سؤال سائل عن طائر حط على ربض المدينة أرأسه أفضل وأعز أم ذَنَبه؟ .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
سؤال سائل عن طائر حط على ربض المدينة على مدونة عبدالله المسافر بالله
سؤال سائل عن طائر حط على ربض المدينة أرأسه أفضل وأعز أم ذَنَبه؟ المثنوي المعنوي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا
سؤال سائل عن طائر حط على ربض المدينة أرأسه أفضل وأعز وأشرف وأكرم ؟
أم ذَنَبه ؟! وجواب واعظ عليه بقدر فهمه
- سأل سائل " ذات يوم أحد الوعاظ قائلًا : يا من أنت لائق بالمنبر الأسنى ،
130 - إن لدى سؤالًا يا ذا اللباب ، فأجبني عليه في هذا المجلس :
- على رأس البرج حط طائرٌ ، فهل رأسه أفضل أو ذيله ؟ ! !
- قال : إذا كانت رأسه إلى المدينة وذيله إلى القرية ، فاعلم أن رأسه أفضل من ذيله .
- وإذا كان ذيله ناحية المدينة ورأسه ناحية القرية، فكن تراباً لذلك الذيل ، ودعك من رأسه!!
- إن الطائر يطير بجناحه نحو عشه ، وجناح الإنسان هو الهمة أيها الناس .
135 - والعاشق الذي لوث بالخير والشر ، لا تنظر إلى خيره وشره ، بل أنظر إلى همته .
- والبازي حتى وإن كان أبيض بلا نظير ، إذا كان صيده الفأر فقد صار حقيراً .
- وإذا كان بومة وميله إلى الملك ، فهو فوق البازي ، ولا تنظر إلى العرف « 1 » .
- والإنسان وهو على قدر طست من الخمير ، قد سما على السماوات وعلى الأثير .
- فهل سمعت السماء قط آيةكَرَّمْناتلك التي سمعها الإنسان كثير الأحزان .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 93 :
- ولو جندل الكلب النمر والذئب ، فهو أسد الميدان بلا ريب ولا شك . إن الآدمي معجون من قبضة طين ، وجاوز الفلك والكواكب بقلبه .
« 42 »
140 - وهل عرض أحدهم على الأرض والفلك الحسن والعقل والعبارات والهوس ؟ ! !
- فهل تجليت قط على السماوات . . . يا جمال الوجه وأيتها الإصابة في الظن ؟ !
- وهل عرضت قط أيها الولد أمام صور الحمام جسدك الفضي ؟ ! !
- فهل تمر على هذه النقوش التي تشبه الحور ، وتتجلى أمام عجوز نصف عمياء ؟ ! !
- فما الذي في العجوز ولم يكن فيها ، بحيث اختطفتك من هذه النقوش ؟ ! !
145 - إنك لا تقول ، لكني أقول لك مبيناً ، إنه العقل والحس والإدراك والتدبير والروح .
- إن في العجوز روحاً قائمة بالامتزاج ، وليس في صورة الحمام روح .
- ولو تحركت صورة الحمام ، فإنها تفصلك عن العجوز في التو واللحظة .
- وما ذا تكون الروح ، إنها العالمة بالخير والشر ، وهي الفرحة من الإحسان والباكية من الضرر .
- ولما كان الوعي هو سر الروح وماهيتها ، فكل من هو أكثر وعياً أقوى روحاً .
150 - وتأثير الروح هو الوعي ، وكل من لديه وعى أكثر فهو إلهي .
- ولما كان الوعي هو لازمة الروح أيها القلب ، فكل من هو أكثر وعياً أقوى روحاً .
- وعالم الروح بأسره عالم من الوعي ، وكل من لا روح له فهو فارغ من العلم .
- ولو كانت العلوم خارج هذا الأصل ، لكانت تلك الأرواح جماداً في ذلك الميدان .
« 43 »
- لقد كانت الروح الأولى مظهراً للبلاط ، أما روح الروح فقد صارت مظهراً لله .
155 - لقد كان أولئك الملائكة بأجمعهم عقلا وروحاً ، ثم خلقت الروح الجديدة ، وكانوا جسداً لها .
- وعندما وقعوا على تلك الروح صاروا من سعادتهم خدما لها كأنهم الجسد .
- إن إبليس ذاك قد عصى تلك الروح لأنه لم يتوحد بالروح وكان عضوا ميتاً .
- ولما لم تكن له روح لم يصر فداءً لها ، ولم يطع الروح ذلك المبتور اليد .
- والروح لم تنقص بانفصال ذلك العضو عنها ، وذلك أنها تستطيع بيدها أن تقوم بالوجود .
160 - وهناك سر آخر فأين أذنٌ أخرى ؟ ! ! وأين الببغاء المستعد لذلك السكر ؟ !
- ولخواص الببغاوات سكر كثير ، وعوام الببغاوات نالت نصيباً من ذلك الطعام ! !
- ومتى يتذوق درويش الصورة من تلك الزكاة ، إنها معنى وليست بحراً من الشعر ! !
- وليس السكر بممنوع من حمار عيسى ، لكن الحمار بطبعه محب للتبن .
- ولو كان السكر مزيداً لطرب الحمار ، لصب أمام الحمار قنطاراً من السكر ! !
165 - فاعلم أن هذا هو معنىنَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ، وهذا أمرٌ مهم بالنسبة للسالك .
- حتى عن طريق خاتم الأنبياء ، ربما يرفع عن الشفة ذلك الختم الثقيل .
- وذلك أن الأختام التي تركها الأنبياء قد رفعت بالدين الأحمدي .
« 44 »
- كانت قد بقيت عنهم أختام لم تفتح ، فكنها فتحت بكف من نزلت فيهإِنَّا فَتَحْنا! !
- فهو شفيع لهذه الدنيا وتلك الدنيا ، " يوجه هذه " الدنيا صوب الدين ، والأخرى صوب الجنان ! !
170 - وتقول هذه الدنيا : أبِد لهم الطريق ، وتقول تلك الدنيا : أبِد لهم القمر ! !
- وإن عمله في الظهور وفي الكمون ، مصداقا لقوله : [ اهد قومي إنهم لا يعلمون ] .
- وبنفسه انفتح كلا البابين ، ودعوته في الدارين مستجابة .
- ومن هنا صار " الخاتم " فما كان له مثيل في الجود ولكن يكون .
- وعندما يبز أستاذ في صنعته ، ألست تقول له : ختمت الصنعة بك .
175 - إنك " الخاتم " في فتح الأختام ، وأنت " حاتم " في عالم واهى الروح .
- إن إشارات محمد صلى اللّه عليه وسلم هي المراد ، إنها فتح كلى في فتح في فتح .
- فمئات الآلاف من الثناء على روحه ، وعلى قدومه وعلى نوبة أبنائه .
- سواءٌ كانوا من بغداد أو هراة أو الري ، هم أبناؤه دون امتزاج الأجساد .
180 - وحيثما ينبت غصن الورد يكون ورداً ، وحيثما يغلى دن الخمر يكون خمراً ! !
- ولو أن عين الشمس تطل من المغرب ، فهي عين الشمس وليست شيئاً آخر .
- فاجعل الباحثين عن الغيب عمياناً عن هذا النفَس بسترك يا الله .
- قال الله : لقد أغلقت عين الخفاش سىء الخصال عن الشمس التي بلا مثال .
- بل إن أنجم تلك الشمس في خفاء عن أنظار الخفاش الوضيع « 1 » .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 95 :
- إن الأنجم كأنها المريد والشمس هي الشيخ ، والشمس في يقينها كالبدر المنير .
« 45 »
ذم النظم العتيقة التي تمنع لذة الإيمان وهي دليل على ضعف الصدق وقاطعة لطريق ألف أبله ، كما قطعت الخراف طريق ذلك المخنث ولم يستطع العبور
وسؤال المخنث الراعي : عجباً هل خرافك تعض ؟ !
فأجاب : إذا كنت رجلا وفيك عرق الرجولة فكلها فداءٌ لك وإذا كنت مخنثا فكل واحد منها أفعى بالنسبة لك . . .
وهناك مخنث آخر عندما يرى الخراف يعود في الحال عن الطريق ولا يجرؤ على السؤال ويخاف . . . ويقول : ربما لو سألت تقع فىَّ الخراف وتعضنى
185 - يا ضياء الحق يا حسام الدين تعال ، يا جلاء الروح ويا سلطان الهدى .
- وامنح المثنوى ساحة مفصلة ، وانفث الروح في صورة أمثاله .
- حتى تصير حروفه بأجمعها عقلًا وروحاً ، وتصير محلقة نحو خلد الروح .
- فهي بسعيك أيضاً جاءت من الأرواح ، نحو شراك الحروف ، وأضمرت فيها .
- وليكن عمرك في الدنيا " كعمر " الخضر ، مزيداً للروح ومعيناً ودائماً .
190 - وتبقى في الدنيا كالخضر وإلياس ، وحتى تصبح الأرض من لطفك كالسماء .
- ولو لم تكن تلك الجلبة التي يقيمها حسادك ، لتحدثت عن لطفك جزءاً من مائة جزء .
- لكن من أولئك الحاسدين ذوى الأنفاس الصفراوية ، قد تلقيت طعنات محطمة للروح .
- ولن أتحدث عن أحوالك في بيانى إلا رمزاً عند ذكرى لأحوال الآخرين .
- ولعل هذه حجة من حيل القلب ، خاصة عندما تكون أقدام القلب مغروسة في الطين .
« 46 »
195 - لقد صار أحدهم عاشقاً للصانع بمائة قلب وروح ، لكن عين السوء وأذن السوء صارت مانعا في طريقه .
- وحتى أبو الطالب الذي كان عم الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، كانت تبدو له شنعة الأعراب شيئاً مهولًا .
- وقال : ماذا يقول العرب عنى ؟ أيقولون : لقد صبأ عن ديننا بتأثير ولده ؟ ! « 1 »
- قال له : يا عم : انطق بالشهادة مرة واحدة ، حتى أدافع عنك أمام الحق .
- قال : لكنهم يسمعون بها وتشيع ، وكل سر جاوز الاثنين شاع .
200 - وأبقى أنا على ألسنة العرب ، وأذل أمامهم لهذا السبب .
- لكن لو كان قد كتبها له في سابق لطفه ، فمتى كان هذا الجبن مع جذبات الحق ؟ !
- فالغياث يا غياث المستغيث ، من التردد في الاختيار الخبيث .
- إنني من حيل القلب ومكره ، قد ذهلت حتى عجزت عن الصراخ .
- ومن أكون أنا ؟ ! والفلك بكل هيلمانه ، صرخ من مكمنه " رافضا " الاختيار .
205 - قائلًا أيها الإله الكريم الحليم ، أنقذنى من التردد في الاختيار .
- إن الجذب إلى الطريق المستقيم مباشرة ، أفضل من التردد بين طريقين أيها الكريم .
- وبالرغم من أن المقصد كله من هذين الطريقين هو أنت ، لكن نزع الروح يتأتى من هذه الإثنينية .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 129 :
- لقد بقي في منصب آبائه وأجداده ، لكنه فيما يخص أحمد ساق هذا الضلال وتائبه ذلك الرسول الطاهر المجتبى ، من أجل أن يخلصه وينجيه .
« 47 »
- ومن هذين الطريقين بالرغم من أن العزم ليس إلا إليك ، لكن القتال ليس كاللهو على آية حال .
- فاستمع في القرآن بيان " هذه النقطة " من الله في آية (أَشْفَقْنَأَنْ يَحْمِلْنَها) .
210 - وهذا التردد في القلب كأنه الوغى ، فالمرء يتساءل : ترى أهذا أفضل أم ذاك بالنسبة لحالى ؟ ! !
- فكلاهما يصطدم بالآخر في هذا التردد ، فالخوف ورجاء الخير في كر وفر « 1 » .
مناجاة ، والتجاءٌ إلى الله من فتنة الاختيار وفتنة أسباب الاختيار ،
فإن السماوات والأرضين جأرت بالشكوى من الاختيار وأسباب الاختيار ،
وخافت ثم جاءت خلقة الآدمي مولعة بطلب الاختيار وأسبابا لاختيار عنده ، كما يكون مريضا ويرى لنفسه اختياراً فليلا فيريد الصحة وهي سبب الاختيار حتى يزيد اختياره ،
ويريد المنصب حتى يزيد اختياره ، ومهبط القهر في الأمم الماضية كان فرط الاختيار
وأسباب الاختيار ، فلم ير أحد فرعون متضرعاً قط
- إن هذا « 2 » الجزر والمد قد وصل إلىّ في البداية منك ، وإلا فإن هذا البحر كان ساكناً أيها المجيد ! !
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 130 :
- ومن هذا التردد لتكن عاقبتنا خيرا ، فاجعل أرواحنا سعيدة يا الله .
( 2 ) ج 13 / 141 :
- يا أيها الكريم ذا الجلال الرؤوف ، يا دائم المعروف ويا ملك الدنيا
- يا كريم العفو حي لم يزل ، يا كثير الخير ، يا مليكاً بلا بديل .
« 48 »
- وأيضا فلأنك أعطيتني هذا التردد ، اجعلني بكرمك خاليا من التردد .
- أم تراك تبتلينى ؟ الغياث ، يا من الذكور من بلائك كالإناث .
215 - فحتام هذا الابتلاء ؟ لا تفعل يا إلهي ، امنحنى دينا واحداً ولا تجعلني أتبع عشرة أديان ! !
- إنني بعير نحيل جريح الظهر ، ومن الاختيار أصبح شكلى كالسرج .
- فهذا العِدل يصير حيناً ثقيلًا من هذه الناحية ، وذلك العدل حينا يصير جارّا ( إياي ) من تلك الناحية .
- فالق من فوقى الحمل غير المتوازن ، حتى أرى روضة الأبرار .
- ومثل أصحاب الكهف أرعى من بستان الجود ، وهم ليسوا بأيقاظ بل هم رقود .
220 - أكون نائماً على اليمين أو على اليسار ، ولا أصير إلا مثل كرة بلا اختيار .
- وأصير بتقليبك ذات الشمال أو ذات اليمين يا رب الدين .
- كنت آلاف السنين في طيران ، مثل الذرات في الهواء بلا اختيار .
- فإذا كنت نسيت ذلك الوقت والحال ، فعندي منه تذكار هو الارتحال في النوم .
- فانجو من هذا الصليب ذي الفروع الأربعة ، ومن هذا المناخ " المضيق " ارتع في ساحة الروح .
225 - وإنني أتذوق لبن الأيام الماضية من حاضنة النوم أيها الصمد .
- وكل الناس يهربون من اختيارهم ووجودهم في رؤوسهم المنتشية الثملة .
- ولكي يتحرروا لحظة من الوعي ، يضعون على أنفسهم عار الخمر والزمر .
« 49 »
- فلقد علموا جميعهم أن هذا الوجد فخ ، وإن التفكير في الاختيار وتذكره من قبيل جهنم .
- فهم يهربون من الذات إلى التجرد عن الذات ، إما بالسكر أو بالعمل . . . أيها المهتدى .
230 - وإنك لتجذب النفْس من ذلك العدم ، ذلك لأنها صارت في انعدام الوعي معدومة السلطة « 1 » .
- " ليس للجن ولا للإنس أن ، ينفذوا من حبس أقطار الزمن
- " لا نفوذ إلا بسلطان الهدى ، من تجاويف السماوات العلى
- لا هدى إلا بسلطان بقي ، من حراس الشهب روح المتقى " « 2 » .
- وليس لأحد طريق إلى حظيرة الكبرياء إلا عندما يكون فانياً .
235 - فما هو معراج الفلك ؟ ! إنه هذا العدم ، والعدم هو مذهب العاشقين ودينهم .
- إن السترة الحلبية والحذاء الريفي هما محراب اياز من ضراعته في طريق العشق .
- بالرغم من أنه كان محبوباً للملك ، وكان لطيفاً جميلًا ظاهراً وباطناً .
- لقد صار خاليا من الكبرياء والرياء والحقد ، وصار وجهه مرآة لحسن السلطان .
- وعندما ابتعد عن وجوده ، كان منتهى أمره محموداً .
240 - ومن هنا كان تمكين اياز أكثر قوة ، لأنه كان يحترز خوفا من الكبر .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 142 : وينبغي العدم إذ أنه من الحق ، حتى يرى فيه حسن الأحد .
( 2 ) بالعربية في المتن .
« 50 »
- كان قد تهذب وصار مقداما ، وقطع رقبتي الكبر والنفْس .
- فإما أنه كان يقوم بهذه الأمور من أجل التعليم ، أو من أجل حكمة بعيدة عن العقول .
- أو أنه أحب رؤية حذاءه الريفي ، فان للوجود عُلقة بنسيم العدم .
- فما دام يفتح ذلك القبر الذي يفضى إلى العدم ، يجد نسيم السرور والحياة « 1 » .
245 - إن الأفلاك والأموال والثياب الفاخرة في هذا المرحلة ، هي بمثابة السلاسل على الروح خفيفة السير .
- لقد رأت الروح السلسلة الذهبية وأصابها الغرور ، فبقيت في قعر جب محرومة من الوادي .
- إن صورتها جنة ، لكنها جحيم بالمعنى ، إنها أفعى ممتلئة سما وصورتها صورة حسناء .
- وبالرغم من أن سقر لا تضر المؤمن ، لكن من الأفضل له أن يتجازوها .
- وبالرغم من أن الجحيم يبعد عنه النكال ، لكن الجنة أفضل له على كل حال .
250 - فالحذر أيها الناقصين من هذه الحسناء ، التي تكون جحيماً عند الصحبة « 2 » .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 142 : وما لم يغلق القبر على هؤلاء الموتى ، تأتى رائحة سرور تلك الدنيا .
( 2 ) ج 13 / 142 - 143 :
- الفرار أيها الغافلون من هذه الروضة ، فهي في الحقيقة أسوأ من مستودع القمامة
- وحذار أيها الجهال من ذلك الورد بالسكر ، الذي يحرق الفم كالشرر
- وحتام أقول لك أن هذا العسل ، زهر " قتال ، فابتعد عنه - لكن قولي بدى لك مرا ، وأخذ النوم يغلبك من موعظتى
- فافق لحظة واحدة آخر أيها السيد ، وانتفع بحياتك هذه - هيا اسلك الطريق واترك اللحية ، وفتش في الفناء والعدم
« 51 »
حكاية الغلام الهندي الذي أحب ابنة سيده في السر وعندما عقدوا للفتاة
على ابن عظيم وعلم الغلام مرض وأخذ يذوب ، ولم يكن للطبيب قط أن يعرف علته
ولم تكن له جرأة على الحديث
- كان لأحد السادة عبد هندى ، قام بتربيته وتنشئته واحيائه .
- علمه العلم والأدب على خير وجه ، وأشعل في قلبه شموع الفضل .
- ورباه منذ طفولته على العز . . . في كنف لطفه . . . ذلك المكرم .
- وكان للسيد أيضاً ابنة جميلة قضية القوام حسناء حسنة الجوهر .
- ومن طرف كل الكبراء كان يأتي خاطب للبنت لحظة بلحظة .
- قال السيد : ليس للمال ثبات ، إنه يأتي نهاراً ويمضى بدداً ليلًا .
- وحسن الصورة أيضاً ليس له اعتبار ، فان الوجه يصفر من وخزة شوكة .
- ومن السهل أيضاً بالنسبة لطيب الأصل أن يكون مغترا بماله وخيله .
260 - ورب ابن لعظيم صار من فتنته وشره وفعله السىء عارا على أبيه .
- وكثير الفضل وإن كان نفيساً ، فهو قليل العبادة ، واعتبر من إبليس .
- كان عنده العلم ، لكن لما كان خاليا من العشق ، لم ير من آدم إلا صورة الطين .
- فبالرغم من أنك تعلم العلم بدقة أيها الأمين ، إلا أنه لا تتفتح منك عينان ناظرتان إلى الغيب .
- انه لا يرى سوى عمامة ولحية ، لكنه يسأل عمن يعرفه بأحواله كثيرها وقليلها .
265 - ويا أيها العارف إنك فارغ ممن يعرفك ، فأنت ترى بنفسك لأنك نور بازغ .
« 52 »
- وأمر التقوى والدين والصلاح الذي يكون منه له في الدارين الفلاح .
- فاختار زوجا صالحا كان فخر أهل وعشيرته .
- ثم قال النسوة : لا مال له . . . ولا عظمة عنده . . . ولا حسن . . . ولا استقلال .
- قال : إنها أمور تابعة للزهد والدين ، وهو بلا ذهب كنز فوق الأرض .
270 - وعندما شاعت جدية أمر تزويج الفتاة ، وجهاز العرس والعلامات والقماش .
- سرعان ما صار الغلام الصغير الذي في الدار مريضا ونحيلا .
- أخذ يذوب كمريض السل ، وقليلا ما عرف طبيب علته .
- كان العقل يقول أن علته من القلب ، ودواء الجسد باطل في غم القلب .
- ولم يتحدث ذلك الغلام الصغير عن حاله ، ومن أي شئ كان يأتيه الوخز في صدره ! !
275 - فقال الزوج لزوجته ذات ليلة : استفسرى " منه " عن حاله في خلوة .
- فأنت منه في منزلة أمه ، ولذلك قد يبثك همه .
- وعندما سمعت السيدة هذا الكلام ، اقتربت في اليوم التالي من الغلام .
- وأخذت تلك السيدة تمشط شعره بحنان شديد وبرفق وود .
- ولا طفته كما تفعل الأمهات الحنونات ، حتى تحدث قائلًا :
280 - لم يكن أملى منك أن تزوجى الفتاة لغريب معتد .
- إنها ابنة سيدي ، وكبدي ممزق من أجلها . وأليس من الخسارة أن تمضى إلى مكان آخر ؟ !
- فهت تلك السيدة بضربه وإلقائه من فوق السطح نتيجة لما اعتراها من غضب .
« 53 »
- فمن يكون هو ؟ ! هندى ابن زانية يطمع في بنت سيده ؟ !
- لكنها قالت لنفسها : الصبر أولى ، وضبطت نفسها ، ثم قالت للسيد : اسمع هذه العجيبة .
285 - إن مثل هذا العبيد خائنٌ بينما كنا نظنه ثقة « 1 » .
أمر السيد لأم الفتاة بالصبر قائلًا : لا تنهرى الغلام فسوف أورده عن هذا الطمع دون عقاب
بحيث لا يحترق السفود ولا يبقى الشواء نيئاً
- قال السيد : اصبرى وقولي له . . . إننا سوف نفصل بينها وبين " الزوج المرتقب " ونعطيها لك .
- فربما أخرج هذا " الأمر . " من قبله . . . وشاهدي أنت كيف سأصرفه عنه .
- اجعليه راضيا وقولي له : اعلم حقيقة أن ابنتنا هي يقينا زوجتك .
- ونحن لم نكن نعلم أيها الخاطب الطيب ، وما دمنا قد علمنا فأنت أولى " بها " .
290 - و " لتبق " نارنا في تنورنا ، إن ليلى عندنا وعندنا أيضاً المجنون بها .
- حتى يطيب خياله ويطيب فكره ، إن الأفكار الحلوة تجعل المرء سميناً .
- إن الحيوان إنما يسمن بحسن مرعاه ، اما الإنسان فيسمن من العز والشرف .
- إن الإنسان يسمن عن طريق الأذن ، والحيوان يسمن عن طريق الحلق وحلو " الطعام " .
- فقالت تلك السيدة : متى يتحرك فمي بهذا العار المهين ؟ !
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 161 :
- لقد حدثني عن أحواله وقال كذا * وأردت من غضبى أن أقتله
« 54 »
295 - وكيف ألوك هذا الهذر من أجله ، قل له فليمت هذا الخائن المتطبع بطبع إبليس .
- قال السيد : لا ، لا تخافي بل خادعيه بلطف القول ، حتى تذهب العلة عنه من هذا اللطف الطيب .
- ولك العهد بأن صده على أنا أيتها المحبوبة ، واتركى الأمر حتى يشفى ذلك الذي يجدل برقه ! !
- وعندما تحدثت السيدة إلى المريض هكذا ، لم تكن الأرض تسعه من الفرح .
- سمن وامتلأ واحمر وتفتح كالوردة الحمراء ، وأمطرها بآلاف من الشكر .
300 - لكنه كان يقول بين الآن والآخر : لا كان هذا يا سيدتي احتيالا وخدعة « 1 » .
- وأقام السيد احتفالا ووليمة ، ليعلن فيها : إنني سوف أصاهر " فَرَجاً " ! !
- حتى يقوم المدعوون بالخداع والهرج قائلين : بارك الله في هذه المصاهرة يا فرج ! !
- حتى ازداد فرج يقينا من هذا الكلام ، وذهبت عنه العلة كلية من الأساس .
- وبعد ذلك في ليلة العرس ، خضب أحد المُرد بالحناء مخادعاً وكأنه امرأة .
305 - وملأ ساعده بالزينة والحلى كالعروس ، لقد أبدى له دجاجة لكنه أعطاه ديكاً .
- وألبس ذلك الجلف الأمرد حجاباً وحلة عروس غالية .
- وفي الخلوة قام بإطفاء الشمع سريعاً ، وبقي الهندي مع مثل ذلك السوقي الفظ .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 164 :
- لكن السيدة كانت تؤكد له قائلة : إننا ننجز هذا الأمر فطب نفساً ! !
وعندما رأى السيد أنه قد سمن واحمر وذهبت عنه العلة وأفاق ، أخذ يقوى قلبه بالخداع والكلام المعسول ، حتى يزداد سروره وكأنه الديك .
« 55 »
- وأخذ الهندي المسكين يصرخ ويستغيث، لكن أحداً في الخارج لم يكن يسمع من نقر الدفوف.
- فإن ضرب الدفوف والتهليل من الرجال والنساء ، أخفت صياح ذلك المستغيث .
310 - ظل " ذلك الأمرد " حتى الصباح يلوط بذلك الهندي المسكين ، فكيف يكون خرج من الدقيق أمام كلب ؟ !
- وفي الصباح جاءوا بالطاس والزمر الكبير ، وذهب فرج إلى الحمام كعادة العرسان .
- ذهب إلى الحمام مريض الروح ، ممزق البر كملابس الوقادين .
- وجاء من الحمام إلى المخدع ، و " ليتم " الخداع جلست الفتاة أمامه " على أنها " العروس .
- وجلست أمها هناك للمراقبة ، إذ لا ينبغي أن يقوم بامتحان " الأمر " نهاراً .
315 - ونظر إليها برهة مستنكراً ، ثم أخذ يفرد أصابع يديه كليتهما في وجههما معترضاً .
- وقال : لا كان لاحد اتصال بمثلك عروساً قبيحة سيئة الفعال .
- إن وجهك في النهار هو وجه السيدات النضر ، وذكرك القبيح ليلًا أسوأ من ذكر الحمار ! !
- وكذلك يكون كل نعيم هذه الدنيا ، يبدو جميلًا على البعد وقبل الامتحان .
- إنه يبدو للنظر على البعد ماءً ، حتى إذا جئته وجدته سراباً بقيعة .
320 - إنها عجوز نتنة ، ومن شدة نفاقها وخداعها ، تبدى نفسها كالصبية العروس .
« 56 »
- فانتبه ، ولا يغرنك خضابها ، ولا تتذوق من عسلها الممزوج بالوخز .
- وأصبر فالصبر مفتاح الفرج ، حتى لا تسقط مثل " فرج " في مائة حرج .
- إنها واضحة " الحب " لكنها خفية الفخ ، يبدو لك إنعامها حلوا في أوله .
في بيان أن هذا الغرور لم يكن عند هذا الهندي وحده بل إن كل إنسان مبتلى
بهذا الغرور في كل مرحلة إلا من عصمه الله
- وعندما تتصل بها . . . يا ويلتاه ، يشتد أنينك ونواحك ندماً ! !
325 - إنها إمارة ووزارة وملوكية . . . بالاسم ، وفي باطنها الموت والألم والأحتضار ! !
- فكن عبداً " لله " وسر على الأرض كالجواد ، لا كالنعش الذي يحمل على الأعناق ! !
- وإن الكفور يريد جميع " الناس " حمالين له ، يأتون به إلى القبر كالفارس الميت .
- إن كل من تراه في النوم في هيئة الفارس عالي الركاب ، " تعبيره " أنه يكون في جنازة .
- إن ذلك التابوت يكون حملا على كواهل الخلق ، وهؤلاء الكبار ألقوا بأحمالهم على الخلق .
330 - فلا تضع حملك على أحد وضعه في نفسك ، وكفاك طلباً للرئاسة ، فالدرويش أفضل .
- ولا تعتل أعناق الخلق متخذاً منها مركباً ، حتى لا تصاحب بالنقرس في كلتا قدميك .
« 57 »
- والمركب الذي تعترض عليه في النهاية ، عندما تعجز في مدينة خربة أو قرية خربة .
- اعترض عليه الآن ما دامت المدينة " العامرة " قد ظهرت لك ، وحتى لا يلزمك أن تلقى عصاك في الخراب ! !
- اعترض عليه الآن فلك مائة بستان ، حتى لا تصير عاجزاً عابداً للخراب .
335 - قال الرسول صلى اللّه عليه وسلم : إذا كنت تريد الجنة من الإله فلا تطلب شيئاً من أحد .
- وعندما لا تريد شيئاً من أحد فأنا كفيل لك بجنة المأوى ولقاء الله .
- وذلك الصحابي صار طامعا في هذه الكفالة وكان قد ركب ذات يوم .
- فوقع سوطه من كفه ، فنزل هو بنفسه ولم يطلبه من أحد .
- وذلك الذي لا يتأتى من عطائه أي سوء ، يعمل ويعطى دون طلب .
340 - وإذا أردت بأمر الحق فهذا جائز لك ، ومثل هذا الطلب هو طريق الأنبياء .
- ولا يبقى سوء ما دام الحبيب قد أشار ، لقد صار الكفر إيماناً ما دام الكفر من أجله .
- وإن كل سوء يقدمه أمره ، يَجُب كل حسنات العالم .
- وإذا كان الجلد يتألم من ذلك الصدق ، فلا تعترض . . . ففيه مئات الآلاف من الدرر .
- وهذا الكلام لا نهاية له فعد صوب الملك وكما يعود البازي .
345 - وعد إلى المنجم الذي يحتوى على الذهب الخالص ، حتى تتحرر يداك من " استخدامها " في الاعتراض ! !
« 58 »
- فعندما يعطى عابد لصورة الطريق إلى القلب ، فإنه من ندمه يقوم في النهاية بالاعتراض .
- واللص الذي يفيض مرارة عند القطع ، إنما يشنع " بيديه " على لذة السرقة . . . وكأنه امرأة ! !
- لقد رأيت حركة تشنيع واعتراض " باليد " من حزين ، انظر إلى التشنيع من هذا المبتور اليد .
- وأيضاً فالمزور والمجرم والفاسق ، عند تجرع المرارة يقومون بالتشنيع على اللهو واللذة .
350 - وانهم ليتوبون ، لكن كتوبة الفراش ، ويجرهم النسيان ثانية نحو نفس العمل .
- وكتلك الفراشة ، رأت النار نوراً من بعيد ، فعقدت إليها الأحمال .
- وعندما جاءتها وأحرقت جناحها ، هربت ، ثم سقطت ثانية كالأطفال وسكبت الدموع .
- ومرة ثانية على الظن وطمعا في النفع ، ألقت بنفسها على نار ذلك الشمع سريعاً .
- فاحترقت ثانية أيضاً ، وتقهقرت ، ثم جعلها حرص القلب مرة ثانية ناسية ثملة ! !
355 - وفي ذلك الوقت الذي كانت تتقهقر فيه من الاحتراق ، كانت كالهندى " إياه " يعترض على الشمع بحركة يده ! !
- قائلة له : يا منير الوجه كقمر يضئ بالليل ، ويلاه من الصحبة الكاذبة التي تحرق المغرور .
- ثم تمضى عن ذاكرتها مرة ثانية التوبة والأنين ، مصداقا ل « أوهن الله كيد الكائدين » .
« 59 »
.
يتبع