاهرين ، كانوا موضعا لسخرية مولانا جلال الدين وهجومه .
( 2166 - 2167 ) : لفكرة أنه إذا جاء القضا ضاق الفضا ، وإذا حل القدر عمى البصر وإذا حلت التقادير بطلت التدابير ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 380 - 389 وشروحها ) .
( 2175 ) : الاتصال الجنسي عندما يتم برغبة وشوق من الطرفين يكون اتصالا للروح بالروح ، وليس مجرد امتزاج جسدين بشكل حيواني ناهيك عمن يعتبره حتى وإن تم في إطار شرعي أمرا مكروها .
 
( 2179 - 2190 ) : هناك فرق كبير بين عبادة الخوف وعبادة العشق ، فالعارف العاشق يمكن له في لحظة واحدة أن يقطع من الطريق أضعاف أضعاف ما يقطعه العابد بتأثير الخوف ، أو كما يقول يحبى بن معاذ الرازي : الزاهد سيار والعارف طيار ( عن استعلامى 5 / 323 ) ،
 
فالعارف يستطيع في اطراقة واحدة أن يصل إلى اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة مما تعدون ، وإياك أن تحاول أن تزن أمور العارف بالعقل ، فهي خارج العقل وخارج الوهم ، فخوف الزاهد لا يساوى شيئاً إلى جوار عشق العارف ، وأين تلك الصفة التي يوصف بها الله سبحانه وتعالى أي صفة العشقيُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، إلى جوار تلك الصفة التي لا يوصف بها إلا الإنسان وهي صفة الخوف ، ولا يمكن أن يوصف الإله العظيم بها ، إنني مهما تحدثت عن العشق يظل الأمر ناقصا ، فنحن الناقصون المتحدثون بالأحاديث الناقصة ، وقبل ذلك قلت لي عندما كنت أتحدث عن العشق : إنني لو شرحت هذه الأمور لصار المثنوى ثمانين مجلدا
 
( البيت 4445 من الكتاب الثالث ) وقلت أيضاً : أن آفة الإدراك هو ذلك المقال والحال ( البيت 4370 من الكتاب الثالث ) وأضيف هنا أنني حتى ولو تحدثت عن العشق دائما لقامت مائة قيامة ( لمرت أعمار على أساس انه إذا مات ابن آدم فقد قامت قيامته ) ويؤكد هذا قوله في البيت التالي أن القيامة محدودة بزمان ، لكن خالق القيامة ، وهو الموضوع الأول للعشق ليس محدودا بزمان ومن ثم لا يحد عشقه بزمان .
  
“ 534 “
  
( 2191 - 2196 ) : يواصل مولانا إفاضاته عن العشق : إن العارف لا يقطع هذه المسافات والأزمنة بحوله وطوله ، بل بواسطة تلك الأجنحة التي يملكها العشق والتي تمتد من أعلى العرش إلى الثرى ، ومن هنا فالزاهد بمثابة من يمشى على قدميه ، إنه مهتم بالدنيا ، إن زهده فيها موقف منها ، وهو دائما في قيد ما يجوز ولا يجوز ، لكن العاشق لا يهتم بالدنيا أو بالآخرة إنه يريد وجه الله ، فهو فان فيه ، ومن ثم أصبح سريانه في الموجودات كسريان الحقيقة ، وأسرع من الهواء ومن البرق ، ومن هنا فمشاغل الزهاد كثيرة ، والخائف غالبا ما هو مشغول بما هو خائف منه ، أما العشاق فقد جعلوا همهم واحدا ، ومن ثم أصبحت السماء دانية لهم وكأنها الأرض ، والعناية الإلهية فحسب هي التي تستطيع أن تجعل الزاهد والخائف عاشقا ، وتقول له : انطلق . . . دعك من ذلك السير الأرضي ودعك من كل أوهامك ، وكل رؤاك ، وكل قيلك وقالك ، فهذا القيل والقال بمثابة مناقشة أهل المدرسة للجبر والاختيار ، أي جبر وأي اختيار ، يكفى العاشق فخرا أنه فان في الله منطلق كالصقر الملكي " الروح " .
 
( 2205 - 2210 ) : عودة إلى مناقشة كتاب الأعمال التي تمت مناقشته في الأبيات 2151 - 2156 ، وفي هذه الأبيات مضمون الآية 25 من سورة لقمان ، وقد مر الحديث عنها في شرح الحديث 2163 .
 
( 2211 - 2220 ) : الأبيات هنا ناظرة إلى قوله تعالى : وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ، حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ، وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ( فصلت / 19 - 21 ) ، ( انظر أيضاً الكتاب الثالث ، الأبيات 2457 - 2467 وشروحها ) . 
إذن فليست أقوالك هي التي تشهد لك ، أفعالك هي التي تشهد لك ، والإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل ، وهذه الأعضاء تشهد عليك لأنها بمثابة العبد منك أيها السيد هي تابعة لك وغير مسؤولة عما ارتكبت .
 
( 2220 - 2227 ) : على كل حال فإن الفرصة لم تفلت منك بعد ، فباب التوبة مفتوح ما لم تغرغر وتبلغ روحك الحلقوم ( عن باب التوبة ، انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 2503 - 2508 وشروحها ) ، روّ جذور العمر بماء التوبة وهو بمثابة ماء الحياة الذي يجعل هذه الشجرة التي جففتها الذنوب خضراء مورقةأَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها
 
“ 535 “ 
 
كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهافأي ماء هذا الذي يجعل حتى تلك السيئات التي قمت بها تتبدل إلى حسنات ، إنه أشبه بكيمياء التبديل مصداقا لقوله تعالىإِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً( الفرقان / 70 ) ( وعن التبديل انظر أيضاً ، الأبيات 1835 - 1854 من الكتاب الذي بين أيدينا ) فهياتب هذه التوبة النصوح ، وأنا أعلم انك قد ملت إلى التوبة فجدد ميلك إليها .
 
( 2228 ) : تعبير طريف ذلك التعبير الذي يقدمه مولانا عن التوبة : كاللبن يخرج من الثدي ولا يعود إليه ثانية ، والتوبة ألا تذكر الذنب ، وفي رواية أخرى ألا تفتأ تذكر ذنبك ، لكن مولانا حدد : الذكر بميل ، ولا شك أن الذكر بكراهة يقوى التوبة ، فكلما ازداد كراهية لذنبه كان ذلك دليلا على أنه وجد لذة القبول ، وأن لذة القبول هي التي حلت محل لذة الذنب القديم إذ لا يقضى على عشق إلا عشق آخر ( انظر 880 - 883 وشروحها من الكتاب الرابع ) ،
 والبيت المذكور ( ليس لمولانا كما اعتبره الشارحون وإلا لما قال :
كما قالوا ، وقد يكون لأبى سعيد ) ، أما الآيات الكريماتفَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى ، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى( الليل / 5 - 10 ) ، ونصوح هذا اسم شخص وليس صفة كما وردة في الآية الكريمة :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً( التحريم / 8 ) ، ويرى عبد الباقي أن الخيال الشعبي هو الذي حول نصوح من صفة إلى شخص ( 370 / 5 ) في حين أن الرواية وردت قبل مولانا في إحياء علوم الدين للغزالي ، وفي مقالات شمس ، وأغلب الظن أن مولانا أخذها عن مقالات شمس ، لأن مضمونها أقرب إلى روايته ، كما ذكرها مولانا أيضاً في المجالس السبعة ( مآخذ 175 - 176 ) .
 
( 2235 - 2241 ) : إن الإنسان ليتوب ، لكن النفس الكافرة الأمارة بالسوء ما تنفك توسوس له حتى يعود ، وقد تتحقق التوبة عن طريق أحد رجال الله ودعائه " همم الرجال تزيح الجبال " ، لقد عرف الولي ما يجول في خاطره وقرأ سر ضميره لكنه ستر عليه ، فهو متخلق بأخلاق الله ، ومن أخلاق الله سبحانه وتعالى الحلم على خلقه والستر عليهم فهو الحليم الستار ، وما أكثر ما يعرفه هؤلاء الأولياء لكن الشفاه صامتة ليس ضنا بالعلم ولكن سترا على الخلق ، والبيت 2238 قريب من قول حافظ الشيرازي :
 
“ 536 “
  
لا أدرى من يوجد داخلي أنا المعذب القلب * فأنا صامت وهو ملىء بالضجة والصخب ( ديوان حافظ / 83 ) فليس كل البشر مهيئين لفهم كل الأسرار ، وقد روى عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قوله : [ إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله فإذا نطقوا به لم يجهله إلا أهل الاغترار بالله عز وجل ولم يتحمله إلا أهل الاعتراف بالله عز وجل ، فلا تحقروا عالما آتاه الله علما فإن الله لم يحقره إذ آتاه إياه ] وفي خطبة لأمير المؤمنين على رضي اللّه عنه : اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية " الحبال " ، في الطوى " الآبار " ، البعيدة ، وقال أيضا : إن هاهنا لعلما جما لو أصبت له حمله ، وفي أبيات لعلى زين العابدين السجاد رضي اللّه عنه :إني لأكتم من علمي جواهره * كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا أبو حسن * إلى الحسين ووصى قبله الحسنا
يا رب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمى * يرون أقبح ما يأتونه حسناقام في بنى عليه السّلام : إن عيسى بن مريم عليه السّلام وعن الصادق رضي الله عنه قال : قال إسرائيل فقال : يا بنيى إسرائيل لا تحدثوا بالحكمة الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم " ، ومن ثم يوصى المريدون بعدم إفشاء الأسرار ( جعفري : تفسير ونقد وتحليل مثنوى جلال الدين محمد ، ج 12 ، ط 10 ، تهران ، اسلامى 1363 ، صص 96 - 102 ، بعد ذلك جعفري / 12 ) .
 
 وطالما يحدث مولانا جلال الدين نفسه في المثنوى ، أصمت كفاك حديثا ، إن تحدثت سوف تأخذ الغيرة بأذنيك وهلم جرا .
 
( 2242 ) : العارف الواصل " الحق " مستجاب الدعاء ، وهذه الفكرة أن فعل الولي من فعل الله تكررت في المثنوى ( انظر الكتاب الثالث ، البيت 2222 ) والحديث المذكور في العنوان : [ من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشئ أحب مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها ] . 
قال الشيخ الأكبر : ولابد من إثبات عين العبد في الفناء في الله وحينئذ يصح أن يكون الحق سمعه
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 1975 - 2361 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:40 am

الهوامش والشروح 1975 - 2361 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )   

الهوامش والشروح 1975 - 2361 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 1975 - 2361 فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح الملك إياز ومعنى أرنا الأشياء كما هي ومعنى لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا 

“ 537 “ 
 
وبصره ولسانه ويده فعم قواه وجوارحه بهويته على المعنى الذي يليق به ، وهذه نتيجة قرب النوافل وأما قرب الفرائض أن يسمع الحق بك كأنه قال : إذا أحببت عبدي فغلبت محبتي عليه وسلبته الاهتمام بغيري فيتصف ظاهرا وباطنا بصفاتى فيسمع ما أسمعه ويبصر ما أبصره ويمسك بقدرى ويمشى بإرادتى فتكون جوارحه وأعضاؤه لي آلة . وهذا أيضاً مفهوموَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ( مولوى 5 / 336 ) .
 
( 2245 ) : ومع ذلك فالأمور كلها من عند الله تعالىيَهْدِي مَنْ يَشاءُ *وما الولي والعارف الذي يدعو إلا من قبيل السبب الذي يهيئه سبحانه وتعالى ، فالدعاء والاستجابة منه أيضا ، وهو الذي يلهم الأفواه الدعاء ، إذا أراد الاستجابة ( انظر الأبيات 190 - 207 وشروحها ، من الكتاب الثالث ) .
 
( 2273 ) : عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال : [ اشتدى أزمة تنفرجى ] ( النهاية في غريب الحديث والأثر ، لابن الأثير ، 1 / 496 ) . وقد نظم أبو الفضل يوسف المعروف بابن النجوى قصيدة في هذا المعنى مشهورة باسم القصيدة المنفرجة أولها : اشتدى أزمة تنفرجى . ثم يستمر : قد آذن صبحك بالبلج ، وظلام الليل لها سرج حتى يغشاه أبو السرج . وقال ابن الفارض :أصبحت فيك كما أمسيت مكتئبا * ولم أقل جزعا يا أزمة انفرجى( انقروى : 5 / 497 )
 
( 2275 - 2286 ) : من خلال موقف من مواقف القصة يتحدث مولانا عن " ديناميكية " اتصال المضطر وسره وضميره بالملأ الأعلى والسر مرتبة من مراتب الروح السبعة ( انظر البيت 3131 من الكتاب الثالث ) لقد فنى المضطر عن وجوده ، فاتصل سره بالملأ الأعلى ، فاستدعى روحه كما يستدعى السلطان البازي لأن يعود بصيده ، إن الانكسار أيضاً براق عظيم في تلك اللحظة ، فقد خرق الخضر السفينة لتنجو ،
 ومثلها سفينة المضطرأَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَلقد أنقذ الله سبحانه وتعالى سفينته المحطمة على شاطىء الرحمة ، وهكذا عندما تجردت الروح من الجسد ومن عاره ، استطاعت أن تحلق عالية نحو أصلها ، ويواصل مولانا الصورة التي يغرم بها صورة الروح كبازى
 ( قوية ملكة الطيور قادرة على التحليق ) والتي تقف على ساعد السلطان ، ثم تنطلق إلى الدنيا في أثر " الطين " حتى إذا دق لها طبولارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً
 
“ 538 “ 
 
انطلقت إلى أصلها مما عبر عنه في غزلية من غزليات ديوان شمس " انظر شروح الآيات 1660 - 1664 من هذا الكتاب " ، وعبر حافظ الشيرازي عن نفس الفكرة بقوله :
طائر قلبي طائر قدسي عشه العرش * مل قفص الجسد وشبع من الدنيا ومن باب هذه المتربة عندما يطير الطائر * يتخذ موقعها ثانية على هذا العش وعندما يطير من هذه الدنيا تكون السدرة * فاعلم أن متكأ طائرنا شرفة العرش ( ديوان حافظ : جامع نسخ ص 364 )
وهكذا عندما يتخلص بازى الروح مما يغل قدمه ينطلق نحو السلطان ، ولا يستبعد شئ عن رحمة الله ، فإن رحمة الله وسعت كل شئ ، وعندما يجيش بحر الرحمة يكون للحجر نصيبه من ماء الحيوان فيحيا وينطق ( ويقول لداود خذني لقتال جالوت ويبلى بلاء حسنا في القتال ) ،
ومن الرحمة تصير الذرة والهباء في عظمة الشمس ، ويصبح هذا الأديم الترابى مناجم ذهب ، وتطوله يد رحمة الربيع فيصبح وشيا منمنا ، ويصبح كل مستحيل ممكنا ، فيعود عزير من قبره ويحيا ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 3271 - 3279 وشروحها )
ويعم السلام ، فيجالس الذئب الشاه ( تشبيه قاله أحد شعراء السلطان محمود لعله العنصري مدحا له وظل تعبيرا نمطيا في الأدب الفارسي ) ، وبرحمة الله تعالى لا تجد قانطا ، بل يصبح القانطون كلهم متهللين فرحين .
 
( 2300 - 2316 ) : إن هذه الرحمة قد فاض بها فضل الإله ، ورحمته وعطاياه لا تنتظر مستحقا ، إنها كالغيث يهمى على المزارع والصحارى ، لقد كن يعتذرن لنصوح على سوء ظنهن فيه ( فيها ) ، وهن اللائي يستحققن الاعتذار منه ، فأي جريمة هذه سرقة الجوهرة إلى جوار الجريمة الكبرى ، جريمة أنه رجل وهن ينكشفن عليه على أساس أنه سيدة ، وهو ما لا يفكر إبليس نفسه في القيام به ، كل هذا كان الله سبحانه وتعالى يعرفه - بالتأكيد كان يقول هذا لنفسه أو كان يجول في خاطره - إن الرحمة هي التي جبرت انكسارى ورتقت ما تمزق من ردائي ، جعلتني سوسنا حرا ، ومحاربي ذنوبي إذ أن : التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وتحولت آهتى إلى نجاة ، نجوت بها من بئر نفسي ، والبيت 2315 مأخوذ من حديقة سنائى ،
( البيتان 685 و 686 من متن الحديقة ) ، والمقصود بالروضة
  
“ 539 “ 
 
والعيون رياض الرحمة وعيونها ، ويا ليت قومي يعلمون ، سورة يس ،قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ( يس / 26 - 27 ) .
 
( 2326 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت من قصص كليلة ودمنة أعاد مولانا جلال الدين صياغتها ، وتصرف فيها لتخدم أهدافه من القصة وإفاضاته التي تختلف عن أصل القصة اختلاف ما بين السماء والأرض ، وهناك إشارة في الحديقة عن صيد الأسد وكيف يكون لكل الوحوش ( البيت 810 ) . كما ورد في نفس الكتاب الذي بين أيدينا تشبيه الشيخ بالأسد ( البيت 3216 ) .
 
( 2339 - 2350 ) : يترك مولانا قصة الأسد والحمار ويتحدث عن القطب ومن الواضح انه لا يتحدث عن القطب كدرجة في سلسلة الولاية ، لكنه يتحدث عن الولي عموما " انظر لتأييد هذه النظرة ، الكتاب الثاني 818 - 825 " فمولانا جلال الدين يعطى كل هذه الصفات عندما يتحدث عن الدرويش " الحقيقي " و " الولي " ، و " الشيخ " و " المرشد " ، وهو هنا يشبهه " بالأسد " ، بالطبع أسد الطريقة الذي " تصيد " المغفرة والرحمة ، وتنزل عليه الإفاضات الإلهية ، ثم يهبها لمن حوله كل بحسب درجة " استعداده " فليس من عادة الشيخ أن " يأكل " أو " يشرب " وحده ( انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1816 - 1819 وشروحها ) ، وليس بدعا أن يكون الرزق بالقطب وقديما قال الشاعر العربي " خليفة الله يستسقى به المطر " ،
 وإلى مثل هذا أشار ابن الفارض بقوله :
ومن فضل ما أشربت شرب معاصري * ومن كان قبلي فالفضائل فضلتى
( انقروى 5 / 506 ) فاعتبر القطب عقلا يناط به تدبير أمور الجسد ، وإن تساءلت وكيف إذن يكون هذا القطب ضعيفا ؟ !
فإن الرد : إن الضعف في الجسد لا يعنى ضعف الروح ، وهل يعمل القطب بجسده ، إن عمله بالروح بها يتلقى الفيض وعن طريقها يفيض به بدوره على المريدين ، وهو من عظمته جدير بدوران الأفلاك حوله - العالم كله متعلق به وليس هو متعلقا بالعالم - وهذا المعنى متأثر بابن الفارض في قوله :فبى دارت الأفلاك فاعجب لقطبها * المحيط بها والقطب مركز النقطة( انقروى 5 / 507 )
 
“ 540 “
  
ويضيف الانقروى : والقطب أزلا وأبدا من أول الوجوه إلى آخرها هو الحقيقة المحمدية ، وهو الواحد الذي موضع نظر الله تعالى من العالم في كل زمان وهو على قلب إسرافيل عليه السّلام ، والفكرة أقرب إلى قول ابن الفارض :ولا فلك إلا ومن نور باطني * به ملك يهدى الهدى بمشيئتىفان كنت مؤمنا بهذا القطب ساعده في مرمة سفينة " جسده " ، ففي عونك له عون لك ، ذلك إن الله تعالى جعل المنتصر من عبده من ينصره هو ، فإن نصرت الله نصركإِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ ( محمد / 7 ) .


قال نجم الدين : " يشير إلى أنكم إن وجدتم في أنفسكم شيئا يحرضكم على نصرة الله فذاك من أثر نصرة الله إياكم فإنه قد نصركم بالتوفيق لنصرة الحق فأما نصره من العبد فعلى وجهين صورة ومعنى ، أما النصرة في الصورة نصرة دينه بإيضاح الدليل وتبيينه وشرح فرائضه وسننه وإظهار معانيه وأسراره وحقائقه ثم بالجهاد والنفر لإعلاء كلمته وقمع أعداء الدين ، وأما نصرته في المعنى فبإخفاء الناسوتية في لاهوتيته ليبقى هو بعد فناء خلقه ، وأما نصرة الله للعبد فهي أيضاً على وجهين :
صورة ومعنى أما نصرته للعبد في الصورة فبإرسال الرسل وإنزال الكتب وإظهار الإعجاز والآيات وقد بين السبل إلى النعيم والجحيم ، وحضرة الكريم ثم بالأوامر في الجهاد الأصغر والأكبر وتوفيق السعي فيهما طلبا لرضاه ولابتغاء هواه وبإظهاره على أعداء الدين وقهرهم في إعلاء كلمة الله العليا وما نصرته للعبد في المعنى فبإيتاء رشده في إفناء وجوده الفاني في وجوده الباقي بتجلى صفات جماله وجلاله " ( مولوى 5 / 338 ) .


فإنك أن قمت بالصيد كالثعلب فإنما تصيد بهمته هو لا بهمتك أنت ، فمما علمك إياه تستفيد فما أنت إلا تلميذ له و " ليس من أخلاق المؤمن التملق إلا في طلب العلم " ( انقروى 5 / 509 ) .


والقطب إنما يطلب من المريد أن يصيد له صيدا حيا لا صيدا ميتا كصيد الضباع ، لكنك على كل حال أن حملت إليه صديا ميتا سوف يحيا بأنفاسه ، إن من يصيد بنفسه ودون إرشاد من المرشد لا يصيد إلا الأوهام والخيالات ولا يصل إلى عالم الغيب ، وإن كنت لا تصدق أن الميت ينقلب إلى حي ، فانظر إلى القمامة توضع في البستان فتصبح سمادا ينبت به سبحانه وتعالى الزهور والنباتات .
 
( 2358 - 2360 ) : من الواضح بالطبع أن مولانا قد ترك تيار القصة وساق " نفسا " عن الرضا على لسان الحمار ، إذ ينبغي الصبر على ما أعطى الله ، والرضا والقناعة به مصداقا
 
“ 541 “ 
 
لقوله تعالى :نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا( الزخرف / 32 ) ، فالصبر على كل حال هو مفتاح الرج ، وكل نعمة في هذه الدنيا على كل حال مقرونة بغم ( ورد في الحديقة ما يقرب من هذا المعنى في حكاية ذلك الذي قال لبهلول : أريد أن أهبك بردة فقال على أن تزيدني عليها مائتي عصا ، ذلك لأن راحة الدنيا مقرونة بشقائها
( انظر حديقة الحقيقة لسنائى ، ، الأبيات 5339 - 5342 ) وإلى مثل هذا المعنى ذهب الشاعر الفارسي :
لا كنز بلا حية ولا ورد بلا أشواك * ولا سرور بلا حزن في هذا السوق ( عن جعفري 12 / 123 )
( 2361 ) : يرى استعلامى أن هنا نوعا من السهو إذا انتقل مولانا من حمار القصار إلى حمار الحطاب ثم قال في المتن انه حمار السقاء ( 5 / 329 ) ،
والواقع أن السهو هنا بين " حمار الحطاب " ، في العنوان و " حمار السقاء " ، في البيت الأول ، فالحكاية هنا لا دخل لها بحمار القصار ، وحمار القصاء هو الذي يرويها ليضرب مثلا على أن كل نعمة مقرونة بغم ، ومن ثم أولى بالإنسان أن يطلب من الله المغفرة له لذة الدنيا والآخرة ، لأن الاستغفار مقرون بالرزق وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ( هود / 3 ) ،فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً( نوح / 10 - 12 ) .
 
وقد قيل " العناية تهدم الجناية وتورث الهداية وتصل الولاية ، ( انقروى 5 / 511 ) ، فالنعمة فخ حبة ظاهر وشبكته خفية . والحكاية المذكورة هنا لم يهتم أحد بالبحث عن أصل لها وفي الحكاية روح حكايات كليلة ودمنة " وتشبه حكاية فأر المنزل الذي دعا فأر الحقول إلى المنزل للتناول من خيراته ورؤية فأر الحقول للمصيدة وتفضيله الفقر مع العافية عن الغنى مع الخطر " .
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 2362 - 2667 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:41 am

الهوامش والشروح 2362 - 2667 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

الهوامش والشروح 2362 - 2667 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 2362 - 2667 فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية رؤية حمار الحطاب النعم التي فيها الخيول العربية الأصيلة في الإصطبل الخاص وتمنيه لذلك الإقبال

( 2361 ) : يرى استعلامى أن هنا نوعا من السهو إذا انتقل مولانا من حمار القصار إلى حمار الحطاب ثم قال في المتن انه حمار السقاء ( 5 / 329 ) ،

والواقع أن السهو هنا بين " حمار الحطاب " ، في العنوان و " حمار السقاء " ، في البيت الأول ، فالحكاية هنا لا دخل لها بحمار القصار ، وحمار القصاء هو الذي يرويها ليضرب مثلا على أن كل نعمة مقرونة بغم ، ومن ثم أولى بالإنسان أن يطلب من الله المغفرة له لذة الدنيا والآخرة ، لأن الاستغفار مقرون بالرزق وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ( هود / 3 ) ،
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً ( نوح / 10 - 12 ) .

وقد قيل " العناية تهدم الجناية وتورث الهداية وتصل الولاية ، ( انقروى 5 / 511 ) ، فالنعمة فخ حبة ظاهر وشبكته خفية . والحكاية المذكورة هنا لم يهتم أحد بالبحث عن أصل لها وفي الحكاية روح حكايات كليلة ودمنة " وتشبه حكاية فأر المنزل الذي دعا فأر الحقول إلى المنزل للتناول من خيراته ورؤية فأر الحقول للمصيدة وتفضيله الفقر مع العافية عن الغنى مع الخطر " .


( 2382 - 2387 ) : عودة إلى مناقشة الثعلب مع حمار القصار وتدور المناقشة حول فكرة التوكل والكسب وهي من الأفكار التي ناقشها مولانا في الكتاب الأول في قصة الأسد والوحوش ( من البيت 903 إلى البيت 1398 من الكتاب الأول ) ، وكل فريق يجد من الكتاب والسنة ما يدعم رأيه بل وحاولوا التلفيق بين التوكل والكسب ، وقالوا أن التوكل لا يعنى القعود عن الكسب ، بل ينبغي أن يكون ثم كسب مقرون بالتوكل :

" التوكل حال النبي والسعي سنته فمن ابتغى حاله لا يتركن سنته " ، كما ورد في الرسالة

 542 “


القشيرية .
ومما يتفق ومعنى الحديث " اعقلها وتوكل " ، ما روى من قول عمر رضي اللّه عنه للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم : يا رسول الله أرأيت ما نعمل فيه أعلى أمر قد فرغ منه أو على أمر مبتدأ ؟!

فقال :
على أمر قد فرغ منه ، فقال عمر : أفلا نتكل وندع العمل ؟ ! فقال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، كما ورد في التعرف على مذهب أهل التصوف للكلاباذى ، فالتوكل محله القلب والحركة بالظاهر ولا يتناقضان ( عن تعليقات كفافى على القصة المذكورة في الكتاب الأول ، ص 487 )

والحمار هنا هو الذي يدافع عن التوكل ، بينما يدافع الثعلب عن الكسب حتى يجر الحمار من موطنه إلى حيث يوجد الأسد ، يقول الثعلب : إن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بطلب الرزق من مظانه ، والرزق مرهون بهذا الطلب ، وقد قال تعالى :فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( الجمعة / 10 ) ،

وقال صلّى اللّه عليه وسلّم : طلب الحلال فريضة بعد الفريضة ، وقال أيضاً : طلب الحلال واجب على كل مسلم ، ( انقروى 5 / 514 ) .

ومن أقواله أيضاً صلّى اللّه عليه وسلّم :
أبواب الأرزاق مقفولة والحركة مفتاحها . ( أحاديث مثنوى ، ص 168 ) .


( 2388 - 2392 ) : يجيب الحمار مدافعا عن التوكل بمضمون ناظر إلى الآية الكريمةوَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ ( العنكبوت / 60 ) .

والحديث الشريف : [ لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تعدو خماصا وتروح بطانا ] .

وقوله تعالى :وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً( الطلاق / 2 - 3 ) .

والأبيات كلها تكرار لأفكار بل وتعبيرات وردت في حديقة الحقيقة ( انظر الأبيات 796 - 822 ، صص 105 - 107 من المتن الفارسي ) .


( 2393 - 2397 ) : يرد الثعلب : إن هذا التوكل الذي تتحدث عنه أمر نادر الحدوث ، إنه ديدن الكمل من الرجال من أوليائه وأحبائه ، الذين رضى عنهم وأرضاهم ، فإذا كان الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم قد شبه القناعة بأنها الكنز ، فمن تراه وصل إلى هذا الكنز ، أتراك - وأنت حمار - تطمع في هذا الكنز وتريده لنفسك ، اعلم قدرك واحفظ أدبك ، وإلا سقطت في الفتنة وفي الشر ، إذا وضعت هذه النفس في غير موضعها 
 

( 2397 - 2400 ) : يرد الحمار : إن هذا قلب للأمور منك أيها الثعلب فمن أين تأتى الفتنة ومن أين يأتي الشر إذا اعتصم الإنسان بالقناعة ، إن الفتنة والشر إنما يتأتيان من الطمع


“ 543 “

وقد قال صلّى اللّه عليه وسلّم [ إياكم والطمع فإنه هو الفقر الحاضر وإياكم وما يعتذر منه ] ( انقروى 5 / 517 ) . وكما يكون المرء عاشقا للرزق فإن الرزق أيضاً عاشق له كما قال صلّى اللّه عليه وسلّم : [ إن الرزق يطلب العبد كما يطلبه ] ، وفي رواية أخرى وكما يطلبه أجله ( استعلامى 5 / 331 ) .


( 2401 - 2403 ) : يسوق مولانا هنا حكاية لها أمثال عديدة في كتب الصوفية ( مآخذ 178 و 179 ) ، لكن المهم انه يذكر بطلها " كزاهد " ، وليس كصوفى ومن سوق مولانا جلال الدين لهذه الحكايات وطريقة تعبيره عنها يتضح موقفه من هذا النوع من الزهاد أو الصوفية المتنطعين الحرفيين والزاهد هنا متنطع وحرفى يذكر بذلك الزاهد الآخر الوارد في الكتاب الثالث من المثنوى والذي شق على نفسه فنذر ألا يقطع ثمرة من شجرة جبلية ولا يهزها ولا يطلب من أحد تصريحا وكناية أن يهزها ، وأنه لن يأكل إلا مما تسقطه الريح من الشجرة ، وكيف أخذته الغيرة الإلهية فأخذ مع لصوص وقطعت يده .

( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 1636 - 1639 و 1674 - 1684 وشروحها ) إن هذا يكون أشبه بامتحان الله ، ومن امتحن الله تعرض لامتحانات القضاء ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 360 - 386 وشروحها ) والحديث المذكور في البيتين هو حديث : [ إن الرزق يطلب العبد كما يطلبه ] .
 

( 2416 - 2418 ) : يخاطب الدرويش قلبه : ها أنت أيها القلب تعرف السر وتعرف أن الله هو الرزاق ساق إليك الرزق وأنت شبه جثة ، فكفاك تدلا ( حتى التدلل هنا مكروه ، وانظر الكتاب الثالث ، الأبيات 1320 - 1325 وشروحها ) ، ويجيب القلب : أجل أعلم ، لكنني متعمدٌ فيما أفعل كي أؤمن تماما أن الله هو الرزاق ! !

 

( 2419 - 2424 ) : يجيب الثعلب : إن كل هذه حكايات ، ولو كان الله تعالى يريد منك أن تقعد بلا كسب لما خلق لك يدا ، ولا قدما ، ثم إن هذا العالم قائم على الكسب ، أتراك بكسبك وبعلمك تنفع نفسك فحسب ؟ !

لا . . . إنك جزء من مجتمع ولكل واحد حرفته التي يتكسب منها ويفيد الآخرين ويستفيد هو أيضاً من أعمال الآخرين وحرفهم ، والدنيا قائمة على هذه المشاركة ، كل إنسان يعمل : " ومن أخذ من الناس المنافع ولم يعطهم نفعا لم يدخل تحت قوله تعالى :وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، ولهذا ذم من يدعى التصوف فيتعطل ولا يكون له علم يؤخذ منه ولا عملٌ صالح في الدين يقتدى به بل يجعل همته عادية بطنه لأنه انسلخ من الإنسانية بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى "
 

“ 544 “


( انقروى 5 / 251 ) . وترجمت " طبل خوارى " في البيت 2424 بالخيال الساذج بينما ترجمها المترجمون والمفسرون ب " الأكل بالمجان " ، لأن فيها إشارة إلى الثعلب الذي ظن من صوت الطبل أن فيها شحما فمزقها من خياله الساذج ولم يجد عندها شيئا .
 

( 2425 - 2430 ) : قال الحمار : إنني أعرف مهنة ولا كسب أفضل من التوكل لأن الله سبحانه وتعالى يقول :وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ( ولا نظير لمهنة الشكر لأنه سبحانه وتعالى القائل :لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ( إبراهيم / 7 ) ، وهكذا طال الجدل بينهما وطال الخطاب ، وعلم الثعلب أن هذه المناقشة لن تفصى إلى نتيجة ، فأراد أن يدخل إلى الحمار من باب آخر : باب التحذير والتخويف من التهلكة ، فالله سبحانه وتعالى أمرنا بهذا في قوله تعالىوَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ( البقرة / 195 ) ، هيا . . . انتقل من هذه التهلكة فأرض الله واسعة ، هيا معي المروج .
 

( 2434 - 2439 ) : تذكر هذه الأبيات بما ورد في حكاية الشاعر الذي عاد من العراق فقيرا مهلهل الثياب لا تبدو على هيئته آثار النعمة ولا على وجهه نضرة النعيم لا في باطنه سيماء المؤثرين ، ومع ذلك فهو يتفنج ويدعى ( انظر الكتاب الرابع - الأبيات 1739 - 1754 وشروحها ) ، وهذا هو أيضاً الثعلب ، إن الحمار ( لأنه حمار ) ، لم يقل له : وأين آثار هذه الجنة التي تعيش فيها عليك أنت ، إن المنطق لا بد من اجل أن يكون مؤثرا وقابلا للصدق أن يكون هناك شئ من العمل والواقع إلى جواره وإلا لكذب المظهر القول مثل كثير ممن سخر منهم مولانا .


( 2440 - 2445 ) : وهذا أشبه بذلك الجمل الذي سأله أحدهم : من أين أتيت ؟ !

قال من حمام حيك الساخن ، فقال إن هذا يبدو على ركبتيك ، أي أنك إذا كنت في الحمام لظهر ذلك على هيئتك وعلى قدمك . وذكر فروزانفر ونيكلسون أنهما لم يجدا مصدرا لهذا المثال قبل مولانا ( استعلامى 5 / 332 ) ،

ويواصل مولانا : إن الادعاء يبعد الرحمة ومن ثم تحدث الفضيحة ، وفي سلسلة المدعين قدم لنا مولانا جلال الدين في الكتاب الثالث ، الريفي الذي خدع الحضري وابن آوى الذي سقط في دن الصباغ ، والنفاج الذي كان يدهن شاربه بشحمة وسرقتها القطة ، ثم كبير المدعين في تاريخ البشرية : فرعون الذي ادعى الألوهية ( انظر الكتاب الثالث ، الترجمة العربية ، صص 79 - 107 ) وها هو هنا يعود إلى فرعون : إذ لو كان فرعون هذا مؤمنا حقا بأنه " الرب الأعلى " ، لما خاف كل هذا الخوف
 

“ 545 “ 

من حية موسى ، ومن ثم طلب المهلة ، ومن هنا فقد فضح نفسه ، وكشفها أمام الأذكياء العارفين الذين قالوا : تراه حقا لو كان رب الدين لهلع كل هذا الهلع من دودة ؟ ! 
( 2446 - 2454 ) : يظل مولانا جلال الدين مستمرا في إفاضاته ، فيخاطب النفس الفرعونية : إن هذا السكر الذي تحس به من شربك النبيذ ، فلا نصيب لك من عناقيد الغيب أي المعارف الإلهية وشراب الحكمة ، وهناك إمارات لا تبدو ولن تبدو عليك من أجل هذا أهمها التجافي عن دار الغرور

( انظر 3080 - 3084 من الكتاب الرابع وشروحها ) ، لأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لما قرأأَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ

قال إذا دخل النور في القلب انشرح وانفسح فقال الصحابة : وما علامة ذلك يا رسول الله ، قال : التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار السرور والتأهب للموت قبل نزوله ( مولوى 5 / 352 ) .

والماء الأجاج هو نعمة الدنيا وكلام المزورين من الشيوخ والماء العذب هو ماء المعرفة وكلام الكمل من الشيوخ والمرشدين ، والإيمان الحقيقي يختلف عن التقليد والادعاء ( عن المقلد والمحقق وهو عكس المقلد ، انظر الكتاب الثاني - 494 - 505 ) .

وهذا المقلد غالبا ما يكون عرضة للشيطان يقف له في الطريق ، إنه واهى الإيمان ، وضعيف الإيمان عادة ما يكون ألعوبة في يد الشيطان ، غير ثابت ، حاله كريشة في فلاة ، تحيط به الشكوك والريب ، ولا علاج له إلا بالإيمان فهو كزبد البحر ، لا يهدأ ولا يسكن إلا إذا وصل إلى الشاطئ ، لأن الشاطئ هو أصله الترابى الذي يحن إليه .


( 2455 - 2469 ) : يعود مولانا إلى قصة حمار القصار لكنه لا يلبث أن يتركها ، لقد كان منطق الثعلب منطقا جميلا ، لكنه فاه به كالمقلد ، فاه به من أجل أن يوقع الحمار لا أكثر ولم يفه به إيماناً ، إن هذا الثعلب شأنه شأن المقلد وشأن المنافق تحدث عن المعرفة ومدحها ، لكنه لم يكن تواقا إليها ، إنه أشبه بالنائحة الأجيرة ، خمش وجهه ومزق ثوبه ، لكنه لم يكن عاشقا ( العاشق هو القمة التي يصل إليها المرء بعد أن يكون عالما ) ( انظر البيت 491 من الكتاب الثاني ) ،

إنه كعذر المنافق موجود علي شفته لا في قلبه لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ قيلت عندما اعتذر المنافقون إلى الرسول عن القتال شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا( الفتح / 11 ) ، ووَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ.

إن فيه رائحة من فاكهة سرور المعرفة ، لكنه ليس هذه الفاكهة ، إنه يستخدم هذه الرائحة ، أي منطقه وحديثه من أجل أذى الناس ، إن علمه كمصباح في يد لص وذلاقة لسانه من أجل


“ 546 “ 

الخداع ، وما أشبهه بامرأة ، ( ليست المرأة هنا للجنس ولكن لم لا قدرة له على الطريق ، ورب امرأة في الطريق تكون خيرا من عشرات الرجال ) ، تتشدق بالشجاعة وشق الصوف ، لكنها إن أمسكت بالسيف ، أي إن خرجت من مرحلة القول إلى مرحلة الفعل ، ارتعدت وظهرت على حقيقتها ، هكذا أيضاً عقلك إن كان في الأنثى غير قادر على إدراك عوالم الغيب ومعرفة الحق ، وكان خاضعا للنفس الأمارة بالسوء - خضوع الأنثى للذكر - إن الأنثى تستطيع أيضاً أن تهاجم لكن بشكل ظاهري فقط ، لكن آفة هذا الهجوم ، وآفة هذه السطوة هي الاهتمام بالأشكال والألوان والروائح وظواهر الأمور ، إن صاحب العقل الأنثوى يشبه تماما هذا الحمار ، لقد قاوم وقاوم ، لكنه بمجرد أن سمع حديثا عن الألوان والأشكال الموجودة في المروج ، نسي كل ما قدمه من حجج ، وأصبح مثل الظمآن الذي يطلب المطر ولا سحاب هناك ، أي ذلك الذي يطلب الأمور في غيبة أسبابها ، فكأنه يطلب المحال ومثال أيضاً ذلك الجائع الذي لم يلجأ إلى درع الصبر ( انظر لتفسير مفصل عن درع الصبر ، الكتاب الثالث ، الأبيات 1848 - 1854 وشروحها ) ، ومكتوب على درع الصبر جاء الظفر إشارة إلى القول المأثور " من صبر ظفر " ( مولوى 5 / 355 ) .

 

( 2470 - 2483 ) : القياس في مصطلح مولانا يذكر في مقابل العيان والمشاهدة والإدراك الباطني للحقائق أو في مواجهة النص ( ولا قياس مع نص ) . ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 3585 - 3589 وشروحها ) ، والقياس مجرد رائحة من الإدراك وليس إدراكا ، فإذا أردت أن تتحول شذرات نقلك التي قمشتها من هنا وهناك إلى إدراك وفيض فداوم على مجالس المرشدين ، وفيها تخرج معدتك من مرحلة الحمارية " يخرج عقلك من مرحلة التقليد " ، إلى مرحلة الغزلانية " مرحلة التحقيق " ، وتفيض منك الحكمة كما يفيض المسك من نافجة الغزال ، وهكذا فاعلم أن الحكمة هي غذاء الأرواح ، وانظر : ألا ترى أن الحيوان هو الذي يداوم على أكل العلف ومن ثم يصير أضحية للذبح ، أما الإنسان فينبغي أن يكون قوته من نور الله ، بحيث يصبح جديرا بحمل القرآن وبيان معانيه وحكمه للناس ، وهكذا فاعلم أن نصفك من الطين وهو جسدك ونصفك من النفحة الإلهية وهو روحك ، فداوم على تقليل جانب الطين وزيادة جانب الروح من نفسك ، حتى تشرف بالتحقيق ويكون لأقوالك نتيجة وتأثير " ورقا وثمرا " ، لا مثل ذلك المقلد ، الذي يعرف هو نفسه أن أقواله هذه لا بهاء فيها ولا نور ، إنه مهما يتشدق بها ، يكون مرتعدا في داخله مرتعشا خائفا ،
 

“ 547 “ 


فانظر إلى من يتوقح على الناس ويخيفهم وهو في الواقع أشد خوفا منهم ؟ !
 إن فاقد الشئ لا يعيطيه مهما تشدق به ومهما تحدث عنه ومهما تظاهر به ، إن الوعي بالذات مفتاح لكل تطور في الشخصية وتسام بها .
 

( 2484 - 2496 ) : الشيخ الكامل الواصل أو الشيخ النوراني هو القطب الذي تحدثنا عنه آنفا ، وهو كامل المعرفة بالعلم اللدني أو الغيبي لا من العلم المبنى على الدرس والمدرسة ( انظر للكامل والواصل ، البيت 2339 من الكتاب الذي بين أيدينا وعن العلم التحصيلي والمدرسة ، انظر الأبيات 3848 - 3854 من الكتاب الثالث وشروحها ) هذا الشيخ النوراني لا يفيض بعلمه إلا على من هو نوراني مثله ، فهناك كوة مفتوحة من القلب إلى القلب ، وكيف يفيض بنوره على من هو غير مستعد ، وهكذا فكما أن كل شئ ينقع في الدبس " عصير العنب المخمر " ،

يتخذ طعم الدبس ، فإن كل ما يقوله الشيخ الكامل يكون معجونا بالنور ، وإذا اقتبست من هذا العلم استطاع حتى القوم اللد المغرمون بالجدل والمقيمون على الباطل أن يستفيدوا منك ويهتدوا بنورك ، إن هذا العلم يكون كماء المطر ظاهرٌ تماما لأن السماء لا تمطر إلا طاهرا

( انظر لطهارة الماء الكتاب الذي بين أيدينا ، الأبيات 200 - 220 وشروحها ، حيث يفسر مولانا الماء بأنه أرواح الأولياء ) وبالاتصال بأرواح الأولياء ينبع الماء من داخلك ، يهبط إليك من منبعه الأصلي . ( انظر للماء الذي ينبع في الداخل ، انظر الكتاب الرابع ، البيتان 1092 - 1093 وشروحها ) . فلا تأخذه من قناة ( مصدر أو كتب ) ،

ولا يكون عندك مجرد فكرة أو ظن ، وكأنه القناة يتشاحن عليها المزارعون ، وعلوم الكتب مصدر مشاحنة وجدل وقيل وقال ، أما علوم الأولياء القائمة على وحى القلب وعلى الكشف فلم يحدث بشأنها جدل أو اختلاف . فالأولياء كنفس واحدة وعلومهم تختلف عن علوم الآخرين ( انظر 1140 - 1145 من الكتاب الرابع )

وهكذا انظر إلى جدل الحمار " المقلد " ، مع الثعلب برغم الأدلة التي ساقها الحمار وصموده أمام الثعلب مرة أو مرتين أو ثلاث مرات ، فقد سلم ، كانت حججه واهية لأنه هو نفسه لم يكن مقتنعا بها ، ومن هنا فقد سقط ، لأنه كان مفتقدا إلى الإدراك الداخلي ، إلى القناعة الداخلية بما يؤمن به ، كان الأمر مجرد فيهقة وقعقعة ألفاظ وتفاصح ، ولأن الثعلب أكثر فصاحة منه فقد هزمه وأفحمه ، كان "الحمار" جائعا، وكان جوعه وحرصه أشد من قناعته .

“ 548 “


( 2497 - 2500 ) : حكاية أخرى من حكايات مولانا جلال الدين ذات التعبيرات " الخارجة " بمفهوم عصرنا ، وهو نفسه يحس بهذا فيحتج ثانية ببيت لسنائى الغزنوي ( حديقة الحقيقة ، البيت 11280 وانظر لمناقشة هذا الموضوع شروح البيت 1333 من هذا الكتاب ) ، وواضح أن الحكاية هنا - شأنها شأن معظم الحكايات ذات التعبيرات والمضامين الخارجة مأخوذة من التراث الشعبي ، ويستشهد مولانا بالآية الكريمة إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها ، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ، وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا ، يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ، وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ( البقرة / 26 ) .

ويفسر مولانا بأن ما فوقها تعنى ما فوقها من مسببات الإنكار ويروى الانقروى 5 / 537 حديثا نبويا شريفا :
[ إن الله حيى كريم ، لا يستحيى رب محمد أن يضرب مثلا بالذباب والعنكبوت ] .

والفتن من أنواع الامتحانات ، وهي أشبه بميزان الحشر يبدي عيانا فعل المرء ، والحكاية تقدم أحد المدعين في سلسلة المدعين الذين يقدمهم مولانا ، فهذا المأبون فاقد الرجولة يحمل معه خنجرا من أجل الذين يفكرون - مجرد تفكير - في نيله بسوء .


( 2501 - 2505 ) : إن لم يكن ثم رجولة نابعة من الداخل فما فائدة الأسلحة والمغافر والخوذ ، وهب أنك امتلكت سيف على رضي اللّه عنه المسمى ذو الفقار فأين روح على ، وإذا كان المسيح عليه السّلام قد علمك دعاء إحياء الموتى فهل لديك نفس المسيح الموهوب من الله تعالى ، وإن كان لديك ثم سفينة فهل أنت مثل نوح ، وإذا كنت ادعيت مثلما أدعى آخرون في هذا العصر أنهم محطمو الأصنام ، فهل حطمت صنم نفسك ، لقد حطمت أصناماً ثم وضعت نفسك صنما أكبر " كان مولانا تنبأ بزعامات العصر الحديث " ، هب أنك تملك الآلة ، فأين الروح التي تستخدم هذه الآلة ؟ ! أين عزمك ومضاؤك ؟ ! ألا فلتخجل من نفسك ، إذا كان لديك كل ما يجعل منك " رجلا " ، لكنك لا تفتأ تتحدث فحسب .


( 2506 - 2509 ) : والرجولة ليست بالكلام ، إنها فعل ، فإن كل لديك الدليل على ما تقول من فعلك فأيت به ، وإلا فإن عدم العمل مع امتلاكك لآلة العلم وظروفه وإمكاناته دليل على قهر الله عز وجل وغضبه عليك ، فما جدوى أن تقوم بهداية الناس وأنت نفسك غير مهتد ، وبكلامك هذا مجرد كلام ، جعلت الخائفين والمرتعدين شجعانا ذوى جد في الطريق ، أليس من المثير للسخرية أن تنفع الجميع بما لديك دون أن تنفع نفسك ؟ ! أليس
  

“ 549 “ 

من المضحك أن تتحدث عن التوكل ، وأنت من حرصك وطمعك وراء المتاع الهزيل تفصد البعوضة في الهواء ؟ !
 

( 2510 - 2515 ) : إن هذا الذي يكمل أمارات الرجولة وعلاماتها " اللحية والشارب " ، دون أن يكون رجلا في الحقيقة والباطن إنما يثير السخرية في الواقع ، والرجولة الحقيقية تكون في العمل " العمل هنا بمعناه العام وهو أيضاً الرياضة والسلوك والتحمل ، تحمل المشاق في طريق الرجال الحقيقيين وفي الحرب الضارية ، حرب الجهاد مع النفس ، وهو الجهاد الأكبر ، والعمل هو الدواء للرجولة الظاهرية التي تخفى وراء نفسا " مخنثة " ، فتب عن هذه الرجولة التي تثير السخرية ، وتب عن الادعاء ، وتب عن اعتبار الكلام مجرد الكلام هو عناية المراد ، ودعك من جذبة الجسد ، واهتم بجذبة القلب ، فهي التي تجلب جذبة الحق " التي تساوى عمل الثقلين " ، وإن لم تكن تستطيع فتكلف هذا ، فحتى أن تكلفت سوف تجد من يجذبك من أذنيك يجرك بالرغم منك إلى ما فيه نجاتك .
 

( 2516 - 2518 ) : عودة إلى قصة الحمار والثعلب ، لقد نجح الثعلب لماذا ؟ ! لأنه كان " ثابتا " ، حتى الاحتيال - يحتاج إلى الثبات وإلى المواصلة والصبر ، فما بالك بالصفات الحسنة والأهداف النبيلة ، ويذكر مولانا في البيت 2517 بحكاية وردت في الكتاب الثاني حكاية أولئك الصوفية المعدمين الجوعى الذين نزل بساحتهم وزاويتهم صوفي سياح فباعوا حماره واشتروا به عشاء ثم أخذوا يغنون ويرددون ضاع الحمار ، ضاع الحمار ، وصاحب الحمار المسروق يردد ذلك معهم ( انظر الكتاب الثاني الأبيات 517 وما بعده وشروحها ) ، والصوفي صاحب الحمار هنا مثال على المقلد وفي البيت التالي 2518 يشير إلى حكاية الأسد والوحوش التي يخدع الأرنب في نهياتها الأسد ويلقى به في البئر .
 

( 2519 - 2532 ) : يترك مولانا قصة حمار القصار فلا يعود إليها إلا في البيت 2564 ، فهيا إياك ووساوس الشيطان ، سد أذنيك عنها ، وأفتح أذنيك فحسب إلى ما يحدثك به الولي مما أفاء الله عليه به من وحى القلب ، إن حديثه بمثابة الخمر الصافية التي تصب من الدنان الخسروية ، والمعارف الإلهية التي تفيض من لدن الحكيم الخبير مرت بهذه الشفة المباركة فازداد تأثيرها ، وما تميل هذه النفوس إلى خمر الدنيا هذه إلا لأنها حرمت من تلك الخمر الصافية ، خمر الولي ، تماما كالطائر الأعمى الذي يحرم من الماء العذب
 

“ 550 “

فيطوف حول الماء المالح ، ويتلهف عليه ، وهكذا النفس إن حرمتها المعاني والإفاضات طافت حول وساوس الشيطان .


( 2524 - 2537 ) : كما تنتاب مولانا جلال الدين أحوالٌ من القبض هناك أيضاً أحوال من البسط ، فالعالم كله يصل إلى مطلوبه ببركة الولي وبركة إفاضاته ، فهو موسى يتجلى في الصدور كما ملأ موسى عليه السّلام سيناء بنور التجلي ، ويمنح أولئك المقلدين العميان الذين يقومون بتقليد الأولياء دون فهم قوة الإدراك والبصيرة والرؤية ، إنها نوبة خسرو حلو الروح ( حلو بالفارسية " شيرين " وهنا تلاعب بقصة خسرو وشيرين ) ، هذا هو دور الولي ودور المرشد الكامل الحقيقي ، فلأي شك أن الأسرار الروحانية قد ملأت بواطننا ، وهؤلاء الحسان في جمال يوسف الصديق يسوقون عسكرهم من الغيب حاملين أحقاق السكر " بشارات الوصال " من مصر واسمعوا صليل الأجراس ، إنها هذه المرة ليست متوجهة إلى كنعان بقميص يوسف عليه السّلام يلقى على وجه يعقوب فيرتد بصيرا ، إنها نصيبنا الآن ، فتناوبوها أيها المريدون برغم الحاسدين والحاقدين ، وخذوا نصيبكم منها ، وهيا أيها الباحثين عن حلاوة المعرفة ، أدركوا أسرار الغيب ، لقد جاء بها الحبيب الحقيقي ، الحبيب الوحيد ، وهذا هو السرور الحقيقي ، سرور الروح وسرور المعرفة ، إن العالم كله ملىء بالسعادة ، والسعادة تملأ مدينتنا " بواطننا " ، من أقصاها إلى أدناها ، فقد قبل " قبلة الروح " الأرواح الواصلة إليه ، وإذا كنت تريد أن تعرف تأثير هذه المعرفة على كل المرارات التي كانت موجودة في المدينة ، فتخيل أنواع الفتوح ، والإفاضات قد ملأت هذه المدينة بحيث أن أشد الأشياء مرارة قد انقلبت حلوة ، فهيا اصعد وناد الفقراء والمعوزين إلى مائدة الروح ، فهذه فرصة الحجر الصلد ، من غلبت عليه الصفات البشرية ، والقلب القاسى ، لكي يتحول إلى ياقوت مطعم بالذهب ، إلى روح ذات نصيب من إفاضات الولي ، هذا هو أوان رقص ذرات الهباء ( البشر ) ، في ضوء ( الشمس ) ، وفي ديوان شمس :

ولماذا لا يسرع كل صوفي في الرقص كالذرة * في شمس البقاء حتى تخلصه من الزوال ؟ ؟
لقد سكر العشاق من هذه الرياض والبساتين التي تفتحت في بواطنهم ، ويد العناية الإلهية تقوم بفعلها فتجعل الروح تتصل بالحق بحيث تفنى وتذوب ولا نحس بوجودها وتصيح كما صاح الحسين بن منصور الحلاج " أنا الحق " ، فإذا كان الشيطان قد نجح في إغواء


“ 551 “ 

أحدهم ، وأبعده عن طريق الحق ، إذا كان الثعلب قد خدع الحمار فما بالك أنت ، لماذا تغتم أنت إنك لست حمارا في نهاية الأمر ، أنت إنسان فتصرف كإنسان .


( 2538 - 2545 ) : وردت الحكاية التي تبدأ بهذا البيت في ذيل زهر الآداب لأبى اسحق الحصري القيرواني وفي كلستان سعدى ( انظر مآخذ 179 / 180 ) وربما كانت من الفكاهات السائدة في عصر مولانا ، وهي تتردد أيضاً في كل عصور الطغيان السياسي وانعدام التمييز والقبض على الناس واعتقالهم بالباطل فيأخذون صاحب الحمار للسخرة بدلا من الحمار ، والتورية في رواية ذيل زهر الآداب واضحة تماما " وهذا كما حكي عن الحسين بن عبد السلام المصري المعروف بالجمل ، أنه مر ببعض إخوانه بعقبة النجارين وهو يعدو بأكثر مما يقدر عليه ، فقال : قف على ، مخافة أن تكون قد نزلت به نازلة ، فأتاه إلى الدار فخرج مستخفيا ، فقال : مالك يا أبا عبد الله ؟ ،
فقال : أما علمت أن السخرة وقعت في الجمال ؟ فما يؤمنني أن يقال هذا جمل فلا أتخلص إلا بالشفاعة " ( ذيل زهر الآداب ، ص 63 ويوجد مثيلتها في كلستان ، طبعة فروغى ، ص 31 ) .
 

( 2546 - 2550 ) : لا تخش أنت شيئا فمليك مدينتنا هو الخالق سبحانه وتعالى عادلٌ وصاحب تمييز . وإنك إن كنت إنسانا وحققت نسبتك إليه سبحانه وتعالى في النفخة الإلهية ، لا يمكن أن يأخذك كما يأخذ الحمار ، أنت إنسان مكرم سيد المخلوقات ، بك يستنير الفلك الرابع كما استنار بعيسى عليه السّلام من قبلك ، فأنت عيسى عصرك وأوانك ، وحاشاك أن يكون اصطبل " الدنيا " مقرا لك ، بل أنت أعلى من كل الأفلاك ،
 ولابن الفارض :
ولا فلك إلا ومن نور باطني * به ملك يهدى الهدى بمشيئتى
إنك في مقعد الصدق عند مليك مقتدر ، إنك أمير على الإصطبل " الدنيا " ، وهناك بلا جدال فرق كبير بين أمير الإصطبل وبين الحمار ، وإن كان كلاهما مقيما في اصطبل الدنيا .


( 2551 - 2555 ) : ما عكوفنا هذا على الحمار وعلى قصة الحمار وكيف تأنس نفوسنا كل هذا الائتناس إلى قصة الحمار ووصف الحمار ، لماذا نتدنى ولا نرتفع ؟ ! دعنا من حمار النفس ، ومن " دنيا " هذا الحمار وتحدث عن عوالم أهل الحق ، عن حقائق الغيب وعالم الفكر ، عن عوالم المعاني التي تشبه بحارا مليئة الجوهر وما هذا الجوهر إلا رجال الحق من أصحاب البصائر والأحاديث التي تحيى الروح ، وهم ملوك الطيور التي تتغذى


“ 552 “

بالورود ( انظر تلك الغزلان التي ترعى السوسن في ختن ، البيت 2474 من الكتاب الذي بين أدينا ) ، ولأنها تتغذى بهذا الغذاء الطيب الطاهر ، فإنها تعطينا أحاديث في قيمة الذهب والفضة ، وهم أيضا تلك البزاة التي تربى القطا " المريدين " ، وتطير في سيرها إلى الله سبحانه وتعالى بأي شكل تريد ، سواء بالعبادة الظاهرية أو بعبادة الباطن .

( 2566 - 2569 ) : فكرة السلام الخفية في الدنيا كناية عن الطريق الصوفي من أفكار سنائى الغزنوي ( انظر حديقة الحقيقة الأبيات 218 - 225 ) فالسلم الخفي هو السير الباطني عند السالك الذي يقطعه درجة درجة حتى أعلى درجات السمو الروحاني وهي مختلفة بين جماعة وأخرى لأن " الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس بني آدم " ، 
وكل جماعة لا تعلم شيئاً عن حال الجماعة الأخرى : بل هي مندهشة تماماً من أحوالها ، وذلك لأن " أرض الله واسعة " ( انظر البيت 1088 من الكتاب الرابع وشروحه ) وليست أرض الله إلا هذا القلب ، ومنه تطل أشجار الفكر ( انظر لهذه الفكرة الكتاب الثالث الأبيات 360 - 363 وشروحها )

ولأن أرض الله واسعة فقد تعددت فيها الأفكار والآراء تعدد النباتات وتنوعها باختلاف تربتها واختلاف الماء الذي تشربه ( انظر لهذه الفكرة الكتاب الرابع الأبيات 1083 - 1089 وشروحها )

هذه الأرض حتى الأشجار فيها تسبح بحمد الله ، وبلابلها متحدثة مع أزهارها ، كل شئ فيها متوافق متناغم ، ومهما وصفت هذا العالم فلن أو فيه حقه من الوصف ، ولكن لنعد - وكلنا أسف - إلى قصة الثعلب والأسد والمرض والجوع ، لننزل إلى أرض الواقع المر .


( 2570 ) : [ العجلة من الشيطان والتأنى من الرحمن ] و [ من لا صبر له لا إيمان له ] ( مولوى : 5 / 374 ) وانظر أيضاً الكتاب الثالث البيت 3499 . 2585 - 2590 ) :

يترك مولانا سياق القصة فلا يعود إليها إلا من البيت 2600 .

أنه يتحدث هنا عن الفرق بين عقلين : عقل يستمد مؤونته من دوران الأفلاك وهو العقل الجزئي ، ثم العقل الكلى الذي هو التجلي الأول للخلق الإلهى ، بين عقل يدرك أمور الدنيا المادية فحسب وعقل يشرف على كل الوجود ، لأن الله سبحانه وتعالى عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ( العلق 5 ) إن الانحناءة الموجودة في ذلك التوقيع الذي نختمه على منشوراتنا ( بصفتنا كبشر ملوك الكون ) مأخوذ من هذه الآية والعلم من الله هو مقصدنا لأنه سبحانه وتعالى قال " قل إنما العلم عند الله "

“ 553 “


( ( الملك 26 ) ، ونحن أصحاب العقل الكلى نحن أولئك الذين ربتهم شمس الحقيقة ، وليس الأفلاك التي دونها ، ومن ثم فإن وجهتنا هي الله سبحانه وتعالى ، وإن نفثات الشيطان ووساوسه تجعل حتى ذلك الذي جرب ينسى تجربته ويقع من ثانية في الإثم ، ومن العسير بالطبع أن نعتبر هذا الكلام على لسان الثعلب كما قال قدامي المفسرين .


( 2591 - 2599 ) : يشير مولانا في معرض نقض العهد والنكوص عن التوبة إلى قصة أصحاب السبت الواردة في قوله تعالى :وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ( البقرة 66 و 65 )

أما أصحاب المائدة فهم الذين وردوا في الآية الكريمةقُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ( المائدة 60 ) لكن ما بال أولئك الذين ينقضون عهودهم وأيمانهم من أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم لا يمسخون ؟

يجيب مولانا : في أمتنا لا يكون مسخ بدن ، بل مسخ قلب ، تجد الحاكم في صورة حاكم لكن قلبه قلب ذئب متعطش للدماء ، تجد الأستاذ في صورة أستاذ لكن قلبه طاووس معجب بنفسه مغتر متكبر يريد أن يظهر كل لحظة في وسائل الإعلام ، ترى القائد العسكري أسداً في هيئته لكن قلبه قلب نعامة هلوع ، ترى التاجر في صورة تاجر لكن قلبه قلب خفاش يمتص الدماء، وهلم جرا ، ويوم القيامة يبعث كل واحد من هؤلاء الذين رجعوا عن عهد الله،

وألقوا بأحكامه وراء ظهورهم ، ونسوا ما عاهدوا الله عليه ، وعملوا للأجنبي الكافر ولمصلحة الأجنبي الكافر ، يبعث كل واحد من هؤلاء على الصورة التي مسخ عليها قلبه ، وهكذا فماذا يتوقع من إنسان قلبه قلب قرد ، إلا أن يكون ذليلًا إمعة حتى ولو كان حاكماً في الظاهر ،

إن الحمار لا يحس بالذل من هيئته لأنه لم يكن صاحب اختيار في هذه الهيئة ، فقد خلق هكذا حماراً ، والكلب لا يعتريه أي نقص من منظره ومن شكله ، بل إن كلب أهل الكهف لم ينقص من كونه كلباً عن أولئك النفر من الأولياء وذكر معهم في القرآن الكريم ( المثل تكرر كثيراً عند مولانا في أكثر من موضع من المثنوى وورد عن سنائى في الحديقة أيضاً ) ،

 لقد مسخ الله سبحانه وتعالى أصحاب السبت عياناً لكي يكونوا عبرة للناس ، لكن ما أكثر الممسوخين في الباطن وإن أعجبتك هيئتهم ومناظرهم ومناصبهم وجاههم وأموالهم .

( 2603 ) : إشارة إلى المثل المعروف " لدغ العقرب من جبلتها " .
 
( 2605 ) :إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ( يوسف 5 )

 
“ 554 “


( 2606 ) :قالَ أَ رَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا( الإسراء 62 ) 
( 2626 ) :فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً( المزمل 17 )


( 2635 ) : وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ، يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا ، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا ( الفرقان 27 - 29 ) 
نزلت في حق عقبة بن أبي معيط كان قد نطق بالشهادتين ثم ارتد إرضاءً لأبى بن خلف ( مولوى 5 / 383 ) .

( 2636 - 2637 ) :وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ( فصلت 25 ) .
 

( 2643 ) : إخوان الصفاء هنا هم الإخوان المخلصون وليس المقصود الجماعة المعروفة .
 

( 2650 - 2660 ) : يضرب الثعلب الأمثال عما يفعله الوهم حتى بالصم الراسيات وبعظماء الأنبياء وأولى العزم من أمثال إبراهيم عليه السلام فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ( الأنعام 76 )

وهكذا فإن أهل التفاسير يفسرون هذا الأمر بتفسيرات عديدة ، لكن الأمر ليس في حاجة إلى تفسير ، فهذا الوهم والخيال هو الذي جعل من في عظمة إبراهيم عليه السلام ينظر إلى الكوكب وإلى القمر وإلى الشمس ويقول : هذا ربى ، فإذا كان الوهم والخيال قد أسقط أمثال إبراهيم عليه السلام في هذا الخطأ فما بالك بأحوال حمر السيرة وأشباههم من فاقدى العقول والمجدفين ممن يدعون العلم والفضل ، إن العقول التي هي في عظمة الجبال تغرق في بحار الوهم ، عقول العظماء ، أولئك الذين يظنون أنفسهم أثبت في إيمانهم من الجبال ، وما الجبال ؟

ألم تفتضح هذه الجبال في طوفان نوحلا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ( انظر 335 و 1315 من الكتاب الثالث ) وسفينة نوح هنا هي الالتحاق بمعية رجال الله وإلى حمى أمنهم

( انظر الكتاب الرابع الأبيات 3357 - 3361 وشروحها ) ، ولولا هذا الخيال لما انقسم أهل القبلة الواحدة إلى اثنين وسبعين فرقة ، ولولا الخيال لما ظن ذلك الرجل الشيخ

( المفسرون القدامى لم يذكروا اسمه وقال استعلامى أنه أنس بن مالك 5 / 342 ولم يذكر مصدره )

لولا الخيال لماذا ظن ذلك الشيخ أن شعرة من حاجبه هي الهلال ( انظر لتفصيلات الحكاية الكتاب الثاني البيت 113 وما بعده ) انظر : إن هذا الشيخ لم يستضىء بنور الرجال العظماء فوقفت شعرة بينه وبين الحقيقة ، وما أكثر الرجال


“ 555 “

العظماء بمقاييس الدنيا والسفن الموجودة في هذا المحيط التي تكسرت وتحطمت وابتعدت عن الحقيقة من تأثير الوهم ، وأقل هؤلاء العظماء فرعون الذي ادعى الألوهية وتوهمها لنفسه ، فكان في خسوف وفي مسخ ومقت .


( 2662 - 2667 ) : إن هذا الوهم الذي أنت فيه هو من قبيل الأنية التي تدير الرأس ، فكفاك ما أنت فيه من وهم حتى تتبنى أوهام الآخرين وتدافع عنها ، وأنا مثقل بهذه " الأنا " التي تخصنى ، فلماذا تأتى أنت وتضيف إليها أنيتك أنت أيضاً ، تكفيني أنية واحدة ، ونحن إذا تخلصنا من عبادة الذات ، نستطيع آنذاك أن نصل إلى مرتبة العشق ، وأن نصير كالكرة في صولجان العشق ، إن من يتخلى عن " أنيته " و " أنانيته " ، فقد صارت له " أنيات " الجميع ، يصير محبوباً من الجميع ، يصبح مرآة صافية تنعكس فيها صور الآخرين ورغائبهم ، أي وجوداً خالياً من صفات هذا العالم ، بحيث تكون صلتها مباشرة بالعالم الآخر يصبح مثل ذلك الولي الذي سوف أقص حكايته فيما يلي .
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 2668 - 3058 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:43 am

الهوامش والشروح 2668 - 3058 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 2668 - 3058 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 2668 - 3058 فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي
( 2667 - 2677 ) : يقدم مولانا في كل كتاب من كتب المثنوى سيرة عن شيخ من المشايخ كنموذج للولاية الكاملة ( قدم الدقوقى في الكتاب الثالث وعبد الله المغربي في الكتاب الرابع وها هو يقدم محمد سرزى الغزنوي في الكتاب الخامس وسوف يقدم أبا الحسن الخرقانى في الكتاب السادس ) والملاحظ أنه يقدم أولياء من غير المشاهير ، فقد كانت الولاية " المكتومة " تجذب أنظار مولانا عن الولاية الظاهرة . 
وكان محمد سررزى فيما يبدو من معاصري بهاء ولد والد مولانا جلال الدين إذ ذكره في المعارف ( 2 / 75 ) لقد أمضى سبع سنون في جوع مستمر ، إفطاره طرف غصن من كرم " سر رز " ويرى رزين كوب " سرني 1 / 314 " أن الأحوال المذكورة هنا تذكر بأحوال أبى عثمان المغربي المذكورة في كشف المحجوب للهجورى ص 232 ومن هنا اكتسب كنيته ، 
وكان الشيخ مثل الدقوقى ( انظر الكتاب الثالث البيت 1926 وما بعده ) عاشقاً جوالا ، أبدى له الله كثيراً من العجائب ، لكنه كان عاشقاً لاجتلاء جمال الحبيب ، وكان يطلب هذا ،
ويلح فيه ، لدرجة أنه صعد إلى جبل وقال : إما أن تتجلى لي وإما أن أقتل نفسي " نوع من البسط الشديد " ، لكنه سمع النداء بأن هذه المكرمة لم يأن أوانها بعد ، وحتى إن أسقط نفسه من فوق الجبل فلن يموت ، ولأن جمال الله لا يجتلى إلا بعد الموت
 مصداقاً للحديث النبوي [ إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا " ] ( انقروى 5 / 581 )
ألقى الشيخ بنفسه من فوق الجبل لكنه سقط في ماء عميق ، لقد ناح لأنه لم يمت ، فالحياة
 
“ 556 “
  
الدنيا كانت تبدو له كما يبدو الموت بالنسبة لنا ، ولأنه يعلم أن في الموت لقاء الحبيب كان يستجدى هذا الموت ، كان يتغنى بما تغنى به الحلاج : اقتلونى اقتلونى يا ثقات إن في قلبي حياةً في حياة ، كان كعلى رضي الله عنه يتغنى :السيف والخنجر ريحاننا * أفٍ على النرجس والآس .ومن أقوال الإمام على رضي الله عنه أيضاً " والله ما فاجأنى من الموت وارد كرهته ولا طامع أنكرته وما كنت إلا كقارب ورد وطالب وجد وما عند الله خير للأبرار " وله أيضاً " والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدى أمه " ( عن جعفري 12 / 208 ) .
 
( 2678 - 2685 ) : وهذا البسط ، وهذه الجرأة لم تمر بلا عقاب ، تظن نفسك ولياً وتريد المشاهدة أجراً ؟ !
إنك مجرد شحاذ متسول والحكم عليك بأن تذل هذه النفس الطموح بأن تتحول إلى شحاذ ملحاح ثقيل وسمج مثل " عباس الدبس " الذي يضرب به المثل في الفارسية للشحاذين الملحاحين السمجين ، ولكن إياك أن تستولى على ما يجود به الناس عليك ، بل ستوصله للفقراء ، هيا ، هذه هي عبادتك التي سوف تقوم بها فترة من الزمن ، لقد كان الحوار طويلًا ، هذا الحوار الذي ملأ السماء نوراً ، وهذا كله مسطور في الكتب ، فلأختصره هنا حتى لا أضع الأسرار العليا أمام من لا يستحقونها .
 
( 2686 - 2694 ) : البيت المذكور في العنوان ذكر استعلامى أنه لسنائى لكنه لم يذكر مصدراً ( استعلامى 5 / 344 ) ولبيك إشارة إلى أن الدعاء مقرون بالإجابة ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 190 - 199 وشروحها ) ذلك أن كوة الدار مفتوحة أي أن القلب مستعد لتلقى الإفاضات ، وها هو الشيخ يدخل المدينة لممارسة التسول امتثالًا للأمر : ليكن شحاذا طامعاً لتصير نفسه ذليلة " لأنه عز من قنع وذل من طمع " وما دام الله سبحانه وتعالى قد جعل هذا الطمع سبباً للذل فليمتثل .
 
( 2699 - 2708 ) : انظر إلى ذلك الرجل الذي اطلع على أسرار الكون ، وأشرف قلبه على العرش والكرسي ، انظر إلى الغيرة الإلهية جعلت منه شحاذاً ذليلًا ليعرف القيمة الحقيقية لنفسه ، ولا يكلف فوق ما تستدعى البشرية ، لكنه في تسوله أيضاً ولي يقوم بما كان الأنبياء يقومون به إنهم يقولون للبشر المفلسين : أقرضوا الله " والله هو الذي يرزق ، و " انصروا الله " والله هو الذي ينصر ، فالأمور معكوسة مثلما هي معكوسة مع هذا الشيخ ، الذي يقف على أبواب البشر وكل أبواب السماء مفتوحة أمامه ، إنه يتكدى ، لكن بأمر الله ، إنه يمتثل
  
“ 557 “ 
 
للأمر ، وحتى عندما كان يتكدى من أجل حلقه فإن هذا الحلق مملوء بنور الله ، وهكذا الأولياء حتى ولو طعموا من نعمة الدنيا فإن هذه النعمة تتحول عندهم إلى نور وتزيد في قوتهم المعنوية ، إن طعامه أفضل من صوم الآخرين ، إن طعامه الحقيقي هو نور الله ، ومن طعامه ومن أكله تنمو أزهار المعرفة ، فهو كنور الشمع لا يزداد من أكله للشمع ، لكنه يضئ للجميع ، وهذا النور يباح الإسراف في تناوله فالله تعالى لم يقل في شأنه : اكتفوا .
 
( 2709 - 2716 ) : لقد وضع الله لنا شهوة الطعام من أجل أن يبتلينا ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 1695 - 1700 وشروحها ) لكن ذلك الحلقوم الذي للأولياء لا تنطبق عليه هذه القاعدة ، وإذا كان الشيخ يتكدى فإنه يتكدى امتثالًا للأمر لا حرصاً ولا طمعاً ، إن الشيخ من القائمين بكيمياء التبديل إنه يأخذ من أناس كالنحاس ليحولهم إلى ذهب ، أي تكدٍ وهو من عرضت عليه كنوز الدنيا ففضل عليها المشاهدة ، وهذا هو ديدن العاشق إن فضل أي شئ على المعشوق يكون فاسقاً وليس بعاشق " والله ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك بل وجدتك أهلًا للعبادة فعبدتك " ، ( الامام على رضي الله عنه ، ثم رابعة العدوية ) ( استعلامى 5 / 345 ) ويضيف مولانا إن الجنة والنار هما من حظ البدن ، والعاشق لا يأبه بالبدن ، بل لو كان له مائة بدن لأذابها في عشق الحبيب .
 
( 2717 - 2724 ) : وهكذا فإن شيخنا لم يكن جسداً ، لقد تحول " جسده " إلى شئ آخر ، وانظر إلى المجنون الذي أنست إليه الوحوش عندما تساوى أمامه التراب والذهب أمام عشق ليلى ، لقد هجر البشرية ، بحيث لم يعد جسده " لحماً " يغرى الوحوش ، إن أجساد الأولياء معجونة بالنور ( انظر الكتاب الثالث 7 - 10 ) وهي أيضاً مسمومة مصداقا للقول القائل ( لحوم العلماء مسمومة من أكل منها هلك ) والأكل هنا أي الذم والغيبة ( انقروى 5 / 589 ) والعشق معروف ، أي لا يخفى على أحد ( عدم إخفاء العشق انظر الكتاب الثالث 4735 - 4740 وشروحها ) .
 
( 2726 - 2733 ) : إن العشق عندما يحل فإنه يمحو كل شئ فالعشق مثل طائر يحمل في منقاره العالمين كأنهما حبة واحدة ، فهل رأيت حبة ابتلعت طائراً ، أو هل رأيت مزود أكل جواداً ، والعشق وسيلة العبودية ، فكن عبداً لعلك تصبح عاشقاً وترزق العشق ، والعبودية كسب وعمل ، عبد الدنيا هو الذي يريد الحرية لكن العاشق يرى كل ما سوى معشوقه قيداً وسجناً ، عبد الدنيا أجير ، إنه يريد أجراً على كل ما يقوم به من عمل ، لكن العاشق هديته
  
“ 558 “
  
رؤية الحبيب ، تراني قادر حقاً على وصف العشق مما أطلت في الحديث ، مطلقاً فكيف يمكن أن يوصف بحر بلا قرار ، فهل تستطيع أن تعد قطرات هذه البحر والبحار السبعة ضئيلة إلى جواره .
 
( 2734 - 2748 ) : تفسير الحديث : خلقت الأفلاك من أجل الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم أي من أجل عشق الرسول ، ولقد كانت عند الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم طاقة تحمل هذه العشق ، فالعشق قوة جبارة وهو لا يبالي ماذا يفعل بالمعشوق ، فإن كنت تتحمله فاعشق ، وإن لم تكن فحذار منه ، إنك لا تدرى ماذا يفعل العشق إنه يجعل البحر يغلى والجبل يندك ( انظر الكتاب الأول 26 : أيها العاشق ذاق الطور عشقاً رقص الجبل وموسى خر صعقا ) ، إن الأفلاك لتشق ( شق القمر للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ) والأرض تتزلزل ، ولأن العشق كان قريناً لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم اقترن به عشق الحق ، ولذلك فضل على كل الأنبياء وما رفعت هذا الفلك السنى إلا لكي تفهم علو العشق وسموه وما ذلك التراب إلا لتعلم ذلة العاشق ، لكن الذلة لا تستمر فكما منح التراب خاصية الإنماء والإحياء ، يبدل الفقير الدرويش بالعشق فتصبح أنفاسه مانحة للحياة ، والجبال الراسيات أيضاً هي من أجل أن تفهم كيف يكون العاشق ثابتاً على محبوبه ( تزول الجبال ولا يزول ) ، كل هذه صور يا بنى فلا تقف عند الصورة وافهم المعنى ، فهل الأحزان كالأشواك ، وهل القلب القاسى كالحجر ، كلها صور ، وها أنا وأنا أصف العشق أقدم لك مجرد صور وإن لم تفهم المراد من الصور وإن لم تدرك هذه المعاني فلا تنكرها ، لأن العيب قد يكون في أسلوب تعبيرى عن هذه الصور .
 
( 2750 - 2751 ) : المقصود بالشطرة الثانية : أي أنني أتسول لقمة من الخبز بأمر من خالق الروح ، ولأن الأمور تجرى على عكس المنطق عند أهل الحق ، ويكون هدفها غامضاً على أولئك العاديين من الناس ، بل إن العقل الكلى نفسه يحار في أمرها .
 
( 2761 - 2766 ) : حجاب أبى البشر هو الجسد ، والمتحدث هنا قد يكون الشيخ وقد يكون مولانا نفسه على عادته في التدخل بإفاضاته دون تمهيد . أي ما دمت أيها الإنسان محجوباً ببشريتك فلا تنظر هوناً إلى العاشقين ، والعشق ليس أمراً بالذكاء أو المهارة أو حدة الذهن ، وليس بالدراسة والمطالعة ، وليس بالقيل والقال :امح الدفاتر إذا كنت زميلًا لنا * فعلم العشق لا يوجد في دفتر
 
“ 559 “
  
هؤلاء الأذكياء العباقرة استطاعوا التوصل إلى أسرار العلوم الخفية " النيرنجات والسحر " والعلوم الظاهرة " الفلسفية " وعم الهيئة " الفلك والنجوم " أو هم في الحقيقة ادعوا معرفتها لأنهم في الحقيقة يعلمون منها قشوراً ، لقد جاهدوا واجتهدوا لكن العشق الإلهى أخفى وجهه عنهم واستتر ودق غيرة على المعشوق من أن يكون مجرد جزء من اهتمام أحد وليس هو الاهتمام الوحيد ، وهؤلاء المنجمون بمراصدهم أبصروا النجوم في وضح النهار ورصدوها ، فكيف غابت شمس الحقيقة عن عيونهم .
 
( 2767 - 2771 ) : أيها الأمير تقبل منى نصيحة لوجه الله ، انظر إلينا بمعيار أهل المعنى ، أنظر إلى العاشقين بعين العشق ، فإن عين الدنيا وعين المتعة لا تجدى هنا ، ولا أطيل عليك فالوقت ضيق ، والروح " مترصدة " ناظرة إلى ربها تنتظر أوامره أو إنعاماته ، فكفاك تجبراً وإيذاءً للعاشقين ، ألست هكذا مسروراً من تمتعك بالدنيا فانطلقت هكذا في شتمى وإيذائى ؟ !
إن ما أفعله لا يخرج عن أمور ثلاثة : إما أنه واجب أي أنني مأمور به من قبل الله تعالى ، وأما أنه جائز أي لا نستطيع عدم القيام به ولا ثواب عليه ولا عقاب ، وأما غير مقبول ، فإن لم تقم بما يكلفك به الشرع من إعطاء للسائل ، فلا تؤذه ، احزم أمرك واختر الوسط أيها الغريب والدخيل على عالم الأولياء وتمثل بقول ابن سينا : إن من عجزك أنك في كل وقت تسمع ولا تستطيع أن تدرك تقول على الفور : هذا محال ( عن جعفري 12 / 308 ) .
 
( 2772 - 2776 ) : لقد قال الشيخ هذا القول وانفجر في البكاء لقد عزت عليه نفسه ، أنه يريد القول لكنه لا يستطيع ، فقد عقدت الغيرة الإلهية لسانه ، ولأن الصدق مؤثر أو على حد قول ذي النون " الصدق سيف الله في أرضه ما وضع على شئ إلا قطع " ، ( أنقروى 5 / 599 )
 
فقد فعل هذا الصدق فعله في الأمير فانطلق في البكاء وهذا كله من تأثير العشق ويطبخ قدراً طريفة أي يتجلى ويظهر للعيان ويكون مشهوداً وألا يستطيع عشق الأولياء الصادقين أن يؤثر على الجماد ، فما بالك بالإنسان ، وما بالك إذا كان هذا الإنسان عالماً وانظر إلى الأمثلة ألم تتحول العصا إلى أفعى من فرط عشق موسى ، وألم يصبح الجبل دكاً من تجلى العشق ألم يؤثر عشق موسى على البحر فانفلق ألم ينشق القمر لأحمد ، ألم تتأخر الشمس في المغيب بأمره حتى يلحق صلاة العصر مع رفاقه ؟
( لتفسير هذا الخبر ومناقشته انظر حديقة الحقيقة وشريعة الطريقة الترجمة العربية لكاتب هذه السطور البيت 334 وشروحه ) .
 
“ 560 “
 
( 2781 - 2785 ) : يعتذر الشيخ بأن لم يؤذن بعد في أن يأخذ عطايا كبيرة من أحد ، أو أن يختار عطيته ، إن كل عمل يقوم به الشيخ دون اذن إنما يكون من قبيل الفضول ، ويتساءل مولانا تراه أحس بعدم الصدق في بذل الأمير ، لا ، كان الأمير صادقاً في بذله ، لكن ليس الصدق الذي كان الشيخ ينتظره ، أو لم يكن في درجة الصدق المقبول لدى الشيخ ، ذلك أن الأمر هو أن يمضى ويتسول الخبز كالشحاذين لا أن يأخذ من قرائن الأمراء والكبراء .
 
( 2786 - 2798 ) : هميان أبي هريرة أو خرج لأبى هريرة رضي الله عنه يقال أنه كان يجد فيه كل ما يطلبه بأمر الله تعالى ( مولوى 55 / 404 ) ويفسر الأنقروى 5 / 602 والمولوي 5 / 404 هذه العلاقة بعالم الغيب بأنها كالدهن في السمسم وكالنار في الحديد وكرائحة الورد في الورد ، وهو عالم التغيير والتبديل يصبح فيه النحس سعدا والسم ترياقاً والميت حياً ، وإياك أن تحاول معرفة كنه علاقة هذا العالم بعالم الغيب ، فلا تستوعبها جهات ، ولا تصلح اللغة للتعبير عنها ، وعالم الغيب هذا هو أصل الوجود ، آلاف الآثار تتأتى منه كل لحظة . لقد ظل هذا الشيخ لمدة عامين ممتثلًا للأمر ، ثم جاءه الأمر الآن ذهب أوان الأخذ وجاء أوان العطاء ، وهكذا تقوم كيمياء التبديل بعجائب كثيرة ، كان رأس المتسولين فأصبح رأس المحسنين من عطاء الله سبحانه وتعالى الذي لا منة فيه ولا انقطاع له ، كن صورة ليَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ( الفتح 10 ) كنت يدي التي تبذل بأمري ومن عطائي وبالطريقة التي أريد .
 
( 2799 - 2811 ) : " أخرج بصفاتى إلى خلقي " من معراج أبى اليزيد البسطامي ( انظر تفسير البيت 2018 من الكتاب الذي بين أيدينا ) والحديث هنا عن سر معرفة الشيخ لباطن المريد والذي يعبر عنه في مصطلح الصوفية بالفراسة ( انظر 2704 من الكتاب الثالث وانظر 1851 - 1855 من هذا الكتاب وشروحها ) فالرجل الكامل الواصل لا تخطر الدنيا بباله ، فمنزل قلبه خال من الكدية وليس فيه إلا عشق الأحد ، وما يكون فيه ويمت إلى الدنيا بصلة فإنه يكون انعكاساً لما في ضمير السائل ، إنها رغبة الآخرين ، ومن هنا يستطيع أن يدرك ما يريده السائل ( انظر كمثال آخر لنفس هذه الفكرة الكتاب الثالث الأبيات 3252 - 3255 وشروحها ) ، ويضرب مولانا مثلًا آخر : هب أنك ترى صورة في الماء ، ألا تكون هذه الصورة انعكاساً لشئ موجود في الخارج ومتى يحدث هذا ؟ الجواب : عندما يكون الماء صافياً قد " نقيت منه القذى " إذن فالتنقية شرط لهذا الأمر : وإن نقيت البدن من الصفات الذميمة ووساوس النفس الشيطانية ، استطاع القلب أن يكون " عاكساً " ، ومن ثم أيها المقل الذي لا
 
“ 561 “ 
 
تظفر بانعكاس الصور وتبدو لك هذه الأمور من قبيل الخرافة ، إن ماءك مكدر بالطين طين الأكل والنوم والحرص والحسد وتسويلات النفس الشيطانية ، ومن هنا فإن ذلك البئر ( القلب ) يطمس دائماً بالتراب ، وتلك المرآة تكدر بصدأ الطمع .
 
( 2812 - 2816 ) : لا يزال مولانا يفسر كيفية معرفة الشيخ لضمير سائله وها هو يخاطب المريدين إذا كان قلب هذا الماء خالياً من الكدر فإن الوجوه تنعكس عليه ، لكن ما لك وهذا ، إنك لم تقم بتصفية الباطن بعد ، ومنزلك أي قلبك ملىء بالوحوش والشياطين والقردة أي بالشهوات والوساوس والنزوات والأحقاد ، وكيف تفهم الأرواح الواصلة ، من أمثال روح المسيح التي كانت تحيى الموتى وأنت كمثل الحمار ، وتعلم أنك حمار ، ولا تحاول - عناداً - أن تخرج عن حماريتك ، وتتابع الأخطار التي تترصدك ، وتعرف مكانها ومن أي الأماكن تترصدك وتقطع عليك طريقك وتخوفك من الطريق ، وما ذلك إلا لأنك تنمى هذا الجسد وتسمنه وتجعل له الغلبة على القلب ، في حين أن الباطن لا يكنس من كل ما يكدره إلا إذا صار الجسد " خيالًا " من زهده في دسم الدنيا وقوتها .
 
( 2817 - 2822 ) : يعود مولانا إلى قصة حمار القصار التي تركها في البيت 2667 : إن الحمار قد قاوم كثيراً ودفع حجج الثعلب ودحضها ، لكن الجوع كان غالباً عليه ، كان ضعيف الاحتمال ، والرسول صلّى اللّه عليه وسلّم نفسه قال : كاد الفقر أن يكون كفراً ، ونسب القول أيضاً إلى الإمام الصادق رضي الله عنه " كاد الفقر أن يكون كفراً وكاد الحسد أن يغلب القدر " ( جعفري :
12 / 319 ) وهو مروى عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم في كتب الحديث ( جامع 2 / 74 ) ، وهكذا فقد فضل الحمار الذهاب مع الثعلب ، على أسوأ الفروض سوف يموت ميتة واحدة بدلًا من موته جوعاً كل يوم ، هذا مع توبته ومع قسمة ، ومع رؤيته للخطر ماثلًا أمام عينه .
 
( 2823 - 2826 ) : وهذه هي نتائج الحرص ، فالحرص يعمى ويصم ويجعل المرء جاهلًا ، ومن جرأته يكون موت الحمقى سهلًا عليهم ، وللحمر يكون الموت صعباً فلا حياة تملك غير هذه الحياة الدنيا ، وأرواحهم ليست مرتبطة بالخالق ، ولا تترقى بعد الموت ، ومن هنا فالأحمق لا يلقى بنفسه في التهلكة إلا من جراء حمقه وليس أملًا في حياة خالدة ورقى وسمو لأنه لا يعرف شيئاً عن هذه الأمور ، فجاهد في طريق الله حتى تترقى روحك بعد الموت ولا تصير كأرواح الحمير والدواب والوحوش
 
“ 562 “ 
 
( 2827 - 2833 ) : الحديث عن حمار القصار ، كان يعاني الجوع لكنه لم يحرم يوماً من الزاد ، ولم يمت جوعاً بالرغم من أن الجوع كان " يسلط " عليه بين الآن والآخر ، وهكذا فإذا كان في الجوع ألم واحد ففي الامتلاء والتخمة مئات الآلام ، يعد ألم الجوع أفضل منها جميعاً " فالجوع طعام الصديقين " ، لقد سمى الله الجوع ابتلاء ، لكنه قال في نفس الآية " وبشر الصابرين " وكان سهل بن عبد الله لا يأكل الطعام إلا كل خمسة عشر يوماً فإذا دخل رمضان لا يأكل حتى يرى هلال شوال وإنما يفطر كل ليلة على الماء وحده ، وكان يقول " جعل الله في الشبع الجهل والمعصية وفي الجوع العلم والحكمة " ( مولوى 5 / 410 ) إنه لم يكن معتمداً على الرزاق ، رغم أنه تشدق بهذا كثيراً ، وليته كان قد تحمل الجوع ف " المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء " كما قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فالجوع يوصف كشفاء المرض ، وكيف تستطيع أن تحس بلذة المتع إن لم تجرب الجوع ؟ ( انظر الجوع رزق أرواح خاصة الله في البيت 2846 من هذا الكتاب ) .
 
( 2837 - 2840 ) : طائر الخبز كناية عن المرتبط بالمنافع الدنيوية وطائر الماء هو الذي يستطيع أن يغوص في بحار المعرفة ، وأنت تستحقه أي أنك لست صالحاً لعوالم الغيب فأنا أعطيك ما تستحقه ، فالجوع عطية الله لمن يصطفيهم ، لأنهم من الجوع يتغلبون على كل عقبات الطريق ويصبحون أسداً قوية ، ومن ثم لا يعطى الجوع لمدعى التصوف من الدراويش الكذابين " كلوا أكل البهائم وارقصوا لي " ، ومتى كان الطعام قليلًا في الدنيا ؟ إن مائدة إنعام الله مبسوطة أمام الجميع .
 
( 2841 - 2854 ) : الحكاية المروية هنا تشبه ما حدث للجنيد البغدادي عندما شكى أحدهم أمامه الجوع والعرى فقال له اذهب واطمئن فإنه لا يهب أحدهم الجوع والعرى حتى يشنع عليه ويملأ الدنيا بالشكوى " ( تذكرة الأولياء 431 ) ومن أقوال الفضيل بن عياض ما معناه : يا نفس مم تخافين من الجوع لا تخاف لست عزيزة عند الله إلى هذا الحد الذي يرزقك فيه رزق محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وصحبه ( عبد الباقي 449 ) فأي جوع يخشاه ذلك الدرويش المتسول ، إنه طعام الصديقين ورزق خاصة الله ، لكن العوام دائماً ما هم يرزقون الطعام [ والرزق أشد طلباً للعبد من أجله ] كما يقول الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وكون الرزق عاشقاً للمرء كما يعشق المرء فكرة مأخوذة عن سنائى بل أن معظم الصور التي يعبر بها عن هذه الفكرة مأخوذة عن حديقة
  
“ 563 “
  
سنائى ( انظر حديقة الحقيقة لسنائى الغزنوي الأبيات 796 - 822 وشروحها ) المتوكلون على الله حقيقة لا يحسون بالجوع "انظر عن التوكل الأبيات 912 - 955 من الكتاب الأول".
 
( 2855 - 2869 ) : الحكاية الواردة في هذه الأبيات وردت قبل مولانا جلال الدين في ( الهى نامه ) لفريد الدين العطار عن حيوان كان يعيش فيما وراء جبل قاف وأنه كان يرعى في اليوم عشب سبعة أودية ويشرب ماء سبعة بحار ، وفي الليل يحمل هم الغد " ( الهى نامه للعطار ص 237 بتحقيق فؤاد روحاني ، تهران ، زوار ، 1351 ه . ش . ) 


( 2867 - 2869 ) : المستفاد من الحكاية : البقرة هي النفس التي لا تشبع من الدنيا وبرغم أنها لم تحرم من الخبز في يوم من الأيام إلا أنها تعيش في هم مقيم من أجله لكنها تنسى ذلك ، ولا تتعظ بماضيها الذي لم تحرم فيه يوماً من الخبز .
 
( 2870 - 2877 ) : عودة إلى قصة حمار القصار التي تركها مولانا في البيت 2822 ، والآية المذكورة في العنوان من سورة الملك : وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ، إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ ، تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ، قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ ( آيات 6 - 10 )
 
( 2870 - 2886 ) : يترك مولانا القصة التي انتهت بالطبع عند هذا الحد لينطلق في تعاليمه وإفاضاته . إن القلب هو ذلك الذي يوجد فيه نور الله ، وليس هذا الشكل الصنوبري ، فهو قطعة من اللحم ألقها للكلاب بتعبير الحكيم سنائى والمقصود به بالطبع الباطن المدرك لعالم الغيب ، إن هذا القلب المفتقر إلى النور مثل زجاجة ليس فيها نور الروح ، إنها أشبه بقارورة بول ، وهكذا فإن افتقر الجسد إلى مثل هذا القلب فهو ليس سوى جوال من طين ، وإياك أن تظن أن نور هذا المصباح من فعل الخلق ، إنه من فعل الله ، أي أن نور معرفة الغيب من الله وليست من علوم الخلق
( وعن وحدة النور رغم تعدد المصابيح انظر الكتاب الأول الأبيات 681 - 685 والكتاب الثالث الأبيات 1255 - 1259 )
ومن هنا فقد أشرك اليهود ولم يؤمنوا برسالة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم لأنهم نظروا إلى الأنية ولم ينظروا إلى النور ، أي نظروا إلى الأنبياء وفرقوا بينهم ولم ينظروا إلى أن الرسالة واحدة صدرت عن مصدر واحد ، ولا فرق هناك بين شعيب ونوحلا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ *إن الإنسان هو الذي يتكامل بالروح وبالمعنى لا 
 
“ 564 “
  
بالصورة وبالجسد ، لكن أولئك الذين يقفون على الصور ليسوا برجال ، إنهم موتى في سبيل الخبز وقتلى في سبيل الشهوة فلا روح ولا قلب ولا بحث عن المعنى ، ولا طموح إلى العالم الأعلى .
 
( 2887 - 2896 ) : " الحكاية التي تبدأ بهذا البيت موجودة في التراث البوذي القديم وفي التراث اليوناني القديم منسوبة إلى ديوجين الكلبي " يحكى أنه خرج ونادى بأعلى صوته في الحارات يا رجال وصار يكررها حتى انقضت إليه جملة من العالم فطردهم بعصاه وقال لهم أنا أطلب الرجال وما لكم " ( مآخذ 182 ) وقد عبر مولانا عن نفس هذا المعنى في غزلية في ديوان شمس الدين التبريزي :
بالأمس كان الشيخ يطوف المدينة بمصباحة صائحاً مللت الوحوش والشياطين ضاق صدري بأولئك الرفاق الذين بهم خور أريد أسد الله ورستم بن دستان قلت : أيها الشيخ انك تبحث عما لا يوجد قال : إن هذا الذي لا يوجد هو طلبي ( كليات ديوان شمس غزل 441 ص 203 ) ولقد عبر حافظ الشيرازي عن هذا المعنى تعبيراً رائعاً بقوله :
إن المرء لا يحصل على إنسان ( حقيقي ) في عالم التراب * ينبغي خلق عالم آخر وخلق إنسان من جديد ( ديوان حافظ ، ص 247 ) والتعبير بأن الرجل الحقيقي هو الذي يملك نفسه عند الشهوة والغضب تعبير متكرر في المثنوى وورد بالطبع عند سنائى ( على سبيل المثال لا الحصر البيت 6071 من الحديقة ) كما ورد عند العطار ونظامى
( انظر أيضاً الكتاب الثاني 1467 - 1468 )


وعن العيش بالنفخة الإلهية انظر الكتاب الرابع الأبيات 411 - 415 وشروحها ) وفي البيت 2896 يرد عليه الرجل : إن الحرص والشهوة هما ظاهر القضية وينبغي أن تنظر إلى أصلها وهو : على أي شكل يريدنا الخالق وكيف يخلقنا ، إن الأمر كله قضاء وقدر ( عن هذا الموضوع انظر الكتاب الثالث الأبيات 380 - 390 وشروحها وعن الشهوة انظر أيضاً الكتاب الثالث الأبيات 818 - 820 وشروحها ) .
 
( 2897 - 2900 ) : من هذا البيت يبدأ المبحث الكلامي الأكبر في هذا الكتاب وهو مبحث الجبر والاختيار والذي جعلت منه موضوعاً للمقدمة ، ويبدأ مولانا بفكرة دق عليها كثيراً وهي
 
“ 565 “ 
 
أن قضاء الله سبحانه وتعالى يستطيع أن يغير العوامل الموجودة في الطبيعة ويقلب تأثيرها ، بل يجعل عطارد هو في اعتقاد القدماء الكوكب الخاص بالذكاء والحكمة لا يعي شيئا ( انظر عندما يعمم القضاء تنام المعرفة 1241 من الكتاب الأول ) والبيت التالي ناظر إلى المثل المعروف : إذا جاء القضا ضاق القضا ( انظر البيت 99 من الكتاب الأول والبيت 381 من الكتاب الثالث ) فتعال يا من رسمت حياتك خطوة بخطوة بحيث تقضى كل خطوة إلى ما بعدها ، إنك أبله شديد البلاهة وساذج ، ذلك أنك تقوم برسم حياتك وكأنه ليس فيها سواك ، كأنها خالية من الغيب والقدرة ، صحيح أنك تستطيع أن ( تخطط ) لحياتك ، لكن كم من البشر ( خططوا ) لحياتهم ثم سارت خطوات حياتهم كما خططوا لها ، لم تصادف في الطريق مانعاً أو حادثة لم تخطر له ببال عند التخطيط .
 
( 2901 - 2905 ) : إنك ترى ظواهر الأمور ولكنك لا ترى القدرة الخفية التي تسيرها ، رأيت دوران حجر الطاحون لكنك لم تر ماء الجدول ، ورأيت التراب يثار في الهواء لكنك لم تنظر إلى الهواء الذي يرفع التراب ورأيت الفكر يغلى ، لكنك لم تر من الذي يشعل تحته ناراً ليغلى قدر فكرك ( قلبك ) كل هذا الغليان ، وإن النسبة بين هذه الأمور غير المرئية إلى ما تراه من نتائجها كنسبة العطاء الذي أعطى لأيوب عليه السّلام بالنسبة لصبره 


( أنظر الكتاب الأول 2108 - 3109 والكتاب الذي بين أيدينا 3689 - 3691 والكتاب السادس 876 ، 4839 ، 4836 وانظر أيضاً لعطاء أيوب حديقة الحقيقة لسنائى الترجمة العربية البيت 707 وشروحه ) 
وفي البيت التالي وضع الساقية بدلًا من الطاحون ، لأن الماء من نتائج الساقية وليس سبباً لها وربما كانت ضرورة القافية .
 
( 2906 - 2911 ) : إنك تدعى الرؤية أي رؤية ما وراء الظواهر ، لكن كل ما رأيته من البحر هو الزبد ( المظاهر بالنسبة للحقائق كالزبد بالنسبة للبحر ) ولو كنت رأيت البحر لكان نصيبك الحيرة ( الحيرة عند الصوفية مرادفة للمعرفة انظر لتفسير هذه الفكرة انظر الكتاب الثالث البيت 1116 وشروحه ) إن النتيجة الحتمية لهذه المعرفة ولهذه الحيرة هي الصمت المطبق لأن من عرف الله كل لسانه ( استعلامى 35 ) 
وذلك الذي يتحدث بالأسرار لا يكون قد رأى سوى ظواهر الأمور ، وهذه الرؤية تؤدى إلى نتائج مختلفة ، فالناظر إلى المظاهر يخطط وينوى النوايا ، والذي يرى الحقائق يخاطر ويتهور ويقدم ولا يرى نفسه نية ولا خطة والناظر إلى المظاهر يرى الكثرة والقلة والأعداد و " يحسب لها " أما الناظر إلى الحقائق فهو
  
“ 566 “
  
الذي يضع نفسه بين يدي المشيئة الإلهية كالميت بين يدي الغسال وينفى اختياره تماماً ، والناظر إلى الظواهر يطوف بها ويبحث فيها دون أن يصل إلى حقيقة ، أما الناظر إلى الحقائق فهو غير ملوث بهذه الظواهر غير مهتم بها .
 
( 2912 - 2919 ) : ذكر فروزانفر أن الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت في عيون الأخبار للدينوري وفي أخبار الطرفاء والمتماجنين لابن الجوزي وبالطبع دون المناقشات الطويلة الواردة بها بل في مجرد سطرين أو ثلاثة أسطر ( مآخذ 182 ) ويذكر زركوب ( سر نى 1 / 447 ) أن الحوار بين المسلم والمجوسي هو في الواقع حوار بين عمرو بن عبيد أحد أئمة المعتزلة ومجوسي ركب معه في سفينة وهي واردة في العقائد النسفية وفي شرح التعرف على مذهب أهل التصوف ، والرواية الواردة في عيون الأخبار وأخبار الظراف والمتماجين :
 
حدثني رجل من أصحابنا قال صاحب رجل من القدرية مجوسياً في سفر فقال له القدري يا مجوسي مالك لا تسلم قال : حتى يشاء الله قال : قد شاء الله ذلك ولكن الشيطان لا يدعك قال المجوسي : أنا مع أقواهما . ويجعل مولانا من هذه الحكاية منطلقاً نحو تفصيل معتقدات الجبريين وآرائهم الذين كانوا يرون أن الأعمال خيرها وشرها من قبل الله تعالى ولا يروون أنفسهم مستحقين للعقاب ، وكان مولانا يرى أن العبد مختار ومسؤول بدليل الأمر والنهى والتكليف والعقل . ويقول المجوسي " المجوس قدرية هذه الأمة " أي من القائلين بالقدر ، أنه وإن كان كافراً فإنه لا يجيز على الله تعالى أن يريد شيئاً لإنسان ثم تتدخل قوة ما أياً كانت هذه القوة وأياً كان اسمها الشيطان أو النفس أو الأهواء أو الشهوات أو ما إلى ذلك ، فتغير مشيئة الله ، فإذا كانت هذه القوى منتصرة وغالبة إلى هذا الحد بحيث تتغلب على المشيئة الإلهية فما ذنب العبد إن تبعها .
 
( 2920 - 2936 ) : ويضرب المجوسي الأمثال : هب أنك بنيت بناءً عظيماً أردت أن يكون مسجداً فجاء أحدهم وجعل منه برغم أنفك ديراً ، أو أنك نسجت كرباساً أردت أن تجعل منه قباء فجاء أحدهم وجعل منه سروالًا : أي إن الله تعالى خلق هذا الإنسان ( القصر والمسجد والقباء ) ليكون موضعاً للمعرفة فجاء الشيطان وجعل منه ألعوبة في يده وموضعاً للشهوات ومحلًا للوساوس وآلة للحرب والفساد وسفك الدماء ، فما ذنب هذا الإنسان يا حبيبي ؟ ما ذنب هذا الإنسان وهو ضعيف أمام الشيطان ، وفي نفس الوقت فإن الذي أراد أن يجعل منه معبداً ساكت ومستسلم وصامت ولا يتدخل ليدافع عن صنعه ؟ أأكون أنا مهاناً ومضطراً ومهزوماً
  
“ 567 “ 
 
إذا تبعته أيضاً وألا أخشى في ذلك الوقت انتقام الشيطان ( القوى ، المنتصر ، الغالب ) متى ؟
عجيب ، ما معنى قولك إذن : ما شاء الله كان ، فمتى كان إذن هذا الذي يشاءه ، أتقوم النفس بالاستيلاء على صنعه ولا يتحرك صانع النفس ؟ أيستولى الشيطان على الإنسان ويسكت خالق الإنسان والشيطان معاً ، وإذا كان الشيطان ينتصر ويتحقق له ما يريد ، والخالق يسكت على هذا الأمر ، فكيف ينصلح حالي إذن ؟ ومن يساعدني في هذا القتال الذي حكم على فيه بالهزيمة ؟ !
 
( 2936 - 2944 ) : يتدخل مولانا في النقاش فقد كان يرى أن الإنسان هو مجال للامتحان الإلهى ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 743 - 746 وشروحها ) وفي معركة الروح والنفس يعتبر جواذب الحياة المادية وسيلة امتحان الحق وعلى هذا الأساس يعتبر عصيان الشيطان أحد ألا عيب القضاء الإلهى ( انظر الكتاب الثاني 2655 - 2656 )
ومع هذا فالمسؤولية لا تسقط عن أي مذنب ، ثم يرد على ذلك المجوسي الذي يرى الشيطان غالباً بهذا المثل ، إن هذا الشيطان هو أقل الكلاب على باب الله ، أنه مثل كلب التركماني ، ينبح الغريب ، فالشيطان متسلط على الغرباء عن باب الحق ، لكن أنظر إلى كلب التركماني مع القرباء ! !
( أنظر إلى الشيطان مع الأولياء ) إن الأطفال يشدونه من ذيله ( الأولياء أطفال الحق ) ( انظر البيتين 80 و 81 من الكتاب الثالث ) ويكون ذليلًا في أيديهم لكنه يكون أسداً هصوراً على الغرباء ، إنه " الكلب والشيطان " مصداق الآية الكريمةأَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ( الفتح 29 )
 
( 2945 - 2950 ) : وهكذا فالشيطان هو كلب الحق ، وقد خلقه هكذا في جبلته الوسوسة ، وإلا فكيف يميز الله الخبيث من الطيب والصالح من الطالح ، وكيف يتغذى الشيطان إن لم يكن موسوساً للخلق " كمال كل مخلوق في قيامه بصنعه وكمال الشيطان في قيامه بما كلفه الله به " ليس الشيطان نداً لله وجل وعلا ومقابلًا له بل عبد من عباده ينفذ ما أمره الله به ، وكيف لا ينفذ ما أمره به وروحه مقيمة على باب الإله تنتظر أوامره ، وكل من في الخلق من ملوك ورعايا كلاب باسطو أذرعهم بالوصيد ؟ لا ، ليس الشيطان نداً لله أو مقابلًا له أو طرفا في معركة معه مواضعها نفوس العباد ، إنه تماماً كالكلب على باب التركماني مستعد نافر العرق يتسلط على من يسلطه عليه سيده .
 
( 2951 - 2962 ) : يخاطب مولانا جلال الدين بصفته رجلًا من رجال الله ، الشيطان ، أو الكلب الشيطان بأنه لا يستطيع أن يمتحين المخلصين من عباد الله ، ويسأله أن يداوم امتحاناته
 
“ 568 “
  
من أجل أن يتميز ذوو الصلابة في الطريق من أرباب الوهن ، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد جعل للشيطان سلطة علينا فلماذا علمنا قتاله لماذا أعطانا السلاح الذي نقاتله به لماذا أعطانا المعوذة " نلجأ إليها عندما يشتد طرق الشيطان على بابنا ، ويهم ذلك الكلب بعقر أقدامنا ، فنطلب من الله تعالى أن يستدعى كلبه ، حتى نجد الطريق مفتوحاً إلى بابه ، نسأله حاجاتنا ، فهل يعقل أن يكون التركي الخطائى ( من قبائل الخطا وهي من أشد قبائل الترك بأساً ) عاجزاً عن استدعاء كلبه وعن كبح جماحه ، إذن فما فائدة المعوذة وما فائدة الصياح ، معقول أن يقول لك التركي لا ، لا أستطيع أن أعقل هذا الكلب ، أنا أيضاً أستعيذ منه ، إنه يمنعني من الخروج كما يمنعك من الدخول ، هل هذا معقول ، حاشا لله ، إن التركي ليصيح صيحة ، تفقد بها أسد الوغى قلوبها لا الكلاب فحسب ، وأنت يا من تدعى أنك أسد في هذا الطريق ، كيف تغلب عليك كلب النفس وهو مخلوق لخدمتك ، هو يصيد من أجلك هو أي القوى النفسية حافظة بدنك ، فكيف صرت أنت صيداً لها .
 
( 2963 - 2974 ) : يرد السنى - ودائماً يقرن مولانا جلال الدين عقائده بأنها مجموع عقائد أهل السنة ولذلك يجعل السنى هنا مرادفاً للقائل باختيار للعبد - ويقدم مولانا في هذه الأبيات دلائل أن للعبد اختياراً وأول هذه الدلائل الحواس التي وهبها الله سبحانه وتعالى للإنسان يسعى بها ويستخدمها ويستطيع أن يستخدمها في الخير ويستطيع أيضاً أن يستخدمها في الشر ، وقد يكون المقصود بالحس الوجداني الضمير الذي عبر عنه مولانا بالإدراك الوجداني وقال أنه محل الحس ( جعفري 12 / 362 )
والدليل الثاني هو الأمر والنهى والتكليف بوجه عام والثواب والعقاب كلها لا تكون إلا للمختار والمسؤول ، وشرط التكليف القدرة ، والقدرة هي التي تدل على الاختيار فلا يقول أحد لإنسان طر ، أو يقول لأعمى أنظر إلى ثم إن الملام والعتاب والمدح دليل على القدرة أيضاً والاختيار وإلا فهل يقول أحد لحجر لماذا تأخرت ، أو يلوم عصا على أنها ضربته ؟ نعم إن الرغبة في الظلم كامنة فيك ومن ثم انجذبت للشيطان وللنفس الأمارة ، وليس العكس كما تدعى أنك " مجبور " عليها من الشيطان والنفس الأمارة .
 
( 2975 - 2981 ) : تريد أن تعلم كيف يكون الاختيار كامناً فيك إذن فاعلم أنك الشيطان والملاك معاً ، وداعى الخير وداعى الشر موجودان في داخلك لكنها في حاجة إلى ما يحركها ، ورؤية يوسف محرك وجرح اليد وتقطيعها نتيجة للمحرك ، كانت موجودة في نفوس النسوة في المدينة ، كن مستعدات للغواية ، فما إن رأين يوسف حتى قطعن أيديهن ، يظل
 
“ 569 “ 
 
كلب النفس قائماً في داخلك حتى تحركه شهوة من الشهوات فيستيقظ ويبصبص بذيله ، وهكذا حتى في الحيوان ، وفي السلوك الحيواني ، تتحرك الشهوة عندما يوجد محرك لها ، إنها كالنفخ في الشرر ، ( انظر الكتاب الثالث موسى وفرعون في وجودك ، البيت 1254 ) وهكذا يتمطى الاختيار النائم فيك والكامن في وجودك عندما يعرض الشئ المشتهى .
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 2668 - 3058 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:44 am

الهوامش والشروح 2668 - 3058 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح 2668 - 3058 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 2668 - 3058 فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي
( 2982 - 2988 ) : [ إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاز بالشر وتكذيب بالخير وأما لمة الملك فإيعاز بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله تعالى فليحمد الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ] ( جامع 1 / 95 ) . 
ليس الأمر خاصاً بدواعى الشر فحسب ، بل تتدخل فيه أيضاً دواعي الخير ، تعرض عليك الملائكة ملائكة الخير ما لديها برغم أنف الشيطان ، إلهام بالخير في مقابل وسوسة الشيطان بالشر ، وأنت وما تختار ، لديك الميزان في داخلك ، وما يستوجب العقاب ومن ثم فأنت المسؤول ، وأنت الذي تنطلق بكل قواك ملبياً داعى الخير وداعى الشر ثم ما معنى التسليم في الصلاة ؟
إنك تسلم على الملائكة أنك صرت مختاراً لهذه الصلاة من إلهامها الطيب تماماً مثلما تقوم بلعن إبليس بعد كل ذنب لأنه قضى عليك وقصم ظهرك من وسوسته ، نعم فهذان الضدان يقوما بعرض ما لديهما عليك وداعى الخير وداعى الشر مصطلحان موجودان في هذا الحديث النبوي .
 
( 2989 - 3005 ) : وكلاهما داعى الخير وداعى الشر ، الملاك الملهم والشيطان الموسوس جاءا إليك من وراء حجب الغيب ، وعندما ترتفع هذه الحجب يوم القيامة ، ترى عياناً من كان يقودك وتعلم من حديثهم أنهم هم الذين كانوا يحدثونك في الدنيا يلهمونك أو يوسوسون لك .
يقول الشيطان : لقد كنت أعرض عليك فحسب وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ( إبراهيم 22 ) 
ويقول الملاك : ألم أقل لك كفاك سروراً بمعصيتك 
وتدبر قول الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم [ من عصى الله وهو يضحك يدخل النار وهو يبكى ]
 
( مولوى 5 / 432 ) لقد تركتني أنا الراجي خيرك المشفق عليك من نار الجحيم الراغب في قيادتك إلى الجنة ونحن الملائكة من سجدنا لآدم واعترفنا بخلافته ، ولا زلنا نخدمك ونقودك إلى موطنك في الجنة ، ونردك من غربتك وفقرك إلى رئاستك وإمارتك ، لكنك تركتنا وأطعت
 
“ 570 “
  
تلك الجماعة التي رفضت السجود لأبيك ، ووسوست له ، وسببت طرده من الجنة إلى جحيم الشقاء ، وتوعدت أولاده قائلًا لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ( الإسراء 62 ) ،
\هيا انظر إلينا عياناً بياناً بعد إن كنت تسمع أصواتنا في ليل الدنيا وظلمة الحس ، فها هو قد أسفر الصبح ، صبح القيامة ، وقام الناس من النوم ، فاعرفنا بأصواتنا ، وأعلم أننا كلامنا الملاك والشيطان كنا عارضين لك ، لم نجبرك على فعل لم تكن أنت تريده ، ولم نوجهك إلى فعل لم تكن أنت تقصده .
 
( 3006 - 3021 ) : يعود مرة ثانية إلى بيان أن الإنسان مخير وليس مسيرا ، ومن هنا يؤدب الطفل فهل رأيت حجرا يعاقب ؟ ! وهل سألت حجرا أن يأتيك في الغد ، وهل يضرب عاقل المدر ( في الكتاب الثالث ، أمثلة عديدة على هذه الفكرة ، انظر الأبيات 2911 - 2919 ) ، وعن هشام بن سالم عن علي رضي اللّه عنه : إن الله أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون والله أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد " ( جعفري 12 / 383 ) ،
الجبري والقدري كلاهما مرفوض ، لكن الجبري أكثر افتضاحا أنه يرى ويحس أنه لا مدلول دون دليل ، لكنه ينكر والقدري يقبل الدليل والمدلول لكن في حدود الأمور المادية والدنيوية ، وأمور الله جل وعلا التي لا تقاس بالمعايير والعلاقات الدنيوية ولا تدرك ، والنتيجة أن القدري والجبري كليهما ينكران تلك الحقيقة غير المادية وغير الحسية (استعلامى 5 / 385)،
 
ومن هنا فسفسطة الجبري أسوأ من الحاد القدري " والقدرية مجوس هذه الأمة " ، ويجعل مولانا القدري واحدا مع المادي والدهري ، انه يقبل الدنيا فحسب ويقر بها وإن قال يا رب فنظره إلى القدرة المادية الطبيعية ، وقوله يا رب لا يقصد بها الحظيرة الإلهية ، والجبري ينفى المسؤولية والاختيار عن نفسه ، ينكر العلاقات الموجودة في الدنيا ، ولا يصل بسفسطته وأدلته الواهية إلى غاية بل يدخل في تلافيف الشك والريب والكفر ، والحيوان يدرك الأمر المحسوس ،
 
أيكون الحيوان أفضل من الجبري ، إن وجود الاختيار لا يحتاج إلى دليل لأن كل إنسان يستطيع أن يحس به ، وإن أحس به فإن تكليفه بالأمر يجمل به ولا يستوحش منه أو يراه صعبا ، وإذا كان القدري مرفوضا والجبري مرفوضا فالحل هو ما أجمعت عليه الأمة من المنزلة بين المنزلتين ، أو الأمر بين الأمرين وعن علي بن موسى الرضا رضي اللّه عنه ذكر عنده الجبر والتفويض فقال : ألا أعطيكم في هذا أصلالا تختلفون فيه ، ولا يخاصمكم عليه أحد إلا كسرتموه ؟ ، قلت إن رأيت ذلك ، قال : إن الله عز وجل لم يطع بإكراه ولم يعص بغلبة ولم
 
“ 571 “
  
يهمل العباد في ملكه ، هو المالك لما ملكهم والقادر على ما أقدرهم عليه فإن أئتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل وإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه ( جعفري 12 / 384 ) والأمر عند مولانا بين الوضوح في قوله بالاختيار وهو في هذا تابع لسنائى الغزنوي الذي قال بأن الجبر لحركة العالم وأن الاختيار للإنسان ، وأن هذا هو المقصود بتكريم الإنسان ، فكيف يكون مجبرا ثم يكون مكرما ؟ !
 ( انظر حديقة الحقيقة الأبيات 5459 - 5461 وشروحها ) ، وإلى مثل هذا ذهب الحكيم السبزواري فقال : إن من أفضل ما قاله المعلم الثاني ، لابد أن يكون في الإرادة إرادة بالذات ، وفي القدرة قدرة بالذات وفي الاختيار اختيار بالذات " ، ويضيف والعالم كله ظله ، وهو مختار وظل المختار مختار ( شرح السبزواري ، ص 394 ) .
 
( 3022 - 3033 ) : يواصل مولانا جلال الدين دلائله على الاختيار واثبات المسؤولية على الإنسان ، وهنا يتجاوز مولانا الدلائل الظاهرة والحواس الظاهرة ويتحدث عن الإدراك الباطني ويسميه بالإدراك الوجداني وفي العنوان يوضح مولانا أن الإدراك الباطني هو أيضاً من قبيل الحس ، فمنه ندرك الألوان والأحجام وأنواع الجمال والقبح بالحواس الظاهرة ، لكننا ندرك الاختيار والاضطرار والغضب والصبر بالحواس الباطنة أو الإدراك الباطني أو كما يسميه مولانا الإدراك الوجداني ، ويفسر محمد تقي جعفري الإدراك الوجداني تفسيرا لغويا على أساس أن " وجدان " بالفارسية تعنى الضمير ويرى أن مولانا كان يقصد هذا المعنى بالفعل بدليل ذكره للندم بعد أن يقوم المرء بفعل السوء فإن هذا الندم مصدره الضمير ( جعفري 12 / 394 - 395 ) .
ويقدم مولانا دليلا آخر : القرآن الكريم ، أليس كله أمر ونهى ووعد ووعيد فلابد أن يكون هذا الأمر والنهى والوعد والوعيد موجها إلى " مسؤول " و " حر " وإلا فهو ليس موجها إلى حجارة وحديد أو خشب ، فالعقل نفسه لا يتعامل إلا مع من له عقل . وإلا فهل عادى عاقل صورة ؟ !
أو هل أنشب مخالبه في صورة مخلب ، ثم كيف يوجه أمر إلى عاجز ؟ !
إنك إن أمرت عاجز بأمر يعجز عن فعله كنت جاهلا ، وإن فعلها إنسان لقلت عنه أنه جاهل ، فهل تنفى عن إنسان صفة الجهل وتجيزها على الله جلا وعلا عن ذلك علوا كبيرا ؟ !
وكيف تنفى عنه صفة العجز لتوقعه بعدها في صفة الجهل " والكلام موجه إلى المجوسي القدري " ؟ !
  
“ 572 “
  
( 3034 - 3039 ) : يعود إلى مثال التركي وكلبه " الله والشيطان " ، وليس عيبا أن يرمز له بكبير الترك :فالله قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراسوالضيف هو العبد المتجه إلى الله تعالى ، والخرقة رمز للتظاهر ، والمقصود بالكلب هنا هو النفس الكلبية الأمارة بالسوء ، فإذا توجهنا إلى العتبة الإلهية ومعنا كبرنا وغرورنا ونفسنا الأمارة بالسوء فإن الكلب " الشيطان " ، يقف في طريقنا والكلب في البيت 3077 هو إبليس ( انظر 2939 - 2944 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وعضة الكلب تلبيس إبليس ومكره ، والغلمان هم عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ، والكلب في البيت التالي هو النفس والثعلب هو الرياء والتظاهر ، والكلب في الشطرة الثانية من نفس البيت هو إبليس :
نفسك التي بين جنبيك هي التي تثير إبليس وهي التي تدعوه إليك .
 
( 3039 - 3057 ) : يواصل مولانا أدلته على أن الإنسان مختارا ، فإذا لم يكن الإنسان مختاراً وكان الاختيار للحق دون سواه ، فكيف تغضب على من يسئ إليك ، إنك تغضب على من يسئ إليك إن كان عاقلا ، لكنك لا تغضب إن كان غير عاقل ، ومن ثم فالاختيار مقارن للعقل ، وحتى الحيوانات تفعل هذا ، فهل رأيت حيوانا هاجم عصا ضربته دون أن يهاجم الضارب ؟ ! هل رأيت كلبا تقذفه بحجر فيصب غضبه على الحجر " إنه يفعل ذلك فحسب عندما لا يطولك وللوهلة الأولى ثم سرعان ما يدرك انك الضارب لا الحجر " .


.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 3059 - 3439 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:44 am

الهوامش والشروح 3059 - 3439 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 3059 - 3439 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 3059 - 3439 فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية في إثبات الاختيار وبيان أن القضاء والقدر لا ينفيان الاختيار 
( 3039 - 3057 ) : يواصل مولانا أدلته على أن الإنسان مختارا ، فإذا لم يكن الإنسان مختاراً وكان الاختيار للحق دون سواه ، فكيف تغضب على من يسئ إليك ، إنك تغضب على من يسئ إليك إن كان عاقلا ، لكنك لا تغضب إن كان غير عاقل ، ومن ثم فالاختيار مقارن للعقل ، وحتى الحيوانات تفعل هذا ، فهل رأيت حيوانا هاجم عصا ضربته دون أن يهاجم الضارب ؟ ! هل رأيت كلبا تقذفه بحجر فيصب غضبه على الحجر " إنه يفعل ذلك فحسب عندما لا يطولك وللوهلة الأولى ثم سرعان ما يدرك انك الضارب لا الحجر " .
 
( 3085 - 3076 ) : يواصل مولانا تقديم أدلته على الاختيار ، والحكاية الواردة في البيتين الأوليين وردت في ربيع البرار للزمخشري والمستطرف للأبشيهى منسوبة إلى الإسكندر ( مآخذ / 182 ) .
 
أمر الإسكندر بصلب سارق : فقال : أيها الملك فعلت ما فعلت وأنا كاره ، فقال وتصلب أيضا وأنت كاره .
إن الجبر يقلب العالم إلى فوضى ، فالسارق والمعتدى والقاتل كلهم يقومون بما يقومون به اعتمادا على هذا المبدأ ، عجيب ومع ذلك فأنت تتلاعب بالجبر والاختيار ، تختار الحرفة ، وخلف نفسك العاصية تكون مختار تماما ، لكنك عند شكر النعمة صامت أو قائل بأن الله لم يهبك شكر هذه النعمة ، تراك تقبل أن يقول لك الجحيم : اعذرنى علي حرقى إياك ؟ !
أنه لولا الاختيار لما انتظمت الدنيا .
 
“ 573 “ 
 
( 3077 ) : يواصل مولانا ويقدم قصة أخرى ساخرة وهي كما هو واضح على نسق القصة السابقة وتجرى في سياقها وهي فيما يبدو من تأليف مولانا ووردت في كتابه " فيه ما فيه " ، قبل أن ترد في المثنوى .
 
( 3087 - 3097 ) : من هذا البيت يبدأ مولانا في مبحث آخر دفعه إليه خشيته من أن يفهم القارئ أن الاختيار للعبد مطلق وأنه من الممكن أن يختار على اختيار الله سبحانه وتعالى ، أو يفهم آخر أن مولانا ينفى الاختيار عن الله سبحانه وتعالى كلية ، فاختيار العبد كالغبار ، واختيار الرب فوقه كالفارس الذي يثير هذا الغبار دون أن يكون ظاهرا
( هذا المثال موجود في الكتاب الثالث ، البيتين 383 - 384 ) ،
إننا نختار ما اختاره الله لنا ، فاختيار الله هو الاختيار الكلى واختيارنا هو الاختيار الجزئي ، ولو لم يكن لنا اختيار لما خيرنا الله بين أمرين ، وتسلط الله سبحانه وتعالى على صورة بلا اختيار أمر لا عظمة فيه ، فلا عظمة في أن تحكم من لا يتأتى منه فعل ، سواء كان هذا الفعل خيرا أو شرا ، لا عظمة في أن تسيطر على عبد بل العظمة الحقيقية في أن يكون حكمك على حر ، إن السيطرة على من لا اختيار له تتأتى من كل إنسان ،
لكن أية عظمة في أن تجر صيدا من أذنه أو تجر إنسان من أذنه أيضاً ، فالله حينئذ بدون آية آلة يقيد باختياره ذلك الإنسان المجبر ويجره إلى حيث يشاء ،
هذا الأمر يكون كسيطرة النجار على الخشب والمصور على الصورة والحداد على الحديد والبناء على الآلات التي يستخدمها ، فهل قدرتك على هذه الجمادات ، نفت عنها صفة الجمادية ، كيف تجيز إذن أن يكون اختياره جل وعلا نافيا لاختيارك أنت . !
 
( 3089 - 3104 ) : مشيئة الله سارية في الكون بشكل كلى وبلا زمان أو مكان ، وليس في الأمر جبر أو ضلال ، إنك " أيها المجوسي " تقول أن كفرى هو مشيئته ، لكنها مشيئتك أنت أيضاً ، فكيف ثم كفر دون مشيئة من الكافر ؟ !
وكيف يغضب علينا سبحانه وتعالى إن كفرنا دون أن يكون لنا دخلٌ في هذا الكفر ، أيغضب علينا لعجزنا ، إن هذا السلوك لا يليق حتى مع ثور ، فالثور أن لم يقبل السير ضرب ، لكنه لا يضرب أن قلت له طر ولم يطر ، ومن ثم فإن لم تكن مريضا لا تربط رأسك ( مثل فارسي ) ، ولا تسخر من نفسك كل هذه السخرية فتكون أقل من ثور .
 
( 3105 - 3110 ) : والحل لكل هذا النقاش أن تكون عاشقا فيذوب اختيارك في اختياره ولا ترى لنفسك اختيار دون اختياره ، فيكون كل ما تفعله هو فعل الحق ، يكون العشق هو
 
“ 574 “
  
اختيارك ، والسكران بهذه الخمر معذور ، وهو حتى لا يكون في حاجة إلى أن يعذره أحد ، فهو لا يفعل في سكره إلا الحق وإلا الصواب ، والمثل التالي عن سحرة فرعون وارد بتفصيلات أكثر في الكتاب الثالث ( انظر الأبيات 1723 - 1730 وشروحها ) .
 
( 3111 - 3130 ) : [ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ] ، حديث نبوي يكرره مولانا كثيرا في المثنوى ( انظر على سبيل المثال ، الكتاب الأول : 1888 - 1898 والكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 2929 - 2937 ) . 
عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم علمه دعاءً وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم [ قال : قل كل يوم حين تصبح اللهم لبيك وسعديك والخير في يديك ومنك وبك وإليك ، اللهم ما قلت من قول أو نذرت من نذر أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن ]
( مسند أحمد 5 / 191 ، أحاديث مثنوى 174 ) . وليس عند الله صباح ولا مساء : أي ليس في عالم اللاهوت زمان ، لأن الزمان مرتبط بالأفلاك وهو فوق الأفلاك ، فليس حديث " ما شاء الله كان " دعوة إلى الكسل وإلى الاستسلام لما تأتى به المقادير ، بالعكس انه دعوة للعمل والجد والاستعداد في كل لحظة .
يقول يوسف بن أحمد :
وهذا الحديث معناه قريب لقوله تعالى :كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ، قال في الجلاليين معناه أمر يظهره على وفق ما قدره في الأزل من إحياء وإماته واعزاز واذلال وغناء وإعدام وإجابة داع وإعطاء سائل وغير ذلك ، ( مولوى 5 / 453 ) ،
فإذا كان الأمر أمرك أنت جاز لك أن تتكاسل ، فإذا قيل لك أن الأمر أمر الله ، معناه أن تسعى في رضا اللّه دون رضا سواه ، إذا قيل لك أن الأمر في يد الوزير فلان ، يكون رد فعلك أن تبتعد عنه أو يكون رد فعلك أن تقترب منه ؟ !
أترى الأن أنك قلبت تفسير : ما شاء الله كان وجعلته على هواك لأن هواك في الكسل ، وتكفى نتيجة تفسيرك هذه لكي تثبت لك أن تفسيرك هذا سىء ، فهناك علامة للتفسير الصحيح هو أن يدفعك إلى العمل وبذل الجهد ، والجهاد في رضا لله ويملأك حماسا وحركة وأملا ، لأن الله سبحانه وتعالى لا يريد من عبده الكسل والتواكل ، والرسول صلّى اللّه عليه وسلّم لا يقول ما يؤدى إلى القنوط واليأس ،
والقعود عن العمل والعبادة ، ولماذا تسرع في التفسير حسب هواك ، ما أحراك أن تفسر القرآن بالقرآن لأن القرآن يفسر بعضه بعضا ، فإن لم تكن قادرا على هذا ، فابحث عن الولي الكامل غير المغرض الذي أضرم نار العشق في هواه وهوسه ، وصار كله لله وللقرآن حتى ذاب في القرآن وصار قرآنا ، كما يذوب الزيت في الورود
( عند تقطير العطور ) ، فسواء إن شممت ذلك الزيت الذي ذاب في الورود أو شممت الورود نفسها ،
 
“ 575 “
  
سواء سألت القرآن عن معنى القرآن ، أو سألت الولي الذي ذاب في القرآن وفنى في الله فناء تاما ، هذا هو الراسخ في العلم الذي نص سبحانه وتعالى على أنه هو الذي يستطيع أن يعلم تأويله .
 
( 3131 - 3134 ) : يتعرض مولانا جلال الدين لحديث آخر يحتج به الجبريون لأنهم يفهمونه على غير معناه والحديث هو " جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة " ، ويحتج الجبريون بهذا الحديث بأن كل ما يجرى على البشر قدر منذ الأزل وبالتالي فلا فائدة من العبادة أو الدعاء لأن الله سبحانه وتعالى لن يغير شيئا ما دامت الأقلام قد جفت والصحف قد طويت . هل يعقل أن يقول لعبده : يا عبدي لا تدعني لقد جف القلم ولن يجديك هذا الدعاء نفعاً ؟ ! ! . وهناك حديث آخر في هذا المعنى " فرغ ربكم من أمر العباد فريق في الجنة وفريق في السعير " ( انقروى 5 / 677 ) .
قال أحد الصحابة : أو لا نعمل يا رسول الله : قال صلّى اللّه عليه وسلّم اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، ويقدم مولانا تفسيرا آخر لحديث " جف القلم " ، فجف القلم تحريض على العمل لا على الكسل ، وعلى " الشغل الأهم " ، أي على العبادة لأن القلم جف وفرغ من أمر جعل الجزاء من جنس الفعل ، ولا تبديل لسنة الله ولا تغير لها ، إنك مرتبط بأفعالك ،فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ
إذا ظلمت فأنت مدبر ، وإن رحمت تُرحم ، وإن سرقت تقطع ، وإن سكرت تثمل ، بهذا جف القلم ، جف القلم وكتب أن الله سبحانه وتعالى عدل وحق يجزى بالحسن حسنا وبالسوء سوءً ، وليس بفعلك لأن الله سبحانه وتعالى يمحو ما يشاء ويثبت ويغير ويبدل " والدعاء يمنع القضاء " ، وإلا فهل من المعقول أن يقدر الله أفعال عبادة ثم ينعزل عنها انعزالا كليا ،
ويتركهم هملا ضياعا ، جاهدوا أو لم يجاهدوا أطاعوا أو لم يطيعوا ، أخلصوا له أو لم يخلصوا له وخانوه ، وهل يعقل هذا حتى على ملك من ملوك الأرض ، هل هناك ملك من ملوك الأرض لا يفرق أمام عرشه بين الوفي والخائن وبين من يخافه ومن يسخر منه ؟ !
اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، إن ميزان الله سبحانه وتعالى لا يضيع شيئا مهما كان ضئيلا ، فلو زدت مثقال ذرة في عبادتك ظهرت في هذا الميزان ، إنه هو السميع البصير ، لا يسمع لواش أو نمام ، بل إن الوشاة والنمامين ( الشياطين ) ، عندما ييأسون ويحبطون أمام بلاطه يعودون إلينا ويوسوسون لنا قائلين : ما جدوى العمل ؟ ! لقد جف القلم وكتب من كتب سعيدا وكتب من كتب شقيا والسعيد
  
“ 576 “


سعيد في بطن أمه والشقي شقى في بطن أمه ، إن هذا دس للمليك وحديث بالسوء عنه ، لا بل الوفاء جزاء على الوفاء ، والجفاء جزاء على الجفاء بهذا جف القلم .
 
( 3135 - 3159 ) : وهناك أيضاً العفو الإلهى ، وهناك الرجاء في هذا العفو وعدم القنوط منه فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ، وأجمل من هذا الرجاء رجاء المتقى الذي ابيض وجهه من التقوى ، ذلك أن وجه العاصي المعفو عنه لا تصل بحال من الأحوال إلى درجة المتقى أصلا ، تماما كما يعفو الملك عن اللص لكنه لا يصير وزيرا أو خازنا ، وأنت أيها الإنسان المؤمن أمين في الأرض على هذا الدين فكن أمينا على أسرار الحق فإنك أصبحت صاحب تاج ولواء ( ابن الخليفة ) من قبولك لهذه الأمانة ، ولا تغتر بهذا ، فإنك إن خنت هذه الأمانة سوف تكون جديرا بقطع رأسك ، في حين انه قد يهب " غلاما هنديا " ، عناية الربانية وينيله المعرفة " الدولة السرمدية " ( انظر حديقة سنائى ، البيت 718 : لتركى جلف حدث رقيق قلب مئات الآلاف من الأعلام ) ، ليس هذا فحسب ، بل القلب نفسه ببركة إخلاصه يصاحب الرجال ، فانظر أي إنعام نزل على الكلب ، فما بالك إذا كان هذا الكلب أسدا " رجلا من رجال الله " ؟ !
 
( 3160 - 3164 ) : إن إنعامه لا نهاية له ، بشرط أن تتوب وتعود ، فان الانغماس في الذنب يغلق باب الرحمة ، حتى هذا اللص قاطع الطريق ينبغي عليه ألا يقنط من رحمة الله ، وانظر إلى قصة الفضيل بن عياض ( 105 - 187 هـ )
كان قبل توبته قاطع طريق ، وذات يوم كان مع عصبته يقطع الطريق على قافلة فسمع قارئا للقرآن: يقرأأَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِفتاب وصار فقيها محدثا ثم عارفا من كبار العارفين ،
وقامر بطهر :
أي ضحى بنفسه في سبيل الله ، وتضحيته بنفسه إسراعة إلى التوبة بقوة عشرة رجال ، ثم هل يمكن أن يكون هناك عاص أكثر عصيانا من سحرة فرعون ، أولئك الذين قالوا " بعزة فرعون " ، وقعدوا في طريق التوبة ، ثم عندما تاب الله عليهم ، اعترفوا بنوبة موسى عليه السّلام وبألوهية رب العالمين ، وضحوا في سبيل هذا بأيديهم وأقدامهم ( انظر البيت 3109 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحه ) ، فكانت جذبة تساوى عمل الثقلين ، فهل رأيت طاعة خمسين عاما نالت مثل هذا الصدق ؟ !
 
( 3165 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل المثنوى في منطق الطير للعطار حيث جرى الحديث عن مجنون أو واحد من عقلاء المجانين رأى غلمان أمير المدينة في زينتهم
 
“ 577 “ 
 
فرفع رأسه إلى السماء داعياً : " تعلم إكرام العبيد من العميد " ، وفي الحكاية التي بين أيدينا المقصود بعميد خراسان فيما يبدو هو محمد بن منصور النسوي حاكم هرات ومن رجال العصر السلجوقى في القرن السادس ، وتوفى سنة 594 ه ، ( عن مآخذ ، ص 183 ) .
 
( 3169 - 3173 ) : كان الرجل معوزا عاريا جائعا فأبدى بعض الجرأة على الله تعالى ، والانبساط في مصطلح الصوفية الحديث دون رعاية للآداب ، ويجد له مولانا العذر ليس في جوعه أو عوزه أو عريه ، بل لأنه كان غائبا عن نفسه فلم تسيطر عليها ، كما أنه أيضاً كان نديما لله سبحانه وتعالى فتجرأ عليه كما يتجرأ النديم على الملك ، فإن جاز له هذا فلا يجوز لك ، إن النديم يتوقح على الملك لأنه " يعرفه " ، أما أنت وأنت لم تعرفه بعد فلا يجوز لك هذا ، وإن كنت لا تعرف فلك أن تعرف أن عطايا الله سبحانه وتعالى تفوق كل العطايا حتى لو وهبك أحدهم تاجا ، أكان هذا التاج يكون ذا نفع دون أن تكون هناك الرأس وهي هبة من الله تعالى .
 
( 3174 - 3179 ) : هذا الجزء من الحكاية إضافة عليها لم ترد في الحكاية الأصلية ، كان مولانا يريد أن يرد على الدرويش فآثر أن يرد عليه في صورة الحكاية أيضاً : لقد تعرض الغلمان للتعذيب ولم يفش أحدهم سر العميد بعد أن مزق أربا ، ويرى استعلامى ( 5 / 365 ) ، في تفسير البيت 3179 أن الهاتف كان للعميد الذي يعذب غلمانه وأن البيت يقصد : أن عبيدك هكذا عبيد طيبون لأنك كنت سيدا طيبا ، ولا أدرى من أين جاء بهذا التفسير لأن السياق يحتم أن يكون الهاتف للدرويش ، تعال وتعلم العبودية ، لقد كان العميد يغدق على الغلمان لأنه كان يعلم أنهم أوفياء حفظة لأسراره .
 
( 3180 - 3186 ) : يترك مولانا قصة عميد خراسان ويقوم بإرشاد المريدين : ومزقت جلود أمثال يوسف أي تصرفت بجفاء مع الطيبين وأسأت إلى المحسنين ( مر نفس التعبير في الكتاب الرابع ، الأبيات 3662 ) وفكرة أن الأحزان تحيق بالإنسان من فعله ، مرت في الكتاب الثالث ، ببيان أكثر روعة ( انظر الأبيات 348 - 359 وشروحها )وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها( الشورى / 40 ) .
 إن رجال الحق موجودون في كل عصر ، وإن سليمان هذا لماثل أمام الجميع ، ( الكتاب الثاني 3782 ) ، فدعك من الأفعال الشيطانية وإلا قطعتك سيوفهم ، وكل من ترك صفاته الشيطانية لا خوف عنده من رجال الحق ، ذلك أن الشياطين فحسب هم الذين
 
“ 578 “
 
يخشونهم ، وحين يصل المرء إلى مرتبة الملائكة يكون عيشه فوق الأفلاك ، يكون آمنا من الكدح على الأرض ، لقد جاوز مرحلة الكدح ووصل إلى مرتبة الملائكة .
 
( 3187 - 3194 ) : يعود مولانا هنا إلى مناقشة المجوسي الجبري الذي بدأت القضية به ويخاطبه قائلا : دعك من هذا الجبر فهو جبر العوام ينفى عنهم مسئوليته كل خير وكل شر ، وأدخل في جبر الخواص الذي فنى وجودهم الفردى في الحق فصار فعلهم هو فعل الحق ، ودعك من جبر الكسالى ، حتى يأتيك ذلك الجبر الذي يهبك روحا جديدة ، جبر الخواص والفانين في الله ، ودعك من عشقك لنفسك وكن عاشقا للحقيقة واقلع عن تخيل أنك طيب وخير وفائق على الآخرين ، انصرف قليلا عن أنيتك ، ولا يكن طوافك كله حول نفسك ، دعك من عبادة ذاتك ، فإن أولئك الذين يطوفون دائما حول ذواتهم لا شئ عندهم يقولونه ، فأي عالم هذا الذي يتحدثون عنه ، إنسان محدود بنفسه ، ماذا لديه لكي يقال ،
 إنه صامت كالليل حتى وإن تكلم ، إن عمرك كله قد ضاع هدرا ، والناس تحرك رؤوسها إعجابا ، وإن قال لك أحدهم أقلع عن هذا ، إن هؤلاء الذين يجتمعون حولك يظنونك ماء عذبا لأنهم لم يذوقوا الماء العذب ، تقول له : كفاك حسدا ، أي حسد ؟ ! هل يحسد الإنسان الغثاء والهباء والغثاثة والتفاهة ؟ !
إن تعليم هؤلاء مثل الرسم على المدر " الطوب " ، أما النقش على الحجر ، والذي يظل دائما فهو " العشق " و " النظر " ، لكي تصير أستاذا وشيخا وتجد لك مريدين علم نفسك العشق وعلم نفسك النظر أي الإدراك الباطني للشيوخ الكاملين .
 
( 3195 - 3199 ) : ونفسك تلميذ وفي ، كما تعلمها تتعلم ، وكما تدربها تكون وما سواها من التلاميذ غير موجود ما دامت هي لم تتعلم ، وهؤلاء الأدنياء الأخساء لا يتعلمون منك شيئا ، وطالما تدعوهم فاضلين وعلماء ، فإنك تدل على أنك خلاء وخواء ، أنت فارغ وهم فارغون فمن أين يأتيك العشق ومن أين يأتيك النظر ، لكن إذا كان قلبك متصلا ببحر العلم اللدني والعلم المطلق الإلهى ، فمن حقك آنذاك أن تتحدث لأنك " تغرف من البحر الذي لا ينتهى " ، والذي يأتي إلى قلبك منه المدد باستمرار ، إنما يخشى من يأخذ من الجداول جفاف هذه الجداول ، وأمر " قل " ، إشارة إلى المواضع الموجودة في القرآن التي أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم بالقول ، والآيات التي تبدأ ب " قل " ، أما الأمر ب " أنصتوا " ، فهو لأولئك الذين لم يبلغوا درجة من العلم ومع ذلك يتحدثون ويفيضون فسرعان ما تجف بساتينهم بعد إنفاق ما بها من ماء ، لكن المتصل بالبحر لا يجف علمه ولا ينفد
 
“ 579 “
  
( 3200 - 3209 ) : ويا أيها المتحدث وأنت معتمد على هذا العلم الدنيوي ، دعك من هذا الكلام فلا طائل من ورائه ولا نتيجة منه ، وانظر إلى عاقبتك هنا ، وغيرتى لا تسمح لي بأن أرى الأخساء الذين جمعتهم حولك يستمعون إليك وهم يسخرون منك ، إنهم ليسوا بعشاق ، الذين جمعهم هذا الخطيب الدنيوي يستمعون إليه ، إنهم سخرية حقيقية من العشاق ،
 العشاق الحقيقيون مختفون " خلف حجاب الكرم " لا يتشدقون ولا يتظاهرون ، لكن وجدهم وصياح وجدهم تصل إليك أنت ، والعشق الحقيقي يكون لعشاق الغيب هؤلاء ،
أما عشاق الدنيا فإن عشقهم يدوم عدة أيام لا أكثر ، إنهم يستغلونك أيها الشيخ و " يأكلون " منك ، دون أن تنال منهم مثقال ذرة من فائدة ، وما قيامك بهذا المحفل في الطريق العام من أجل هؤلاء العوام ، كيف تبسط لهم بساط الإرشاد في الطريق العام ،
 لقد أهلكت نفسك دون أن تصل إلى هدفك من إرشادهم ، وعندما تسقط مريضا فلن يقف أحدهم إلى جوارك ، ففي الحزن والألم لا مواسى إلا الله سبحانه وتعالى ، فهو الذي يكشف السوء ، ويأخذ باليد ، ويغيث المستغيث ، فتذكر أيام مرضك عندما ينفض هؤلاء المريدون العوام من حولك ، كن مثل إياز اعتبر أن أيام المرض هي السترة الجلدية ، وتذكرها مثلما كان إياز يقبض على سترته الجلدية بكلتا يديه .
 
( 3210 - 3218 ) : عودة إلى مناقشة المجوسي الجبري ، لقد رد المجوسي الجبري ، بأجوبة لم يوردها مولانا واكتفى بقوله أنه حيرت " الرجل المنطيق " أي المشتغل بالمنطق ولعله يقصد أبا عمرو بن العلاء ( انظر شرح 2912 ) ثم يعود مولانا فيقول أن هدفه كله ليس القضية في حد ذاتها ومن ثم فهو لا يطيل فيها ، وهناك أقوال عنده أهم من هذا المقال ومن قبل في الكتاب الثالث
 
( الأبيات 1361 - 1375 ) عند التوفيق بين حديثي الرضا بالكفر كفر ومن لم يرض بقضائي فليطلب ربا سواي ، ذكر مولانا صراحة أنه لو واصل المناقشة جدلًا ، فإن نقاط العشق سوف تمضى لذتها عنده ، وسوف ينقلب " دوره " إلى دور آخر أي سينقلب من مرشد صوفي عاشق إلى متكلم يجادل ، ثم إن مولانا يبين سعة أفق ، وموضوعية أنه إن


 
“ 580 “
  
ذكر أدلة كلها فعليه أن يذكر أدلة الآخر كلها ، ومن ثم فمن الأفضل أن يترك الموضوع برمته ، لأن الخلاف - في هذه القضية وفي غيرها - قائم إلى يوم القيامة ، والله سبحانه وتعالى يمد كل فريق بأدلته ، وذلك حتى لا ينتصر أحد ، والنقاش في حد ذاته لن يؤدى إلى نتيجة ما دام الحل كما رأى مولانا كامناً في العشق ، والعشق ليس بالنقاش وليس بالجدل بل هو ذوق وموهبة وعطية .
 
( 3219 - 3221 ) : إن وجود الاثنين وسبعين فرقة أمر ضروري " إشارة بالطبع إلى الحديث الشهير : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة الناجية منها واحدة " لكن الإمام الغزالي في فصل التفرقة بين الإسلام والزندقة نقل الحديث بصورة توحى بأن الفرق كلها ناجية إلا واحدة هي فرقة الزنادقة ويتفق هذا التفسير مع منطق مولانا فتبعه ( سر نى ، جلد 1 ، ص 414 )
فلا يمكن أن يكون وجود الفرق الهالكة ضرورة من الضرورات ، إن هذه المذاهب والفرق هي ظلال النور ، لأن هذه الأرض هي أرض الظلال ، وأرض المذهب الواحد واللون الواحد أرض أخرى ، الاختلاف إذن هو طبيعة هذه الأرض ، وينبغي أن تكون قابلًا له ، الله نفسه يقبله ، أليس هو الذي يهب - حتى المبتدع - هذه القدرة على النقاش ؟ إذن فكيف يميز المؤمن ، إن لم يكن ثم مبتدع ( ديدن مولانا جلال الدين إن المتضادات لازمة ، انظر الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 575 - 581 وشروحها ) .
 
( 3222 - 3229 ) : وحتى إن كان للمحقق التعب والمشقة من كل هذه الفرق التي عليه أن يتغلب عليها حتى يحصل على الحقيقة فما الضرر في هذا ؟ إن عزة أي طريق في وجود المشقة والتعب منه ، حينذاك يكون اجتيازه نجاحاً حقيقياً ، ما قيمة أن تفتح مخزناً واهى الأبواب ؟ وما قيمة هدف يكون طريقه سهلًا ميسراً لا عقبات فيه ولا وعورة ولا قطاع الطريق ؟ وهل تكون زيارة الكعبة عزيزة إلا بقطع البوادي والتعرض لهجمات الأعراب ؟
 
“ 581 “ 
 
وبقدر ما تعاني من ألم الغربة تكون العودة إلى الموطن عذبة لذيذة ، أنظر إلى هذه الفرق والمذاهب من هذا المنطق ، كل سلوك في طريق محمود يستلزم العقبات ، والمقلد هو الذي يحار بين الطرق ، عندما يرى أن ( كلحِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ( المؤمنون 53 ) ولأن الجواب الذي يقطع الجدل غير موجود ، فهو مستمر إلى يوم القيامة ويتدارك مولانا : لا إن عظماءنا يعلمون هذا الجواب المفحم ، وإن كان هذا الجواب المفحم مخفياً عنا فهو ليس مخفياً عنهم والواجب علينا اتباعهم وأخذ هذا الجواب عنهم .
 
( 3230 - 3239 ) : إن العشق هو الذي ينهى هذه الوسوسة وهذا الجدال والعناد ، ولا يستطيع شخص ما مهما أوتى من عقل أن ينتصر على هذا الوسواس الخناس ، فصر عاشقاً ، وابحث عن الحقيقة ، فلا جمال هناك سوى جمال الحقيقة ، وابحث عن طيور الماء " الأرواح التي تستطيع السباحة في بحار الغيب وتدرك هذه الأسرار "
( وعن طيور الماء وطيور المنزل انظر الكتاب الثاني 3781 - 3791 ) ،
ابحث عن الرجال الذين وجدوا حتى تجد ، إن هذه الوسوسات تريق ماء وجهك ، وتسلب فهمك ، وهناك فرق بين معقولات أهل الدرس والكتاب والمدرسة ومعقولات أخرى يهبها لك العشق ، وهناك غير عقلك هذا الذي يدبر أمور معاشك عقول أخرى عند أهل الحق تدبر لك معادك وتدبر أمور السماوات ،
وماذا إن وجدت أن عقلك الجزئي هذا لم يسع عشق الرحمن ولم يتحمله فانفرط بدداً ، إن عقل العشق وعقل الإيمان الذي يهبه الحق لك هو أضعاف أضعاف هذا العقل الذي خسرته ، وقارن ولا تكن أقل من نسوة مصر اللائي قامرن بعقولهن عندما رأين جمال يوسف ،
وسلب العشق عقولهم لحظة واحدة فمللن هذه العقول إلى الأبد ، وإذا كان جمال ذي الجلال أصل لمائة جمال من أمثال يوسف " كل الجمال الموجود في الأرض جزء من عشرة أجزاء من الجمال والتسعة الباقية لله سبحانه وتعالى " ،
فهل تكون أنت يا رجل الطريق أقل من امرأة ، ولا تقامر بعقلك في سبيل هذا الجمال ؟
 
( 3240 - 3250 ) : فالعشق إذن هو الذي يقضى على هذا الجدال بين الجبر والاختيار ، وهو الذي يغيثنا من القيل والقال ، وما يدركه العاشق لا يمكن التعبير عنه ولا يستوعبه المقال ، قلتها كثيراً ولن أمل من تكرارها ، إن العشق يفقد المرء النطق ، يصيبه بالحيرة
( انظر الكتاب الثالث 1115 - 1116 وشروحها ) إنه يخشى أن يفتح فاه مثلًا تسقط جوهرة الإدراك من بواطنهم ويستشهد مولانا بما رواه أسامة بن شريك عن أن صحابة رسول الله 
 
“ 582 “ 
 
صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا يجلسون في مجلسه " وكأن على رؤوسهم الطير " عن أسامة بن شريك قال : أتيت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وإذا أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير . مسند أحمد ج 4 ، ص 278 عن أحاديث مثنوى ( أنظر أحاديث مثنوى ص 178 )
وما هذا كله إلا خوفاً من فوات العطاء ، وأنت أيضاً إذا جلست في محضر الرجال العظماء فاجلس بحضور ووقار ولتكن كل سمعا وإصغاء وانتباهاً ، فالطائر المذكور في الرواية هو طائر المجد الميمون ، إذا وقع ظله على شحاذ قلبه ملكاً ، وهل تفعل الإفاضات الإلهية من أفواه الكاملين غير هذا الفعل ؟ إن هذا الطائر الذي يسلبك أنت هو " الحيرة " من هذا الذي يكشف لك ولم تكن تظن أنك جدير به ، تكون صامتاً لكنه يغليك ( كحبة الحمص في الكتاب الثالث انظر الأبيات 4162 - 4169 )
ليحولك من حالة الإنسانية إلى حالة الملائكية ، ومن جسد إلى روح ، مثلما تنضج حبة الحمص لتتحول من حالة النباتية إلى دم وفكر وروح في بدن الإنسان .
 
( 3251 - 3263 ) : عودة إلى قصة اياز التي بدأها مولانا في البيت 1857 وأشار إليها في البيت 3208 وفي العنوان تعنى كلمة عامدا أن السلطان كان يعلم الجواب لكنه كان يريد أن يسمعه من إياز ، وإياز هنا هو العبد الصالح الذي يدرك حقارته أمام الخالق . كيف تجعل يا إياز شيئا دنيويا هو في الحقيقة مانع في الطريق قبلة لك كما جعل المجنون من شئ دنيوي هو وجه ليلى ديناً له ومذهباً ، وكيف تتحدث بالجديد " الكلام " عن هيامك مع شيئين قديمين هما الحذاء والسترة ؟ وكيف يكون عشقك هكذا للجماد مثلما كان الشاعر العربي القديم يتحدث إلى الأطلال والربع والدمن بعشقه ( قدم مولانا جواباً على هذا السؤال بالذات في الكتاب الثالث الأبيات : 1345 - 1355 وشروحها )
ولب القضية هنا أنه لا حديث بدون قديم بل ينبغي أن يقوم الحديث على القديم ، تراك يا إياز تعتبر حذاءك بديلًا عن ربع آصف " وزير سليمان الذي عنده علم من الكتاب " أو ترى سترتك الجلدية هي قميص يوسف الذي ألقى على وجه يعقوب فارتد بصيرا " والذي هو عند الصوفية رمز لبشارة الإفاضات الإلهية " ؟
أو تراك تقوم بالاعتراف الكنسي كما يقوم النصارى أمام القسيس بالاعتراف بذنوبهم ويؤمنون أشد الإيمان أن القسيس يغفر لهم هذه الذنوب وإن غفران القسيس من غفران الله ، في حين أن القسيس غافل هو الآخر عن الظلم وعن العدل ، لكنه الاعتقاد قد ينصب على إنسان وقد ينصب على جماد ، وينسج الحب والوهم صوراً جميلة كجمال يوسف ، لأن سحر الحب وسحر الوهم أشد سحراً من سحر هاروت وماروت
( انظر الكتاب الثالث 800 - 809 وشروحها ) ، إن هذا
 
“ 583 “
  
السحر يخلق صورة على ذكراه ، وهذا الانجذاب إلى الصورة يجعلك تظنها كائناً حياً فتعاملها كما لو كانت كائناً حياً بالفعل ، في حين أنه لا صورة هناك ولا تمثال ومع ذلك فبينك وبينها مائة سؤال وجواب ، تخاطبها قائلًا : ألست محبوباً لك وتتخيل أنها تجيب عليك قائلة لك :
بلى ، وكل هذا من الوهم ومن الخيال الذي صور لك وجوداً ليس موجوداً بالفعل .
 
( 3264 - 3274 ) : إن أولئك الذين يبحثون عن الله سبحانه وتعالى في آثار خلقه في هذا العالم أشبه بتلك الأم الثكلى التي تبكى وليدها الذي مات ، وتجلس إلى قبره وتحدثه كأنه حي في حين أنه مجرد تراب ، إن خياله أمامها جسد لها هذا الوهم ، إنها تعتبر القبر ذا عين وأدن ، لكن عشقها لهذا الوليد هو الذي صور لها هذا الوهم ، وقد تكون أكثر حباً لهذا القبر ( الوهم ) من حبها لوليدها عندما كان حياً ( الحقيقة ) لكن عشق الميت لا يستمر ، ومن ثم أوصى دائماً بأن تعشق الحي الذي لا يموت ، ومن هنا فلا تمر بضعة أيام حتى يهدها البكاء أمام قبر ذلك الطفل المحبوب فتنام ، وهل ينام المحب في حضرة محبوبه ؟
لا ، العشق الذي كان موجوداً مضى إلى حال سبيله ، " أخذ تعويذته ومضى " ، وعندما تنطفىء النيران لا يبقى إلا التراب .
 
( 3275 - 3285 ) : والشيخ هو الذي يدرك هذا للوهلة الأولى ، كأنه يراه في المرآة ، حتى وإن كان ينظر في قطعة من اللبن ، إنه يستطيع أن يفرق بين العشق وعاقبته وبين الوهم الذي يبدو عشقاً ، والمثال مأخوذ من سنائى ( انظر تفسيرات أخرى على شرح الأبيات 2193 - 2209 من الكتاب الثالث وشرح البيت 3374 من نفس الكتاب والبيت 168 من الكتاب الثاني )
وعن نفس هذه الفكرة عبر القشيري عن الصوفية " مذاهبهم أقوى من قواعد كل مذهب فالذي للناس غيب فهو لهم ظهور ، والذي للخلق من المعارف مقصود فلهم من الحق سبحانه موجود ،فهم من أهل الوصال والناس من أهل الاستدلال (عن شروح كفافى الكتاب الثاني ص 404)
 
إنني أقصد بالشيخ الذي يأخذ بيدك هو عشقك أنت لا الشيخ صاحب اللحية البيضاء فجناح العشق يعبر بك الأفلاك مهما كنت قانطا ، إن الصور تتخلق وينشط الخيال ويسيطر الوهم عندما يكون فراق ، لكن شتان ما بين ما تدركه عند اللقاء وبين هذا الوهم والخيال الذي كان مسيطراً عليك ، عامل نفسه آنذاك قائلًا لك : أنا الأصل في الصحو السكر الذي ينعكس على تلك الصور ( انظر الكتاب الثالث 3252 )
إن الذي انعكس على تلك الصور فجعلها تجلت لك بهذا الشكل هو حسننا ، وعند اللقاء رفعت الحجب ، وهذا هو الحسن بلا واسطة
  
“ 584 “
  
( انظر الكتاب الذي بين أيدينا عن جرعة الحسن الصافية دون تراب الأبيات 372 - 379 ) وأنت من كثرة ما امتزجت بالصور ( آثار وجود الحق ) وفكرت فيها وتمعنت وتحيرت واندهشت وسبحت وكبرت وحمدت صرت جديراً بإدراك الذات مجردة من الصور ، فأجذبك برش لطفى وأنت لا ترى هذا الجذب لكنك لا تلبث أن تحس بآثاره ، فينبثق منك ماء المعرفة كما ينبثق النبع من الصخرة ويتوارى وجودك خلف هذا الماء كما يتوارى وجود الصخرة خلف الماء فلا تبقى صفاتها الصخرية ، واعلم أن الوجود الظاهري للكائنات هي مجرد أوعية قيمتها بما فيها من معان ومدركات أودعها الحق إياها .
 
( 3286 - 3311 ) : الحكاية الواردة هنا من الحكايات الشهيرة في الأدب الفارسي قصها سعدى في الكلستان وضمنها أبياتاً عربية من شعر المجنون ( كلستان سعدى بتحقيق فروغي ص 169 ، تهران ب . د . وانظر إحدى ترجماته العربية " جبرائيل بن يوسف المخلع أو محمد موسى هنداوى أو الترجمة الأخيرة لأمين عبد المجيد بدوي ) وأشار إليها مولانا في بيتين من الكتاب الأول ( 407 - 408 ) وهي موجودة في هوامش الديوان المنسوب لمجنون بنى عامر ، 
ويجيب المجنون هنا بما يؤيد الفكرة الموجودة في البيت 3285 ، وهو أنه ليس المهم الوعاء
( الصورة ) لكن المهم هو ما يناله الإنسان من الوعاء ( المعنى ) وأن المعاني ليست متاحة لكل إنسان ، بل ينبغي أن يكون جديراً بها ، فالعشق أيضاً ليس جديراً بكل إنسان ويتراوح عطاء الأوعية بقدر تراوح واختلاف استحقاق الناس فيها فقد يكون " سما "
( لذة دنيوية ) لإنسان وعسلا " معرفة لعالم الغيب " لإنسان آخر والصورة مأخوذة من سنائى البيت 461 من الحديقة ) وقاصرات الطرف أي حور الجنان موجودات في الخيام " الأوعية " ولا يكون تجليهم إلا لمن وعدهم الله سبحانه وتعالى ، وكل شئ في هذه الحياة نسبى وقائم على النسبة وإليك هذه الأدلة ، يوسف عليه السّلام بالنسبة لأبيه وبالنسبة لأخوته وبالنسبة لزليخا
 
( امرأة العزيز ) بل أن هناك فرقاً بين حب يعقوب وحب زليخا ، انظر إلى الوعاء واحد ، ونصيب كل إنسان فيه مختلف بحسب درجة واستحقاقه وطبيعته ، الإناء واحد والخمور مختلفة ، الإناء ظاهر ، والخمور مستترة ، وفي الأبيات العربية معاني تكررت في أبيات فارسية سابقة والمقصود بها أن وجودك أيها الإله موجود في داخلنا وإن كان مستتراً ونحن دليل على هذا الوجود .
 
( 3312 - 3324 ) : لا يزال مولانا في مناجاته : إن الله سبحانه وتعالى كالريح غير ظاهرة لكن آثاره ظاهرة في البساتين ، وكالروح غير ظاهرة في الجسد لكنها هي التي تحرك قوى 
 
“ 585 “
 
الجسد كله وكالسرور ، لا يبدو لكنه يظهر في الضحك وتهلل الوجه ، وكالماء الذي يسير حجر الطاحون دون أن يكون ظاهرا ، ويتوقف مولانا طالما قال أن آفة الحال هو المقال ، فما هذا الذي يقوله ، وما هذه الأمثلة التي يقدمها ، كيف يصف ما هو خارج الأوهام بهذه الصفات ، وكيف يتحدث عنه بهذه السطحية ؟ 
ما أشبهه بذلك الراعي الجاهل الذي كان يناجى ربه بقوله : إني راعيك ومحبك فتعال أخلى قميصك من القمل واخصف نعلك وأرعى حمارك ؟ 
( القصة برمتها واردة في الكتاب الثاني ابتداء من البيت 1724 ) لكنه العشق أثر في قلبه فانطلق وهو الراعي الجاهل الغبي بهذا الحديث ، كان محباً ولم يكن خطيباً مفوهاً ، وأنت لا يتجاوز منك كل هذا الحديث الأذن .
 
( 3325 ) : حكاية أخرى من حكايات الهزل عن مولانا ، ومن حوالي 800 بيت سبقت ، والإفاضات العميقة تنساب من مولانا ولابد أن تحضر لطيفة فيقولها دون أن تكون خارجة عن السياق ، للتخفيف عن سامعه ، ولجحا في الأدب الفارسي شأن ورويت عنه حكايات عديدة في الحديقة ( انظر حديقة الحقيقة الأبيات 5708 - 5714 وشروحها ) كما روى عنه مولانا حكاية في الكتاب الثاني ( انظر 3128 وشروحه ) .
والقصة هنا لم ترد في مصدر قبل المثنوى ، وربما كانت من التراث الشعبي وسقطت إلى عبيد الزاكانى شاعر القرن الثامن في لطائفه ربما نقلا عن مولانا .
 
( 3337 - 3339 ) : ينتقل مولانا من الفكاهة التي ألقاها ليتحدث عن تأثير الدعوة الإلهية عندما تجد لها مكاناً في سويداء القلب وتؤثر فيه ويتجاوز تأثيرها الأذن ، والدليل سحرة فرعون الذين أدركوا أن موسى عليه السّلام على حق وكانوا يعلمون أنهم لن ينتصروا عليه .
وفي البيت 3338 إشارة إلى تهديد فرعون بتقطيع أيدي السحرة وأرجلهم ( انظر الأعراف الآيات 105 - 120 وانظر الكتاب الثالث من البيت 1723 فما يليه ) وفي البيت 3339 إشارة إلى الآية الكريمةلا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ( الشعراء . 5 ) .
 
( 3341 ) : ذات الإنسان هنا هي الروح التي تربطه بعالم المعنى وهي في اتصالها بالوجود المطلق تعيش في قصر موجود في الأمن السرمدي ذلك أن من عرف نفسه فقد عرف ربه ومن عرف ربه كان في حمى وأمن من هذه المعرفة ، والجسد هو بمثابة الشئ التافه الذي يرضى الأطفال ، لأن الطفل لا هم له في المعرفة أما الرجال فهمهم القلب ، ذلك القلب الخالي من الشكوك والريب والمطمئن إلى معرفة الله سبحانه وتعالى ، وأنا أقصد بالرجل ذلك الرجل
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 3059 - 3439 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:45 am

الهوامش والشروح 3059 - 3439 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 3059 - 3439 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 3059 - 3439 فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية في إثبات الاختيار وبيان أن القضاء والقدر لا ينفيان الاختيار 
“ 586 “
  
في الطريق صاحب القلب الفريد والروح التي تكون في قوة الصقر ، ولست اقصد به صاحب اللحية ، وإلا فلا قيمة لهذه اللحية وهو مشترك فيها مع التيس ، والتيس الذي يغتر بلحيته ومظهره يقود القطيع إلى القصاب " شيخ المظهر لا القلب يقود مريديه إلى الذبح " ، انه يمشط لحيته " التيس وشيخ المظهر " ، ويتقدم إلى المذبح ، فهيا دعك من اللحية والمظهر ، وانظر إلى " سلوك " من اخترته شيخا ودعك من أنيتك وذاتك ، وأسلم نفسك له ، يكون لك من عبيره ما يجعلك مرشدا للعاشقين إلى رياض جنان الأبد ، أتدري ما هذا العبير ؟ إنه العقل والنهى . 
إن هذا العقل والنهى هو المرشد الطيب الذي يقودك إلى الفناء عن هذا العالم والبقاء ببقاء الحق في ملك الأبد .
 
( 3351 - 3355 ) : عودة إلى قصة المملوك اياز التي بدأها مولانا في البيت 1858 ويعود إليها بين الآن والآخر ، وها هو السلطان يطلب مرة ثانية من اياز أن يبين سر الحذاء والسترة ، كي يكون في ذلك موعظة للمماليك الآخرين الذين هم في حوزة محمود ، ذلك أن الدين النصيحة ( حديث نبوي ) ، إنني أعلم أنك يا اياز بتحقيقك العبودية " الوفاء للسيد والاعتراف بأياديه " قد علمت ذاتك وهو ما يتحسر عليه الأحرار ، إن العبودية أمام السلطان " الأكبر " هي عين النور ، إن إيمانك بالسلطان لا يتزلزل ، وهذا حسرة للكافرين من المؤمنين أن المؤمن في وهاء الحياة وجبالها لا يتزلزل ولا يفقد عبوديته أمام الخالق الأكبر .
 
( 3356 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت في تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار ( ص 176 ) : قيل لمجوسى " ادخل في الإسلام فقال : إذا كان الإسلام هو ذلك الذي عند ابن اليزيد فلا طاقة لي به ولا أستطيعه ، وإذا كان هو ما تمارسونه فلا حاجة بي إليه قط ، " وعندما يقول باحث معاصر : " عندنا أزمة مسلمين لا أزمة إسلام " ، يكون ناظرا إلى قول هذا المجوسي الذكي ، إن الإسلام بخير دائما ، موعود بالحفظ إلى يوم الدين ، لكن أولئك الذين يعتنقونه اسما لا فعلا ، وأولئك الذين يدعو أنهم يدافعون عنه ويريدون الموت من أجله يسيئون إليه من حيث لا يدرون ،
 ويشير مولانا من طرف خفى إلى قولة الإمام على الشهيرة :
 لا تبحث عن الحق بالرجال ولكن ابحث عن الحق تجد الرجال ، فإن قلت أن الإسلام هو ذلك الذي يتشدق به جميع المسلمين به ، فويلنا ! ! لقد صار اسما ولا معنى .
 
( 3367 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا المعنى وردت قبل المثنوى في فرائد السلوك ووردت في ربيع الأبرار بشكل مختصر ، ويدور الحديث في فرائد السلوك عن مؤذنين في " تفليس " ،
  
“ 587 “
  
( هي عاصمة جورجيا الآن ) ، أحدهما كان أهل تفليس يسرون من أذانه ومن صوته والثاني كان قبيح الصوت بحيث أهدوه الهدايا حتى يغادر تفليس ولا يؤذى المسلمين بصوته ( مآخذ 185 - 186 ) أما رواية ربيع الأبرار فهي : مر سكران بمؤذن ردئ الحنجرة فجلد به الأرض وجعل يدوس بطنه واجتمع عليه الناس ، فقال : ما بي من رداءة صوته ولكن شماته اليهود والنصارى بالمسلمين . ( مآخذ / 186 ) .
ولسعدى في الباب الرابع من الكلستان حكايتان قريبتان من هذه الحكاية عن خطيب كريه الصوت ومؤذن سنجار المتطوع ( ص 156 - 157 كليات ) ، والحكاية في معظم نصوص المثنوى غامضة في البداية إذ كيف يؤذن المؤذن في ديار الكفر ، وهي تبدأ في نسخة جعفري بإحدى عشر بيت غير موجدة في كل النصوص ، أن المؤذن كان قبيح الصوت بحيث كان يؤذى الناس بصوته ويفزع الأطفال من نومنهم فجمعوا له الأموال ودعوه إلى رحلة الحج مع قافلة مسافرة ليتخلصوا منه ،
ثم تدور الحكاية كما هي موجودة في بقية النصوص ، والمعنى هنا لا يخفى ، إن الإسلام طيب فلا بد أن يكون كل ما فيه طيبا ، ولا بد أن يعى الدعاة هذا الدرس وبخاصة أولئك الدعاة الذين لا يملكون قلبا يصلح للدعوة أو لسانا يصلح لها أو علما يصلح لها ،
بحيث لا تجدى دعوتهم نفعا لأن الدعوة إلى الحق والدعوة إلى الخير لابد أن تكون في إطار جدير بها ، ولأن الداعي ينافس وسائل إعلام تقدم الزيف والفساد في إطار شديد الجمال ، لا في فظاظة وسوء خلق وخلقة والعياذ بالله ، وبيان ناب لا يتورع عن الإتيان باللفظ الخبيث ويسمون ذلك ورعا وخشية ! !


( 3391 - 3392 ) : هذا المثال واردٌ في شعر أوحد الدين الأنورى بشكل مفصل وربما قرأه مولانا في ديوان أنورى ( استعلامى 5 / 374 ) . وربما كان أيضاً من الحكايات الرائجة في أفواه العوام .
 
( 3394 - 3395 ) : إن مؤمنا حقيقيا يستطيع بسلوكه وليس ببيانه أن يهدى أمة إلى الإيمان ، مثل الخيال ( أو الهدف ) الموجود في قلب السلطان أو في قلب عسكره يجعل هذا السلطان ويجعل هؤلاء الجنود يجعلون خصومهم بددا في القتال ، إن القلب هو الأساس ، والهدف هو الأساس ، وكان مولانا قريب عهد بما صنعه المغول في الأمة .
 
( 3397 - 3401 ) : لقد كان محمد بن عبد الله صلّى اللّه عليه وسلّم فردا واحدا ، لكنه أفنى اليهود " وليته فعل " والمجوس ، ويعود مولانا وربما سأله أحدهم : لكن اليهود والمجوس موجودون ،
  
“ 588 “
  
فيقول : لقد اهتز وجودهم ، فما قيمة البقاء على دين منسوخ ظهر فساده ، لقد آمن به من آمن ، لكن الذين بقوا على كفرهم بقوا عليه مهتزين وليس لهم ثباتهم الأول ، وبقوا في خوف ( كل ما تفعله إسرائيل مع العرب والمسلمين مصدره الخوف من أن تعود لهم قوتهم الأولى) ،
ويعود مولانا قائلا : إنه ما أقوله على كل حال لا يستطيع أن يصور ما يدور في ذهني تصويرا كاملا ، إن ما أقوله ذرة من وجود ، لكن ما الذرة ؟!
أهي ذلك الهباء الذي يتجسد في ضوء الشمس ، لا ليس هي ما أقصد ، أو تكون الذرة هي ذلك الذي لا يتفتت ولا ينقسم ، ولا هذه ،
( تراه كان يقصد الذرة التي تفتت وصار العالم منها خرابا يبابا ، من يدرى ؟!)
وما هو المراد الخفي الذي لديه من ذكره للذرة ، إنني أريدك أن تفهم منى ما أقول ، ولا محيص من أن أتحدث إليك بهذا الأسلوب لأنك لم تدرك بحر الحقيقة بعد وأنت عليه مجرد زبد طاف ، وإن تركت هذا الوجود الذي يشبه الزبد ، فأنت البحر نفسه .
 
( 3402 - 3408 ) : الكلام هنا للمجوسي الذي يتحدث بهذا الاعتقاد عن أبي اليزيد البسطامي ، إن مشرق إيمانه ليملأن حتى حضيض الأرض بالكنوز ، ومن هذا النفس الرباني تخضر الوهاد ، عجيب هذا الشيخ ، وعجيبة روحه المنيرة في حين أن له مثلنا جسدا من تراب ووجودا ترابيا ، فمن يكون يا ترى منهما ، أهو هذه الروح ؟ ! إذن فما هذا الجسد ؟ ! أهو هذا الجسد ؟ ! إذن فما هي هذه الروح .
 
( 3409 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت قال استعلامى انه لم يجد لها أصلا قبل مولانا ( 5 / 374 ) ، واذكر أنني قرأتها في عهد طفولتى في إحدى الطبعات الشعبية من " نوادر جحا " وأن الحكاية كانت بين جحا وزوجته ، وبالطبع لا يمكن تحديد مصادر هذه النوادر وهل هي موجودة قبل مولانا جلال الدين أو بعده . وبالطبع يرمز باللحم لروح أبى اليزيد والقط بجسده ، والإتيان بمثل هذه الحكاية اللطيفة داخل هذا البيان العميق المعقد يبين جانبا من جوانب روح مولانا جلال الدين وارشاده ومستويات المثنوى المتعددة التي تتعدد بتعدد مستويات مريديه .
 
( 3420 - 3439 ) : الحديث للمجوسي : إنه كلما تأمل في شخصية أبى اليزيد يزداد حيرة ، هذه الحيرة التي لا تتأتى منه حلها ، ولا تتأتى أيضاً من مخاطبه ، والبيت التالي لمولانا : إنه كلاهما معا : أي روح وجسد ، مثلما يكون في الزرع الحب ( الروح ) والقش والتبن ( الجسد ) ولابد للحكمة الإلهية أن تجمع هذه الأضداد معا ، ووجود الجسد ضروري لأنه مركب الروح وكلاهما لازم للآخر ، وبكليهما معا تصح أسباب الدنيا ، وبعد إدراك الحقائق ، وبعد أن

 
“ 589 “
 
 
تقضى هذه الحياة الدنيا يمضى كل عنصر إلى أصله ( لتفصيل هذه الفكرة انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 4424 - 4444 وشروحها ) وانتبه عبد الباقي ( 5240 / 5 ) إلى أن هذا المعنى مأخوذة من قطعة لسنائى موجودة ص 774 في الديوان .

إن الروح والجسد هما السبب في وجودنا الأساسي فيه ، هذه العلاقة بينهما ذات الارتباط باحتياجات وتناقضات موجودة في داخلنا لكن في الوجود علاقات من نوع آخر لا شهدتها عين ولا سمعتها أذن ، لأنها ليست من قبيل الحسيات ، وبعد إدراك حقائق الغيب لا حاجة لنا بحواس هذا العالم ، ولما بقيت الأذن أذنا ولا العين عينا ، تماما مثل الثلج والشمس ، أو المعرفة والوجود المادي ، فلو أطلت المعرفة على الوجود المادي لجعلته ماء (
 فيضا ) ودواء لكل أشجار الحياة المتيبسة ، أما ذلك الوجود المادي المتمثل في الثلج فلا سير روحي له ولا سير معنوي ولا فائدة منه لأحد ، ولا علاقة له بأحد ، ولا مساس منه لأحد ، ولا يوجد منه إلا الشح فهو ليس مؤمنا ( لان المؤمن يألف ويؤلف والمنافق لا يألف ويؤلف ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس ) ( أحاديث مثنوى 179 ) ،
 
لكن خلقة الله لا تكون عبثا ، لقد يستفيق الكبد من هذا الثلج ، لكن لا إنماء منه ولا إنبات ولا خضرة ولا نضرة ولا حياة ، ويعود مولانا مرة ثانية إلى رابط هذا الكتاب من كتب المثنوى : اياز أو العبد المعترف بعبوديته الشاكر لأنعم ربه ، يا اياز تحدثت عن أبي اليزيد لكن نجمك أيضاً في صعود وعلو وسمو ، لأن إيمانك ووفاءك لا يمكن قياسه بإيمان العوام ووفائهم إن كل وفاء ليس جديرا تهبك وكل صفاء غير لائق بصفاتك .
 
( 3439 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت قال فروزانفر : أنها تشبه حكاية واردة في إحياء علوم الدين للغزالي ، بطلها أبى الحسين النوري الذي حطم دنان خمر كانت تحمل للمعتضد العباسي ، ( مآخذ / 187 ) ، 
وبالطبع عدل مولانا في تفصيلاتها كعادته في كل القصص التي ينقلها عن المصادر لكي يعبر من خلالها عن معان خاصة به ، والعنوان به بعض التناقض ، فإذا كانت الخمر حلالا في ذلك العهد الذي يصفه بأنه عهد عيسى فما وقوف الزاهد في الشارع للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وكسره لجرة الخمر التي يحملها الغلام من هذا المنطلق ؟!
 
وهناك بالطبع من فقهاء الإسلام من قال بأن الخمر محرمة في الأديان الآخر على أساس أن تحريمها في الإسلام لأنها تذهب العقل وهذا شأنها في كل العصور ( جعفري :
12 / 475 - 476 ) ، ولابد أن مولانا جلال الدين كان يقصد خمرا أخرى لكي يصف الأمير معاقر الخمر بأنه " حلو الروح " ، وكهف المساكين و " المخمورين " ، ومشفق وسخى القلب


 
“ 590 “
  
في حين أننا بتقدم الحكاية سوف ندرك من أخلاق هذا " الأمير " ، وتصرفاته ما يناقض كل هذه الصفات التي وصفه بها ، وسوف تقدم له النصائح بالبعد عن الخمر ، ويظل موقف مولانا جلال الدين ممن يجلسون على كرسي الإمارة " واضحا " 
كما عبر عنه في الكتاب الثالث ( الأبيات التي تتحدث عن طغيان فرعون وعن باب الحطة الذي يذل الجبارين وفي الكتاب الرابع عن الوزير المقتر البخيل ، وحيثما عن له الحديث عن جبارى الأرض ) ،
والأمير الذي يقدمه هنا والجو العام للقصة يشير إلى بعض أمراء المسلمين الذين ضربوا بتعاليم الدين عرض الحائط وعله غلف الحكاية بعهد عيسى عليه السّلام لكي يبعد الشبهة عن نفسه ، 
فأغلب الظن أنه كان يصف واحدا من أمراء السلاجقة العديدين الذين كانوا يحكمون إمارات الأناضول المختلفة في عهده وعندما وصفه بأنه " كهف المخمورين " ، كان يسخر منه .
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 

* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 3440 - 3780 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:46 am

الهوامش والشروح 3440 - 3780 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح 3440 - 3780 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 3440 - 3780 فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية ذلك الأمير الذي قال للغلام أحضر خمرا فذهب الغلام 
 ( 3439 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت قال فروزانفر : أنها تشبه حكاية واردة في إحياء علوم الدين للغزالي ، بطلها أبى الحسين النوري الذي حطم دنان خمر كانت تحمل للمعتضد العباسي ، ( مآخذ / 187 ) ، وبالطبع عدل مولانا في تفصيلاتها كعادته في كل القصص التي ينقلها عن المصادر لكي يعبر من خلالها عن معان خاصة به ، والعنوان به بعض التناقض ، فإذا كانت الخمر حلالا في ذلك العهد الذي يصفه بأنه عهد عيسى فما وقوف الزاهد في الشارع للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وكسره لجرة الخمر التي يحملها الغلام من هذا المنطلق ؟ !

وهناك بالطبع من فقهاء الإسلام من قال بأن الخمر محرمة في الأديان الآخر على أساس أن تحريمها في الإسلام لأنها تذهب العقل وهذا شأنها في كل العصور ( جعفري :

12 / 475 - 476 ) ، ولابد أن مولانا جلال الدين كان يقصد خمرا أخرى لكي يصف الأمير معاقر الخمر بأنه " حلو الروح " ، وكهف المساكين و " المخمورين " ، ومشفق وسخى القلب 


“ 590 “

في حين أننا بتقدم الحكاية سوف ندرك من أخلاق هذا " الأمير " ، وتصرفاته ما يناقض كل هذه الصفات التي وصفه بها ، وسوف تقدم له النصائح بالبعد عن الخمر ، ويظل موقف مولانا جلال الدين ممن يجلسون على كرسي الإمارة " واضحا " كما عبر عنه في الكتاب الثالث ( الأبيات التي تتحدث عن طغيان فرعون وعن باب الحطة الذي يذل الجبارين وفي الكتاب الرابع عن الوزير المقتر البخيل ، وحيثما عن له الحديث عن جبارى الأرض ) ،

والأمير الذي يقدمه هنا والجو العام للقصة يشير إلى بعض أمراء المسلمين الذين ضربوا بتعاليم الدين عرض الحائط وعله غلف الحكاية بعهد عيسى عليه السّلام لكي يبعد الشبهة عن نفسه ، فأغلب الظن أنه كان يصف واحدا من أمراء السلاجقة العديدين الذين كانوا يحكمون إمارات الأناضول المختلفة في عهده وعندما وصفه بأنه " كهف المخمورين " ، كان يسخر منه .

( 3446 - 3453 ) : أي خمر هذه يا ترى التي يجد منها العوام والخواص الخلاص ! ! غير تلك الخمر الإلهية التي تقوم جرعتها بفعل آلاف الدنان من الخمور الأخرى ، ففي هذه الخمر الإلهية مادة خفية ، تشبه تماما تلك القوة الروحية التي تجعل من رجال الله وهم متلفعون بعباءاتهم سلاطين على الدنيا وملوكا ، لا تنظر إذن إلى خرقهم الممزقة ، إنها دريئة تخفيهم عن أعين العوام ، تحميهم من أذاهم ، كما يسود الذهب لكي يحمى من اللصوص ، انظر إلى الجواهر ، يقوم الجواهري بتسويدها حتى لا يتعرف اللص عليها ( انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 2171 - 2173 ) ،

ومن هذا القبيل دفنت الروح في الجسد كما تدفن الكنوز في الخرابات ، وذلك من أجل حجبها عن كل لعين لاحق له فيها ، ومن هنا كان جسد آدم سدا أمام نظر إبليس إليه ، فنظر إليه ولم يبصر روحه ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 2301 - 2302 ) .

( 3455 - 3460 ) : ينطلق مولانا في وصف الخمر التي اشتراها الغلام بما يوحى بأنه لم يكن يقصد تلك الخمر الدنيوية " فأراد بالأمير الروح وبالغلام النفس ومن الجرتين العقل والقلب ومن الرهبان أرباب الرياضات والمجاهدات من أهل الإسلام ، ولو انبعث نور العشق الإلهى من قلب سلطان الإرشاد وأرشد المريد لوضع الله على رأس المريد تاج الكرامة وأعطاه الدرجات العاليات ( مولوى 5 / 501 ) ،

ولأثار هذا الشراب فتن العشق وأشواقه ، ولعلم جميع الناس من سادة وعبيد أنهم دون هذا العشق سواسية ولامتزجوا معا بحثا عنه وطلبا له ، ولعلم الملوك أن عرشهم ما هو إلا لوح من خشب ( انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 908 - 909 والبيت 661 ) ، ولتحولت العظام ( وهي جماد الجسد ) ، إلى أرواح ، وكل هذه


“ 591 “ 

متضادات إن كان ثم صحو لكنها عند السكر ممتزجة امتزاج اللحم بالبر في ذلك الطعام المسمى بالهريسة ، فلا فرق إذا لا غرق أي لا سحو واستغراق في الفروق .

( 3462 - 3471 ) : يصور مولانا الزاهد بأنه ذلك المستغرق في الرياضات المتعصب ، الذي توجهت إليه الأحزان من كل صوب ، وأصابته الدنيا بجراحها ، فكأنه زاهدٌ ليس حبا في الزهد أو طلبا لطريق الله ولكن زهد في الدنيا كرد فعل لخداعها إياه ومكرها به ولكثرة ما أصابه من مصائب فيها ومن جراح من جرائها ، وهذا النوع من الزهاد يكون ضيق الصدر ، يتمنى لو استطاع أن يهدم هذا العالم ويبنيه من جديد فإن كان مضطرا إلى الإقامة وسط الناس ، لقى الناس من عنته الكثير فينزل إلى الشوارع لأول بادرة من حزن أو انقباض ،

ومن خلال حوار هذا الزاهد نعرف أن الأمير طالبٌ ( للحق ) مثله مثل أي إنسان سوى ، وندرك هنا أن الخمر هنا هي الخمر المادية العادية ، ويستبعد الزاهد من أمير طالب عقله مرتبط بعقول الآخرين ، وهناك عقول تعتمد عليه أن يفقد وعيه ، خاصة وأنه ليس مفيقا بلا خمر ، فماذا تكون النتيجة إذ شرب هذا الضعيف العقل الخمر ؟ !

( 3472 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت يذكر استعلامى أنه لم يعثر على أصل لها قبل مولانا ، ويذكر أن الألقاب التي ذكرها مولانا جلال الدين في العنوان من الألقاب الشائعة في أيام السلاجقة والخوارزمشاهيين ( 5 / 377 ) ، ويرى زرين كوب أن هذه الحكاية ذات أصول تاريخية عن بعض حكام بلخ ( مسقط رأس مولانا جلال الدين ) ، ( سر نى را ، ص 311 ) ،

 وليس من المستبعد أن تكون الحكاية قد تمت في حضور بهاء ولد ( والد جلال الدين ) وأن يكون قد قصها عليه فيما بعد ، وبقيت في ذاكرته مثل كل شئ عن بلخ وبلاد ما وراء النهر التي عاش فيها طفولته المبكرة ، والحكاية ضربت هنا لبيان أن ضعيف العقل لا يزيده ضعفا بشرب الخمر ، كما أن مفرط القصر يبين قصره المفرط بالهم بالقيام كما يفعل طوال القامة .


( 3480 - 3492 ) : المخاطب هنا هو الأمير : إنك لا تملك عقلا شديد اليقظة والذكاء بحيث " تريحه " ، قليلا بالخمر ، فما أشبهك بعبد حبشي يصبغ وجهه بالنيلة وهو أصلا لا يحتاج إليها ، وإن الإنسان ليبحث عن انعدام الوعي إذا كان عنده وعى أصلا ، ويقول الزاهد أن هذه " الخمر " ، إذا كان الله سبحانه وتعالى أحلها في زمن عيسى عليه السّلام للعوام فلابد أنه حرمها على الخواص الذين يطلبون وجه الله ، وقصة تحريم الخمر في الإسلام شهيرة فليطلب من تفسير الجلالين على الآية الكريمة
 

“ 592 “

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( المائدة / 90 ) ، والعشاق يسكرون من خمر المعرفة ومن ثم حرمت عليهم هذه الخمر ، إنهم ينظرون إلى طريق الحق وينتظرون منزل الوصول إليه فلابد أن يكونوا في غاية اليقظة والانتباه ، والعقل الذي تتمتع به أيها الأمير ،

هو عقل يغيب عن الوعي دائما وشمسه في غياب وكسوف مستمرين رغم وعورة الطريق ، وإنك لهذا تضلل المرشدين في هذا الطريق ، وتجعل رعاياك هالكين ضالين وما أحراك بأن تعود هذه النفس على الزهد ، فلا تجعلها تتمرد عليك بتعويدها على التنعم ، وأفطمها عن لذائذ الدنيا ، وخذها بالاخشوشان ، إنها لص فاشنقها أو أقطع يدها ، أو قيد هذه اليد وإلا كسرت قدمك وأذلتك ، اسخر منها واجعلها تأكل التراب .


( 3495 - 3506 ) : ها هو الأمير الذي كان مولانا يصفه بأنه أمير المؤمنين وكهف المستجيرين في صدر الحكاية يسفر عن وجهه الحقيقي ويستشيط غضبا وينهمر بالشتائم الخارجة على الزاهد ويذهب نفسه لتأديبه ويقف له وهو ( الأمير ) ، على قارعة الطريق يتهمه بهذه التهمة التي يتهم بها الطغاة الدعاة دائما بأنهم طلاب شهرة لا أكثر ولا أقل ، كل هذا والزاهد المسكين يختفى من غضبته هذه تحت الأغطية ، يهمس لنفسه قائلا : المرآة فقط هي التي تستطيع أن تواجه هذه الأمير بقبح وجهه ودمامة منظره ، وجهها الصلب الذي لا يخشى الكسر ( كانت المرايا من الحديد المصقول ) هو الذي يستطيع أن يواجه الأمير بقبحه وجبروته وجرأته على الحق .


( 3507 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، قال استعلامى ( 5 / 378 ) انه لم يجد لها أصلا ولا يعرف أي حاكم لمدينة ترمذ كان سيد شاه ترمذ هذا ، بينما ذكر زرين كوب ( سرني 1 / 311 ) ، أنها ربما كانت من بقايا بعض الحكايات الشعبية عن بعض الحكام المحليين في ترمذ من الأسرة الحاكمة التي كانت معروفة باسم أسرة " السيد الأجل " ، على كل حال أيا كانت أصول الحكاية ، فإنها تؤكد ما ورد من أنه لا يمكن نقد الطاغية في وجهه ولا يمكن أن تقال الحقيقة في شأنه إلا " تحت اللحاف " .


( 3516 - 3534 ) : لا يزال الأمير في عنفوان غضبه وصياحه ورفسه للأبواب ( في منتصف الليالي ! ! ) بحيث نهض الناس من نومنهم - وهم جماعة - يلتمسون من " الفرد " الغاضب العذر للزاهد المسكين الذي نصحه نصيحة في محلها ، لقد كان أقاويل الناس كلها تحط من قدر الزاهد من أجل أن تنقذه من غضبه الأمير : فهو ضعيف العقل ، وهو زاهد

“ 593 “ 
وشيخ ، وهو في حالة قبض دائما ، وهو أيضاً لم ير جزاء لزهده هذا ، وصار سعيه تبابا كأنه سعى اليهود لا إخلاص فيه ، وهو بلا أصل ، وحيد ، مسكين ، قابع في داره عبوس قمطرير ، ثم إن عينه تؤلمه ، وهو مجتهد دون يقين ودون حزم ، على الاحتمال والوهم والظن ، ثم إنه لا يبحث عن " الرئاسة " ، أي لن ينافسك أيها الأمير الأجل ، حتى في عبادته ليس ثابتا على حال ، إنه يشكو إلى الله دائما أنه غير مفلح في دنيا وغير مفلح في عبادة ، وأحيانا ينعى حظه من الدنيا ، أن الآخرين يطيرون بأجنحة المعرفة وهو مجرد

( زاهد ) مقطوع الجناح ، إنه أيها الأمير ذو لون واحد ، سجين لطريقة واحدة من طرق المعرفة هي الزهد ، وكل سجين للون واحد يكون في ضيق واكتئاب ، إننا حتى نخشى عليه من كثرة اكتئابه ، أن ينتحر وينهى حياته ، حزنا على ما أصيب به من خيبة وما حاق به من أحزان .

( 3535 ) : يبدو أن مولانا انهمك في قصة هذا الزاهد وحالته وانقباضه ويأسه وقنوطه " من الهجر " وأراد أن يثبت أن الهجر قد يؤدى بالعارف إلى " الانتحار " ، فساق قصة عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم أغلب الظن أنها من القصص المنتحلة أو الموضوعة ، وإن كان فروزانفر قد ذكر أن هناك بعض الأخبار في سيرة ابن هشام ورواية عن ابن عباس في دلائل النبوة تصلح أن تكون أساسا لهذه القصة ( مآخذ / 188 ) .

عن ابن عباس إن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم لما نزل عليه الوحي بحراء مكث أياما لا يرى جبريل فحزن حزنا شديدا حتى كاد يعدو إلى بثير مرة وإلى حراء مرة ، يريد أن يلقى نفسه منه ، فبينا رسول الله كذلك عامدا لبعض تلك الجبال ، إذا سمع صوتا من السماء فوقف رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم صعقا للصوت ! !

( جعفري 12 / 494 ) . كما مر بنا ذكر مولانا لمحاولة الشيخ محمد سروزى الغزنوي إلقاء نفسه من فوق الجبل لأنه لم يوفق في الوصول إلى الجمال الإلهى ( انظر 2670 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وفي البيت رقم 3540 كشف الحجاب : أي أدرك نور النبوة من داخله .

( 3541 - 3548 ) : يعلق مولانا : كيف أن الناس يفكرون في الانتحار عند كل محنة يواجهونها وهم يتحملون أصل المحن داخل أنفسهم ، أي تلك " النفس " ، التي تعتبر أصل كل المحن ، وهناك من يضحون بأنفسهم ، وأنا في حيرة من أولئك الذين يضحون بحياتهم وأرواحهم ، لكن ألا يضحى كل منا بحياته ويهب كل عمره لشئ ما ، فما أسعده ذلك الذي يضحى بجسده من أجل روحه ، وإذا كان كل إنسان مستعدا للقتل في سبيل شئ قد لا يبقى بعده ، ويضيع المشتاق والمشتاق إليه ، فلماذا لا تكون التضحية بالروح في سبيل هذا العشق ،

“ 594 “

كما كان ذلك المقبل العظيم محمد بن عبد الله صلّى اللّه عليه وسلّم ، يريد أن يفعل ، إنه العاشق والمعشوق والعشق فكلها واحد ( تذكرة الأولياء ، 189 في قول لأبى اليزيد البسطامي عن استعلامى 5 / 380 ) ، إن مائة حياة كانت في هذا القتل ( عن البقاء بعد الفناء ، انظر مقدمة الترجمة العربية على الكتاب الثالث ) ، فإذا كان أهل الهوى في نوى بعد نوى وهجر بعد هجر فارحموهم أيها الكرام فلستم تعرفون ما بهم من عذاب .

( 3552 ) : " إنما يرحم الله من عباده الرحماء " ( أحاديث مثنوى ، ص 7 ) ، و " الراحمون يرحمهم الرحمن " ( انقروى 5 / 750 ) .

( 3562 - 3570 ) : لم يعد هناك من بد من التقرب إلى الأمير والتشفع للزاهد عن طريق النفاق ، لقد بلغ غضبه قمته " والطاغية أصل الغضب " ، ولم يعد هناك إلا التقرب إليه عن طريق مدحه بما هو ليس فيه ويرى استعلامى أن الأبيات هنا في مدح " الإنسان " لكن إذا جاز هذا من البيت 3571 فلا ينطبق على الأبيات التي قبلها التي يوصف فيها الأمير بالجمال واللطف والخد المورد إلى آخره ، والكريم ابن الكريم ابن الكريم في حديث نبوي هو يوسف عليه السّلام ( مولوى 5 / 515 ) ولعل استعلامى انطلق من يوسف بن أحمد المولوي الذي فسر الأبيات هذا التفسير الذي فحواه : أي جمال يطلبه الإنسان من الخمر وهو من جمله الله تعالى بنفخته وجعل وجهه كشمس الضحى ، وجعله منورا لكوكب الزهرة ( مولوى 5 / 515 ) ، وإلى مثل هذا التفسير ذهب إسماعيل الانقروى ( 5 / 753 - 755 ) .

( 3571 - 3582 ) : من هنا يترك مولانا قصة الأمير والزاهد " دون أن يتمها فلا نعرف إن كان قد عفا عنه أو انتقم منه " ويتحدث عن الإنسان الكامل ذي الأبعاد التي تخرج عن هذا العالم واحتياجات هذا العالم ، إن الوجود كله في شوق إليه ،

 ذلك الإنسان المتصل بالبحر الكلى ، فكيف يتوق إلى قطرة من خمر هذه الدنيا ، الإنسان الذي قال الله فيه : وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ، وقالإِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، إنه هو الجوهر الذي سخرت له كل الأعراض وكل الخليقة " يا ابن آدم خلقتك لأجلى وخلقت كل الأشياء لأجلك " ( أحاديث مثنوى ، ص 181 ) ،

لقد سخر له العقل والتدابير واللب ، ومع ذلك فقد باع نفسه رخيصا ، " كان أطلس فخاط نفسه على خرقة " ، إنك أصل كل علم ومع ذلك تبحث عن العلم في الكتب ، لك قلب يسع الخالق الذي لا يسعه الأرض والسماء ، وهكذا ففي وجود في حجم قطرة الظل اختفى بحر ، وفي جسده حدة ثلاثة أذرع ، هناك عالم أكبر قد انطوى :

“ 595 “ 

أتزعم انك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبر
وأنت الكتاب المبين الذي * بأحرفه يظهر المضمر
أتراك تبحث عن السرور خارج نفسك وأنت معدن السور ، كيف تكون شمسا وتطلب السرور من ذرة ، وكيف تكون معدن السرور " كوكب الزهرة " ، وتطلب السرور من جرة ، والروح التي لا توصف ذلك العالم العجيب تجعل لها كيفية للسرور ، والشمس ، الشمس العظيمة تحبس في عقدة الرأس أو عقدة الذنب " أدنى هبوط الكواكب وفيه يقع الكسوف " ( لأفكار مفصلة حول موضوع تكريم الإنسان عند فكر مولانا جلال الدين ، انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع ، من مثنوى جلال الدين ، تحت عنوان الإنسان ذلك العالم الكبير ) .

( 3583 - 3590 ) : يرد الأمير بأنه لا يقتنع بهذه السعادة التي يتحدثون عنها ، إنه " خدن " لهذه " الخمر ، ويصف أحوال في السكر بها ، وأن من جرب لذة هذا السكر لا يمكن أن يقبل تلك اللذة التي يتحدثون عنها ، إنها لذة خاصة بالأنبياء ، لأن الأنبياء قانعون بلذة القرب من الحق ، وذلك لأنهم ذاقوها ، ومن ذاق عرف ، ومن هنا فهم عشاق للمحجوب الحي ، ومن عشق محبوبا حيا ، كيف يأنس بمحبوب ميت من أنس بالآخرة كيف يأنس بالدنيا ؟ !

( 3591 - 3598 ) :وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ( العنكبوت / 64 ) ، ويكرر مولانا في المثنوى هذه الفكرة القائلة بأن كل شئ في الدنيا حتى الحجر شاهد بوجود الحق وعالم الغيب بشرط أن يفتح عين باطنه ( انظر 1019 و 3903 من الكتاب الثالث ) ،

والعبارة المذكورة في العنوان ليست حديثا نبويا بل تنسب حينا إلى الإمام على رضي اللّه عنه وحينا إلى الإمام على زين العابدين السجاد رضي اللّه عنه ( استعلامى 5 / 382 ) ،

ويقابل مولانا جلال الدين بين عالمين : عالم من الأحياء وعالم من الموتى ، ومن ثم فإن من صار حيا بالنفس الإلهى لا يهنأ له عيش في دار الموتى فطعامها يليق بالأنعام ، ومن أنس برياض الجنة لا يقيم في هذه القمامة ، والروح لا تستريح إلا إذا عادت إلى موطنها في عليين أما من يقيم في هذا البعر فهو دودة ، والكأس الطهور وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً هو للثملين بالله ، وذلك الذي لم يأنس بعدل عمر رضي الله ، يقول عن الحجاج بن يوسف الثقفي سفاح بنى أمية ، أنه عادل ، والبيتان التاليان مأخوذان من حديقة سنائى

( حديقة الحقيقة ، الأبيات 6962 - 6970 )

ويشيران إلى أن الدنيا مجاز للآخرة ، وصورة طفولية ، مجرد صورة لا نفع فيها ، والحقيقة الكبرى هناك في الآخرة ، في العالم الحي الباقي ، والفكرة عند سنائى أكثر تفصيلا .

“ 596 “ 

( 3599 - 3615 ) : وهكذا لأن الكفار من عشاق الصورة فقد صورا الأنبياء على جدران الأديرة والكنائس وقنعوا بهذه الصور ، ونحن لا تهمنا هذه الصور في شئ ، فنحن ما زلنا في نوبة ضياء محمد بن عبد الله صلّى اللّه عليه وسلّم ودينه حي في نفوسنا وقلوبنا فلا حاجة لنا بتصويره على الجدران ولا حاجة بنا إلى الضلال ، فإن كانت صورة أحدهم قد بقيت في الدنيا ، فإن الآخر صورته في كبد السماء ، وهناك إنسان جلس يستعرض نفسه ويتحدث إلى الآخرين بالنقاط ، وهناك إنسان آخر يعيش مع الحق تعالى في آلفة ويتحدث إليه .

إن أذن جسده تسجل الكلام الذي يسمعه هنا لكن أذن باطنه تجذب إليه أسرار عالم الوجود ، وعينه الظاهرة مركزة على البصر لكن عين السر حائرة فيما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى( انظر عن الفرق بين العينين الكتاب الرابع الأبيات 2641 - 2644 وشروحها ) ،

وبينما تكون قدمه ( الظاهرة ) في صف الصلاة ، تكون قدمه الباطنة طوافة حول الفلك وهكذا فعدد أعضاءهم ، هناك أعضاء ظاهرة هي التي تموت بموتهم وهذه لا يهمنا أن تصور على الجدران ، إنما يهمنا تلك الأعضاء التي هي خارج الزمان والتي لا تموت ، وفي نفس الوقت لا يمكن تصويرها لأنها معاني ، إنها تتبع ولا تصور ، وما للأنبياء يكون للأولياء ، ومن ثم فإن ذلك الولي الذي هو ولى الدولتين ( دولة الظاهر ودولة الباطن ) ،

 وإمام القبلتين ( قبلة الكعبة ووجه الله ) ، إن مثل هذا الولي الذي اقتبس أسرار الأنبياء وتمثل بهم لا تلزمه خطوات الولاية التي تلزم الناس العاديين فلا خلوة ولا أربعينية تلزمه

( عن الخلوة والأربعينية انظر الكتاب الثالث 1616 ) بالنسبة لهؤلاء البشر الذين نجو من حلقات الضياء والظلام في الليل والنهار ووضعوا أقدامهم في نور الأبدية ، لا حاجة هناك إلى خلوة ، إنه كامن في قرص الشمس ( في منبع النور ومصدره ) .

وما أشبه هذا القول بقول سعدى :
إن الليل بالنسبة لأولياء الله * يتلألأ كأنه النهار المضي 
وهذه العادة ليست بقوة الساعد * بل يهبها الله الوهاب ( انقروى 5 / 713 )

وقد مر في الكتاب الرابع قصة أبى عبد الله المغربي الذي لم ير ظلمة الليل طيلة ستين عاما ( انظر الأبيات 598 - 606 من الكتاب الرابع ) . لم تعد هناك خشية ولا مرض وبحرانه ( الروحي ) انتهى تماما .

 لم يعد بين الشك وبين اليقين ، لقد تبدل كفرهم إلى إيمان كامل ، لا شئ لديهم إلا الألف المجردة ( الاستقامة المجردة بلا إضافة نقطة أو غيرها وبلا انحناء ) ،

“ 597 “

خرج عن أوصافه ودخل في أوصاف الحق فذاب فيها ، صار عاريا من كسوة الطبع أي من أدران المادة وإضافات الجسد ، وأصبحت روحه عارية محتاجة إلى ذلك الحبيب الذي يطيل العمر ، فألبسه الله تعالى رداء القدس والملكوت من أوصافه جل شأنه ، فسما به من حضيض الوجود إلى قمته ، هذا هو الأمير الحقيقي ، وليس الأمير إياه المعربد من أجل الخمر والذي لن يعود إليه مولانا أبدا .


( 3616 - 3625 ) : وهكذا صفا هذا الولي وهذا الأمير الحقيقي على البشر من كدره ، وعندما يصفو الماء يسمو عن وعائه ويبقى الكدر في قاع الوعاء ، إن هذه التراب الثقيل يعطل الروح عن سيرها ، وهو رفيق سوء يقعد رفيقه عن السمو والعلو ، لكن تلك الروح كانت قوية وقاومت هذا الطين وسمت عليه وتخلصت منه ، لقد كانت قبلته عندما سمعت أمره تعالىقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّولم تكن هي وحدها التي تعاني هذا العقاب وهذا الهبوط وهذا الذل ، كان هاروت أيضاً كذلك بالرغم من أنه كان من ملائكة السماء ، كان يظن هو وماروت أنهما لن يذنبا وأنهما معصومان من الذنوب فلما هبطا إلى أرض الذنوب ، ارتكبا من الذنوب ما لا يرتكبه الإنسان العادي في عمر طويل ، لقد ابتعدا عن مصدر النور ، فتسرب منهما النور

( انظر الكتاب الثالث ، 796 وما بعده ، و 2674 من الكتاب الرابع و 3003 من الكتاب السادس ، والكتاب الأول 3334 - 3364 و 3429 - 3430 والكتاب الثاني :

2475 - 2478 ) مثل تلك السلة التي رأت نفسها وهي مغموسة في ماء البحر مليئة بالماء ، فانصلت عن البحر فأصبحت خالية تماما ، لم تكن تعرف أن الماء من البحر وليس منها ، ولما احترق كبدها من الفراق اشفق عليها بحر الرحمة واستدعاها إليه ، هذه الرحمة الجياشة من لدن الخالق الرحيم الرحمن لا علة لها ، وقد لا تسبقها طاعة ، إنه العطاء الإلهى الذي لا يريد سببا .

( 3625 - 3634 ) : فاجعل الله هدفك وحوم حول بحر الرحمة وحول أولئك الذين يعيشون بالقرب منه من الأولياء وكمل الرجال ، مهما رأيتهم صفر الوجوه فديدن من ينتظر لقاء الله أن يكون أصفر الوجه وهذا اللون هو اللون الجدير بهم ، فإن حمرة الوجه دليل على أن صاحبه لا ينتظر شيئا ولا يشتاق إلى شئ ، إن الطمع في لقاء الله طموحٌ لا حد له ، إنه يجعل الإنسان نحيلا أصفر الوجه ذليلا وإن كان صحيح الجسد فإن جالينوس نفسه يتحير من صفرة وجهه هذا لقد طمعت في أنواره ، والرسول صلّى اللّه عليه وسلّم قال : [ من طمع ذل نفسه ] لكن العشق


“ 598 “

يسمو بالإنسان ومن ثم ينبغي أن يكون الحديث النبوي [ طوبى لمن ذلت نفسه ] ( انظر 3796 الكتاب الثالث ) والنور بلا ظل هو النور الحقيقي فكن طالباً له ، ولا تطلب النور ذا الظل الذي يشبه النور الداخل من فتحات غربال والمعنى الموجود في البيت 3733 ورد في الكتاب الأول ( البيت 136 ) والمقصود أن الحديث المباشر أفضل في هذا المجال حتى يدرك كل إنسان أن المائدة الإلهية من المعارف والمعاني إنما تمد ( للصائمين ) عن موائد الدنيا المبتعدين عنها ، أما المدعون ( الذباب ) فسواء لديهم الألفاظ والمعاني التي تحتوى عليها هذه الألفاظ .

( 3635 - 3646 ) : عودة إلى الخيط الجامع يبين أجزاء هذا الكتاب أي قصة إياز فلا يكاد السلطان يطلب من إياز أن يفسر له سر غرامه بالسترة الجلدية والحذاء الريفي حتى يترك مولانا القصة وينصرف إلى موضوع آخر وكأنه أحس أن القارئ ( أو السامع ) لم يعد جاهلًا بالسر ، لكن السؤال هنا يحمل صيغة الجواب وكأن السلطان يقول : إنني أعرف سر تعلقك هذا ، لكنك لابد سوف تقدم لنا تفسيراً ( جديداً ) لهذا المجال القديم ، فالأحوال متشابهة ومتكررة ، لكن العارف يقدم لها تفسيراً جديداً ، ويحس من جرائها بشعور جديد ، لأنها لابد وأنها نابعة من منبع جديد هو عين أسرار عالم الغيب ، دعك من عالم الحواس الخمسة والجهات الستة ، وإن كنت أعلم أن هذه الأحوال الباطنة لا تتأتى في بيان ، بل لابد أن تنبىء بأمثلة من هذا العالم الظاهر ، إن لطف الحبيب يجعل حتى تلك المرارة التي نحس بها من الفشل ألذ من السكر ، ولو أن ذرة واحدة من هذا السكر الذي وهبه اللطف الإلهى تنزل في هذه الدنيا لحولت كل مراراتها إلى شهد ، وتيار اللطف الإلهى سار في الكون ، وليس مجرد حالة واحدة ، بل آلاف الأحوال ، تأتى من الغيب ثم تعود ، والماء الذي يجرى في جدول ليس فيه سدود ليس ماءً واحداً فكل العالم في لبس من خلق جديدأَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ( ق 15 ) ،

عالم سرور العارف ليس ماءً راكداً بل ماء متجدد ، كل يوم سرور جديد ، وكل يوم فكرة جديدة تحل بالقلب كالضيف ثم تمضى
( الفكرة موجودة في الكتاب الثالث بالنسبة لجذرى القبض والبسط في القلب انظر الأبيات 360 - 363 )

وهكذا فإن قلبك هذا كأنه منزل إبراهيم عليه السّلام ( القلب أيضاً هو كعبة الجسد ) ، تنزل عليه الضيوف فلا بد إذن أن تكون كإبراهيم عليه السّلام مكرماً للضيوف ماداً موائدتك لهم ، وإياك أن تضيق بفكرة نزلت على قلبك بل أكرمها لأنها لن تلبث أن تعود إلى العدم ( أي عالم الغيب ) فهذا العالم أي عالم العدم هو أصل الوجود .

“ 599 “

( 3647 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت لم يجد لها أي من مفسري المثنوى مصدراً قبل مولانا جلال الدين ولعله ألبس أفكاره بعض الشخصيات فالمرأة هي النفس والرجل هو العقل الطالب للكمال أو القلب الباحث عن الله والضيف هو الواردات الغيبية التي ينبغي بفرح المضيف لها لا أن يبدي ضيقه .


( 3666 - 3670 ) : إن الضيف أو الوارد الغيبي ، أو كما يتضح فيما بعد الرجل الذي كان ولياً من أولياء الخضر عليه السّلام ، ( الأولياء المسافرون الجوابون في البلاد دوماً ) يدعو على نفسه التي سمحت له بالاستراحة من السفر وأخرت العودة إلى أصله ومنبعه ، فهذه الاستراحة قاطعة للطريق ، لقد كان وجه الرجل كالشمعة نورانياً ، وكانت الصحراء تمتلئ من نوره ( انظر حكاية أبى عبد الله المغربي في الكتاب الرابع وشرح الأبيات 3599 - 3615 من الكتاب الذي بين أيدينا وحكاية الدقوقى من الكتاب الثالث ) ، لقد كانت الفكرة التي وقرت من قبل الرجل المضيف أن الضيف كان ولياً كبيراً وأنه كان سيمنحهما الحياة الخالدة ( الفناء في الله ) .

( 3676 - 3695 ) : يعود مولانا جلال الدين إلى الحديث عن ضيوف " الفكر " والمقصود الواردات القلبية والأحوال التي تترى على الإنسان والتشبيهات والتغيرات هنا تذكر بالأبيات 1314 - 1325 ، وغالباً ينظر مولانا إلى الإنسان على أنه " مجرد فكر " وما بقي عظام وعروق :
يا أخي إنك لست سوى فكرك وما بقي منك هو مجرد عظام وعروق .

فإن كان فكرك ورداً فأنت بستان ورد وإن كان فكرك شوكاً فأنت وقود لموقد الحي ( الكتاب الثاني البيتان 278 - 279 ) وفي الأبيات التالية يتحدث مولانا عن القبض والبسط ( الحزن والسرور ) أو الأفكار التي تسبب الحزن والأفكار التي تسبب السرور وفي كتاب سابق شبهها مولانا بالكسب الذي يعقبه الإنفاق أو الدخل الذي يعقبه الإنفاق وسكر السرور الذي هو ثمرة بستان الحزن والبسط الذي هو سعة وإنفاق والقبض الذي منه يكون الدخل
( انظر الكتاب الثالث الأبيات 3733 - 3769 وشروحها ) كما وردت فكرة عبوس السحاب والبرق وفضل ذلك على البستان في الأبيات المذكورة من

“ 600 “ 

الكتاب الثالث وانظر إلى مولانا يتبع تيار الأفكار عند المرء وكيف تتراوح هذه الأفكار بين الحزن والسرور لكن لله تعالى لطفاً مخفياً في ثياب القهر وقهراً مخفياً في ثياب اللطف ويتحد القهر واللطف في التأثير ( انظر الأبيات 545 - 548 من الكتاب الرابع والكتاب الخامس 1507 و 1510 ) المهم أن تكون متيقناً من هذا صبوراً على البلاء متقبلًا لكل ما يأمر به الله تعالى ، فرحاً بقهره انتظاراً لما يعقبه من لطف ، إن هذا الفكر سوف يعود إلى الله تعالى فيخبره عن سلوكك معه ، عن أسلوب تعاملك مع هذا الضيف النازل بك ، وادع الله إن حل بك البلاء واعتبر بأيوب عليه السلام ، لقد حل به البلاء لسبع سنوات فلم يعبس في وجه هذا البلاء ولذا قال الله تعالى عنهإِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ( ص / 44 ) وكان جزاؤه المغتسل البارد والشراب وأهله ومثلهم معهم ، رب أعذنى من شرها وأنلنى من برها ، وإن حل بك اللطف فقل : رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ ( النمل 19 ) .


( 3696 - 3707 ) : هذه الفكرة العابسة الحزينة على مثال السحاب الممطر منه يكون للأرض البوار الحياة ، وكم خلق الحزن والحرمان من أعمال عظيمة في حين يكون من الترفه والفرح المستمر موت القلب وموت الروح بل ترهل الجسد ، فلا تعبس في وجه الفكرة العابسة ، ابتسم في وجهها ، فلعل فيها جوهراً مهدى إليك وأنت لا تدرى ، حتى وإن لم تستفد ، فمتى كانت الفائدة هي الهدف ، إنك بهذا الرضا تزيد عاداتك الطيبة عادة جديدة ، قد تنفعك هذه العادة فيما بعد وقد تقضى بها حاجاتك ، وفكر إن الفكرة التي تمنعك من السرور هي بأمر الله تعالى وحكمته ، فانظر فيها إلى حكمة الله من جميع جوانبها ، ولا تنظر إليها هوناً إن كنت حقاً من رجال الطريق وفتى من فتيانه ، فلعل فيها حسن طالعك وإقبالك وعطاء الحق لك ، ربما كانت هي الأصل في انطلاقك ووصولك إلى ما تطمح إليه ، في حين أنه من الممكن أن تعتبرها أنت فرعاً من الفروع ورد عليك وصار عقبة في طريقك ، فإن اعتبرتها فرعاً ، ظللت في انتظار أصلها ، والانتظار مر يا بنى ، ومن الانتظار يعانق الموت ليل نهار ، فعانق هذه الفكرة ، بدلًا من معاناة الانتظار فالانتظار أشد من الموت الأحمر ( انظر 2134 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .

( 3708 - 3715 ) : عودة إلى قصة إياز وكان آخر ذكرها في البيت 3637 . والحديث من السلطان عن رجولة إياز تلك الرجولة التي يثبتها عند موقفين عند الغضب وعند الشهوة ( انظر

“ 601 “

الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 2892 وما بعده وشروحها ) فهذه هي الرجولة الحقيقية ومتى كانت الرجولة بالذكر ، إذا كان الأمر هكذا ، فالحمار أكثر رجولة من الرجال ، وإذا كنت تريد وصف الرجال فارجع إلى القرآن الكريم وأقرأ في سورة التوبةفِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ( آية 108 ) واقرأ في سورة النور : رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ( آية 37 ) واقرأ في سورة الأحزابمِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ( آية 32 ) ، لكن الأجساد الضخمة موجودة في سوق القصابين ومن جعل همه بطنه وما يملأ به هذا البطن فليس عقلًا ، بل هو أقل من الذيل وأقل من الإلية .

( 3716 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت لم يجد مفسروا المثنوى أثراً لها قبل مولانا ، ويبدو أنها من الفكاهات الشعبية التي تتناقلها الألسنة لكن الحكاية هنا تبدو في غير موضعها ، فأمر الرجل لابنته أن تسيطر على نفسها وهي في قمة شهوتها أمر مثير للسخرية ، لأن هذا الأمر لا يتأتى من الرجال المسلطين على شهوتهم فكيف يتأتى من امرأة ؟ ولا يزال كثرة القصص ذات الإطار الجنسي ( ولا أقول المدلول الجنسي فلم يقدم مولانا حكاية واحدة ذات مدلول جنسي ) في هذا الجزء يثير التساؤل ، هل كان مولانا قد ضاق من الأمثلة التراثية في أن تفعل فعلها ، فنزل إلى مستوى أقل المريدين لكي يضمن لأفكاره أن تصل ؟ الله أعلم .

( 3737 ) : طبقاً لقاعدة التداعى يقدم مولانا مثالًا آخر لذلك الذي يبدو " رجلًا " بل و " صوفيا " لكن نفسه مسلطة عليه فهو يذهب إلى ميدان القتال ، لكنه ليس رجل قتال ، إنه " صوفي " من إياهم من أولئك الصوفية المدعين الذين يظنون التصوف اكلًا وصوفاً ولواطاً ، ويتحدث عن انخداع العوام بأمثال أولئك الصوفية المزيفين فيتوهم أنه شيخ وأنه مرشد وأنه قطب ، ويصدق هذا الوهم مثل المعلم إياه الذي أوقع صبيان المكتب في روعه أنه مريض ( انظر الحكاية بالتفصيل في الكتاب الثالث ابتداءً من البيت 1523 ) ، لقد ظن أنه من عظماء المجاهدين في الجهاد الأكبر ( جهاد النفس ) فمن ثم ماذا يبدو الجهاد الأصغر ( الغزو ) إلى جواره جولات جهاده الصوفي ؟ لقد عارك الصوفي في غير معترك ، وهجم على صورة الأسد الذي توهمه ( على طواحين الهواء ) ، فقالت له التجربة ، تعال ، والامتحان والتجربة في طريق كل مدع تنتظره لتفضح ادعاءه ( انظر عن الامتحان 740 - 747 من الكتاب الثالث وشروحها ) .

( 3744 ) : الحكاية من هذا البيت غير مقنعة ، وفيها بعض " تساهلات " مولانا ، وهي على كل


“ 602 “

حال قليلة في المثنوى . فمتى كان الأسرى يقتلون في الإسلام ؟ ومتى كان قتل الأسرى يعتبر غزواً ؟ كان المقصود فضح الصوفي المدعى للشجاعة ، لكن ليس على حساب قيم الإسلام في الجهاد .

( 3756 - 3758 ) : ما أشبهك وأنت مستكين لهذه النفس الأسيرة بهذا الصوفي الذي لم يستطع أن يقتل أسيره بل وانتصر عليه واعتلاه ذلك الأسير المغلول ، وإذا كنت هكذا أمام امتحان النفس وهو امتحان يسير بالنسبة لما سوف تصادفه من امتحانات في حياتك فماذا أنت صانع فيها ؟ .

( 3780 ) : يقول استعلامى ( 5 / 389 ) أن المقصود بالحكاية هنا هو العباضى لا العياضي ، وهو في معظم نسخ المثنوى العياضي بالياء وقال ولى محمد أكبر آبادي في شرحه أنه أبو بكر محمد بن أحمد العياضي من فقهاء سمرقند لكنه العياضي دون تشديد الياء ووزن الشعر يستدعى تشديدها ( الشارح : ليست مشكلة فالشاعر الفارسي يتصرف في التشديد عند الوزن ) ،

ويضيف استعلامى : إنه من الصعب تحديد من هو المقصود ، والعياضي الوحيد المذكور قبل مولانا موجود في الباب الثاني من كتاب أسرار التوحيد باسم أبى الفتوح العياضي كشاهد لإحدى كرامات أبي سعيد دون أن يقول لنا من هو أبو الفتوح هذا ، ويواصل استعلامى إنه قرأ ما يشبه هذه الرواية في تذكرة الأولياء عن الشيخ أحمد بن خضروية ( البلخي ) من أنه ظل فترة يضيق على " نفسه "

التي بين جنبيه وذات يوم كان جماعة ذاهبين إلى الغزو ، وألحت على النفس أن اذهب معهم كنت أعلم أن النفس لا تهدى إلى طريق الحق وأن في إلحاحها هذا مكراً ، فكبحت جماحها وضيقت عليها الخناق فاعترفت في النهاية قائلة كنت أريد أن تقتل وتغتر بشهرة الشهاد وبأنك صرت محبوباً للخلق ، وأنجو أنا أيضاً من هذا التعب وهذه الرياضة " الصوفية " لكنه ما لم يذكره استعلامى ، وما لم يذكره فروزانفر وتجاهله تماماً أن الأبيات الأولى تذكر بقوله خالد بن الوليد رضي الله عنه الشهيرة " لقد شهدت ألف غزوة أو زهاءها فما بقي في جسدي ضربة سيف أو طعنة رمح ، وهكذا أموت على فراشي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء " ،

هذا التجاهل شبيه بتجاهل الشراح الفرس لرواية عمر بن الخطاب وسارية رضي الله عنهما الواردة في الكتاب الثالث
( انظر مناقشات الرواية تعليقات الأبيات : 508 - 516 من الترجمة العربية للكتاب الثالث )
ومن الممكن بل المرجح أن اسم العياضي من لدن مولانا أو اسم للصوفى لم يعرف بعد ، وأن مولانا وفق بين ما ورد عن 

“ 603 “

خالد رضي الله عنه حين موته وبين الرواية المروية عند أحمد بن خضروية في تذكرة الأولياء ونسج منها حكاية .
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 3781 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:47 am

الهوامش والشروح 3781 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 3781 - 4242 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 3781 - 4242 فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية العياضي رحمه الله ، وكان قد شهد سبعين غزوة عارى الصدر على أمل الشهادة
( 3780 ) : يقول استعلامى ( 5 / 389 ) أن المقصود بالحكاية هنا هو العباضى لا العياضي ، وهو في معظم نسخ المثنوى العياضي بالياء وقال ولى محمد أكبر آبادي في شرحه أنه أبو بكر محمد بن أحمد العياضي من فقهاء سمرقند لكنه العياضي دون تشديد الياء ووزن الشعر يستدعى تشديدها ( الشارح : ليست مشكلة فالشاعر الفارسي يتصرف في التشديد عند الوزن ) ،

ويضيف استعلامى : إنه من الصعب تحديد من هو المقصود ، والعياضي الوحيد المذكور قبل مولانا موجود في الباب الثاني من كتاب أسرار التوحيد باسم أبى الفتوح العياضي كشاهد لإحدى كرامات أبي سعيد دون أن يقول لنا من هو أبو الفتوح هذا ، ويواصل استعلامى إنه قرأ ما يشبه هذه الرواية في تذكرة الأولياء عن الشيخ أحمد بن خضروية ( البلخي ) من أنه ظل فترة يضيق على " نفسه "

التي بين جنبيه وذات يوم كان جماعة ذاهبين إلى الغزو ، وألحت على النفس أن اذهب معهم كنت أعلم أن النفس لا تهدى إلى طريق الحق وأن في إلحاحها هذا مكراً ، فكبحت جماحها وضيقت عليها الخناق فاعترفت في النهاية قائلة كنت أريد أن تقتل وتغتر بشهرة الشهاد وبأنك صرت محبوباً للخلق ، وأنجو أنا أيضاً من هذا التعب وهذه الرياضة " الصوفية " لكنه ما لم يذكره استعلامى ، وما لم يذكره فروزانفر وتجاهله تماماً أن الأبيات الأولى تذكر بقوله خالد بن الوليد رضي الله عنه الشهيرة " لقد شهدت ألف غزوة أو زهاءها فما بقي في جسدي ضربة سيف أو طعنة رمح ، وهكذا أموت على فراشي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء " ،
هذا التجاهل شبيه بتجاهل الشراح الفرس لرواية عمر بن الخطاب وسارية رضي الله عنهما الواردة في الكتاب الثالث
( انظر مناقشات الرواية تعليقات الأبيات : 508 - 516 من الترجمة العربية للكتاب الثالث )
ومن الممكن بل المرجح أن اسم العياضي من لدن مولانا أو اسم للصوفى لم يعرف بعد ، وأن مولانا وفق بين ما ورد عن


“ 603 “ 

خالد رضي الله عنه حين موته وبين الرواية المروية عند أحمد بن خضروية في تذكرة الأولياء ونسج منها حكاية .

( 3797 - 3798 ) : من هنا إضافة من مولانا والمضمون هنا قريب من الحديث النبوي [ إنكم تموتون كما تعيشون وتحشرون كما تموتون ] .
( 3803 ) : إشارة إلى ما سوف يرد في حكاية تالية من حكايات الكتاب الخامس ( انظر البيت 3950 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .

( 3805 - 3814 ) : يقارن مولانا بين اثنين من الصوفية : ذلك الصوفي المزيف الذي مر ذكره ، والذي استطاع الأسير المغلول أن ينتصر عليه لأنه كان قد خرج إلى الحرب رياءً وسمعة وليس عنده من فنون القتال النذر اليسير ، وهذا الصادق الذي خاض الحروب والمعارك لكنه لم يسمح " للنفس " أن تقوده مرة إلى الحرب رياءً وسمعة وفضل الجهاد الأكبر داخل الخلوة ، وكثير من هم الذين لا يخوضون جهاداً أصغر مدعين أنهم يخوضون الجهاد الأكبر متناسين أن بداية الجهاد الأكبر تستلزم عودة من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأصغر في البداية ويدق مولانا على قيمة الصدق ، إن الله تعالى خلق هؤلاء الصوفية المزيفين لكي يكونوا دلالة على وجود الصوفية الصادقين ، إنهم أشبه بعصى السحرة لا تلبث عصا موسى أن تظهر فتلقفهم جميعاً ، أين هؤلاء الصوفية من هذا الصوفي يقول شارحو المثنوى أنه العياضي لكن مولانا يقول آخر ويذكر أنه جرح في الحرب فربط جرحه وقاتل حتى استشهد ومن الواضح أنه ليس العياضي المذكور في الحكاية .

( 3815 ) : إن الأمر يحتاج منك إلى استمرارية ، لا تغفل عن هذه النفس الأمارة لحظة واحدة بل داوم على إذلالها ومخالفتها ، وأشد ما تحرص عليه هذه النفس هو المال فقاوم رغبتها هذه بإنفاقه حتى ولو لم تجد وجها للإنفاق إلا أن تلقيه في اليم " ؟ ! !
" والمصدر هنا ما ورد في كشف المحجوب " الترجمة العربية ص 272 لكاتب هذه السطور وآخرين " يروى أن الشبلي رمى أربعة آلاف دينار في نهر دجلة ، فلما سئل ماذا يصنع قال الحجارة أولى بالماء فسئل لماذا لا تعطيها الفقراء ؟

فقال : سبحان الله ماذا أقول إذا سألني : لماذا رفعت الحجاب عن قلبي ووضعته في قلوب إخواني المسلمين كما ذكر ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 357 حمل أبو الحسن النوري ثلاثمائة دينار ثمن عقار بيع له وجلس على قنطرة وجعل يرى واحداً واحداً منها إلى الماء ويقول جتنى تريد أن تخدعنى منك بمثل هذا .


“ 604 “

( 3821 - 3825 ) : عودة إلى حكاية الصوفي المقاتل الكرار غير الفرار : لقد انكسر رمحه عشرين مرة وجرح مرة ثانية ثم سقط ليكون مع المتقين في مقعد الصدق ،إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ( القمر 54 - 55 ) ، إنه لا صدق دون بذل للروح فاقرأمِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ( الأحزاب 23 ) .

( 3826 - 3835 ) : إياك أن تسمى هذا موتاً ، إنه موت الصورة لكنه ليس موت الروح ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 3537 - 3547 وشروحها ) ويضيف مولانا إن الشهادة ليست بالجسد ، فالجسد مجرد مطية ، فانظر من يركبه ، لترى ماذا قدمت إلى الله سبحانه وتعالى هل قدمت له نفساً لم تجد مركبها فاتجهت إلى العالم الآخر ، إذن خسرت الدنيا والآخرة ، وما أشد سذاجتك ، فليس كل قتيل شهيداً ، فالكفار أيضاً يقتلون ، وإلا صار كل قتيل في مقام أبي سعيد ( فسره مولوى بأنه أبو السعادة ) 5 / 552 وهكذا فسره الأنقروى 5 / 802 )

وقال استعلامى أن المقصود هو أبو سعيد بن أبي الخير الصوفي والشاعر الفارسي في القرن الخامس وأبو سعيد بن أبي الخير لم يمت شهيداً . أليس من المحتمل ان يكون اسم الصوفي المذكور في الحكاية السابقة هو أبا سعيد ؟ إن الشهيد الحقيقي هو من قتل هذه النفس ونجا منها قبل أن يقتل البدن ، يصبح جسده سيفاً في يده وليس سيفاً مسلطاً عليه بشهواته ، لقد تبدل الرجل لم يعد هو هو عندما كانت نفسه بين جنبيه مسلطة عليه لكن السيف بقي وبقي في يد الحق ، ومثل هذا الرجل لا يهتم بالألم ولا يأبه به لا مثل أولئك الرجال " الجوف " الفارغين كأنهم الغبار .

( 3836 ) : في سياق الحديث عن رجال الحق يقدم مولانا هذه الحكاية التي وردت قبله في أكثر من مصدر ورواية صاحبه المستطرف هي أقرب الروايات إلى جزئيات الحكاية عند مولانا جلال الدين ( استعلامى 5 / 391 )
وأبطال الحكاية سواء في رواية المستطرف أو في رواية نشوار المحاضرة لم يكونوا من الملوك فلا ذكر لملك الموصل أو خليفة مصر وربما حول مولانا الأبطال إلى ملوك لكي ينقد ملوك عصره وأمرائه . والحديث هنا عن الشهوة ونحن أمام رجلين كلاهما خضع لشهوته ، وإن كان أحدهما قد انصرف عنها في نهاية الحكاية ، وفي الحكاية قدر لا بأس به من المواقف الجنسية وقد تناولنا دلالتها فيما سبق

( انظر على سبيل المثال لا الحصر تعليقات البيت 1333 من الكتاب الذي بين أيدينا ) لكن الجديد هنا أن مولانا يجعل الشهوة سبباً لاندلاع الحروب ، ولم لا وكثير من الحروب قديماً وحديثاً ربما


“ 605 “

كان السبب في إذكاء أوارها شهوة امرأة لرجل أو رجل لامرأة ، والعصور القديمة حافلة بما يضيق المجال عن حصره ، والذي يثير السخرية هنا أن القائد مسلم والبلد التي هاجمها مسلمة والخليفة الذي انفذه وطلب منه أن يستخدم كل قوته في سبيل الظفر بالمحظية الجميلة مسلم والضحايا مسلمون وعلى كل حال لم يكن هذا من المستبعد في عصر مولانا حيث كانت الدولة الإسلامية تعاني من التفكك ، فمن شرقها احتل المغول جزءاً كبيراً منها ، والأناضول نفسها قسمت إلى عدة إمارات كانت الحرب تدور بينها لأتفه الأسباب بالرغم من أن كل أمرائها ينتسبون إلى البيت السلجوقى .


( 3858 - 3864 ) : يترك مولانا القصة ليتحدث عن العشق الذي هو سر الكون وسر الخليقة وهو كالبحر والأفلاك والسماوات من فوق مجرد زبد ، وما دوران الأفلاك وتجدد الكون إلا بالعشق ومن نزوع كل أجزائه بعضه إلى بعض ، وبدون هذا يتجمد الكون كله ( انظر 4405 - 4424 وشروحها ) وما تحول الجماد إلى نبات والنبات إلى حيوان والحيوان إلى إنسان إلا بسر العشق ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 3903 - 3909 والكتاب الرابع الأبيات 3637 - 3643 وشروحها ) 
ومتى كانت الروح تنمحى فداءً لعودتها إلى تلك النفخة الإلهية التي هي أساسها والتي هي تجذب أرواح الواصلين إلى الحق ( انظر 2890 من الكتاب الذي بين أيدينا ) إن هذا العشق هو السبب في التسامى والعلو ، فكل جزء نزاع إلى الكمال وإلى العلو ، وبتسبيح الله سبحانه وتعالى يتطهر الجسد من علائق هذه الدنيا حتى تستطيع الروح أن تطير إلى الأعالي ( انظر الأبيات 4395 - 4423 من الكتاب الثالث والأبيات 2011 - 2014 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .

( 3865 - 3879 ) : الكلام عن الشهوة التي تخدع الإنسان حتى في النوم " السراب " ، والحديث قد يكون عن البطل الذي اصطحب الجارية أو عن أي إنسان يظن نفسه قوياً وهو يبدو مسلوب الحيلة مفتضحاً أمام الشهوة ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 1695 - 1700 وشروحها ) إنه بطل في الحروب لكنه أمام شهوة جسده مكتوف اليدين لا يستطيع أن يتقدم خطوة إلى الأمام أو خطوة إلى الخلف ، وكأنه ممن تنطبق عليهم الآية الكريمةوَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ( يس 9 ) لقد استطاع ثعلب ( في الأصل أرنب ) أن يلقى بأسد في البئر ( انظر الكتاب الأول من البيت 904 ) فكيف لم يستطع مقاومة شهوته ولم يثنه الخوف من الخليفة عن فعلته ؟

وكيف تأتمن رجلًا يخلو بامرأة اللهم إلا إذا كان

“ 606 “

هذا الرجل معصوماً كيوسف عليه السّلام محفوظاً برعاية الله معتصماً بمعرفته ، فاستطاع أن يقاوم هذه الشهوة وهو غلام يراهق البلوغ .

( 3896 - 3906 ) : إن الاتصال ليس مجرد اتصال جسدين إن الأرواح أيضاً ذات نصيب منه ، وهو ليس مجرد لقاء وقتي ينتهى بانتهائه ، لكن انظر إلى نتائجه ومن لقاء الأرواح أيضاً تتولد روح ثالثة واتصال الأرواح تستطيع أن تنظر إليه بعين الباطن ، ثم إنه أي تلك التي تتولد عن اقتران الأرواح تطهر صورها في الغيب ، ومن ثم فما لم تظهر لك تلك الصور عياناً لا تكن سعيداً هكذا من كل قرين ، بل أجل سعادتك هذه إلى ذلك الموت الذي تنتظر فيه إلى هذه النتائج ، وحتى تعلم أن إلحاق الذاريات الوارد في الآية الكريمةوَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ( الطور 21 ) مبدأ صادق ، إن هذه الأعمال التي تقوم بها في الدنيا ذات صور وآثار تنطق بقيمة هذه الأعمال ( انظر لتفصيل هذه الفكرة الأبيات 3460 - 3485 من الكتاب الثالث وشروحها ) هذه النتائج تنتظرك كأنها ربات الحجال والحور المقصورات في الخيام تناديك يا غافلًا تعال ، فمن سبقوك إلى عالم الغيب في انتظارك ، فما تلكؤك هنا ؟ هيا أسرع وفي البيت 3906 عودة إلى ذلك البطل الذي خان الأمانة من جراء الشهوة .

( 3910 - 3924 ) : يترك مولانا سياق القصة ويتحدث عن الخبر وعن العيان ، ومتى كان الخبر كالعيان ؟ إن الوصف مجرد تصوير من أجل أن تتخيل عين الوعي الشئ الموصوف ، ومتى كان من وظائف الأذن أن تشاهد الصورة ، وفي البيتين التاليين ترجمة رواية حدثت بين الإمام على والإمام الحسن رضي الله عنهما ( مآخذ 192 - 193 ) ،

قال الأصمعي : سأل علي بن أبي طالب الحسن ابنه رضوان الله عليهم كم بين الإيمان واليقين؟   قال أربعة أصابع .
قال وكيف ذلك ؟ 
قال الإيمان كل ما سمعته أذناك وصدقه قلبك ، 
واليقين ما رأته عيناك فأيقنه قلبك وليس بين العين والأذنين إلا أربعة أصابع ( العقد الفريد ص 276 ، ج 4 )
لكن الأذن تنفع في بعض الأحيان ، وهي التي تثير الخيال وإذا كان الخفاش قد احتجب عن الشمس ، فإن خيالًا من الشمس وتصورا لها هو الذي يخيفه منها ويسوقه نحو الظلام ، في حين أن خيالًا أمام من يدرك قيمة هذا الخيال قد يدفعه وقد يسوقه إلى الحقيقة .
وكيف تقلل من قيمة الخيال ، وكل تصرفاتك قائمة على هذا الخيال ؟ 
وهناك فرق كبير بين الخيال والحقيقة ، ولا يستطيع أي إنسان مقيم على الخيال أن يدرك حقائق من هم أمثال موسى حتى


“ 607 “ 

ولو استطاعوا أن يتخيلوه ، فليس كل شئ يمكن أن يتخيل ، هذا أمر بالذوق وبالتجربة . فهل هناك شجاعة قبل ممارسة الحرب بالفعل ؟ 
( لا شجاعة يا فتى قبل الحروب انظر 4007 من الكتاب الثالث ) إن المخنث يقيم الحروب كلها في خياله وهو من خياله هذا يهجم على صور البطل رستم المرسومة في الحمام ، ويظن أن هذا قتال ، ويتوهم أن هذا انتصار ، وهذا الخيال الحاصل عن السمع سرعان ما تفضحه الرؤية والواقع ، وماذا يكون المخنث آنذاك يصبح كأنه المرأة العجوز في عجزها ولا يستطيع أن يفعل شيئا .

( 3925 - 3934 ) : لقد تحدث مولانا في الأبيات السابقة عن الإدراك عن طريق السمع والرؤية الباطنية أو بعبارة أخرى الإدراك النقلي والإدراك العيني والإدراك العقلي ، ويعبر مولانا عن النقل بالعلم التقليدى أو علم أهل الحس ، والإدراك العقلي والباطني أو العلم التحقيقى هو علم أهل القول ( استعلامى 5 / 394 - 395 )

وهذا الإدراك النقلي والعيني يمكن أن يصل إلى مرحلة الإدراك الباطني بشرط عناية الحق سبحانه وتعالى وإرشاد الشيخ وجهد السالك ومن هنا يقول مولانا : 
اسع لكي تصل من مرحلة الباطل ( العلم النقلي ) إلى مرحلة الحق وعندما تصل إلى مرحلة الحق تستطيع حتى الإذن إدراك هذا الحق فلا تسمع سوى هذا الحق ، وتصبح لهذه الأذن قيمة فما تسمعه يكون كأنه المشاهدة ليس هذا فحسب بل يتحول الجسد كله إلى عين تشاهد ( تتحول كل شعرة في أجساد العارفين إلى عين ) ،

إن هذا الإدراك يحول الصدر كله إلى مرآة ينعكس فيها هذا الجمال الإلهي ، جاهد إذن ليكون خيال ( الحقيقة ) زائداً فهو الدليل لهذا الباحث عن الحقيقة إلى الحقيقة والمجاز هو قنطرة الحقيقة ، فيها أيها الملك يا ملك الدنيا تحامق مع هذه الجارية والمحظية والزوجة لألف زوج - بتعبير حافظ - فترة من الوقت هذه هي ؟ ؟

وكل إنسان أخذها فترة من الوقت ، ويا من أنت في دنيا كحلم النائم ، اعتبرها حلماً ، وتعامل معها كحلم ، إن المأمن هنا في البحث عن رضا الله سبحانه وتعالى ، فاتخذه مأمناً ، قبل أن يأخذ جلاد الموت بحلقك .

( 3935 - 3946 ) : منكر البعث في البيت 3935 هو نفس المنافق المذكور في البيت السابق إنه لا يعرف سوى ما يراه بعينيه ولا يعترف إلا به ، فقل له ما أشبهك بطفل يقول أنا لم أر العقل فهل يعنى هذا أن يتخلى العاقل عن عقله ؟ وإذا جاء أحد العقلاء وأنكر العشق على أساس أنه لم ير هذا العشق الذي يتحدثون عنه هل معنى ذلك أن يختفى هذا العشق عن الوجود لأن إنساناً لم يذقه لم يعترف به ؟ أنظر إلى الفرق بين نظرة إخوة يوسف إليه ونظرة


“ 608 “ 

يعقوب ( انظر الأبيات 3301 - 3303 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وموسى عليه السّلام لم يكن يعرف أن عصاه ( وهي في يده ) سوف تنقلب إلى حية ، وهناك فرق أيها السيد بين هذه العين التي تنظر بها وعين الغيب ، فعين الغيب هي التي رأت العصا حية ولم يرها صاحب العصا مع أنه نبي ، كما أنه لم ير اليد البيضاء ، وهي يده وفي جيبه ، كان الله تعالى فحسب هو الذي يعلم ، وأنت على كل حال مقيم على ما أنت عليه ، لأنك محروم ترى كل ما أحدثك عنه خيالًا ووهماً وكل همك مصروف على شهوة البطن وشهوة الفرج ، ولا أملك إلا أن أقول لكلَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ( الكافرون 6 )
فلا فائدة من الحديث إليك ، ولا فائدة من عرض الإيمان على من شاخ على الكفر :والشيخ لا يترك ما به * حتى يوارى في ثرى رمسه


( 3957 - 3958 ) : البيتان ناظران هنا إلى الآية الكريمة" وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ( الحجر 21 ) .

( 3961 - 3969 ) : يتحدث الخليفة إلى المحظية وكأنه سلطان من سلاطين الطريق ، ويتحدث عن النور الذي في قلبه ويهديه إلى الحقيقة ، والقمر المخفى بالغمام ، والمصباح الذي يكون تحت الطست هو قلب العارف عندما تشغله أمور الدنيا ، وكأن السلطان هنا يدعى أنه من العارفين وعباد الله المؤمنين الذين وهبوا " الفراسة " وإجلاء القلوب ، وينظر بنور الله وإن كانت الدنيا تشغله بين الحين والآخر ، ووضع المصاحف على بعضها عادة إيرانية قديمة ، والمصاحف السبعة تعبر عن القراءات السبعة ( مولوى 5 / 570 ) .

( 3974 - 3984 ) : يترك مولانا سياق الحكاية وينصرف إلى بيان فكرة تحدث عنها قبل ذلك بالتفصيل في الكتاب الثالث الأبيات 3445 - 3485 وشروحها ) 

إن كل شيىء تظنه مخفياً سوف يظهر لك عياناً يوم الحشر ، إنك إن زرعت بذور السوء هنا فلا تظن أنك سوف تجنى خيراً في الحشر ، وما أشبه هذا الحشر بالربيع الذي يظهر ما دفن تحت الأرض في فصل الشتاء ، وتبدى لك الأرض أسرارها ، وتأتيك بالأنباء عما تخفيه في باطنها ، وما أشبهك بشارب للخمر في ليل هذه الدنيا وظلمتها ، فإن أسفرت القيامة عن صباحها أخبرك الخمار عن تلك الخمر التي شربتها ، فالخمر هي البذرة المخفية ، والخمار هو برعمها الذي ظهر على وجه الأرض ، وبالرغم من أن البرعمة لا تشبه البذرة فإنها نتيجتها ، ومهما لم يتشابه الهيولى والأثر فهذا نتيجة ذاك وذاك هو السبب في هذا .

“ 609 “ 

( 3985 - 3999 ) : وانظر إلى كل الأشياء فمتى شابهت أسبابها ، هل تشبه النطفة الطعام ، وهل يشبه الجنى النار ، وهل يشبه السحاب البخار ؟ وهل يشبه عيسى جبريل ؟ وهل يشبه الإنسان التراب ؟ وهل يشبه اللص المشنقة ؟ وهل تشبه الجنة الطاعة ؟ ، فاعلم أن أي ألم حاق بك أنه هو نتيجة زلة ، حتى وإن لم يشبه هذه الزلة التي ارتكبها والشهوة التي قادتك إلى هذه الزلة ( من الممكن أن يكون الحديث هنا من خليفة مصر إلى نفسه ) وإن شعرت بالحزن فاستغفر ، فإن لكل حزن ذنباً ، حتى وإن لم تكن تعرف هذا الذنب أسجد لله الحكم العدل الذي لا يصيب إنساناً بألم أو حزن أو غم دون ذنب جناه ، والله سبحانه وتعالى سوف يستر عليك ويغفر لك ، بدلًا من أن تتغلب غصة الأحزان وهي مختفية في القلب إلى فضيحة " وينقلب قبض القلب إلى قبض العسس " ( انظر لتفصيلات في هذا المعنى الكتاب الثالث الأبيات 348 - 361 وشروحها ) .
- في العنوان السابق على البيت رقم  4000مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ( الجاثية 15 ) وإِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ( الفجر 14 ) .

( 4003 ) : إن من يعتدى على الأعراض يدعو الناس للاعتداء على عرضه فكأنه قواد لأصله [ من زنا زنى به ولو بحيطان داره ] ( جامع 2 / 171 ) .

( 4013 ) :عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا( الاسراء 8 ) .

( 4015 ) :قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ( الأعراف 23 ) .

( 4030 ) : في العنوان السابق على البيت :نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ( الزخرف 32 )

والبيتان المذكوران في العنوان : ذكر مولوى ( 5 / 577 ) وأنقروى ( 5 / 839 ) ( واستعلامى 5 / 398 ) أنهما لنظامى ولم يحددوا في أي منظوماته والأرجح أن البيت من مخزن الأسرار كما ذكر جعفري ( 12 / 584 ) أما البيت التالي فقد ذكر المولوي والانقروى أنه لسنائى الغزنوي من منظومته " اسرار نامه " وليس لسنائى الغزنوي منظومة بهذا الاسم وقال استعلامى أنه لم يستطع التوصل إلى قائله والبيت من حديقة الحقيقة وهو رقم 10518 ( أنظر الترجمة العربية ) .

“ 610 “ 

( 4035 ) : [ حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ] حديث نبوي ( انظر الأبيات 423 - 445 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) .

( 4036 - 4039 ) : يعود مولانا إلى إياز وحكايته : فالسلطان يخاطب إياز على أنه مثال من أمثلة الرجولة الحقة لأنه يتغلب على نفسه التي بين جنبيه ، إنه ناجح موفق في كل امتحان يمتحنه السلطان فيه ، ويمهد مولانا الحديث عن الحكاية التالية :

( 4040 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل المثنوى في مصيبت نامه للعطار وفي مقالات شمس تبريز والاحتمال الأكبر أن يكون مولانا جلال الدين قد نقلها من مقالات شمس تبريز ( استعلامى 5 / 398 ) ولب الحكاية أن أمر السلطان أثمن من الجوهرة مهما كانت قيمتها .

( 4056 ) : حملهم من الطريق إلى البئر أي ضللهم ولم يخبرهم عن هدفه الحقيقي .

( 4059 ) : العنوان السابق على البيت ( عن التقليد والتحقيق انظر الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 2446 - 2454 وشروحها وعن الامتحان انظر الكتاب الثالث الأبيات 743 - 746 وشروحها ) .

( 4063 ) : إشارة إلى ما ورد في سورة يوسففَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ( آية 15 ) وانظر الكتاب الثالث 2340 - 2344 وشروحها ) والفتح والظفر هنا كناية عن العناية الإلهية .

( 4070 - 4075 ) : الزاهد هو الذي يعبد خوفاً من النار أو طمعاً في الجنة والعارف هو الفارغ من الخوف والرجاء والعابد عشقاً ، إنه يعلم من البداية أن روح الانسان في الأزل كانت متصلة بالحق وأنها تعود في النهاية إلى الحق ، إن الله سبحانه وتعالى قد خلصه من كل ادعاءاته ، ومحا الخوف عنه فأصبح كله رجاء في وصال الحق .

( 4082 - 4087 ) : الجوهرة هنا هي مغريات الدنيا ، وأمر الملك هو كناية عن العلاقة بين العبد وربه والحجر الملون كناية عن الوثن والصنم وكناية عن الجوهرة التي حطمها إياز ، وكناية أيضاً عن كل ما يقف بين العبد وربه ، ومماراة الملك التعلق بسواه من أجل خداع الألوان ، تلك الزخارف التي تصرف العبد عن التفكير في خالقها ، وما هي إلا جرار تحتوى على قليل من ماء البحر أو ماء الجدول ، فكل جميل في هذا العالم إنما يملك فتات الجمال والذي يشغله عن معدن الجمال وجوهره ، وقاطعو الطريق في الدين كناية عن أولئك الذين

“ 611 “

يقعدون للسالكين كل مرصد ويصرفونهم عن الطريق القويم من المشايخ المزيفين المزورين ، وهؤلاء ديدنهم الرسوم والألوان والروائح ، وهم كالنساء ( الفكرة من سنائى انظر ص 451 من الديوان ) .

( 4094 - 4106 ) : قد يكون مولانا يصور مناجاة من العبد أمام الله فمن يكون السلطان محمود الغزنوي لكي يتوارى السخاء كله أمام سخائه وتصغر الأحلام أمام حلمه ؟ وتكون الطيور المباركة التي إن أظلت أحداً كما تقول الأساطير جعلته ملكاً تأخذ بركتها منه ، وأي غفران يكون للملك وأي عفو يكون له بحيث تتجرأ الثعالب على الأسود ، وعندما يتحدث مولانا عن الغفلة التي تنتج من الرعية من كثرة حلم الملك لا يمكن أن يكون المقصود هو الملك أو السلطان محمود ، بل لابد وأن يكون المقصود أنه لولا عفو الله لما تجرأ العبد على ارتكاب ذنب واحد وهذه الغفلة إنما تكون نتيجة عن الوقاحة ، فالعين الرمداء هي التي لا تشعر بالهيبة ومن ثم لا تقوم بالتعظيم ، فكيف يشعر صاحب العين الرمداء بالهيبة وهو لا يبصر شيئاً ، ثم يأتي التعظيم فيحرق هذه الغفلة ويحرق هذه الوقاحة ، والخائف لا ينام ، فهل رأيت نائماً أثناء غارة أو أثناء معركة ، وهكذا ، فإن من يحس بتعظيم الله تعالى ، تنطلق الغفلة وتنطلق الوقاحة خارج قلبه فينطلق مخاطباً رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ( البقرة 286 ) .

( 4107 - 4111 ) : ومن هنا يحتسب النسيان كذنب على شكل ما ، فالنسيان لا بد وأن يكون لسبب من الأسباب ، وأهم سبب من هذه الأسباب هو التهاون في تعظيم ذات الله ، وقد يقول قائل : إن النسيان أمر يطرأ على الإنسان دون رغبة منه ، لكن النسيان مع ذلك قد يكون اختياراً ، فليس للسكير أن يحتج بالنسيان لأنه بسكره قد جلب هذا النسيان إلى نفسه .

( 4113 - 4114 ) : وفرق بين سكر وسكر ، بين سكر بالخمر الأرضية تجلبه لنفسك ويكون وبالًا عليك ويحاسبك عليه ربك ، وبين سكر بالخمر الإلهية وبجمال الاله يعذرك فيه الإله " ساقي الروح " ويحفظ عليك فيه عهدك ، بل إنه يعتذر عنك ، ويساعدك ، ويغفر لك زلة السكر فزلة العاشق الثمل بالخمر الإلهية أفضل من طاعة غيره ( انظر الكتاب الأول البيت 1589 وانظر الكتاب الثالث عن سكر هاروت وماروت بخمر القرب الإلهي ) وكم من أمور تبدر من العارف الثمل بالخمر الإلهية ينكرها عليه أهل الظاهر ومن لم يتذوقوا قطرة واحدة من هذه الخمر .


“ 612 “ 

( 4115 - 4117 : لا يزال إياز " العبد السالك والولي الكامل " يخاطب السلطان " أو السلطان الأزلي الأبدي " فيحدثه عن عفوه الذي تعد أنواع العطف الموجودة في كل العالم ذرة واحدة منه

[ أن الله سبحانه وتعالى خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعاً وتسعين وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ، ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار ] البخاري ومسلم عن أبي هريرة ، وفي حديث آخر
[ إن الله تعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماوات والأرض ، فجعل منها في الأرض رحمة فيها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض وأخر تسعاً وتسعين فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة ] أحمد في مسنده
( للحديثين الجامع الصغير 1 / 70 ) فهل يمكن أن يقاس عفو الناس بعفوه أو رحمتهم برحمته ، اتقوا أيها الناس القيام بهذه المقارنة الظالمة .


( 4118 - 4124 ) : الحديث أيضاً موجه في الظاهر إلى السلطان محمود لكن أي فراق عن أمثال السلطان محمود يسبب هذا الهلع وهذا الوجد عند مولانا ؟ 
إن أمثال هذه التعبيرات عن الفراق لا توحى إلا بأن الفراق المقصود هنا هو الفراق عن نبع الحياة ومصدر العشق ( انظر عن الفراق الكتاب الثالث الأبيات 405 - 411 وشروحها والأبيات 3690 - 3698 وشروحها ) إنه وجهك الجميل يا الله ثواب أعمالنا فأي تحمل لفراقه ، إن نظرة منك حتى على الكافر تجعله يتحمل سقر وعذابها ، إن هذه النظرة هي الدية لأرواح كل من ضحوا بأرواحهم في سبيل الله وفي دعاء لعلى رضي اللّه عنه " فلئن صيرتني في العقوبات مع أعدائك وجمعت بيني وبين أهل بلائك ، وفرقت بيني وبين أحبائك وأوليائك ، فهبني سيدي ومولاي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك " ( عن سبزوارى 4011 ) .


( 4125 - 4134 ) : الإشارة هنا إلى ما ورد في الآية الكريمةقالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ، لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ، قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ ( الشعراء 49 - 50 )
وانظر أيضاً الكتاب الثالث الأبيات 1246 - 1251 حيث وقفت رواية مولانا عند هذا الجزء الذي يبدأ في آخر الكتاب الذي بين أيدينا إن ما يعتبره فرعون قتلًا وموتاً يعتبره السحرة الذين آمنوا حياة أبدية خالدة ، ومن هنا قالوا لا ضير
( انظر عن الموت كبداية لحياة أفضل الكتاب الثالث 3529 - 3536 وشروحها ) ، فهيا اقترب يا فرعون حتى تسمع الألحان الإلهية تقوليا لَيْتَ

“ 613 “

قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ( يس 26 - 27 ) ، إن ما يعتبره فرعون فناءً هو في الحقيقة بقاء وما يعتبره حرماناً هو غنى فأي نيل وأي مصر ، إن النيل إلى جوار بحر المعرفة الإلهية مجرد جدول ، وهو إلى جوار عالم الروح الرحب المتسع لا يساوى شيئاً ، وأي فخر لفرعون بالنيل وبمصر ، وما النيل وما مصر ليقولأَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي( الزخرف 51 ) وفي عالم الروح آلاف الأمصار والأقطار ؟ ! كيف تقول يا فرعون " أنا ربكم الأعلى " وتهلع من عبد من عببيدك كل هذا الهلع ؟
( انظر الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 2442 - 2445 وشروحها ) .

( 4135 - 4142 ) : عندما ادعى فرعون الألوهية وقال أنا ربكم الأعلى أثبت أنه لا يعرف ربه ولا يعرف نفسه أيضاً ، وعندما اعتبر أن قتل السحرة هو إفناء لأنياتهم كان واهماً ، فإنهم أدرى بأنياتهم وهم يدركون الآن أن تلك " الأنا " التي تخصهم قد نجت من أنيتها وإحساسها بذاتها وشهواتها وهمومها ، إن ذات فرعون كانت شؤماً عليه هو نفسه ، لكنها كانت سعداً واقبالًا على هؤلاء السحرة الذين آمنوا برب موسى ، وما هذه الجذوع التي يصلبهم عليها فرعون إلا المركب الذي به ينطلقون إلى ما لا يستطيع وهم أي فرعون أن يصل إليه ، إلى الملك الحقيقي ، وإلى دار الملك الحقيقي ، لا ملك الغفلة التي يظنه فرعون اللعين ملكاً ، وما هو إلا دار الغرور ( انظر الكتاب الرابع 3083 ) وهكذا فان فرعون يظنه عدماً وهو وجود وحياة ويظنه فناء وهو بقاء سرمدي ( انظر عن البقاء والفناء مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) .

( 4143 - 4148 ) : هناك نوعان من " الأنا " أنت حائر بينهما هذه الأنا الموجودة وجوداً جسدياً ، ثم وجودك الأزلي الأبدي أو ما يعبر عن مولانا بأنية الأزل التي يحار القلب في عوالمها وفي قدراتها وفي عظمتها ، والتي تعد " انا " الجسد عاراً عليها ، والأنا التي بلا أنا هي تلك الذات التي تخلصت من أنيتها واتصلت بالبقاء السرمدي ، هي تلك الأنا التي بها تسعد الروح ، إنها حين تخلصت من أنية الجسد صارت جديرة بأن تطلق على نفسها لفظ " أنا " ولن تستطيع أن تحس بهذه الأنا إلا إذا توصلت إلى فناء تلك الأنية الجسدية ، حينئذ تكون حياة سرمدية ، تطلبك هذه الأنا ولا تطلبها أنت .
 

( 4149 - 4152 ) : تراك تظن أن فهم هذه الأمور يتأتى بالعقل ، إذن لكان فخر الدين الرازي عالماً ( المفكر في القرن السابع وخصم بهاء ولد والد جلال الدين والذي يقال إن


“ 614 “

دسائسه لدى خوارزم شاه كانت السبب في غضب خوارزم شاه عليه ومن ثم هجرته مع أسرته من موطنه وقد ناقش عبد الحسين زرين كوب هذه القضية وجزم بعدم صحتها - انظر سر نى 1 / 74 - 77 ) والعقل هنا هو عقل الفقه وعقل المدرسة وعقل الجمع والعقل الدنيوي ، والأمور كلها بالذوق " ومن ذاق عرف ومن حرم اختلف " ومن ثم فإن هذه الأنا الجسدية لا تدرى من أمور الكشف شيئاً ، ولأن الأمور بالذوق فإن العقول الجزئية تتشدق بالحلول ( أي حلول الله جل شأنه في جسد العين ) وبالاتحاد والأمور كلها روحية ولا علاقة لها بالأجساد ، ولا علاقة لها بهذه الأنا إنه اتحاد النور ( انظر 2038 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .


( 4135 - 4157 ) : إن هذا العبد " إياز " الفاني في الله من قربه منه ، المستمد منه النور لفرط عشقه كالكواكب المقتربه من الشمس تستمد منها نورها ، وهكذا فناء العبد في النور إنه مثل تخلق النطفة وتحولها إلى جسد ، لقد صارت هذه النطفة جسداً كامل الخلقة فكيف تنكر تحول الجسد إلى نور ، وأي سقوط لك إذن في الاتحاد والحلول ، أي عفو يطلب من العبد ، إنك أنت يا الله خزانة العفو ، والعفو موجود في سابق لطفك ، والعفو للسلاطين ، فأي عفو يرجى من العبيد وأية جرأة لهذه " الأنا " حتى تتشبث برداء " الأنا " المطلقة .


( 4158 - 4169 ) : لا يزال مولانا يتابع قصة إياز ومحمود " العبد الصالح والإله الخالق " وها هو إياز يعتذر عن أنه تشفع من أجل العفو عن الأمراء المجرمين والحديث الوارد في العنوان " أنا أعلمكم بالله وأخشاكم لله " لم أجد له أصلًا وأقرب ما توصلت إليه منه [ إني لا أرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما يتقى ] ( شرح التعرف 2 / 76 ) .


والآية الكريمة فاطر 28 . ويعتذر إياز هنا عن التشفع بأنه أنا كان يفتح طريقاً من أجل معاينة حلم السلطان والرواية هنا اعتذار من الشفيع وفي الكتاب الرابع غضب من المشفوع في حقه ( انظر الأبيات 2975 - 2984 وشروحها ) ، ما هذا التبجح ، وما هذه الجرأة بحيث يقوم " عبد " بإخبار " السلطان " عن شروط الكرم ، وكل ما أنا إنما يكون من نورك يا مالك الملك ، وما جرأتي هكذا إلا لإكرامك لي وتفضيلك إياي ، لا بل أنت الذي أوحيت لي بهذا الدعاء وهذه الشفاعة ( انظر دعاء الدقوقى وشفاعته في الكتاب الثالث البيت 2283 ) وعن أن الدعاء والاستجابة له ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 189 - 199 وشروحها )

إن هذا الدعاء وهذه الشفاعة إكرام من الحق لبعض عبده لكي يكون فخرهم حتى يصبح هذا الذي كان ألماً بأجمعه بلسماً للخلق وطبيباً لهم وشافياً لآلامهم ( انظر الكتاب الثالث 270 ) .

“ 615 “ 

( 4171 - 4179 ) : لقد جعلت أنت يا الله من هذا المخلوق الشهوانى الجدير بجهنم كأنه ماء الكوثر يطفئ نيران الجحيم ، بل يعيد من احترقت جلودهم في نار جهنم الدنيا وشهواتها ويجعلهم لائقين بالجنة مستعدين لها ، هؤلاء البشر هم ربيع هذا العالم يأخذون بأيدي من جردتهم رياح الخريف من الأوراق والثمار ويبثون فيهم الحياة ، كل منهم كأنه إسرافيل ينفخ في صور المعنى فيحيا موتى الروح وكونك يا إلهي قد اصطفيت من عبادك من خصصتهم بهذا الكرم هو مصداق لحديثك [ خلقت الخلق ليربحوا على ولم أخلقهم لأربح عليهم " ] ( وردت أيضاً للإمام على رضي الله عنه : يقول الله تعالى يا ابن آدم لم أخلقك لكي أربح عليك إنما خلقتك لتربح علىّ فاتخذنى بدلًا من كل شئ " ( فروزانفر أحاديث مثنوى ، ص 58 ) .

( 4182 - 4186 ) : إن عالم الغيب هو مصدر كل أحاسيسنا وعواطفنا وهو أيضاً مورده ، إن عفو الخلق مجرد صدى من عفوك أنت ، كلها سيول وجداول تفيض من بحرك وتعود إليك إنها كل صباح تطير صوبنا كأنها طيور وفي المساء تكون رجعتها إليك أنت ، إنها الأرواح ، تجعلها محبوسة في الأبدان طيلة النهار فإن جن عليها الليل تحلق إليك بأجنحتها عاشقة لهذا الأيوان صائحةإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ( البقرة 156 ) .


( 4187 - 4199 ) : الحديث عن الرجعة الأخيرة ، لا رجعة طيور الأرواح عند نوم الأجساد ( من هنا قيل النوم هو أخ الموت واليقظة هي الحشر الأصغر ) وعندما يناديها الخالق : تعالوا وتكون الرجعة الأخيرة ، فلا يبقى حرص ولا غم ولا يحزنهم الفزع الأكبر ، عندئذ تنتهى الغربة ، غربة الأرواح في الدنيا ، وبعدها عن منبتها الذي لا تزال تحن إليه منذ أن اغتربت عنه ، عندئذ تسترخى بعد الكدح ، كدح الدنيا وعنائها ، ويزوجون بالحور العين اللائي كن في انتظار هؤلاء الصوفية السالكين يعودون من سفر الدنيا ، ومن رحلة الامتحان ، ومن مزبلة البشر ، ومن متربة الدنيا ، فلا أثر منها وقد صفاهم ربهم من الكدر ، لكن هناك قوما آخرين اثقلتهم الذنوب ، ورسبوا في الامتحان ، لكنهم أيضاً أيها الإله طامعون في عفوك ، راجون مغفرتك ، آملون في لطفك ، فاغسلهم أيها الإله العظيم بالثلج والماء والبرد ، وصفهم في عين المغتسل البارد ( ص / 42 ) ،

لكي يصطفوا في صفوف الملائكة مصلين لك مسبحين بحمدك ، معترفين بفضلك ولطفك ، تراني أستطيع أن أخط وصف هذه الحال في بيان ، وهل يستطيع القلم أن يصف هذا الرضوان ! !

“ 616 “ 

( 2400 - 4208 ) : لا يفتأ مولانا جلال الدين يتحدث عن البيان الذي لا يستطيع أن يستوعب المعاني الراقية السامية التي تدور في ذهنه ، إن المعاني كالبحر والبيان كإناء فخار ، والمعاني كالأسد الهصور والبيان كالحمل الوديع ، ومن هو في حجاب لا يستطيع أن يعبر عما هو وراء الحجاب ، فأخرج من احتجابك بالمادة حتى ترى عالم المعنى ، والسكارى بك أيها الاله يحطمون كؤوسهم دائما عند وجدههم ، وجد السكر لا يتم الا بعد أن يفيق الثمل ، وهؤلاء لا يفيقون أبدا ، فمن سكر بهواك لا يفيق .


( 4211 - 4216 ) : لا يزال فضلك يقول لهذا الثمل بك ، اذهب وامض ، استرح ، إنك قد سقطت في المخيض ، إنك مخدوع ( انظر 2716 من الكتاب الثالث ) ، إنك تظن نفسك ثملا ، لا ، إنك أنت الخمر نفسها ، فبك ثمل الناس ، إنك ضعيف لكن الأقوياء يثملون بك عندما تسوق مركبك نحو بحر معرفة الحق واللذائذ الروحانية ، إنك أنت أيها الثمل بالعشق الإلهى برغم ضعفك محور الوجود وقطب المخلوقات ( انظر 2339 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،

ومن خمرك يا ثملا بالعشق الإلهى تصبح الجبال نفسها ثملة بالعشق ( أيها العاشق ذاق الطور عشقا * رقض الجبل وموسى خر صعقا ، البيت 26 من الكتاب الأول ) ، وكل الجواهر إلى جوار مرتبة العاشق رخيصة الثمن لا تساوى شيئا ، وماذا أقول ؟ ! إن البيان قاصر عن وصف هذا الذي لا يوصف ، وأي فم يستطيع أن يتحدث وخمسمائة فم عاجزة وقاصرة ولا تستطيع أن تصفه ، وكلما أردت أن أصف روح العالم ، العشق الساري في الأكوان ، والعاشق أو الإنسان الكامل ، أصبت بالخجل ! !


( 4217 - 4219 ) : إنني أشعر أمامك بالانكسار يا مليك العالم ويا عالما بالسر لأن بيانى قاصر ولغتى عاجزة ، لكن هل أكون أكثر انكسارا من العدم الذي قد تخلق بالله عوالما تصل إلى الوجود عالما بعد عالم ؟ ! بلطفك ومنك وكرمك تأتى بالموجودات كلها في عالم العدم إلى عالم الوجود ، وغير هذه العوالم التي خلقت هناك آلاف العوالم التي تنتظر الخلق ، وهناك سير مستمر ، حركة مستمرة تحرك العدم إلى الوجود في مراتب وأطوار ، فمن الموت في عوالم الهيولى يجذبه إلى عالم الجماد وبالموت في عالم الجماد يجذبه إلى حيز النبات ثم إلى حيز الحيوان ثم يدخل في أطوار الإنسانية ، تجدد مستمر بين الموت والحياة ، ثم مرة ثانية بمقتضى إنا إليه راجعون عودة إلى العالم الأصلي ، عالم العدم مصنع الإبداع ومنشئه ، وفي هذا التغير المستمر ، هناك ما لا يتغير ولا يتبدل ، وقدم الصانع وحداثة المصنوع هو الذي


“ 617 “

يفصل كل مراتب الوجود عن اللاهوت ، ومرتبة يعبر عنها العرفاء ب " هاهوت " ، فجوة لا يمكن عبورها تجعل العارف السالك واقفا على نقص وجوده واحتياجه وفقره ، بحيث يئن دائما وينوح من أجل أن يقوم بعبوره ( سر نى 1 / 557 ) ( انظر أيضاً مثنوى مولانا جلال الدين 2 / 690 و 762 و 3 / 3901 - 3906 و 1 / 1889 ) .


( 4220 - 4227 ) : كل هذا يصيب رأسي بالدوار في طلبك ، أحس بأن كل ذرة من الحياة مصدرها أنت ، وأنا مجرد ميت أمامك ، والرغبة نفسها ، تلك الرغبة في أن تتكشف أمامى هذه الحجب ، أنت الذي خلقتها في وصورتها في نفسي ، وأنت محركها ، وأنفاسك السارية في هذه الألوان ، ونفختك الإلهية التي هي أصل الخلق هي التي تحرك عالم التراب ، فهل يتحرك تراب دون ريح ؟ ! وهل تسير سفينة دون ماء ، إن ماء الحياة الذي يهب الموتى الحياة الخالدة وينقذهم من الموت إلى جوار ما تمنحه أنت من كدر ، فإن الموت منك أيها الإله هو بمثابة ماء الحياة ( انظر لماء الماء البيت 1274 من الكتاب الثالث ) .


( 4228 - 4231 ) : وما الموت وما الحياة ، إن في كل لحظة موتا ونشرا وحشرا ( انظر سنائى الحديقة : الصوفية يقيمون في كل لحظة عيدين ) ، والعمر كالجدول يتجدد ماؤه أولا بأول ( انظر الكتاب الأول 1153 والكتاب الذي بين أيدينا ، الأبيات 795 - 798 ) وهذا من جذباتك ومن كرمك ، وليس للماء وجود بدونك فأنت ماء الماء أي أصل الوجود وروحه السارية فيه ، وكيف يمكن لإنسان أن يجرؤ على استقبال الموت دون أن يكون عاشقا لك ، والا فإن الموت بمقياس العقل الدنيوي كريه ، ولا يجعله حلوا إلا العشق .

( 4232 - 4243 ) : ها أنا قد قدمت إليك الكتاب الخامس من المثنوى المعنوي ، كوكبا درياً ينشر النور في الأرواح ، وإنما يفهمه من هو أهله ، أما من ليس بأهل فإنه غافل عن طوالع السعد فيه واقتران هذه الطوالع ، إن هذا المثنوى كالشهاب الثاقب ، محرق للشياطين التي تسترق السمع إليه ، كأنه الرامي بالنفط ، نفس هذه النجوم التي تقوم بدور العقارب التي تلدغ الشياطين ، أو ذلك الكتاب الذي يجد فيه شيطانى النفس مثل لدغ العقرب ، يكون وليا باعثا للسعادة كنجم المشترى لمن هم يعتقدون " فيه " ويستمر مولانا فيدق على النجوم والبروج فهو " قوس " ، بالنسبة للشيطان و " دلو " ، بالنسبة للولي عند الزرع والثمر ، وهو كالشمس يمزق العدو كما يمزقه الأسد ، لكنه يربى الياقوت في منجمه ، وهكذا ، كل أثر فكرى ، إنه قد يكون سماً في فم أحدهم ، لكنه يكون شهدا بالنسبة للآخر ، فإنك إن كنت حبيباً تنال منه


“ 618 “ 

الشهد ، وإن كنت عدوا فليس لك منه إلا السم ، وألم يشرب الفاروق عمر رضي اللّه عنهم ذلك السم الذي وجد في غنائم المدائن ( والرواية أيضاً وردت عن خالد بن الوليد )
( أو أرسل هدية من قيصر الروم ) ، ولم يمت !!
( لم يقترب منها أي مفسر إيرانى !!!) وهكذا رجل الحق فإنه لا يصاب بأدنى ضرر حتى من أي شئ يكون ضرره محتوماً . 
*
تم بحمد الله تعالى رب العالمين
عبدالله المسافر بالله
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» ديباجة مولانا الدفتر الخامس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  حضرة مولانا جلال الدين الرومي-
انتقل الى: