للأستاذ السيد محفوظ أحمد الخطيب الشاذلي العمراني
لما رأيت بعض الجهلة يؤولون الآيات على ظاهرها فأردت أن أزيل بعض الشبهات في هذه الآيات المتشابهات مستندا إلى تفسير الأعيان من الأمة فأقول بتوفيق الله ،
قال تعالى
: ﴿ وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى ﴾{الضحى:7}
وقد اتفق العلماء على أنه صلى الله عليه وسلم ما ضل لحظة واحدة قط ،
قال تعالى : ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾{النجم:2}
وأن جميع الأنبياء معصومون قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته ،
بل جاءت الأخبار عن الأنبياء بتنزيههم عن هذه النقيصة منذ ولدوا ،
ولم يرد في الأخبار أن نبيا من الأنبياء عرف بشرك أو كفر قبل أن يوحى إليه ،
واختلف في تفسير هذه الآية ،
قال ابن عباس رضي الله عنه وتبعه بعض المفسرين :
ووجدك ضالا أي عن معالم النبوة ،
ويؤيد ذلك قوله تعالى : ﴿ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ﴾{الشورى:52} ،
أي ما كنت تدري قبل الوحي أن تقرأ القرآن ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان ،
قال السمرقندي قال القاضي ولا الإيمان الذي هو الفرائض والأحكام ،
وقد كان صلى الله عليه وسلم قبل مؤمنا بتوحيده ثم نزلت الفرائض التي لم يكن يدريها من قبل ،
فازداد بالتكليف إيمانا ،
وأما قوله تعالى : ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾{الفتح:2}
فقد قال ابن عباس رضي الله عنه :
أي أنك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب أي لو كان والمراد بالذنب ترك الأولى كما قيل
حسنات الأبرار سيئات المقربين
ومن تأمل هذه الآية مع ما قبلها وما بعدها يعرف أن لا ذنب له بل تشريف
وتعظيم له صلى الله عليه وسلم ، وكيف يخطر ببال أي عبد ذلك ،
وأحواله صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى قسمين : قول وفعل ،
فأما قوله فقد قال تعالى فيه :
﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4} ﴾{النجم:3/4} ،
وأما فعله فإجماع الصحابة على اتباعه فيما يفعل كاف ،
ومن تأمل أحوال الصحابة معه صلى الله عليه وسلم استحيى من الله أن يخطر بباله خلاف ذلك ،
وأما قوله تعالى : ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى{1} أَن جَاءهُ الْأَعْمَى{2} ﴾{عبس:1/2} الآية،
فليس فيها إثبات ذنب عليه صلى الله عليه وسلم ،
وتصدية لذلك الكافر كان طاعة الله عز وجل بتبليغه وتأليفه وإقناعه ،
فلا مخالفة له تعالى وما قصه الله عليه من ذلك كان إعلاما بحال الرجلين ،
وتوهين أمر الكافر عنده ،
والإشارة إلى الإعراض عنه بقوله
: ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ﴾{عبس:3}
أي لا بأس عليك في أن لا يتزكى بالأعلام أي لا يبلغن بك الحرص على إسلامهم أن تعرض عمن أسلم بالاشتغال بدعوتهم إن عليك إلا البلاغ .
عن مجلة المسلم عدد ربيع الآخر سنة 1376هـ بتصرف
__________________
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي * رأوه لما وليت عنا لغيرنا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا * خلعت ثياب العجب عنك وجئتنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمة * لمتّ غريباً واشتياقاً لقربنا
ولو ذقت من طعم المحبة ذرة * عذرت الذي أضحى معنّى بحبنا
ولو لاح من أنوارنا لك لائح * تركت جميع الكائنات لأجلنا
فمن جاءنا طوعاً رفعناه رتبة * وعنه كشفنا الهمّ والغمّ والعنا
ومن حاد عنّا ضلّ سعياً ومذهباً * وباء بحرمان ولم يبلغ المنى
----
حسام