منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي   المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:19 pm

المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ ابن العربي مع شرح ست العجم بنت النفيس البغدادية

“ 42 “
المشهد الأول “ 1 “ مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان 
بسم الله الرحمن الرحيم
أشهدني الحق بمشهد نور الوجود ، وطلوع نجم العيان ، 
وقال لي : من أنت ؟ 
قلت : العدم الظاهر . 
قال لي : والعدم كيف يصير وجودا ؟ لو لم تكن موجودا لما صح وجودك ؟ 
قلت : ولذلك قلت “ 2 “ : العدم الظاهر . وأما العدم الباطن فلا يصح وجوده . 
ثم قال لي : إذا كان الوجود الأول عين الوجود الثاني ، فلا عدم سابق ، ولا وجود حادث ، وقد ثبت حدوثك . 
ثم قال لي : ليس الوجود الأول عين الوجود الثاني . 
ثم قال لي : الوجود الأول كوجود الكليات ، والوجود الثاني كوجود الشخصيات . 
ثم قال لي : العدم حق ، وما ثم غيره ، والوجود حق ليس غيره . 
قلت له : كذلك هو . 
قال لي : أراك مسلّما تقليدا ، أو صاحب دليل ؟ 
قلت : لا مقلد ، ولا صاحب دليل . 
قال لي : فأنت لا شيء . 
قلت له : أنا الشيء بلا مثلية ، وأنت الشيء بالمثلية . 
قال : صدقت .
................................................
( 1 ) في النسخ ( ط ) : ( الفصل الأول ) بدلا من المشهد الأول . وآية بسم اللّه الرحمن الرحيم غير موجودة في سائر النسخة ( ط ) عند هذه المشاهد . 
( 2 ) بين علامتين وضع في النسخة ( ط ) كلمة " أنا " أي : أنا العدم الظاهر .

“ 43 “
 
ثم قال لي : ما أنت بشيء ، ولا كنت شيئا ، ولست على شيء . 
قلت له : نعم : لو كنت شيئا ، لأدركني جواز الإدراك. ولو كنت على شيء لقامت النسب الثلاث . ولو إني الشيء لكان لي مقابل ، ولا مقابل لي . 
ثم قلت له : وجدت في الأبعاض ولم أوجد ، فأنا مسمى من غير اسم ، وموصوف من غير وصف ، ومنعوت بلا نعت ، وهو كمالي . وأنت مسمى بالاسم ، وموصوف بالوصف ، ومنعوت بالنعت ، وهو كمالك . 
ثم قال لي : لا يعرف الموجود إلا المعدوم . 
ثم قال لي : لا يعرف الموجود على الحقيقة إلا الموجود . 
ثم قال لي : الوجود مني ، لا منك ، وبك ، لأبي . 
ثم قال لي : من وجدك وجدني ، ومن فقدك فقدني . 
ثم قال لي : من وجدك فقدني ، ومن فقدك وجدني . 
ثم قال لي : من فقدني وجدني ، ومن وجدني لم يفقدني . 
ثم قال لي : الوجود والفقد لك لالي . 
ثم قال لي : الوجود والفقد لي ، لا لك . 
ثم قال لي : كل وجود لا يصح إلا بالتقييد ، فهو لك . وكل وجود مطلق فهو لي . 
ثم قال لي : وجود التقييد لي ، لا لك . 
ثم قال لي : الوجود المفروق لي بك ، والوجود المجموع لك بي . 
ثم قال لي : وبالعكس . 
ثم قال لي : الوجود بالأولية غير وجود ، ودونها هو الوجود الحقيقي . 
ثم قال لي : الوجود بي ، وعني ، ولي . 
ثم قال لي : الوجود عنّي ، لأبي ، ولا لي . 
ثم قال لي : الوجود لا بي ، ولا عني ، ولا لي . 
ثم قال لي : إن وجدتني لم ترني ، وإن فقدتني رأيتني . 
ثم قال لي : في الوجود فقدي ، وفي الفقد وجودي . فلو اطلعت على الأخذ لوقفت على الوجود الحقيقي .
.

مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس    المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:19 pm

المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس 

الشيخة الصالحة العالمة الزاهدة
ست العجم بنت النفيس بن أبي القاسم البغدادية
المتوفاة بعد سنة 852 ه‍

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المشهد الأول
( ص ) [ قوله : ( أشهدني الحق بمشهد نور الوجود وطلوع نجم العيان ، وقال لي :
من أنت ؟ قلت : العدم الظاهر ، قال لي : والعدم كيف يصير وجودا لو لم تكن موجودا ما صح وجودك ) ] .

( ش ) أقول : مراده بهذا التنزيل إظهار حقيقة شهوده للحق تعالى في حال إلقائه للجسد ، وقيامه في الصورة المقابلة وهي صورة الباطن .
ومعنى قوله : ( أشهدني ) أي : أيقظ لي الدراكة بزيادة ناظر ظلي نافذ إلى جهة الباطن ، فشهدت صورته في محل تمايز الوجود ، ولهذا قال : ( بمشهد نور الوجود ) لأن النور هو المميز ، فأراد به شهوده في محل تمايز الوجود الذي هو النور ، وصورة هذا الشهود هو أن اللّه تعالى يقيم نوره مرآة ، وينظر صورته في تلك المرآة فيجدها منطبعة فيه ، فالمنطبع هو صورة الشاهد ، والناظر هو اللّه تعالى ، فيحصل للشاهد الملاحظة في هذا النظر بخصوص جذب وهبه اللّه ، دون من ليس له ذلك ، فبواسطة الجذب يتنبه هذا الشاهد على الاطلاع ناظرا إلى اللّه تعالى ، وقال اللّه تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [ القيامة 22 - 23 ] ، وهذا الشاهد في حال إلقائه الجسد يكون في حكم يومئذ وكيفية الشهود هو إلقاء الجسد الظاهر إما بإرادة ، وإما بجذب ، وقيامه في الصورة المنطبعة الظلية في عالم الباطن ، وهذا يكون لغير الكامل ، وأما الكامل فلا يشترط أن يكون بشهوده في اسم واحد ، بل قد يكون ثمّ شهوده محيطا بالأسماء كلها وفيما وراءها ، وفيما دونها ، وعن الصفات ، فلهذا لا يلج إن خلعه في أي اسم أراد ، وأريد له بخلاف غيره من المشاهد ، فإن غيره لا يتجاوز الباطن لأن الصوري لا يتجاوز هذا الاسم ، وأما قولنا : صورة الشهود أنها صورة ظلية فلأن كل من ينطلق بالظاهر ، فإنه يتعقل له ضدا ، فهذا الضد هو محل الانطباع الباطني المسمى بالمرآة ، فالشهود فيه يباين الشهود العياني الظاهر ، وإن كان ظله ، لكنه يباينه إدراك ، وشدة الظهور النوري ، وأيضا فإن الشهود يتضمن الاطلاع ، لكن الاطلاع ينقسم إلى اطلاع متمكن وغير متمكن .
فالشهود المكرر في قوله : ( أشهدني ) هو ذو التمكين ، والشهود المألوف الدائم هو العاري عن التمكين ، لا كل حي شاهد في الظاهر ، فإذا كرر الحي الشاهد قوله : ( أشهدني )

“ 69 “


عن الشهود المتمكن اليقيني ، لكن لا يطلق الشهود والمتمكن إلا عند تمكين المعرفة فليس قوله له : ( أشهدني ) مثل قول القائل : أوقفني وأطلعني ، لأن الاطلاع يطلق على تحصر البصر في قريب والدليل على ذلك أن كلما بعد عن البصر ، فإن البصر لا يحكم عليه بحصر أي : لا يحيط به ، وقد قال الشاعر في هذا المعنى :
أعد نظرا فالظن كالعين لا يرى * على البعد أبعاد الجسوم كما هيئا
فالشهود في قوله : ( أشهدني ) يباين الاطلاع ، وأما مباينته للوقفة فمن حيث أن كل من قال أوقفني ، فإنه يعني به الوقوف في محل يقتضي به الوقفة لا يقدر على الانفصال منه جريا إلى حيث رجوعه من ذلك الخلع بعينه ، بخلاف الناطق بالشهود ، فإنه يعريه إلى محل عام تندرج تحته الوقفة والشهود والاطلاع ، فأما وقفته ففي محله اللائق بعموم شهوده كقوله عليه السلام : “ زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها “ 1 “ “ .
وأما اطلاعه فتقييد بصره لما يسمع بشهوده بشرط قوله : ( أشهدني ) ، وأما شهوده العام المباين بالوقفة فلا يكون إلا بعد الاطلاع والوقفة حتى يحصل له عموم الشهود بأنها مقامات متعددة والشهود يعمها .
فقوله : ( أوقفني ) متفرد بنفسه يباين الشهود لأجل تقيده عن الجري كما ذكرنا إذ من شروط الشهود الجري والوقفة مع الاطلاع اللائق بها تستند إلى المهلة ، فإن الواقف يباين الجاري في مضمار الشهود ، والواقف قد نفى عن نفسه الجري بقوله : ( أوقفني ) والاطلاع أيضا مقيد بحصر البصر كما ذكرنا والناطق بالشهود كما تقدم شاهد في جريه ، ولهذا يعم شروط المراتب المذكورة .
فقوله : ( أشهدني ) يعني به الشهود ذا الجري لأن لفظ الكامل بالشهود يباين لفظ الناقص ، وإن كانا مشتركين في اللفظ ، فإن الكامل يضع لفظ شهوده في محله والناقص ينطق به مزعزعا عن محله اللائق به ، وعند الامتحان بالمعرفة يفترق الناقص والكامل ولا يعرف هذا إلا متمكن كامل .
وقوله : ( أشهدني الحق ) يريد به شهوده لصورة الحق بهذه الصفة في حال تيقظ الدراكة كما ذكرناه ، وصورة هذا التيقظ هو استمداد الزيادة المذكورة لأجل بطون الدراكة الظاهرة بظهور الدراكة الباطنة ، لأن الإدراك هاهنا في عالم الظاهر جزئي والإدراك
.................................................................
( 1 ) رواه مسلم ( 4 / 2215 ) ، وأبو داود ( 4 / 97 ) ، والترمذي ( 4 / 472 ) ، بنحوه .

“ 70 “


في عالم الباطن كلي من أجل أن الظاهر متجزئ والباطن متحد ، فمن كمل وشهد هذا الشهود الكلي ، كان قادرا على الخلع بحكم مشيئته ، وصورة هذا الخلع هو إلقاء الجسد الظاهر بغير تألم في حالة بين الموت والحياة لا بين النوم واليقظة ، فأما خصوصه بالحالة المذكورة أولا وهي حالة ما بين الموت والحياة لأنه لا معنى للشهود الكشفي إلا الاطلاع على ما أخفي ، ويصطحب ذلك الاطلاع عموم الشهود ، ولا معنى لخلع البدن إلا إلقاء الجسد بالقدرة على مفارقة الحياة المعهودة ، فمن اتصف بهذه الصفات لا ردّ عليه إذا قال :
قد أعطيت سر الحياة بشرط وضعها في محلها ، وبيان كيفيتها وكمية كونها ، وتكون في حال الشهود مرآة القلب صقيلة يكاد يلحظ فيها الاتحاد الخافي ، ولعلها شدة صقالها تميز بين متحدين ، اللذيّن قد أطلق عليهما الواحدية وبلطفها الشفاف يرى الأشياء وظلها ، إذ الباطنون أظلال الظاهرين ، والمرآة واحدة ويرى في هذا الشهود بثلاثة أوجه ، فتميز عالم الظاهر بوجه لائق بالظهور ، وتميز عالم الباطن بوجه لائق بالبطون الظلي ، ويرى عالم الخفاء بوجه لائق بالمثال ، وخصوصها بثلاثة أوجه ، لأن الغاية في الكمال الاعتلاء على ثلاث مراتب ، ويطلق على الثالث لفظ الحق لأننا إذا قلنا : لفظ الوجود واحد ، فيجب أن يكون كل شيء حقا خصوصا هذه الثلاثة مراتب ، لأنها غاية التحقيق ، والوجود حقيقة فانية في حقيقة اللّه تعالى ، ومتى فني الوجود ظهر اللّه تعالى بحقيقته ، والحقيقة اسم مختص بهويته ، وهذا لا يكون إلا في حال فناء الصفات .
فإن قيل : كيف يشهد الفاني ولا حقيقة ؟ قلنا : إن الفناء ليس عدما مطلقا ، وإنما هو عدم نسبي ، فإذا حصل هذا الشهود للشاهد كانت الصفات بلفظ الفناء قد استوفتها حقيقة الهوية “ 1 “ ، فيلحظ الشاهد بفنائه النسبي ، ويدرك بحقيقته الثابتة اللائقة بالإدراك ، لأن الهوية من حيث هي تستهلك الحقائق وتبقى حقيقتها الواحدة اللائقة بها وقد قال رحمة اللّه عليه في رسالة هذا الكتاب : ( إن الحق صفة من صفات اللّه تعالى ) فلا يظن السامع أن هذا الكلام محمول على ظاهره ، وإنما قصد بهذا القول المغالطة لتورية ما ، وموجب ذلك إما إرادة خوف ، وإما إرادة إغماض .
..............................................................................
( 1 ) الهوية : الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق ، ولحوق الواو من الحروف الدورية بهو ، دليل دور الهوية في تجليها أزلا ، وأبدا ، من نفسها على نفسها ، فإن الغيب المطلق من حيث هو غيب لا ينتهي إلى حد ينقلب فيه شهادة قطعا .

“ 71 “


وأقول : إن موجبه الخوف فقط ، فلا يظن بقوله : ( أشهدني الحق ) أنه أراد بها الصفة التي ذكرها الحق لفظ يطلق على مجموع الوجود ، ومجموع الوجود اسم الهوية وهي تستهلك حقائق الصفات والأسماء المتميزة ، وقد كان الشاهد في حكم هذا الشهود مستودعا في مرآة الوجود الحقيقية التي هي نور على الإطلاق ، وهذا محل الكامل على الحقيقة ، وإن اختلفت محاله التي تقتضي الشهود ، فيكون الاختلاف بحسب اختلاف المظاهر والأسماء والصفات ، فلما كان في هذا الشهود مستودعا في محل التمييز الذي عبّرنا عنه بالمرآة عبّر الشاهد عنه بالنور ، وأراد به محل التمييز ونسبته إلى الوجود لاقترانه به ، فإنه من حين ظهر النور تميزت الموجودات المقيدة ، وهذا النور هو فاتق رتق العماء ، وأراد بهذا الوجود المقيد حيث ذكر النور ، ومن حيث هو محل هذا الشاهد في حال الشهود عبر بالوجود ، لأن محل الشاهد هو المرآة التي ينظر اللّه تعالى فيها صورته على ما يليق بجلاله ، فيحصل الانطباع ، وهو صورة هذا الكامل فهذه المرآة محله على الحقيقة ، وبعد انطباع صورة الكامل تتميز صورة الموجودات ، فلأجل هذا التمييز ، قال : ( بمشهد نور الوجود ) أي : بمحل تميز الوجود ، والإشارة إلى المرآة المعبر عنها بالنور الذي هو نور الوجود .
وقوله : ( بمشهد نور الوجود ) يعني : أشهدني نفسه بمحل الشهود اللائق بتمايز الوجود ، لأننا إذا قلنا : موجود ، انتفت عنه صفات العدم ، فكأنه قال : أشهدني صورته في الوجود لا في العدم ، إذ الوجود محل الشهود ، فإن قيل : هل شهد أحد في العدم ؟ قلنا :
نعم ، لأن العلم عدم نسبي ، وقد وجد من شهد نفسه في العلم ، لأن الشهود في العلم مخصوص بما وراء الأولية ، والأولية قبل الوجود الظاهر ، وقد قال : بمشهد نور الوجود ، فانتفى أن يكون مخصوصا بالأولية ، لأن الوجود ينطلق على الأسماء الأربعة وعلى ما وراءها ، وعلى أضدادها وأظلاها ، فانتفى أن يكون هاهنا شاهدا في الأولية فقط .
وقوله : ( وطلوع نجم العيان ) حيث بدئ بنور الوجود أولا ، لزم منه ذكر العيان ؛ لأن العيان مقتضى الوجود ، وهو مستند إلى الثنوية إذ لابد فيه من معاين ومعاين ، وهو لا يطلق إلا على الوجود المباين للعدم الذي هو الإطلاق ، وهو عدم المقيدات ، فنور الوجود الذي آل به إلى العيان أشد نورانية مما كان عليه في العدم ، لأنه لا معنى لظهوره من العدم إلا شدة النور ، فإنه لما أراد اللّه تعالى الظهور بالوجود ظهر بنور آنية زائدة على نور العدم ، وهي التي رتقت رقوم العماء ، وهي محل هذا الشاهد في حكم هذا الشهود ، وجعلنا

“ 72 “


مرآة تميزت فيها الموجودات ، فكانت النورانية سبب التمايز وإليه أشار بنور الوجود ، ولما حصل التمايز للوجود وجب العيان للمتميزات ، وشهوده لطالع نجم العيان ، لأنه مراد لتمكين الشهود ، ويشترط أن يفجأ شهوده في حال الجري لأنه للتمكين لا للتمييز بخلاف الأنوار كلها لأنها تراد للتمييز ، وهو متميز بنور الوجود الذي أشار إليه ، وممكن الحقيقة هذا الشهود ، فلهذا لا يشهد إلا في حال الجري مصادقة ؛ لأن الشاهد يكون قد شهد شيئا ولم يتيقن به فيجري في طلب اليقين ، فيوافي الطالع المذكور ، فيكون سبب التمكين اليقين بذلك الشهود وهنا الطالع نورانية لطيفة يستخلص له نور الشهود استنزاعا واستخلاصا في صورة ، فإذا شهد الشاهد مفتتح الشهود ومال إلى طلب اليقين ، فيكون حقيقة ميله في الخلع الذي هو فيه صورة جري ، فيشهد هذا النجم المعبر عنه بالطالع في معرض الجري ، فيمكن له اليقين بما شهد أولا قبل الجري ، والجري في الشهود عبارة عن النفوذ من شهود إلى غيره في خلع واحد ، فلما كان هذا الشاهد عند أول الشهود مستودعا في أعلى المرآة المعبر عنها بالنور آن شهوده للحق تعالى ، وقد علم أن هذا النور هو المميز للموجودات اضطر إلى الجري آتيا إلى الأمام ، فشهد العيان في صورة طالع ، فيمكن له يقين بشهود طالع نجم العيان .
قوله : ( وقال لي : من أنت ؟ قلت : العدم الظاهر ) أقول : مراده بقوله قال : سريان الخطاب بينه وبين المشهود في صورة ملاحظة تشبه خطاب القلب ، وليس هو ، لكنه أشبه الأشياء ، وصورته صورة المتكلم الناظر في المرآة ، فإنه يشهد انطباعه متحرك الشفتين ، فهذا صورة خطاب الشاهد .
قوله : ( وقال لي : من أنت ) يريد بهذا التنزل الامتحان لا الاستفهام لأن الحق لا يحتاج إلى الاستفهام ، ولا يقع هذا الامتحان للشاهد إلا بعد الكمال الأتم ، لأن الواصل إلى هذا الشهود بعد الاتصاف ، إذا قيل له : من أنت ؟ لا يكون إلا على سبيل الامتحان ، ويكون المراد به تفهيم الشاهد الحقيقة معرفة شهوده ، ولأجل الاتصاف بما أريد له ، قال في الجواب : أنا العدم الظاهر لأن تشابه الصورة مهيأة للعدم ، فأشار بالجواب على تحقيق معرفته بنشأته ، فكأنه قال في الجواب : أنا العارف باتصافي بالعدم .
وقوله : ( أنا العدم الظاهر ) أي : أنا العدم الذي ظهر لك وجودي ، فلما كان في مفتتح الشهود قد تيقن بالوجود المقيد ، وتمكن له اليقين مال إلى أصل الأسماء الذي هو العدم ، وكان هذا اليقين بالشهود معرفا لهذا الشاهد أنه لا وجود إلا اللّه تعالى

“ 73 “


بالموجودات المشهودة له ، معدومة ، لأن قبل الكمال اتصاف بالعدم بمنزلة الصفة .
( وقيل له : من أنت ؟ قال : أنا العدم الظاهر ) أي : أنا المعدوم في أصل نشأتي الموجود لك في حال التفرد بالإطلاق ، وهذا الجواب لا يكون مع المجموع ، وهذا العدم هو عدم المقيدات وفناؤها في إطلاق اللّه الذي هو الوجود الحقيقي ، ولهذا نطق بالعدم الظاهر لأنه موجود للّه ظاهر له ، ومعدوم عمن سواه ، وهذا الخطاب قد كان وقت قيام الشاهد بمجموع الصفات والأسماء وتيقنه أنها والشاهد فانية في حقيقة اللّه تعالى موجود له معدوم لنفسه إليه غيب ، وكل غيب لا يحصل في الواقع فهو عدم ، وإن كان اسمه موجودا ، فمتى نطق به للمخيلة من مستند ، فاستناد المخيلة إلى هذا المنطوق باسمه هو وجوده ، ولكنه وجود خاف ، والشاهد في مقام الخطاب عدمه لها ، كهذا العدم لأن هذا العدم هو لحقيقته ، فصار وجوده في حال الخطاب عدما نسبيا وحقيقته وجودا ، صار وجوده في حالة الخطاب حقا .
وإلى وجوده أشار بقوله : ( أنا العدم الظاهر ) ، وذلك لأن الشهود عالم ، والأشياء موجودة في علمه ، ولا يطلق عليها العدم الحقيقي من حيث وجودها ، بل يطلق عليها الظهور ، فإذا وصل الشاهد إلى هذه المعرفة يكون قد فني اضطرارا لأن ظهور عينه لنفسه بعد تيقنه بالعدم تحقق على نفسه الفناء بشرط الكمال بعد علمه أنه موصوف بعدم الوجود الحقيقي ، هذا حقيقته في الباطن ، وأما في الظاهر ، فإنما نطق بالعدم لأن الظاهر فاني ولا حقيقة لفنيه ثابتة ، وإن كان مدركا ، لكن من شرط كمال الواحد إدراك الجاهل الكثرة ، وإطلاق الواحد على نفسه العظمة ، فعند إطلاق هذا الاسم يتسمى بها ، مع خصوصا لائقا بما سبق من العظمة ، ففناؤه في الظاهر كعدم الأشياء في الذات ، وعدمه في الذات كفناء الصفات فيها ، فيصير الشاهد ذا اسمين متشابهين اسمي فناء وعدم ، وأحدهما للظاهر والآخر للباطن ، وتلفظه بالعدم فاصل ، والعدم بينهما ، ولهذا بدأ به ، لأن الشاهد في حال الشهود من عالم الباطن ، فابتداؤه بالعدم إلى حيث تكميل اللفظ بالظاهر ، كابتداء الشاهد بالشهود من الظاهر إلى الباطن .
قوله : ( والعدم كيف يصير وجودا ) معناه أنك لو كنت عدما لما وجدت ، ولا انطلق عليك اسم الوجود لأن لفظ العدم في هذا الوجود محال أي لا يصدق معناه لأنه قد وجد ، فلا يصدق عليه العدم . 
وقولنا : وجد ، لما نتعقله من الزمان الذي كان فيه ولا شيء ، وقولنا : وجد وموجود يشتركان في المعنى .

“ 74 “


ويفهم من فحوى النطق بوجد ، أن الشيء لم يكن ثم كان ، وهذا فيه بعد لفظتا :
( موجود ووجد ) أحدهما تبعد الآخر ، لأنهما معقولتان بالنسبة إلى الحاضر ، فالقديم والمحدث يشتركان في الوجود لعموم لفظ موجود ، ويباينه المحدث بلفظه وجد ، فإن قيل :
إن الوجود المطلق لفظ يختص بالقديم ، فنقول : إن الوجود لا يعقل له أول إلّا الفروع المتعددة شيئا فشيئا ، قال : إن الوجود وجد جهل أو أنه موجود جهل أيضا لأننا نتيقن الوجود لا بحقيقة لعينه ظاهرة ولا باطنة ، ولا يطلق عليه حدوث ولا قدم لأننا إن قلنا :
محدث أثبتنا ثانيا مع اللّه تعالى ، وإن قلنا : قديم كنا عارين عن التبعية ، ومبنى قولنا عليه من
قوله صلى اللّه عليه وسلم : “ كان اللّه ولا شيء معه ، وهو الآن على ما عليه كان “ 1 “ “ .
والذي حدا الناطق بهذا اللفظ على أن نقول قديم ومحدث ، وهو كمال الجهل وأخذ الناقص في طريق الكمال ، وفات هذا القائل أن اللّه يتحّول لنفسه في أطوار مخالفة كيف شاء إلى حيث شاء ، ولا يعلمها إلا هو ، وتأييد التحّول الحديث الصحيح الذي ذكرنا فيه أنه سبحانه يتحول يوم القيامة من صورة الإنكار إلى صورة المعرفة بغير كيفية تعقل البتة ، فإن قيل : فالعارف أيضا قد أثبت لنفسه الخطاب ، وهو لا يكون من اثنينية ، فنقول : إن العارف فان فلا حقيقة له ، فخطابه للّه كخطاب الصفة في حال الاتصاف بها ولا حقيقة لعينها ، ولهذا قال في مفتتح الخطاب : ( أنا العدم الظاهر ) .
وقوله : ( والعدم كيف يصير وجودا لو لم تكن موجودا لما صح وجودك ) ، يريد به الإلزام بإظهار الحجة عليه لكن يشوبه قبول ما ، لأنه في تكملة الجواب وصف العدم بالظهور ، وعلم اللّه تعالى بالصفات تخاطب موصوفاتها بما يليق بها خطابا علميا ، وحيث وجب هذا الخطاب وفرط من الشاهد القول بالعدم قوبل بقوله : ( والعدم كيف يوجد ) ، ولما اقترن العدم بالظاهر ، قيل : ( لو لم تكن موجودا لما صح وجودك ) ، فوجوده علمي خاف كخفاء حقيقة العلم ، وعدمه واجب لأن ما في العلم لا حقيقة له إلا بطريق الجواز لأننا نتعقل أن العبارة تنتج شيئا بلا نسبة إليها ، لكن نتيجتها كنتيجة الوجود كما أنه يدرك كثيرا كذلك يعقل متزيدا بالعبارة ، وليس كذلك مع أن العالم يتيقن أنه لا زيادة لجثمانه بعلمه ، ولا زيادة لدرايته ، والعلم كظلال نتائج لطائف يتموج في أطواره ، فيكون
.......................................................................
( 1 ) رواه النسائي في الكبرى ( 6 / 363 ) ، والحاكم في المستدرك ( 2 / 371 ) ، بنحوه .

“ 75 “


الاختلاف بالعبارة حاجزا مميزا لحد عبارة تليق بأظلال اللطائف ، فهذا الحاجز مميز ، فإذا حصل هذا التمييز أطلق عليه النتيجة بما يدرك منه من الظل ، وإظلاله معقول الحروف المؤدية إلى المفهوم ، لأنه إذا نطق الواحد من الناس بحرف رسم في أذن السامع رسما ، فيكون ذلك الرسم هو الظل المذكور .
وقوله : ( لو لم تكن موجودا لما صح وجودك ) خطاب ذو وجهين : باطن وظاهر فالظاهر من قوله : ( لو لم تكن موجودا لما صح وجودك ) ، أي : لو لم تكن موجودا في العلم لما صح وجودك في الظاهر ، هذا على رأي من يقول : إن العالم موجود حقيقي له وجود مباين للّه تعالى ، وهذا الرأي يباين قول العارف : إن العالم لا حقيقة لعينه ، والوجه الآخر هو تنبيه على وجود الفاني كأنه يقول : لو لم تكن موجودا في هذا المقام لما أطلقت على نفسك العدم الظاهر ، لكن في قوله العدم الظاهر كفاية في هذا الجواب ، فلما قال له :
من أنت ؟ وجب أن يقول في الجواب : أنا العدم الظاهر ، لأن إرادة اللّه تعالى كلامه ، ومحال أن يستنطق تعالى صفة من الصفات ، ويتخلف عن الجواب ، لأن الصفات في علمه مع فنائها متمايزة ، ونفس التمايز أوجب لها التكلم في حال الاستنطاق ، لأن التحديد الذي أفضى إلى تمايزها هو الحجاب بين الصفات المتعددة ، ولهذا إذا استنطق اللّه تعالى واحدة لم يجب الجميع ، وكان يسبق في العلم أن كل واحدة تخاطب خطابا يليق بها ، فليس قوله للعارف من أنت ؟ كخطاب للجاهل وهو لا يعلم ، وفي مثل ذلك
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : “ إن المصلي يناجي ربه ، وإن اللّه تعالى في قبلة المصلي
“ 1 “ “ مع أن الجاهل لا يسمع مناجيا ولا يرى في القبلة أحدا ويعضد هذا قوله للآخر :
“ فإن لم تكن تراه ، فاعلم أنه يراك
“ 2 “ “ وليس من يعلم بالتقليد كمن يشهد عيانا ، وهذا التنزل من شهود العيان لا من علم التقليد .
فقوله : من أنت ؟ تنازل ينشأ من المماثلة ، لأن قوله من أنت [ ذات ] “ 3 “ كاملة ، وكمالها أوجب لها السؤال ، وهذا التنازل مأخوذ من قوله تعالى : قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا
..........................................................................................
( 1 ) رواه البخاري ( 1 / 190 ) ، ومسلم ( 1 / 193 ) .
( 2 ) رواه البخاري ( 1 / 27 ) ، ومسلم ( 1 / 37 ) .
( 3 ) ما بين [ ] غير واضح بالأصل ، وما أثبت هو الصواب .

“ 76 “


الرَّحْمنَ [ الإسراء : 110 ] ، كيف عدل اللّه تعالى عن اسمه الجامع ، وجاء باسمه المنفرد الجزئي الذي تكمل الجمعية به ، وذلك تنازل من درجة الاتصاف إلى خطاب الصفة إذ لو لم يكن تنازلا لما خاطب الصفة بمن أنت ولا كان خطاب الصفة قائلة : أنا ، فنطق بحقيقته عن صفته في قوله : ( من أنت ) وأجاب على لسان الصفة قائلا : أنا ، ولما علم تعالى أن الصفة لا حقيقة لها ، وليس لها عين ثابتة نطق على لسانها بالعدم الظاهر ، ثم ردّد السؤال في قوله : ( لو لم تكن موجودا لما صح وجودك ) ، ولفظه بالوجود لحضوره بالحال المذكورة ، ولفظ الشاهد مجيبا بالعدم في هذا السؤال لعدم الخطاب في عالم الظاهر ، ولنا وجه آخر يفهم من قوله : ( لو لم تكن موجودا لما صح وجودك ) ، يريد به واللّه أعلم أنه لو لم تصلح لهذا المقام لما حققت لك الوجود فيه مع تيقنك بأنك فان ، وهذا يؤيده قوله تعالى : وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ [ الصافات : 164 ] ، فإنه من حين قضي له بالوجود ، قضي له أيضا بالكمال فافترق وجوده بكماله ، وهذا الوجود هو الذي أشار إليه بالعدم ، لأن العدم على الحقيقة هو الوجود ، والوجود المعتقد هو العدم المنطوق به على ألسن العامة ، فليس العدم الذي نطق به هذا الشاهد كالعدم العامي لأنه يشير به إلى الفناء في الذات ، فكأنه قال له : لو لم تكن معدوما لما وجدت في هذا المقام ، ولو صلح الجاهل لكمال أتم من كماله لاقتضى العدل فيضه عليه من محل الرحمة ، لكن سبق منه تعالى : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [ القمر : 49 ] .
( ص ) [ قوله : ( قلت ولذلك قلت : العدم الظاهر ، وأما العدم الباطن فلا يصح وجوده ) ] .
( ش ) قوله : ( قلت : ولذلك قلت العدم الظاهر ) أقول : معناه أن العدم الظاهر هو حقيقة النطق في هذا المقام ، ولا يحمل العدم على باطن الحقيقة لأن باطنها عدم في عين وجود ، ولما كان البعض يشهد الفناء وهم الأولياء ، والبعض يشهد الوجود وهم الجهّال وجب إظهار العدم الباطن إلى خارج ، فلما قال : ( أنا العدم الظاهر ) ، أراد بقوله : العدم المختلف فيه ، إذ الفاني يشهد موجودا ، وهو بعينه المختلف فيه بقوله : ( أنا ) يدرك منه شاهد ومشهود : لأنه سبق بمن أنت ؟ فالقائل أولا موجد ، والناطق بالأنانية معدوم ، وعدمه ظاهر عند الناطق أولا ووجوده لنفسه أوجب له النطق بالظهور ، لأن الشاهد ما دام في حال الشهود يدرك نفسه ولا يشهد فناءها والمشهود لا يدرك لنفسه ثانيا ، فالخطاب الساري بين الشاهد والمشهود هو خطاب المتصف لأوصافه ، ومثال هذا : النائم المدرك

“ 77 “


في نومه واقعة ، فقد حصل له الخطاب في نفسه والشهود من غير داخل يدخل عليه من خارج ، لكنه في حال إلقاء بعض حكم بجسد اشتغلت النفس بتخليها عن هذا الحكم المذكور ، وسرت في أقطار الوجود ، فأدركت بعض الإدراك ولم يمكنها إدراك الكل وعدم الإمكان من أجل أن الجسد لم تلقه النفس إلقاء حقيقيا ، ولم تبقه على نمطه الذي كان عليه في حال اليقظة ، فتغيير الحال “ 1 “ عليه أوجب له الإدراك المذكور ، وعدم الإلقاء حقق له التخلف عن بعض الإدراك لأن كثافة الجسد لا تدع النفس “ 1 “ ينفذ في الوجود ، فلو أنها ألقت الجسد في حال النوم حصل لها النفوذ ، فكذلك الحق تعالى في حال فناء الوجود يتجلى بصفاته ، فلا يمكن بعد الاتصاف التفرد ، وقد حصل للوجود فوجب أن يسري خطابه بين صفاته ومظاهره ، فمن أدرك من المظاهر حال هذا السريان حق له الخطاب ، فلما علم رضي الله عنه أنه فان في الحقيقة ووجوده ظاهر لنفسه ، قال : ( أنا العدم الظاهر ) .
قوله : ( وأما العدم الباطن فلا يصح وجوده ) أقول : إنما لم يصح وجود العدم الباطن لأن لفظ العدم بمعناه معدوم ، لأنه لو وجد لما صح النطق به ، فإن أدرك أدرك عدم الفناء أي : العدم النسبي والمراد به الفناء لا العدم ، فإننا نسمي الفناء عدما فإن حصل إدراك
( 1 ) قال القاشاني : الحال : ما يرد على القلب الأخذ في السير إلى اللّه من غير تعمد ولا اجتلاب ، وهو نعت إلهي كوني حيث أنه تعالى مع كونه واحد العين : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [ الرحمن : 29 ] .
وأصغر الأيام الزمن الفرد ، وهذا أصل كونه نفيا كونيا فان في الشؤون ، وعين تحول القلب بالأحوال ، فإن أحوال القلب شؤونه ، ومن شرطه أن يزول في كل زمن فرد . يعقبه المثل إلى أن يصفو وينتهي إلى غايته ، فهو إلى عدم بفنائه زمانين :
إما بتعاقب الأمثال ، أو بحكم تعاقب الضد ، ولذلك قال قدس سره : “ وقد لا يعقبه المثل “ كحال الفرح ، فإنه يستمر زمانين أو أكثر ، وينقطع فيعقبه الترح ، ومن هنا نشأ الخلاف بين القوم .
- فمن أعقبه المثل : أي رأى استمرار تعاقب الأمثال قال بدوامه .
- ومن لم يعقبه المثل ، بل حول انقطاعه لورود ضده عليه ، قال بعدم دوامه .
والحق أن حال الكون يتجدد مع الأنفاس ، ولا يبقى زمانين ، ولذلك قال تعالى فيمن يجهل ذلك :
بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ ق : 15 ] . وقد قيل : الحال تغير الأوصاف على العبد ، كأنه يزيد ظهوره في السر ، والتحلي بالأخلاق الإلهية وأسرارها ، وذلك هو ظهور الآثار الخارقة من همته الفاعلة في الكون بالقوة الإلهية المستندة إلى الأسماء التي يتحقق العبد بها ، وتولى بعد تحققه التصرف بحسبها حتى ظهر في العالم بالهمة الفاعلة والتحكم ، والقهر ، والسلطان ، وإن أراد تغير بكل ما يمكن أن يتصف به كل حال من الأوصاف . فالمعنى يرجع إلى الوجه الأول ، فإن الأوصاف : أحوال يتقلب العبد فيها ، إما بحكم تجدد الأمثال أو الأضداد .

“ 78 “


يكون هذا الفناء مدركا لا العدم المطلق ، ولهذا قلنا : عدم الفناء ، أي : المنسوب إلى الفناء ، ولهذا قال : ( العدم الباطن لا يصح وجوده ) لأنه إذا خفي الخفاء إلى ما يلي الباطن بشرط زيادة إبهام فلم يدرك فناء الحقيقة من حيث هو لا يدركه إلا هو يعني فناء الكثرة لا يدركه إلا الواحد المتصف بالوجود ، فتكون الكثرة فانية إلى حقائقها ، وتكون حقائقها فانية إلى حقيقة اللّه تعالى ، فاللّه من حيث ذاته لا يدرك حقيقة مسماه ، لأن الاسم يدل على مسمى ، واللّه لا يطلق اسما على غير نفسه ، ومتى أطلق اسما لغيره يكون قد ظهر بشأن مستقل في علمه ، فلا يتميز من خارج ، ومن حيث العلم قد تميز لكن في ذات العالم فهو معدوم عند الظاهر ، بل موجود في ذاته ، فالعدم عندنا يطلق عليه باطنا في حال عكس الوجود ، والوجود العلمي يطلق عليه الظهور في حال العكس المذكور ، وصورة هذا العكس إظهار ما كان باطنا وإبطان ما كان ظاهرا وهذا لا يكون إلا عند خطاب العارف لربه في حال الكشف ، فلا يتصور الوجود الذي كان يتعقله ظاهرا ، ولا يتصور العدم الذي كان ينطق به في الظاهر ، فيكون العدم الذي كان ينطق بالنسبة إلى مقامه هناك باطنا ، ويكون وجوده بالنسبة إلينا باطنا وهو ظاهر لعينه مع قطعه بالفناء فالعدم ، والذي كان عليه قبل الشهود بالنسبة إلى مقام الشهود لا ينطق به ، إذ هو غيب عن مقامه الذي يشهد فيه كل غيب ، ولهذا قال :
( العدم الباطن لا يصح وجوده ) ، والحاصل منه إن كان صفة لا تدرك في اسم اللّه تعالى الظاهر تدرك في الباطن ، فإذا كان الشاهد “ 1 “ ظاهرا ووصل إلى شهود الباطن ولم يدرك هذا العدم صح أن وجوده معدوم ، فهذا معنى قوله : ( والعدم الباطن لا يوجد ) .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : إذا كان الوجود الأول عين الوجود الثاني ، فلا عدم سابق ، ولا وجود حادث ، وقد ثبت حدوثك ) ] .
( ش ) أقول : إن قوله : ( ثم قال لي ) معناه ظاهر وهو حرف يقتضي المهلة .
والمراد منه أنه أمسك وابتدأ بعد ذلك .
وقوله : ( إذا كان الوجود الأول عين وجود الثاني ) كأنه قال : إن تقطع بأنك موجود
..........................................................................................
( 1 ) الشاهد : ما يعطيه المشاهد ، والأثر حصول صورة القلب عند الشهود وبعده ، قال اللّه تعالى في إثبات هذا الأثر : أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ [ هود : 17 ] فذلك الأثر هو الشاهد .
ولما كان هو على حقيقة يعطي حكم المشهود ، وحاله ، وخصوصيته ، وصورته ، فيضا ، وبسطا ، هيبة ، وأنسا . قال : “ وهو على حقيقة ما يضبطه القلب من صورة المشهود الظاهرة فيه بحسب صفاء وسعة اعتداله “ .

“ 79 “


في الظاهر ، فلا عدم نسبي يدخل على ظهورك ، لأنك ما دمت موجودا ، فلا فناء لك ، وحيث يسبق بالعدم الظاهر في حال ابتداء النطق ، وهو لا يكون إلا بالنسبة إلى الظهور ، وقد حصل له كما قال في الظاهر ، فوجب أن يكون له وجودان ظاهر وباطن ، فالظاهر في رأي الجاهل ، والباطن صفة في رأي المنصف ، ومن شروط كمال العارف أن يستوي عنده الوجودان المذكوران ، فحيث ورّى رضي الله عنه بعدم باطن وعدم ظاهر ، فكل منهما له وجود نسبي يليق به ، فالظاهر وجوده باطن ، والباطن وجوده حقي ، وإذا استوى عند العارف هذا ، وقد لفظ بوجودين فكلاهما غير متمايزين إما في اللفظ ، فالوجود يشملهما ، وإما في الحقيقة ، فحضوره لنفسه في عالمي الغيب والشهادة ، فإن كان أحدهما فانيا في الآخر ، فالواحدية تشملهما ، فلا يصح الوجودان المذكوران ، وقد وجد الشاهد بقوله : ( أشهدني ) .
وقوله : ( فلا عدم سابق ولا وجود حادث ) بيان لما ذكرناه ، فكأنه قال له : إذا كنت هناك حاضرا لي ، فلا يفتقر حضورك إلى شهود آخر ، وهذا كلمة تنبيه لقوله : ( أنا العدم الظاهر ) لأنه يلحظ منه أن الوجود عدمين أحدهما : ظاهر ، والآخر : باطن وليس كذلك ، فإن للوجود ضدا واحدا ، وهو العدم وموجب القول بالعدمين المذكورين أعني الباطن والظاهر ، وأنه تحقق له وجودي صفة وموصوف ، فشهد نفسه منفردا وشهد الموصوف مخاطبا وحال هذا الحضور أوجب إن قيل : قد ثبت وجودك ، فالوجود الذي كانت عليه بعينه الوجود الذي شهد فيه لكنه خفي عنه قبل الشهود أنه فان من قبل حجب الجهل ، فعند هذا الشهود رفع عنه هذا الحجاب المذكور ، وثبت عنده أن له وجودين وجود علم ووجود جهل ، فوجود في الجهل عدم ظاهر لعينه في حال الشهود عما كان عليه ، ووجود العلم عدم خاف بالنسبة إلى ظهوره في الجهل ، ولهذا قيل : إذا كان الوجود الأول عين الوجود الثاني ، فلا عدم سابق ولا وجود حادث ، فلما علم أنه في هذا الشهود على ما عليه كان في الشهود الجهلي تحقق أنه لا عدم سابق ولا وجود حادث ، وإنما هي صفات تبدل وتغير إلى حيث كمال الدراية وهذا تنبيه له إفهاما وموجبة لفظه بالعدم الظاهر فلما تيقن أن الشهودين متلائمين بل فانيان أطلق على نفسه الفناء .
فقال له : ( وقد ثبت حدوثك ) كأنه قال : أنت عند نفسك فان وعندي موجود ووجودك وجود صفاتي ، وصفاتي براءتي عن الثنوية ، فإن قيل : إن الموصوف كيف يفني صفاته مع وجودها لعينه ، فنقول له : إن الصفة تتميز في اللفظ ولا حقيقة لعينها ، والشاهد متميز حال اتصاف اللّه تعالى بالصفات ، وأما في حال فنائها وهو انفراد اللّه تعالى بذاته ، فلا تمايز لعين فيها ، فلما تعقلت الصفة نفسها في حال التلفظ بها كان حدوثا لها ، ولهذا قال : قد ثبت حدوثك فلا يظن السامع أنهما وجودان محدثان ، وإنما هو وجود واحد في

“ 80 “


حالتي جهل وعلم ، فمن الجهل إلى العلم انتقال ، وتغير حاله من الفساد إلى الصلاح فهو وجود واحد ، وعند الكمال يفرق العارف بينهما بتنبيه من اللّه كقوله له : ( إذا كان الوجود الأول عين الوجود الثاني فلا عدم سابق ولا وجود حادث وقد ثبت حدوثك ) والقصد منه التفهيم ليعلم العارف أنه انتقل من مقام إلى مقام بلا تغير وجود .
وقوله : ( ثم قال لي : ليس الوجود الأول عين الوجود الثاني ) وأقول : إنه يعني به الوجود في حال الشهود ليس كالوجود في حال عدمه ، فإنه في حال الشهود مثل الوجود في العلم ، وفي حال عدمه ، كالوجود الحاضر المدرك ، وقد سبق إلى الأوهام العامية أن في هذا القول ما يناقض القول الأول ، فإنه في الأول قال : عين الوجود الأول ، عين الوجود الثاني وغاير هاهنا بينهما ، وليس كذلك لأن المراد بالأول تفهيم كما ذكرناه بعد ما سبق من الشاهد القول بعدمين ، فلما تيقن الشاهد أنه عدم واحد ووجود واحد والأحوال تختلف عليه في حال الترقي إلى الزيادة أريد له التعريف بأن الحال في الجهل غير الحال في العلم ، فقيل له في الخطاب الثاني :
( ص ) [ ( ثم قال لي : ليس الوجود الأول عين الوجود الثاني ، ثم قال لي : الوجود الأول كوجود الكليات ، والوجود الثاني كوجود الشخصيات ) ] .
( ش ) لأن الوجود في حال الجهل لنفس الجاهل ، ووجود العارف في معرفته للعليم تعالى ، وقبل كمال العارف أطلق عليه الجهل ، فكاد وجوده لنفسه وعند المعرفة فني وجوده بنزع الاختيار مع تيقنه بالفناء ، فصار وجود الحاضر في الشهود يباين الوجود الذي كان عليه في حال الجهل ، والجهل لا يكون إلا قبل العلم لأنه لم يوجد أحد عالما ، وقد كمل من الناس كثير ، فوجب أن يكون وجود الجهل أولا ووجود العلم ثانيا ، وهذه كلها موارد ترد على العارف قبل بلوغ الغاية لتعرفه بالترقية والزيادة والتحول من مقام إلى مقام ، فليس امتحانه في الخطاب الأول كامتحانه في هذا الخطاب ، فإن هذا تنزيل شريف بجمع المعارف بين الضدين ، فيتوهم الجاهل أنه متناقض وهو خلاف ذلك ، فإن العلم الذي عند العارفين يباين العلم الذي عند العامة . وقوله : ( الوجود الأول كوجود الكليات والوجود الثاني كوجود الشخصيات ) أقول : إنه يعني بقوله كوجود الكليات أي : كعموم الربوبية لأنه اسم يشتمل حكمه على كل موجود وتأييد كلية العامة قوله تعالى : رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما [ مريم : 65 ] ، فوجود العبد في حال جهله كلي لعموم اسم الرب له “ 1 “ ، فالعبد كلي بالنسبة إلى مفهوم اسمه والرب كلي بالنسبة إلى
...................................................................
( 1 ) هو اسم الحق عز اسمه باعتبار نسب الذات إلى الأعيان الثابتة من منشأ جميع الأسماء الربوبية -

“ 81 “


عموم حكمه وإيراده على سبيل المثال من أجل أن هذا الخطاب كان كونه في مقام يباين مقام العبودية ولا يقدر على استحضار ما كان عليه إلا بالمثال .
وقوله : ( الوجود الثاني كوجود الشخصيات ) يعني : أن الأشخاص موجودة في العلم محددة مميزة ، لكنها غير ظاهرة ، فالوجود فيها شخصي ويحمل على اسمه لا غير فوجود العارف في مقام الشهود كالوجود في العلم وهو وجود الشخصيات المذكورة والحال في التمثيل به كالحال في المثال الأول ، وذلك أن الوقوف في الشهود ليس كوقوف الشخص في العبودية ، فوجود الأول وجود عبودية ، والوجود الثاني وجود أشخاص ، وإن كان هو بعينه ، لكن الشاهد قد وهب من اللّه تعالى إدراك ، فالزيادة فيه تغيير ما ، فإن قيل :
هذا فان فكيف يدرك حتى يحصل الاختلاف عما كان عليه في العلم ، فنقول : إنه في العلم صفة غير متميزة فإدراكها بإدراك المتصف تعالى ، وفي مقام الإدراك يكون صفة متميزة في ذات الموصوف وتمييزها تحديدها ، فإدراكها أيضا بإدراك المتصف لكنه محدد ، ومحال أن يتميز شيء إلا وفيه من المميز عنه بقدر حاجته ، فحاجة العارف في هذا الشهود إلى الإدراك الزائد .
وقوله : ( إن الوجود الأول كوجود الكليات ، والثاني كوجود الشخصيات ) لأننا إذا قلنا عبد يشتمل على كل مربوب فوجود الأول وجود عبودية ، ووجود الثاني أشخاص علمية ، وذلك أن الأشخاص في العلم في مقام الاستواء ، وأيضا في محل واحد فلهذا عبر عنه بشخصيات متكثرة ، وكذلك الأول لما كانت العبودية تشتمل على آحاد متفرقة ، فهو لفظ كلي ، قيل له : كوجود الكليات .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : العدم حق وما تم غيره والوجود حق ليس غيره ، قلت له : كذلك هو ) ] .
( ش ) أقول : معنى قوله : ( العدم حق ) أن العدم متى لفظ به صار اسمه حقا بوجوده ومتى ثبت حقيقته بالنسبة إلى الواقع وجودا ، فكل ما يوجد في كلام العارفين من لفظ العدم ، فلا
كالرزاق والخالق ، فالرب اسم خاص يقتضي وجود المربوب وتحققه ، والإله يقتضي ثبوت المألوه وتعينه ، وكل ما ظهر في الأكوان فهو اسمه رباني ير به الحق يأخذ ما يأخذ به ، وبه يفعل ما يفعل وإليه يرجع فيما يحتاج إليه ، وهو المعطي إياه ما يطلب منه [ جامع الأصول ص 130 ] بتحقيقنا .

“ 82 “


يظن أنه عبارة عن العدم الحقيقي إذ هو محال ، وإنما عبارتهم عن الفناء والفناء بالنسبة إلى الفهوم العامية عدم ، فليس خصه القول بهذا من العارفين أكثر من اسمه .
فقوله : ( العدم حق ) يعني الفناء وما ثمّ إلا فان وعبارته عن ثمّ ، لأن الظاهر في مقام الباطن غيب ، والشهود في مقام الباطن ، فصار الظاهر بالنسبة إليه يعبر عنه بثم لأجل غيبه ، فكأنه قال :
ما في الظاهر في المقام “ 1 “ الباطن غيب والشهود في مقام الباطن فصار الظاهر فان .
وقوله : ( والجود حق وليس غيره ) لأن وجود هذا العارف في هذا المقام حق من أجل يقين العارف بالتمييز ، وليس هنا وجود أظهر منه ، وهذا مراده ، ووجه آخر أن الوجود مستهلك في الهوية ، وهو الوجود العلمي ، ومحال عراء الذات عن العلم ، فمتى لم تزل الذات عالمة ، فالوجود في العلم موجود وتأييد كونه في العلم .
قوله : ( ليس غيره ) أي لا يظن أحد أن الوجود خارج عن العلم ، لكنه فان في العلم كفناء العلم في ذات اللّه تعالى ، والدليل على التأييد المذكور عبارته عن الحاضر ليس غيره ، ولم يقل كما قال في العدم ، وما ثم غيره ، لأن مطلق الوجود متمثلا كالحال فيه في العلم ، والوجود بفنائه لا يتحول من محل العلم إلى محل آخر إذ لو كان هناك محل آخر عنه هناك ، لكان لحضور العلم دائما للعليم تعالى ، قال : ( وليس غيره ) إذ هي لفظة تدل على الحاضر في المحل اللائق .
فقوله : ( العدم حق وما ثم غيره ) عبارة عن الفناء في الظاهر ، وورودها في عالم الباطن ، فلهذا قيل : ( ثم ) لأن الظاهر بيان الباطن ، والوجود حق وليس لغيره لحضور الشاهد بإدراكه المتفرد ، وحضوره وجود ، فقيل فيه : وليس غيره ، والعلة في الجمع بين الوجود والعدم بلفظ الحق موجبها كمال العارف الشاهد لهذا الشهود ، لأنه يشترط في كماله عالم وجاهل ، فالعدم يقين العالم والوجود يقين الجاهل ، وذلك لأن الجاهل الكامل في جهله يحكم بصره عليه برؤية الكثرة ، فهذا لا يتيقن فناء بحكم نظره ، والعالم لا يتيقن
............................................................................
( 1 ) المقام : عبارة عن استيفاء حقوق المراسم الشرعية مما تعين عليه بأمر الشارع من المعاملات ، وضيوف العبادات على التمام والكمال ، بحيث لا يفوته شرط من شروطها ولا لازم من لوازمها .
والمقامات على أقسام : منها : ما يثبت شروطها ، ويزول بزوالها ، كالورع مثلا ، فإنه في المحظورات والمتشابهات ، فحيث فقدت فقد الورع ، وكذلك التجريد ، وإنما يكون بقطع الأسباب مهما فقدت التجريد ، ومنها : ما يثبت إلى الموت ثم يزول ، كالتوبة ، والتكاليف الشرعية . ومنها : ما يثبت مع الداخل فيها إلى الأبد . كالأنس ، والبسط ، والظهور بصفات الجمال .

“ 83 “


وجودا لما ثبت عنده من قوله : ( هو الآن على ما عليه كان ) ولا يقطع بعدم لأنه غير فان ، وهذين الصفتين من العلماء والجهلاء يشترط وجودهما في كمال العارف فحين شهوده لهذا الخطاب يكون كاملا بالأوصاف المذكورة ، فيجمع له في الخطاب الوجود تارة والعدم تارة ، وطور الوجود وحده والعدم وحده ، ولهذا جمع له بين حقيقتي الوجود والعدم من أجل كمال معرفته التي تشتمل على الأوصاف المشروطة .
( ص ) [ قوله : ( قال لي : أراك مسلما تقليدا وصاحب دليل ، قلت : لا مقلد ولا صاحب دليل ) ] .
( ش ) أقول : إن هذا التنزل عار عن الاختيار ، لأنه قال : في المقابلة كذلك هو قال :
هذا طبعا لا فعلا لأنه ينطق باستنطاق المشهود له ، فعراؤه عن الفعل كعرائه عن النطق .
وقوله : ( أراك مسلما تقليدا أو صاحب دليل ) تفهيما لنزع الاختيار ، إذ قال :
كذلك هو فأوجب قوله هذا عليه تكرار التفهيم للتمكين في هذا اليقين المعتقد أنه بين اثنين ، لأنه لو لم يكن مشاهد ومشهود لما كان نطق ( بكذلك هو ) ، فقيل له : ( أراك مسلما ) وموجب هذا القول امتحان مع إعلام لأن الشاهد يعتمد النطق من الشهود ، فلما علم المشهود أن الشاهد يستمد النطق من بعد إعلانه ، كذلك هو أراد المشهود أن يزيد الشاهد تعريفا ، لأن الامتحان في مقام الشهود زيادة لا نقص والعلة في زيادته كون اللّه تعالى يعلم بصفاته وأسمائه ويمدها العلم ، ومحال أن يهب شيئا ويسترجعه ، فيكون قد سبق في علمه أولا أن الشاهد عالم في هذا المقام بما يرد عليه ، فزاده تعريفا في صورة الامتحان ، ولهذا قال له : ( مقلدا أو صاحب دليل ) لأنهما لفظان يدلان على معنيين ، ولهذا قوبل بالزيادة في صورة الامتحان ، وكونهما لفظان يدلان على معنيين ، لأن المقلد غير مطلع وصاحب الدليل حاكم على عقله حاكما عليه من غير هذا الوجه ، وكلاهما غير مطلعين ، ولهذا ورد في مقابلة ( كذلك هو ) لأنه امتحان على غيب بالنسبة إلى الحاضر وجوابه بالنفي فيهما لأن مقامه يستعلي على التقليد والاستدلال ، أما على التقليد فلأنه كان قبل المعرفة مقلدا ، ثم ولج في مقام المعرفة إلى حيث الكمال فباطلاعه بعد كماله ينتفي عنه التقليد ، فإن نطق به كان تنازلا إلى حيث المماثلة ، ويكون قصده في ذلك الموافقة لحوطة الكمال ، وأما استعلائه عن مقام الاستدلال لأنه اطلع على غوامض لا يثبتها العقل بل يباينها كالجمع بين النقيضين وما أشبهه ، وهذا الشاهد رضوان اللّه عليه قد حاز الكمال الأتم الذي لا يكون إلا للواحد ، وتأييد كماله قوله : ( لا مقلد ولا صاحب دليل )
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس    المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:20 pm

المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس 

الشيخة الصالحة العالمة الزاهدة
ست العجم بنت النفيس بن أبي القاسم البغدادية
المتوفاة بعد سنة 852 ه‍

“ 84 “


وموجب هذا النطق له الطاعة منه بقوله : ( كذلك وهو ) .
( ص ) [ قوله : ( قال لي : فأنت لا شيء ، قلت له : أنا الشيء بلا مثلية ، وأنت الشيء بالمثلية ، قال : صدقت ) ] .
( ش ) أقول : معنى قوله : أنت لا شيء ظاهر لأن العاري عن الدليل والتقليد تحكم له الأفهام العامية بعدم الإدراك ، فمن أجل هذا العدم هو لا شيء ، لكن يفوت الأفهام المذكورة أنه التحق بالفناء وفناؤه عين كماله ، لأنه فناء استهلاك بالهوية وكل مستهلك في الهوية كامل بإطلاق اسمها عليه لكن نطقه في هذا المقام أوجب له الجواب بالنفي لأن النطق لا بد فيه من ثنوية ، ومتى حصلت الثنوية يجب لها كمال العقل لأنه ما شوهد اثنان متخاطبان إلا وأحدهما كامل العقل ، حتى يصدر عنهما خطاب مصلحة كالحال في هذا الشهود ، فإن الشاهد يتيقن أنه لا حقيقة للشاهد ، فلما صدر عنهما الخطاب وجب أن يكون المشهود أشد حكما من الشاهد لوجوب الامتحان فإن الممتحن يكون في مقام الحكم الظاهر على الممتحنين ولتمكين حكمه قال له : أنت لا شيء ، ولتأييد حكمه المتمكن أصدر الخطاب إليه ، فلو لا أن يكون له حقيقة لما كان بينهما خطاب ، فدلنا الخطاب على أن هذا القول تمكين حكم لا زيادة علم .
وقوله في الجواب : ( أنا الشيء بلا مثلية ) يريد به أنه حاز مقام التقليد والدليل ، وزاد عليه زيادة عظيمة وهي الكمال الذي ذكرناه لأنه ليس فوق الكمال مقام كما ذكرنا ، ونفي المثلة ، وفي الجواب لأن الواحد الكامل في عصره بريء عن المثل إذ لو كان له مثل ، لما كان واحدا ، وإنما كان كل عصر مقيدا بعصر كامل لأنه لما خلق آدم واحدا وكان في القدرة خلق كثير ، لكن الحكمة في خلقه واحدا لأنه لما فتق العماء الذي كان اللّه فيه ، كان صورة الفتق بالمميز ، وهذا النور يطلق على اسم المرآة ، فشهد اللّه تعالى ذاته الواحدية في هذا النور الأحدية ، فكان هناك اللّه تعالى شاهدا والمشهود صورة واحد ، وهي آدم عليه السلام ، فكان كاملا ، فوكل اللّه الأمر إليه ظاهرا وباطنا ، أما في الظاهر فبإطلاق لفظ الخلافة عليه ، وأما في الباطن فعلمه الخلق في الوجود ، وإن كان اللّه تعالى هو الفاعل لكنه خلق آدم علة لهذا الوجود الإنساني ، فكما أن الإنسان فرع آدم ، كذلك الخلق في عصر الواحد الكامل فرعه وموجب المماثلة بين الكامل وآدم لأن الكامل قد اتصف بالوحدة وآدم خلق واحدا ، فالعارف في زمانه عار عن المثل كعراء آدم عن الثنوية آن الخلق ، فلهذا قال رحمه اللّه : ( أنا الشيء بلا مثلية ) ، وأما قوله : ( وأنت الشيء بالمثلية )

“ 85 “


يريد به تأييد ما ذكرناه من خلق آدم على الصورة ، ويؤيده
قوله صلى اللّه عليه وسلم : “ إن اللّه خلق آدم على صورة الرحمن “ 1 “ “
 وذلك أن الرحمن في الرتبة يشابه باسم اللّه الجامع لمجموع الأسماء ، والتحقيق قد صار لهذه الصورة مثالا لتأييد الحديث والآية أما الحديث فقد ذكرناه وأما الآية : قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [ الإسراء : 110 ] ، فقوله : ( أنا الشيء بلا مثلية ) يريد به واحديته في العصر .
وقوله : ( أنت الشيء بالمثلية ) لأن الكامل مخلوق على الصورة الرحمانية ولهذا قيل له في الجواب : ( صدقت ) والتصديق تأييد لما ذكرناه لأن كلام اللّه حق .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : ما أنت بشيء ولا كنت شيئا ولست على شيء قلت له : نعم لو كنت شيئا لأدركني جواز الإدراك ، ولو كنت على شيء لقامت النسب الثلاث ، فلو أني الشيء لكان لي مقابل ولا مقابل لي ) ] .
( ش ) أقول : إن نفي الشيئية عنه وإثباتها بأنت يدل على فناء الأشياء ، وإلحاقها صفة بالموصوف ، ففناؤه بقوله : ( ما أنت شيء ) وثبوته صفة بقوله : ( أنت ) لأنها وإن كانت لفظة لا يكون إلا مع ثنوية ، والصفة في مقام إدراكها عارية عن الاختيار ، وإن كانت لها عين ثابتة لكن قوله : ( ما أنت شيء ) أوجب عراها عن الاختيار .
وقوله : ( ولا كنت شيئا ) لأنه لا حقيقة للوجود الظاهر المدعى عليه بالإدراك وإنما هو مستهلك في الهوية كما ذكرنا ، فيؤيد بقوله : ( ولا كنت شيئا ) أنه ليس لك في الظاهر حقيقة ، ولا في هذا المقام اختيار لأن العاري عن الاختيار لا حقيقة لإرادته ولا معنى للوجود إلا القدرة على الإرادة قوله : ( ولست على شيء ) لأنه ليس لمعرفته نتيجة إذ ليس فوقه مقام مماثل لها ، والعاري عن المثلية ليس له دليل ، ولهذا أجاب ( بنعم ) لأن العارف يتيقن أن له ثاني كعلم اللّه بالأحدية النافية للثنوية .
وأقول معنى قوله : ( لو كنت شيئا لأدركني جواز الإدراك ) لأنه مستهلك في الهوية ففي حال فنائه هو لا شيء وفناؤه غير مدرك ، فلو أدرك فناؤه للمدركين لجازوا له هذا الفناء ، ولو كانوا شاهدين كشهوده لما كانوا متمايزين إذ الممايزات أوجبت الكمال
..........................................................................................
( 1 ) رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده كما في زوائد الهيثمي ( 2 / 831 ) ، وعبد اللّه بن أحمد في السنة ( 1 / 268 ) ، وكذا ابن أبي عاصم ( 1 / 219 ) ، والطبراني في الكبير ( 12 / 430 ) ، والدارقطني في الصفات ( 37 ) .

“ 86 “


والكمال أوجب فانيا وغير فان ، فالفاني لا يدرك الكثرة في حال الفناء وهو العارف الذي هو لا شيء وغير الفاني هو المدرك للكثرة وهو الجاهل ، والجاهل مجوز للإدراك فلو تيقن الجاهل أن العارف فان ، لجوز هذا اليقين .
وقوله : ( لو كنت على شيء لقامت النسب الثلاث ) ، فالنسب الثلاث أحدها الدليل العقلي والآخر الوجود في الظاهر والثالث الوجود في الحقيقة فالعارف من حيث كماله يستعلي على الدليل كما ذكرناه ، فهذه نسبة وفناؤه في الظاهر بعرائه عن الاختيار نسبة ثانية واستهلاكه بالحقيقة في الهوية نسبة ثالثة ، فالجاهل قائم بهذه النسب الثلاث لمعتقده في الوجود فيشترط وجود هذه الثلاثة مصطحبة للوجود ، فمتى فني العارف عن الوجود المتكثر وجب عراه عن هذه النسب كما قال ، ومتى لم يصدق عليه انتفت عنه الشيئية ، ومتى تحقق له هذا النفي وجب عراه عن المثل كما ذكرنا .
وقوله : ( لو كنت الشيء لكان لي مقابل ولا مقابل لي ) يعنى به أنه متى ثبت الوجود كان العدم مقابله ومتى ثبت الظاهر كان الباطن مقابلا له ، فكأنه قال : لو كنت موجودا لكان لابد لي من مضاد ، وكان يصح وجوب الكثرة ولهذا عرفه باللام يشير به إلى الكثرة المعينة ، لأننا متى قلنا : الوجود كان هذا القول عاميا كليا مقيدا بالوجود ، ولهذا قال :
الشيء باللام ، ولم يقل شيئا منكرا أو هذا تأييد فنائه عن الوجود .
( ص ) [ قوله : ( ثم قلت له : وجدت في الأبعاض ولم أوجد فأنا مسمى من غير اسم وموصوف من غير وصف ، ومنعوت بلا نعت وهو كمالي ) ] .
( ش ) أقول : مراده بقوله : ( وجدت في الأبعاض ) يشير إلى أنه موجود على زعم الجاهل في الظاهر فلا يظن به أنه وجد في زمان غير زمان وجوده وإن كان لفظه في الأبعاض يدل على أزمان متعددة ، وذلك أن الأبعاض أشياء متكثرة ويعبر السامع الجاهل بأزمان متكثرة وليس كذلك ، وإنما وجود واحد يختلف عليه الصفات بحسب الظهور ، فإنه من حين قال اللّه تعالى للوجود : كن كان ووجد له ، لكن الوجود في العلم غير ظاهر بالنسبة إلى السابقين الظاهرين ، فيظن السابق الجاهل باللاحق أنه كان موجودا في زمان آخر ، وهذا غلط لأننا نتعقل زمانا واحدا من حين ظهور الأشياء إلى خفائها ، فلفظه :
بالأبعاض يريد به مراتب نسبية في الظهور والخفاء ، فإن مرتبة العلم في الوجود يشاركها زماننا هذا في اسمه ، فيقال : هما موجودان وهو وجود واحد لكنه يفتقر إلى صفة ظهور يكمله ، فيلحقه بالظاهر المدرك ، وهذه الصفة صفة خلق لا صفة وجود آخر ولهذا قال :

“ 87 “


وجدت في الأبعاض ، ولم أوجد أي في أحدية كونها لا في تعددها ، فإنه من حيث قال :
( وجدت ) انطلق عليه الوجود الواحد ، ثم قال في الأبعاض وهي لفظة توهم الأزمان المتعددة ، والوجود المتكثر وليس كذلك ، وإنما هو وجود واحد من قوله : وجدت ، فمراده بالأبعاض اختلاف الصفات على هذا الوجود الواحد ، ولهذا قال : ( ولم أوجد ) معناه أنني وجدت من قول : كن ولم يدخل على وجودي وجود آخر ، والحال في صفات هذا الوجود الواحد كالحال في صفات اللّه الواحدة منها تسبق على الأخرى كالعلم والربوبية والآخرية وهو واحد وصفاته متعددة في الزمان الواحد .
وقوله : ( فأنا مسمى بغير اسم ) معناه أنني موجود في الظن وليس أنا موجود في الحقيقة وكذلك كل من ينطلق عليه الوجود ، وأما قوله : ( بأنه مسمى ) أي : أن لي اسما لأن الأسماء لا تنطلق إلا على الظاهر ، فاسمه ظاهر من غير ظهوره كاسمه موجودا من غير وجود ، وشرط الأسماء بالظهور لأنها موضوعة للتعارف والتعارف لا يكون إلا بوجوب الكثرة والكثرة متميزة في الاسم الظاهر لأن مظهر هذا الاسم النور والنور مميزة الكثرة وقوله : ( منعوت بلا نعت وهو كمالي ) هذا يشبه ما تقدم من قوله : مسمى من غير اسم لكن قوله : وهو كمالي يباينه في الظاهر .
فقوله : ( وهو كمالي ) يعني أنه إذا فنيت الأوصاف والنعوت والتحق الموصوف بالهوية المستهلكة لهذه الأوصاف المذكورة كان كمالا لهذا الفاني في حقيقة الهوية لأنه كلما كثرت نعوت العبد وأسماؤه باين الهوية ، وكلما قلت قرب منها فمن حين انقضائها يلتحق الموصوف بصفته ، وهذا هو الكمال المطلق .
( ص ) [ قوله : ( وأنت مسمى بالاسم وموصوف بالوصف ومنعوت بالنعت وهو كمالك ) ] .
( ش ) أقول يعنى بقوله : ( أنت مسمى بالاسم ) أي : ما دمت موجودا لا يزال ينطلق عليك هذا الاسم هذا في الظاهر ، وأما في الحقيقة ، فكأنه قال : ما دمت لاحقا بالصفة فأنت مشهود وأنا شاهد ، فينطلق علي اسم الشاهد ، وعليك اسم المشهود وكلاهما صفتان لذاتك شاهد لك وأنت مشهود لي ، فأنت مسمى إلى حيث فنائي وإن أطلق علي اسم الفناء فيطلق عليك اسم البقاء وكلا هذين الاسمين متوقف على الآخر قوله : ( وموصوف بالوصف ) هذا تنزل يفرق بين الصفة والاسم ، فأما الصفة فيتقدم على الاسم لكن الاسم متوقف على الصفة فتوجد الصفة قبل وجود الاسم فهو معنى واحد لكنه يفترق في اللفظ

“ 88 “


فالصفة اسم غير ظاهر ، فإذا ظهر يطلق عليه الاسم ، فالفرق بين الصفة والاسم التمكين بالظهور لا غير لكن تمتاز بالظهور مع زيادة تمكين ، فإن الرحمة كانت سابقة على اسم الرحمن ، فلما رحم تسمى رحمانا ولهذا قال له : أنت موصوف بالوصف لأنه في هذا المقام أظهر من وصفه ، فلولا أنه أظهر من اسمه لسماه باسم الوصف ولم يطلق عليه أنت لكن الإشارة بأنت لا يكون إلا بعد ظهور الموصوف على أوصافه لأنه يستعلي عليه .
وقوله : ( ومنعوت بالنعت ) يريد به أن النعوت تكرار الصفة فمتى تكررت الصفة زادت تمكينا وأطلق عليها اسم النعت ، لكن الصفة أظهر منه والنعت أكثر تمكينا منها ، ومن أجل أنها أظهر كانت أشد لطافة ، ولما لطفت كثر استعمالها على ألسن الناطقين فهي إلى النطق أقرب من النعت ، ولهذا يبتدئ الناطق بالصفة لأجل التعريف اللائق بالموصوف ثم يبالغ في الوصف إلى الغاية فيصير الوصف نعتا ، فكأنه قال : أنت مسمى بالاسم ، إذ هو موجب التعريف ، فالابتداء به هو موصوف بالصفة ، لأنها أصل نشأة الاسم ، ولأجل التعارف أظهر الاسم عليها ، ومنعوت بالنعت لأنك غاية المعرفة فتكرار أسمائك للناطق بها زيادة تمكين في التعريف .
وقوله : ( وهو كمالك ) يريد به أن الكمال الظاهر اللائق باللّه تعالى لا يعرف إلا بالصفات والأسماء والنعوت ، فمن كمال اللّه تعالى أن يعرف العبد كمال نفسه إذ الكمال له على الحقيقة ، فلا يعرف كمال اللّه تعالى إلا بعد الإحاطة بالأسماء والصفات في رتبة الفناء ، فكأنه قال : ما ظهر كمالك لي إلا بعد معرفتي بحقيقة أسمائك وصفاتك وهذه المعرفة هي معرفة كمال ذاتك عندي .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : لا يعرف الموجود إلا المعدوم ، ثم قال لي : لا يعرف الموجود على الحقيقة إلا الموجود ، ثم قال لي : الوجود مني لا منك وبك لا بي ) ] .
( ش ) أقول : مراده بقوله هذا أن الموجود على الحقيقة هو اللّه تعالى لا يعرفه إلا من فني في ذاته وانطلق عليه اسم هويته فلا يبقى للشاهد سوى إدراك الهوية ، وهذا الإدراك لا يكون إلا في ظلمة تمحو عيان الكثرة وتبقى عين واحدة ، فيطلق عليها اسم الهوية وهذا نسميه شهود الوقفة والمحو والفناء وغير ذلك ، فكأنه قال : لا يعرفني على حقيقتي إلا من فني في ذاته واتصف بصفاتي ، وهذا هو معنى قول كبار السلف : لا يعرف اللّه إلا اللّه ، فمن وصل إلى مقام الفناء دخل في عموم اسم اللّه تعالى ، فلا يعرف اللّه إلا من اتصف بهذا الوصف وليس كل من شهد صورة ينطلق عليها اسم اللّه تعالى في شهوده يسمى عارفا ،

“ 89 “


فإنه متى حكم لنفسه بالوجود اضطر إلى وجود ثان والحقيقة تأبى الثنوية ، وهذا تنزل في الغاية من أوصاف الحقيقة .
قوله : ( ثم قال لا يعرف الموجود على الحقيقة إلا الموجود ) .
أقول : معنى قوله هذا تأييد لما ذكرناه من قول السلف لا يعرف اللّه إلا اللّه إذ ليس موجود إلا هو ، فلا يعرف وجود ذاته إلا هو ، فمن وصل إلى غاية الفناء في هويته كان ذلك الفناء عين البقاء ، فكان موجودا على الحقيقة لأن وجوده بوجود اللّه تعالى ، وقد أخطأ جماعة من أرباب العقول في قولهم : لا يعرف اللّه إلا اللّه ، أذعنوا به أنه تعالى لا يعرفه أحد وتماروا في غيهم وتمادوا في خطابهم ، ولم يعرفوا قوله تعالى : مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [ الأحزاب : 23 ] .
و قوله صلى اللّه عليه وسلم : “ إن من العلم كهيئة المكنون“ 1 “ “
 وكل ذلك موارد تعريف من اللّه تعالى بنفسه ، فلولا أنه عالم بأنه معلوم ومرئي ومخاطب لما ورد هذا النص لينكره من يجهله ، ويعرفه من يعرفه ، وباللّه موجب قولهم الضالين ينفي المعرفة إثبات الموجودات مع اللّه تعالى ، ويتفرع من هذا الإثبات ثنوية تدخل على أحدية اللّه ، فمن نفى عن نفسه المعرفة كأنه قال : أنا موجود فاللّه موجود ، لكنه محجوب لإدركه ، وليس مراد الأوائل بقولهم : لا يعرف اللّه إلا اللّه مراد هو ، لا الزائفين ، وإنما قصدوا رضي اللّه عنهم أنه لا يعرف اللّه إلا من فني في هويته ، وفناؤه عين وجوده إذ الوجود على الحقيقة للّه تعالى ، وبهذا يظهر قول الشيخ رضي الله عنه : ( إنه لا يعرف الموجود على الحقيقة إلا الموجود ) إذ ليس في الوجود سوى هوية اللّه ، فمن فني فيها إلى حيث نفي الوجود عن جزئيته انطلق عليه الوجود الحقيقي ، وهذا عارف باللّه .
قوله : ( ثم قال لي : الوجود مني لا منك وبك لا بي ) أقول : مراده بهذا تأييد نزع الاختيار عن المخلوقات بل القدرة أيضا ، فالفاعل لها وفيها هو اللّه تعالى ، فهو موجود كونها وكونها موجود منه لا يقتصر على الفعل إذ الوجود من الرحمة والرحمة ناشئة عن العلم والعلم صادر عن ذات اللّه تعالى ، فهو ممد الموجودات على الحقيقة بذاته وأفعاله هذا لمن يثبت الوجود مع اللّه ، ونعوذ به ممن يقول بهذا الإثبات ، فهذا معنى قوله ( الوجود مني ) ، وأما قوله : ( وبك لا بي ) وذلك أن لفظة الوجود لا يطلقها إلا مخلوق فعين عرفان
..........................................................................................
( 1 ) رواه الديلمي في الفردوس ( 1 / 210 ) ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب ( 1 / 85 ) .

“ 90 “


هذا المخلوق بوجوده نطق بلفظة الوجود ، فكأن هذا اللفظ بوجود المخلوق ، وأيضا فإن الزمان المحدث لم يتعلق إلا بعد وجود آدم لاشتراط العقل بالإنسان فلم يعقل هذا الوجود إلا من صدق عليه هذا العقل ، فلا يتيقن الوجود إلا بوجود ، فعلى الحقيقة مراده هذا اليقين كأنه قال : لم يتعقل الوجود إلا بوجودك وأيضا فإن أول صورة فتق في العماء هي الصورة المحمدية ، من الرحمة والرحمة التي صدر الوجود عنها يستمد من وجود محمد صلى اللّه عليه وسلم إذ هو يستمد منها وهي تمده للسبق عليه فالوجود على الحقيقة من اللّه بوجود محمد عليه السلام ، واستمداد العارفين من حقيقة محمد ، ففي حال الشهود تكون صورة العارف مخلوقة من مدده صلى اللّه عليه وسلم ، فلهذا قال له : ( بك ) أي : بصورة محمد وجد الوجود إذ العارف في حال الشهود مستهلك في صورة محمد صلى اللّه عليه وسلم .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : من وجدك وجدني ومن فقدك فقدني ، ثم قال لي : من وجدك فقدني ومن فقدك وجدني ، ثم قال لي : من فقدني وجدني ومن وجدني لم يفقدني ، ثم قال لي : الوجود والفقد لي لا لك ) ] .
( ش ) أقول : إنه عنى بذلك أن العارف من وجده فقد وجد اللّه تعالى لأنه فان في الهوية مستهلك في ذاتها عار عن الاختيار ، وأيضا هو أقرب إلى اللّه تعالى من الجاهل فعلى التفسير الأول من وجده فقد وجد اللّه تعالى ، وعلى التفسير الثاني من قرب من الخليفة فقد قرب من المستخلف ، وهذا ظاهر في الوجود ، فإن الولي واسطة بين الطالب والمطلوب ، فكل هذه أوصاف للعارف في القرب ، فمن وصل إلى العارف فقد وجد اللّه تعالى ويؤيده
قوله صلى اللّه عليه وسلم : “ لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها
“ 1 “ “ ، ويثبته الحديث الآخر ، وهو
قوله : “ مرضت فلم تعدني ، وجعت فلم تطعمني إلى قوله : مرض فلان فلم تعده أما وإن عدته لوجدتني عنده
“ 2 “ “ والحديث بتمامه من صحاح الأخبار .
وهذا تأييد لكماله رضوان اللّه عليه في المعرفة ، فكأنه قال : من وجدك بأوصافك وجدني ومن فقدك فقدني ، فإن الزمان الذي لا يظهر فيه العارف ظلماني يكون أبعد
........................................................
( 1 ) رواه البخاري ( 5 / 2384 ) .
( 2 ) رواه مسلم ( 4 / 1990 ) .

“ 91 “


العصور عن اللّه تعالى أعني بالظهور هاهنا خلو زمان ما من عارف ، وإنما أعني ظهوره لمجموع الوجود ، فمن فاته رؤية عين العارف فما أبعده من اللّه ، بل إذا وجد هذا العارف وجب على المخلوقات اضطرارا رؤيته ، بل ملازمة شهوده لأن حضرته حضرة اللّه تعالى ، فإن قيل في حق عارف مدعي الكمال ، وأنه الواحد ليس هذا هو قلنا : إنه متى ظهر عليه سمات المعرفة إما من الجهل إلى العلم في ليلة ، وإما من الضعف إلى القوة ، وإما من الوقفة إلى الجري في دقائق المعاني ، وإما في إظهار معنى كل غامض يرد عليه ، وإما في تفصيل مقامات الكشوف ورتبه وأدواته وآلاته وكيفياته ، والتفريق بين المقامات ، فكل هذه إذا وجد بعضها في واحد ، فهو المشارإليه بالوجود وإلى فقده منه وخروج عن طاعة اللّه تعالى .
وقوله : ( ثم قال لي : من وجدك فقدني ومن فقدك وجدني ) .
أقول : إنه يريد بقوله هذا أنه من وجد العارف وحمله على معتقد الجزئية التي يشهدها منه فقد رؤية اللّه تعالى لأنه يرى عن الجزئية ، إذ ليس هو واحدا كالآحاد فينبغي لمن وجد عارفا كاملا فلا يطلق عليه لفظ البقاء إذ هو فان ، ومن اعتقد وجود صورة العارف الجزئية فهو في عين الفقد ، فكأنه قال : من وجد لنفسك الفناء فقد لنفسه الفناء ، وهذا وجه خاف ، وفيه إشارة إلى أحدية العارف في زمانه لأنه متى أطلق أحد المعرفة على واحد ونفسه أيضا قال بالثاني ، ومتى أطلق على نفسه فقط كان مراده أحدية العارف أيضا ، فمن وجد العارف لنفسه فقد المعرفة لنفسه وهذا مراده بقوله : ( من وجدك فقدني ) هذا حقيقته ، وأما حمله على الظاهر ، فمن وجد العارف على صورته العادية فقد فقد ربه فلا ينبغي لأحد إذا وجد عارفا وتيقن فيه المعرفة أن يحمله على الظاهر من رؤيته ، فإن حمله كان مشركا إذ قال له في الخطاب السابق : ( من وجدك وجدني ) وتكراره مع الاختلاف يريد به أن لا يحمل العارف على الظاهر من صورته المحسوسة .
وقوله : ( ومن فقدك وجدني ) هذا تأييد ما ذكرناه من فقد الصورة وبقاء الفناء فإن قوله : ( من فقدك وجدني ) مع قوله : ( ومن وجدك فقدني ) متطابقان في الباطن متضادان في الظاهر ، فالأولى أن لا يحمل العارف على ظاهره الجزئي متى وجد ، فمتى حمل على الظاهر جاء قوله : ( من وجدك فقدني ) وقصده من وجد صورتك الظاهرة مع اليقين بأنك عارف فقدني لأنه في حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم : “ أما لو عدته لوجدتني عنده “ .
قوله : ( ثم قال : من فقدني وجدني ومن وجدني لم يفقدني ) أقول : معنى قوله : ( من فقدني وجدني ) أن المعرفة باللّه لا تكون إلا بقيام صورة كاملة ، فبعد كمال هذه الصورة

“ 92 “


في الخلق يعرف اللّه ، فمن فقد الإنسان هذه الصورة فقد ربه ، ومن فقد نفسه فقد ربه ، وقد قيل : من عرف نفسه عرف ربه ، فمن تيقن أن اللّه واحد مماثل له في الخلق لم يجده إلا بفقد إحدى الصور فمن تيقن أن الوجود مع اللّه فقد فقده ، لأنه جعل ثانيا ، ولمن يتيقن أن للّه صورة مقيدة فقد فقده ، ومتى فقد هذه الصورة المعينة وجده تعالى لأنه بريء عن التقييد ، فكأنه قال : من فقدني من المقيدين على زعمه التقييد فقد وجدني في عين تلك الصورة المقيدة ، وأيضا ، فإن هؤلاء العارفين قائلون بفناء الوجود ولا حقيقة لعينه في الحقيقة بالحقيقة للّه تعالى ، فمتى فقد هذا الفاني وجدت حقيقة اللّه تعالى ، وكأنه قال : إنه من فقد تقييدي وجد إطلاقي .
وقوله : ( ومن وجدني لم يفقدني ) أي : عرف أحديتي بفناء نفسه ، فلا يرجع إلى التقييد بعد معرفته بالإطلاق ، ومحال أن يعرف اللّه تعالى ، ثم يسلب العارف معرفته به ، فالمعرفة من حيث هي لا تسترجع ، فإن قيل : إن الأحوال قد تسلب ، فنقول : إن الحال لا يطلق على صاحبه الكمال فليس كل صاحب علم عارفا ، وإذا كان كذلك فاسم السلب قد يطلق على الحال ، ولا يمكن ذلك على صاحب المعرفة .
قوله : ( ثم قال لي : الوجود والفقد لك لا لي ) أقول : إن هذا التنزل في ظاهره يوهم التناقض وليس كذلك لأنه سبق بقوله : ( من فقدك وجدني ) فقد حقق الفقد والوجود لنفسه ، ثم عاد فنسبه إلى الشاهد وكلاهما ينطلق عليه الوجود والفقد على الحقيقة ، أما الشاهد فوجوده وفقده ظاهر ، وأما المشهود ففقده تقييده بوجود إطلاقه ، فمن أجل الإطلاق ينطلق عليه فقد التقييد ، ومن أجل التقييد ينطلق عليه فقد الإطلاق فكلاهما إذا يشتركان في الوجود والفقد فلا تناقض ، وأيضا فإنه في حال الشهود لا تمايز بين الشاهد والمشهود إلا في اللفظ ، فمن وجد الشاهد بالحقيقة ، وجد المشهود إذ لا حقيقة للشاهد والوجود والفقد على زعم الجاهل ، للشاهد لا للمشهود هذا على ظن الجاهل ، وأما المبتدئ في المعرفة ، فإذا ثبت عنده أن الوجود واحد وهو فان والحقيقة للّه تعالى ، فوجب أن يكون الفقد ، والوجود له على ما فسرناه ، فلما اتصف هذا العارف بأوصاف الفناء بعد اتصافه بالأوصاف اللائقة بالوجود الفقداني أي : وصف البشرية قيل : ( إن الوجود والفقد لك لا لي ) .
قوله : ( ثم قال لي : والفقد لي لا لك ) أقول : إن هذا التنزل يؤيد ما ذكرناه من أن الجاهل ليس على شيء إذ الوجود والفقد بالحقيقة للّه ، فإن المدرك في التحديد والتقييد

“ 93 “


والتمايز وهو مظاهر اللّه وشؤونه ، فالمعهود من المفقود هو الشؤون والمطلق من الوجود عليها أيضا ، وإذ قد أطلق عليه العزة ، فمنعه عن الجاهل فقدان العزة التي هي المنع ، ولا يكون إلا على الجاهل دون العارف ، ووجوده للعارف من غير عزة هو الوجود الذي عبر عنه في هذا الخطاب .
فقوله : ( إن الوجود والفقد لي لا لك ) معناه إنني عند الجاهل مفقود وعندك موجود وجمع الوجود والفقد وعكسهما عند هذا العارف يؤيد ما ذكرناه من العزة وعدمها ، فإنه قبل المعرفة كان جاهلا غير كامل في الجهل ، فكان المشهود بالنسبة إليه متصفا بالعزة ، فكان مفقودا في زمان الجاهل ، فلما عرف زال اسم العزة عند كمال هذا العارف ، وصار اللّه تعالى موجودا مشهودا عنده دائما ، فكلا الوصفين في واحد لواحد .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : كل وجود لا يصح إلا بالتقييد ، فهو لك وكل وجود مطلق فهو لي ثم قال لي : وجود التقييد لي لا لك ) ] .
( ش ) أقول : هذا التنزل يصف العارف بأوصاف اللّه تعالى في حال فنائه فهو في المعرفة موصوف بها ، وفي حال البشرية متصف بالتقييد ، فيطلق عليه التقييد والإطلاق بقوله :
( الوجود والفقد لي لا لك ) ، والفقد لا يكون إلا بالنسبة إلى التقييد بالتجزؤ ، فاللّه تعالى من حيث المظاهر والشؤون يطلق على مظاهره التقييد ، وقد قلنا إن الوجود هو المظاهر والشؤون ، فالوجود من حيث الكثرة للعارف لأنه من الجملة ومن حيث إطلاقه هو للّه .
فقوله : ( كل وجود ) يوهم أن هاهنا وجودات متعددة ، وهي بالحقيقة أوصاف في وجود واحد ، فهو مطلق من أجل فنائه ، ومقيد من أجل بقائه عند الجاهل فكلا الوجودان يصدق على العارف ، فالإطلاق يصدق عليه من حيث فناؤه والتقييد من حيث مماثلة الأشياء في حكم البشرية ، فإذا صدق على الوجود التقييد كان للعارف وإذا صدق عليه الإطلاق كان للّه ، فكأنه قال : كلانا واحد في هذا المقام ، وعند الانفصال يكون اثنين فالوجود لك في حال التقييد وهو لي عند الإطلاق .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : وجود التقييد لي لا لك ثم قال لي : الوجود المفروق لي بك ، والوجود المجموع لك بي ، ثم قال لي : وبالعكس ) ] .
( ش ) أقول معنى قوله : ( وجود التقييد لي لا لك ) . يؤيد ما ذكرناه من أن الوجود مظاهر اللّه وصفاته ، فكأنه قال : وإن كان الوجود مقيدا فهو مظاهري وصفاتي ، والمظاهر والصفات بالحقيقة للّه تعالى بدليل قوله تعالى : لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ

“ 94 “


[ غافر : 16 ] ، فإن قيل : إن هذا خطاب مختص بيوم القيامة ، فنقول : إن العارف في حال الشهود لا يكون في حال الظاهر ، بل يخرج عن حكم البشرية ، وهذا الخروج يكون في عالم الباطن ، وأما في عالم الآخر ، ومن هذا المقام يقول العارف رأيت وقال : فلولا أنه خرج عن حكم البشرية لما كلمه اللّه وليس في الوجود على الحقيقة سوى مظاهره وشؤونه فإذا صح هذا الحكم وجب أن يكون الوجود المقيد أيضا للّه تعالى وهذا معنى قوله : ( الوجود المقيد لي لا لك ) .
قوله : ( ثم قال لي : الوجود لي وبك والوجود المجموع لك بي ) أقول : معنى قوله :
( الوجود لي وبك ) أي : لولا صورتك المخلوقة وأمثالها لما تحقق لي الظهور والصفات والأسماء ولا كنت أسمى عندك موجودا ، فوجودي عندك بك وفيه قال رضي الله عنه : فلولاه ولولانا لما كنا ولا كان أي : لولا وجوده بالأولية لما تحقق لنا الوجود ، ولولا وجودنا لما عبر عن وجوده لأنه اشترط مع تجزؤ الوجود العبارة ولا يكون إلا بين المتكثرين ، فقبل التجزؤ كان الموجود بريئا عن العبارة ، فلما اختلفت المظاهر والشؤون بإرادة الكمال صحب ذلك على الاختلاف عبارة تؤدي إما إلى المعرفة ، وإمّا إلى الاستعانة ، وإمّا إلى الاستمداد ، وكل هذه الأوصاف افتقاري التجزؤ إلى الأمثال ، وأوجب هذا الافتقار أيضا الاطلاع على علم الموجد الأول ، لأنه إذا وردت المظاهر شيئا فشيئا والتحق الأول بالآخر ، وجب اضطرارا أن الأول آن للآخر موجدا ، وهذا العلم عبارة توصله إلى المثل ، فلا يعلم وجود اللّه لعين المطلع إلا بالعبارة ، فكأنه قال : الوجود لي بك ، معناه أنه بعبارتك على مثلك أنني موجود فصار وجودي عندك بك ، وأما قوله الوجود المجموع لك بي معناه أنني أنا المريد لك الاطلاع بالقدرة وأنا الموقف أيضا على الوجود ، وصورة التوقيف جمعيتي الأشياء حتى يطلع عليها
كقوله صلى اللّه عليه وسلم : “ زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها “
. وينبه أيضا
قوله عليه السلام : “ أوتيت جوامع الكلم
“ 1 “ “ ، فكل هذه بمراد اللّه تعالى ، وأيضا ، فإن قوله صلى اللّه عليه وسلم دليل على أن الأولياء مستمدون من علوم الأنبياء .
فقوله : ( الوجود المجموع لك بي ) معناه لو تركتك وجهلك لما عرفت مجموع الوجود الفاني في حقيقتي ، وهذا معنى قوله تعالى : ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا
.......................................................
( 1 ) رواه الديلمي في الفردوس ( 1 / 400 ) .

“ 95 “


الْإِيمانُ [ الشورى : 52 ] ، فالحاصل من قوله هذا أن معرفتك للوجود عين معرفتي ولولا إرادتي لما عرفت الوجود ولا كنت عارفا بحقيقتي ، فجمعية الوجود لك يكون بإرادتي .
قوله : ( ثم قال لي : وبالعكس ) أقول : معناه أن يصير كقوله : الوجود المجموع لي بي والوجود لك بك .
فقوله : ( إن الوجود المجموع لي بي ) أن كل ما يطلق عليه الوجود فهو ذاتي فلا يظن أن موجودا غيري ، وليس لنبي من الوجود خروج عني ، فكل ما يدرك من الكثرة فهو مجموع لي ، فأحديتي تنطلق على متفرقات الكثرة بعد جمعيتها إذ لولا الكثرة لما ظهر الجامع ، فالاسم الجامع بعينه إدراك متفرقات الكثرة ، وكلما يدرك منها كثيرا هو للّه بخلاف ما يدرك كالكثرة واحدا ، والواحد كثير .
وقوله : ( والوجود لك بك ) لأنه لولا وجود الشخص لما علم مجموع الوجود واحدا كان أو كثيرا وهذا ضروري ، فإنه لولا الوجود للجزء لما علم مثله وأمثاله في الجمعية ، ومعناه أن علم الوجود لك بوجودك فلو لا وجود جزئيتك لما تحقق لك علم الجمعية .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : الوجود بالأولية غير وجود ودونها هو الوجود الحقيقي ثم قال لي : الوجود بي وعني ولي ثم قال لي : الوجود عني لا بي ولا لي ، ثم قال لي :
الوجود لا بي ولا عني ولا لي ) ] .

( ش ) أقول : إن قوله : ( الوجود بالأولية غير وجود ) مراده به أن الوجود في العلم غير متمايز ولا فائدة في الوجود إلا بعد التمايز ، فلا يكون وجود في الأولية إلا علم ، والعلم عار عن التحديد ، والتحديد تمكين التمييز ، فالمعلوم بجمعيته بالنسبة إلى أحدية العلم كثير ، لكن العلم به واحد ، فالوجود أولا في العلم واحد بالنسبة إلى الظاهر ، وهو كثير بالنسبة إلى كونه معلوما ، والغالب عليه الواحدية من أجل نسبة الظاهر فلا يدرك في الأولية إلا علم واحد ، والأشياء فيه معلومة غير محدودة ، فكونه غير متميز لا يطلق عليه الوجود ، إذ الوجود بالحقيقة المظاهر ، فكونه خافيا ينطلق عليه بالنسبة إلى الظاهر جواز العدم إذ كل ما لا يتعقل وجوده فهو معدوم ، وما دون هذا العلم في الظهور هو الوجود المدرك .
فقوله : ( ودونها هو الوجود الحقيقي ) لأن الظاهر أدنى من الباطن إلى الأول ، والباطن أدنى من الظاهر من الآخر ، فبالحقيقة من الأول إلى الظاهر ومن الظاهر إلى الباطن مقابلة من غير انتقال ، لأن الظاهر لا يصير باطنا البتة ، إذ هو ضد والضد لا يقابل هذه ،

“ 96 “


فإن قيل : إن الأول ضد الآخر ، وقد صدق عليه الانتقال إلى الآخر ، فنقول : إن انتقال الأول إلى الآخر لا يكون أولا لكنه بعد الأولية ينقل إلى الظاهر ومن الظاهر يستمد نصيبه من المقابلة ، وفي حال هذا الاستمداد ينقل إلى الآخر وهو كماله فليس انتقالا من الضد إلى الضد ، ولولا أنه يقطع مرتبتي الظهور والمقابلة لما كان له انتقال من الأول إلى الآخر ، فبالحقيقة ينشأ في الظاهر نشأة أخرى ، حتى يصدق عليه الانتقال فما دون الأولية في القرب إلا الظاهر ، وهو الوجود الحقيقي ، ولهذا افتقر إلى تمايز أشد تحديدا وأظهر مما كان عليه في الأولية ، ليدرك بالنسبة إلى السابق المتقدم ، وهو اللّه تعالى .
قوله : ( ثم قال لي : الوجود بي وعني ولي ) أقول معنى قوله : ( الوجود بي ) لأنه سابق على الوجود على ما قيل ، فالوجود موجود بعد وجوده ، فوجب أن يكون بوجوده تحقق الوجود ولا يظن منه أنه الذي قالت الفلاسفة : إنه علة للوجود فليس هذا الغلط مراده ، وإنما قصده في قوله : ( الوجود بي ) أي : إن تحقق الوجود لك بمرادي وإن قلنا : وجودي عندك تعييني جاز ، وغلط القائل بالعلة ، لأن وجود المعلول متوقف على العلة ، ويلزم من ثان ناقص مفتقر إلى مثله قوله : ( وعني ) لأنه لا معنى للوجود إلا بمظاهر صادرة عن الظاهر بها ، فحين ظهورها واستقلالها بأنفسها عبّر عنها بعني لأن شيئا لم يكن مدركا وأدرك ، يجب على المدركين أن يعبروا عنه بالحدوث وبالخفاء لا يكون حدوث إلا عن موجد ، فالوجود سواه بل لا موجود إلا هو فلا يقال : الوجود إلا له حتى على الزمان العاري عن الإدراك الجسماني ، فقد قال عليه السلام :” لا تسبوا الدهر
“ 1 “ “ ، فإن الدهر هو اللّه ، فهذا معنى قولنا : ليس في الوجود إلا اللّه وبالحقيقة ليس موجود إلا هو .
قوله : ( ثم قال لي : الوجود عني لا بي ولا لي ) أقول : إنه قد سبق القول في شرح قوله : الوجود عني وأما نفيه لمعية الوجود بقوله : ( لا بي ) لبراءته عن الثنوية في الحقيقة لكنه قد تقدم مناقض هذا في الظاهر ، ولا تناقض إذ الوجود المدرك للجاهل هو باللّه وبالحقيقة لا وجود مدرك .
فقوله : ( لا بي ) كأنه قال : ليس معي شيء متقدم ولا حادث ولا يتوهم هاهنا
..................................................................
( 1 ) رواه البخاري ( 5 / 2286 ) ، ومسلم ( 4 / 1763 ) .

“ 97 “


مناقضة لقوله تعالى : وَهُوَ مَعَكُمْ [ الحديد : 4 ] ، فإن معيته هناك ليس معيته ها هنا لكنها هناك على رأي من يقول : إن الوجود موجود واللّه موجود فيجب أن يقال لها : ( ولا لي ) وهو معكم لتحقق معتقدهم مع القرب ، وأما ها هنا فالمعية لنفي الثنوية إذ ليس في الوجود إلا اللّه قوله ولا لي بعد إثباتها في الفصل السابق لا تناقض فيه أيضا لأنه يريد به براءته عن الوجود المقيد الصوري الذي يتعالى اللّه عنه لأن له الوجود المطلق والمقيد آحاد متفرقة ، فالجامع لهذه المتفرقة هو اللّه وقد سبق في كتابي المسمى بكتاب الختم شهود قال تعالى فيه لي أنا العالم ، وليس العالم أنا فالحاصل من هذا وهذا مراده أنني أنا ، الوجود المطلق ليس واحدا واحدا ولكن مجموع الآحاد فانية في ذاتي فحقيقة فنائها ينحل حقيقي الظاهر .
وقوله : ( ثم قال لي : الوجود لا بي ولا عني ولا لي ) أقول : قوله : ( الوجود لا بي ) قد سبق شرحه فيما تقدم والقصد فيه إرادة أحدية الوجود الفانية وإن شهد الجاهل سوى اللّه ، فليس شهوده حقا لجعلهم للرحمن ولدا كما جاء في الآية ، وهو قوله : إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ [ الزخرف : 81 ] ، ومراد الشيخ رضي الله عنه ليس الوجود بي أي : ليس الوجود المدرك مرادا إلى قوله : ( ولا عني ) يريد به نفي حدوث الثنوية لأننا إذا قلنا : إن في الوجود شيء مع اللّه حادث عنه لزم منه الثنوية على رأي أهل اللّه تعالى إذ لا يشهدون في حال الوجود إلا اللّه ، قوله : ( ولا لي ) لأن قوله يشبه لفظ الآنية ، والآنية خصوص وصف الواحد بنفسه عند المماثلة ، فمراده من هذا الخطاب نفي المماثلة التي تنطلق فيها الإرادة ، وإن كان قد أثبتها في الفصل السابق . واختلاف الإرادتين بنفي التناقض فيه لأن مراده هناك أنه ليس الوجود لغيره وها هنا نفي الثنوية .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : إن وجدتني لم ترني ، وإن فقدتني رأيتني ، ثم قال لي في الوجود فقدي وفي الفقد وجودي ، فلو اطلعت على الأخذ لوقفت على الوجود الحقيقي ) ] .
( ش ) قوله : إن هذا التنزل المراد به التنزيه عن الصورة ، فإنه متى وجدت الصورة فلا توجد إلا مقيدة واللّه بريء عن التقييد ، فتكون هذه الصورة صادرة عن اسم واحد بمراد اللّه المظهر لهذا الشاهد ، أعني شاهد الصورة ، فمتى وجد اللّه تعالى في الصورة لرأى شخص لم يره من حيث الإطلاق ، إذ الإطلاق يباين التصوير والتقييد ، فيكون في حال شهود هذه الصورة قد تحول اللّه في صورة تنازلا لقصور وسع هذا الشاهد ، فإن من ليس

“ 98 “


له استعداد الإطلاق ، فلا يدركه إلا بعد كمال هذا الاستعداد فمراده بقوله : ( هذا إن وجدتني لم ترني ) أي : إن وجدتني صورة لم ترني في الإطلاق ، قوله : ( وإن فقدتني رأيتني ) معناه إذا فقدت الصورة يجب الرؤية في الإطلاق ، فإن الإطلاق لا يشهد إلا بعد شهود الصورة ، وهو الصوري الذي يعبر عنه في المصطلح فعند همة الشاهد للكمال يختصر اللّه له من مجموع الوجود صورة جامعة ويتحول فيها ، فيشهده الشاهد وهذه هي المرتبة الأولى من مراتب الكشف ، فما دام الشاهد في هذا الشهود ، فلا يشهد اللّه تعالى في الإطلاق ، فإن لم يفقد هذه الصورة فلا يشهد الإطلاق ، فكأنه قال : إذا فقدت صورتي المقيدة رأيتني مطلقا .
وقوله : ( ثم قال لي : في الوجود فقدي وفي الفقد وجودي ، فلو اطلعت على الأخذ لوقفت على الوجود الحقيقي ) .
أقول : إن مراده بقوله هذا عين المراد في الفصل السابق عليه ، لكن يلحظ في التكرار فائدة ، وذلك أن المهيأ للكمال في فقد الشهود الصوري وجود الإطلاق ، وأما غير المراد للكمال فلا ، بل يقف في الشهود الصوري فقده فقد حقيقي ، وأما فقد هذا المهيأ للكمال ، فوجود حقيقي لكنه يشترط في الكامل علامة ، وهو الوقوف على الأخذ لهذا العارف ، لأن وجود هذا الأخذ في هذا الخطاب يعرف الشاهد المراد للكمال بأنك آخذ إلى طريق الكمال ووقوفه على هذا الأخذ .
فقوله : ( فلو اطلعت على الأخذ ) هو وجود الأخذ هو غير وقوفه على الوجود الحقيقي ، فلهذا قال له : ( لو اطلعت على الأخذ لا طلعت على الوجود الحقيقي ) ، وأما كيفية الأخذ فنذكره في شرح المشهد الآتي لأنه منسوب إليه .
* * *
.

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المشهد الحادي عشر مشهد نور الألوهية بطلوع نجم “ لا “ .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد السادس مشهد نور المطلع بطلوع نجم الكشف .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الرابع عشر مشهد نور الحجاج بطلوع نجم العدل .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد السابع مشهد نور الساق بطلوع نجم الدعاء .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: