منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالجمعة يوليو 26, 2019 6:27 pm

مقدمة شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد  الجامي على متن فصوص الحكم

مقدمة شرح الجامي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

مقدمة الشارح على كتاب شرح الجامي 

الحمد لله الذي زين خواتم قلوب أولي الهمم بفصوص نصوص الحكم.
وختم بها باب النبوة مرة، وباب الولاية الخاصة أخرى.
وسيختم بها الولاية المطلقة على من هو أحق بها من أوليائه. 
والصلاة والسلام على مهبط كلمه التامة الكاملة و مقسم نعمة العامة الشاملة وعلى من آل من عترته أمره إليه أو فاز في صحبته بالمثول بين يديه.
أما بعد:
فاعلم أن الحكم الفائضة من الحق سبحانه على قلوب كمل عباده وخلص عبيده على أنواع، منها: 
ما يفيض عليهم بواسطة الملائكة المقربين بألفاظ وعبارات محفوظة من التغيير والتبديل مرادة قراءتها وهو القرآن المنزل علی نبینا صلى الله عليه وسلم بواسطة الروح الأمين . 
ومنها: 
ما يفيض عليهم بواسطة أو بغیر واسطة معاني صرفة أو معبرة بعبارات غير متلوة، ومن هذا القبيل الأحاديث القدسية.
فهي إما ما فاضت عليه صلى الله عليه وسلم معاني صرفة لكنه كساها أكسية عباراته الخاصة أو بعبارات مخصوصة غير مراد ضبطها وتلاوتها . 
وهذا النوع ليس مخصوصا بالأنبياء بل يعم الأولياء و صالحي المؤمنين.
ومنها: 
ما يفيض من بعض الكمل على بعض كما يفيض من روح نبينا على خواص متابعيه ما يغيض بقدر متابعتهم وقوة مناسبتهم.
ومن عجائب هذا النوع ما فاض من قلبه الأنور وروحه الأطهر كتاب "فصوص الحكم" .
بجملة ما فيه من الحكم والأسرار دفعة واحدة على قلب الشيخ الكامل المكمل محيي الملة والدين أبي عبد الله محمد بن علي المعروف بابن العربي الطائي الحاتمي  الأندلسي، قدس الله تعالی روحه وكثر من عند فتوحه.
ثم أني كنت برهة من الزمان مشغوفا بمطالعته مشغولا بمذاكرته، ولم أجد أستاذة يمن على مستفيده بشرح مشكلاته ولا مرشدة پر شد مريديه إلى كشف معضلاته، فقصدت إلى جمع شروحه وجعلتها مفاتيح أبواب فتوحه وطالعتها مرة بعد مرة ورجعت إليها كرة بعد كرة .
حتى استقر رأيي على أن انتخبت منها ما يجديني في حل مبانيه ويكفيني في فهم معانيه.
وأضفت إليه ما سنح في أثناء المطالعة لبالي وسمح به وقتي وحالي.
فجاء بحمد الله كما يبغيه الأصحاب و يرتضيه أولوا الألباب .
وها أنا أشرع فيه الآن بعون المهيمن المنان.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة أغسطس 02, 2019 9:47 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: شرح الشيخ عبد الرحمن الجامي لخطبة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالجمعة يوليو 26, 2019 6:41 pm

شرح الشيخ عبد الرحمن الجامي لخطبة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

شرح الجامي لخطبة الشيخ على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
شرح الشيخ عبد الرحمن الجامي على خطبة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
(الحمد) هو إظهار كمال المحمود إذ لا كمال إلا للحق سبحانه جمعا أو فرقا . وكذلك لا مظهر له إلا هو سبحانه جمعا أو فرقا، فجنس الحمد أي حقيقته المطلقة الشاملة كل حامدية ومحمودية إذا لوحظ الحمد بعين الجمع واستهلاك المظاهر في الظاهر.
أو في كل فرد منه إذا لوحظ بعين التفرقة واستنار الظاهر بالمظاهر، وكل فرد منه إذا لوحظ بعين جمع الجمع خالص (لله) أي الذات المطلقة المجردة من جميع النسب حتى نسبة الإطلاق والتجرد إليها فهو الحامد في كل مرتبة والمحمود بكل فضيلة ومنقبة لا حامد سواه، ولا يحمد أحد إلا إياه .
اعلم أنه لا يقع حمد مطلق من حامد إلا لفظا وإذا أضيف الحمد إلى اسم من أسماء الله فلا يكون ذلك إلا من حيث حضرة خاصة من حضرات الأسماء يدل عليها حال الحامد ويقيد بها .
ولما كان حال الشيخ رضي الله عنه في هذا المقام تقييد حمده بتنزيل الحكم، لأنه رضي الله عنه كان في صدد بيان الحكم المنزل على قلوب الأنبياء عليهم السلام، أردف اسم الله بقوله : (منزل الحكم) وجعله وصفا له تصريح بما بشیر إليه حاله وهو اسم فاعل.
إما من التنزيل أو من الإنزال وتحققهما إنما هو باعتبار أن الحكم إنما تنزل من الحضرات العالية الإلهية المطلقة إلى مرتبة التقييد والتعبير أعني حقائق القلوب الكمالية الإنسانية .
لأن العلو الحقيقي لإطلاق الذاتي وحضرة الربوبية الفعالة والتقييد والانسفال للمرتبة العبدانية القابلة.
ثم إن جعله من التنزيل أولى لأنه ينبئ عن التدريج، ولا يخفى أن نزول العلوم والمعارف على كتاب استعدادات أرواح الأنبياء عليهم السلام وإن كان دفعيا لا يمكن ظهورها على قلوبهم بالفعل والتفصيل إلا على سبيل التدريج، وذلك إما باعتبار أن الحكم النازلة على قلب كل نبي إنما نزلت بحسب مصالح أمنه مدة بقائه فيهم.
وإما باعتبار أن بعض الحكم بعد القلب، فیضان بعض أخر فبعضها يتقدم وبعضها يتأخر.
وإما باعتبار أن نزولها إما على طريق سنسنة الترتيب التي أولها العقل الأول والتدريج فيه ظاهر وما على طريق الوجه الخاص.
والتدريج فيه باعتبار أن النازل ينزل على الروح أولا بحسب الإجمالي ثم على القلب ثانية بالتفصيل.
والحكم الشرائع المشتملة على العلوم والمعارف التي هي الحكمة العلمية ، وعلى الأخلاق المرضية والأعمال الصالحة التي هي الحكمة العملية (على قلوب الكلم). القلب حقيقة جامعة بين الحقائق الجسمانية والقوى المزاجية وبين الحقائق الروحانية والخصائص النفسانية .
والتجلي الخصيص بحدائق الجوهر الروحاني والنفساني مجلى متعین من حضرة القدس والنزاهة والوحدة و العلو والفعل والشرف والحياة و النورية.
والتجلي المخصوص بالجسم متعين بأضداد ما للروح والنفس.
وذلك لتعيين التجلي في كل قابل بحسبه .
فلما ظهرت الحقيقة القلبية بأحدية الجمع استعدت قبول محل إلهي وفيض جمعي كمالي إحاطي لا يمكن تعيينه في كل واحد من الجوهرين، ولا في حقائق كل من الطرفين على الانفراد .
وهذا الفيض المخصوص بالقلب إنما يكون تعينه من الحضرة الإلهية العمانية الجمعية ، وإذا تحققت ذلك فاعلم أن إنزال الحكم من الحضرة الأحدية الجمعية الإلهية إنما تكون على قلوب الأحدية الجمعية الكمالية الإنسانية بين حقائق الروح والنفس والجسم لا على الروح والنفس فقط، أو على القوى الجسمانية وحدها فلذلك خص القلوب بالذكر.
والمراد بالكلم التي هي جمع كلمة أعيان الأنبياء عليهم السلام ولذلك أضاف القلوب إليها .
قال الشيخ الكبير صدر الدين القونوي رضي الله عنه في كتاب : "النفحات" أن الصورة معلومية كل شيء في عرصة العلم الإلهي الأزلي مرتبة الحرفية ، فإذا صبغه الحق بنوره الوجودي الذاتي وذلك بحركة معقولة معنوية يقتضيها شأن من الشؤون الإلهية المعبر عنه بالكتابة .
تسمى تلك الصورة أعني صورة معلومية الشيء المراد تكوينه كلمة.
وبهذا الاعتبار سمي الحق سبحانه الموجودات كلمات.
ونبه على ذلك في غير موضع من كتابه العزيز فسمى عیسی على نبينا وعليه الصلاة والسلام كلمة .
وقال أيضا: "لا تبديل لكلمات الله" آيه 64 سورة  يونس.
وقال في حق أرواح عباده "إليه يصعد الكلم الطيب" 10 سورة فاطر. أي الأرواح الطاهرة.
فإذا فهمت هذا عرفت أن شيئية الأشياء من حيث صرافتها شيئية ثبوتية في عرصة العلم ومقام الاستهلاك في الحق سبحانه .
وأنها بعينها في عرصة الوجود العيني باعتبار انبساط نور وجود الحق عليها وعلى لوازمها وإظهارها لها لا له سبحانه في كلمة وجودية.
فلها بهذا الاعتبار الثاني شيئية
......................................................
وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.
وصلى الله على محمد الهمم، من خزائن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجودية بخلاف الاعتبار الأول (بأحدية الطريق الأمم) الأمم بالفتحتين المتوسط بين القريب والبعيد.
قال ابن السكيت الأمم بين القريب والبعيد والمراد بالطريق :
إما طريق التوحيد الذي عليه جميع الأنبياء ومتابعيهم المشار إليه بقوله :وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) سورة الأنعام.
وتوصيفه بالأمم باعتباراته متوسط بين قرب التنزيه وبعد التشبيه .
وأما الجمعية الكمالية الإنسانية بين حقائق الروح الذي له القرب وبين حقائق الجسم الذي له البعد فإنها كالطريق لنزول الحكم من حضرة الأحذية الكمالية الإلهية على القلوب.
والمراد بأحدية الطريق إما وحدته النوعية التي تتحد فيها أفراده، وإما أحدية جمعه للمتقابلات، والباء إما للملابسة على أن يكون الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف.
أي تنزيه ملتبسة بأحدية الطريق، أو حالا من الحكم أو القلوب أو الكلم ولا يخفى وجه صحة كل منها لفظا ومعنى.
وإما للسببية متعلق بالتنزيل فإنه مسببة عن سلوك طريق التوحيد وعن اتصاف القلب بالجمعية الكمالية الإنسانية أيضا.
وإما متعلق به على ما يقتضيه معنى الإخبار، أي الله سبحانه وتعالى ينزل الحكم مخبرة بأحدية العريق.
وأما الظرفية كما في قولهم : حججت بطريق الكوفة، فإن كلا من طريق التوحيد والجمعية الإنسانية طريق التنزيل ومحله (من المقام الأقدم) من ابتدائية.
أي هذا التنزيل مبتدأ من مقام هو أقدم من أن يكون قدمه مقابلا للحدوث ، والمراد به مرتبة الأحدية الذاتية التي هي منبع لفيضان الأعيان واستعداداتها في الحضرة العلمية أولا.
ووجودها وكمالاتها في الحضرة العينية بحسب عوالمها وأطوارها الروحانية والجسمانية ثانية.
وإنما كانت أقدم، لأن المراتب الإلهية وإن كانت كلها في الوجود سواء لكن العقل يحكم بتقدم بعضها على بعض الحياة على العلم والعلم على الإرادة والإرادة على القدرة وأقدمها الأحدية الذاتية (وإن اختلفت الملل) أي الأديان المتعددة بتعدد أصحاب الشرائع (والنحل) أي المذاهب المتشعبة من كل دين بتعدد المجتهدين.
وقوله : (لاختلاف الأمم) علة لاختلاف الأمم لاختلاف الملل والنحل.
أي هذا الاختلاف إنما وقع لاختلاف واقع بين الأمم في أمزجتهم و أحوالهم ومراتبهم وعرفهم وعاداتهم ومأخذ نظرهم ومعتقداتهم.
فاختلفت بشرائعهم ومذاهبهم في تلك الشرائع بسبب ذلك الاختلاف وذلك لا يقدح في وحدة أصل طرقهم وهو الدعوة إلى الله والدین الحق.
(صلی الله) أي أفاض رحمته بالتجليات الذاتية والأسمائية والصفائية (علی ممد الهمم) القابلة للترقي في مراتب الكمال وذلك الإمداد إنما يكون بتبيين المقام
......................................................
الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم.
أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده ی كتاب ، فقال لي: هذا كتاب فصوص الحكم خذه وأخرج به إلى الناس ينتفعون به .
فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا.
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذي تعشقت به الهمة ، والكمالي الذي تعلقت به، وتعريف ما هو أعلى وأفضل وبیان حالة هي أعز وأكمل وذلك الإمداد إنما هو (من خزائن الجود والكرم) وهي الحضرات الأسمائية الإلهية (بالقيل الأقوم) الأعدل بين تعریض و تصریح وكتم وإفشاء وإيجاز و إسهاب وبشارة ونذارة (محمد وآله) الذين تؤول إليهم أموره صلى الله عليه وسلم و مواريثه العلمية والمقامية والحالية (وسلم) عليه بإسم السلام يسلم إليه فيه حقائق الكمال ويعطيه السلامة عن سطوات تجليات الجلال ويهبه السلامة عن الانحرافات والتحقق بحقائق المرتبة الاعتدالية .
(أما بعد فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة)، أي رؤيا صالحة وهي لا تستعمل مع موصوفها .
فلا يقال : رؤيا مبشرة (أريتها) بأراءتها الحق سبحانه إياي من غير قصد وتعمل مني فتكون مبرأة عن الأغراض النفسية و الخيالات الشيطانية (في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة).
واختص المحرم من الأشهر بهذه المبشرة لأنه رضي الله تعالی عنه فتح له في أوائل فتحه من المحرم أيضا على ما روى عنه رضي الله عنه أنه اتخذ الخلوة مرة بإشبيلية من بلاد الأندلس تسعة أشهر لم يفطر فيها دخل في عشرة المحرم وأمر بالخروج عند عيد الفطر .
وبشر بأنه خاتم الولاية المحمدية (بمحروسة دمشق وبيده ) التي هي مظهر تصرفه بالأخذ والإعطاء (كتاب فقال صلى الله عليه وسلم في هذا) إشارة إلى ما بيده من الكتاب (كتاب فصوص الحكم) إخبار بأنه عند الله مسمي بهذا الاسم أو تسمية من عنده صلى الله عليه وسلم أو حكما منه بأنه كتاب مشتمل على بيان خلاصة الحكم المنزلة على قلوب الأنبياء عليهم السلام أو بيان محالها.
وفي هذه القلوب فإن فص الشيء خلاصته .
وفص الخاتم ما ينقش عليه اسم صاحبه .
وتكون التسمية به من الشيخ رضي الله عنه .
(خذه) في سرك وعينك (واخرج به ) في الحس والشهادة (إلى الناس) المتحققين بالإنسانية (ينتفعون به) وسياق الكلام يقتضي أن يكون قوله : ينتفعون مجزومة بإسقاط النون لكونه بحسب الظاهر جوابا للأمر لكنه صلى الله عليه وسلم جعله إخبارا ابتدائية بأن المتحققين بالإنسانية ينتفعون به إلى يوم القيامة.
لمزيد إعلام وبشارة للشيخ رضي الله عنه ، وهو جواب سؤال مقدر كأنه صلى الله عليه وسلم سئل أن هذه الحكم تجل وتعلو عن أن يخرج بها إلى الناس الحيوانيين.
فأجاب صلى الله عليه وسلم بأن فيهم ناسا مؤهلين للكمال ينتفعون به.
(فقلت: السمع والطاعة الله) لأنه رب الأرباب (ولرسوله) لأنه خليفته وقلب الأقطاب (وأولي الأمر)
..................................................................................
والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان.
وسألت الله تعالى أن يجعلني فيه وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.
وأن يخصني في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي والنفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي.
حتى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي الخلفاء الذين لهم الحكم في الباطن.
أو الملوك الذين هم الخلفاء للخليفة الحقيقي في الظاهر (منا) أي من نوعنا وأهل ديننا (كما أمرنا به) في قوله تعالى : "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" آيه 54 سورة النساء.
وفي التحقيق : الطاعة كلها الله سبحانه تارة في مقام جمعه وتارة في منام تفضيله.
ويمكن أن تجعل الإشارة في الوجوه الثلاثة:
إلى طاعته صلى الله عليه وسلم من ثلاث حيثيات :
أحدها من حيث كونه صلى الله عليه وسلم مظهرة لاسم الله .
وثانيها من حيث كونه صلى الله عليه وسلم رسولا منه .
وثالثها من حيث كونه الولي، الأشهر على جميع الكمال .
(فحققت الأمنية)، أي أدركت حقيقة أمنيته و مراده صلى الله عليه وسلم بالكتاب الذي أعطانيه بتحديده وتعيينه أمنيته ومراده به.أو جعلتها محققة في الخارج.
فعلى الأول يكون المقصود من الإبراز في قوله فيما بعد:
إلى إبراز هذا الكتاب إخراجه من العلم إلى العين.
وعلى الثاني إبرازه بعد ذلك الإخراج إلى المنتفعين به.
(وأخلصت إليه) عن الأغراض النفسانية (وجردت القصد والهمة) عنها قصرت إحدى القصد والهمة فيما هممت به من غير أن يشوبه شائبة غرض (إلى إبراز هذا الكتاب ) من العلم إلى العين .
أو إلى المنتفعين به (كما حده لي) وعين (رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة مني)، أي بأن أبرز ما حده صلى الله عليه وسلم لي (ولا نقصان) بأن لا أبرز بعض ما حده صلى الله عليه وسلم فإن مقام الأمانة لا يحتمل الخيانة بالزيادة والنقصان.
(وسألت الله سبحانه أن يجعلني فيه)، أي في إبراز هذا الكتاب (وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان)، أي تسلط و غلبة .
إشارة إلى قوله تعالى: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" آية 42 سورة الحجر.
وهم العارفون الذين يعرفون مداخله الواقفون مع الأمر الإلهي لا يتعدون عنه (وأن يخضني في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني با لإلقاء السبوحي) المنزه عن الوساوس الشيطانية والهواجس النفسانية (والنفث الروحي) الحاصل من روح القدس مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم:
"إن روح القدس نفث في روحي أن نفس تن تموت حتى تستكمل رزقها" ..
والنفث : هو إرسال النفس استعير للاضافة (في الروع النفسي) الروع بضم الراء وسكون الواو : القلب .
ولما كان القلب في الوجود الإنساني عندها بل النسختين الآفاقية والأنفسية بمثابة
...........................................................................
أكون مترجما لا متحكما.
ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس.
وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي؛ فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل به على.
ولست بنبي ولا رسول ولكني وارث ولآ خرتي حارث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النفس الكلية نسبة إليه .
أي : في القلب الذي هو في النسخة الإنسانية بمنزلة النفس الكلية في نسخة العالم.
فتصير العلوم المجملة الفائضة من الروح مفصلة فيه (بالتأييد الاعتصامي) الياء متعلق بالإلقاء والنفث.
أي يكون ذلك الإلقاء والنفث بتأييد الله سبحانه المسبب عن الاعتصام والالتجاء به. قال تعالى: "ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم" آية 101 سورة آل عمران.
والهداية إلى الصراط المستقیم نوع من التأييد (حتى أكون مترجم) غاية لقوله : سألت، أي سألت الله ما سألت حتى أكون مترجمة عما حده في رسول الله ، وأراد الله سبحانه إظهاره على لسانی (لا متحكما) بالتصرف النفساني فيه بالزيادة والنقصان (ليتحقق).
أي يعلم حقيقة (من يقف عليه من أهل الله) الذين هم مشرب الكمال الأحدي الجمعي الإلهي .
لا المتقيدين بالمشارب والأذواق الجزئية التقييدية الأسمائية (أصحاب القلوب) التي تتقلب مع الحق سبحانه حيث تجلی.
ووسعته فما أنكرته ولا أعرضت عنه في تنوعات ظهوره بشؤونه (أنه)، أي هذا الكتاب .
من حيث معانيه وأسراره بل من حيث ألفاظه وعباراته أيضا (من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس).
فإن الأغراض تارة تلبس الحق صورة الباطل فنعرض النفس عنه وتزيفه ، وتارة تلبس الباطل صورة الحق فتقبل عليه وتروجه (وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب نداني).
لسان أدب مع الله تعالى فإن الكمل المطلعين على أعيانهم الثابتة واستعداداتها لا يطلبون من الله سبحانه إلا ما تقتضيه أعيانهم واستعدادتها فهم متيقنون بإجابة دعائهم.
وفي إضافة السمع إلى الدعاء والإجابة إلى النداء قد يقع لبعض الناس أن العكس أنسب لأن المقصود من النداء الإسماع ومن الدعاء الإجابة.
فكأنه رضي الله عنه لاحظ قوله تعالى : "إن ربي لسميع الدعاء" آية 39 سورة إبراهيم .
ولما تيقن بالإجابة من الله تعالى قال: (فما ألقي) إليكم (إلا ما يلقى إلي) كما تضمنه هذا الكتاب من أسرار الأنبياء عليهم السلام والحكم الخصيصة بهم .
والملقي إلي هو الله سبحانه وتعالى من الحضرة المحمدية الحتمية الكمالية الإلهية (ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل) به (على) والمنزل أيضا هو الله سبحانه من تلك الحضرة.
ولما علم رضي الله عنه سبق أوهام المحجوبين من هذا الكلام إلى ادعائه النبوة والرسالة قال :
(ولست بنبي ولا رسول) لأن النبوة التشريعية والرسالة قد انقطعنا (ولكني وارث) لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العلوم الإلهية والأحوال الربانية والمقامات والمكاشفات والتجليات
......................................................................
فمن الله فاسمعوا      ….. وإلى الله فارجعوا
فإذا ماسمعتم         …… ما أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا       ….. مجمل القول واجمعوا
ثم منوا به علی       ….. طالبیه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي       ….. وسعتكم فوسعوا
ومن الله أرجو أن أكون ممن أيد فتأيد وقيد بالشرع المحمدي المطهر فتقيد وقيد ، وحشرنا في زمرته كما جعلنا من أمته.
فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ولآخرتي) التي ينتمي إليها أمري آخرة من مراتب الكمال (حارث) .
ولما لم يكن لي تصرف فيما أذكره.
(فمن الله) الذي فنيت به فناء لا ظهور لي أبدا (فاسمعوا و) إذا اشتبه عليكم شيء منه (إلى الله فارجعوا) ليطلعكم عليه بإشراف نوره على قلوبكم (وإذا سمعتم) من الله لا مني لفنائي فيه (ما أتيت به) صورة والآتي به هو الله حقيقة (فعوا) أمر الجماعة المخاطبين من وعى يعي إذا حفظ، أي احفظوه بدرك معانيه وتحقيق أسراره.
(ثم بالفهم فشلوا.. مجمل القول واجمعوا) مفصله أي فصلوا ما كان مذكورة فيه على سبيل الإجمال .
فرعوا عليه فروعه وأجملوا ما كان مذكورة فيه على التفصيل .
ولاحظوه على وجه الكلية والإجمال .
لتكونوا عالمين بالفروع في عين الأصول وبالأصول في عين الفروع.
أو فصلوا مجمل القول الذي ذكرته في المراتب والمقامات وأجمعوا بين كل مقام وأهله بتنزيل كل في مقامه.
(ثم منوا به على.. طالبيه) المستعدين المستحقين له، أي أعطوهم إياه عطاء إمتنانية غير طالبين منهم عوضة (لا تمنعوا)، أي لا تمنعوه بخلا وظنة بل اعملوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمرني بإبرازه وإظهاره للانتفاع.
إن هذه الأمور الفائضة عليكم من الحقائق والأسرار هي (الرحمة التي وسعتكم)، أي شملتكم (فوسعوا) أنتم أيضا تلك الرحمة على الطالبين وكونوا أعوان الله ورسوله في إيصاله إليهم.
(ومن الله أرجو أن يكون ممن أيد) بتأييد الله سبحانه (فتأيد) بقبوله إياه (و) بعد التأييد (أيد) غيره بأن يجعله مستعدة للتأييد الإلهي حسن الإرشاد.
(وقيد بالشرع المحمدي المطهر فتقيد) به (وقید) غیره به .
(وحشرنا في زمرته) الفائزين لمتابعته بالسعادة العظمى والدرجة العليا في الآخرة (كما جعلنا من أمته) التابعين له في الدنيا.
(فأول ما ألقاه المالك) الحق مطلقا أو باعتبار ظهوره وتجليه في الصورة المحمدية (على العبد) المملوك له أراد به نفسه رضي الله عنه عن الملقي بالمالك وعن الملقى إليه بالعبد .
إشارة إلى أنه سبحانه مالك آمر وهو مملوك مأمور والمملوك المأمور في امتثال ما أمر به معذور (من ذلك)، أي من كتاب فصوص الحكم.

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 01 . فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الأول .شرح عبد الرحمن الجامي فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالجمعة يوليو 26, 2019 7:27 pm

01 . فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الأول .شرح عبد الرحمن الجامي فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الآدمي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفص الأدمي

01 . فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الأول

متن نص فصوص الحكم :
لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء 
أعیانیها وان شئت قلت آن یری عينة گون جامع یحصر الامُر كله ۔
لكونه مقصفاً بالوجود، و یظهر به بیرهٔ الیه .
 شرح الجامي :
فص الشيء خلاصته و زبدته و فص الخاتم ما یزین به الخاتم ویكتب علیه اسم صاحبه .
قال ابن السكیت : كل ملتقی عظمین فكو فص .
والإلهية اسم مرتبة جامعة لمراتب الأسماء والصفات كلها.
ففص الحكمة الإلهية عبارة عن خلاصة العلوم والمعارف المتعلقة بالمرتبة الإلهية.
أو عبارة عن محل يتنفس بها وهو قلب الإنسان الكامل، فإن الفص، كما أنه قد انطوى عني قوسي حلقة الخاتم وانطبق على أحدية جمعهما.
وكما أنه يختم بما ينطبع فيه من الصور ويعرب عن كليتها.
وكما أنه تابع لقالبه من التربیع و التثلیث والتدویر و غیرها.
و مستتبع لما یرد علیه كذلك قلب الانسان الكامل، له الإنطراء على قوسى الوجوب والإمكان والانطباق على أحدية جمعهما .
وله أن يعرب عما فيه من صور الحقائق وينبىء عن أحدية جمعها .
وكذلك له صورة تابعة لمزاج الشخص، كما أن له أن يستتبع تجلي الحق ويصوّره بصورته .
على ما نص عليه الشيخ رضي الله عنه في الفص الشعيبي .
ولا يبعد أن يجعل الفص عبارة عن أحدية جمع تلك العلوم والمعارف بناء على أن أحدية جمع الأشياء زبدتها وخلاصتها.
أو على أن الفصل الذي هو ملتقى قوسي حلقة الخاتم أو ملتقى كل عظمين بمنزلة أحدية جمعهما.
والمراد بالكلمة من كل موضع فی هذا الكتاب عین النبی المذكور فیه من حیث خصوصیته و حظه المتعين له ولأمته من الحق سبحانه .
فالحاصل أن أول ما ألقاه المالك عليه خلاصة علوم ومعارف متعلقة بالمرتبة الإلهية متحققة في كلمة آدمية.
أو خلاصة تلك العلوم والمعارف ، أو المحل القابل لها، أو أحدية جمعها متحققة في كلمة آدمية.
وإنما خصت الحكمة الإلهية بالكلمة الآدمية فإنها كما كانت المرتبة الإلهية عبارة عن أحدية جمع الأسماء الإلهية كذلك كانت الكلمة الآدمية عبارة عن أحدية جميع مظاهر آياتها فناسب أن تخص بها.
(لما شاء الحق سبحانه) بمشيئة أزلية هي الاختيار الثابت له سبحانه وليس أختباره سبحانه على النحو المتصور من اختبار الخلق الذي هو تردد واقع بين أمرین كل منهما ممكن الوقوع عنده فيترجح أحدهما لمزيد فائدة ومصلحة.
لأن هذا مستنكر في حقه سبحانه اذ لیس لدیه تردد و لا امكان حكمین مختلفین بل لا یمكن غیر ما هو المعلوم المراد في نفسه .
فأن قلت : فكیف یصح قولهم إن شاء أوجد العالم وإن شاء لم أوجد قلت : صدق الشرطية لایقتضی صادق المقدم أو امكانه، فقوله : ان لم یشاء غیر صادق بل غير ممكن.
فإن قلت: قد قال بعضهم في قوله تعالى: {ألم تر.إلي ربك كيف مدّ الظلّ}. أي ظل التكوين على المكونات {ولو شأء لجعله ساكنا} 45 سورة الفرقان.
ولم يمده فإن الحق لو لم يشاء إيجاد العالم لم يظهر ، وكان له أن لا يشاء فلا يظهر.
قلت :هذا إما لنفي الإيجاب المتوهم للعقول الضعيفة، وإما باعتبار ذاته الأحدية غني عن العالمين .
فإذا نظر العقل إلى غناه وعدم اقتضائه لذاته أحد المتقابلات حكم بأن له أن لا يشاء وجود العالم فلم يظهر العالم .
وأما إذا نظر إلى علمه الشامل حكم بعدم مشیئته بل بعدم امكانها (من حیث آسمانه) كلها (الحسنی) ای المتناسبة فی بلوغها إلى مرتبة الكمال وترتب آثارها عليها (التي لا يبلغها الإحصاء) وألعد من حيث جریانها وإن كانت كلیاتها منحصرة فی تسعة و تسعین آلف و واحد ؛ وإنما قید بالحيثية، لأن ذات الحق سبحانه باعتبار إطلاقها له مرتبة الغنى عن العالمين ليس نسبته اقتضاء شيء من العالم.
ومشيئته إليها أولى من نسبة عدمها، وباعتبار تقيدها ببعض الأسماء لا يقتضي المظهر الجامع بل ما يكون مظهرا له فقط .
فاقتضاؤها المظهر الجامع لا يكون إلا من حيث جميع أسمائها الحسنى .
فلهذا قيد المشيئة بهذه الحيثية (أن يرى أعيانها) المتمايزة بعضها عن بعض في التعقل وذلك باعتبار مرتبة الواحدية (وإن شئت قلت أن يرى عينه) المتحدة الغير المتميز فيها اسم عن اسم وذلك باعتبار مرتبة الأحدية .
ويمكن أن يقال : تجويز العبارتين إنما هو بالنسبة إلى المرتبة الواحدية، فإن للأسماء فيها اعتبارین :
أحدهما: اعتبار و حدة الذات
و ثانیه ما : اعتبار كثرة النسب و الاعتبارات،
فالعبارة الأولى بملاحظة الاعتبار الثاني والثانية بملاحظة الأول (في كون) أي ما كون (جامع) وحداني يظهر فيه اسم وشأن وصفة بصورة الجمع وصفه وحكمه بحيث يضاهي الشأن الكلي الذي هو التعيين الأول .
وهذه الجمعية إنما تكون بأمرين:
أحدهما : أشتماله على الأسماء كلها بحيث لا يشذ شيء منها،
وثانيهما : صلاحية مظهريته بها كلها، فإن مجرد الاشتمال لا يستلزم صلاحية المظهرية وإلا لكان كل موجود مظهراً جامعاً .
وإلى الأوّل أشار بقوله: (يحصر الأمر) أي أمر الأسماء كأنها، وعلله بقوله: لكونه (متصفاً بالوجود) لأن اتصافه بالوجود إنما يكون بتجلى الوجود يرى فيه بأحدية جمع جميع شؤونه وأسمائه وإلى الثاني مما عطف عليه أعني قوله (ويظهر به)، أي
متن نص فصوص الحكم :
فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرأة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له
 شرح الجامي :
بالكون الجامع (سره) أي سر الحق وهو أسماؤه المستكنة فی غیب ذاته (إليه) .
أي إلی الحق سبحانه .
و یحتمل آن یكون قوله: یظهر به بالنصب عطفاً علی یری .
ویكون قوله : لكونه موجوداً متعلقاً بقوله: يرى على أنه علة مصححة للرؤية، فإن الشيء ما لم يكن موجودا لم تصبح رؤيته ، فتعلق المشیئة الذي هو المعنى المقصود الأصلى والعلة الغائية من اتحاد العالم ظهور الحق سبحانه فی هدا المظهر الجامع وشهوده فيه شؤونه و صفاته على وجه ينصبغ كل منها بأحكام الأخر كما مر .
أعلم أن رؤية الحق سبحانه أعيان الأسماء في الكون الجامع ينبغي أن يكون غير
العلم بها.
فإن العلم بها ثابت أزلاً وأبداً لا احتياج فيه إلى مظهر ولا سبق مشيئة،
فالمراد بها : إما العلم بعد الوجود فيكون التغير في المعلوم لا في العلم ، فالعلم بالشيء قبل وجوده علم وبعد وجوده رؤية وشهود، وليس فيه مزيد فائدة.
وأما الإبصار إما نظراً إلى مقام الجمع على أن يثبت البصر للحق سبحانه مغايراً لنسبة العلم سواء كانت صفة وجودية أو نسبة اعتبارية.
فالشيء قبل وجوده معلوم وبعد وجوده مرئي مبصر،فإن الشيء ما لم يوجد لم يبصر.
وإما نظراً إلى مقام الفرق فتكون الأشياء مرئية للحق سبحانه باعتبار ظهوره فی المظاهر فیكون مرائیاً فی المظاهر، كما آنه مرئی فیها .
فان قلت : آعيان الأسماء أمور معقولة فكيف تتعقل الرؤية لها.
قلت ذلك إنما هو باعتبار اتحاد المظاهر بالمظهر .
فإن قلت: بعض المظاهر أيضاً غير مدركة بالبصر كالمجردات.
قلت : إذا كان البصر مستنداً إلى مقام الجمع فيمكن أن لا يكون مشروطاً بأن يكون المبصر مادياً.
وإذا كان مستنداً إلى مقام الفرق فيمكن أن يكون المراد به قوة العلم والحضور سواء كان بالبصر أو البصيرة .
فإن قلت : أعيان بعض الأسماء وآثارها إنما تدرك بسائر القوى كالسمع واللمس  والذوق والشام والقوى الباطنة ، فما وجه التخصيص بالرزية .
قلت : المراد بالرؤية : إما الإحساس مطلقاً بل الإدراك بعد الوجود أو ترك ما عداها، لأنه يعرف بالمقايسة.
ولما كان القائل أن يقول : إن الحق سبحانه كان يعلم الأسماء وأعيانها ويراها ويشاهدها أزلاً في مجلى التعيين الأوّل والثاني من غير وجود الكون الجامع في الخارج ، فأي حاجة إلى وجوده علل المشيشة.
دفعاً لذلك بقوله: (فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه) من غير توسط ظهوره في المظهر (ما هي) أي تلك الرؤية (مثل رؤية نفسه في أمر آخر يكون) هذا الأمر.
أي كذلك الشيء (كالمرآة) لانطباع صورته فيه (فإنه)، أي ذلك الشیء حین یظهر فی المظهر (تظهر له نفسه فی صورة یعطیها المحل المنظور فیه) بحسب قابليته لتجليه (مما لم يكن)، أي من صورة لم تكن (يظهر) هذه الصورة (له)، أي لذلك
متن نص فصوص الحكم :
من غير وجود هذا المحل و لا تجليه له.
و قد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة. و من شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا و يقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، و ما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول
 شرح الجامي :
الشيء بنفسه (من غير وجود هذا المحل) المنظور فيه (ولا تجليه)، أي تجلي ذلك الشيء (له) أي لهذا المحلي .
ولما كان الرائي ههنا هو الحق سبحانه عبر عن التقابل بالتجلي .
وقرأ بعضهم : ولا تجلية بالتاء على وزن تفعلة، أي ومن غير تجلية للمحل من الجلاء.
ثم إنه كذلك القائل أن يعود ويقول : كما كان الحق سبحانه يعلم نفسه بدون الكون الجامع كذلك كان تعليمها ما يلحقها عند ظهورها فيه، فأي حاجة إلى وجوده فعلة المشيئة في الحفيقة هي الرؤية المغايرة للعلم على أي وجه كانت لا غير.
لا يقال : يلزم من ذلك استكماله سبحانه بغیره.
لانه یقال : هذا الشيء له كالمرآة من مظاهره التي لیست غیره مطلقاً بل من وجه لا يخفى ما فى هذا الجواب ، فإن مرآئية هذا الشىء إنما هى من جهة المغایرة ، فیلزم الاستكمال به من حیث إنه غیر و يعسر لا المحذور .
فالحق في الجواب أن يقال : إن للحق سبحانه كمالين : ذاتياً وإسمياً.
وامتناع استكماله بالغير إنما هو في الكمال ألذاتي لا الأسمائي.
فإن ظهور أيام لأسماء تمتنع بدون ان مظاهر الكونیة، ولما بین رضي اللّه عنه تعلق المشینة بوجود الكون الجامع أردفه بذكر وجود شرائط وجوده بل موجباته بجملة حالية.
فقال : (وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله)، أی أفاض علی أعيانه الثابتة وجوداً يماثل (وجود شبح مسوّى) معدل (لا روح فيه)، فإن كلاً من الموجودين  يستتبع وجود أمر آخر فوجوب العالم يستتبع الكون العالم .
ووجود الشبح المسوي يستتبع وجود الروح و نفخه فيه (فكان) ، أي العالم  بلا وجود الكون الجامع الذي هو بمنزلة الروح له (كمرآة غیر مجلوة)،  لأن الروح للشبح المسوى بمنزلة الجلاء للمرأة إذ بهماً كمالهما.
ثم أنه رضي الله عنه بين حال الممثل به ليعلم حال الممثل له .
فقال : (ومن شأن الحكم الإلهي) وإجراء سنته (أنه تعالی ما سوی محلاً)، أي مزاجاً يصلح لفيضان الروح عليه.
وإنما قيدنا بذلك ليصح قوله لا بد وأن يقبل روحاً إلهياً، فإن (روحا إلهيا) يتكون عند التسوية ويتعلق بالمسوّى كالأرواح الجزئية لجمهور الناس.
أو يتخلق به عند التسوية بعلم ما كا موجوداً قبلها كالأرواح الكلیهٔ أی يتكمل من أولياء الله تعالی (عبر عنه)، اي عن ذلك القبول (بالنفخ فيه)، أي في المحل المسوّى، وفيه مسامحة.
لأن قبول الروح لازم للنفخ لا عينه، فاللائق به أن يجعل عبارة عن إفاضة
الروح ، لا عن قوله لأن النفخ صفة النافخ لا المنفوخ فيه .
متن نص فصوص الحكم :
الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل و لا يزال. و ما بقي إلا قابل، و القابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.
فالأمر كله منه، ابتداؤه و انتهاؤه، "و إليه يرجع الأمر كله" 123 سورة هود ، كما
 شرح الجامي :
وقال الشيخ مؤيد الدین الجندي رحمه الله فى قوله :
و عبر عنه ، یعود الضمیر إلی الروح لا بمعنى أن الروح هو النفخ بل بمعنى أن الله تعالى ذكر تعين الروح في المحل بعد التسوية بهذه العبارة فقال تعالى : " و نفخت فيه من روجى " 29 سورة الحجر.
(وما هو) أي النفخ ( إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسوّاة) وفيه أيضاً مسامحة .
فإن حصول قوله : المسوّاة ، وجعله الشیخ الجنید رحمه الله تعالی لسان الحكم الإلهي .
وفيه بعد اللام في قوله : (لقبول الفيض) متعلق بالاستعداد .
وقوله : (التجلي الدائم الذي لم یزل)، أي من الأزل (ولا يزال) ، أي الی الأبد بدل من الفیضك بدل الكل .  والفیض مفعول للقبول وفاعله الصورة المسوّاة.
ومعنى قبولها الفيض أعني التجلي المذكور، وإن كانت موجودة إن ذلك المتجلی هيولانی الوصف وإنما ی تعبیر ويتقيد بحسب المتجلی له.
فإذا كان المتجلى له عيناً ثابتة غير موجودة يكون هذا التجلى بالنسبة إليه تجلياً وجودياً.
وإن كان وجوداً خارجاً كالصورة المسواة،  يكون التجلي بالنسبة إليها بالصفات وتفيد صفة غير الوجود كصفة الحياة ههنا .
وفي بعضی النسخ فیضك التجلي بدون اللام فالإضافة بيانية والمعنى ما سبق أولاً منه .
والفیض عبارة عما یفید التجلی المذكور للصور المسؤاة من صفة الحياة ، وع كیك الروح المفاض إليها المتعلق بها.
ونصب التجلي الدائم على أن يكون مفعولاً للقبول، والفیض فاعلا له لا تظاهر صحة معناه إلا بتكلف و تعسف.
ولما كان أمر الوجود دائرا بين الفاعل والقابل والفعل والأثر واستناد كل من الفاعل والفعل والأثر إلى الحق سبحانه ظاهر مما سبق.
فلم يبق غير مستند إليه سبحانه إلا القابل أعني الأعيان الثابتة القابلة من الفاعل الحق وتجليه الدائم الذي هو فعله قبض الوجود.
فلذا قال : (وما بقي) غير مستند إلى الحق سبحانه (إلا قابل) وهو الأعيان الثابتة ألقابلة للتجلى الوجودي الدائم (والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس) من شوائب الكثرة .
وهو عبارة عن التجلي الحبى الذاتى الموجب لوجود الأشياء واستعداداتها فى الحضرة العلمية.
والفيض المقدس عبارة عن التجلی الوجودي الموجب لظهور مما تقتضیه تلك الاستعدادات في الخارج (فالأمر)، أي من أمر الوجود (كله منه) ، أي من الحق سبحانه (ابتداؤه) بحسب فيضه الأقدس وتجلية تصور الأعيان الثابتة في العلم (و) منه (انتهاؤه) أيضا بحسب فيضه المقدس وتجلية تصوّر الأعيان الموجودة في العين (وإليه يرجع الأمر كله) بالفناء فيه
متن نص فصوص الحكم :
ابتدأ منه .
اقتضى الأمر جلا، مرأة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرأة وروح تلك التنورة.
وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم بـ : الإنسان الكبير.
فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والجنسية التي هي النشأة الإنساني .
وكل قوة محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها.
وأن فيها فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عالي ومرتبة رفيعة عند الله ما عندها
 شرح الجامي :
آخر (كما ابتدأ منه) عند الوجود عن عدم أولا (فاقتضى الأمر) جواب تما وإلقاء تبعد العهد، أي اقتضى الأمر المذكور من المشبه والتسوية وكون شأن الحكم الإلهي ما ذكر (جلاء مرآة العالم) ونفخ الروح في صورته المسواة (فكان آدم) بوجوده العيني (جلاء تلك المرأة وروح تلك الصورة)، ولما انجر كلامه رضي الله عنه إلى أن آدم روح صورة العالم أراد أن يبين نسبة الملائكة القادحين في خلافته إلى صورة العالم ومنشأ محجوبيتهم عن إدراك كماله ليكون توطئة للتنبيه على خطابهم في ذلك القدح كما سيجيء عن قريب.
قال : (وكانت الملائكة ) القادحون في خلافة آدم وهي ما عدا الجبروت والنفوس المجردة (من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم) الصوفية المحققين (بالإنسان الكبير) صورة كما يعبرون عن الإنسان بالعالم الصغير صورة، وذلك لأن النشأة الواحدة تفصيلها العالم وإجمالها الإنسان ، وإنما قلنا صورة لأن الأمر بحسب المرتبة بالعكس، فإن للخليفة استعلاء على المستخلف عليه وإنما فال رضي الله عنه :
من بعض قوى تلك الصورة، لأن لها قوی أخر : كالجن والشياطين (فكانت الملائكة القوى الروحانية من المتخيلة والمتفكرة والحافظة والذاكرة والعاقلة (والحسبة) كالباصرة والسامعة و الشامة والذائقة واللامسة
التي هي (النشأة الإنسانية) فكما أن النفس الناطقة تدبر البدن بواسطة هذه القوى كذلك النفس الكلية تدبر العالم كله بواسطة الملائكة (وكل قوة) من تلك القوى الملكية (محجوبة بنفسها) عن معرفة فضيلة الجمعية الإنسانية الكمالية (لا تری) ذاتا (أفضل من ذاتها ) بل ترى ذاتها أفضل مما عداها (وإن فيها) بالهمزة المكسورة عطف على جملة كل قوة، ومشعر بتعليل مضمونها ، والضمائر كلها راجعة إلى القوة .
وصححها القيصري بفتح الهمزة وجعلها معطوفة على أفضل من ذاتها والضمير للنشأة الإنسانية ولكن يأبى عنه قوله :
(فيما تزعم)، أي أن كل قوة في زعمها لا في الواقع (الأهلية لكل منصب عالي
:متن نص فصوص الحكم 
من الجمعية الإلهية .
بين ما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، وإلى جانب حقيقة الحقائق، و- في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف - إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حضرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله .
وهذا لا يعرفه عقل بطریق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا
 شرح الجامي :
ومنزلة رفيعة) كالخلافة (لما) تحتق (عندها)، أي عند كل فترة (من الجمعية الإلهية) أحدية جميع الأسماء والصفات الوجوبية والحقائق المظهرية الإمكان دائرة بين (ما يرجع من ذلك)، أي مما عندها (إلى الجمع الإلهي) أحدية جمع الأسماء الوجوبية الغالبة الفعالة المؤثرة (و) بین ما يرجع منها (إلى جانب حقيقة الحقائق) الإنسانية السافلة المنفعلة المتأثرة (و) بين ما يرجع منه (في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف)، أي القرى التابعة لها تبعية الأوصاف لموصوفاتها إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية من الصورة الروحانية والمثالية والجسمانية وتوابعها، وفي بعض النسخ الطبيعة الكل، فالكل بدل منها أو عطف بيان لها، ولما كانت الطبيعة في عرف أهل النظر مختصة بالجسمانيات، وأراد تعميمها كما يقتضيه الكشف وصفها بقوله : (التي حصرت قوابل العالم كله) و مواده (أعلاه) الروحاني (وأسفله) الجسمانين
اعلم أن الحقائق ثلاث:
الأولى :حقيقة مطلقة فعالة واحدة عالية واجبة وجودها بذاتها وهي حقيقة الله تعالى.
والثانية : حقيقة مقيدة منفعلة سافلة قابلة للوجود من الحقيقة الواجبة بالفيض والتجلي وهو حقيقة العالم.
وحقيقة ثالثة : أحدية جامعة بين الإطلاق والتقييد والفعل والانفعال والتأثير والتأثر فهي مطلقة من وجه مقيدة من آخر فعالة من جهة منفعلة من أخرى.
وهذه الحقيقة أحدية جمع الحقيقتين ولها مرتبة الأولية الكبرى والآخرية العظمى. وذلك لأن الحقيقة الفعالة المطلقة في مقابلة الحقيقة المنفعلة المقيدة وكل مفترقين فلا بد لهما من أصل هما فيه واحد مجمل وهو فيهما متعدد مفصل، إذ الواحد أصل العدد والعدد تفصيل الواحد، وظاهرية هذه الحقيقة هي الطبيعة الكلية الفعالة من وجه، والمنفعلة من آخر .
فإنها تتأثر من الأسماء الإلهية وتؤثر في موادها وكل واحدة من هذه الحقائق الثلاث حقيقة الحقائق التي تحتها.
ولما سرت أحدية جمع الموجود في كل حقيقة من الجزئيات انبعثت إنابة كل تعين تعين بأن نه استحقاق الكمال الكني الأحدي وما تحققت أن تعين الكمال الأحدي الجمعي إنما يكون بحسب القابل واستعداده (وهذا)، أي حصر الطبيعة قوابل العالم كله (لا بعرفه عقل بطریق نظر فكري)، بأن تتحرك من الطالب المشعور بها توجه إلى مباديها المعلومة ومنها إلى تلك المطالب.
وذلك لأن معرفة هذا الحصر لا تحصل إلا بمعرفة الطبيعة، ومعرفتها على ما
:متن نص فصوص الحكم 
عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه .
فسمي هذا المذكور إنسانا و خليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحضرة الحقائق
 شرح الجامي :
يؤدي إليه النظر الفكري لا يتجاوز عما هو معلوم لعلماء الرسوم من اختصاصها بالأجسام السفلية والأجرام العلوية (بل هذا الفن)، أي النور (من الإدراك) و المعرفة (لا يكون إلا عن كشف إلهي) حاصل بالتوجيه والافتقار التام إلى الله سبحانه وتفريغ القلب.
وتعريته بالكلية من جميع التعلقات الملكوتية والعلوم والقوانين الرسمية (منه)، أي من ذلك الكشف الإلهي (يعرف ما أصل صورة العالم) المنطبعة في مواده بفعل تأثير من ذلك الأصل (القابلة) لتلك الصورة (لأرواحه) المنفوخة فيها إن كانت من الصور المجردة.
فالمراد بأرواحها الأسماء التي هي مظاهر لها فإن نسبة الظاهر إلى المظهر نسبة الروح إلى الصورة المساواة له.
اعلم أن الطبيعة في عرف علماء الرسوم قوة بين قوى النفس الكلية سارية في الأجسام الطبيعية السفلية والأجرام العلوية فاعلة تصورها المنطبعة في موادها الهيولانية .
وفي سر من مشرب الكشف والتحقيق إشارة إلى حقيقة إلهية فعالة للصور كلها . وهذه الحقيقة بفعل الصورة الاسمانية بباطنها في المادة العلمية فإن النشأة واحدة جامعة تحقيقها للصور الحقانية الوجوبية والصور الخلقية الكونية روحانية كانت أو مادية أو جسمانية بسيطة أو مركبة.
والصور في صور التحقيق الكشفي علوية وسفلية ؛ فالعلوية حقيقة وهي صور الأسماء الربوبية والحقائق الوجوبية ومادة هذه الصور الروحانية هي النور.
وأما الصور السفلية في صور الحقائق الإمكانية .
وهي أيضا منقسمة إلى علوية وسفلية ؛ فمن العلوية ما سبق من الصور الروحانية، ومنها صور عالم المثال المطلق والمقيد.
وأما السفلية فمنها صور عالم الأجسام للغير العنصرية كالعرش والكرسي ومادتها الجسم الكل ومنها صور العناصر والعنصريات.
ومن العنصريات الصور الهوائية والنارية والمازجية.
مادة هذه الصور الهواء والنار وما اختلط معهما من الثقيلين الباقين من الأركان المغلوبين في الخفيفين.
ومنها الصور السفلية حقيقة وهي ما غلب في نشأته
الثقيلان وهما : الأرض والماء .
على الخفيفين وهما:  النار والهواء.
وهي ثلاث صور معدنية وصور نباتية وصور حيوانية وكل عالم من هذه العوالم تستعمل على صور شخصية لا تتناهى ولا يحصيها إلا الله سبحانه. والحقيقة الفعالة الإلهية فاعلة بباطنها الصور الأسمائية وظاهرها الذي هو الطبيعة الكلية تفعل ما عداها من الصور.
فالحقيقة الإلهية أصل جميع الصور والطبيعة الكلية التي هي مظهرها أصل صور العالم كله (تسمى هذه) الكون الجامع (المذكور إنسانا وخليفة فأما إنسانيته فلعموم نشأته) المرآتية .
فإن له ثلاث نشأت :
نشأة روحية
ونشأة عنصرية
ونشأة مرآتية هي أحدية جمعهما
والعموم أهل 
:متن نص فصوص الحكم 
كلها وهو يلحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر وهو المعبر عنه بالبصر .
فإنه به نظر الحق تعالى إلى خلقه فرحمهم .
 شرح الجامي :
المرآتية (وحصره الحقائق كلها) إلهية كانت أو كونية (وهو)، أي الكون الجامع (للحق سبحانه بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر وهو)، أي إنسان العين (هو المعبر عنه بالبصر) الذي به يبصر الشيء ويؤنس (فلهذا)، أي لمعنى الإبصار المتضمن للإنسان (سمي) إنسان العين (إنسانا) وهو فعلان من الأنس للمبالغة فيه (فإنه) الضمير للشأن أو للكون الجامع (به)، أي بالكون الجامع المذكور (نظر الحق سبحانه إلى خلقه فرحمهم).
قوله : فلعموم نشأته مقدمة تقوله :
فإنه به نظر الحق فإنه لو لم تكن نشأته عامة حاصرة للحقائق كلها لم يمكن به النظر إلى خلفه كله.
وتوصيف إنسان العين بقوله :  الذي يكون النظر واردة فالوصف بقوله : وهو المعبر عنه بالبصر إشارة إلى وجه تسمية إنسان العين بالإنسان وهو كونه بحيث يبصر ويؤنس به.
ولهذا فرع عليه قوله : فلهذا سمي إنسانا.
وقوله : وهو للحق بمنزلة إنسان العين إشارة إلى أن وجه التسمية كما أنه متحقق في إنسان العين كذلك متحقق في الكون الجامع.
وقوله : فإنه به نظر الحق تعليل له.
ولو حمل قوله : فلهذا سمي إنسانا على أن معناه فلكون الكون الجامع بمنزلة إنسان العين للحق سبحانه . سمي ذلك الكون الجامع إنسانا .
و جعل قوله : فإنه نظر الحق علة له لا لما ذكر في الوجه الأول كان علة للعلية كما لا يخفى.
وإذا تحقق وجه تسمية إنسان العين بالإنسان الكون الجامع فكما يناسب تسمية إنسان العين به كذلك يناسب تسمية الكون الجامع بالإنسان بواسطة تسمية إنسان العين به ، فإن العكس أولى كما لا يخفى وعلى هذا التقدير هذا الكلام وجه واحد للتسمية لا رجحان.
ويمكن أن يجعل وجهين :
أحدهما : قوله لعموم النشأة، فإن عموم النشأة وحضرة الحقائق كلها تقتضي أن يكون له مع كل حفيفة نسبة مخصوصة بها أنس بالكل وأنس الكل به ، فيتحقق معنى الأنس فيه .
وثانيها : قوله: وهو للحق بمنزلة إنسان العين لأنه يفهم منه وجه تسمية إنسان العين به وهو متحقق بعينه في الكون الجامع كما عرفت.
ثم اعلم أن الشيخ الكبير رضي الله عنه أورد في كتاب "الفكوك" أن الإنسان الكامل الحقيقي هو البرزخ بين الوجوب والإمكان والمرأة الجامعة بين صفات القدم وأحكامه و بين صفات الحدثان .
وهو الواسطة بين الحق والخلق وبه ومن مرتبته يصل فیض الحق والعدد الذي هو سبب بقائه ما سوى الحق إلى العالم كله علوا وسفلا.
ولولاه من حيث برزخيته التي تغاير الطرفين لم يقبل شيء من العالم المدد الإلهي الوحداني لعدم المناسبة والارتباط ولم يصل إليه . انتهى كلامه.
وكان الشيخ رضي الله عنه ما أراد بنظر الحق به إلى خلقه ورحمته عليهم إلا
:متن نص فصوص الحكم 
هو الإنسان الحادث الأزلي و النشؤ الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعه . تم العالم بوجوده .
هو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، الذي هو محل النقش والعلامة التي بها يختم الملك على خزانته، وسماه خليفة من أجل هذا.
 شرح الجامي :
وصول الفيض من مرتبته إليهم (فهو)، أي (الإنسان) هو (الحادث) بوجوده العيني العنصري بالذات والزمان.
أما حدوثه الذاتي فلعدم اقتضاء ذاته الوجود.
وأما حدوثه الزماني فلكون نشأته العنصرية مسبوقة بالعدم الزماني (الأزلي) المتقدم على سائر الأعيان باعتبار وجوده العلمي في عينه الذاتية .
وأما بحسب وجوده الغيبي الروحي فإن كان من الكمل فهو أيضا أزلي فإن نفوس الكمل كلية أزلية مساوية في الوجود للعقل الأولى.
وأما من كان نفسه جزئية يستحيل عليه ذلك، لأن النفوس الجزئية لا تتعين إلا بعد حصول المزاج وبحسبه، ولا وجود لها قبل ذلك.  كذا قال الشيخ الكبير في بعض رسائله .
والفرق بين أزلية الأعيان الثابتة وبين بعض الأرواح المجردة وبين أزلية المبدع إياها أن أزلية المبدع تعالی نعت سلبي ينفي الأولية بمعنى افتتاح الوجود من العدم، لأنه عين الوجود وأزلية الأعيان والأرواح دوام وجودها مع دوام مبدعها مع افتتاح الوجود من العدم لكونه من غير ما (والنشاء الدائم الأبدي) النشاء النمو والارتفاع والازدياد والمراد به ذو النشاء.
أي الذي ينمو ويزداد دائما ابدا في المراتب هو الإنسان الكامل فإن أول مراتبه :
التعيين الأول الذي هو الحقيقة المحمدية
ثم التعيين الثاني الذي هو صورته التفصيلية
ثم العقل الأول
ثم النفس الكلي
وهكذا إلى آخر المراد الذي هو نشأته العنصري لا يزال يزداد وينمو بحسب التجليات الإلهية والشؤونات الربانية دائما أبدأ دنيا وآخرة.
(والكلمة الفاصلة الجامعة)، الكلم ثلاث:
كلمة جامعة لحروف الفعل والتأثير التي هي حقائق الوجوب .
و كلمة جامعة لحروف الانفعال التي هي حقائق الإمكان .
وكلمة برزخية جامعة بين حروف حقائق الوجوب وبين حروف حقائق الإمكان فاصلة متوسطة بينهما .
وهي حقيقة الإنسان (بوجوده) العنصري ووصوله إلى الكمالي الجدعي فإنه لو لم يوجد هذا الإنسان في العالم لم يحصل كمال الجلاء والاستجلاء الذي هو العلة الغائية من اتحاد العالم .
وإنما قال بوجوده ولم يقل به لأن وجوده منفي نفيا أزليا علما وظهورات في المراتب و بانسحاب القبض الوجودي العين عليه بحسب نشأته العنصرية يتم العالم ويكمل كما عرفت.
(فهو)، أي الإنسان (من العالم كفص الخاتم من الخاتم) وكما يكون تمامية الخاتم وكماله بالفص ونقصانه بعده .
كذلك تمامية العالم وكماله بالإنسان ونقصانه بعدمه (وهو)، أي الفص (محل النقش) أي نقش اسم صاحب الخاتم وغيره مما ينقش على الفصوص (والعلامة التي بها) يتميز بعض عن بعض وبها (يختم الملك على خزائنه)
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 01 . فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالجمعة يوليو 26, 2019 7:28 pm

01 . فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الآدمي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 . فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الثاني

متن نص فصوص الحكم : 
لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن فما دام ثم المليك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه ، فاستخلفه في حفظ العالم لا يزال العالم محفوظة ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.
 شرح الجامي :لئلا يتصرف فيها أحد فيبقى محفوظة .
وكذلك الإنسان الكامل هو محل نفوس الأسماء الإلهية وعلامة أحدية جمعها التي بها تستحق أن يختم به على خزائنه الدنيا والآخرة
(وسماه) الحق سبحانه (خليفة) حيث قال تعالى : "إني جاعل في الأرض خليفه" آية 30 سورة البقرة.
(من أجل هذا)، المعنى الذي هو الختم (لأنه) أي الإنسان الكامل لكونه ختمة أو الحق سبحانه بالإنسان الكامل الختم (هو الحافظ خلقه) وإلى الأول ينظر قوله : (كما يحفظ الختم الخزائن) من التصرف فيها (فما دام ختم الملك عليها لا يجسر)،

أي لا يجترئ (أحد على فتحها)، أي فتح تلك الخزائن والتصرف فيها (إلا بإذنه) أي الملك.
وكذلك ما دام الإنسان الكامل في العالم لا يتسلط حقائق المباينة التي في حقائق خزائن العالم على فتحها والتصرف فيها إلا بإذن الحق سبحانه (فاستخلفه) أي الحق سبحانه الإنسان الكامل (في حفظ العالم) من الخلل الذي تقتضيه التفرقة والمباينة التي في حقائق العالم من الخصوصيات التي بها يتميز بعضها عن البعض (فلا يزال العالم محفوظة) من هذا الخلل (ما دام فيه هذا الإنسان الكامل) وكان قائما بخلافة الحق سبحانه في حفظ العالم .
فإذا أذن لهذا الإنسان الكامل بالخروج عن الدنيا وأمره الانفكاك عن خزينتها إلى الأخرى خربت الخزينة وانتهب ما فيها.
وحفظ العالم عبارة عن بقاء صون أنواع الموجودات على ما خلفت عليها الموجب لبقاء كمالاتها وآثارها باستمداده من الحق التجليات الذاتية و الرحمة الرحمانية والرحيمية بالأسماء والصفات التي هي الموجودات صارت مظاهرها و محل استوائها.
اعلم أن النشأة الدنيوية الحسية بمنزلة خزانة إختزن الحق سبحانه فيها الحقائق الإمكانية المظهرية والحقائق الأسمائية الإلهية الظاهرة بها .
ولا شك أن كل واحدة من تلك الحقائق الإمكانية عبارة عن أحدية جمع حقائق بسيطة متباينة متمايزة.
مقتضية بذاتها الافتراق في الامتياز كما كانت في الرتب العلمية متحدة بالوجود الواحد الذي يقتضي بذاته الوحدة وزوال الكثرة .
وباعتبار هذا الوجود الواحد ظهر بعضها متبوعة وبعضها تابعة، وبعد اتحادها بالوجود الواحد صارت حقيقة مظهرية تظهر فيها الأسماء الإلهية بحسب قابليتها واستعدادها وجمعيتها، ولما كان الكون الجامع والإنسان الكامل أحدية جمع جميع الحقائق الإمكانية المظهرية.
وكان المقصود الأصلي والغاية القصوى من إيجادها وجوده العنصري.
الذي هو مظهر أحدية جميع الحقائق الإلهية كان وصول الإمداد الإلهي والتجلي الوجودي إلى الحقائق المظهرية كلها قبل وجوده العنصري بواسطته ومن مرتبته.
وبعد وجوده العنصري فوض ذلك الإمداد إليه بأن وقع التجلي الأحدي الوجودي
متن نص فصوص الحكم
ألا تراه إذا زال و فك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اخترنه الحق تعالى فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعضه، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبدا .
فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة الله تعالى على الملائكة .
 شرح الجامي :
الجمعي أولا على حقيقته الأحدية الجمعية وبرقيقة المناسبة التي بينه وبين حقيقة سري إليها ثانية.
فما دام كان ذلك الكامل مقصودة إيجاده أو بقاؤه في النشآت الدنيوية ووصل قبض التجلي من مرتبنه أو وجوده إليها.
بقيت تلك الحقائق محفوظة من الخلل الذي تقتضيه التفرقة والمباينة التي كانت عنها قبل إيجادها بالوجود الواحد .
والوحدة الذاتية لذلك التجلي وكان كالختم عليها لئلا يفتحها تسلط تلك التفرقة والمباينة عليها واقتضى التجلي التقلص والانسلاخ عنها (ألا تراه)، أي الإنسان الكامل (إذا زال) بأن يرتحل خاتم الولاية المطلقة .
فلا يظهر بعده إنسان كامل (وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق سبحانه) من الحقائق المظهرية والأسماء الإلهية الظاهرة بها (وخرج ما كان فيها) من الحقائق المظهرية والأسماء الإلهية.
(والتحق بعضه)، أي التحق في النشأة الدنيا بعض ما اختزنه الذي له مرتبة الفرعية والجزئية (بعض) آخر له مرتبة الأصلية الكلية .
أي الفروع بأصولها والجزئيات بكلياتها كالتحاق المواليد بالعناصر.
أو التحق بعض الفروع ببعض آخر لرجوعهما إلى الأصل الجامع لهما.
أو التحق في النشاءة الآخرة بعض ببعض لمناسبة بينهما إما في درجات الجنان أو دركات النيران.
أو التحق بعض ما اختزنه الحق في الدنيا ببعض ما اختزنه في الآخرة بانتقاله من الصورة الدنيوية إلى الصورة الأخروية.
فكأن الصورة الدنيوية التحقت بالصورة الأخروية واندر جت فيها
(وانتقل الأمر)، أي أمر الظهور والإظهار من النشأة الدنيا العنصرية الكثيفة الزائلة (إلى) النشأة (الآخرة) النورية اللطيفة البافية واختزن الحق الأسماء ومظاهرها في خزانة الآخرة.
(وكان ذلك الإنسان الكامل (ختمة على خزانة الآخرة ختمة أبدية) كما كان ختمة على خزانة الدنيا ختمة مفكوكا عنها، ولما استخلف الحق سبحانه الإنسان الكامل ومن شرط الخليفة أن يكون على صورة المستخلف.
فرع: رضي الله عنه قوله : ( فظهر جميع ما في الصورة الإلهية) يعني أحدية جمع الأسماء الإلهية وصورة اجتماعها (من الأسماء) بيان لما في الصورة في هذه النشأة الإنسانية الجامعة بين النشأة الروحانية والعنصرية التي هي أحدية جمع مظهريات تلك الأسماء (فحازت)، أي جمعت هذه النشأة (رتبة الإحاطة) بجميع الأسماء (والجمع)، أي ورتبة جمعية مظاهرها.
(بهذا الوجود)، أي الوجود العيني العنصري (وبه)، أي بكونه حائز رتبة الإحاطة والجمع
متن نص فصوص الحكم:
فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، وانظر من أين أبي على من أتي عليه .
فإن الملائكة، لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية .
فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تغطيه ذاته.
وليس الملائكة جمعية آدم .
ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها وسبحت الحق بها وقدسته، وما
 شرح الجامي :
(قامت الحجة)، أي حجة الحق سبحانه في ادعاء استحقاقه الخلافة.
حيث قال: "إني جاعل في الأرض خليفة" (على الملائكة) القادحين في ذلك الاستحقاق.
بقوله : "أتجعل فيها من يفسڈ فيها ويسفك الدماء"آية 30 سورة البقرة .
(فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك) يعني الملائكة (وانظر من این اني على من أتي عليه) مبني للمفعول .
يقال : أتاه وأتى به وأتى عليه ولا يستعمل مبنيا للمفعول إلا في المكاره يريد رضي الله عنه إتيان المعاتبة وتوجه المطالبة من قبل الحق سبحانه على الملائكة في اعتراضهم على الحق وجرحهم لأدم وتزكيتهم أنفسهم .
ثم اعلم أن ههنا أمور ثلاثة :
أحدها: نشأة هذا الخليفة.
وثانيها: حضرة الحق الذي أراد أن يجعله خليفة .
وثالثها: نشأة الملائكة الذين شاورهم في هذا الجعل.
والوقوف مع كل واحد من هذه الأمور والعمل بما يقتضيه منع من الاعتراض على جعله خليفة .
فأراد الشيخ رضي الله عنه أن ينبه على أن منشأ اعتراض الملائكة المفضي إلى هذه المعاتبة والمطالبة هو عدم وقوفهم من هذه الأمور والعمل بمقتضاه.
فقال : (فإن الملائكة لم تقف)، أي لم تتوقف (مع ما تعطيه)، أي تقتضيه (نشأة هذا الخليفة) وتجاوزت عن مقتضاه.
(ولا وقفت) الملائكة أيضا (مع ما تقتضيه حضرة الحق سبحانه) ويستحقه من العبادة الذاتية التي هي من مقتضيات ذاته وذوات عبيده سبحانه .
وهي الانقياد لأمره والخضوع تحت حكمه .
وإنما لم يقفوا مع ما تقتضيه نشأة هذه الخليفة ولا مع ما يقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية.
(فإنه ما يعرف أحد من الحق سبحانه إلا ما تعط ذاته) من الأسماء التي هو مظهرها (وليس للملائكة جمعية آدم)، أي جامعيته للأسماء كلها .
فما عرفوا من الحق الأسماء التي تخص آدم وهي الأسماء الثبوتية التشبيهية.
فما عرفوا من آدم الجمعية الأحدية الكاملية المقتضية لرعاية الأدب معه والنزول إليه والدخول تحت حكمه لا الجرح والطعن فيه.
وانبعث بهم معنى الحسد والتعصب وصار غشاوة بصر بصيرتهم "الذي" تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية.
فلا جرم تجاوزوا عن مقتضى شأنه ولم ينقادوا لأمر الحق خلافته (ولا وقفت) أيضا (مع الأسماء الإلهية التي تخصها) وهي الأسماء السلبية التنزيهية وتجاوزت عن مقتضاها.
فإن مقتضاها وهي شطر من الأسماء الإلهية الانقياد لمن نشأته تعمها .
وغيرها من تلك الأسماء (وسبحت) الملائكة (الحق) سبحانه
متن نص فصوص الحكم:
علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته فغلب عليها ما ذكرناه، وحكم عليها هذا الحال.
فقالت من حيث النشأة : "أتجعل فيها من يفسد فيها" آية 30 سورة البقرة.
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق.
فلولا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعون.
فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا.
 شرح الجامي :
(بها)، أي بتلك الأسماء عطف على تخصها (وقدسته) أيضا بها .
ولما كان منشأ عدم وقوفهم مع مقتضى تلك الأسماء عدم علمهم بما عداها مما هو في نشأة الخليفة .
صرح الشيخ رضي الله عنه بها عاطفا على قوله : ولا وقفت
فقال : (وما علمت) ، أي الملائكة (أن الله سبحانه أسماء) أخرى غير ما سبحوه بها (ما وصل علمها)، أي علم الملائكة (بها)، أي بتلك الأسماء الأخرى كالخالق والرازق والمصور والسميع والبصير والمعظم.
وغير ذلك مما يتعلق بالنعيم والعذاب والموت والهلاك والسقم والشفاء وسائر الأسماء التي تخص عالم الأجسام والطبيعة (فما سبحته) أي الملائكة الحق سبحانه
بها)، أي بتلك الأسماء.
(ولا قدسته) كما يسبحه آدم ويقدسه .
فإن قلت: ما معنى التقديس والتنزيه في الأسماء المنبئة عن التشبيه؟
قلنا : فيها تقديس وتنزيه عن الانحصار في التنزيه .
فحال التقديس التنزيه عن الانحصار في التنزيه أو التشبيه أو الجمع بينهما (فغلب عليها)، أي على الملائكة (ما ذكرناه) من عدم وقوفهم مع الأمور الثلاثة (وحكم عليها)، أي على الملائكة (هذا الحال) أي غلبة ما ذكرناه عليهم أو ما ذكرناه وهو عدم وقوفهم معها .
(فقالت) أي الملائكة (من حيث النشأة) التي تخصهم بلسان التنافي والتنافر الذي بين الوحدة والبساطة الملكيتين، وبين الكثرة و التركيب الإنسانيين.
"أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " آية 30 سورة البقرة .
(وليس) ما ينسبونه إلى آدم من الإفساد وسفك الدماء (إلا النزاع) و المخالفة لا من الحق (وهو)، أي ذلك النزاع (غير ما وقع منهم) مع الحق من اعتراضهم عليه في جعله آدم خليفة.
(فما قالوه في حق آدم) مع الحق من النزاع والمخالفة (هو عين ما هم فيه مع الحق) منهما حال اعتراضهم على الحق والطعن في آدم (فلولا أن نشأتهم تعطي ذلك) النزاع مع الحق سبحانه ويقتضي ذلك الاعتراض (ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون) مع الحق سبحانه.
(فلو عرفوا نفوسهم)ونشأتهم التي تخصهم لعلموا أن ما قالوه هو النزاع مع الحق سبحانه الذي هو من لوازم نشأتهم وأحكام نفوسهم (ولو علموا) ذلك(  لعصموا) من الإقدام على النزاع

متن نص فصوص الحكم:
ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس والتسبيح .
وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة تقف عليها ؛ فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه.
فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونعم الأدب مع الله تعالى.
فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد .
فكيف أن نطلق في الدعوى , فنعم بها ما ليس لنا بحال, ولا نحن منه على علم فنفتضح؟

فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.
شرح الجامي :
فإنهم من الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم، فلو علموا أن ما قالوه نزاع مع الله سبحانه و عصيان لأمره ما وقع منهم ذلك القول.
وإنما وقع منهم الذهول عن هذا المعنى.
وأيضا ليس من مقتضى الإنصاف إذا أطلع أحد على أمر مذموم في نفسه أن يطعن به في غيره ويجرحه (ثم لم يقفوا مع التجريح) في آدم (حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس) حيث أطلقوا في دعوى التسبيح والتقديس ولم يتقيدوا بما هم عليه منهما .
فتبادر منه أنهم يسبحونه ويقدسونه كل التسبيحات والتقديسات وليس الأمر كذلك ?یف (وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة مطلعين عليها فما سبحت) الملائكة (ربها بها)، أي بتلك الأسماء (ولا قدسته)، أي الملائكة الحق (عنها)، أي عن نقائصها على حذف المضاف.
فإن التقديس بالأسماء ليس عن أنفسها بل في كل تقديس باسم تقدیس عن نقيصة (تقدیس آدم و تسبیحه) تقدیس ذوق و تسبیح وجدان (فوصف الحق سبحانه لنا ما جرى) بينه سبحانه وبين الملائكة في حق آدم (لنقف عنده)  أي عند ما جرى .    
ولا يتجاوز عما اقتضاه من التأدب بين يدي الحق أو عند الحق.
أي أمره وحكمه ونتعلم الأدب مع الله سبحانه وتعامل معه بحسب ما تقتضيه مرتبته (فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه) من الكمالات (بالتقييد) فإن الكمالات كلها.
إنما هي لله سبحانه ظهرت فينا وتقيدت بحسب استعداداتنا وفابلياتنا والظهور بادعائها.
إنما هو من العجب والأنانية (فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها)، أي بالدعوى.
(ما ليس لنا بحال) من الكمالات (ولا نحن معه على علم فنفتضح ) عند الله سبحانه وعند عباده العارفين بالأمور على ما هي عليه.
(فهذا التعريف الإلهي مما أدب به الحق عباده الأدباء) المتعاملين مع الحق والحق بما يقتضيه المراتب (الأمناء) الحاملين الأمانة.
التي هي صورة الله سبحانه التي حذى عليها آدم حين عرضها علي سماوات الأرواح وأرض الجسمانيات فأبين أن يحملنها .
إن لم يطعن ذلك ولم يستطعن وأشفقن منها .
لعدم أحدية جمع الجميع عند واحد منها .
وحملها الإنسان لتحقيقه بأحدية الجميع المذكورة (الخلفاء) الذين
:متن نص فصوص الحكم
ثم نرجع إلى الحكمة فنقول :
اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن ؛ فهي باطنة لا تزول عن الوجود العيني .
ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني .
بل هو عها لا غيرها، أعني أعيان الموجودات العينية .

شرح الجامي :
استخلفهم الله تعالى في حفظ خزانتي الدنيا والآخرة.
فإن قلت : أي حاجة للمتحققین بهذه الصفات إلى التأديب.
قلنا : المراد تأديب ذواتهم قبل التحقق لتتحقق .
أو قلنا : لكل جواد كبوة فيمكن منهم وقوع الزلات بعد التحقق بها أيضا.
(ثم نرجع) مما وقع في البين من قصة الملائكة وبيان لطائفها (إلى الحكمة) الإلهية التي كان رضي الله عنه بصدد بيانها.
فابتدأ رضي الله عنه بيان الارتباط بين الأمور الكلية والأعيان الخارجية.
وفرع عليه بيان الارتباط بين الحق والعالم ثم خلق الإنسان على صورته .
ثم بيان ما يتفرع عليه من الحكم والأسرار.
(فنقول اعلم أن الأمور الكلية)، أي الحقائق المشتركة بين الأعيان الخارجة كالحياة والعلم والإرادة والقدرة و غيرها (وإن لم يكن لها) من حيث أنها كلية (الوجود في عينها) وحد ذاتها .
فإنه لا يكون وجوده للكليات إلا في ضمير أفرادها (فهي معقولة معلومة) من مراده (بلا شك في الذهن فهي باطنة) من حيث هي كلية (لاتزول عن الوجود العيني) بالعين المهملة كما هو في بعض النسخ المقروءة على الشيخ رضي الله عنه.
أي هي باطنة باعتبار وجودها العقلي لكن لا يزول عن الموجودات العينية ولا يسلب عنها بل هي ثابتة لها في ضمن ثبوت أفرادها لها.
أو بالغين المعجمة ، أي : لا تزول عن الوجود العيني العقلي ولا تنصف بالموجود العيني الخارجي.
وحاصله أنها لا تخرج من العلم إلى العين .
وفي بعض النسخ لا تزال إما بضم التاء من الإزالة ، فمعناه قريب مما سبق سواء كانت العين مهملة أو معجمة وبما يفتحها والعين مهملة .
فقال الشارح الجندي رحمه الله :
إن قوله باطنة منصوب على هذا الوجه والتقدير فهي لا تزال باطنة عن الوجود العيني.
أي لا تظهر أعيانها في الخارج وإن كانت موجودة في العلم وبالنسبة إلى العالم، وأما فتحها والغين معجمة فلا وجه له ظاهر.
(و) هذه الأمور الكلية التي لا تتحقق في الخارج من حيث كليتها (لها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني) من الموصوفين بها .
فإن الحياة مثلا حكمها على الموصوف بها بأنه حي وأثر فيه، وهو العلم وتوابعه (بل هو)، أي ما له وجود عيني (عينها)، أي عين الأمور الكلية فعلى هذا يكون قوله : (أعني أعيان الموجودات العينية) تفسير للضمير المرفوع. ويحتمل أن يجعل تفسيرا للضمير المجرور .
وإذا كان المرفوع كناية عن الأمور الكلية مؤولة الأمر الكلي وعلى كل تقدير فالعينية بناء على الحقيقة الواحدة التي هي حقيقة الحقائق كلها هي الذات الإلهية وباعتبار تعيناتها وتجلياتها في
متن نص فصوص الحكم :
و لم تزل عن كونها معقولة في نفسها.
فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتهَا. فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، و لا يمكن وجودها في العين وجوداً تزول به عن أن تكون معقولة.
و سواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتاً أو غير مؤقت، نسبة المؤقت و غير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة.
غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكمٌ من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه

شرح الجامي :
مراتبها المتكثرة تتكثر وتصير حقائق مختلفة جوهرية متبوعة وعرضية تابعة.
فكل عين عين من حيث امتيازها عما سواها ليست إلا عين أعراض شيء اجتمعت في عين واحدة فصارت عينة موجودة خارجية.
كذا ذكره في آخر الفص الشعيبي.
(و) هذه الأمور الكلية مع كونها عين أعيان الموجودات (لم تزل عن كونها معقولة في نفسها) باعتبار كليتها.
فقوله : لم تزل إما مبني للفاعل من الزوال، أو مبني للمفعول من الإزالة (فهي)، أي تلك الأمور الكلية هي (الظاهرة من حيث أعيان الموجودات)، أي من حيث أنها عين الأعيان الموجودة (كما هي الباطنة من حيث معقوليتها) وكلياتها (فاستناد ?ل وجود)، أي موجود (عيني) باعتبار اتصافه ب?مالاته .
نظرة إلى قوله : ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني أو باعتبار تعينه و امتيازه عما عداه و صيرورته عينا متميزة من غيرها بهذه الأمور الكلية.
نظرة إلى قوله : بل هو عينها أعني الموجودات العينية ( لهذه الأمور)، أي إلى هذه الأمور (الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل) من حيث كليتها بأن تصير موجودات خارجية تخرج عن كونها معقولية صرفة .
ولهذا عطف عليه قوله : (ولا يمكن وجودها في العين وجودة تزول به عن أن تكون معقولة) عطف تفسیر .
(وسواء كان ذلك الموجود العيني مؤقتا) مقترنا بالزمان ?المخلوقات (أو غير مؤقت) وغير مقترن كالمبدعات روحانيا كان أو جسمانيا.
فإن (نسبة المؤقت) الزماني واستناده (و) نسبة (غير الموقت) الغير الزماني و استناده (إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة) واستناد وأحد .
فاقتران الوجود العيني بالزمان أو عدم اقترانه لا يخرجه عن استناده إلى هذه الأمور الكلية على الوجه المذكور .
ولما أشار رضي الله عنه إلى ارتباط الأمور الكلية بالموجودات العينية وكيفية تأثيرها فيها .
أراد أن يشير إلى ارتباط الموجودات بالأمور الكلية وكيفية تأثيرها فيها.
فقال : (غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم) وأثر (من الموجودات العينية) فكما كانت الأمور الكلية يحكم عليها بأحكام وأثار .
كذلك تحكم هي على الأمور الكلية
متن نص فصوص الحكم :
حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي.
فالحياة حقيقة معقولة و العلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة ، كما أن الحياة متميزة عنه.
ثم نقول في الحق تعالى إن له علماً و حياة فهو الحي العالم.
ونقول في المَلَك إن له حياة و علماً فهو العالم و الحي.
ونقول في الإنسان إن له حياة و علماً فهو الحي العالم.
وحقيقة العلم واحدة، و حقيقة الحياة واحدة، و نسبتها إلى العالم و الحي نسبة واحدة.
ونقول في علم الحق إنه قديم، و في علم الإنسان إنه محدث.
فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة

شرح الجامي :
بأحكام وآثار (بحسب ما تطلبه) وتقتضي (حقائق تلك الموجودات العينية) من الأحكام والآثار .
وذلك (كنسبة العلم) مثلا (إلى العالم و) نسبة (الحياة إلى الحي فالحياة حقيقة معقولة) كلية (والعلم حقيقة معقولة) كلية (والعلم حقيقة معقولة) .
كذلك (متميزة عن الحياة) بحسب التعقل (كما أن الحياة) حقيقة معقولة (متميزة عنه) بحسبه (ثم نقول في الحق تعالى أن له علما وحياة) وهما حكمان على الموصوف بهما بأنه حي عالم (فهو) تعالى (الحي العالم و)
كذلك نقول في الملك إن له حياة وعلما.
و كذلك (هو)، أي الملك (الحي العالم) حقيقة لا مجازا (ونقول) مثل ذلك (في الإنسان إن له حياة وعلما) وهما بحكمان على الموصوف بهما بأنه حي عالم. (فهو) أي الإنسان (الحي العالم وحقيقة العلم) في كل من الحق والملك والإنسان (واحدة) وكذلك (حقيقة الحياة في الكل واحدة ونسبتهما)، أي نسبة حقيقة الحياة والعلم (إلى العالم والحي) حقا كان أو ملكة أو إنسانا (نسبة واحدة) وهي ثبوتها لهما (و) مع ذلك نقول في كل واحد من علم الحق في حياته وسائر صفاته الحقيقية (أنه قدیم) غير مسبوق بالعدم الزماني وأنه عين ذاته وعلى سائر صفاته في مرتبة الأحدية.
(و) نقول (في علم الإنسان إنه محدث) بالحدوث الزماني وغير ذاته و غیر سائر صفاته .
ولا يصح هذا الحكم كليا إلا في علمه الحاصل له باعتبار أحدية جميع روحه وجسمه.
وإلا فقد صرح الشيخ صدر الدین القونوي قدس الله سره في بعض وسائله بأن الأرواح الكلية التي للكمل مقارنة للعقل الأول في الوجود واقعة معه في وصف واحد . ولا شك أن لها في تلك الحالة تكون بعض العلوم حاصلا وأقلها الشعور بنفسه .
(فانظر إلى ما أحدثته الإضافة)، أي إضافة الأمور الكلية إلى الموجودات العينية فأحدثت واقتضت إضافتها إلى الحق القديم سبحانه قدمها وإضافتها إلى الإنسان الحادث حدوثها.
وكأنه رضي الله عنه إنما لم يتعرض للملك بناء على أن الحكم بقدم صفاته وحدوثها مطلقة لا تصح كما في الحق تعالى، والإنسان.
فإن الملائكة كالعقل الأول من الدائمات بدوام الحق سبحانه، فكذا صفاته، وبعضها يمكن أن لا يكون كذلك بالدائم
متن نص فصوص الحكم : 
وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات و الموجودات العينية.
فكما حَكَمَ العلمُ على مَنْ قام به أنْ يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم.
فصار كل واحد محكوماً به محكوماً عليه.
ومعلوم أن هذه الأمور الكلية و إن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني.
فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة و لا تقبل التفصيل و لا التجزّي فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصَّل و لم تتعدَّد بتعدد الأشخاص و لا برحت معقولة.

شرح الجامي :
إلا أن يحكم بحدوثها وحدوث صفائها مطلقة على الخلق الجديد في كل آن لكن باعتبار أشخاصها لا أنواعها (وانظر إلى هذا الارتباط) الواقع (بين) تلك (المعلومات) الكلية (والموجودات العينية وكما حكم القلم على من قام به) و اقتضى (أن يقال فيه) أي فيمن قام به (أنه عالم) كذلك (ح?م) الوجود العيني (الموصوف به)، أي بالعين (على العلم بأنه حادث في حق الحادث) كالإنسان مثلا (قديم في حق القديم) كالحق سبحانه (فصار كل واحد) من المعقولات الكلية والموجودات العينية(مح?ومأ به) أي شيئا بحكم بسببه .
فإن المحكوم به في قولنا : علم الحق سبحانه قدیم، هو القديم لا الموجود العيني الذي هو الحق سبحانه .
لكن الحكم بالقديم على العلم إنما هو نسبته كما لا يخفى فيكون محكومة بالعين المذكور لا المشهور و محكوم عليه بالحكم الذي يقتضيه الآخر.
(ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة) من حيث كليتها (فإنها معدومة العين و) الذات في الخارج من هذه الحيثية (موجودة الحكم) على الأعيان الموجودة
(كما هي)، أي الأمور الكلية (محكوم عليها) بالندم والحدوث مثلا (إذا نسبت إلى الوجود المبني فتقبل) الأمور الكلية (الحكم) عليها بالقدم والحدوث مثلا عند تحققها
(في الأعيان الموجودة) المتكثرة فإن الشيء ما لم يتحقق بنصف بالقدم والحدوث (و) لكنها (لا تقبل التفصيل والتجزي) بحسب تعدد تلك الأعيان وكثرتها.
(فإن ذلك) التفصيل والتجزي (محال عليها)، أي على الأمور الكلية (فإنها بذاتها) وكليتها محققة (في كل موصوف بها)لا بالتفصيل والتجزئة.
فإن الموجود منها في كل موجود عيني حصة لا جزء، والحصة عبارة عن تمام الحقيقة مكتنفة بعوارض مشخصة (كالإنسانية) المتحققة المخصصة (في كل شخص شخص من هذا النوع الخاص) فإنها (ولم تنفصل) بالتجزئة .
(ولم تتعدد) أجزاؤها (بتعدد الأشخاص) بأن يكون في كل شخص جزء بل هي بذاتها وكليتها موجودة في كل شخص شخص (ولا برحت) تلك الأمور الكلية (معقولة) غير
متن نص فصوص الحكم :
وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني و بين من ليس له وجود عيني قد ثبت، و هي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع  و هو الوجود العيني وهناك فما ثَمَّ جامع.
وقد وُجِدَ الارتباط بعدم الجامع فبالجامع أقوى وأحق.
ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه و افتقاره إلى محدِث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.
ولا بد أن يكون المستندُ إليه واجبَ

شرح الجامي :
زائلة عن الوجود العقلي إلى الوجود العيني غير من?ثرة بنكثر الموجودات العينية وفي قوله رضي الله عنه.
ولكنهما لا تقبل التفصيل والتجزي إشارة إلى أن الذات الإلهية التي هي حقيقة الحقائق كلها ظاهرة فيها من غير طريان التجزي والتكثر في تلك الذات.
ولا يقدح في وحدتها كثرة المظاهر (وإذا كان الارتباط بين من له وجود وبين من ليس له وجود عيني) المراد به الأمور الكلية والتعبير عنها كأنه بناء على المشاكلة.
وفي نسخة شرح مؤيد الدين الجندي هكذا وإذا كان الارتباط بينهما.
أي بين تلك الأمور الكلية وبين من له وجود عيني (قد ثبت وجود) من ليس له وجود عيني والتأنيث إما باعتبار المعنى الخبر.
وإما على النسخة الثانية مرجع الضمير هو الأمور الكلية كما لا يخفي (نسب عدمية) وكون الأمور الكلية نسبة إما بناء على كونها منتسبة إلى الموجودات العينية ثابتة لها .
وإما بناء على أخذ نسبة الكلية معها، وإما عدمها فنسبة كليتها (فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعمل لأنه) الضمير للشأن (على كل حال بينها)، أي بين الموجودات (جامع) يعتد به (وهو)، أي ذلك الجامع هو (الوجود العبني و) إما

(هناك)، أي بين الأمور العدمية وبين الموجودات العينية (فما ثمة) إشارة إلى ما أشير إليه بقوله : هناك قائم مقام الضمير يعني إما هناك فما فيه (جامع) يعتد به وإنما قيد بذلك،
لأنه لا يوجد مفهومان إلا وبينهما جامع وأقله مكان الوجود العقلي (وقد وجد) من الوجود أو الوجدان (الارتباط) حال كونه ملتبسة (بعدم الجامع) الذي هو الوجود العيني
(فبالجامع)، أي فالارتباط الملتبس بالجامع الذي هو الوجود العيني (اقوى) من ارتباط غير ملتبس به في ترتب آثار الارتباط (وأحق) منه بالتحقق وأنيق .
ولما فرغ رضي الله عنه عن الأصل الذي هو بناء عليه بيان الارتباط بين الحق سبحانه والعالم شرع في المقصود.
وقال : (ولا شك أن المحدث) بالحدوث الذاتي، أو الزماني (قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث)، أي موجد (أحدثه لإمكانه) الذي هو يساري نسبته إلى جانب الوجود والعدم (لنفسه) فلا بد من مرجح يرجح جانب الوجود وهو المحدث (فوجوده من غيره) الذي هو المحدث (فهو)، أي المحدث (مرتبط به)، أي بمحدثة (ارتباط)
.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالجمعة يوليو 26, 2019 7:30 pm

01 . فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثالث .شرح عبد الرحمن الجامي فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الآدمي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 . فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الثالث

متن نص فصوص الحكم :
الوجود لذاته غنياً في وجوده بنفسه غير مفتقر، و هو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه.
و لما اقتضاه لذاته كان واجباً به.
و لما كان استنادُه إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شئ من اسم و صفة ما عدا الوجوبَ الذاتيَّ فإن ذلك لا يصح في الحادث و إن كان واجب الوجود و لكن وجوبه بغيره لا بنفسه.

شرح الجامي :
افتقار) و مستند إليه استناد احتیاج وذلك يقتضي إفاضة الوجود منه عليه .
فهذه الإفاضة أثر من الممكن في الوجوب (ولا بد أن يكون المستند إليه)، أي الذي يستند إليه الحدث في وجوده بالآخرة (واجب الوجود لذاته) لا بغيره دفعا للتسلسل (غنيا في وجوده بنفسه) عن غيره (غير مفتقر إليه) وإلا لكان ممكنا.
(وهو) أي المستند إليه الواجب الوجود هو (الذي أعطى الوجود) المفاض(بذاته) المتجلية السارية بأحدية جمعه الأسمائي في الحقائق كلها لهذا الحادث الذي قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث (فانتسب)، أي انتسب هذا الحادث (إليه)، أي إلى واجب الوجود في قبول الوجود منه وانتسب الواجب إلى الحادث في إعطاء الوجود إياه (ولما اقتضاه) أي الواجب الحادث لذاته.
أي التجلي ذاته المتجلية السارية فيه (كان واجبة به) في وجوب المعلول بعلته .
فكما أعطاه الوجود أعطاه وجوب الوجود أيضا .
فكل واحد من الوجود ووجوبه أثر في الواجب الممكن فلكل من الواجب والممكن حكم على الآخر .
كما كان لكل من الأمور الكلية والأعيان الخارجية حكم على الآخر.
ثم لما فرغ من بيان الارتباط بين الحق والعالم وكان ذلك الارتباط على وجه يقتضي أن يكون العالم على صورته سبحانه نبه عليه.
بقوله : (ولما كان استناده)، أي استناد الحادث (إلى من ظهر)، أي الحادث (عنه لذاته) المتجلية بأحدية جمعه الأسماء في كل ما ظهر عنه.
(يقتضي) ذلك الاستناد (أن يكون) الحادث الظاهر عنه (على صورته) وصفته (فيما ينسب إليه) تعالى (من كل شيء) بیان لما (من اسم وصفة) بيان لشيء.
فحاصله أن يكون على صفته تعالى في كل اسم.
وصفة تنسب إليه تعالى كما أنه ينسب كل اسم وصفة إليه تعالى. كذلك إلى الحادث.
فإنه بأحدية جمعه الأسماء متجلي وصار فيه .
ولذا قيل : كل موجود متصف بالصفات السبع الكمالية لكن ظهورها فيه بحسب استعداده وقابليته (ما عدا الوجوب الذاتي) الخاص .
(فإن ذلك)، أي الوجوب الذاتي (لا بصع للحادث) ولا ينسب إليه (وإن كان)، أي الحادث (واجب الوجود) بالمعنى الأعم.
فإنه أعم من أن يكون وجوبه بالذات أو بالغير، والحادث وإن لم يكن واجبا بذاته لكنه واجب بغيره كما قال (ولكن وجوبه)، أي وجوب الحادث (بغيره) الذي هو موجده (لا بنفسه) وإلا انقلب الممكن واجبا .
متن نص فصوص الحكم :
ثم لنعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث و ذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه.
فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.
فلما علمناه بنا و منا نَسَبْنَا إليه كل ما نسبناه إلينا.
و بذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، و إذا شَهِدَنَا شهد نفسه.

شرح الجامي :
ولما فرغ من بیان كرن الحادث على صورته شرع في بيان ما يتفرع عليه من إحالة الحق إبانا في معرفته على النظر في الحادث.
فقال : (ثم لنعلم أنه) الضمير للشأن (لما كان الأمر)، أي الشأن (علی ما قلناه من ظهوره) بيان لما أي ظهوره الحادث (بصورته).
أي الحق سبحانه (احالنا) الحق (تعالى في العلم به)، أي بالحق (على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آیاته) الدالة عليه ذات وصفة (فيه).
أي في الحادث ليستدل به تعالى كما قال تعالى : "سنيرهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم "آيه 53 سورة فصلت .
(فاستدللنا بنا)، أي بأنفسنا والنظر فيها كما قال تعالى: " وفي أنفسكم أفلا تبصرون " آية 21 سورة الذاريات.
(عليه تعالی) فما وصفناه تعالى (بوصف) وما عرفناه به (إلا كنا عن ذلك الوصف)، أي متصفين بذلك الوصف أو عينه بناء على ما سبق من أن كل موجود عبارة عن مجموع أعراض اجتمعت في عين واحدة.
وفي بعض النسخ إلا كنا نحن ذلك الوصف ومعناه ظاهر (إلا الوجود الذاتي الخاص) لا العام الذي يعم الوجوب الذاتي والوجوب بالغير فإنه يتصف به الحادث أيضا.
(فلما علمناه بنا) باعتبار معنى الإلية أو السببية (ومنا) باعتبار معنى المنشئية (نسبنا إليه تعالي كلما نسبناه إلينا) من الأوصاف الكمالية لا ما فيه توهم نقص إلا ما نسبه الحق تعالى إلى نفسه كالمرض والقرض والاستهزاء والسخرية و غيرها (وبذلك)، أي بتوصيفه سبحانه كما نسبناه إلينا (وردت الأخبار الإلهية على ألسنة التراجم) من الأنبياء والأولياء وانتهت (إلينا فوصف) الحق سبحانه (نفسه لنا بنا)، أي بصفاتنا من أتا عين الأوصاف ،
(فإذا شهدناه تعالی) بصفاته (شهدنا نفوسنا)، لأن نفوسنا عين تلك الصفات ظهرت في مرتبة أخرى (وإذا شهدنا بالحق) سبحانه (شهد نفسه)، أي ذاته التي تعينت وظهرت بصورتنا.
وفي بعض النسخ: وإذا شهدنا نفوسنا شهدنا نفسه فكلاهما صحيح ثم اتساق كلامه رضي الله عنه في بيان جهة الارتباط بين الواجب والممكن إلى سائرهم الإيجاد

متن نص فصوص الحكم : 
و لا نشك أنّا كثيرون بالشخص و النوع، و أنا و إن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعاً أن ثَمَّ فارقاً به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، و لو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد.
فكذلك أيضاً، و إن وَصَفَنَا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، و ليس إلا افتقارنا إليه في الوجود و توقف وجودنا عليه لإمكاننا و غناه عن مثل ما افتقرنا إليه.
فبهذا صح له الأزل و القدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم. فلا تُنسَبُ إليه الأوليّة مع كونه الأول.

شرح الجامي :
دفعه بقوله : (ولا تشك أنا) يعني أهل العالم (كثيرون) متفاوتون (بالشخص والنوع)، فإن في العالم أنواعا مختلفة .
ولكل نوع أشخاصا متعددة (وإنا) يعني الأفراد الإنسانية (وأن ?نا) مشتملة على حقيقة واحدة) نوعيه (يجمعنا ليعلم قطعا أن ثمة).
أي أشخاص تلك الحقيقة (فارقا به)، أي بذلك الغارق (تميزت الأشخاص بعضها عن بعض)، وإذا لم يجمعنا يعني أهل العلم حقيقة واحدة نوعية فوجود الفارق أظهر ولهذا ما وقع التعريض له.

(ولولا ذلك) الفراق (ما كانت الكثرة) بحسب الأفراد متحققة (في) النوع (الواحد) ، وإذا عرفت أن بين أفراد العالم بل الأفراد الإنسانية فارقة يميز بعضها عن بعض (فكذلك) الحال بيننا وبين الحق (أيضا)، فإنه (وإن وصفنا).

أي الحق سبحانه وأعطانا الاتصاف (بما وصف به نفسه من جميع الوجوه)، أي وجوه الصفات وأنواعها أو وجوه الأوصاف القولية والفعلية (فلا بد من فارق) بيننا وبينه لا نشاركه ولا يشاركنا فيه أصلا (وليس) الفارق من قبلنا الذي خصصنا به دونه (إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه الإمكاننا).
وتساوي نسبتي الوجود وانعدم إلى ذواتنا فلا بد من مرجح.
وأما الفارق الذي انفرد به سبحانه ، فهو وجوبه الذاتي وغناه عن مثل ما افتقر إليه من الموجد (فبهذا) الوجوب الذاتي والمعنى :
(صح له الأزل)، أي الأزلية (والقدم) الذاتي (الذي انتفت به عنه الأولية التي) ثبت (بها)، أي تلك الأولية (افتتاح الوجود عن عدم).
قال صلى الله عليه وسلم : "أول ما خلق الله العقل" ، أي الذي افتتح الوجود بعدم العدم من الموجودات هو العقل.
(فلا تنسب إليه تعالى الأولية) بهذا المعنى.
فإنها من سمات الحديث (مع كونه الأول) بالأولية التي هي عبارة عن كونه مبدأ لما سواه كما أن آخريته عبارة عن كونه مرجع كل
متن نص فصوص الحكم : 
و لهذا قيل فيه الآخِر.
فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخِرَ للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.
و إنما كان آخراً لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوّليته، و الأول في عين آخريّته.
ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن ، فأوجد العالم عالم غيب و شهادة لندرك الباطنَ بغيبنا و الظاهر بشهادتنا.
و وصف نفسه بالرضا و الغضب، و أوجد العالم ذا خوف و رجاء فيخاف غضبه و يرجو رضاه.
شرح الجامي :
شيء ومنتهاه (ولهذا)أي لأن أوليته لیست، بمعنى افتتاح الوجود عن العدم (قيل فيه الآخر) المقابل للأول.

(فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد) وافتتاح وجود المقيد عن عدم (لم يصح أن يكون آخرا للمقيد) بأن ينتهي إليه وجود المقبلات الممكنة ولا يوجد بعده ممكن لا آخر (لأنه آخر للممكن لأن الممكنات غير متناهية) .
وإن كان بحسب النشأة الأخروية (فلا آخر لها) وإذا لم يكن لها آخر فكيف يكون سبحانه آخرا لها (وإنما كان سبحانه آخرا لرجوع الأمر كله).


متن نص فصوص الحكم : 
و لا نشك أنّا كثيرون بالشخص و النوع، و أنا و إن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعاً أن ثَمَّ فارقاً به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، و لو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد.
فكذلك أيضاً، و إن وَصَفَنَا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، و ليس إلا افتقارنا إليه في الوجود و توقف وجودنا عليه لإمكاننا و غناه عن مثل ما افتقرنا إليه.
فبهذا صح له الأزل و القدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم. فلا تُنسَبُ إليه الأوليّة مع كونه الأول.

شرح الجامي :
دفعه بقوله : (ولا تشك أنا) يعني أهل العالم (كثيرون) متفاوتون (بالشخص والنوع)، فإن في العالم أنواعا مختلفة .
ولكل نوع أشخاصا متعددة (وإنا) يعني الأفراد الإنسانية (وأن ?نا) مشتملة على حقيقة واحدة) نوعيه (يجمعنا ليعلم قطعا أن ثمة).
أي أشخاص تلك الحقيقة (فارقا به)، أي بذلك الغارق (تميزت الأشخاص بعضها عن بعض)، وإذا لم يجمعنا يعني أهل العلم حقيقة واحدة نوعية فوجود الفارق أظهر ولهذا ما وقع التعريض له.

(ولولا ذلك) الفراق (ما كانت الكثرة) بحسب الأفراد متحققة (في) النوع (الواحد) ، وإذا عرفت أن بين أفراد العالم بل الأفراد الإنسانية فارقة يميز بعضها عن بعض (فكذلك) الحال بيننا وبين الحق (أيضا)، فإنه (وإن وصفنا).

أي الحق سبحانه وأعطانا الاتصاف (بما وصف به نفسه من جميع الوجوه)، أي وجوه الصفات وأنواعها أو وجوه الأوصاف القولية والفعلية (فلا بد من فارق) بيننا وبينه لا نشاركه ولا يشاركنا فيه أصلا (وليس) الفارق من قبلنا الذي خصصنا به دونه (إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه الإمكاننا).
وتساوي نسبتي الوجود وانعدم إلى ذواتنا فلا بد من مرجح.
وأما الفارق الذي انفرد به سبحانه ، فهو وجوبه الذاتي وغناه عن مثل ما افتقر إليه من الموجد (فبهذا) الوجوب الذاتي والمعنى :
(صح له الأزل)، أي الأزلية (والقدم) الذاتي (الذي انتفت به عنه الأولية التي) ثبت (بها)، أي تلك الأولية (افتتاح الوجود عن عدم).
قال صلى الله عليه وسلم : "أول ما خلق الله العقل" ، أي الذي افتتح الوجود بعدم العدم من الموجودات هو العقل.
(فلا تنسب إليه تعالى الأولية) بهذا المعنى.
فإنها من سمات الحديث (مع كونه الأول) بالأولية التي هي عبارة عن كونه مبدأ لما سواه كما أن آخريته عبارة عن كونه مرجع كل
متن نص فصوص الحكم : 
و لهذا قيل فيه الآخِر.
فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخِرَ للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.
و إنما كان آخراً لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوّليته، و الأول في عين آخريّته.
ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن ، فأوجد العالم عالم غيب و شهادة لندرك الباطنَ بغيبنا و الظاهر بشهادتنا.
و وصف نفسه بالرضا و الغضب، و أوجد العالم ذا خوف و رجاء فيخاف غضبه و يرجو رضاه.
شرح الجامي :
شيء ومنتهاه (ولهذا)أي لأن أوليته لیست، بمعنى افتتاح الوجود عن العدم (قيل فيه الآخر) المقابل للأول.

(فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد) وافتتاح وجود المقيد عن عدم (لم يصح أن يكون آخرا للمقيد) بأن ينتهي إليه وجود المقبلات الممكنة ولا يوجد بعده ممكن لا آخر (لأنه آخر للممكن لأن الممكنات غير متناهية) .
وإن كان بحسب النشأة الأخروية (فلا آخر لها) وإذا لم يكن لها آخر فكيف يكون سبحانه آخرا لها (وإنما كان سبحانه آخرا لرجوع الأمر كله).

أي أمر الموجود وتوابعه (إليه سبحانه) بفناء الموجودات ذات وصفة وفعالا في ذاته وصفاته وأفعاله بظهور القيامة
الكبرى أو القيامة الدائمة المشاهدة للعارفين.
(بعد نسبة ذلك) الأمر (إلينا)لأن الوجود وتوابعه كان لله
اولا ثم نسب إلينا ئم بعد هذه النسبة مرجع الكل إليه (فهو الآخر في عين أوليته الأول في عين آخريته) بهويته بين الأضداد وهو ظاهر بها أزل الآزال و أبد الآباد.
وكما أشار رضي الله عنه
فيما تقدم إلى الأوصاف المشتركة بيننا وبين الحق سبحانه خص بالذكر منها الأوصاف
المتقابلة ههنا ليفرع عليها بيان المراد من اليدين اللتين توجهتا من الحق على خلق
آدم و بنيه على أن في جميع الیدین تشريفا له و ليس لإبليس هذه الجمعية.

فقال: (لعلم أن الحق سبحانه وصف نفسه)، أي ذاته المطلقة (بأنه ظاهر) بظهوره في عالم الشهادة المطلقة التي هي مرتبة الحس.
(وباطن) ببطونه عنه . فالباطن بهذا الاعتبار يشتمل ما عدا مرتبة الحس من المراتب الإلهية والكونية (فأوجد العالم).
أي كل واحد من عالمي الكبير والصغير عالمین (عالم غيب) لا يدرك بالحواس الظاهرة (وعالم شهادة) يدرك بها (لندرك) اسمه
(الباطن بغيبنا) الذي هو روحه و مداركه الغيبية.
أو ندرك باطنه وغيبه بالقياس على غيبنا وباطننا (و) كذلك ندرك أسمه (الظاهر بشهادتنا)، أي بمشاعرنا الشاهدية .
أو بأن يدرك شهادتنا فإن شهادتنا شهادة ، أو بالمقايسة (ووصف نفسه بالرضى والغضب) حيث قال تعالى
:"رضي الله عنهم ورضوا عنه" آية 119 سورة المائدة.
وسبقت رحمتي غضبي (فإذا وجد العالم) ذا خوف ورجاء (فنخاف غضبه ونرجو رضاه)
متن نص فصوص الحكم :
و وصف نفسه بأنه جميل و ذو جلال فأوجَدَنَا على هيبة و أُنْسٍ.
و هكذا جميع ما ينسب إليه تعالى و يُسَمّى به.
فعبّر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهنا
منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامعَ لحقائق العالم و مفرداته.

شرح الجامي :
وإنما جاء بأثر الرضى والغضب وهو الخوف والرجاء ولم يقل ذا رضی وغضب مع أنه صحيح أيضا.
تنبيها على أن ظهور الصفات في العالم كما تكون ظهور أعيانها كالظهور والبطون فيما تقدم .
وكذلك يكون ظهور آثارها كالخوف والرجاء فإنهما من آثار الغضب والرضی لا عينهما.
(ووصف نفسه بأنه جميل)، أي متصف بالصفات الجمالية، وهي ما تتعلق باللطف والرحمة.
(وذو جلال)، أي متصف بالصفات الجلالية وهي ما تتعلق بالقهر والغلبة.
(فأوجدنا على هيبة)، أي دهشة وحيرة من مشاهدة أسمائه الجلالية .
فتكون تلك الهيئة من آثاره فينا أو على هيئة مدهشة محيرة لمن يشاهدها فينا فتكون الأسماء الجلالية ظاهرة فيها بأعيانها لا بآثارها.
وعلى هذا القياس قوله : (وأنس) فإن الأنس رفع الدهشة والوحشة فتارة ترتفع الدهشة عنا وتارة ترفعها عن غيرنا.
فيحتمل أن تكون الهيئة والأنس
من قبيل ظهور أعيان الأسماء فينا أو من قبيل ظهور أثارها فينا (وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى و یسمی به) من الأسماء المتقابلة كالهداية والضلالة والإعزاز والإذلال وغيرها .

فإنه سبحانه أوجدنا بحيث نتصف بها تارة وتظهر فينا أثارها تارة، (فعبر عن هاتين الصفتين باليدين)، أي عن
هذين النوعين من الصفات المتقابلين الشاملين كلها (باليدين) لتقابلها .
وتصرف الحق سبحانه بهما في الأشياء (اللتين توجها منه)، أي من الحق سبحانه (على خلق الإنسان الكامل) وإنما توجهت هاتان اليدان على خلته (لكونه).
أي الإنسان الكامل (الجامع الحقائق العالم ومفرداته) التي هي مظاهر لجميع الأسماء التي يعبر عنها لملاحظة شمول معنيين متقابلين لها باليدين.
وهذه الأسماء الظاهرة فيها المرتبة لها ويجوز أن تكون اللام في لكونه متعلقة بالكامل الذي هو صفة للإنسان تعلية لكماله وأن تكون متعلقة بالخلق.
واعلم أن المراد بكل واحد من حقائق العالم ومفرداته أنها الأعيان الثبوتية أو الوجودية أو المراد بواحد منهما الأعيان
الثبوتية والآخر الأعيان الوجودية . ولا شك أن الإنسان الكامل بحسب حقيقته وعينه الثابتة أحدية جمع جميع الأعيان الثابتة التي للعالم.
وبحسب وجوده العيني أحدية جمع جميع الأعيان الخارجية.
وبحسب عينه الثابتة والوجودية
مع أحذية جمع أعيانه الثبوتية والخارجية جميعا .
فالأعيان الثابتة للعالم تفصيل لعينه الثابتة .
والأعيان الخارجية تفصيل لعينه الخارجية .
والمجموع تفصیل
متن نص فصوص الحكم :
فالعالم شهادة و الخليفة غيب، و لذا تحجَّبَ السلطان.
و وصف الحق نفسه بالحُجُب الظلمانية و هي الأجسام الطبيعية، و النورية و هي الأرواح اللطيفة.
فالعالم بين كثيف و لطيف، و هو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحقَّ إدراكَه نَفْسَه.
شرح الجامي :
للمجموع. وكل تفصيل صورة الإجمال.
وكل صورة فهي شهادة بالنسبة إلى ذي الصورة، وذو الصورة غيب لها .
وكذلك كل موجود عيني، فهو شهادة بالنسبة إلى وجوده العلمي ووجوده العلمي غيب له .
وإذا عرفت هذا (فالعالم) بوجوه كثيرة تظهر بالتأمل شهادة بالنسبة إلى الإنسان الكامل (و) الإنسان الكامل الذي هو (الخليفة غيب)بالنسبة إليه.
(ولا) يخفى أن عالم الملك شهادة مشهودة والخليفة بحسب نشأته العنصرية أيضا غیب .
لكن من حيث خلافته لا مطلقا فإنه لا يعرفه من هذه الحيثية الا بعض الخواص من أولياء الله سبحانه .
(ولهذا)، أي لكونه الخليفة غيبا (تحجب) السلطان، لأنه مظهر الخلافة الغيبية في الملك لذلك وجب الانقياد والمطاوعة له.
ولما انساق الكلام إلى ذكر الحجاب أراد أن ينبه على المراد بالحجب الإلهية الواقعة في الكلمات النبوية.
فقال : (ووصف الحق نفسه) شأن نبيه صلى الله عليه وسلم : (بالحجب الظلمانية)، أي بأن له حجبة ظلمانية.
(وعن الأجسام الطبيعية) عنصرية كانت أو غير عنصرية (و) بالحجب (النورية)، أي بأن له حجبة نورية (وهي الأرواح اللطيفة) مثالية كانت أو روحية.
حيث قال صلى الله عليه وسلم:" إن لله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة".
"رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، حديث رقم 1957 [2/273] وابن حبان الأصبهاني في العظمة ، حديث رقم 246  [2/668]."
(فالعالم) الذي هو عين تلك الحجب دائر (بين کثیف) هو الحجب الظلمانية (و) بين (لطيف) هو الحجب النورية .
(وهو)، أي العالم (عبن الحجاب على نفسه)، أي الحاجب إياها عن شهود الحق وإن كان عينه.
لأن الحجاب ليس إلا الأجسام الطبيعية والأرواح النورية التي هي عين العالم أو هو عين الحجاب على نفسه.
أي على نفس الحق وذاته بحجبه عن إدراك الحق ذوقا وشهودا .
وإذا كان العالم عين الحجاب فهو يدرك نفسه بلا حجاب .
ويدرك الحق من وراء حجاب (فلا ندرك) أي العالم (الحق) إدراكا يماثل (إدراك)  أي إدراك العالم (نفسه) .
فإن إدراکه نفسه إدراك ذوقي شهودي من غیر حجاب.
وإدراكه الحق من وراء الحجاب الذي هو عينه أو إدراكا يماثل إدراك الحق نفسه.
فإن إدراك الحق نفسه إنما هو بذاته من غير حجاب.
وإدراك العالم إياه من وراء
متن نص فصوص الحكم :
فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره.
و لكن لا حظ له في الوجوب
الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.
فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق و شهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك.
فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
و لهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟
و ما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم و صورة الحق، و هما يدا الحق.
شرح الجامي :
الحجاب (فلا يزال) العالم (في حجاب). أي في حجاب تعينه وأنيته عن إدراك الحق (لا يرفع) ذلك الحجاب عنه بحيث لم يصر مانعة عن الشهود ولم يبق له حكم فيه.
فإنه وإن أمكن أن يرتفع تعينه عن نظر شهودي لكن يكون حكمه باقية فيه ويكون شهوده بحسبه لا بحسب ما هو المشهود عليه .
فلا يرفع الحجاب بالكلية (مع علمه)، أي العالم (بأنه متميز عن موجده بافتقاره) إليه وعدم افتقار موجده إليه لغناه ووجوبه الذاتي .
فيعلم موجده بعدم افتقاره ووجوبه الذاتي (ولكن لا حظ له)، أي للعالم في الوجوب الذاتي الذي الوجود الحق سبحانه فلا يدرکه).
أي العالم الحق من حيث وجوبه ، أو لوجوب إدراك شيء (فلا يزال الحق من هذه الحيثية).
أي الوجوب الذاتي أو من أجل هذا الحكم الحقيقي الذي هو أن العالم لا حظ له في الوجوب الذاتي (غير معلوم علم ذوق وشهود لأنه لا قدم للحادث في ذلك) يعني الوجوب فلا يدركه إدراك ذوق وشهود نعم يدرکه إدراكا تصورية يكفي في الحكم به على الحق سبحانه .
وإذ قد عرفت المعنى المراد من اليدين وجمعهما في خلق آدم (فما جمع الله سبحانه لآدم) حين خلقه (بين يديه إلا تشريفا) وتكريما له من بين سائر الموجودات (ولهذا) أي لأن هذه الجمعية ليست إلا للتشريف.
(قال سبحانه لإبليس) توبيخا له: "ما على أن تسجد لما خلقت بيدي "آية 75 سورة ص .
وجعل رضي الله عنه اليدين فيما سبق عبارة عن نوعين متقابلين من الصفات الوجوبية الفعلية كما هو الظاهر
وجعلهما هنا إشارة إلى معنى آخر.
بقوله: (وما هو)، أي الجمع بين يديه لآدم (إلا) عين (جمعه)، أي الله تعالی أو آدم (بين الصورتين صورة العالم)، وهي أحدية جمع الحقائق الكونية القابلة.
(وصورة الحق)، وهي أحدية جمع الحقائق الإلهية الوجوبية الفاعلة.
(وهما)، أي هاتان الصورتان : (يدا الحق) إحداهما اليد القابلة الآخذة وهي اليسرى، وإحداهما اليد الفاعلة
المعطية، وهي اليمنى وكلتا يديه يمين مباركة.
وإنما جعلهما يدي الحق لأن كل واحد منهما صورة من صورة تجلياته بها يتم أمر الوجود.
لأنه الذي يتجلى بصورة القابل بأمره والفاعل أحرى،
والفرق بين المعنيين أن الصفات المتقابلة لو خصت هناك بالصفات


متن نص فصوص الحكم :
و إبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.
و لهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، و إن لم يكن فيه جميع
ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه و إلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم و صوره و أنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.

 شرح الجامي :
الفعلية الوجوب كما هو الظاهر يكون المراد بمجموع الیدین هناك بما أراده بالیمنی ههنا.
ولو عمت الصفات الإمكانية أيضا يكون المعنى فإن من جزئيات المعنى الأول خص بالذكر دونها لما يرد بعده .
أعني قوله : (وليس هو جزء من العالم) الذي هو جزء من أدم.
لأنه حقيقة مظهرية للاسم المضل الداخل تحت الاسم الجامع للأسماء الظاهرة في مظاهر العالم كلها ظهورا قرآنيا
وفي آدم ظهورا جميعا.
ولهذا قال : (لم يتحصل له)، أي إبليس (هذه الجمعية)، أي جمعية أدم.
(ولهذا)، أي لحصول هذه الجمعية (كان آدم خليفة) من الله على العالم (فإن
لم يكن) آدم (ظاهرا بصورة من استخلفه) وهو الحق سبحانه متصفا بصفاته متسما بكمالاته
ليتصرف بهما.
(فيما استخلفه فيه) وهو العالم (فما هو خليفة وإن لم يكن فيه).
أي في آدم (جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف) آدم (عليها) من مقتضيات الأسماء الإلهية وآثارها.
(لأن استنادها) تعليل للطلب أي ذلك الطلب إنما يقع منهم، لأن استناد الرعایا في تحصيل حاجاتهم (إليه) لكونه خليفة
عليهم (فلا بد أن يقوم) آدم (بجميع ما تحتاج الرعايا إليه وإلا).
أي وإن لم يقم آدم بجميع ما تحتاج إليه الرعايا .
وإذا كان ذلك في قوة قوله :
وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا كان كأنه أثر له فاقتصر في الجواز على قوله:
(فليس بخليفة عليهم)، ولم يصرح بالجزاء في الأول (فما صحت الخلافة) من أفراد العالم (إلا للإنسان ومن أفراد الإنسان إلا للإنسان الكامل).
لأن فيما عدا الكامل لم تحصل شرائط الخلافة بالفعل وفيما عدا الإنسان بالقوة أيضا (فأنشأ صورته).
أي صورته الجسمانية العنصرية (الظاهرة من حقائق العالم)، أي من الموجودات المتحققة في العالم (و صوره)،
أي صور العالم التي هي تلك الموجودات المتحققة فهي معطوفة على الحقائق عطف تفسير.
أو من أعيانه الثابتة وصوره الخارجية بأن أفاض على أعيانه الثابتة الوجود فصارت صورة خارجية فأنشأ صورة
الإنسان منها .
(وأنشأ صورته الباطنة) أحدية جمع روحه وقلبه وقواه الروحانية (على صورته تعالى)
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 01 . فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الرابع .شرح عبد الرحمن الجامي فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالجمعة يوليو 26, 2019 7:31 pm

01 . فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الرابع .شرح عبد الرحمن الجامي فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الآدمي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 . فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الرابع

متن نص فصوص الحكم :
و لذلك قال فيه «كنت سمعه و بصره»
ما قال كنت عينه و أذنه: ففرق بين الصورتين.
و هكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود.
و لكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع.
و لو لا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية
ما ظهر حكم في الموجودات العينية.

و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:

 شرح الجامي :
أحدية جمع صفاته وأسمائه (ولذلك)،
أي لإنشاء صورته الباطنة على صورته تعالى (قال فيه)، أي في الإنسان الكامل وشأنه (كنت سمعه وبصره) فأتي بالسمع والبصر اللذين هما من الصفات الباطنة .

(وما قال : كنت عينه وأذنه) اللتين هما من الجوارح الظاهرة مع أنه صحيح أبيض لسريانه بهويته في جميع الموجودات .
(ففرق) في هذه العبارة (بين الصورتين) صورته الظاهرة وصورته الباطنة حيث أخبر أنه سمعه وبصره ولم يفل عينه
وأذنه (وهكذا).

أي كما أن الحق سار بهويته في سمع العبد وبصره كذلك (هو) سار (في كل موجود من) موجودات (العالم بقدر ما يطلبه حقيقة ذلك الموجود) بحسب استعداده في قابلیته (لكن ليس لأحد من أفراد) العالم (مجموع ما للخليفة) فإنه لا يظهر في كل واحد واحد إلا بعض أسمائه دون بعض ويظهر في الخلفية مجموعها .

(فما فاز) الخليفة (إلا بالمجموع) دون البعض على انفراده بحيث لا يكون معه غيره .
ويحتمل أن تكون الباء للسببية لا صلة للفوز أي ما فاز الخليفة بالخلافة إلا بسبب المجموع.
وفي بعض النسخ :
فما فاز إلا هو بالمجموع وكأنه إلحاق من المتصرفين لتصحيح المعنى فإن في كل من شرحي الجندي والقيصري وأكثر نسخ المتن التي رأيناها أو قریء بعضها على الشيخ رضي الله عنه وقعت العبارة كما ذكرنا أولا (ولولا سریان) الوجود
(الحق في الموجودات بالصورة)، أي بصورة جمعية الأسماء (فما كان للعالم وجود) و ظهور فإنه في حد ذاته معدوم لا يوجد إلا بالسريان المذكور.
ثم إنه رضي الله عنه شبه توقف ظهور حكم الوجود في الموجودات على سريان الوجود الحق .
بتوقف ظهور أحكام الموجودات العينية على سريان الأمور الكلية فيها.

فقال : (كما إنه) الضمير للشأن (لولا تلك الحقائق المعقولة الكلية) وسريانها في
الموجودات العينية (ما ظهر حكم في الموجودات العينية) .

لأنه ما لم يسر الحياة أو العلم مثلا في موجود عيني لم يصح الحكم عليه بأنه حي أو عالم كما سبق.
(ومن هذه الحقيقة ) التي هي الرقيقة الثابتة في نفس الأمر
متن نص فصوص الحكم :
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نَكني فإن ذكرت
غنيّاً لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نَعْنِي فالكل بالكل
مربوط فليس له ... عنه انفصالُ خذوا ما قلته عني

 شرح الجامي :
بين الموجودات والحق يتوقف وجودها على سريانها فيها (كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده)
كما أن الافتقار منه سبحانه إلى العالم في ظهوره .


ولما شبه رضي الله عنه ارتباط الموجودات بالوجود الحق بارتباطها بالأمور الكلية، وقد ثبت في ما تقدم الارتباط
بينهما بافتقار كل من الطرفين إلى الآخر.

في بعض الأحكام كان فيه إشعار بأن الحق سبحانه وإن كان غنية عن العالمين بذاته وأسمائه الذاتية .
لكن لا سيما باعتبار ظهورها وترتب أثارها عليه افتقار إلى العالم كما وقع به الإشارة إليه في صدر الفص.
فلهذا فرع عليه قوله : (فالكل)، أي كل واحد من الحق والعالم (مفتقر) إلى الآخر، أما افتقار العالم إليه فعلی تعينه العلمي بالفيض الأقدسي .
وفي تعبنه الوجودي بالفيض المقدسي.
وأما افتقار الحق إلى العالم فباعتبار ظهور أسمائه في المراتب وترتب آثارها عليها لا باعتبار ذاتها واتصافها
بالصفات الحقيقية كالوجوب والعلم فإنه بهذا الاعتبار غني عن العالمين .

ثم أكده بقوله: (ما الكل مستغن) ما نافية و مستغن خبره رفعه على اللغة التميمية وعليها قريء : ما هذا
بشر بالرفع (هذا) الذي قلناه من إثبات الطرفين (هو الحق)
المطابق لما في نفس الأمر (قد قلناه) صريحا لإرشاد الطالبين (لا نكني).

أي لا نقوله على سبيل الكناية لئلا يلتبس عليهم (فإن ذكرت عينا) مطلقا (لا افتقار) ملتبس (به).
بأن لا يفتقر إلى غيره أصلا وهو الحق سبحانه باعتبار ذاته وصفاته الذاتية .
فهو لا ينافي ما قلناه (فقد علمت الافتقار الذي بقولنا نعني).
أي نعنيه ونزيده بقولنا : الكل مفتقر .
فإن الافتقار الذي أثبتناه من جانب الحق سبحانه إنما هو باعتبار ظهور الأسماء وترتب آثارها كم علمت.
وهو لا ينافي الغني الذاتي (فالكل بالكل مربوط) ارتباط افتقار (فليس له عنه) استغناء لكل واحد عن الآخر أو للعالم عن الحق أو بالعكس (انفصال) انفصال أستغناء (خذوا ما قلته عني).

اعلم أن الشيخ المفيد المرشد رضي الله عنه لما كان بصدد بيان نسبة الحق والعالم بافتقار كل إلى آخر من وجه .
وكانت هذه النسبة بعينها واقعة بين المفيد المرشد والمستفيد الطالب بل هي من طلالها وفروعها نبه عليها بالماح لطيف.
وهو أنه عبر في البيتين الأولين عن نفسه بصيغة جماعة المتكلم الدالة على التعظيم المنبئ عن رفعة شأنه .
وعن المخاطب الطالب بصيغة الواحد الدالة بالمقابلة على صفة شأنه وذلك لمعنى افتقار الطالب إلى المرشد، فإن
المفتقر إليه أرفع شأنا من المفتقر، ثم قلب الأسلوب في البيت الآخر بأن عبر عن نفسه بصيغة الواحد .

وعن المخاطب بصيغة الجماعة إشعار بأن المفيد
متن نص فصوص الحكم :
فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة.
و قد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق .
و قد علمت نشأة رتبته و هي المجموع الذي به استحق الخلافة.
فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.
و هو قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها

شرح الجامي :
أيضا مفتقر إلى المستفيد لتظهر كمالاته فيكون المفيد مفتقرا والمستفيد مفتقرا إليه و المفتقر إليه أرفع
شأنا كما عرفت (فقد علمت حكمة نشأة
آدم أعني) بجسده (صورته الظاهرة) وهي أحدية جمع جميع الحقائق المظهرية الجسمانية والعنصرية والحكمة فيها .

أن تكون أنموذجا لحقيقة العالم في كونها مظهرة لأحكام الروح المدبر لها كما أن العالم مظهر الآثار الأسماء الإلهية المتصرفة فيه.

(قد علمت نشأة روح آدم)، يعني حكمة نشأة روحه (اعني) بروحه (صورته الباطنة) التي هي أحدية جمع جميع الحقائق الروحانية العقلية والنفسية.
وحكمتها كونها أنموذجا وظلا للأسماء الإلهية باعتبار التصرف والتأثير .
فكما أن الأسماء الإلهية منصرفة في يده في العالم كذلك الروح مؤثر متصرفي في يديه (وقد علمت نشأة رتبته)، أي حكمة نشأة رتبته (وهي)، أي نشأة رتبته هي (المجموع).
أي مجموع صورتيه الظاهرة والباطنة (الذي به استحق) آدم (الخلافة) و توصیف النشأة الرتبية باستحقاق الخلافة.
إشارة إلى حكمتها فإن الحكمة في الجمع بين صورتيه الظاهرة والباطنة أن يناسب بالجهة الباطنة المستخلف و بالجهة الظاهرة
المستخلف عليهم فيستفيض بالجهة الأولى ويفيض بالأخرى فيتم أمر الخلافة.


(فآدم) أبو البشر (هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني)، أي خلق منها زوجها ومن ازدواجهما أولادهما و من
ازدواج أولاده أولاد أولاده إلى ما شاء الله .

فهو منشأ تكثير هذا النوع، وهذا هو المراد بقوله : خلق منها هذا النوع بأدني مسامحة.
فإنه قائم مقام قوله : خلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء.
فالمراد بالنوع الإنساني أولاد آدم من هذا النوع .
واعلم أن لكل مرتبة آدم هو مبدأها كالعقل الكل للمعقول والنفس الكل للنفوس.
ولكل آدم زوج بث من أزواجهما نتائج.
وحمل بعض الشارحين آدم في هذا المقام على العقل الكلي وبعضهم عن النفس الكلي.
ولا يخفى على المستبصر أن كلام الشيخ رضي الله عنه فيما تقدم وفيما تأخر صريح في أن المراد بآدم ههنا هو أبو البشر.
أنه صريح في نقش الفصوص بأن المراد بأدم وجود النوع الإنساني (وهو)، أي كون آدم هو النفس الواحدة المذكورة .

ما يدل عليه قوله تعالى : ("يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة" )، أي ذات واحدة يعني آدم ("وخلق منها")، أي من ضلعها الأيسر ("زوجها ")،
متن نص فصوص الحكم :
وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَ نِساءً».
فقوله اتَّقُوا رَبَّكُمُ اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، و اجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذمٌ و حمدٌ: فكونوا وقايته في الذم و اجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.
ثم إنه سبحانه و تعالى أطْلَعَهُ على ما أوْدع فيه و جعل ذلك في قبضتَيْه:
القبضةُ الواحدة فيها العالم، و القبضة الأخرى فيها آدم و بنوه. و بيَّن مراتبهم فيه.


شرح الجامي :
يعني حواء ("وبث منهما")، من أدم وزوجه بالتوالد والتناسل ("رجالا كثيرا ونساء" ) .
ثم نبه رضي الله عنه على بعض معاني الآية بما لم يتنبه له أهل الظاهر فقال : (فقوله : " اتقوا")،
أمر من الاتقاء بمعنی جعل الشيء وقاية لشيء.

و الشيئان ههنا المخاطبون والرب تعالى .
فإن جعلت الشيء الأول المخاطبينو الشيء الثاني: الرب لاحظت إضافة الوقاية إليه .
كان المعنى: اجعلوا أنفسكم وقاية ربكم.
وإن جعلت الشيء الأول الرب والشيء الثاني المخاطبين.

كان المعنى : اجعلوا ربكم وقاية أنفسكم.
فلما كانت الآية تحتمل المعنيين جمعهما الشيخ رضي الله عنه .

كما هو رأيهم في الآيات القرآنية في الجمع بين جميع المعاني المحتملة التي لا يمنع من إرادتها الشرع والعقل.
فعلى هذا يكون معنى قوله :" اتقوا (ربكم) الذي خلقكم" آية 1 سورة النساء.
أي أوجدكم باختفائه بصوركم فأنتم ظاهره وهو باطنكم .
(اجعلوا ما ظهر منكم)، وهو أحدية جمع روحكم وبدنكم (وقاية ربكم)، أي ألة ووقاية .
كما في قوله تعالى : "خذوا حذركم "آية 71 سورة النساء . أي آلة حذركم.
(واجعلوا ما بطن منكم وهو ربكم وقابة لكم فإن الأمر) المنسوب إلى ربكم بوجه وإليكم بوجه من الصفات والأفعال.
إما (ذم) يذم به لم ينسب إليه (و) إما (حمد) يحمد به .

بتصف به وكل واحد منهما كما يقتضيه توحيد الصفات والأفعال مسند إلى الله تعالى.
لكن إسناد المذام إليه قبل زكاء النفس وطهارتها وقوع في الإباحة وبعدهما إساءة للأدب (فكونوا وقايته) عن نسبة النقص إليه (في الذم) بأن تنسبوه لكم لا إليه (واجعلوه وقايتكم) عن ظهور أنياتكم.

(في الحمد) بأن تنسبوه إليه لا إليكم (تكونوا أدباء) حين تنسبون المذام إلى أنفسكم لا إليه (عالمين)
بحقيقة الأمر على ما هو عليه حين تنسبون المحامد إليه تعالی.


فإن الأمور كلها مستندة إليه تعالى بالحقيقة، وتحذرون مما يلحقكم بإسنادها إلى أنفسكم من ظهور أنياتكم (ثم إنه تعالى أطلعه)، أي آدم (على ما أودع فيه وجعل ذلك).
أي ما أدوع فيه من الحقائق الإلهية والكونية (في قبضتيه سبحانه)، أي قبضتي الجمع والفرق السالمين للكل المشار إليهما الآفاق والأنفس (القبضة الواحدة ) اليسرى التي هي قبضة الفرق( فيها العالم وفي القبضة الأخرى) اليمني التي (فيها) الجمع (آدم وبنوه)، أي أولاده.

متن نص فصوص الحكم :
و لما أطلعني اللَّه سبحانه و تعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر.
جعلت في هذا الكتاب منه ما حدَّ لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب و لا العالم الموجود الآن.
فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حَدّه لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و سلم:
حكمة إلهية في كلمة آدمية، و هو هذا الباب.
ثم حكمة نفثية في كلمة شيئية.
ثم حكمة سبُّوحيَّة في كلمة نُوحِيَّة.
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسيَّة.
ثم حكمة مُهَيَّميَّة في كلمة إبراهيمية.
ثم حكمة حَقية في كلمة إسحاقية.
ثم حكمة عليَّة في كلمة إسماعيلية.
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية.
ثم حكمة نورية في كلمة يُوسفية.
ثم حكمة أحدية في كلمة هودية.
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية.
ثم حكمة قلبية في كلمة شُعَيبيَّة.
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية.
ثم حكمة قَدَرِية في كلمة عُزَيْرية.
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية.
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية.
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية.
ثم حكمة نَفَسِيَّة في كلمة يونسية.
ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية.
ثم حكمة جلالية في كلمة يحياوية.
ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية.
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية.
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية.
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية.
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية.
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية.
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية.
و فص كل حكمة الكلمة التي تنسب إليها.
فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحِكَم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.
فامتثلت ما رسم لي، و وقفت عند ما حُدَّ لي، و لو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك و اللَّه الموفق لا رب غيره.  و من ذلك:


شرح الجامي :
(وبين مراتبهم فيه)، أي بين مراتب بني آدم في آدم المشتمل عليهم.
(ولما أطلعني الله سبحانه في سري) حيث لا واسطة فيه أصلا (على ما أورد في هذا الإمام الوالد الأكبر) آدم عليه
السلام من كمالاته وكمالات بنیه كما أطلعه عليه.
(جعلت في هذا الكتاب ) منه ، أي مما أودع فيه (ما حد لي) أن أدرجه فيه (لا ما وقفت عليه فإن ذلك).
أي ما وتفت عليه (لا يسعه كتاب) لو بين بالكلمات الحرفية والرقمية (ولا العالم الموجود الآن)
لو بین بالكلمات الوجودية فإن العوالم البرزخية و الحشرية الجنانية والجهنمية الغير المتناهية أبد الآبدين .
هي تفصيل ما أودع في النشأة الإنسانية الكمالية وهي لا تنتهي .
فكيف يسعه كتاب والعالم الموجود الآن فإنهما متناهيان (فما شهدته على ما نودعه في هذا الكتاب)
المسمى بفصوص الحكم (كما حده لي رسول الله ).
و في أكثر نسخ شرح القيصري ما حده لی بدون الكاف.
فيكون بدلا مما نودعه وهو هذا الباب .
حكمة إلهية في كلمة آدمية وهي هذا الباب .
ثم حكمة نفثية في كلمة شيئية.
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية .
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .
ثم حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .
ثم حكمة خفية في كلمة إسحاقية.
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية .
ثم حكمة روحية في كلمة  يعقوبية .
ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية .
ثم حكمة أحدية في كلمة هودية .
ثم حكمة فتوحية في كلمة صالحية .
ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية .
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية .
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية .
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية .
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية .
ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية .
ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية .
ثم حكمة جلالية في كلمة يحيوية .
ثم حكمة مالكية في كلمة زكریاوية .
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية .
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية .
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية .
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية .
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية .
(وفص كل حكمة)، أي محل انتقاشها (الكلمة التي نسبت) تلك الحكمة (إليها) من حيث القلب المودع فيها .
ففص كل حكمة هو القلب المضاف إلى الكلمة التي نسبت الحكمة إليها لا نفس الكلمة .
كما يشعر به قوله في أول الكتاب : منزل الحكم على قلوب الكلم (فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما بينت في أم الكتاب).
أن أذكرها وهي الحضرة العلمية الإلهية فإنها أصل الكتب الإلهية .
وقيل : يحتمل أن يراد بها فاتحة كتابه فإن الفاتحة أم الكتاب ونكون إشارة إلى ما ذكر فيها من منامه الذي هو فاتح أبواب كتابه.
و يلائمه قوله : (فامتثلت ما رسم لي ووقفت عندما حد لي ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت فإن الحضرة) .
الإلهية أو الحضرة المحمدية أو الحضرة الإلهية من المظهر المحمدي أو الحضرة التي أقمت أنا فيها من الحضرات الإلهية والمقامات العبودية (تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره).
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالجمعة يوليو 26, 2019 7:42 pm

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الشيثي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفص الشيثي
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية  الجزء الأول
متن نص فصوص الحكم :
علم أن العطايا و المنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد و على غير أيديهم على قسمين:
منها ما يكون عطايا ذاتية
عطايا أسمائية
و تتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين و عن سؤال غير معين.
و منها ما لا يكون عن
شرح الجامي :
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية
النفث : لغة إرسال النفس رخوا.
وههنا عبارة عن إرسال النفس الرحماني
أعني : فاضة الموجود على الماهيات القابلة له والظاهرة به ، أو عن إلقاء العلوم الوهبية والعطايا الإلهية في نوع من أستعد لها. أي:  قلبه.
فالحاصل : أن خلاصة العلوم المتعلقة بالعطايا الحاصلة من مرتبة الغياضية والمبدئية و محل انتقاشها وهو القلب.
أو خلاصة العلوم الحاصلة على سبيل الوهب والتفضل لا على سبيل الكسب والتعمل.
أو محل انتقاشها متحققة في كلمة شيثية أحدية جمع روحه ويديه.
وإنما خصت الحكمة نفثية بالكلمة الشيثية، لأن ثبث عليه السلام كان أول إنسان حصل له العلم بالأعطيات الحاصلة من مرتبة المصدرية والمفيضية ونزلت عليه العلوم الوهبية.
ولما كانت أول المراتب المتعلقة التعيين الجامع للتعينات كلها وله أحدية الجمع وكانت المرتبة التي تليه مرتبة المصدرية والفیضانية التي هي عبارة عن نفث النفس الرحماني في الماهيات القابلة.
وكان آدم عليه السلام صورة المرتبة الأولى كما كان شيث عليه السلام عالما بالعناية الحاصلة من المرتبة الثانية علما وهبيا  قدم المعنی الآدمي في الذكر وجعل الفص الشيثي يتلوه موافقا للوجود الخارجي بتقسيم تلك العطايا.
فقال مبتدئا : (اعلم أن العطايا) جمع عطية (والمنح) جمع منحة وهي العطية (الظاهرة في الكون ) مطلقة بل في الكون الجامع كما تدل عليه التقسيمات الآتية وغيرها الواصلة إلى مستعديها (على أيدي العباد).
أي بواسطة العباد المنفقين مما رزقهم الله تعالى من البشر كانوا أو من غيره .
كالعلم الحاصل للمتعلم من المعلم وللكمل بواسطة الملائكة والأرواح البشرية الكاملة (أو على غير أيديهم وهي على قسمين) أي بغير واسطتهم كما إذا تجلى الحق سبحانه بالوجه الخاص وأورث ذلك التجلي علما ومعرفة .
ويجوز أن يقال : معناه
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين و عن سؤال غير معين.
و منها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعين كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه .
و غير المعين كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي من غير تعيين لكل جزء من ذاتي
شرح الجامي :
الظاهر مطلقا وعبر واسطتها.
(منها ما يكون عطايا ذانية) منسوبة إلى ذات أحدية جمع جميع الأسماء الإلهية من غير خصوصية صفة دون صفة إذ الذات من حيث هي هي لا تعطي عطاء ولا تتجلى تجليا (و) منها ما يكون (عطايا اسمائية) يكون مبدؤها خصوصية صفة من الصفات من حيث تعينها وتميزها عن الذات وسائر الصفات.
(وتتميز) العطايا الذاتية والأسمائية كل واحدة من الأخرى (عند أهل الأذواق) الذين دأبهم معرفة الحقائق ذوقة وكشفا لا نظرة وكسبأ .
و بهذين القسمين صارت القسمة مربعة .
ثم أشار إلى تقسيم آخر وقال (كما أن منها)، أي من العطايا (ما يكون عن سؤال) صوري (في) مسؤول (معین و) عن (سؤال غير معین) بإضافة السؤال إلى غير أو بنوصيفه به على أن يكون وصفة حال المتعلق أي سؤال غير معين مسؤوله.
وفي بعض النسخ:
وعن سؤال غير معین (ومنها ما لا يكون عن سؤال) صوري فإن العطاء لا بد له من سؤال.
إما بلسان المقال أو الحال أو الاستعداد (سواء كانت العطية) الحاصلة على الوجوه الثلاثة أي على كل واحد منها (ذاتية أو أسمائية) .
وإنما أعاد ذلك تنبيها على أن هذين القسمين يجريان في كل من الوجوه الثلاثة، وبضرب الأقسام الأربعة السابقة في هذه الوجوه الثلاثة يحصل اثني عشر قسما (فالمعين كمن يقول)، أي فالمسؤول المعين كمسؤول من يقول : (یا رب أعطني كذا فيعين أمرأ ما) من الأمور كالعلم والمعرفة وغيرهما.
(لا يخطر له) بالقلب عند السؤال (سواه)، أي سوى ذلك الأمر .
(وغير المعين كمن يقول)، أي وغير المسؤول المعين كمسؤول من يقول : (یا رب أعطني ما تعلم فيه مصلحتي).
وقوله : (من غير تعيين)، أي من غير تعيين مسؤول معين من كلام الشيخ لا من كلام السائل .
كما كان قوله : فيعين أمر ما في المسؤول المعين من كلامه لا من كلام السائل. وقوله : (لكل جزء ذاتي)، أي أحدية جسمي و روحي من كلام السائل والمراد به الإشارة الإجمالية إلى ما فصله النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه.
حيث قال : "اللهم اجعل لي في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا " حديث البخاري، ولا وجه
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
لطيف و كثيف.
و السائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
و الصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن ثم أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد السؤال ،
فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل.
فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم الله و لا ما
شرح الجامي :
تتعلق اللام في لكل جزء إلى التعيين وإن فرض أنها من كلام متكلم واحد.
إذ المراد ههنا تعيين المسؤول لا المسؤول له وقوله : (من لطيف) روحاني (وكثيف) جسمانی بیان الجزء ولو جعل بيانا لما تعلم فيه مصلحتي.
فاللطيف هو الأغذية الروحانية كالعلوم والمعارف والكثيف هو الأغذية الجسمانية كالأطعمة والأشربة.
ولما فرغ من هذه التقسيمات أشار إلى تقسيم آخر باعتبار السائلين
فقال : (والسائلون) بالقول : الذين ليسوا من أهل الحضور ومراقبة الأوقات، وإنما قيدنا بذلك لئلا يرد على السائل لمحض امتثال الأمر كما سيجيء.
فهؤلاء السائلون (صنفان صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا) فهو إما أن يوافقه الاستعداد الحالي فيقع، وإما أن لا برافقه فلا يتع.
(والصنف الآخر بعثه على السؤال) علمه (لما علم) بتشديد اللام وحينئذ يكون قوله : بعثه جوابا له بحسب المعنى في حكم المتأخر عنه فيصح إضمار الفاعل فيه وإرجاعه إلى العلم المفهوم من علم.
ويكون تقدير الكلام: والصنف الآخر لما علم أن ثمة عند الله أمورة كذا بعثه علمه على سؤال، فلما مع جوابه خبر المبتدأ .
وقيل : يحتمل أن يكون بكسر اللام على أنه للتعليل، أي بعثه علمه على السؤال لم علم (أن ثمة أمورا) وفيه إضمار قبل الذكر.
قوله : (عند الله) بدل من ثمة ، أي لما علم أن عند الله أمورة (قد سبق العلم) الإلهي بأنها، أي تلك الأمور (لا تنال إلا بعد سؤال) .
فولی: (فيقول) هذا الصنف (فلعل ما نسأله) على غير المنصوب.
إما للموصول وإما للحق ويدل عليه إردافه بقوله (سبحانه) في كثير من النسخ. وضمير الموصوف محذوف أو ما مصدرية (يكون من هذا القبيل)، أي من قبيل ما لا ينال إلا بعد السؤال.
(فسؤاله احتياط لما هو) ضمير مبهم يفسره قوله: (الأمر)، أي المسؤول .
وضمير (عليه) للموصول و(من الإمكان) بيان للموصول، أي سؤاله احتیاط الإمكان أن يكون المسؤول مما لا ينال إلا بعد سؤال.
(وهو) من علم إجمالا أن عند الله
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان.
و لو لا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل.
فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد.
و هم صنفان: صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم، و صنف يعلمون من
شرح الجامي :
أمورا لا تنال إلا بعد سؤال (لا يعلم) تفصيلا (ما) عين (في علم الله) له من تلك الأمور المسؤولة ومن أوقات حصولها (ولا) بعلم أيضا (ما يعطيه) ويقتضيه من المسؤولات (استعداده في القبول).
أي في قبول تلك الأمور، أي لا يعلم مقتضی استعداده في قبولها بأنه، أي أمر من الأمور يقتضي وفي أي زمان يقتضي (لأنه) هذا بحسب الظاهر تعليل للدعوى الثانية .
لكنه لما كان العلم بما يعطيه الاستعداد و هو من جملة ما في علم الله متعذرة يلزم منه تعذير العلم بما في علم الله (من أغمض المعلومات)، أي من أغمض العلم بالمعلومات، ومن العلم بأغمض المعلومات.
(الوقوف في كل زمان فرد)، أي معين (على استعداد الشخص في ذلك الزمان الفرد)، أي في كل زمان فرد بأن يكون واقفا في كل زمان على ما تحرى عليه في جميع الأزمنة.
وذلك لا يتيسر للسائل احتياطا وإلا لم يكن الأمر مبهما عنده بل هو من خواص الكمل الندر من أهل الله ، وذلك السائل المحتاط وإن كان لا يعلم ما في علم الله ولا ما يعطيه استعداده إنما يسأل الإعطاء لإعطاء استعداده السؤال.
(ولولا ما أعطاه الاستعداد للسؤال ما سأل) ولكن لم يكن له علم بذلك الاستعداد قبل السؤال كسائر المسؤولات.
فحكم السؤال معه حكم سائر المسؤولات ما في قوله ما أعطاه مصدرية ، أي لولا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل .
(فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا)، أي مثل العلم الذي يحصل للكمل الندر.
بما في علم الله وبما يعطيه الاستعداد في جميع الأزمنة والأوقات على أن يكون مفعولا مطلقا.
ومثل ما في علم الله وما يعطيه الاستعداد فيكون مفعولا به ويكون لفظ المثل مقحمة (أن يعلموه في الزمان الذي يكون فيه) ويرد عليهم فيه ما يعطيهم الحق (فإنهم الحضورهم) مع ما يرد في كل زمان و مراقبتهم ذلك الزمان.
(یعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان) الذين هم فيه (و) يعلمون أيضا (أنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد) لما أعطاهم (وهم)، أي أهل الحضور الذين يعلمون ما أعطاهم الحق في الزمان الذي يكون فيه.
(صنفان صنف يعلمون من قبولهم) لما أعطاهم (استعدادهم) له فإنهم إذا وقفوا على ما أعطاهم الحق رجعوا إلى أنفسهم فوجدوا فيها استعداده الخاص و عرفوه حق المعرفة لأنهم يعلمون
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
استعدادهم ما يقبلونه.
هذا أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف. و من هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال و لا للإمكان، وإنما يسأل امتثالا لأمر الله في
قوله تعالى: «ادعوني أستجب لكم».
فهو العبد المحض، و ليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معين أو غير معين، و إنما همته في امتثال أوامر سيده.
فإذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتلي أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم الله تعالى به،
ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه الله عنهم.
و التعجيل بالمسئول فيه
شرح الجامي :
أن لهم أستعداد ما لذلك.
فإن أهل الحضور وغيرهم في هذا العلم سواء (وصنف يعلمون من معرفة خصوص استعدادهم ما يقبلون) العطايا فإنهم إذا علموا حصول كمال استعدادهم الخاص لأمر ما حصل نهم يحصل من ذلك الأمر والتيقن بوجوده.
(هذا)، أي كون العلم بالاستعداد سابقا على العلم بما يقبلون (أتم ما يكون)، أي أكمل ما يكون (في معرفة الاستعداد في هذا الصنف).
أي أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا فإنه بمنزلة الاستدلال من المؤثر الى الأثر أو بمنزلة الاستدلال من الأثر إلى المؤثر (ومن هذا الصنف)، أي أهل الحضور المذكورين أو من الصنف الثاني منهم.وهو من يعلم من استعداده القبول.
فإن الصنف الأول لا سؤال له, فإن بعد العلم بقبوله المسؤول لا معقولية للسؤال (من يسأل لا للاستعجال) الطبيعي .
فإنه لا حكم للطبيعة على أهل الحضور (ولا للإمكان)، لأنه على يقين في حصول السؤال في الزمان الذي هو فيه وإنما يسأل امتثالا لأمر الله .
في قوله تعالى: "أدعوني أستجب لكم " (فهو العبد المحض) لله سبحانه ليس فيه شوب ربوبية ولا شائبة رقيه الأمر سواه.
(وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما يسأل فيه من) مسؤول (معين أو غير معين وإنما همته مصروفة في امتثال أوامر سيده) غير متجاوزة إلى مطلوب غيره.
فإنه لا مطلوب له سواه، ولا يطلب في الدارين إلا إياه .
(فإذا اقتضى الحال السؤال) اللفظي (سال عبودية وإذا اقتضى التفويض)، أوكله الأمر إليه سبحانه.
(والسكوت) عن السؤال (سكت) عنه (فقد ابتلي أيوب عليه السلام وغيره) من الأنبياء والأولياء (وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به) أولا  (ثم اقتضى لهم الحال) ثانيا .
(في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك)، أي رفع ما ابتلاهم به (فسألوا رفعه فرفعه الله عنهم والتعجيل بالمسؤول فيه)، أي الشيء الذي وقع السؤال في شأنه
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه.
فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، و إِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا و إِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا.
و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد.
كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، و أما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال.
فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
شرح الجامي :
(والابطاء) إنما هو (للقدر المعين له).
أي تئوقت المقدر المعين المسؤول فيه (عند الله) لا دخل لدعاء العبد ربه أصلا (فإذا وافق السؤال)، أي وقته (الوقت) المقدر عند الله للإجابة بإعطاء السؤال فيه بأن يكون واحدة (أسرع) الله (سبحانه بالإجابة إذا تأخر الوقت).
أي حصل الوقت المقدر للإجابة متأخرة عن وقت السؤال (إما في الدنيا) كما إذا حصل الأمر المسؤول فيه في الدنيا (وإما في الآخرة) كما إذا حصل الأمر فيه في الآخرة.
(تأخرت الإجابة أي المسؤول فيه) يعين إجابة (لا الإجابة التي هي لبيك من الله سبحانه).
فإنها لا تتأخر عن السؤال لما جاء في الخبر الصحيح:
"إذا أحب الله عبدا أو أراد أن يصافيه؛ صب عليه البلاء صبا، وثجه عليه ثجا،
فإذا دعا العبد قال: يا رباه!
قال الله: لبيك عبدي، لا تسألني شيئا إلا أعطيتك، إما أن أعجله لك، وإما أن أدخره لك".أورده المنذري في الترغيب والترهيب
وما بين الإجابتين من الالتباس، أردفه بقوله: (فافهم).
وأما القسم الثاني من التقسيم الثالث للعطايا وهو قولنا: (ومنها ما لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال اللفظ به)، أي السؤال اللفظي لا السؤال مطلقا (فإنه في نفس الأمر لا بد) في حصول المسؤول (من سؤال إما باللفظ) كما إذا قال : اللهم أعطني عطية أو مقيدة كما قال : اللهم أعطني علما نافعا.
(أو بالحال أو الاستعداد) ولا بد أن يكون السؤال الواقع بلسانهما مقيدة، فإن لسان الحالي أو الاستعداد لا يسأل إلا مقيدة لعدم اقتضاء الحال المعين أو الاستعداد إلا أمر معينة فلا يصح سؤال عطاء معلقة إلا في اللفظ .
وأما في نفس الأمر فلا بد أن يقيده الحالي أو الاستعداد (كما أنه لا يصح حمد مطلق إلا في اللفظ وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال فالذي يبعثك على حمد الله سبحانه هو القيد لك باسم فعل) كما إذا كنت مريضة مثلا ويشفيك الله تعالى، فقلت:
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
و الاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه و يشعر بالحال لأنه يعلم الباعث و هو الحال.
فالاستعداد أخفى سؤال.
و إِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء.
فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه و قد غابوا عن نفوسهم و أغراضهم.
و من هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، و يعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به و هو ما كان عليه
شرح الجامي :
الحمد لله، نحمدك وإن وقع على اسم الله المطلق.
لكن حالك الذي هو الشفاء بعد المرض يفيد حمدك بالاسم الشافي.
فكأنك قلت : الحمد للشافي (أو باسم تنزيه) كما إذا تجلى عليك الحق سبحانه بالأسماء التنزيهية ، فتنزه من الشرك عن ملاحظة الأغيار.
فقلت : الحمد لله نحمدك وإن وقع على الله لكن حالك يقيده بالأسماء التنزيهية التي بها وقع النجلي عليك (والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه).
إلا إذا كان من الكمل لكونه موقوفا على العلم بعينه الثابتة وأحوالها وهو أصعب الأمور وأعزها لا يظفر به إلا الندر من الكامل.
(ويشعر بالحال) صاحبه (فإنه يعلم الباعث) له على الطلب (وهو)، أي الباعث هو (الحال فإن الاستعداد أخفى سؤال) بالنسبة إلى اللفظي والحالي.
(وإنما يمنع هؤلاء) السائلين بلسان الحال والاستعداد (من السؤال) اللفظي (علمهم بأن الله سبحانه فيهم)، أي في شأنهم.
(سابقة قضاء)، أي قضاء سابقا على حال الطلب بل على وجودهم بوقوع ما قدر لهم وعليهم بلا تخلف فاستراحوا من تعب الطلب (فهم قد هيئوا محلهم)
بتطهيره عن درن التعلقات الفانية أو تحليته عن الانتقاش بالصور الكونية وتفريغه عن شواغل السؤال والدعاء (لقبول ما يرد عليه).
أي على ذلك المحل من الواردات والتجليات والحال أنهم (قد غابوا عن) حظوظ (نفوسهم وأغراضهم) في هذه الهيئة بل فعلوها ترقيقة عشقية تقتضي إعراضهم عن الأعراض النفسية والتوجه إليه بالكلية.
(ومن هؤلاء) الذين منعهم عن السؤال عليهم بسابق قضاء الله وقدره بجميع ما يجري عليهم (من بعلم) من عباد الله (أن علم الله به في جميع أحواله) بل متعلق علمه بالعبد.
(هو ما كان) العبد (عليه) من الأحوال (في حال ثبوت عينه) في مرتبة العلم (قبل وجودها).
أي وجود عينه الثابتة في مرتبة العين وحاصله أن علمه سبحانه تابع لعينه الثابتة التي هي المعلوم.
(ويعلم) أيضا ذلك العبد (ان الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه)، أي إلا مقتضى من أعطاه.
أي الحق سبحانه و ضمير الموصرف محذوف، أو الضمير عائد إلى الموصول والمفعول الأول.
أي الحق محذوف (عينه) فاعل أعلاه (من العلم به)، أي بالعبد بيان للموصول (وهو)، أي العلم به بل متعلق ذلك العلم (ما كان) العبد (عليه) من الأحوال
(في حال ثبوته) في مرتبة العلم قبل خروجه إلى العين.
(فيعلم) أن (علم الله به) وبأحواله الجارية عليه إلى الأبد (من أين حصل).
أي من عينه الثابتة وأن كل ما يجري عليه إنما
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
في حال ثبوته، فيعلم علم الله به من أين حصل.
و ما ثم صنف من أهل الله أعلى و أكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سر القدر و هم على قسمين:
منهم من يعلم ذلك مجملا، و منهم من يعلمه مفصلا، و الذي يعلمه مفصلا أعلى و أتم من الذي يعلمه مجملا، فإنه يعلم ما في علم الله فيه إما بإعلام الله إياه بما أعطاه عينه من العلم به، و إما أن يكشف له عن عينه الثابتة و انتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى وهو أعلى:
فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن
شرح الجامي :
هو بمقتضى عينه الثابتة وطلبها إياه بلسان الاستعداد والمطلوب بلسان الاستعداد يعطيه الله الجواد المطلق سبحانه لا محالة .
فلا يحتاجون إلى السؤال اللفظي أصلا (وما ثم صنف من أهل الله أعلى) علما (وأكشف) للأمور على ما هي عليه (من هذا الصنف إنهم الواقفون على سير القدر وهم على قسمين منهم من يعلم ذلك).
أي سر القدر (مجملا ومنهم من يعلمه مفصلا والذي بعلمه مفصلا أعلى) كشفا (وأتم) معرفة من الذي يعلمه مجملا .
(فإنه)، أي الذي يعلمه مفصلا (يعلم ما تعين في علم الله فيه)، أي في شأنه من أحوال عينه الثابتة على سبيل التفصيل بخلاف من يعلمه مجملا، وذلك العلم التفصيلي (إما بإعلام الله إياه)، أي الذي يعلمه مفصلا (بما أعطاه عنه من العلم به) بأن يلقى في قلبه بواسطة أو بغير واسطة أن عينه الثابتة تقتضي هذه الأحوال العينية من غير أن يطلعه على عينه كشفة.
(وإما بأن يكشف له)، أي لأجله الحجاب (عن عينه الثابتة وعن انتقالات الأحوال عليها)، أي عن الأحوال المنتقلة عليها ذاهبة (إلى ما لا يتناهى) فيشاهدها ويطلع عليها وعلى أحوالها التي يلحقها في كل حين.
نقل الشيخ مؤید الجندي في شرحه لهذا الكتاب عن شيخه الكامل صدر الدين أبي المعالي محمد بن إسحاق القونوي عن شيخه الأكمل محيي الدين بن العربي قدس الله أسرارهم أنه قال :
لما وصلت إلى بحر الروم من بلاد الأندلس عزمت على نفسي أن لا أرى البحر إلا بعد أن أشهد تفاصيل أحوالي الظاهرة والباطنة الوجودية مما قدر الله سبحانه علي وإلى متى إلى آخر عمري.
فتوجهت إلى الله تعالى بحضور تام وشهود عام ومراقبة كاملة .
فأشهدني الله جميع أحوالي مما يجري ظاهرا أو باطنا إلى آخر عمري حتى صحبة ابنك إسحاق بن محمد و صحبتك وأحوالك وعلومك وأذواقك و مقاماتك وتجلياتك و مكاشفاتك وجميع حظوظك من الله.
ثم ركبت البحر على بصيرة ويمين وكان ما كان ويكون من غير خلال واختلال (وهو)، أي الذي يكشف له عن عينه الثابتة (أعلا) رتبة (فإنه)، أي الذي يكشف له عن عينه (يكون في علمه بنفسه)، وأحوال بينة (بمنزلة علم الله به).
أي بمنزلة الله في علمه به (لأن الأخذ)، أي أخذ العلم لكل منهما (من معدن
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
واحد  هو العين المعلومة.
إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك.
أي أحوال عينه، فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نسب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدر نقول إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم.
شرح الجامي :
(واحد) وهو العين الثابتة فكما يتعلق علم الله بعينه الثابتة فيعلم أحوالها به كذلك يتعلق علم هذا الكامل بها وعلم أحوالها به فلا فرق بين العالمين.
(إلا أنه)، أي العلم بالعين الثابتة أو أخذ العلم منها (من جهة العبد عنابة من الله سبحانه سبقت له)، أي للعبد قبل وجوده.
(هي)، أي هذه العناية (من جملة أحوال عينه) الثابتة التي تقتضي جریان تلك الأحوال عليها فحبيت اقتضت تعلق العناية بها تعلقت.
(يعرفها)، أي تلك العناية السابقة وكونها من أحوال عينه (صاحب الكشف إذا أطلعه الله على ذلك)، أي على المذكور من أحوال عينه، فإنه إذا اطلع عليها باطلاع الحق سبحانه عرف تلك العناية التي من جملتها .
وإنما قلنا: العلم بالعين الثابتة من جانب العبد مسبوق بعناية من الله سبحانه (فإنه) الضمير للشأن (ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله)، أي أراد اطلاعه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود العيني لهذا المخلوق (عليها).
أي على تلك الأحوال (أن يطلع في هذه) الأحوال اطلاع راقية (على) طريقة (اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها) علما و عينة .
فقوله : على هذه الأعيان الثابتة يحتمل أن يكون متعلق بقوله : يطلع.
وبالاطلاع أيضا يمكن أن يقال : المراد باطلاع الحق ما يطلع عليه الحق من هذه الأعيان وحينئذ لفظة على الأولى متعلقة بيطلع والثانية بالاطلاع .
وإنما قلنا: ليس في وسع المخلوق اطلاع مثل اطلاع الحق (لأنها) أي تلك الأعيان يعني الحقائق التي تلك الأعيان صورة معلوميتها (نسب ذاتية) وشؤون عينية مستجنة في عين الذات قبل العلم بها.
(لا صورة لها) تتميز بها لا في العلم ولا في العين ليصح تعتق علم المخلوق بها.
فإذا تعلق علم الحق سبحانه بها وحصل لها تمیز وتعين في العلم صح تعلق علم المخلوق بها .
علما مفيدة للعلم بأحوالها مساوية لعلم الحق سبحانه في تنك الإفادة (فبهذا القدر) من سبق علم الحق بالأعيان على علم العبد بها.
(نقول إن العناية) من الحق سبحانه (سبقت لهذا العبد بهذه المساوات)، أي بمساراته للحق والباء متعلقة بالعناية (في إفادة العلم)، أي إفادة العلم بالأعيان الثابتة العلم بأحوالها الجارية
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
و من هنا يقول الله تعالى: « حَتَّى نَعْلَمَ »آية 31 سورة محمد .
و هي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب.
شرح الجامي :
عليها في وجوده العيني إلى ما لا يتناهى وتحقيق ذلك أن للحق سبحانه بالنسبة إلى العبد عنایتین.
أحدهما : بحسب فيضه الأقدس ، وهي تقتضي تعين عينه الثابتة في مرتبة العلم بحيث يصلح لأن يتعلق به علم المخلوق و استعدادها الكلي لفيضان الوجود عليها ، وأحدهما بحسب فيضه المقدس وهي تقتضي فيضان الوجود عليها في العين واستعداداتها الجزئية ليترتب عليها أحوالها التي من جملتها صلاحية انكشاف عينة الثابتة وأحوالها عليه.
ولا شك أنه إذا كاشف العبد بعينه الثابتة وعلم بهذا الكشف أحوالها أنه يأخذ العلم بتلك الأحوال من عينه الثابتة .
كما يأخذ الحق سبحانه عنها نكن أخذه منها من رزق بهاتين العنايتين من جانب الحق سبحانه وإلى العناية الأولى أشار الشيخ رضي الله عنه .
واعلم أنه قد وقع في مواضع من القرآن ما يوهم أن علمه سبحانه ببعض الأشياء حادث كقوله سبحانه : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ "آية 31 سورة محمد .
وقوله تعالى : " ثم بعثهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا" آية 12 سورة الكهف.
وأمثال ذلك والتقصي عن هذه الأشكال، إما بما ذهب إليه المتكلمون من أن علمه سبحانه قدیم وتعلقه حادث .
فمعنى قوله : "حتى نعلم" حتى يتعلق علمنا القديم بالمجاهدين منكم والصابرين.
وإما بأن المراد بالعلم الشهود فإن الأشياء قبل وجودها العيني معلومة للحق سبحانه وبعده مشهودة له فالشهود خصوص نسبة العلم.
فإنه قد يلحق العلم بواسطة وجود متعلقه نسبة باعتبارها نسميه شهود و حضورا لا أنه حدث هناك علم.
فمعنى حتی نعلم حتى نشاهد، وإما بأن يقال المسند إليه في قوله: نعلم ليس هو الحق باعتبار مرتبة الجمع بل باعتبار مرتبة الفرق .
فكأنه يقول : حتى نعلم من حيث ظهورنا في المظاهر الكونية الخلفية فتكون الخلقية وقاية له عن نسبة الحدوث إليه .
وإما بان يقال : المراد بالتأخر المفهوم من كلمة حتى التأخر الذاتي لا الزماني حتى يلزم الحدوث الزماني وحيث انجر الكلام ههنا إلى أن علم الحق سبحانه بأحوال العبد مأخوذ من عينه الثابتة متأخر عنها بالذات.
أشار الشيخ رضي الله عنه إلى أن هذا التأخر هو المصحح لما جاء في القرآن
فقال :(ومن هنا)، أي من جهة أن علم الحق سبحانه بأحوال العبد مأخوذ من عينه الثابتة متأخر عنها (يقول الله) سبحانه : ("حتى نعلم" وهي):
أي قوله : حتى نعلم (كلمة محققة المعنی)، أي معناه الذي هو تأخر العلم وحدوثه أمر محقق واقع.
أو معنى حقيقي لا مجازي فإن ذلك التأخر والحدوث هو الذاتي لا الزماني (ما هي)، أي هذه الكلمة لغير هذا المعنى المحقق أو الحقيقي (كما يتوهمه).
أي كمعنى يتوهمه (من ليس له هذا المشرب) من المتكلمين وهو أن هذا التأخر والحدوث إنما هو لنسبة تعلق العلم إلى
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
و غاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق ، و هو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف و الوجود.
شرح الجامي :
المعلوم لا نفس العلم ولا فساد في تغير النسب وتجددها بالنسبة إلى ذات الحق و صفاتها .
وإلى هذا أشار رضي الله عنه بقوله : (وغاية) المتكلم (المنزه) للحق سبحانه تعقله عن سمات الحدوث والنقصان (أن يجعل ذلك الحدوث) الزماني المتوهم من ظاهر مفهوم هذه الكلمة (في العلم للتعلق) لا لنفس العلم.
فقال : العلم أزلي وتعلقه بالأشياء حادثة حدوث زمانية (وهو)، أي جعل الحدوث للتعلق لا للعلم (أعلا وجه يكون للمتكلم) .
المنصرف (بعقله في هذه المسألة لولا أنه)، أي المتكلم (أثبت العلم زائدا) في الوجود الخارجي (على الذات) لا عينها (فجعل التعلق له)، أي العلم (لا للذات).
إذ لو لم يكن العلم عین الذات لا معنى لتعلق الذات بالمعلومات لا لأنه يلزم أن تكون الذات محل الحوادث، لأن تجدد النسب لا نستلزمه كما عرفت .
فقوله : وهو على وجه جواب لولا قدم عليه ، ويحتمل أن يكون جوابه مقدرة هكذا لولا أنه أثبت العلم زائدة على الذات.
فجعل التعلق له لا للذات لكان كلامه قريبا من التحقق (وبهذا)، أي بإثبات العلم زائد على الذات وجعل التعلق حادثا بالحدوث الزماني.
(انفصل) المتكلم (عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف والوجود) الذي انكشف له الحقائق كما هي عليه وجدها بحسب ذوقه ووجدانه من غير نظر فكري.
فإن هذا المحقق لا يثبت العلم زائدة على الذات إلا في العقل ويجعله بحسب الخارج عن الذات ويقول حدوث التعلق بذلك الحدوث الذاتي لا الزماني مبالغة في التنزيه.
فإنهم لو جعلوا الحدوث زمانية لا فساد فيه أيضا إذ لا يلزم التجدد إلا في النسبة فإن قيل : إذا كان العلم من قوله : "حتى نعلم " ولنعلم مرتبا على حادث زماني كالفعل المفهوم من قوله : "ولنبلونكم" و"ثم بعثناكم " آية 56 سورة البقرة.
كيف يصح الحكم بأن حدوثه ذاتي لا زمانی .
قلنا: من جعل العلم المرتب حادثة ذاتية لا زمانية لا بد له أن يجعل العقل الذي يترتب عليه العلم أيضا كذلك نقول مثلا قوله : "ولنبلونكم" .
معناه : ولنبلونكم أيها النسب الذاتية والشؤون الغيبية المستجنة في غيب الذات بإظهار كم في المرتبة العلمية .
حتى نعلم بسبب العلم بكم في هذه المرتبة ما يجري عليكم بحسب الخارج من المجاهدة والصبر فنعلم المجاهدين منكم والصابرين.
وقوله : ثم بعثناهم
معناه : بعثناه من مرتبة الاستحسان في غيب الذات إلى مرتبة التميز العلمي ليعلم بذلك التمييز ما يجري عليكم من الأحوال التي من حملها أحصى مدة اللبث.
على أنه لا يلزم إذا حمل بعض الآية على معنى إشاري أن يجري ذلك المعنى في البعض الآخر منها.
إذ كثيرا ما يشير أهل الإشارة في أنه إلى معنى لا يساعد عليه تمام الآية.
فإن قيل : ما ذكرتم من بعض بطون الآية وهؤلاء المحققون لا
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية الجزء الثاني .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالجمعة يوليو 26, 2019 8:07 pm

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية الجزء الثاني .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الشيثي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية الجزء الثاني
متن نص فصوص الحكم :
ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول: إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية.
فأما المنح و الهبات و العطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهي.
و التجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلي له و غير ذلك لا يكون.
فإذن المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق، و ما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه:[/
......................................................
متن نص فصوص الحكم :
و هذا هو أعلى عالم بالله.
و ليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، و ما يراه أحد من الأنبياء و الرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء: فإن الرسالة و النبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبدا.
فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء ، فكيف من دونهم من الأولياء؟
و إن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل
شرح الجامي :
الذي أعطاه العلم السكوت (هو أعلى عالم بالله) و مراتب تجلياته والتمييز بينها.
وليس هذا العلم الذي يعطي صاحبه السكوت بالأصالة (إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء وما يراه)، أي يرى هذا العلم والشهود وما يأخذه.
(أحد من الأنبياء والرسل) من حيث أنهم أولياء لا من حيث أنهم أنبياء ورسل، فإن هذا العلم ليس من حقائق النبوة إلا من مشكوة الرسول الخاتم من حيث ولايته (ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم) التي هي جهة باطنية الرسول والخاتم .
(حتى أن الرسل) أيضا من حيث أنهم أولياء (لا يرونه متى رأوه إلا من مشكوة خاتم الأولياء) التي هي مشكوة ولاية الرسول الخاتم.
وإلا لم يصح كلا الحصرین معا حصر رؤية المرسلين أولا في مشكوة خاتم الأنبياء وحصرها ثانية في مشكاة خاتم الأولياء فمشكاة خاتم الأنبياء في الولاية الخاصة المحمدية وهي بعينها مشكوة خاتم الأولياء، لأنه قائم لمظهريتها وإنما أسند هذه الرؤية إلى مشكاة خاتم الأولياء.
(فإن الرسالة والنبوة) اللتين هما جهة ظاهرية الرسول الخاتم (أعني نبوة التشريع ورسالته) التي هي تبليغ الأحكام المتعلقة بحوادث الأكوان لا نبوة التحقيق التي هي جهة باطنية .
وهي الإنباء عن الحق وأسمائه وصفاته وأسرار الملكوت والجبروت وعجائب الغيب.
(ينقطعان) بانقطاع موطن التكليف بل بانقطاع الرسول الخاتم عن هذا الموطن فكيف يستند إليه ما لا ينقطع.
(والولاية لا تنقطع أبدأ)، فإنها من الجهة تلي الحق سبحانه وهي باقية دائمة ابدا سرمدا وأكمل مظاهرها خاتم الأولياء فلهذا أسندت الرؤية المشار إليها إليه .
ولا يخفى عليك أنه لو فرض عدم انقطاع النبوة لا يصح إسناد هذا العلم إليها أصلا فإنه من حقائق الولاية لا النبؤة .
فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه من العلم الذي يعطى صاحبه السكوت (إلا من مشكوة خاتم الأولياء فكيف من دونهم من الأولياء وإن كان خاتم الأولياء) بحسب نشأته العنصرية (تابعة في الحكم) الإلهي (لما جاء به خاتم الرسل من
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه و لا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى.
و قد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، و في تأبير النخل.
فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شي ء و في كل مرتبة، و إنما نظر الرجال إلى التقدم في رتبة العلم بالله: هنالك مطلبهم.
و أما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.
و لما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن
شرح الجامي :

التشريع فذلك)، أي كونه تابعا بحسب نشأته العنصرية (لا يقدح في مقامه) الذي يقتضي المتبوعية بحسب حقیقته (ولا يناقض ما ذهبنا إليه) من أن المرسلين لا يرون هذا العلم إلا من مشكوة خاتم الأولياء.
(فإنه من وجه) وهو كونه وليا تابعا بحسب نشأته العنصرية (يكون أنزل) مرتبة من الرسول الخاتم من حيث رسالته (كما أنه من وجه) وهو كونه جهة باطنية الرسول الخاتم باعتبار حقيقته (يكون أعلا) مقاما منه بحسب نبوته وظاهر شرعه
(وقد ظهر في ظاهر شرعه ما يزيد ما ذهبنا إليه) .
من أن الفاضل يجوز أن يكون مفضولا من وجه (في فضل عمر) على أبي بكر رضي الله عنهما (في أسارى بدر بالحكم فيهم) حيث رأى فيهم أبو بكر أن تؤخذ منهم الفدية ويطلقهم ورأى فيهم عمر ضرب الرقاب .
فأنزل الله الآية الكريمة موافقة لرأي عمر (و) قد ظهر في (تأبير النخل) أيضا حيث منع رسول الله صلى الله عليه وسلم عاما من تأبير النخل فما أبر.
فقال صلى الله عليه وسلم : أنتم أعلم بمصالح دنياكم (فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم) على غير الكامل (في كل شيء وفي كل مرتبة إنما نظر الرجال إلى التقدم في مرتبة العلم بالله) سبحانه لا فيما عداه.
فإنه (هنالك)، أي في مرتبة العلم بالله يتحقق (مطلبهم) الذي به يعرف تقدمهم وتأخرهم.
(وأما حوادث الأكوان) كتأبير النخل وأمثاله (فلا تعلق لخواطرهم بها) لذاتها بالنسبة إلى هممهم العالية فلو كانوا فيها أنزل درجة مما عداهم.
فلا يقدح ذلك في كمالهم (فتحقق ما قلناه) من علوم مرتبة خاتم الأنبياء في العلم بالله بحسب حقیقته .
وأنه لا يقدح فيه نزول مرتبته عن الرسول الخاتم بحسب نشأته العنصرية حيث يكون تابعة له من حيث نبوته.
فإن قيل : متبوعية خاتم الأولياء لخاتم الأنبياء في حقائق الولاية تقدم في رتب العلم بالله لا في العلم بحوادث الأكوان .
فكيف يصح ما ادعاه الشيخ رضي الله عنه من متبوعية خاتم الأولياء لخاتم الأنبياء فإن خاتم الأنبياء مقدم الكل في رتب العلم بالله.
قلنا: هي في الحقيقة عبارة عن متبوعية حقيقة ولايته المطلقة لولايته المشخصة بعد نشأته العنصرية وإن شئت تحقق ذلك
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
و قد كمل سوى موضع لبنة، فكان صلى الله عليه و سلم تلك اللبنة.
غير أنه صلى الله عليه و سلم لا يراها كما قال لبنة واحدة.
و أما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه و سلم،
شرح الجامي :
فاستمع لما يتلى عليك.
اعلم أن الحقيقة المحمدية مشتملة على حقائق النبوة والولاية كلها، فأحدية جمع حقائق النبوة ظاهرها و أحدية جمع حقائق الولاية باطنها.
فالأنبياء من حيث أنهم أنبياء مستمدون من مشكوة نبوته الظاهرة ومن حيث أنهم أولياء مستمدون من مشكوة ولايته الباطنة .
وكذا الأولياء التابعون يستمدون من مشكوة ولايته، فالأولياء والأنبياء كلهم مظاهر لحقيقته، الأنبياء لظاهر نبوته والأولياء لباطن ولايته، وخاتم الأولياء مظهر أحدية جمعه لحقائق ولايته الباطنة فالاستمداد من مشكوة خاتم الأولياء بالحقيقة هو استمداد من مشكاة خاتم الأنبياء.
فإن مشكاته بعض من مشكاته فلا استمداد في الحقيقة إلا من مشكاة خاتم الأنبياء، فإنما أضيف الاستمداد إلى خاتم الأولياء باعتبار حقيقته التي هي بعض من حقيقة خاتم الأنبياء.
ومعني استمداد خاتم الأنبياء منه بحسب ولابنه استمداده بحسب النشأة العنصرية من حقيقة هي بعض من حقيقته وذلك الولي الخاتم مظهره فهذا بالحقيقة استمداد من نفسه لا من غيره والله أعلم بالحقائق.
(ولما مثل النبي ل النبوة بالحائط من اللبن)، لأن النبوة صورة الإحاطة الإلهية بالأوضاع الشرعية والأحكام الفرعية والحكم والأسرار، والبينة الوضعية قد وضعها الله على ألسنة رسله وفي كتبه وكل لبنة كانت في ذلك الحائط كانت صورة نبي من الأنبياء.
يقصد حديث : "عن أبي هريرة أن رسول الله ، قال : مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زوايا، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبیین" صحیح مسلم، حديث رقم ۲۲۸۹ .
(وقد كمل) ذلك الحائط (سوی) موضع لبنة واحدة وهي الموضع الأحدي الجمعي المحمدي الختمي الذي يستوعب الكل (فكان النبي صلى الله عليه وسلم ) بهذا الوضع الأحدي الجمعي
(تلك اللبنة) وسيد تلك الثلمة فكمل به الحائط (غير أنه صلى الله عليه وسلم ) لا يراها أي تلك اللبنة بعين بصيرته في هذا التمثيل (إلا كما قال) صلى الله عليه وسلم (لبنة واحدة).
لأنه صلى الله عليه وسلم غير مأمور بكشف الحقائق والأسرار كخاتم الولاية بل كان مأمورة بسترها في الأوضاع الشرعية والأحكام الوضعية .
والنبوة هي الدعوة إلى كل ذلك والظهور بها والاتصاف بجميعها فهي حقيقة واحدة فلا حاجة في تمثيلها إلى اللبنتين ولا إلى تمييزها بالذهبية والفضية (وأما خانم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا).
أي من رؤية (ما مثل به النبي صلى الله عليه وسلم) ولكن في رؤياه
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
ويرى في الحائط موضع لبنتين واللبنتان من ذهب وفضة .
فترى اللبنتان ينقص الحائط عنهما ويكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة .
فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين ، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين في الحائط .
والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضية وهو ظاهره وما يثبعه فيه من الأحكام.
كما هو آخذ من الله تعالى في السر ما هو بالصورة متبع فيه، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن راه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه أتي من المعدني الذي يأ منه
شرح الجامي :
البنتبه على مرتبته ومقامه (فیری) ما مثل به رسول الله صلى الله عليه وسلم و من الحائط ويرى (في الحائط موضع لبنتين) ينقص الحائط عنهما (واللبن من ذهب) هو صورة الولاية.
لأن الولاية كما أنها ليست قابلة للتغيير بوجه من الوجوه عما هو عليه فكذلك الذهب (ومن فضة)هو صورة النبوة كما أنها قابلة للتغير بالنسبة إلى الأزمان.
فكذلك الفضة (فيري اللبنتين اللتين ينقص الحائط عنهما ، ويكمل بهما لبنة من فضة ولبنة من ذهب فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين ليكمل الحائط).
به قال رضي الله عنه في فتوحاته المكية أنه رأى حائطا من ذهب وفضة فانطبع رضي الله عنه في موضع تينك اللبنتين .
وقال رضي الله عنه : وكنت لا أشك أني أنا الرائي ولا أني أنا المنطبع في موضعهما وبي كمال الحائط .
ثم عبرت الرؤيا بختام الولاية بي وذكرتهما للمشايخ الكاملين المعاصرين وما قلت من الرائي فعبروها بما عبرتها به.
(والسبب الموجب لكونه)، أي تكون خاتم الأولياء (رآها)، أي اللينة (لبنتين) لبنة ذهب ولبنة فضة (أنه)، أي خاتم الأولياء (تابع لشرع خاتم الرسل) أخذ منه الشرع في الظاهر) وإن كان في الباطن أخذ من المعدن الذي أخذ منه الملك بالوحي إلى خاتم الرسل (وهو)، أي شرع خاتم الرسل (موضع اللبنة الفضية) واتباع خاتم الأولياء خاتم الرسل انطباعه في ذلك الموضع.
(وهو)، أي شرع خاتم الرسل أيضا (ظاهره)، أي ظاهر خاتم الأولياء حين أتبعه فيه (وما يتبعه فيه من الأحكام) عطف على ظاهره.
أي شرع خاتم الرسل هو الأحكام التي اتبع فيها خاتم الأولياء خاتم الرسل فخاتم الأولياء تابع لشرع خاتم الرسل (كما هو آخذ عن الله في السر) بلا واسطة (ما هو)، أي الشرع الذي هو أي خاتم الأولياء (بالصورة الظاهرة متبع) خاتم الرسل (فيه).
أي في هذا الشرع وذلك الأخذ إنما يتحقق (لأنه)، أي خاتم الولاية (يري الأمر)، أي كل أمر (على ما هو عليه) في علم الله سبحانه.
(فلا بد أن يراه هكذا)، أي على ما هو عليه في علم الله سبحانه وإلا لم يكن خاتمة (وهو)، أي كونه رائية لكل أمر على ما هو عليه (موضع اللبنة الذهبية في الباطن) وتحققه بهذه الرؤية انطباعه فيه .
قوله : في الباطن، على ما هو في بعض النسخ متعلق بالرؤية (فإنه أخذ) تعليل للرؤية، أي أن خاتم
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
الملك الذي يوحي به إلى الرسول.
فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شي ء.
فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، وإن تأخر وجود طينته، فإنه بحقيقته موجود.
وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «كنت نبيا وآدم بين الماء و الطين».
و غيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث.
شرح الجامي :
الأولياء أخذ الأحكام الشرعية التي يتبع خاتم الرسل فيها.
(من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به)، أي بسبب هذا الملك (إلى الرسول) و ذلك المعدن باطن علم الله فلا جرم يراه على ما هو عليه .
(فإن فهمت ما أشرت به) من أن الأنبياء من كونهم أولياء والأولياء كلهم لا يرون الحق إلا من مشكاة خاتم الأولياء الذي هو مظهر ولاية خاتم الرسل.
(فقد حصل لك العلم النافع) المفضي إلى كمال متابعة خاتم المرسل المنتج كمال التحقيق تحقيقه الولاية.
(فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي) بل آدم أيضا (ما منهم أحد بأخذ) النبوة (إلا من مشكاة) روحانية (خاتم النبيين وإن تأخر وجود طينته) عن وجود ذلك النبي الذي يأخذ النبوة من مشكاته.
(فإنه)، أي خاتم النبيين (بحقيقته) وروحانيته (موجود) قبل وجود الأنبياء كلهم حتى آدم منعوت بالنبوة في هذا الوجود مبعوث إليهم وإلى من سواهم في عالم الأرواح.
(وهو)، أي وجوده صلى الله عليه وسلم قبل وجود الجميع وإنصافه بالنبوة بالفعل في هذا الوجود ما بدل عليه قوله: (كنت نبيا)، أي من عند الله مختصا بالإنباء عن الحقيقة الأحدية الجمعية الكمالية مبعوث إلى الأرواح البشريين و الملكيين.
(وآدم بين الماء والطين )، لم يكمل بدنه العنصري بعد فكيف من دون أنبياء أولاده وبيان ذلك : أن الله سبحانه وتعالى لما خلق النور المحمدي كما أشار صلى الله عليه وسلم إليه بقوله : (أول ما خلق الله نوري) جمع في هذا النور المحمدي جميع أرواح الأنبياء والأولياء جمعة أحدية قبل التفصيل في الوجود الجمعي.
وذلك في مرتبة العقل الأول ثم تعينت الأرواح في اللوح المحفوظ الذي هو النفس الكلية وتميزت بمظاهرها النورية .
فبعث الله الحقيقة المحمدية الروحية النورية إليهم نبيا ينبئهم عن الحقيقة الأحذية الجمعية الكمالية .
فلما وجدت الصور الطبيعية العلوية من العرش والكرسي، ووجدت صور مظاهر تلك الأرواح ظهر سر تلك البعثة المحمدية إليهم ثانيا.
فآمن من الأرواح من كان مؤهلا للإيمان بتلك الأحدية الجمعية الكمالية، ولما وجدت الصور العنصرية ظهر حكم ذلك الإيمان في
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
وكذلك خاتم الأولياء كان وليا و آدم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله يسمى بالوني الخميده .
فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه، فإنه الولي الرسول النبي: وختم الأولياء الولي الوارث الأخذ عن الأصل المشاهد للمراتب .
شرح الجامي :
كمل النفوس البشرية فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فمعنى قوله : كنت نبيا أنه كان نبيا بالفعل عالما بثبوته (وغيره من الأنبياء ما كان نبيا) بالفعل ولا عالما بثبوته (إلا حين بعث) بعد وجوده بدنه العنصري واستكماله شرائط النبوة فاندفع بذلك .
ما يقال من أن كل أحد بهذه المثابة من حيث إنه كان نبيا في علم الله السابق علي وجوده العيني وآدم بين الماء و الطين.
(وكذلك خانم الأولياء) من كونه صورة من صور الحقيقة المحمدية ختمت بها الولاية الخاصة المحمدية أو الولاية المطلقة كان حكمه حكم خاتم النبيين (كان وليا) بالفعل عالم بولايته (وآدم بين الماء والطين وغيره من الأولياء ما كان وليا).
بالفعل ولا عالة بولايته (إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها).
قوله : من الأخلاق الإلهية بيان للشرائط.
وقوله : في الاتصاف بها متعلق بالمعنى الفعلي المفهوم من قوله : شرائط، أي إلا بعد تحصيله ما يشترط في الإنصاف بالولاية بين الأخلاق الإلهية التي يتوقف الاتصاف بالولاية عليها مع أن الولاية أيضا من أخلاقه وصفات والاتصاف به إنما هو من أجل (كون الله) سبحانه (يسمى بالولي الحميد) فيتصفون بها ليكمل لهم الاتصاف بصفات الله والتخلق بأخلاقه .
ولما ذكر أن المرسلين من كون الأولياء لا يرون ما يرون إلا من مشكاة خاتم الأولياء وكان متوهم أن يتوهم أن هذا المعنى إنما يصح بالنسبة إلى من عدا خاتم الرسل.
دفعه بقوله : (فخاتم الرسل من حيث ولايته) المقيدة الشخصية (نسبته مع الختم للولاية) من حيث إنه مظهر لحقيقة ولايته الخاصة أو المطلقة.
(مثل نسبة الأنبياء والرسل معه)، أي مع متابعة خاتم الولاية فكما أن الرسل يرون ما يرون من مشكاته كذلك خاتم الرسل يرى ما يرى من مشكاته التي هي مشكاته في الحقيقة وإنما يصح أن يرى خاتم الرسل ما يرى من خاتم الولاية.
(فإنه)، أي خاتم الرسل (الولي) باعتبار باطنه (الرسول) باعتبار تبليغ الأحكام والشرائع (النبي) باعتبار الإنباء عن الغيوب والتعريفات الإلهية ولكن بواسطة الملك.
(وخاتم الأولياء الولي) باعتبار باطنه (الوارث) بحكم الرسل في شرائعه وأحكامه.
فالوراثة فيه بمنزلة الرسالة (الأخذ عن الأصل) بلا واسطة فيصح أن يأخذ منه من يأخذ بواسعة (المشاهد للمراتب) العارف باستحقاقات أصحابها ليعطي كل
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
وهو حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ، مقدم الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة .
فعين حالا خاصا وما عمم.
وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية ، فإن الرحمن ما يشفع عند المنتم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين، ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص من فهم المراتب والمقامات لم يعسره قبول مثل هذا الكلام.
شرح الجامي :
ذي حق حقه (وهو)، أي خاتم الولاية مع رفعة شأنه كما ذكرنا (حسنة من حسنات خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم مقدم الجماعة) ومظهر من مظاهر ولايته الخاصية أو المطلقة، لأنه صلى الله عليه وسلم حين كان ظاهرا بالشريعة في مقام الرسالة لم تظهر ولايته بالأحدية الذاتية الجامعة الأسماء كلها ليوفي الاسم الهادي حقه.
فبقيت هذه الحسنة أعني ولاية باطنه حتى تظهر في مظهر الخاتم للولاية الوارث منه ظاهر النبوة و باطن الولاية فإن للروح المحمدي مظاهر في العالم بصورة الأنبياء والأولياء
ذكر الشيخ رضي الله عنه في آخر الباب الرابع عشر من الفتوحات أن للروح المحمدي مظاهر في العالم وأكمل مظاهره في قطب الزمان وفي الأفراد وفي ختم الولاية المحمدية وختم الولاية العامة الذي هو عیسى علیه السلام.
(وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة) في سيادته ثم بين حقيقة شفاعته عليه السلام بقوله (فعین) محمد عليه السلام (بشفاعته) العامة حالا خاصا .
وهو فتح باب الشفاعة فإنه لا يشاركه فيها أحد كما ورد في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول من يفتح باب الشفاعة فيشفع في الخلق ثم الأنبياء ثم الأولياء ثم المؤمنين وآخر من يشفع. هو أرحم الراحمين .
"عن أبي هريرة قال قال رسول الله : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع." رواه الإمام مسلم فى صحيحة.
(ما عمم) في سيادته بأن تكون له السيادة في الأحوال كلها (وفي هذا الحال الخاص)، يعني الشفاعة (تقدم على الأسماء الإلهية) أيضا كما تقدم على مظاهرها.
(فإن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين) الذين تم تظهر شفاعتهم إلا بعد شفاعة خاتم الرسل إياهم ليشفعوا .
(ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة) على الأسماء ومظاهرها (في هذا المقام الخاص)، يعني مقام الشفاعة (فمن فهم المراتب)، أي مراتب الولاية والنبوة والرسالة.
(والمقامات)، أي مقامات أصحابها وكذلك مراتب الأسماء الإلهية ومقامات مظاهرها (لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام) المنبي، عن تقدم
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
وأما المنح الأسمائية فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، وهي لها من الأسماء.
فأما زحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسم الرحمن فهو عطاء رحماني، وإما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكره الذي يقب شربه الراحة، وهي عطاء إلهي ,فإن العطايا الإلهية ، لا يمكن
شرح الجامي :
الولي الخاتم بحسب حقیقته على الرسول الخاتم على الأسماء الإلهية .
اعلم أن الظاهر من كلام الشيخ مؤيد الدين الجندي أن مراد الشيخ بخاتم الولاية نفسه، وهو الظاهر كما يدل عليه كلامه في الفتوحات المكية.
فإن كلامه فيها يشير إلى أنه خاتم الولاية الخاصة المحمدية .
والشيخ شرف الدين داود القيصري صرح بأن المراد بخاتم الولاية هو عيسى عليه السلام مستدلا بأن الشيخ رضي الله عنه صرح في الفتوحات بأنه عليه السلام خاتم الولاية المطلقة .
والشيخ كمال الدين عبد الرزاق أشار إلى أن خاتم الولاية هو المهدي الموعود ولكنه ينافي ما نقله القيصري من الفتوحات .
قال الشيخ صدر الدين القونوي قدس الله سره في تفسير الفاتحة إن الله تعالى:
1- ختم الخلافة الظاهرة في هذه الأمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمهدي عليه السلام.
2- وختم مطلق الخلافة عن الله سبحانه بعيسى ابن مريم صلوات الله على نبينا وعليه .
3- وختم الولاية المحمدية لمن تحقق بالبرزخية الثابتة بين الذات والألوهية.

هذا ما قالوه والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال.
ولما فرغ من تقرير التجليات الذاتية وما أنجر الكلام إليه شرع في تقرير التجليات الأسمائية .
فقال : (وأما المنح الأسمائية فاعلم أن منح الله تعالى خلقه) الفائضة من الحضرة الإلهية عليهم رحمة منه سبحانه (بهم وهي)، أي تلك المنح (كلها) فائضة ، (من) حضرات (الأسماء) الإلهية لا من حضرة الذات من حيث إطلاقها.
فإنها من هذه الحيثية لا يقتضي عطاء خاصة ومنحة معينة و هي تنقسم ثلاثة أقسام:
1- (فأما رحمة خالصة) عن شرب كل نقمة (كالطيب) من الرزق اللذيذ في الدنيا بأن يكون ملائما للطبع (الخالص) عن سعة العذاب (يوم القيامة) .
بأن يكون حلالا بحسب الشرع فهذان وصفان كاشفان عن معنى الطيب.
(ويعطي ذلك) النوع من الرحمة الخاصة (الاسم الرحمن فهو عطاء رحماني) خالص غير ممتزج بما يقتضيه اسم آخر
2 - (وأما رحمة ممتزجة) مع نقمة ما وهي إما في الظاهر رحمة وفي الباطن نقمة كالأشياء الملائمة للطبع الموافقة للنفس المبعدة للقلب عن الله سبحانه.
3 - وإما بالعكس (كشرب الدواء الكريه) الذي لا يلائم الطبع في الحال لكنه (يعقب شربه الراحة) و زوال ما يلائم بحسب المآل.
(وهو عطاء إلهي) فإنه ممتزج من مقتضيات أسماء عدة لا خصوصية له بأسم واحد ينسب إليه. (فإن العطاء الإلهي).
هذا تعليل لقوله : هي كلها من الأسماء، أي العطاء الإلهي (لا يمكن
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء.
فتارة يعطي الله العبد على يدي الرحمن فيخلص العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أو لا ينيل الغرض و ما أشبه ذلك.
و تارة يعطي الله على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب ، فيعطي لينعم لا يكون مع الواهب تكليف المعطى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن و ما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل و ما هو عليه.
فإن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق
شرح الجامي :
إطلاق عطائه)، أي إطلاقه (فیكون) من وضع المظهر موضع المضمر أو إطلاقي تناوله وأخذه (منه) سبحانه من قولهم عطوت الشيء تناولته باليد.
والمراد بإطلاق تناوله أن يؤخذ من الذات البحث (من غير أن يكون على يدي سادن)، أي خادم (من سدنة الأسماء)، أي الأسماء التي هي سدنة لاسم الله الجامع.
فتارة يعطي الله سبحانه (العبد على يدي) الاسم (الرحمن فيخلص العطاء) الواصل إلى المعطى له على يديه (من الثوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت).
أي في الحال (أو لا ينيل الغرض)، أي لا يوصل المطعى له إلى الغرض المقصود من ذلك العطاء فلا يلائمه في المال .
(وما أشبه ذلك)، أي ويخلص أيضا مما أشبه الشوب بالغير الملائم والغير المنيل من موجبات الكدورة، فالعطاء الرحماني ينبغي أن يكون خالصا من موجبات الكدورة الحالية والمآلية كلها.
فهذا عين العطاء الرحماني الذي ذكر أولا وإنما أعاده استیفاء للأقسام في سلك واحد (وتارة يعطى) الاسم (الله على يدي الواسع فيعم)، أي الملائم وغير الملائم والخلائق كلهم، أو ظاهر المعطى له وباطنه روحه وطبيعته وغير ذلك.
(أو) يعطى (على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت)، فإن الحكيم يقتضي ذلك.
(أو) يعطى (على يدي الواهب فيعطى لينعم) من الإنعام، أي ليظهر إنعامه في وجوده.
ويجوز أن يكون مفتوح العين من النعومة وهي طيب العيش، أي لينعم المعطى له ويعيش طيبة (ولا يكون مع الواهب تكليف المعطى له بعوض على ذلك) العطاء (من شكر) باللسان (أو عمل) بالجنان والأركان، ووجوب شكر المنعم إنما هو لأجل عبودية المعطى له لا لتكليف الواهب .
(أو) يعطى (على يدي الجبار) الذي يجبر الكسر (وما يستحقه) ذلك الموطن من العطايا التي يجبر بها كسره ويصلح أفته.
وقيل : الجبار هو الذي يرد الأشياء بعد التغير إلى حالها المحمودة تضرب من القهر والغلبة والتأثير.
(أو) يعطى (على يدي الغفار فينظر في المحل) المعطى له (وما هو عليه) من
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
العقوبة فيسمى معصوما و معتنى به و محفوظا.
و غير ذلك مما شاكل هذا النوع.
و المعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه.
فما يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر.
«ف أعطى كل شي ء خلقه» على يدي العدل و إخوانه
شرح الجامي :
الأحوال (فإن كان على حال يستحق) بها (العقوبة فيستره الله) بالاسم الغفار من العقوبة.
(أو) كان (على حال لا يستحق) بها (العقوبة فيستره) الله بالاسم الغفار عن حاله يستحق بها العقوبة (ويسمى) المعطی له (معصوما) على التقدير الثاني بشرط أن يكون من الأنبياء.
(ومعتني به) على التقديرين (ومحفوظا) عنى التقدير الثاني أيضا بشرط أن يكون من الأولياء.
قال الجندي رحمه الله تعالى: المعصوم والمحفوظ هو العبد الذي يحول الغفار بينه وبين ما لا يرضاه من الذنوب والمعنى به أعم منهما.
فقد يكون المعتني به من لا تضره الذنوب ويقلب المحبة الإلهية والاعتناء الرباني سيئاته حسناته ثم المعصوم يختص في العرف الشرعي بالأنبياء والمحفوظ بالأولياء.
اعلم أن بعض هذه الأسماء المذكورة له دخل في كل من الفعل والقبول كالر حمن، فإن كلا من الاعضاء و قابلية المحل له من مقتضيات الرحمة الرحمانية وكذلك الحكيم فإن كل واحد منهما بحسب الحكمة.
وكذلك الواهب فإن الكل من مواهبه وظاهر أن الواسع يعمم الكل بخلاف الجبار والغفار، لأن أثرهما الجبر و الستر، ولا دخل لهما في قابلية المحل بذلك الجبر والستر.
فالجبار والغفار من حيث أنفسهما لا يقتضيان إلا الفعل، وإذا عرفت هذا تنبهت لسر تثنية اليد المضافة إلى الأسماء الأربعة .
الأول: إشارة إلى يدي الفاعلية والقابلية وأفراد اليد المضافة إلى الأخرين و الصورة إلى اليد الفاعلة فقط على هذا القياس.
(وغير ذلك) المذكور (مما يشاكل هذا النوع) الذي هو من العطاء الأسمانی (والمعطي) في جميع هذه الصورة.
(هو) الاسم (الله) أحدية جمع جميع الأسماء (من حيث ما هو)، أي من حيث أنه (خازن) و جامع (لما) هو مخزون (عنده في خزائنه) العلمية التي هي حقائق الأشياء وأعيانها الثابتة المنتفشة بكل ما كان ويكون.
(فما يخرجه)، أي ما يخرج ما يكون مخزونا عنده من الغيب إلى الشهادة ومن التوت إلى الفعل.
("إلا بقدر معلوم") آية 21 سورة الحجر . 
و مقدار معين تستدعيه قابلية المعني له (على بدي اسم خاص بذلك الأمر) المخزون عنده المراد عطاء (فـ "وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى" ). آية 50 سورة طه.

................................................................
متن نص فصوص الحكم :
و أسماء الله لا تتناهى لأنها تعلم بما يكون عنها- و ما يكون عنها غير متناه- و إن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء.
و على الحقيقة فما ثم إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النسب و الإضافات التي يكنى عنها بالأسماء الإلهية.
و الحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، و إن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، و سبب ذلك تميز الأسماء.
شرح الجامي :
(طه: 50]، أي ما اقتضى عينه أن يكون مخلوقا عليه من غير زيادة ولا نقصان. (على يدي الاسم العدل وإخوانه) كالمقسط والحكم، فإنه تحكم على الجواد والوهاب والمعطي أن يعطي بقدر ما يعطي قابلية المعطى له.
(وأسماء الله) الشرعية التفصيلية (لا تتناهي لأنها تعلم) وتميز (بما يكون)، أي تحصل وتصدر (عنها) من الآثار الممكنة (وما يكون عنها) من الآثار (غير متناه) لأنها إنما نحصل وتصدر بحسب التوابل والمظاهر المتعددة الغير المتناهية، وإذا كانت الآثار غير متناهية فالأسماء المتعينة بحسبها أيضا غير متناهية .
(وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء)، كما ترجع مظاهرها أيضا إلى أصول متناهية وهي الأجناس والأنواع مع عدم تناهي الأشخاص التي تحتها.
و(على الحقيقة فما ثمة إلا حقيقة واحدة) مطلقة هي حقيقة الحق سبحانه (تقبل جميع هذه النسب والإضافات) المذكورة (التي يكني عنها) بل عن الذات الملتبسة بها.
(بالأسماء الإلهية والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر) من الأسماء الإلهية الذاهبة (إلى ما لا يتناهى) بحسب خصوصيتها (حقيقة) معقولة متميزة عن الذات في التعقل.
(يتميز) ذلك الاسم (بها)، أي بتلك الحقيقة (عن اسم آخر) يشاركه في الذات (وتلك بالحقيقة) المعقولة (التي بها يتميز) اسم عن آخر بل الذات متلبسة بها (هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك) بين جميع الأسماء.
يعني الذات المطلقة (كما أن الأعطيات) بضم الهمزة وتشديد الياء جمع أعطية (تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها) و خصوصيتها (وإن كانت) تلك الأغنيات متفرعة (عن أصل واحد) هو منبع الخيرات والكمالات وهو الذات الإلهية .
(ومعلوم أن هذه) الأعطية (ما هي هذه الأعطية) (الأخرى وسبب ذلك) التمييز بين العطايا التي هي معلومات للأسماء (تميز الأسماء) التي هي علل لتلك العطايا إذ
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية الجزء الثالث .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالجمعة يوليو 26, 2019 8:41 pm

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية الجزء الثالث .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الشيثي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية الجزء الثالث
متن نص فصوص الحكم :
فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي ء يتكرر أصلا.
هذا هو الحق الذي يعول عليه.
و هذا العلم كان علم شيث عليه السلام، و روحه هو الممد لكل من يتكلم في
مثل هذا من الأرواح ما عدا روح الخاتم فإنه لا يأتيه المادة إلا من الله لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، و إن كان لا يعقل ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري.
فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري.
فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قبل الأصل الاتصاف
شرح الجامي :
باختلاف العلل تختلف المعلومات وإن كان بمجرد التعيين والشخص فقط.
وإذا كان الأمر كذلك (فما في الحضرة الإلهية لاتساعها) وعدم انحصارها في حد معين (شيء يتكرر) لا من العطايا ولا من الأسماء المقتضية لها (أصلا هذا).
والذي من اتساعها وعدم التكرار فيها (هو الحق الذي يعول)، أي يعتمد (عليه)، ولذلك قيل: إن الحق لا يتجلى بصورة مرتين وفي صورة الإثنين.
ويلزم منه القول بالخلق الجديد الذي أكثر الخلائق في لبس منه .
كما قال تعالى:( "بل هم في لبس من خلق جديد") آية 15 سورة ق.
(وهذا العلم) يعني علم الأعطيات والمنح والهبات (كان علم شيث عليه السلام وروحه)، أي روح شیث (هو الممد لكل من يتكلم مثل هذا العلم من الأرواح) الكاملین (ما عدا روح الخاتم فإنه لا تأتيه المادة)، أي مادة هذا العلم إلا من الله سبحانه (لا من روح من الأرواح بل من روحه).
أي روح الخاتم (تكون المادة لجميع الأرواح) كما سبق تقريره (وإن كان الخاتم لا بعقل ذلك) الإمداد (من نفسه في زمان تركیب جسده العنصري فهو).
أي ألخاتم (من حيث حقيقته) الروحانية (ورتبته) الكمالية الإحاطية (عالم بذلك) الإمداد (كله بعينه)، أي بنفسه (من حيث ما هو جاهل به)، أي بذلك الإمداد (من جهة تركيبه العنصري) يعني أن الخاتم من حيث حقيقته ورتبته الإحاطية الكمالية جامع بين العلم والجهل من حيثية واحدة بأن يكون معروضها حقيقته المطلقة من حيث إطلاقها وعدم تقييدها بأحد المقابلات .
وإن كان علة عروض كل منهما أمر آخر، فإن العلم ناشيء من جهة تجرده الروحاني والجهل من جهة تركيبه العنصري.
وذلك لا يستلزم تعدد حيثيات المعروض في معروضيته فيختلف ولو باعتبار (فهو العالم الجاهل فيقبل) باعتبار حقيقته المطلقة (الاتصاف بالأضداد) .
كالعلم والجهل فلا تنافي فيه بين العلم والجهل كما لا تنافي بين الزوجية والفردية في العدد وبين المواد والبياض في

متن نص فصوص الحكم :
بذلك، كالجليل و الجميل ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخر و هو عينه ليس غير.
فيعلم لا يعلم، و يدري لا يدري، و يشهد لا يشهد.
و بهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة الله.
فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها و نسبها
شرح الجامي :
اللون بين الحقية والخلقية في الوجود المطلق (كما يقبل الأصل) وهو الهوية الأحدية الواحدية الجمعية (الاتصاف بذلك) المذكور من الأضداد (کالجليل والجميل) في الصفات الحقيقية و(كالظاهر والباطن والأول والآخر) في الصفات الإضافية.
وإنما جعلهما أصلا للخاتم لأنه مخلوق على الصورة الإلهية فكما أن الأصل يقبل الأضداد من جهة واحدة، فكذلك الفرع إذا تحقق به .
قال الشيخ رضي الله عنه في الفصل الأول من أجوبة الإمام محمد بن علي الترمذي قدس الله سره:
وأما ما نعطيه المعرفة الذوقية فهو أنه أي الحق سبحانه ظاهر من حيث ما هو باطن وباطن من حيث ما هو ظاهر وأول من حيث هو آخر، وكذلك القول في الآخر لا ينصف أبدأ بشيئين مختلفين كما يقرره ويعقله العقلي من حيث ما هو ذو فكر .
ولهذا قال أبو سعيد الخراز قدس الله سره وقد قيل له : بما عرفت الله؟
فقال : بجمعه بين الضدين.
ثم تلا: "هو الأول والأخر والظاهر والباطن" آية 3 سورة الحديد.
فلو كان عنده هذا العلم من تسميتين مختلفتين ما صدق قوله بجمعية الضدين ولو كانت معقولية الأولية والآخرية والظاهرية والباطنية في نسبتها إلى الحق من الأولية تسميتها إلى الخلق لما كان ذلك مدحا في الجناب الإلهي.
ولا استعظم العارفون بحقائق الأسماء ورود هذه النسب بئی يصل العبد إذا تحقق بالحق أن تنسب إليه الأضداد وغيرها من عين واحدة لا تختلف فيه.
(وهو)، أي الخاتم (عينه)، أي عين الأصل (وليس غيره) حقيقة فإن الوجود المقيد هو المطلق مع قيد التعيين.
والتعيين ليس إلا قصوره عن قبول سائر التعيينات وصفة عن الاتصاف بجميع الصفات فإذا ارتفع التعيين بالسلوك عمن نظر السالك، واختفى حكمه اتصف بما اتصف به المطلق من الأضداد.
(فيعلم لا يعلم ويدري لا يدري ويشهد لا يشهد) كما أن الأصل يعلم في مرتبته الإلهية ومظاهره الكمالية ولا يعلم في مرتبة ظهوره تصور الجاهلين.
وكذلك البواقي (وبهذا العلم)، أي نسبة علم الأعطيات والمنح والهبات علما ذوقية وجدانية .
(سمي شيث باسمه لأن معناه) بالعبرانية (الهبة) بمعنى العطية (أي هبة الله) فلما كان عالما بهباته سبحانه كان له نوع ملابسة بهبة الله مع أنه عين هبة الله فسمي به لهذا المعنى.
(وبیده) وفي قبضة تصرفه (مفتاح العطايا) الوهبية وهو مظهرية الاسم الوهاب والظاهر فيه (على اختلاف أصنافها) المتميز بعضها عن بعض بسبب تميز الأسماء.
لأن تكل اسم عطاء يختص به (ونسبها)، أي خصوصياتها المتعينة نسبة إلى قابليات الأعيان
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه: و ما وهبه إلا منه لأن الولد سر أبيه.
فمنه خرج و إليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن الله.
و كل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من الله شيء، و ما في أحد من سوى نفسه شي ء و إن تنوعت عليه الصور.
و ما كل أحد يعرف هذا، و أن الأمر على ذلك، إلا آحاد من أهل الله.
فإذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله تعالى.
شرح الجامي :
الثابتة فإن لكل عين قابلية لعطاء يختص بها ، وإنما جعل مفتاح العطايا (فإن الله سبحانه وهبه لآدم أول ما وهبه) بعد سؤاله بلسان حاله و مقاله من الوهاب عند فقد هابيل أن يهبه من يكون بدلا منه في مظهر العلوم الوهبية و العطايا المخفية في حقيقة أدم .
ملقيا إياها إلى أرواح المستعدين فوهبه الله لآدم و جعله مفتاحا لما أودع فيه.
(وما وهبه إلا منه لأن الولد سر أبيه) أي مستور موجود فيه بالقوة .
(فمنه خرج) بصورة النطفة ألمانية في الرحم (وإليه عاد) بصيرورته إنسانا داخلا في حده وحقيقته .
(فما أتاه غريب) من خارج وذلك ظاهر (لمن عقل) الحقائق وأدركها (عن الله) لا من عنده نفسه بفكره ونظره (وكل عطاء) يقع (في الكون) جارى (على هذا المجرى) فإنه لا يأتي المعطى له إلا منه لا من خارج.
فإنه ما لم تقتضي عينه الثابتة ذلك العطاء لا يأتيه أصلا (فما في أحد) من المعطی لهم (من الله) المعطي (شيء) بل الله يظهر ما كان مستورة موجودة فيه بالقوة.
(ولا في أحد من سوى نفسه شيء)، بل ما يظهر فيه إلا ما كان مستورة فيه (وإن تنوعت عليه)، أي على ذلك الشيء (الصور) بحسب تنوع استعدادات الأخذ المعطى له، ففي أي صورة كان ذلك الشيء لا يكون من سوى نفس المطعی له أو على ذلك الأخذ فمن أي صورة وصل إليه ذلك الشيء.
فهو من نفسه فإن تنك الصورة كانت موجودة فيه بالقوة، ثم ظهرت بالفعل بعد تحقق شرط ظهورها فما فاض ما فاض عليه من سوى نفسه.
ولا يخفى أن ذلك إنما هو باعتبار الشيخ المقدس لا الأقدس فلا يناقض ما سبق لأن الأمر كله منه ابتداؤه وانتهاؤه .
(وما كل أحد) من أهل الله (يعرف هذا) الحكم يعني أنه ما في أحد من الله ولا من أحد سوى نفسه شيء.
(وأن الأمر) يعني أمر العطاء في الكون كله جار على ذلك المجرى.
(إلا آحاد من أهل الله فإذا رأيت من بعرف ذلك فاعتمد عليه) فيما يقول لأنه حق مطابق أما في الواقع.
(فذلك) الذي يعرف ذلك (عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله)، فعموم أهل الله المؤمنون الموجودون، وخاصتهم السالكون السائرون إليه
متن نص فصوص الحكم :
قال رضي الله عنه : ( فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقي إليه ما لم يكن عنده من المعارف و تمنحه ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره.
فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيره، إلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إليه تنقلب من وجه بحقيقة تلك الحضرة،)
شرح الجامي :
تعالى، وخاصة الخاصة المتحققون بقرب النوافل، و خلاصة خاصة الخاصة المتحققون بقرب الفرائض.
وصفاء الخاصة أي : صفوتهم صاحب مقام قاب قوسين الجامع بين القربين.
وعين الصفاء أي: المختار من هؤلاء الصفوة صاحب مقام أو أدنى الغير المقيد بالجمع بل له الدور في المقامات الثلاث من غير تقييد بواحد منها.
وهذا خاصة نبينا صلى الله عليه وسلم وكمل ورثته.
(فأي صاحب کشف شاهد صورة) في عالم المثال المقيد أو المطلق (تلقی) تلك الصورة (إليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه)، أي تعطيه قبل ذلك (ما لم يكن قبل ذلك)المذكور من مشاهدة الصورة (في يده فتلك الصور عينه لا غير فمن شجرة نفسه جني ثمرة غرسه).
و هكذا في النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه. وفي بعض النسخ ثمرة عن بيعه.
فإن قيل كثيرا ما يرى أهل الله أرواح الماضيين من الأنبياء والأولياء في الوقائع والمقامات في صورة حسنة تلقى إليهم علوم و معارف ليست عندهم.
ومن هذا القبيل ما ذكر الشيخ رضي الله عنه في صدر الكتاب من المبشرة التي رأي فيها رسول الله پیل وأخذ منه فيها هذا الكتاب مع ما فيه من المعارف والحكم.
فكيف يصح إطلاق الحكم بأن كل صورة تلقى إلى صاحب الكشف ما ليس عنده فتلك الصورة عينة لا غيره؟
قلنا : معنى عينية الصورة للمكاشف وإلقائها عليه ما لم يكن عنده أنها مستجنة في غيب نفسه المستعدة بظهورها فظهرت عليه منصبغة بأحكام ما عليه مرآئته من السعة والصقالة والاستواء وغيرهما.
ثم ألقت عليه من العلوم والمعارف ما يقتضيه استعداده لا غير .
فالمراد بقوله : فتلك الصورة عينه لا غيره، أنها عينه لا من غيره و عبر عنه بهذه العبارة مبالغة في انصباغها بأحكامه.
وهذه الصورة التي يشاهدها صاحب الكشف تلقى إليه ما ليس له عنده هي بعينها .
(كالصورة الظاهرة منه)، أي من صاحب الكشف في الجسم الصقيل حاز کونه (في مقابلة) ذلك (الجسم الصقيل ليس)، أي المرئي من الصورة في الجسم الصقيل (غيره إلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إليه)، أي ملقية إليه ما لم تكن عنده..
فقوله : تلقى إليه مفعول  ثاني للرؤية (ينقلب)صيغة مضارع من الانقلاب.
هكذا كانت مقيدة في النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه وهو خبر أن يعني أن الحضرة التي ترى فيها صورته تنقلب الصورة المرئية فيها وتتحول (بحقيقة تلك الحضرة)
................................................................

متن نص فصوص الحكم :
قال رضي الله عنه : ( كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيرا أو المستطيلة مستطيلا، و المتحركة متحركا.
و قد تعطيه انتكاس صورته من حضرة خاصة، و قد تعطيه عين ما يظهر منها فتقابل اليمين منها اليمين من الرائي، و قد يقابل اليمين اليسار و هو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: و بخرق العادة يقابل اليمين اليمين و يظهر الانتكاس. )
شرح الجامي :
باللام التعليلية ، أي لاقتضاء حقيقتها ذلك الانقلاب (كما يظهر الشيء الكبير في المرآة كبيرة أو) الشيء (الصغير صغير ) فحقيقة المرأة الصغيرة يقتضي انقلاب صورة الكبير إلى الصغير .
(و) كما يظهر الشيء الغير المستطيل في المرآة (المستطيل مستطيلا) كظهور الوجه في السيف المصقول الغير المتحرك.
(و) المرآة (المتحرك متحركة) كالماء المتحرك فإنه يظهر فيه الساكن متحركة (وقد تعطیه)، أي تلك المرآة (انعکاس صورته) الخارجية (من حضرة خاصة) كما إذا كانت فوق رأسه وتحت قدمه (وقد تعطيه عين ما يظهر) في المرآة (منها).
أي من صورته الخارجية فمن بيان الموصول، أي تعطيه عين صورته الخارجية التي يظهر في المرآة من غير تعیین.
(فيقابل اليمين منها)، أي من الصورة الظاهرة في المرآة (اليمين من الرائي) كما إذا كانت المرآيا متعددة فإنه إذا ظهرت صورة الراني في مرآة مقابلة لمرة أخرى فلا شك أنه تظهر صورته في المرة الثانية بصورة الأصل.
لأن عکس العكس إنما يكون بصورة الأصل (وقد يقابل اليمين من المرأة اليسار وهو الغالب في المراثي بمنزلة العادة) في غلبة الوقوع و کثرته (في العموم).
فإن غاية الرآيين إنما يرون صورهم لدى استقبالهم ومواجهتهم للمرائي (وبخرق) ما هو بمنزلة (العادة).
أي بخلافه (أن يقابل اليمين اليمين) في بعض الحضرات كما عرفت عند تعدد المرآة (ويظهر الانتكاس) في بعض آخر.
كما إذا كانت المرأة على خلاف العادة فوق رأس الرائي أو تحت قدمه كما مر .
قيل : ظهور الكبير في المرآة الصغيرة ضرب مثال لظهور الحق في كل عين بحسبه، وظهور الغير المستطيل في المستطيلة ضرب مثال لظهور الحق سبحانه في عالم الأمر.
فإن له طولا باعتبار سلسلة الترتيب، وظهور الغير المتحرك في المتحركة ضرب مثال لظهوره سبحانه في الأمور المتصرفة المتجددة آنا فآنا.
وانتكاس الصورة في المرأة إذا كانت تحت الرائي في الوضع ضرب مثال لظهور الحق في الخلق خلقا.
وانتكاسها فيها إذا كانت فوق الراني ضرب مثال لظهور الخلق في الحق وانتكاسها للحق حقا .
وتقابل اليمين لليمين مثال لظهور الحق في الإنسان الكامل کاملا .
ولليسار ضرب مثال لظهوره في غير الإنسان الكامل غير كامل.
ولا يخفى عليك أن هذه التطبيقات وان
................................................................

متن نص فصوص الحكم :
قال رضي الله عنه : ( و هذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا. فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إلا بعد القبول، و إن كان يعرفه مجملا. إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله، لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء، جوزوا على الله تعالى ما يناقض الحكمة و ما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان و إثبات الوجوب بالذات و بالغير. )
شرح الجامي :
كانت صحيحة مليحة في نفسها لكن لا تلائم المقام فإن الكلام في اختلافات صور صاحب الكشف بحسب الحضرات المتجلي فيها لا في اختلافات تجليات الحق سبحانه بحسبها.
(وهذا) الذي ذكرناه (كله) من تنوعات اختلافات الصور المفيضة على صاحب الكشف المفهومة مما سبق من ضرب المثال.
(من أعطيات الحضرة المنجلي فيها التي أنزلناها منزلة المرايا)، فكما أن الظاهر في المرايا ينقلب بحسبها وكذلك انقلاب صور صاحب التجلي بحسب الحضرة المتجلي فيها لصاحب الكشف.
(فمن عرف) من أصحاب الكشف (استعداده) لهذه الأعطيات مفضلا (عرف) العطايا المقبولة و(قبوله) إياها (وما كل من يعرف قبوله) الذي هو الأثر (یعرف) مفصلا (استعداده) السابق على القبول (إلا بعد القبول).
إذ ليس أن يكون العلم بها مسبوقا بالعلم باستعدادها مخصوصة (وإن كان بعرفة) قبل القبول (مجملا) بأن له استعدادا لأمر ما.
(إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة) الذين لا تقوى عقولهم بالنظر عن إدراك الحقائق على ما هي عليه يرون أن الله سبحانه (لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء) وزعموا أن مشيئته يمكن أن يتعلق بكل ما هو ممكن في نفسه (جوزوا على الله سبحانه ما يناقض الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه) من إعطائه بعض الأشياء أعطيات لاستعدادها کتنعیم من يتعذب العذاب وتعذيب من يستحق النعيم .
وليس الأمر كذلك فإن الله سبحانه ما تعلقت مشيئته از بتعيين الأعيان الثابتة واستعداداتها إلا بحسب ما اقتضته الشؤون الذاتية والنسب الأصلية.
وبعدما تعينت الأعيان ما تعلقت مشبثته بوجودها وأحوالها التابعة لوجودها إلا بحسب استعداداتها الكلية وقابليتها الجزئية الوجودية .
فالحق سبحانه وإن كان فعالا كما يشاء لكن مشيئته بحسب حكمته ، ومن حكمته أن لا يفعل إلا بحسب أستعدادات الأشياء، فلا يرحم في موضع الانتقام ولا ينتقم في موضع الرحمة .
(ولهذا)، أي لضعف ما يراه هذا البعض وتجويزهم على الله سبحانه ما يناقض الحكمة .
(عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان)، فإن منشأ ما ذهبوا إليه إنما هو إمكان ما
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
قال رضي الله عنه : (  و المحقق يثبت الإمكان و يعرف حضرته، و الممكن ما هو الممكن و من أين هو ممكن و هو بعينه واجب بالغير، و من أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله خاصة. و على قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. و هو حامل )
شرح الجامي :
يناقض الحكمة فلما ظهر على بعض النظار فساد مذهبهم نفوا ما هو منشؤه فذهبوا إلى نفي الإمكان (وإثبات الوجوب بالذات وبالغير والمحقق) .
من هذه الطائفة (يثبت الإمكان) الذي هو يساوي نسبة صور معلوميات الأشياء الي الظهور وعدمه في العين ولا ينفيه مطلقا كالفرقة الثانية من أهل النظر
(ويعرف حضرته) ، أي حضرة الإمكان ومرتبته وأنه في أي حضرة تعرض الأشياء وهي الحضرة العلمية.
فإن العقل إذا لاحظ الأشياء من حيث أنفسها مع قطع النظر عن أسبابها وشرائها يتساوى عنده وجودها وعدمها ، وإذا لاحظها مع أسبابها وشرائطها حكم بوجوب وجودها.
فلا يثبت الإمكان مطلقا كالفرقة الأولى من أهل النظر.
(و) يعرف (الممكن ما هو الممكن) وهو الوجود المتعين فإنه من حيث تعينه ممكن وإن كان بحسب الحقيقة واجبة.
(و) يعرف أيضا (من أين هو ممكن)، أي من النسبة للنسبة انتسبت صفة إمكانه وهي نسبة تقدسه سبحانه عن التعبد بالصفات المتقابلة كأظهور والبطون والأولية والأخرية وغيرهم أو من أي اعتبار وحيثية هو ممكن وهو اعتباره من حيث نفسه من غير ملاحظة أسبابه وشرائطه .
(وهو)، أي: الممكن (واجب بالغير) لكن من حيث النظر إلى أسباب وجوده وشرائطه.
(و) يعرف أيضا أنه (من أين صح عليه) أي على الغير وحدة الوجود (اسم الغير الذي اقتضى له).
أي للممكن (الوجوب ولا يعلم هذا التفصيل) شهود محقق (إلا العلماء بالله) و مراتبه (خاصة) .
فإنهم يعلمون أن الوجود الحق من حيث ذاته واجب ومن حيث تعيناته في الحضرة العلمية ممكن تتساوى نسبة هذه التعيينات العلمية إلى الظهور في العين وعدم الظهور فيه .
إذا لوحظت من حيث أنفسها کتساوي نسبته سبحانه من حيث ذاته المطلقة الى الصفات المقابلة .
وإذا لوحات من حيث أسباب ظهورها وشرائطه ، فهي واجبة بها.
وهذه التعيينات بغایر بعضها بعضا من حيث خصوصیاتها وإن اتحد الكل بالكل حيث حقيقة الوجود.
وأما مغایرتها للوجود الحق المطلق فمن حيث أن كلا منها تعین مخصوص لوجود الواحد تغاير الآخر بخصوصه.
والوجود الحق لا يغاير الكل ولا يغاير البعض لكون كلية الكل وجزنية الجزء نسبا ذاتية.
فهو لا ينحصر في الجزء ولا في الكل مع كونه فيهما عينه .
(وعلى قدم شيث عليه السلام) بلي على قلبه في التهييء للتجليات الذاتية العطايا الرهبية (يكون آخر مولود يولد في هذا النوع الإنساني).
لأن مراتب الموجود دورية و كما أن شيث عليه السلام الذي كان أول مولود من سلسلة أولاد آدم المنتهية إلينا كان محلا
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
قال رضي الله عنه : (  أسراره، و ليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. و تولد معه أخت له فتخرج قبله و يخرج بعدها يكون رأسه عند رجليها.
و يكون مولده بالصين و لغته لغة أهل بلده. و يسري العقم في الرجال و النساء فيكثر النكاح من غير ولادة و يدعوهم إلى الله فلا يجاب. فإذا قبضه الله تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا و لا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة. )
شرح الجامي :
للتجليات الذائية والعطايا الوهبية ينبغي أن يكون آخر مولود أيضا كذلك لتتم الدائرة بانطباق أولها على آخرها.
(وهو حامل أسراره) من علومه وتجلياته لما ذكرنا.
(وليس) يولد (بعده ولد) آخر (في هذا النوع) الإنساني (فهو خاتم الأولاد ويولد معه) في بطن واحد (أخت له) .
كما أن شيث عليه السلام أيضا كان كذلك فإن حواء کانت تلد لآدم في كل بطن ذکرا وأنثى (فتخرج) أخته (قبله ويخرج) هو (بعدها) لأنه لو لم يتأخر عنها في الولادة لم يكن خاتم الأولاد.
ويشبه أن تكون ولادة شيث عليه السلام مع اخته بعكس ذلك ليكون أول مولود (يكون رأسه عند رجليها ويكون مولده بالصين) أقصى البلاد.
(ولغته لغة بلده ويسري) بعد ولادته (العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إلى الله فلا يجاب) في هذه الدعوة (فإذا قبضه الله وقبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم).
فهم حيوانات في صور الإنسان لإظهار كمال الحقائق الحيوانية الطبيعية البهيمية والسبعية في الصورة الإنسانية لا على ما تقتضيه القابلية من حيث هي هي من غير وازع عقلي أو مانع شرعي.
(لا يحلون حلالا ولا يحرمون حراما ينصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة) ، أي تشرف شهوة مجردة (عن العقل والشرع فعليهم تقوم الساعة) وتخرب الدنيا . وانتقل الأمر إلى الآخرة.
اعلم أن مراد الشيخ رضي الله عنه بخاتم الأولاد غير خاتم الولاية.
فإن خانم الولاية المقيدة عند الشيخ هو الشيخ نفسه .
وخاتم الولاية المطلقة هو عيسى عليه السلام كما أومي إلى الأول وصرح بالثاني في مواضع متعددة من كلامه .
ولا يخفى أن هذه القصة لا تنطبق على حال واحد منهما .
ومن حمله على خاتم الولاية المطلقة فكان منشأ حمله أنه لما كان خاتم الأولاد حاملا لأسرار شيث عليه السلام لا بد أن يكون من الأولياء .
وإذا كان من الأولياء لم يتولد بعده ولي آخر يلزم أن يكون خاتم الأولياء ولیس الأمر كذلك.
فإنه يمكن أن يكون تحقیقه بالولاية قبل نزول عیسى علیه السلام وظهوره بالولاية ويكون نزول عيسى عليه السلام في زمانه أو  زمان من بقي من مؤمني زمانه بعده ولا يتحقق أحد بعده بالولاية فيكون خاتما للولاية.
ثم اعلم أن مقصود الشيخ رضي الله عند بيان لدوام إفراد النوع الإنساني وختمهم وغير ذلك مما يتعلق به .
فحمل كلامه على ما يكون في النشأة الإنسانية على سبيل المضاهاة لما ذكره خروج عن المقصود فلهذا لا تشتغل به .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 7:20 am

 03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص النوحي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفص النوحي

03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية  الجزء الأول

قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم أيدك اللَّه بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد و التقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. و لكن إذا أطلقاه و قالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم يَرَ غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحقَّ و الرسلَ صلوات اللَّه عليهم و هو لا يشعر)
السبوح : بمعنى المسبح اسم مفعول كالقدوس بمعنى المقدس ومعناه المنزه عن كل نقص وآفة .
ولما كان الغالب على نوح عليه السلام تسبيح الحق وتنزيهه لتمادي قومه على التشبيه وعبادة الأصنام، أرسل إليهم ليعالجهم بالضد.
وصف حكمته بالسبوحية ، ولما كان بعد مرتبته المبدئية والمفيضية مرتبة الأرواح المجردة والأملاك النورية التي من شأنها تسبيح الحق وتقديسه كما قالوا :"ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك"آية 30 سورة البقرة. أردف الحكمة النفثية بالحكمة السبوحية .
فقال : (اعلم أن التنزيه) سواء كان من النقائص مطلقا أو من الكمالات الخلقية (عند أهل الحقائق) العارفين بالأمور ما هي عليه (في الجناب الإلهي) المطلق عن كل قيد حتى قيد الإطلاق (عين التقييد والتحديد) .
فإنه تخصيص وتقييد للحق سبحانه بما عدا ما نزه عنه (فالمنزه إما جاهل) منشأ تنزيهه الجهل مما ورد في الشرائع من التنزيه والتشبيه والجمع بينهما (وإما) عالم به لكنه (صاحب سوء وأدب) ينفي ما يثبته بالحق سبحانه على ألسنة رسله .
ويرد ما ورد دالا على التشبيه إلى التنزيه بضرب من التأويل الذي يستحسنه عقله العليل.
فتنزيه الجاهل وصاحب سوء الأدب ليس على ما هو الأمر عليه.
(ولكن إذا أطلقاه)، أي قائلا : التنزيه مطلقا غير مقيد ببعض المراتب (وقالا به) كذلك مطلقا أو مقيدا ببعض المراتب الإلهية و اثبتنا التشبيه في المراتب الكونية فتنزيه كلاهما "المطلق و المقيد" واقع على ما هو.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالقائل بالشرائع) العالم بها (المؤمن) بما جاء به النبي (إذا نزه) الحق سبحانه (ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك) من مراتب السفيه وربما ورد دالا على التشبيه إلى التنزيه بضرب من التأويل والتمويه.
(فقد أساء الأدب وأكذب الحق) تعالى (والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر) بتلك الإساءة وهذا التكذيب. 


قال الشيخ رضي الله عنه : (و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت. و هو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، و لا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان. فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، و هو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته و هويته:
و هو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة )
قال الشيخ رضي الله عنه : (ويتخيل أنه في الحاصل وهو في الفائت وهو كمن آمن ببعض) وهو مقام التنزيه (وكفر ببعض) وهو مقام التشبيه (لا سيما وقد علم) على البناء للمفعول أو الفاعل.
(أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت به إنما جاءت به في العموم)، أي في فهم عوام الخلائق على المفهوم الأول من اللفظ المنطوق به (و) أو ردته (على) أهل (الخصوص) دالا (على كل مفهوم يفهم من وجوه) احتمالات (ذلك اللفظ) مهما لم يرد فيها نص بتعيين وجه مخصوص (بأي لسان كان).
ذلك اللفظ عربي أو غير عربي ولكن ينبغي أن يفهم (في وضع ذلك اللسان) لا في وضع لسان آخر فلا يعتبر في الكلام العربي الخالص ما يفهم بحسب وضع لغة العجم مثلا .
وإنما قلنا : مراد الحق سبحانه بالنسبة إلى العموم وهو المفهوم الأول وبالنسبة إلى الخواص جميع وجوه احتمالات اللفظ.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإن للحق في كل خلق) سواء كان من العوام أو من الخواص (ظهورا خاصا) واستعدادا معينا لفهم ما يفهم.
فأستعداد العموم لا يتجاوز فهم المعنى الأول و استعداد أهل الخصوص يعمه وسائر وجوه اللفظ (فهو الظاهر في كل مفهوم ) يتجلى به على الفاهم بحسب استعداده (وهو الباطن عن كل فهم إلا من فهم من قال إن العالم) كله روحا ومثالا وحسين (صورته) التي هي عين هويته فإن هويته المطلقة إذا ظهرت بذاتها مقيدة بأحوالها فإنها باعتبار تقييدها تظهر ، وصورة لنفسها باعتبار إطلاقها.
وهذا معنی قوله : وهويته، فالقائل بأن العالم صورته (وهويته) شاهده عينا في كل صورة ويراه ظاهرا في كل مظهر.
فلا يكون باطنا عنه بهذا الاعتبار وإن كان باعتبار كنه حقيقته وعدم تناهي تجلياته وظهوراته باطن عنه أيضا .
(وهو)، أي العالم هو (الاسم الظاهر) له سبحانه (كما أنه) سبحانه (بالمعنی) المجرد عن الصور المختفي فيها (روح ما ظهر) من الصور.
(فهو)، أي الحق سبحانه من حيث أنه روح ما ظهر هو (الباطن، فنسبته لما ظهر)، أي ما ظهر
(من صور العالم) في التدبير والتصرف (نسبة الروح المدبر للصورة)، أي إلى الصورة التي تدبرها الروح فاللام في الموضعين بمعنى إلى. 


قال الشيخ رضي الله عنه : (فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره و باطنه، و كذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد و صور العالم لا تنضبط و لا يحاط بها و لا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، و هذا محال حصوله: فحد الحق محال. و كذلك من شبهه و ما نزهه فقد قيده و حدده و ما عرفه. و من جمع في معرفته بين التنزيه و التشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف ).
فالحق سبحانه له ظاهر و باطن وكل ما له ظاهر وباطن يجب أن يؤخذ في حده ظاهرة وباطنه.
(فيؤخذ في حد الإنسان مثلا باطنه) الذي هو وجه المجرد (وظاهره) الذي هو بدنه العنصري فإن الإنسان عبارة عن أحدية جمعهما .
فلو اقتصر على أحدهما لم يحصل حد الصور (وكذلك كل محدود) غير الإنسان إذا كان له ظاهر وباطن ينبغي أن يؤخذ في حده ليتم التحديد.
(فالحق سبحانه) إذن (محدود بكل حد)، يعني كل مأخوذ في حده فما لم يسمع جميع الحدود لم يتم حده لأن كل ما هو محدود بحد صورة من صوره وحد كل صورة من تفاصيل جزا، حدود الصورة.
(وصور العالم لا تنضبط) تحت حد و حصر (ولا يحاط بها ولا بعلم حدود كل صورة منها)، أي من صور العالم (إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صوره فلذلك يجهل حد الحق فإنه لا يعلم حده)، أي حد الحق (إلا) و (یعلم حد كل صورة) من صور العالم.
(وهذا محال حصوله) لعدم تناهي تلك الصور (فحد الحق محال) وما تقدم القول في المنزه بالتنزيه العقلي أنه ناقص المعرفة لكونه مقيدا للمطلق أراد أن يشير إلى أن المشبه أيضا كذلك.
فقال : (وكذلك من شبهه مطلقة وما نزهه) في مقام التنزيه (فقد قيده) بما عدا صور التنزيه (وحدده) به (وما عرفه) على ما هو عليه في نفس التنزيه (ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه له) ونزل كلا منزلته ( وصفه).
أى الحق تعالى (بالوصفين)، أي التنزيه والتشبيه (على الإجمال) .
بأن قال : وهو المنزه عن جميع التعيينات بحقيقته الواحدة التي هو بها أحد والمشبه بكل شيء باعتبار ظهوره في صورته وتجليه في كل متعين .
وإنما قال على الإجمال (لأنه يستحيل ذلك)، أي وصفه بألوصفين (على التفصيل)، لأن وصف التفصيل إنما يتيسر باعتبار معرفة تفاصيل صور العالم وليس ذلك مما تفي به القوة البشرية (لعدم الإحاطة) بالفعل (بما في العالم من الصور) لكثرتها بحيث لا تدخل تحت الإحاطة إن كان المراد الصور الموجودة بالفعل، ولعدم تناهيها إن


قال الشيخ رضي الله عنه : ( نفسه مجملا لا على التفصيل. و لذلك ربط النبي صلى الله عليه و سلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه». و قال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «و في أنفسهم» و هو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظر «أنه الحق» من حيث إنك صورته و هو روحك.  فأنت له كالصورة الجسمية لك، و هو لك كالروح المدبر لصورة جسدك.) 
كان المراد أعم (فقد عرفه)، أي الحق سبحانه (مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه) أيضا (مجملا لا على التفصيل) لعدم الإحاطة المذكورة.
فإن مرتبة الإنسانية الكمالية مشتملة أيضا على جميع صور العالم .
(ولذلك) الاشتمال (ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق سبحانه بمعرفة النفس) و جعل معرفة الحق مسببة عن معرفة النفس (فقال : من عرف نفسه فقد عرف ربه)) .
وكذلك الاشتمال أيضا سوى الحق سبحانه بين إراءتها آياته في الآفاق وبين إراءتها في الأنفس وجعل كلا منها سبة في إفادة معرفته .
وقال تعالى: "سنريهم آياتنا في الآفاق" آية 53 سورة فصلت.
أي صور تجلياتنا في الأكوان (وهو)، أي الآفاق (ما خرج عنك)، أي صوره.
إذ لا خارج عنك معنی يخاطب كل واحد تنبيها على أن نفس من عدا كل نفس داخلة في الآفاق بالنسبة إليه.
وأفرد الضمير وذكر نظرة إلى الخبر أو بناء على أن معنى الجمعية غير مقصودة وكذا الحال في قوله : (" وفي أنفسهم" وهو)، أي الأنفس (عينك حتى يتبين لهم، أي للناظر منهم) المتفكر في تلك الأيات أو المشاهد إياها لا المعرض الغافل، وللتنبيه على هذا المعنى غير أسلوب الخطاب .
وفي بعض النسخ، أي للناظرين، لكنه يخالف النسخة المقروءة على الشيخ المصنف وأسلوب الإفراد الذي اختاره أو (أنه)، أي الله سبحانه هو (الحق) المتجلي في الآفاق وفي الأنفس باسميه الظاهر والباطن .
وعلل التبيين بنونه: (من حيث أنك) بروحك وجسدك بل بعينك الثابتة أيضا (صورته)، واسمه الظاهر (وهو) باسمه الباطن المطلق (روحك) فليس في الأنفس إلا أسماؤه والظاهر والباطن.
وكذلك في الآفاق، إلا أنه لم يتعرض له لأن مقصوده من ذكره الآية تأكيد الحديث النبوي ولا ذكر فيه للآفاق (فأنت) بل الآفاق أيضا (له)، أي تلحق سبحانه (كالصورة الجسمية لك)، أي


قال رضي الله عنه : (والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، و لكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها و بين صورة من خشب أو حجارة. و لا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة. و صور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. و كما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها و نفسها و المدبر لها)
لروحك فتعين بهذا الاعتبار اسمه الظاهر (وهو) سبحانه (لك) بل الآفاق أيضا (كالروح المدبر لصورة جسدك) فتعين بهذا الاعتبار أسمه الباطن (والحد) المنطبق عليك مثلا (يشمل الظاهر والباطن منك).
ويوجدان فيه ولا يقتصر على أحدهما (فإن الصورة الباقية) بعد زوال الروح (إذا زال عنها الروح المدبر لها لم يبق إنسانا) حقيقة فيصح الاقتصار في حدك على ظاهرك فقط (ولكن يقال فيها).
أي في الصورة الباقية (إنها صورة تشبه صورة الإنسان فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة) في انتفاء اسم الإنسانية عنهما (ولا ينطلق عليها)، أي على الصورة الباقية كما على الصورة الخشبية أو الحجارية.
(اسم الإنسان إلا بالمجاز) بناء على المشابهة (لا بالحقيقة) لعدم صدق حده عليه كذا لا يصح الاقتصار في حدا على باطنك وهو الروح فقط، لأن الحقيقة الإنسانية عبارة عن أحدية جمع الروح والبدن.
لأن الروح المجرد فقط على هذا القياس حد الحق سبحانه فإنه لا يصح أن يقتصر فيه على الظاهر أو الباطن فقط كما فعله أهل التشبيه فقط أو التنويه فقط إلا أن بينك وبين الحق سبحانه فرق ما، فإنه يمكن مفارقة روحك عن جسدك مع بقاء جسدك بعد هذه المفارقة .
فلا يصح إطلاق اسم الإنسان على جسدك إلا بالمجاز.
قال الشيخ رضي الله عنه : (وصورة العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا) مع بقائها موجودة فإن وجود العالم وحياته بالحق سبحانه .
بخلاف جسد الإنسان فإن حياته بالروح وجوده، فتزول بزواله الحياة عن الجسد لا الوجود (فحد الألوهية له)، أي تلعالم الذي هو الاسم الظاهر (بالحقيقة) لعدم الاسم هو الباطن عنه (لا بالمجاز كما هو حد الإنسان) لصورته البدنية (إذا كان حيا) أن صدق حد الإنسان وإطلاق اسمه عليها حينئذ يكون بالحقيقة لا بالمجاز كما إذا كان مسيئة.
(وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها) يعني بلسان حركاتها وإدراكاتها وخواصها وكمالاتها (على روحها) الذي بها حياتها (ونفسها) الناطقة المتعلقة بها (و) عقلها (المدبر لها)، فإن أعضاء الإنسان و جوارحه أجسام لولا روحها لم تتحرك ولم تدر 


قال الشيخ رضي الله عنه : (والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، و لكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.
وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا.  فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. و كما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها و نفسها والمدبر لها) 
لروحك فتعين بهذا الاعتبار اسمه الظاهر (وهو) سبحانه (لك) بل الآفاق أيضا (كالروح المدبر لصورة جسدك) فتعين بهذا الاعتبار أسمه الباطن (والحد) المنطبق عليك مثلا (يشمل الظاهر والباطن منك).
ويوجدان فيه ولا يقتصر على أحدهما (فإن الصورة الباقية) بعد زوال الروح (إذا زال عنها الروح المدبر لها لم يبق إنسانا) حقيقة فيصح الاقتصار في حدك على ظاهرك فقط (ولكن يقال فيها).
أي في الصورة الباقية (إنها صورة تشبه صورة الإنسان فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة) في انتفاء اسم الإنسانية عنهما (ولا ينطلق عليها)، أي على الصورة الباقية كما على الصورة الخشبية أو الحجارية.
(اسم الإنسان إلا بالمجاز) بناء على المشابهة (لا بالحقيقة) لعدم صدق حده عليه كذا لا يصح الاقتصار في حدا على باطنك وهو الروح فقط، لأن الحقيقة الإنسانية عبارة عن أحدية جمع الروح والبدن.
لأن الروح المجرد فقط على هذا القياس حد الحق سبحانه فإنه لا يصح أن يقتصر فيه على الظاهر أو الباطن فقط كما فعله أهل التشبيه فقط أو التنويه فقط إلا أن بينك وبين الحق سبحانه فرق ما، فإنه يمكن مفارقة روحك عن جسدك مع بقاء جسدك بعد هذه المفارقة .
فلا يصح إطلاق اسم الإنسان على جسدك إلا بالمجاز (وصورة العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا) مع بقائها موجودة فإن وجود العالم وحياته بالحق سبحانه .
بخلاف جسد الإنسان فإن حياته بالروح وجوده، فتزول بزواله الحياة عن الجسد لا الوجود (فحد الألوهية له)، أي تلعالم الذي هو الاسم الظاهر (بالحقيقة) لعدم الاسم هو الباطن عنه (لا بالمجاز كما هو حد الإنسان) لصورته البدنية (إذا كان حيا) أن صدق حد الإنسان وإطلاق اسمه عليها حينئذ يكون بالحقيقة لا بالمجاز كما إذا كان مسيئة.
(وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها) يعني بلسان حركاتها وإدراكاتها وخواصها وكمالاتها (على روحها) الذي بها حياتها (ونفسها) الناطقة المتعلقة بها (و) عقلها (المدبر لها)، فإن أعضاء الإنسان و جوارحه أجسام لولا روحها لم تتحرك ولم تدر 


قال الشيخ رضي الله عنه : (كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقه تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور. فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق. و لذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني و المثنى عليه)     
علما ولا فضيلة لها من الكرم والعطاء والجود والسخاء والشجاعة والصدق والوفاء فهی تثني على روحه وجسده الثناء الجميل.
قال الشيخ رضي الله عنه : (كذلك جعل الله صورة العالم نسبح بحمده ولكن لا نفقه تسبيحهم) إذا كنا محجوبين غير مكشوفين لنا (لأنا لا نحيط) عند الحجاب (بما في العالم)، أي بشيء بما في العالم (من الصور) إحاطة تؤدينا إلى فهم سماع ما يجري على ألسنتها في مراتبها الحسية والمثالية والروحية.
وأما إذا من الله سبحانه بالكشف عن تلك الصور والإحاطة بها فقد تعلم ألسنتها ونفته تسبيحاتها.
قال الشيخ رضي الله عنه في آخر الباب الثاني عشر من الفتوحات المكية :المسمى بالجماد والنبات عندنا لهم أرواح بطنت عن إدراك غير أهل الكشف إياها في العادة فلا تحس بها مثل ما تحسها من الحيوان فإن الكل عند أهل الكشف حیوان ناطق غير أن هذا المزاج الخاص يسمى إنسانة لا غير ونحن زدنا مع الإيمان بالأخبار الكشف.
فقد سمعنا الأحجار تذكر الله رؤية عين بلسان ناطق تسمعه آذاننا منها وتخاطبنا مخاطبة العارفين بجلال الله مما ليس بدر كه كل إنسان . وقال في موضع آخر منه: وليس هذا التسبيح بلسان الحال كما يقوله أهل النظر ممن لا كشف له."
وقال رضي الله عنه في جواب السؤال الرابع والخمسين: فأما حديث الله في الصوامت فهو عند العامة من علماء الرسوم حدیث حال، أي يفهم من حاله كذا وكذا حتى أنه لو نطق لنطق بما فهم هذا الفهم منه . قال القوم في مثل هذا :
قالت الأرض للوتد لم تشقني    ….. قال الوتد لها سلي من يدفني
فهذا عندهم حديث حال و علية خرجوا قوله تعالى "وإن من شيء إلا يسبح بحمده" [الإسراء: 44].
وقوله تعالى: "إنا عرضا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها" [الأحزاب: 72] أباة حال .
وأما عند أهل الكشف فيسمعون نطق كل شيء من جماد ونبات وحيوان يسمعه العبد بأذنه في عالم الحس لا في الخيال كما يسمع نطق المتكلم من الناس.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالكل)، أي كل صور العالم (ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق سبحانه ولذلك قال : "الحمد لله رب العالمين") [الفاتحة:1].
يعني الثناء الشامل كل حامدية ومحمودية خالص لله لا يشاركه فيه أحد فكل ثناء من كل مثني يكون فيه ، لأنه لسان من ألسنته.
وكذا كل ثناء على كل مثنى عليه بكون عليه، لأنه بعض من صور تجلياته، وإلى هذا أشار بقوله : (أي إليه ترجع عواقب الثناء) مبنيا للفاعل كان أو


وقال الشيخ رضي الله عنه : (
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... و إن قلت بالتشبيه كنت محددا
و إن قلت بالأمرين كنت مسددا ... و كنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... و من قال بالإفراد كان موحدا
فإياك و التشبيه إن كنت ثانيا ... و إياك و التنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو و تراه في ... عين الأمور مسرحا و مقيدا  
قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «و هو السميع البصير» فشبه.)
للمفعول، وإنما قال عواقب الثناء لأن بعض الأثنية والمحامد حالة في بادئ نظر المحجوب وهو فيها راجع إلى الخلق وحالة ثانية تعقب الآلة الأولى بعد إمعان النظر أو ظهور نور الكشف راجع إليه سبحانه وتعالى.
والمراد بعواقب الثناء الأثنية والمحامد الغير الملحوظة باعتبار الحالة الأولى ولا شك أن الكل بهذا الاعتبار راجع إلى الحق تعالى (فهو المثنى والمثنى عليه) جمعة وتفصيلا (شعر:
(فإن قلت بالتنزيه) من غير تشبيه (كنت مقيدا) للحق سبحانه بصور التنزیه
(وإن قلت بالتشبيه) من غير تنزیه (كنت محددا) له سبحانه بحضرة في صور التشبيه (وإن قلت بالأمرين) التنزيه والتشبيه وجمعت بينهما من غير تقييد بواحد بل ولا بالجمع أيضا (كنت مسددا) سددك الله على سواء الطريق إن كان اسم مفعول أو سددت نفسك عليه إن كان اسم فاعل .
(وكنت إماما) يقتدي به (في المعارف سيدا) مطاعا فيما أمر به فيها.
(فمن قال بالإشفاع)، أي جعل الحق الفرد شفعا بإثبات الخلق معه (كان مشركا) الخلق مع الحق في الوجود .
(ومن قال بالإفراد) بأن أفرد الحق و حكم بتفرده في الوجود ولم يثبت معه غيره (كان موحدا فإياك والتشبيه) بإثبات الخلق مع الحق وتشبيه الحق به (إن كنت ثابتا)، أي قائلا بإثنينية الحق والخلق بل ينبغي أن تجعل الخلق من صور تجلياته لا موجودة في حد ذاته.
(وإياك والتنزيه) عن الخلق (إن كنت مفردا) حاكمة بفرادنیته بل ينبغي أن يكون حكمك بفرادنیته باعتبار أنه منفرد بالوجود في مرتبتي جمعه وتفصيله لا موجود غیره (فما أنت هو) لتقييدك وإطلاقه لاحتياجك وغناه ""استغناؤه عن كل شيء"" .
(بل أنت هو)، لأنك في الحقيقة عينه وهويته الظاهرة ""صورته"" .
(وتراه في عين أمور مسرحا)، أي مطلقا بحسب ذاته ومقيدا بحسب تجلياته وهما حالان عن ضمير المفعول إن كانا اسمي مفعول.
وقد سبق معناه وعن ضمير الفاعل إن كانا اسمي فاعل ، أي حاكمة بإطلاقه في حد دانه (ومقيدا) بحسب ظهوراته ووقع في بعض النسخ عيون الأمر مسرحا و مقيدا وعلى هذا يكون مسرحا من الإسراح لا من التسريح ليصح الوزن.
وهكذا ينبغي أن يكون فإن المصراع الأخير على النسخة الأولى ليس على وزن سائر المصاريح كما لا يخفى على من له معرفة بالعروض. (قال: "ليس كمثله شيء" [الشورى: ۱۱] فنزه) . على أن تكون


قال الشيخ رضي الله عنه : (و قال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه وثني، «وهو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه : فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».  وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته. فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من إجابة دعوته. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،)
الكاف زائدة فيفيد نفي المثل فيكون تنزيها أو بناء على أن نفي مثل المثل فإنه لو كان له مثل يلزم أن يكون لمثله وهو نفسه .
وقال : ("وهو السميع البصير" فشبه) بإثبات السمع والبصر له كما أنهما ثابتان للخلق فيكون تشبيها. (قال تعالى: "ليس كمثله  شيء" فشبه وثنى)، أي حكم بالاثنينية على أن تكون الكاف غير زائدة فيفيد إثبات المثل وتثنية الحق به .
وقال : ("وهو السميع البصير" فنزه)، حيث حصر السمع والبصر فيه فلا تشابهه الخلق فيهما (وأفرد)، أي حكم بتفرده بهما (فلو أن نوحا) عليه السلام (جمع لقومه بین الدعوتين) دعوتي التنزيه والتشبيه كما في هذه الآية ولم يقتصر على الدعوة إلى التنزيه الصرف أو التشبيه الصرف (لأجابوه) لمناسبة بواطنهم التنزيه وظواهرهم التشبيه .
لكنه لم يجمع بينهما بل فرق (فدعاهم جهارا) إلى الاسم الظاهر والتشبيه (ثم دعاهم أسرار) إلى الاسم الباطن والتنزيه فلم يجيبوه لما سيشير إليه الشيخ رضي الله عنه .
(ثم قال : "استغفروا ربكم") ، أي اطلبوا منه ستر وجوداتكم وذواتكم وصفاتكم
بوجوده وذاته وصفاته ("إنه كان غفارا") [نوح : 10]. كثير الستر لهذه الذنوب وشكى الى ربه ("قال رب إني دعوت قومي ليلا") من حيث حقائقهم الباطنة إلى التنزيه ( "ونهارا" ) [نوح :5] من حيث حقائقهم الظاهرة إلى التشبيه ("فلم  يزدهم دعائي إلا فرارا" ) [نوح: 6] ويفروا مما دعوتهم إليه.
(وذكر) نوح عليه السلام عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته إلى التنزيه حيث جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم (لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته) فتصامموا عنها لئلا يجب عليهم إجابتها.
وكان هذا العلم حاصلا لهم بحسب فطرتهم الأصلية وإن لم يعملوا بما اقتضاه لغلبة الظلمة الحجابية عليهم .
(فعلم العلماء بالله) وأسمائه وصفاته أو العلماء به لا لأنفسهم (ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم) معنی (لسان الذم) صورة .
وعلموا، أي العلماء بالله .


قال الشيخ رضي الله عنه : (و علم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان و الفرقان لا يتضمن القرآن. و لهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه و سلم و هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. فـ « ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد.)
وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه (وعلم) باعتبار كل واحد هو عطف على قوله : علم العلماء عطف تفسير فإن فيه الثناء عليهم بلسان الذم (أنهم)، أي قوم نوح عليه السلام (إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان) بين التنزيه والتشبيه فتارة دعاهم إلى التنزيه وتارة دعاهم إلى التشبيه ولم يجمع بينهما. (والأمر) في نفسه (قرآن) وجمع بينهما فإن التنزية إنما هو باعتبار الاسم الباطن والتشبيه باعتبار الاسم الظاهر "وهو سبحانه باطن في غير ظاهريته وظاهر في عين باطنية" (لا فرقان) وتمييز بينهما.
(ومن أقيم في القرآن) والجمع بين التشبيه والتنزيه وإن كانت تلك الإقامة بحسب الفطرة الأصلية المعتبرة بالأمور العادية كما كانت لقوم نوح عليه السلام فإن كل من له جهة روحانية وجهة جسمانية فهو ممن أقيم بحسب فطرته الأصلية في القرآن وإن غلبت عليه إحدى الجهتين .
(لا يصغي إلى الفرقان) ولا يقبله بحسب فطرته الأصلية (وإن كان)، أي المقيم في القرأن بحسب فطرته (فيه)، أي في الفرقان بحسب الأمور العادية الخارجية عن فطرته فان ما بالذات لا يزول بالعرض، وإنما لا يصغي إلى الفرقان.
(فإن القرآن يتضمن الفرقان)، فإن الجزء لا يتضمن الكل فالقرآن أكمل من الفرقان و من الفطرة السليمة الإنسانية، لا يميل إلى المفضول مع وجود الفاضل.
فعلم من ذلك أن فرار قوم نوح و تصاممهم عن دعوته إلى الفرقان إنما كان لكونهم مقيمين بحسب فطرتهم وإن لم يشعروا بذلك في القرآن فذكروا فرارهم وتصاممهم، وإن كان بحسب الظاهر ذما لهم، فهو بحسب الحقيقة ثناء عليهم.
(ولهذا)، أي لكون القرآن أكمل من الفرقان (ما اختص بالقرآن) وما فاز به (إلا محمد صلى الله عليه وسلم ) بالأصالة (وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس ) [آل عمران : 110] بالمتابعة .
والمراد بالقرآن الذي اختص به محمد صلى الله عليه وسلم وأمته إنما هو الحقيقة السوائية الاعتدالية الجامعة بين التنزيه والتشبيه وسائر المتقابلات بحيث لا يغلب أحد المتقابلين على الآخر في مرتبة من المراتب.
لأن مجرد الجمعية الفطرية المذكورة آنفا ، فإنها مشتركة بين جميع الأفراد الإنسانية (فقال "ليس كمثله شيء" [الشورى : 11]) .، أي التنزيه "ليس كمثله، شيء".


قال الشيخ رضي الله عنه : (فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية. ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك )
إلى آخره (فجمع الأمرين)، أي أمر التنزيه والتشبيه (في أمر واحد)، أي آية واحدة وهي مجموع تلك الآية أو كلام واحد وهو كل واحد من نصفيها وقوله بجميع الأمر. هكذا وقع في النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه ويوافقه نسخة شرح الجندي رحمه الله .
وفي بعض النسخ فجمع بصيغة الماضي مصدرة بالفاء مبنية للفاعل أو المفعول ويوافقه نسخة شرح القيصري، أي فيما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم قوله : "ليس كمثله - شيء " إلى آخره فجمع فيه أمر التنزيه والتشبيه في آية واحدة أو كل من جزئيها .
(فلو أن نوحا) عليه السلام (أتي بمثل هذه الآية)، أي بما يماثلها (لفظا) وعبارة في الدلالة على التنزيه والتشبيه معا (أجابوه) كما أجاب أمة محمد صلى الله عليه وسلم (فإنه)، أي محمد (شبه ونزه)، أي جمع بين التشبيه والتنزيه (في آية واحدة بل في نصف آية)، فلو جمع نوح عليه السلام أيضا كذلك أجابه قومه.
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت يوليو 27, 2019 7:22 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية الجزء الثاني .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 7:20 am

 03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية الجزء الثاني .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص النوحي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية    الجزء الثاني

(ونوح عليه السلام دعا قومه ليلا من حيث عقولهم وروحانينهم)، وإنما جعلنا الليل إشارة إلى هذه الحيثية (فإنها)، أي عقولهم و روحانيتهم (غيب) غير مدرك بالحس فيناسب أن يجعل الليل إشارة إليها بغيبوبة الأشياء فيه عن الحس (ونهارا دعاهم أيضا من حيث صورهم وجثثهم) فإنها شهادة فيناسب أن يجعل النهار إشارة إليها. ومعناه : أنه عليه السلام دعاهم تارة من حيث عقولهم وأرواحهم المجردة القدسية المنزهة عن المواد الجسمانية إلى التنزيه ، فإنهم بهذا الاعتبار كان في استعدادهم إدراك التنزيه ذوقا ووجدانا فعاقتهم العوائق.
ودعاهم تارة أخرى من حيث صورهم وموادهم إلى التشبيه لأنهم بهذا الاعتبار کانوا مستعدين لإدراكه ذوفا (وما جمع) نوح عليه السلام بينهما (في الدعوة).
بل أداها بعبارة واحدة ليفهم منها (بالتنزيه) في عين التشبيه (والتشبيه) في عين التنزيه (مثل"ليس كمثله، شيء" فنفرت بواطنهم) عن دعوته (لهذا الفرقان) عنها لأنهم بحسب فطرتهم كانوا في القرآن كما سبق (فزادهم) هذا الفرقان (فرارا) عن قبول دعوته.
ثم قال نوح عليه السلام مخبرا (عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم لا ليكشف لهم) بالبناء للمفعول أو الفاعل، أي ليغفر لهم الحق سبحانه ويستر عنهم حقيقة الأمر لا ليكشف لهم عنها (وفهموا ذلك)، أي كون الدعوة للستر لا للكشف (منه)، أي من نوح (عليه السلام لذلك) الفهم.


قال الشيخ رضي الله عنه : («جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك.
ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم.
فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل )
 ("جعلوا أصابعهم فى آذانهم واستغشوا ثيابهم") [نوح:7 ] لئلا يصل إلى استماعهم لدعائه إياهم.
وقال بعضهم قدر الله أسرارهم جعلوا أصابعهم، أي صور النعم الجزئية الكونية التفصيلية التي هي فروع للأيادي الكلية الإلهية الجمعية في آذانهم، أي في حال استماع ما دعاهم إليه من تلك الأيادي الكلية فحرموا نسب اشتغال قابليتهم بتلك النعم الجزئية عن الإقبال على قبول هذه الأيادي الكلية.
"استغشوا ثيابهم" استتروا بثياب تعیناتهم وغشاوة إثباتهم فلا يصل إلى أسماعهم الصمايه إياهم إلى المرتبة الجمعية، ولا يظهر على أبصارهم أنوار ظهور جماله في المظاهر الكونية (وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم) نوح عليه السلام (إليها فأجابوا دعوته) إلى الستر (بالفعل لا بلبيك).

وقوله : (ففي " ليس كمثله شيء") [الشورى : 11]، كالنتيجة لما قبله و تمهيد لما بعده، أي في هذا الكلام الذي هو نصف اية (إثبات المثل) والتشبيه على تقدير كون الكاف"كمثله " غير زائدة (ونفيه)، أي نفي العلم والتنزيه على تقدير كونها "الكاف فى "كمثله" زائدة أو بناء على أن انتفاء، مثل المثل يستلزم انتفاء المثل . (ولهذا) النوع من الإيجاز الجامعية في الكلام.

(قال صلى الله عليه وسلم) مخبرا (عن نفسه أنه أوتي جوامع الكلم) حيث قال : "أوتيت جوامع الكلم"، أي الكلمات الجامعة بين المعاني الكثيرة متقابنة كانت أو غير متقابلة (فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه) تارة (لي) إلى التنزيه (و) تارة (نهارا) إلى التشبيه كما دعا نوح قومه كذلك.
(بل دعاهم ليلا في نهار) إلى التنزيه في عين التشبيه (ونهارا في ليل)، أي التشبيه في عين التنزيه .
قال الشيخ رضي الله عنه : (وقال نوح عليه السلام) في بيان حكمته المقصودة له من الأمر بالاستغفار (لقومه "يرسل السماء ") : أي سماء الأسماء الإلهية الأرواح القدسية ("عليكم مدرارا " وهي)، أي المدرار من حيث ما نزل منها هي (المعارف العقلية في طور فهم المعاني) الباطنة عن المعاني الظاهرة (والنظر الاعتباري) الذي يعبر فيه من الظاهر إلى الباطن والصورة إلى المعنى.
وفي بعض النسخ والنظر بالاعتبار والمعنى واحد، وأما في طور فهم المعاني 

قال الشيخ رضي الله عنه :  (بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري.
والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر. «إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين).
الظاهرة النظر الغير الاعتباري المنتصر على الظاهر . فالمراد هي السحاب الكثير الدرور
قال الشيخ رضي الله عنه : (ويمددكم بأموال أي بما يميل بكم إليه)، أي إلى الحق سبحانه من التجليات الحبية والجواذب الجمالية. فإن المال إنما سمي ما تميل القلوب إليه . (فإذا مال بكم إليه سبحانه) و أوصلكم إلى مقام الفناء فيه وتجلى عليكم بالتجلي الذاتي (رأيتم صورتكم فيه)، أي في الحق .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فمن تخيل منكم أنه رآه) أي الحق سبحانه (فما عرف) الأمر على ما هو عليه فإن الحق سبحانه أجل من أن تسعه صورة (ومن عرف منكم أنه رأى نفسه) في مرآة الحق أو الحق في مرآة نفسه لكن بقدر المرآة لا بحسب ما هو عليه في نفسه.
(فهو العارف) لا الأول الذي هو صاحب التخيل و إن كان هو أيضا صاحب الكشف والشهود ولما كان اعتقاد الأول أنه رأى الحق خيالا حقيقة له بخلاف الثاني.
قال رضي الله عنه في الأول : فمن تخيل و في الثاني فمن عرف (فلهذا انقسم الناس) الذين هم أصحاب الكشف والتجلي فإن من عداهم ليسوا بناس في الحقيقة. (إلى عالم) عارف بأن المرئي إنما هو صورته في الحق لا الحق (و)إلى (غير عالم)،يتخيل أن المرئي هو الحق سبحانه.
ثم أشار رضي الله عنه إني قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام :"رب إنهم عصوني (واتبعوا من لم يزده ماله) وولده إلا خسارا" [ نوح: 21] فقال :
("وولده" وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري) وقياسهم العقلي في معرفتهم الحق سبحانه تنزيها وتشبيها.
(والأمر)، أي أمر التنزيه والتشبيه في معرفة الحق سبحانه على ما جاء بها الأنبياء عليهم السلام (موقوف علمه على المشاهدة ) العيانية والتجليات الذوقية الوجدانية (بعيد جدا عن نتائج الفكر) العقلية والقياسات البرهانية.
فلذلك لم تزدهم تلك النتائج ("إلا خسارا")، أي ضياعا، ("فما ربحت تجارتهم" [البقرة: 16]) . التي كان رأس مالهم فيها العمر والاستعداد وما حصلوا به النتائج الفكرية (فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم) من رأس مالهم الذي هو العمر والاستعداد و مما حصلوا به من النتائج الفكرية به.
أما زوال رأس المال فلأنهم أضعوها في تحصل ما لا طائل تحته ، وأما زوال ما

قال الشيخ رضي الله عنه : («و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه. فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف. وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله. )
حصلوا به فلأنه لما ظهر الأمر على ما هو عليه في نفسه انقلب علمهم جهلا، وإنما قال : يتخيلون أنه ملك، لأن الملك كله في الحقيقة إنما هو لله سبحانه وليس لغيره إلا على سبيل التوهم والتخيل الغير المطابق للواقع.
ولما انجر الكلام إلى ذكر الملك وإثباته أراد أن يشير إلى تفاوت حال المحمديين والنوحيين فيه فقال : (وهو)، أي الملك وإثباته جاء (في) شأن (المحمديين) ما يفهم من قوله تعالى : ("وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه") [الحديد: 7]. فأثبت فيه الملك لله تعالي. والاستخلاف للمحمديين كما هو الأمر عليه في نفسه.
(و) جاء (في قوم نوح "ألا يتخذوا من دوني وكيلا [الإسراء : 2]، فأثبت الملك لهم)، أي لقوم نوح عليه السلام كما يقتضيه تخيلهم (والوكالة الله فيه).
أي في ذلك الملك (فهم)، أي المحمديون (مستخلفون) بفتح اللام (فيه)، أي في الملك وفي أكثر النسخ فيهم، أي في أنفسهم وفي كل ما لهم من الأملاك (فالملك لله تعالی)، وهم خلفاؤه و وكلا وه في التصرف فيه (وهو)، أي الله سبحانه أيضا (وكليهم)، أي وكيل المحمديين لأن الوكالة الثابتة في النوحيين ثابتة في حقهم أيضا. قوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : "فاتخذه وكيلا " [المزمل : 9]. فإن الأمة داخلة من حيث أمروا بمتابعته وإذا كان الله سبحانه وكيلهم (فالملك لهم و) تكن (ذلك ملك الاستخلاف) و بالتبعية لا بالأصالة كما تخيله قوم نوح.

(وبهذا)، أي يكون الملك لله فإنه يستلزم أن يكون العبد ملكا لله ويكون الحق وكيلا له فإنه يقتضي أن يكون الحق ملكا للعبد فإن للموكل أن يتصرف في وكيله كما ينصرف المالك في ملكه.
(كان الحق) سبحانه (ملك الملك) بكسر الميم فيهما (كما قال) الشيخ أبو عبد الله محمد بن علي الحكيم (الترمذي) قدس الله تعالی سره في جملة سؤالاته التي سأل عنها الخاتم للولاية المحمدية قبل ولادة الشيخ المصنف رضي الله عنه بقرون كثيرة.
فأجاب عنها الشيخ رضي الله عنه حيث اطلع عليها، ويمكن أن يقال معنى قوله : وبهذا، أي بإثبات الملك لكل واحد من الحق والعبد، كان الحق سبحانه مالك الملك، فإن العبد أيضا قد يمتك الحق تعالی بل العبد المحض لا يملك إلا إياه .
قال الشيخ رضي الله عنه في الباب التاسع والأربعين وأربعمائة من الفتوحات : اعلم أنه لا يملك المملوك إلا سيذه، ولهذا يسمى الترمذي الحكيم الحق سبحانه ملك

قال الشيخ رضي الله عنه : («ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله» فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا ". ) 
الملك غير سيده لا يملك عبد.
فإن العبد في كل حال يفصد سیده فلا يزال تصرف سيده بأحواله في جميع أموره، ولا معنى للملك إلا التصرف بالقهر والشدة ومهما لم يقم السيد بما يطالبه به العبد فقد زالت سيادته من ذلك الوجه. وأحوال العبد على قسمين : ذاتية وعرضية
وهو بكل حال بتصرف فيه سيده والكل عبيد الله تعالى، فمن كان دوني الهمة قليل العلم كثيف الحجاب غليظ القفا ترك الحق وتعبد عبید الحق ونازع الحق في ربوبيته فخرج من عبودينه .

فهو وإن كان عبدا في نفس الأمر فليس هو عبد مصطنع ولا مختص، فإذا لم يتعبد أحد من عباد الله كان عبدا خالصا لله تعالی فتصرف فيه سيده بجميع أحواله فلا يزال الحق في شأن هذا العبد خلاق على الدوام بحسب انتقالاته في الأحوال.
""وقال الشيخ رضي الله عنه : (قال صلى الله عليه وسلم "خادم القوم سيدهم" لأنه القائم بأمورهم لأنهم عاجزون عن القيام بما تقتضيه أحوالهم.    فمن عرف صورة التصريف عرف مرتبة السيد من مرتبة العبد .
فيتصف العبد بامتثال أمر سيده والسيد بالقيام بضرورات عبده .
فلا يتفرغ العبد مع ما قررناه من حاله مع حال سيده أن يقتني عبدا يتصرف فيه لأنه يشهد عيانا أن ذلك العبد الآخر يتصرف في سيده تصرفه .
فيعلم أنه مثله عبد لله وإذا كان عبد الله لم يصح أن يتعبده هذا العبد فما ملك عبد إلا بحجاب.).""

وقال أيضا في هذا الباب: لقيت سليمان الديبلي فأجرني في مباسطة كانت بيني وبينه في العلم الإلهي ..
فقلت له : أريد أن أسمع منك بعض ما كان بينك وبين الحق من المباسطة.
فقال: باسطني يوما في سري في الملك فقال لي: إن ملكي عظيم، فقلت له : ملكي أعظم من ملكك، فقال : كيف تقول، فقلت : له مثلك في ملكي وليس مثلك في ملكك. فقال : صدقت
قال رضي الله عنه : أشار إلى التصريف بالحال والأمر وهو ما قررناه وهذا قريب مما قاله أبو يزيد البسطامي قدس الله سره في مناجاته : "ملكي أعظم من ملكك" لكونك لي وأنا لك فأنا ملكك وأنت ملكي وأنت العظيم الأعظم وملكي أنت فأنت أعظم من ملكك وهو أنا .

"" فقال الشيخ رضي الله عنه : فإذا علمت هذا علمت قدرك ومرتبتك ومعنى ربوبيتك وعلى من تكون ربا في عين عبد وهو بالعلم قريب وبالحال أقرب وألذ في الشهود والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.""
ثم أشار رضي الله عنه إلى قوله تعالى حكاية عن شكاية نوح عليه السلام عن قومه ("ومكروا مكرا كبارا" نوح : 22). أي مكر قوم نوح عليه السلام في جواب دعوته مكرا عظيما.
كان نوح عليه السلام مكر بهم في الدعوة وذلك (لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو) وإمرار الأمر على غير ما هو عليه في نفسه (لأنه)، أي المدعو (ما عدم) على البناء للفاعل يعني ما فقد الله سبحانه (من البداية فيدعى إلى الغاية) فيجده فيها ، ولأنه أي الله سبحانه وتعالى ما عدم على البناء للمفعول من البداية فيدعي المدعو الى الغاية ليجده فيها بل هو عين المدعو منه والمدعو إليه كما هو عين المدعو والداعي.
قوله (أدعو إلى الله)، يدل على فقدانه عن بعض هذه المراتب وهو غير ما هو الأمر عليه في نفسه (فهذا عين المكر)، وقوله : (على بصيرة)، أي على علم بأن الدعوة منه وإليه وهو الداعي والمدعو (فنبه)، أي هذا القول أو الداعي أو الله سبحانه به (على أن الأمر له)، أي لله سبحانه (كله) فهو الموجود في البداية والمقصود في النهاية والداعي في مرتبة المدعو في أخرى، فحقيقة الدعوة أن يدعو اسم اسم من اسم إلى اسم آخر ،

قال الشيخ رضي الله عنه : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين. فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه ويجهله من جهله. )
فقوم نوح ما فهموا حقيقتها بل حسبوها مكرا (فأجابوه)، أي قوم نوح عليه السلام (مكرا) به (كما دعاهم) مكرا (لهم) ومجيء جوابهم بعيد هذا .
(فجاء) الداعي (المحمدي وأعلم أن الدعوة إلى الله سبحانه ما هي من حيث هويته) السارية في الوجودات كلها حتى يرد أن يقال : ليست هي مفقودة من البداية فيدعى إليها في الغاية (وإنما هي)، أي الدعوة (من حيث أسمائه) فيدعی من اسم إلى اسم آخر كما يدعي من الخافض إلى الرافع ومن المنتقم إلى الرحیم و من المضل إلى الهادي (فقال تعالى: "يوم نحشر") بأحدية جمع أسمائنا التي هي مرتبة الألوهية ("المتقين إلى الرحمن وفدا") [مريم: 85] فجاء بحرف الغاية) التي هي إلى (وقرنها بالاسم) الرحمن المحشور إليه بعدما عبر عن المحشورين إليه بالمتقين.

(فعرفنا) بجميع ذلك (أن العالم كان) قبل حشر المحشورين (تحت حيطة اسم إلهي أوجب) ذلك الاسم (عليهم أن يكونوا متقين) وهذا الإيجاب إما أن يكون الاتفاء فيهم أثر من آثار ذلك الاسم كالاسم الواقي والحفيظ مثلا.
أو يكون أثر ذلك الاسم مما يتقي منه كالاسم المنتقم والقهار وغيرهما، وعلى كل تقدير فحشرهم إلى الاسم الرحمن إنما هو من ذلك الاسم.
فكما أن الحشر لا يكون إلا من اسم إلى آخر فكذلك الدعوة إلى الله تعالى لا تكون إلا كذلك قوله: (فقالوا في مكرهم) عطف على قوله ، فأجابوه مرة ثانية وتفسيرا له، أي قال بعض منهم لبعض آخر منهم حين أجابوا نوحا مكرا: ("لا تذرن آلهتكم" ) ولا تتركن عبادتهم، فأجملوا أولا ثم فصلوا لزيادة التأكيد. فقالوا: ("ولا تذرن  ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا" [نوح: 23]) وإنما نهوا عن ترك هؤلاء المعبودين (فإنهم إذا تركوهم)، أي هؤلاء المعبودين (جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء) المعبودين. فقوله : من هؤلاء بيان لما تركوا.
(فإن للحق) تعالى (في كل معبود) منهم (وجها خاصا يعرفه)، أي ذلك الوجه بل الحق من حيث ذلك الوجه (من عرفه)، أي ذلك المعبود (ويجهله)، أي ذلك الجهل بل الحق من ذلك الوجه (من جهله)، أي ذلك المعبود فمن ترك هؤلاء


قال الشيخ رضي الله عنه :  (في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم. فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود. فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا.) 
المعبودين جهل الحق من حيث الوجوه التي له سبحانه فيهم فلهذا نهوهم عن تركهم (و) جاء في المحمديين، ما يؤكد ما ذكرنا من أن للحق سبحانه في كل معبود وجها. وهو قوله تعالى: ("وقضى") يا محمد ("ربك") الذي هو الاسم الله مع ("ألا تعبدوا إلا إياه" أي حكم) وقدر في الأزل فلم يكن لله سبحانه في كل معبود وجه خاص يعيد هذا المعبود لأجله لم يصح هذا الحصر ولا يطابق هذا الحكم الواقع، فإنه قد تعبد آلهة متكثرة متعددة في الواقع (فالعالم يعلم من) الذي (عبد) في صور المعبودين (وفي أي صورة ظهر حتى عبد) فإنه لم يعبد في كل صورة (وأن التفريق والكثرة) في صور المعبودين (كالأعضاء)، أي كتفريق الأعضاء وكثرتها مثل اليد، والرجل والعين والأذن والأنف وغيرها (في الصور المحسوسة) الإنسانية (وكالقوی)، أي كتفريق القوى (المعنوية مثل العقل والوهم والذاكرة والحافظة والمفكرة والمتخيلة وغيرها في الصورة الروحانية الإنسانية أيضا.
فكما أن كثرة الأعضاء والقوى لا تقدح في وحدة الحقيقة الإنسانية كذلك كثرة الصور والمظاهر لا يقدح في وحدة المعبود الحق (فما عبد غير الله) المعبود الحق (في كل معبود).
أي المعبود هو الظاهر في كل معبود بل في كل موجود وإن لم يشعر العابدون بذلك في هذه النشأة.
قال رضي الله عنه في الفتوحات : عبد المخلوق ههنا من عبده وما عبد إلا الله من حيث لا يدري ويسمى معبوده منات واللات والعزى، فإذا مات وانكشف الغطاء علم أنه ما عبد إلا الله .
فالناظرون إلى المعبودين صنفان : أعلى وأدنى.
(فالأدنى من تخيل فيه)، أي في معبوده المفيد (الألوهية)، واستحقاقه بخصوصية العبادة ، وإن كانت للتقريب إلى الحق المطلق (فلولا هذا التخيل)، أي تخيل معنى الألوهية واستحقاق العبادة (ما عبد الحجر ولا غيره) كالشجر والشمس والقمر . (ولهذا)، أي لأن عبادة هؤلاء المعبودين مبنية على تخيل الألوهية فيهم.
قال الله سبحانه أمر لنبيه صلى الله عليه وسلم ("قل") إلزاما للكفرة وإقحاما لهم ("سموهم") [الرعد : 33]، أي اذكروا أسماء هؤلاء في أنفسهم (فلو سموهم لسموهم حجرا أو شجرا

قال الشيخ رضي الله عنه :  (و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر. فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب. «و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب،) 
او كوكبأ)، لأن أسماءهم في حد أنفسهم ليست إلا هذه (ولو قيل لهم: من عبدتم لقالوا إلها) من الآلهة المفيدة الجزئية لأنهم ما عبدوهم إلا لتخيل الألوهية فيهم لا لكونهم حجرا أو شجرا أو غيرهما (ما كانوا يقولون) في الجواب (الله ولا إله) المطلق الظاهر في جميع الآلهة والأرباب لأن قبلة عبادتهم كانت الآلهة الجزئية لا المطلق.
فستروا وجه الحق المطلق بالآلهة المقيدة الجزئية ، فلهذا حكموا بكفرهم، لأن الكفر هو الستر (و) الصنف (الأعلى ما تخيل) في كل معبود مقيد الألوهية .
(بل قال : هذا مجلى إلهي) تجلى فيه الإله المطلق (ينبغي تعظيمه) نظرة إلى من تجلى فيه لا عبادته بخصومه (فلا يقتصر) على المخصوص المقيد بل يعبد الإله المطلق الذي هو المفيد أحد مظاهره (فالأدني) الجاهل (صاحب التخيل يقول"ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" ) [الزمر : 3]، فجعلهم قبلة لعبادته وإن كانت تقربا إلى الله .

("والأعلى العالم يقول "أنما إلهكم إله واحد" [الكهف: 110] "فله أسلموا" ) [الحج: 34]، أي انقادوا واعبدوا (حيث ظهر) لا لمظاهر و مجاليه فيجعل الإله المطلق قبلة للعبادة لا الآلهة المقيدين، ولما أشار إلى صدر الآية الكريمة أراد أن يتمها بقوله : ("وبشر المخبتين"). وفسر المخبتين بقوله :
(الذين خبت)، أي خمدت و هو من الخبوت وهو خمود النار (نار طبيعتهم)، فلم تظهر منهم الآثار الطبيعية بل عرفوا أن طبيعتهم مظهر من مظاهر الأسماء الإلهية. فكل أثر يظهر منها إنما يظهر من الاسم الظاهر فيها (فقالوا إلها ولم يقولوا طبيعة)، أي ذكر و الأسماء الإلهية عند ظهور الآثار وأسندوها إليها ولم يذكروا الطبيعة ولم يسندوا الآثار إليهم .
وأشار إلى قوله تعالى : ("وقد أضلوا") [نوح: 24]، أي قوم نوح ("كثيرا") من أهل العالم (أي حيروهم في تعداد الواحد) الحقيقي (بالوجوه والنسب) الكثيرة الاعتبارية حيث قالوا: "ولا تذرن  ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا" [نوح : 32]، فإن كل واحد من هؤلاء وجه من وجوه الواحد الحق تعالی مغاير للباقين بالنسب والاعتبارات. فتحیروا بین وحدته وكثرته


قال الشيخ رضي الله عنه :  (فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه،)
("ولا تزد الظالمين" لأنفسهم) بإفنائها في الحق سبحانه (والمصطفين الذين أورثوا الكتاب) كتاب الجمع والوجود (فهم)، أي الظالمون (أول الثلاثة) أراد الطوائف الثلاث المذكورين في قوله تعالى : " ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ" [فاطر : 32].
(فقدمه) أي قدم الحق سبحانه الظالم لنفسه في الآية الكريمة (على المقتصد والسابق) بحسب الذكر لنقدمه عليهما بحسب المرتبة فإنه في مقام فناء الذات وهما في مقام فناء الصفات والأفعال ("إلا ضللا") ، أي (إلا حيرة)، هي الغاية القصوى في معرفة الحق سبحانه.

اعلم أن الحيرة على نوعين :
حيرة مذمومة وهي حيرة النظار وإليها أشار الحسین بن منصور الحلاج قدس الله سره بقوله:
من رامه بالعقل مسترشدا   …. أسرحه في حيرة يلهو
قد شاب بالتلبيس أسراره     …. يقول في حيرته هل هو
وحيرة محمودة وهي حيرة أولي الأبصار من توالي التجليات الإلهية ونتالي البارقات الذاتية وإليها أشار من قال :
قد تحيرت فيك خذ بيدي      …… با دليلا لمن تحير فیكا
والمراد ههنا الحيرة الأخيرة المحمودة.
(قال) الكامل (المحمدي) طالبة الزيادة في هذه الحيرة بـ (زدني فيك تحيرا) من توالي التجليات وكثرة تقلبات ذاتك في شؤونك وصفاتك وإلى هذه الحيرة أيضا يشير قوله تعالى: ("كلما أضاء لهم ")، أي برق التجلي فاهتدوا بنوره إلى المطلوب ولكن لا يغنيهم عن وجوداتهم فتخيلوا أن المطلوب مفقود في البداية موجود في النهاية (مشوا فيه)، أي ساروا في ضوء ذلك التجلي على الطريق المستطيل إلى المطلوب ("وإذا أظلم عليهم") ذلك البرق بأن أوقفهم في ظلمة العدم وأفناهم عن وجوداتهم وخلصهم عن حجب أنياتهم فصاروا مستعدين للتجليات الذاتية (قاموا) متحيرين ووقفوا هائمين من توالي تلك التجليات وتتابع بوارق تلك الظهورات.
(فالحائر له) وفي بعض النسخ: فالمحيرون لهم (الدور) يعني الحائر الذي لا يتعين مشهوده في جهة معينة ، حركته دورية لا تختلف نسبتها إليه بالقرب والبعد فإنه كالقطب

قال الشيخ رضي الله عنه : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما. و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين) 
أو المركز لحركته الدورية (والحركة الدورية) تكون (حول القطب) أو المركز لا تختلف نسبتها إليه بالقرب والبعد.
وهذا معنى قوله : (فلا تبرح عنه) يعني لا تبعد عنه بعدها كانت قريبة منه
قال رضي الله عنه (وصاحب الطريق المستطيل) الذي تخیل مطلوبه مفقودا من البداية موجودا في الغاية (مائل خارج عن المقصود) الذي تركه بحسب خياله في البداية (يطلب ما هو فيه)، أي يطلب الشيء الذي ذلك الشيء فيه هو في ذلك الشيء.
(صاحب خیال إليه)، أي إلى التخيل (غابته)، أي تنتهي غاية سلوكه إلى ما تخيلة في الحق سبحانه من التقييد والتعيين، فلا يتجلى له الحق سبحانه إلا في صورة ما تخيله واعتقده فيه (فله)، أي لصاحب التخيل (من) الدال على المبدأ وفقدان الحق فيه.
(وإلى) الدال على الغاية ووجدان الحق سبحانه فيها (وما بينهما) من المسافة التي سلك عليها في طلب الحق من غیر وجود الحق معه بحسب خيانه (وصاحب الحركة الدورية لا بدء)، أي لا بداية لسيره .
(فيلزمه) حينئذ معنى من الابتدائية (ولا غاية لكماله فيحكم عليه) حيث ينتهى (إلى) معنی الانتهائية (فله)، أي لصاحب الحركة الدورية (الوجود)، أي الوجدان (الأتم) والذوق الأشمل الأعم لأنه دائر مع الحق سبحانه يجده في كل شيء ويشهده في كل نور.
(وهو الموتي جوامع الكلم) الروحانية (والحكم) الربانية ثم أشار رضي الله عنه إلى قوله : ("مما خطيئاتهم أغرقوا" فهي) [نوح: 25] ، أي الخطيئات هي الذنوب والخطايا التي أدتها أولا بصورهم وحثهم إلى الغرق في الطوفان فأغرقوا في الدنيا وأدخلوا نار في الآخرة وهي بعينها الأمور (التي خطت)، أي سلكت (بهم) وساقتهم من حيث نفوسهم وأرواحهم ثانيا إلى الغرق في بحر العلم والشهود إذ بها حصل لهم الخلاص من ظلمات الجثث والأبدان و آثارهم ولو بعد مرور الدهور والأحقاب.
(فغرقوا) بعد خلاصهم بغرق الجثث وحرقها وزوال آثارها (في بحار العلم بالله) و فنوا في شهود أحديته ("فأدخلوا نارا") من نور سبحات وجهه المحرفة حجب أنياتهم (في عين الماء)، أي عين ماء العلم وشهود أحديته سبحانه .
.
يتبع



عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت يوليو 27, 2019 7:23 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية الجزء الثالث .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 7:20 am

 03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية الجزء الثالث .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص النوحي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية    الجزء الثالث

قال الشيخ رضي الله عنه : ("و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته. "فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد. فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة،) 
وفي قوله : عين الماء إبهام لا يخلو عن عذوبة (وهو)، أي الغرق في بحار العلم بالله هو (الحيرة) وكل ذلك بناء على ما ذهب رضي الله عنه من أن ما آن حال أجل الشفاء إلى السعادة ولو كانوا خالدين في دار الشقاء في قوله : خطت بهم توهمت إشارة أن الخطيئات مأخوذة من الخطو لأن صاحب الخطيئة يخطو وينعدی بارتكابها أوامر الله تعالى فيقع في الخطية .
وإنما يصح ذلك على أحد احتمالي إلى قراءة خطياتهم بتشديد الياء بلا همز فإنه حينئذ يحتمل أن تكون الخطية من الخطو خطيئاتهم بالهمز فذكر لفظة خطت لمناسبة تقطته لا لبيان الاشتقاق.
(وجاء في المحمديين) ما يدل عني إدخالهم النار في عين الحق له تعالى ("وإذا البحار سجرت " [تكویر: 6].

تقول: (من سجرت التنور إذا أوقدت بها)، أي إذا سجرت بحار علمه وشهود وحدته بنار نور سبحات وجهه المحرقة حجب التعيينات ("فلم يجدوا")، أي لما أدخلوا قوم نوح نارا في عين الماء لم يجدوا ("لهم ")، أي لأنفسهم ("من دون الله أنصارا") [نوح: 25].
بل وجدوا الله سبحانه متجلية بصور أنصارهم (بل كان الله عين أنصارهم) وإن كانوا يتخيلونه قبل ذلك غيرهم (فهلكوا)، أي فنوا (فيه)، أي في الله سبحانه (إلى الأبد) لا يردون لأنفسهم وطبائعهم قطعا (فلو أخرجهم) الله سبحانه من لجة الهلاك والفناء فيه على سبيل الفرض والتقدير (إلى السيف سيف الطبيعة)، أي الطبيعة البشرية التي هي كالساحل لهذه اللجة فإن السيف بكسر السين وسكون الياء هو الساحل.
(لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة) التي هي الاستغراق في لجة الغناء في الله إلى المرتبة النازلة التي هي الخروج إلى ساحل الطبيعة، وإنما قلنا على سبيل الفرض والتقدير، لأن عادة الله سبحانه ليست جارية على أن ينزل المستغرق في لجة الفناء وبحر الجمع إلى ساحل الطبيعة والتفرقة.

وذلك مرادهم بما قالوا: الفاني لا يرد .
فإن قيل : لعله رضي الله عنه أراد به الإخراج إلى ظاهر الطبيعة لا إلى حقيقتها و ذلك ممكن بل واقع.
قلنا : لا يصح حينئذ قوله : لنزل بهم الخ.
لأن الخروج إلى صورة الطبيعة والتفرقة مقام جمع الجمع والفناء في الله لا خروج إلى صورة الطبيعة. فمقام الجمع الأول أرفع من الثاني.
اللهم إلا أن يقال : هذا بناء على أن صاحب الجمع أشرف حالا وإن كان صاحب جمع الجمع أعلا فضيلة وكمالا .
قال الشيخ رضي الله عنه : (وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله. «قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن.  فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو. «لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها.) 
(وإن كان الكل)، أي كل من الطبيعة و غيرها من المراتب الكونية ملكها (لله تعالی) مخلوقا له ليكون مجلى لجماله ومظهرا لشؤونه وأحواله (و) متحققا (بالله) قائمة به، لأنه هو الوجود الحق القيوم المطلق (بل هو الله) لسريانه بأحدية جمعه الإلهي في كل شيء لكنه تتفاضل مراتبه بتفاضل أسماءه وصفاته وتفاوت تقلباته في الصورة وتجلياته فمرتبته من حيث أحدية جمعه الأحدي أرفع من مرتبته باعتبار ظهوره في مرتبة الطبيعة، فمن أخرج من بحر شهود أحذية جمعة إلى ساحل الطبيعة يكون نازلا عن درجة أرفع إلى درجة أخفض وأوضح.
ثم أشار رضي الله عنه إلى قوله تعالى ("قال نوح رب" ما قال : إلهى فإن الرب له الثبوت) [نوح: 21] بحسب المادة والصيغة .
أما بحسب المادة، فلما ذكر رضي الله عنه في جواب السؤال الحادي والثلاثين للترمذي معناه، أي معنى الرب الثابت يقال : رب بالمكان إذا قام فيه وثبت.
وأما بحسب الصيغة فلأنه صفة مشبهة تدل على ثبوت مبدأ الاشتقاق للذات المبهمة من غير دلالة على تجدد وانصرام (والإله بتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن). فتارة يتجلى بالأسماء الربوبية وتارة بخلافها، ولا شك أن مقام الدعاء وطلب الإجابة إنما بطلب الأسماء الربوبية ودوام آثارها، فلهذا اختار نوح عليه السلام اسم الرب لا الإله.
فإنه وإن كانت الأسماء الربوبية متنوعة متلونة، فإن الطالب المستعد بطلب في كل أنية نوع تربية لا يطلبها في أن آخر، وذلك بحسب الظاهر بناء في الثبوت والدوام.
قال رضي الله عنه : (وأراد)، أي نوح عليه السلام (بالرب)، أي بذكر الرب (ثبوت التلوين)، أي تلوين الأسماء الربوبية وتبدلها بحسب تبدل الاستعدادات الجزئية الوجودية للقابل المستعد بأن يكون الرب المطلق ثابتا دائما على التجلي بالأسماء المربربية المتلونة الجزئية المقيدة (إذ لا يصح) ولا يتحقق في الواقع من صور الثبوت (إلا هو)، أي الثبوت في التلوين لا الثبوت الذي يرفع التلوين .
("لا تذر على الأرض")، أي ظاهر الفرق (يدعو) نوح عليه السلام (عليهم)، أي على قومه (أن يصيروا في بطنها)، أي بطن أرض الفرق وذلك عين دعوته لهم إلى الباطن الجمعي الأحد، فهذا الدعاء وإن كان بحسب الظاهر عليهم فهو بالحقيقة لهم القول: (وهو في الوارث المحمدي) 

قال الشيخ رضي الله عنه : (المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، «له ما في السماوات و ما في الأرض». (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر.) 
قوله عليه السلام (لو دليتم بحبل لهبط على الله)، أي لو دليتم من ظاهر أرض الفرق بحبل رقيقة حبية إلى باطنها بانقطاع هذه الرقيقة من ظاهرها تهبط على الحقيقة الأحدية الجمعية الإلهية وارتبط بها فإنه ليس للفرق باطن إلا الجمع.
وقال تعالى: ("له ما في السماوات وما في الأرض") [البقرة : 255]، أي له الظهور بصور السموات والأرض وما فيهما. فكما أنه عين فوقية كل فوق، فكذلك هو عين تحتية كل تحت (فإذا دفنت فيها) بالدخول من ظاهرها إلى باطنها (فأنت فيها) مع الحضرة الأحدية الجمعية (وهي ظرفك) لإستتارك فيها عن عيون العالمين کاستتار المظروف بالظرف.
قال تعالى: ("وفيها نعيدكم") (طه: 55] من جهة استهلاك كثراتكم الخلقية الفرقية في الأحدية الجمعية ("ومنها نخرجكم") من جهة ظهوركم بالتعيينات الخلقية والكثرات الفرقية .
(تارة أخرى) في النشأة الأخروية (لاختلاف الوجوه) المقتضية لإعادتكم فيها وإخراجکم منها (من الكافرين)، أي لا تذر على الأرض من هؤلاء الكافرين (الذين استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم طلبا للستر).
وانما طلبوا الستر (لأنه)، أي نوح عليه السلام (دعاهم ليغفر لهم) الله سبحانه (والغفر الستر) فسارعوا إلى ما طلب لهم من الله ، ثم دعى عليهم بأن يصيروا في باطن الأرض طلبة للستر بعد الستر .

 قال الشيخ رضي الله عنه :  («ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة. «إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر) 
و للإشارة إلى ذلك وصف رضي الله عنه الكافرين ههنا بالوصفين المذكورين اللذين هما تفسيرا لكفرهم ("ديارا") يعني (أحدا)، وإنما عمم نوح عليه السلام الدعاء وما خص بعضها دون بعض (حتى تعم المنفعة) يعني الدخول في بطن الغرق والاستغراق في الباطن الأحدي الجمعي (كما عمت الدعوة) كلى أحد إلى الباطن الأحدي الجمعي
("إنك إن تذرهم " [نوح: 27]. أي تدعهم وتتركهم) إلى ظاهر أرض الغرق ولم تعدهم إلى باطنها ("يضلوا عبادك") المفطورين على عبوديتك (أي يحيروهم) بين العبودية والربوبية .
(فيخرجوهم من العبودية) مطالعة (ما) أودع (فيهم من أسرار الربوبية) والصفات الفعلية الوجوبية من حيث أنها لهم بالأمانة (فينظرون أنفسهم أربابا) لأنصافهم بالأوصاف الربوبية (بعدما كانوا عند نفوسهم) عدميتهم الأصلية.
(عبيدا فهم العبيد) باعتبار عدميتهم الأصلية (الأرباب) باعتبار ما فيهم من أسرار الربوبية ، فإذا نظروا إلي ذواتهم علموا أنهم عبيد وإذا طالعوا ما ظهر فيهم من أسرار الربوبية وتوهموا أنها لهم.
تخيلوا أنهم أرباب فتحيروا في أمرهم، ولم يعلموا أنهم عبيد وأرباب ، وأيضا إذا توهموا أنفسهم أربابا وطولبوا بمقتضيات الربوبية، ولم يتأت منهم الإتيان تحیروا بها في دعواهم الربوبية .
وأما إذا لم يدعهم الله سبحانه على ظاهر أرض الغرق وأعادهم إلى باطنها اشتدت أسرار الربوبية إلى الحقيقة الجمعية وانقطعت ألسنتها عنهم فتحققوا بعبوديتهم وتخلصوا من توهم الربوبية.
("ولا يلدوا") ، أي ما ينتجون ولا يظهرون"إلا فاجرا" [نوح : 27]، أي (مظهرا) اسم فاعل من الإظهار (ما ستر) على البناء للمفعول، أي مظهر ما ستره الحق سبحانه فيه من أسرار الربوبية بأن يظهرها بين الخلق ("كفارا" ، أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره فيظهرون ما ستر) فيهم من تلك الأسرار (ثم يسترونه بعد ظهوره)، إذا طولبوا بمقتضياته وعجز عن الإتيان بها (فيحار الناظر) في حالهم (ولا بعرف قصد الفاجر) المظهر (في فجوره) وإظهاره وأنه لم أظهر ما أظهر (ولا قصد الكافر) الساتر (في كفره) وستره وأنه لم كفر ما ستر.


قال الشيخ رضي الله عنه : (في فجوره ، ولا الكافر في كفره، و الشخص واحد . («رب اغفر لي» أي استرني واستر من أجلي فيجهل قدري و مقامي كما جهل قدرك في قولك: «و ما قدروا الله حق قدره» *. «و لوالدي»: من كنت نتيجة عنهما و هما العقل و الطبيعة. «و لمن دخل بيتي» أي قلبي. «مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية و هو ما حدثت به أنفسها.)
(والشخص) الفاجر الكافر (واحد) بالذات وإن تعدد بالاعتبار. وهذا عين الإضلال والتحیر ("رب أغفر لي" ، أي استرني) على أن تكون اللام لتكميل معنى الفعل، أي أستر ذاتي وما يتبعها من صفاتي وأفعالي في ذاتك وصفاتك وأفعالك (واستر من أجلي)، على أن تكون اللام للتعليل وإنما عطف بالواو وتنبيها على ما سبق من أن مفهوم أحل الخصوص مما نطقت به ألسنة الشرائع كل ما يفهم من وجوه اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان فكلا المعنيين مراد معا.
أي جعل ذلك الستر المطلوب لي لا على بأن يكون الاتصاف به سبب للمضاهاة بيني وبينك وسيلة للغرب لا للبعد (فبجهل مقامی وتدري) عند الخلق فلا يطلع أحد عليه (كما جهل قدرك) عندهم .
كما ذكرته (في قولك : "وما قدروا الله تم قدره" . "ولوالدي") ، أي (من کنت نتيجة عنهما وهما العقل) يعني الروح المجرد (والطبيعة) يعني النفس المنطبعة ونتيجتهما القلب الحاصل عنهما ، وإنما قال : من کنت نتيجة عنهما فإن الحقيقة الإنسانية هي القلب لا غير .
("ولمن دخل بيتي" ، أي قلبي) بل مقام فلبي هو الفناء في الله والبقاء به (مؤمنا أي مصدقا بما يكون فيه) بل في مقامه (من الإخبارات الإلهية وهو)، أي الإخبار الإلهي (ما حدثت به أنفسهم)، أي أنفس الداخلين في مقام القلب، فإن أحادیث
نفوس أرباب القلوب لا تكون إلا حقانية إلهية سواء كانت بواسطة ملك أو بغير واسطة ولا تشوشهم الهواجس النفسانية والوساوس الشيطانية.
وفي بعض النسخ نفسها، والظاهر أن التأنيث حينئذ إنما هو حكاية لما صح في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل"و "إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست، أو حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به أو تكلم" صحيح البخاري.
" فالمعنى أن الأخبار الإلهي ما يفهم من قوله عليه السلام: «: إن الله تجاوز عن أمتي "ما حدثت به أنفسها" ما لم تعمل أو تتكلم ".

قال الشيخ رضي الله عنه :  («و للمؤمنين» من العقول «و المؤمنات» من النفوس.
«و لا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية.
«إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا وجهه» و التبار الهلاك.
و من أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح "نوح"، و هو في التنزلات الموصلية لنا والسلام.
فالحديث المذكور : ("والمؤمنين" من العقول) المجردة، أي الأرواح لأن من شأنهم التأثير فلهم مرتبة المذكورة ("والمؤمنات" من النفوس) المنطبعة لأن من شأنهم التأثير فلهم مرتبة الأنوثة ("ولا تزد الظالمين") مأخوذا (من الظلمات) كما قال صلى الله عليه وسلم : "الظلم ظلمات يوم القيامة" (أهل الغيب) منصوب على أنه عطف بيان للظالمين (المكتنفين) أي المستترين مع كمال نورانيتهم (خلف الحجب الظلمانية) و وراء الأستار الجسمانية ("إلا تبارا" أي هلاكا) [نوح : 28] بالفناء فيك (فلا يعرفون) بواسطة هذا الهلاك (نفوسهم) ولا يشعرون بذواتهم (لشهودهم وجه الحق) الباقي أزلا وأبدا (دونهم)، أي دون أنفسهم فلا يحتجبون بها عن الحق تعالی .
(و) جاء (في المحمديين) قوله تعالى : ("كل شيء هالك إلا وجهه"  و التبار : الهلاك) [القصص: 88] .
فما جاء في النوحيين موافق لما جاء في المحمديين (ومن أراد أن يقف على أسرار نوح) عليه السلام وحكمته المنطوية في كلمته (فعليه بالرقاء في فلك يوح وهو)، أي بيان أكثر أسرار نوح ووجه توقف انکشافها على الرقي في فلك يوح مذكور (في كتاب التنزلات الموصلية لنا).
قال بعض الشارحين : هو کتاب جليل القدر فلتطلب الأسرار النوحية منه والسلام علی من اتبع الهدی واجتنب عن أن يتطرق إليه الضلالة والردي.
إذا ظهر عليه الحق فيما سمع وأقبل عليه بالقبول والإذعان والأسرار إلى بقعة الإمكان.
انتهي الفص النوحي
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت يوليو 27, 2019 7:24 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 7:21 am

04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الإدريسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الفص الإدريسي

04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية     الجزء الأول
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (العلو نسبتان، علو مكان وعلو مكانة. فعلو المكان «ورفعناه مكانا عليا». وأعلى الأمكنة المكان الذي تدور عليه رحى عالم الأفلاك وهو فلك الشمس، )
بسم الله الرحمن الرحيم
فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية
إنما أردف الشيخ رضي الله عنه الكلمة النوحية بالكلمة الإدريسية وإن كان إدريس قبل نوح عليهما السلام بحسب الزمان لمناسبة مخصوصة بينهما .
من حيث أن الصفة القدوسية تلي الصفة السبوحية في المعنى والمرتبة فإن السبوح هو الذي ينزه عن كل سوء.
والقدوس هو الطاهر عما يتوهم فيه من إمكان طرق نقص ما إليه بشینه، وأما سر اختصاص هذه الصفة بإدريس عليه السلام فلأجل أن الكمال الذي حصل له إنما كان بطريق التقديس وهو تروحنه وانسلاخه عن الكدورات الطبيعية والنقائص العارضية من المزاج العنصري ولما نزل في شأنه عليه السلام أنه رفع مكانة عليا ابتدأ رضي الله عنه حكمته بذكر العلو وبيان أقسامه وأحكامه.
فقال : (العلو نسبنان) أراد علوان كما صرح به في مختصره المسمى بنقش الفصوص ولكن لما كان العلو في ذاته أمرا نسبيا وكان امتیاز كل من قسميه عن الآخر أيضا بالنسبة والإضافة إلى موصوفه عبر عنهما بقول نسبتان أو المعنى العلو له نسبتان (علو مكان) يتصف به المكان أو لا والمتمكن ثانية (وعلو مكانة) أي منزلة ومرتبة ويوصف به كل موجود.
(فعلو المكان) يدل عليه قوله تعالى: ("ورفعناه مكانا عليا") [مريم: 57 ] فذلك يدل على رفعة إدريس عليه السلام، أو على علو مكانه وهو فلك الشمس، أما رفعته فتبعية مكانه .
وأما علو مكانه فلوجهين:
أحدهما باعتبار ما تحته من الكثرات الفلكية والعنصرية.
وثانيهما باعتبار المرتبة بالنسبة إلى جميع الأفلاك.
ولما كان علوه بالاعتبار الأول ظاهرا أعرض رضي الله عنه عن بيانه وتعرض للثاني بقوله (وأعلى الأمكنة) أي بالمكانة والمرتبة لا باعتبار الجهة فإن أعلاها بهذا الاعتبار هو العرش كما سيجيء.
(المكان الذي يدور عليه عالم الأفلاك) ويصل من روحانيته الفيض إلى سائر الأفلاك كما أن من كوكبه تتنوّر الأفلاك جميعاً، وذلك كما يقال على القلب يدور البدن أي منه يصل الفيض إلى سائر البدن (وهو) أي السكان الذي تدور عليه الأفلاك (فلك الشمس، وفيه) أي في فلك الشمس


قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وفيه مقام روحانية إدريس عليه السلام.
وتحته سبعة أفلاك وفوقه سبعة أفلاك وهو الخامس عشر. فالذي فوقه فلك الأحمر وفلك المشترى وفلك كيوان وفلك المنازل والفلك الأطلس فلك البروج وفلك الكرسي وفلك العرش.
والذي دونه فلك الزهرة وفلك الكاتب، وفلك القمر، وكرة الأثير، وكرة الهوى، وكرة الماء، وكرة التراب. فمن حيث هو قطب الأفلاك هو رفيع المكان. وأما علو المكانة فهو لنا أعني المحمديين.
قال الله تعالى «وأنتم الأعلون والله معكم» )
(مقام روحانية إدريس عليه السلام) كما يشعر به حديث المعراج واجتماع به الشیخ رضي الله عنه هنالك.
وظهرت بينهما مفاوضات عليه وإسرار كلية الآنية.
فاطلبها من كتاب الأسرار وكتاب التنزلات نه (وتحته سبعة أفلاك) سمى رضی الله عنه كرات العناصر أيضاً أملاكاً تغليباً (وفوقه سبعة أفلاك وهو)، أي فلك الشمس هو (الخامس عشر فالذي فوقه فلك الأحمر)، أي المريخ (وفلك المشتري وفلك كيوان) يعني زحل (وفلك المنازل)، أي فلك الثوابت (وفلك الأطلسي) صاحب الحركة اليومية.
وفي النسخة المقروءۃ علی الشیخ رضي الله عنه و الفلك الأطلس ( وهو فلك البروج)، على أن تكون البروج عطف بيان الفلك الأطلس وتسميته بفلك البروج على أن البروج إنما تقدر فیه وإن كانت آسامیها بملاحظة ما يجذبها من كواكب فلك المنازل.
(وفلك الكرسي وفلك العرش) أثبت رضي الله عنه هذين الفلكين أيضاً في الباب الخامس والتسعين ومائتين من المفتوحات .
وذكر أن الأطلس هو عرش التكوين ، أي فظهر عنه الكون والفساد بواسطة الطبائع الأربع ومستوى الرحمن هو العرش العظيم الذي ما فوقه جسم ومستوى الرحيم هو الكرسي الكريم.
والحكماء أيضاً ما جزموا بأنه ليس فوق التسعة فلك آخر بل جزموا بأنه لا يمكن أن يكون أقل منه (والذي دونه)، أي دون فلك الشمس (فلك الزهرة وفلك الكاتب) ، أي عطارد (وفلك القمر وكرة الأثير)، أي النار (وكرة الهواء وكرة الماء وكرة التراب).
وتعبيره رضي الله عنه عن هذه الأربع بالكرة ههنا يدل على أن إطلاق الفلك عليها فيما تقدم كان تغليباً (فمن حيث هو)، أي فلك الشمس (قطب الأفلاك) بالمعنى المذكور (هو)، أي إدريس الذي رفع إليه (رفيع المكان) وعلوه علو المكان.


قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ("والله معكم" في هذا العلو، وهو يتعالى عن المكان لا عن المكانة. ولما خافت نفوس العمال منا أتبع المعية بقوله «ولن يتركم أعمالكم»: فالعمل يطلب المكان و العلم يطلب المكانة، فجمع لنا بين الرفعتين علو المكان بالعمل و علو المكانة بالعلم.
ثم قال تنزيها للاشتراك بالمعية «سبح اسم ربك الأعلى» عن هذا الاشتراك المعنوي.
و من أعجب الأمور كون الإنسان أعلى الموجودات، أعني الإنسان الكامل، )
قال الشيخ رضي الله عنه: (وأما علو المكانة فهو لنا أعني المحمديين قال تعالى خطاباً لهم : " وَأَنتم الأعلُونَ " )
يعني الأعلوية في المكانية، فإنه قال تعالى : ( "والله معكم" ) [محمد: 26]. يريد معيته (في هذا العلو) المعهود من الأعلوية (وهو سبحانه) في مرتبة جمعه (يتعالی عن المكان لا عن المكانة)، فالعلو الذي هو معهم فيه لا يكون إلا على المكانة.
قال الشيخ رضي الله عنه: (ولما) أثبت سبحانه و تعالی عنه المكانة (خافت نفوس العمال منا) أعني أفرادها والعباد الذي لا علم لهم بالحقائق نقصان أجزاء أعمالهم الذي هو علو المكان، فإن علو المكانة لا يكون جزاء إلا عن العلوم والمعارف (اتبع المعية بقوله : "ولن يتركم" )، أي ثم ينقصكم الحق سبحانه ( "اعمالكم") فيكون لكم على المكان بحسب أعمالكم كما كان لكم على المكانة بحسب علومكم قال الشيخ رضي الله عنه : (فالعمل بطلب المكان) و علوه كمراتب الجنان (والعلم يطلب المكانة) ورفعتها كمراتب الشرب من الله تعالى (فجمع لنا) في هذه الآية (بين الرفعين على المكان).
الحاصل للعلماء بالله (بالعمل)، أي بسبب الاشتغال بالعمل جزاء به (وعلو المكانة) الحاصل للعلماء بالله (بالعلم)، أي بسبب التجلي بالعلم نتيجة له وإنما كان على المكانة العلم و عنو المكان للعمل.
لأن العلم أمر معنوي روحاني المكانة والعمل أمر صوري جسماني كالمكان فاقتضى كل منهما ما يناسبه (ثم قال تعالى تنزيها للاشتراك بالمعية)، أي تنزيها واقعا لأجل الاشتراك المتوهم بين الحق و بين المحمديين في الأعلوية بسبب معيته معهم المفهومة من قوله : "والله معكم" في هذه الأعلوية "المنزلة الأعلى" .
وقوله رضي الله عنه:" سبح اسم ربك الأعلى " [الأعلى: 1] . مقولا للقول "السابق".
وقوله رضي الله عنه(عن هذا الاشتراك المعنوي) يتعلق بقوله : سبح أي سبح ونزه ربك الذي هو الأعلى من أن يشار كه أحد في الأعلوية عن هذا الاشتراك المعنوي أي الوتر في المعنى بأن يكون هناك حقيقتان متغايرتان مشتركنان في أمر واحد بل ليس هذا الاشتراك إلا بحسب الصورة والمفارقة بين الحق والخلق .
وأما بحسب المعنی والحقيقة الحاكمة بأن لا وجود إلا للحق فلا الأعلوية ، بل لا علو إلا للحق سبحانه في مرتيني جمع، وتفصيله (ومن أعجب الأمور كون الإنسان أعلا الموجودات أعني الإنسان الكامل) فإن مرتبته جامعة للمراتب كلها . وأما الناقص فمرتبته أسفل السافلين.


قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (و ما نسب إليه العلو إلا بالتبعية، إما إلى المكان و إما إلى المكانة و هي المنزلة.
فما كان علوه لذاته. فهو العلي بعلو المكان و بعلو المكانة. فالعلو لهما. فعلو المكان. كـ «الرحمن على العرش استوى» وهو أعلى الأماكن.
وعلو المكانة «كل شيء هالك إلا وجهه»، و«إليه يرجع الأمر كله»، «أإله مع الله».
ولما قال الله تعالى «و رفعناه مكانا عليا» فجعل «عليا» نعتا للمكان،
«و إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة»، فهذا علو المكانة.)
(وما نسب إليه)، أي إلى الإنسان الكامل (العلو إلا بالتبعية) والإضافة (إما إلى المكان وإما إلى المكانة وهي)، أي المكانة هي (المنزلة فما كان علوه)، أي لم يكن على الإنسان الكامل (بذاته) بل بواسطة المكان أو المكانة (فهو العلو بعلو المكان) كإدريس عليه السلام (وبعلو المكانة) كالمحمديين (فالعلو) بالأصالة لهما)، أي للمكان والمكانة وبالتبعية للإنسان الكامل.
ولما ذكر أن الموصوف بالعلو أصالة هو المكان أو المكانة أراد أن يشير إلى كل منهما بالنسبة للحق سبحانه والخلق بما ورد في القرآن فقال : (فعلو المكان) بالنسبة إلى الحق سبحانه (كـ " الرحمن" )، أي ما يفهم من قوله تعالى الرحمن: ("على العرش أستوى" ) [طه: 5].
(وهو) أي العرش (أعلى الأماكن) لا مكان فوقه فأعلويته باعتبار الجهة فلا ينافي أعلوية فلك الشمس باعتبار المرتبة كما سبق.
والحق سبحانه مستوى عليه بظهوره بالاسم الرحمن لا بمعنى التمكين فيه فإنه من خواص الأجسام.
فلا يناقض ما سبق من قول المصنف : وهو يتعالی عن المكان لا عن المكانة فإن تعاليه عن التمكن في المكان لا ينافي استواءه عليه بظهوره فيه ببعض الأسماء.
قال الشيخ رضي الله عنه : (وعلو المكانة) أيضا بالنسبة إليه تعالی ما يفهم من قوله تعالى: ("كل شيء هالك إلا وجهه ") [القصص: 88] . وقوله تعالى : "وإليه يرجع الأمر كله" [هود: 123]. وقوله تعالى: ("أإله مع الله") أن البقاء هلاك الأشياء وكونه مرجع الأمور كلها و منفردا بالإلهية مرتبة عليه ومكانة رفيعة.
ولما فرغ من ذكر ما يدل على نسبة العلوین إليه تعالی شرع في ذكر ما يدل على نسبتهما إلى الخلق وغير الأسلوب .

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وقال في الملائكة «أستكبرت أم كنت من العالين» فجعل العلو للملائكة. فلو كان لكونهم ملائكة لدخل الملائكة كلهم في هذا العلو. فلما لم يعم، مع اشتراكهم في حد الملائكة، عرفنا أن هذا علو المكانة عند الله.
وكذلك الخلفاء من الناس لو كان علوهم بالخلافة علوا ذاتيا لكان لكل إنسان.
فلما لم يعم عرفنا أن ذلك العلو للمكانة. ومن أسمائه الحسنى العلي.
على من وما ثم إلا هو؟ فهو العلي لذاته. أو عن ما ذا و ما هو إلا هو؟
فعلوه لنفسه. و هو من حيث الوجود عين الموجودات. فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها )
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولما قال تعالى) في حق إدريس عليه السلام ("ورفعناه مكانا عليا نعتا للمكان") [مريم: 57}.فهذا على المكان.
ولما قال تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة"[البقرة: 30] فهذا)، أي
العلو المفهوم من الخلافة (علو المكانة، وقال تعالى في حق الملائكة) حين خاطب إبليس بقوله : ("أستكبرت أم كنت من العالين" [ص: 75] فجعل العلو للملائكة)، أي لبعضهم حيث عبر عنهم بالعالين وهم المهيمون الذين لا يكون لهم شعور بوجود آدم ولم يؤمر بالسجود (فلو كان) جعل العلو لهم (لكونهم ملائكة لدخل الملائكة) العالون وغير العالين .
(كلهم في هذا العلو فلما لم يعم) الدخول في هذا العلم الملائكة كلهم (مع اشتراكهم) وفي بعض النسخ مع اشتراكهما، أي اشتراك العالين وغير العالين (في حد الملائكة عرفنا أن) هذا العلم المذكور على المكانة عند الله لا العلم الذاتي.
لما ذكر ولا العلو المكاني أيضا لتجردهم ولم يتعرض له الشيخ رضي الله عنه لظهوره .
(وكذلك)، أي مثل العالين من الملائكة (الخلفاء من الناس) في كون علوهم بالخلافة علو المكانة لا العلم الذاتي فإنه (لو كان علوهم بالخلافة علوا ذاتيا)، أي خالص لذات الطبيعة الإنسانية ونفسها من غير أن يكون لأمر خارجي دخل فيه.
(لكان) ذلك العلو ثابتا (لكل إنسان فلما لم يعم ذلك العلو عرفنا أن ذلك العلو للمكانة) الحاصلة للخلفاء عند الله أو عند الناس لا لنفس طبيعتهم الإنسانية ليكون ذاتيا ولا للعلو المكاني .
إذ لا اختصاص لهم حين الخلافة المكان لا يكون للمستخلف عليهم .
(ومن أسمائه الحسنى) الذاتية (العلي) فعلوه (على من) إن كان من علا عليه إذا غلب (وما ثمة)، أي في المرتبة التي اعتبر فيها اتسام الذات بهذا الاسم وهي مرتبة الجمع (إلا هو) ، فكيف يتوهم نسبته إلى غيره.
(فهو العلي لذاته) لا لغيره (أو) علوة (عماذا)، أي عن أي شيء إن كان من علا عنه إذا ارتفع (وما هو)، أي ذلك الشيء في تلك المرتبة (إلا هو)، أي لا شيء سواه (فعلوه لنفسه) لا لغيره.
ولما أثبت العلم الذاتي للحق سبحانه في مرتبة الجمع أراد أن يثبت نه في مرتبة الفرق وللخلف أيضا باعتبار أنه عین الحق بالحقيقة في هذه المرتبة فقال : (وهو)، أي الحق الموصوف بالعلم الذاتي (من حيث الوجود) الذاتي هو من حيث يقيده بتعينات علمية حقيقة الأشياء ومن يقيد تقيدات عينية وجوداتها (عين الموجودات) حقيقة ووجود ونقول : هو من حيث الوجود التحقق دون العلم والتعقل عين الموجودات فإن أطلق عين القيد في التحقق وغيره في التعقل.
(فالمسمى بالمحدثات هي العلية لذاتها) لعدم المغايرة بينها وبين العلي لذاته .


قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وليست إلا هو. فهو العلي لا علو إضافة، لأن الأعيان التي لها العدم الثابتة فيه ما شمت رائحة من الموجود، فهي على حالها مع تعداد الصور في الموجودات. والعين واحدة من المجموع في المجموع. فوجود الكثرة في الأسماء، وهي النسب، وهي أمور عدمية. وليس إلا العين الذي هو الذات.)
قال الشيخ رضي الله عنه (وليست هي) تلك المحدثات (إلا هو فهو)، أي الحق سبحانه في مرتبة الفرق أيضا هو (العلي) على ذات (لا علو إضافة) إذ لا غير حينئذ حتى تعتبر إضافته إليه (لأن الأعيان التي لها العدم) الخارجي (الثابتة) منة للأعيان (فیه).
أي في ذلك العدم ما شمت (رائحة الوجود) الخارجي (فهي) دائما (على حالها) في العدم فلا غير في الوجود , حتى يكون علو الحق بالإضافة إليه ولو فرض وجودها, أيضا لا يلزم وجود الغير فإنها أيضا تكون حينئذ من صور تجلياته (مع تعدد الصور) الكائنة في الموجودات وتكثرها فإن الكل موجود صورة خاصة .
(والعين) المتجلية في مجموع الصور (واحدة) ظاهرة (من المجموع) بل من كل جزء منه من حيث تقيدها باطنة (في المجموع) من حيث إطلاقها أو نقول ظاهرة من المجموع بالنسبة إلى من كان وجود الخلق في نظره مرآة لوجود الحق تعالی.
باطنة في المجموع بالنسبة إلى من كان وجود الحق في نظره مرة لوجود الخلق. وظاهره من المجموع وباطنه في المجموع معا بالنسبة إلى من جمع بين الأمرين وإذا كان العين واحدة (فوجود الكثرة) إنما هي (في الأسماء).
لأنه ليس هناك إلا عين مطلقة وتعين يسمى العين المتعينة به أسماء , فإذا لم تكن الكثرة في العين يجب أن تكون في الأسماء , باعتبار خصوصياتها التي هي التعينات لا باعتبار محض الذات .
(وهي)، أي الأسماء باعتبار تلك الخصوصيات (النسب) العارضة للعين الواحدة من حيث ظهورهما من صور الموجودات و بطونها فيها .
(وهي)، أي النسب (أمور عدمية) بالنسبة إلى الخارج لا وجود لها متميزا عن وجود الحق سبحانه وإن كانت موجودة متميزة في العقل فوجود الكثرة، أي ثبوتها يكون من الأمور العدمية .
(وليس)، أي الوجود (إلا العين) الواحد (الذي هو الذات)، أي متكثرة باتصاف تلك الأمور العدمية إيه

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فهو العلي لنفسه لا بالإضافة. فما في العالم من هذه الحيثية علو إضافة، لكن الوجوه الوجودية متفاضلة.
فعلو الإضافة موجود في العين الواحدة من حيث الوجود الكثيرة. لذلك نقول فيه هو لا هو، أنت لا أنت.
قال  الخراز رحمه الله تعالى، وهو وجه من وجوه الحق و لسان من ألسنته ينطق عن نفسه بأن الله تعالى لا يعرف إلا بجمعه بين الأضداد في الحكم عليه بها.
فهو الأول والآخر والظاهر والباطن. فهو عين ما ظهر، وهو عين ما بطن في حال ظهوره. و ما ثم من يراه غيره، و ما ثم من يبطن عنه، فهو ظاهر لنفسه باطن عنه. و هو المسمى أبا سعيد الخراز وغير ذلك من أسماء المحدثات.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فهو)، أي الحق سبحانه مع كونه في عين الكثرة العلي لنفسه لا بالإضافة إلى غيره .
(فما في العالم) أيضا (من هذه الحيثية)، أي من حيثية كون العين واحدة والكثرة المشهودة عدمية (علو إضافة) بل علو بذاته .
وإن كان من حيثية أخرى وهي جهة الغيرية واعتبار الكثرة له على إضافة وإليه أشار بقوله : (لكن الوجوه الوجودية) والاعتبارات المتضادة إلى الوجود الحق و الغير المتضادة مع كونها عدمية في نفسها (متفاضلة) بعضها أعلى من بعض .
(فعلو الإضافة موجود في العين الواحدة من حيث الوجوه الكثيرة) المحال المتضادة.
(لذلك)، أي لظهور العين الواحدة بالوجوه الكثيرة (نقول فيه)، أي في الحق تعالی ويحمل عليه كل وجه من تلك الكثرة من حيث الحقيقة وسلبه عنه من حيث التعين. فنقول: الحق (هو) كناية عن كل وجه باعتبار غيبته (لا هو) والحق (أنت) كناية عن كل وجه باعتبار الخطاب (لا أنت)، فالإطلاق لإثبات الحق سبحانه والسلب لتقييد الوجه .
(قال الخراز) رحمه الله تعالى: (وهو وجه من وجوه الحق) و مظهر من مظاهره الكاملة (و لسان من ألسنته ينطق) الحق به (عن) أحوال (نفسه) كما في سائر العارفین .
وقوله هو (بأن الله) سبحانه (لا يعرف)، أي لا يعرفه أحد (ألا يجمعه بین الأضداد في الحكم عليه بها)، فهي:
إما خاصة كالسواد والبياض والكبير والصغير.
وإما عامة كقوله : (فـ " هو الأول والأخر والظاهر والباطن" فهو عين ما ظهر وهو عين ما بطن) .
وقوله : (في حال ظهوره) ظرف للحكم المفهوم من قوله : هو عين ما بطن (وما ثم من يراه غيره) ليكون ظاهرة له (وما ثم من يبطن عنه) ليكون باطنا عنه ، فإذا ظهر الواحد من العارفين (فهو ظاهر لنفسه) لا لغيره.
لأن ذلك العارف وجه من وجوهه الكاملة وإذا بطن عن أحد من الجاهلين (وهو باطن عنه)، أي عن نفسه لا من غيره، لأن ذلك الجاهل مظهر من مظاهره الحجابية .
(وهو المسمى أبا سعيد الخراز وغير ذلك من أسماء المحدثات) بحسب تنزلاته إلى مظاهر الأكوان.

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فيقول الباطن لا إذا قال الظاهر أنا، و يقول الظاهر لا إذا قال الباطن أنا. و هذا في كل ضد، و المتكلم واحد و هو عين السامع.
يقول النبي صلى الله عليه و سلم: «و ما حدثت به أنفسها» فهي المحدثة السامعة حديثها، العالمة بما حدثت به أنفسها ، و العين واحدة و اختلفت الأحكام.
و لا سبيل إلى جهل مثل هذا فإنه يعلمه كل إنسان من نفسه و هو صورة الحق.
فاختلطت الأمور و ظهرت الأعداد بالواحد في المراتب المعلومة.
فأوجد الواحد العدد، و فصل العدد الواحد.)
(فيقول الباطن لا إذا قال : الظاهر أنا ويقول : الظاهر لا إذا قال : الباطن أنا وهذا) الحكم جار (في كل ضد)، فإنه يثبت مقتضى ذاته وبنفي مقتضى ما يقابله و ذلك لا ينافي ما سبق من أنه يجمع بين الضدين من جهة واحدة .
فإن الحقيقة الواحدة يجمع بين الضدين من جهة واحدة لا من جهتين وإلا نقلنا الكلام إلى الجهتين حتى ينتهي إلى جهة واحدة .
وأما إذا تقيدت بأحد الضدين فلا يجامع مع تقيده به الضد الآخر (والمتكلم واحد)، أي يقول : كل من الاسمين ما يقول والحال أن المتكلم فيهما واحد بحكم أحدية العين (وهو)، أي المتكلم (عين السامع كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم ) في بيان مغفرته تعالی لذنوب أمته ما صدرت عن جوارحها (وما حدثت به أنفسها فهي).
أي الأنفس (المحدثة) وهي (السامعة حديثها) وهي (العالمة بما حدثت به) .
وقوله (أنفسها من) وضع المظهر موضع المضمر وضميرها للأمة .
(والعين واحدة وإن اختلفت الأحكام) الصادرة منها من الحديث والسماع والعلم.
(ولا سبيل إلى جهل مثل هذا) الذي ذكرناه من وحدة النفس وكثرة أساميه لاختلاف أوصافه وأحكامه (فإنه بعلمه كل إنسان من نفسه) إذا راجع وجدانه .
(وهو)، أي الإنسان الذي يعلم ذلك (صورة الحق) تعالى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم على صورته ). رواه مسلم وابن حبان وأحمد ابن حنبل وأبو داود والبزار .
"وفي حديث ابن حاتم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قاتل أحدكم أخاه، فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته»  صحيح مسلم
(فاختلطت الأمور) المتكررة في عين واحدة واجتمعت فيها (و) ظهرت الكثرة الأسمائية (كما أظهرت الأعداد بالواحد)، أي بتكراره (في المراتب المعلومة) العدد من الآحاد والعشرات والمئات والألوف .
(فأوجد الواحد)، بتكراره (العدد وفصل العدد) بمراتبة (الواحد) يعني أحواله
وأحكامه مثل الاثنين والثلاثة والأربعة وغير ذلك إلى ما لا نهاية له لأن كل مرتبة من هذه المراتب لیست غير الواحد المتجلي بها.
لأن الاثنين مثلا ليس إلا واحدا و واحدا اجتمعا بالهيئة الوحدانية فحصل الإثنان، فليس فيه سوى الواحد المتكرر فهو مرتبة من مراتبه وإذا تجلى الواحد في مرتبته ظهر بعض أحكامه التي لم تكن ظاهرة في مرتبة وأحديته كالزوجية الأولى مثلا.
وكذلك الثلاثة لما تجلى الواحد بها ظهرت بها الفردية الأولى التي لم تكن ظاهرة في مرتبة الواحدية والاثنينية أيضا.
وكذا البواقي فمراتب الأعداد كلها تفاصيل الأحوال الواحد وأحكامه المستحسنة قبل ظهوره فيها. 
.
يتبع الجزء الثاني

موسوعة شرح كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي الطائي الحاتمي



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية الجزء الثاني .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 7:32 am

04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية الجزء الثاني .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الإدريسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية     الجزء الثاني
أعلم أن الواحد ولله المثل الأعلى مثال العين الواحدة التي هي حقيقة الحق سبحانه وتعالى، والعدد مثال للكثرة الأسمائية الحاصلة من تجلي تلك الحقيقة بصور شؤونها ونسبها الذاتية أو لكثرة الأعيان الثابتة في العلم.
والمعدود مثال للحقائق الكونية والمظاهر الخلقية التي لا تظهر أحكام الأسماء ولا أحوال الأعيان الثابتة إلا بها كما أشار إليه على سبيل التمثيل.

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( وما ظهر حكم العدد إلا المعدود والمعدود منه عدم ومنه وجود، فقد يعدم الشيء من حيث الحس وهو موجود من حيث العقل. فلا بد من عدد ومعدود، ولا بد من واحد ينشئ ذلك فينشأ بسببه.
فإن كل مرتبة من العدد حقيقة واحدة كالتسعة مثلا والعشرة إلى أدنى وإلى أكثر)
بقوله رضي الله عنه: (وما ظهر حكم العدد إلا بالمعدود) فإن العدد لكونه عرضا غير قائم بنفسه لا بد أن يقع في معدود ما.
وكذلك الأسماء الإلهية والأعيان الثابتة لكونها مستهلكة تحت قهر الأحدية مغايرة الأحكام متمايزة الآثار إلا بالمظاهر الخارجية سواء كانت المظاهر موجودة في الحس كالأعضاء الظاهرة للنفس الإنسانية.
أو معدومة فيه لكنه موجود عند العقل كالقوى الباطنة لها، وإلى هذه القسمة أشار بقوله : قال الشيخ رضي الله عنه : (والمعدود منه عدم)، أي معلوم من حيث الحس (ومنه وجود)، أي موجود بحسبه (فقد بعدم الشيء من حيث الحس) بأن لا تدر كه الحواس الظاهرة (وهو موجود من حيث العقل) بأن يدركه العقل بآثاره كالنفس الناطقة وقواها الباطنة .
وكان المقصود من هذا التقسيم التنبيه على أن المظهر لا يجب أن يكون محسوس شهادية بل يجوز أن يكون معقولا عينيا (فلا بد) ههنا (من عدد) تفصيل الواحد (ومن معدود) يظهر به حكم العدد (ولا بد) أيضا (من واحد ينشيء) بتكراره (ذلك) العدد (بسببه).
أي يوجد العدد بسبب الواحد وتكراره أو يظهر الواحد في مراتبه ومقاماته المختلفة بسبب العدد وظهوره .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإن كان كل مرتبة من) مراتب (العدد حقيقة واحدة كالتسعة مثلا والعشرة إلى أدنى) منهما وهو من الثمانية إلى الاثنين (وإلى أكثر) منهما وهو من أحد عشر.

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (إلى غير نهاية، ما هي مجموع، ولا ينفك عنها اسم جمع الآحاد. فإن الاثنين حقيقة واحدة و الثلاثة حقيقة واحدة ، بالغا ما بلغت هذه المراتب، و إن كانت واحدة. فما عين واحدة منهن عين ما بقي. فالجمع يأخذها فنقول بها منها، ونحكم بها عليها.
قد ظهر في هذا القول عشرون مرتبة، فقد دخلها التركيب فما تنفك تثبت عين ما هو منفي عندك لذاته. ومن عرف ما قررناه في الأعداد، وأن نفيها عين إثباتها ،علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه.)

(إلى غير النهاية فما هي مجموع) جواب للشرط .
أي فليست كل مرتبة حيث أنها واحدة مجموعة من (الآحاد) بمنافاة الواحد جمعية اتحاد التي هي الكثرة , (ولا ينفك عنها) أيضا معلقة (اسم جميع الأحاد) إنها وإن انفك هذا الاسم منها باعتبار عروض الوحدة لها لكنه لا ينفك عنها باعتبار ذاتها وإنما لا بنفسك.
(فإن الإثنين حقيقة واحدة والثلاثة حقيقة واحدة) أخرى (بالغة ما بلغت هذه المراتب) .
وهذه المراتب (وإن كانت) كل منها (حقيقة واحدة فما عين واحدة)، أي فليس عين واحدة (منها عين ما بقي) فلا بد من فارق وليس الفارق هو الوحدة لاشتراكها بين الجمع فلا بد أن يكون الفارق ما وقع في جمع الآحاد من التفاوت .
(فالجمع بأخذها)، أي يتناول المراتب كلها فلا ينفك عنها اسمه (فيقول بها)، أي بتلك المراتب وثبتها ، فيمتاز بعضها عن بعض قولا وإثباتا ناشئة.
(منها)، أي من ذواتنا باعتبار تفاوت جمعياتها (ويحكم بها) باعتبار جمعياتها الآحاد (علیها) باعتبار كونها مراتب فيحكم كل مرتبة بأنه جمع الأحاد .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فقد ظهر في هذا القول)، أي التمول بوجود تلك المراتب و امتیاز بعضها عن بعض (عشرون مرتبة) بسيطة لا تركيب فيها وهي من واحد إلى تسعة و من عشرة إلى تسعين ومائة وألف وعد رضي الله عنه الواحد من المراتب تسامحا ، وإذا لم تكن منحصرة في هذه البسائط (فقد دخلها)، أي المراتب العشرينية (التركيب).
أي تركيب بعضها مع بعض لإفادة سائر المراتب الغير المتناهية، وكأنه رضي الله عنه جعل تثنية المائة والألف أيضا من قبيل التركيب لتركبهما مع علامة التثنية أو حكم بدخول التركيب باعتبار الأعم الأغلب.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فما تنفك)، أي لا تزال (تثبت) لكل مرتبة (عين ما هو منفي) عنه (عندك لذاته)، كما تقول في كل مرتبة أنها حقيقة واحدة فتثبت أنها الوحدة المنفية بذاتها عن كل عدد , فإنها منافية لكونه جمع الآحاد , فثبت لها الوحدة عن كل عدد، فإنها منافية لكونه جمع الآحاد .
فكما تقول في كل مرتبة إنها جمع الآحاد فتثبت لها الجمعية وهي منفية باتصافيها بالوحدة.
(ومن عرف ما قررناه في الأعداد) من أن منشأ الأعداد بتكراره هو الواحدة لواحد الظاهر في مراتبه والعدد (و)عرف أيضا (أن نفيها)، أي نفي كل مرتبة عن نفسها اسم
جمع الآحاد باعتبار الوحدة (عين ثبتها) إياه باعتبار كونه عدد بمعنى أن هذا البيت لا ينفك عن ذلك النفي كما لا تنفك عين الشيء عنه.
قال الشيخ رضي الله عنه : (علم أن الحق المنزه) عن مشابهة الخلق باعتبار إطلاقه (هو الخلق المشبه) بعضه ببعض من حيث تجليه بالصور المتعينة المتشابهة كما أن الواحد المنزه في حق نفسه عن الكثرة العددية هو العدد المنصف بالكثرة بتكرار ظهوراته.

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (و إن كان قد تميز الخلق من الخالق. فالأمر الخالق المخلوق، والأمر المخلوق الخالق. كل ذلك من عين واحدة، لا، بل هو العين الواحد و هو العيون الكثيرة. فانظر ما ذا ترى «قال يا أبت افعل ما تؤمر»[الصافات: 102]، و الولد عين أبيه.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (وإن كان قد تميز الخلق من الخالق) بالتقييد والإطلاق و الإمكان والوجوب تمييز العدد بسبب الواحد فإذا لاحظنا تقيد الخلق وإمكانه وإطلاق الحق ووجوبه فلا الخلق حق ولا الحق خلق .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالأمر الخالق المخلوق)، أي فالحال والشأن أن الخالق هو المخلوق كما أن الواحد هو العدد، وذلك إذا شاهدنا الخالق سبحانه في كمال إطلاقه وعلوه.
ثم لاحظنا تجليه :
أولا بالفيض الأقدس بصور الأعيان الثابتة.
وثانيا بالفيض المقدس بصور الأعيان الخارجية.
فقلنا : الخالق المخلوق، أي الخالق باعتبار تجليه وتنزله هو المخلوق .
قال الشيخ رضي الله عنه : (والأمر المخلوق الخالق)، أي الحال والشأن أن المخلوق هو الخالق كما أن العدد وهو الواحد.
وذلك إذا لاحظنا أولا المخلوق و فتشنا عن حقيقته ووجوده ووجدنا هما عين الخالق بالتجليين المذكورين.
فقلنا : المخلوق حقيقة ووجودا هو الخالق (كل ذلك) المذكور من الخالق والمخلوق (من عين واحدة) فإن الحقائق ثلاث:
1 - حقيقة فعالة مؤثرة واحدة عالية واجبة وهي حقيقة الله الخالق سبحانه .
2 - وحقيقة منفعلة متأثرة متكثرة سافلة ممكنة وهي حقيقة العالم المخلوق.
3 - وحقيقة ثالثة جامعة بينهما فعالة من وجه ، منفعلة من وجه واحدة من وجه كثيرة من وجه ، وكذا في سائر الصفات المتقابلة.
وهذه الحقيقة أحدية جمع الحقيقتين ولها المرتبة الأولية الكبرى والآخرية العظمی وهي العين الواحدة التي انتسب منها نسبنا الخالقية والمخلوقية.
(لا)، أي ليس كل ذلك منتشأ من عين واحدة فإن الانتشاء منها يوم الإثنينية
قال الشيخ رضي الله عنه : (بل هو)، أي كل ذلك (العين الواحدة)، باعتبار ارتفاع النسب 
الاعتبارية عن العين. (وهو)، أي كل ذلك هو (العيون الكثيرة) إذا اعتبرت تلك النسب ولوحظت أحكامها.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فانظر) العيون الكثيرة في المراد الفضيلية وأمعن النظر فيها لتعلم (ماذا ترى)، أي ما الذي تراه أو أي شيء تراه، أترى وحدة العين الواحدة فقط ؟
فتكون رؤية الحق تعالی مانعة لك عن رؤية الخلق أو كثرة العيون الكثيرة فقط. فتكون رؤية الخلق مانعة لك عن الحق فتكون الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة من غير أن يمنع إحداهما عن الأخرى، فمن تلك المواد التفصيلية حال إبراهيم مع إسحاق عليهما السلام وما فدی به من الذبح العظيم.
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (والولد عين أبيه. فما رأى يذبح سوى نفسه. «و فداه بذبح عظيم»، فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان. وظهر بصورة ولد: لا، بل بحكم ولد من هو عين الوالد. «و خلق منها زوجها»[النساء: 1]: فما نكح سوى نفسه. فمنه الصاحبة والولد والأمر واحد في العدد. فمن الطبيعة ومن الظاهر منها ، وما رأيناها نقصت بما ظهر منها ولا زادت بعدم ما ظهر؟)

قال الشيخ رضي الله عنه (قال) إسحاق عليه السلام بل الحق متلبسا بصورة إسحاق عليه السلام مخاطبا لنفسه في صورة إبراهيم عليه السلام ("يا أبت") يا من ظهر الحق بصورتي بواسطة ظهوره في صورتك وصورتي بك ( افعل ) [الصافات: 102]، أي هيىء لظهور فعل الحق فيك لتفعل ما تؤمر به في رؤياك من ذبحي إفناء نيابتي.
(والولد) في الحقيقة المطلقة بل الحقيقة الإنسانية التي هي من التعينات الكلية لها (عين أبيه فما رأى) إبراهيم عليه السلام بل الحق في صورته في المنام أنه يذبح سوى نفسه، ولكن في صورة إسحاق عليه السلام .
(وفداه)، في الحق سبحانه إسحاق عليه السلام (" بذبح عظيم" ) [الصافات: 107]  بكسر الذال أي وهو ما يذبح.
أي صورنا له نفسه في صورة ذبح (فظهر في صورة كبش) تصویر للفداء (من ظهر بصورة إنسان)، يعني إبراهيم و إسحاق عليهما السلام (وظهر بصورة الولد لأبل بحكم الولد)، أي نسبة الولدية وحكمها .
(من هو عين الوالد) وإنما أضرب تصريحا بالتقابل ، لأن الظهور بصورة المتقابلين أبدع.
ثم ترقی رضي الله عنه إلى ذكر من هو أقرب إلى السبر من إبراهيم و إسحاق عليهما السلام وهو آدم عليه السلام وحواء وولدهما.
"" تعقيب واجب على الشيخ الجامي رحمه الله يقول العبدلله :
الذبيح الأول هو نبي الله إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السلام وليس إسحاق عليه السلام الذي لم يكن ولد بعد عندما امر الله تعالي ابراهبم عليه السلام بذبح إبنه الوحيد في التوقيت إسماعيل عليه السلام  الذي يكبر أخوه إسحاق عليه السلام يـ 14 عام .
والذيح الثاني عبد الله ابن عبد المطلب والد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وليس كما يذهب مفسروا التوراة والأناجيل ان ذبيح الله هو إسحاق عليه السلام.
أولا من نصوص التوراة :
أقسم الله بذاته قائلاً لابو الأنبياء ايراهيم :" (16) وَقَالَ: «بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ (17) أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ (18) وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي ." سفر تكوين 22: 16-18
جاء قسم الله ولم يكن إسحاق بعد قد ولِدَ ، حيث إن الفارق فى العمر بينهما هو ( 14 ) عاماَ: (16) كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً لَمَّا وَلَدَتْ هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ لأَبْرَامَ.) تكوين 16: 16 و (5) وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ حِينَ وُلِدَ لَهُ إِسْحَاقُ ابْنُهُ.) سفر التكوين 21: 5.
وهو ما يخالف ما ورد في القرآن الكريم في سورة الصافات ويؤيد هذه النصوص من التوراة

ثانيا القرآن الكريم :
قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام :" فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعى قال يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين . وناديناه أن يا إبراهيم . قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم * وتركنا عليه فى الآخرين * سلام على إبراهيم . كذلك نجزى المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين * وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين . وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين".
الصافات : 101 -113 .

ثالثا السنة الشريفة :
وروى الحاكم فى المستدرك: 3512  - عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله عز وجل {وإن من شيعته لإبراهيم} [الصافات: 83] قال: " من شيعة نوح إبراهيم على منهاجه وسنته بلغ معه السعي شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم في العمل، فلما أسلما ما أمرا به وتله للجبين وضع وجهه إلى الأرض فقال: لا تذبحني وأنت تنظر عسى أن ترحمني فلا تجهز علي اربط يدي إلى رقبتي، ثم ضع وجهي على الأرض فلما أدخل يده ليذبحه فلم يحك المدية حتى نودي {أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} [الصافات: 105] فأمسك يده ورفع قوله {وفديناه بذبح عظيم} [الصافات: 107] بكبش عظيم متقبل «وزعم ابن عباس أن الذبيح إسماعيل» هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه " [التعليق - من تلخيص الذهبي] 3612 - على البخاري ومسلم
وروى الحاكم فى المستدرك: 4038 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال في الذي فداه الله بذبح عظيم، قال: «هو إسماعيل» هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه " [التعليق - من تلخيص الذهبي] 4038 - على شرط البخاري ومسلم.

الخلاصة :
و عليه مما سبق الغلام الحليم هو نبي الله إسماعيل عليه السلام وليس نبي الله اسحاق .
لنص الآية "وبشرناه بإسحاق نبيا "هو نبي الله إسحاق عليه السلام . وفارق 14 سنة كما ذكرت التوراة.

رابعا البشارة :
أتت البشارة باسحاق عليه السلام أتت بعد بعد ان اجتاز رسول الله إبراهيم والغلام الحليم إسماعيل عليهما السلام الإجتبار والبلاء المبين .

خامسا ما سطره الشيخ في كتابه الإسفار عن نتيجة الأسفار:
ماسطره الشيخ على أن الاعتقاد بكون الذبيح إسماعيل عليه السّلام ظاهر مما أورده الشيخ ابن العربي نفسه في كتابه الإسفار عن نتيجة الأسفار ( ص 37 ، سفر الهداية ) : 
« ولما ابتلي بذبح ما سأله من ربه وتحقق نسبة الابتلاء ، وصار بحكم الواقعة ، فكأنه قد ذبح - وإن كان حيّا - بشّر بإسحاق عليه السّلام من غير سؤال ، فجمع له بين الفداء وبين البدل مع بقاء المبدل منه." 
وعليه يكون النص الصحيح كالأتي :
قال الشيخ رضي الله عنه : (قال) إسماعيل عليه السلام بل الحق متلبسا بصورة اسماعيل عليه السلام مخاطبا لنفسه في صورة إبراهيم عليه السلام ("يا أبت") يا من ظهر الحق بصورتي بواسطة ظهوره في صورتك وصورتي بك ( افعل ) [الصافات: 102]، أي هيىء لظهور فعل الحق فيك لتفعل ما تؤمر به في رؤياك من ذبحي إفناء نيابتي.
(والولد) في الحقيقة المطلقة بل الحقيقة الإنسانية التي هي من التعينات الكلية لها (عين أبيه فما رأى) إبراهيم عليه السلام بل الحق في صورته في المنام أنه يذبح سوى نفسه، ولكن في صورة إسماعيل عليه السلام .
(وفداه)، في الحق سبحانه إسماعيل عليه السلام (" بذبح عظيم" ) [الصافات: 107]  بكسر الذال أي وهو ما يذبح.
أي صورنا له نفسه في صورة ذبح (فظهر في صورة كبش) تصویر للفداء (من ظهر بصورة إنسان)، يعني إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام (وظهر بصورة الولد لأبل بحكم الولد)، أي نسبة الولدية وحكمها .
(من هو عين الوالد) وإنما أضرب تصريحا بالتقابل ، لأن الظهور بصورة المتقابلين أبدع.
ثم ترقی رضي الله عنه إلى ذكر من هو أقرب إلى السبر من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وهو آدم عليه السلام وحواء وولدهما. "" أهـ. منشور موضوع كامل منقول عن ذبيح الله بعد نهاية الفص لمن أراد الزيادة.
قال تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من واحدة (وخلق منها زوجها)"، أي الذي أوجدكم بظهوره في صوركم ظهورا منتشأ من ظهوره بصورته (فما نكح)، أي دم حين نكح (سوى نفسه).
فإن زوجه من حيث الحقيقة المطلقة أو من حيث الحقيقة الإنسانية النوعية التي هي من التعينات الكلية لها عينه (فمنه)، أي من آدم بالاعتبار المذكور.
قال الشيخ رضي الله عنه : (الصاحبة والولد والأمر)، أي العين الظاهرة (واحد في العدد)، أي في عدد هؤلاء المعدودين و صورة كثرتهم أو الأمر الظاهر في هؤلاء المذكورين من آدم وزوجته وولده مثل الواحد الظاهر في العدد.
فكما أن حقائق العدد وعقوده مراتب ظهور الواحد كذلك آدم عليه السلام و صاحبته وأولاده مراتب ظهور الوجود الحق سبحانه.
ثم ترقي رضي الله عنه من ذكر آدم عليه السلام وصاحبته وولده إلى من هو أقرب منهم إلى المبدأ وهو الطبيعة .
فقال رضي الله عنه: (فمن الطبيعة). أي وإذا كان الأمر في نفسه واحد غير متعدد فما الطبيعة التي حضرت قوابل العالم كلها هو الوجود الحق المتعين بتعين كلي يؤثر في تلك القوابل به .
قال الشيخ رضي الله عنه : (ومن الظاهر منها) أي من الطبيعة هي جزئياتها التي هي الوجود الحق المتعين بتعين كلي أولا ثم تعینات شخصية (وما رأيناها نقصت بما ظهر منها) من إفرادها (ولا زادت بعدم ما ظهر) منها من الأفراد فإنها حقيقة معقولة نسبتها إلى ما ظهر منها نسبة الكلي إلى جزئیاته لا نسبة الكل إلى أجزانه .
فلا ينتقص بظهور الجزئيات وأفرادها عنها ولا يزيد برجوع الجزئيات إليها كما ينتقص الكل بأفراد الجزئيات عنه ویزید برجوعها إليه.
وكذلك الوجود الحق لا ينقص بظهور المظاهر عنه ولا يزيد برجوعها إليه.

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (بعدم ما ظهر؟
و ما الذي ظهر غيرها: و ما هي عين ما ظهر لاختلاف الصور بالحكم عليها: فهذا بارد يابس و هذا حار يابس: فجمع باليبس و أبان بغير ذلك. و الجامع الطبيعة، لا، بل العين الطبيعية.
فعالم الطبيعة صور في مرآة واحدة، لا، بل صورة واحدة في مرايا مختلفة. فما ثم إلا حيرة لتفرق النظر.)

قال الشيخ رضي الله عنه :  (وما الذي)، أي ليس الذي ظهركم من الطبيعة (غيرها) مطلقا بل هي التي ظهرت في صورة مرآتها لا غير كما أن الحق سبحانه نیس غير المظاهر مطلقا بل هو الذي ظهر بصورها .
قال الشيخ رضي الله عنه : (وما هي)، أي ليست الطبيعة (عين ما ظهر منها) مطلقا كما أن الحق سبحانه ليس عين المظاهر كذلك (لاختلاف الصور).
أي صور ما ظهر منها (بالحكم عليها)، أي على الطبيعة (وهي) أي الطبيعة (واحدة) لا اختلاف في حقيقتها وحكمها فلا يكون غيره عين ما وقع فيه الاختلاف. (فهذا) الشيء (بارد يابس) فتحكم صورته على طبيعته بالبرودة واليبس.
قال الشيخ رضي الله عنه : (وهذا) الشيء الآخر (حار يابس) تحكم صورته على طبيعته بالحرارة واليبس. (فجمع) الحاكم وهو الصورة بين هذين لا الببسين في الحكم (باليبس وأبان) بينهما في الحكم (بغير ذلك) اليبس يعني الحرارة والبرودة فهاتان الصورتان وإن اتفقتا في الحكم باليبس لكنهما اختلفتا في الحكم بالحرارة والبرودة .
فكل منهما بخلاف ما يحكم به الآخر (والجامع) بين هذه الصور المختلفة الأحكام هو (الطبيعة) التي لا اختلاف فيها من حيث ذاتها (لا بل) الجامع (العين واحدة).
و هكذا في بعض النسخ ومعناه ظاهر، وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه بل في أكثر النسخ لا بل العين الطبيعة ، أي العين الواحدة المعهودة التي ظهرت بصور الموجودات كلها بعد تعينها بتعين كل هي عين الطبيعة فما تجمعها الطبيعة تجمعها العين الواحدة.
فالجامع العين الواحدة (فعالم الطبيعة) أي الطبيعة المطلقة و جزئیاتها المفيدة والصور الطبيعية الجزئية التي سرت الطبيعة فيها كلها (صور) لأعيانها الثابتة ظهرت (في مرآة واحدة) هي الوجود الحق .
فالصور مشهودة والمرأة غير مشهودة كما هو شأن المرآة (لا بل) عالم الطبيعة (صورة واحدة) وهي الوجود الحق ظهرت (في مرايا مختلفة) .
هي تلك الأعيان الثابتة فتراءت بجمعها مختلفة متعددة (فما ثم)، أي عند تعدد المرآتين (إلا حيرة) للموحد المشاهد (لتفرق النظر): أي تفرق نظر شهوده فإنه يقع تارة على صور كثيرة في مرآة واحدة وتارة على صورة واحدة في مرايا متعددة ، ولا يتمكن من التمييز بين المراتب بل يجهلها في عين علمه بها بطريق الذوق والوجدان فيتحير ويعترف بالعجز .

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (ومن عرف ما قلناه لم يحر. و إن كان في مزيد علم فليس إلا من حكم المحل ، و المحل عين العين الثابتة: فيها يتنوع الحق في المجلى فتتنوع الأحكام عليه، فيقبل كل حكم، و ما يحكم عليه إلا عين ما تجلى فيه، و ما ثم إلا هذا:
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا ... و ليس خلقا بذاك الوجه فاذكروا
من يدر ما قلت لم تخذل بصيرته ... و ليس يدريه إلا من له بصر
جمع و فرق فإن العين واحدة ... وهي الكثيرة لا تبقى ولا تذر)
.

يتبع الجزء الثالث

موسوعة شرح كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي الطائي الحاتمي


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية الجزء الثالث .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 7:33 am

04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية الجزء الثالث .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الإدريسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية     الجزء الثالث
ويقول رضي الله عنه : العجز عن درك الإدراك إدراك (و) أما (من عرف ما قلناه) من الفرق بين المرتبتين و ميز بينهما بالعلم والعرفان كما علمهما بالذوق والوجدان (لم يحر) يفتح الحاء المهملة.
أي لم يقع في هذه الحيرة (وإن كان ) منها العارف (في مزید علم) وزيادة العلم توجب الحيرة كما يشعر به قوله عليه السلام: "رب زدني تحيرا" فإنه عليه السلام أراد الزيادة في الحيرة المسببة عن العلم ."وكان الشبلي يقول: يا دليل المتحيرين زدني تحيراً".
فقوله، وإن كان في مزید علم شرطية وصلية (فليس)، أي المزيد في العلم من عدم الحيرة.
قال الشيخ رضي الله عنه : (إلا من حكم المحل والمحل عین العين الثابتة، فبها) أي بالعين الثابتة التي للموجودات وتنوع استعداداتها (بتنوع الحق سبحانه) وتجلياته في المجلى العيني الخارجي الذي هو صورة العين الثابتة .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فتتنوع الأحكام عليه) ، أي على الحق سبحانه بحسب ما تقتضيه استعداداتها (فيقبل) الحق سبحانه (كل حكم) تقتضيه العين الثابتة (وما يحكم عليه) أي على الحق سبحانه.
قال الشيخ رضي الله عنه : (إلا عين ما تجلى فيه ما ثمة) حاكم (إلا هذا).
شعر: (فالحق خلق بهذا الوجه)، أي وجه ظهور الوجود الحق في المرايا المختلفة والمجالي المتعددة وتنوع الأحكام عليه بحسبها (فاعتبروا)، أي كونوا عابرین من كثرتها النسبية العارضة له باعتبار ظهوره في تلك المرايا والمجالي إلى وحدته الحقيقية الذاتية.
(وليس) الحق سبحانه (خلقة بهذا الوجه). المذكور أولا وهو كونه مرآة للاعيان الخلقية فالحق ليس خلقا حينئذ بل منزه عن الصفات الخلقية محتجبا بحجاب غيره باق في عينه لا يشهد ولا يرى.
وكلما يشهد ويرى فهو خلق (فاذكرو)، أي كونوا ذاكرین له غير ناسين لاحتجابه وراء الصور الخلقية.
(من يدر)، أي من بعرف (ما قلت) من الوجهين (لم تخذل) بناء على الفاعل أو المفعول، أي
لم تزغ ولم تمل على شهود الحق الواحد سبحانه في مراتب الكثرة (بصيرته وليس بدريه)، أي ليس ما يدري ما قالت (إلا من له بصر) نافذ في بواطن الأشياء غير متجمد على ظواهرها.
(جمع) أي أحكم بالجمع والوحدة في مرتبته (و فرق)، أي أحكم بالفرق والكثرة في مرتبته .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإن العين واحدة) في حد ذاتها (وهي) أي العين الواحدة (الكثيرة) بحسب تجلياتها بشؤونها وصفاتها ("لا تبقي ولا تذر" ) [المدثر : 28] عند ظهورها بالوحدة شيئا من صور الكثرة إلا وهي بذاتها تتجلى فيه.  
اعلم أن للحق سبحانه علوة ذاتيا في مرتبة البطون والجمع حيث كان الله ولم يكن معه شيء.
فإنه لا شيء هناك حتى يكون علوه بالنسبة إليه وعلوا ذاتيا في مرتبة الظهور والفرق باعتبار اتحاد الظاهر والمظهر فإنه لا شيء سواه هناك أيضا .
ولا شك أن له بهذا الاعتبار كما لا يستغرق به جميع الصفات الوجودية والنسب العدمية التي تكون للمظاهر كلها .
وكان الشيخ رضي الله عنه بعدما صرح بقبوله، أي قبول الوجود الحق كل حكم حكمت به المظاهر والمحال إلى هذا العلو .


قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية والنسب العدمية بحيث لا يمكن أن يفوته نعت منها، وسواء كانت محمودة عرفا وعقلا و شرعا أو مذمومة عرفا وعقلا وشرعا.)

أشار حيث قال رضي الله عنه : (فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية).
أي الصفات الحقيقية الموجودة (والنسب)، أي الصفات (العدمية)، أي المعدومة في ذاتها سواء كانت إضافية أو سلبية ويستوعبها بحيث لا يمكن أن يفوت نعت منها)، أي من تلك الأمور والنسب سواء كانت تلك الأمور والنسب (محمودة عرفا وعقلا وشرعا) .
أراد رضي الله عنه سواء كانت محمودة عرفا.
و سواء كانت محمودة عقلا (او مذمومة) عقلا .
وسواء كانت محمودة شرعا أو مذمومة شرعا .
لكنه رضي الله عنه جمعها وما للاختصار وإنما صحت إضافة "مظاهر صور تجليات" المذام إليه تعالى لأن إضافتها إليه إكسير ينقلب به النقصان كمالا والمذمة مدحا .
فالمضاف إليه تعالى إنما هو ذوات المذام مجردة عن صفة المذمة بل ملتبسة بصفة المحمدية .
وبيان ذلك كل موجود هو صورة حقيقة مخصوصة ومظهر اسم خاص من الأسماء الإلهية يكون ظهور أحكام حقيقة , وأنار الاسم الظاهر فيه محمدة وكمالا له وإن كان بالنسبة إلى من لا يلائمه مذمة ونقصانا وعدم ظهورها والخلل فيه بالعكس كالهداية للأنبياء والأولياء الكاملين والإضلال للشياطين.
فكل منهما كمال نسبي بالنسبة إلى ما خلق له لا إلى ما يقابله أو يضاده فمنشا المذمة إنما هو خصوصية المحل الذي يقتضي
عدم الملاءمة فمن لا يكون له خصوصية الاقتضاء, بل يكون بذاته مستغني عن الكل وبحسب شروطه مقتضية للكل .
يكون كل في محله تقتضي حكمته ودلیل قدرته وفضيلته حيطية وأنه كماله مع فرط نزاهة جلاله.
ولا يتصور فيه عدم الملائمة أصلا فلا يتطرق إليه مذمة بل صاحب كمال الحيطة واستيعاب الوجود .
لو لم يوصف مظهر من مظاهره كان فادح في صفة إحاطته وكمال استيعابه .


قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وليس ذلك إلا لمسمى الله تعالى خاصة. وأما غير مسمى الله مما هو مجلى له أو صورة فيه، فإن كان مجلى له فيقع التفاضل لابد من ذلك بين مجلى ومجلى، وإن كان صورة فيه فتلك الصورة عين الكمال الذاتي لأنها عين ما ظهرت فيه. فالذي لمسمى الله هو الذي لتلك الصورة. ولا يقال هي هو ولا هي غيره.)

قال الشيخ رضي الله عنه : (وليس ذلك) العلم الذاتي والكمال المستغرق (إلا المسمى) الاسم (الله خاصة) يعني الذات البحث والوجود المطلق , فإن الاسم الله كما يطلق على مرتبة الإلهية .
كذلك يطلق على الذات البحت والوجود المطلق.
ولا شك أن هذا الاستغراق للمطلق لا للمقيد بمرتبة الإلهية .
(وأما غير مسمى الله خاصة مما هو مجلى ) من المجالي المتميزة عنه بالوجود الخارجي (له أو صورة) اسمية حاصلة (فيه) تنعين به الذات تعيين الهيولي بالصورة ولكن تعيينا عقليا  لا خارجيا .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإن كان)، أي عين مسمى الله، (مجلى له فيقع التفاضل لا بد من ذلك)، أي من وقوع التفاضل بين مجلى ومجلی بحسب ظهوره في بعض المجالي بجميع الأسماء كالإنسان الكامل .
وفي بعضها ببعضها وما يظهر فيه ببعضها أيضا يقع فيه التفاضل (وإن كان)، أي غير مسمى الله (صورة فيه فتلك الصورة عين الكمال الذاتي) المستغرق بجميع الكمالات .
(لأنها)، أي تلك الصورة (عين ما ظهرت تلك الصورة فيه) بحسب الوجود والتحقق وإن كانت غيره بحسب التعقل، بخلاف المجالي فإنها متمایزة بعضها عن بعض بالتعيينات المختلفة تحققا و مختلفا .
ومتميزة عن الوجود الحق أيضا بالتعين والإطلاق، ولظهور غلبة حكم المغايرة بين مسمى الله و مجاليه .
وغلبة حكم الاتحاد بينه وبين أسمائه أثبت رضي الله عنه التفاضل بين المجالي. وقال : لا بد من ذلك ونفاه عن الأسماء مع أنه أثبت فيما سبق العلو الذاتي للمجالي أيضا .
حيث قال : وهو من حيث الوجود عين الموجودات، فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها ولا شك في وجود التفاضل بين الأسماء باعتبار خصوصياتها المتميزة بعضها عن بعض .
كما صرح به رضي الله عنه فيما سبق حيث قال : فعلو الاضافة موجود في العين الواحدة من حيث الوجوه الكثيرة .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالذي لمسمى الله) من العلم الذاتي والكمال المستغرق (هو الذي لتلك الصورة ولكن لا يقال هي)، أي تلك الصورة الاسمية (هو)، أي مسمى لمغايرتها له في التعقل (ولا هي غيره) لاتحادهما في التحقق والوجود.


قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وقد أشار أبو القاسم بن قسي في خلعه إلى هذا بقوله: إن كل اسم إلهي يتسمى بجميع الأسماء الإلهية وينعت بها. وذلك أن كل اسم يدل على الذات و على المعنى الذي سيق له ويطلبه. فمن حيث دلالته على الذات له جميع الأسماء، ومن حيث دلالته على المعنى الذي ينفرد به، يتميز عن غيره كالرب والخالق والمصور إلى غير ذلك. فالاسم المسمى من حيث الذات، والاسم غير المسمى من حيث ما يختص به من المعنى الذي سيق له.
فإذا فهمت أن العلي ما ذكرناه علمت أنه ليس علو المكان ولا علو المكانة، فإن علو المكانة يختص بولاة الأمر كالسلطان والحكام والوزراء والقضاة وكل ذي منصب سواء كانت فيه أهلية لذلك المنصب أو لم تكن، والعلو بالصفات ليس كذلك)

قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقد أشار أبو القاسم ابن قسي) بفتح الفاء وتخفيف السين وتشديد الياء من أكابر شيوخ المغرب مشهور و معتبر (في خلعه) وهو كتاب من تصانيفه سماه خلع النعلين شرحه الشيخ رضي الله عنه .
قال الشيخ رضي الله عنه : (إلى هذا بقوله : إن كل اسم إلهي بنسمي بجميع الأسماء الإلهية وينعت بها وذلك)، أي عموم المتسمي والنعت (هناك)، أي بين الأسماء الإلهية من أجل أن (كل اسم) إلهي (يدل على الذوات وعلى المعنى الذي سبق له). أي وضع الاسم له.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ويطلبه) ذلك الاسم ليتميز به عن سائر الأسماء (من حيث دلالته على الذات له جميع الأسماء ومن حيث دلالته على المعنى) المخصوص (الذي ينفرد به يتميز عن غيره) من الأسماء كـ الرب والخالق والمصور إلى غير ذلك من الأسماء.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالاسم عين المسمى من حيث الذات والاسم غير المسمى من حيث ما يختص به من المعنى الذي سبق له فإذا فهمت أن العلي) العلو الذاتي (ما ذكرناه) من إله هو الذي يكون له الكمال المستغرق جميع الكمالات (علمت أنه)، أي العلم الذاتي (ليس علو المكان) وهو ظاهر (ولا علو المكانة) يعني العلو بحسب منصب من المناصب.
وعلو المكانة بهذا المعنى أخص مما سبق فإنه كان شاملا للعلو بالصفات أيضا.
وإنما قلنا : العلم الذاتي ليس علو المكانة (فإن علو المكانة) بالمعنى الأخص (يختص بولاة الأمر) الذين يتولون أمور المسلمين بالغلبة أو اتفاق جماعة أو نصب ذي منصب أعلى.
قال الشيخ رضي الله عنه : (كالسلطان والحكام والوزراء والقضاة وكل ذي منصب سواء كانت فيه أهلية ذلك المنصب) .
كبعض من سلف من هؤلاء المذكورين (أو لم يكن) كأبناء زماننا هذا، ويمكن زوال العلو بالمكانة بهذا المعنى عن صاحبه كما إذا انعزل السلطان والوزير والحاكم والقاضي من مناصبهم.
قال الشيخ رضي الله عنه : (والعلو بالصفات)، أي انتي بنصف بها الموصوف في حد ذاته من غير اعتبار معتبر مع أنه دون العلم الذاتي (ليس كذلك) أي مختصا بولاة الأمر ووقعا في معرض الزوال، فما ظنك بالعلو الذاتي الذي هو أعلى مرتبة من الكل.
فلا يكون العلو بالذات علو المكانة ، وإنما العلو بالصفات ليس كالعلو بالمرتبة.


قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فإنه قد يكون أعلم الناس يتحكم فيه من له منصب التحكم وإن كان أجهل الناس. فهذا علي بالمكانة بحكم التبع ما هو علي في نفسه. فإذا عزل زالت رفعته والعالم ليس كذلك.)

قال الشيخ رضي الله عنه : (فإنه قد يكون أعلم الناس يتحكم فيه من له منصب التحكم مع كونه أجهل الناس فهذا). أي من له منصب التحكم مع كونه أجهل الناس (علي بالمكانة) "عالي المكانة" والمرتبة (بحكم التبع ما هو علي في) حد (نفسه) من غير اعتبار أمر خارج عن ذاته وصفاته .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإذا عزل زالت رفعته والعلم ليس كذلك)، فإن العلم مما يبقى أبد الآبدين ولا يزال صاحبه من العالمين .
واعلم أن العلي بالذات وإن لم يكن علوه علو مكان ولا مكانة ولا صفة، فهو بحسب كماله المستغرق يستوعب جميع أقسام العلو بل لا يكون منصفا به إلا هو، فالعلي بجميع أقسام العلو هو الحق سبحانه وتعالى تفضيلا "وتحقيقا" لا غير
"والحمد لله رب العالمين" [الأنعام : 45].

انتهي الفص النوحي
.

موسوعة شرح كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي الطائي الحاتمي


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 7:42 am

05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الإدريسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية  الجزء الأول

الفص الإبراهيمي
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه: (إنما سمي الخليل خليلا بتخلله وحصره جميع ما اتصفت به الذات الإلهية ؛قال الشاعر: )
 بسم الله الرحمن الرحيم
فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية
إنما خص الحكمة المهيمية بالكلمة الإبراهيمية لأن التهييم من الهيمان وهو صفة تقتضي عدم انحياز صاحبها إلى جهة بعينها بل إلى المحبوب في أي جهة كان لا على التعيين .
وهذه الصفة تحققت أولا في الملائكة المهيمين تجلى لهم الحق سبحانه في جلال جماله فهاموا فيه وغابوا عن سوى الحق حتى عن أنفسهم.
وثانيا من كمل الأنبياء في إبراهيم عليه السلام حيث غلب عليه محبة الحق حتى تبرأ عن أبيه في الحق وعن قومه وتصدى لذبح ابنه في سبيل الله .
وخرج عن جميع ماله مع كثرته المشهورة لله سبحانه ، وإنما قرنها بالحكمة القدوسية، لأنه وجب أن يذكر بعد الصفات التنزيهية السلبية أحكام الصفات النبوية ومراتبها.
وأول مظاهرها : الإنسانية، لتكمیل مرتبة المعرفة بالذات فإن السلوب لا تفيد معرفة تامة أصلا.
وكان الخليل عليه السلام أول مرآة ظهرت بها أحكام الصفات الإلهية الثبوتية.
وأول من حاز التخلق بها، فله أولية الظهور بالصفات الإلهية الثبوتية بمعنى أنه بحقيقته كسائر الذات بالصفات.
وهذه المناسبة ورد في الصحيح أن أول من يكسی يوم القيامة من الخلق إبراهيم عليه السلام ، لأنه الجزاء الوفاق. رواه البخاري ومسلم وغيرهم
(إنما سمي الخليل) يعني إبراهيم عليه السلام (خليلا لتخلله وحصره جميع ما اتصفت به الذات الإلهية) .
والمراد بتخلله الصفات الإلهية وحصرها إياها دخوله حضراتها وقيامه بمظهریانها واستيعابه إياها بحيث لا يشذ شيء منها بشرط أن تكون ظهور تلك الصفات فيه علی وجه يكون على جهة الإطلاق.
والحقية فيها غالبة على جهة التشييد والخلقية ، واستشهد لما ذكره من التخلل على وجه الاستيعاب وفي وجه التسمية بها.

قال الشيخ رضي الله عنه : (قد تخللت مسلك الروح مني ... وبه سمي الخليل خليلا
كما يتخلل اللون المتلون، فيكون العرض بحيث جوهره ما هو كالمكان والمتمكن، أو لتخلل الحق وجود صورة إبراهيم عليه السلام. و كل حكم يصح من ذلك، فإن لكل حكم موطنا يظهر به لا يتعداه.)
( قد تخللت مسلك الروح مني)، أي دخلت من حيث محبتك جميع مسالك روحي من القوى والأعضاء بحيث لم يبق شيء منها لم يصل إليه (وبه) أي بسبب هذا التخلل (سمي الخلیل) كائنا من كان (خليلا).
ثم لما كان التخلل المذكور في وجه التسمية أمرا معقولا مثله في صورة محسوسة، ولم يكتف بالتمثيل العقلي المفهوم من البيت المستشهد به توضيحا للطالبين.
فقال : (كما بتخلل اللون) الذي هو عرض (المتلون) الذي هو جوهر يحل فيه ذلك العرض حلول السريان (فيكون)، أي بوجد (العرض بحيث) يوجد (جوهره) الذي هو قائم به حال فيه .فلا يحل جزء من أجزاء الجوهر من العرض فيستغرق العرض جميع أجزائه .
(ما هو)، أي ليس ذلك التخلي المماثل لتختل اللون المتلون (كالمكان والمتمكن)، أي كالتخلل الواقع بين المكان والمتمكن بأن يكون بين سطحيهما تماس من غير امتزاج واستيعاب.
وإنما نفى الشيخ رضي الله عنه مماثلة تخلل العبد وجود الحق و صفاته عن تداخل المتمكن المكان مع أن الحق سبحانه كما أنه منزه عن أن يكون بذاته وصفة ظرفا لشيء أو مظروفا له .
كذلك منزه عن أن يحل شيء أو يحله شيء حلول السريان، لأن المقصود من هذا التمثيل تصویر كمال الإحاطة والاستيعاب.
وهو في الصورة الأولى لا الثانية (أو لتخلل الحق وجود صورة إبراهيم) أي صورته الوجودية الروحانية أو الجمسانية الدنيوية والأخروية .
وفي بعض النسخ و لتخلل الحق بالواو وقالوا وبناء على أنه عليه السلام جامعا بين التخللین , او بناء على أن أحدهما يكفي في وجه التسمية.
(وكل حكم) عطف على قوله : وجود صورة إبراهيم أي وتتخلله كل حكم (وأثر يصح) ظهوره و انتشاؤه (من ذلك)، أي من وجود صورته في أي موطن كان وذلك بأن يتصف سبحانه بنك الحكم والأثر في ذلك الموطن وإنما قيد الحكم بالصحة وما ذكره مطلق.
(فإن لكل حكم) يتصف به العبد ويتخلله الحق سبحانه (موطنا) باعتبار خصوصیات الصور الوجودية (يظهر) ذلك الحكم (به)، أي بهذا الموطن فالباء للسببية أو بمعنى في (لا يتعداه) إلى موطن آخر فلا يتخلل في موطن كل صورة كل الأحكام .
بل كل حكم يصح منها في ذلك الموطن كالأحكام المذمومة مثلا.
فإن موطن ظهورها إنما هي النشأة الدنيوية لا يتعداها إلى موطن النشأة الروحانية ولا إلى موطن النشأة الأخروية.
ففي هذين الموطنين لا يتخلل الحق سبحانه تلك الأحكام المذمومة، فإنها لا تتعدى موطن النشأة الجسمانية الدنيوية إليهما.
ثم نور رضي الله عنه تخلل الحق بوجود الحق و اتصافه بصفانه بقوله :

قال الشيخ رضي الله عنه : (ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات، وأخبر بذلك عن نفسه، وبصفات النقص وبصفات الذم؟
ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق من أولها إلى آخرها و كلها حق له كما هي صفات المحدثات حق للحق. )
(ألا ترى أن الحق يظهر ) من حيث تعينه وتقيده بالظهور في عين العبد.
(بصفات المحدثات) يعني الصفات التي لا تصبح ظهوره سبحانه بها إلا في هذه النشأة الدنيوية (وأخبر بذلك) الظهور (عن نفسه) كما قال سبحانه : "الله يهزئ بهم" [البقرة : 15]،  "ومكر الله " [آل عمران : 54] "ومرضت فلم تعدني". رواه مسلم وابن حبان وغيرهم
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل يقول يوم القيامة:
يا ابن آدم مرضت فلم تعدني.؟
قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمین !
قائل : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ؟
أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده .
يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني؟
قال يا رب و كيف أطعمك وأنت رب العالمين!
قال أما علمت أنه أستطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي .
يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني ؟
قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين !
قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي. "
(وبصفات النقص وبصفات الذم) ولكن يكون ذلك النقص والذم بالنسبة إلى غيره لا إليه سبحانه كما سبق تقرير ذلك.
ومن تخلل العبد وجود الحق بقوله : (ألا ترى المخلوق)، يعني الإنسان الكامل (يظهر بصفات الحق من أولها إلى آخرها) تخلف وتحقق سوى الوجوب الذاتي فإنه لا قدم للحادث فيه (وكلها)، أي كل صفات الحق (حق)، أي ثابت (للحق سبحانه) باعتبار تعین وجوده بها .
ولما كان المفهوم من أول الفص إلى ههنا أن العبد يتخلل تارة صفات الحق سبحانه والحق يتخلل تارة صفات العبد فلكل منهما صفات تغایر صفات الآخر أراد أن ينبه على أن صفات العبد أيضا واجعة إلى الحق فإنه بعض من صور شؤونه وصفاته بعض من صفاته .
فأشار أولا إلى رجوع المحامد إليه بقوله تعالى:

قال الشيخ رضي الله عنه : («الحمد لله»: فرجعت إليه عواقب الثناء من كل حامد و محمود. «و إليه يرجع الأمر كله» فعم ما ذم و حمد، و ما ثم إلا محمود و مذموم. اعلم أنه ما تخلل شي ء شيئا إلا كان محمولا فيه.  فالمتخلل اسم فاعل محجوب بالمتخلل- اسم مفعول. فاسم المفعول هو الظاهر، واسم الفاعل هو الباطن المستور. وهو غذاء له كالماء يتخلل الصوفة فتربو به وتتسع. فإن كان الحق هو الظاهر فالخلق مستور فيه، فيكون الخلق جميع أسماء الحق سمعه و بصره و جميع نسبه و إدراكاته. وإن كان الخلق هو الظاهر فالحق مستور باطن فيه، فالحق سمع الخلق و بصره و يده و رجله و جميع قواه كما ورد في الخبر الصحيح. )
(" الحمد لله" )(الفاتحة : 2]، أي الحمد الشامل كل حامدية به ومحمودية ملك لله تعالی مختص به لا يتجاوز إلى غيره .
(فرجعت إليه سبحانه عواقب الثناء) انتهاء وإن كان متعلقة بغير ابتداء (من كل حامد ومحمود).
وأشار ثانية إلى رجوع المحامد والمذام كلها إليه بقوله سبحانه :("وإليه ترجع الأمر كله" [هود: ۱۲۳] فعم).
أي هذا القول منه تعالى، أو الأمر الراجع إليه المفهوم من هذا القول (ما ذم) من الأمور (وما حمد) منها (وما ثمة)، أي في الواقع (إلا أمر محمود أو مذموم) فلا يكون أمر في الواقع إلا ويرجع إليه .
ثم إنه رضي الله عنه لما ذكر التخللين المذكورين في وجه تسمية الخليل خلية أراد أن يشير إلى أن :
أحدهما نتيجة قرب الفرائض
والأخر نتيجة قرب النوافل.
فقال : (اعلم أنه ما تخلل شيء شيئا إلا كان) الشيء المتخلل اسم فاعل (محمولا فيه)، أي في المتخلل اسم مفعول، أي مستور.
(بالمتخلل اسم مفعول فإسم المفعول هو الظاهر واسم الفاعل هو) الباطن المستور. وهو أي الباطن (غذاء له)، أي للظاهر لاختفائه كالغذاء في الظاهر ويقوي الظاهر به ، ثم أورد رضي الله عنه مثالا محسوسة للتوضيح فقال : (كالماء يتخلل الصوفة فتربو) أي تزداد الصوفة (به) ، أي بالماء (وتتسع)، أي تمتد في الأطراف
فإن كان الحق هو الظاهر في نظر العبد المتجلى له بأن براه ظاهرة بالفعل والتأثير ويرى الأحكام والآثار مستندة إليه لا إلى نفسه .
(فالخلق) يعني ذلك العبد المنجلي له (مستور فيه، فيكون الخلق جميع أسماء الحق) وصفاته (من سمعه وبصره وجميع نسبه من الإرادة والقدرة وغيرهما (وإدراكاته).أي علمه المتعدد بتعدد متعلقاته.
وهذا نتيجة قرب الفرائض (وإن كان الخلق) يعني العبد المتجلى له (هو الظاهر) بذلك الاستناد (فالحق مستور باطن فيه) لا يستند إليه شيء في نظره إلا بالآلية. (فالحق سمع الخلق وبصره و یده ورجله وجميع قواه)، وجوارحه وهذا نتيجة قرب النوافل (كما ورد في الخبر الصحيح)
من أنه صلى الله عليه وسلم قال إشارة إلى قرب الفرائض إن الله قال على لسان عبده"سمع الله لمن حمده " رواه البخاري ومسلم . وقال: "هذه يد الله وهذه يد عثمان" رواه النسائي فى السنن ووافقه الألباني وابن تيمية
، وأشار إلى يده ومع أنه صلى الله عليه وسلم قال : حكاية عن الله سبحانه إشارة إلى قرب النوافل "لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل" الحديث رواه البخاري .
""قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته .""

قال الشيخ رضي الله عنه : (ثم إن الذات لو تعرت عن هذه النسب لم تكن إلها. وهذه النسب أحدثتها أعياننا: فنحن جعلناه بمألوهيتنا إلها، )
(ثم إن الذات) الإلهية (لو تعرت)، أي تجردت (عن النسب المسماة بالأسماء والصفات اللاحقة للذات بقياسها إلى أعيان العالم واستعداداتها ولم يكن إلها) .
فإن الإلهية عبارة عن مرتبة أحدية جمع هذه النسب التي هي الأسماء والصفات، فلو لم نعتبر هذه النسب لم يبق إلا الذات الإلهية التي لا يشار إليها بوجه من الوجوه وانتفت مرتبتها التي هي الإلهية .
(وهذه النسب أحدثتها أعياننا)، فإنه لا يتحقق إلا بالمتناسبين فلكل منهما دخل في تحققها وإن لم يستقل وهذا هو المراد بإحداثها، و المراد بالأعيان أعم من أن تكون ثابتة علمية أو موجودة عينية .
فإن بعض هذه النسب نلحق الذات بالنسبة إلى الأعيان الثابتة وبعضها يلحقها بالنسبة إلى الأعيان الخارجية (فنحن جعلناه بمألوهيتنا إلها)، أي جعلناه بعبوديتنا وكوننا محل تصرفه بحيث اتصف بالنسب الإلهية وإطلاق لفظ المألوه على العبد .
خلاف ما يقوله المفسرون من أن الإله بمعنى المألوه و هو المعبود وكأنه رضي الله عنه لاحظ في الإله بمعنى التأثير والتصرف فيما سواه .
فلا جرم يكون اسم المفعول منه هو العبد والمفسرون لما لاحظوا فيه معنى استحقاق من سواه لعبادته وعبوديته لا يكون اسم المفعول منه عندهم إلا المعبود .

قال الشيخ رضي الله عنه : (فلا يعرف حتى نعرف. قال عليه السلام: «من عرف نفسه عرف ربه» وهو أعلم الخلق بالله.
فإن بعض الحكماء وأبا حامد ادعوا أنه يعرف الله من غير نظر في العالم وهذا غلط. )
(فلا يعرف الحق) سبحانه من حيث مرتبة الإلهية (حتى نعرف) نحن من حيث مرتبة عبوديتنا ومألوهيتنا ، أي يمتد عدم معرفته إلا حين وجود معرفتنا أنفسنا وينتفي ضدها، في حين تعرف نحن يعرف هو.
(قال : من عرف نفسه عرف ربه وهو أعلم الخلق بالله.) فالأمر على ما هو أخبر عنه سبحانه .
وبعدما عرفت هذا (فإن بعض الحكماء وأبا حامد) الغزالي (ادعوا أنه يعرف ألله من غير نظر في العالم)، أي من غير استدلال به عليه استدلالا بالمؤثر على الأثر.
أو من غير ملاحظة له سواء كان بالاستدلال أو بغيره كما في المتضايفين.
(وهذا غلط منهم)، لأنه إن كان المراد الثاني فلا شك أن الألوهية معنی نسبي فلا يمكن تعقلها بدون المنتسبين .
الذين أحدهما : العالم
وإن كان المراد الأول فقيل : وجه الغلط أن طريق أهل النظر إما الاستدلال بالأثر على المؤثر أو بالمؤثر على الأثر .
ولا مؤثر للحق سبحانه "لا مؤثر فى الحق سبحانه" يستدل به عليه ، فإنحصر طريق معرفته في الاستدلال بالأثر على المؤثر.
والأثر هو العالم فلا يعرف من غير نظر في العالم.
ونوقش فيه بأن الكلام في مرتبة الألوهية لا في الذات البحت، ويمكن الاستدلال على المرتبة بالمؤثر فيها الذي هو الذات البحت.
بأن تعرف أولا الذات ثم بعض الصفات كوجوب الوجود مثلا ، وتفرع عليه سائر الصفات كما فعلوا ذلك .
وعلى مجموع الذات والصفات إلا بأمر واحد كما صدرت بحسب الواقع، فتعرف مرتبة الألوهية من غير استدلال بالعالم عليها وإن كان لا بد فيه من ملاحظة العالم. ويمكن أن يجاب عنه بأن معرفة الذات البحت يستدل بها على مرتبة الألوهية من غير نظر في العالم بالاستدلال عليها غير معلومة بل عدمها معلوم عند أهل النظر.
فالحكم بصحة معرفة تلك المرتبة من غیر نظر في العالم يكون غلطا غير صحيح. "لكن" نعم يصح ذلك في طريق أهل الكشف .
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : "عرفت الأشياء بربي" حين قيل له : بم عرفت الله؟ " استشهد به ابن تيمية فى الفتاوى الكبرى و درء تعارض العقل مع النقل وفى غيرها.ونصه "عرفت الأشياء بربي وما عرفت ربي بالأشياء""
وكأنه إلى ذلك يشير الشيخ رضي الله عنه حيث

قال الشيخ رضي الله عنه : (نعم تعرف ذات قديمة أزلية لا يعرف أنها إله حتى يعرف المألوه. فهو الدليل عليه.
ثم بعد هذا في ثاني حال يعطيك الكشف أن الحق نفسه كان عين الدليل على نفسه و على ألوهيته، و أن العالم ليس إلا تجليه في صور أعيانهم الثابتة التي يستحيل وجودها بدونه ، وأنه يتنوع و يتصور بحسب حقائق هذه الأعيان و أحوالها،)
يقول: (نعم تعرف) من غير نظر في العالم (ذات قديمة أزلية لكن لا يعرف أنها إله حتى يعرف المألوه) ويستدل به على ألوهيته (فهو) أي المألوه (الدليل عليه)، أي على الإله من حيث هو إله ولذلك سمي عالما من العلامة التي هي الدليل.
(ثم بعدها في ثاني الحال) وفي بعض النسخ في ثاني حال بدون اللام أي بعد أن عرفت بمألوهيتك الإله وتوجهت إليه بكليتك تنفتح عين بصيرتك، بنور الكشف. (يعطيك) هذا الكشف الواقع في مقام الجمع بعد الفرق .
(أن الحق نفسه) باعتبار صور تعیناته و تقيداته (كان عين الدليل على نفسه) باعتبار مرتبة إطلاقه فإن كل تعين بالضرورة مسبوق باللاتعين . كذلك هو بخصوصياته التعينية عين الدليل على نسب (ألوهيته) .
فإن خصوص كل تعين يقتضي نسبة خاصة وصفة معينة .
(وإن العالم) عطف على قوله : وأن الحق عطف تفسير يعني ويعطيك الكشف أن العالم بجميع حقائقه الموجودة فيه .
(ليس إلا تجليه) الوجودي بالفيض المقدس .
(في صور أعيانهم الثابتة التي يستحيل وجودها)، أي وجود تلك الأعيان .
(بدونه) أي بدون ذلك التجلي الوجودي.
فالأعيان الموجودة ليست إلا تجلياته سبحانه فيها.
ولا فرق بينها وبين الحق إلا بالتقييد والإطلاق والمقید عین المطلق من وجه فهو سبحانه عین الدليل على نفسه .
(و) كذلك يعطيك الكشف (أنه) يعني العالم (بتنوع) أنواعا مختلفة (ويتصور) بفتح الياء يقبل صورة متباينة .
(بحسب) تنوعات (حقائق هذه الأعيان) الثابتة المتنوعة بحسب تنوعات النسب الألوهية.
(و) بحسب تنوعات (أحوالها) فهو سبحانه باعتبار تنوعات ظهوره في صور العالم دليل على نسبة ألوهيته كما كان من حيث نفس تجليه فيها دليلا على نفسه .
اعلم أن المشهود في هذا انكشف ليس إلا الحق سبحانه بتجلياته المختلفة المتنوعة بحسب اختلافات المجالي وتنوعات المراني .
فيشهد الوجود الحق الواحد بسبب انصباغه بأحكام المجالي والمرائي متعدد متكثرة.
وهذا الشهود على نوعين :
أحدهما : أن يشهد المشاهد الوجود الحق في أعيان الوجودات الخارجية وهي مظاهر للحق موجودة في أعيانها ظهر الحي فيها بحسبها نحوا من الظهور وضربا من التجلي،
وثانيهما : أن يشهد المشاهد الوجود الحق في مجالي الأعيان الثابتة ومراتبها وهي غير موجودة في أعيانها بل هي على عدمها الأصلى ووجودها العلمي ظهر الوجود الحق بها مختلف الصور.
فعلی هذا : يكون المراد بوجودها في قوله : يستحيل وجودها بدون ظهور أحكامها وآثارها في الوجود الحق لا وجودها في نفسها .  فإنها ما شمت رائحة الوجود في كشف هذه المشاهد .

قال الشيخ رضي الله عنه : (و هذا بعد العلم به منا أنه إله لنا. ثم يأتي الكشف الآخر فيظهر لك صورنا فيه، فيظهر بعضنا لبعض في الحق، فيعرف بعضنا بعضا، و يتميز بعضنا عن بعض.
فمنا من يعرف أن في الحق وقعت هذه المعرفة لنا بنا، و منا من يجهل الحضرة التي وقعت فيها هذه المعرفة بنا: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين. و بالكشفين معا ما يحكم علينا إلا بنا، )
(وهذا) الكشف كما نبهنا أولا إنما يحصل لنا (بعد العلم به سبحانه منا أنه إله لنا) مؤثر فينا بأسمائه الوجودية و نحن عبید به متأثرون عن تلك الأسماء محتاجون إليها وجودة وبقاء.
فإنه لو لم نعلمه بالألوهية كيف يتيسر لنا التوجه إليه بالكلية المفضي إلى ذلك الكشف والاطلاع.
ثم يأتي بعد هذا الكشف (الكشف الآخر) و هو كشف مقام الفرق بعد الجمع ويسمى جمع الجمع باعتبار أنه يجمع الجمع مع الفرق فيظهر لك صورنا فيه.
أي في الحق سبحانه و مرآة وجوده (فيظهر بعضنا البعض) في مرآة الوجود (الحق فيعرف بعضنا بعضا ويتميز).
أي يفترق (بعضنا عن بعض) بحيث لا يقع بينهما رابطة معرفة على طبق التفارق والتناكر الواقعين في عالم الأرواح موافقين لما كان في استعداداتنا في الحضرة العلمية .
وإذا عرفت بعضنا بعضا سواء كانت هذه المعرفة في منام الفرق قبل الجمع أو بعده (فمنا من يعرف أن في) مرآة الوجود (الحق وقعت هذه المعرفة لنا بنا) ، أي لبعضنا ببعض وهؤلاء هم أرباب الكشف الثاني الذي هو مقام الفرق بعد الجمع و مشهودهم صور الأعيان الثابتة وأمثلتها في مرآة الوجود الحق من غير انتقالنا من العلم إلى العين .
ولكن أثرت في مرآة الوجود الحق حيث قبولها وصلاحيتها لا بأمر تلك الأعيان صورا وأمثله يحسبها الجاهل موجودات عينية .
(ومنا من يجهل تلك الحضرة التي وقعت فيها هذه المعرفة) المتعلقة (بنا) بأن يعرف بعضنا بعضا و هي حضرة الوجود الحق التي هي كالمراة لنا فهم يرون صورة الفرق ويعرفونها متميزة بعضها عن بعض ولكن لا يعرفون أنها ظهرت في مرآة وجود الحق .
وهؤلاء المحجوبون الجاهلون بالأمر على ما هو عليه ولهذا استعاذ رضي الله عنه عن حالهم (فقال: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين وبالكشفين معا)، أي بمقتضى كل واحد من هذين الكشفين على انفراده ، فمعنى المعية اشتراكهما في هذا الحكم لا عدم استقلال واحد واحد منهما (ما بحكم) الحق تعالی (علينا إلا بنا لا بل نحن نحكم علينا بنا) 
أما بالكشف الأولى فلا نافية تجليات الوجود الحق المتعينة بمقتضيات أعياننا الثابتة فالحاكم علينا بالوجود وتوابعه هو الحق سبحانه بتلك التجليات .
لكن كما تقتضيه أعياننا فلا يحكم علينا إلا بنا بل هذا الحكم أيضا مما نطلبه بلسان استعداداتنا، فمتى لم نحكم عليه تعالى بإجراء الأحكام علينا ثم يجرها علينا ، فبالحقيقة نحن نحكم علينا بنا.
وأما بالكشف الثاني فلا نافية صور أعيان ظهورنا في مرآة الوجود الحق ولا تظهر هذه المرأة إلا كما تقتضيه أعياننا .
فهو لا يحكم علينا بالظهور وأحكامه إلا بنا.

قال الشيخ رضي الله عنه : (، لا، بل نحن نحكم علينا بنا و لكن فيه، و لذلك قال «فلله الحجة البالغة»: يعني على المحجوبين إذ قالوا للحق لم فعلت بنا كذا و كذا مما لا يوافق أغراضهم، «فيكشف لهم عن ساق»: و هو الأمر الذي كشفه العارفون هنا، فيرون أن الحق ما فعل بهم ما ادعوه أنه فعله و أن ذلك منهم، فإنه ما علمهم إلا على ما هم عليه، فتدحض حجتهم و تبقى الحجة لله تعالى البالغة.  فإن قلت فما فائدة قوله تعالى : )
(بل نحن) نطلب منه بلسان استعداداتنا أن يحكم علينا بهذا الحكم فبالحقيقة نحن (نحكم علينا بنا) .
(ولكن) هذا الحكم في هاتين الصورتين لا يكون إلا (فيه) أي في الحق ومرآة وجوده المطلق فإنا ما لم تظهر فيه لم نوجد وما لم نوجد لم يجر علينا أحكامنا وأحوالنا.
ولذلك قال تعالى : ("فلله الحجة") [الأنعام:149 ]. ( يعني على المحجوبين)، الذين تم تنكشف لهم حقيقة الأمر على ما هو عليه (إذا قالوا) يوم القيامة (للحق تعالى لم فعلت بنا كذا وكذا).
وأجريت علينا أعمالا مخصوصة أدتنا إلى هذه الشدائد وذكروا أمورا (مما لا توافق أغراضهم فيكشف لهم) على البناء للمفعول أو الفاعل وإرجاع الضمير إلى الحق.
(عن ساق) أي عن أمر شديد ساق ، وهو أن ذلك من مقتضيات أعمالهم على خلاف ما توهموه .
(وهو)، أي الساق هو الأمر الذي كشفه العارفون، أي علموه ظاهرة مكشوفا (هنا) أي في الدنيا (فيرون) المحجوبون (أن الحق ما فعل بهم ما ادعوه) حال الحجاب.
(أنه فعله بهم) مما لا يوافق أغراضهم ( يرون أن ذلك)، أي ما ادعوه أنه فعله بهم منتشیء (منهم).
أي من أعيانهم الثابتة واستعداداتها الغيبية الأزلية وقابليتها الوجودية الأبدية (فإنه) ما فعل بهم إلا كما علمهم .
(ما علمهم إلا على ما هم عليه) في حال ثبوت أعيانهم (فتندحض حجتهم)، أي تبطل حجة المحجوبين على الله تعالى .
(وتبقى الحجة الله تعالى البالغة عليهم فإن قلت) : إذا كان عين الممكن قابلا للشيء ونقيضه لكان فائدة قوله : فلو شاء لهداكم أجمعين ظاهره وهي أن ترجيح أحد النقيضين إنما هو بنسبة الحق واختياره .
وإن كان نسبتهما إلى عين الممكن واحدة وأما إذا كان عين الممكن تقتضي قبول أحد النقيضين دون الأخر .ولا يمكن أن يتخلف منه مقتضاه. 

قال الشيخ رضي الله عنه : ( «فلو شاء لهداكم أجمعين» قلنا «لو شاء» لو حرف امتناع لامتناع: فما شاء إلا ما هو الأمر عليه. و لكن عين الممكن قابل للشيء ونقيضه في حكم دليل العقل، و أي الحكمين المعقولين وقع، ذلك هو الذي كان عليه الممكن في حال ثبوته. و معنى «لهداكم لبين لكم: و ما كل ممكن من العالم فتح الله عين بصيرته لإدراك الأمر في نفسه على ما هو عليه: فمنهم العالم و الجاهل. فما شاء ، فما هداهم أجمعين، و لا يشاء، و كذلك «إن يشأ»: فهل يشاء؟ هذا ما لا يكون.)   
(فما فائدة قوله : فلو شاء لهداكم أجمعين)، أما المعنى المستفاد منه (قلنا) قوله : لو شاء (لو) فيه (حرف امتناع لامتناع) أي يدل على امتناع التالي لامتناع المقدم.
ففائدة الآية امتناع هداية الكل لا لامتناع تعلق مشيئته سبحانه بها "لهداكم" ، وإنما امتنع تعلق مشيئته سبحانه بها لأن الأعيان متفاوتة الاستعداد بعضها قابلة للهداية وبعضها غير قابلة للهداية.
وعلمه سبحانه تابع للأعيان لا يتعلق بها إلا على ما هي عليه في أنفسها ومشيئته تابعة للعلم "الإلهي".
(فما شاء إلا ما هو الأمر عليه) فكل عين اقتضت الهداية تعلقت مشيئته بهدايتها ولا يمكن خلاف ذلك في نفس الأمر .
وإن جوزه العقل كما أشار إليه رضي الله عنه بقوله :
(ولكن عين الممكن قابل للشيء ونقيضه في حكم دليل العقل)، وذلك لأن العقل قاصر عن إدراك ما هو الأمر عليه في نفسه.
(وأي الحكمين المعقولين) الذين جوزهما العقل (وقع) فلا محالة .
(فذلك) الحكم (هو الذي كان عليه الممكن في حال ثبوته) في المرتبة العلمية (ومعنى قوله "لهداكم" لبين لكم) الأمر على ما هو عليه في نفسه . فيصير معنی الآية : أمتناع بيان الأمر على ما هو عليه لكل أحد . لامتناع تعلق مشيئته سبحانه به.
ثم بين رضي الله عنه امتناع تعلق مشيئته تعالى ببيان الأمر لكل أحد .
بقوله : (وما كل ممكن من العالم فتح الله عين بصيرته لإدراك الأمر في نفسه على ما هو عليه)، لأن عين بعض الممكنات لا يقتضي ذلك الفتح، فلا يتعلق المشبه به فلا ينفتح عين بصيرته فلا يدرك الأمر على ما هو عليه .
(فمنهم العالم) الذي يقتضي عينه أن يتعلق المشبه ببيان الأمر له ومنهم الجاهل الذي لا يقتضي عينه ذلك.
ثم ذكر رضي الله عنه نتيجة هذه المقدمات بقوله: (فما شاء) أي من الأزل إلى الآن هداية الجميع (فما هداكم أجمعين ولا يشاء)، أي من الآن إلى الأبد أيضا هداية الجميع فلا يهديهم أجمعين أبدا.
(وكذلك)، أي مثل قوله : لو شاء. قوله : (إن يشأ) المختص بزمان الاستقبال في
قوله تعالى : "إن يشأ يذهبكم "وأمثاله في إفادة امتناع أمر لامتناع المشيئة .
(فهل يشاء)، أي هل تتعلق مشيئته المستفادة من قوله : "إن يشأ" مما أفاد امتناع تعلقها به.
(هذا ما لا يكون) أبدا ، لأن مقتضى الأعيان لا تتبدل . 

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فمشيئته أحدية التعلق و هي نسبة تابعة للعلم والعلم نسبة تابعة للمعلوم و المعلوم أنت و أحوالك. فليس للعلم أثر في المعلوم، بل للمعلوم أثر في العلم فيعطيه من نفسه ما هو عليه في عينه.
و إنما ورد الخطاب الإلهي بحسب ما تواطأ عليه المخاطبون و ما أعطاه النظر العقلي، ما ورد الخطاب على ما يعطيه الكشف. و لذلك كثر المؤمنون و قل العارفون أصحاب الكشوف.
«و ما منا إلا له مقام معلوم»: و هو ما كنت به في ثبوتك ظهرت به في وجودك)
(فمشيئته أحدية المتعلق)، لا يتعلق إلا بأحد النقيضين وبين ذلك بقوله : (وهي نسبة) أي وذلك لأن المشيئة نسبة (تابعة للعلم) لا تتعلق إلا بما يقتضي العلم تعلقها به .
(والعلم نسبة تابعة للمعلوم) لا يتعلق به إلا على ما هو عليه في نفسه .
(والمعلوم أنت وأحوالك) وأنت لم تتغير عما كنت عليه في حال ثبوتك .
ولما كان المتوهم أن يتوهم ههنا أن نتعلم تأثيرا في المعلوم فيمكن أن تستند مقتضيات الأعيان إلى العلم بها إلى نفسها .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية الجزء الثاني .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 7:50 am

05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية الجزء الثاني .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الإدريسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية  الجزء الثاني

دفعه رضي الله عنه بما يتفرع على تبعيته للمعلوم أعني قوله :
(فليس للعلم أثر في المعلوم بل للمعلوم أثر في العلم) وفي بعض النسخ في العالم والأول أنسب.
(فيعطيه)، أي أثر المعلوم في العلم أن يعطيه (من نفسه ما هو عليه في عينه) فيجعله مطابقا تابعا له في هيئة التطابق .
ولما كان المفهوم و المتبادر من قوله :" فلو شاء لهداكم أجمعين" [الأنعام: 149 ].
تساوي الهداية و عدمها إلى جميع المخاطبين , وترجيح أحد الجانبين بمحض مشیئته  سبحانه لامتناع تعلق المشيئة بهداية الجميع كما ذكره رضي الله عنه .
اعتذر بقوله (وإنما ورد الخطاب الإلهي بحسب ما تواطأ)، أي توافق (عليه المخاطبون) المحجوبون المقتدرون بطور العقل .
(و) بحسب (ما أعطاه النظر العقلي ما ورد) ذلك (الخطاب) بحسب معناه الظاهر ومفهومه المتبادر (على) طبق (ما يعطيه الكشف) لعدم وفاء استعدادات الكل بذلك.
(ولذلك كثر المؤمنون) المصدقون بما هو الظاهر المتبادر من الخطابات الإلهية (وقل العارفون أصحاب الكشوف) الفائزون بإدراك المراد منها على ما هو عليه.
(وما منا إلا له مقام معلوم) و مرتبة معينة في علم الله تعالى لا يتعداها ولا يتجاوز عنها.
فمن كان مقامه مضيق العقل يبقى أبدا محبوسا فيه .
ومن كان مقامه متسع الكشف يترقی دائما في مدارجه و مراقيه .
(وهو) أي المقام المعلوم (ما كنت)، أي مقام كنت ملتبسا (به في) حال (ثبوتك) في الحضرة العلمية (ثم ظهرت) متلبسا (به في وجودك العيني) الخارجي مطابقة في الحضرة العلمية.

قال الشيخ رضي الله عنه : ( هذا إن ثبت أن لك وجودا. فإن ثبت أن الوجود للحق لا لك، فالحكم لك بلا شك في وجود الحق. و إن ثبت أنك الموجود فالحكم لك بلا شك. و إن كان الحاكم الحق، فليس له إلا إفاضة الوجود عليك و الحكم لك عليك. فلا تحمد إلا نفسك و لا تذم إلا نفسك، و ما يبقى للحق إلا حمد إفاضة الوجود لأن ذلك له لا لك.
فأنت غذاؤه بالأحكام، ... و هو غذاؤك بالوجود. فتعين عليه ما تعين عليك. فالأمر منه إليك ومنك إليه.)

(هذا)، أي ظهورك في وجودك لما كنت به في ثبوتك لنا يصح (إن ثبت أن لك وجودا) على أن يكون وجود الحق سبحانه مرآة الأعيان والظاهر فيها الأعيان.
(فإن ثبت أن الوجود للحق لا لك) بأن تكون الأعيان مرئي لوجود الحق فيكون الظاهر هو الوجود الحق لا الأعيان التي هي كالمرائي له.
(فالحكم لك)، أي الحاكم بها على وجودك أنت من حيث عينك الثابتة (بلا شك) ولكن (في وجود الحق) فقد أخذ الحق تعالی من علمه بك.
(وإن ثبت) عندك (أنك الموجود) بالوجود الفائض (فالحكم) أيضا (لك بلا شك) فالحكم في الصورتين لك تارة على وجود الحق وتارة على وجودك .
(وإن كان الحاكم الحق) واعتبر كونه حاكما (فليس له سبحانه إلا إفاضة الوجود عليك) و على أحوالك لا اتحاد حكم أو أثر لا تقتضيه عينك والحكم بخصوصية كل حكم وأثر .
(لكن) من حيث عينك الثابتة لا للحق , فإنه لا حكم للمطلق بخصوصيات الأحكام (عليك) في وجودك العيني لا عليه إلا من حيث ظهوره فيك واتحاده بك "سريانه فيك" .
(فلا تحمد) في المحامد (إلا نفسك ولا تذم) في المذام أيضا (إلا نفسك)، فإن كل ما يصدر عنك من المحامد والمذام إنما هو مما تقتضيه عينك .

وتطلب من الحق سبحانه إفاضة الوجود عليها فكل المحامد و المذام راجعة إليك.
(وما يبقى للحق) سبحانه (إلا حمد إفاضة الوجود) عني عينك الثابتة و على أحوال عينك .
(لأن ذلك) إلى إفاضة (الوجود له)، أي الحق سبحانه (لا لك)، لأن ما لا وجود له في حد ذاته كيف يفيد الوجود على غيره .
(فأنت غذاؤه بالأحكام) حين احتفيت فيه وأعطيته أحكامك، وذلك إذا كان الموجود المشهود هو الحق سبحانه والأعيان مرائي له .
(وهو غذاؤك بالوجود) حين اختفی بوجوده فيك اختفاء الغذاء في المغتذي وأعطاك أحكامه وذلك إذا كان الموجود هو الأعيان فوجود الحق مرآة لها (فتعين عليه ما تعين عليك) (فالأمر) تارة صادر (منه) اتحادة وإيجابا متوجه (إليك و) تارة صادرة منك بلسان الحال والقول والفعل متوجه (إليه).
ولما أثبت المشاركة بين الحق سبحانه وبين العبد أراد أن يبين ما به يمتاز عنه فقال : فكما أنت غذاء له فهو أيضا غذاؤك , كما أنك تحكم عليه فهو أيضا يحكم عليك.

قال الشيخ رضي الله عنه : ( غير أنك تسمى مكلفا و ما كلفك إلا بما قلت له كلفني بحالك و بما أنت عليه. و لا يسمى مكلفا: اسم مفعول.
فيحمدني و أحمده ... و يعبدني و أعبده
ففي حال أقر به ... و في الأعيان أجحده
فيعرفني و أنكره ... و أعرفه فأشهده
فأنى بالغنى و أنا ... أساعده فأسعده؟)
(غير أنك تسمى مكلفا) اسم مفعول لتكليفه إياك (و) لكنه (ما كلفك إلا بما قلت له كلفني بحالك وبما أنت عليه).
يعني ما كلف الحق سبحانه إلا بما قلت له بلسان حالك وبتان ما أنت عليه من الاستعداد كلفني به ، فبالحقيقة ما كلفك إلا نفسك.
فالجار والمجرور في قوله : بحالك، وقوله : بما أنت متعلق بالقول لا بالتكليف (ولا يسمى) هو سبحانه (مكلفا اسم مفعول) بل هذا الاسم مختص بك.
شعر: (فيحمدني) بإفاضة الوجود على وإظهاره كمالاتي بها أولا وثانية علي بكلامه حين يثني على عباده على اختلاف درجات ثنائنا وبالنسبة عبادة ثالثا.
(وأحمده) بجميع السنتي انفولية والحالية والفعلية .
(ويعبدني)، أي يعطيني فيما أطلب منه بلسان حالي و استعدادي من الوجود وتوابعه (فاعبده) "وهذا لايكون الا عند التلون والتقلب في التجليات" .
شكرا لعبادته لي "هوالآن يتكلم الآن بلسان الحق مخاطبا نفسه العبد وكل العباد - ظاهره حق وباطنه عبد ".
وعبادتي له "هو الآن يتكلم بلسانه كعبد وككل العباد  مخاطبا الحق - ظاهره عبد وباطنه حق " ,في الظاهر إقامة حدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه . وفي الباطن قبول تجلياته الذائية والأسمائية.
وكان إطلاق العبادة على الحق سبحانه وتعالى بناء على المشاكلة وإلا فالشيخ رضي الله عنه كما يعلم من مؤلفاته من الأدباء المتمكنین لا المغلوبين.

(ففي حال)، أي حال تجليه في المراتب الإلهية (أقر به وفي حال)، أي حال تجليه في الأعيان الكونية (أجحده) وأنكره لاتصافها بما ينافي المرتبة الإلهية .
كان هذا بلسان الإلهية كان هذا بلسان حال المحجوبين وإلا فصاحب الشهود يراه في كل شيء ويقر به .
(فيعرفني) في جميع المواطن (وأنكره) النكرة ضد المعرفة , وقد نكرت الرجل بالكسر نكرة ونكورا و أنكرته و استنكرته، كله بمعنى .
فقوله : أنكره إما بفتح الكاف من التنكر أو بكسرها من الإنكار بمعناه لا بمعنى الجحود في بعضها، أي لا أعرفه .
(و) ویعد ما أنكره (أعرفه) برفع الحجب (فأشهده) شهودا عيانيا في المجالي التفصيلية .
(فاني)، أي من أين يتصف (بالعين) مطلقا (وأنا أساعده وأسعده)، أي أنصره وأعينه في ظهور كماله الأسمائي فثبوت ألعين له إنما هو باعتبار الكمال الذاتي لا مطلقا.

قال الشيخ رضي الله عنه : ( لذاك الحق أوجدني ... فأعلمه فأوجده
بذا جاء الحديث لنا ... و حقق في مقصده
و لما كان للخليل هذه المرتبة التي بها سمي خليلا لذلك سن القرى ، و جعله ابن مسرة مع ميكائيل للأرزاق ، و بالأرزاق يكون تغذي المرزوقين. )
(كذلك) الإسعاد و المساعدة (الحق أوجدني فأعلمه) في نفسي وهو إشارة إلى مرتبة الكمال (فأوجده) بما أعلمه في نفوس الطالبين وأسرار المريدين, صورة مطابقة كما هو عليه في العين. وذلك إشارة إلى مرتبة التكميل.
ولا يبعد أن يقال معنى أوجده اجعله متمثلا بين عيني في العبادة . إذ بذلك جاء الحديث النبوي أعني قوله :"أعبد الله كأنك تراه"  . مصنف أبي شيبة,والطبراني في الكبير, والنسائى وأحمد والبيهقي وأبو داود في الزهد وغيرهم

قال الشیخ رضی الله عنه ، كأنك إشارة إلى موطن الخيال .
وفي بعض النسخ كذلك الحق بالكاف، أي كما أساعده وأسعده أوجدني الحق سبحانه فأعلمه فأوجده (بنا)، أي بالمعنى المذكور، وهو أن الحق سبحانه إنما أوجدني لأسعده في ظهور الكمال أسمائي الذي أعمدته العلم والمعرفة.
(جاء الحديث) القدسي المشهور منبها (لنا) على غاية إيجاده إيانا وهو "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف" . ذكره العجلوني في كشف الخفاء والسيوطي في الدر المنتثرة و السخاوي في المقاصد الحسنة والزركشي.
(وحقق في مقصده) الذي هو هذه الغاية وهي معرفته سبحانه والعلم به.
(ولما كان للخليل عليه السلام هذه المرتبة التي بها يسمى إبراهيم خليلا)، وهي تخلله وحصره جميع ما اتصفت به الذات الإلهية تخلل الرزق ذات المرزوقين بحيث لا يبقى فيها شيء إلا تخلله.
(لذلك)، أي لكونه صاحب تلك المرتبة (سن القري) الذي من لوازمه إيصال الرزق إلى المرزوقين .
(وجعله)، أي الخليل عليه السلام (ابن مسرة الجيلي) وهو كما قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات من أكبر أهل الطريق علم وحالا وكثيرة، والقرا المذكورون في قوله تعالى: "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" [الحاقة : 17 ] أربعة منهم الملائكة .
واختلف فيهم وفي الأنبياء الذين معهم أيضا، فجعل ابن مسرة إبراهيم (مع میكائیل ملك الأرزاق وبالأرزاق يكون تغذي المرزوقين) عليهما السلام 

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإذا تخلل الرزق ذات المرزوق بحيث لا يبقى فيه شيء إلا تخلله، فإن الغذاء يسري في جميع أجزاء المغتذي كلها وما هنالك أجزاء فلا بد أن يتخلل جميع المقامات الإلهية المعبر عنها بالأسماء فتظهر بها ذاته جل وعلا.
فنحن له كما ثبتت ... أدلتنا ونحن لنا
وليس له سوى كوني ... فنحن له كنحن بنا)
( فإذا تخلل الرزق) الذي هو الغذاء للمرزوق . (ذات المرزوق بحيث لا يبقى فيه)، أي في المرزوق ( شيء) من الأجزاء (إلا تخلله) الرزق.
(فإن الغذاء) بسبب هذا التخلل المستوعب (يسري في جميع أجزاء المتغذي به كلها وما هناك) .
أي في الجناب الإلهي (أجزاء) لتنزيهه و تنزهه بقدسه عن التركيب (فلا بد أن يتخلل) الخليل عليه السلام (جميع المقامات الإلهية) والمراتب الربانية (المعبر عنها بالأسماء).
فإنها لذلك الجناب بمنزلة الأجزاء للمتغذي به (فتظهر) منصوب معطوف على يتخلل.
أي لا بد أن يتخلل الخليل جميع المقامات والأسماء فتظهر (بها)، أي بتلك المقامات والأسماء التي تخللها الخليل واتصف بها (ذاته جل وعلا) في مظهرية الخليل عليه السلام وجواب لما.

أما قوله : لذلك من القرى أو هو تأكيد لعلية مدخول لما لجوابه .
وجوابه قوله : فلا بد أن يتخلل بها (فنحن) معشر المتخللين جميع المقامات والأسماء الإلهية تخلل الرزق أجزاء المرزوق مظاهر (له) سبحانه ظهرت فينا ذاته متلبسة بتلك الأسماء والمقامات .

(كما ثبتت) وتحققت (أدلتنا) الكشفية الوحدانية الدالة على ما قلنا .
(ونحن) باعتبار أعياننا الوجودية العينية مظاهر (لنا) أيضا باعتبار أعياننا الثابتة، فإن مظهريتنا تئذات الإلهية إنما تجلت أولا بصور أعياننا الثابتة تم بواسطتها بصورة أعياننا الخارجية.
(وليس له) مظهر كامل تام المضاهاة مع الظاهر فيه (سوی كوني).
أي الكون الجامع الذي هو باعتبار جمعيته حقيقة آدم .
وباعتبار تفصيله حقيقة العالم وإنما أضافه إلى نفسه لأنه تمام حقیقته الكلية .
(فنحن) من حيث أعياننا الموجودة في العين مظاهر (له) أي للحق سبحانه (كنحن) من هذه الحيثية متلبس (بنا) من حيث أعياننا الثابتة المظهرية .
فكما نحن من هذه الحيثية مظاهر لأعياننا الثابتة , لذلك نحن من هذه الحيثية مظاهر الوجود الحق سبحانه .
ويمكن أن يتكلف ويقال : كلمة بنا في الأصل ممدودة حففت لضرورة الشعر كالأنا في البيت الأخير.
والمراد به المظهر فإن المظهر للظاهر مثل بناء يسكن فيه.

وقوله : "نحن" مبتدأ و"بنا" خبره . والكاف في قوله : كنحن لإفادة تشبیه الحق سبحانه بأعياننا الثابتة في كون ذواتنا الخارجية مظاهر لكل واحد منها .
يعني نحن بأعياننا الموجودة في العين للحق سبحانه بنا، أي مظهر كما لأعياننا الثابتة في العلم،
قال الشيخ مؤيد الدين الجندي : يقولون لون الماء لون إنائه، أنا الآن من ماء إناء بلا لون .
(والله يقول الحق) بلسان غيره في سائر الحقائق فلا إنكار عليه إذا تكلم بمثل هذا المقال.
""قديما قالوا حديث: "ألسنة الخلق أقلام الحق" و حديث :"قال ذُكر الدجال عند عبد الله بن مسعود فقال لا تكثروا ذكره فإن الأمر إذا قضى في السماء كان أسرع من نزوله إلى الأرض أن يطير على ألسنة الناس".رواه الطبراني في الكبير""

(وهو يهذي السبيل) الموصل إلى فهمها وقبولها لمن يشاء من الخلائق فلا اختيار لمن ألحد طريق الهداية والضلال."ألحد : أنكر وتعامى عن".

نهاية الفص الإبراهيمي
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 8:16 am

06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الإسحاقي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية  الجزء الأول

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فداء نبي ذبح لقربان ... و أين ثؤاج الكبش من نوس إنسان)
الفص الإسحاقي
فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية
وصف رضي الله عنه هذه الحكمة بالحقية ، لأن إسحاق جعل ما رآه أبوه عليهما السلام في حضرة الخيال حقا ثابتا في الحس حيث استسلم للذبح ولهذا اختصت به .
ثم إنه رضي الله عنه أورد هذه الحكمة تلوا للحكمة المهيمية لأن تلحكمة المهيمية نسبة إلى المهيمين الذين هم من الأرواح المجردة .
وهذه الحكمة متعلقة بعالم المثال الذي هو تلو عالم الأرواح .
(فداء نبي) بتقديم النون مصدر مضاف إلى مفعوله يقال : فداه وفاداه إذا أعطى فداءه فأنقذه وهو مبتدأ خبره (ذبح ذبح) الذبح الأول بفتح الذات مصدر .
والثاني بكسرها ما يتهيأ للذبح.
وجعل بعضهم الفداء بمعنى المفدی مبتدأ ، والذبح بكسر الذال مضاف إلى مثله خبره. وأراد بالذبح المضاف الكبش و بالمضاف إليه إسحاق عليه السلام.
وعلى التقديرين فالجملة إما خبرية أو استفهامية بتقدير الاستفهام للتعجب .
وذهب بعضهم إلى أن الفداء خبر مبتدأ محذوف، أي نفسي فداء نبي.
وقوله : ذبح بكسر الذال فيهما ورفع الأول خبر بعد خبر .
وقوله القربان : أي لأن يتقرب به إلى الله تعالی متعلق.
إما الذبح إن كان مذكورا بصريحه أو بما يفهم من الذبح الأول أو الثاني.
(وأين ثواج الكبش) الثواج : بضم الثاء المثلثة صوت الغنم (من نوس إنسان) والنوس صوت سوق الإبل يقال : نست الإبل ، أي سقته يعني این مرتبة الثواج الذي هو من خواص الكبش، وهو صوت طبيعي له عن مرتبة النوس الذي هو من خواص الإنسان.
ومن جملته الحد المشتمل على ألفاظ فصيحة ومعاني دقيقة والحان لطيفة ، فكما بين خاصيتهما من التفاوت الظاهر فكذلك بين ذاتيهما فأين الكبش من الإنسان فكيف يكون فداء له. والفداء ينبغي أن يساوي المفدى عنه .
اعلم أنه ذهب إلى كون الذبيح إسحاق عليه السلام طائفة كبيرة من السلف واليهود قاطبة وذهب الأكثرون إلى أنه إسماعيل.
والشيخ رضي الله عنه فيما ذهب إليه معذور فإنه بمقتضی مبشرته مأمور.

قال الشيخ رضي الله عنه : (
وعظمه الله العظيم عناية ... بنا أو به لا أدر من أي ميزان
ولا شك أن البدن أعظم قيمة ... وقد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب ... وفاء لإرباح ونقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد وبعده ... نبات على قدر يكون وأوزان)

(وعظمه)، أي الكيش (الله العظيم) حيث جعله فداء لنبي عظيم عناية به ، أي الكبش (أو بنا) معشر بني آدم ويدخل فيه النبي دخولا أوئية (لا أدر) بحذف الياء اكتفاء بالكسر.  
و هكذا في النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه وفي بعض النسخ:
لم أدر من أي ميزان أي لم يذر (من أي ميزان) وقع من ميزان عناية الله بنا أو من ميزان عنايته بالكبش وإنما جعل عنايته بالكبش وإنما جعل عنايته سبحانه میزان أو بعنايته تعرف مقادیر الأشياء ومراتبها كما يعرف بالميزان أوزانها (ولا شك أن البدن) جمع بدنة بالفتحنين وهي ناقة أو بقرة تنحر بمكة (أعظم) من الكبش (قيمة ولهذا صارت عوضا عن سبعة من الضحايا (وقد نزلت) ، أي انحطت هي بل ذبحها (عن ذبح كبش القربان)، لأنه جعل فداء عن نبي دون البدن وبه تقرب إلى الحق دونها
(فيا ليت شعري كيف نابت بذاته شخيص إلى كبش) ، إنما صغره مع وصفه بالعظم إشارة إلى حقارته بالنسبة إلى المندي عنه الذي عبر عنه بقوله : (عن خليقة رحمن) يعني إسحاق عليه السلام.
ولما استغرب رضي الله عنه في الأبيات السابقة جعله فداء لنبي رفيع القدر لعدم المناسبة بينهما أراد أن يدفع ذلك الاستغراب فقال : (ألم تدر أن الأمر، أي أمر الوجود فيه)، أي في ذلك الأمر (مرتب)، أي واقع علی ترتیب خاص (وفاء)، أي كمال وتمامية لبعض الأمور الموجودة (لأرباح) : أي لأجل كسب ربح الشرف فإن الأرباح بكسر الهمزة كسب الريح يقال : تجارة مربحة، أي كاسبة الربح (ونقض) و عدم تمامية لبعض آخر منها (بخسران) ، أي بخسران ذلك الكسب.
والحاصل أن بين الموجودات تفاوتا في الشرف والخسة فقوله : مرتب، خبر أن وقوله : وفاء مع ما عطف عليه فاعل له أو هو مبتدأ و مرتب خبره.
والجملة خبر و تقول : معناه أن أمر الشرف والخسة فيه ، أي في الكبش مرتب، أي واقع في مرتبة خاصة فيها وفاء وتمامية لكسب ربح انشر في بالنسبة إلى بعض وهو الأناسي الحيوانيون، وعدم تمامية بخسران ذلك الكسب بالنسبة إلى بعض آخر وهو النبات والجماد فإنهما أشرف من الحيوان الذي من جملته الكبش.
ثم شرع رضي الله عنه في بيان مرتبته بقوله : (فلا خلق) من المولدات (أعلى من جماد)، فإنها بأسرها مفطورة على معرفة الله كشف و شهودة بحسب الذات، وأعلاها في هذه المعرفة الذاتية الفطرية الجماد.
فإنه ليس فيه تغير أصلا عن فطرته الأصلية يدل على ذلك كمال انقياده الله تعالى وثباته تحت تصرفاته (وبعده)، أي بعد الجماد و دونه (نبات على قدر) منوع .
(يكون) بحسب نوعه لظهور قوة النمو فيه (وأوزان)، أي أقدار معينة بتعيين صنفي أو شخصي بحسب أصنافه وأشخاصة في أن الوزن أيضا هو القدر والمرتبة.
يقال : فلان لا وزن له عند السلطان، أي لا قدر له ولا قيمة عنده، وإنما كان النبات بعد الجماد و دونه ، لأنه زاد فيه على أصل الفطرة الجمادية النمو، وذلك نوع نصرف طبيعي يضاف إليه ، فبقدر هذا التصرف والإضافة تنص معرفته من معرفة الجماد، فإنه إذا كان صاحب معرفة وشهود ولا يبعد أن يصير شنود هذا التصرف والإضافة حجابا على شهوده الحق تعالى

قال الشيخ رضي الله عنه : (
وذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا وإيضاح برهان
وأما المسمى آدما فمقيد ... بعقل وفكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل والمحقق مثلنا ... لأنا وإياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته ... يقول بقولي في خفاء وإعلان
ولا تلتفت قولا يخالف قولنا ... ولا تبذر السمراء في أرض عميان)

(وذو الحس) يعني الحيوان (بعد النبت)، ودونه لزيادة الحس والحركة الإرادية فيه وإضافتهما إليه فبقدرهما تنقص معرفه الما عرفت في النبات
(والكل) ، أي كل من الجماد والنبات والحيوان (عارف بخلاقه )وموجده (كشفا)، أي معرفة كشف (وإيضاح برهان) كشفي لا برهان فطري فإن ذلك من خواص الإنسان .
وحمل الكلام على أن كون الكل عارفا بخلافه؟ معلوم لنا «كشفا و إيضاح برهان» لا يلائم البيت الآتي أعني قوئه :
(وأما المسمى آدم) الذي ليس له من الآدمية إلا اسم وهو الإنسان الحيوان (فمقید بعقل وفكر) مشوب بالوهم إن كان من أهل النقر.
(أو قلادة إيمان) إن كان من أهل التقليد الإيماني وتنقص معرفته عن معرفة سائر الحيوان بزيادة الآثار النفسية والتصرفات الغرضية من الفكر والتقليد و غيرها بنقص معرفته من سائر الحيوانات.
فظهر من هذا أن الكبش إن كان أدنى وأخس من النبات والجماد لكنه أعلى وأشرف من الأناسي الحيوانيين، فهذا العلو والشرف يستاهل أن يكون فداء لإنسان شریف.
(بذا)، أي بما ذكرناه من بیان مراتب الموجودات (قال سهل)، يعني سهل بن عبد الله التستري قدس الله سره (والمحقق) كانن من كان (مثلنا)، أي مثل قولنا بهذا (فإنا) يعني سهلا ونفسه (وإياهم)..
يعني سائر المحققين المماثلين لهما في هذا القول (بمنزل إحسان) و مقام مشاهدة فيعرف ويشاهد الأمور على ما هي عليه (فمن شهد الأمر الذي قد شهدته يقول بقولي في خفاء وإعلان)، أي في السر والعلانية.
(ولا تلتفت قولا يخالف قولنا) من أقوال المحجوبين من أهل النظر والمقلدين لهم وأصحاب الظواهر الذين لا علم لهم بالبواطن (ولا تبذر السمراء) يعني بيان الحقائق الذي هو غذاء القلب والروح كالسمراء يعني الحنطة للجسم (في أرض عميان) يعني في أرض استعداد، وهؤلاء الطوائف الذين لا يبصرون الحق ولا يشاهدونه في جميع الأشياء

قال الشيخ رضي الله عنه : (
هم الصم والبكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن
اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها.
وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر.)

(هم) أي هؤلاء العميان (الصم) عن استماع الحق (والبكم) عن الإقرار به (الذين أتي بهما)، أي ذكرهم جامعين لهذه الأوصاف الثلاثة (لأسماعنا ) النبي (المعصوم) عن تهمة الكذب صلى الله عليه وسلم (في نص قرآن) يريد قوله تعالى : "صم بكم عمى فهم لا يرجعون" ( البقرة : 18).
(اعلم أيدنا الله وإياك) لإدراك الحقائق على ما هي عليه (أن إبراهيم الخليل) على نبينا وعليه الصلاة والسلام قال لابنه إسحاق علیه السلام "إني أرى في المنام أني أذبحك " [الصافات : 102] .
(والمنام حضرة الخيال) المقيد الذي من شأنه أن تعبر عن الصورة الممثلة فيها إلى المعاني المقصودة منها (فلم يعبرها) إبراهيم عليه السلام، أي لم يتجاوزها إلى المقصود من الصور المرئية فيها لما تعود به من الأخذ عن عالم المثال المضئق، وكلما أخذ منه لا بد أن يكون حقا مطابقة للواقع من غير تعبير . فلما شاهد عليه السلام صورة ذبح ابنه فيه ظن أنه مأمور به من غير تعبير و تأويل فتصدى له (وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام)، لمناسبة واقعة بينهما وهي الاستسلام والانقياد فكان مراد الله سبحانه به الكبش لابن إبراهيم (فصدق إبراهيم الرؤيا)، أي حقق الصورة المرئية وجعلها صادقة مطابقة للصورة الحسية الخارجية بالإقدام على الذبح و التعرض لمقدماته.
(ففداه) ، أي ابن إبراهيم (ربه) لينقذه من الذبح.
وذكر الفداء ههنا إنما هو من جهة وهم إبراهيم عليه السلام  وظنه وإلا لم يكن فداء حقيقة (بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله وهو) : أي إبراهيم عليه السلام (لا يشعر) بذلك التعبير لما أخفاء الله سبحانه عليه لحكمة تقتضية .
والتفصيل في هذا المقام على ما يفهم من كلام الشيخ رضي الله عنه وشارحي كلامه.
أن إبراهيم الخليل صلوات الله عليه كان قبل هذا المقام معودا بالأخذ عن عالم المثال الذي من شأنه أن تقلا بق الصور المرنية فيه الصور الظاهرة في الحس من غير اختلال، فلا حاجة فيه الى التعبير.
فلما تحقق الغناء في الله بالكلية واقتضى ذلك الفناء في الله عن هذا المشهد بأن يشاهد الأمور في مراتب هي أعلى مراتب المثال أو في نفسه وقلبه من الوجه الخاص من غير توسط أمر آخر، أراد الله سبحانه أن يظهر في الحس صورة ليحققه بالغناء في ذبح الكبش وأن يرقيه عن هذا المشهد فأراه في المنام أن يذبح الكبش .
ولكن في صورة ذبح ابنه وستر عليه المقصود منه، وأوقع في وهمه أن ابنه هو المقصود بعينه بناء على ما اعتاده من الأخذ عن عالم المثال.
فاعتقد صدق ما وقع في وهمه من ذبح ابنه فتصدى له وانقاد له ابنه، فظهر سر كمان استسلامهما وانقيادهما الله تعالى.
فجعل سبحانه الذبح العظيم فداء لابنه وأنقذه من الذبح، وما كان مراد الله من منامه وهو ذبح الكبش لنكون صورة حسية تتحقق إبراهيم بالفناء فيه وحصل له الترفي عن مشهده المعتاد، فإن الصورة المرنية لم تكن من عالم المثال بل فاض هذا المعنى عليه من مرتبة أخرى فوق عالم المثاني ، وانبعث من قلبه و صورته متخيلة بتلك الصورة، وعلم ذلك الترقي أيضا حيث وقع منه ذبح الكبش لا ذبح ابنه . ولا يخفى على المنصف أن ذلك بيان لحسن تربية الله سبحانه إبراهيم الخليل عليه السلام وليس فيه شائبة سوء أدب من الشيخ رضي الله عنه بالنسبة إلى إبراهيم عليه السلام، وكتب بعض من اشتهر بالفضل بخطه على الهامش في هذا المقام.
هذا كلام زخرفة الشيخ ولا أراه حقا بل كنه صادر عن سوء أدب أحسن محامله أن يقال أنه صدر عنه في حال كونه مغلوبا.
والحق في ذلك والله أعلم أن إبراهيم عليه السلام رأى في المنام أنه مباشر للذبح بمعنى أنه أضجع ابنه وأخذ المدية وأمرها على حلقومه ليقطعه ولكن لم يحصل القطع وهذا هو المراد بقوله : "إني أرى في المنام أني أذبحك". أي رأيت أني مشتغل بأفعال الذبح ولا يلزم منه تمامه، وقد وقع منه في اليقظة ما رآه في المنام ووطن هو وابنه للانقياد لذتك.
فلما تم العزم ووجد مقدمات الذبح حصل المقصود من الابتلاء فتداركه الله برحمته بإعطاء الذبح ليذبح فداء له فوقع ما رآه بعينه ، ولم تكن رؤياه وهما وخيالا حاشا منصب الخلة عن مثل هذا الخطأ والله ولي التوفيق.
والعجب من هذا الفاضل بل من كل معترض علي الشيخ رضي الله عنه في مثل هذا الكتاب، فإن ما ذكره الشيخ من مفتتح الكتاب من مبشرة أريها .
وإن ما أورده في هذا الكتاب ما حده له رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان إن كان مسلما عنده .
فلا مجال للاعتراض فإن ذلك يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يكن مسلما عنده بل أعتقد أن ذلك افتراء وكذب أو سهو وخطأ .
فالاعتراض عليه ذاك لا هذا وكيف لا يسلم ذلك من اطلع على أحواله ومقاماته و مكاشفاته مما أدرجه في هذا الكتاب وسائر مصنفاته .
فالتجلي الصوري في حضرة الخيال يحتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله بتلك الصورة .


(والتجلي الصوري في حضرة الخيال) المعبد (يحتاج إلى علم آخر) يسمى علم التعبير (يدرك به ما أراد الله تعالی بتلك الصورة) الظاهرة في حضرة الخيال بادائه، وهو معرفة المناسبات
التي بين الصور ومعانيها، ومعرفة مرآة النفوس التي تظهر تلك الصور في خيالاتهم، ومعرفة الأزمنة والأمكنة و غيرها مما له مدخل في التعبير، فإنه قد ينقلب حكم الصورة الواحدة بالنسبة إلى أشخاص مختلفة المراتب بل بالنسبة إلى شخص واحد في زمانین و مكانین .
وبكمال هذه المعرفة ونقصانها يتفاوت حال المعبرين في الإصابة والخطأ في التعبير

قال الشيخ رضي الله عنه : (ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبير الرؤيا: «أصبت بعضا وأخطأت بعضا» فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل. وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام حين ناداه:
«أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» [الصافات : 105] )
(ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبير الرؤيا: أصبت بعضا وأخطأت بعضا فسأله)، أي رسول الله صلى الله عليه وسلم  و (أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل ) صلى الله عليه وسلم
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان أبو هريرة يحدث أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال : إني رأيت ظلة ينطف منها السمن والعسل فأرى الناس يتكففون في أيديهم فالمستكثر والمستقل وأرى سببا واصلا من السماء إلى الأرض فأراك يا رسول الله أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل من بعد فعلا ثم أخذ به رجل آخر فعلا ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به ثم وصل له فعلا .
فقال أبو بكر : يا رسول الله بأبي أنت وأمي لتدعني فأعبرها ، فقال : أعبرها؟
فقال : أما الظلة فظلة الإسلام وأما ما ينطن من السمن والعسل فهو القرآن لينة وحلاوته .
وأما المستكثر والمستقل فهو المستكثر من القرآن والمستقل منه، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض، فهو الحق الذي أنت به تأخذ به فيعليك الله تعالى ثم يأخذ به بعد رجل آخر فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر بعده فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر بعده فينقطع به ثم يوصل له فيعلو.
أي رسول الله لا تحدثني أصبت أم أخطأت فقال النبي :
أصبت بعضا وأخطأت بعضا.
فقال : أقسمت بأبي أنت وأمي يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت.
فقال النبي : لا تقسم. " هذا حديث متفق على صحته
وقال الله لإبراهيم عليه السلام حين ناده " أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا " [الصافات : 104 - 105]. أي جعلت ظاهرها مطابقا للواقع بالاقدام على مقدماته.
قال الشيخ رضي الله عنه : (وما قال له صدقت في الرؤيا أنه ابنك: لأنه ما عبرها، بل أخذ بظاهر ما رأى، والرؤيا تطلب التعبير. ولذلك قال العزيز «إن كنتم للرؤيا تعبرون».
ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر. فكانت البقر سنين في المحل والخصب. فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه، 
قال الشيخ رضي الله عنه : (وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام: ما هو فداء في نفس الأمر عند الله. فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام.
فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر.
ثم قال «إن هذا لهو البلاء المبين» أي الاختبار المبين أي الظاهر يعني الاختبار في العلم: هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟ )
(وما قال) الله تعالی (له) أي لإبراهيم عليه السلام (قد صدقت في الرؤيا) بالتخفيف، أي ما قال له : صدقت في رؤياك حيث حكمت (أنه)، أي المرئي فيها هو (ابنك) حقيقة (لأنه ما عبرها) بالتخفيف أو التشديد (بل أخذ بظاهر ما رأى)، أي من غير تعبير (والرؤيا تطلب التعبير) في أكثر الصور .
فلا ينبغي أن تحمل على ظهرها على سبيل القطع (ولذلك)، أي اطلب الرؤيا بالتعبير (قال العزيز : إن كنتم للرؤيا تعبرون ومعنى التعبير)، بل معنی العبور اللازم له (الجواز من صورة ما رأى إلى أمر آخر) هو المراد بها.
(فكانت البقر) العجاف التي راها العزيز في منامه (سنين في المحل)، أي القحط (و) الغلاء والبقر السمان سنين (في الخصب)، أي السعة (فلو صدق في الرؤيا)، أي لو كان إبراهيم عليه السلام صادقا فيما حكم به أن المرئي في رؤياه ابنه (لذبح ابنه) لأنه رأى أنه كان يذبحه .
(وإنما صدق الرؤيا) ، أي جعلها صادقة (في أن ذلك المرئي عين ولده) فتصدى لذبحه (وما كان) ذلك المرئي (عند الله إلا الذبح العظيم) متمثلا (في صورة ولده ففداه)، أي الحق سبحانه فدى ولده بالذبح العظيم.
وإنما سماه فداء (لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام) من أن المرئي هو ابنه (ما هو)، أي ليس هو (فداء في نفس الأمر عند الله فصور الحس)، أي أدرك الحس (الذبح) بالكسر أي صورته المحسوسة حين ذبحه أو صور الحل.
أي حاسة البصر الذبح في الحس المشترك (وصور الخيال) قبل الذبح في المنام (ابن إبراهيم فلو رأي) إبراهيم (الكبش) بصورته ( في الخيال لعبر) الكبش غالبا (بابنه أو بأمر آخر) يكون مرادا بتلك الصورة .""أي أن إبراهيم عليه السلام سيعبر الرؤيا بأن الكبش في الرؤيا فداء لابنه الذي كان يتمناه ويطلبه من الله""
(ثم قال الله تعالى إن هذا)، اي تصوير الكبش بصورة ابنه "لهو البلاء المبين" .
(أي الاختبار الظاهر) يقال : بلوته، أي اختبرته (تعين الاختبار في العلم)، فإن الحق سبحانه أختبر إبراهيم عليه السلام أنه (هل تعلم ما يقتضيه) غالبة (موطن التعبير) من الرؤيا (أم لا) علم و إنما اخنبره

قال الشيخ رضي الله عنه : (لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير: فغفل فما وفى الموطن حقه، وصدق الرؤيا لهذا السبب كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي»
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فرآه تقي بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا. ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما. فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب.)

(لأنه تعالى بعلم أن موطن الخيال). إذا تمثل فيه معنى (يطلب التعبير) غالبا (فغفل) إبراهيم عليه السلام عما تستحقه مواطن الخيال (فما وفي الموطن حقه وصدق الرؤيا لهذا السبب، كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند) في الحديث .
(سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال من رآني) على ما أنا عليه من الحلية (في النوم) حقيقة (فقد رآني في اليقظة).
أي حكما أي لرؤيتي في النوم حكم رؤيتي في اليقظة فيما سيأتي (فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي) . رواه البخاري وغيره
وإنما لم يتمثل الشيطان بصورته عليه السلام، لأنه مظهر لاسم الهادي ومبعوث للهداية والشيطان مظهر للاسم المضل ومخلوق للإضلال.
فلو كان له تمكن من التمثال بصورته عليه الصلاة والسلام لاختل أمر الهداية.
فإن قلت : لا يلزم من عدم تمكن الشيطان من التمثال بصورته عليه السلام أن تكون صورته المثالية عينه عليه السلام لا غيره لجواز أن يتمثل بصورته ملك أو روح أو إنسان أو بمعنى من المعاني كشرعه وسننه و غير ذلك مما فيه نسبة إليه في معنى الهداية وغيرها.
قلت: يمكن أن تكون سنة الله تعالى جارية بأن لا يتمثل بصورته وحلبته عليه السلام شيء أصلا تعظيما لشأنه ويكون تخصيص الشيطان بالذكر الاهتمام بنفي تمكنه من التمثل بصورته عليه السلام لما لا يخفى وجهه .
(فرآه تقي بن مخلد)، أي النبي صلى الله عليه وسلم ( وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه) بعدما استيقظ (فاستقاء فقاء لبنا، ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما ) تمثل بصورة اللبن فإن اللبن كما أنه يغذي الأبدان ويربها من أول الفطرة إلى آخرها كذلك العلم يغذي الأرواح في جميع أحوالها (فحرمه) إليه ، أي تقي بن مخلد (علما كثيرا على قدر ما شرب) ثم قاء من اللبن فكان الأحرى بحاله أن يعبر اللبن بالعلم ولا يستقيء وإن أورث له ذلك زيادة طمأنينة بصدق ذلك الخبر.

قال الشيخ رضي الله عنه : (ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر». قيل ما أولته يا رسول الله؟
قال العلم، وما تركه لبنا على  صورة ما رآه لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضيه من التعبير. وقد علم أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس أنها في المدينة مدفونة، وأن صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه.  كل روح بهذه المثابة فتتجسد له روح النبي في المنام بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيء.
فهو محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة)

(ألا ترى أن رسول الله و أتي في المنام بقدح لبن قال: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر قيل : ما أولته یا رسول الله قال : أولته العلم، وما تركه لبنا على صورة ما رآه لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضي من التعبير).
ولما ذهب الكلام إلى ذكر رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام أراد أن يحقق أن المرئي حينئذ ما هو؟
فقال : (وقد علم أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس) .
عند حياته صلى الله عليه وسلم : (إنها في المدينة مدفونة).
فقوله : إنها بكسر الهمزة على أن تكون مع اسمها و خبرها خبرا لأن المفتوحة أو بفتحها على أن تكون تكرارا لها تبعد وقع بينها وبين خبرها (و) علم أيضا (أن صورة روحه) ، أي روح النبي صلى الله عليه وسلم .
(ولطيفته) الروحانية (ما شاهدها أحد) بل شاهد أحد الصورة الروحانية مطلقة (من أحد ولا من نفسه) فإنها من المجردات التي لیس من شأنها أن تشاهد بالحس بل إنما يدركها العقل باثارها.
(كل روح) من الأرواح (بهذه المثابة) أي ليس من شأنه أن يشاهد الحسن .
(فيتجسد) أي يتمثل (له)، أي للرائي (روح النبي)  في المنام (بصورة جسده) المطهر المكرم حال كون تنك الصورة (كما مات عليها) ، أي مماثلة للصورة التي مات عنها النبي صلى الله عليه وسلم (لا يخرم) بالخاء المعجمة والراء فمهملة من الخرم وهو القطع.
أي لا يقطع (منه) أي مما مات عليه (شيئا فهو) أي ما رآه في المنام (محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه) الظاهر (في صورة جسدية)، أي كالجسمانيات

قال الشيخ رضي الله عنه : ( لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصما من الله في حق الرائي.
ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان فإن أعصاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها. وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم عليه السلام وتقي بن مخلد. ولما كان للرؤيا هذان الوجهان.
وعلمنا الله: فيما فعل بإبراهيم وما قال له: الأدب لما يعطيه مقام النبوة، علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل)

مثالية فإن الجسد في أصطلاح هذه الطائفة يطلق غالبة على الصورة المثالية (تشبه) الصورة (المدفونة) في البدنية (لا يتمكن الشيطان أن يتصور)، أي يتمثل (بصورة جسده) المثالي المماثل لجسمه المطهر ( صلى الله عليه وسلم عصمة من الله) تعالى (في حق الرائي) أن يتلبس الأمر .
(ولهذا من رأه بهذه الصورة) الجسدية المشابهة لصورته المدفونة في المدينة (يأخذ جميع ما يأمره به أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه) عليه السلام (في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون، أي يوجب (منه اللفظ الدال عليه).
أي عني ما يأخذه منه (من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان)، أي أو أي شيء كان من أقسام اللفظ بلا تعبير ولا تأویل (كأن أعطاه)، أي النبي صلى الله عليه وسلم و الرائي (شيئا) في المنام (فإن ذلك الشيء) المعطى (هو الذي يدخله التعبير ) في بعض الصور (كأن خرج) ذلك الشيء (في الحس كما كان في الخيال) بعينه (فتلك الرؤيا لا تعبير لها وبهذا القدر) الذي هو قسم من الرؤيا حرم (وعليه اعتمد إبراهيم الخليل عليه السلام وتقي بن مخلد) مع أن رؤياهما لم تكن من هذا القسم الذي يطلب التعبير.
(ولما كان للرؤيا هذان الوجهان)، أي التعبير و عدمه (وعلمنا الله فيما فعل بإبراهيم) من إرائته الكبش بصورة إبنه و عدم اطلاعه على المراد منها أو وإعطائه الفدية وتمكنه من ذبحها ليعلم المراد اخرا (وما قال له) من قوله : "يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا " لا صدقت فيه (الأدب) يعني دب موطن الرؤيا وهو عدم القطع بظاهرها وتعبيرها بالمراد منه إذا دل دليل على عدم إرادة ظاهرها.
وكله الأمر فيها إلى الحق ليظهر على الرائي أن المراد بها إما ظاهرها بلا تعير أو أمر آخر يعبر به .
وإنما وقع تعليم ذلك الأدب (لما يعطيه مقام النبوة)، أي لأن يقام النبوة مع جلالة

قال الشيخ رضي الله عنه : (العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع إما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أو هما معا.
وإن لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها كما نرى الحق في الآخرة سواء.
فللواحد الرحمن في كل موطن ... من الصور ما يخفي وما هو ظاهر)

قدرها ورفعة شأنها يعطى ذلك الأدب ويستدعيه فكيف مقام المتابعة التي دونها.
وقوله : (علمنا في رؤيتنا الحق تعالی) جواب لما أي لما كانت الرؤيا تحتمل وجهين التعبير وعدمه وعند ظهور الدليل على عدم إرادة ظاهرها تعین التعبير علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في موطن الرؤيا.
(في صورة بردها الدليل العقلي أن تعبير تلك الصورة بالحق المشروع) أي بالحكم الحق الثابت الذي شرعه الحق سبحانه .
(أما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أو) ما يعبر في حته صورة الحق بالحق المشروع (هما) أي الرائي والمكان (معا) أو غير ذلك الزمان مثلا.
وكان الظاهر في العبارة أن يقال : أو في حقهما معا، وكأنه عدى إلى الضمير المرفوع بتأويل الجملة كما ذكرنا.
وذلك كما يروى أن بعض الصالحين رأى الحق في المنام في دهليز بيته فلطمه في وجهه، فعبر بأنك أخللت بالحكم الشرعي في أخذ دهليز بيتك .
ففحص عن ذلك فإذا هو وقف مسجد بيع بغصب (وإن لم يردها)، أي رؤية الحق (الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها كما ترى الحق في الآخرة) بتحوله في الصور . يشير إلى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية الجزء الثاني .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 8:17 am

06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية الجزء الثاني .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الإسحاقي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية  الجزء الثاني

"" أن أبا هريرة، أخبرهما: أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟
قال: «هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب»
قالوا: لا يا رسول الله.
قال: «فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب» .
قالوا: لا.
قال: فإنكم ترونه كذلك، يحشر الناس يوم القيامة.
فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبع، فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها.
فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم، فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه.

فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم.
فيقولون: أنت ربنا، فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم.
فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل.
وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم ،.... الحديث "" رواه البخاري ومسلم وغيرهم
(سواء ) من غير فرق.
(فللواحد)، أي الحق المتجلي في مقام أحديته بالفيض الأقدس بصور الأعيان الثابتة واستعداداتها (الرحمن) المتجلي عليها بالفيض المقدس لترتب آثارها عليها (في كل موطن) من المواطن (من الصور) جمع صورة (ما يخفي) کالروحانيات (وما هو ظاهر).

قال الشيخ رضي الله عنه : (
فإن قلت هذا الحق قد تك صادقا ... وإن قلت أمرا آخرا أنت عابر
وما حكمه في موطن دون موطن ... ولكنه بالحق للخلق سافر
إذا ما تجلى للعيون ترده ... عقول ببرهان عليه تثابر
ويقبل في مجلي العقول وفي الذي ... يسمى خيالا والصحيح النواظر
يقول أبو يزيد في هذا المقام لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها. وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام. ) 
 
(فإذا قلت) مشيرا إلى ما رأيته من تلك الصور (هذا). المرئي هو (الحق) تعالی (قد تك صادقا) باعتبار اتحاد الظاهر بالمظهر (وإن قلت) هذا المرئي (أمرا آخر) غير الحق (أنت عابر)، أي متجاوز من جهة الوحدة بين الظاهر والمظهر إلى جهة الكثرة والمغايرة بينهما.
(وما حكمه) الذي هو نجليه الوجودي منحصرة (في موطن دون موطن)، ولكنه سبحانه (بالحق)، أي بتجليه بالوجود الحق (للخلق سافر)، أي كاشف للخلق ومظهر إياهم بکشف حجاب الخفاء عن وجوه أعيانهم الثابتة (إذا ما تجلى للعيون).
الحسية أو الحالية التي من شأنها الاقتصار على التشبيه في صورة حسية أو مثالية (ترده عقول) ناقصة مقتصرة على التنزيه غير مهتدية بنور الكشف والمشاهدة إلى الجمع بين التنزيه والتشبيه وذلك الرد إنما هو (ببرهان) أي بسبب برهان (علیه تثابر) وتواظب تلك العقول ما ينتج تنزيهه تعالى عما يثني عن التشبيه.

(ويقبل)، أي تجليه للعقول (في مجلی العقول)، أي في مجلی ترتضيه العقول وهو مقام التنزيه (و) يقبل للخيال (في) المجلی (الذي يسمى خيالا) فما تقبله العقول برده الخيال وما يقبله الخيال ترده العقول (و) الشهود (الصحيح النواظر)، أي شهود النواظر المشار إليها بقوله تعالى: "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة"[القيامة : 22 - 23 ] التي تشاهد الحق سبحانه في المجالي كلها حسية كانت،أو مثالية أو عقلية.
(يقول أبو يزيد رضي الله عنه في هذا المقام)، أي مقام هذا الكشف التام والشهود العام (لو أن العرش وما حواه)، أي من السماوات والأرضين وما فيهما (مائة ألف ألف مرة) وقع (في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس)، أي العارف وقلبه (به) لحقارتها "لصغرها" بالنسبة إلى سعة قلبه لأنها متناهية، وسعة القلب غير متناهية لأنه بإطلاقه مقابل لإطلاق الحق الغير المتناهي وليس للمتناهي قدر محسوس بالنسبة إلى غير المتناهي.
(وهذا) الذي ذكرناه من قول أبي يزيد (وسع أبي يزيد)، أي بيان وسعه و تصویر سعة قلبه بل سعة قلب العارف مطلقا بالنظر (في عالم الأجسام) وقياسه إليه تقريبا إلى فهم المحجوبين لا بالقياس إلى الموجودات كلها فإن لها أيضا هذه النسبة إلى سعة قلبه بل قلب كل عارف ولهذا قال رضي الله عنه مترقيا عما قاله أبو يزيد البسطامي.

قال الشيخ رضي الله عنه : (بل أقول لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه.
فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوى.
وقد قال ذلك أبو يزيد.   ولقد نبهنا على هذا المقام بقولنا: يا خالق الأشياء في نفسه ... أنت لما تخلقه جامع )

 (بل أقول لو أن ما لا يتناهی وجوده) روحانيا كان أو جسمانيا مما وجد ويوجد إلى الأبد.
فإن الموجودات بالفعل في كل زمان متناهية (يقدر)، أي يفرض (انتهاء وجوده) ولو كان مستحيلا وإنما قدر ذلك لأن غير المتناهي لا يحاط (مع العين الموجودة له)، أي التي هي واسطة في اتحاده وهي الحق المخلوق به المشار إليه بقوله تعالى؟ "وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق" [الحجر : 85] وقع (في زاوية من زوايا القلب العارف) سواء كان أبا يزيد أم غيره .
(ما أحس بذلك) حال كونه حاصلا (في علمه) منطويا فيما بين معلوماته ونبه رضي الله عنه بهذا القيد إلى أن المراد بعدم الإحساس به أن لا يكون له قدر محسوس لاتفي العلم .
ثم استدل رضي الله عنه على ما قال بقوله (فإنه قد ثبت ) بما قال تعالى : "لا يسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن".
"أن القلب وسع الحق" وذلك الاستعداده وتجلياته الذاتية والأسمائية الغير المتناهية واحدا بعد واحد (ومع ذلك لا بتصف بالري) .

أي لا يقنع بما يحصل له (فلو امتلأ)، أي القلب بالحق لانتهاء استعداداته وامتلائها بما يرد عليه من صور التجليات (ارتوی) و قنع بما يرد عليه ولكنه لا يمتلىء ولا يرتوي لأن كل تجلي يرد عليه يورث له استعدادا وتعطشة إلى تجل آخر.
وهكذا إلى غير النهاية فأين هو من الامتلاء والارتواء وإذا لم يمثل ولم يرتو فكل ما فرض متناهية لم يكن له قدر محسوس بالنسبة إلى استعداداتها الغير المتنامية. (وقد قال ذلك)، أي ما ذكر من عدم انصاف القلب بالري (أبو يزيد) في قوله : الرجل من بتحسي بحار السموات والأرض ولسانه خارج يلهث عطشا وقوله :
شربت الحب كأسا بعد كأس     ….. فما نفد الشراب وما رويت
(ولقد نبهنا على هذا المقام بقولنا : يا خالق الأشياء)، يعني مقدر أعيانها الثابتة في العلم ومفيض الوجود على تلك الأعيان في العين (في نفسه)، أي في ذاته (أنت لما تخلقه جامع)، أما بحسب مرتبة الجمع فلكون الأعيان الثابتة والخارجية مندرجة مندمجة فيه بالقوة وأما بحسب مرتبة الفرق فلانه سرى في الكل وبهذه السراية يجمعها.

قال الشيخ رضي الله عنه : (
تخلق ما لا ينتهي كونه فيه ... بك فأنت الضيق الواسع
لو أن ما قد خلق الله ما لاح ... بقلبي فجره الساطع
من وسع الحق فما ضاق عن ... خلق فكيف الأمر يا سامع؟
بالوهم يخلق كل إنسان في قوة خياله ما لا وجود له إلا فيها، وهذا هو الأمر العام.
والعارف يخلق بالهمة ما يكون له وجود من خارج محل الهمة و لكن لا تزال الهمة تحفظه.  ولا يئودها حفظه، أي حفظ ما خلقته.
فمتى طرأ على العارف غفلة عن حفظ ما خلق عدم ذلك المخلوق، إلا أن يكون العارف )
(تخلق) علم وعينة (ما لا ينتهي كونه)، أي وجوده إلى حد لم يبق شيء (فيك) متعلق بتخلق، أي في ذاتك.
(فأنت الضيق) فإن خلقك إياه عبارة عن ظهورك بصورته وتفيدك بحسه والتقيد ضيق بالنسبة إلى الإطلاق (الواسع) لعدم تقيد ظهورك بشيء دون شيء يسع جميع المقيدات، وأنت الضيق باعتبار أحديتك الذاتية التي لا مجال للتنويه فيها أصلا ، الواسع باعتبار تجليك الأحدي الجمعي في الكل (لو أن ما قد خلق الله ما... لاح بقلبي فجره الساطع) فيه تقديم و تأخير.

أي لو أن ما قد خلق الله بقلبي متلبس به متمكن فيه ما لاح فجره أو خبر أن مقدر بقرينة اللاحق.
أي لو أن ما قد خلق الله بقلبي ما لاح بقلبي فجره، أي فجر ما خلق الله يعني نور وجوده الساطع عن مرتبة خفاء العدم (من وسع الحق) الغير المتناهي (فما ضاق عن ... خلق) متناه (فكيف الأمر)، أي أمر سعة القلب (یا سامع)

ثم ذكر رضي الله عنه مسألة غريبة يفهم منها سعة القلب و عدم ضيقه عن الخلق.
فقال (بالوهم بخلق كل إنسان في قوة خياله ما لا وجود له إلا فيها وهذا هو الأمر العام)، أي الشامل كل إنسان والعار في الكامل المتصرف في الوجود مع اشتراكه مع الكل في ذلك فله خصوص مرتبة في الخلق وهو أنه (بخلق بهمته)، أي بتوجهه وتسليط نفسه بجميع قواه على فعل حين تحققه بالاسم الخالق.
(ما يكون له وجود من خارج محل الهمة) يعني النفس والخيال احترز بذلك عن خلق أصحاب السيمياء والشعوذة فإنهم يظهرون صورة لكن في خيالات الحاضرين وهي محل الهمة منهم خلاف العارف المتصرف فإنه يخلق بهمته ما يخلق من الصور قائما بنفسه كسائر الموجودات العينية.
(ولكن لا تزال الهمة) أي همة العارف (تحفظه ولا يؤودها) أي لا يثقلها (حفظه)، أي حفظ ما خلقته (فمتى طرأ على العارف غفلة عن حفظ ما خلق بهمته) فلا يشاهده ولا يحضر معه (عدم ذلك المخلوق) لانعدام علة بقائه وهي حضور العارف معه (إلا أن يكون العارف) لسعة قلبه.

قال الشيخ رضي الله عنه : (قد ضبط جميع الحضرات وهو لا يغفل مطلقا، بل لا بد من حضرة يشهدها.
فإذا خلق العارف بهمته ما خلق وله هذه الإحاطة ظهر ذلك الخلق بصورته في كل حضرة، وصارت الصور يحفظ بعضها بعضا.
فإذا غفل العارف عن حضرة ما أو عن حضرات وهو شاهد حضرة ما من الحضرات، حافظ لما فيها من صورة خلقه، انحفظت جميع الصور بحفظه تلك الصورة الواحدة في الحضرة التي ما غفل عنها، لأن الغفلة ما تعم قط لا في العموم ولا في الخصوص.)

(قد ضبط جميع الحضرات) الخمس الكلية التي هي حضرة المعاني وحضرة الأرواح وحضرة المثال المطلق وحضرة المثال المقيد وحضرة الحس والشهادة (وهو لا يغفل مطلقا)، أي والحال أنه ليس من شأنه أن يغفل غفلة مستوعبة لجميع الحضرات.
(بل لا بد له من حضرة يشهدها فإذا خلق العارف بهمته ما خلق وله هذه الإحاطة) بالحضرات (ظهر ذلك الخلق بصورته) الخاصة له في كل حضرة وصارت الصور تحفظ بعضها بعض بسرابة جمعية همته من كل صورة إلى سائرها (فإذا غفل العارف عن حضرة ما أو عن حضرات وهو شاهد حضرة ما من الحضرات حافظ لما فيها) أي في تلك الحضرة.
(من صور خلقه) التي في تلك الحضرات (انحفظت جميع الصور) في جميع الحضرات (بحفظ تلك الصورة الواحدة في الحضرة التي ما غفل عنها).

وعدم غفلته عنها لما لا بد له من حضرة يشهدها (لأن الغفلة ما تعم) الحضرات كلها (قط) بأن لا يحضر أحد مع واحدة منها (لا في العموم)، أي عموم الخلائق (ولا في الخصوص)، أي خصومهم فإن غاب أتعارف من حضرة فلا بد أن يحضر مع حضرة أخرى فلا يغفل عن جميع الحضرات و إن لم يعمل عن جميع الحشرات ولهذا ينعدم مخلوق العارف بالإعراض عنه مطلقا.
ومثال ذلك ما إذا خنق العارف بجمعية المهمة خارج محل الهمة كالحس مثلا صورة محسوسة ، وحفظها بدوام شهودها والحضور معنا حسا فمتى طرأ عليه غفلة بالنوم مثلا وغاب عن الحس علمت هذه الصورة المحسوسة عن مرتبة الحس وتم تبق، لأن شرط بقائها إنما هو حضور العارف معها حسا.

وقد زال ذلك الشرط إلا أن يكون العارف قد ضبط جميع الحضرات فكان عارفا بحضرة الحس و حضرة المثال و الخيال و ارتباط بعضها ببعض وسرت جمعية همته من بعضها إلى بعض .
فإنه حينئذ وإن غفل عن حضرة الحس وعن شهود صور مخلوق و موجود بها لكنه يشهده في حضرة الخيال، أو المثال مخلوقا موجودا فيحفظه فتنحتفظ بصورته الخيالية صورته الحسية .

ومن فروع ذلك الأصل ما ذكره الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات: 
أن الأبدال أنهم إذا فارقوا موضعا ويريدون أن يخلفوا بدلا منهم في ذلك الموضع الأمر يرونه فيه مصلحة وقربة تركوا شخصا على صورة رجل منهم ولا يشك أحد ممن أدرك رؤية الشخص أنه عين ذلك الرجل وليس هو، بل هو شخص روحاني بتركه بدله بالقصد علم منه ومنها أيضا ما هو مشهود عن بعض هذه الطائفة.
أنه حضر في آن في أماكن مختلفة أو دخل بيت مغلقة الأبواب مسدودة الكون أي خرج عنه إلى أمثال من الخوارق.


قال الشيخ رضي الله عنه : (وقد أوضحت هنا سرا لم يزل أهل الله يغارون على مثل هذا أن يظهر لما فيه من رد دعواهم أنهم الحق، فإن الحق لا يغفل والعبد لا بد له أن يغفل عن شيء دون شيء.
فمن حيث الحفظ لما خلق له أن يقول «أنا الحق»، ولكن ما حفظه لها حفظ الحق: وقد بينا الفرق.
ومن حيث ما غفل عن صورة ما وحضرتها فقد تميز العبد من الحق.
ولا بد أن يتميز مع بقاء الحفظ لجميع الصور بحفظه صورة واحدة منها في الحضرة التي ما غفل عنها. فهذا حفظ بالتضمن، وحفظ الحق ما خلق ليس كذلك بل حفظه لكل صورة على التعيين.
وهذه مسألة أخبرت أنه ما سطرها أحد في كتاب لا أنا ولا غيري إلا في هذا الكتاب)


(وقد أوضحت هنا سرو هو عروض الغفلة للعارف عن بعض الدورات (لم يزل أهل الله يغارون على مثل هذا) السر.
(أن يظهر لما فيه)، أي في خلفوز ذلك السر (من رد دعواهم أنهم الحق فإن الحق سبحانه (لا يغفل) عن حضرة ما أبدا (والعبد لا بد له أن يغفل عن شيء دون شيء) في وقت دون وقت (فمن حيث الحفظ لما خلق له أن يقول: أنا الحق)، لأن خلق ما خلق وحفظه له إنما هو من حيث كونه حقا لا من حيث كونه عبدا.
(ولكن ما حفظه لها)، أي ليس حفظ العبد صورة ما خنته مماثلا من كل الوجوه (حفظ الحق) سبحانه (وقد بينا الفرق) بين الحنين (من حيث ما غفل العبد)، أي من حيث غفلته (عن صورة ما وحضرتها وعدم حفظه لما خلق).
(فقد تميز العبد من الحق) تميزة ظاهرة من وجهين:
أحدهما : عروض الغفلة له.
وثانيهما : عدم انحفاظ مخلوقه هذا على تقدير عدم بناء الحفظ.
وأما على تقدير بناء الحفظ فهو وإن أشار إلى تميز العبد عن الحق ببيان الفرق بين الحفظين لكنه أعاده مرة أخرى لزيادة تفصيل.
فقال : (ولا بد أن يتميز مع بقاء الحفظ لجميع الصور لحفظه صورة واحدة منها في الحضرة التي ما غفل عنها فهذا هو حفظه) لما خلق (بالتضمن).
أي حفظ صورة ما خلق في حضرته إنما وقع في ضمن ما حفظ صورة أخرى في حضرة أخرى (وحفظ الحق ما خلق ليس كذلك بل حفظه لكل صورة على التعيين وهذه مسألة أخبرت) من جانب الحق تعالى (أنه ما سطرها أحد في كتاب لا أنا ولا غيري إلا في

قال الشيخ رضي الله عنه : (  فهي يتيمة الدهر وفريدته. فإياك أن تغفل عنها فإن تلك الحضرة التي يبقي لك الحضور فيها مع الصورة، مثلها مثل الكتاب الذي قال الله فيه «ما فرطنا في الكتاب من شيء» فهو الجامع للواقع وغير ا قرآنا في نفسه فإن المتقي الله «يجعل له فرقانا» وهو مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب.  وهذا الفرقان أرفع فرقان.)

هذا الكتاب فهي يتيمة الوقت وفریدته فإياك أن نغفل عنها) وعلل رضي الله عنه الوصية بعدم الغفلة عن هذه المسألة. 
بقوله : (فإن تلك الحضرة التي يبقى لك الحضور فيها مع الصورة)، أي صورة ما خلقه (مثلها)، أي حالها وشأنها (مثل الكتاب الذي قال الله) تعالى (فيه)، أي في شأنه (وما فرطنا في الكتاب من شيء) [الأنعام: 38].

وإذا لم يفرط فيه من شيء (فهو الجامع للواقع) في الماضي والحان (وغير الواقع في الماضي والحال الذي يقع إلى الأبد في الاستقبال فكذلك تكون تلك الحضرة جامعة للصور الواقعة فيها و للصور الغير الواقعة فيها الواقعة في سائر الحضرات فإنها كالأثر من الحضرات التي تخصها فنعلم بها كما يعرف الأثر بالمؤثر.
أو نقول الحشرات كلها صور للحقائق الإلهية مرتبة بعد مرتبة، وكل واحدة منها متحدة مع سائرها من حيث تلك الحقائق.

فمعرفة كل واحدة منها على ما هي عليه تستتبع معرفة الباقية، فالحضرة الخاصة التي يحضر معها العارف مثلها مثل الكتابة الذي لم يفرط فيه من شيء .
(ولا يعرف) معرفة ذوق و وجدان (ما قلناه) من عدم التفريط في الكتاب من شيء ومماثلة الحضرة الخاصة التي يحضر معها العارف لذلك الكتاب (إلا من كان قرآنا في نفسه) جامعا للحضرات كلها تحقيقا و اجدا أحكامها في ذاته وإنما يعرف من كان قرآن في نفسه ما قلناه .

(فإن المتقي الله) يعني المتحقق بحقيقة الاتقاء الحائز بالتحقق بها مرتبة الجمعية القرآنية، فإن حقيقة الاتقاء هی: اتخاذ العبد الحق سبحانه وقاية لذاته وصفاته وأفعاله بإتصافها إليه سبحانه وانقطاع نسبتها من العبد .
وليست الجمعية القرآنية إلا ذلك (يجعل) الله (له فرقانا)، أي نورا في باطنه فارقة بين الحقائق التي من جملتها ما قلناه فلا جرم يعرفه .

(وهو)، أي الفرقان الذي يجعله الله تنتقي (مثل ما ذكرناه في هذه المسألة)، أي واحد من جزئياته ما ذكرناه (فيما يتميز)، أي في معنى يتميز (به العبد من الرب وهذا الفرقان أرفع فرقان)، لأن الفرقان إما بين الحقائق الإلهية والكونية أو بين الحقائق الإلهية فقط بأن تميز بعضها عن بعض، أو بين الحقائق الكونية.
كذلك فلا شك أن الفرق الأن أرفع

قال الشيخ رضي الله عنه : (
فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ... ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك
فإن كان عبدا كان بالحق واسعا ... وإن كان ربا كان في عيشة ضنك
فمن كونه عبدا يرى عين نفسه ... وتتسع الآمال منه بلا شك
ومن كونه ربا يرى الخلق كله ... يطالبه من حضرة الملك و الملك
ويعجز عما طالبوه بذاته ... لذا تر بعض العارفين به يبكي
فكن عبد رب لا تكن رب عبده ... فتذهب بالتعليق في النار والسبك)

(فوقتا)، أي في مقام الفناء في الله (يكون العبد) الكامل (ربا بلا شك) لانقهار جهة عبوديته في ربوبيته.
(ووقتا)، أي في مقام البقاء بعد الفناء (يكون العبد) الكامل أيضا (عبدا) محضا (بلا إفك) محضا من غير شائبة مربوبية فيه (فإن كان) ذلك العبد (عبدا) كاملا قائما بربه (كان بالحق)، أي بسبب ظهور الحق فيه وفنائه في الحق تعالى.

(واسعا) في عيشة من غير ضيق فيها، فإنه لا يطالب بشيء حتى يقع في ضيق بالعجز عن الإتيان به .
(وإن كان ربما كان في عيشة ضنك)، أي ضيقة لأنه يطالب حينني بالأشياء ويعجز عن الإتيان بها، فيقع في ضنك وضيق (فمن كونه عبدا بری)، أي يبصر

عين نفسه من غير أن يرى الخلق معه علاقة مطالبة (وتتسع الآمال منه بلا شك)، أي تقع أمال الأملين، أي أصحابها في سعة من كونه عبدا لا بعطالبه الأملون بشيء.
بل يطالبون الحق سبحانه فيظهرون بمأمولاتهم فيقعون في سعة من حصولها بخلاف ما إذا كان ربا فإنهم طالبوه بأشياء لم يظفروا بها فوقعوا في ضيق (ومن كونه ربا يرى الخلق كله يطالب من حضرة الملك) بضم الميم (والملك) بفتحها وهو القوة.

والمراد به المنعوت بقرينة المثلث، وقوته من حضرة الملك والملك بيان للخلق كله (ويعجز عما طالبوه بذاته)، أي يكون ذلك العجز مسببة عن ذاته، فإن العجز والضعف من لوازم ذات الممكن (لذا تر) مخفف تری لاستقامة الوزن (بعض العارفين به)، أي بالحق وبهذا الحكم (يبكي) لعدم تمكنه من الإتيان بما يطالب به. (فكن عبد رب لا تكن رب عبد)، أي عبد الرب (فنذهب) عن مقام العبودية إلى مقام الربوبية أو تزول أو تضمحل حال كونك ملتبسا (بالتعليق في النار)، أي نار الحرمان من إنجاح آمال الآملين.

(والسبك)، أي ملتبسا بالسبك، أي الإذابة فيها ولهذه الأبيات احتمالات أخر غير ذلك وليس المراد بما ذكرنا انحصار المراد فيه وبالله التوفيق .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 07- فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 8:26 am

07- فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الإسماعيلي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

07- فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية   الجزء الأول

الفص الإسماعيلي
قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم أن مسمى الله أحد بالذات،گل بالأسماء. فكل موجود فما له من الله إلا ربه خاصة يستحيل أن يكون له الكل.)
إنما وصف الحكمة المنسوبة إلي إسماعيل عليه السلام بكونها علبة لما شرف الله تعالى إسماعيل به من قوله : "وجعلنا لهم لسان صدق عليا" [مريم: 50]، ولأنه كان صادق الوعد وذلك دليل على علو الهمة، ولأنه كان مرضية عند ربه وذلك مقام عالي ، ولأنه كان وعاء للوجود المحمدي المعتلي على الموجودات كلها.
ولما كان إسحاق من ولدي إبراهيم عليهم السلام أبا لأنبياء كثيرين وإسماعيل أبا خاتم الأنبياء وللخاتم التأخر في الوجود وإن كان متقدمة في الرتبة أخر الكلمة الإسماعيلية عن الإسحاقية.
وحيث كان المذكور في شأنه عليه السلام صفتين :
1 - صفة العلو
2 - وصفة الرضا
و محتدهما من الجناب الإلهي نسبتان :
1 - الوحدة الذاتية
2 - والجمعية الأسمائية .
أشار إليهما بقوله : (اعلم أن مسمى) الاسم (الله أحدي بالذات)، أي لا كثرة فيه من حيث ذاته.
وإنما قال : أحدي لا أحد مبالغة في أحديته كالأحمري لأنها صفة سلبية لا تقتضي معنى زائدة على الذات فأحديته بحيث ليس فيه أثنينية الصفة والموصوف
(كل) مجموعي إذا لوحظ منقيدة (بالأسماء) وهذه المرتبة الإلهية المسنجمعة لجميع الأسماء والصفات، والتمييز بين هاتين المرتبتين إنما يكون بحسب التعقل فحسب وأما بحسب الخارج فليس إلا الوحدة الصرفة التي ليس فيها شائبة كثرة أصلا.
(فكل موجود فما له من الله) أحدية جميع الأسماء (إلا) الاسم الذي هو (ربه خاصة) منه انتشأت عينه الثابتة وبه ظهرت في مراتب الوجود روحا ومثالا وحسة، وعليه ترتبت أحواله فيها، ونيه معاده كما أنه منه مبدؤه (ويستحيل أن يكون له)، أي تكل موجود (الكل)، أي كل الأسماء الداخلة تحت المرتبة الإلهية إلا الكامل فإن ه أحذية جمع الأسماء هذا إذا نريد بالأسماء كنيانها. وأما إن حمل الأسماء على معنى عم بحيث يشكل الأسماء الجزئية المتشخصة بعض المربوبات أيضا فلا حاجة إلى هذا الاستثناء إلا أنه فيما سيأتي نوع نبوة منه .


قال الشيخ رضي الله عنه : ( وأما الأحدية الإلهية فما تواحل فيها قدم، لأنه لا ينال لواحد منها شيء ولآخر منها شيء، لأنها لا تقبل التبعيض . فأحديته مجموع كله بالقوة . والسعيد من كان عند به مرضيا؛ وما ثم إلا من هو مرضي عند ربه لأنه الذي يبقي عليه وبيته فهو عنده ماضي فهو سعيد. )
(وأما الأحدية الإلهية)، أي أحدية مسمى الله (فما لأحد فيها) مع بقائها على حالها (قدم) بأن يكون له منها جزء أو حصة تقدم عليه (لأنه لا يقال لواحد منها شيء) جزءا كان أو حصة (ولآخر منها شيء) كذلك (لأنها لا تقبل التبعيض) تجزئة كان أو تحصيصة لأنها ليست إلا اعتبارا مسقطا للاعتبارات كلها ، ولا بد في صيرورتها حصصة أو أجزاء من اعتبار صحة انضبان الأمور الخارجة إليها وانقسامها إلى الأمور الداخلة فيها وكل ذلك ينافي الأحدية ، والحقيقة المطلقة الإلهية لا تنجزا ولكنها تتحصص ففي كل شيء حصة منها فهي بكلياتها سارية في الكل من غير تجزئة.
(فأحديته مجموع) يعني إذا كانت الأحدية الإلهية لا تقبل التبعيض فأحدية مسمى الله مجموع أي مجموع أسماء فصلت في المرتبة الواحدية (كله)، أي كل ذلك المجموع مندمج فيه (بالقوة) أما اندماجه فيه فلان مرتبة الأحذية إجمال مرتبة الواحدية، وأما كونه بالقوة فلأنه إذا خرج ذلك المجموع من القوة إلى الفعل انقلبت الأحذية واحدية فقوله :
وأحدية مبتدأ ، ومجموع خبره، وكله مبتدأ آخر، وبالقوة خبره. والجملة صفة لمجموع.
(والسعيد من كان عند ربه مرضية وما ثمة)، أي في الوجود (إلا من هو مرضي عند ربه لأنه)، أي المربرب هو (الذي يبقى عليه)، أي على الرب (ربوبيته)، أي ربوبية الرب إذ لولا المربوب لعدم الرب من حيث هو رب .
ويمكن أن يقال إن الرب يبقى على المربوب ربوبية الرب أو ربوبية المربوب، أي وجوده وما يتبعه من الأحكام، فهذا الإبقاء دليل على رضا الرب عنه إذ لو لم يرض بوجود المربوب وما له وما يصدر عنه لما أبقاه (فهو)، أي المربرب (مرضي عنه)، أي عند ربه (فهو سعيد) وإنما قيدنا السعيد في الموضعين بقوله عند ربه لأن للمربوب سعادتين:
إحداهما سعادة بالنسبة إلى ربه
وأخراهما سعادة بالنظر إلى نفسه وأحواله .
فالأولى: كونه بحيث يتأتي منه ما خلق له وتظهر فيه أحكام ربه على وجه يرضى به، ولا يخفى أن كل موجود مرضي سعيد بهذا المعنى ولا يتصور فيه الشقاوة إلا بالقياس إلى رب مربوب آخر لو لم يكن لهذا الموجود اصطلاحية مظهرية أحكامه كما سيشير رضي الله عنه إلى هذه الشقاوة فيما بعد.
والثانية : كونه على حالة يتنعم ويتلذذ بها ولا شك أن المربرب بهذا الاعتبار ينقسم إلى السعيد والشقي، وبهذه السعادة والشقاوة حكمت الشريعة، ولا يشمل هذه السعادة كل مربرب إلا ما على ما ذهب إليه الشيخ رضي الله عنه .


قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولهذا قال سهل إن للربوبية سيرا وهو أن يخاطب كل عيني - لو ظهر بطلتي الربوبية، فأدخل عليه لوه وهو حرف امتناع لامتناع. وهو لا يظهر فلا تبطل الربوبية لأنه لا وجود لقين إلا بربه، والعي موجودة دائمة الربوبية لا تظل دائما .)
والحكم على المربوب بالرضا مطلقا فلا تصح إلا بالسعادة الأولى فلذلك قيدنا السعيد بما قيدنا (ولهذا)، أي لأن المربرب يبقي على الرب ربوبيته (قال سهل) يعني الشيخ الإمام سهل بن عبد الله التستري رضي الله عنه (إن للربوبية سرا)، أي ذلك السر (وهو أنت) من حيث أنك مربوب فإن المربربية سر للربوبية ضرورة أن كل واحد من المتضایفین لازم للآخر واللازم للمتزوم سر يظهر منه .
فقوله : وهو أنت، إن كان من كلام الشيخ رضي الله عنه وهو الظاهر كما يشهد به كلام الفتوحات حيث قال: يقال ظهروا عن البلد، أي ارتفعوا (يخاطب كل عین)، موجودة بالوجود العيني عنه ، وهو قول الإمام الألوهية سر لو ظهر لبطلت الألوهية.
فقوله : يخاطب بصيغة الغيبة على إسناد الفعل إلى لفظ أنت تجوزة، وإن كان من كلام سهل رضي الله عنه فالأمر ظاهر (لو ظهر)، أي لو زال ذلك السر عن الوجود في الصحاح هذا أمر ظاهر عنك عاره، أي زائل (لبطلت الربوبية) ضرورة زوال أحد المتضایفین وبطلانه بزوال الآخر وبطلانه . ويمكن حمل كلام الإمام على ظاهره بحمل الظهور على معناه المشهور كما يدل عليه مقابلته للسر ويراد بسر الربوبية .
أنه أي الرب هو الذي ظهر بصورة المربرب فتحققت نسبة الربوبية. فلو ظهر هذا السر بظهور الرب بوحدته الحقيقية لبطلت الربوبية لأن في الربوبية لا بد من الاثنينية (وادخل عليه لو) في هذه الشرطية (وهو حرف امتناع لامتناع)، أي يدخل على امتناع أمر هو زوال سر الربوبية (وهو)، أي ذلك السر الذي هو كل عين موجودة (لا بظهر)، أي لا يزول عن الوجود بل يمتنع زواله عن الوجود بالكلية وإن زال عن بعض المراتب (فلا تبطل الربوبية) بل يمتنع بطلانها لامتناع
ظهور سر الربوبية وزوالها (لأنه لا وجود لعین) مربوبية هي سر الربوبية (إلا بربه)، أي إلا بربوبية ربه فوجودها مشروط بربوبيته (والعين) المربربة المشروط وجودها بربوبية الرب (موجودة دائما فالربوبية) التي هي شرط وجودها (لا يبطل دائما) ضرورة دوام عدم بطلان الشرط بدوام وجود المشروط، وقوله : دائما ، ظرف للنفي لا للمنفي
ولما فرغ رضي الله عنه مما وقع في البين من كلام سهل رضي الله عنه وبيان معناه رجع إلى ما كان بصدده، فبعد ما ذكر أولا أن كل مربوب مرضي.


قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكل مرضي محبوب، وكل ما يفعل المحبوب محبوب.
فله مرضي، لأنه لا فعل العين، بل اليعا ربها فيها فاطمأنت العين أن تضاف إليها فعل، فكانت راضية بما يظهر فيها وعنها من أفعال ربها، مضية ، تلك الأفعال لأن كل فاعل وصانع راضي عن فعله وضنعيه ، فإنه وفي فعله وضعته حق ما هي عليه "أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" [طه: 50] أي بين أنه أغني كل شيء ، فلا يقبل الله ولا الزيادة .
فكان إسماعيل بعثوره على ما ذكرناه عند ربه مرضيا . وكذلك محل موجود عند )
يقول (وكل مرضي محبوبه) بالنسبة إلى من هو راضي عنه ومحب له (وكل ما يفعل المحبوب محبوب) للمحب فكل ما يفعل المرضي محبوب، ومعلوم أنه كما كان كل مرضي محبوب كذلك كل محبوب مرضى (فكله)، أي كل ما يفعل المحبوب (مرضی) وحيث كان تفرع هذه النتيجة على ما سبق لا يتم إلا بملاحظة المقدمة القائلة بأن كل محبوب مرضي وهي قد طوى البين فبقي في النتيجة نوع خثاء بينها بما يعمها وغيرها فقال : (لأنه لا فعل للعين) الممكنة (بل الفعل لربها فيها) فهي محل لظهور الفعل لا الفاعل (فاطمأنت)، أي سكنت .
(العين) الممكنة (عن أن يضاف إليها فعل) على وجه الفاعلية (فكانت راضية بما يظهر فيها وعنها من أفعال ربها) والمراد برضاها حسن قبولها لظهور تلك الأفعال وتمكينها ربها من إظهارها فيها وكذلك كانت (مرضية تلك الأفعال) للحق سبحانه (لأن كل فاعل وصانع راض عن فعله وصنعته فإنه وفي فعله وصنعته)، أي أعطاهما بالتمام والكمال
(حق ما هي عليه)، أي حق ما هذه الصنعة عليه عند تقدير الفاعل ومشيئته إياها من مراتب الثمامية والكمال، وحيث كان الفعل والصنعة أمرة واحدة أفرد الضمير وأنثه الإرجاعه إلى ما هو أقرب منها.
ثم أيد رضي الله عنه ما ادعاه من أن الحق سبحانه وفي فعله وصنعته حق ما هي عليه بقوله تعالى: (وأعطى كل شي ) بالمشيئة الوجودية ("خلقه")، أي ما قدر له من مرتبة مشيئته الثبوتية من الأحكام والآثار الكمالية.
("ثم هدى" [طه : 50] أي بين أنه أعطى كل شيء خلقه فلا يقبل) ذلك الشيء (النقص) عما قدر له (ولا الزيادة عليه (فكان إسماعيل عليه السلام بعثوره) واطلاعه على ما ذكرناه من كون الكل ذاتا وفعلا مرضيا لله تعالى وأنه في قوله : وصنعته حق ما هي عليه (عند ربه مرضيا) فإن ذلك العثور من جملة أو أن يقتضيها و يرتضيها  ربه فبه و بأمثاله كان عند ربه مرضيا  ، أي كما أن إسماعيل عليه السلام عند ربه مرضى.


قال الشيخ رضي الله عنه : (  وكذا كل موجود عند ربه مرضي. ولا يلزم إذا كان كل موجود عند ربه مرضيا على ما بيناه أن يكون مرضيا عند رب عبد آخر لأنه ما أخذ الربوبية إلا من الكل لا من واحد. فما تعين له من الكل إلا ما يناسبه، فهو ربه.
ولا يأخذه أحد من حيث أحديته. و لهذا منع أهل الله التجلي في الأحدية ، فإنك إن نظرته به فهو الناظر نفسه فما زال ناظرا نفسه بنفسه، و إن نظرته بك فزالت الأحدية بك، و إن نظرته به و بك فزالت الأحدية أيضا.  لأن ضمير التاء في «نظرته» ما هو عين )  
(ولا يلزم إذا كان كل موجود عند ربه مرضيا)، فيكون عنده سعيدة (على ما بيناه أن يكون مرضية عند رب عبد آخر) وسعيدا عنده فلا يلزم أن يكون عبد المضل مرضيا وسعيدا عند رب عبد الهادي، أو بالعكس إذ كل واحد منها سعيد بالنسبة إلى ربه شقي بالنسبة إلى رب آخر.
ونیست هذه السعادة والشقاوة ما حكمت به الشريعة فإن عبد الهادي سعيد مطلقا بحكمها وعبد المضل شقي مطلقة، وإنما قلنا لا يلزم أن يكون المرضي عند رب مرضية عند رب آخر (لأنه)، أي كل موجود (ما أخذ الربوبية إلا من كل) مجموعي وهو أحدية جمع أسماء الربوبية (لا من) اسم (واحد) بعينه ليلزم أن يكون المرضي عند ربه مرضية عند رب آخر لاتحاد ربیهما (فما تعين له)، أي لكل موجود (عن ذلك الكل) المجموعي (إلا ما يناسبه وما يناسب استعداده) من الأسماء المخصوصة.
(فهو)، أي ذلك المتعین (ربه ولا يأخذه)، أي الرب (أحد من حيث أحديته) الذاتية بل من حيث جمعيته الإلهية (ولهذا)، أي لعدم تعین الرب لكل أحد من مجموع الأسماء إلا ما يناسبه لا الذات من حيث أحديتها (منع أهل الله التجلي في الأحدية)، أي حكموا بامتناع التجني في مرتبة الأحدية ، فإن التجلي نسبة تقتضي النينية التجلي والمتجلى له المتغايرين ذاتا أو اعتبارا و هي تنافي الأحذية .
وهذا مجمل ما فصله رضي الله عنه بقوله (فإنك إن نظرته به) كما في قرب الفرائض بأن يرتفع المراد بضمير التاء وهو أنت عن البين، ولم يكن أحد طرفي نية التجلي (فهو الناظر نفسه فما زال ناظرة نفسه بنفسه وإن نظرنه بك) بأن تكون أنت الناظر كما في قرب النوافل.
(فزالت الأحدية بك وإن نظرته به وبك) بالجمع بين الاعتبارين كما في قربي الفرائض والنوافل معا.
(فزالت الأحدية) على هذا التقدير (أيضا)، وإنما زالت الأحدية في الصورتين الأخيرتين (لأن ضمير التاء في نظرته) يعني المراد به فيهما حيث لم ترتفع عن البين بالكلية.


قال الشيخ رضي الله عنه : (  المنظور، فلا بد من وجود نسبة ما اقتضت أمرين ناظرا ومنظورا، فزالت الأحدية وإن كان لم ير إلا نفسه بنفسه. ومعلوم أنه في هذا الوصف ناظر ومنظور.  فالمرضي لا يصح أن يكون مرضيا مطلقا إلا إذا كان جميع ما يظهر به من فعل الراضي فيه. ففضل إسماعيل غيره من الأعيان بما نعته الحق به من كونه عند ربه مرضيا.
وكذلك كل نفس مطمئنة قيل لها «ارجعي إلى ربك» فما أمرها أن ترجع إلا إلى ربها الذي دعاها فعرفته من الكل، «راضية مرضية».
«فادخلي في عبادي» من حيث ما لهم هذا المقام. فالعباد المذكورون هنا كل عبد عرف ربه)  
(ما هو عين المنظور) المشار إليه بضمير البهاء، فإن الناظر فيهما العبد والمنظور الرب (فلا بد) في شيء من هذه الصور الثلاث (من وجود نسبة ما اقتضت أمرين ناظرة ومنظورة) مغايرين بالذات أو الاعتبار.
(فزالت الأحدية) في كل صورة (وإن كان) الحق (لم ير إلا نفسه بنفسه) في الصورة الأولى (ومعلوم أنه في هذا الوصف)، أي رؤية نفسه بنفسه في الصورة الأولى (ناظر) من وجه (منظور) من وجه فهما متغايران بالاعتبار فزالت الأحدية أيضا (فالمرضي لا يصح أن يكون مرضيا) وسعيدا (مطلقا).
أي بالنسبة إلى جميع الأرباب بل يكون مرضيا وسعيدا بالنسبة إلى ربه فقط (إلا إذا كان جميع ما يظهر به)، أي المرضي (من فعل) الرب (الراضي)، أي رب كان من الأرباب بحيث لا يشذ شيء منها منحتنا (فيه). أي في المرضي كلإنسان الكامل ، فإنه أحدية جمع مظهرات جميع الأرباب وأفعالها فيكون مرضيا وسعيدا على الإطلاق لا من وجه دون وجه.
(ففضل إسماعيل) عليه السلام (غيره من الأعيان) يعني أعيان الأناسي الكاملين وغيرهم (بما نعته الحق به) ونص عليه (من كونه عند ربه مرضيا)، أي مطلقا فإنه سبحانه ما نص على ذلك في أحد غيره.
(وكذلك كل نفس مطمئنة) مستمرة على اكتساب مراضي الحق فضلت غيرها من الأنفس بتنصيص الحق على كونها مرضية حيث (قيل لها)"يا أيتها النفس المطمئنه ارجعي إلى ربك راضيا مرضيا " الذي هو موطنك الأول فيكون ذهابك إليه رجعة (فما أمرها) الحق سبحانه في هذا القول.
(أن ترجع إلا إلى ربها الذي ناداها) بقوله : "يا أيتها النفس المطمئنه" و (و دعاها) بقوله : " ارجعي إلى ربك" (إليه) لتعرفه (فعرفته من الكل)، أي من كل الأرباب بما ظهر فيها من أفعاله وآثاره (" راضية مرضية" )، أي" ارجعي إلى ربك " راضية منه مرضية له ("فادخلي فى عبادي") المختصين بي بدلالة ياء الإضافة (من حيث ما لهم في هذا المقام)، أي مقام . العبودة المحضة


قال الشيخ رضي الله عنه : (  تعالى واقتصر عليه ولم ينظر إلى رب غيره مع أحدية العين: لا بد من ذلك «وادخلي جنتي» التي بها ستري. وليست جنتي سواك فأنت تسترني بذاتك. فلا أعرف إلا بك كما أنك لا تكون إلا بي. فمن عرفك عرفني وأنا لا أعرف فأنت لا تعرف.
فإذا دخلت جنته دخلت نفسك فتعرف نفسك معرفة أخرى غير المعرفة التي عرفتها حين عرفت ربك بمعرفتك إياها.  فتكون صاحب معرفتين: معرفة به من حيث أنت،)  
(فالعباد المذكورون هنا كل عبد عرف ربه تعالی واقتصر عليه ولم ينظر إلى رب غيره) وإلا لم يكن عبد محض تربة (مع أحدية العين)، أي أحدية عين الأرباب واتحادهم بالذات وقوله : رب غيره، إما بالإضافة على أن يكون الضمير راجعا إلى ربه
(لا بد من ذلك) المذكور من الأوصاف ليكون العبد مرضيا عند ربه، أو لا بد من أحدية العين مع تعدد الأرباب ("وادخلي جنتي" [الفجر :30] التي هي ستري) بكسر السين وهو ما تستر به.
وفي بعض النسخ التي بها ستري بفتح السين وإنما فسر الجنة بما فسر لأنها فعلة من الجن وهو الستر (وليست جنتي) التي هي ستري (سواك فأنت تسترني) من حيث إطلاقي بذاتك الإنسانية من حيث تعينك ، لأنه لا يمكن أن أعرف من حيث اطلاقي (فلا أعرف إلا بك) من حيث تقيدك (كما أنك لا تكون)، أي لا توجد (إلا بي) من حيث إطلاقي (فمن عرفك) حق المعرفة (عرفني) فإن حقیقتك ليست إلا أنه لا فرق بيني وبينك إلا بالإطلاق والتقييد (وأنا لا أعرف) فإن العقل والكشف قاصران عن كنه حقیقتي (فأنت لا تعرف) فإن حقیقتي مأخوذة في حقيقتك.
قال الشيخ رضي الله عنه :
ولست أعرف من شيء حقیقته    ….. وكيف أعرفه وأنتم فيه
وقال آخر):
هذا الوجود وإن تعدد ظاهرا   …… وحياتكم ما فيه إلا أنتم
حقيقة كل موجود بدا ووجود هذي الكائنات توهم (فإذا دخلت جنته)، وهي نفسك (دخلت نفسك وتعرف نفسك) فإن الدخول فيها ليس إلا بعد العلم والمعرفة.
وفي بعض النسخ : فإذا دخلت نفسك فتعرف نفسك (معرفة أخرى غير المعرفة التي عرفتها)، أي نفسك بهذه المعرفة (حتى عرفت ربك بمعرفتك إياها فتكون صاحب معرفتین) بربك ،

قال الشيخ رضي الله عنه : (
ومعرفة به بك من حيث هو لا من حيث أنت.
فأنت عبد وأنت رب ... لمن له فيه أنت عبد
وأنت رب وأنت عبد ... لمن له في الخطاب عهد
فكل عقد عليه شخص ... يحله من سواه عقد
فرضي الله عن عبيده، فهم مرضيون، ورضوا عنه فهو مرضي.)
فالمعرفة الأولى (معرفة به من حيث أنت)، أي من حيث أنك موجود مغایر له متميز عنه موصوف بالكمالات المفاضة منه عليك، فهي لك على سبيل العارية وله بالأصالة ، ومن حيث أنك عاجز فقير منبع النقائص والشرور وربك قادر غني منبع الكمالات والخيرات.
(و) المعرفة الثابتة (معرفة به بك) أي بسببك لكن (من حيث هو)، أي من حيث عينه التي ظهرت بصورتك لتكون مظهرا من مظاهره التي ظهر بها (لا من حيث أنت)، أي من حيث أنك ممتاز عنه مغاير له كما في المعرفة الأولى.
(فأنت عبد وأنت رب لمن فيه أنت عبد)، أي لمن أنت عبد له فيه الضمير الأخير أبيضا للموصول فإن كل موجود متحقق في الوجود الحق ظاهر فيه لأنك كالمرآة له ، فكلما ثبت له أيضا كالعبودية وغيرها إنما تثبت له فيها وثبات الربوبية للعبد بالنسبة إلى الرب إنما هو باعتبار إبقاء الربوبية عليه.
(وأنت رب وأنت عبد ...... لمن له في الخطاب)
بعنی خطاب : "ألست بربكم " [الأعراف: 172] (عهد) منك إليه بالاعتراف بربوبيته كما يدل عليه حكاية الحق عن المخاطبين بقوله: قالوا أي (فكل عقد)، أي كل عهد وكل عقيدة (عليه شخص) يكون ذلك العقد بينه وبين ربه الخاص (يحله)، أي يحل ذلك العقد ويخائفه (من سواه عقد)، أي يخالفه عقد حال كون ذلك العقد صادرة من سوى ذلك الشخص، فإن لكل شخص عقدة مخصوصة بحسب أستعداده ، يخالفه وينا فيه عقد مخصوص آخر. وجعل بعض الشارحین لفظ أمن في قوله من سواه مفتوحة الميم على أن تكون موصولة .
وقال معناه فكل عقد، أي اعتقاد علیه شخص بحله من سواه فهو عند: أي قبل لا يرتجی انشراح الصدر منه ولما حكم رضي الله عنه فيما سبق بكون كل من الرب والمربوب راضيا مرضيا عنه كان محل أن يشير إلى معنى قوله تعالى : "رضي الله عنهم ورضوا عنه " [ المائدة : 119]، ذلك لمن خشي ربه .
فقال : (فرضي الله) أحدية جميع الأسماء (عن عبيده) عن كل عبد ، عبد باعتبار الاسم الخاص الذي يربه (فهم)، أي العبيد (مرضيون)، أي كل عبد مرضي للاسم الخاص به، وذلك لا ينافي عدم كونه مرضية لاسم آخر كما يدل عليه قوله تعالى : "ولا يرضى لعباده الكفر" (ورضوا)، أي العبيد (عنه)، أي عن الله كل عن أسمه الخاص به يحسن قبوله ظهور آثاره وأحكامه (فهو)، أي الله (مرضي). لهم

قال الشيخ رضي الله عنه : (  فتقابلت الحضرتان تقابل الأمثال و الأمثال أضداد لأن المثلين لا يجتمعان إذ لا يتميزان وما ثم إلا متميز فما ثم مثل، فما في الوجود مثل، فما في الوجود ضد، فإن الوجود حقيقة واحدة و الشيء لا يضاد نفسه.
فلم يبق إلا الحق لم يبق كائن ... فما ثم موصول و ما ثم بائن
بذا جاء برهان العيان فما أرى ... بعيني إلا عينه إذ أعاين
«ذلك لمن خشي ربه أن يكونه لعلمه بالتمييز.)
(فتقابلت الحضرتان) : حضرة الربوبية وحضرة العبودية المفهومتان من قوله تعالى :
"رضي الله عنهم ورضوا عنه" (تقابل الأمثال) فكل واحدة منهما تمائل الأخرى وتشابهها في كونها راضية مرضية (والأمثال أضداد) ولا ضد في الوجود في نظير شهود صاحب مقام الجمع، فلا مثل في الوجود في نظر شهوده فينتفي عنده التقابل، فلا يحكم كشفه به.
وإنما قال : الأمثال أضداد (لأن المثلين لا يجتمعان) في محل واحد (إذ) حيث يجتمعان فيه (لا يتمیزان)، لأن تمیز هما لا يكون إلا بتميز المحل (وما ثمة)، أي في مرتبة الأمثال (إلا متميز) فالمثلان متميزان فلا يجتمعان فهما ضدان (فما ثمة)، أي في حضرة الربوبية والعبودية (مثل فما في الوجود مثل لانحصار الوجود في تلك الحشرات وإذا لم يكن في الوجود مثل (فما في الوجود ضد)، لأن الأضداد أمثال تتماثلهما في الضدية وإن كان متفرعة على ما سبق، لكنه رضي الله عنه استدل عليه لزيادة التوضيح بقوله: (فإن الوجود حقيقة واحدة) نافية للكثرة (والشيء لا يضاد نفسه) لا في ضمن المماثلة ولا في غيرها وإذا ارتفعت الأمثال والأضداد، (فلم يبق) في الوجود (إلا) الواحد (الحق كائن) سواه فما ثم شيء (موصول) بشيء آخر بالمماثلة (ولا ثم) شيء (بائن) عن شيء آخر بالمضادة (بذا)، أي بما ذكرنا من الوحدة الصرفة (جاء برهان العيان) والكشف (فما أرى بعيني) البصريين أو البصر والبصيرة (إلا عينه) واحد بالوحدة الصرفة الغير المتكثر بالأمثال والأضداد (إذ أعاين) .
ولما نفى الشيخ رضي الله عنه وجود الأمثال وتقابلها المستلزم نفيها، نفی المتقابلين أعني الراضي والمرضي من الحق والخلق.
وكان ذلك النفي نظرة إلى شهود صاحب مقام الجمع أراد أن يثبتهما نظرة إلى شهود صاحب مقام الفرق بعد الجمع ، ويشير إلى أن في الآية أيضا إشارة إلى إثباتهما إنما هو بالنظر إليه لا مطلقا.
فقال : (ذلك)، أي إثبات التقابل والحكم بكون الرب راضيا والعبد مرضيا وبالعكس ("لمن خشي ربه " [البينة: 8] أن یكونه)، أي يتحد به لغلبة شهود الوحدة عليه ويرتفع التمييز بينهما في نظر شهوده فيختل أمر العبودية والربوبية وهذه الخشية إنما هي (لعلمه بالتمييز) بين الرب وعبیده و تضرر إيقاعه المفضي إلى عدم بلوغه إلى مرتبة الكمال

قال الشيخ رضي الله عنه : ( دلنا على ذلك جهل أعيان في الوجود بما أتى به عالم.
فقد وقع التمييز بين العبيد، فقد وقع التمييز بين الأرباب.
ولو لم يقع التمييز لفسر الاسم الواحد الإلهي من جميع وجوهه بما يفسر الآخر.
والمعز لا يفسر بتفسير المذل إلى مثل ذلك، لكنه هو من وجه الأحدية كما تقول في كل اسم إنه دليل على الذات وعلى حقيقته من حيث هو.
فالمسمى واحد: فالمعز هو المذل من حيث المسمى، والمعز ليس المذل من حيث نفسه وحقيقته، فإن المفهوم يختلف في الفهم في كل واحد منهم: فلا تنظر إلى الحق ... وتعريه عن الخلق
ولا تنظر إلى الخلق ... وتكسوه سوى الحق)
(لما دلنا على ذلك) التمييز (جهل أعيان) ظاهرة (في الوجود).
وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه لنا، أي حاصل معلوم لنا دالا على ذلك التمييز جها أعيان ظاهرة (بما أتى به)، أي خبر (عالم) فإن ذلك الاختلاف بالجهل والعلم يدل على التمييز بين الموصوفين بهما (فقد وقع التمييز بين العبيد فقد وقع التمييز بين الأرباب)، لأن اختلاف المعلومات يدل على اختلاف العلل وبين الأرباب وعبيدها أيضا لوجوب مغايرة العتل لمعلولاتها.
(ولو لم يقع التمييز) بين الأرباب التي هي الأسماء (لفسر الاسم الواحد الإلهي من جميع وجوهه بما ينسر به الآخر والمعز لا يفسر بالمذل لكنه)، أي المعز (هو)، أي المذل (من وجه الأحدية)، أي أحدية الذات.
(كما نقول في كل اسم أنه دليل)، أي دال (على الذات) المطلقة (وعلى حقيقته)، أي حقيقة ذلك الاسم وخصوصيته المميزة له عن سائر الأسماء .
(من حيث هو) اسم خاص متميز عن ما عداه (فالمسمى) في جميع الأسماء (واحد)، وإن كانت الأسماء بحسب خصوصیاته كثيرة (فـ المعز هو المذل من حيث المسمى والمعز ليس المذل من حيث نفسه وحقيقته) التي هي مفهومه الخاص (فإن المفهوم يختلف في الفهم)، أي العقل( في كل واحد منهما)، أي من المعز والمذل و ان اتحدا في الخارج (فلا تنظر إلى الحق ... وتعريه)، أي تجرده (عن) لباس (الخلق) بأن يجعله موجودا خارجية مجردا عن التعينات الخلفية منزهة عن التقيدات المظهرية (ولا تنظر إلى الخلق ونكسوه سوى الحق)، أي تكسوه لباس الغيرية بأن نجعله مجرد عن الحق مغايرة له من كل الوجوه، بل انظر الحق في الخلق والخلق في الحق لترى الوحدة في الكثرة، والكثرة في الوحدة، ولم يكن شهود أحدهما مانعا عن شهود الآخر

قال الشيخ رضي الله عنه : (  ونزهه وشبهه ..... وقم في مقعد الصدق
وكن في الجمع إن شئت ... وإن شئت ففي الفرق
تحز بالكل إن كل ... تبدى قصب السبق
فلا تفنى ولا تبقى ... ولا تفني ولا تبقي
ولا يلقى عليك الوحي ... في غير ولا تلقي
الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد، والحضرة الإلهية تطلب الثناء المحمود)
(ونزهه) في مقام أحديته وتجرده عن المظاهر (و شبهه) في مقام أحديته وتلبسه بالمظاهر (وقم) با تجمع بين التشبيه والتنزيه (في مقعد الصدق) الذي ليس فيه شائبة كذب .
فإن التنزيه المحض نیس تكذیبأ بمقام التشبيه وفي التشبيه الصرف تكذيب بمقام التنزيه ومقعد الصدق الذي ليس فيه شائبة كذب هو مقام الجمع بينهما (وكن في الجمع)، أيي و بعدها قدرت على شهود الوحدة في الكثرة وشهود الكثرة في الوحدة من غير أن يمتنع أحدهما عن الآخر فكن في الجمع وشهود الوحدة (إن شنت... وإن شئت في الفرق) وشهود الكثرة فإنه لا منافاة بينهما عندك (تحز بالكل إن كل ... تبدي قصب السبق)، أي تحز و تجمع بسبب هذه المقامات وجمعيتها أن تبدی، أي ظهر وحصل لكل واحد منها قصب السبق على من لم تحصل له منه الجمعية.
فقوله : تحز مجزوم على أنه جواب الأمر .
وقوله : قصب السبق منصوب على أنه مفعول تحز (فلا تفني) بحسب حقیقتك التي هي الحق (ولا تبقي) بحسب تعیناتك اللاتي هن شؤون الحق وهو تعاني "كل يوم هو في شأن" [الرحمن : 29] (ولا تفني)، أي لا تحكم بفناء شيء من حيث تلك الحقيقة (ولا تبقى)، أي لا تحكم ببقائه من حيث تعیناتها إذ المعني على أنه لا تفني من الحق سبحانه بنفسك بل بتجلياته الجلالين ولا تبنى بعد فنائك فيه بنفسك بل بنجلیانه الجمالية.
فكذلك لا تفنى ولا توصل إلى الغناء فيه بنفسك ولا تبقى، أي لا توصل أحد إلى البعاد به بعد الفناء فيه بنفسك بال المهني والمبقي هو الله سبحانه بتجنباته الجلالية والجمالية.
(ولا يلقي عليك الوحي ... في غير)، أي في صورة تغاير الحق مطلقا بل تغايره من حيث الإطلاق والتغيير أو في صورة تغايرك مطلقا، فإن الحقيقة واحدة ولا مغايرة إلا بحسب التعينات (ولا تلقي) أيضا على غير أي في صورة تغاير الحق سبحانه مطلقة وتغايرك متلق على ما عرفت.
وكما أنني الحق سبحانه على اسماعيل عليه السلام بصدق الوعد أراد أن يبين في حكمنه أسراره فقال : (الثناء) إنما يتحقق (بصدق الوعد) وإتيان الوعد بالموعود (لا بصدق الوعيد) وإتيان المتوعد بما توعد به إذ لا يثني عقلا وعرف على من نصدر منه الآفات والمضرات بل على من تصدر منه الخيرات والمبرات.
(والحضرة الإلهية تطلب) من العبيد حيث أخرجهم من العلم إلى الوجود وجعلهم مظاهر أسمائه وصفاته الجميلة .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 07- فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية الجزء الثاني .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 8:34 am

07- فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية الجزء الثاني .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الإسماعيلي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

07- فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية   الجزء الثاني

(ولا يلقي عليك الوحي ... في غير)، أي في صورة تغاير الحق مطلقا بل تغايره من حيث الإطلاق والتغيير أو في صورة تغايرك مطلقا، فإن الحقيقة واحدة ولا مغايرة إلا بحسب التعينات (ولا تلقي) أيضا على غير أي في صورة تغاير الحق سبحانه مطلقة وتغايرك متلق على ما عرفت.
وكما أنني الحق سبحانه على اسماعيل عليه السلام بصدق الوعد أراد أن يبين في حكمنه أسراره فقال : (الثناء) إنما يتحقق (بصدق الوعد) وإتيان الوعد بالموعود (لا بصدق الوعيد) وإتيان المتوعد بما توعد به إذ لا يثني عقلا وعرف على من نصدر منه الآفات والمضرات بل على من تصدر منه الخيرات والمبرات.
(والحضرة الإلهية تطلب) من العبيد حيث أخرجهم من العلم إلى الوجود وجعلهم مظاهر أسمائه وصفاته الجميلة.

قال الشيخ رضي الله عنه : (  بالذات فيثني عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد، بل بالتجاوز. «فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله» لم يقل و وعيده، بل قال «ونتجاوز عن سيئاتهم» مع أنه توعد على ذلك. فأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد. وقد زال الإمكان في حق الحق لما فيه من طلب المرجح.)
 (الثناء المحمود بالذات) وقوله : المحمود إما صفة كاشفة للثناء أو مقيدة بناء على أن يطلق الثناء على إثبات الصفات مطلقا (فيثني عليها)، أي على الحضرة الإلهية (بصدق الوعد)، وإتيانها بالموعود (لا بصدق الوعيد) وإتيانها بما توعدت به (بل بالتجاوز) والعفو عما يوجب الوعيد فإن قلت : التجاوز والعفو يستلزم كذب الخبر الدال على الوعيد والحضرة الإلهية منزهة عن ذلك.
قلت : لعل الشيخ رضي الله عنه ذهب إلى أن الوعيد ليس بخير حقيقة، بل هو تهدید و زجر إذ قد تقرر في العربية أن الكلام الخبر كي يجيء لمعان كثيرة غير الإعلام والأخبار كالتلهف والتحسر والدعاء وغير ذلك، ثم استشهد رضي الله عنه إلى أن الثناء لا يكون إلا بصدق الوعد لا بصدق الوعيد .
بقوله تعالى: ("فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ") [إبراهيم: 47] حيث خص نفي إخلاف الوعد بالذكر في مقام الثناء (ولم يقل) مخلف وعد رسله (ووعیده) ولم ينف إخلاف الوعيد أيضا، ولا يخفى على الفطن أن هذه العبارة لا تقتضي وقوع الوعيد بالنسبة إلى الرسل فضلا عن أن يكون في القرآن حتى برد ما أورده بعض الفضلاء من أنه لم يجيء في القرآن المجيد وعيد الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.


ويدل على أنه رضي الله عنه لم يقصد وقوع الوعيد بالنسبة إلى الرسل قوله (بل قال: "ونتجاوز عن سيئاتهم") [الأحقاف: 19] .
ضمير الجماعة ليس عائدة إلى الرسل فهو سبحانه وعد بالتجاوز عن السيئات (مع أنه توعد على ذلك)، أي على اقتراف السيئات وهو لا يخلف وعده فيتجاوز عن السيئات فلزم إخلاف الوعيد على اقترافها
(فأثنى على إسماعيل عليه السلام بأنه "كان صادق الوعد" که فقد زال الإمكان) [مریم: 54]، أي إمكان وقوع الوعيد (في حق الحق سبحانه لما فيه)، أي في الإمكان (من طلب المرجح) يعني ما يرجح جانب الوقوع على أن لا وقوع ولا مرجح ههنا.
فإن المرجح هو السيئات وهي متجاوز عنها فإن قلت : دخول بعض عصاة المؤمنين النار وخلود الكافرين كما يشهد به القرآن، وصرح به الشيخ رضي الله عنه أيضا يدل على وقوع الوعيد، فكيف يصح الحكم بزوال إمكانه .


قلت : الوعيد حقيقة الإخبار بهول التعذيب بالنار لا التعذيب مطلقا، فإن التعذيب الزائل في الحقيقة تطهير وتزكية للمعذب عن موانع اللطف والرحمة فالإخبار به في الحقيقة وعد لا وعيد بخلاف التعذيب الغير الزائل فإنه لا خير فيه بالنسبة إليه :

قال الشيخ رضي الله عنه : (
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... و ما لوعيد الحق عين تعاين
و إن دخلوا دار الشقاء فإنهم ... على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد فالأمر واحد ... و بينهما عند التجلي تباين
يسمى عذابا من عذوبة طعمه ... و ذاك له كالقشر و القشر صاين )
(فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... وما لوعيد الحق)
أي لما توعد به الحق وهو التعذيب الغير الزائل (عين تعاين ... وإن دخلوا)، أي أهل الوعيد (دار الشفاء) التي هي النار (فإنهم) بالآخرة واقعون (على لذة) كائن (فيها)، أي في تلك اللذة (نعیم مباین... نعيم جنات الخلد).
فقوله : نعيم مباین مبتدأ خبره قوله : فيها المقدم عليه .
وقوله : نعيم جنات الخلد مفعول للمباین (فالأمر) في النعيمين من حيث كون كل واحد منهما نعیم يلتذ به (واحد... وبينهما)، أي بين النعيمين (عند النجلي) الواقع بحسب استعدادات المنجلي لهم (تباين في الصورة فإن نعيم أهل الجنة إنما يظهر بصورة الحور والغلمان والولدان وغيرها.
ونعيم أهل النار بصورة النيران فإنهم يتلذذون بها وإن كان بعد تطاول الأزمان (يسمی) نعيم أهل النار (عذابا من عذوبة طعمه...) أخرة (وذاك)، أي تسمينه عذابا (له كالقشر والقشر صائن) للبه من تطرق الآفة فالآفة إليه .
فكما أن القشر يصون لبه عن الآفات كذلك لفظ العذاب يصون معناه عن إدراك المحجوبين عن حقائق الأشياء، اعلم أن لأهل النار الخالدين فيها كما يظهر من كلام الشيخ رضي الله عنه وتابعيه حالات ثلاث.


الأولى : أنهم إذا دخلوا تسلط العذاب على ظواهرهم وبواطنهم وملكهم الجزع والاضطراب ، فطلبوا أن يخفف عنهم العذاب أو أن يقضي عليهم أو أن يرجعوا إلى الدنيا فلم يجابوا إلى طلباتهم
والثانية : أنهم إذا لم يجابوا إلى طلباتهم وطنوا أنفسهم على العذاب فعند ذلك رفع الله العذاب عن بواطنهم وخبت "نار الله الموقدة  التي تتطلع على الأفئدة" [الهمزة : 6 - 7 ]
والثالثة : أنهم بعد مضي الأحفاب ألفوا العذاب وتوعدوا به ولم يتعذبوا بشدته بعد طول مدته ، ولم يتألموا به و إن عظم إلى أن آل أمرهم إلى أن يتلذذوا به ويستعذبونه، حتى لو هب عليهم نسيم من الجنة استكرهوه وتعذبوا به کالجعل و تأذيه برائحة الورد، عافانا الله وجميع المسلمين من ذلك .

تم الفص الإسماعيلي
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 8:45 am

08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص اليعقوبي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفص اليعقوبي

08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية    الجزء الأول

قال الشيخ رضي الله عنه :"الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. "
الروح: إما بضم الراء كما يذهب إليه صاحب الفكوك رضي الله عنه وإما بفتحها كما ذهب إليه بعض الشارحين. "كتاب الفكوك في مستندات حكم الفصوص للشيخ صدر الدين محمد بن إسحاق القونوي المتوفى سنة 673 هـ ."
ولما كانت هذه الحكمة المبتنية على قسمة الدين وذكر أقسامه وأحكامه روحيا، لأن المعاني الثلاث التي هي للذين أعني :
الانقياد والجزاء والعادة إنما هي من شأن الروح المجرد المدبر للبدن.
وإنما كانت روحية بفتح الراء لأن بكل واحد من تلك المعاني الثلاث بخصل الروح الدائم السرمدي.
إما بالانقياد فلان من انقاد لأوامر الحق واستسلم وجهه وجد الراحة القصوى في العاجل والآجل.
وإما بالجزاء فلأن من عرف أن الجزاء يترتب على أعماله وأعماله من مقتضيات ذاته استراح من الاعتراض على غيره فلا يحمد إلا نفسه ولا يوجد إلا نفسه.
وإما بالعادة فلان من اعتاد بشيء ألفه، وفي الألفة ترتفع الكلفة و فيه الراحة.
وإنما خصت بالكلمة اليعقوبية تخصيص الحق سبحانه على يعقوب عليه السلام حين حكی وصية إبراهيم عليه السلام بنيه بالإقامة على الدين الذي له ينسب خاصة إلى كل من الروح والروح كما ذكرت.
اعلم أن الدين في اللغة يطلق على ثلاث معان : الانقياد والجزاء والعادة.
وفي الشرع على ما شرعه الله سبحانه لعباده من الأحكام أو شرعه بعض عباده فاعتبره الله سبحانه.
فالشيخ رضي الله عنه قسمه بالمعنى الشرعي إلى قسمين ونبه على اعتبار المعاني الثلاث اللغوية فيه فقال :
قال رضي الله عنه : (الدين دینان) أحدهما : (دین) تعین وتقرر (عند الله وعند من عرفه الحق تعالی) من الأنبياء بالوحي إليهم (و) عند (من عرفه من عرفه الحق).

قال الشيخ رضي الله عنه : ( ودين عند الحق، وقد اعتبره الله. فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه.
وجاء الدين بالألف واللام للتعريف والعهد، فهو دين معلوم معروف وهو قوله تعالى «إن الدين عند الله الإسلام» وهو الانقياد. فالدين عبارة عن انقيادك. والذي من عند الله تعالى هو الشرع الذي انقدت أنت إليه. فالدين الانقياد ، والناموس هو الشرع الذي شرعه الله تعالى. فمن اتصف )

من ورثتهم طبقة بعد طبقة بتبليغ الأنبياء إليهم (و) ثانيهما (دین) تعين وتقرر (عند الخلق) موافقا لما شرحه الله سبحانه في الغابة المترتبة عليه في المعارف الإلهية والكمالات النفسانية والمراتب الأخروية .
قال رضي الله عنه : (وقد اعتبره الله سبحانه) لهذه الموافقة (فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه)، أي اختاره (الله وأعطاه الرتبة العلية على دين الخلق) والعامل في الجار والمجرور إما الاصطفاء أو العلو على سبيل التنازع .
قال رضي الله عنه : (فقال تعالی) مشيرا إلى هذا الدين و اصطفائه إياه (" ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " أي منقادون إليه) [البقرة : 132] .
أي إلى ذلك الدين باطنا بالإذعان والقبول، وظاهرا بالعمل بمقتضاه ، وإنما وصاهم بالانقياد إليه ، لأن الدين الذي هو الأحكام الشرعية الوضعية لا يثمر سعادة ما لم ينقد إليه .
فهذه الوصية تدل على اعتبار الانقياد إلى الدين ينبغي أن يراد به الأحكام الموضوعة لا الانقياد. فإنه لا معنی للانقياد إلى الانقياد.
ثم أكد ذلك الاعتبار بقوله : (وجاء الدين) في قوله تعالی : "إن الله اصطفى لكم الدين " (بالألف واللام للتعريف والعهد فهو)، أي الدين المعرف بالألف واللام (دین معلوم معروف) معهود بين المتكلم والمخاطب .
(وهو)، أي الدين المعروف ما يدل عليه ( قوله تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام " وهو) [آل عمران :19 ]، أي الإسلام .
قال رضي الله عنه : (الانقياد) فالدين عند الله الانقياد وهذا الحكم من قبيل قوله عليه السلام : والحج عرفة.
مبالغة في اعتبار الانقياد في الدين لا أنه عين الدين، فإذا كان الألف واللام في الدين الذي وصى به إبراهيم إشارة إلى الدين الذي في قوله :" إن الدين عند الله الإسلام " كان الانقياد معتبرا هناك كما أنه معتبر ههنا .
قال رضي الله عنه : (فالدين عبارة عن انقياد)، أي عما شرعه الله من حيث انقیادك له، فهو من هذه الحيثية من عندك .
(والذي من عند الله) خاصة من غير مدخلية العبد فيه (هو الشرع الذي انقدت أنت إليه)، أي ذات هذا الشرع من غير اعتبار معنى الانقياد فيه (فالدين الانقياد)، أي ما شرعه الله من حيث الانقياد (والناموس هو الشرع الذي شرعه الله) من غير اعتبار معنى الانقياد فيه.
وإنما سمي ذلك ناموسا، فإن ناموس الرجل صاحب سره الذي يخصه ما يستره عن غيره، ولا شك أن الشرع سر مستور و مضنون به على غير الأنبياء فهو مختص لهم نزولا فسمي بإسمهم

قال الشيخ رضي الله عنه : ( بالانقياد لما شرعه الله له فذلك الذي قام بالدين وأقامه، أي أنشأه كما يقيم الصلاة.
فالعبد هو المنشئ للدين والحق هو الواضع للأحكام. فالانقياد هو عين فعلك، فالدين من فعلك.
فما سعدت إلا بما كان منك. فكما أثبت للسعادة لك ما كان فعلك كذلك ما أثبت الأسماء الإلهية إلا أفعاله وهي أنت وهي المحدثات.  فبآثاره سمي إلها وبآثارك سميت سعيدا. فأنزلك الله تعالى منزلته إذا أقمت الدين وانقدت إلى ما شرعه لك. وسأبسط في ذلك إن شاء الله ما تقع به الفائدة بعد أن نبين الدين الذي عند الخلق الذي اعتبره الله. فالدين كله لله وكله منك لا منه إلا بحكم الأصالة.)
(فمن اتصف بالانقياد لما شرعه الله له فذلك الذي قام بالدين وأقامه أي أنشأه)، كما أمر به في قوله تعالی : "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تفرقوا [الشورى : 13] .
قال رضي الله عنه : (كما يقيم الصلاة. فالعبد هو المنشئ للدين) من حيث الانقياد (والحق هو الواضع للأحكام والانقياد عین فعلك فالدين) من حيث الانقياد (من فعلك فما سعدت إلا بما كان منك) من الانقياد .
قال رضي الله عنه : (فكما أثبت السعادة لك ما كان فعلك) يعني الانقياد، فإن الانقياد للأحكام الإلهية يصف العبد بالسعادة.
قال رضي الله عنه : (كذلك ما أثبت الأسماء الإلهية له تعالی) "الأسماء" الفعلية (إلا أفعاله) فإن الحق سبحانه ما لم يخلق شيئا مثلا لم يتصف بالخلقية .
وإذا لم تقيد الأسماء الإلهية بالفعلية على ما هو الظاهر من كلام الشيخ رضي الله عنه .
فالمراد باثباتها إظهارها (وهي)، أي أفعاله (أنت) يخاطب كل عين فلا تختص بما له صلاحية الخطاب من ذوي العلم ولهذا صرح ثانيا بما هو نص في العموم.
قال رضي الله عنه :  : (وهی)، أي أفعاله (المحدثات فبأثاره سمي إلها و بآثارك سميت سعيدا فأنزلك الله تعالى منزلته) في التسمية بالأسماء بواسطة الآثار (إذا أقمت الدين وانقدت إلى ما شرعه لك، وسأبسط في ذلك إن شاء الله تعالى ما تقع فيه الفائدة).
أي في بيان معنى الانقياد (بعد أن نبين الدين الذي عند الخلق الذي اعتبره الله) سبحانه .   (فالدين) سواء كان عند الله أو عند الخلق (كله لله) .
فأما ما عند الخلق أيضا إعتبره الله تعالى إذ هو على كلا النقد برین ما شرعه الله أو العبد . لكن من حيث الانقياد والانقياد إنما يكون لله .
(و) الدين (كله) من حيث الانقياد مادر (منك)، لأنه فعل من أفعالك (لا منه)، أي لا من الحق سبحانه، أي من مقامه الجمعي
قال رضي الله عنه : (إلا بحكم الأصالة)، فإن الأصل في الأفعال الصادرة من مقامه التفصيلي إنما هو مقامه الجمعي.


قال الشيخ رضي الله عنه : ( قال الله تعالى «ورهبانية ابتدعوها» وهي النواميس الحكمية التي لم يجيء الرسول المعلوم بها في العامة من عند الله بالطريقة الخاصة المعلومة في العرف.
فلما وافقت الحكمة والمصلحة الظاهرة فيها الحكم الإلهي في المقصود بالوضع المشروع الإلهي، اعتبرها الله اعتبار ما شرعه من عنده تعالى، «و ما كتبها الله عليهم».
ولم فتح الله بينه وبين قلوبهم باب العناية والرحمة من حيث لا يشعرون جعل في قلوبهم تعظيم ما شرعوه يطلبون بذلك رضوان الله على غير الطريقة النبوية المعروفة بالتعريف الإلهي.)

ثم شرع رضي الله عنه في بيان الدين الذي عند الخلق ، فقال :
(قال الله تعالی :"ورهبانية ابتدعوها" [الحديد: 27]، أي الطريق التي اخترعها الرهبان وهم العلماء الزاهدون المنقطعون إلى الله تعالى من أمة عيسى عليه السلام (وهي)، أي الرهبانية قال رضي الله عنه : (النواميس الحكمية)، أي الشرائع المشتملة على الحكمة الإلهية والمصلحة الدينية .
ولما كانت هذه العبارة شاملة لما شرعه الله أيضا أخرجه بقوله : (التي لم يجيء الرسول المعلوم) في عرف الجمهور وإنما نبد بذلك ، لأن وسائط الفيض كلها رسل الله (بها)، أي بتلك النواميس (في) حق (العامة من عند الله) لا الخاصة فقط .
كالدين الذي عند الخلق ، وقيد بذلك تنبيها على أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون مختصا ببعض من الأمة (بالطريقة الخاصة) بالأنبياء (المعلومة في العرف) وهي طريقة الوحي الجلي .
وإنما قيد بذلك، لأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لا بالطريقة الخاصة بالأنبياء، بل بالطريق الشاملة للأولياء أيضا.
فهو من الرهبانية المبتدعة ، ولا يخفى عليك أنه إذا كان الدين الذي هو عند الخلق هي النواميس الحكمية على الوجه الخاص ، ينبغي أن يكون الدين الذي عند الله أيضا تلك النواميس لكن على وجه آخر لا على الانقياد إليها .
قال رضي الله عنه : (فلما وافقت الحكمة والمصلحة الظاهرة فيها)، أي في تلك النواميس (الحكم الإلهي) الذي هو الدين عند الله في الأمر .
قال رضي الله عنه : (المقصود بالوضع المشروع الإلهي) وهو تكميل النفوس علما وعملا اعتبرها الله سبحانه وتعالی (اعتبارا ما شرعه من عنده تعالى وما كتبها)، أي ما فرضها (الله عليهم ولما فتح الله بينه وبين قلوبهم باب العناية والرحمة من حيث لا يشعرون)، أي من الوجه الخاص الذي لم يكن لهم شعور به .
قال رضي الله عنه : (جعل في قلوبهم تعظیم ما شرعوه يطالبون بذلك) التعظيم و إنما شرعوه (رضوان الله على غير الطريقة النبوية المعروفة)، أي المعلومة (بالتعريف)، أي بتعليمها بالوحي (الإلهي) .
والمراد بطلبهم على غير الطريقة النبوية أنهم أتوا بأمور زائدة على الطريقة النبوية موافقة لها في الغاية ، والغاية ما فرضها الله عليهم الأمور التي التزمها الصوفية في هذه الأمة من غير إيجاب من الله سبحانه كـ تقليل الطعام بكثرة الصيام والاجتناب عن مخالطة الآثام وقلة المنام والذكر على الدوام.


قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال: «فما رعوها»: هؤلاء الذين شرعوها وشرعت لهم: «حق رعايتها» «إلا ابتغاء رضوان الله» وكذلك اعتقدوا، «فآتينا الذين آمنوا» بها «منهم أجرهم» «وكثير منهم»: أي من هؤلاء الذين شرع فيهم هذه العبادة «فاسقون» أي خارجون عن الانقياد إليها والقيام بحقها.  ومن لم ينقد إليها لم ينقد مشرعه بما يرضيه. لكن الأمر يقتضي الانقياد )

وفي بعض النسخ على الطريقة النبوية ، وهو أيض صحيح أن الطريقة المبتدعة ما كانت موافقة للطريقة النبوية في الأمر المقصود منها فكأنها هي (فقال تعالى : "فما رعوها ")، أي الرهبانية المبتدعة (هؤلاء الذين شرعوها) من مبتوعهم (و) الذين (شرعت لهم) من تابعيهم ("حق رعايتها إلا ابتغاء رضوان الله").
اعلم أن نظم الأية هكذا "....وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)" سورة الحديد.
والشيخ رضي الله عنه نظر إلى المعنى وقرره على ما قرر فإن ابتدعها إذا كان لإبتغاء رضوان الله ، ينبغي أن تكون رعايتها أيضا .
فنلتنبيه على هذا قرر المعنى على ما قرر لا أنه جعل الابتغاء استثناء منصة من قوله :" فما رعوها " حتى يلزم تفسير الآية على ما هو خلاف الفارسية قواعد العلوم العربية .
(ولذلك)، أي لإبتغاء رضوان الله بها واعتقاد أنها وسيلة إليه (اعتقدوا)، أي الرهبانية المبتدعة وأحبوها ("فأتينا الذين آمنوا" ) بها ("منهم أجرهم وكثير منهم" أي من هؤلاء الذين شرع فيهم)، أي في شأنهم (هذه العبارة فاسقون، أي خارجون عن الانقياد إليها والقيام بحقها ومن لم ينقد إليها لم ينقد إليه مشرعه) و هو الحق سبحانه فإن مشرع الطريقة المبتدعة بالأصالة هو الحق سبحانه (بما يرضيه) من إعطاء الخير والثواب .
وفي بعض النسخ:
ومن لم ينقد إني مشرعه لم ينقد إليه مشرعه، وتذكير الضمير لرجوعه إلى الموصول، وإضافة المشرع فيه لملابسة أن التشريع إنما هو لأجله وإرجاعه إلى الطريقة المبتدعة بتأويل الدين (لكن الأمر)، أي الشأن (الإلهي يقتضي الانقياد)، أي انقياد مشرعه إليه وإن لم يكن بما يرضيه


قال الشيخ رضي الله عنه : ( وبيانه أن المكلف إما منقاد بالموافقة وإما مخالف، فالموافق المطيع لا كلام فيه لبيانه، وأما المخالف فإنه يطلب بخلافه الحاكم عليه من الله أحد أمرين إما التجاوز والعفو، وإما الأخذ على ذلك، ولا بد من أحدهما لأن الأمر حق في نفسه. فعلى كل حال قد صح انقياد الحق إلى عبده لأفعاله وما هو عليه من الحال. فالحال هو المؤثر.
فمن هنا كان الدين جزاء أي معاوضة بما يسر وبما لا يسر: فبما يسر «رضي الله عنهم ورضوا عنه» هذا جزاء بما يسر)

قال رضي الله عنه : (وبيانه أن المكلف المنقاد بالموافقة وإما مخالف؛ فالموافق المطيع لا كلام فيه لبيانه) ، أي لوضوح حاله وظهور انقياد مشرعه إليه.
قال رضي الله عنه : (وأما المخالف فإنه يطلب بخلافه الحاكم عليه)، فقوله : الحاكم مجرور وعلى أنه صفة للخلاف أو منصوب على أنه منعوت له ، أي لمخالفته الاسم الحاكم عليه (من الله أحد أمرين إما التجاوز والعفو) عن خلافه بحكم ليظهر حكم اسم العفو والغفور.
(وإما الأخذ على ذلك) الخلاف ليظهر حكم اسم المنتقم والقهار (ولا بد من أحدهما لأن الأمر)، أي الأمر المقتضي لأحدهما، وهو استحقاق المكلف المخالف (حق ثابت في نفسه) .
و مقتضى الحق حق (فعلى كل حال) من العفور والأخذ (قد صح انقياد الحق إلى عبده لأفعاله وما هو عليه)، أي ولما هو عليه (من الحال) المقضي لأحد الأمرين (فالحال). أي حال العبد قال رضي الله عنه : (هو المؤثر) في انقياد الحق له (فمن هنا)، أي من أجل ان حال العبد وفعله موافقا كان أو مخالفا هو المؤثر في انقياد الحق له فكان انقياد الحق جزاء لفعله.
(كان الدين جزاء)، أي معتبرا فيه الجزاء فإن الانقياد وعدمه يترتبان على الدين وعلى الانقياد و عدمه بترتب الجزاء فيتحقی معنى آخر من معانيه الثلاثة.
وفسر الجزاء وقسمه بقوله : (أي معارضة بما يسر وبما لا يسر معا فيما يسر)، أي جزاء بما يسر ما يدل عليه قوله تعالى: ( "رضي الله عنهم ورضوا عنه " هذا جزاء لما يسر) فإن رضي الله عنهم يسرهم فيرضون عنه وجزاء بما لا يسر ما يدل عليه قوله تعالى: ("ومن يظلم منكم نذقه عذابا" أليما هذا جزاء بما لا يسر) [الفرقان : 19].
فإن إذاقة العذاب مما لا يسرهم بل يسرهم وقوله تعالی: (ونتجاوز عن سيئاتهم "هذا )[الأحقاف : 16]، أي التجاوز المفهوم منه (جزاء) أيض فإن التجاوز أيضا مما يقتضيه حال من أحوال العباد فهو جزاء له.
ولما لم يكن التجاوز جزاء للسيئات كان في كونه جزاء خفاء حكم عليه بأنه لا جزاء ولم يقيده بقوله : بما يسر لظهور كونه منه ولا يخفى أن الجزاء بالرضوان
بالنسبة إلى المطيعين وبالتجاوز بالنسبة إلى العاصين فنبه بهذا الكلام على أن الجزاء بما يسر يتحقق بالنسبة إلى الفريقين ولا يختص بالأول .
قال رضي الله عنه : (فقد صح أن الدين هو الجزاء)، أي معتبر فيه الجزاء هذا نتيجة لما سبق، أي قد أثبت بما سبق أن الدين الذي اعتبر فيه الانقياد اعتبر فيه الجزاء أيضا .

قال الشيخ رضي الله عنه : ( «ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا» هذا جزاء بما لا يسر. «ونتجاوز عن سيئاتهم» هذا جزاء.
فصح أن الدين هو الجزاء، وكما أن الدين هو الإسلام والإسلام عين الانقياد فقد انقاد إلى ما يسر وإلى ما لا يسر وهو الجزاء.
هذا لسان الظاهر في هذا الباب. وأما سره وباطنه فإنه تجلي في مرآة وجود الحق: فلا يعود على الممكنات من الحق إلا ما تعطيه ذواتهم في أحوالها، فإن لهم في كل حال صورة، فتختلف صورهم لاختلاف أحوالهم، فيختلف التجلي لاختلاف الحال، فيقع الأثر في العبد بحسب ما يكون. فما أعطاه الخير سواه ولا أعطاه ضد الخير غيره، بل هو منعم ذاته ومعذبها. )
قال رضي الله عنه : (وكما أن الدين هو الإسلام والإسلام عين الانقياد)، أي انقياد العبد لما شرعه الله (فقد انقاد)، أي فكذلك قد انقاد الحق سبحانه (إلى ما يسر) العبد (وإلى ما لا يسر) العبد فتحقق الانقياد من الطرفين .
(وهو)، أي انقياد الحق إليهما هو (الجزاء) لانقياد العبد وعدمه (هذا)، أي جعل أحد الفعلين من العبد والآخر من الحق سبحانه جزاء لما من العبد (لسان الظاهر في هذا الباب)، أي باب الجزاء وبيانه.
قال رضي الله عنه : (وأما سره وباطنه)، أي سر الجزاء وحقيقته الباطنة عرفهم أهل الظاهر (فإنه)، أي الجزاء (تجلي)، أي يتجلى من أحوال العبد وظهوره (في مرآة وجود الحق)، تبعا لحال آخر من أحوال. فالحال الثاني باعتبار تبعيته للأول وترتب عليه جزء له .
قال رضي الله عنه : (فلا يعود على الممكنات من الحق إلا ما تعطيه ذواتهم) المتقلبة (في أحوالها فإن لهم في كل حال صورة) وجودية تناسبه وتخالف الصور الوجودية التي لسائر أحوالهم (فتختلف صورهم الاختلاف أحوالهم فيختلف التجلي)، أي تجلى وجود الحق هذه في الصور (لاختلاف الحال فيقع الأثر)، الذي هو التلذذ أو التعذب (في العبد بحسب ما يكون).
أي يوجد تجلي الوجود الحق بصور أحواله فإن كانت صوره ملائمة له فهي خير وإلا فضده.  (فما أعطاه الخير سواه ولا أعطاه ضد الخير غيره).
وإنما قال : ضد الخير ولم يقل الشر تنبيها على أن الشر من حيث هو شر لا يقبل الوجود بل من حيث نسبته إلى الخير ومضادته المظهرة إياه كما قيل فبضدها تتميز الأشياء .  
(بل هو منعم ذاته ومعذبها فلا يذمن) في ضد الخير.


قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلا يذمن إلا نفسه ولا يحمدن إلا نفسه.  «فلله الحجة البالغة» في علمه بهم إذ العلم يتبع المعلوم. ثم السر الذي فوق هذا في مثل هذه المسألة أن الممكنات على أصلها من العدم، وليس وجود إلا وجود الحق بصور أحوال ما هي عليه الممكنات في أنفسها وأعيانها.
فقد علمت من يلتذ ومن يتألم وما يعقب كل حال من الأحوال وبه سمي عقوبة وعقابا وهو سائغ في الخير والشر غير أن العرف سماه في الخير ثوابا وفي الشر عقابا، وبهذا سمى أو شرح الدين بالعادة، لأنه عاد عليه ما يقتضيه ويطلبه حاله. فالدين العادة )

قال رضي الله عنه : (إلا نفسه ولا يحمدن) في الخير (إلا نفسه)، فإن كلا من الخير وضده ، إنما هو صورة حال من أحواله ظهرت في مرآة الوجود الحق بحسب علم الحق به .
وبأحوال لا يكون إلا على ما هو عليه في نفسه ( "فلله الحجه البالغة" ) [الأنعام: 149] عليهم (في علمه بهم إذ العلم يتبع المعلوم) فلا يتعلق به إلا على ما هو عليه في نفسه وذلك سر القدر .
قال رضي الله عنه : (ثم السر الذي فوق هذا) السر الذي ذكرنا (في هذه المسألة أن الممكنات) لا تزال ثابتة (على أصلها من العدم)، أي على أصلها الذي هو العدم ما شمت رائحة الوجود.
فمن في قوله من العدم بيانية (ولیس وجود إلا وجود الحق) متلبسا (بصور أحوال ما هي عليه الممكنات في أنفسها وأعيانها)، أي بصورة أحوال تكون الممكنات عليها .
فقوله : الممكنات تفسير للضمير وإضافة الأحوال إلى الموصول بيانية (فقد علمت من يلتد) بإدراك ما يلائم (ومن يتألم) بإدراك ما لا يلائم .
فالملتذ والمتألم هو الحق سبحانه إذ لا التذاذ ولا تألم لما لا وجود له لكن بعد تلبسه بصورة أحوال الممكنات وتجليه بها.
قال رضي الله عنه : (و) كذلك قد علمت (ما يعقب على حال من الأحوال) فإنه من تجلياته سبحانه بصوره حال تابع لحال آخر مترتب عليه (وبه)، أي بهذا التعقب (سمي) الجزاء (عقوبة وعقابا) فالعقوبة والعقاب مأخوذان من العقب.
قال رضي الله عنه : (وهو)، أي استعمال العقوبة والعقاب (سائغ) بحسب أصل اللغة (في الخير والشر) إذا كانا مترتبين على أمر آخر جزاء له (غير أن المرف سماه في الخير ثوابأ وفي الشر عقابا ولهذا)، أي لأجل أن كل جزاء حال يعقب حالا آخر (سمي أو شرح).
أي فسر (الدين) الذي هو الجزاء (بالعادة لأنه)، أي لأن صاحب الدين عاد عليه ما يقتضيه استعداده، (ويطلبه حاله فالدين) الذي هو الجزاء هو (العادة) .

قال الشيخ رضي الله عنه : ( قال الشاعر: كدينك من أم الحويرث قبلها أي عادتك. ومعقول العادة أن يعود الأمر بعينه إلى حاله: وهذا ليس ثم فإن العادة تكرار. لكن العادة حقيقة معقولة، والتشابه في الصور موجود: فنحن نعلم أن زيدا عين عمرو في الإنسانية وما عادت الإنسانية، إذ لو عادت تكثرت وهي حقيقة واحدة والواحد لا يتكثر في نفسه.
ونعلم أن زيدا ليس عين عمرو في الشخصية: فشخص زيد ليس شخص عمرو مع تحقيق وجود الشخصية بما هي شخصية في الاثنين. فنقول في الحس عادت لهذا الشبه، ونقول في الحكم الصحيح لم تعد. )

اعلم أن حاصل كلام الشيخ رضي الله عنه : أن الدين الذي، أوصى به إبراهيم بنیه الدين الذي هو الأحكام الوضعية الشرعية والمعاني الثلاثة اللغوية معتبرة فيه أيضا. فإنه يستتبع انقياد العبد له وجودا و عدما .
وعليه يترتب انقياد مشرعه للعبد، فأنقياد المشرع له جزاء الانقياد وجودا و عدما والجزاء في الحقيقة عين الفعل الذي هو جزاء له لكن في صورة أخرى.
فتحقق العادة التي هي العود لكنه قد وقع في أداء هذا المعنى مسامحات لقلة اعتداده رضي الله عنه بالعبارة ووضوح المقصود عند ذوي الفهم.
ثم استشهد على استعمال الدين في معنى العادة بنون الشاعر فقال :
قال رضي الله عنه : (كدينك من أم الحویرث قبلها أي عادتك ومعقول العادة أن يعود الأمر)
ثانيا : (بعينه إلى حاله الأول و) هذا العود بعينه (ليس ثمة)، أي في صورة الجزاء (فإن العادة)، بهذا التفسير (تكرار)، ولا تكرار في الوجود فكيف في الجزاء.
فإن الوجود الحق كما قال أبو طالب المكي رحمه الله : لا يتجلى في صورة مرتين.
قال رضي الله عنه : (لكن العادة)، أي الأمر الذي يعود (حقيقة واحدة معقولة) لا تعد ولا تكثر فيها إلا من حیث ظهوره في صورة مختلفة شخصية (والتشابه في تلك الصور موجود)، فإن كل واحدة من تلك الصور وإن كانت مغايرة في تشخصها تنصور الأخرى لكن باعتبار أن كل واحد منها صورة شخصية لحقيقة واحدة أمثال وأشباه، وتكرار الأشياء باعتبار ما به النشأة عود .
بل تكرار ظهور تلك الحقيقة في الصور المتشابهة أيضا عود (فنحن نعلم أن زيدا عين عمرو في الإنسانية وما عادت الإنسانية) في نفسها (إذ لو عادت لتكثرت وهي حقيقة واحدة والواحد لا بتكثر في نفسه)، فمن هذه الحيثية لا تكرار ولا عدد (و) نحن (نعلم) أيضا (أن زيد ليس عين عمرو في الشخصية، فشخص زید ليس شخص عمرو مع تحقق وجود الشخصية بما هي شخصية)، أي تحققه (في الاثنين) فيحصل بينهما نسبة
قال رضي الله عنه : (فنقول في الحس عادت)، الشخصية أو الحقيقة (لهذا الشبه ونقول في الحكم الصحيح) في العقل (لم تعد) لوحدة الحقيقة.

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فما ثم عادة بوجه وثم عادة بوجه، كما أن ثم جزاء بوجه وما ثم جزاء بوجه فإن الجزاء أيضا حال في الممكن من أحوال الممكن.
وهذه مسألة أغفلها علماء هذا الشأن، أي أغفلوا إيضاحها على ما ينبغي لا أنهم جهلوها فإنها من سر القدر المتحكم في الخلائق. واعلم أنه كما يقال في الطبيب إنه خادم الطبيعة كذلك يقال في الرسل والورثة إنهم خادمو الأمر الإلهي في العموم، وهم في نفس الأمر خادمو أحوال الممكنات.
وخدمتهم من جملة أحوالهم التي هم عليها في حال ثبوت أعيانهم. فانظر ما أعجب هذا! )
قال رضي الله عنه : (فما ثمة عادة بوجه) واعتبار يعني وحدة الحقيقة (وثمة عادة بوجه) واعتبار يعني تكثر الحقيقة.
بصورها الشخصية وتشابه تلك الصور في كونها صورة شخصية لتلك الحقيقة (كما أن ثمة جزاء بوجه)، وهو كون الحال الثاني تبعا للحال الأول مرتبة عليه السلام.
(وما ثمة جزاء بوجه) وهو كون الحال الثاني حالة برأسها للعين الممكنة (فإن الجزاء) الذي هو الحال الثاني (أيضا حال في الممكن) برأسه (من أحوال عين الممكن) يقتضيه عين الممكن كسائر الأحوال من غير فرق غاية ما في الباب أنه يقع عقيب حال آخر .
قال رضي الله عنه : (وهذه)، أي كون الجزاء أيضا حال يقتضيه عين الممكن كسائر الأحوال (مسألة أغفلها علماء هذا الشأن أي أغفلوا إيضاحها على ما ينبغي لا أنهم جهلوها فإنها من سر القدر المتحكم في الخلائق)، وعلماء هذا الشأن عالمون به فيكونون عالمين بها أيضا.
ولما فرغ رضي الله عنه عن بيان الدين العرفي الشرعي الموصى به واعتبار معانية الثلاثة اللغوية فيه ، أراد أن يبين الأنبياء وورثتهم الذين يبلغونه إلى المأمورين و يكلفونهم به إليه وإلى المأمورين به .
قال رضي الله عنه : (واعلم أنه كما يقال في الطبيب إنه خادم الطبيعة كذلك يقال في الرسل والورثة)، أي ورثتهم من العلماء (إنهم خادمو الأمر الإلهي في العموم) حيث يبلغونه إلى المأمورين المكلفين و يدونوه في أمثاله بالترغيب والترهيب لیكون نافذا فيهم إلى غير ذلك .
وقوله في العموم متعلق بقوله يقال : أي القول بأنهم خادمو الأمر الإلهي إنما هو في عرف عموم الخلائق والنظر الظاهر (وهم أي الرسل) ورثتهم ( في نفس الأمر) وعرف الخصوص (خادمو أحوال الممكنات) من الهداية والرشاد وأمثالهما فإنهم يظهرونها فيمن يستعد لها من الممكنات ويدر جونها في مراتب كمالها ويصونها عن أضدادها.
وإنما جعل خدمة أحوال الممكنات فوق خدمة الأمر الإلهي لأن الأمر الإلهي من مقتضيات أحوال الممكنات، فما لم يقتض الممكنات توجه الأمر الإلهي إليها لم يتوجه إليها، فهي أصل بالنسبة إليه.
قال رضي الله عنه : (خدمتهم)، أي خدمة الرسل والورثة (من جملة أحوالهم التي هم عليها في حال ثبوت أعيانهم) في علم الحق سبحانه (فانظر ما أعجب هذا) الأمر من كون الأشرف خادما للأخس.

قال الشيخ رضي الله عنه : ( إلا أن الخادم المطلوب هنا إنما هو واقف عند مرسوم مخدومه إما بالحال أو بالقول، فإن الطبيب إنما يصح أن يقال فيه خادم الطبيعة لو مشى بحكم المساعدة لها، فإن الطبيعة قد أعطت في جسم المريض مزاجا خاصا به سمي مريضا، فلو ساعدها الطبيب خدمة لزاد في كمية المرض بها أيضا، وإنما يردعها طلبا الصحة والصحة من الطبيعة أيضا بإنشاء مزاج آخر يخالف هذا المزاج.
فإذن ليس الطبيب بخادم للطبيعة، وإنما هو خادم لها من حيث إنه لا يصلح جسم المريض ولا يغير ذلك المزاج إلا بالطبيعة أيضا. ففي حقها يسعى من وجه خاص غير عام لأن العموم لا يصح في )
ولما حكم رضي الله عنه بكون الطبيب خادما للطبيعة والرسل وورثتهم خدمة للأمر الإلهي بل الأحوال الممكنات، و المتبادر من الخدمة المطلقة أن يكون في جميع الأمور، وليس الأمر ههنا كذلك.
دفعه بقوله: (إلا أن الخادم المطلوب) بالذكر (ههنا)، أي في هذا المقام (إنما هو واقف عند مرسوم مخدومه)، أي ما رسمه المخدوم وعينه من أحواله ليخدم الخادم فيه ولا يتجاوز منه إلى غيره من الأحوال وليس خادما مطلقا ، أي في جميع الأمور بل فيما رسمه وعينه .
وذلك ألرسم والتعيين من المخدوم (إما بالحال) كما في الطبيعة لا تطلب بلسان حالها من الطبيب إلا حفظ الصحة وإزالة المرض، لأن خلقها كذلك فلا تقتضي عند عروها عن الأمور الغريبة إلا ذلك.
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية الجزء الثاني .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 8:52 am

08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية الجزء الثاني .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص اليعقوبي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية    الجزء الثاني

فالطبيب، إنما يخدمها في ذلك لا غيره (وإما بالقول) كالحق سبحانه فإنه رسم لخادمي أمره بالقول أن يخدموه فيما له وجه في الهداية لا مطلقا.
ثم بين ما ذكر من أن الخادم المطلوب ههنا إنما هو المقيد لا المطلق بقوله : (فإن الطبيب إنما يصح أن يقال فيه خادم الطبيعة لو مشی بحكم المساعدة لها) فيما اقتضته في حد ذاتها عرية عن العوارض الغريبة كحفظ الصحة وإزالة المرض لا فيما اقتضته مطلقا.
قال رضي الله عنه : (فإن الطبيعة) لإنضياف العوارض الغريبة إليها (قد أعطت)، أي اقتضت (في جسم المريض مزاجا خاصا به سمي مريضا فلو ساعدها الطبيب خدمة)، من حيث اقتضاؤها المرض (لزاد في كيفية المرض بها)، أي بواسطة الطبيعة (أيضا) كما كان يخفظ الصحة ويزيل المرض بواسطتها فإنه لا يتحقق تأثير في طبيعة المريض صحا ومرضا إلا بالطبيعة وليس الطبيب مما يزيد فيه كمية المرض بها (وإنما يردعها) ويمنعها عما اقتضته بواسطة العوارض الغريبة .
قال رضي الله عنه : (طلبة للصحة والصحة من الطبيعة أيضا) بعد المرض (بإنشاء مزاج) خاص (آخر) في جسم المريض (يخالف هذا المزاج) الخاص الذي به سمي مريضا
(فإذن ليس الطبيب بخادم للطبيعة) مطلقا (وإنما هو خادم لها من حيث أنه لا يصلح جسم المريض ولا تغير ذلك المزاج) الذي به يسمى مريضا (إلا بالطبيعة أيضا ففي حقها)، أي الطبيعة (يسعى) الطبيب ويخدمها (ومن وجه خاص)، وهو اعتبارها من حيث اقتضاؤها
قال الشيخ رضي الله عنه : ( مثل هذه المسألة. فالطبيب خادم لا خادم أعني للطبيعة، وكذلك الرسل والورثة في خدمة الحق.
والحق على وجهين في الحكم في أحوال المكلفين، فيجري الأمر من العبد بحسب ما تقتضيه إرادة الحق، وتتعلق إرادة الحق به بحسب ما يقتضي به علم الحق، ويتعلق علم الحق به على حسب ما أعطاه المعلوم من ذاته: فما ظهر إلا بصورته.
فالرسول والوارث خادم الأمر الإلهي بالإرادة، لا خادم الإرادة.
فهو يرد عليه به طلبا لسعادة المكلف فلو خدم الإرادة الإلهية ما نصح وما نصح إلا بها أعني بالإرادة.
فالرسول والوارث طبيب أخروي للنفوس منقاد )
الصحة وإزالة المرض (غیر عام) لاعتباراتها كلها (لأن العموم لا يصح في مثل هذه المسألة) لما عرفت (فالطبيب خادم) من وجه خاص (لا خادم) على وجه العموم .
وكما أن الطبيب في خدمة الطبيعة من وجه دون وجه (كذلك الرسل والورثة في خدمة الحق) سبحانه فهم في خدمته من حيث أمره التكليفي وليسوا في خدمته من حيث الأمر الإرادي الغير الموافق للتكليفي.
قال رضي الله عنه :  (والحق على وجهين في الحكم في) شأن (أحوال المكلفين) يحكم في شأنهم بالأمر التكليفي ويحكم في شأنهم بالأمر الإرادي أو تقول يحكم فيهم بالأمر التكليفي الموافق للإرادي وبالأمر التكليفي المخالف له .
(فيجري الأمر) ويصدر (من العبد بحسب ما تقتضيه إرادة الحق) لا بحسب ما يقتضيه أمره التكليفي إلا إذا كان موافقة للإرادة (وتتعلق إرادة الحق به)، أي بما تقتضيه إرادته (بحسب ما يقتضي به علم الحق ويتعلق علم الحق به)، أي بما يقتضي به علمه (على حسب ما أعطاه المعلوم من ذاته) فما يجري الأمر من العبد إلا على حسب ما أعطاه من ذاته (فما ظهر) العبد أو المعلوم (إلا بصورته) التي هو عليها في الحضرة العلمية (فالرسول والوارث خادم للأمر) التكليفي (أو الإلهي) الواقع (بالإرادة)، فإنه با تم تتعلق إرادته بالأمر التكليفي لم يقع ولا يلزم من ذلك تعلقها بالمأمور (لا خادم الإرادة)، فإن الإرادة كثيرا ما تكون مخالفة للأمر التكليفي وهو خادم للأمر التكليفي لا غير.
قال رضي الله عنه : (فهو)، أي الرسول أو الوارث (یرد عليه)، أي على المكلف ما يضره من الأخلاق والأفعال (به)، أي بالأمر الإلهي فإنه مأمور من الحق بهذا الرد (طلبا لسعادة المكلف)، وإظهارا لكماله.
قال رضي الله عنه : (فلو خدم) الرسول أو الوارث (الإرادة ما نصح) المكلف أن خدمة الإرادة يقتضي أن يترك الخادم المكلفين على ما هو المراد منهم ولكنه ينصحه .
فليس خادم للإرادة بل للأمر التكليفي و لذلك ينصح المكلف بتبليغه إليه وتكليفه عليه (وما تصح إلا بها أعني بالإرادة) التابعة للعلم التابع
قال الشيخ رضي الله عنه : ( لأمر الله حين أمره، فينظر في أمره تعالى وينظر في إرادته تعالى، فيراه قد أمره بما يخالف إرادته ولا يكون إلا ما يريد، ولهذا كان الأمر.
فأراد الأمر فوقع، وما أراد وقوع ما أمر به بالمأمور فلم يقع من المأمور، فسمي مخالفة ومعصية.
فالرسول مبلغ: ولهذا قال شيبتني «هود» وأخواتها لما تحوي عليه من قوله «فاستقم كما أمرت» فشيبه «كما أمرت فإنه لا يدري هل أمرت بما يوافق الإرادة فيقع، أو بما يخالف الإرادة فلا يقع.
ولا يعرف أحد حكم الإرادة إلا بعد وقوع المراد إلا من كشف الله عن بصيرته )
للمعلوم فما نصح الشيء أو الوارث إلا بما تقتضيه عينه الثابتة (فالرسول والوارث)، كل واحد منهما (طبيب أخروي للنفوس) المكلفة يحفظ صحة الفطرة عليهم ويجتهد في إزالة ما يضادها (منقاد لأمر الله) التكليفي (حين أمره فينظر في أمره تعالى وينظر في إرادته ويراه)، أي الحق.
قال رضي الله عنه : (قد أمره) يعني العبد المكلف (بما يخالف إرادته ولا يكون إلا ما يريد ولهذا)، أي لأجل أنه لا يكون إلا ما يريد (كان الأمر)، أي وجد وتحقق الأمر التكليفي فإنه سبحانه أراد وقوعه (فأراد الأمر)، أي وقوعه (فوقع وما أراد وقوع ما أمر به) متلبسا بالمامور فلم بقع المأمور به من العبد المأمور (فسمی) عدم وقوع المأمور به (مخالفة ومعصية) فلعين هذا العبد الثابتة في الحضرة العلمية استعداد التكليف فيتوجه إليه الأمر التكليفي وليس لها استعداد الإتيان المأمور به ولهذا وقعت المخالفة والمعصية .
فإن قلت : ما فائدة الأمر بما بعلم عدم وقوعه.
قلت: فائدته تميز من له استعداد القبول ممن ليس له استعداد ذلك لتظهر السعادة والشقاوة وأهلهما.
قال رضي الله عنه : (فالرسول مبلغ) للأمر الإلهي خادم له محرض على قبوله لا للأمر الإرادي (ولهذا)، أي لتخلف وقوع المأمور به عن وقوع الأمر به واتصاف المأمور حينئذ بالمخالفة والمعصية.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : "شيبتني هود"رواه الترمذي والحاكم وغيرهم.
أي سورة هود ("وأخواتها" لما تحتوي عليه)، سورة هود (من قوله : "فاستقم كما أمرت "  فشيبه) قوله تعالى: ("كما أمرت " فإنه لا يدري) دائمة (هل أمر بما يوافق الإرادة فيقع) المأمور به فيتصف بالطاعة (أو يخالف) الإرادة .
قال رضي الله عنه : (فلا يقع) المأمور به فيتصف بالمعصية (ولا يعرف أحدكم الإرادة) أنها تعلقت بالمأمور به أو بنقيضه (إلا بعد وقوع المراد) الذي هو عين المأمور به أو غيره (إلا من کشف الله بصيرته) ورفع عنها الحجاب.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فأدرك أعيان الممكنات في حال ثبوتها على ما هي عليه، فيحكم عند ذلك بما يراه.  وهذا قد يكون لآحاد الناس في أوقات لا يكون مستصحبا.
قال: «ما أدري ما يفعل بي ولا بكم» فصرح بالحجاب، وليس المقصود إلا أن يطلع في أمر خاص لا غير.
قال رضي الله عنه : (فأدرك أعيان الممكنات في حال ثبوتها) في الحضرة العلمية على ما هو عليه) فيها (فيحكم عند ذلك) الإدراك عليها (بما يراه) من الأحوال والأحكام (وهذا) الإدراك والحكم (قد يكون لآحاد الناس) وهم الكمل من الأنبياء عليهم السلام والأولياء لا لكنهم ويكون قال رضي الله عنه : (في أوقات مخصوصة لا يكون مستصحبا)، أي دائما في جميع الأوقات قال الله تعالی خطابا لنبينا صلى الله عليه وسلم  (قل : و" ما أدري ما يفعل بي ولا بكم " ) [الأحقاف : 9].
أي (فصرح بالحجاب) فقوله : صرح على صيغة الأمر عطف على قوله : قل: وتفسير له ويحتمل أن يكون على صيغة الماضي عطفا على ما قال المقدر.
قال رضي الله عنه : (وليس المقصود) من الكشف الواقع لبعض الناس في بعض الأوقات (إلا أن بطلع) العبد المكاشف، أي يحصل له الاطلاع (في أمر خاص)، شاء الله إطلاعه عليه (لا غير) كما قال تعالى : "ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء" [البقرة : 255]
فإن قلت: قوله صلى الله عليه وسلم :" فعلمت علم الأولين والآخرين"  يدل على عموم اطلاعه وإن كان في بعض الأوقات. رواه الدارمي  وغيره.
حديث : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة - أحسبه يعني في النوم - 
فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟
قال: قلت: لا 
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فوضع يده بين كتفي، حتى وجدت بردها بين ثديي أو قال: نحري فعلمت ما في السماوات وما في الأرض، 
ثم قال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ 
قال: قلت: نعم،.." رواه أحمد والترمذي وعاصم فى الآحاد والمثاني والشريعة للآجري وغيرهم
قلت: لا نسلم ذلك فإن ما يعلمه الأولون والآخرون أمر خاص بالنسبة إلى معلومات الحق سبحانه ولو سلم عمومه .
فالمثبت في الحديث علمه الكلي الإجمالي في مقام الروح والمنفي ههنا علمه التفصيلي في مقام القلب.
 والله سبحانه أعلم .
تم الفص اليعقوبي
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 9:33 am

09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص اليوسيفي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفص اليوسفي
09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية   الجزء الأول
قال الشيخ رضي الله عنه : ( هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية. تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة،)
09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية
المراد بالحكمة النورية : العلوم والمعارف المتعلقة بعالم المثالي، لأنه عالم نوراني وإنما خصها بالكلمة اليوسفية لأنه عليه السلام كان عالما بمراد الله من الصور المرتبة المثالية .
وكل من يعلم بعده ذلك فمن مرتبته يأخذ ومن روحانيته يستفيد (هذه الكلمة النورية)، أي العلوم والمعارف المتعلقة بعالم المثال هو عالم نوراني (انبساط نورها)، أي حاصلة من انبساط نورها.
أي نور الكلمة اليوسفية التي هي روحانيته (على حضرة الخيال) المطلق أو المقيد في حال النوم.
والمراد بانبساط نورها عليها على الصورة المتمثلة المرتبة فيها وعلى ما أراد الله سبحانه بها (وهو)، أي ذلك الانبساط (أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية) الكبرى الذين هم الأنبياء عليهم السلام أولا إنما هو الصور المثالية المرئية في النوم ثم يترقون إلى أن يروا الملك في المثال المطلق أو المفيد في غير حال النوم لكن مع فتور ما في الحس .
(تقول عائشة رضي الله عنها: أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة).رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
فهي من أقسام الوحي، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : «الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وهي نصيب المؤمنين منها". رواه البخاري ومسلم وغيرهما.


قال الشيخ رضي الله عنه : ( فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح «تقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير.
وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وإن اختلفت الأحوال.
فمضى قولها ستة أشهر، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة: إنما هو منام في منام. )
(وكان) صلى الله عليه وسلم  (لا يرى رؤيا إلا خرجت)، أي هذه الرؤيا معا، أي مع ما عبرت به (مثل فلق الصبح).
وفسر الشيخ رضي الله عنه قوله : مثل فلق الصبح بقوله : (تقول)، أي عائشة رضي الله عنها (لا خفاء بها)، أي بالرؤيا التي كان صلى الله عليه وسلم يراها فميزت عائشة رضي الله عنها بین أوقات النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت بعضها مناما يخرج المرئي فيه إلى التعبير وبعضها يقظة لا يحتاج فيها إليه .
(وإلى هنا) أي إلى هذا المقام من التمييز بين النوم واليقظة (بلغ علمها لا غير) ثم تقول عائشة رضي الله عنها (وكانت المدة له)، أي رسول الله  صلى الله عليه وسلم (في ذلك)، أي في الوحي بالرؤيا الصادقة (ستة أشهر ثم جاء الملك) في حضرة المثال والخيال من غير نوم .
(وما علمت) عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال) يعني ما تنبهت المعنى قوله : (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا) فإن النبي صلى الله عليه وسلم عد الناس في حال اليقظة أيضا نياما . رواه أبو نعيم فى حلية الأولياء و أبي الفضل الزهري وأورده الكواني الشافعي فى الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري .أورده العجلوني و العراقي والسيوطي وقالوا هو من قول الإمام علي بن أبي طالب.
وجعل ما يظهر لهم في الحس مثل ما يظهر لهم في الخيال حين النوم، فكما أن الصور المرئية في النوم محتاجة إلى العبور منها إلى حقائقها الباطنة كذلك الصور المحسوسة أيضا.
فإنها أمثال للصور المثالية ، وهي الأرواح المجردة وأحوالها وهي للأسماء الإلهية وهي للشؤون الذاتية، فكما يعرف العالم بالتعبير المراد بالصورة المرئية في النوم كذلك يعرف العارف بالحقائق المراد بالصور الظاهرة في كل مرتبة.
فعلم من قوله صلى الله عليه وسلم : "إن يقظة الناس نوم" وعندنا مقدمة معلومة (و) هي (كل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل)، أي من قبيل ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم  في مدة ستة أشهر في الاحتياج إلى التعبير .
(وإن اختلفت الأحوال)، أي أحوال النوم بأن كانت حال النوم المزاجي الحقيقي أو حال النوم الحكمي (فمضى قولها)، أي مقول عائشة رضي الله عنها (ستة أشهر)، أي مدتها كلها (بل عمره) صلى الله عليه وسلم  (كله في الدنيا بتلك المثابة).
أي بمثابة النوم . قوله رضي الله عنه  : بتلك، متعلق بقوله : مضى (إنما هو)، أي عمره صلى الله عليه وسلم  (منام في) عقب (منام)، لأن الصورة المتعاقبة المرئية فيه منامات متعاقبة يعبر العارف منها إلى حقائقها.


قال الشيخ رضي الله عنه : (وكل ما ورد من هذا القبيل فهو المسمى عالم الخيال ولهذا يعبر، أي الأمر الذي هو في نفسه على صورة كذا ظهر في صورة غيرها، فيجوز العابر من هذه الصورة التي أبصرها النائم إلى صورة ما هو الأمر عليه إن أصاب كظهور العلم في صورة اللبن.
فعبر في التأويل من صورة اللبن إلى صورة العلم فتأول أي قال: مآل هذه الصورة اللبنية إلى صورة العلم.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه أخذ عن المحسوسات المعتادة فسجي وغاب عن الحاضرين عنده: فإذا سري عنه رد. )

(وكل ما ورد من رؤیاه من هذا القبيل)، أي من قبيل ما يرى في حال النوم (فهو المسمى عالم الخيال)، فالعام كله خیال.
قال رضي الله عنه :
إنما الكون خيال   …. وهو حق في الحقيقة
(ولهذا)، أي تكون الكل من عالم الخيال مسمی به (يعبر) وفسر التعبير بقوله : (أي) الأمر الذي يعني التعبير هو أن يتمان (الأمر الذي هو في نفسه على صورة كذا ظهر في صورة) بالتنوين (غيرها) بالجر على أنه صفة للصورة أي في صورة مغايرة للصورة التي هو عليها في نفسه.
(فيجوز) أن يعبر (العابر من هذه الصورة التي أبصرها النائم) حقيقة أو حكمة (إلى صورة ما هو الأمر عليه)، أي إلى صورة يكون الأمر عليها، فما موصولة وإضافة الصورة إليه بيانية والضمير المرجوع مفسر بالأمر .
(إن أصاب) المعبر وظهر الأمر في صورة مغايرة لما هو عليه في نفسه (كظهور العلم في المنام في صورة اللبن) فعبر النبي صلى الله عليه وسلم  (في التأويل)، أي في الحكم .
بأن مأل الصورة المرئية في النوم، أي سمی هو (من صورة اللبن إلى صورة العلم فناول) صلى الله عليه وسلم  (أي قال مال هذه الصورة اللبنية إلى صورة العلم.

"" أضاف المحقق يشير إلى حديث البخاري: (عن عبد الله بن عمر أن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتی !ې لاري لم يخرج في أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب قالوا فما أولته يا رسول الله قال : العلم.)""

(ثم أنه  صلى الله عليه وسلم  كان إذا أوحي إليه أخذ عن المحسوسات المعتادة فسجي)، أي ستر (وغاب عن الحاضرين عنده)، أي لم يبق له احساس بهم فإن الغائب عن الشيء لم يكن له إحساس به.
(فإذا سري)، أي رفع الوحي (عنه رد) إلى ما غاب عنه وأحس به


قال الشيخ رضي الله عنه : (فما أدركه إلا في حضرة الخيال، إلا أنه لا يسمى نائما.  وكذلك إذا تمثل له الملك رجلا فذلك من حضرة الخيال، فإنه ليس برجل وإنما هو ملك، فدخل في صورة إنسان.
فعبره الناظر العارف حتى وصل إلى صورته الحقيقية، فقال هذا جبريل أتاكم يعلمكم  دينكم.
و قد قال لهم ردوا علي الرجل فسماه بالرجل من أجل الصورة التي ظهر لهم فيها.
ثم قال هذا جبريل فاعتبر الصورة التي مآل هذا الرجل المتخيل إليها. فهو صادق في المقالتين: صدق للعين في العين الحسية، )

(فما أدركه)، أي الذي أوحي إليه (إلا في حضرة الخيال) المطلق أو المقيد (إلا أنه لا يسمي نائما)، لأن النوم عرفا ولغة ما يكون سببه أمرا مزاجيا يعرض للدماغ و سبب هذا أمر مزاجي يقبض على القلب فيأخذه عن المحسوسات.
(فكذلك إذا تمثل له الملك رجلا فذلك) التمثل (من حضرة الخيال فإنه)، أي الملك (ليس برجل) حقيقي، فإنه ليس إنسان ذكر (وإنما هو ملك فدخل في صورة إنسان) ذكر .
(فعبره)، أي الإنسان (الناظر) في الصورة المرئية (العارف) بما يؤول إليه (حتي وصل إلى صورته الحقيقية . فقال : "هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دینكم".)


"" أضاف المحقق : الشيخ يشير لحديث مسلم : قال حدثني أبي عمر بن الخطاب قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لايرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم : فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ذ وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا . قال صدقت.
قال فعجبنا له يسأله ويصدقه . قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره . قال صدقت . قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل . قال فأخبرني عن إمارتها .قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان. قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لي يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.) ""
وقد قال لهم: "ردوا على الرجل فسماه)، أي جبریل (بالرجل من أجل الصورة التي ظهر) جبريل (لهم)، أي للحاضرين (فيها)، أي في تلك الصورة.
(ثم قال: هذا جبريل فاعتبر الصورة التي مال هذا الرجل المنخيل إليها)، وهذه الصورة المعتبرة هي الصورة الملكية (فهو صادق) في هاتين المقالتين (صدق للعين)، أي لمشاهدة العين الباصرة (في العين الحسية).
أي في الذات المحسوسة بالبصر التي لجبريل والجار والمجرور أعني في العين الحسية متعلق بصدق، أي صدق في الحكم .
على الذات الجبريلية المحسوسة بأنه رجل المشاهدة بالعين الباصرة له.
كذلك هو صادق في أنه رجل لظهور العين الجبریلية في العين الباصرة التي هي من جملة الحواس .


قال الشيخ رضي الله عنه : ( وصدق في أن هذا جبريل، فإنه جبريل بلا شك.
و قال يوسف عليه السلام: «إني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين»: فرأى إخوته في صورة الكواكب و رأى أباه و خالته في صورة الشمس و القمر.
هذا من جهة يوسف، ولو كان من جهة المرئي لكان ظهور إخوته في صورة الكواكب وظهور أبيه وخالته في صورة الشمس والقمر مرادا لهم.
فلما لم يكن لهم علم بما رآه يوسف كان الإدراك من يوسف في خزانة خياله، وعلم ذلك يعقوب حين قصها عليه فقال: «يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا» ثم برأ أبناءه عن ذلك الكيد وألحقه بالشيطان، وليس إلا عين الكيد. )

وصدق في أنه رجل لظهور العين الجبریلية في العين الباصرة التي هي من جملة الحواس .
كذلك وصدق في أن هذا المرئي في صورة رجل (جبريل فإنه جبريل بلا شك) منه ظهر في صورة رجل.
وقال يوسف عليه السلام: «إني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين» فرأى إخوته في صورة الكواكب) [يوسف :4 ].
المكان الاهتداء بهم (ورأى أباه وخالته في صورة الشمس والقمر) لكمال نوريته بالنسبة إلى اخوته وخالته في صورة القمر لاقتباسها النور من أبيه يعقوب عليه السلام الذي هو كان كالشمس.
(هذا الذي ذكرنا من رؤية هؤلاء في تلك الصور من جهة يوسف) وبحسب إعطاء استعداده ذلك في القوة الخيالية ، وإن لم يكن بحسب الشعور والإرادة ولم يكن له علم بما رآه إلا بعد أن وقع.
(ولو كان من جهة الرائي) وبحسب شعوره وإرادته كظهور الملك على الأنبياء في صورة من الصور و كظهور الكمل من الأولياء على بعض الصالحين أيضا في صورة من الصور (لكان ظهور اخوته في صورة الكواكب، وظهور أبيه وخالته في صورة الشمس والقمر) معلومة (مراد لهم فلما لم يكن لهم علم بما رآه يوسف كان الإدراك من جهة يوسف في خزانة خياله وعلم بعقوب ذلك).
يعني أن هذه الرؤيا من جهة يوسف لا من جهتهم وليس لهم شعور بذلك حين قصها عليه .
فقال :"يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا" حسدا عليك حيث يحصل لهم علم بما رأينه من تفوقك عليهم وانقيادهم لك .
(ثم برأ) يعقوب عليه السلام (أبناءه عن الكبد) الذي أسنده إليهم أولا (وألحقه)، أي ذلك الكيد (بالشيطان وليس) ذلك الإلحاق (إلا عين الكبد) فإن الأفعال كلها من الله فنسبتها إلى الشيطان كنسبتها إلى أبنائه .
وإنما نسبها "يعقوب" إلى الشيطان كيدا بيوسف ليتجنب عن إسناد المنام إليه سبحانه.


""تعقيب من الجامع : "على كيدا بيوسف" الأحداث تؤكد أن سيدنا يعقوب عليه السلام أبو الأنبياء والأسباط عليه السلام برأ أولاده من الكيد ليوسف عليه السلام (وهم ليسوا بأنبياء وليس لهم أخلاق الأنبياء) من الكيد والحقها بالشيطان فمن باب أولى نبرئ نبي الله يعقوب عليه السلام  من الكيد ليوسف عليه السلام والصحيح الحقها بالشيطان فاخلاقة وأدواته فى الغواية والحقد والكيد و الفتن والبغضاء لبنى آدم مؤكدة من الله تعالى لاتخفي إلا على الغافلين .
قال تعالى : "ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ"[يوسف :76 ]. فالكيد هنا بأمر وإذن وإرشاد الله تعالى ليوسف عليه السلام كيدا له فى الشيطان ومن تبعه في فعله .
قال تعالى : "وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ " [يوسف :100]. ورفع يوسف عليه السلام أبويه على العرش وخروا جميعا لله سجدا
وأحسن يوسف عليه السلام بمدح إخوته بعد المصالحة قال : "مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي" ولم يستخد كيد أو فتنة أو حقد وانما استخدم "نزغ"
أي: أن ما فعله الشيطان هو مجرد وَخْزة تُنبِّه إلى الشيء الضار فيندفع له الإنسان، وهي مأخوذة من المِهْماز الذي يُروِّض به مدرب الخيل أيَّ حصان، فهو ينغزه بالمِهْماز نزغة خفيفة، فيستمع وينفذ ما أمره به، فالنَّغْز تنبيه لمهمة، ويختلف عن الطَّعْن. ابرازا لوجود ايمان أخوته بالله فهى حصن من الشيطان وما فيهم من بركة بسبب لوجود أبيهم نبي الله يعقوب عليه السلام فهو "إسرائيل" و أبو الأنبياء والأسباط ليرفع من شأنهم وإحترامهم وتقديرهم وأنه عفا بالكلية عن ما فات.
والحق سبحانه ينبهنا جميعا إلى ما يفعله عدونا الشيطان الرجيم ؛ فيقول لنا: {وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله ... } [الأعراف: 200] . ""

ويتأدب بإسنادها إلى ما هو مظهر لاسمه المضل وليتزكی عن سوء الظن بأجوبته ترشيحا للنبوة التي تفرسها فيه فإن النبوة لا بد لها من سلامة الصدر وصفاء القلب ونقاء


قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال: «إن الشيطان للإنسان عدو مبين» أي ظاهر العداوة. ثم قال يوسف بعد ذلك في آخر الأمر: «هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا» أي أظهرها في الحس بعد ما كانت في صورة الخيال، فقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «الناس نيام»،
فكان قول يوسف: «قد جعلها ربي حقا» بمنزلة من رأى في نومه أنه قد استيقظ من رؤيا رآها ثم عبرها.
ولم يعلم أنه في النوم عينه ما برح، فإذا استيقظ يقول رأيت كذا ورأيت كأني استيقظت وأولها بكذا. هذا مثل ذلك.
فانظر كم بين إدراك محمد صلى الله عليه وسلم وبين إدراك يوسف عليه السلام في آخر أمره حين قال: «هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا».
معناه حسا أي محسوسا، و ما كان إلا محسوسا، فإن الخيال لا يعطي أبدا إلا المحسوسات، )

الباطن (فقال : «إن الشيطان للإنسان عدو مبين» [يوسف: 5]، أي ظاهر العداوة) فإن الإبانة هي الظهور .
(ثم قال يوسف) عليه السلام (بعد ذلك في آخر الأمر) حيث دخلوا مصر وخروا له سجدا ("هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا"، أي أظهرها في الحس بعدما كانت في صورة الخيال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "الناس نيام").
فجعل مرتبة الحس أيضا من قبيل النوم  لأنها صورة مرئية لا بإزاء المعاني الغيبية والحقائق الإلهية معبرة بها (فكان قول يوسف عليه السلام) قد جعلها ربي حقا.
(بمنزلة) قوله رضي الله عنه  (من رأى في نومه أنه قد استيقظ من رؤیا رآها ثم عبرها ولم يعلم أنه في النوم) الذي رأى فيه الرؤيا (عينه) بالجر على أنه توكبد للنوم .
بقرينة قوله رضي الله عنه : (ما برح)، أي ما زال عن النوم الذي كان فيه (فإذا استيقظ يقول : رأيت) في النوم (كذا ورأيت كأني استيقظت وأولتها)، أي رؤياي (بكذا هذا) الذي ذكرنا عن حال النائم الذي توهم أنه قد أستيقظ .
(مثل ذلك) الذي ذكرنا من يوسف عليه السلام (فانظر كم) فرقي (بين إدراك محمد صلى الله عليه وسلم ) حيث أدرك الناس في كل حال نیام .
(وبين إدراك يوسف عليه السلام في آخر أمره حين قال : «هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا»معناه ) ثابتة (حسا، أي محسوسأ) بالحواس الظاهرة .
(وما كان) هذا الأمر الثابت حسا (إلا محسوسا)، أي مأخوذا من الحس (فإن الخيال لا يعطى ابدأ إلا المحسوسات)، يعني الصورة المأخوذة من الحس فإن المادة التي ينصرف فيها الخيال ليست إلا الصورة الحسية المخزونة فيه.
وليس المراد أنها حين التخيل محسوسا بالحواس الظاهرة.



قال الشيخ رضي الله عنه : ( غير ذلك ليس له. فانظر ما أشرف علم ورثة محمد صلى الله عليه وسلم. وسأبسط من القول في هذه الحضرة بلسان يوسف المحمدي ما تقف عليه إن شاء الله.
اعلم أن المقول عليه «سوى الحق» أو مسمى العالم هو بالنسبة إلى الحق كالظل للشخص، وهو ظل الله ، وهو عين نسبة الوجود إلى العالم لأن الظل موجود بلا شك في الحس ، ولكن إذا كان ثم من يظهر فيه ذلك الظل: حتى لو قدرت عدم من يظهر فيه ذلك الظل: كان الظل معقولا غير موجود في الحس، بل يكون بالقوة في ذات الشخص المنسوب إليه الظل. فمحل ظهور هذا الظل )

(غير ذلك) الذي ذكرنا (ليس) ثبات (له)، أي للخيال.
(فانظر ما أشرف علم ورثه محمد صلى الله عليه وسلم) من الكمل المطلعين على مثل هذه الأسرار فكيف علم محمد صلى الله عليه وسلم (وسأبسط القول)، أي الكلام (في) تحقيق هذه الحضرة الخيالية (بلسان يوسف المحمدي).
""إضافة الجامع : الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي يقصد بـ (تحقيق هذه الحضرة الخيالية بلسان يوسف المحمدي) نفسه لإنه ختم الولاية المحمدية الخاصة فهو صاحب لسان يوسف المحمدي""

أي بلسان من هو على قدم يوسف من ورثة محمد صلى الله عليه وسلم  فكأنه جعل اسم يوسف علما لجنس من كان على تلك القدم فوصفه بالمحمدي للتخصيص (ما ستقف عليه إن شاء الله).
ما موصولة أو موصوفة بدلا من القول، وضمير عليه لما أي : ما توقف عليه ويصل فهمك إليه ، أو موصوفة بمعنی بسطا في محل النصب على المصدرية ، وضمير عليه العلم ورثة محمد صلى الله عليه وسلم  والضمير العائد إلى ما محذوف، أي بسطة تقف به عليه .
وفي بعض النسخ سأبسط من الفول فتكون ما في محل النصب بالمفعولية (فنقول: اعلم ان المقول عليه سوى الحق أو مسمي العالم هو بالنسبة إلى الحق تعالی كالظل) التابع (للشخص) فكما أن الظل تابع للشخص لا وجود له إلا بتبعية الشخص كذلك العالم تابع للحق سبحانه لا وجود له إلا بتبعيته .
(فهو)، أي العالم (ظل الله)، أي ظل هذا الاسم الجامع، فإن كل جزء من أجزاء العالم ظل لاسم من الأسماء الداخلة في ذلك الاسم الجامع فمجموع العالم ظل بمجموعه.
(فهو)، أي كون العالم ظل الله سبحانه عين نسبة الوجود الخارجي (إلى العالم)، أي مستلزم تها استلزاما ظاهرا كأنه عينها (لأن الظل) المتعارف (موجود بلا شك في الحس) يحكم بوجود الحس تابع في وجوده للشخص .
فكذا كل ما كان له نسبة الظلية إلى الحق سبحانه ينبغي أن يكون موجودا به تابعا له في وجوده فكانت نسبة الظلية إليه كأنها عين نسبة الوجود إليه.
(ولكن) إنما يكون الظل موجودا (إذا كان ثمة من يظهر فيه ذلك الظل حتى لو قدرت)، أي فرضت (عدم من يظهر فيه ذلك الظل كان الظل معقولا غير موجود في الحس بل يكون بالقوة في ذات الشخص المنسوب إليه الظل فمحل ظهور هذا الظل


قال الشيخ رضي الله عنه : ( الإلهي المسمى بالعالم إنما هو أعيان الممكنات: عليها امتد هذا الظل، فتدرك من هذا الظل بحسب ما امتد عليه من وجود هذه الذات.
ولكن باسمه النور وقع الإدراك و امتد هذا الظل على أعيان الممكنات في صورة الغيب المجهول .
ألا ترى الظلال تضرب إلى السواد تشير إلى ما فيها من الخفاء لبعد المناسبة بينها و بين أشخاص من هي ظل له؟. وإن كان الشخص أبيض فظله بهذه المثابة.)

الإلهي المسمى بالعالم إنما هو أعيان الممكنات) الثابتة في الحضرة العلمية (عليها)، أي على تلك الأعيان (امتد هذا الظل) وفاض عليه من وجود هذه الذات متعلق بقوله : امتد وما امتد عليه هذا الظل إنما هو أعيان الممكنات ولكن باسمه النور الذي يظهر الأشياء في العلم والعين وقع (فيدرك) الإدراك، أي إدراك (الظل من هذا الظل بحسب ما امتد عليه من وجود هذه الذات) القديمة .
(ولكن باسمه النور كما وقع الإدراك وامتد هذا الظل على أعيان الممكنات في صورة الغيب المجهول) فالغيب المجهول هو الهوية الغيبية المجهولة مطلقا من حيث إطلاقها .
وصورة الغيب المجهول في الحضرة العلمية فإنها الصورة الأولى لذلك الغيب ، ويجوز أن يراد بالغيب المجهول الأعيان الثابتة لكونها غائبة عما سوى الحق مجهولة له، إلا من شاء الله أن يطلعه عليها .
وحينئذ تكون إضافة الصورة إليه بيانية، وامتداد الخفا على الأعيان الثابتة للممكنات في الحضرة العلمية، وعبارة عن إيضاح ظاهر الوجود بأحكام تلك الأعيان.
ويعبده بآثارها فبواسطة هذا التقييد و الانصباغ يصير ظلا لمرتبة إطلاقه.
فالظل في الحقيقة هو عين ذي الظل لا فرق بينهما إلا بالتقييد والإطلاق، ثم إنه لا شك أن الجهل عدم العلم.
والعدم ظلمة وسواد كما أن الوجود نور وبياض، فإذا انبسط النور الوجودي على الأعيان في صورة الغيب المجهول.
فلا بد أن يقع له امتزاج بالظلمة فيحصل له صلاحية أن يدرك لأن النور المحض لا تتعلق به الإدراك ما لم يمتزج بظلمة ما.
وكذلك الظلمة الصرفة فإنه لا بد في الإدراك من النور.
فالظل الوجودي المدرك للمجهول لا بد له من ظلمة، واستشهد على ذلك بقوله : (ألا ترى الظلال) المشهودة للكل (تضرب إلى السواد وتشير)، أي الظلال بسوادها (إلى ما فيها)، أي في أعيان الممكنات .
(من الخفاء) والظلمة فإن كل صورة شهادية إنما هي دليل على معنى عيني .
إنما تضرب الظلال إلى السواد (لبعد المناسبة بينها)، أي بين الظلال (وبین أشخاص من هي ظل له).
ثم بالغ في ذلك (وإن كان الشخص أبيض فظله بهذه المثابة)، أي يضرب إلى السواد .

قال الشيخ رضي الله عنه : ( ألا ترى الجبال إذا بعدت عن بصر الناظر تظهر سوداء وقد تكون في أعيانها على غير ما يدركها الحس من اللونية، و ليس ثم علة إلا البعد؟. وكزرقة السماء.
فهذا ما أنتجه البعد في الحس في الأجسام غير النيرة.
و كذلك أعيان الممكنات ليست نيرة لأنها معدومة و إن اتصفت بالثبوت لكن لم تتصف بالوجود إذ الوجود نور . غير أن الأجسام النيرة يعطي فيها البعد في الحس صغرا ، فهذا تأثير آخر للبعد.
فلا يدركها الحس إلا صغيرة الحجم وهي في أعيانها كبيرة عن ذلك القدر وأكثر كميات، كما يعلم بالدليل أن الشمس مثل الأرض في الجرم مائة وستين مرة، و هي في الحس على قدر جرم الترس مثلا. فهذا أثر البعد أيضا.)
ثم استشهد على أن البعد بوجب ضربه إلى السواد بقوله: (ألا ترى الجبال إذا بعدت عن بصر الناظر تظهر سوداء و) الحال أنه (قد يكون) الجبال (في أعيانها على غير ما يدركها الحس من اللونية)، أي حد أنفسها غير سود.
(وليس ثمة علة) بالاستقرار لرؤية السواد (إلا للبعد)، فما يوجبه البعد كسواد الجبان (وكزرقة السماء فهذا)، أي سواد الجبال وزرقة السماء (ما أنتجه البعد في الحس في الأجسام غير النيرة) التي هي الجبال والسماء وغيرهما.
كما أن الجبال والسماء ليست نيرة فيوجب البعد فيها السواد والزرقة (فكذلك أعيان الممكنات) من حيث ثبوتها في الحضرة العلمية (ليست نيرة) فهي من قبيل الأجسام المظلمة الغير المنيرة .فيؤثر البعد فيها ظلمة صورتها السواد أو الزرقة.
وإنما قلنا : أعيان الممكنات ليست نيرة (لأنها معدومة) بحسب الخارج فهي (وإن اتصفت بالثبوت) في الحضرة العلمية (لكن لم تتصف بالوجود) الخارجي (إذ الوجود نور) يظهر ذات الشيء وأحكامه وآثاره في الخارج والأعيان الثابتة ما ظهرت في الخارج لا ذاتها ولا أحكامها وآثارها فلم تكن متصفه بالوجود.
فإذا لم تكن منصفة بالوجود كانت متصفة بالعدم الذي هو الظلمة فلم تكن نيرة.
ولما فید رضي الله عنه الأجسام التي تورث البعد فيها السواد والزرقة بكونها غير نيرة .
يفهم منه أن الأجسام النيرة لا يورث البعد فيها شيئا منها، فكان محال أن تبين أن البعد فيها يورث شيئا آخر أم لا
فقال : (غير أن الأجسام النيرة) بل وغير النيرة أيضا (يعطى فيها البعد للحس صغرا) بالنسبة إلى ما هي عليه في نفس الأمر (فهذا تأثير آخر للبعد) عام للاجسام كلها .
(فلا بدركها الحس إلا صغيرة الحجم وهي في أعيانها كبيرة) متجاوزة (عن ذلك القدر) المحسوس (وأكبر كميات) منه من بعيد .
(كما يعلم بالدليل أن الشمس مثل الأرض في الجرم مائة وستة وستين وربعة وثمن مرة وهي)، أي الشمس في الحس على(قدر جرم الترس مثلا) فهذا الذي ذكرنا من الصغر (أثر البعد أيضا) كما كان السواد والزرقة من أثره.

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فما يعلم من العالم إلا قدر ما يعلم من الظلال، و يجهل من الحق على قدر ما يجهل من الشخص الذي عنه كان ذلك الظل.
فمن حيث هو ظل له يعلم، و من حيث ما يجهل ما في ذات ذلك الظل من صورة شخص من امتد عنه بجهل من الحق.
فلذلك نقول إن الحق معلوم لنا من وجه مجهول لنا من وجه: «أ لم تر إلى ربك كيف مد الظل و لو شاء لجعله ساكنا» أي يكون فيه بالقوة.
يقول ما كان الحق ليتجلى للممكنات حتى يظهر الظل فيكون كما بقي من )

(فما يعلم من العالم) الذي هو كالظل للحق الذي هو كذي الظل (إلا قدر ما يعلم من الظلال) المتعارفة المشهودة بالنسبة إلى أشخاصها .
فكما يعلم من الظل المشهود كونه ممتدا من الشخص تابعا له في الوجود قائما به مشكلا بأشكال أعضائه وأجزائه .
فكذلك يعلم من العالم كونه ظلا ممتدا من الحق سبحانه تابعا له في الوجود قائما مشتملا على صور أسمائه وصفاته .
(ويجهل من الحق) عند معرفته بالعالم (على قدر ما يجهل من الشخص الذي عنه كان)، أي وجد (ذلك الظل) المشهود المتعارف عند معرفته بذلك الظل.
فكما يجهل من الشخص عند معرفته بالظل حقيقة ذائه و كنه صفاته ، كذلك يجهل من الحق سبحانه عند معرفته بالعالم حقيقة ذاته وصفاته وأفعاله .
(فمن حیث) أن الحق سبحانه من حيث (هو)، أي العالم (ظل له) سبحانه (بعلم)، أي الحق (ومن حيث ما يجهل ما في ذلك الظل) الذي هو العالم (من صورة شخص امتد عنه)، وهي صورته الحقيقية المطلقة الذاتية اللاتعينية.
(يجهل من الحق فلذلك نقول إن الحق) سبحانه (معلوم لنا من وجه)، وهو وجه ظهوره بصور الظلال (مجهول لنا من وجه) وهو وجه طلاق ذاته و عدم تناهي تجلياته.
ثم استشهد رضي الله عنه على ما ادعاه من كون العالم ظلا للحق بقوله تعالی : («ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا» ) [الفرقان:45)، إن كان الخطاب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم  كان المراد بالظل العالم كله.
لأن ربه "الله" إنما هو الاسم الجامع لجميع الأسماء، وإن كان الخطاب لكل أحد فالمراد بالظل ذلك الأحد الذي هو بعض أجزاء العالم .
ومظهر للاسم الذي بربه خاصة (ولو شاء) ربك (لجعله)، أي الظل (ساكنا أي يكون فيه)، أي في الحق (بالقوة) ولم يتحرك من القوة إلى الفعل .
ولما كان المتوهم من قوله : لجعله ساكنا إحداث السكون له والمراد بقاؤه على السكون الأصلي.
فسره (بقوله)، أي الحق سبحانه لو شاء (ما كان الحق يتجلى للممكنات)، أي لأعيانها الثابتة في الحضرة العلمية (حتى يظهر الظل فيكون) على تقدير ذلك التجلي
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الجزء الثاني .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 9:34 am

09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الجزء الثاني .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص اليوسيفي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية   الجزء الثاني

قال الشيخ رضي الله عنه : (الممكنات التي ما ظهر لها عين في الوجود. «ثم جعلنا الشمس عليه دليلا» وهو اسمه النور الذي قلناه، و يشهد له الحس: فإن الظلال لا يكون لها عين بعدم النور.
«ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا»: و إنما قبضه إليه لأنه ظله، فمنه ظهر و إليه يرجع الأمر كله. فهو هو لا غيره. )
فكل ما ندركه فهو وجود الحق في أعيان الممكنات.
فمن حيث هوية الحق هو وجوده، و من حيث اختلاف الصور فيه هو أعيان الممكنات.
فكما لا يزول عنه باختلاف الصور اسم الظل، كذلك لا يزول باختلاف الصور اسم العالم أو اسم سوى الحق.)
 (كما بقي من الممكنات)، أي مثل الممكنات الباقية في العلم (التي ما ظهر لها عين في الوجود).
فاللام في قوله: ليتجلى لتأكيد النفي حتى يظهر غابة المتجلي ("ثم جعلنا الشمس عليه")، أي على الظل الذي هو أعيان الممكنات ("دليلا") [الفرقان : 49].
يدل عليه ويظهره للبصر والبصيرة علما وعينا (وهو)، أي الشمس بلسان الإشارة (اسمه النور الذي قلناه) .
حيث قلنا : ولكن باسمه النور وقع الإدراك وهو عبارة عن الوجود الحق باعتبار ظهوره في نفسه وإظهاره لغيره في العلم أو العين .
(ويشهد له)، أي تكون الشمس دليلا يظهر الظل (الحس فإن الظلال) المحسوسة
(لا يكون لها عين) وجودي (بعدم النور) فإن في الظلمة المحضة لا يتحقق الظل.
(ثم قبضناه)، أي الظل الذي هو العالم (إلينا قبضا يسيرا)، أي هينا بالنسبة إلى مده وبسطه ، فإن في مده لا بد من اجتماع شرائط يكفي في قبضة انتفاء بعضها.
(وإنما قبضه)، أي الظل الذي هو العالم (إليه)، أي إلى الحق تعالی (لأنه ظله فمنه ظهر) كما أن الظل من الشخص يظهر (وإليه برجع) كما أن الظل إلى الشخص يرجع (الأمر كله) کائنا ما كان.
(فهو)، أي الظل الوجودي (هو)، أي الوجود الحق (لا غيره)، لأنه لا فرق بينهما إلا بالإطلاق والتقييد والمقيد عين المطلق باعتبار الحقيقة وإن كان غیره باعتبار التقييد.
(فكل ما تدرکه) من العالم (فهو وجود الحق) ظهر (في أعيان الممكنات) وتقید بأحكامها وآثاره فسمي ظلا وعالما .
(فمن حيث)، أي فكل ما يدركه من حيث (هوية الحق ) ووحدتها وطلاقها من غير اعتبار اختلاف الصور فيها (هو وجوده)، أي وجمود الحق سبحانه (ومن حيث اختلاف الصور فيه). أي في كل ما بدر که.
(فهو أعيان الممكنات فكما لا يزول عنه) أي عن كل ما يدر که حال كونه متلبسا باختلاف الصور اسم الظل كذلك لا يزول عنه حين تلبسه (باختلاف الصور اسم العالم أو اسم سوی الحق) فإن إطلاق هذين الاسمين على كل ما يدرکه إنما هو باعتبار كونه ظلا لا باعتبار
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فمن حيث أحدية كونه ظلا هو الحق، لأنه الواحد الأحد.
و من حيث كثرة الصور هو العالم، فتفطن و تحقق ما أوضحته لك.
و إذا كان الأمر على ما ذكرته لك فالعالم متوهم ما له وجود حقيقي، و هذا معنى الخيال .
أي خيل لك أنه أمر زائد قائم بنفسه خارج عن الحق وليس كذلك في نفس الأمر.
ألا تراه في الحس متصلا بالشخص الذي امتد عنه، ويستحيل عليه الانفكاك عن ذلك الاتصال لأنه يستحيل على الشي ء الانفكاك عن ذاته؟ )
کونه عین ذي الظل (فمن حيث أحدية كونه ظلا)، أي فكلما يدر که من حيث أحدية ظنيته بأن لم يعتبر فيه اختلاف الصور (هو الحق) فإن ظليته إنما هي بسبب اختلاف الصور فيه فإذا زال الاختلاف زالت الظلية فصار واحدة لا كثرة فيه فكان عين الحق .
(لأنه)، أي الحق هو الواحد الأحد لا غيره أو لأن الظالم من حيث أحدينه هو الواحد الأحد والواحد الأحد هو الحق لا غير (و من حيث كثرة الصور) فيه (هو العالم) و سوی الحق والظل.
(فتفطن وتحقق ما أوضحته لك. وإذا كان الأمر على ما ذكرته لك فالعالم متوهم ما له وجود حقيقي) فإن الوجود الحقيقي هو الحق سبحانه ، والعالم كثرة صور متوهمة فيه.
فوجوده وقيامه بالحق لا بنفسه كما يتوهمه المحجوبون (وهذا معنى الخيال أي خيل لك أنه أمر زائد)، على الوجود الحق (قائم بنفسه) لا بالوجود الحق (خارج عن الوجود الحق وليس الأمر كذلك في نفس الأمر) فإن الوجود في نفس الأمر واحد، وهذا الوجود الواحد باعتبار وحدته وإطلاقه هو الحق سبحانه وباعتبار کثرته لنلبسه بأحكام أعيان الممكنات وآثارها هو العالم بسوی الحق والظل .
فمن تخيل أن للعالم وجودا مستقلا في نفسه مغايرة لوجود الحق فلا شك أن ذلك وهم وخيال لا حقيقة له وغير مطابق تما في نفس الأمر.
ثم أنه رضي الله عنه أكد عدم أمر العالم بدون الحق بنشبيه العالم بالظل المحسوس والحق كالشخص فقال : (ألا تراه)، أي الظل الظاهر (في الحس) حال كونه
(متصلا بالشخص الذي امتد) ذلك الظل (عنه)، أي عن هذا الشخص (يستحيل عليه) ، أي على ذلك الظل (الانفكاك عن ذلك الاتصال) بل عما اتصل به أعني الشخص.
(لأنه يستحيل على الشيء الانفكاك عن ذاته) حقيقة أو حكما فالشخص وإن لم يكن ذات الظل حقيقة فإنه کالذات له في قوامه وعدم تحققه بدونه ، ولما كان الظل الذي هو المشبه .
أعني العالم عین ذات محضة الذي هو الحق سبحانه من وجه أورد هذه العبارة للمبالغة
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فاعرف عينك ومن أنت و ما هويتك و ما نسبتك إلى الحق، و بما أنت حق و بما أنت عالم و سوى و غير و ما شاكل هذه الألفاظ.
 وفي هذا يتفاضل العلماء، فعالم وأعلم. فالحق بالنسبة إلى ظل خاص صغير وكبير، وصاف وأصفى، كالنور بالنسبة إلى حجابه عن الناظر في الزجاج يتلون بلونه، وفي نفس الأمر )
(فاعرف عينك)، أي عينك الثابتة فإنها عبارة عن صورة معلومية ذات الحق متلبسة بشؤونها كلا أو بعضا .
(و) اعرف (من أنت) من حيث عينك الخارجية فما أنت من هذه الحينية إلا الوجود الحق متصة بأحكام عينك الثابتة وآثارها .
(و) اعرف (ما هويتك) السارية في عينك الثابتة في الحضرة العلمية أولا، وفي عينك الموجودة في الخارج ثانية.
(وما نسبتك إلى الحق) نسبة الظل إلى الشخص والمقيد إلى المطلق (وبما أنت حق)، أي بأي وجه أنت حق فأنت حق من حيث الحديقة (وبما أنت عالم)، أي بأي وجه أنت عالم (وسوی) للحق (وغير) له فأنت عالم وسوی و غیر للحق من حيث التقيد والتعيين.
(وما شاكل هذه الألفاظ)، أي العالم والسوي والغير ويجوز أن يكون قوله : هذه الألفاظ إشارة إلى ما ذكرنا من هذه الألفاظ الثلاثة مع ما ذكر قبلها من قوله : فاعرف عينك إلى آخره (فإنك كذلك بالماهية.
(وفي هذا) الفرقان والعلم (يتفاضل العلماء فعالم) يعلم بعض هذه الأمور كمن شهد كثرة التعينات والتقيدات فقط فهو المحجوب عن الحق المشاهد للعالم والخلق و كمن شهد الوجود الأحدي المتجلى في هذه الصور فهو صاحب حال في مقام الفناء والجمع.
(وأعلم منه) بعلم كلها وهو من شهد الحق في الخلق والخلق في الحق فهو کامل الشهود في مقام البقاء بعد الفناء و الفرق بعد الجمع وهو مقام الاستقامة ، وما ظهر أن نسبة العالم إلى الحق سبحانه نسبة الظل إلى الشخص فكان العالم بأجزانه ظلا لا للحق سبحانه بأسمائه (فالحق بالنسبة إلى ظل خاص) هو بعض أجزاء العالم (صغير) لظهوره فيه ببعض من أسمائه لبروز ذلك البعض قابلية ظهور الأسماء كلها ما عدا الإنسان الكامل، وبالنسبة إلى ظل خاص آخر من أجزاء العالم له قابلية ظهور الأسماء كلها.
(وكبير و) كذلك الحق سبحانه بالنسبة إلى بعض الظلال (صاف) كظهوره في عالم الآخرة بصور النفوس المجردة ظهورا نورية (و) بالنسبة إلى بعضها (أصفی) ظهوره بصور العقول المجردة .
فإن الصفاء له مراتب بحسب قلة الوسائط وكثرتها. (کالنور بالنسبة إلى حجابه)، أي ما يحجب طرفه نوريته من الألوان والأشكال الزجاجية (عن الناظر في الزجاج) .  
فقوله رضي الله عنه  : صغير وكبير إما مجرور صفة تظل خاص و خبر المبتدأ قوله : كالنور، وما مرفوع على الخبرية .
وقوله رضي الله عنه  : كالنور خبر محذوف أو صفة محذوفة (فإنه يتلون)، أي النور (بلونه) ، أي لون الزجاج.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( لا لون له. ولكن هكذا تراه.
ضرب مثال لحقيقتك بربك. فإن قلت: إن النور أخضر لخضرة الزجاج صدقت وشاهدك الحس، وإن قلت إنه ليس بأخضر ولا ذي لون لما أعطاه لك الدليل، صدقت وشاهدك النظر العقلي الصحيح.
فهذا نور ممتد عن ظل وهو عين الزجاج فهو ظل نوري لصفائه.)

(وفي نفس الأمر لا لون له ولكن هكذا) متلونا بألوان الزجاجات (تراه) على البناء تنمفعول، أي تظنه وتعلمه .
وقوله رضي الله عنه : (ضرب مثال لحقيقتك بربك)، أي ضرب الزجاج مع النور ضرب مثال لحقيقتك مع ربك فشونه : ضرب مثالا منصوب على المصدرية. ويجوز أن يكون منصوب على الحالية مزولا باسم الفاعل، أي ضارب مثال، أو على المفعولية بأن يكون مفعولا ثانيا بقوله : تراه ، أي بعلمه ضرب مثال، أو على أن يكون مفعولا له .
لقوله : تراه ، أي أرنا الحق لضرب المثال، يجوز رفعه على أن يكون خبر مبتدأ محذوف وجعل الضرب مع كونه مستعملا مع المثال بمعنى النوع صرف من الظاهر.
(فإن رأيته قلت) : إذا رأيت النور ملونا بلونه الأخضر (إن النور أخضر كخضرة الزجاج صدقت وشاهدك) على صدق ما قلت (الحس) فإنه هكذا يظهر في الحس البصري .
(وإن قلت) : إن النور (ليس بأخضر ولا ذي لون) مطلقا (لما أعطاه)، أي لأجل علم أو حكم أعطاه لك الدليل العقلي (صدقت وشاهدك) على صدق ما قلت (النظر العقلي الصحيح) .
فإن النور من حيث صرافة إطلاقه لا لون له (فهذا النور المحكوم عليه بأنه أخضر وليس بأخضر بالاعتبارین.
(نور ممتد عن ظل هو)، أي هذا الظل (عين الزجاج) وإنما جعل الزجاج ظلا لأنه من أجزاء العالم الذي هو ظل تلحق سبحانه (فهو)، أي الزجاج (ظل)، أي نلحق لأنه من أجزاء العالم .
(نورې لصفائه) بحيث لا يحجب النور أو النور الممتد من الزجاج ظل له لامتداده عنه أو ظل للنور المطلق نوري لصفائه بالنسبة إلى الأجسام الكثيفة المظلمة.
وعلى هذا القياس الموجود المتعين المتقيد بأحكام الأعيان الثابتة هو نور ممتد عن ظل هو عين الأعيان الثابتة.
فإنه متفيد بحسب أحكامها فهو أي الظل الذي هو عين الأعيان الثابتة أو الوجود المتقيد بحسب أحكامه ظل نوري.
أما كون الأعيان طلا فظاهر لكونها ظلا للشؤون الإلهية في الحضرة العلمية ، وأما كون الوجود المقيد ظلا فلكونه ممتد إما عن الأعيان أو عن الوجود المطلق .

قال الشيخ رضي الله عنه : ( كذلك المتحقق منا بالحق تظهر صورة الحق فيه أكثر مما تظهر في غيره. فمنا من يكون الحق سمعه وبصره وجميع قوة وجوارحه بعلامات قد أعطاها الشرع الذي يخبر عن الحق.
مع هذا عين الظل موجود، فإن الضمير من سمعه يعود عليه: وغيره من العبيد ليس كذلك. فنسبة هذا العبد أقرب إلى وجود الحق من نسبة غيره من العبيد.)
قال رضي الله عنه :  (كذلك) أي كمثل الزجاج الذي هو ظل نوري لا يحجب النور وأوصافه (المتحقق منا)، أي من بني نوعنا (بالحق).
فلأن المتحقق منا أيضا ظل نوري (يظهر صورة الحق)، أي أسماؤه وصفاته (فيه) ظهور (أكثر مما يظهر في غيره) ممن لا تحقق له بالحق.
أي من ظهوره في غيره لتكون ما مصدرية أو تظهر صورة الحق، أي أسماؤه فيه أكثر من أسماء أو الأسماء التي تظهر في غيره فتكون ما موصوفية أو موصولة (فمنا من يكون الحق سمعه وبصره وجميع قواه) الروحانية وجوارحه الجسمانية (بعلامات) دالة على كون الحق عين بصر العبد و سمعه وجميع قواه وجوارحه (فقد أعطاه الشرع).
وفي بعض النسخ الشارع، أي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الشارع الذي يخبر عن الحق في الحديث القدسي الوارد في قرب النوافل .

""أضاف المحقق : يشير الشيخ إلى حديث البخاري (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش به ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا في عمله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته.) ""

ولما ذكر أن الحق سبحانه سمع العبد المتحقق بالحق وبصره وجميع قواه وجوارحه كان محال أن يتوهم أنه فاني معدوم بالكلية .
فإنه ليس إلا أحدية جمع تلك القوى والجوارح، فإن كانت تلك القرى والجوارح عین الحق فلم يبق من العبد شيء.
دفعه بقوله رضي الله عنه : (ومع هذا) الذي ذكرنا من كون الحق سمعه وبصره وجميع قواه وجوارحه (عين الظل) الذي هو العبد المتحقق بالحق (موجود فإن الضمير) في قوله : (من سمعه ) وبصره (يعود عليه) فلم يكن له تعين وتميز في الوجود كيف يعود عليه الضمير.
(وغيره)، أي غير من يكون متحققا بالحق (من العبيد ليس كذلك)، أي بحيث تظهر صورة الحق فيه أكثر ما تظهر في غيره .
فنسبة هذا العبد المتحقق بالحق الذي يكون الحق معه سمعه الأسماء والذوات كلها ظلالي للذات الإلهية والظلالات خیالات ولها على أشخاصها دلالات وهي عينها باعتبار الحقيقة وإن كان غيرها باعتبار التعين

قال الشيخ رضي الله عنه : (غيره من العبيد.  وإذا كان الأمر على ما قررناه فاعلم أنك خيال وجميع ما تدركه مما تقول فيه ليس أنا خيال.
فالوجود كله خيال في خيال، والوجود الحق إنما هو الله خاصة من حيث ذاته و عينه لا من حيث أسماؤه، لأن أسماءه لها مدلولان: المدلول الواحد عينه و هو عين المسمى، و المدلول الآخر ما يدل عليه مما ينفصل الاسم به من هذا الاسم الآخر و يتميز.
فأين الغفور من الظاهر ومن الباطن، وأين الأول من الآخر.؟
فقد بان لك بما هو كل اسم عين الاسم الآخر وبما هو غير الاسم الآخر.
فبما هو عينه هو الحق، وبما هو غيره هو الحق المتخيل الذي كنا بصدده.)
و بصره وسائر قواه (أقرب عنده إلى وجود الحق من نسبة غيره من العبيد) الذين لم يصلوا إلى هذا المقام (وإذا كان الأمر على ما قررناه) من أن نسبة العالم إلى الحق كنسبة الظل إلى الشخص وليس لنظل وجود حقيقي بل وجوده إنما هو بالشخص .
(فاعلم أنك خيال وجميع ما تدركه مما تقول فيه ليس أنا). هكذا في النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه .
وفي بعض النسخ مما يقول فيه سوی (خیال فالوجود كله خيال)، أي الموجودات الممكنة كلها خيال وهو مدركاتك (في خيال) وهو أنت، فإن المدركات مرتسمة لا محالة في المدرك.
(والوجود الحق) الثابت المتحقق في نفسه المثبت المتحقق لغيره (إنما هو الحق خاصة) لكن (من حيث ذاته وعينه لا من حيث أسمائه) إذا أحدث اسما من حيث أنها أسماؤه لا من حيث أنها ذاته وعينه (لأن أسماءه لها مدلولان) تضمنيان. (المدلول الواحد عينه)، أي عين الحق وذاته (وهو)، أي هذا المدلول (عين المسمى والمدلول الآخر ما يدل عليه)، أي صفة تدل تلك الأسماء عليها .
(مما ينفصل الاسم) الواحد (به عن هذا الاسم الآخر ويتميز) به عنه (فأين) الاسم (الغفور من) الاسم (القاهر وأين الظاهر) الاسم الظاهر (من الباطن وأين) الاسم (الأول من) الاسم (الآخر فقد بان لك) أنه (بما هو كل اسم) عين الاسم الأخر يعني بأي شيء كل أسم (عين الاسم الآخر) وهو عين المسمى وذاته .
(وبما هو غير الاسم الأخر)، يعني وبأي شيء كل اسم غير الاسم الآخر وهو الصفة التي بها يتميز كل اسم عن سائر الأسماء .
(فبما هو عينه)، أي فكل اسم اعتبر بوجه (هو)، أي ذلك الاسم بذلك الوجه عينه، أي عين الاسم الآخر هو (الحق) المحقق حقيقة (وبما هو غيره) .
أي بوجه ذلك الاسم غير الاسم الآخر (هو الحق المتخيل) حقيقة (الذي كنا بصدده)، لأن الأسماء والذوات كلها ظلالي للذات الإلهية والظلالات خیالات ولها على أشخاصها دلالات وهي عينها باعتبار الحقيقة وإن كان غيرها باعتبار التعين.

قال الشيخ رضي الله عنه : (غيره من العبيد.  وإذا كان الأمر على ما قررناه فاعلم أنك خيال وجميع ما تدركه مما تقول فيه ليس أنا خيال.
فالوجود كله خيال في خيال، والوجود الحق إنما هو الله خاصة من حيث ذاته و عينه لا من حيث أسماؤه، لأن أسماءه لها مدلولان: المدلول الواحد عينه و هو عين المسمى، و المدلول الآخر ما يدل عليه مما ينفصل الاسم به من هذا الاسم الآخر و يتميز.
فأين الغفور من الظاهر ومن الباطن، وأين الأول من الآخر.؟
فقد بان لك بما هو كل اسم عين الاسم الآخر وبما هو غير الاسم الآخر.
فبما هو عينه هو الحق، وبما هو غيره هو الحق المتخيل الذي كنا بصدده.)
و بصره وسائر قواه (أقرب عنده إلى وجود الحق من نسبة غيره من العبيد) الذين لم يصلوا إلى هذا المقام (وإذا كان الأمر على ما قررناه) من أن نسبة العالم إلى الحق كنسبة الظل إلى الشخص وليس لنظل وجود حقيقي بل وجوده إنما هو بالشخص .
(فاعلم أنك خيال وجميع ما تدركه مما تقول فيه ليس أنا). هكذا في النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه .
وفي بعض النسخ مما يقول فيه سوی (خیال فالوجود كله خيال)، أي الموجودات الممكنة كلها خيال وهو مدركاتك (في خيال) وهو أنت، فإن المدركات مرتسمة لا محالة في المدرك.
(والوجود الحق) الثابت المتحقق في نفسه المثبت المتحقق لغيره (إنما هو الحق خاصة) لكن (من حيث ذاته وعينه لا من حيث أسمائه) إذا أحدث اسما من حيث أنها أسماؤه لا من حيث أنها ذاته وعينه (لأن أسماءه لها مدلولان) تضمنيان. (المدلول الواحد عينه)، أي عين الحق وذاته (وهو)، أي هذا المدلول (عين المسمى والمدلول الآخر ما يدل عليه)، أي صفة تدل تلك الأسماء عليها .
(مما ينفصل الاسم) الواحد (به عن هذا الاسم الآخر ويتميز) به عنه (فأين) الاسم (الغفور من) الاسم (القاهر وأين الظاهر) الاسم الظاهر (من الباطن وأين) الاسم (الأول من) الاسم (الآخر فقد بان لك) أنه (بما هو كل اسم) عين الاسم الأخر يعني بأي شيء كل أسم (عين الاسم الآخر) وهو عين المسمى وذاته .
(وبما هو غير الاسم الأخر)، يعني وبأي شيء كل اسم غير الاسم الآخر وهو الصفة التي بها يتميز كل اسم عن سائر الأسماء .
(فبما هو عينه)، أي فكل اسم اعتبر بوجه (هو)، أي ذلك الاسم بذلك الوجه عينه، أي عين الاسم الآخر هو (الحق) المحقق حقيقة (وبما هو غيره) .
أي بوجه ذلك الاسم غير الاسم الآخر (هو الحق المتخيل) حقيقة (الذي كنا بصدده)، لأن الأسماء والذوات كلها ظلالي للذات الإلهية والظلالات خیالات ولها على أشخاصها دلالات وهي عينها باعتبار الحقيقة وإن كان غيرها باعتبار التعين.

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فسبحان من لم يكن عليه دليل سوى نفسه ولا ثبت كونه إلا بعينه.  فما في الكون إلا ما دلت عليه الأحدية. وما في الخيال إلا ما دلت عليه الكثرة. فمن وقف مع الكثرة كان مع العالم ومع الأسماء الإلهية وأسماء العالم. ومن وقف مع الأحدية كان مع الحق من حيث ذاته الغنية عن العالمين.
وإذا كانت غنية عن العالمين فهو عين غنائها عن نسبة الأسماء لها، لأن الأسماء لها كما تدل عليها تدل على مسميات أخر يحقق ذلك أثرها.)

(فسبحان من لم يكن)، أي لم يوجد (عليه دليل سوى نفسه) بحسب الحقيقة وإن كان من غيره بحسب التعين (ولا ثبت كونه)، أي وجوده (إلا بعينه)، أي بذاته .
(فما في الكون)، أي الوجود الحقيقي لوقوعه مقابلا للخيال (إلا ما دلت عليه الأحدية) وعبر عنه بالاسم الأحد بعني الوجود الحقيقي بحسب نفس الأمر إنما هو الذات الأحدية التي لا كثرة فيها بوجه من الوجوه .
(وما في الخيال إلا ما دلت عليه الكثرة) وعبر عنه بالكثرة والكثير يعني الموجود الخيال الذي لا وجود له إلا في الخيال إنما هو الكثرة النسبية الأسمائية والكثرة الحقيقية التي لمظاهرها.
وكأنه رضي الله عنه أراد بالخيال مدارك أهالى المراتب فإنه لا وجود للكثرة إلا فيها، وإذا قطع النظر عنها لا وجود إلا للذات الأحذية (فمن وقف مع الكثرة) الحقيقية أو النسبية.
فإن كان مع الكثرة الحقيقية (كان) واقفا (مع العالم) المشهود .
وإن كان واقفا مع الكثرة النسبية (و) كان (مع الأسماء الإلهية) المنبتة عن التصرف والتأثير (و) مع (أسماء العالم) المنبتة عن القبول والتأثر (ومن وقف مع الأحدية) الذاتية (كان) واقفا (مع الحق من حيث ذاته الغنية عن العالمين لا من حيث صورته) التي هي الكثرة النسبية الأسمائية والحقيقة المظهرية.

(وإذا كانت) ذاته (غنية عن العالمين فهو)، أي غناه عن العالمين (عين غناها عن نسبة الأسماء إليها)، أي عن الأسماء المنسوبة إليها إلهية كانت أو كونية .
(لأن الأسماء) الكائنة (لها)، أي لتلك الذات الغنية (كما تدل عليها)، أي على الذات كذلك (تدل على مسميات أخر)، أي على معان أخر داخلة في مفهومات تلك الأسماء مغايرة للذات مع مغايرة بعضها البعض حصل التمييز بينهما.
(يحقق ذلك) المذكور من المسميات الأخير (أثرها)، أي أثر

قال الشيخ رضي الله عنه : ( «قل هو الله أحد» من حيث عينه: «الله الصمد» من حيث استنادنا إليه: «لم يلد» من حيث هويته ونحن، «ولم يولد» كذلك، «ولم يكن له كفوا أحد» كذلك.
فهذا نعته فأفرد ذاته بقوله: «الله أحد» وظهرت الكثرة بنعوته المعلومة عندنا.
فنحن نلد ونولد ونحن نستند إليه ونحن أكفاء بعضنا لبعض. وهذا  )
الأسماء التي هو العالم وأحواله أو محقق ذلك، أي كون هذه المسميات مغايرة للذات أثرها، أي أثر الأسماء فإن الذات من حيث هي لا أثر لها .
واختلاف الآثار يدل على مغايرة هذه المسميات، فتحقق هذه المسميات التي لا تحقق للأسماء إلا بها لا يكون إلا بالعالم فغناها عن العالم يستلزم غناها عن الأسماء.
وهذا هو المراد بكون الغنى عن العالم عين الغني عن الأسماء مما يدل على كون ذاته تعالي غنية عنا وعن الأسماء .
قوله تعالی: ("قل هو الله أحد" ) أثبت له الأحدية التي هي الغني عن كل ما عداه وذلك (من حيث عينه) وذاته من غير اعتبار أمر آخر ("الله الصمد " من حيث استنادنا إليه ) في الوجود والكمالات التابعة للوجود .
فإن الصمد من يصمد إليه في الحوائج، أي يقصد فإثبات الصمدية له سبحانه إنما هو باعتبار اعتيادنا إليه.
وأما باعتبار الأحدية ، فهو غني عن هذه الصفة أيضا ("لم يلد" من حيث هويته ونحن)، أي نفي الوالدية عنه سبحانه إنما هو بملاحظة هويته وهوياتنا فإنه لما اتصفت هوياتنا التي هي من مراتب الكونية بالوالدية تنزهت مرتبته الأحدية عنها.
فهذا النفي من حيث هو ونحن، أي باعتبارهما جميعا الوالدية نسبة بين والد ومولود.
فإذا فرضت ههنا إنما تكون بين والد هو هويته وبين مولود هو نحن إنما يكون لملاحظتهما معا .
أو الوالدية والمولودية لا بد أن يكون مثل الوالد ولا مثلية بين هويته الواجبة وهويتنا الممكنة فنفي والديته إنما تكون بملاحظة هويته وهوياتنا معا وعلى هذه الوتيرة المولودية والكفاءة .

فلذلك قال رضي الله عنه : ("ولم يولد" كذلك أيضا)، أي من حيث هويته ونحن "ولم يكن له كفوا أحد" ) كذلك أيضا [الإخلاص: 1- 4]، أي من حيث هويته ونحن.
فهذا المذكور في هذه السورة من الأحدية والصمدية ونفي الوالدية و المولودية والكفاءة مثل الوالدية و المولودية والكفاءة أيضا (نعته) إن جعلنا النعت أعم من صفاته الإلهية والكونية .
(فافرد ذاته) و برهنها عن الكثرة مطلقا (بقوله: "الله أحد" فهذا وظهرت الكثرة بنعونه المعلومة عندنا)، فالمراد بها إما النعوت المفهومة من هذه السورة أو مطلقا على كل من التقديرين.
فالمراد به إما النعوت الإلهية أو الكونية أو الأعم (فنحن نلد) فتتصف بالوالدية (و) نحن (نولد) فنتصف بالمولودية وهو يتصف أيضا فينا بهما فهما من نعوته .
(ونحن نستند إليه)، فهو المستند ولكن فينا وهو المستند إليه باعتبار ذاته (ونحن أكفاء بعضنا لبعض) ، فهو المتصف بالكفاءة لكن فينا

قال الشيخ رضي الله عنه : ( الواحد منزه عن هذه النعوت فهو غني عنها كما هو غني عنا. وما للحق نسب إلا هذه السورة، سورة الإخلاص، وفي ذلك نزلت.
فأحدية الله من حيث الأسماء الإلهية التي تطلبنا أحدية الكثرة، و أحدية الله من حيث الغنى عنا و عن الأسماء أحدية العين، و كلاهما يطلق عليه الاسم الأحد، فاعلم ذلك. فما أوجد الحق الظلال وجعلها ساجدة متفيئة عن اليمين والشمال إلا دلائل لك عليك وعليه لتعرف من أنت وما نسبتك إليه وما نسبته إليك حتى تعلم من أين )
(وهذا الواحد) من حيث أحذينه (منزه عن هذه النعوت) المعلومة عندنا .
(فهو غني)، أي منزه عنها) غير محتاج ليها باعتبار أحذيته وإن كان منصفة بها من حيث ظهوره في المراتب الكونية (كما هو غني عنا) وإذا كان غنيا عن وعنه كان غنية عن الأسماء الإلهية أيضا ، لأنه ما يحوجنا إلى ثبات تلك الأسماء إلا آثارها التي هي الأسماء الكونية والأعيان الخارجية (وما للحق نسب) بالفتح.
أي بيان نسب (إلا هذه السورة سورة الإخلاص)، فإن بيان نسبة تعالى ليس إلا تنزيهه عن النسب حيث قال :" لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" [الإخلاص: 3 ،4]

(وفي ذلك)، أي في بيان نسبه (نزلت) هذه السورة فإن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : انسب لنا ربك، أي بين لنا نسبة فبين نسبه بتنزيهه عن النسب حيث نفى عنه الوالدية والمولودية والكفاءة .
قال رضي الله عنه : (فأحدية الله من حيث الأسماء الإلهية التي تطلبنا) لتكون مجالي لها (احدية الكثرة) النسبية الأسمائية ويسمى مقام الجمع.

(وأحدية) الجمع والواحدية أيضا واحدية (الله من حيث الغناء عنا وعن الأسماء الإلهية ، أحدية العين) ويسمى جمع الجمع أيضا (وكلاهما يطلق عليه)، أي على كل منهما (اسم الأحد) لك إطلاقه على الثانی أكثر .
قال رضي الله عنه : (فاعلم ذلك مما أوجد الحق) سبحانه (الظلال) المحسوسة الممتدة عن الأجسام الشاخصة (و) ما (جعلها ساجدة) متذللة واقعة على وجه الأرض تحت أقدام تلك الأجسام .
قال رضي الله عنه : (متفيئة)، أي راجعة منفصلة إلى الشخص (عن) جهة الشمال في شمال الشخص عند ارتفاع الشمس في جانب الیمین (و) متنيئة (عن) جهة (اليمين) عند ارتفاعها في جانب الشمالي (إلا) لتكون (دلائل لك) يستدل بها (عليك).
أي على أحوالك من افتقارك إليه سبحانه في وجودك والكمالات التابعة لوجودك ويستدل بتفينه يمينا و شمالا لارتفاع نور الشمس شمالا ويمين على أن اختلاف أحوالك إنما هو بحسب تقلب الحق سبحانه في شؤونه (وعليه) سبحانه .

أي على أسمائه وصفاته كفنائه الذاتي وكونه مما يفتقر إليه من حيث أسماؤه وصفاته وإنما جعلها دلائل (لتعرف) بها (من أنت)، فأنت ظل بعينك الثابتة واقع على ظاهر الوجود منصبغ بأحكامها وعينك الثابتة تل لذاته المتلبسة بشؤونه.
(وما نسب إليه) افتقارك إليه بالوجوه المذكورة افتقار الظل إلى الشخص (وما نسبته إليك) غناه عنك بذاته غني الشخص عن الظل وافتقاره إليك في ظهور أسمائه وصفاته أفتقار الشخص إلى الظل في ظهوره في مرتبة أخرى .

قال الشيخ رضي الله عنه : (  أو من أي حقيقة إلهية اتصف ما سوى الله بالفقر الكلي إلى الله، وبالفقر النسبي بافتقار بعضه إلى بعض .
وحتى تعلم من أين أو من أي حقيقة اتصف الحق بالغناء عن الناس والغناء عن العالمين، واتصف العالم بالغناء أي بغناء بعضه عن بعض من وجه ما هو عين ما افتقر إلى بعضه به.
فإن العالم مفتقر إلى الأسباب بلا شك افتقارا ذاتيا.
وأعظم الأسباب له سببية الحق: ولا سببية للحق يفتقر العالم إليها سوى الأسماء الإلهية. والأسماء الإلهية )
(حتى تعلم من أين أو من أي حقيقة إلهية انصف ما سوى الله بالفقر الكلي)، أي بنقره في كل الأمور من الوجود والصفات التابعة له (إلى الله) وهذه الحقيقة علمية ومكانه في نفسه .
(وبالفقر النسبي بافتقار بعضه)، أي بعض ما سوى الله (إلى بعض) آخر بنقض الوجود فإن بعض ما سوی الله قد يكون له مرتبة الشرطية أو الإعداد لوجود بعض أخر والكلمات تابعة لوجوده (وحتى تعلم من أين أو من أي حقيقة اتصف الحق سبحانه بالغني عن الناس والغني عن العالمين).
وهذه الحقيقة على أحذيته الذاتية فإن النسب الأسمائية مفتقرة إلى متعلقاتها (و) من أي حقيقة (اتصاف العالم بالغنى، أي بغني بعضه)، أي بعض العالم (عن بعض) آخر
(من وجه ما هو)، أي ليس هذا الوجه (عين ما افتقر) البعض الأول (إلى بعضه) الآخر (به)، أي بذلك الوجه كالماء مثلا فإنه غني في تبرده عن الشمس مفتقر إليها في حرارته ، فجهة الغني هو التبرد الطبيعي وجهة الافتقار هي الحرارة الغريبة وجعل ما ! الأولى موصولة لا نافية بناء على ما مر في الفصل الثاني من قوله : وهو عالم من حيث هو جاهل خلاف الظاهر .

ولما ذكر أن ما سوى الله وهو العالم مفتقر إلى الله بالفقر الكلى ومفتقر بعضه إلى بعض بالفقر السببي.
فبينه بقوله : (فإن العالم) كلا و جزءا (مفتقر إلى الأسباب) في وجوده وبقائه (بلا شك افتقارا ذاتيا)، لإمكانه في نفسه (وأعظم الأسباب له)، أي العالم (سببية الحق) فإن المؤثر الحقيقي في الوجود إنما هو الحق سبحانه وسائر الأسباب مظاهر سببية لا تأثير له في الحقيقة.
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الجزء الثالث .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 9:36 am

09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الجزء الثالث .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص اليوسيفي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية   الجزء الثالث

ولهذا سمي تسبب الاسباب (ولا سببية للحق يفتقر العالم إليها سوی) سببية (الأسماء الإلهية) ذلا نسبة بين الذات الأحذية ، وبين العالم بوجه من الوجوه لا بالسببية ولا بغيرها .
ولما ذكر أن ما سوى الله وهو العالم مفتقر إلى الله بالفقر الكلى ومفتقر بعضه إلى بعض بالفقر السببي.
فبينه بقوله : (فإن العالم) كلا و جزءا (مفتقر إلى الأسباب) في وجوده وبقائه (بلا شك افتقارا ذاتيا)، لإمكانه في نفسه (وأعظم الأسباب له)، أي العالم (سببية الحق) فإن المؤثر الحقيقي في الوجود إنما هو الحق سبحانه وسائر الأسباب مظاهر سببية لا تأثير له في الحقيقة.

ولهذا سمي تسبب الاسباب (ولا سببية للحق يفتقر العالم إليها سوی) سببية (الأسماء الإلهية) ذلا نسبة بين الذات الأحذية ، وبين العالم بوجه من الوجوه لا بالسببية ولا بغيرها.
قال الشيخ رضي الله عنه : (  والأسماء الإلهية كل اسم يفتقر العالم إليه من عالم مثله أو عين الحق.
فهو الله لا غيره ولذلك قال: «يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد». ومعلوم أن لنا افتقارا من بعضنا لبعضنا.
فأسماؤنا أسماء الله تعالى إذ إليه الافتقار بلا شك، وأعياننا في نفس الأمر ظله لا غيره. فهو هويتنا لا هويتنا، و قد مهدنا لك السبيل فانظر. )

(والأسماء الإلهية كل اسم يفتقر العالم)، أي عالم من العوالم ك" أو جزءا (إليه من عالم مثله) في كونه عالم (أو) من (عین الحق) وذاته ولكن باعتبار نلبسه بشأن من شؤونه فقوله : من عالم مثله أو عین الحق بيان لكل اسم .
(فهو)، أي كل اسم يفتقر إليه العالم هو الله ، لأنه من الأسماء الإلهية و الاسم عين المسمى من حيث الحقيقة لا غيره وإن كان غيره من حيث التعين.
ولذلك أي تكون كل اسم مفتقرة إليه هو (الله لا غيره ولذلك قال تعالى: وبها ألامر أن الفقراء إلى الله) حيث تم يجعل المفتقر إليه في الذكر إلا الله خامة فلو كان بعض المفتقر إليهم غير الله لا وجه لتخصيصه بالذكر ( "والله هو الغني") في ذاته (" الحميد") [فاطر : 15] بصفاته التي يعاني بها مقاصد المفتقرين إليه.
(ومعلوم أن لنا افتقارأ من بعضنا لبعضنا)، أي إلى بعض (فأسماؤنا أسماؤه إذ إليه الافتقار) فحسب بمقتضى الآية (بلا شك) فلو كنا غيره لم يكن المفتقر إليه هو الله فقط .

ولما لم يظهر من هذا الكلام إلا كوننا عین الله من حيث كوننا يفتقر إلينا بعض أراد أن بثبت العينية مطلقا.
فقال رضي الله عنه : (وأعياننا) سواء كانت خارجية أو ثابتة (في نفس الأمر ظله لا غير).
أما أعياننا الثابنة فلأنها لا للذات الإلهية المتلبسة بشؤونها، وأما أعياننا الخارجية فلأنها ظل لأعياننا الثابتة وظل الغفل ظل بالواسطة، والظل عين ظل ذي الظل، فإنه من مراتب نزلاته.
(فهو)، أي ألله هويتنا من حيث الحقيقة لا (هويتنا) من حيث التعين .
وقد مهدنا لك السبيل في معرفة كون الله عين كل شيء إجمالا فانظر في تفاصيل ما ورد علينا لتشاهده في كل شيء على سبيل التفصيل .

تم الفص اليوسيفي
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالثلاثاء أغسطس 20, 2019 3:48 pm

10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الهودي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفص الهودي
10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية  الجزء الأول
قال الشيخ رضي الله عنه : ( إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم
في كبير وصغير عينه ... وجهول بأمور وعليم
ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم
«ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم. ) 
لما انجر كلامه رضي الله عنه في آخر الحكمة اليوسفية إلى الأحدية الذاتية والأحدية الأسمائية أردفها بالحكمة الهودية الموصوفة بالأحدية المعنية لدعوته قومه إليها استيفاء للأقسام .
(إن الله) أحدية جمع جميع الأسماء (الصراط المستقيم)، أي الجامع لجميع الطرق الواقعة لكل اسم اسم (ظاهر)، أي صراط الله أو كون الله على الصراط المستقيم ظاهر مكشوف لبعض الخلائق كما يدل عليه السلام.
(غير خفي في العموم)، أي ليس خفيا في عموم الخلائق بحيث لا يظهر على أحد بل هو ظاهر على بعضهم.
فقوله في العموم قيد للخفاء المنفى لا لظهور ولا لنفي الخفاء، ويجوز أن يكون قيدا لهما ويكون المعنى على أن صراط الله ظاهر متحقق غير خفي بعدم التحقيق في عموم الأسماء.
 لأن طرق الأسماء من جزئیات صراط الله أو في عموم الخلاننى لا أنهم على طرق الأسماء التي من جزئياته (في كبير وصغير عينه)، أي عينه الغيبية وهويته الذاتية سارية في كل كبير وصغير صورة أو مرتبة .
(و) في كل (جهول بأمور) لعذره قابلية العلم بها (و) في كل (عليم) بتلك الأمور ولوجدانه القابلية (ولهذا)، أي لسريانه سبحانه في كل شيء (وسعت رحمته التي هي الوجود الذي هو عينه (كل شيء من حقير وعظيم) صورة أو مرتبة ( من دابة) تدب وتتحرك لشعورها و إراداتها إلى غاية ما .
("إلا هو ")، أي الحق سبحانه بهويته الغيبية السارية في الكل (" آخذ بناصيتها") بمشي بها إلى غايتها (" إن ربي") ، أي الذي يربيني ويمشي بي ("على صراط مستقيم") (هود: 56].
بوصل من يمشي علية ومن يمشي به الماشي عليه إلى غايته المطلوبة (فكل ماش) يمشي (على صراط ما فعلی صراط الرب المستقيم) الذي يمشي به ربه عليه وإذا كان على الصراط المستقيم الذي ربه عليه السلام
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.
وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.)
(فهو غير مغضوب عليه) لربه، لأن أحدا لا يغضب على من يعمل بمقتضى علمه وإرادته ولكن عدم مغضوبیته إنما تكون (من هذا الوجه)، أي من حيث الرب الذي يمشي به على الصراط المستقيم.
وأما من حيث العبد الذي يخالف ربه ويدعوه إلى صراط مستقیم بالنسبة إليه، فهو مغضوب عليه .
(وكذلك ما هو ضال) من هذا الوجه وإن كان من وجه أخر ضالا كما عرفته في الغضب.
(وكما كان الضلال عارضا)، لأن كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه وينصرانه (كذلك الغضب الإلهي) المسبب عن الضلال أيضا (عارض والمآل) بعد زوال الغضب العارض (إلى رحمة الله التي وسعت كل شي).
(وهي)، أي الرحمة هي السابقة على الغضب كما قال سبحانه : "سبقت رحمتي غضبي" .رواه البخاري ومسلم
ولما كان المتبادر من الدابة في فهم أهل الظاهر الحيوانات فقط، وذلك خلاف ما کوشف به العارفون.
قال : (وكل ما سوى الحق) حيوانا كان أو جماد أو نبات (فهو دابة فإنه) بحكم "وإن من شئ لا يسبح بحمده  ولكن لا تفقهون تسبيحهم " [الإسراء: 44].
فكل (ذو روح) يدب علي صراط يوصله إلى غاية ما .
(وما ثمة)، أي فيما سوى الله الحق (من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره) الذي هو ربه (فهو يدب بحكم التبعية للذي)، أي لربه الذي (هو) يمشي
(على الصراط المستقيم) وإنما قلنا إنه يمشي على الصراط (فإنه)، أي الصراط (لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه).
وقد أثبت الحق سبحانه الصراط لنفسه حيث قال على لسان داود عليه السلام :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
إذا دان لك الخلق ... فقد دان لك الحق
و إن دان لك الحق ... فقد لا يتبع الخلق
فحقق قولنا فيه ... فقولي كله الحق
فما في الكون موجود ... تراه ما له نطق
وما خلق تراه العين ... إلا عينه حق
ولكن مودع فيه ... لهذا صوره حق
اعلم أن العلوم الإلهية الذوقية الحاصلة لأهل الله مختلفة باختلاف القوى )
"إن ربي على صرط مستقيم" فينبغي أن يكون ماشيا عليه (إذا دان)، أي أطاع ومشى على طريق الانقياد.
قال رضي الله عنه :  (لك الخلق) الذي أخذ بناصية الخلق ومشى بهم على ذلك الصراط، لأن من يأخذ بناصية أحد ويمشي به عنی صراط لا بد أن يمشي عليه فهو يدب بالأصالة .
و من يمشي به يدب بالتبعية .
قال رضي الله عنه :  (فقد، دان)، أي أطاع ومشى على طريق الانقياد (لك الحق وإن دان لك الحق فقد لا يتبع الخلق) ولا يمشي على صراط الانقياد لك.
لأن كل ما يكون في مرتبة الجمع ليس يلزم أن يظهر في مقام الفرق بخلاف العكس، فإن كل ما يكون في منام الفرق لا بد أن يكون في مرتبة الجمع .
(فحقق)، أي أعتقد حقا وصدق (قولنا) الواقع (فيه)، أي فيما ذكرنا من أن انقیاد الخلق يستلزم انقياد الحق من غير عکس .
قال رضي الله عنه :  (فقولي كله) في أي شيء وقع هو (الحق) المطابق لما في نفس الأمر فإنه كما ذكر في صدر الكتاب من مقام التقديس المنزه عن الأعراض والتلبيس.
(فما في الكون موجود... تراه ما له نطق)، لأن الكل ناطق بتسبيح الله سبحانه وليس هذا النطق بلسان الحال كما يزعمه المحجوبون.
قال الشيخ رضي الله عنه في آخر الباب الثاني من فتوحاته : قد ورد أن المؤذن يشهد له مدى صوته من رطب ويابس والشرائع والنبوات مشحونة من هذا القبيل ونحن زدنا مع الإيمان بالأخبار الكشف، فقد سمعنا الأحجار تذكر الله رؤية عين بلسان نطق يسمعه آذاننا ويخاطبنا مخاطبة العارفین بجلال الله مما لیس يدرکه كل إنسان .
قال رضي الله عنه :  (وما خلق تراه العين... إلا عينه) وحقيقته (حق) ظهر في صورة الخلق فهو من حيث الحقيقة عين الحق ومن حيث الصورة غيره.
وإلى الحيثية الأخيرة أشار بقوله: (ولكن مودع فيه). أي الحق مودع في الخلق أيداع المطلق في المقيد .
(لهذا)، أي للحق (صورة)، أي صورة الخلق (حق) بضم الحاء جمع حقة .
وكذلك الصور جمع صورة ، كلاهما كتمر وتمرة ، شبه صورة الخلق بالحقة والحق المودع فيه بما فيها.
قال رضي الله عنه :  (اعلم أن العلوم الإلهية)، أي الفائضة من الحضرة الإلهية سواء كان متعلقها الحق، أو الخلق، أو المتعلقة بذات الله وصفاته وأفعاله (الذوقية)، أي الكشفية الوجدانية لا الكسبية البرهانية .
(الحاصلة لأهل الله) بالتعرية الكاملة وتفريغ القلب بالكلية عن جميع التعلقات الكونية والقوانين العلمية مع توحد العزيمة ودوام الجمعية والمواظبة على هذه الطريقة دون فترة ولا تنسم خاطر ولا تشتت عزيمة .
قال رضي الله عنه :  (مختلفة باختلاف القوی الحاصلة) تلك العلوم
قال الشيخ رضي الله عنه : ( الحاصلة منها مع كونها ترجع إلى عين واحدة.
فإن الله تعالى يقول : «كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يسعى بها.
فذكر أن هويته هي عين الجوارح التي هي عين العبد. فالهوية واحدة والجوارح مختلفة.
ولكل جارحة علم من علوم الأذواق يخصها من عين واحدة تختلف باختلاف الجوارح، كالماء حقيقة واحدة مختلف في الطعم باختلاف البقاع، فمنه عذب فرات ومنه )
 (منها)، فإن لكل منها علما يخصه سواء كانت روحانية أو جسمانية ألا ترى أن ما يحصل بالبصر لا يحصل بالسمع و بالعكس، وما يحصل بالقوى الروحانية لا يحصل بالقوي الجسمانية وبالعكس.
 ويجوز أن يكون ضمير منها راجعا إلى العلوم كما هو الظاهر ويكون من الأجل، أي القوى الحاصلة من أجل تلك العلوم ليكون وسيلة إلى تحصيلها .
وإذا كان راجع إلى القوی کما في الوجه الأول في حق التركيب الحاصلة منها كما لا يخفى وجهه (مع كونها)، أي مع كون هذه القوى (ترجع إلى عين واحدة) هي الذات الأحذية فإنها التي أظهرت صور تلك القوى (فإن الله تعالى يقول: كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يسعى بها فذكر أن هويته هي عين الجوارح) والقوى المنطبعة فيها .
(التي هي عين العبد فالهوية واحدة والجوارح) مع القوى المنطبعة فيها (مختلفة) راجعة إلى تلك النوبة الواحدة فالكل يرجع إلى عين واحدة (ولكل جارحة) وقوة (علم من علوم الأذواق بخصها) ذلك العلم لا يحصل من غيرها كإدراك المبصرات للبصر والمسموعات للسمع .
ولذلك قيل : من فقد حسا فقد فقد علم، وتلك العلوم كلها حاصلة (من عين واحدة) هي الذات الأحدية (تختلف بالجوارح) التي هي مظاهر لها ويمكن أن يراد بالعين الواحدة الحقيقة العلمية.
فإنها حقيقة واحدة مختلفة باختلاف القوى والجوارح، وهذه العين الواحدة سواء كانت الذات الأحدية أو الحقيقة العلمية (كالماء) .
فإنها (حقيقة واحدة تختلف في الطعم) کالعذوبة والملوحة (باختلاف البقاع فمنه عذب فرات) يروي شاربه ويزيل العطش (ومنه


قال الشيخ رضي الله عنه : ( ملح أجاج، وهو ماء في جميع الأحوال لا يتغير عن حقيقته وإن اختلفت طعومه.
وهذه الحكمة من علم الأرجل وهو قوله تعالى في الأكل لمن أقام كتبه: «ومن تحت أرجلهم». فإن الطريق الذي هو الصراط هو للسلوك عليه والمشي فيه، والسعي لا يكون إلا بالأرجل. )
 
ملح أجاج) لا يروي شاربه بل يزيد عطشه (وهو ماء في جميع الأحوال لا بتغير عن حقيقته وإن اختلفت طعومه) باختلاف البقاع.
كذلك الذات الأحدية حقيقة واحدة تختلف بتجلياتها اختلاف المظاهر، وكذلك الحقيقة العلمية حقيقة واحدة تختلف أحوالها باختلاف القوى والجوارح الحاصلة هي منها .
وهذه الحكمة التي هي شهود أحدية من هو آخذ بناصية كل دابة (من علم الأرجل)، أي يحصل بالسلوك (وهو)، أي علم الأرجل ما يشير إليه (قوله تعالى في الأكل) الذي أثبته (لمن أقام كتبه) حيث قال : "وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ "[المائدة: 66].
وهذه الإمامة إنما تتحقق بالقيام بحقها بتدبير معانيها وفهمها وكشف حقائقها ودرکها والعمل بمقتضاها وتوفية حقوق ظاهرها وباطنها ومطلقها.
فلو أقاموها كذلك "لأكلوا من فوقهم" ، أي تغذوا بالعلوم الإلهية الفائضة على أرواحهم من جانب الحق سبحانه سواء كانت متعلقة بكيفية العمل أو لا بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم أو بالهام قبل العمل ("ومن تحت أرجلهم") ، أي بالعلوم الحاصلة لهم بحسب سلوكهم.
قال صلى الله عليه وسلم : "من عمل بما يعلم أورثه الله علم ما لم يعلم" أورده السيوطي فى الدر المنثور وابن كثير فى التفسير .
"وورد الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عمل بما يعلم ورثه الله ما لم يعلم»  فى حلية الأولياء لأبي نعيم "
فالأكل من فوقهم هو التغذي بالعلم المتقدم على العمل والأكل من تحت أرجلهم هو التغذي بالعلوم التي أورثها العمل .
فإن قلت : إذا كان الأكل من فوقهم التغذي بالعلم المتقدم على العمل فكيف يترتب على إقامة الكتب الإلهية فإن هذه الإقامة في العمل بمقتضاها.
قلنا: لا نسلم أولا أن إقامتها في العمل بمقتضاها بل هي أعم من أن تكون تدبر معانيها وكشف حقائقها أو العمل بمقتضاهما سلمنا لكن ترتبها إنما هو باعتبار اجتماعها مع العلوم المترتبة على العمل.
وإنما قلنا هذه الحكمة من علم الأرجل (فإن الطريق الذي هو الصراط هو للسلوك عليه والمشي فيه)، أي في ذلك الطريق.
(والسعي) أيضا إذا كان ذلك الطريق صوريا (لا يكون إلا بالأرجل) فشبهنا السلوك بالصوري المعنوي .

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلا ينتج هذا الشهود في أخذ النواصي بيد من هو على صراط مستقيم إلا هذا الفن الخاص من علوم الأذواق.
«فيسوق المجرمين» وهم الذين استحقوا المقام الذي ساقهم إليه بريح الدبور التي أهلكهم عن نفوسهم بها، فهو يأخذ بنواصيهم والريح تسوقهم- وهو عين الأهواء التي كانوا عليها- إلى جهنم، وهي البعد الذي كانوا يتوهمونه.
فلما ساقهم إلى ذلك الموطن حصلوا في عين القرب فزال البعد فزال مسمى جهنم في حقهم، ففازوا بنعيم القرب من جهة  )
وأثبتنا الأرجل للسالك المعنوي كالسالك الصوري فسمينا العلم الحاصل من سلو که المعنوي علم الأرجل على سبيل الشبه (فلا ينتج هذا الشهود)، أي شهود الأحدية (في أخذ النواصي).
أي في كون النواصي مأخوذة (بيد من هو على صراط مستقیم) یعنی لا ينتج في ذلك إلا الأخذ بشهود وحدة الأحد.
(إلا هذا الفن الخاص) ، بعني علم الأرجل الذي هو (من علوم الأذواق)، فإن العلم الحاصل بالسلوك يفضي إلى شهود وحدة أخذ نواصي الخلائق والتصرف فيهم فقوله : هذا الشهود منصوب على المفعولية ، و هذا الفن مرفوع على الفاعلية ، وفي أخذ النواصي متعلق بلا ينتج .
ولما ذكر أن الأخذ بالنواصي كلها والعائد لأصحابها إنما هو الحق سبحانه أراد أن ينبه على أنه كما لا قائد بهم يأخذ بنواصيهم إلا هو كذلك لا سابق لهم إلا هو فهو القائد والسائق فذكر قوله تعالی : (فيسوق المجرمين وهم)، أى المجرمون هم : (الذين استحقوا المقام الذي ساقهم) الله تعالى (إليه).
أي إلى ذلك المقام (بريح الدبور التي أهلكهم) الحق سبحانه (عن نفوسهم بها)، أي تلك الريح (فهو يأخذ بنواصيهم والريح تسوقهم)، أي هو سبحانه يسوقهم بالریح فأسند الفعل إلى السبب ..
(وهي)، أي الريح (عين الأهواء التي كانوا عليها) ظهرت بصورة ريح الدبور لأنها انتشت من الجهة الخفية التي لها الأدبار (إلى جهنم وهي)، أي جهنم همي (البعد الذي كانوا يتوهمونه) فإنه لا بعد في الحقيقة إذ المقامات والمواطن كلها مراتب ظهوره سبحانه فلا بعد إلا على سبيل التوهم
(فلما ساقهم) الله سبحانه بريح الدبور التي كانت صورة أهوائهم (إلى ذلك الموطن)، يعني جهنم وأخذ منهم الاسم المنتقم حقه على مر السنين والأجناب وخلصوا عن أنفسهم وعرفوا أن لا ملجأ ولا منجا إلا الله سبحانه .
(حصلوا في عين القرب) وانكشف لهم أن البعد المسمى بجهنم ما كان إلا أمرا متوهما (فزال البعد فزال مسمي جهنم) الذي هو البعد المتوهم (في حقهم) لا ذاته التي هي ذلك الموطن (فازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق) يعني استحقاتهم المقام الذي ساقهم إليه وهو جهنم.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( الاستحقاق لأنهم مجرمون.
فما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة، وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها، وكانوا في السعي في أعمالهم على صراط الرب المستقيم لأن نواصيهم كانت بيد من له هذه الصفة.
فما مشوا بنفوسهم وإنما مشوا بحكم الجبر إلى أن وصلوا إلى عين القرب.
«ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون»: وإنما هو يبصر فإنه مكشوف الغطاء «فبصره حديد». وما خص ميتا من ميت أي ما خص سعيدا في القرب من شقي.
«ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» وما خص إنسانا من إنسان. فالقرب الإلهي من العبد لا خفاء به في الإخبار الإلهي.
فلا قرب أقرب من أن تكون هويته عين أعضاء العبد وقواه، وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى )
 (لأنهم مجرمون فما أعطاهم) الحق سبحانه (هذا المقام الذوقي اللذيذ) آخرا (من جهة المنة) من غیر عمل منهم (وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم)، أي أعيانهم الثابتة بعد اتصافهم بالوجود (من أعمالهم) بيان لما (التي كانوا عليها) مدة حياتهم. 
(وكانوا في السعي بعد أعمالهم على صراط الرب المستقيم لأن نواصيهم بيد من له هذه الصفة) يعني الاستقامة على الصراط (فما مشوا) إلى موطن جهنم (بنفوسهم وإنما مشوا بحكم الجبر) والقسر فإن ربهم الذي هو آخذ بنواصيهم جبرهم على ذلك المشي (إلى أن وصلوا إلى عين القرب) بزوال توهم البعد.
ولما أثبت القرب للمجرمين المبعدين استشهد عليه بقوله تعالى : ("ونحن أقرب إليه")، أي إلى المتوفي ("منكم ولكن لا تبصرون" وإنما هو)، أي المتوفي (يبصر فإنه مکشوف الغطاء فبصره حدید) غیر کليل ، فيبصر من هو أقرب الأشياء إليه .
(فما خص) في نسبة القرب إليه تعالى: (ميتا عن ميت، أي ما خص سعيدا في القرب) مميزة إياه (من شقي) بل شمل ذلك القرب الكل كما قال سبحانه في موضع آخر من غير تخصيص وهو قوله تعالى : (" ونحن أقرب به من حبل الوريد " فما خص إنسانا) بالقرب مميزا إياه (من إنسان) آخر في ذلك القرب.
(فالقرب الإلهي من العبد) سعيدا كان أو شقيا (لا خفاء به في الأخبار الإلهي فلا قرب أقرب من أن تكون هويته) تعالى (عين أعضاء العبد وقواه وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى فهو)، أي العبد
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو حق مشهود في خلق متوهم.
فالخلق معقول والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود.
وما عدا هذين الصنفين فالحق عندهم معقول والخلق مشهود. فهم بمنزلة الماء الملح الأجاج، والطائفة الأولى بمنزلة الماء العذب الفرات السائغ لشاربه.
فالناس على قسمين: من الناس من يمشي على طريق يعرفها ويعرف غايتها، فهي في حقه صراط مستقيم.
ومن الناس من يمشي على طريق يجهلها ولا يعرف غايتها وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر.
فالعارف يدعو إلى الله على بصيرة، وغير العارف يدعو إلى الله على التقليد والجهالة.
فهذا علم خاص يأتي من أسفل سافلين، لأن الأرجل هي السفل من الشخص،)  
(حق مشهود في خلق متوهم)، وهو الظل المتخيل الذي سبق (فالخلق معقول) لا يدرك إلا بالعقل و الخيال بل لا وجود له إلا فيهما .
(والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود)، أي الوجودان (وما عدا هذين الصنفين)، يعني أهل الكشف والوجود والمؤمنين لهم فهم على عكس ذلك (فالحق عندهم معقول والخلق مشهود) وأراد بما عداهما المحجوبين كالحكماء والمتکلمین و الفقهاء وعامة الخلائق .
(فهم)، أي علمهم (بمنزلة الماء الملح الأجاج) لا يروي شاربه (و الطائفة الأولى) الذين هم أهل الكشف والوجود والمؤمنون لهم علمهم (بمنزلة الماء العذب الفرات السانغ لشاربه)، والنافع لصاحبه.
(فالناس على قسمين) من الناس (من يمشي على طريق يعرفها)، أنها هي الحق (ويعرف غايتها) أنها ألحق أيضا (فهي في حقه صراط مستقیم ومن الناس من يمشي على طريق يجهلها)، إنها الحق (ولا يعرف غايتها)، إنها الحق (وهي عين الطريق التي عرفها النصف الآخر) في كون كل منهما حق منتهية إلى الحق لا فرق بينهما إلا بمعرفة السالكين عليها وجهالتهم .
(فالعارف يدعو إلى الله على بصيرة) يعرف بها أنه سبحانه هو الداعي والمدعو والطريق ويعرف أيضا أنه غير منقود في البداية فهو يعرف أنه يدعو اسما على اسم إلى اسم.
(وغير العارف يدعو إلى الله على التقليد والجهالة)، فلا يعلم وحده هذه الأشياء وكونها عين الحق ويظن أنه مفقود في البداية ، والطريق موجود في النهاية (فهذا)، أي علم الكشف والوجوه (علم خاص يأتي)، أي يحصل (من أسفل سافلين
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وأسفل منها ما تحتها وليس إلا الطريق. فمن عرف أن الحق عين الطريق عرف الأمر على ما هو عليه، فإن فيه جل وعلا تسلك وتسافر إذ لا معلوم إلا هو، وهو عين الوجود والسالك والمسافر.
فلا عالم إلا هو فمن أنت؟
فاعرف حقيقتك وطريقتك، فقد بان لك الأمر على لسان الترجمان إن فهمت.
وهو لسان حق فلا يفهمه إلا من فهمه حق، فإن للحق نسبا كثيرة و وجوها مختلفة.
ألا ترى عادا قوم هود كيف «قالوا هذا عارض ممطرنا» فظنوا خيرا بالله تعالى وهو عند ظن)
لأن الأرجل هي أسفل من) أعضاء (الشخص وأسفل منها)، أي من الأرجل (ما تحتها وليس) ما تحتها (إلا الطريق) الذي يسلكه السالكون بالأرجل ويحصل لهم العلم بسلوکه بها فما يأتي عليهم إلا من أسفل سافلين.
(فمن عرف الحق عين الطريق عرف الأمر على ما هو عليه فإن فيه)، أي في الحق (جل وعلا يسلك ويسافر) من عرف الحق فإن سفره ليس إلا في المعلومات التي هي الآثار ثم الأفعال ثم الأسماء والصفات وينتهي آخرة إلى الذات فلا يكون سفره إلا فيه تعالی .
(إذ لا معلوم) من تلك المعلومات (إلا هو)، لأنها مراتب ظهوره وهو الظاهر فيها (وهو عين السالك والمسافر) في تلك المعلومات العالم بها درجة درجة (فلا عالم إلا هو) كما لا معلوم إلا هو.
(فمن أنت فاعرف حقيقتك)، أي ماهيتك الموجودة (وطريقتك) التي بسلوكها تصل إلى كمالك فكل واحد منها هي الحتى لا غير (فقد بان لك الأمر) على ما هو عليه (على لسان الترجمان) الذي يترجم عن حقيقة الأمر (إن فهمت) ما ذكره لك، وذلك الترجمان نبينا صلى الله عليه وسلم حيث أني بحديث النوافل وهود عليه السلام حيث قال:"ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها" [هود: 56].
أو الشيخ رضي الله عنه حيث كشف هذه حقائق (فهو)، أي لسان الترجمان (لسان حق)، أي لسان هو حق كما ورد في الحديث القدسي:" كنت سمعه وبصره ويده ولسانه ".
(فلا يفهمه إلا من فهمه) على لفظ المصدر (حق) کسمعه وبصره وجميع قواه وجوارحه (فإن للحق نسبا كثيرة ووجوها مختلفة)، فهو بحسب بعض هذه النسب والوجوه لسان يترجم به عما يريده بحسب بعضها فهم، أي قوة فاهمة يدرك بها ما يترجم اللسان عنه .
ثم استشهد رضي الله عنه على كثرة نسبه واختلاف وجوهه بقوله : (ألا ترى عادا)  فوم هود
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ظن عبده به.
فأضرب لهم الحق عن هذا القول فأخبرهم بما هو أتم وأعلى في القرب، فإنه إذا أمطرهم فذلك حظ الأرض وسقى الحبة فما يصلون إلى نتيجة ذلك المطر إلا عن بعد فقال لهم: «بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم»: فجعل الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة فإن بهذه الريح أراحهم من هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة و السدف المدلهمة، 
 و في هذه الريح عذاب أي أمر يستعذبونه إذا ذاقوه، إلا أنه يوجعهم لفرقة المألوف . فباشرهم العذاب فكان الأمر إليهم أقرب مما تخيلوه فدمرت كل شيء بأمر ربها، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم» وهي )
قال رضي الله عنه :   (كيف "قالوا هذا عارض ممطرنا" فظنوا خيرة بالله وهو) سبحانه (عند ظن عبده به فاضرب لهم الحق عن هذا القول) بقوله : "بل هو ما استعجلتم به " (فأخبرهم بما هو أتم وأعلا في القرب فإنه إذا أمطرهم فذلك حظ الأرض وسقي الحبة) الملقاة فيها فلا بد أن يمضي عليها زمان طويل و مدة مديدة حتى تحصل نتيجة.
ويحصل منها الغذاء الجسماني الذي هو من حظوظ أنفسهم (فلا يصلون إلى نتيجة ذلك المطر) هكذا في النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه . 
وفي بعض النسخ: ذلك الظن أي ظن أنه عارض ممطر (إلا عن بعد فقال) سبحانه (لهم) مضربا عما قالوه ( "بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم" ) [الأحقاف : 24 ] فتجلى في خيالهم أولا بصورة العارض الممطر وفي جهنم ثانية بصورة "ريح فيها عذاب أليم" .
فظهر من ذلك كثرة نسبه و اختلاف وجوهه (فجعل) الحق سبحانه (الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة لهم) آخرا، بحسب روحانيتهم (فإن بهذه الريح أراحهم من هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة)، أي الصعبة (و السدف)، أي الحجب (المدلهمة)، أي المظلمة .
قال رضي الله عنه :  (وفي هذه الريح عذاب، أي أمر يستعذبونه) بحسب روحانيتهم (إذا ذاقوه إلا أنه يوجعهم في الحس الفرقة المألوفات فباشرهم العذاب) وأهلكهم . 
قال رضي الله عنه :  (فکان) في هذه الريح (الأمر)، أي الخير الذي توقعوه إليهم (أقرب مما تخیلوه)، أي الخير الذي تخيلوه في العارض الممطر .
قال رضي الله عنه :  (فدمرت)، أي أهلكت الريح ("كل شيء بأمر ربها") الذي هو بعض من الأسماء الجلالية كالقهار والمنتقم وأمثال ذلك ( "فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم " وهي)، 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( جثتهم التي عمرتها أرواحهم الحقية.
فزالت حقية هذه النسبة الخاصة وبقيت على هياكلهم الحياة الخاصة بهم من الحق التي تنطق بها الجلود والأيدي والأرجل وعذبات الأسواط والأفخاذ.
وقد ورد النص الإلهي بهذا كله، إلا أنه تعالى وصف نفسه بالغيرة، ومن غيرته «حرم الفواحش» ) 
أي مساكنهم (جثثهم التي عمرتها أرواحهم الحقية) التي بواسطتها يرث الحق سبحانه أبدانهم.
أو التي هي مظاهر الاسم الحق الذي له الثبات والدوام فإن الأرواح لا يتطرق إليها فساد وهلاك بخلاف الأبدان وعمارة الأرواح الأبدان كتعمير الملائكة السماوات كما هو مذكور في الحديث وتعمير الصالحين المساجد وتعمير المنهجدين الليل .
وما قيل في قوله : عمرتها أرواحهم إشارة إلى أن الأرواح هي التي تعمر الأبدان وتكونها أولا في رحم الأم ثم تدبرها في الخارج، فهي موجودة قبل وجود الأبدان لا تصح إلا في الأرواح الكلية التي هي للكمل.
وأما الأرواح الجزئية التي لسائر الناس فلا يوجد إلا بعد حصول المزاج وتسوية البدن كما ذهب إليه الحكماء في الأرواح كلها، صرح بذلك الشيخ صدر الدین القونوي قدس الله سره في بعض رسائله (فزالت حقيقة هذه النسبة الخاصة)، أي ربوبيتها فيكون المراد بالنسب الخاصة أرواحهم التي خص كل واحد منها بدن آخر والتعبير عنها بالنسب.
إما بناء على أنها حاصلة من نسبة الروح الكلي إلى الأبدان أو على أن لها نسبة التدبير والتصرف إلى أبدانهم، فعبر عنها بالنسبة توسعة وتجوزوا.
ويمكن أن يراد بالنسبة : تعلقاتها بالأبدان في التدبير والتصرف، وبحقيتها : ثبوتها وبقاؤها قال رضي الله عنه :  (فبقيت على هياكلهم) بعد زوال الحياة (الحياة الخاصة بهم، أي بهياكلهم الناشئة (من) تجني (الحق سبحانه عليهم بالاسم الحي الساري في الكل فإن لأبدان الحيوانات نوعين من الحياة.
أحدهما : الحياة الحاصلة لها بواسطة تعلق الأرواح بها،
وثانيهما : الحياة اللازمة لها لسريان الوجود الحق لجميع صفاته كالحياة والعلم، وغيرهما في كل موجود .
فإذا انقطعت علاقة الأزواج من الأبدان زالت الحياة الأولى وبقيت الثانية الخاصة بها، أي الحاصلة لها من غیر توسط أمر مغاير لها.
وهذه الحياة الخاصة في (التي تنطق بها الجلود والأيدي والأرجل)، كما وقع في الكلام الإلهي قال رضي الله عنه :  (وعذبات الأسواط والأفخاذ) كما ورد في الحديث النبوي. 
قال رضي الله عنه :  (وقد ورد النص الإلهي) إما من مقام الجمع الإلهي، أو الفرق النبوي كما ذكرنا بهذا الذي ذكرناه (كله إلا أنه مالی وصف نفسه) على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم  (بالغيرة) حيث

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالثلاثاء أغسطس 20, 2019 3:49 pm

10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الهودي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية  الجزء الثاني
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وليس الفحش إلا ما ظهر. وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر له.
فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير.
فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق:
فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.
واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم )
قال صلى الله عليه وسلم : "إن سعدا لغيور وأنا أغير من سعد والله أغير منا" (ومن غيرته حرم الفواحش) ما ظهر منها وما بطن .
قال رضي الله عنه :  (وليس الفحش)، أي الفاحش (إلا ما ظهر)، أي ليس فحش الفاحش وشناعته إلا باعتبار ظهوره.
ولما كان هذا الحكم بحسب الظاهر منافيا لما وقع في الكلام الإلهي حيث قال : حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
دفعه بقوله : (وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر) ذلك الفحش الباطن (له) فثبوت الفحش له باعتبار ظهوره لا باعتبار بطونه فليس الفحش إلا لما ظهر .
قال رضي الله عنه :  (فلما حرم) الله سبحانه (الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه وهي)، أي حقيقة ما ذكرناه (أنه)، أي الله سبحانه (عين الأشياء) من حيث الحقيقة (فسترها)، أي تلك الحقيقة الواجب سترها عن المحجوبين (بالغيرة)، أي بستر الغيرية.
(وهو)، أي الغيرة والتذكير باعتبار الخبر (أنت)، أي أنانيتك إذا اعتبرتها ولاحظتها وأما إذا لم تعتبرهما ونظرت إليها بعين الفناء كما هي عليه في نفس الأمر فلا غيرة ولا غيرية (من الغير).
 أي الحكم بأنها أنت إنما هو باعتبار أنها مأخوذة من الغير فإنك من حيث أنانيتك مغاير له سبحانه (فالغير)، أي الذي هو غير الحق في نظره وكذلك الأشياء الأخرى مع مغايرة بعضها لبعض مغاير للوجود الحق (يقول السمع، سمع زید) مثلا.
قال رضي الله عنه :  (والعارف) بالأمر على ما هو عليه (يقول السمع)، أي سمع زيد منا (عين الحق وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء)، فهو مضاف إلى زيد وأمثاله عند الغير الذي هو جاهل و عین الحق عند العارف (فما كل أحد عرف الحق) على ما هو عليه من أنه عين الأشياء .
قال رضي الله عنه :  (فتفاضل الناس) في هذه المعرفة (وتميزت المراتب)، أي مراتبهم فيها (فبان الفاضل) الذي له فضل على ما سواه تفضيلة المعرفة عن المفضول (و) بان (المفضول) لعدمها عن الفاضل.
(واعلم أنه لما أطلعني الحق) سبحانه (وأشهدني أعيان رسله) في البرزخ المثالي 

قال الشيخ رضي الله عنه : ( إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها.
ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟
ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود )
قال رضي الله عنه :  (وأنبيائه كلهم البشريين) قید به ليخرج رسل الملائكة . 
وقيل : لأن كل ظاهر نبي عن باطن فهو نبي بهذا الاعتبار عند العارفين .
وقيل : لأن لكل نوع عندهم نبيا هو واسطة بينه وبين الحق سبحانه كما أشار إليه قوله تعالى: «وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم".
قال رضي الله عنه :  (من آدم إلى محمد صلوات الله عليهم أجمعين في مشهد) حصل لي الشهود فيه (أقمت) بإقامة الحق إياي (فيه بقرطبة) مدينة من بلاد المغرب (سنة ست وثمانين وخمسمائة ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام).
وكأنه كان ذلك لمناسبة مشربه وذوقه عليه السلام بمشرب الشيخ وذوقه رضي الله عنه (فإنه) ، أي هود عليه السلام.
قال رضي الله عنه :  (أخبرني بسبب جمعيتهم) قيل : كان سبب جمعيتهم تهنئته قدس الله سره بأنه خاتم الولاية المحمدية و قيل كان سببها إنزاله في مقام القطبية.
ويخدش لوجه الأخير أن كلامه في مواضع من كتبه كالفتوحات و غيره : يدل على أنه من الأفراد ويمكن دفعه بأن كونه من الأفراد إنما هو في وقت تصنيفه تلك الكتب وكونه من الأقطاب إنما هو في وقت تصنيفه ذلك الكتاب لأنه أخر مصنفاته .
قال رضي الله عنه :  (ورأيته) أي هود عليه السلام (رجل ضخما من الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور وكاشفا لها ودليلي على كشفه لها) من القرآن (قوله تعالى: "ما من دابة إلا هو ، آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم" [هود: 26]. وأي بشارة للخلق أعظم من هذه) المقالة .
قال رضي الله عنه :  (ثم من امتنان الله علينا أن أوصل) إلينا (هذه المقالة عنه في القرآن ثم تممها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان، أي هو عين الحواس) والأعضاء الظاهرة والقوى الروحانية المجردة عن المواد الهيولانية المظلمة (أقرب) إلى الله سبحانه (من) تلك (الخواص) و الأعضاء الجسمانية (فاكتفى) النبی صلى الله عليه وسلم  (بذكر الأبعد المحدود)، أي المعلوم حده وحقيقته
"" أضاف الجامع : الهيولي جوهر قابل لما يعرض للجسم من أشكال. كالخشب للكرسي والحديد للمسمار.  
يقول الشيخ رضي الله عنه  الهيولي : هو العنصر الأعظم ، الذي هو أصل السماوات والأرض وما بينهما ، وأصل أركانها ومادتها  .
ويقول الشيخ عبد الحق بن سبعين الهيولي : هو جوهر بسيط قابل للصورة  .
ويقول الشيخ كمال الدين القاشاني الهيولي : عندهم "الصوفية" اسم الشيء بالنسبة إلى ما يظهر فيه من الصور ، فكل باطن يظهر فيه صورة يسمونه هيولي  .
ويقول الشيخ شهاب الدين السهروردي : إن في الجسم ما يقبل الانفصال والاتصال . فالذي يقبل ذلك جزء للجسم فيه الاتصال ويسمى القابل : هيولي ، والمقبول : صورة . و الهيولي لا يتصور وجودها دون الصورة ، لأنها لم تخل حينئذ من الوحدة والكثرة ، وأيهما لزمها يكون اقتضاء لماهيتها واجبا بها  . "" 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( عن الأقرب المجهول الحد.
فترجم الحق لنا عن نبيه هود مقالته لقومه بشرى لنا، وترجم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله مقالته بشرى: فكمل العلم في صدور الذين أوتوا العلم «و ما يجحد بآياتنا إلا الكافرون» فإنهم يسترونها وإن عرفوها حسدا منهم و نفاسة و ظلما.
وما رأينا قط من عند الله في حقه تعالى في آية أنزلها أو إخبار عنه أو صله إلينا فيما يرجع إليه إلا بالتحديد تنزيها كان أو غير تنزيه.
أوله العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء. فكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق.) 
أي المعلوم حده وحقيقته (عن الأقرب المجهول الحد) .
والحقيقة فإنه إذا كان عين الأبعد يلتزم بالطريق الأولى أن يكون عين الأقرب (فترجم الحق لنا عن نبيه هود مقالته لقومه بشرى لنا) مفعول له .لقوله : ترجم

قال رضي الله عنه :  (وترجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) عن الله (مقاله)، أي متانة الله التي ترجم بها عن هود عليه السلام (بشرى) أيضا تنا (فكل العلم) بهاتين الترجمتين ("في صدور الذي أوتوا العلم"  "وما يجحد بها إلا الكافرون")، أي الساترون تلك الآيات بالجحود والإنكار .
قال رضي الله عنه :  (فإنهم يسترونها)، أي تلك الآيات (وإن عرفوها حسدا منهم)، على من تظهر فيه تلك الآيات (ونفاسة)، أي ضنا و بخلا على خزائن رحمة الله وعنايته أن يعطي غيرهم ما لم يعطهم (وظلما) على تلك الآيات وعلى من أتى بها وعنى أنفسهم أيضا.
قال رضي الله عنه :  (وما رأينا قط من عند الله في حقه تعالى في آية أنزلها) من مقام الجمع الإلهي (إو إخبار عنه) تعالى (أوصله إلينا) من مقام الفرق النبوي (فيما يرجع إليه)، أي في بيان معنى يرجع إليه من يتصف هو به .
قال رضي الله عنه :  (إلا) متلبسا (بالتحديد) والتقييد (تنزيها كان) مما يرجع اليه (أو غير تنزيه أوله)، أي أول ما يرجع إليه من الصنات (العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء وكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق) .
""أضاف المحقق : يشير المصنف الى حديث أبي رزين العقيلي :  
قلت: "يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟
قال: هل ترون ليلة البدر القمر أو الشمس بغير سحاب؟
قالوا: نعم قال: فالله أعظم.
قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟
 قال: في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء". رواه ابن حبان في صحيحة وله شواهد وورد فى المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة  ""
 فالعماء لغة هو السحاب الرقيق الساتر لنور الشمس واصطلاحا ،

قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم ذكر أنه استوى على العرش، فهذا أيضا تحديد.
ثم ذكر أنه ينزل إلى السماء الدنيا فهذا تحديد. ثم ذكر أنه في السماء وأنه في الأرض وأنه معنا أينما كنا إلى أن أخبرنا أنه عيننا.
ونحن محدودون، فما وصف نفسه إلا بالحد. وقوله ليس كمثله شيء حد أيضا إن أخذنا الكف زائدة لغير الصفة.
ومن تميز عن المحدود فهو محدود بكونه ليس عين هذا المحدود. فالإطلاق عن التقيد تقييد، والمطلق مقيد بالإطلاق لمن فهم.
وإن جعلنا الكاف للصفة فقد حددناه، وإن أخذنا «ليس كمثله شيء» على نفي المثل تحققنا بالمفهوم وبالإخبار الصحيح أنه عين الأشياء، والأشياء محدودة وإن اختلفت حدودها.)
التعيين الجامع لجميع التعينات على سبيل الإجمال .
قال رضي الله عنه :  (ثم ذكر أنه استوى على العرش فهذا تحديد أيضا ثم ذكر أنه ينزل إلى سماء الدنيا فهذا تحديد) أيضا (ثم ذكر أنه في السماء وأنه في الأرض) كما قال تعالى، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ، فهذا تحديد أيضا .
قال رضي الله عنه :  (و) ذكر (أنه معنا أينما كنا إلى أن أخبرنا أنه عیننا ونحن محدودون فما وصف نفسه) في الصورة المذكورة (إلا بالحد وقوله : "ليس كمثله شئ") الذي هو بالغ في التنزيه (حد أيضا إن كانت الكاف زائدة لغير الصفة) فيكون المعنى ليس مثله شيء فقد تميز عن الأشياء المحدودة .
قال رضي الله عنه :  (ومن تميز عن المحدود فهو محدود بكونه ليس عين المحدود فالإطلاق عن التقييد تقیید) بالإطلاق (والمطلق) المقابل للمقيد (مقيد بالإطلاق لمن فهم وإن جعلنا الكاف للصفة فقد حددناه)، لأن في نفي مثل المثل إثبات المثل وهو تحديد.
قال رضي الله عنه :  (وإن أخذنا) قوله تعالى: ("ليس كمثله شئ" على نفي المثل) مطلقا سواء كانت الكاف زائدة وهو ظاهر أو غير زائدة على سبيل الكناية كما في قولك : مثلك لا يبخل.
(تحققنا)، أي علمنا حقيقة (بالمفهوم وبا لإخبار الصحيح أنه عين الأشياء). أما بالمفهوم فلأنه إذا نفي عن الأشياء مثليته يفهم منه بالمفهوم المخالف عينية .
وأما بالاخبار الصحيح فـ لقوله : "كنت سمعه وبصره" الحديث.

قال رضي الله عنه :  (والأشياء) كلها (محدودة وإن اختلفت حدودها فهو)، أي الحق سبحانه (محدود بحد كل محدود فما يحد شيء إلا وهو)، أي ما يحد ذلك الشيء (حد للحق سبحانه
فهو)، أي الحق سبحانه 
قال الشيخ رضي عنه : ( فهو الله محدود بحد كل محدود.
فما يحد شيء إلا وهو الحق. فهو الساري في مسمى المخلوقات والمبدعات، ولو لم يكن الأمر كذلك ما صح الوجود. فهو عين الوجود، «وهو على كل شيء حفيظ» بذاته، «ولا يؤده» حفظ شيء. فحفظه تعالى للأشياء كلها حفظه لصورته أن يكون الشي ء غير صورته.
ولا يصح إلا هذا، فهو الشاهد من الشاهد والمشهود من المشهود.
فالعالم صورته، وهو روح العالم المدبر له فهو الإنسان الكبير.
فهو الكون كله ... وهو الواحد الذي )
بحد كل محدود فما يحد شيء إلا وهو)، أي ما يحد ذلك الشيء (حد للحق سبحانه
فهو)، أي الحق سبحانه (الساري) بهويته العينية المطلقة (في مسمى المخلوقات) المسبوقة بالمدة والمادة (والمبدعات) الغير المسبوقة بشيء منها سريان المطلق في المقيد
قال رضي الله عنه :  (ولو لم يكن الأمر)، أي أمر سريان (كذلك)، أي بحيث يعم الكل (ما صح الوجود)، أي وجود حقيقة من الحقائق لا يكون إلا بسريانه فيها .
(فهو)، أي الحق سبحانه (عين الوجود) إذ ليس الوجود إلا ما تحقق الحقائق بسريانه فيها وإذا كان عين الموجود (فهو على كل شيء حفيظ) يحفظه عن الانعدام.
قال رضي الله عنه :  (بذاته)، أي حفظه للأشياء مقتضى ذاته ("ولا يؤده") ، أي لا يثقله ولا يتعبه (حفظ شيء)، إذ مقتضى ذات الشيء لا تثقله ولما كانت الأشياء صورته إذ المقيد صورة المطلق .
قال رضي الله عنه :  (فحفظه للأشياء كلها) عن أن تتقدم ظهوره لصورها (حفظه لصورته عن أن يكون الشيء غير صورته)، فإنه لما لم يكن الظاهر بصور الأشياء إلا شو فلا محالة لا تكون الأشياء غير صورته، فحفظه للأشياء على الوجه الخاص فيستلزم حفظها لها عن أن تكون غيره .
فيصح أن يقال : حفظه الأشياء حفظ لها عن أن يكون غير صورته (ولا يصح إلا هذا)، أي الشيء غير صورته، ولما كان المقيد صورة المطلق والصورة من حيث الحقيقة عين في الصورة و من حيث التعين غيره.
قال رضي الله عنه :  (فهو الشاهد من الشاهد) الذي هو بعض من صوره (وهو المشهود من المشهود) الذي هو بعض آخر من صوره وإذا كان بعض كل شيء صورته .
(فالعالم) بجميع أجزائه (صورته وهو)، أي الحق سبحانه (روح العالم المدبر له فهو)، أي العالم مع الروح المدبر له (الإنسان الكبير فهو)، أي الحق سبحانه (الكون كله)، أي الموجودات كلها لأنها 
قال الشيخ رضي عنه : (
قام كوني بكونه ... ولذا قلت يغتذي
فوجودي غذاؤه ... وبه نحن نحتذي
فبه منه إن نظرت ... بوجه تعوذي
ولهذا الكرب تنفس، فنسب النفس إلى الرحمن لأنه رحم به ما طلبته النسب الإلهية من إيجاد صور العالم التي قلنا هي ظاهر الحق )

صوره، والصورة عين ذي الصورة بوجه (وهو الواحد الذي قام كوني بكونه)، أي وجودی بوجوده لظهوره بصورتي فأنا قائم موجود به وهو ظاهر بي (فلذا)، أي لقيام وجودي بوجوده بظهور وجوده بي.
قال رضي الله عنه :  (قلت بغندي)، أي يغتذي بي من حيث الظهور ظهوره متحقق وقائم بي كتحقق المغتذي وقيامه بالغذاء.
وفي بعض النسخ: وإذا قلت: يتغدي فهو شرط وجزاء قوله :
قال رضي الله عنه :  (فوجودي غذاؤه وبه)، أي بالحق سبحانه (نحتذي)، أي تغتذي فهو كما يغتذي بنا كذلك نحن نتغذى به لكن في الوجود والوجود کوجود المغتذي بالغذاء وإذا كانت الأشياء كلها عينه من حيث الحقيقة (فبه منه إن نظرت... بوجه)، أي بوجه الإطلاق والجمعية قال رضي الله عنه :  (تعوذي) كما قال صلى الله عليه وسلم : "وأعوذ بك منك ". رواه البيهقي وابن خزيمة فى صحيحه و ابن حبان وابن ماجة والمستدرك  .
"" الحديث : رسول الله وهو يقول: «اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» رواه مسلم ""

(ولهذا الكرب)، أي لكرب اندراج الكون كله في الحق سبحانه كما فهم من قوله وهو الكون كله (تنفس)، أي تجلى لإظهار ما في الباطن من أعيان العالم .
(فنسب) الحق سبحانه (النفس إلى) الاسم (الرحمن) على لسان نبينا .
حيث قال : "إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن" .الطبراني و الجامع الصحيح للسنن والمسانيد.
وإنما نسب النفس إلى الاسم الرحمن لا إلى غيره من الأسماء (لأنه)، أي الحق سبحانه (رحم به)، أي بالرحمن (ما طلبته النسب)، أي الأسماء (الإلهية من ايجاد صور العالم) يعني صوره
الموجودة لأن متعلق الرحمة (التي) هي الوجود المنبسط على الماهيات إنما هو الصور الموجودة التي (قلنا هي)، أي صور العالم
قال الشيخ رضي عنه : ( إذ هو الظاهر، وهو باطنها إذ هو الباطن، و هو الأول إذ كان و لا هي، و هو الآخر إذ كان عينها عند ظهورها.
فالآخر عين الظاهر والباطن عين الأول، « وهو بكل شيء عليم» لأنه بنفسه عليم.
فلما أوجد الصور في النفس وظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء صح النسب الإلهي للعالم فانتسبوا إليه تعالى فقال: «اليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي» أي آخذ عنكم انتسابكم إلى أنفسكم وأردكم )

قال رضي الله عنه :   (ظاهر الحق إذ هو)، أي الحق (الظاهر وهو)، أي الحق (باطنها)، أي باطن تلك الصور .
قال رضي الله عنه :  (إذ هو)، أي الحق (الباطن) فظاهرية الحق إنما هي باعتبار ظهوره بصور العالم و باطنيته باعتبار بطونه فيها .
قال رضي الله عنه :  (وهو الأول إذ كان) هو (ولا هي) إذ كان الحق ولم يكن صور العالم
كما قال صلى الله عليه وسلم  : "كان الله ولا شيء معه" . فهو متقدم عليها وهذا التقدم، وهو المراد بالأولية.
الحديث أورده الحافظ ابن حجر فى فتح الباري وله شواهد  بصحته.

"" أضاف الجامع : الحديث : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الناس يسألون حتى يقولوا: كان الله قبل كل شيء فما كان قبله؟ . مسند أحمد و مسند البزار و ابن عساكر والسيوطي فى جمع الجوامع.
وأيضا حديث : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقبلوا البشرى يا بني تميم» . قال: قالوا: قد بشرتنا فأعطنا. قال : «اقبلوا البشرى يا أهل اليمن» .
قال: قلنا: قد قبلنا، فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان؟
قال: «كان الله قبل كل شيء، وكان عرشه على الماء، وكتب في اللوح ذكر كل شيء» مسند أحمد و ابي نعيم فى الحلية و الإبانة الكبرى لابن بطة و المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة. ""

قال رضي الله عنه :   (وهو) سبحانه (الآخر إذ كان عينها)، أي عين صور العالم (عند ظهورها) ولها التأخر فهو باعتبار ظهوره بها له الآخر به (فالآخر عين الظاهر والباطن عين الأول) هذا باعتبار التنزل من الحق إلى الخلق .
وأما باعتبار الترقي من الخلق إلى الحق فالآخر عين الباطن والظاهر عين الأول.
قال رضي الله عنه :  ("وهو بكل شيء عليم" لأنه بنفسه عليم) * [البقرة : 92]، وعلمه بنفسه عين علمه بالعالم (فلما أوجد) الحق سبحانه (الصور) التي هي عين العالم روحانية كانت أو جسمانية (في النفس) الرحماني الذي هو هيولى بصور الحروف والكلمات والكلام (وظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء) .
لوجود مجالي تصرفاتها (صح النسب الإلهي للعالم)، أي أنساب العالم إلى الحق سبحانه بأنه مخلوق و مربوب له .(فانتسبوا)، أي أهل العلم إليه تعالی .
فقال تعالى: "يوم القيامه" ("اليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي" أي أخذ عنكم انتسابكم)، أي انتسابكم ذواتكم وصفاتكم وأفعالكم . الحديث رواه الطبراني في الصغير و الحاكم في المستدرك 
قال الشيخ رضي عنه : ( إلى انتسابكم إلى.  أين المتقون؟
أي الذين اتخذوا الله وقاية فكان الحق ظاهرهم أي عين صورهم الظاهرة، وهو أعظم الناس وأحقه وأقواه عند الجميع.
وقد يكون المتقي من جعل نفسه وقاية للحق بصورته إذ هوية الحق قوى العبد. فجعل مسمى العبد وقاية لمسمى الحق على الشهود حتى يتميز العالم من غير العالم.
«قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)   
قال رضي الله عنه :  (إلى أنفسكم و أردكم إلى انتسابكم إلى) فترون ذواتكم عين ذواتي وصفاتكم عين صفاتي وأفعالكم عين أفعالي ولا تنسبوها إلا إلى.
قال رضي الله عنه :  (أين المتقون أي الذين اتخذوا الله وقاية) لأنفسهم حيث تحققوا بفناء أنياتهم وحقائقهم فكيف بفناء صفاتهم وأفعالهم (فكان الحق ظاهرهم، أي عين صورهم) العلمية والعينية (الظاهرة) أو ظهور العينية فـ بالنسبة إلى الصور العلمية.
وأما ظهور الصور العلمية فـ بالنسبة إلى ما هي صور له وهو الشؤون الذاتية وإنما كان الحق ظاهرهم، لأنه وقاية لهم والوقاية ظاهر من يسترها وهو باطنها.
والمراد بصورهم الظاهرة ما يعم القوى الظاهرة وما يعم القوى الظاهرة والباطنة ، بل الأعيان وباطنة فكلها صور ظاهرة الثابتة فإنها وإن كانت منقسمة إلى ظاهره - بالنسبة إلى أعيانهم الثابتة التي هي أيضا ظاهرة بالنسبة إلى الأسماء الإلهية وهي بالنسبة إلى عين الذات المجهول النعت.

قال رضي الله عنه :  (وهم)، أي المنقون بالمعنى المذكور حيث عرفوا فناءهم الأصلي فكان الحق وجوداتهم الظاهرة وأعيانهم الباطنة لفناء أنياتهم وحفائفهم فكيف بصفاتهم وأفعالهم، فهم الشاهدون له بذاته المشاهدون لجماله بعينه فهم (أعظم الناس) قدرة (وأحقهم) وجودة وقربا (وأقواهم) صفة وفعلا .
وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه وهو أعظم الناس بإفراد الضمير حملا على المعنى، أي المتقي أعظم الناس موافقة لقوله: (وقد يكون المتقي من جعل نفسه وقاية اللحن بصورته) المحسوسة المشهودة لا بقواه الباطنة فيها (إذ هوية الحق) التي يكون العبد بصورته وقاية لها هي (قوى العبد) الباطنة فكيف يكون العبد بقواه الباطنة التي هي عين هوية الحق وقاية لها.

قال رضي الله عنه :  (فجعل مسمى العبد) بصورته المشهودة (وقاية بمسمى الحق)، الذي هو عين قوى الحق الباطنة فكل واحد من هذا الاتحاد والجعل إنما اعتبر إذا كانا مبنيين (على الشهود)، أي المشاهدة والكشف لا على الاستدلال والتقييد.
قال رضي الله عنه :  (حتى يتميز العالم) بالعلم الشهودي (من غير العالم) على هذا الوجه فغير العالم يشمل المستدل والمقلد كليهما .
قال رضي الله عنه :  ("هل يستوي الذين يعلمون ") الأمر على ما هو عليه علما شهوديا ("والذين لا يعلمون") الأمر كذلك 
قال الشيخ رضي عنه : (  إنما يتذكر أولوا الألباب» وهم الناظرون في لب الشيء الذي هو المطلوب من الشيء. فما سبق مقصر مجدا كذلك لا يماثل أجير عبدا.
وإذا كان الحق وقاية للعبد بوجه والعبد وقاية للحق بوجه.
فقل في الكون ما شئت: إن شئت قلت هو الخلق.
وإن شئت قلت هو الحق.
 وإن شئت قلت هو الحق الخلق.
وإن شئت قلت لا حق من كل وجه ولا خلق من كل وجه.
وإن شئت قلت بالحيرة في ذلك فقد بانت المطالب بتعيينك المراتب.
ولو لا التحديد ما أخبرت الرسل بتحول )

قال رضي الله عنه :  ("إنما يتذكر") بأمثال هذه العلوم ("أولوا الألباب") [الزمر: 9] المذكورة هذه العلوم وأمثالها في أصل فطرتهم (وهم الناظرون بعين الكشف) والمشاهدة بعد تصفية قلوبهم وتخليتها بالكلية عن الصور الكونية .
قال رضي الله عنه :  (في لب الشيء الذي هو المطلوب من) ذلك (الشيء) وهو الاسم الإلهي الذي يكون المقصود من وجود ذلك الشيء مظهريته .
قال رضي الله عنه :  (فما سبق مقصر) في هذه التصفية (مجدا) فيها بل لم يتحق، (كذلك لا يماثل أجير) يعمل للأجرة (عبدا) يعمل للعبودية فإن الأجير عند أجرته بتصرف من باب المستأجرة عند وصولها والعبد ملازم لباب سيده غير منصرف عنه على حالي أصلا فكذلك بعبدا الحق لمحض العبودية ليس من بعبده للفوز بالجنة والنجاة من النار.
قال رضي الله عنه :  (وإذا كان الحق وقاية للعبد بوجه) وهو وجه ظاهريه الحق للعبد (والعبد وقاية للحق بوجه) وهو وجه کون العبد ظاهرا للحق.
(فقل في الكون)، أي الموجودات الكائنة (ما شئت إن شئت قلت : هو الخلق) باعتبار كون الخلق ظاهرا والحق باطنا.
قال رضي الله عنه :  (وإن شئت قلت: هو الحق)، باعتبار کون الحق ظاهرا والخلق باطنا .
قال رضي الله عنه :  (وإن شئت قلت : هو الحق والخلق) بالاعتبارين .
قال رضي الله عنه :  (وإن شئت قلت لا حق من كل وجه)، لأنه بأحد الوجهين (ولا خلق من كل وجه)، لأنه بأحد الوجهين حق.
قال رضي الله عنه :  (وإن شئت قلت : بالحيرة في ذلك) لعدم التمييز بين الوجهين.
(فقد بانت)، أي ظهرت هذه (المطالب) المذكورة المفصلة (بتعينك) بحسب استعدادك وسلوكك (المراتب) فإن كنت في مرتبة قرب النوافل قلت : هو الخلق.
وإن كنت في مرتبة قرب الفرائض قلت : هو الحق.
وإن كنت في مرتبة الجمع بينهما قلت : هو الحق الخلق.
وإن كنت في مرتبة التحقيق والتمييز بين المراتب الإلهية والخلفية 
قال الشيخ رضي عنه : (  الحق في الصور ولا وصفته بخلع الصور عن نفسه.
فلا تنظر العين إلا إليه ... و لا يقع الحكم إلا عليه
فنحن له وبه في يديه ... و في كل حال فإنا لديه
لهذا ينكر ويعرف وينزه ويوصف.   
قلت : لا حق من كل وجه ولا خلق من كل وجه. وإن كنت في مرتبة العجز وعدم التمييز قلت: بالحيرة.
ثم أنه رضي الله عنه أكد ما بصدد بيانه من أن كل ما ورد من عند الله فيما يرجع إليه إنما ورد بالتحديد بقوله : (ولولا التحديد) واقعة في نفس الأمر (ما أخبرت الرسل بتحول الحق في الصورة) بانخلاعه عن صورة وتلبسة بأخرى .
كما جاء في الحديث الصحيح:" أن الحق تعالى يتجلى يوم القيامة للخلق في صورة منكرة فيقول:" أنا ربكم الأعلى " [النازعات : 24].
فيقولون: "نعوذ بالله منك فيتجلى في صورة عقائدهم فيسجدون له" .

""حديث البخاري ومسلم : قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله.
 قال: " فإنكم ترونه، كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم.
فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهري جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من يجيز، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم، سلم...الى آخر الحديث . رواه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم "".

قال رضي الله عنه :  (ولا وصفته الرسل بخلع الصور عن نفسه) بأن ينخلع عن الصور كلها فيحدد بتقييده بانخلاعه عنها وإذا كان الحق سبحانه ظاهرة في كل محدود و شاهد في كل مشهود قال رضي الله عنه :  (فلا تنظر العين)، أي عين البصر والبصيرة في المظاهر الصورية والمجاني المعنوية (إلا إليه) سبحانه (ولا يقع الحكم) الواقع من كل حاكم يحكم على تلك المظاهر والمجالي بأي حكم كان.
(إلا عليه) لأنه هو الظاهر فيها والظاهر عين المظهر من وجه.
قال رضي الله عنه :  (فنحن) عبيد (له) قائمون (به) حال كوننا مأسورين (في يدیه) يتصرف فينا كيف يشاء.
(وفي كل حال) يحولنا إليها (فإنا) حاضرون (لديه) لا ينفك عنا ولا نفك عنه كما قال تعالى : "وهو معكم أين ما كنتم " [الحديد: 4].
قال رضي الله عنه :  (ولهذا)، أي لاختلاف ظهوراته وتعدد مظاهره (ينکر) تارة فيما ينكر من المظاهر (ويعرف) أخرى فيما يعرف منها (و) 
قال الشيخ رضي عنه : (  فمن رأى الحق منه فيه بعينه فذلك العارف.
ومن رأى الحق منه فيه بعين نفسه فذلك غير العارف.
ومن لم ير الحق منه ولا فيه وانتظر أن يراه بعين نفسه فذلك الجاهل.
وبالجملة فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه يرجع بها إليه ويطلبه فيها :
فإذا تجلى له الحق فيها عرفه و أقر به، و إن تجلى له في غيرها أنكره وتعوذ منه وأساء الأدب عليه في نفس الأمر، وهو عند نفسه أنه قد تأدب معه فلا يعتقد معتقد إلها إلا بما جعل في نفسه، فالإله في الاعتقادات بالجعل، فما )

كذلك ينزه فيما (ينزه) من المظاهر المنزهة (ویوصف) بما تنزه عنه تلك المظاهر في مظاهر أخر.
أو نقول معناه ينكر في بعض المظاهر بأن يكون ذلك البعض ممن نكره ويعرف في بعضها بأن يكون ذلك البعض من القائلين بالتنزيه .
ويوصف، أي يشبه في بعض المظاهر إذا كان من القائلين بالتشبيه أو نقول معناه ينكر إذا کان متجليا في غير صورة معتقد المتجلى له.
ويعرف إذا كان على صورة معتقده وينزه إذا كان اعتقاده التنزيه ، ويوصف إذا كان اعتقاده التشبيه .

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية الجزء الثالث .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالثلاثاء أغسطس 20, 2019 3:49 pm

10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية الجزء الثالث .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الهودي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية  الجزء الثالث
قال رضي الله عنه :  (فمن رأى الحق) رؤية منشأة (منه)، أي من الحق بأن يكون الرائي هو الحق (فيه)، أي في الحق بأن يكون المجلي أيضا الحق سبحانه (بعينه)، أي بعين الحق بأن تكون آلة الرؤية عين الحق لا عين نفسه.
قال رضي الله عنه :  (فذلك) الرائي هو (العارف ومن رأى الحق منه بعين نفسه فذلك غير العارف) الذي يعرف الحق بجميع اعتباراته.
فإنه وإن كان عارف بأن الراني والمجلى هو الحق لكنه لم يعرف أن عينه عین الحق، بل توهمها غيرها وتخيل أنه رآها بذلك الغير وليس هذا من مقتضیات المعرفة .
لأن العارف يعلم أن الحق لا يراه إلا عينه (ومن لم ير الحق منه ولا فيه وانتظر أن يراه) في الآخرة (بعين نفسه) لا بعين الحق.
قال رضي الله عنه :  (فذلك الجاهل)، فإنه ما رآه في هذه البشارة وما أنتظر رؤيته في الآخرة على ما هو الأمر عليه في نفسه . فإن رؤيته في الآخرة تكون بعين الحق لا بعين الرائي.
قال رضي الله عنه :  (وبالجملة فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه برجع بها)، أي بتلك العقيدة (إليه) سبحانه إذا رجع إليه دنيا وأخرى (ویطلبه فيها)، أي في تلك العقيدة إذا طلبه.
(فإذا تجلى له الحق فيها)، أي في صورة عقيدته (عرفه) أنه ربه (وأقر به).
قال رضي الله عنه :  (وإن تجلى له في غيرها)، أي في غير صورة عقيدته (أنكره). ولم يعرفه (وتعوذ منه) أن يعتقده ربه (وأساء الأدب عليه في نفس الأمر) بنفي كونه ربه فإنه من بعض تجلياته (وهو عند نفسه أنه تأدب معه) حيث نفى عنه ما لا يليق به في زعمه.
قال رضي الله عنه :  (فلا يعتقد معتقد) من المحجوبين (إلها) إلا بما جعل، أي (إلا بجعله له في نفسه) وخلقه فيها فإن أصحاب الاعتقادات لا يعتقدون  

قال الشيخ رضي عنه : (  رأوا إلا نفوسهم و ما جعلوا فيها.
فانظر: مراتب الناس في العلم بالله تعالى هو عين مراتبهم في الرؤية يوم القيامة.
وقد أعلمتك بالسبب الموجب لذلك . فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه. فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها فإن الله تعالى أوسع وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد فإنه يقول «فأينما تولوا فثم وجه الله» وما ذكر أينا من أين. ) 

بالألوهية إلا الاعتقادية المجعولة في أنفسهم التي جرموا بها واعتقدوا حنينها وبطلان ما يغادرها قال رضي الله عنه :  (فالإله في الاعتقادات) المنضوية على عقد القيود وهي اعتقادات المحجوبين لا تكون (إلا بالجعل فما رأوا) حين رأوا إلههم.
قال رضي الله عنه :  (إلا نفوسهم وما جعلوا فيها) من الصور الاعتقادية التي توهموا أن إلههم عليها فهذه الصور الاعتقادية وإن كانت الأصنام المتخذة في الجعل والتعمل .
لكن الحق سبحانه بسعة رحمته ينفخ فيها روح الحقية فرحم العائدين إليها بسبب صحة معاملاتهم معها على أمر ما أمروا به مع الحق الظاهر في تلك الصور الغير المحصورة فيها .

قال رضي الله عنه :  (فانظر مراتب الناس في العلم بالله) في هذه النشأة (هو عين مراتبهم في الرؤية يوم القيامة) فمن اعتقده منحصرا في صورة مخصوصة لا يراه يوم القيامة إلا فيها.
ومن لم يقيده برؤية مخصوصة واعتقد أنه المتجلي في كل الصور لا غير عرفه في كل صورة يراه .

قال رضي الله عنه :  (وقد أعلمتك بالسبب الموجب لذلك)، أي لكون مراتب العلم غير مراتب الرؤية وذلك السبب المعلم به هو رجوع كل واحد إلى صورة معتقده، فمن کان سورة معتقده مقيدة لا يرى الحق إلا فيها، ومن لم تكن صورة معتقده مقيدة بل معلقة يراه في كل صورة.
قال رضي الله عنه :  (وإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فيفوتك خير کبیر) وهو شهوده سبحانه فيما كفرت به (بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه السلام) فإنه غير محصور فيما قيدته به وكفرت بما سواه .
بل هو شامل للكل ظاهر في الجميع من غير تقييد .

قال رضي الله عنه :  (فكن في نفسك هیوای) قابلة (لصور المعتقدات كلها) وأقبل كل صورة ترد عليك وأعتقد أنها بعض مجانيه وهو غير منحصر فيها .
قال رضي الله عنه :  (فإن الإله) الحق تعالى (أوسع وأعظم) من (أن يحصره عقد دون عقد فإنه) تعالى (يقول: "فأينما تولوا فثم وجه الله " وما ذكر أينا)

قال الشيخ رضي عنه : (  وذكر أن ثم وجه الله، ووجه الشيء حقيقته.
فنبه بذلك قلوب العارفين لئلا تشغلهم العوارض في الحياة الدنيا عن استحضار مثل هذا فإنه لا يدري العبد في أي نفس يقبض، فقد يقبض في وقت غفلة فلا يستوي مع من قبض على حضور.
ثم إن العبد الكامل مع علمه بهذا يلزم في الصورة الظاهرة والحال المقيدة التوجه بالصلاة إلى شطر المسجد الحرام ويعتقد أن الله في قبلته حال صلاته، و هو بعض مراتب وجه لحق من «فأينما تولوا فثم وجه الله». فشطر المسجد )
مميزة إياه (من أين) آخر (و) ما (ذكر أن ثمة)، أي في الأين الأول مثلا ("وجه الله") دون ألأين الآخر (ووجه الشيء حقيقته) فتكون حقيقة الحق سبحانه متجلية في كل أين وظاهرة في كل عين .
قال رضي الله عنه :  (فنبه بهذا) الذي ذكر (قلوب العارفين) على شمول وجه المطلق على كل أين وعين.
(لنلا يشغلهم العوارض في الحياة الدنيا عن استحضار مثل هذا) الوجه المطلق الغير المقيد بأين دون أين .
بل يستحضرونه في كل ما يرد عليهم من عوارض الحياة الدنيا فيحظون بالعلم الأتم والشهود الأعم .
كما أشار إليه الشيخ رضي الله عنه بقوله:
عقد الخلائق في الإله عقائدا     ……. وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه
قال رضي الله عنه :  (فإنه لا يدري العبد في أي نفس يقبض) فيستحضره في ذلك النفس وإذا لم يدر في أي نفس يقبض ولم يستوعب أستحضاره جميع الأنفاس (فقد بقبض) بعضهم في وقت غفلة فلا يستوي مع من قبض على صفة (حضور) .
فإن الأول يحشر وجهه إلى غير الحق سبحانه فيستحق البعد والطرد .
والثاني بحشر ووجهه إلى الحق سبحانه مشاهد إياه فيسعد بالسعادة العظمى والمثوبة الكبرى .
قال رضي الله عنه :  (ثم إن العبد الكامل مع علمه بهذا)، أي بعدم انحصار الحق في أبنية خاصة وجهة معينة (يلزم)، أي يلازم في الصورة الظاهرة الحسية اللدنية لا في الصورة الباطنة القلبية الروحية .
قال رضي الله عنه :  (و) في (الحالة المقيدة) المخصوصة التي حالي الصلاة (التوجه بالصلاة إلى شطر المسجد الحرام) انقيادا لأمر الحق سبحانه واتباع لشريعة نبيه صلى الله عليه وسلم (ويعتقد أن الله في قبلته حال صلاته) غير منحصر فيها .
"" أضاف المحقق : حديث البخاري ومسلم :  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه، ثم أقبل على الناس فقال: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى الله عليه وسلم" . ورواه غيرهما""
قال رضي الله عنه :  (وهي)، أي قبلته (بعض مراتب) ظهور (وجه الحق) المفهومة من قوله تعالى: ("فأينما تولوا فثم 
قال الشيخ رضي عنه : (  الحرام منها، ففيه وجه الله.
ولكن لا تقل هو هنا فقط، بل قف عند ما أدركت و الزم الأدب في الاستقبال شطر المسجد الحرام و الزم الأدب في عدم حصر الوجه في تلك الأبنية الخاصة، بل هي من جملة أينيات ما تولى متول إليها. فقد بان لك عن الله تعالى أنه في أينية كل وجهة، و ما ثم إلا الاعتقادات.
فالكل مصيب، وكل مصيب مأجور وكل مأجور سعيد وكل سعيد مرضي عند ربه )
 
وجه الله "، فشطر المسجد الحرام منها)، أي من تلك المراتب (ففيه)، أي في شطر المسجد الحرام ("وجه الله") وحقيقته لكنه غير منحصر فيه كما أشار إليه بقوله (و لكن لا تقل هو ههنا)، أي في شطر المسجد الحرام (فقط) وما أحسن ما قيل:
لا تقل دارها شرقي نجد    …… کل نجد للعامرية دار
فلها منزل على كل ماء    ….. وعلی کل دمنة آثار
قال رضي الله عنه :  (بل قف عندما أدركت) من كتابه سبحانه ولا يتجاوزه (والزم الأدب) ظاهرا (في الاستقبال شطر المسجد الحرام) ولا تتجاوزه .
كما أدركت من قوله تعالى : "فول وجهك شطر المسجد الحرام " [البقرة: 144]، (و) كذلك (الزم الأدب) باطنا (في عدم حصر الوجه في تلك الأينية خاصة) أو الجهة المنسوبة إلى الأين المسؤول عنها التي هي شطر المسجد الحرام ما أدركت من قوله تعالى : "فأينما تولوا فثم وجه الله".
قال رضي الله عنه :  (بل هي)، أي تلك الأينية الخاصة من جملة أينيات ما تولى متولي إليها، أي (من جملة أينيات) وجهات (ما تولی متول إليها) .
فقوله : أينيات بالتنوين و لفظة ما زائدة (فقد بان)، أي ظهر (لك عن الله) بهذه الآية (أنه في أينية كل وجهة) يتوجه إليها.
قال رضي الله عنه :  (وما ثمة) أي عند التولي إلى أينية كل وجهة (إلا الاعتقادات)، أي اعتقادات أن ثمة وجه الله ، فإن تلك الأينيات إن كانت أينية معنوية .
فالقول إليها عین اعتقادات وجه الله فيها ، وإن كانت صورته فالتولي إليها صورة لا تكون إلا بعد اعتقاد أن فيها وجه الله . 
فالاعتقاد الذي هو التولي المعنوي لازم على كل تقدير بخلاف التولي الصوري، فإنه غير لازم بل غير صحيح إذا كانت الأينية المتوجه إليها من الجهات المعنوية.
فليس عند التولي إلى الأينيات على وجه العموم واللزوم إلا الاعتقادات، فالاعتقاد أيضا تولي، فكل ما يعتقده المعتمدون یکون من الأينيات التي أخبر الله سبحانه بأن ثمة وجه الله (فالكل) من المعتقدين.
أي اعتقاد کان (مصيب) في اعتقاده ، لأن اعتقاده مما تولى إليه متول (وكل مصيب مأجور وكل مأجور سعيد وكل سعيد مرضي) عند ربه فكل من المعتقلين في الله ، أي اعتقاد كان مرضي عند ربه
قال الشيخ رضي عنه : (  وإن شقي زمانا ما في الدار الآخرة.
فقد مرض وتألم أهل العناية- مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق- في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم .)
قال رضي الله عنه :  (وإن شقی زمانا في الدار الآخرة)، فإن الشقاوة في بعض الأزمنة لا ينافي السعادة المطلقة (فقد مرض) ، أي فإنه قد مرض .
قال رضي الله عنه :  (وتألم أهل العناية) ولا شك أن كل واحد من المرض والتألم شقاوة (مع علمنا بأنهم سعداء أهل الحق في الحياة الدنيا) قوله : في الحياة الدنيا ، متعلق بقوله : مرض وتألم. أي فكذلك من عباد الله من تدركهم الآلام في الحياة الدنيا .
قوله : في الحياة الدنيا، متعلق بقوله : مرض وتألم (فمن عباد الله)، أي فكذلك من عباد الله ( من تدركهم الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى بجهنم ومع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر)، أي أمر دار جهنم .
قال رضي الله عنه :  (على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعیم خاص بهم)، لا يتجاوز إلى أهل الجنة وذلك النعيم الخاص (إما) يكون (بفقد ألم كانوا يجدونه) أو (فارتفع عنهم) آخرا (فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم) وخلاصهم عنه.
قال رضي الله عنه :  (أو يكون نعیم) وجودي (مستقل زائد) على الراحة والخلاص من الألم (کنعيم أهل الجنان في الجنان) فإن نعيمهم لیس مجرد خلاصهم عن ألم العذاب بل أمور زائدة عليه كما أخبرت به الشريعة الحقة.
(والله أعلم) بحقيقة الحال وإليه المرجع والمآل .

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 11 - فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالثلاثاء أغسطس 20, 2019 3:50 pm

11 - فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الصالحي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
11 - فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية
قال الشيخ رضي الله عنه : (
من الآيات آيات الركائب ... و ذلك لاختلاف في المذاهب
فمنهم قائمون بها بحق ... و منهم قاطعون بها السباسب )
لما فتح الله باسم الفناح الذي هو جملة مفاتيح الغيب على صالح عليه السلام باب الإعجاز الفاتح على بعض أمته طريق السعادة حيث آمنوا به.
وعلى بعضهم طریق الشقاوة حيث كفروا به بانفتاح الجبل.
وبين أيضا الشيخ في حكمته أن فتح باب الإيجاد مبني على الفردية وصف حكمته بالفتوحية.
فالفتوح إن كان جمع فتح فجمعیته مشعرة بأن تلك المعجزة فتحا على فتح كما وقع الإيماء إليه ، وإن كان منفردا فمع إشعاره بالفتح ينبیء عن كونها مما لم يتوقع مثلها.
وفي كثير من النسخ: 
فاتحية بدل فتوحية وهي أنسب لفظا، ولما كان بعض الركائب الذي هو الناقة معجزا لصالح عليه السلام ابتدأ رضي الله عنه بذكر الركائب.
فقال: (من الآيات)، أي من جملة الآيات والمعجزات (آیات الركائب)، أي المعجزات المتعلقة بالركائب، فإن ذوات الركائب لیست معجزة بل المعجزة إنما هي انفتاق الجبل عنها، أو المراد بها الركائب المعجزة .
فإن من الركائب ما هي معجزة وما ليست بمعجزة، والمعدود من جملة المعجزات إنما هو الركائب المعجزة منها لا مطلقا .

لا يبعد أن تجعل الركائب إشارة إلى أبدان السالكين ونفوسهم الحيوانية.
فإن الأبدان ركائب النفوس الناطقة وفي كل منها أبنات وعلامات تدل على مراتب أستعدادات السالكين وعلى تفاوت ما يفيض عليهم بحسب الاستعدادات من الأسماء الإلهية . 
(وذلك)، أي كون بعض الآيات الركائب (لاختلاف) واقع (في المذاهب)، أي مذاهب الأمم في اقتراحاتهم المعجزات من الأنبياء فان لكل منهم مذهبا في اقتراح المعجزة يقتضيه استعداده .
فبعضهم يقتضي استعداده اقتراح الركائب المعجزة، وبعضهم يقتضي استعداده غير ذلك.
 فـ منشأ كون بعض المعجزات من قبيل الركائب إنما هو اختلاف مذاهب الأمم في اقتراحاتهم لتفاوت استعداداتهم .
(فمنهم)، أي من أصحاب الركائب المؤمنين بالأنبياء عليه السلام بسبب اعجاز الركائب (قائمون بها)، أي بتلك

قال الشيخ رضي الله عنه : (
فأما القائمون فأهل عين ... و أما القاطعون هم الجنائب
و كل منهم يأتيه منه ...   فتوح غيوبه من كل جانب
اعلم وفقك الله أن الأمر مبني في نفسه على الفردية و لها التثليث، فهي من الثلاثة فصاعدا. فالثلاثة أول الأفراد.
و عن هذه الحضرة الإلهية وجد العالم ، فقال تعالى «إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون» و هذه ذات، ذات إرادة و قول.  فلولا هذه الذات و إرادتها و هي نسبة التوجه بالتخصيص )
الركائب، أي يقومون بركوبها ويتصدون له (بحق)، أي شهود حق وكشف صادق بحيث لا تحجبهم تعينات الراكبية والمركوبية والمسافة والابتداء، الانتهاء عن شهود الواحد الحق تعالی.
بل يشاهدون أن الكل هو الحق المطلق بل تقيد وتعين بتلك الصور من غير أن تمنعهم كثرة الصور عن شهود الوحدة .
(ومنهم قاطعون بها)، أي بتلك الركائب (السباسب) فيسندون القطع إلى أنفسهم ويجعلون الركائب وسائل في ذلك القطع .
أو برون السباسب المسافة المقطوعة فتحجبهم كثرة هذه الصور عن شهود الوحدة .
فالطائفة الأولى شهدوا الأمر على ما هو عليه .
والطائفة الثانية بقوا في ظلمة الجهل والبعد .
كما قال : (فأما القائمون فأهل عين) يشهدون بها الأمر على ما هو عليه . 
(وأما القاطعون هم الجنايب) جمع جنيبة فعيلة من الجنوب وهو البعد، أي المحجوبون المبعدون .
(وكل منهم)، أي من القائمين والقاطعين (تأتيه منه فتوح غيوبه) الضمير ان المجروران. 
إما راجعان إلى الحق تعالى أو العبد، أو أحدهما للحق والآخر للعبد ولكل وجه يظهر بالتأمل.
وقوله (من كل جانب) متعلق بقوله : يأتيه ، أي من فوقهم وتحت أرجلهم .
(اعلم وفقك الله) لفهم الحقائق على ما هي عليه (أن الأمر)، أي أمر الإيجاد (مبني في نفسه على الفردية)، وهي عدم الانقسام بالمتساويين عما من شأنه الانقسام فلا تشمل الواحد.
وبين أن المقسم إما أن ينقسم بالمتساويين فله الشفعية والثنوية من العدد .
أو لا ينقسم بالمتساويين بل بالمتخالفين في الزيادة والنقصان فله الفردية .
والتثليث ضرورة اشتمال القسم الزائد على الناقص، وفضل.

وإليه أشار بقوله (ولها)، أي الفردية (التثليث فهي)، أي الفردية مبتدأة (من الثلاثة) لأن أقل عدد لا ينقسم إلى متساويين إنما هو الثلاثة (فصاعدا) كالخمسة والسبعة والتسعة وغيرها. 
(فالثلاثة أول الأفراد. وعن هذه الحضرة) الفردية (الإلهية) التي لها التثليث (وجد العالم فقال تعالى: «إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون» فهذه [النحل: 40]الحضرة  الفردية التي لها التثليث ومنها وجد العالم.
(ذات ، ذات إرادة وقول : فلولا هذه الذات وإرادتها وهي

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلولا هذه الذات و إرادتها و هي نسبة التوجه بالتخصيص لتكوين أمر ما، ثم لو لا قوله عند هذا التوجه كن لذلك الشيء ما كان ذلك الشيء.
ثم ظهرت الفردية الثلاثية أيضا في ذلك الشيء، و بها من جهته صح تكوينه و اتصافه بالوجود، و هي شيئيته و سماعه و امتثاله أمر مكونه بالإيجاد.
فقابل ثلاثة بثلاثة:

ذاته الثابتة في حال عدمها في موازنة ذات موجدها، 

وسماعه في موازنة إرادة موجده،

وقبوله بالامتثال لما أمر به من التكوين في موازنة قوله كن، فكان هو .
فنسب التكوين إليه فلو لا أنه من- قوته التكوين من نفسه عند هذا القول ما تكون.
فما أوجد هذا الشيء بعد أن لم يكن عند الأمر بالتكوين إلا نفسه.
فأثبت الحق تعالى أن التكوين للشيء نفسه لا للحق، والذي للحق فيه أمره خاصة. )
نسبة)، أي نسبة هي (التوجه بالتخصيص لتكوين أمر ما، ثم لولا قوله عند هذا التوجه الإرادي كن لذلك الشيء ما كان ذلك الشيء ثم ظهرت الفردية الثلاثية أيضأ في ذلك الشيء) المتوجه إليه (وبها)، أي بتلك الفردية (من جهته)، أي من طرف ذلك الشيء.
(صح تكوينه)، أي تكونه ولهذا عطف عليه قوله : (واتصافه بالوجود) عطف تفسير وإنما قلنا ذلك فإن المكون يعني المؤثر في كون الشيء ووجوده إنما هو الحق سبحانه، ولو جعلته مكونا بملاحظة أن القائل أيضا داخل في التكوين فغير بعيد وتلك الفردية الثلاثية.
(هي شيئيته) الثبوتية (وسماعه وامتثاله أمر مكونه با لإيجاد ، فقابل ثلثه بثلثه : ذاته الثابتة في) العلم في (حال عدمها) بحسب العين (في موازنة ذات موجودها، وسماعه في موازنة إرادة موجده، وقبوله بالامتثال لما أمر به من التكوين)، أي التكون .
(في موازنة قوله كن فكان هو ،فنسب التكوين إليه)، أي إلى الشيء الموجد .
(فلولا أنه في قوته التكوین)، أي التكون بمعنی قبول الكون قبولا ناشئا (من نفسه عند هذا القول)، أي قول کن (ما تكون) .
فقوله : ما تكون قرينة على أن المراد بالتكوين فيما سبق هو التكون وإلا فالمناسب ما کون (فما أوجد هذا الشيء بعد أن لم يكن عند الأمر بالتكوين إلا نفسه).
يعني هو بنفسه محركه من العدم.
 أي من الوجود العلمي إلى العين.
 أي الوجود الخارجي بعد ما أمر به ، وليس للحق سبحانه إلا الأمر.
(فأثبت الحق تعالی) بقوله : "فيكون" ،حيث أسند الكون إلى الشيء نفسه لا إلى الأمر المكون.
(أن التكوین)، أي التكون (للشيء) المأمور بالکون (نفسه لا للحق والذي للحق فيه)، أي في التكوين (أمره خاصة) لا الفعل المأمور به
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكذلك أخبر عن نفسه في قوله «إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون» فنسب التكوين لنفس الشيء عن أمر الله وهو الصادق في قوله.
وهذا هو المعقول في نفس الأمر.
كما يقول الآمر الذي يخاف فلا يعصى لعبده قم فيقوم العبد امتثالا لأمر سيده.
فليس للسيد في قيام هذا العبد سوى أمره له بالقيام، والقيام من فعل العبد لا من فعل السيد.
فقام أصل التكوين على التثليث أي من الثلاثة من الجانبين، من جانب الحق ومن جانب الخلق. ثم سرى ذلك في إيجاد المعاني بالأدلة:
فلا بد من الدليل أن يكون مركبا من ثلاثة على نظام مخصوص وشرط مخصوص، وحينئذ ينتج لا بد من ذلك، وهو أن يركب الناظر دليله من مقدمتين كل مقدمة تحوي على مفردين فتكون أربعة واحد من هذه الأربعة يتكرر في المقدمتين لتربط إحداهما بالأخرى كالنكاح )

(وكذا أخبر عن نفسه في قوله) في موضع آخر (إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فنسب التكوين لنفس الشيء)، أي إلى نفسه لا إلى الله سبحانه وتعالى .
لكنه (عن أمر الله) والله سبحانه (هو الصادق في قوله) المنبيء عن حصر أمره في القول وعن انتساب التكوين إلى الشيء نفسه .
(وهذا)، أي انحصار أمر أنه في القول وانتساب التكوين إلى الشيء نفسه كما أنه المفهوم من قوله المنقول كذلك (هو المعقول في نفس الأمر).
فإن الأمر إنما يطلب من المأمور بصيغة الأمر مبدأ الاشتقاق لا الاشتقاق الذي هو من جملة أفعاله الصادرة عنه فالأمر بكون الفعل المأمور للأمر والفعل المأمور به لئمأمور.
( كما يقول الأمر الذي يخاف) على البناء للمفعول .
وكذلك قوله : (فلا يعصى) والجار والمجرور في قوله (لعبده) متعلق بقوله يقول، أي يقول الأمر لعبده (قم فيقوم العيد امتثالا لأمر سیده فليس للسيد في قيام العبد سوي أمره له بالقيام والقيام من فعل العبد لا من فعل السيد فقام أصل التكوين على التثليث).
( أي) هو منشأ (من الثلاثة من الجانبين من جانب الحق ومن جانب الخلق ثم سرى ذلك) التثليث (في إيجاد المعانی)، أي في الذهن (بالأدلة فلا بد من الدليل) (من أن يكون مركبة من ثلاثة على نظام مخصوص وشرط مخصوص) كما بين في الكتب الميزانية.
(وحينئذ ينتج لا بد من ذلك الإنتاج)، أو من ذلك التركيب للانتاج ونما ذكر أنه لا بد في الدليل عن التثليث، بين فيما ينتج الموجبات من ضروب الشكل الأول بشرف النتيجة وظهور الانتاج .
فقال : (وهو)، أي التركيب (مثل أن يركب الناظر دليله من مقدمتين كل مقدمة تحتوي على مفردین فتكون أربعة كل واحد من هذه الأربعة يتكرر في

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فتكون ثلاثة لا غير لتكرار الواحد فيهما.
فيكون المطلوب إذا وقع هذا الترتيب على الوجه المخصوص وهو ربط إحدى المقدمتين بالأخرى بتكرار ذلك الواحد المفرد الذي به يصح التثليث.
والشرط المخصوص أن يكون الحكم أعم من العلة أو مساويا لها، وحينئذ يصدق، وإن لم يكن كذلك فإنه ينتج نتيجة غير صادقة.
وهذا موجود في العالم مثل إضافة الأفعال إلى العبد معراة عن نسبتها إلى الله أو إضافة التكوين الذي نحن بصدده إلى الله مطلقا. )
المقدمتين ليربط إحداهما بالأخری کالنکاح) الذي هو الوطء فإنه مشتمل على مقدمتي الأبوين المنطوي على كل واحد منهما على آلة التناسل وهو الواحد المتكرر (فتكون ثلاثة لا غير لتكرار الواحد منها فيكون)، أي يوجد (المطلوب إذا وقع هذا الترتيب على هذا الوجه المخصوص وهو ربط إحدى المقدمتين بالأخرى بتكرار ذلك الواحد الفرد الذي) هو مفرد من مفردی کل مقدمة .
و ذلك التكرار بأن يكون محمولا في الصغرى موضوعا في الكبرى .
وفي بعض النسخ : 
الوجه الفرد الذي (به صح التثليث) سمي الأوسط وجها لأنه وجه ثبوت الأكبر للاصغر، وعلنه في الذهن فقط ، إن كان برهان مباينا وفي الخارج أيضا إن كان كليا ولذلك نسميه علة وسببا فيما بعد.
(والشرط المخصوص) فبما ينتج الإيجاب من ضروب الشكل الأول (أن يكون الحكم)، أي المحكوم به يعني الأكبر (أعم من العلة) يعني الأوسط  كما يقال : زید إنسان ،وكل إنسان حیوان، فـ زيد حيوان.
(أو مساويا لها)، كما يقال : زيد انسان حيوان ، وكل إنسان ناطق فـ زيد ناطق. وذلك لتصديق الكبرى كلية .
(وحينئذ تصدق) النتيجة أو القضية التي حكم فيها بالأكبر على كل الأوسط .
(وإن لم يكن كذلك) كما إذا كان الأكبر أخص من الأوسط أو مباينا له ويحكم به عليه كليا . (فإنه ينتج) في بعض المواد (نتيجة غير صادقة).
كما يقال : زید حیوان و كل حیوان فرس فـ زيد فرس.
أو زید حیوان و کل حیوان جماد فـ زيد جماد.
وإنما قلنا : في بعض المواد، لأنه إذا كان الأصغر أفراد الأكبر الأخص من الأوسط، ويحكم بالأكبر على الأوسط كليا تصدق  النتيجة.
 وإن كانت الكبرى كاذبة كما يقال : زيد حيوان وكل حيوان ناطق فـ زيد ناطق. (وهذا)، أي صدق النتيجة عند حكم التثليث في المقدمات و عدم صدقها عند عدمها (موجود) متحقق (في العالم مثل إضافة الأفعال إلى العبد معراة عن نسبتها إلى الله) سبحانه .
فإن من أضافها إلى العبد فقط لم يتفطن بأنه لا بد في تحقيق الأثر من فاعل و قابل و رابعة بينهما .
وبأن القابل لا أثر له بدون الفاعل لا جرم أضأ فيها إلى المقابل فقط. 
وهذه الإضافة كاذبة لعدم ملاحظة التثليث فيها (أو إضافة التكوين الذي نحن بصدده إلى الله مطلقا) من غير أن

قال الشيخ رضي الله عنه : ( والحق ما أضافه إلا إلى الشيء الذي قيل له كن.
ومثاله إذا أردنا أن ندل أن وجود العالم عن سبب فنقول كل حادث فله سبب فمعنا الحادث والسبب.
ثم نقول في المقدمة الأخرى والعالم حادث فتكرر الحادث في المقدمتين.
والثالث قولنا العالم، فأنتج أن العالم له سبب، وظهر في النتيجة ما ذكر في المقدمة الواحدة وهو السبب.
فالوجه الخاص هو تكرار الحادث، والشرط الخاص عموم العلة لأن العلة في وجود الحادث السبب، وهو عام في حدوث العالم عن الله أعني الحكمفنحكم على كل حادث أن له سببا يكون للعبد فيه مدخل. 
وهذا أيضا كاذب كيف (والحق) سبحانه (ما أضافه إلا إلى الشيء) القابل (الذي قيل له کن) مع أن للفاعل المؤثر أيضا فيه مدخلا .
لكنه سبحانه لاحظ جانب تقييد الوجود الظاهر في حقيقة القابل وهو من القليل لا جانب التجلي الوجودي فإنه من الحق سبحانه والنتيجة الصادقة هي الإضافية الواقعة إلى كلا الجانبين والنسبة الرابطة بينهما هو الحق بسبب الواقع (مثاله).

أي مثال سريان التثليث في إيجاد المعاني (إذا أردنا أن ندل على أن وجود العالم عن سبب فنقول كل حادث فله سبب)
وفي تقديم الكبرى إشارة إلى أنها الأصل في الإنتاج لاندراج النتيجة فيها بالقوة وعلى سبيل الإجمال (فمعنا) باعتبار الكبرى (الحادث والسبب)، أي فإن له سببا (ثم نقول في المقدمة الأخرى التي هي الصغرى والعالم حادث فتكرر الحادث في المقدمتين) فكان واحد به ارتبطت إحداهما بالأخرى فتحصل ثلاثة :
 الأول : الحادث، 
والثاني: أن له سببا 
(والثالث: قولنا العالم فأنتج) هذا الدليل المنطوي على التثليث .
(إن العالم له سبب فظهر في النتيجة) تفصيلا (ما ذكر في المقدمة الواحدة) المسماة بالكبرى إجمالا وما ذكر في النتيجة تفصيلا ، وفي تلك المقدمة إجمالا (وهو أن العالم له السبب فالوجه الخاص) الذي أشار إليه أولا بقوله على الوجه المخصوص (هو تكرار الحادث) ليتعدی الحكم بالأكبر إلى الأصغر .
فليس المراد بالوجه الأوسط (والشرط الخاص) الذي أشار إليه أولا بقوله : والشرط المخصوص (هو عموم العلة)، أي عموم هذا الحكم المخصوص يعني الأكبر الذي هو قولنا : له سبب العلة المخصوصة ، يعني الأوسط الذي هو الحادث فتكون إضافة العموم إلى العلة من قبيل إضافة المصدر إلى مفعوله .
ويمكن أن يراد بالعلة الأكبر، لأن الأكبر في هذه المادة مو السبب والعلة ترادف السبب فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل.
ثم أشار إلى عموم الأكبر لكل أفراد الأوسط بقوله : (لأن العلة)، أي العلة المؤثرة (في وجود الحادث السبب) فالحادث له سبب (وهو) أي الحكم بأن الحادث له سبب.
أو قولنا له سبب (عام في حدوث العالم) ، أي شامل لكل أفراد الحادث المحمول على العالم .
وقوله : (عن الله) قيد اتفاقي أشار إلى ما عليه الأمر
قال الشيخ رضي الله عنه : ( سواء كان ذلك السبب مساويا للحكم أو يكون الحكم أعم منه فيدخل تحت حكمه، فتصدق النتيجة.

فهذا أيضا قد ظهر حكم التثليث في إيجاد المعاني التي تقتنص بالأدلة.

فأصل الكون التثليث، ولهذا كانت حكمة صالح عليه السلام التي أظهر الله في تأخير أخذ قومه ثلاثة أيام وعدا غير مكذوب، فأنتج صدقا وهو الصحيحة التي أهلكهم الله بها فأصبحوا في ديارهم جاثمين. )
 
في نفسه (أعني الحكم) سواء أريد بالحكم النسبة الإيقاعية أو المحكوم به كما أشرنا إليه تفسير للضمير الغائب أعني هو (فنحكم على كل حادث أن له سببأ سواء كان السبب) أي الوسط فعبر عنه به أولا بالعلة (مساوية للحكم)، أي الأكبر فيكون الحكم أيضا مساويا له وذلك إذا أردنا بالحادث الحادث الذاتي.
(أو يكون الحكم أعم منه) وذلك إذا أردنا بالحادث الحادث الزماني (فيدخل) أن السبب الذي هو الأوسط (تحت حكمه)، أي حكم الأكبر (فتصدق النتيجة) ضرورة تعدي الحكم من الأوسط إلى الأصغر.
(فهذا أيضا قد ظهر حكم التثليث)، أي هذا حكم التثليث على أن يكون اسم الإشارة مبتدأ وحكم التثليث بیانة به أو بدلا عنه .
وقوله : وقد ظهر خبره أو يكون حكم التثلیث خبرة عنه.
وقوله: قد ظهر استئنافا أو قيدا للخبر ويحتمل أن يكون هذا مبتدأ وما بعده خبره على تقدير عائد إليه.
أي هذا أيضا قد ظهر به حكم التثليث الواقع (في إيجاد المعاني التي تقتضي بالأدلة) وحينئذ يكون إيراد قوله أيضا بالنظر إلى مطلق التثليث
(فأصل الكون)، أي ما ينبني عليه الكون خارجا أو ذهنا (التثليث).
(ولهذا)، أي لكون الأصل في الكون التثليث (كانت حكمة صالح عليه السلام التي أظهر الله)، أي أظهرها الله.
(في تأخير أخذ قومه ثلاثة أيام) يتلونون فيها بثلاثة ألوان (وعدا) صادقا (غير مكذوب) قوله : في تأخير.
متعلق بقوله : كانت أو بقوله: أظهر .
وقوله : ثلاثة أيام مفعول فيه للتأخير. 
وقوله : وعدة منصوب على أنه خبر كانت.
وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه وعد غير مكذوب بالرفع كما هو في القرآن أورده على سبيل الحكاية أو هو مرفوع خبر مبتدأ محذوف، أي ذلك وعد غير مكذوب وحينئذ تكون كانت تامة .
أو يكون قوله : في تأخير أخذ قومه خبر لها. ويحتمل أن يكون على تقدير النصب أيضا تامة ويكون المنصوب حالا من الحكم أو الأخذ
(فأنتج) التثليث المذكور (صدقا)، أي نتيجة صادقة موعودة غير مكذوبة (وهي الصبحة التي أهلكهم بها فأصبحوا في ديارهم)، أي ما كانوا فيه (جاثمين) أي قاعدين لا يستطيعون القيام بالترقي عنه .


قال الشيخ رضي الله عنه : ( فأول يوم من الثلاثة اصفرت وجوه القوم، وفي الثاني احمرت وفي الثالث اسودت.
فلما كملت الثلاثة صح الاستعداد فظهر كون الفساد فيهم فسمى ذلك الظهور هلاكا، فكان اصفرار وجوه الأشقياء في موازنة إسفار وجوه السعداء في قوله تعالى «وجوه يومئذ مسفرة» من السفور وهو الظهور، كما كان الاصفرار في أول يوم ظهور علامة الشقاء في قوم صالح.
ثم جاء في موازنة الاحمرار القائم بهم قوله تعالى في السعداء «ضاحكة»، فإن الضحك من الأسباب المولدة لاحمرار الوجوه، فهي في السعداء احمرار الوجنات.
ثم جعل في موازنة تغير بشرة الأشقياء بالسواد قوله تعالى «مستبشرة» وهو ما أثره السرور في بشرتهم كما أثر السواد في بشرة الأشقياء.
ولهذا قال في الفريقين بالبشرى، أي يقول لهم قولا يؤثر في بشرتهم فيعدل بها إلى لون لم تكن البشرة تتصف به قبل هذا.
فقال في حق السعداء «يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان» وقال في حق الأشقياء «فبشرهم بعذاب أليم» .
فأثر في بشرة كل طائفة ما حصل في نفوسهم من أثر )
(فأول يوم من الثلاثة اصفرت وجوه القوم وفي الثاني احمرت، وفي الثالث اسودت ، فلما كملت الثلاثة) في أيامهم وألوانهم (صح الاستعداد)، أي استعداداتهم للفساد والهلاك (فظهر كون الفساد فيهم)، أي نحنق الفساد ووجوده أو الكون الذي يتبع الفساد لأن كل فساد پسنزم کونا (فسمي ذلك الظهور هلاكا فكان أصفرار وجوه الأشقياء في موازنة إسفار وجوه السعداء في قوله تعالى: "وجوه يومئذ شفرة" ) فيكون الإسفار في أول يوم ظهور علامة السعادة في السعداء .
(كما كان الاصفرار في أول يوم ظهور علامة الشقاء في قوم صالح ثم جاء في موازنة الإحمرار القائم بهم)، أي الغر السريع الزوال، بخلاف احمرار الوجنات عند الضحك فإنه سريع الزول (قوله تعالى في السعداء "وجوه يومئذ" "ضاحكة" فإن الضحك من الأسباب المولدة لاحمرار الوجوه فهي)، أي الضاحكة باعتبار الضحك المفهوم منها
(في السعداء احمرار الوجنات ثم جعل في موازنة تغيير بشرة الأشقياء بالسواد قوله تعالی: "مستبشرة" [عبس: 38]) .
وهو ما أثره السرور في بشرتهم كما أثر السواد في بشرة الأشقياء.
ولهذا قال الحق تعالى في الفريقين بالبشرى، أي يقول لهم قولا يؤثر في بشرتهم فيعدل بها إلى لون لم تكن البشرة تتصف به قبل هذا فقال تعالى في حق السعداء يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان" [التوبة: 21]. 
وقال في حق الأشقياء: "فبشرهم بعذاب أليم " [التوبة: 34]. 
فأثر في بشرة كل طائفة ما حصل في نفوسهم من أثر هذا 

قال الشيخ رضي الله عنه : ( هذا الكلام.
فما ظهر عليهم في ظاهرهم إلا حكم ما استقر في بواطنهم من المفهوم.
فما أثر فيهم سواهم كما لم يكن التكوين إلا منهم. فلله الحجة البالغة.
فمن فهم هذه الحكمة وقررها في نفسه وجعلها مشهودة له أراح نفسه من التعلق بغيره وعلم أنه لا يؤتى عليه بخير ولا بشر إلا منه.
وأعني بالخير ما يوافق غرضه ويلائم طبعه ومزاجه، وأعني بالشر ما لا يوافق غرضه ولا يلائم طبعه ولا مزاجه.
ويقيم صاحب هذا الشهود معاذير الموجودات كلها عنهم وإن لم يعتذروا، ويعلم أنه منه كان كل ما هو فيه كما ذكرناه أولا في أن العلم تابع للمعلوم، فيقول لنفسه إذا جاءه ما لا يوافق غرضهيداك أوكتا وفوك نفخ.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.)
الكلام فما ظهر عليهم في ظاهرهم إلا حكم ما استقر في بواطنهم من المفهوم عن ذلك الكلام فما أثر فيهم سواهم)، أي أمر خارج عنهم.
(كما لم يكن التكوين إلا منهم "فلله الحجة البالغة" ) [ الأنعام : 149] على الناس كلهم سعيدهم وشقيهم فيما يعطيهم ويظهر عليهم في أيام السعادة والشقاوة .
(فمن فهم هذه الحكمة) الفتوحية (وقررها في نفسه) بتحصيل العلم اليقيني بها الغير الزائل (وجعلها مشهودة له) و استحضرها في جميع أحواله .
(أراح نفسه من التعلق بغيره وعلم أنه لا يؤنى عليه خير ولا شر إلا منه وأعني بالخير ما يوافق غرضه ويلائم طبعه ومزاجه وإن لم يوافق أغراض أخرين ولا بلائم طباعهم وأمزجتهم وأعني بالشر ما لا يوافق غرضه ولا بلائم طبعه ولا مزاجه) 
وإن وافق غرض آخرین ولائم طباعهم وأمزجتهم، وإنما صرح بهذه العناية تنبيها على أن الشر المطلق لا وجود له في نفس الأمر با الخبر المطلق أيضا .
(ويقيم صاحب هذا الشهود معاذير الموجودات كلها عنهم وإن لم يعتذروا) عن أنفسهم ضرورة أنه يعرف مبدأ ذنك وأنهم مضطرون فيه (ويعلم أنه منه)، أي من نفسه (كان)، أي وجد .
(كل ما هو فيه) بما يوافق غرضه أو لا يوافق (كما ذكرناه أولأ في أن العلم تابع للمعلوم فيقول لنفسه إذا جاءه ما لا يوافق غرضه: يداك أوكتا وفوك نفخ).
هذا مثل مشهور يضرب لمن يتحسر ويضجر عما يرد عليه منه، أي ما صدر من ظاهرك وما ظهر من باطنك، كل منهما منشيء من حقيقتك لا من غيرك . 
يقال : أوکی على سقائه إذا شده بالوكاء. والوعاء لقربة هو الخيط الذي يشد به فوها.
(والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2019 9:08 pm

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الشعيبي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الأول
12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله ورحمته لا تسعه: هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم )
لما كان شعيب عليه السلام مع كونه صاحب قلب قابلا لتجلي الاسم الله أحدية جمع الأسماء الإلهية المتشعبة إلى ما لا يتناهی مضاهيا للقلب، سواء أريد به النفس الناطقة في بعض مراتبها أو اللحم الصنوبري الذي هو متعلقها وسحل تصرفاتها لتشعبه إلى شعوب وقبائل كما ينبیء عنه اسمه.
وفي إيتاء كل ذي حق حقه بالقسط والعدل كما يدل عليه أمره أمته بذلك، فإن القلب بكل واحد من معنييه متشعب إلى شعب كثيرة موفي كل ذي حق منها حقه.
وصف الشيخ رضي الله عنه الحكمة المنسوبة إلى كلمته بالقلبية وصدر ببيان أحوال القلب.
فقال : (اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله) أحدية جمع الأسماء كلها، فإن صاحب القلب في اصطلاح هذه الطائفة إنما هو العارف بالاسم الله أحدية جميع الأسماء، فمن لم يكن عارف بالله سواء لم يكن عارفا أصلا أو كان عارفا ببعض الأسماء المخصوصة دون بعض، فلا يسمى قلبه قلبا إلا مجازا ولا يصح الحكم عليه بالسعة المذكورة.
(هو من رحمة الله ورحمته) رأفته ولطفه فإن تعينات الأشياء في العلم بالفيض الأقدس، ووجوداتها في العين بالفيض المقدس إنما هي من الأسماء اللطيفة الجمالية (وهو)، أي القلب (أوسع منها)، أي من رحمة الله ، فإن سعة القلب عبارة عن إحاطتها بالأشياء اعتبار جامعيتها للأشياء.
فإنها حقيقة جامعة لها أو باعتبار العلم والشهود وسعة الرحمة عبارة عن شمول الأشياء ووصول اثاره إليها ولا شك أن علم القلب وشهوده أوسع من رحمته (فإنه)، أي القلب باعتبار علمة وشهوده (وسع الحق جل جلاله) بتجلياته الذاتية والأسمائية كما أنه وسع الأشياء علما وشهودا.
(ورحمته) و إن وسعت کل شيء (لا تسعه)، أي الحق سبحانه (وهذا)، أي المتقول بأن رحمة الله لا تسعه (لسان عموم)، أي عامة العلماء قائلون به ولكن قولهم هذا (من باب الإشارة) لا صريح العبارة .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس:
وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية )
 
فإنهم لم يصرحوا به ولكن يلزم مما صرحوا به من عقائدهم (فإن الحق راحم) عندهم (ليس بمرحوم) فإنهم لم ينتبهوا لكرب الأسماء الإلهية والتنفس عنها بإيجاد العالم (فلا حكم للرحمة فيه) ولا يصل أثر منها إليه فلا تسعه.
(وأما الإشارة من لسان الخصوص)، فهي أن رحمة الله تسعه (فإن الله سبحانه وصف نفسه) على لسان نبيه (بالنفس) حيث قال صلى الله عليه وسلم :" إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن" .
(وهو)، أي النفس (من التنفيس) وهو تفريج الكروب فإن المتنفس إنما يتنفس دفعة الكرب الهواء الحار عن باطنه وطلبة لراحة ورود الهواء البارد عليه ، فالتنفيس في الجناب الإلهي إشارة إلى التخلص من كرب طلب الأسماء الإلهية الظهور، ومن كرب طلب الحقائق الكونية الوجود.
ولا شك أن التفريج عن الكرب رحمة فرحمة الله تسعه ، ولما كان لقائل أن يقول: منشأ هذا الطلب الأسماء لا محض الذات فالتخلص من الكرب يكون للذات من حيث الأسماء لا من حيث هي فلا تكون الراحة شاملة لها .
دفعه بقوله :
(وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليست)، أي الأسماء (إلا هو)، أي المسمى فيكون تکرارة وتأكيدة للأول.
وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه وليس بدون تاء التأنيث، أي لبس المسمى إلا هو أي الحق فتكون الأسماء عين الحق وإذا وسعتها الرحمة وسعته (وأنها)، أي الأسماء (طالبة ما تعطيه) تلك الأسماء ثبوت في العلم ووجودا في العين (من الحقائق).
أي الحقائق الكونية بيان لما أعني الأسماء طلب الحقائق التي ثبوتها في العلم ووجودها في العين بتلك الأشياء.
(وليست الحقائق التي تطلب الأسماء) لتكون مجالی أحكامها ومظاهر آثارها (إلا العالم) بما فيه من الأجناس والأنواع والأشخاص (فالألوهية) التي حضرة الأسماء الوجوبية المؤثرة في الكون (تطلب المألوه) الذي هو متعلق تأثيراتها وتصرفاتها ضرورة توفيق تحقق النسبة على تحقق المنتسبين. 
ولما كانت الإلهية والألوهية عبارة عن مرتبة الأسماء المؤثرة كان معنى الإله المؤثر بأسمائه فيكون معنى اسم الفاعل لا سيما اشتق رضي الله عنه لما يقابله ، أي المتأثر المألوه اسم مفعول فيكون المألوه موجودة من معنا. 
الاصطلاحي لا معانيه اللغوية فلا إشكال (و) كذلك (الربوبية) التي هي حضرة الأفعال
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا.
والحق من حيث ذاته غني عن العالمين.
والربوبية ما لها هذا الحكم.
فبقي الأمر بين ما تطلبه الربوبية وبين ما تستحقه الذات من الغنى عن العالم.
وليست الربوبية على الحقيقة والاتصاف إلا عين هذه الذات.
فلما تعارض الأمر بحكم النسب ورد في الخبر ما وصف الحق به نفسه من الشفقة على عباده. )
(تطلب المربوب) الذي هو متعلق آثارها، وإذا كانت الألوهية والربوبية يطلبان المألوه، والمربوب ليس إلا العالم ، فإن كان العالم يكون للألوهية أو الربوبية عين .
(وإلا)، أي وإن لم يكن العالم لم يكن لها، أي الألوهية والربوبية عين (فلا عين لها)، أي للألوهية والربوبية (إلا به)، في العالم (وجودا) في العين .
(وتقديرا) في الذهن يعني خارج ودها
 
 قال الشيخ رضي الله عنه :  (والحق سبحانه من حيث ذاته غني عن العالمين والربوبية ما لها هذا الحكم) ، أي حكم الغني لافتقارها إلى المربوب، وإنما اقتصر على الربوبية لأنها أنزل من الألوهية فهي مستلزمة لها (فبقي الأمر) دائرا (بين ما تطلبه الربوبية وبين ما تستحقه الذات من الغني عن العالم وليست الربوبية على الحقيقة والانصاف إلا عين هذه الذات).
أي من نظر إلى حقيقة الأمر ونصف من نفسه حکم بأن الربوبية عين الذات بمعنى أنه ليس في الخارج إلا الذات، فإن الربوبية نسبة عقلية لا وجود لها في الخارج وإن أتصل بنا الموجود الخارجي.
وذهب بعض الشارحين إلى أن الاتصاف افتعال من الوصف وجعله عطف على الحقيقة ، ولا يخلو عن سماحة ولو جعل على هذا معطوفة على الربوبية، أي ليست الربوبية و اتصاف الذات بها إلا عين الذات لكان أحسن.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فلما تعارض الأمر)، أي أمر الذات (بحكم النسب)، أي نسبة المعنى وأن لا عين ولم تبق الذات على صرافة المعنى .
(ورد في الخبر) النبوي الوارد بأنصاف الحق سبحانه بالنفس المنبئ عن التنفيس الذي هو عين الذات من وجه .
(ما وصف الحق به نفسه) حيث قال : والله رؤوف بالعباد (من الشفقة) الواقعة (على عباده) وكما أن عباده تتعلق بهم الشفقة والرحمة فكذلك تتعلق به أيضا الشفقة والرحمة التي هي التنفس عن کرب الأسماء
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فأول ما نفس عن الربوبية بنفسه المنسوب إلى الرحمن بإيجاده العالم الذي تطلبه الربوبية بحقيقتها وجميع الأسماء الإلهية.
فيثبت من هذا الوجه أن رحمته وسعت كل شيء فوسعت الحق، فهي أوسع من القلب أو مساوية له في السعة.
هذا مضى، ثم لتعلم أن الحق تعالى كما ثبت في الصحيح يتحول في الصور عند التجلي، وأن الحق تعالى إذا وسعه القلب لا يسع معه غيره من المخلوقات فكأنه يملؤه.
ومعنى هذا أنه إذا نظر إلى الحق عند تجليه له لا يمكن أن ينظر معه إلى غيره.
وقلب العارف من السعة كما قال أبو يزيد البسطامي «لو أن العرش و ما حواه )
 
قال الشيخ رضي الله عنه :   (فأول ما نفس)، أي أول تنفيسه على أن تكون ما مصدرية هو التنفيس (عن الربوبية) أول تنفيسه من الربوبية (بنفسه المنسوب إلى الرحمن) إنما هو (بإيجاد العالم الذي تطلبه الربوبية بحقيقتها) الطالبة لوجود العالم .
فقوله : فأول ما نفس، مبند خبره أما قوله : عن الربوبية أو قوله بایجاد العالم و قوله : (وجميع الأسماء الإلهية) إما مجرور عطفا على الربوبية التي هي مدخول عن أو مرفوع عطفا على الربوبية .
التي هي فاعل تطلبه وأما جعل "ما" في و"ما نفس" موصولة فوجه صحته غير ظاهر (فثبت من هذا الوجه) الذي يتكلم به لسان الخصوص (أن رحمته وسعت كل شيء) حقا كان أو خلقا (فوسعت)، أي الرحمة (الحق) أيضا (فهي)، أي الرحمة (أوسع من القلب) فإنها وسعت القلب وما سواه والقلب لا يسع نفسه ، هذا إذا اعتبر سعة القلب باعتبار انطوانه علی الحقائق كلها.
وأما إذا اعتبرت باعتبار العلم فهو يسع نفسه أيضا فتكون الرحمة حينئذ مساوية له في السعة، وإنى هذا أشار بقوله : (أو مساوية له في السعة هذا) الذي تكلم به لسان العموم و الخصوم (مضی) وبعد الكلام في بيانه قد انقضى.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ثم لتعلم أن الحق تعالی كما ثبت في الصحيح بتحول في الصور) المختلفة (عند التجلی) بالسعة والضيق فتارة بتجلي في هذه الصورة وتارة في تلك الصورة. 
(و) لنعلم أيضا (أن الحق تعالى إذا وسعه القلب) وصار مجلی له (لا يسع معه غيره من المخلوقات) ولا تبقى فيه فضلة يحل فيها غير الحق سبحانه (فكأنه يملأه) حتى لا يبقى منه فضلة للغير. 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ومعنى هذا) الذي ذكرنا من أنه إذا تجنى الحق لم يسع القلب غيره (أنه إذا نظر إلى الحق عند تجلبه له لا يمكن معه أن ينظر إلى غيره) لانحيازه بالكلية إليه و انتهار الأشياء تحت قهر التجلي.
(وقلب العارف من السعة) والإطلاق إنما هو (كما قال أبو يزيد البسطامي قدس الله سره:
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس به».
وقال الجنيد في هذا المعنى: إن المحدث إذا قرن بالقديم لم يبق له أثر، وقلب يسع القديم كيف يحس بالمحدث موجودا.
وإذا كان الحق يتنوع تجليه في الصور فبالضرورة يتسع القلب ويضيق بحسب الصورة التي يقع فيها التجلي الإلهي، فإنه لا يفضل شيء عن صورة ما يقع فيها التجلي.
فإن القلب من العارف أو الإنسان الكامل بمنزلة محل فص الخاتم من الخاتم لا يفضل بل يكون على قدره وشكله من الاستدارة إن كان الفص مستديرا أو من التربيع والتسديس والتثمين وغير ذلك من الأشكال إن كان الفص مربعا أو مسدسا أو مثمنا أو ما كان من الأشكال، فإن محله من الخاتم يكون مثله لا غير. )


(لو أن العرش وما حواه) العرش من الكرسي والسموات والأرضين وما فيها من أنواع الموجودات (مائة ألف ألف مرة) وتقع (في زاوية من زوايا القلب العارف ما أحس به)، لأنه لا قدر له محسوسة بالنسبة إلى التجليات الغير المتناهية التي يسعها قلب العارف فإن العرش وما فيه على أي مقدار فرضي يكون متناهيا لا قدر المتنامي في أي مرتبة كان من الكثرة بالنسبة إلى غير المتناهي. 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقال الجنيد رضي الله عنه في هذا المعنى إن المحدث) المتناهي (إذا قرن) في قلب العارف (بالقديم) الغير المتناهى بتجلياته (لم يبق له أثر)، بل تضمحل عينه فكيف بالأثر (وقلب يسع القديم كيف يحس بالمحدث) الذي لا قدر په حال كون ذلك المحدث (موجودا فيه).
وقوله رضي الله عنه  : موجودا حال من المحدث ويمكن أن يجعل مفعولا ثانيا للاحساس تتضمنه معنى العلم.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وإذا كان الحق سبحانه يتنوع بتجليه في الصور) المختلفة بالسعة والضيق (فـ بالضرورة يتسع القلب وضيق بحسب الصورة التي يقع فيها التجلي الإلهي)، فإن كان في تلك الصور نوع سعة يتسع القلب بحسبها وقدرها وإن كان نوع ضيق يضيق القلب بحسبه و قدره .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فإنه لا يفضل من القلب شيء عن صورة ما يقع فيها النجلي، فإن القلب من العارف أو الإنسان الكامل بمنزلة محل فص الخاتم من الخاتم).
فكما أن فص الخاتم (لا يفضل) عن الفص (بل يكون على قدره) من الكبر والصغر (و) على ذلك .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (شكله من الاستدارة أو كان الفص مستديرة أو من التربيع والتسديس والتثمين وغير ذلك من الأشكال، إن كان الفص مربعة أو مسدسة أو مثمنة أو ما كان من الأشكال فإن محله) أي محل الفص (من الخاتم يكون مثله) في القدر والشكل (لا غير).
فكذلك قلب العارف لا يفضل على الصورة المتجلى فيها، بل ينطبق عليها أن يكون على قدرها في السعة والضيق التي هي في الصور المنجلي فيها الاستدارة في الأشكال.
فإن المستدير منها
 

قال الشيخ رضي الله عنه :  (وهذا عكس ما يشير إليه الطائفة من أن الحق يتجلى على قدر استعداد العبد.
وهذا ليس كذلك، فإن العبد يظهر للحق على قدر الصورة التي يتجلى له فيها الحق.
وتحرير هذه المسألة أن لله تجليين.
تجلي غيب وتجلي شهادة، فمن تجلي الغيب يعطي الاستعداد الذي يكون عليه القلب، وهو التجلي الذاتي الذي الغيب حقيقته، وهو الهوية التي يستحقها بقوله عن نفسه «هو».
فلا يزال «هو» له دائما أبدا. )
 
أوسع من الضيق الذي هو في الصورة المنجلي فيها كسائر الأشكال، فإنها أضيق من المستدير فيها تفاوت بحسب ترتبها من الاستدارة وبعدها عنها .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وهذا) الذي ذكرنا بحسب الظاهر (عكس ما تشير إليه الطائفة من أن الحق بتجلي على قدر استعداد العبد)، فيكون التجلي تابعا للعبد (وهذا) الذي ذكرناه (ليس كذلك)، أي كما أشارت إليه الطائفة (فإن العبد) بل قلبه على ما ذكرنا (يظهر للحق على قدر الصورة التي يتجلى فيها الحق) فيكون العبد تابعة للتجلي.
(وتحرير هذه المسألة ) على وجه يفيد التوفيق بين ما أشارت إليه الطائفة وبين ما أشرنا إليه (أن لله تجليين) بل ثلاث تجليات (تجلي غيب) تحصل به الأعيان الثابتة واستعداداتها في حضرة العلم التي هي غيب بالنسبة إلى ما تحتها .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وتجلي شهادة) توجد به تلك الأعيان في الخارج، وحضرة الشهادة بعدما كانت ثابتة في العلم، وتجلي شهود يتجلی به على عباده بعد وجودهم دنیا و برزخا وآخرة فيشاهدونه به .
وكان رضي الله عنه أراد بالتجلي الشهادي ما هو أعم من أن يكون تجلية يفيد الوجود الشهادي، أو يكون بعد الوجود الشهادي، فلهذا جعله قسمين .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن تجلي الغيب يعطي الحق سبحانه) القلب الاستعداد الكلي (الذي عليه القلب) من حيث عينه الثابتة في الحضرة العلمية قبل وجوده العبني، أو الاستعدادات الجزئية التي عليها القلب بوجوده العيني، فإنها أيضا منتشئة من ذلك التجني العيني، وإن انضمت إليه أمور خارجية أيضا، فإن ذلك الانضمام أيضا من مقتضياته.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وهو)، أي تجلي الغيب (التجلي الذاتي) فإن المتجلي به هو غیب شوية الذات ولذلك قال : (الذي الغيب)، أي غيبة هوية الذات (حقیقته) التي هو بها ، ويمكن أن يقال معنى کون الغيب حقيقته أن كونه غيبة حقيقة لازمة له لا تنفك منه.
فإن ذلك التجلي إنما هو بصور الأعيان الثابتة وهي لا تزال ثابتة في العلم لا تبرح عنه (فلا يزال هو)، أي غيب هوية الذات (له).
أي لذلك التجلي فإنها المتجلية به أو لا يزال کونه غيبة ثابتة (وهو الهوية التي يستحقها بقوله عن نفسه "هو" فلا يزال هوه له دائما أبدأ )
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإذا حصل له أعني للقلب هذا الاستعداد، تجلى له التجلي الشهودي في الشهادة فرآه فظهر بصورة ما تجلى له كما ذكرناه.
فهو تعالى أعطاه الاستعداد بقوله «أعطى كل شي ء خلقه»، ثم رفع الحجاب بينه وبين عبده فرآه في صورة معتقده ، فهو عين اعتقاده. فلا يشهد القلب ولا العين أبدا إلا صورة معتقده في الحق.
فالحق الذي في المعتقد هو الذي وسع القلب صورته، وهو الذي يتجلى له فيعرفه.
فلا ترى العين إلا الحق الاعتقادي.
ولا خفاء بتنوع الاعتقادات: فمن قيده أنكره في غير ما قيده به، وأقر به فيما قيده به إذا تجلى. )
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فإذا حصل له اعني القلب) في الحضرة العلمية (هذا الاستعداد) انكلى (تجلى الحق له)، أي للقلب (التجلي الشهودي في الشهادة) بعد وجوده فيها بالتجلي ...
قال الشيخ رضي الله عنه : (ومن أطلقه عن التقييد لم ينكره وأقر به في كل صورة يتحول فيها ويعطيه من نفسه قدر صورة ما تجلى له إلى ما لا يتناهى، فإن صور التجلي ما لها نهاية تقف عندها.
وكذلك العلم بالله ما له غاية في العارف يقف عندها، بل هو العارف في كل زمان يطلب الزيادة من العلم به.

«رب زدني علما» ، «رب زدني علما»، «رب زدني علما».
فالأمر لا يتناهى من الطرفين. هذا إذا قلت حق وخلق، فإذا نظرت في قوله : «كنت رجله التي  يسعى بها و يده التي يبطش بها و لسانه الذي يتكلم به» إلى غير ذلك من القوى، و محلها )
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت نوفمبر 23, 2019 12:38 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2019 9:09 pm

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الشعيبي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الثاني
12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ومن أطلقه عن التقييد) من العارفين والعاملين (لم ينكره) في صورة من الصور (وأقر به في كل صورة بتحول فيها ويعطيه من نفسه من اسم التعظيم والإجلال قدر صورة ما تجلی)، أي على مقدار مرتبة صورة ما تجلى (فيها) فإن لكل صورة من صور التجليات اقتضاء خاصة يقتضي نوعا خاصا وقدرة معينة من التعظيم والإجلال لا تقتضيه غيرها.
قال شيخ الشيخ المؤلف قدس الله سرهما: 
لا تنكر الباطل في طوره      ….. فإنه بعض ظهوراته 
واعطه منك بمقدار حقه         ….. حتى توفي حق إثباته
وهذه الصورة المتجلي فيها وإن كانت بحسب أنواعها منحصرة لكنها بحسب أشخاصها ذاهبة (إلى ما لا يتناهى فإن صور التجلي ما لها نهاية بقف) التجلي (عندها وكذلك العلم بالله ما له غاية في العارفين يقف عندها)، أي عند تلك الغاية فلا يزيد عليها .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (بل هو)، أي العارف أو الشأن أن (العارف في كل زمان يطلب) بلسان الاستعداد (الزيادة من العلم به)، أي الحق فإنه في كل مرتبة يحصل له من العلم ما يستعد به لمرتبة أخرى فوقها فتقول في زمان ما ( "رب زدني علما" ) [طه: 114] .

فإذا ازداد علمه واستعد العلم آخر يقول: ثالثا ("رب زدني علما") هكذا إلى ما لا يتناهی .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فالأمر)، أي أمر العلم (لا يتناهي من الطرفين)، أي طرفي الحق والعبد فلا الطلب ينتهي من جانب العبد ولا التجلي من جانب الحق.
هذا الذي ذكرنا من إثبات الطرفين وجعل أحدهما متجلية مفيضة للعلم والأخر متجلى له وطالبة لزيادة العلم إنما ينحفق (إذا قلت هناك خلق وحق) و میزت بينهما بأن جعلت مرتبة الجمع والإجمال حقا ومرتبة الفرق والتفصيل خلقة.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فإذا نظرت في قوله تعالى) على لسان نبيه: (كنت رجله التي يسعى بها ويده التي يبطش بها ولسانه الذي )
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( الذي هو الأعضاء، لم تفرق فقلت الأمر حق كله أو خلق كله.
فهو خلق بنسبة وهو حق بنسبة والعين واحدة.
فعين صورة ما تجلى عين صورة من قبل ذلك التجلي، فهو المتجلي والمتجلي له.
فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى.
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه )
 
(يتكلم به إلى غير ذلك من القوى ومحالها التي هي الأعضاء لم تفرق) بين المرتبتين بل جعلتهما أمرا واحدا ظهر بنسبتي الوحدة والكثرة .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فقلت: الأمر) الذي كلا منا فيه وهو الوجود (حق كله) باعتبار جهة الوحدة (أو خلق كله) باعتبار جهة الكثرة (فهو خلق بنسبته)، وهي جهة الكثرة (وحق بنسبته) بومي جهة الوحدة (والعين) في الإعتبارین
(واحدة فعين صورة ما تجلی) بالتجلي الشهادي أو الشهودي (عين ما قبل ذلك التجلي، فهو أي الحق هو المتجلي أو المتجلى له.)
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فانظر ما أعجب أمر الله) وشأنه (من حيث هويته) الغيبية التي تقتضي إسقاط النسب (ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى) فأمره وشأنه من حيث هويته تقتضي حقائق الأسماء التنزيهية ، ومن حيث نسبته إلى العالم سائر الأسماء. 
فقوله في حقائق الأسماء مرتبط بقوله : أمر الله حيث يكون الأمر الواحد الذي هو الحق بإطلاقه الذاتي ظهر في الحيثيتين المتقابلتين وهو فيهما عينهما مع وحدته المقدسة عن التنزيه والتقابل .
(فمن ثم)، أي في الواقع وهو إنكار لوقوع الماهيات والأشخاص من ذوي العقول. وقوله : (وما ثم) إنكار لوقوعها من غير ذي العقول (وعين) تعين (ثم)، أي في الواقع (هو) أي الحق (ثمه)، أي في الواقع أي كل عين تعين بتعين مخصوص في الواقع هو الحق بعينه فيه .
(فمن قد عمه خشه.. ومن قد خصه عمه) 
وأطلقه عن القيود ونزهه عن الإطلاق المقابل للتقييد وإذا ثبت هذا الإطلاق.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فما عين) من الأعيان (سوی عین) أخر (فنور) في أي مرتبة كانت (عينه ظلمة) يقابل باعتبار هذه الحقيقة المطلقة فإنها هي التي تظهر بصور المتقابلات .
(فمن يغفل عن هذا) الذي ذكرناه من معنى الإطلاق .
(بجد في نفسه غمه)، لأنه يجهل الأمر على ما هو عليه و الجاهل مغموم أبدا .
(ولا يعرف ما قلنا .. سوى عبد له همه ) قوية عالية لا تقنع بظواهر العلوم ولا يقف عند مبلغ علماء الرسوم، بل يخرق العادات ويرفع حجب التعينات ولا برضى من كل شيء إلا باللب لا تسكن مع القشور أبدا.
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  («إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب» لتقلبه في أنواع الصور والصفات ولم يقل لمن كان له عقل، فإن العقل قيد فيحصر الأمر في نعت واحد والحقيقة تأبى الحصر في نفس الأمر.
فما هو ذكرى لمن كان له عقل وهم أصحاب الاعتقادات الذين يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا وما لهم من ناصرين.
فإن إله المعتقد ما له حكم في إله المعتقد الآخر: فصاحب الاعتقاد يذب عنه أي عن الأمر الذي اعتقده في إلهه وينصره، وذلك)
 
 (قال تعالى : (" إن في ذلك " )، أي القرآن الناطق بإثبات أمور متخالفة للحق سبحانه من التنزيه والتشبيه (و لأخرى)، أي تذكر بما هو الحق عليه في نفسه من التغلب في الشؤون.
(لمن كان له قل ) سمى به (لتقلبه في أنواع الصور والصفات) المتخالفة لاختلاف التجليات.
وإنما قال : "لمن كان له قلب" [ق : 37] (ولم يقل: لمن كان له عقل فإن العقل) لغة وحقيقة (قید) أما لغة فإنه يقال : عقل البعير بالعقال أي قيده به ، وعقل الدواء البطن أي عنده . 
وأما حقيقة فلأن العقل يقيد العاقل مما يؤدي نظره وفكره إليه (فيحصر القلب في نعت واحد والحقيقة تأبى الحصر)، في نعت واحد (في نفس الأمر فما هو).
أي القرآن (ذكرى لمن كان له عقل) لقيده بما يؤديه الفكر إليه فإنه ليس ممن يتذكر بما وقع في القرآن من الآيات الدال على التنزيه والتشبيه جميعا.

بل تأول ما وقع على خلاف ما يؤديه فكره إليه كالآيات الدالة على التشبيه مثلا.
(وهم)، أي من كان لهم عقل هم (أصحاب الاعتقادات) الجزئية و التتبيدية (الذين يكفر بعضهم) الذي يؤديه فكره إلى عقد مخصوص (بعضا) آخر يؤديه فكره إلى خلاف ما أدى إليه فكره إلى خلاف ما أدى إليه فكر البعض الأول (ويلعن بعضهم بعضا وما لهم)، أي لأصحاب الاعتقادات (من ناصرین) في هذه المخالفة والمجادلة (فإن إله المعتقد) الذي اتخذه بتصوره وجعله إلها (ما له حكم في إله المعتقد الآخر) ليخذله وينفيه فيكون ناصرا للمعتقد الأول.
وكذا له المعتقد الآخر ليس له حكم في إلى المعتقد الأون ليخذله وبنفيه فيكون ناصرا للمعتقد الآخر، وذلك لأنه لا يترتب على الصور المجعولة في الوهم أو الخیال حکم دائر كما يترتب على الأمور الخارجية.
فما هؤلاء المعتقدين من آلهة ناصرین . قال تعالى:" واتخذوا من دون الله ، آلهة لعلهم ينصرون [يس: 74] لا يستطيعون نصرهم بل هؤلاء المعتفدون ينصرونهم بالذب عنهم. 
والى ذلك الإشارة بقوله : وهم لهم جند محضرون لأن الجند إنما هو لنصرة صاحب الجند (فصاحب الاعتقاد يذب)، أي يدفع
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( في اعتقاده لا ينصره، فلهذا لا يكون له أثر في اعتقاد المنازع له.
وكذا المنازع ما له نصرة من إلهه الذي في اعتقاده، فما لهم من ناصرين، فنفى الحق النصرة عن آلهة الاعتقادات على انفراد كل معتقد على حدته، والمنصور المجموع، والناصر المجموع. فالحق عند العارف هو المعروف الذي لا ينكر. فأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة.
فلهذا قال «لمن كان له قلب»)
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (عنه أي عن الأمر الذي اعتقده في إلهه وينصره وذلك الإله الذي في اعتقاده لا ينصره فلهذا)، أي تعدم نصرته إياه (لا يكون له أثر) وحكم (في اعتقاد المنازع له) بنفيه وإبطاله وإلا يلزم نصرته فإنه لیست نصرته إلا ذلك (وكذا المنازع ما له) ما تأكيد الأول فلا يرد النفي على النفي.
أي وكذلك المنازع ليس له (نصرة من إلهه الذي في اعتقاده ، فما لهم)، أي لأصحاب المعتقدات الجزئية (من ناصرین فنفى الحق سبحانه) في قوله تعالى : "وما لهم من ناصرين"  (النصرة)، أي نصرة المعتدين عن آلهة الاعتقادات على طريقة (انفراد كل معتقد) واختصاصه (على حدته) بننی نصرة إلهه المجعول في اعتقاده، أي في نصرة كل إنه مجعول لمن جعله إلها في اعتقاده (والمنصور).
وفي بعض النسخ فالمنصور أي ما يكون منصور على تقدیر بعدم النصرة (المجموع) المفهوم من ضمير الجمع أعني هم في قوله : 
فما لهم وهم المعتقدون أصحاب آلهة الاعتقادات (والناصر) أيضا على ذلك التقدير (المجموع) المفهوم من صيغة جمع اسم الفاعل في قوله "من ناصرين"  وهم آلهة الاعتقادات.
ولما بين أن الحق سبحانه عند أصحاب الاعتقادات الجزئية معروف عندهم في صور اعتقاداتهم منكر لهم فيما عداها أراد أن يشير إلى حال العارف .
فقال : (فالحق عند العارف) الذي عرف الحق بتقلب قنبه في أنواع الصور و الصفات (هو المعروف الذي لا بنکر) في صورة من الصور ، لأنه يعرف أن لا غير في الوجود وصور الموجودات كلها ظاهرا وباطنا كلها صورته.
فهو لا ينكر عبيده بوجه من الوجوه (فأهل المعروف في الدنيا)، أي الذين لهم أهلية معرفة الحق في مواطن الدنيا في صور تجلياته (هم أهل المعروف في الآخرة)، أي هم الذين يعرفونه في الآخرة في صور يتحول فيها لا ينكرونه أبدا .
(ولهذا)، أي الاختصاص معرفة الحق في جميع الصور في الدنيا والآخرة بحيث لا ينكر العارف الناتج معرفته عن تقلب قلبه (قال تعالى "لمن كان له قلب" ) فإنه قد تقلب
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (فعلم تقلب الحق في الصور بتقليبه في الأشكال.
فمن نفسه عرف نفسه، وليست نفسه بغير لهوية الحق، ولا شيء من الكون مما هو كائن ويكون بغير لهوية الحق، بل هو عين الهوية.
فهو العارف والعالم والمقر في هذه الصورة، وهو الذي لا عارف ولا عالم، وهو المنكر في هذه الصورة الأخرى.
هذا حظ من عرف الحق من التجلي والشهود في عين الجمع، فهو قوله «لمن كان له قلب» يتنوع في تقليبه.
وأما أهل الإيمان وهم المقلدة الذين قلدوا الأنبياء والرسل فيما أخبروا به عن الحق، لا من قلد أصحاب الأفكار والمتأولين الأخبار الواردة بحملها على أدلتهم العقلية، فهؤلاء الذين قلدوا الرسل صلوات الله عليهم وسلامه هم المرادون بقوله تعالى «أو ألقى السمع» لما وردت به الأخبار الإلهية على ألسنة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهو يعني هذا الذي ألقى السمع شهيد ينبه على حضرة الخيال واستعمالها، )
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (فعلم تقليب الحق في الصور بتقليبه في الأشكال فمن نفسه عرف نفسه)، أي نفس الحق (وليست نفسه بغير هوية الحق) السارية في الكل دنيا وأخرى (ولا شيء من الكون مما هو كائن ويكون بغير لهوية الحق بل هو عين الهوية. فهو العارف والعالم والمقر في هذه الصورة وهو الذي لا عارف ولا عالم وهو المنكر في الصورة الأخرى هذا)، أي هذا النوع من المعرفة الذي لا يعقبه نكرة .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (حظ من عرف الحق من التجلي والشهود)، أي من تجليه في الصور وشهوده فيها حال كونه مستقر (في عين) مقام (الجمع) بحيث لا تشغله صور التفرقة عن شهوده (فهو) من يشير إليه (قوله : "لمن كان له قلب") يتنوع في تقليبه .


قال الشيخ رضي الله عنه :  (وأما أهل الإيمان) الاعتقادي الذين لم يعرفوا الحق من التجلي والشهود (فهم المقلدة الذين قلدوا الأنبياء والرسل فيما أخبروا به عن الحق) من غير طلب دليل عقلي (لا من قلد أصحاب الأفكار والمتأولين للأخبار الواردة) الكاشفة عن الحق کشفا مبينا (بحملها على أدلتهم العقلية) بارتكاب احتمالاتها البعيدة .


قال الشيخ رضي الله عنه :  (فهؤلاء الذين قلدوا الرسل صلوات الله عليهم) حق التقليد (هم المرادون بقوله: "أو ألقى السمع" لما وردت)، أي الاستماع ما وردت (به الأخبار الإلهية على ألسنة الأنبياء عليهم السلام وهو يعني هذا الذي يلقى السمع شهيد).
أي حاضر بما يسمعه مراقب له في حضرة خياله (ينبه) ، أي هذا القول أو الحق سبحانه بهذا القول (على حضرة الخيال واستعمالها) في حضار صورة ما سمعه يعني ينبغي لملقي السمع أن يجهد في إحضار ما يسمعه في خياله لعله يفوز بالتجليات المثالية لا أن يكون صاحب تنك التجليات بالفعل وإلا بقي بعض مقلدة الأنبياء خارجة عن هذا الحكم.
ووجه التشبيه أن الشهود كما قال الشيخ المؤلف رضي الله عنه في اصطلاحاته الخاصة هو الرؤية بالبصر ، وههنا وإن لم يكن المراد بالشهود الرؤية البصرية لكن ينبغي أن يراد به ما يشابهها، كما قال المشابهة وهو مشاهدة الصور المتمثلة في حضرة الخيال ليس إلا
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وهو قوله عليه السلام في الإحسان «أن تعبد الله كأنك تراه»، والله في قبلة المصلي، فلذلك هو شهيد.
ومن قلد صاحب نظر فكري وتقيد به فليس هو الذي ألقى السمع، فإن هذا الذي ألقى السمع لا بد أن يكون شهيدا لما ذكرناه.
ومتى لم يكن شهيدا لما ذكرناه فما هو المراد بهذه الآية.
فهؤلاء هم الذين قال الله فيهم «إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا» والرسل لا يتبرءون من أتباعهم الذين اتبعوهم.
فحقق يا ولي ما ذكرته لك في هذه الحكمة القلبية.
وأما اختصاصها بشعيب، لما فيها من التشعب، أي شعبها لا تنحصر، لأن كل اعتقاد شعبة فهي شعب كلها، أعني الاعتقادات )
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (وهو قوله عليه السلام في الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه)، أي حال كونه كالمرني بالبصر لك أو حال كونك كالرائي بالبصر به في صورة المعتقد عندك (وقوله) عليه السلام (الله في قبلة المصلي) فإن الكائن في جهة لا بد له من صورة .
(ولذلك) الشهود الخيالي (فهو)، أي كل واحد صاحب الإحسان والمصلي (شهيد) الحق سبحانه مشاهد له.
قال الشيخ رضي الله عنه : (ومن قلد صاحب نظر فكري وتقيد به فليس هو الذي القى السمع فإن هذا الذي ألقى السمع لا بد أن يكون شهيدا لما ذكرناه ومشي لم يكن شهيدا لما ذكرناه فما هو المراد بهذه الآية. فهؤلاء)، يعني المقلدين لأصحاب الأفكار (هم الذين قال الله فيهم "إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا") [البقرة: 166] .

لأن المتبوعین دعوة التابعين إلى خلاف الواقع فتبعوهم، ويرجع نكال متابعتهم إلى متبوعهم فتبرؤوا منهم (والرسل لا يتبرؤون من أتباعهم الذي اتبعوهم)، لأنهم دعوهم إلى الحق والصدق فتبعوهم فانعكست أنوار متابعتهم إليهم فلم يتبرؤوا منهم (فحقق يا وليي ما ذكرته لك في هذه الحكمة القلبية) من الحكم والمعارف .
قال الشيخ رضي الله عنه : (وأما إختصاصها بشعیب فلما فيها من النشعب أي شعبها) كثيرة (لا تنحصر في عدد) معين (لأن كل اعتقاد شعبة فهي شعب كلها أعني الاعتقادات) تفسير للضمير يعني هي، أي الاعتقادات شعب كلها، وهذا آخر للاختصاص يناسب شعيبة باعتبار اسمه ، بخلاف ما ذكر في أول الفص فإنه يناسبه باعتبارات أخر
 
قال الشيخ رضي الله عنه: ( فإذا انكشف الغطاء انكشف لكل أحد بحسب معتقده، وقد ينكشف بخلاف معتقده في الحكم، وهو قوله «وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون».
فأكثرها في الحكم كالمعتزلي يعتقد في الله نفوذ الوعيد في العاصي إذا مات على غير توبة.
فإذا مات وكان مرحوما عند الله قد سبقت له عناية بأنه لا يعاقب، وجد الله غفورا رحيما، فبدا له من الله ما لم يكن يحتسبه.
وأما في الهوية فإن بعض العباد يجزم في اعتقاده أن الله كذا وكذا، فإذا انكشف الغطاء رأى صورة معتقده وهي حق فاعتقدها.
وانحلت العقدة فزال الاعتقاد وعاد علما بالمشاهدة.
وبعد احتداد البصر لا يرجع كليل النظر، فيبدو لبعض العبيد باختلاف التجلي في الصور عند الرؤية خلاف معتقده لأنه لا يتكرر، فيصدق عليه في الهوية «وبدا لهم من الله» في هويته «ما لم يكونوا يحتسبون» فيها قبل كشف الغطاء. )


قال الشيخ رضي الله عنه :  (فإذا انكشف الغطاء انكشف) الحق سبحانه (لكل أحد بحسب معتقد، وقد بنکشف بخلافي معتقده) والانكشاف بخلاف المعتقد (إما في الحكم عليه السلام) بجزئيات الأحوال والأوصاف وإما في هوية ذاته المقدسة.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وهو)، أي المنکشف بخلاف المعتقد مطلقة (ما يدل عليه قوله : "وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون" فأكثرها)، أي أكثر الاختلافات يكون (في الحكم كالمعتزلي يعتقد في الله نفوذ الوعيد في العاصي إذا مات على غير توبة فإذا مات وكان مرحوما عند الله قد سبقت له عناية بأنه لا يعاقب وجد الله غفورا رحيما فبدا له من الله) من الرحمة والمغفرة.

قال الشيخ رضي الله عنه :  (ما لم يكن يحتسبه) من قبل (وأما) خلاف المعتقد (في الهوية فإن بعض العباد يجزم في اعتقاده أن الله كذا وكذا فإذا انكشف الغطاء، رأى صورة معتقده وهي حق فاعتقدها) حقا وأجيد بصره (وانحلت العقدة)، أي عقيدة التعيين والتقييد (فزال الاعتقاد) الحاصل من الفكر والنظر الحاكمين بالتقييد.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وعاد علمة بالمشاهدة وبعد احتداد البصر لا يرجع كليل النظر فيبدو لبعض العبيد) الظاهر له لكنه وضع المظهر موضع المضمر ، أي فيبدو الحق له ملتبسة (باختلاف التجلي في الصور عند الرؤية لأنه)، أي التجلي (لا يتكرر فيصدق عليه في الهوية وبدا لهم من الله في هوينه ما لم يكونوا بحتسبون فيها) واختلاف التجلي .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (قبل کشف الغطاء) ولما كان كشف الحق بخلاف المعتقد، سواء كان في الحكم أو الهوية من باب الترقي بعد الموت، وأنكره بعضهم أثبته بما حکی رضي الله عنه عن نفسه حالة اجتماعه بمن سلف من الكبراء، و إفادته إياهم المعارف التوحيدية ما لم يكن عندهم وإمدادهم بما ترقوا به في الدرجات.
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم.
ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها».
وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما )
 
 (وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف) كذي النون المصري والجنيد وسهل بن عبد الله ويوسف بن الحسين والحلاج قدس الله أسرارهم (وما أفدناهم في هذه المسألة)، أي مسألة المعارف الإلهية (ما لم يكن عندهم) لما يدل على عدم الترفي بعد الموت من قوله تعالى: ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا إنما هو بالنسبة إلى معرفة الحق لمن لا معرفة له أصلا ، فإنه إذا انكشف الغطاء ارتفع العمى بالنسبة إلى دار الآخرة ونعيمها وجحيمها والأحوال التي فيها.
 
وأما قوله عليه السلام:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث " رواه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم .
 فهو يدل على أن الأشياء التي يتوقف حصولها على الأعمال لا تحصل ، وما لا يتوقف عليها بل تحصل بفضل الله ورحمته فقد تحصل، وذلك في مراتب الترقي.


قال الشيخ رضي الله عنه :  (ومن أعجب الأمر)، أي أمر الإنسان (أنه في الترقي) من صورة إلى صورة ظاهرة وباطنة (دائما) آنا فآنا (ولا يشعر بذلك الترقي للطاقة الحجاب) الساتر وجه أتحاد الصورتين وهو ما تمتاز به إحداهما عن الأخرى (ورقته) عطف تفسير للطاقة (وتشابه الصور) عطف على لطافة الحجاب ومتفرع عليه ، فإنه إذا لم يستر ما به لامتياز وجه الاتحاد غلب حكم ما به الاتحاد وتشابهت الصورتان فلا تتميز إحداهما عن الأخرى تمييزا ظاهرا، فلا يشعر بالترقي الذي لا يدرك إلا بهذا التميز.


قال الشيخ رضي الله عنه :  (مثل قوله) تعالى صفة مصدر محذوف، أي تشابها مثل تشابه أرزاق أهل الجنة المفهوم من قوله تعالى: (" كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)[سورة البقرة] وليس هو الواحد عين للاخر) .
لفظة هو تأكيد للضمير المستتر في لیس والواحد عطف بيان له وعين الآخر خبر لیس، أي ليس الواحد من أرزاق أهل الجنة عين الرزق الآخر منها بل غيره، ومثل هذا الضمير كثيرا ما يقع في مصنفات الشيخ رضي الله عنه وكأنه من خواص لغة المغاربة (فإن الشبيهين عند العارف)، أي عند الذي يعرف .
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( شبيهان، غيران ، و صاحب التحقيق يرى الكثرة في الواحد كما يعلم أن مدلول الأسماء الإلهية، و إن اختلفت حقائقها و كثرت، أنها عين واحدة.
فهذه كثرة معقولة في واحد العين.
فتكون في التجلي كثرة مشهودة في عين واحدة، كما أن الهيولى تؤخذ في حد كل صورة، وهي مع كثرة الصور واختلافها ترجع في الحقيقة إلى جوهر واحد هو هيولاها.
فمن عرف نفسه بهذه المعرفة فقد عرف ربه فإنه على صورته خلقه، بل هو عين ) 
 
(أنهما شبیهان غیران) إذ لا يمكن أن يكون شيء شبيهة لنفسه فقوله: غيران خبر المكسورة، وشبيهان خبر أن المفتوحة، وهي مع اسمها وخبرها مفعول العارف، وفي بعض النسخ من حيث أنهما شبيهان، وكأنه إلحاف ممن لم يتضح المعنى عنده والتعويل على ما ذكرناه أولا فإنه الموافق لما في النسخة التي قوبلت بحضور الشيخ رضي الله عنه .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وصاحب التحقيق) الجامع بين الفرق والجمع (يرى الكثرة) الواقعة في العالم موجودة (في الواحد) الحقيقي الذي هو الوجود الحق المطلق كرزية القطرات في البحر والثمرات في الشجر والشجر في النواة (كما بعلم أن مدلول الأسماء الإلهية وإن اختلفت حقائقها وكثرت أنها) تکرار، لأن المفتوحة مع أسمها تأكيدة وخبرها (عين واحدة فهذه) الكثرة الوجودية الخلقية والأسمائية (كثرة معقولة في واحد العين فتكون العين الواحدة في التجلي) بصور العالم أو بصور الأسماء الإلهية.

قال الشيخ رضي الله عنه :  (كثرة مشهودة في عين واحدة كما أن الهيولى) وهي عندهم كلما يظهر بصورة من الصور جوهرة كان أو عرض مقومة لمحله أو منقوم به فهو أعم مما عليه اصطلاح الحكماء، ولو حمل على مصطلح الحكماء يكفي في التمثيل أيضا (توجد في حد كل صورة وهي مع كثرة الصور واختلافها ترجع في الحقيقة إلى جوهر واحد وهو)، أي ذلك الجوهر الواحد.
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت نوفمبر 23, 2019 12:39 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الجزء الثالث .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2019 9:10 pm

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الجزء الثالث .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الشعيبي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الثالث
12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (هیولاها)، أي هيولى الصورة فكما أن الكثرة الواقعة في العالم معقولة في واحد العين وهو الوجود المطلق كذلك كثرة الصور كثرة معقولة في الهيولى، وكما أن تجلي العين الواحدة بصور العالم كثرة مشهودة في عين واحدة ، كذلك ظهور الهيولى، في الصور كثرة مشهودة في عين واحدة هي الهيولى.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن عرف نفسه بهذه المعرفة)، أي عرفها بمثل هذه المعرفة عينة واحدة ذات كثرة معقولة وكثرة مشهودة في عين واحدة (فقد عرف ربه) كذلك (فإنه تعالى على صورته خلقه)، كما جاء في الحديث الصحيح:"إن الله خلق آدم على صورته" رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
(بل هو عين 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( هويته وحقيقته.
ولهذا ما عثر أحد من العلماء على معرفة النفس وحقيقتها إلا الإلهيون من الرسل والصوفية.
وأما أصحاب النظر وأرباب الفكر من القدماء والمتكلمين في كلامهم في النفس وماهيتها، فما منهم من عثر على حقيقتها، ولا يعطيها النظر الفكري أبدا.
فمن طلب العلم بها من طريق النظر الفكري فقد استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم.
لا جرم أنهم من «الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا».
فمن طلب الأمر من غير طريقه فما ظفر بتحقيقه، وما أحسن ما قال الله تعالى في حق العالم وتبدله مع الأنفاس.
«في خلق جديد» في عين واحدة، فقال في حق طائفة، بل أكثر العالم، «بل هم في لبس من خلق جديد». فلا يعرفون تجديد الأمر مع الأنفاس.
لكن قد عثرت عليه الأشاعرة في بعض الموجودات وهي الأعراض، وعثرت عليه الحسبانية  في العالم كله.
وجهلهم أهل النظر بأجمعهم.)
 
هويته) التي اختلفت فيه (و) عين (حقیقنه) التي تسترت به (ولهذا)، أي لكون معرفة النفس ما ذكرناه وهي لا تحصل إلا بالكشف والذوق (ما عثر)، أي ما اطلع (أحد من العلماء على معرفة النفس وحقيقتها إلا الإلهيون من الرسل والصوفية) إذ لا تحمل عطايا المنك إلا مطايا المنك.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وأما أصحاب النظر وأرباب الفكر من) الحكماء (القدماء والمتكلمين في كلامهم في النفس وماهيتها فما منهم من عثر على حقيقتها ولا يعطيها)، أي لا يعطى حقيقتها والعثور عليها (النظر الفكري أبدأ . فمن طلب العلم بها)، أي بماهية النفس وحقيقتها
قال الشيخ رضي الله عنه :  (من طريق النظر الفكري فقد استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم لا جرم أنهم من و الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ) التي هي مادة الحياة الحقيقية الأبدية الأخروية ("وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" [الكهف: 104) فمن طلب الأمر من غير طريقه فما ظفر بتحقيقه).
وبما انجر كلام الشيخ رضي الله عنه إلى أن العالم كثرة مشهودة في عين واحدة فقال : (وما أحسن ما قال الله في حق العالم وتبدله مع الأنفاس في خلق جديد في عين واحدة فقال : في حق طائفة) وهم أهل النظر (بل أكثر العالم) فإنهم محجوبون عن ذلك التشابه الصور .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (بل هم في لبس من خلق جديد فلا يعرفون تحديد الأمر)، أي أمر وجود العالم (مع الأنفاس، لكن قد عثرت عليه الأشاعرة في بعض الموجودات وهي الأعراض) فإنهم ذهبوا إلى أن العرض لا يبقى زمانین (وعثرت عليه الحسبانية في العالم 
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولكن أخطأ الفريقان: أما خطأ الحسبانية فبكونهم ما عثروا مع قولهم بالتبدل في العالم بأسره على أحدية عين الجوهر الذي قبل هذه الصورة ولا يوجد إلا بها كما لا تعقل إلا به.
فلو قالوا بذلك فازوا بدرجة التحقيق في الأمر.
وأما الأشاعرة فما علموا أن العالم كله مجموع أعراض فهو يتبدل في كل زمان إذ العرض لا يبقى زمانين.
ويظهر ذلك في الحدود للأشياء، فإنهم إذا حدوا الشيء تبين في حدهم كونه الأعراض، وأن هذه الأعراض المذكورة في حده عين هذا الجوهر وحقيقته القائم بنفسه.)
 
كله) جواهره وأعراضه وهم المسماة بالسوفسطائية الذين يذهبون إلى تبدل العالم وعدم تقرره بحال (وجهلهم)، أي الحسبانية (أهل النظر بأجمعهم ولكن أخطأ الفريقان. أما خطأ الحسبانية فلكونهم ما عثروا مع قولهم بالتبدل في العالم بأسره على أحدية عين الجوهر المعقول)، أي المدرك بالعقل لا بالحواس (الذي قبل هذه الصور)، أي صورة العالم (ولا يوجد) ذلك الجوهر (إلا بها) إلا بهذه الصورة في الحس الباطن.
وهو عالم المثال المطلق والمقيد والحس الظاهر أي عالم الشهادة المدرك بالحواس الخمس الظاهرة، وليس المراد أن ذلك الجوهر بدون تلك الصور غير موجود في نفسه بل هو موجود في العقل فقط (كما لا تعقل)، تلك الصورة (إلا به)، أي بذلك الجوهر لأنه داخل في حدها .
فإن قلت: عدم العثور على الشيء من مقول الجهل البسيط والخطأ إنما يكون من الجهل المركب.
قلنا: كأنهم حيث لم يعثروا على أحدية عين قابلة تلك الصورة المنبدلة الغير المنقررة أعتقدوا أنها ظاهرة بأنفسها لا في جوهر واحد العين وذلك جهل مرکب يسلتزم الخطأ (فلو قالوا بذلك)، أي بأن الجوهر شيء واحد يطرأ عليه صورة العالم كله فتصير موجودات معينة متكبرة .
وذلك الجوهر عین الحق الذي بتجليه واحد العائم (فازوا بدرجة التحقيق في الأمر) لأنهم حينئذ كانوا عارفين بالأمر على ما هو عليه .
وأما الأشاعرة فما علموا، أي وأما خطأ الأشاعرة فإنهم ما علموا (أن العالم كله مجموع أعراض) يتقوم بها ذلك الكل (فهو يتبدل في كل زمان إذ العرض لا يبقى زمانين ويظهر ذلك)، أي كون العالم مجموع أعراض (في الحدود للأشياء فإنهم إذا حدوا الشيء تبين في حدهم كونه)، أي كون ذلك الشيء (تلك الأعراض وأن هذه الأعراض المذكورة في حده عين هذا الجوهر المحدود وحقيقته القائم بنفسه) بالجر على أنه صفة للجوهر، وذلك لأن المذكور في حدود الأشياء ذاتيانها وذائيات الشيء ومقوماته عينه في الوجود
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ومن حيث هو عرض لا يقوم بنفسه.
فقد جاء من مجموع ما لا يقوم بنفسه من يقوم بنفسه كالتحيز في حد الجوهر القائم بنفسه الذاتي وقبوله للأعراض حد له ذاتي.
ولا شك أن القبول عرض إذ لا يكون إلا في قابل لأنه لا يقوم بنفسه: وهو ذاتي للجوهر.
والتحيز عرض لا يكون إلا في متحيز، فلا يقوم بنفسه.
وليس التحيز عرض لا يكون إلا في متحيز، فلا يقوم بنفسه.
وليس التحيز والقبول بأمر زائد على عين الجوهر المحدود لأن الحدود الذاتية هي عين المحدود و هويته.
 فقد صار ما لا يبقى زمانين ، يبقى زمانين ، وأزمنة وعاد ما لا يقوم بنفسه يقوم بنفسه.
ولا يشعرون لما هم عليه، وهؤلاء هم في لبس من خلق جديد.
وأما أهل الكشف فإنهم يرون أن الله يتجلى في كل نفس ولا يكرر التجلي)
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (و من حيث هو عرض لا يقوم بنفسه فقد جاء من مجموع ما لا يقوم بنفسه من يقوم)، أي ما لا يقوم (بنفسه) والعرض المذكور في الحدود (کالتحيز في حد الجوهر القائم بنفسه) يعني الجسم (الذاتي) صفة للتحيز .
والمراد به جزاء الماهية فإن الجسم يحد بأنه متحيز قابل للأبعاد الثلاثة فالتحيز له ذاني.
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقبوله)، أي قبول الجوهر القائم بنفسه الذي أريد به الجسم (للأعراض)، أي الأبعاد الثلاثة (حد)، أي جزء حد (له ذاتي ولا شك أن القبول عرض إذ لا يكون إلا في قابل، لأنه لا يقوم بنفسه) بل بالقابل (إذ هو)، أي بالقبول (ذاتي للجوهر) الذي هو الجسم (و) كذلك (التحيز عرض ولا يكون إلا في متحيز فلا يقوم بنفسه، وليس التحيز والقبول بأمر زائد على عين الجوهر المحدود) يعني الجسم (لأن الحدود الذاتية) بعین أجزائها (هي عين المحدود) في العقل (وهويته) في العين (فقد صار ما لا يبقى زمانین يبقي زمانين وأزمنة، وعاد ما لا يقوم بنفسه يقوم بنفسه) وذلك ببديهة العقل.
فمذهب الأشاعرة المفضي إلى مثل ذلك الباطل خطأ هذا حال ما في الخارج عن أنفسهم (ولا يشعرون بما هم عليه السلام) في أنفسهم من التبدل الواقع فيهم بالخلق الجديد (وهؤلاء هم في لبس من خلق جدید) دائما ولا يشعرون بذلك أصلا .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وأما أهل الكشف فإنهم يرون) شهودا (أن الله تعالى يتجلى في كل نفس) بتجليين أحدهما لرفع الوجود السابق والآخر لإفاضة الوجود اللاحق (ولا يكرر التجلي) لأن أحدهما يوجب الفناء والآخر يوجب البقاء.
 
قال الشيخ رضي الله عنه: ( و يرون أيضا شهودا أن كل تجل يعطي خلقا جديدا و يذهب بخلق. فذهابه هو عين الفناء عند التجلي و البقاء لما يعطيه التجلي الآخر. فافهم.)

فإن قلت : هب أنه لا يتكرر في كل نفس لما ذكرت لكن لا نسلم أنه لا يتكرر بحسب الأنفاس فإن في كل نفس يتكرر التجلي الموجب للفناء مرتين .
وكذا التجلي الموجب للبقاء قلت : 
الفناء في كل نفس برفع وجود آخر والبقاء بفيضان وجود آخر فلا تکرار 
(ویرون أيضا شهودا) مرافقا لما في النص فليس مستندهم النص فقط (أن كل تجلي يعطي خلقا جديدا ويذهب بخلق فذهابه هو الفناء عند التجلي الموجب للفناء والبقاء لما يعطيه)، أي الخلق الجديد يعطيه. 
(التجلي الآخر) الموجب للبقاء، ولما كان الوجود اللاحق من جنس الوجود السابق مماثة له لم يشعر المحجوبون بالخلق الجديد.
وهذا بعينه كما تقول الأشاعرة في تعاقب الأمثال على محل العرض من غير خلو آن من شخص من العرض مماثل للشخص الأول، فيظن الناظر أنها عين واحدة مستمرة (فافهم) ما أفدناك لعلك تحظى بفهم معارف أهل الكشف وتجتهد في الوصول إلى مقاماتهم و مشاهداتهم وفقنا الله تعالى لما يحب ويرضى .
 
تم الفص الشعيبي
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت نوفمبر 23, 2019 12:39 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 13 - فص حكمة ملكية في كلمة لوطية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2019 9:11 pm

13 - فص حكمة ملكية في كلمة لوطية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

فص حكمة لوطية عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفصّ اللوطي
13 - فص حكمة ملكية في كلمة لوطية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (الملك الشدّة والمليك الشّديد : يقال ملكت العجين إذا شددت عجنه قال قيس بن الخطيم يصف طعنة :
ملكت بها كفّي فأنهرت فتقها  ..... يرى قائم من دونها ما وراءها
أي شددت بها كفّي يعني الطّعنة .
فهو قول اللّه تعالى عن لوط :" لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ" [ هود: 80]
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يرحم اللّه أخي لوطا : لقد كان يأوي إلى ركن شديد )
 
وإنما وصف الشيخ رضي اللّه عنه هذه الحكمة بالملكية مراعاة لشدة ما قاساه لوط عليه السلام من قومه ، ولشدة قومه في الانهماك في الشهوات ولشدّة ما عاملهم به الحق من العقوبات ولتمنيه القوة والشدة بقولهل "َوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً "[ هود : 80 ] ولشدة ما كان يأوي إليه من الركن الشديد ( الملك بفتح الميم وسكون اللام ( الشدة والمليك الشديد يقال : ملكت العجين إذا شددت عجنه ، قال قيس بن الحطيم يصف طعنة :
ملكت بها كفي فانهرت فتقها  ..... يرى قائم من دونها ما وراءها
أي شددت بها كفي يعني الطعنة ) ، أي أمسكت الرمح قويا فضربت به العدو فانهرت فتقها ، أي وسعت ما فتقت الطعنة ، يرى من قام عندها ما وراء تلك الطعنة من جانب آخر ( فهو ) ، أي معنى الملك الذي وصف به هذه الحكمة مما يدل عليه ( قول اللّه تعالى عن ) لسان ( لوط "لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ") [ هود : 80 ] .
فإن معناه ، أي معنى الملك يفهم من موضعين ؛ من هذا القول:
الأوّل لو أن لي بكم قوة ، فإن القوة هي الشدة .
والثاني أو آوي إلى ركن شديد حيث وصف الركن بالشدة .
وكان هذا الكلام من الشيخ إشارة إلى وجه توصيف هذه الحكمة بالملكية وتمهيدا لما يفرع من قوله : ( فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يرحم اللّه أخي لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد فنبه صلى اللّه عليه وسلم ) حيث أضافه إلى نفسه بالأخوة ( على أنه كان مع اللّه من كونه شديدا ) فإن إخوته معه صلى اللّه عليه وسلم إنما كانت في معنى النبوة المقتضية عدم الاحتجاب بالمظاهر عن الظاهر وشهود الظاهر


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فنبّه صلى اللّه عليه وسلم أنّه كان مع اللّه من كونه شديدا .
والّذي قصد لوط عليه السلام القبيلة بالرّكن الشّديد ؛ والمقاومة بقوله :لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةًوهي الهمّة هنا للبشر خاصّة .
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمن ذلك الوقت ، يعني من الزّمن الذي قال فيه لوط عليه السلام :أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍما بعث نبيّ بعد ذلك إلّا في منعة من قومه .
فكان تحميه قبيلته كأبي طالب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
فقوله :" لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً " [ هود : 80 ] لكونه عليه السلام سمع اللّه يقول :اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ بالأصالة ."ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ " فعرضت القوّة بالجعل فهي قوّة عرضيّة ثُمَّ)
 
في المظاهر فلا تكون مشهودة في الركن الشديد إلا للّه من حيث اسمه الظاهر فيه وهو القوي الشديد ، ( والذي قصد ) ، أي قصده ( لوط عليه السلام القبيلة ) ظاهرا .
واللّه حقيقة ( بالركن الشديد والمقاومة بقوله :لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) ، أي كنت لي بكم قوّة أقاومكم بها ( وهي ) ، أي القوّة ( الهمة هنا من البشر خاصة ) إنما قال : هنا ، لأن للقوة في مواضع أخر معاني غيرها .
وإنما قال : من البشر خاصة ، قيل : لأن الهمة المؤثرة التي بها يقاوم أقواما كثيرين لا تكون إلا من الإنسان الكامل وقيل : لأنه لما أضاف القوة إلى نفسه كانت مختصة به فما فسرت به أعنى الهمة كان مختصا بالبشر بل به .
( فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه لوط عليه السلام أو آوي إلى ركن شديد ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه فكان تحميه قبيلته كأبي طالب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ) ،
فإنه كان يتعصب للنبي صلى اللّه عليه وسلم ويذب عنه دائما وإنما اضطر إلى الهجرة بعد وفاته ( فقوله ) ، أي قول لوط عليه السلام (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) منبأ عن طلبه من اللّه أن يجعل فيه قوة وإنما وقع ( لكونه عليه السلام سمع اللّه تعالى ) .
أي أدرك منه بسمعه النوراني الروحاني معنى قول اللّه الدال على أن الصفات الوجودية كالقوّة مثلا يحتاج الممكن في الأتصاف بها إلى جعلها وإيجادها فيه ، فتكون عرضية له بخلاف الصفات العدمية كالضعف الذي هو عدم القوّة فإنه يكفي في الاتصاف عدم جعل القوّة بالخلق الجديد.
وذلك رد إلى العدم الأصلي الذاتي للممكن ، بل إبقائه عليه ، وسماع لوط هذا القول من اللّه حيث كان ( يقول :"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ" بالأصالة ) [ الروم : 54 ] .
أي مبتدئا خلقكم من ضعف ، أي عدم قوّة هو الأصل فيكم
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ثم جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً فالجعل تعلّق بالشّيبة ، وأمّا الضّعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله :خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ " [ الروم:  54 ] .
فردّه لما خلقه منه قال تعالى :"وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً" [ الحج : 5 ]  . فذكر أنّه ردّ إلى الضّعف الأوّل فحكم الشّيخ حكم الطّفل في الضّعف .
وما بعث نبيّ إلّا بعد تمام الأربعين وهو زمان أخذه في النّقص والضعف فلهذا قال :" لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً "[ هود : 80 ] مع كون ذلك يطلب همّة مؤثّرة .
فإن قلت وما يمنعه من الهمّة المؤثّرة وهي موجودة في السّالكين من الأتباع ، والرّسل أولى بها قلنا صدقت ولكن نقصك علم آخر ، وذلك أنّ المعرفة لا تترك للهمّة تصرّفا فكلّما علت معرفته نقص تصرّفه بالهمّة ، وذلك لوجهين : الوجه الواحد )
 
(ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةًفعرضت القوّة بالجعل فهي قوّة عرضية ) لكم فإن القوّة الذاتية كلها للّه (ثُمَّ " جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً " [ الروم : 54 ] وشيبة فالجعل تعلق بالشيبة ) لأنها أمر وجودي .
( وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه ) فتعليق الجهل بهما باعتبار أحدهما ( وهو ) ، أي أصل خلقه ما يدل عليه ( قوله :خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) كما بينا ( فرده لما خلقه ) ، أي إلى ما خلقه ( منه كما قال تعالى :وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) ، أي لكيلا يحصل له علم محدود بعد حصول العلوم السابقة لفقدان قابلية الآلة لتحصيله ، لأن الناطقة يطرأ عليها الجهل بعد العلم ولما كان يبقى العلم بعد المفارقة .

ولا يبعد أن يقال : المراد بعدم العلم طرو النسيان والغفلة عن العلوم لما يلحقه من موانع التذكر فإذا ارتفعت الموانع المفارقة تذكر به ( فذكر ) اللّه سبحانه بقولهيُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ( أنه رد إلى الضعف الأوّل ) الذي خلق منه ( فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف ) الأصلي غير أن الشيخ مردود إليه بعد القوة والطفل لا يقوى بعد ( وما بعث نبي إلا بعد تمام الأربعين وهو زمان أخذه ) ، أي شروعه ( في النقص والضعف ) لأن أحكام النشأة العنصرية والقوى الطبيعية غالبة في تلك المدة ، فلما نقصت وضعفت وغلبت أحكام النشأة الروحانية بعد تمامها بعثه اللّه لتكميل الناقصين .

( فلهذا ) ، أي لأجل أخذه في النقص والضعف ( قال :لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) كان ( مع كون ذلك ) الأخذ ( يطلب همة مؤثرة ) لا قوّة جسمانية .
( فإن قلت : وما يمنعه من الهمة المؤثرة ، وهي موجودة في السالكين من الأتباع ، والرسل أولى بها .
قلنا : صدقت ولكن نقصك علم آخر ، وذلك لأن المعرفة لا تترك للهمة تصرفا ، فلما علت معرفته نقص تصرفه بالهمة ) حتى إذا بلغت غايتها لم يبق له تصرف أصلا


قال الشيخ رضي الله عنه :  (لنحقّقه بمقام العبوديّة ونظره إلى أصل خلقه الطّبيعيّ .
والوجه الآخر أحديّة المتصرّف والمتصرّف فيه : فلا يرى على من يرسل همّته فيمنعه ذلك .
وفي هذا المشهد يرى أنّ المنازع له ما عدل عن الحقيقة الّتي هو عليها في حال ثبوت عينه وحال عدمه ، فما ظهر في الوجود إلّا ما كان له في حال العدم في الثّبوت ، فما تعدّى حقيقته ولا أخلّ بطريقته .)
 
قال رضي الله عنه :  ( وذلك لوجهين الوجه الواحد لتحققه بمقام العبودية ) المقتضية إتيان العبد أوامر سيده لا التصرف في ملكه فإنه من أحكام الربوبية ( ونظره ) ، أي ولنظره ( إلى أصل خلقه الطبيعي ) الذي هو الضعف والعجز ( والوجه الآخر أحدية المتصرف والتصرف فيه ) في نظر شهوده وغلبة شهود الأحدية عليه بحيث لا يتميز شيء عنده عن شيء ( فلا يرى ) أحدا ولا يعلم ( على من يرسل همته فيمنعه ذلك ) المذكور من شهود الأحدية وغلبته عليه وعدم رؤيته شيئا يتصرف فيه ، بل نفسه التي تتصرف عن التصرف بالهمة .
والحاصل أن للعارف التام المعرفة حالتين :
إحداهما : حالة تحققه بمقام العبودية ونظره إلى نفسه ورجوعه إلى ضعفه الذاتي وعجزه الأصلي ، ففي هذه الحالة لا يتصرف لرعاية أدب العبودية .
وثانيتهما : حالة الاستغراق في شهود الأحدية بحيث لا تبقى له مسكة التمييز بين شيء وشيء من مقام : « لي مع اللّه وقت لا يسعني ملك مقرب ولا نبي مرسل » .
فلا يتمكن من التصرف فلو ظهر منه تصرف لكان في الحالة الأولى بمقتضى أمر سيده لا غير ( وفي هذا المشهد ) ، أي مقام شهود الأحدية والمعرفة التامة ( يرى ) العارف ( أن المنازع له ما عدل عن ) مقتضيات قال رضي الله عنه :  ( حقيقته التي هو عليها في حال ثبوت عينه ) الثابتة في العلم ( وحال عدمه ) الخارجي في العين .
قال رضي الله عنه :  ( فما ظهر في الوجود ) العيني منه صورة المخالفة ( إلا ما كان ) ثابتا ( له في حال العدم ) الخارجي ( في مرتبة الثبوت العلمي فما تعدى ) المنازع ( حقيقته ) فيما جرى عليه من المخالفات ( ولا أخل بطريقته ) التي ينبغي أن يسلك عليها لاقتضاء حقيقته ، فإذا شهد العارف ذلك كيف تنبعث عنه داعية التصرف فيه .
والحال أنه يعلم أنه لا يتغير عما هو فيه بتصرفه ، اللهم إلا إذا كان بعض ظهور أحواله المنطوية في عينه الثابتة مشروطا بتصرفه ، ولما كان تصرفه من مقتضيات عينه الثابتة فإنه حينئذ لا محيد له عن التصرف فهذا وجه آخر يمنع العارف عن التصرف بالهمة باختياره.
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فتسمية ذلك نزاعا إنّما هو أمر عرضيّ أظهره الحجاب الّذي على أعين النّاس كما قال اللّه تعالى فيهم :وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ( 7 ) [ الروم 6 - 7 ] وهو من المقلوب فإنّه من قولهمقُلُوبُنا غُلْفٌ[ النساء : 155 ] أي في غلاف وهو الكنّ الّذي ستره عن إدراك الأمر على ما هو عليه .
فهذا وأمثاله يمنع العارف من التّصرّف في العالم .
قال الشّيخ أبو عبد اللّه بن قائد للشّيخ أبي السّعود بن الشّبل : لم لا تتصرّف ؟
فقال أبو السّعود : تركت الحقّ يتصرّف لي كما يشاء : يريد قوله تعالى آمرا : فَاتَّخِذْهُ)
 
(فتسمية ذلك ) ، أي ذلك الأمر الظاهر على المنازع من المخالفة المسمى ( نزاعا إنما هو أمر عرضي ) نسبي تعرض أحوال المنازع بقياسها إلى أحوال العارف ، فإن حقيقة كل منهما وعينه الثابتة تقتضي ما تخالف مقتضى حقيقة الأمر باعتبار الاسم الحاكم عليه .
فهذه المخالفة الواقعة منهما من غير اختيار تسمى نزاعا وهما فيها في عين الوفاق باعتبار امتثالهما أمر الأسماء الحاكمة عليها فالنزاع بينهما إنما ( أظهره الحجاب الذي على أعين الناس ) من رؤية سر القدر فيتوهمون أن كل واحد منهما في صدد المخالفة مع الآخر ( كما قال اللّه تعالى فيهم ) ، أي في شأن المحجوبين عن سر القدر ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ، أي سر القدر ("يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا") ، أي ما ظهر لهم في النشأة الدنيوية ("وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ") [ الروم : 7 ] .
أي وهم عن النشأة الأخروية التي عندها يظهر سر القدر غافلون ، ثم أراد أن ينبه على أن سبب هذه الغفلة هو الحجاب الذي وقع على قلوبهم فقال : ( وهو ) ، أي غافلون ( من المقلوب ) ، أي من الألفاظ التي قلب فيها بعض الحروف إلى مكان بعض آخر كاللام والفاء ههنا ( فإنه ) ، أي غافلون مأخوذ .
( "من قولهم :قُلُوبُنا غُلْفٌ " [ البقرة : 88 ] ، أي في غلاف ) ، أي في حجاب إذ لا شك أن الغافل إنما يغفل عن شيء بواسطة حجاب يحول بينهما فالغافلون عن الآخرة هم الذين قلوبهم في غلاف ( وهو ) ، أي الغلاف ( الكنّ الذي ستره ) ، أي القلب ( عن إدراك الأمر على ما هو عليه ) .
قال تعالى : "إنا جعلناعَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ" [ الأنعام : 25 ] ، أي الحجب المانعة للقلب عن إدراك الحقائق على ما هي عليه .

( فهذا ) الذي ذكرنا من الوجوه الثلاثة ( وأمثاله يمنع العارف من التصرف في العالم بالهمة ) ومن جملة أمثاله امتثاله لأمر الحق حيث قال :" فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا " [ المزمل : 9 ] كما تومىء إليه في هذه الحكاية .
( قال الشيخ أبو عبد اللّه محمد بن قائد للشيخ أبي السعود بن الشّبل ) وهما من كبار أصحاب الشيخ محيي الدين عبد القادر الكيلاني قدس اللّه أرواحهم ولا حرمنا من بركاتهم ( لم لا تتصرف فقال أبو السعود : تركت الحق يتصرف لي كما يشاء ، يريد قوله
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وَكِيلًا [ المزمل : 9 ] فالوكيل هو المتصرّف .
ولا سيّما وقد سمع اللّه يقول :وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [ الحديد : 7 ] فعلم أبو السّعود والعارفون أنّ الأمر الّذي بيده ليس له وأنّه مستخلف فيه . ثمّ قال له الحقّ هذا الأمر الّذي استخلفتك فيه وملّكتك إيّاه اجعلني واتّخذني فيه وكيلا ، فامتثل أبو السّعود أمر اللّه فاتّخذه وكيلا . فكيف تبقى لمن يشهد مثل هذا الأمر همّة يتصرّف بها ، والهمّة لا تفعل إلّا بالجمعيّة الّتي لا متّسع لصاحبها إلى غير ما اجتمع عليه ؟
وهذه المعرفة تفرّقه عن هذه الجمعيّة . فيظهر العارف التّامّ المعرفة بغاية العجز والضّعف .
قال بعض الأبدال للشّيخ عبد الرزّاق قل للشّيخ أبي مدين بعد السّلام عليه : يا أبا مدين لم لا يعتاص علينا شيء وأنت تعتاص عليك الأشياء ونحن نرغب في مقامك وأنت لا ترغب في مقامنا ؟
وكذلك كان مع كون أبي مدين - رضي اللّه عنه - كان عنده ذلك المقام وغيره ، ونحن أتمّ في مقام العجز والضّعف منه . ومع هذا قال له هذا البدل ما قال وهذا من ذلك)
 
تعالى آمرا :" فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا" فالوكيل هو المتصرف . ولا سيما وقد سمع ) أبو السعود ( اللّه يقول :" وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ " [ الحديد : 7 ] فعلم أبو السعود والعارفون أن الأمر الذي بيده ) صورة ( ليس له ) حقيقة ( وأنه مستخلف فيه ثم قال له الحق هذا الأمر الذي استخلفتك فيه وملكتك إياه اجعلني واتخذني فيه وكيلا ، فامتثل أبو السعود أمر اللّه فاتخذه وكيلا . فكيف يبقى لمن شهد هذا الأمر همة يتصرف بها ، والهمة لا تفعل إلا بالجمعية التي لا متسع لصاحبها إلى غير ما اجتمع عليه ، وهذه المعرفة تفرقه عن هذه الجمعية فيظهر العارف التام المعرفة بغاية العجز والضعف . قال بعض الأبدال للشيخ عبد الرزاق : قل للشيخ أبي مدين لم لا يعتاص علينا شيء وأنت تعتاص عليك الأشياء ، ونحن نرغب في مقامك وأنت لا ترغب في مقامنا ) ، أي في الظهور به وإن كان حاصلا له .
يقول الشيخ رضي اللّه عنه تصديقا لقولهم : ( وكذلك كان ) أبو مدين تعتاص عليه الأشياء وكان غيره يرغب في مقامه وهو لا يرغب في مقام غيره ( مع كون أبي مدين رضي اللّه عنه كان عنده ذلك المقام ) ، أي مقام الأبدال ( وغيره ) ولم يكن راغبا في الظهور به .
ثم يقول الشيخ رضي اللّه عنه : ( ونحن أتم في مقام الضعف والعجز منه ) ، أي في أبي مدين ( ومع هذا ) ، أي مع كون أبي مدين بحيث كان عنده مقام البدل وغيره .
( قال له هذا البدل ما قال ) ، لعدم ظهوره بمقامه ( وهذا ) الذي نحن فيه ( من ذلك
 
 قال الشيخ رضي الله عنه :  (القبيل أيضا .
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في هذا المقام عن أمر اللّه له بذلك « ما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ » فالرّسول بحكم ما يوحى إليه ما عنده غير ذلك .
فإن أوحي إليه بالتّصرّف فيه بجزم تصرّف وإن منع امتنع ، وإن خيّر اختار ترك التّصرّف ، إلّا أن يكون ناقص المعرفة .
قال أبو السّعود لأصحابه المؤمنين به إنّ اللّه أعطاني التّصرّف منذ خمس عشرة سنة وتركناه تظرّفا هذا لسان ادلال .
وأمّا نحن فما تركناه تظرّفا - وهو تركه إيثارا - وإنّما تركناه لكمال المعرفة ، فإنّ المعرفة لا تقتضيه بحكم الاختيار . فمتى تصرّف العارف بالهمّة في العالم فعن أمر إلهيّ وجبر لا باختيار ، ولا نشكّ أنّ مقام الرّسالة يطلب التّصرّف لقبول الرّسالة الّتي جاء)
 
القبيل ) ، أي قبيل التحقيق بمقام العبودية والعجز والضعف ( أيضا ) ، أي كما كان مقام أبي مدين كذلك ( وقال صلى اللّه عليه وسلم في هذا المقام عن أمر اللّه له بذلك ) القول ( « ما أدري ما يفعل بي ولا بكمإِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ فالرسول ) [ الأنعام : 50 ] .
رواه الطبراني في الكبير والهيثمي في مجمع الزوائد والحاكم في المستدرك.
كان من كان ( مقيد بحكم ما يوحى إليه به ما عنده غير ذلك فإن أوحى إليه بالتصرف فيه بجزم تصرّف ) امتثالا للأمر ( وإن منع امتنع ) امتثالا للنهي ( وإن خير اختار ترك التصرف ) تأدبا بآداب العبودية ( إلا أن يكون ) المخير ( ناقص المعرفة ) لعدم إحاطته بمقتضيات التحقق بهذا المقام .
( قال أبو السعود لأصحابه المؤمنين به : إن اللّه أعطاني التصرف منذ خمس عشرة سنة وتركناه تظرفا ) ، بالظاء المعجمة ، أي تكرما وإيثارا ، فإن الظرف بكسر الظاء هو الكريم أو من ظرف الرجل ، أي جاء بظرفه ، أي تركناه إتيانا بأمر بديع . وكان في النسخة المقابلة بالأصل بحضور الشيخ رضي اللّه عنه بالمعجمة .
وكان المراد به الإتيان بأمر ظريف يستظرفه العارفون ( وهذا لسان الإدلال ) ، أي الانبساط والاجتراء .
( وأما نحن فما تركناه تظرفا وهو ) ، أي التظرف ( تركه ) ، أي ترك التصرف ( إيثارا ) ، أي اختيارا للحق على نفسه في التصرف ( وإنما تركناه لكمال المعرفة فإن المعرفة لا تقتضيه ) يعني التصرف .
( بحكم الاختيار فمتى تصرف العارف بالهمة في العالم فعن أمر إلهي وجبر لا باختيار ولا شك إذ مقام الرسالة يطلب التصرف لقبول الرسالة التي جاء
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (بها ، فيظهر عليه ما يصدّقه عند أمّته وقومه ليظهر دين اللّه .
والوليّ ليس كذلك ، ومع هذا فلا يطلبه الرّسول في الظّاهر لأنّ للرّسول الشّفقة على قومه ، فلا يريد أن يبالغ في ظهور الحجّة عليهم ، فإنّ في ذلك هلاكهم فيبقي عليهم .
وقد علم الرّسول أيضا أنّ الأمر المعجز إذا ظهر للجماعة فمنهم من يؤمن عند ذلك ومنهم من يعرفه ويجحده ولا يظهر التّصديق به ظلما وعلوا وحسدا ومنهم من يلحق ذلك بالسّحر والإيهام . فلمّا رأت الرّسل ذلك وأنّه لا يؤمن إلّا من أنار اللّه قلبه بنور الإيمان ، ومتى لم ينظر الشّخص بذلك النّور المسمّى إيمانا فلا ينفع في حقّه الأمر المعجز فقصرت الهمم عن طلب الأمور المعجزة لما لم يعمّ أثرها في النّاظرين ولا في قلوبهم .
كما قال في حقّ أكمل الرّسل وأعلم الخلق وأصدقهم في الحالإِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [ القصص : 56 ]  ولو كان للهمّة أثر ولا بد ، لم يكن أحد أكمل من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا أعلى وأقوى همّة منه ، وما أثّرت في إسلام أبي طالب )
 
بها فتظهر عليه ما يصدقه عند أمته وقومه ) من المعجزات وخوارق العادات ( ليظهر دين اللّه ، والولي ليس كذلك ومع هذا فلا يطلبه الرسول في الظاهر لأن للرسول الشفقة على قومه فلا يريد أن يبالغ في ظهور الحجة عليهم ، فإن في ذلك هلاكهم ) ، إذا لم يذعنوا وتمردوا بخلاف ما إذا لم يظهر الحجة عليهم ( فيبقي عليهم ) ، أي يرحم .
( وقد علم الرسول أيضا ) كان ما كان ( أن الأمر المعجز إذا ظهر للجماعة فمنهم من يؤمن عند ذلك ومنهم من يعرفه ويجحد ولا يظهر التصديق به ) .
إما ( ظلما ) على نفسه كالمنهمكين في الشهوات ( و ) إما ( علوا ) على الناس بالجاه والغلبة ( و ) إما ( حسدا ) على صاحب المعجزة كالمشاركين له في السبب وغيره.
( ومنهم من لم يعرفه ويلحق ذلك ) ، أي الأمر المعجز ( بالسحر والإيهام ) ، أي الشعبذة كالجاهلين والغافلين عنه ( فلما رأت الرسل ذلك وأنه لا يؤمن إلا من أنار اللّه قلبه بنور الإيمان ) بحسب استعداده النظري .
( ومتى لم ينظر الشخص بذلك النور المسمى إيمانا فلا ينفع في حقه الأمر المعجز فقصرت الهمم ) ، أي همم الرسل ( عن طلب الأمور المعجزة لما لم يعم أثرها في الناظرين ) ظاهرا بالإسلام ( ولا في قلوبهم ) باطنا بالإيمان .
( كما قال تعالى في حق أكمل الرسل وأعلم الخلق وأصدقهم في الحال "إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ " [ القصص : 56 ] ولو كان للهمة أثر ولا بد ) لها من الأثر للزومه إياها ( لم يكن أحد أكمل من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا أعلى ولا أقوى همة منه
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (طالب عمّه ، وفيه نزلت الآية الّتي ذكرناها ولذلك قال في الرّسول إنّه ما عليه إلّا البلاغ ، وقال تعالى :" لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ " [ البقرة  : 272] .

وزاد في سورة القصص :" وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" [ القصص  56 :] أي بالّذين أعطوه العلم بهدايتهم في حال عدمهم بأعيانهم الثابتة فأثبت أنّ العلم تابع للمعلوم .
فمن كان مؤمنا في ثبوت عينه وحال عدمه ظهر بتلك الصّورة في حال وجوده ، وقد علم اللّه ذلك منه أنّه هكذا يكون ، فلذلك قال :" وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" .
فلمّا قال مثل هذا قال أيضا :" ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ " لأنّ قولي على حدّ علمي في خلقي وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ " [ ق:  29 ] أي ما قدّرت عليهم الكفر الّذي يشقيهم ثمّ طلبتهم بما ليس في وسعهم أن يأتوا به ، بل ما عاملناهم إلّا بحسب ما علمناهم ، وما علمناهم إلّا)
 
وما أثرت في إسلام أبي طالب عمه ) .
فإن قلت : لا يفهم من الآية إلا أنه صلى اللّه عليه وسلم كان يحب أن يؤمن أبو طالب . وأما تصرفه بجمعية الهمة حيث لا يبقى له مفسح إلى غيره فغير معلوم ، قلنا : لعله رضي اللّه عنه جعل ميله صلى اللّه عليه وسلم إلى إيمانه بمثابة التصرف بالهمة من آخرين في التأثير ، أو علم ذلك بوجه آخر .
وقلنا ذلك من جملة ما ألقاه النبي صلى اللّه عليه وسلم إليه وهو صلى اللّه عليه وسلم أعلم بنفسه .
فإن قلت : إنه تصرف بالهمة ولكن بأمور لما عرفت فلم تخلف عنه الأثر .


قلنا : لعل الحكمة فيه أن يعلم صلى اللّه عليه وسلم أنه لا أثر للهمة إلا فيما له استعداد قبول أثرها فيستريح عن إتعاب نفسه بتسليط الهمة على إيمان أحد فيقتصر على البلاغ ، فإن كان شديد الحرص على إيمان قومه كما قال تعالى :" فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً " [ الكهف : 6 ] .

( وفيه ) ، أي في شأن أبي طالب ( نزلت الآية التي ذكرناها ولذلك قال في ) شأن ( الرسول إنه ما عليه إلا البلاغ ) بصيغة الحصر ( وقال :" لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ"[ البقرة : 272 ] وزاد ) على ذلك ( في سورة القصص ) قوله : ("وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"، أي بالذين أعطوا العلم بهدايتهم في حال عدمهم بأعيانهم الثابتة فاثبت ) بهذه الزيادة ( أن العلم تابع للمعلوم فمن كان مؤمنا في ) حال ( ثبوت عينه وحال عدمه ظهر بتلك الصورة في حال وجوده ، وقد علم اللّه ذلك منه أنه هكذا يكون فلذلك قال : هو أعلم بالمهتدين فلما قال مثل هذا قال أيضا :ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّلأن قولي على حد علمي في خلقيوَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[ ق : 29 ] ، أي ما قدرت عليهم الكفر الذي يشقيهم ) حتى أكون ظالما .
( ثم طالبتهم بما ليس في وسعهم أن يأتوا به ) حتى يكون ظلما على ظلم وأكون به ظالما ( بل ما عاملناهم في إعطائهم )


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( بما أعطونا من نفوسهم ممّا هم عليه ، فإن كان ظلما فهم الظّالمون . ولذلك قال :وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[ الأعراف : 160 ] فما ظلمهم اللّه ، كذلك ما قلنا لهم إلّا ما أعطته ذاتنا أن نقول لهم ؛ وذاتنا معلومة لنا بما هي عليه من أن نقول كذا ، ولا نقول كذا ، فما قلنا إلّا ما علمنا أنّا نقول فلنا القول منّا . ولهم الامتثال وعدم الامتثال مع السّماع منهم
فالكلّ منّا ومنهم  ..... والأخذ عنّا وعنهم
إن لا يكونوا منا  ..... فنحن لا شك منهم
فتحقّق يا وليّ هذه الحكمة الملكيّة من الكلمة اللّوطيّة فإنّها لباب المعرفة .)
 
الوجود ( إلا بحسب ما علمناهم وما علملناهم إلا بما أعطونا من نفوسهم مما هم عليه فإن كان ) في الواقع ( ظلما فهم الظالمون ) فإنهم طلبوا من الجواد المطلق وجود ما يجري عليهم من الظلم ( ولذلك قال :"وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " فما ظلمهم اللّه ) [ البقرة : 57 ] .

وكما أنه ما أعطونا من العلم بهم إلا ما أعطونا ذواتهم ( كذلك ما قلنا لهم ) ، أي أمرناهم بهذا القول : كن ( إلا ما أعطته ذاتنا أن نقول لهم ) ، أي نأمرهم بهذا القول ( وذاتنا معلومة بما هي عليه من أن نقول كذا ولا نقول كذا فما قلنا إلا ما علمناه أنا نقول فلنا القول منّا ) بكلمة كن .
( ولهم الامتثال ) قطعا إن كان القول أمرا إيجاديا أو إيجابيا واقتضت أعيانهم امتثاله ( وعدم الامتثال ) إن كان الأمر أمرا إيجابيا اقتضت أعيانهم امتثاله ( مع السماع ) ، أي مع وقوع سماع قولنا ( منهم . . فالكل منا ومنهم . . والأخذ عنا وعنهم ) يحتمل أن يكون هذا الكلام من لسان الأسماء الإلهية وهو الظاهر نظرا إلى الكلام السابق .

ويحتمل أن يكون من لسان الأعيان الثابتة:
فعلى الأول معناه أن كل ما دخل في الوجود منا أي من حضرات الأسماء بالفعل والتأثير منهم .
أي من الأعيان الثابتة باعتبار القول والتأثر والأخذ ، أي أخذهم الوجود عنا وأخذنا العلم بهم عنهم .
وعلى الثاني معناه أن الكل منا .

أي من الأعيان الثابتة المتأثر ومنهم أي من الأسماء الإلهية المؤثرة وأخذهم العلم بنا عنا وأخذنا الوجود عنهم ( إن لا يكونون منا ) تقدير الكلام إن كان الأعيان الثابتة أو الأسماء الإلهية لا يكونون منا لمكان النون في يكونون ، وفي بعض النسخ إن لم يكونوا ولا حاجة حينئذ إلى هذا التقدير .
فعلى الاحتمال الأول معناه إن لم تكن الأعيان الثابتة ظاهرة عنا في عرصة الوجود الكوني باعتبار أنها ما شمت رائحة الوجود فنحن أي الأسماء الإلهية ظاهرون فيها منهم لأنهم مجالينا ومظاهرنا باعتبار ظهور عكوسهم وظلالهم في مرآة ظاهر الوجود الحق .
وعلى الثاني معناه إن لم تكن الأسماء الإلهية وكيف تكون منا وهي المؤثرات في وجودنا ( فنحن بلا شك منهم ) لهذا المعنى بعينه ( فتحقق يا ولي هذه الحكمة الملكية من الكلمة اللوطية فإنها لباب المعرفة )

قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فقد بان لك السّرّ   ...... وقد اتّضح الأمر
وقد أدرج في الشّفع  ..... الّذي قيل هو الوتر)
لاشتمالها على بيان أن كمال العارف في الرجوع إلى ضعفه الأصلي وعجزه الذاتي وتركه التصرف في العالم بجمعه الهمة امتثالا للأمر الإلهي ، وعلى بيان سر القدر الذي بمعرفته يستريح العارف ويقيم أعذار الخلائق فيما يجري عليهم وعلى غير ذلك من الحقائق كانحصار الوجود في الفاعل والقابل

( فقد بان لك السر ) ، أي سر القدر وسر سريان الوجود في الكل ( وقد اتضح الأمر ) ، أي أمر الوجود على ما هو عليه وانحصاره من الفاعل والقابل ( وقد اندرج في الشفع ) ، أي صورتي الفاعل والقابل اللذين هما الشفعية للوجود الواحد ( الذي قيل هو الوتر ) في حد ذاته الأحدية .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 14 - فص حكمة قدريّة في كلمة عزيرية الجزء الأول .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت نوفمبر 23, 2019 12:40 am

14 - فص حكمة قدريّة في كلمة عزيرية الجزء الأول .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص العزيري على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفصّ العزيري
14 - فص حكمة قدريّة في كلمة عزيرية    الجزء الأول
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أنّ القضاء حكم اللّه في الأشياء ، وحكم اللّه في الأشياء على حدّ علمه بها وفيها ، وعلم اللّه في الأشياء على ما أعطته المعلومات ممّا هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد .)
فص حكمة قديرية في كلمة عزيرية لما كان من مقتضى عزير عليه السلام وأحكامه انبعاث رغبة عنه نحو معرفة سر القدر وصف الشيخ رضي اللّه عنه حكمته بالقدرية ، ولما كان القدر مسبوقا بالقضاء ، لأنه تفصيله قدمه في البيان فقال : ( اعلم أن القضاء حكم اللّه في الأشياء ) أزلا بالأحوال الجارية على أعيانها إلى الأبد ، وإنما قال في الأشياء مع أن المراد على الأشياء تنبيها على استقرار هذا الحكم فيها استقرار المظروف في الظرف فلا تتغير أصلا ، أو الأشياء أعم من أن يكون محكوما عليها أو بها ، والحكم واقع ببعضها على بعض فهو فيما بينها ( وحكم اللّه في الأشياء ) واقع ( على حد علمه بها ) في أنفسها ( وفيها ) معتبرة مع أحوالها ، هذا إذا أردت بالأشياء الذوات المحكوم عليها ، وأما إن أخذت أعم ، فعلمه بها باعتبار تصوراتها وعلمه فيها باعتبار النسب الواقعة فيما بينها ( وعلم اللّه في الأشياء ) واقع ( على ما أعطته ) ، أي اقتضته ( المعلومات ) ، أي تلك الأشياء من حيث معلوميتها ( مما هي عليه ) بيان لما أعطته ، أي من أحوال هي ، أي من المعلومات عليها ( في نفسها ) عند الثبوت في العلم فعلمه تعالى بالأشياء تابع لما لا تقتضيه أعيانها من أحوالها باستعداداتها وقبولها إياها ( والقدر توقيت ما عليه الأشياء في عينها ) .
وفي بعض النسح توقيت ما هي عليه الأشياء وهو الموافق للنسخة التي قوبلت بحضور الشيخ رضي اللّه عنه مع أصلها ، فضمير هي مبهم تفسيره الأشياء يعني :
القدر تعيين الأوقات للأحوال والأحكام التي الأشياء عليها في أنفسها حالة الثبوت في العلم بإظهار كل واحد واحد من تلك الأحوال والأحكام في العين في وقته المخصوص به في العلم قبل تخصيص الوقت بالتعيين ، بناء على أن الزمان أصل سائر الأحوال والأحكام المشخصة فتعيينها تعيينها ، ويحتمل أن يراد بالتوقيت التعيين مطلقا ( من غير مزيد ) ، لما
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فما حكم القضاء على الأشياء إلّا بها .
وهذا هو عين سرّ القدر الذي يظهر"لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ"[ ق : 37 ] ."فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ "[ الأنعام : 149 ].
فالحاكم في التّحقيق تابع لعين المسألة الّتي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها .
فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك فكلّ حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه ، كان الحاكم من كان) .

في العين على ما في العلم ولا لما في العلم على ما في العين فلا حاجة إلى زيادة النقصان ( فما حكم القضاء على الأشياء إلا بها ) ، أي بتلك الأشياء بما هي عليه في حد أنفسها ( وهذا ) ، أي حكم القضاء على الأشياء بما هي عليه ( عين سر القدر ) ، أي عين حقيقة مستورة عن أعين المحجوبين يترتب عليها القدر . ( الذي يظهرلِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ).
يتقلب في العلوم والمعارف بطريق الذوق والوجدان (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) ، أي من له قلب (وَهُوَ شَهِيدٌ) [ ق : 37 ] حاضر القلب متهيىء لما يرد على سمعه قابل لفهمه (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) غاية التبيين للمقاصد على خلقه في إعطائهم ما يشفيهم من الكفر والعصيان لا للخلق عليهم إذ لا يعطيهم إلا ما طلبوا منه بلسان استعدادهم ، فما قدر عليهم ما قدر لمجرد إرادته من غير اقتضاء قابليتهم واستعداداتهم .
فإن قلت : الأعيان مع استعداداتها مجعولة للحق تعالى فللخلق الحجة البالغة .
قلنا : هي مجعولة له تعالى بمعنى أنها فائضة منه بتجلياته الذاتية بصور شؤونه المستجنة في غيب هوية ذاته بلا تخلل إرادة واختيار بل بالإيجاب المحض.
فليس لأحد أن يقول : رب لم جعلتني كذلك .
فإن قلت : فعلى ذلك ما المثوبات والعقوبات على أعمالنا .
قلنا : كما أن أعمالنا من مقتضيات أعياننا كذلك المثوبات والعقوبات من مقتضيات أعمالنا ، فهي أيضا من أحوال أعياننا ولكن بواسطة .
غاية ما في الباب أن الحق سبحانه جواد مطلق ، فكل ما يطلب منه بلسان الاستعداد الوجود يجود به عليه سواء كان من جنس المثوبات أو العقوبات .
( فالحاكم بالتحقيق تابع لعين المسألة التي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها ) المسألة مصدر بمعنى اسم الفاعل ، أي تابع لغير الحقيقة السائلة الذي يحكم ذلك الحاكم فيها بما تقتضيه ذاتها .
( فالمحكوم عليه بما هو فيه ) من الأحكام الخاصة به ( حاكم ) بلسان استعداده ( على الحاكم أن يحكم عليه بذلك ) ، أي بما هو فيه ( وكل حاكم محكوم عليه بما حكم به ) من الأحكام ( و"فيه ، كان الحاكم مّن كان". ) كذلك محكوم عليه السلام .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فتحقّق هذه المسألة فإنّ القدر ما جهل إلّا لشدّة ظهوره فلم يعرف وكثر فيه الطّلب والإلحاح .
واعلم أنّ الرّسل صلوات اللّه عليهم من حيث هم رسل لا من حيث هم أولياء وعارفون على مراتب ما هي عليه أممهم فما عندهم من العلم الّذي أرسلوا به إلّا قدر ما تحتاج إليه أمّة ذلك الرّسول ، لا زائد ولا ناقص .
والأمم متفاضلة يزيد بعضها على بعض فيتفاضل الرّسل في علم الإرسال بتفاضل أممها وهو قوله تعالى :" تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ" [ البقرة : 253 ] .
كما هم أيضا فيما يرجع إلى ذواتهم عليهم السّلام من العلوم والمعارف والأحكام الإلهيّة متفاضلون بحسب استعداداتهم وهو في قوله : " وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ" [ الإسراء : 55 ] .
وقال تعالى في حقّ الخلق :" وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ"[ النحل : 71 ] والرّزق منه ما هو روحانيّ كالعلوم ، وحسّيّ كالأغذية وما ينزّله الحقّ إلّا بقدر معلوم ).


بما حكم ( فيه ) من الأعيان فإن الحاكم تابع لهما في حكمه ( كان الحاكم من كان ) حقيقيا أو مجازيا صوريا أو معنويا .
قال رضي الله عنه :  ( فتحقق هذه المسألة فإن القدر ما جهل إلا لشدة ظهوره ) فإن الشيء إذا جاوز حده انعكس ضده ( فلم يعرف وكثر ما فيه الطلب والإلحاح ) والحكمة في احتجابه عن الأنبياء عليهم السلام أن النبي إذا اطلع عليه لا يقدر على الدعوة وإجراء أحكام الشريعة على الأمة ، بل يعذر كلامهم فيما هو عليه لإعطاء عينه ذلك .
(واعلم أن الرسل صلوات اللّه عليهم من حيث هم رسل لا من حيث هم أولياء وعارفون على مراتب ما هي عليه أممهم ) هي ضمير منهم يفسر أممهم أي : على مراتب ما أممهم عليه من الاستعدادات والقابليات ( فما عندهم ) ، أي عند كل رسول منهم ( من العلم الذي أرسلوا به ) ، أي أرسل كل واحد منهم بحصة منه .
( إلا قدر ما يحتاج إليه أمة ذلك الرسول لا زائد ولا ناقص ) ، لأنه إنما أرسل ليعطي كل واحد من أمته ما سأله بلسان الاستعداد من غير زيادة ولا نقصان ليطابق عطاؤه السؤال ( والأمم متفاضلة يزيد بعضها على بعض ) في علوم الرسالة لدلالة الرسل عليه .
( فيتفاضل الرسل في علم الإرسال بتفاضل أممها وهو قوله تعالى :تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ[ البقرة : 253 ] كما هم أيضا فيما يرجع إلى ذواتهم عليهم السلام ) من حيث أنهم أنبياء .
( من العلوم والأحكام لا إلهية متفاضلون بحسب استعداداتهم وهو ) يدل على ذلك ( قوله تعالى :وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ[ الإسراء : 55 ] )
 
قال رضي الله عنه :  (وقال تعالى في حق الخلق ) مطلقا . (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [ النحل : 71 ] ، (والرزق منه ما هو روحاني كالعلوم وحسي كالأغذية ينزله ) ، أي الرزق ("إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ" [ الحجر : 21 ] وهو ) ، أي القدر المعلوم.
 
قال الشيخ رضي الله عنه :   (وهو الاستحقاق الّذي يطلبه الخلق .
فإنّ اللّه "أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ" [ طه : 50 ] فينزّل بقدر ما يشاء وما يشاء إلّا ما علم فحكم به وما علم كما قلناه إلّا بما أعطاه المعلوم من نفسه .
فالتّوقيت في الأصل للمعلوم والقضاء والعلم والإرادة والمشيّة تبع للقدر .
فسرّ القدر من أجلّ العلوم وما يفهّمه اللّه تعالى إلّا لمن اختصّه بالمعرفة التّامّة .
فالعلم به يعطي الرّاحة الكلّيّة للعالم به ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا)
 
قال رضي الله عنه :   ( الاستحقاق الذي يطلبه ) ، أي يقتضيه ( الخلق ) ، أي العين الثابتة التي أعطاها اللّه تعالى خلقها فالخلق بمعنى المخلوق ( فإن اللّه "أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ" [ طه : 50 ] فينزله عليه بقدر ) ، أي بقدر استحقاقه .
( ما يشاء ) ، أي ما يريد من الأرزاق ( وما يشاء إلا ما علم ) أنه استحقه فحكم به وذلك الحكم هو القضاء ( وما علم ) استحقاقه ( كما قلناه إلا بما أعطاه المعلوم من نفسه فالتوقيت ) الذي هو القدر ( في الأصل للمعلوم والقضاء والعلم والإرادة والمشيئة تبع للقدر ) ، والقدر تبع للمعلوم المقدور .
قال رضي الله عنه :  ( فسر القدر ) ، أي العلم به ( من أجل العلوم وما يفهمه اللّه سبحانه إلا لمن اختصه بالمعرفة التامة فالعلم به يعطي الراحة الكلية للعالم به ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا ) .
 
اعلم أن العلم بسر القدر على نوعين :
أحدهما : على سبيل الإجمال والكلية بأن يعلم أن الأحوال الجارية على الموجودات إنما هي مقتضيات أعيانهم الثابتة ، والحق سبحانه ما يحكم عليهم في القضاء السابق إلا بمقتضى ذواتهم ولمقتضى الذات لا يمكن أن يتخلف عنها .
والراحة الكلية في هذا النوع من العلم الخلاص عن الاعتراض على الخلق في ارتكابهم أسباب الشقاوة دنيا وآخرة ، واجتنابهم عن أسباب السعادة كذلك وعلى الحق تعالى بأنه لم لا يساعدهم على ما يسعدهم ولم لا يجنبهم عما يشقيهم .
وعن المبالغة في نهيهم عن المنكرات وزجرهم عن المحظورات وفي أمرهم بالمرضيات وحثهم على المأمورات ، والعذاب الأليم فيه أن يشاهد على نفسه أو على غيره أنواعا من الأسقام والآلاء والمصائب والمتاعب في الدنيا ووجوها من موجب العذاب والعقاب والنكال والوبال في الآخرة ، ولا يعلم أنه هل من مقتضيات أعيانهم الثابتة الخلاص عنها أم لا فيحترق ويتألم على ذلك شفقة على نفسه وغيره .
والنوع الثاني من العلم بسر القدر أن يكاشف العارف بما تقتضيه عينه أو عين غيره من الأحوال والأحكام على سبيل التفصيل ، فالراحة الكلية فيه سكون العارف عن طلب مالا تقتضيه عينه واستراحته عنه إذا كان مكاشفا بعينه ، وسكونه من حيث غيره الذي له شفقة بالنسبة على
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فهو يعطي النّقيضين .
وبه وصف الحقّ نفسه بالغضب والرّضا وبه تقابلت الأسماء الإلهيّة .
فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيّد لا يمكن أن يكون شيء أتمّ منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدّي وغير المتعدّي .
ولمّا كانت الأنبياء صلوات اللّه عليهم لا تأخذ علومها إلّا من الوحي الخاصّ الإلهي فقلوبهم ساذجة من النّظر العقليّ لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري ، عن إدراك الأمور على ما هي عليه .
والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلّا بالذّوق فلم)
 
ما ليس من مقتضيات عينه إذا كان مكاشفا بعين غيره ، والأمن من زوال ما حصل في الصورتين ، والعذاب الأليم تألمه حيث يدركه أن قصوره أو قصور غيره في تحصيل بعض الكلمات لعدم اقتضاء العين ويأسه عن تداركه .
قال رضي الله عنه :  ( فهو ) ، أي سر القدر من حيث العلم به ( يعطى النقيضين ) كما هو مقتضى الهوية المطلقة وهما الراحة الكلية والعذاب الأليم ( وبه ) ، أي بسر القدر يعني الأعيان الثابتة .
( وصف الحق بالغضب والرضا ) ، فإنه إذا تجلى الحق سبحانه عليها وظهر آثار القهر والجلال فهو الغضب ، وإذا تجلى عليها وظهر آثار اللطف والجمال فهو الرضا .
( وبه تقابلت الأسماء الإلهية ) فالأسماء المتعلقة بالرضا جمالية وبالغضب جلالية ( فحقيقته تحكم في الوجود المطلق ) بإثبات الغضب والرضا له وتوصيفه بالصفات المتقابلة الجمالية والجلالية ( و ) في ( الوجود المقيد ) والسعادة والشقاوة وكونه مرضيا عند ربه أو مغضوبا عليه إلى غير ذلك ( لا يمكن أن يكون شيء أتم منها ) حيطة ( ولا أقوى ) تأثيرا ( ولا أعظم قدرا لعموم حكمها المتعدي وغير المتعدي )
فقوله : المتعدي يحتمل أن يكون مجرورا صفة لحكمها ، أي لعموم حكمها المنقسم إلى قسمين ، أي المتعدي وغير المتعدي ، فالمتعدي ما يتجاوز عن مظهرها إلى الموجود المطلق والمقيد المغير لمظهرها ، وغير المتعدي ما يختص بمظرها وحينئذ يكون مفعول العموم محذوفا .
أي كل الموجودات ، وإن يكون مفعولا للعموم أي لعموم حكمها الحكم المتعدي وغير المتعدي ، والمعنى على قياس ما عرفت .
( ولما كانت الأنبياء صلوات للّه عليهم أجمعين لا تأخذ علومها إلا من الوحي الخاص الإلهي ) الذي هو الإخبار عن الحق سبحانه بواسطة أو غير واسطة ( فقلوبهم ساذجة من النظر العقلي بعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري ) دون ذوقه الذاتي ( عن إدراك الأمور على ما هي عليه ) هذا طريق الفكر والاستدلال ( والإخبار أيضا ) ، وإن كان وحيا من قبل اللّه تعالى.
( يقصر عن إدراك ما لا ينال إلا بالذوق ) لتباين مدركيهما أو مدرك أحدهما السمع ومدرك الآخر الذوق .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (يبق العلم الكامل إلّا في التّجلّي الإلهي وما يكشف الحقّ عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها .
فلما كان مطلب العزير على الطّريقة الخاصّة لذلك وقع العتب عليه كما ورد في الخبر ولو طلب الكشف الّذي ذكرناه ربّما كان لا يقع عتب في ذلك .
والدّليل على سذاجة قلبه قوله في بعض الوجوه "أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها "[البقرة : 259].
وأمّا عندنا فصورته عليه السّلام في قوله هذا كصورة إبراهيم عليه السّلام في قوله :رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى[ البقرة : 260 ] ويقتضي ذلك الجواب بالفعل الّذي)
 
قال رضي الله عنه :  ( فلم يبق الكامل إلا في التجلي الإلهي ) ( و ) كشف ( ما يكشف ) بكشفه ( الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية ) ، فما في « ما يشكف » موصولة و « من الأغطية » بيان له ولا يتم المعنى إلا بتقدير مضاف كما ذكرنا أعني كشف ما يكشف ( فيدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها ولما كان مطلب العزير ) ، أي طلب معرفته القدر ( على الطريقة الخاصة النبوية ) ، يعني الإخبار بطريق الوحي .
قال رضي الله عنه :  ( لذلك وقع العتب عليه كما ورد في الخبر ) لئن لم تنته لأمحون اسمك من ديوان النبوّة ، فإن طريق حصولها الكشف عن أعين البصائر والأبصار لا الطريقة الخاصة النبوّية التي هي الإخبار عن اللّه تعالى ( فلو طلب الكشف الذي ذكرناه ربما كان لا يقع عليه عتب في ذلك والدليل على سذاجة قلبه ) من النظر العقلي .
قال رضي الله عنه :  ( قوله في بعض الوجوه أنى يحيي هذه اللّه بعد موتها ) ، وإنما قال في بعض الوجوه للمفسرين فيه وجوها أحدها : أن القائل بهذا القول عزير عليه السلام وفي الوجوه الأخر غيره .
والأحسن أن يقال : المراد ببعض الوجوه ما ذهب إليه الظاهريون من أن سؤاله هذا إنما هو على سبيل الاستعجاب والاستغراب ، فإن النظر العقلي مما يرفع الاستغراب عن إحياء الموتى بعد موتها لكنه عليه السلام لم يلتفت إليه لأنه ليس من الطريقة الخاصة النبوية .
والوجه الآخر ما أشار إليه بقوله :
( وأما عندنا ) ، أي وأما في الوجود الذي عندنا معاشر أهل الكشف ( فصورته عليه السلام في قوله : هذا كصورة إبراهيم عليه السلام في ) قوله : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) [ البقرة : 260 ] .
أي ليس قوله هذا كقول إبراهيم عليه السلام بمعنى الاستغراب والاستعجاب ، فإن المتحقق بمقام النبوّة والولاية لا يستبعد من اللّه القادر الموجد المحيي المميت المعيد أن يحيي الأموات ويعيدهم مرة أخرى.
بل طلب عليه السلام أن يريه الحق كيفية إحياء الموتى ليكون في ذلك صاحب
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( أظهره الحقّ فيه في قوله تعالى : " فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ فقال له :وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً "[ البقرة : 259 ] فعاين كيف تنبت الأجسام معاينة تحقيق فأراه الكيفيّة.
فسأل عن القدر الّذي لا يدرك إلّا بالكشف للأشياء في حال ثبوتها في عدمها فما أعطي ذلك فإنّ ذلك من خصائص الإطّلاع الإلهي .
فمن المحال أن يعلمه إلّا هو فإنّها المفاتح الأول أعني مفاتح الغيب الّتي لا يعلمها إلّا هو وقد يطلع اللّه من شاء من عباده على بعض الأمور من ذلك .)
 
شهود لا صاحب نظر واستدلال ، ولا أهل خبر واستخبار ( ويقتضي ذلك ) ، أي السؤال على هذا الوجه ( الجواب بالفعل ) لا بالقول وذلك الفعل هو الفعل الذي ( أظهره الحق سبحانه فيه ) ببعثه منطويا هذا الفعل من حيث الدلالة عليه ( في قوله :فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُفقال له :وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فعاين كيف تنبت الأجسام معاينة تحقيق فأراه الكيفية ) ، أي كيفية إحياء الموتى .
( فسأله ) عطف على أراه ، أي فسأل بلسان الحال بعد ما سأل عن كيفية إحياء الموتى بلسان القول وأجيب بالفعل ( عن القدر الذي ) هو مبدأ هذه الأفعال العجيبة المعلومة له حين بعثه ونشر عظام حماره وكساه لحما ، بأن كوشف بالأعيان الثابتة وكيفية افتتاح وجود المقدروات عنها وإدراكها إدراك ذوق ووجدان .
فالمسؤول بهذا السؤال مجموع أمره ( لا يدرك ) هذا المجموع ( إلا بالكشف للأشياء في حال ثبوتها في عدمها ) وافتتاح الوجود عنها ( فما أعطي ) عزير عليه السلام ( ذلك ) المجموع ( فإن ذلك من خصائص الاطلاع الإلهي ) كما يظهر وجهه فيما بعد ( فمن المحال أن يعلمه إلا هو فإنها ) ، أي الأشياء في حال ثبوتها في عدمها .
( المفاتيح الأول ) بالنسبة إلى الموجودات العينية فإن المفاتيح الأول مطلقا أنها هي الشؤون الذاتية التي تكون الأشياء في حال ثبوتها في العدم صورها (أعني مفاتيح الغيب التي لا يعلمها) من حيث إنها مفاتيح علم ذوق ووجدان (إلا هو وقد يطلع اللّه من يشاء من عباده على بعض الأمور من ذلك) المذكور ، بأن يكاشف ببعض الأعيان الثابتة في العلم وجريان أحواله عليه تفصيلا .
ولكن لا يدرك كيفية افتتاح الوجود عنها بالذوق والوجدان أصلا . ولما كان السؤال الثاني ناشئا عن السؤال الأول لازما له كانت الآية الدالة على الأول بالمطابقة كالدال على الثاني بالالتزام ، فالعتب الواقع عليه إنما هو باعتبار المعنى الثاني كما صرح به فيما بعد .
ولما أشار آنفا إلى أن الاطلاع على الأشياء حين ثبوتها في العلم وافتتاح الوجود عنها من خصائص الاطلاع الإلهي وأراد أن يوضحه غاية الإيضاح.
  
قال الشيخ رضي الله عنه :  (واعلم أنّها لا تسمّى مفاتح إلّا في حال الفتح ، وحال الفتح هو حال تعلّق التّكوين بالأشياء ؛ أو قل إن شئت : حال تعلّق القدرة بالمقدور ولا ذوق لغير اللّه في ذلك .
فلا يقع فيها تجلّ ولا كشف ، إذ لا قدرة ولا فعل إلّا للّه خاصّة ، إذ له الوجود المطلق الّذي لا يتقيّد .
فلمّا رأينا عتب الحقّ له عليه السّلام في سؤاله في القدر علمنا أنّه طلب هذا الاطّلاع ، فطلب أن تكون له قدرة تتعلّق بالمقدور ، وما يقتضي ذلك إلّا من له الوجود المطلق .
فطلب ما لا يمكن وجوده في الخلق ذوقا ، فإنّ الكيفيّات لا تدرك إلّا بالأذواق .
وأمّا ما رويناه ممّا أوحى اللّه به إليه لئن لم تنته لأمحونّ اسمك من ديوان النبوّة ، أي أرفع عنك طريق الخبر وأعطيك الأمور على التّجلّي ، والتّجلّي لا يكون إلّا بما أنت عليه من الاستعداد الّذي به يقع الإدراك الذّوقي ، فتعلم أنّك ما أدركت إلّا بحسب استعدادك فتنظر في هذا الأمر الّذي طلبت ، فلمّا لم تره تعلم أنّه ليس)
 
فقال رضي الله عنه  : ( واعلم أنه ) ، أي الشأن أن الأشياء حال ثبوتها في العدم ( لا تسمى مفاتيح ) بالحقيقة ( إلا في حال الفتح وحال الفتح هو حال تعلق التكوين بالأشياء أو قل إن شئت حال تعلق القدرة بالمقدور ) ، فإنه لا اختلاف بينهما إلا بحسب العبارة .
فقال رضي الله عنه  : (ولا ذوق لغير اللّه في ذلك التكوين وتعلق القدرة فلا يقع فيها تجل ولا كشف إذ لا قدرة ولا فعل إلا للّه خاصة إذ له الوجود المطلق الذي لا يتقيد ) ولا شك أن مبدأ التأثير والفعل هو الإطلاق كما أن مبدأ التأثر والانفعال هو التقيد .
فقال رضي الله عنه  : (فلما رأينا عتب الحق له عليه في سؤاله في القدر علمنا أنه طلب هذا الاطلاع ) ، أي شهوده تعلق القدرة بالمقدور ذوقا ( فطلب أن تكون له قدرة تتعلق بالمقدور ) ليشهد هذا التعلق ذوقا ، لأن ذوق تعلق القدرة ما يكون إلا للقادر بالذات .
فقال رضي الله عنه  : ( وما يقتضي ذلك إلا من له الوجود المطلق فطلب ما لا يمكن وجوده في الخلق ذوقا فإن الكيفيات ) الوجدانية ( لا تدرك إلا بالأذواق . وأما ما رويناه مما أوحى اللّه به إليه لئن لم تنته لأمحون اسمك من ديوان النبوة أي أرفع عنك ).
يعني أرفع عنك جواب ما ، أي أرفع عنك ( طريق الخبر ) والإنباء الذي هو طريق الأنبياء.
فقال رضي الله عنه  : (وأعطيك الأمور على التجلي والتجلي لا يكون إلا بما أنت عليه من الاستعداد الذي به يقع الإدراك الذوقي فتعلم أنك ما أدركت إلا بحسب استعدادك فتنظر في هذا الأمر الذي طلبت فما لم تره ) .
وفي بعض النسخ فلما لم تره في ذلك التجلي الذي أعطيك الأمور بحسبه
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (تعلم أنه ليس عندك الاستعداد الّذي تطلبه وأنّ ذلك من خصائص الذّات الإلهيّة ، وقد علمت أنّ اللّه أعطى كلّ شيء خلقه فإن لم يعطك هذا الاستعداد الخاصّ ، فما هو خلقك ، ولو كان خلقك لأعطاكه الحقّ الّذي أخبر"أنّهأَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ" [ طه : 50 ] فتكون أنت الّذي تنتهي عن مثل هذا السّؤال من نفسك ، لا تحتاج فيه إلى نهي إلهي وهذه عناية من اللّه بالعزير عليه السّلام علم ذلك من علمه وجهله من جهله .
واعلم أنّ الولاية هي الفلك المحيط العامّ ، ولهذا لم تنقطع ، وله الإنباء العامّ .)
 
قال رضي الله عنه :  ( تعلم أنه ليس عندك الاستعداد الذي تطلبه ) ، أي تطلب ذلك الاستعداد الأمر الذي طلبته .
( وأن ذلك من خصائص الذات الإلهية وقد علمت أن اللّه أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) ، أي استعداده الذي يخلق في الشهادة بحسبه ( ولم يعطك هذا الاستعداد الخاص فما هو ) ، أي هذا الاستعداد (خلقك ولو كان خلقك لأعطاك الذي أخبر أنهأَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ فتكون أنت الذي تنتهي عن مثل هذا السؤال من نفسك لا تحتاج فيه إلى نهي إلهي ، وهذا ) الذي ذكرناه في معنى محو اسمه عن ديوان النبوة ( عناية من اللّه بالعزير ) ووعد لا عتب ووعيد .
 ( علم ذلك من علمه وجهله من جهله ) . اعلم أن المعاد على ضربين

أحدهما : إعادة الصور المركبة من أجزاء مخصوصة بعد افتراق تلك الأجزاء وجمعها على نحو هيئتها الأولى وإعدادها لاتصال روحها بها اتصال تدبير مقوّم لتلك الصورة وممكن إياها من التصور الخصيص بتلك الصورة وروحها ، ومن هذا القبيل كان إعادة حمار العزير عليه السلام .

والثاني : حراسة الصورة المركبة من انفكاك أجزائها عن مفارقة الروح عنها لعدم استعداد الصورة لقيام الحياة بها المستلزمة لإقبال الروح على تدبير تلك الصورة .

فإن بعض الأرواح لكماله لكسب الصورة زمان تدبيره لها صفة البقاء الذي تقتضيه ذاته ، وأيضا لم يعرض عنها بحيث يوجب انفكاك أجزائها لضعفه وعجزه عن الجمع بين الطرفين : الدنيا والآخرة .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 14 - فص حكمة قدريّة في كلمة عزيرية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت نوفمبر 23, 2019 12:41 am

14 - فص حكمة قدريّة في كلمة عزيرية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص العزيري على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفصّ العزيري
14 - فص حكمة قدريّة في كلمة عزيرية     الجزء الثاني
فإن الأرواح الكاملة لا يشغلها شأن عن شأن فلم يعرض عن هذا العالم بكل وجه فمثل هذا الجسد المحروس من الانفكاك متن أمدّ بقوة وأمر بكسبه ضربا من الاعتدال اتصلت به الحياة واستعد لإقبال الروح عليه بالتدبير . ومن هذا النوع كانت إعادة عزير عليه السلام .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( واعلم أن الولاية ) التي هي عبارة عن الفناء في الحق سبحانه والبقاء به ( هي الفلك ) ، أي المعنى الكلي ( المحيط ) بكل نبي وولي ورسول ( العام ) لكلتا النشأتين :
الدنيوية والأخروية الشامل لجميع أحيائها ( ولهذا ) ، أي لإحاطتها وعمومها ( لم تنقطع ) في هذه النشأة أصلا بأن تكون هذه النشأة باقية وهي منقطعة فإن عند انقطاعها عن هذه النشأة ينتقل الأمر إلى الآخرة ( ولها ) ، أي للولاية ( الإنباء العام ) الذي يتحقق مع النبوة وبدونها لأن الولي هو الذي فني في الحق سبحانه ، عند هذا الفناء يطلع على المعارف والحقائق بشيء عنها عند بقائه باللّه .

قال الشيخ رضي الله عنه :  (وأمّا نبوّة التّشريع والرّسالة فمنقطعة ، وفي محمّد صلى اللّه عليه وسلم قد انقطعت ، فلا نبيّ بعده مشرّعا أو مشرّعا له ولا رسول وهو المشرّع .
وهذا الحديث قصم ظهور أولياء اللّه لأنّه يتضمّن انقطاع ذوق العبوديّة الكاملة التّامّة فلا ينطلق عليه اسمها الخاصّ بها فإنّ العبد يريد أن لا يشارك سيّده - وهو اللّه - في اسم ؛ واللّه لم يتسمّ بنبيّ ولا رسول ، وتسمّى بالوليّ واتّصف بهذا الاسم فقال :"اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا" [ البقرة : 258 ] وقال :وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ[ الشورى : 28 ] وهذا)

( وأما نبوة التشريع ) التي هي خصوص مرتبة من الإنباء العام ( والرسالة ) التي هي خصوص مرتبة في النبوّة ( فمنقطعة ) ، أي كل واحدةمنهما منقطعة في هذه النشأة لا تستوعب جميع أحيانها فلا يبعث رسول ولا نبي آخر ولا يتعدى إلى النشأة الأخرى أيضا ، فلا يبعث فيها الأنبياء المشرعون كل واحد من النبوة والرسالة ( وفي ) نبينا ( محمد صلى اللّه عليه وسلم قد انقطعت ) كما قال صلى اللّه عليه وسلم : « لا نبي بعدي »  . رواه البخاري ومسلم


( فلا نبي بعده مشرعا ) ، أي آتيا بالأحكام الشرعية من غير متابعة لنبي آخر قبله كموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام ( أو مشرعا له ) ، أي متبعا لما شرعه النبي صلى اللّه عليه وسلم المتقدم كأنبياء بني إسرائيل إذ كلهم كانوا داعين إلى شريعة موسى عليه السلام ( ولا رسول وهو ) ، أي الرسول هو ( المشرع ) ، أي الآتي بشريعة من غير تبعية لنبي آخر.
  
( وهذا الحديث ) المنبىء عن انقطاع النبوة بعد نبينا صلى اللّه عليه وسلم ( قصم ظهور أولياء اللّه ) الظاهرين في هذه الأمة ( لأنه ) ، أي ذلك الحديث ( يتضمن ) ويستدعي ( انقطاع ذوق العبودية الكاملة التامة ) التي لا يشوبها ربوبية فإنه لا يكون هذا الذوق إلا في مقام النبوّة بانقطاعها ينقطع ( فلا ينطلق عليه ) ، أي على الولي ( اسمها ) ، أي اسم العبودية ( الخاص بها ) الغير المنطلق على اللّه سبحانه وذلك يوجب قسم ظهورهم ( فإن العبد ) المترقي في درجات الولاية ( يريد أن ) يذوق العبودية الكاملة ( لا يشارك سيده وهو اللّه سبحانه ) في هذا المقام ( في اسم ) فيكون عبدا محضا ( واللّه لم يتسم ) في مرتبة الجمع ( بنبي ولا رسول ويسمى بالولي واتصف بهذا الاسم ) ، فيشارك العبد فيه فلا يكون من الأسماء الخاصة بالعبد .
واستدل على تسميته سبحانه بهذا الاسم بقوله : ( فقال تعالى :" اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا" [ البقرة : 257 ] وقال تعالى ) أيضا (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [ الشورى : 28 ] ، فهو للّه سبحانه بالأصالة كسائر الأسماء ولعبيده تحققا خلقا أو تعلقا .


قال الشيخ رضي الله عنه :  (الاسم باق جار على عباد اللّه دنيا وآخرة . فلم يبق اسم يختصّ به العبد دون الحقّ بانقطاع النّبوّة والرّسالة .
إلّا أنّ اللّه لطيف بعباده فأبقى لهم النّبوّة العامّة الّتي لا تشريع فيها ، وأبقى لهم التّشريع في الاجتهاد في ثبوت الأحكام . وأبقى لهم الوراثة في التّشريع فقال :
« العلماء ورثة الأنبياء » وما ثمّة ميراث في ذلك إلّا فيما اجتهدوا فيه من الأحكام فشرعوه .
فإذا رأيت النّبيّ يتكلّم بكلام خارج عن التّشريع فمن حيث هو وليّ عارف ).


( وهذا الاسم باق جار على عباد اللّه دنيا وآخرة ) ، فهو مشترك بين الحق سبحانه وبين عبيده (فلم يبق ) للعبد ( اسم يختص به العبد ) بحسب مرتبته الكمالية بحيث يطلق عليه ( دون الحق بانقطاع النبوة والرسالة ) فإنهما إذا انقطعتا لم يتسم العبد بالنبي والرسول فلا يكون له اسم خاص به ، ولما ذكر رضي اللّه عنه أن النبوّة التشريعية قد انقطعت بعد نبينا صلى اللّه عليه وسلم أراد أن ينبه أن المنقطعة ما يكون بغير اجتهاد وما يكون بالاجتهاد يدوم بدوام هذه النشأة ، وإن انقطعت في النشأة الأخروية .
 
فقال رضي الله عنه  : ( إلا أن اللّه سبحانه لطف بعباده فأبقى لهم النبوة العامة ، التي ) هي الإنباء عن المعارف والأحكام الإلهية ( لا تشريع فيها ) من غير اجتهاد ( وأبقى لهم ) ، أي لعباده ( التشريع ) الواقع ( في ضمن الاجتهاد في ثبوت الأحكام وأبقى لهم الوراثة في التشريع فقال ) على لسان نبيه صلى اللّه عليه وسلم « العلماء ورثة الأنبياء »  وما ثم ميراث في ذلك ) التشريع ( إلا فيما اجتهدوا فيه من الأحكام فشرعوه ) . رواه أبو داود ورواه الترمذي ورواه غيرهما .
 
أي إلا في الأحكام اجتهدوا فيها واستنبطوها من مأخذها من الكتاب والسنة فشرعوها بطريق الاجتهاد ( فإذا رأيت النبي يتكلم بكلام خارج عن التشريع ) ، كقوله عليه السلام : « لو دليتم بحبل لهبط على اللّه » . رواه الترمذي
 
وكحديث قرب النوافل وقرب الفرائض وغير ذلك مما يتعلق بكشف الحقائق الإلهية والأسرار الربانية ( فمن حيث هو ولي عارف ) . رواه الترمذي
أي فذلك النبي من حيث هو ولي وعارف باللّه معرفة ذوق وشهود يتكلم به لا من حيث هو نبي ورسول ، فالولاية جهة حقانية والنبوة جهة خلقية .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا ، مقامه من حيث هو عالم ووليّ أتمّ وأكمل من حيث هو رسول أو ذو تشريع وشرع .
فإذا سمعت أحدا من أهل اللّه يقول أو ينقل إليك عنه أنّه قال الولاية أعلى من النّبوّة ، فليس يريد ذلك القائل إلّا ما ذكرناه .
أو يقول إنّ الوليّ فوق النّبيّ والرّسول ، فإنّه يعني بذلك في شخص واحد وهو أنّ الرّسول من حيث أنّه وليّ أتمّ منه من حيث أنّه نبيّ ورسول ، لا أنّ الوليّ التّابع له أعلى منه ، فإنّ التّابع لا يدرك المتبوع أبدا فيما هو تابع له فيه ، إذ لو أدركه لم يكن تابعا فافهم .
فمرجع الرّسول والنّبيّ المشرّع إلى الولاية والعلم .)
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ولهذا ) ، أي لأجل كون الولاية جهة حقانية والنبوة جهة خلقية ( مقامه ) ، أي مقام النبي ( من حيث هو عالم ) باللّه عارف به ( و ) من حيث هو ( ولي أتم وأكمل من مقامه من حيث هو رسول أو ذو تشريع وشرع ، فإذا سمعت أحدا من أهل اللّه يقول أو ينقل إليك عنه أنه قال : الولاية أعلا من النبوّة فليس يريد ذلك القائل إلا ما ذكرناه ) من أن مقامه من حيث ولايته أعلا من مقامه من حيث نبوّته ، لأن الولي التابع أعلى من النبي جامع لجهتي الولاية والنبوّة والولاية فيه أتم وأكمل .
والولي فائت لجهة النبوّة والولاية فيه ديدن ولاية النبي فكيف يكون أعلى من النبي ( أو ) سمعت أحدا من أهل اللّه ( يقول : إن الولي فوق النبي والرسول فإنه يعني بذلك القول ) تفوق الولي على النبي ( في شخص واحد ) جامع لجهتي النبوة والولاية .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وهو ) ، أي ما يعنيه ذلك القائل ( أن الرسول من حيث أنه ولي أتم منه من حيث أنه نبي ورسول ، لا أن الولي التابع له ) ، أي للرسول ( أعلى منه ) ، أي من الرسول ( فإن التابع لا يدرك المتبوع ) ولا يصل إلى مرتبته ( أبدا فيما هو تابع له فيه ) وإنما قيد بذلك إشارة إلى ما سبق من أن الرسل مع أنهم متبوعون يأخذون من مشكاة خاتم الأولياء .
وإنما قلنا : إن التابع لا يدرك المتبوع ( إذ لو أدركه ) ووصل إلى مرتبته ( لم يكن تابعا له ) من هذه الحيثية فإن مرتبة المتبوع الأخذ من غير تبعية نبي ولا رسول ( فافهم ) .
فإن قلت : الولاية جهة حقانية والنبوة جهة خلقية فهي أتم وأعلى من النبوة مطلقا سواء تحققت في الولي أو النبي ، ولا يلزم من ذلك تفضيل الولي على النبي فلا حاجة إلى التقيد في كونهما في شخص واحد .
قلت : نعم لكن الشيخ رضي اللّه عنه إنما قيد بذلك مبالغة في الأدب ودفعا لأن يتوهم الجهال من كلامه تفضيل الولي على النبي ( فمرجع الرسول والنبي المشرع ) ، أي رجوعهما في تشريع الأحكام وتبليغها إلى طوائف الأنام .
( إلى ) جهة ( الولاية والعلم ) فإنهما ما لم يأخذا الأحكام من اللّه سبحانه بجهة الولاية لم يتمكنا من التشريع والتبليغ بجهة الرسالة والنبوّة ، وعطف العلم على الولاية تفسيري ، فإن حقيقة الولاية هي العلم باللّه سبحانه كشفا وشهودا ، وتعريفها بالفناء في اللّه والبقاء به تعريف بما لا يمكن ذلك العلم والشهود في الخلق إلا به
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ألا ترى أنّ اللّه أمره بطلب الزيادة من العلم لا من غيره فقال له آمرا : بقوله :" وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً " [ طه : 114 ] .
وذلك أنّك تعلم أنّ الشّرع تكليف بأعمال مخصوصة أو نهي عن أعمال مخصوصة ومحلّها هذه الدّار فهي منقطعة ، والولاية ليست كذلك إذ لو انقطعت لانقطعت من حيث هي كما انقطعت الرّسالة من حيث هي . وإذا انقطعت من حيث هي لم يبق لها اسم ، والوليّ اسم باق للّه تعالى ، فهو لعبيده تخلّقا وتحقّقا وتعلّقا .
فقوله للعزير لئن لم تنته عن السّؤال عن ماهيّة القدر لأمحونّ اسمك من ديوان النّبوّة)
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ألا ترى أن اللّه سبحانه ) حيث أراد تكميل جهة رسالة نبينا صلى اللّه عليه وسلم ( قد أمره بطلب الزيادة من العلم لا من غيره ) ، فلم يكن العلم بما ترجع إليه النبوّة وتزداد بزيادته لما أمره سبحانه بطلب زيادته حيث أراد تكميل جهة رسالته .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فقال آمرا له صلى اللّه عليه وسلم :"رَبِّ زِدْنِي عِلْماً") [ ط : 114 ] بزيادة تجلياتك الذاتية والأسمائية والأفعالية والآثارية التي هي جهة ولايتي لتقوى به جهة رسالتي ونبوتي .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وذلك ) المذكور من انقطاع النبوة وانختامها على نبينا صلى اللّه عليه وسلم وعدم انقطاع الولاية دنيا وآخرة من أجل ( أنك تعلم أن التشريع تكليف ) من اللّه سبحانه لعباده ( أو نهي لهم عن أعمال مخصوصة بأعمال مخصوصة ومحلها ) ، أي محل تلك الأعمال المخصوصة (هذه الدار ) المنقطعة ( فهي ) ، أي تلك الأعمال ( منقطعة ) بانقطاع هذه الدار ، فإذا انبعث نبي يأتي بشرع يكفي إلى زمان انقطاع تلك الأعمال ينبغي أن تنقطع النبوّة به وتنختم عليه ولا يكون بعده نبي ( والولاية ليست كذلك ) ، أي منقطعة .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إذ لو انقطعت لا انقطعت ) حقيقتها ( من حيث هي ) ، أي مطلقا لا من حيث خصوصية معينة إذ انقطاعها من حيثية مخصوصة لا محذور فيه ( كما ) أنه حيث ( انقطعت الرسالة ) انقطعت ( من حيث هي وإذا انقطعت ) الولاية (من حيث هي لم يبق لها اسم ) والتالي باطل ( إذ الولي اسم باق للّه ) أبدا كما قال إن اللّه هو الولي الحميد .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فهو ) ، أي الاسم الولي للّه سبحانه بالأصالة ( لعبيده ) بالتبعية ( تخلقا ) بأسماء اللّه بالنظر إلى بعض العبيد ( وتحققا ) بها بالنظر إلى بعض آخر ( وتعلقا ) بالنسبة إلى بعض آخر فللولاية حقيقة واحدة في الواجب والممكن ، لكن حصوله في الواجب تعالى بالأصالة .
وفي الممكن على سبيل التخلق أو التحقق أو التعلق ، فلا يرد ما قبل هذا الكلام إنما يتم لو كانت حقيقة الولاية في الواجب تعالى والممكن حقيقة واحدة بالذات مختلفة بالإضافة وذلك ممنوع ، وإذا عرفت أن النبوّة منقطعة دون الولاية .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فقوله تعالى ) خطابا ( للعزير لئن لم تنته عن السؤال عن ماهية القدر لأمحون اسمك من ديوان النبوة ) معناه باعتبار الجزء الذي هو لأمحون "إسمك".


قال الشيخ رضي الله عنه :  (فيأتيك الأمر على الكشف بالتّجلّي ويزول عنك اسم النّبيّ والرّسول ، وتبقى له ولايته .
إلا أنّه لمّا دلّت قرينة الحال أنّ هذا الخطاب جرى مجرى الوعيد علم من اقترنت عنده هذه الحالة مع الخطاب أنّه وعيد بانقطاع خصوص بعض مراتب الولاية في هذه الدّار ، إذ النّبوّة والرّسالة خصوص رتبة في الولاية على بعض ما تجري عليه الولاية من المراتب ، فيعلم أنّه أعلى من الوليّ الّذي لا نبوّة تشريع عنده ولا رسالة .
ومن اقترنت عنده حالة أخرى تقتضيها أيضا مرتبة النّبوّة يثبت عنده أن هذا وعد)

باعتبار الجزء الذي هو لأمحون ( فيأتيك الأمر على الكشف بالتجلي ) الذي تقوى به جهة الولاية وتفنى جهة النبوة والرسالة كما أشار إليه عليه السلام بقوله : " لي مع اللّه وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل " ( ويزول عنك ) بذلك التجلي ( اسم النبي والرسول وتبقى له ) ، أي للنبي الذي هو أنت ( ولايته ) أو تبقى للّه ولايته كما قال .
والولي اسم باق للّه أو تبقى لعزير ولايته من أن يكون الإتيان بضمير المخاطب على سبيل الحكاية عن اللّه تعالى ، وبعد تمامها يقول الشيخ وتبقى له أي العزير ولايته .
اعلم أنه لما كان للنبي جهتان :
جهة ولاية ولها شرف حال ، وجهة نبوة ولها فضيلة وكمال ، فعند كشف سر القدر بالتجلي يقوم مقام الولاية ويضمحل مقام النبوة والرسالة لقوة الاختصاص والتوغل في التألّه ، فالإخبار بمحو النبوّة وإزالتها باعتبار أن فيه فوات فضيلة وكمال وعيد ، وباعتبار أن فيه شرف حال وعد.
ولذلك ذهب بعضهم إلى أنه وعيد وبعضهم إلى أنه وعد كما أشار إليه الشيخ رضي اللّه عنه بقوله : ( إلا أنه لما دلت قرينة الحال ) ، أي حال عزير عليه السلام وهي مروره على القرية الخاوية وسؤاله الظاهر في الاستغراب والاستعجاب عن كيفية إحيائها على ( أن هذا الخطاب ) ، يعني الخطاب بمحو اسمه من ديوان النبوّة لم ينته عن السؤال ( جرى مجرى الوعيد علم من اقترنت عنده هذه الحالة ) ، أي حالة المرور والسؤال الظاهر في الاستغراب .
( مع الخطاب أنه وعيد بانقطاع خصوص بعض مراتب الولاية في هذه الدار إذ النبوة والرسالة خصوص رتبة ) محتوية ( على بعض ما تحتوي عليه الولاية من المراتب ) الكمالية ولا يوجد في الرتبة الأخرى .
( فيعلم ) من الوعيد بانقطاع النبوة ( أنه ) ، أي النبي ( أعلى ) رتبة ( من الولي الذي لا نبوة تشريع عنده ولا رسالة ، ومن اقترنت عنده حالة أخرى تقتضيها أيضا مرتبة النبوة ) .
وهي أن النبي لكونه وليا واصلا عارفا بالحقائق الإلهية مشاهد الظهور الحق في جميع مراتبه
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (لا وعيد فإنّ سؤاله عليه السّلام مقبول إذ النّبيّ هو الوليّ الخاصّ .
ويعرف بقرينة الحال أنّ النّبيّ من حيث له في الولاية هذا الاختصاص محال أن يقدم على ما يعلم أنّ اللّه يكرهه منه أو يقدم على ما يعلم أنّ حصوله محال .
فإذا اقترنت هذه الأحوال عند من اقترنت عنده وتقرّرت أخرج هذا الخطاب الإلهي عنده في قوله : « لأمحونّ اسمك من ديوان النّبوّة » مخرج الوعد ، وصار خبرا يدلّ على علوّ مرتبة باقية وهي المرتبة الباقية على الأنبياء والرّسل في الدّار الآخرة الّتي ليست بمحلّ لشرع يكون عليه أحد من خلق اللّه في جنّة ولا نار بعد الدّخول فيهما .
وإنّما قيّدناه بالدّخول في الدّارين - الجنّة والنّار - لما شرّع يوم القيامة لأصحاب الفترات والأطفال الصّغار والمجانين فيحشر هؤلاء في صعيد واحد لإقامة العدل والمؤاخذة بالجريمة والثّواب العملي في أصحاب الجنّة . فإذا حشروا في صعيد واحد بمعزل عن النّاس بعث فيهم نبيّ من أفضلهم وتمثّل لهم نار يأتي بها هذا النّبيّ)
 
لا يمكن أن يستغرب شيئا من مقدوراته ولا أن يسأل عما لا يمكن حصوله ( يثبت عنده أن هذا وعد ) حال أشرف ( لا وعيد وأن سؤاله عليه السلام عن القدر مقبول ) يجاب ( إذ النبي هو الولي الخاص ) المكاشف بما في استعداده فلا يسأل ما ليس في استعداده .
( ويعرف بقرينة الحال أن النبي من حيث له في الولاية هذا الاختصاص محال أن يقدم على ما يعلم أن اللّه يكرهه ) من الاستغراب والاستعجاب ( أو يقدم على ما يعلم أن حصوله محال ) وهو الاطلاع على كيفية تعلق القدرة بالمقدور ذوقا .
قال رضي الله عنه :  ( فإذا اقترنت هذه الأحوال عند من اقترنت عنده وتقررت ، أخرج هذا الخطاب الإلهي عنده في قوله : " لأمحون اسمك من ديوان النبوّة " مخرج الوعد ) لا الوعيد .
قال رضي الله عنه :  ( وصار هذا الخطاب خبرا يدل على علوّ مرتبة باقيه ) بعد محو النبوّة في هذه الدار (وهي المرتبة الباقية على الأنبياء والرسل في الدار الآخرة التي ليست بمحل الشرع يكون عليه ) ، أي على ذلك الشرع ( أحد من خلق اللّه أنه في جنة ولا نار بعد الدخول فيها ، وإنما قيدناه بالدخول في الدارين : الجنة والنار لما شرع يوم القيامة لأصحاب الفترات ) الذين لم يبعث فيهم نبي شرع . واندرست شرائع من قبلهم .
 
قال رضي الله عنه :  ( والأطفال الصغار ) الذين ماتوا قبل أوان التكليف ( والمجانين ) الذين لم يكن لهم صلاحية التكليف ( فيحشر هؤلاء ) المذكورون ( في صعيد واحد ) من الساهرة ( لإقامة العدل و ) لأجل ( المؤاخذة بالجريمة و ) لأجل ( الثواب العملي ) ، أي الثواب المثوب على العمل كدرجات الجنة لا الحاصل من محض الوهب .
( في ) حق ( أصحاب الجنة ، فإذا حشروا في صعيد واحد بمعزل عن الناس بعث فيهم نبي من أفضلهم ويمثل لهم نار ) ، بل نور في صورة نار
  
قال الشيخ رضي الله عنه :  (المبعوث في ذلك اليوم فيقول لهم أنا رسول اللّه إليكم ، فيقع عندهم التّصديق به ويقع التّكذيب عند بعضهم . ويقول لهم اقتحموا هذه النّار بأنفسكم ، فمن أطاعني نجا ودخل الجنّة ، ومن عصاني وخالف أمري هلك ، وكان من أهل النّار . فمن امتثل أمره منهم ورمى بنفسه فيها سعد ونال الثّواب العملي ووجد تلك النّار بردا وسلاما . ومن عصاه استحقّ العقوبة فدخل النّار ونزل فيها بعمله المخالف ليقوم العدل من اللّه تعالى في عباده .
وكذلك قوله تعالى :يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍأي أمر عظيم من أمور الآخرةوَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِتكليف وتشريع فيهم . فمنهم من يستطيع ومنهم من لا يستطيع ، وهم الّذين قال اللّه تعالى فيهم :وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ[ القلم : 42 ] وهذا كما لم يستطع في الدّنيا امتثال أمر اللّه بعض العباد كأبي جهل وغيره . فهذا قدر من الشّرع في الآخرة يوم القيامة قبل دخول الجنّة والنّار ، فلذا قيّدناه . والحمد للّه ربّ العالمين ).
 
قال رضي الله عنه :   ( يأتي بها هذا النبي المبعوث في ذلك اليوم فيقول : أنا رسول اللّه إليكم فيقع عندهم ) ، أي عند بعضهم ( التصديق به ويقع التكذيب عند بعضهم ويقول لهم : اقتحموا ) ، أي ادخلوا ( هذه النار بأنفسكم ) من غير أن يدخلكم غيركم جبرا .
قال رضي الله عنه :  ( فمن أطاعني ) فيما أمرته من الاقتحام ( فقد نجا ) من النار ( ودخل الجنة ومن عصاني وخالف أمري هلك وكان من أهل النار ، فمن امتثل أمره ورمى بنفسه فيها سعد ونال الثواب العملي ووجد تلك النار بردا وسلاما ، ومن عصاه ) ولم يقتحم النار.
قال رضي الله عنه :  ( استحق العقوبة ، فدخل النار ونزل فيها بعمله المخالف ) ، لما أمره النبي به ( ليقوم العدل من اللّه في عباده .) يدل على اعتبار ذلك التقييد .
قال رضي الله عنه :  ( وكذلك قوله تعالى : "يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ" أي أمر عظيم من أمور الآخرة "وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ " [ القلم : 42 ] ، تكليف وتشريع فيهم . فمنهم من يستطيع ) السجود ( ومنهم من لا يستطيعون السجود وهم الذين قال اللّه تعالى فيهم :"وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ") ، أي السجود .
قال رضي الله عنه :  ( كما لم يستطع في الدنيا امتثال أمر اللّه بعض العباد كأبي جهل وغيره فهذا ) الذي ذكرنا من الصورتين (  قدر ما يبقى من الشرع في الآخرة يوم القيامة قبيل دخول النار والجنة ، فلهذا قيدناه والحمد للّه رب العالمين ) .
والصلاة على نبيه وآله أجمعين .
تم الفص العزيري بحمد الله
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالإثنين ديسمبر 16, 2019 11:01 am

15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص العيسوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
 الفصّ العيسوي
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين)
فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
لفظة النبي التي وردت بالهمز وبدونه ، فبالهمز مشتق من النبأ بمعنى الإخبار فنسب الشيخ رضي اللّه عنه حكمته إليه لأنه أنبأ عن نبوته في المهد بقوله : "وآتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا "[ مريم : 30 ] .
وفي بطن أمه بقوله :" أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا " [ مريم: 24] ،
أي سيدا على القوم بالنبوّة ، فله زيادة خصوصية بها ، وبدون الهمز من نبا ينبو بمعنى ارتفع لارتفاعه إلى السماء . قال تعالى: " بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ "[ النساء : 158 ] .
ثم اعلم أن لعيسى عليه السلام جهة جسمانية وجهة روحانية وأحدية جمع للجهتين ، فإذا نظر إلى جهة الجسمانية يظن أنه تكوّن من ماء مريم وإذا نظر إلى جهة الروحانية وآثارها من إحياء الموتى وخلق الطير من الطين يحكم أنه من نفخ جبريل .
وإذا نظر إلى أحدية جمعهما يقال : إنه متكوّن منهما ، فلذا قال الشيخ رضي اللّه عنه على سبيل منع الخلق المحتمل انفراد كل من الأمرين واجتماعه في تكونه ( عن ماء مريم أو نفخ جبريل ) هو لغة في جبريل ، وهذا الكلام يحتمل أن يكون خبرا كما هو الظاهر واستفهاما للتقدير بتقدير الهمزة ( في صورة البشر الموجود في طين ) حال من جبريل .
أي عن ماء مريم أو عن جبريل حال كونه متمثلا في صورة بشرية كما قال تعالى :" فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا " [ مريم : 17 ] .
( تكون الروح ) ، أي الحقيقة المعنوية العيسوية بصورته الشخصية الخارجية ( في ذات مطهرة عن الطبيعة ) ، أي عن غلبة أحكام الطبيعة السفلية العنصرية ( التي يدعوها ) اللّه سبحانه ويسميها في كتابه العزيز ( بسجين ) مأخوذ من السجن لأن كل ما هو في عالم الطبيعة مسجون محبوس مقيد بالتعلقات الجسمانية والقيود الظلمانية .
 
وفي بعض النسخ تدعوها بتاء الخطاب أو التأنيث ، أي الطبيعة تدعوها : أنت بسجين أو الطبيعة التي تدعو بتلك الذات المطهرة إلى سجين فتكون الباء بمعنى إلى
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  .... روحا وصيره مثلا بتكوين
اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت )
 
 (لأجل ذلك ) ، أي لأجل تكونه من نفخ جبريل ، لأن للأرواح صفة البقاء أو لأجل تكونه في ذات مطهرة ، لأن طهارة المحل توجب طهارة المحمول والطهارة تستدعي طول البقاء ( قد طالت إقامته ) ، أي إقامة الروح الذي هو عيسى عليه السلام ( فيها ) ، أي في صورة البشر ( على ألف ) من السنين ( بتعيين ) ، أي بتعيين الحق تلك المدة لما يقتضي استعداده إياها .
وفي رواية إلى حين ، أي زيادة ممتدة إلى حين عينه الحق سبحانه بمقتضى استعداده .
 
وإنما حكم بزيادة طوال إقامته على ألف لأن مولد عيسى عليه السلام كان قبل مولد نبينا صلى اللّه عليه وسلم بخمسمائة وخمسة وخمسين سنة وقد بقي بعده سينزل ويدعو الناس إلى نبينا صلى اللّه عليه وسلم ( روح ) ، أي هو روح ملقى ( من اللّه ) أحدية جمع الأسماء ، وكلمة ملقاة منه بواسطة جبريل إلى مريم ليكون مظهرا لهذا الاسم الجامع ( لا من غيره ).
 
يعني لا من غير ذلك الاسم الجامع من الأسماء التالية له ، ولا من الوسائط الكونية فهو ملقى منه بلا واسطة ( فلذا ) ، أي لكونه ملقى من هذا الاسم الجامع ، ومظهرا له ظهر منه آثار الأسماء المتكثرة كما أنه ( أحيى الموتى ) فإن إحياء الموات إنما يترتب على أسماء كثيرة من أسمائه سبحانه كالحي العليم المريد القادر المحيي ( و ) كما ( أنشأ الطير ) يعني الخفاش ( من طين ) فإن إنشاء الطير كذلك يترتب على ما سبق من الأسماء وعلى الخالق والصور أيضا ، وإنما أحيى الموتى وأنشأ الطير ( حتى يصح ) ، أي يثبت ويظهر ( له من ربه ) الذي هو الاسم الجامع ( نسب ) بالفتحتين أي نسبه بالمظهرية ( به ) ، أي بذلك السبب ( يؤثر في العالي ) المرتبة الذي هو الإنسان بإحياء الأموات منه بالرتبة كالطير بإنشاء نوع منه أو في العلويات ( وفي الدّون ) والسفليات ( اللّه طهره جسما ) من أدناس الطبيعة ( ونزهه روحا ) ، من الصفات الوخيمة والملكات الرذيلة ( وصيره مثلا ) ، أي مماثلا مشابها لنفسه ( بتكوين ) ، أي بجامع التكوين ، فكما أنه سبحانه يكون الأنبياء كذلك هو يكون .
وقيل :  معناه صيره مثالا لآدم بتكوينه من غير أب .
( اعلم أن من خصائص الأرواح ) المجردة التي من صفاتها الذاتية الحياة ومن شأنها التمثل بالصورة المثالية ( أنها لا تتعلق بشيء ) في مقام تجردها إلا حيي ذلك الشيء
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الحياة فيه.
ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل عليه السلام وهو الروح.
وكان السامري عالما بهذا الأمر.
فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام.
فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به. )
 
المتعلق به بحسب استعداده للحياة ( ولا تطأ شيئا ) ولا يمسه في حال تمثلها ( إلا حيي ذلك الشيء ) الموطوء عليه ( وسرت ) منها ( الحياة فيه ) ، بل فيما يلابسه ذلك الشيء الموطوء عليه ( ولهذا ) السريان والعلم به ( قبض السامري قبضة ) ، أي قبضة من تراب ( من أثر ) براق ( الرسول الذي هو جبريل عليه السلام ) متمثلا بصورة بشرية ( وهو ) ، أي جبريل هو ( الروح ) حقيقة باعتبار حقيقته المجردة ومجازا باعتبار صورته المثالية ( وكان السامري عالما بهذا الأمر فلما عرف ) بنور بصيرته المكتسبة في صحبة موسى عليه السلام ( أنه ) ، أي الرسول ( جبريل عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه ) من التراب وأنها تسري من ذلك التراب الموطوء عليه إلى ما يلابسه .
( فقبض قبضة من أثر ) براق ( الرسول بالضاد ) المعجمة ( وبالصاد المهملة أي على يده ) ، على الأول ( أو بأطراف أصابعه ) ، على الثاني ( فنبذها ) ، أي طرح السامري هذه القبضة من التراب ( في ) صورة ( العجل ) المتخذة من حلي القوم ( فخار العجل ) لسراية الحياة فيه ، وإنما سمي الصوت الظاهر من العجل خوارا ( إذ ) العجل من نوع البقر و ( صوت البقر إنما هو خوار ولو أقامه ) ، أي السامري العجل باعتبار مادته ( صورة أخرى ) إبلية أو كبشية أو شاتية أو إنسانية أو غير ذلك ( لتسبّب ) على البناء للمفعول أو الفاعل أي تسبب اللّه سبحانه أو السامري بأن يكون الفعل مسندا إلى السبب ( إليه ) ، أي إلى العجل الذي أقامه صورة أخرى.
 
( اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء ) بضم الراء والغين المعجمة ( للإبل ) خاصة ( والثواج ) بضم المثلثة والجيم  (للكباش ) خاصة ( واليعار ) بفتح الياء المنقوطة نقطتين من تحت العين المهملة ( للشاة ) خاصة ( والصوت للإنسان ) ولغيره أيضا ( أو النطق له ) خاصة ( والكلام فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء ) بل الروح الذي منه سرت تلك الحياة في الأشياء ( يسمى لاهوتا ) .
لأن الحياة صفة إلهية تستلزم صفات إلهية أخرى كالعلم والإرادة والقدرة ( والناسوت هو المحل القائم به وذلك الروح ) بل صفاته السارية منه فيه ، فإن الروح ليس قائما بالمحل بل القائم به إنما هو الصفات السارية من الروح إليه ،
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.
فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين)
 
فالناسوت إن كان مأخوذا من الناس ليس مخصوصا به بل يطلق عليه وعلى غيره باعتبار محليته لصفات الروح وقيامها به ، ولما كان اسم الروح يطلق على الصورة المشهودة العيسوية وعلى الصورة المثالية الجبريلية ، أراد أن ينبه على أنه على سبيل التجوز فقال :
( فيسمى الناسوت روحا ) ، كما قلناه في عيسى وجبريل عليهما السلام ( بما قام به ) ، أي باسم ما قام به باعتبار قيام صفاته وظهورها فيه تسمية للمحل باسم الحال ( فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا ) ، أي تام الخلقة .
( تخيلت ) مريم ( أنه بشر يريد مواقعتها فاستعاذت باللّه منه استعاذة بجمعية ) ، أي بجمعية الهمم والقوى ( منها ) ، أي من مريم ( ليخلصها اللّه منه لما كانت ) مريم ( تعلم أن ذلك مما لا يجوز ) في الشرائع ( فحصل لها عند حصول تلك الجمعية حضور تام مع اللّه سبحانه ) ، بحيث لا يسع غيره .
وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي اللّه عنه ، فحصل من التحصيل ، أي جبريل لها ، أي لمريم حضورا تاما مع اللّه سبحانه ( وهو ) ، أي هذا الحضور وهو ( الروح المعنوي ) الذي حييت به مريم الحياة المعنوية الحقيقية التي هي التحقق بشهود الحق سبحانه ، فلروح آخر غير الروح الأمين دخل في وجود عيسى عليه السلام الذي هو أيضا روح ( فلو نفخ جبريل فيها ) ، أي في مريم في ذلك الوقت .
أي وقت استعاذتها ( على هذه الحالة ) التي كانت عليها من تحرج صدرها وضجرها لتخيلها أنه بشر يريد مواقعتها على وجه لا يجوز في الشرائع ( لخرج عيسى عليه السلام ) بحيث ( لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه ) ، أي رداءته ( لحال أمه ) ، أي لسراية حال أمه فيه لأن الولد إنما يتكون بحسب ما غلب على الوالدين من المعاني النفسانية والصور الجسمانية .
( فلما قال ) جبريل ( لها ) ، أي لمريم (" إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ " جئت ) من عنده (لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا[ مريم : 19 ] انبسطت ) مريم ( عن ذلك القبض ) لما عرفت أنه مرسل إليها من عند ربها ( وانشرح صدرها ) لما تذكرت بشارة ربها إياها بعيسى إذا قالت
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه».
فسرت الشهوة في مريم:  فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء. فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر )
 
الملائكة " إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ " [ مريم : 45 ] .
( فنفخ فيها في ذلك الحين ) حين الانبساط والانشراح ( عيسى ) فخرج عيسى عليه السلام منبسطا منشرح الصدر لسراية حال أمه فيه ( فكان جبريل ناقلا كلمة اللّه ) التي هي النفس الرحماني المتعين بالتعينات العيسوية في مرتبة العلم ، فنقله جبريل إلى مرتبة العين في رحم مريم بتحصيل شرائط انتقاله من العلم ، إلى العين .
فالمراد بالكلمة الحقيقة العلمية العيسوية الجامعة بين روحه وجسده الثابتة في العلم ، ويمكن أن يراد بها حقيقته الروحانية المعتين بها النفس الروحاني في مرتبة الأرواح قبل تسوية بدنه ، وتكوّن نقله عبارة عن تحصيل شرائط انتقاله من مقام تجرده إلى مرتبة تعلقه بالبدن العيسوي ، وعلى التقديرين جبريل عليه السلام هو ناقل كلمة اللّه إلى مريم لا موجدها .
( كما ينقل الرسول كلام اللّه ) المجرد في حدّ ذاته عن الكيفيات الصوتية والحرفية فيكسوها بحسب استعداده بلسان الصوت والحرف وينقلها ( لأمته ) ، أي إلى أمته على أن تكون اللام بمعنى إلى أو لأجل أمته ( و ) الذي يدل على كون جبريل ناقلا كلمة اللّه إلى مريم ( هو قوله تعالى : "وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ " [ النساء  : 171]  فسرت الشهوة في مريم )
 
بذلك النفخ الحاصل من الصورة الاعتدالية المتمثلة البشرية عند انبساطها ( فخلق جسم عيسى من ماء محقق ) من مريم بلا واسطة توهم أحد ( ومن ماء متوهم من جبريل ) توهمته مريم فترتب وجود ذلك الماء على توهمها فإن وجود بعض الأشياء قد يترتيب على توهمه كترتب السقوط عن الجذع على توهمه ( سرى ) ذلك الماء المتوهم ( في رطوبة ذلك النفخ ) المتوهمة سراية في وهم مريم فتحقق مطابقا لما توهمته ، وإنما توهمت مريم سراية الماء في رطوبة النفخ.
( لأن ) ذلك ( النفخ ) إنما وقع ( من ) جبريل حال تمثله في صورة الجسم الحيواني الذي هو صورته البشرية والنفخ ، أي الهواء المنفوخ ( من الجسم الحيواني رطب ) لا محالة ( لما فيه من ركن الماء ) ، فتسري منه الرطوبة إلى الهواء المنفوخ فيصير ماء ، فتوهمت مريم نفخ جبريل على هذه الحالة ، فتولدت من توهمها الماء ( وكوّن جسم عيسى من ماء متوهم ) حققه وهم مريم ( ومن ماء
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله.
فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمه.  وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله. )
 
محقق من مريم ) لا دخل لتوهمها في تحققه ، ويمكن أن يراد بالماء المتوهم الهواء المنفوخ المحقق الذي مائيته متوهمة ، فتكوّن جسم عيسى من ماء تحقق ومن هواء منفوخ توهمت فيه المائية ، أو يراد بالماء المتوهم ما لا يكون له تحقق في الخارج .
ويكون معنى تكون جسم عيسى منه أن له مرتبة الشرطية فمتى لم تتوهم هذا الماء لم يتكون جسم عيسى من الماء المحقق ( وخرج ) عيسى ( على صورة البشر ) دون الملك ( من أجل أمه ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر ) وإنما مثل في صورة البشر .
( حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد ) الذي جرت به العادة غالبا وهو تولد من شخصين إنسانيين ، ولما ذكر رضي اللّه عنه أن عيسى عليه السلام روح من اللّه نفخه جبريل في مريم وكلمته ألقاها إلى مريم ، وإن تكوّن جسمه إنما هو من ماء محقق وماء متوهم ، أراد أن يبين أن الأحوال الجارية عليه أيضا مناسبة لهذه الأمور فقال :
( فخرج عيسى عليه السلام ) بحيث كان ( يحيي الموتى لأنه روح إلهي ) ومن خصائص الروح الحياة والإحياء ( وكان ) في صورة إحيائه ، أي إحياء عيسى الموتى ( الإحياء ) بحسب الحقيقة ( للّه والنفخ ) الذي يترتب عليه الإحياء صورة ( لعيسى كما كان ) في صورة تكوين عيسى ( النفخ ) ، أي نفخ الكلمة في مريم ( لجبريل والكلمة ) المنفوخة ( للّه ) فكان النفخ من عيسى بمنزلة النفخ من جبريل .
وكان كون الإحياء حقيقة من اللّه وصورة من عيسى ككون الكلمة حقيقة من اللّه وصورة من جبريل ( فكان إحياء عيسى عليه السلام للأموات إحياء محققا ) ، أي انتساب الإحياء إليه أمرا محققا ( من حيث ما ظهر ) ، أي من حيث ظهور ذلك الإحياء ( عن نفخه ) وترتبه عليه ( كما ظهر هو عن صورة اللّه وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه ) .
"" أضاف المحقق : وفي نسخة [ أمه ] بدل [ اللّه ] وهو ما اعتمدناه وأثبتناه في نسخة المتن في الأعلى .""
 
أي وكان انتساب الإحياء إليه بأنه منه أيضا متوهما ، فإن الإحياء بسبب التحقيق إنما هو منتسب إلى اللّه سبحانه ، لأن الفاعل الحقيقي والمؤثر في الوجود إنما هو اللّه سبحانه ، فانتسابه إلى عيسى يكون متوهما من ترتبه على نفخه صورة
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فجمع بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق: ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهم من وجه، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى»، وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني» فالعامل في المجرور «يكون» لا قوله «تنفخ».
ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ، فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسية.
وكذلك «تبرئ الأكمه والأبرص» وجميع ما ينسب «إليه )
 
( وإنما كان ) الإحياء حقيقة ( للّه ) صادرا عنه .
وفي بعض النسخ : وإنما كان من اللّه وهو أظهر ( فجمع ) عيسى عليه السلام في الإحياء بين التحقيق والتوهم ( بحقيقته ) ، أي لأجل حقيقته (التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم ومن ماء محقق ) فكما كان للتحقيق والتوهم دخل في حقيقته فكذلك لهما دخل في الإحياء ( ينتسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه ) وهو ظهوره عن نفخه .
( وبطريق التوهم من وجه ) وهو أن الفاعل الحقيقي إنما هو اللّه سبحانه ، فالإحياء بحسب الحقيقة له وليس لعيسى إلا المظهرية ( فقيل فيه ) ، أي في عيسى ( من طريق التحقيق ) نظرا إلى ترتب الإحياء على نفخه ("ويُحْيِ الْمَوْتى ") فأسند الإحياء إليه لا إلى اللّه سبحانه .
( وقيل فيه من طريق التوهم ) نظرا إلى أن المحيي في الحقيقة هو اللّه سبحانه ، وإسناد الإحياء إلى عيسى إنما هو على سبيل التوهم ( فتنفخ فيه ) ، أي فيما تخلقكَهَيْئَةِ الطَّيْرِ( فيكون طيرا بإذن اللّه ) ، أي كونه ذا حياة وطيران إنما هو بإذن اللّه ونفاذ أمره  .
(والعامل في المجرور ) على هذا المعنى قوله ( فيكون لا ) قوله ( تنفخ ويحتمل أن يكون العامل فيه ) ، أي في المجرور قوله : ( تنفخ ) ، فإن النفخ أيضا بإذن اللّه يجعل عين النافخ أولا بالقبض الأقدس مستعدا قابلا للتصرف ، وبتمكينه ثانيا بالقبض المقدس في الوجود العيني مع إلهام قلبي أو وحي نازل فيشر بكونه طائرا ذا حياة وطيران على نفخ عيسى فيكون من قبيل الوجه المحقق.
 ( فيكون ) حينئذ ما خلقه عيسىكَهَيْئَةِ الطَّيْرِ( طائرا ) من جهة نفخه وقوله : ( من حيث صورته الحسية الجسمية ) إشارة إلى أن النفخ لا يفيد إلا حياة الجسم المنفوخ فيه ، وأما خصوصية كونه طائرا لا من حيث الحقيقة وفيه نظر .
فإنه إذا تعلقت الحياة بالصورية الطيرية يكون طيرا بالحقيقة لا محالة .
وقيل : هو بيان المناسبة بين المكوّن الذي هو عيسى وبين المكوّن الذي هو الطير لا بد منها في التكوين كما في التوليد فيه بعد .
وقيل : معناه فيكون طائرا محققا صادرا من عيسى من حيث صورته المحققة الحسية الجسمية ، لأن الكلام في جهة التحقيق ( وكذلك يشتمل ) على جهة التحقيق والتوهم إبراء الأكمة والأبرص المنسوب إلى عيسى عليه السلام بالحقيقة في قوله تعالى : ("وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ" [ المائدة : 110 ] وجميع ما ينسب )
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وبإذن الله.
فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله، فيكون العامل عند ذلك «يكون».
فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك.
وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه.
هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا.)
 
تارة ( إليه ) ، أي إلى عيسى عليه السلام من الأفعال الخارقة للعادات (و) تارة (إلى بإذن اللّه) ، أي الإذن المضاف إلى اللّه (أو إذن الكناية) ، أي الإذن المضاف إلى ضمير هو كناية عن اللّه ( في مثل قوله بإذني ) كما قال تعالى :" وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي " [ المائدة  :110]
 (وفي مثل قوله : بإذن اللّه ) كما قال تعالى حكاية عنه :فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ،وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ[ آل عمران : 49 ] .
( فإذا تعلق المجرور بتنفخ فيكون النافخ مأذونا في النفخ ويكون ) ، أي يوجد ( الطير عن النافخ ) ، أي الذي ينفخ (بِإِذْنِ اللَّهِ) فيترتب وجود الطائر على نفخه الذي وقع بالإذن ويكون ترتبه عليه على وجه التحقيق ( وإذا ) تعلق المجرور بقوله فيكون ( كان النافخ نافخا لا عن الإذن فيكون التكوين ) ، أي التكوين ( للطائر ) بالإذن ( ويكون العامل ) في المجرور ( عند ذلك ) .
قوله : ( فيكون ) فنسبة التكوين إلى عيسى عليه السلام وترتبه على نفخه تكون على وجه التوهم ( فلو لا أن الأمر ) ، أي أمر عيسى بحسب أصل خلقته ( توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة ) الكلامية التي وقعت في بيان معجزاته ( هذين الوجهين ) ، أي وجهي التحقيق والتوهم ( بل لها ) ، أي لتلك الصورة الكلامية ( هذان الوجهان ، لأن النشأة العيسوية تعطى ذلك ) كما عرفت ( وخرج عيسى ) ، أي ظهر ( من التواضع إلى أن شرع ) على بناء الفاعل ، أي شرع عيسى ( لأمته أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) متواضعون عاجلون لأنفسهم حقيرا منقادا ( وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر ) وأداره ( لمن يطلمه ) ، أي لا يكون بصدد الانتقام ( ولا يرتفع عليه ) ، أي على اللاطم ( ولا يطلب القصاص منه هذا له من جهة أمه إذ المرأة لها السفل فلها التواضع ) .
وإنما قلنا : المرأة لها السفل ( لأنها تحت الرجل حكما ) ، أي أدون منه في الأحكام الشرعية وغيرها ولذلك ترى جعل نصيبه
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل في صورة البشر.  فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر.
ولم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيى إلا حتى يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها.
ولو أتى جبريل أيضا بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حتى يطهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه.
فكان يقال فيه عند )
 
ضعف نصيبها في قوله :"لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ"[ البقرة : 11 ] وشهادة اثنين منها بشهادة واحد منه ( وحسا ) ، وهو ظاهر ( وما كان فيه )، أي في عيسى ( من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل ) عليه السلام حال كونه متمثلا ( في صورة البشر فكان عيسى عليه السلام يحيي الموتى ) حين تلبسه ( بصورة البشر ولو لم يأت جبريل ) حين النفخ في مريم ( في صورة البشر وأتى في صورة غيرهما من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حين يتلبس بتلك الصورة ) .
أي تمثل تلك الصورة التي أتى فيها جبريل ( ويظهر فيها ) ولكن مع الصورة البشرية من جهة أمه فتلبس عيسى بتلك الصورة إنما يجب بقدر ما يمكن أن يجتمع مع الصورة البشرية .
وذلك لأن ظهور خواص الوالدين وأحكامهما في الولد إنما هو بحسب تكونه على صورتهما ، أي أن البغل المتولد من الفرس والحمار إنما تجري عليه أحكام الفرس من حسن الجري وشدة العدو ولما فيه من الصورة الفرسية .
.
يتبع 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالإثنين ديسمبر 16, 2019 11:02 am

15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص العيسوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الثاني
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
وكذلك خواص الحمار توجد فيه لما فيه من صورة الحمارية ( ولو أتي جبريل بصورته النورية الخارجة عن طباع العناصر والأركان ) ، أي المرتقية عنها لا عن الطبيعة مطلقا ( إذ ) هو طبيعي نوري ( لا يخرج عن طبيعته النورية ) ، وإن خرج من العناصر والأركان .
 
وذلك لأن جبريل سلطان العناصر وله أن يظهر في السماوات السبع وما تحتها من العناصر والعنصريات لأهليها بأي صورة شاء من صورها بحسب الموطن والمقام والمناسبة واستعداد من ظهر له .
وأن يخرج عن صورها بالترقي عنها والرجوع إلى صورته الأصلية الطبيعية النورية ، فإن صورته الأصلية غير عنصرية بل طبيعية نورية ما بين الفلك الثامن والسابع وليس له أن يخرج عن هذه الطبيعة التي هي له بالأصالة بالترقي إلى ما فوقها وهذا معنى ما روى أنه لا يتعدى سدرة المنتهى .
فإن السدرة هي منتهى السابع صعودا والثامن هبوطا ( لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حين يظهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا ) الصورة ( العنصرية ) ظهورا جامعا ( مع الصورة البشرية من جهة أمه ) فتكون طبيعته نورية غير عنصرية في صورة بشرية
 
 قال الشيخ رضي الله عنه : ( إحيائه الموتى هو لا هو، و تقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، و هو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي.)
 
(فكان يقال فيه ) ، أي في عيسى ( عند إحياء الموتى ) أنه ( هو ) ، أي جبريل بطبيعته النورية الغير العنصرية ( لا هو ) بصورته البشرية ( وتقع الحيرة في النظر إليه ) هل هو جبريل أوليس بجبريل ( كما وقعت الحيرة في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا ) ، أي على صورة البشر ( من نوع البشر يحيي الموتى وهو ) ، أي إحياء الموتى ( من الخصائص الإلهية ) .
 
التي لا تكون لغير اللّه بالصناعات العملية والأعمال الطلسمية ، فإن غاية ما تكلم أربابها عليه بهيئة مادة قابلة وتركيب أركان معينة بمقادير متزنة بالميزان الذي عندهم حتى يفيض عليها نفس من المبدأ أو إرادة الميت حيا صورة لا حقيقة لا إحياء ما مات بعدما كان حيا حقيقة وهو المراد بإحياء الموتى ، فإن ذلك مما لا كلام لأحد عليه أصلا .
 
( إحياء النطق ) منصوب على أنه مفعول مطلق لقوله : محيي الموتى أو مرفوع على أنه بيان وتفسير للضمير المرفوع ، والمراد بالإحياء النطق أما الإحياء الذي يوجب نطق الجسم المائت والذي يحصل بنطق المحيي ودعائه
وقوله : قم بإذن اللّه ، وعلى الأول فهو إما بيان للواقع على ما روى في قصته أنه أحيا سام بن نوح فنطق وشهد بنبوته ثم رجع إلى حالته
وحينئذ معنى قوله : ( لا إحياء الحيوان ) ، أي الحيوان الذي يمشي ويأكل ويبقى حيا مدة ، فحاصله أن الإحياء الواقع من عيسى ذاك لا هذا ، وإما تقييد للإحياء ليصير من الخصائص الإلهية وفيه أن إحياء الجيف مطلقا سواء كانت جيف الحيوانات الناطقة أو غيرها من الخصائص الإلهية.
فإذا ظهر على يد أحد فإما معجز أو كرامة أو استدراج أجراه اللّه على يده . وأما إحياء الحيوان بمعنى جعل المادة قابلة لفيضان الحياة من المبدأ فليس من الخصائص الإلهية فيمكن أن يحصل بالتعملات الصناعية كالتعقبات وغيرها .
 
وعلى الثاني أيضا يحتمل أن يكون بيانا للواقع ، فإن إحياء سام بن نوح كان بنطقه ودعائه ، وإن يكون تقييدا فإن الإحياء بمجرد النطق والدعاء من الخصائص الإلهية لا إحياء الحيوان بتهيئة المادة لفيضان الحال عليها .
والذي يخطر ببالي أن المراد بإحياء النطق إحياء لا يظهر من الحي أثرا من آثار الحياة إلا النطق وبإحياء الحيوان أن يحصل فيه مزاج معدل مسوى بحيث إن تظهر الخواص الحيوانية كلها على الطريقة المعهودة كالمشي والأكل والشرب والبقاء مدة طويلة وغير ذلك.
 ( بقي ) ذلك العاقل ( الناظر حائرا ) في أنه بشرا وإله ( إذ رأى الصورة بشرا متلبسا بالأثر الإلهي ) الذي هو من خصائصه وهو
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحيا به من الموتى، و لذلك نسبوا إلى الكفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى.
فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم )
 
الإحياء ههنا ( فأدى ) النظر ( بعضهم فيه ) ، اي في الشخص البشري المحيي للموتى ( إلى القول بالحلول ) ، أي حلول اللّه في صورته البشرية ( وأنه ) ، أي وإلى القول بأنه ( هو اللّه سبحانه بما أحيا به من الموتى ) يعني الحكم بإلهيته إنما هو باعتبار ما حل فيه لا باعتبار صورته .
( ولذلك ) القول بالحلول بأنه هو اللّه من حيث ما حل فيه ( نسبوا إلى الكفر ) والكفر مطلقا ( هو الستر ) والمذموم منه ستر الحق بالباطل ، وإنما صار قوله بالحلول سببا لنسبتهم إلى الكفر ( لأنهم ) لما ذهبوا إلى القول بالحلول ( ستروا اللّه الذي أحيا الموتى ) ، أي حكموا باستتاره .
( بصورة بشرية عيسى ) ، لأن الحال لا محالة مستتر بما حل فيه ولذلك كفرهم اللّه سبحانه ( فقال :لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَفجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله ) لا في أجزائه .
وإنما قلنا : الجمع بين الخطأ والكفر في تمام الكلام لا في أجزائه لأنه ، أي الجمع بينهما ( لا ) يتحقق ( بقولهم ) المسيح ( هو اللّه ) ، أو اللّه هو المسيح فقط ، فإن حمل على أن هوية الحق سبحانه هي التي تعينت وظهرت بالصورة المسيحية كما ظهرت بصور العالم كلها من غير أن يلاحظ فيه معنى الحصر فهو صدق لا شك فيه .
وإن لوحظ فيه معنى الحصر فهو كفر وستر لما هو الحق عليه من عموم سريانه في الموجودات كلها ، وإن حمل على أن الهوية الإلهية حالة في الصورة المسيحية فهو أيضا كفر إذ ظهورها في الأشياء ظهور المطلق في المقيد لا ظهور الحال في المحل فليس فيه إلا الكفر على بعض التقادير .
 
( و ) كذلك الجمع بينهما ( لا ) يتحقق ( بقولهم ابن مريم ) فقط ، لأنه ابن مريم بلا شك فليس فيه كفر ولا خطأ أصلا فالجمع بينهما أنه هو مجموع الكلام لأنهم ضمنوا المسيح الإلهية واعتقدوها في ضمنه على وجه الحلول ( فعدلوا ) حال كونهم متلبسين ( بالتضمين ) ، أي بجعل اللّه من حيث هو أحيا الموتى في ضمن المسيح ونسبة الإحياء إليه ( من اللّه ) المضمن في صورة المسيح .
( من حيث ) إنه ( أحيا الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية ) المسيحية فانفهم منه أن اللّه تعالى من حيث أنه أحيا الموتى إنما هو الصورة المسيحية ، وذلك خلاف معتقدهم فهو خطأ منهم ما عمدوه ، ولكن لزم من كلامهم وذلك العدول إنما يظهر ( بقول ابن مريم ) حيث أجروه على المسيح المحمول على اللّه المحيي للموتى
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك.
فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم .
كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي.
فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو؟
فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية، فيقول هو ابن مريم.
ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية )
 
فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية ( وهو ) من حيث صورته الناسوتية ( ابن مريم بلا شك ) لا من حيث ما أحيا به الموتى فيتبادر الفهم أنه من حيث صورته الناسوتية محمول على اللّه ( فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية ) وأثبتوها ( للصورة وجعلوها ) بل الموصوف بها وهو اللّه ( عين الصورة ) المسيحية ( وما فعلوا ) من ذلك عن قصد بل توهمه السامع من كلامهم .
( بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء ) ، أي في ابتداء كلامهم حيث قالوا : إن اللّه هو المسيح حالة ( في صورة بشرية هي ابن مريم ) ، لا ما حل فيها ( ففصلوا بين الصورة والحكم ) أي الإلهية التي هي المحكوم بها فإنهم ما حكموا على الصورة بل ما حل فيها .
( لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم ) ، أي الإلهية على عين الموصوف بها ، ثم إنه رضي اللّه عنه لما بين أنهم فصلوا بين حكم الإلهية والصورة المسيحية شبه هذا الفصل بفصل جبريل بين النفخ والصورة البشرية .
فقال : ( كما كان جبريل في صورة ) البشر أولا ( ولا نفخ منه ) في مريم ( ثم نفخ فيها ففصل بين الصورة ) البشرية ( والنفخ ) حيث تخلق النفخ عنها ( و ) لكن ( كان النفخ ) صادرا ( من الصورة ) آخرا فقد كانت الصورة ولا نفخ منها ( فما هو ) ، أي النفخ ( من حدها الذاتي ) الذي لم يفصل عنها ولا لازمها الخارجي كذلك ، ثم إنه لما استمر من العقلاء أهل النظر النظر في أمر عيسى عليه السلام وكان له وجوه متعددة اختلفت آراؤهم فيه .
( فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو ؟ فمن ناظر فيه من حيث صورته ) الهيولانية الجسمانية ( الإنسانية البشرية فيقول هو ابن مريم ، ومن ناظر فيه من حيث
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فينسبه إلى جبريل.
ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية فيقول روح الله.   أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه.
فتارة يكون الحق فيه متوهما- اسم مفعول وتارة يكون الملك فيه متوهما،
وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة: فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه.
فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله، وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية. )
 
الصورة المتمثلة البشرية ) التي تمثل بها جبريل حين النفخ ( فينسبه لجبريل عليه السلام ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى ) الذي هو من الخصائص الإلهية ( فينسبه إلى اللّه بالروحية فيقول روح اللّه ، أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه ) من الموتى ، فتسميته روحا إنما هو باعتبار ظهور الحياة واختصاصه باللّه ، لأن تغذية الحياة إلى ما لا تعلق به كالبدن من الخواص الإلهية دون الأولتين لعموم النظر فيها .
فمنهم من قال : هو اللّه ، ومنهم من قال : هو ابن اللّه على الخلاف المشهور بين المسيحيين ( فتارة يكون الحق فيه متوهما اسم مفعول ) م ن حيث تصدر عنه الصفات الإلهية من الإحياء والإبراء وغيرهما .
 
( وتارة يكون الملك فيه متوهما ) حيث تشاهد فيه الصفات الروحانية والملكات الملكية ( وتارة تكون البشرية ) الحقيقية ( الإنسانية ) لا الصورة الملكية ( فيه متوهمة ) حيث تظهر منه الأفعال البشرية كالأكل والشرب وغيرهما .
وإيراد التوهم ههنا على سبيل المشاكلة إن كان مقابلا للتحقق ، وإذا أريد به إدراك المعنى الجزئي فيمكن أن يتكلف له وجه في جميع هذه الصور ( فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه ) في اعتقاده حين مشاهدته حقا كان أو باطلا ( فهو ) عند أهل الحق ( كلمة اللّه ) باعتبار حصوله من نفخ جبريل ( وهو روح اللّه ) .
 
باعتبار مبدئيته للإحياء كما قال اللّه تعالى فيهما :"وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ "[ النساء : 171 ] ( وهو عبد اللّه ) باعتبار صورته البشرية كما قال تعالى :" إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ "[ مريم : 30 ] .
( وليس ذلك ) الخلاف والاختلاف لتعدد الوجوه ( في الصورة الحسنة لغيره ) ، أي لغير عيسى من بني نوعه إذ ليس شخص مثل عيسى منسوبا إلى جبريل ( بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه ) ، حال كون ذلك النافخ متمثلا ( في الصورة البشرية ) ضرورة أنه ليس لأحد غير عيسى نافخ .
 
كذلك على أن يكون الجار ظرفا مستقرا ، ولا إلى النافح روحه في صورته البشرية ، فإنه في غير عيسى غير مشهود وعلى هذا يكون الجار ظرفا لغوا للنفخ ، وإنما قلنا : ليس لغير عيسى نافخ متمثل في
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.
وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله.
فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، فإنها عن «كن» وكن كلمة الله. فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى )
 
صورة بشرية إذ ليس النافخ في صورته مشهودا ( فإن اللّه إذا سوى الجسم الإنساني كما قال الشيخ رضي الله عنه :  "فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ" هو ) بنفسه ( تعالى من روحه ) لا بواسطة جبريل في صورة بشرية كما قال تعالى :وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ( فنسب الروح في كونه ) ، أي وجوده حيث قال : ونفخت فيه ، إذ نفخ الروح هو تكوينه فيه ( وعينه ) أي في ذاته حيث .
قال : من روحي فنسب وجود الروح وذاته ( إليه تعالى ) لا إلى جبريل متمثلا بالصورة البشرية ففي كل شخص إنساني غير عيسى التسوية مقدمة على نفخ الروح والنافخ هو اللّه سبحانه بلا واسطة جبريل في صورة بشرية ( وعيسى ليس كذلك ) لانتفاء الأمرين فيه ( فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي ) ، أي في النفخ الروحي .
 
فإذا اندرجت التسوية في النفخ كانا معا ومعلوم أن ذلك النفخ كان من جبريل في صورة بشرية ، أو يراد بالنفخ الروحي الصادر من جبريل فإنه أيضا روح ( وغيره ) ، أي غير عيسى ( كما ذكرناه ) من تقدم التسوية على النفخ وكون النافخ في صورة البشرية ( لم يكن مثله ) .
ولما انجر كلامه رضي اللّه عنه إلى أن تجلى عيسى عليه السلام بأنه كلمة اللّه أراد أن ينبه على أن هذا الحكم عام لكل موجود لا اختصاص له بعيسى كما كان لبعض توهمات الناظرين فيه اختصاص به .
فقال : ( فالموجودات كلها ) روحانية أو مثالية أو جسمانية ( كلمات اللّه التي لا تنفذ ) ، أي لا تتناهى وإنما سميت كلمات اللّه ( فإنها ) صادرة ( عن ) قوله : ( كن وكن كلمة اللّه ) فسمي ما صدر عنها بالكلمة تسمية للمسبب باسم السبب ، وإنما يذكر للتسمية بها وجه آخر وهو ما اشتهر فيما بينهم من الكلمات الوجودية هي تعينات واقعة على النفس الرحماني ، كما أن الكلمات اللفظية تعينات واقعة على النفس الإنساني .
وإذا كان كلمة كن كلمة اللّه ( فهل تنسب ) تلك ( الكلمة إليه سبحانه بحسب ما هو عليه ) في مقام الجمع من التنزه عن أن يكون كلامه من مقولة الصوت والحروف ( فلا تعلم ) حينئذ ( ماهيتها ) ، أي ماهية كلمة كن لأن في ذلك المقام لا مغايرة بين الذات والصفات .
 
فكما لا تعلم حقيقة الذات لا تعلم ماهية الصفات أيضا ( أو ) تنسب إليه ( حين ينزل هو تعالى ) في موطن المثال والخيال أو الحس ( إلى صورة من


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها؟
فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري.
وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد.
وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس»
فكل من أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله في الصورة. )
 
يقول : "كُنْ فَيَكُونُ " قول كن ) المركب من هذه الحروف ( حقيقة لتلك الصورة التي نزل ) الحق سبحانه ( إليها وظهر فيها ) بحسبها لا للحق الظاهر فيها الإنباء على اتحاد الظاهر والمظهر فوقع الخلاف في كلمة كن كما وقع في عيسى (فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد ) ، أي طرف كان فينسب مثلا كلمة كن إلى اللّه سبحانه ( وبعضهم إلى الطرف الآخر ) ، المقابل فينسب كلمة كن إلى العبد ( وبعضهم يحار في الأمر ) ، أي أمر كلمة كن وشأنها أو في الأمر الذي هو كلمة كن فإنها صيغة أمر .
( ولا يدري إلى أي من الطرفين ) ينسبها . ( وهذه ) ، أي نسبة كلمة كن إلى الحق أو العبد .
( مسألة لا يمكن أن تعرف ) كما هو عليه ( إلا ذوقا ) ووجدانا ( كأبي يزيد حين قتل نملة ) تحت قدمه وتألم من قتلها ( ثم نفخ في النملة التي قتلها فحييت ) النملة ( فعلم ) أبو يزيد ( عند ) إرادة ( ذلك ) النفخ ( أن ينفخ ) بربه أو بنفسه ( فنفخ فكان حينئذ عيسوي المشهد ) والمقام مستعدا من روحانية عيسى صلى اللّه عليه وسلم .
 
وفيه إشارة إلى أن كل من يحصل له هذا المقام يكون بواسطة روحانيته ، فعلم أن الإحياء ليس مختصا بعيسى ، وما ذكر من الإحياء فهو إحياء صوري بحياة كونية عرضية سفلية ظلمانية .
( وأما الإحياء المعنوي ) يعني إحياء النفوس البشرية في ظلمات الجهل ( بالعلم فتلك الحياة ) ، أي ثمرة ذلك الإحياء ونتيجة تلك الحياة ( الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال اللّه فيهاأَ وَمَنْ كانَ مَيْتاً) .
أي بموت الجهل (فَأَحْيَيْناهُ) بالحياة العلمية ("وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً") ، أي علما ("يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ"، فكل من أحيا نفسا ميتة ) بموت الجهل (بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم باللّه ) في ذاته وصفاته وأفعاله وإنما قيده به لأن العلم بما عدا ذلك هو والجهل سواء .
( فقد أحياه بها وكانت ) تلك الحياة (لَهُ نُوراً) [ الأنعام : 122 ] علميا ( يمشي ) متلبسا ( به في الناس أي بين أشكاله ) ، أي



قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا )
 
أمثاله فإن الشكل لغة هو المثل وهذه المماثلة إنما تكون ( في الصورة ) فقط فإنه بحسب المعنى متميز عنهم بذلك النور ، فهو يمشي بينهم وهم محرومون منهمكون في جهالاتهم ، ولا يبعد أن يقال معنى يمشي في الناس ينفذ بنوره العلمي في حقائقهم وبواطنهم فيعلم ما لا يعلمون من أنفسهم ، ولما ذكر أن الموجودات كلها صادرة عن كلمة كن وهي إما منسوبة إليه تعالى بحسب ما هو عليه في حد ذاته .
أو بحسب نزوله إلى صورة من يقول : كن وهو الإنسان الكامل أكده بقوله
(فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا)
 ( فلولاه ) لتصدر عنه بعض الموجودات بواسطة كلمة كن المنسوبة إليه تعالى بحسب نزوله إليهم البعض الآخر من الموجودات ( ولولانا لما كان الذي كانا ) يعني لما وجد الذي وجد لأن الموجودات منحصرة في هذين القسمين.
 
(فإنا أعبد حقا ...    وإن الله مولانا)
( فإنا ) معشر الكاملين ( أعبد ) ، أي عباد مطيعون له ممتثلون أمره لنا بقول : كن ( حقا . . وإن اللّه مولانا ) وسيدنا فيجب علينا طاعته فيما أمرنا به
 
(وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا)
( وإنا عينه فاعلم . . إذا ما قلت ) أنت لنا ( إنسانا ) ، أي كاملا فإن ما علمنا أنه ليس بإنسان حقيقة وإنما حكم بعينية الإنسان الكامل .
لأن كماله لا يتيسر إلا بإفناء جهة خلقيته.
 
(فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا)
( فلا يحجب ) على البناء للمفعول ، أي لا يحجب عن شهود هذه العينية ( بإنسان ) ، أي بالصورة الإنسانية والهيئات البشرية ( فقد أعطاك ) اللّه سبحانه ( برهانا ) على تلك العينية وهو أن كلمة كن بمنزلة كن منه
 
(فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا)
( فكن حقا ) بإفناء جهة خلقيتك في حقيقته ( وكن خلقا ) بقيامك في مقام العبودية بحسب الصورة ( تكن ) جامعا بين جهتي الحقيقة والخلقية وواسطة بين الحق والخلق .
فحينئذ يكون ( باللّه ) ، أي بتجلياته الذاتية والأسمائية ( رحمانا ) ، أي عام الرحمة على العالمين إذ بواسطتك يحصل لهم ما يحصل من الكمالات الدينية والدنيوية .
 
(وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا)
( وغذ ) بتلك الجامعية والوساطة ( خلقه منه ) سبحانه باستفاضة الوجود والكمالات منه وإفاضتها عليهم ( تكن روحا ) ، أي راحة وتنفيسا لهم عن كرب العدم والنقصان ( وريحانا )  يستنشقون منك روائح الحياة العلمية والكمالات الوجودية
 
(فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا)
( فأعطيناه ) بالفناء فيه والرجوع إليه ( ما يبدو ) من الوجود وكمالاته ( به ) ، أي بتجلياته


قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا
ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري)
(فينا ) بحسب حقائقنا واستعداداتها ( وأعطانا ) بالبقاء بعد الفناء عما أفنيناه فيه عند الفناء فيه
 
(فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا)
( فصار الأمر ) ، أي المعطى له ( مقسوما بإياه وإيانا ) ، أي به وبنا فتارة هو سبحانه المعطى له وتارة نحن ، أو صار الأمر المعطى مقسوما بما أعطيناه إياه وبما أعطاه إيانا .
وإنما أتى بالضمير المنصوب مع أن الظاهر المجرور ، لأنه حكاية عن الضمير المنصوب المتصل الذي هو مفعول للإعطاء ، فلما ترك الفعل صار منفصلا.
 
(فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا)
( فأحياه ) ، أي جعله سبحانه موصوفا بالحياة الشريفة العلمية المظهرية الحادثة ( الذي يدري ) ويعلم الأمور ( بقلبي ) وبقلب أمثالي وهو أنا وأمثالي ، فحين ظهر في أنانيتنا جعلناه موصوفا بهذه الحياة .
وأما الحياة العلمية الغير المظهرية فهي لازمة لذاته سبحانه أزلا وأبدا لا مدخل لنا في اتصافه بها وذلك الإحياء إنما كان ( حين أحيانا ) بتجليه علينا بالحياة العلمية فانصبغت فينا فحدثت لنا نسبة مخصوصة لخصوص قابلياتنا ، فهي مأخوذة مع تلك النسبة حادثة ، واتصاف الحق بها إنما هو فينا ، فنحن جعلناه موصوفا بها فهذا هو المراد بإحيائه سبحانه .
 
(فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا)
( وكنا ) على سبيل الاستمرار ظاهرين ( فيه ) ، أي في مرآة وجوده تارة ( أكوانا ) ، أي مكونين مبتدعين في مرتبة الأرواح ( و ) تارة ( أعيانا ) ثابتة في مرتبة العلم ( و ) تارة ( أزمانا ) ، أي ذوي أزمان في الزمانيات .
 
(وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا)
( وليس ) الحق ( بدائم ) ، أي بدائم التجلي ( فينا ) بالتجلي الشهودي .
وإن كان دائم التجلي بالتجلي الوجودي ( ولكن ذاك ) ، أي التجلي الشهودي يكون ( أحيانا ) بحسب الاستعدادات التي تحصل لقلوبنا .
قال عليه السلام : " لي مع اللّه وقت لا يسعني ملك مقرب ولا نبي مرسل ".
ثم أنه لما ذكر الشيخ رضي اللّه عنه : ما استغربته العقول المحجوبة من امتزاج النفخ الروحاني مع الصور البشرية العيسوية بتركب مادتها الجسمانية منهما ، أراد أن يزيل ذلك الاستغراب.
 
فقال : ( ومما يدل على ما ذكرناه من أمر النفخ الروحاني ) ، وشأنه ( مع صورة البشر العنصري ) من أن المنفوخ بذلك النفخ وهو الماء المتوهم ممزوجا بالماء
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة.
وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه.
فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم.
فهو لها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة.
فالعناصر صورة من صور الطبيعة.
وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السموات السبع. )
المحقق مادة لصورة البشر العنصري العيسوي ( هو أن الحق سبحانه وصف نفسه بالنفس الرحماني ) ، حيث قال على لسان نبيه صلى اللّه عليه وسلم : « إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن » .
( ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع ) ذلك الموصوف ( الصفة ) التي اتصف بها ( جميع ما يستلزمه تلك الصفة ) فلا بد للحق الموصوف بالنفس أن يتبع النفس الذي هو من صفاته جميع ما يستلزمه النفس ( وقد عرفت أن النفس في المتنفس ) حقا كان أو خلقا ( ما يستلزمه ) ، أي شيء يستلزمه النفس كما يستلزمه التنفيس من الكرب ، وقبوله صور الحروف والكلمات لفظية كانت أو غير لفظية .
( فلذلك قبل في النفس الإلهي صور العالم ) التي هي بمنزلة صور الحروف والكلمات اللفظية للنفس الإنساني ( فهو ) ، أي النفس الإلهي ( لها ) ، أي لصور العالم ( كالجوهر الهيولاني ) الجسماني للصور الجسمانية كذلك النفس الإلهي يقبل صور العالم ( وليس ) النفس الإلهي الذي يقبل صور العالم ( إلا عين الطبيعة ) الكلية العالية الفعالة للصور كلها ولكن لا مطلقا بل من وجه وهو وجه باطنتيتها التي هي الأحدية الذاتية الجمعية .
فإن للنفس الإلهي ظاهرا وباطنا ، فهو من حيث ظاهره قابل للصور ومن حيث باطنه فعّال لها ومن هذه الحيثية تسمى بالطبيعة .
وهذه الحقيقة هي النفس الرحماني وكانت تسميته بالطبيعة بناء على أنه مبدأ الفعل والانفعال ، فإنه يؤثر في التعينات بإظهارها ويتأثر باعتبار تقيدها به ، وإذا كان الكل عين الطبيعة فلا يبعد أن يكون ما نفخه جبريل في مريم مادة للصور البشرية العيسوية ، لأنه إما أمر روحاني أو مثالي أو حسي .
وعلى كل تقدير فهو من صور الطبيعة فلا يستبعد أن يمتزج مع ما مر ، ثم الذي هو أيضا من صور الطبيعة ويصير المجموع مادة للصورة العيسوية .

( فالعناصر صورة من صور الطبيعة وما ) هو ( فوق العناصر ) التي هي أصول المركبات العنصرية فوقية مرتبة ( وما ) هو ( تحتها ) بحسب المكانة وإن كان فوقها بحسب المكان ( عما تولد عنها ) ، أي عن العناصر كأعيان السماوات السبع وأرواحها فإنها عنصرية كما سيجيء ( فهو ) ، أي ما هو فوق العناصر وما هو متولد من العناصر ( أيضا من صور الطبيعة وهي ) إما فوق العناصر باعتبار أنها صورة طبيعية ( الأرواح العلوية التي فوق السماوات السبع )
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الجزء الثالث .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالإثنين ديسمبر 16, 2019 11:03 am

15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الجزء الثالث .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص العيسوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الثالث
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما أرواح السموات السبع و أعيانها فهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون و من فوقهم طبيعيون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعني الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة، و التقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس )
 
وهي الملائكة التي للعرش والكرسي وما فوقها ( وأما أرواح السماوات السبع ) يعني نفوسها المنطبعة فإن عقولها ونفوسها المجردة من الصور الطبيعية النورية لا العنصرية ( وأعيانها فهي عنصرية فإنها من دخان العناصر المتولد عنها ) ، كما تتولد الأجزاء اللطيفة الدخانية عن النار ، فإن ألطف أجزاء النار هي التي تعلوها في صورة الدخان وفي دخان النار أجزاء لطيفة وكثيفة ، وكذلك في دخان العناصر ، فمن كثيف دخانها خلقت أعيان السماوات ومن لطيفها أرواحها .
( وما تكون عن ) مادة ( كل سماء من الملائكة ) التي هي عمادها ( فهو ) مخلوق ( منها ) ، أي من مادتها كما أن آدم وبنيه الذين هم عماد الأرض مخلوقون من الأرض .
قال رضي اللّه عنه في الباب الثالث عشر من الفتوحات :
خلق في جوف الكرسي أفلاكا فلكا في جوف فلك وخلق في كل فلك عالما منه يعمرونه وسماهم ملائكة .
"" أضاف الجامع : قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب الرابع عشر عن الكرسي وعماره من الملائكة:-
"ثم أوجد الكرسي في جوف هذا العرش وجعل فيه ملائكة من جنس طبيعته
فكل فلك أصل لما خلق فيه من عمارة كالعناصر فيما خلق منها من عمارها
كما خلق آدم من تراب وعمر به وببنيه الأرض
وقسم في هذا الكرسي الكريم الكلمة إلى خبر وحكم وهما القدمان اللتان تدلتا له من العرش كما ورد في الخبر النبوي
ثم خلق في جوف الكرسي الأفلاك فلكا في جوف فلك
وخلق في كل فلك عالما منه يعمرونه سماهم ملائكة يعني رسلا
وزينها بالكواكب وأَوْحى في كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها إلى أن خلق صور المولدات.أهـ. ""
 
( فهم ) ، أي الملائكة المتكونون من مادة كل سماء كلهم ( عنصريون ومن فوقهم ) من ملائكة العرش والكرسي ونفوسهما المنطبعة والمجردة والعقول المسمون بلسان الشريعة بالملأ الأعلى كلهم ( طبيعيون ولهذا ) ، أي لكونهم طبيعيين ( وصفهم اللّه تعالى بالاختصام أعني ) يعني بالضمير المنصوب في وصفهم اللّه ( الملأ الأعلى )
حيث قال : ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون ، وإنما كان كونهم طبيعيين مقتضيا لوصفهم بالاختصام ( لأن الطبيعة )  من حيث ظاهرها حاملة للصور المتقابلة وقابلة إياها.
 
ومن حيث باطنها فعالة لها ففيها قوة الفعل والانفعال والتأثير والتأثر ولا شك أن هذه الأمور فيها ( متقابلة ) وليس المراد بالاختصام إلا التقابل بحيث يقتضي كل واحد منهم خلاف ما يقتضيه الآخر ( والتقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب ) اللاحقة للذات الإلهية باعتبار توجهها إلى عالم الظهور ( إنما أعطاه النفس ) فإنه إن لم يمتد الوجود الحق من غيبه الإطلاقي إلى مرتبة الظهور لم تتعين الأسماء .
ولا شك أن النفس إنما هو الوجود الحق باعتبار هذا الامتداد ، فلو لم تكن النفس لم تتعين الأسماء فكيف يتحقق التقابل بينها ، فظهر أنه ما أعطى الأسماء الإلهية التقابل إلا النفس ، وكذلك لا يظهر هذا التقابل في الخارج إلا بالنفس فإنه إذا لم يمتد الوجود على الماهيات الممكنة لم يظهر التقابل بين الأسماء بظهور آثارها المتقابلة .
ولما ذكر أن التقابل الذي بين الأسماء إنما أعطاه النفس
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟.   فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، وليس إلا النفس الإلهي.
فبما فيه من الحرارة علا، وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.
ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح.
وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية.
ثم إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان و إن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان، و لو لم يكن إلا كونهما اثنين أعني يدين )
 
لا الذات من حيث نوره وأوضحه بقوله : ( ألا ترى الذات ) البحت ( الخارجة عن هذا الحكم ) ، أي عن حكم النفس ( كيف جاء فيها الفناء عن العالمين ) ولا شك أن في مرتبة الفناء وهي مقام الأحدية الذاتية لا تتقابل الأسماء لعدم تعينها حينئذ فضلا عن تقابلها ( فلهذا ) ، أي الفناء الذات عن العالمين ( خرج العالم على صورة من أوجدهم ) أورد ضمير ذوي العلم تغليبا أو بناء على أن الكل ذو العلم في نظر أهل الكشف .
( وليس ) الموجد ( إلا النفس الإلهي ) ، لأن الذات البحت لها الفناء عن نسبة الإيجاد ، وليس إيجاد النفس الإلهي للأشياء إلا ظهوره بصورها فليس في الوجود مراتبه ظاهرا وباطنا إلا النفس الإلهي ( فبما فيه ) ، أي النفس بما فيه ( من الحرارة ) طبيعية كانت أو عنصرية ( علا وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل فالرسوب ) في العالم الكبير ( للبرودة والرطوبة ) كذلك فيما يماثله من العالم الصغير الذي هو الإنسان ( ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه فإذا رآه رسب علم أن النضج ) وهو استعداد أخلاط المزاج للصلاح يتصرف الطبيب فيها ( قد كمل فيشفيه الدواء ليسرع ) الدواء ( في النجع ) ، أي إصابة الطلبة التي هي إصلاح المزاج ( وإنما يرسب ) ما يرسب في القارورة ( لرطوبته وبرودته الطبيعية ) فالرطوبة والبرودة كما يقتضيان الرسوب والتسفل في العالم الصغير كذلك يقتضيانهما في العالم الكبير .
( ثم أن هذا الشخص الإنساني ) ، أي شخص كان ( عجن ) الحق سبحانه ( طينته بيديه ) الجمالية والجلالية أو الفاعلية والقابلية ( وهما متقابلتان وإن كانت كلتا يديه يمينا مباركا ) في مصدرية الرحمة واللطف فإن وجود الغضب والقهر لرحمته عليهما .
( فلا خفاء بما بينهما من الفرقان ولو لم يكن ذلك ) الفرقان ( إلا كونهما اثنتين أعني يدين ) ، فإن الاثنينية نسبة تقتضي اختصاص كل من طرفيها بأمر لا يوجد في الآخر وذلك
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها و هي متقابلة.
فجاء باليدين: ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه.
وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك.
ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا.
فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة.
والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من )
 
فرقان بيّن وإنما عجن طينته بيديه المتقابلتين ( لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها ) ، أي الطبيعة ( وهي متقابلة فجاء باليدين ) المتقابلتين لتحصل المناسبة بين المؤثر والمؤثر فيه .
قال رضي الله عنه :  ( ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب ) المقدس عن توهم التشبيه فإن المباشرة حقيقة هي الإفضاء بالبشرتين والبشرة هي ظاهر الجلد ( باليدين المضافتين إليه وجعل سبحانه ذلك ) الإيجاد باليدين ( من ) مقتضيات ( عنايته بهذا النوع الإنساني فقال ) تعالى آمرا الملائكة اسجدوا لآدم وقال تغييرا ( لمن أبى عن السجود له) :
("ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ") [ ص : 75 ] موميا إلى أن استحقاقه لسجود الملائكة إنما هو لمخلوقيته باليدين ( استكبرت على من هو مثلك يعني ) ، بالمثل ( عنصريا ) ، أي على من هو عنصري مثلك فلا يكون استكبارك واقعا موقعه ( أم كنت من العالين عن العنصر ) فحري بك أن تستكبر ( ولست كذلك ) يعني من العالين حريا بالاستكبار .
قال رضي الله عنه :  ( ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا . مما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا ) باشره الحق سبحانه بيديه عند خلقه ( من طين فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر ) ملكا كان أو غيره ( من غير مباشرة ) باليدين المضافتين إليه سبحانه بيد واحدة .
قال رضي الله عنه :  ( فالإنسان في الرتبة ) ، أي رتبة الفضيلة والكمال بل في شرف الحال أيضا ( فوق الملائكة الأرضية والسماوية ) أيضا ، لأنهم كلهم عنصريون مخلوقون بيد واحدة فلا لهم شرف حاله ولا مرتبة كماله ( والملائكة العالون خير ) في أم كنت من العالين .
قال الشيخ رضي اللّه عنه في فتوحاته المكية :
إني رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسألته أن


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي.
فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس )
 
الإنسان أفضل أم الملائكة ؟
فقال صلى اللّه عليه وسلم : « أما علمت بأن اللّه يقول من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم .
ثم قال عليه السلام : " وكم من ملأ ذكر اللّه فيهم وأنا بين أظهرهم ففرحت بذلك " .
وإذا كان العالم صورة النفس الإلهي ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه ( التي هي العالم الصغير ( عرف ربه الذي ظهر ) نفسه ( فيه ) ، أي ربه فإن العالم باعتبار ظاهر والرب مظهر وهو باعتبار مراتبه الرب للمربوب ، ولما كان هذا الكلام محتملا لاعتبار مظهرية العالم وظاهر الرب دفعه.
 بقوله : ( أي العالم ظهر في النفس الرحماني).
 
وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي اللّه عنه في نفس الرحمن ( الذي نفس اللّه تعالى به عن الأسماء الإلهية الإلهية ما تجده ) ، أي الكرب الذي تجده الأسماء ( من عدم ظهور آثارها ) وذلك التنفس إنما لا يكون إلا بظهور آثارها .
( فامتن ) اللّه تعالى ( على نفسه ) فسكون الفاء حين أزال كربه وكرب أسمائه ( بما أوجد في نفسه ) بفتح الفاء من صور أعيان الموجودات التي هي مظاهر الأسماء وآثارها .
( فأول أثر كان للنفس الرحماني ) وهو التنفيس عن الكروب ( إنما كان في ذلك الجناب ) ، أي في الجناب الإلهي ( ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد ) وهو الإنسان مما يحصل به من التنفيس أكثر مما يحصل بغيره ولكن لا يتناهى ذلك التنفيس . والتنفيس أبد الآباد لعدم انتهاء تجلياته سبحانه دنيا وآخرة .
( فالكل ) ، أي الحقائق كلها ( في عين النّفس ) الإلهي ( كالضوء في ذات الغلس ) ، وهو ظلمة آخر الليل والمقصود تشبيه المجموع المركب من الحقائق والنفس بالمجموع الممتزج من الضوء والغلس ووجه الشبه هو أن الضوء بدون الغلس نور صرف لا يمكن إدراكه .
وكذلك الظلمة المحضة لا تدرك والممتزج منها وهو الضياء يتعلق به الإدراك ، وكذلك النفس من غير تقيده بالحقائق لا تدرك لصرافة نوريته والحقائق من غير تلبسها بالنفس لا تدرك
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس  )
 
لكونها من هذه الحيثية ظلمة محضة ، والمجموع المركب منهما يتعلق به الإدراك ، فظهر من هذا التقرير أنه ليس المراد من هذا الكلام تشبيه الحقائق بالضوء والنفس بالغلس ليرد أن تشبيه الحقائق بالغلس وتشبيه النفس بالضوء أظهر وإن أمكن أن يتكلف للأول أيضا وجه.
 
( والعلم بالبرهان ) الكشفي بأن يكون المعلوم هو البرهان ويحتمل أن يكون معناه والعلم بما ادعيناه من أن الكل في عين النفس ، التنبيه حاصل بسبب البرهان الكشفي عليه ( في . . سلخ النهار ) ، أي في آخر نهار الظهور وهو مرتبة الإنسان لما ورد في الحديث : من أن آدم خلق في آخر ساعة من يوم الجمعة .
ولكن العلم بذلك البرهان ليس حاصلا لكل إنسان بل ( لمن نعس ) ، أي عطل حواسه الجزئية عن التوجه بمتعلقاتها المتعددة المتكثرة المانعة عن مشاهدة الوحدة وصار أحدي الهم والهمة في التوجه إلى الحق المطلق .
( فترى الذي قد قلته ) وهو من نعس فاسم الموصول فاعل يرى ومفعوله ( رؤيا تدل على النفس ) ، أي يرى الناعس عن المحسوسات رؤيا تدله على النفس عن كرب الاحتجاب بها وهذه الرؤيا إنما هي مشاهدة سريان نفس الرحمن في الحقائق كلها وإنما سماها رؤيا لأنها مرتبة في حال النعاس وإن لم يحتج إلى التعبير أو لإمكان أن تكون تلك المشاهدة في صورة مثالية تحتاج إلى التعبير .
( فيريحه ) ، أي يريح العلم بالبرهان الناعس ( من كل غم ) كائن ( في ) وقت ( تلاوته ) سورة ( عبس ) والمراد بتلاوته إياها تحققه بالعبوس المفهوم منها ، ثم استشهد على ما ذكر بقصة موسى عليه السلام .
( ولقد تجلى ) الحق سبحانه ( للذي قد جاء في طلب القبس ) التجلي الصوري المثالي ( فرآه نارا في صورة ) مطلق به حال كونه مستعجمعا شرائط التجلي من التوجه التام إلى الحق سبحانه والانقطاع عما سواه ( وهو ) في الحقيقة ( نور ) سار ( في الملوك ) ، أي الكمل الذين هم سلاطين نهار الكشف ( في العسر ) ، أي السالكين السائرين في أمالي ظلمة الاحتجاب .
( فإذا فهمت ) مضمون ( مقالتي ) هذه وهو أن التجلي في صورة ما يطلبه العبد المتجلى له إنما يقع إذا كان مستجمعا لشرائط التجلي ( تعلم ) أنك في حال الحجاب ( بأنك مبتئس ) فقير فاقد للتجلي لفقدان شرائطه ، وإنما تجلى الحق سبحانه لطلب القبس في صورة لأنه كان أحدي الهم والهمة في طلبها ، فوقع التجلي في صورتها
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس
وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع،)
 
ليكون أوقع في نفسه ولهذا ( لو كان يطلب غير ذا ) القبس ( ليراه ) ، أي الحق المتجلي ( فيه ) ، أي في غير القبس لا في القبس ( وما نكس ) رأسه خجلا من عدم فوزه بذلك التجلي .
 
( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام حتى نعلم ) بصيغة التكلم ( ويعلم ) بصيغة الغيبة فالأول إشارة إلى قوله تعالى :
" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ " [ محمد : 31 ]
والثاني : إشارة إلى قوله تعالى :" أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ "  [ آل عمران  : 142].
والمراد بمقام حتى نعلم ويعلم مقام الاختبار المفيد للمخبر تجدد العلم وحصول الحادث من نوع القلم ( استفهمها ) أي الكلمة العيسوية ( عما نسب إليها ) وإلى أمها من الألوهية ليعلم بعلمه الثاني الاختباري ( هل هو حق ) واقع بقوله وأمره ( أم لا مع علمه الأول ) الأزلي ( بهل وقع منذ ذلك الأمر ) ، أي الأمر باتخاذهما إلهين أو القول بالاتخاذ ( أم لا فقال له تعالى :أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِولا بد ) [ المائدة : 116 ].
 
للمخاطب ( في ) مقام ( الأدب من الجواب للمستفهم ) وأنه كان عالما بأنه يعلم ما يجيب به ( لأنه لما تجلى له في هذا المقام ) ، أي في مقام الاختبار ( و ) في ( هذه الصورة ) ، أي صورة السؤال عن قوله : " لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ " على أن مقصود المستفهم إنما هو العلم المتجدد الاختباري لا العلم مطلقا ليحيل العلم عليه فلا جرم .
( اقتضت الحكمة الجواب في ) صورة ( التفرقة ) بين الحق والخلق والتنزيه والتشبيه حيث فرق بين المستفهم والمجيب وأقام كل واحد في مقامه لكن لا بحيث يحجبه ذلك الجواب عن مشاهدة عين الجمع بل إنما وقع ( بعين الجمع ) بين الحق والخلق والتنزيه والتشبيه فشاهد أن الحقيقة واحدة تسمى باعتبار مقام التنزيه حقا وباعتبار مقام التشبيه خلقا .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».
فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر. )
 
( وقال ) عيسى عليه السلام ( وقدم التنزيه ) المفهوم من التسبيح ( سبحانك فحدد ) بعدما نزه بالتسبيح حدد ( بالكاف الذي تقتضي المواجهة والخطاب ) اللذان هما يقتضيان التشبيه والتحديد فجمع في هذه الكلمة .
( ثم قال ) عليه السلام (ما يَكُونُ لِيمن حيث أنا ) ملاحظ ( لنفسي ) فقط ( دونك ) ، أي دون أن ألاحظ أن أظهر بصورة نفسي أنت وهذا لسان التفرقة ( أن أقول ما ليس لي بحق أي ما تقتضيه هويتي ) الغيبية وعيسى الثانية ( ولا ذاتي ) الموجودة خارجا .
( إن كنت قلته فقد علمته لأنك أنت القائل في صورتي ) بمقتضى قرب الفرائض ( ومن قال أمرا فقد علم ما قال وأنت اللسان الذي أتكلم به ) بمقتضى قرب النوافل فأنت الفاعل وآلة أيضا وهذا لسان الجمع ( كما أخبرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الخبر الإلهي ) .
 
والحديث القدسي الوارد في قرب النوافل ( وقال ) تعالى : ( كنت لسانه الذي يتكلم به فجعل هويته عين لسان المتكلم ونسب الكلام إلى عبده ) كما يقتضيه قرب النوافل ، فإن الفاعل في قرب النوافل إنما هو العبد والحق آلة ، ولما كان مقامه يستوعب القربين.
أشار إلى ذلك بقوله : ( ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله : تعلم ما في نفسي والمتكلم بهذا ) القول ( هو الحق ) كما تقتضيه قرب الفرائض وعيسى عليه السلام آلة للحق في هذا التكلم وكذا المتكلم.
 بقوله : ( ولا أعلم ما فيها ) هو الحق لكن من حيث التعين العيسوي ولما كان المتكلم بقوله : تعلم ما في نفسي هو الحق بكون ضمير المتكلم فيه كناية عن الحق سبحانه فتكون النفس نفسه فيكفي في قوله : ولا أعلم ما فيها إرجاع الضمير المجرور إلى النفس ولا حاجة إلى التصريح كما في القرآن حيث قال : " وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ" .
أو المراد : لا أعلم ما في نفسي فكيف أعلم ما في نفسك ( فنفى العلم عن هوية عيسى ) بل عن نفسه ( من حيث هويته لا من حيث أنه ) ، أي عيسى
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  («إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق ثم قال متمما للجواب «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به» فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو.
ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم، ولو لم يفعل ذلك لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك، فقال «إلا ما أمرتني به» وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني.
فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها، «أن اعبدوا الله» فجاء  )
 
( قابل وذو أثر ) فإنه من هذه الحيثية هو الحق لا غير ("إِنَّكَ أَنْتَ " عَلَّامُ الْغُيُوبِ ).
( فجاء بالفصل والعماد ) وهما لفظة أنت ( تأكيدا للبيان ) ، أي بيان الحكم أنه هوعَلَّامُ الْغُيُوبِ *على وجه يفيد انحصار المحكوم به فيه .
( واعتمادا عليه ) ، أي على ذلك البيان في إبانة المطلوب وإنما أكد ( لأنه لا يعلم الغيب إلا اللّه ) ، فإذا حكم عليه بأنه يعلم الغيب ينبغي أن يكون على وجه يفيد التأكيد وانحصار ذلك الحكم فيه .
( ففرق ) حيث ميز بين الحق والخلق وخص كلا منهما الحكم ( وجمع ) حيث رد الكل إلى الحق سبحانه وعلى هذا القياس التوحيد والتكثير والتوسعة والتضييق المذكورة .
في قوله : ( ووحد وكثر ووسع وضيق ثم قال ) عليه السلام ( متمما للجواب ما قلت لهم ) ، أي الناس ( إلا ما أمرتني به ، فنفى أولا ) بكلمة النفي القول عن نفسه .
( مشيرا ) بهذا النفي ( إلى أنه ما هو ثمة ) بل هو فإن الحق مستهلك تعينه في الوجود المطلق ، فإن القول متحقق لا محالة ، فالمنفي هو نسبته آل عيسى عليه السلام وانتفاء النسبية إنما هو بانتفاء المنسوب إليه .
( ثم أوجب القول ) بعد نفيه ( أدبا مع المستفهم ولو لم يفعل كذلك ) ، أي لم يجمع بين النفي والإيجاب ( لاتصف بعدم علم الحقائق ) فإنه لو اقتصر على النفي أخل بالصورة لثبوت القول له صورة ، ولو اقتصر على الإيجاب أخل بالحقيقة إذ لا قابل إلا اللّه ( وحاشاه من ذلك ) ، أي من عدم علم الحقائق فإن رتبة الكلام النبوي تأبى ذلك .
( فقال ) تفسير وبيان لإيجاب القول ("إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ "وأنت المتكلم ) بهذا الكلام ( على لساني ) كما يقتضيه قرب الفرائض .
( وأنت لساني ) كما يقتضيه قرب النوافل ( فانظر إلى هذه التثنية ) أي تثنية الفرق بالجمع والتنزيه بالتحديد والوحدة بالكثرة والسعة بالضيق والنفي بالإيجاب وقرب الفرائض بقرب النوافل ( الروحية ) ، أي الصادرة من عيسى الذي هو روح اللّه صورة .
( والإلهية حقيقة ما ألطفها وأدقها ) لدلالتها على الجمعية الكمالية وصحح بعض الشارحين التنبئة بالنون بفعله من النبأ لا بالثاء المنقوطة ثلاث نقاط .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( بالاسم «الله» لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع، لم يخص اسما خاصا دون اسم، بل جاء بالاسم الجامع للكل.
ثم قال «ربي وربكم»، ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر، فلذلك فصل بقوله «ربي وربكم» بالكنايتين كناية المتكلم وكناية المخاطب.
«إلا ما أمرتني به» فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديته، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل.
ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة: فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور، ومرتبة )
 
وقال : التثنية بالثاء تصحيف ولا يخفى أن الأولى الحكم بالتصحيف عليها أولى كيف وهذه الكلمة صححت في النسخة المقروءة على الشيخ رضي اللّه عنه بالثاء المثلثة ثم بين الأمر المأمور به ( أن اعبدوا اللّه ، فجاء بالاسم اللّه ) الجامع لجميع الأسماء ( لاختلاف العباد ) جمع عابد ( في العبادات ) فلكل وجهة من تلك الأسماء هو موليها ( واختلاف الشرائع ) ، أي الطرق الموصلة المسلوكة لهم ، فإن كل طريق شريعة ، وإن كان الكل داخلا تحت شريعة واحدة ، وحمل الشرائع على الشرائع المختلفة التي للأنبياء يخدشه أن عيسى عليه السلام لا يأمر أمته إلا بالعبادة على شريعة خاصة ( ولم يخص اسما خاصا دون اسم ) آخر ( بل جاء بالاسم اللّه الجامع للكل ) ، أي لكل الأسماء أو لكل العباد والشرائع .
( ثم قال ) عيسى عليه السلام تفصيلا ( له ) ، أي للاسم اللّه ( ربي وربكم ومعلوم أن نسبته ) ، أي نسبة الاسم اللّه ( إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر ) ، لأن لكل موجود خصوصية ليست لسائر الموجودات تطلب أسما خاصا يربيه .
( فلذلك فصل ) بالتشديد ما أجمل في الاسم اللّه ( بقوله : ربي وربكم بالكنايتين : كناية المتكلم وكناية المخاطب ) ، يعني المخاطبين فإن تفصيل المضاف إليه تفصيل المضاف ويجوز أن يكون فصل بالتخفيف ، أي فصل بعض الأسماء عن بعض ثم أعاد رضي اللّه عنه قوله (إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) لبيان ما يتعلق بمقام عبوديته ( فأثبت ) عيسى عليه السلام ( نفسه مأمورا ) ثانيا بعدما نفاه أولا ( وليست ) علة إثبات مأموريته أو ليست نفسه المأمورة من هذه الحيثية ( سوى عبوديته إذ لا يؤمر ) بشيء ( إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل ولما كان الأمر ) .
أي الحال والشأن الذي تتصف به أهل المراتب ( ينزل ) عليهم ويتصفون به ( بحكم المراتب ) ، أي بسبب أن المراتب يحكم به عليهم ويقتضيه ( لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ) ما ، حقا كان أو خلقا ( بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة ) من
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الآمر لها حكم يبدو في كل آمر.
فيقول الحق «أقيموا الصلاة» فهو الآمر والمكلف والمأمور.
ويقول العبد «رب اغفر لي» فهو الآمر والحق المأمور.
فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحق بأمره.
ولهذا كان كل دعاء مجابا ولا بد، وإن تأخر كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك. فلا بد من الاجابة و لو بالقصد. )
 
الأحوال والأحكام ( فمرتبة المأمور ) ، أي المأمور به ( لها حكم يظهر في كل مأمور ) فذلك الحكم هو الانقياد ، وذلك إذا كان المأمور مأمورا بالأمر الإيجادي فقط أو الإيجادي والإيجابي معا .
وأما إذا كان مأمورا بالأمر الإيجابي فقط فليس مأمورا بالحقيقة هذا إذا كان المأمور هو العبد ، وأما مأمورية الحق سبحانه فإنما تتحقق إذا كان دعاء العبد بلسان الاستعداد فقط ، أو به مع القول ، وأما المأمور بلسان القول فقط فليس مأمورا بالحقيقة ( ومرتبة الآمر )، أي الأمر به ( لها حكم يبدو في كل آمر ) وهو الحكم على المأمور وإنفاذه فيه .
( فيقول الحق سبحانه ) قولا إيجاديا أو إيجابيا مع الإيجاد (أَقِيمُوا الصَّلاةَ فهو الآمر ) [ الأنعام : 72 ] .
والمكلف حقيقة ( و ) العبد ( المكلف ) هو ( المأمور ويقول العبد ) بلسان الاستعداد سواء قارنه قول اللسان أم لا ؟ ( رب اغفر لي فهو الآمر والحق المأمور فما يطلب ) ، أي الذي يطلبه ( الحق من العبد بأمره ) وهو الانقياد ( هو بعينه ما يطلبه الحق من العبد بأمره ) ، أي دعائه فإن العبد يقصد بدعائه الإجابة التي هي الانقياد من الحق فمطلوب كل من الحق والعبد بأمره هو الانقياد .
( ولهذا ) ، أي لكون كل مرتبة من المأمور والآمر لها حكم يظهر في أصحابها أو يكون طلوب كل واحد من الحق والخلق هو الانقياد ( كان كل دعاء ) حقيقي ( مجابا ) بل كل أمر حقيقي مطاعا ( ولا بد ) من حصول الإجابة ( وإن تأخر ) لفقدان شرط أو وجود مانع.

( كما يتأخر ) ويتقاعد ( بعض المكلفين عن الإجابة ) والطاعة ( ممن أقيم ) في مقام التكليف ( مخاطبا بإقامة الصلاة ) مثلا ( فلا يصلي في وقت ) أمر بإقامتها فيه ( فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك ) الامتثال بأن يكون الأمر الإيجادي واقعا ( فلا بد من الإجابة ) في الوقت المأمور فيه ( ولو كان ) تأخير الامتثال ( بالقصد ) والعمد فكيف إذا كان بالغفلة والنسيان .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الجزء الرابع .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالإثنين ديسمبر 16, 2019 11:04 am

15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الجزء الرابع .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص العيسوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الرابع
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم قال «وكنت عليهم» ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربي وربكم. «شهيدا ما دمت فيهم» لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم.
«فلما توفيتني»: أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم «كنت أنت الرقيب عليهم» في غير مادتي، بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة.
فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه.
وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له فأراد أن يفصل بينه و بين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا وأن الحق هو الحق لكونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهيد و في الحق بأنه رقيب، وقدمهم في حق نفسه فقال «عليهم شهيدا ما دمت فيهم» إيثارا لهم في التقدم وأدبا، وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «الرقيب عليهم» لما يستحقه)
 
( ثم قال : "وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ " ولم يقل على نفسي معهم كما قال : ربي وربكم "شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ" لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم ) لا على أنفسهم مع الأمم ( فلما توفيتني ) .
ولما كان التوفي ظاهرا في الإماتة وعيسى عليه السلام لم يمت بل رفعه اللّه إلى السماء فسره رضي اللّه عنه بقوله : ( أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم ) ، فلما لم أبق متمكنا من الشهادة عليهم (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) [ المائدة : 117 ] باعتبار مقام الفرق ( في غير مادتي بل في موادهم ) وأما باعتبار مقام الجمع ففي غير مادة ( إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه ) في مقام الفرق .
 
( و ) إنما ( جعله ) أي جعل عيسى الحق مذكورا ( بالاسم الرقيب ) ولم يذكره مثل نفسه بالشهيد ( لأنه ) عليه السلام ( جعل الشهود له ) ، أي لنفسه ( فأراد أن يفصل بينه وبين ربه ) فيما يعبر به عنهما ( حتى يعلم أنه هو ) ، أي عيسى هو عيسى لا الحق بوجه ( لكونه عبدا ) أو وجه العبودية التي هي جهة التعين والتقيد غير وجه الربوبية والحقية ( وأن الحق هو الحق ) ، لا عيسى ( لكونه ربا له ) وجهة الربوبية التي هي جهة الإطلاق غير جهة العبدية ( فجاء عيسى لنفسه بأنه شهيد ) وإنما خصه بالشهيد لما سبق من أن الأنبياء شهداء على أممهم ( وجاء في الحق بأنه رقيب ) فرقا بينه وبين الحق .
 
( وقدمهم في حق نفسه فقال :عَلَيْهِمْ شَهِيداً) لا شهيد عليهم (ما دُمْتُ فِيهِمْ إيثارا لهم ) على نفسه ( في التقدم ) كما يقتضيه مقام تواضع الكمل ، وإشارة أيضا إلى اختصاص شهادته لهم دون سائر الأمم ( وأدبا ) ، أي قدمهم على نفسه لمراعاة الأدب بين يدي الحق إذ الكلام معه أو لمراعاة الأدب معهم لأنهم مظاهره ( وآخرهم في جانب الحق عن الحق
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الرب من التقديم بالرتبة.
ثم أعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله عليهم شهيدا. فقال «وأنت على كل شي ء شهيد».
فجاء «بكل» للعموم و«بشيء» لكونه أنكر النكرات.
وجاء بالاسم الشهيد، فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود. فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم».
فهي شهادة الحق في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره.
ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية: أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه، وأما كونها محمدية فلموقعها من محمد صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي وقعت منه، فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى مطلع الفجر.
«إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم». )
 
في قوله الرقيب عليهم بما يستحقه الرب من التقدم بالرتبة ) ولعدم اختصاص رقابته ( ثم اعلم ) عيسى عليه السلام على صيغة الماضي من الإعلام ( أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه و ) ذلك الاسم ( هو ) الاسم ( الشهيد في قوله "عَلَيْهِمْ شَهِيداً" فقال ) عيسى عليه السلام (وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ فجاء بـ « كل » للعموم وبـ « شيء » لأنه أنكر النكرات ) وأشملها .
( وجاء بالاسم الشهيد فهو سبحانه الشهيد ) لا غيره ( على كل مشهود بحسب ما يقتضيه حقيقة ذلك المشهود ) وإنما دلت هذه العبارة على انحصار الشهيد فيه سبحانه مع أنها ليس فيها من أدوات الحصر شيء لا انضمام مقدمة معلومة معها ، وهي أن كل صفة تظهر في المظاهر إذا كانت صالحة ، لأن تكون للظاهر فهي للظاهر تقيدت وتخصصت بحسب المظاهر .
فإذا دلت هذه العبارة على إثبات الشهادة له سبحانه وانضمت إلى تلك المقدمة المعلومة فأدت الحصر .
ولهذا ترتب عليه قوله : ( فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال :وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فهي شهادة الحق تعالى ولكن في مادة عيسوية كما يثبت أنه لسانه وسمعه وبصره .
ثم قال ) عليه السلام ( كلمة عيسوية ومحمدية أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى عليه السلام إخبارا من اللّه تعالى في كتابه وأما كونها محمدية فلوقوعها ) .
وفي بعض النسخ فلموقعها لوقوعها ( من محمد صلى اللّه عليه وسلم بالمكان الذي وقعت منه فقام بها ليلة كاملة ) يقرأها و ( يرددها ولم يعدل إلى غيرها حتى طلع الفجر ) . وهذه الكلمة العيسوية المحمدية قوله : ("إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " ) [ المائدة : 118 ]
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( و«هم» ضمير الغائب كما أن «هو» ضمير الغائب.
كما قال «هم الذين كفروا» بضمير الغائب، فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر.
فقال «إن تعذبهم» بضمير الغائب وهو عين الحجاب الذي هم فيه عن الحق.
فذكرهم الله قبل حضورهم حتى إذا حضروا تكون الخميرة قد تحكمت في العجين فصيرته مثلها.
«فإنهم عبادك» فأفرد الخطاب للتوحيد الذي كانوا عليه.  ولا ذلة أعظم من )
 
وهم ) في قوله :"إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ" ( ضمير الغائب كما أن هو ) في قوله تعالى :" وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ " [ الزخرف : 84 ] وأمثاله ( ضمير الغائب ) فالتعبير في هذه المواضع بكناية الغائب بعينه هو ( كما قال ) في موضع آخر (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوابضمير الغائب ) فإن وصف الغيبة في تلك المواضع كما يلائم التعذيب والمغفرة كذلك وصف الغيبة في هذا الموضع يلائم الحكم عليهم بالكفر فإنه كما أن سبب تعذيبهم ومغفرتهم هو غيبتهم عن ساحة حضور القرب لاحتجابهم بالتعينات الحجابية كذلك سبب الحكم عليهم بالكفر هو غيبتهم عنها ( فكان الغيب ) ، أي الحالة الحاصلة لهم من احتجابهم بالتعينات الحجابية الموجبة لغيبتهم عن ساحة الشهود.
( سترا لهم عما يراد بالشهود الحاضر ) الذي لم يحتجب بتلك التعينات ، وما يراد به هو ما يقتضيه الشهود والحضور من القرب والسعادة الدنيوية ، ثم بين المناسبة بين التعذيب وضمير الغائب ( فقال :إِنْ تُعَذِّبْهُمْ بضمير الغائب وهو ) ، أي ذلك العذاب هو ( عين الحجاب الذي هم فيه ) محتجبون ( عن الحق ) ، فإن الاحتجاب عنه تعالى حجاب والعذاب الأخروي يكون صورة ذلك الاحتجاب ( فذكرهم اللّه ) ، أي جعلهم عيسى عليه السلام مذكورين للّه حاضرين عنده بالوجود الذكري اللفظي .
( قبل حضورهم ) العيني بارتفاع حجتهم ( حتى إذا حضروا ) ، أي أشرفوا على الحضور ( تكون الخميرة ) وهي على الحضور الذكري ( قد تحكمت في العجين ) ، أي عجين استعدادهم ( فصيرته مثلها ) يعني صير الحضور الذكري استعداداتهم عين الحضور العيني الذي هو مثل الحضور الذكري ، وذلك إنما هو على سبيل المبالغة وإلا لم يصر استعداد عين الحضور كما لا يخفى .
ثم إنه رضي اللّه عنه لما بين النكتة في إيراد ضمير الغائب أراد أن يبين النكات المتعلقة فإفراد ضمير الخطاب وذكر العباد فلهذا أعاد قوله : (فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) ثم شرع في بيان نكاته وقال : ( فأفرد الخطاب ) بالكاف ( للتوحيد الذي كانوا عليه ) بحسب أصل الفطرة أو بسبب أن الظاهر بصورة كل معبود إنما هو الحق تعالى كما قال تعالى : " وَقُضِيَ  
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ذلة العبيد لأنهم لا تصرف لهم في أنفسهم.
فهم بحكم ما يريده بهم سيدهم ولا شريك له فيهم فإنه قال «عبادك» فأفرد.
والمراد بالعذاب إذلالهم ولا أذل منهم لكونهم عبادا.
فذواتهم تقتضي أنهم أذلاء، فلا تذلهم فإنك لا تذلهم بأدون مما هم فيه من كونهم عبيدا.
«وإن تغفر لهم» أي تسترهم عن إيقاع العذاب الذي يستحقونه بمخالفتهم أي تجعل لهم غفرا يسترهم عن ذلك ويمنعهم منه. «فإنك أنت العزيز» أي المنيع الحمى.
وهذا الاسم إذا أعطاه الحق لمن أعطاه من عباده تسمى الحق بالمعز، والمعطى له هذا الاسم بالعزيز.  فيكون منيع الحمى عما يريد به المنتقم والمعذب من الانتقام والعذاب.
وجاء بالفصل والعماد أيضا تأكيدا للبيان ولتكون الآية على مساق واحد في قوله «إنك أنت علام الغيوب» وقوله «كنت أنت الرقيب عليهم». )
 
رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ " [ الإسراء : 23 ] ( ولا ذلة أعظم من ذلة العبيد لأنهم لا تصرف لهم في أنفسهم ) وعدم تصرفهم في أنفسهم فيما عدا وجوداتهم العينية ظاهرا ، وأما فيها فبناء على أن المتصرف فيهم في الكل هو الحق سبحانه وما يتوهم منه التصرف فهو من مظاهره التي يظهر منها تصرفه ( فهم يحكم ما يريده بهم سيدهم ) من التصرفات ( ولا شريك له فيهم فإنه قال " عبادك " فأفرد ) كاف الخطاب الذي أضاف العباد إليه وذلك يدل على عدم الشركة فيهم ( والمراد بالعذاب إذلالهم ولا أذل منهم لكونهم عبادا ) وقد علمت أنه لا ذلة أعظم من ذلة العبيد ( فذواتهم تقتضي أنهم أذلاء فلا تذلهم فإنك ) على تقدير الإذلال ( لا تذلهم بأدون مما هم فيه من كونهم عبيدا أو أن تغفر لهم ، أي تسترهم على إيقاع العذاب الذي يستحقونه بمخالفتهم ، أي تجعل لهم غفرا ) بمعنى الغافر كالعدل بمعنى العادل ، أي ساترا ( يسترهم عن ذلك ) الإيقاع ( ويمنعهم منه فإنك أنت العزيز ، أي المنيع الحمى ) ، أي حماه ممنوع عن أن يتصرف فيه غيره .
( وهذا الاسم إذا أعطاه الحق لمن أعطاه من عباده ) ، بأن يتجلى عليه ويظهر فيه به ( يسمى الحق بالمعز و ) العبد ( المعطى له هذا الاسم بالعزيز ) لكونه مظهرا له ( فيكون ) ذلك العبد المطعى له أيضا ( منيع الحمي عما يريد به المنتقم والمعذب من الانتقام والعذاب ، وجاء بالفصل والعماد ) فيكون الآية كما جاء به فيما سبق ( تأكيدا للبيان ولتكون الآية ) الواردة في شأن عيسى عليه السلام ( على واحد في قوله :" إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فجاء أيضا «فإنك أنت العزيز الحكيم».
فكان سؤالا من النبي عليه السلام وإلحاحا منه على ربه في المسألة ليلته الكاملة إلى طلوع الفجر يرددها طلبا للإجابة.
فلو سمع الإجابة في أول سؤال ما كرر.
فكان الحق يعرض عليه فصول ما استوجبوا به العذاب عرضا مفصلا فيقول له في عرض عرض وعين عين «إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم».
فلو رأى في ذلك العرض ما يوجب تقديم الحق وإيثار جنابه لدعا عليهم لا لهم.
فما عرض عليه إلا ما استحقوا به ما تعطيه هذه الآية من التسليم لله والتعريض لعفوه.)
 
الْغُيُوبِ " وقوله : " كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ" فجاء أيضا " إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ") على مساقهما ( فكان ) ترديد النبي صلى اللّه عليه وسلم الآية ليلته الكاملة ( سؤالا من النبي صلى اللّه عليه وسلم وإلحاحا منه على ربه في المسألة ليلته الكاملة إلى طلوع الفجر ) كان ( يرددها طلبا للإجابة فلو سمع الإجابة في أول سؤاله ما كرر . فكان الحق يعرض عليه فصول ما استوجبوا به العذاب ) من الذنوب والمعاصي .
( عرضا مفصلا ) إما بتفصيل كل ذنب ذنب ، أو بتفصيل كل عين من أعيان المذنبين ( فيقول ) النبي صلى اللّه عليه وسلم ( له ) ، أي للحق تعالى .
 
( في كل عرض وعين عين " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" [ المائدة : 118 ] ، فلو رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم في ذلك العرض ما يوجب تقديم الحق وإيثار جنابه ) من إرادته القهر عليهم والانتقام منهم فإن إرادة القهر والانتقام فيما يوجب إيثار جناب الحق إذ لاحظ للعبد فيها ، بخلاف اللطف والرحمة فإن للعبد فيهما حظا فليسا إذا طلبا خالصين للّه تعالى وإن أمكن أن يلاحظ فيهما جانبه تعالى أيضا إذا وافقا إرادته .
 
"فلو رأى في ذلك العرض ما يوجب تقديم الحق وإيثار جنابه لدعا عليهم لا لهم". ( لدعا عليهم ) بما لا يلائمهم ( لا لهم ) بما يلائمهم فإن الأنبياء واقفون مع إرادة الحق ولا يستشفعون إلا بإذنه ( فما عرض ) الحق سبحانه ( عليه ) ، أي على النبي صلى اللّه عليه وسلم حين كان يعرض عليه فصول ما استوجبوا به العذاب ( إلا ما استحقوا به ما تعطيه هذه الآية من التسليم ) للّه لاشتمالها على قوله :" وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " .
 
فقوله : ما تعطيه مفعول للاستحقاق فإن قلت المعروض عليه صلى اللّه عليه وسلم إنما هو ذنوب العباد وهي ما استوجبوا به العذاب كما صرح به أولا فلم حكم عليها ههنا بأنهم استحقوا بها التسليم للّه ( والتعريض لعفوه ) ، فإن ذلك ينافي استحقاقهم بها العذاب .
قلت : إيجاب الذنوب العذاب إنما هو لذواتها ويمكن أن تلحقها أمور تخرجها عنه كالتوبة والندامة أو تسبقها كالعناية من جانب الحق سبحانه فما عرض عليه إلا ذنوبهم التي استوجبوا بها النظر إلى ذواتها العذاب ، ولكن وقع ذلك العرض على وجه ينبئ
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقد ورد أن الحق إذا أحب صوت عبده في دعائه إياه أخر الاجابة عنه حتى يتكرر ذلك منه حبا فيه لا إعراضا عنه، ولذلك جاء بالاسم الحكيم، والحكيم هو الذي يضع الأشياء مواضعها ولا يعدل بها عما تقتضيه وتطلبه حقائقها بصفاتها.
فالحكيم العليم بالترتيب.
فكان صلى الله عليه وسلم بترداد هذه الآية على علم عظيم من الله تعالى.
فمن تلا فهكذا يتلو، وإلا فالسكوت أولى به.
وإذا وفق الله عبدا إلى النطق بأمر ما فما وفقه الله إليه إلا وقد أراد إجابته فيه وقضاء حاجته، فلا يستبطئ أحد ما يتضمنه ما وفق له، وليثابر مثابرة رسول الله صلى الله عليه وسلم )
 
على استحقاقهم لما تعطيه الآية من التسليم للّه والتعريض لعفوه .
ثم إنه رضي اللّه عنه أراد أن يبين أن تأخير الإجابة بواسطة عرض الفصول إنما هو من مقتضيات عنايته لا الإعراض عنه فقال :
( وقد ورد ) في الأحاديث ( أن الحق سبحانه إذا أحب صوت عبده في دعائه إياه أخر الإجابة حتى يتكرر ذلك الدعاء منه حبا فيه لا إعراضا عنه ) ، فيكون تأخير الإجابة عنه حتى يتكرر الدعاء مما تقتضيه حكمته تعالى ( ولذلك ) ، أي لأجل تأخير الإجابة ليترتب عليه تكرار الدعاء مما تقتضيه الحكمة ( جاء ) الحق سبحانه في هذا الكلام ( بالاسم الحكيم ) حيث أجراه أولا على لسان عيسى كذلك ليترتب عليه إجراؤه على لسان محمد صلى اللّه عليه وسلم كذلك ويكون حين يجري على لسانه مبنيا على تلك الحكمة.
 
( والحكيم هو الذي يضع الأشياء في مواضعها ولا يعدل بها ) الباء للتعدية أي لا يعدل بها ( عما تقتضيه ) من تلك المواضع ( وتطلبه حقائقها ) ، أي حقائق الأشياء حال كونها ملتبسة ( بصفاتها ) أو مع صفاتها فإنه للصفات أيضا مدخل في اقتضاء خصوصيات المواضع فوضع تأخير إجابة دعائه صلى اللّه عليه وسلم في موضع يكون تكرار الدعاء فيه مطلوبا من جملة الحكمة ( فالحكيم ) ( هو العليم بالترتيب ) ، أي بوضع كل شيء في مرتبته وموضعه ولكن يشترط أن يعمل بمقتضى علمه ويضع كل شيء في موضعه.
( فكان ) النبي ( صلى اللّه عليه وسلم بترداده هذه الآية على علم عظيم من اللّه تعالى ) كعلمه بتفاصيل ما عرض عليه الحق سبحانه من أحوال أمته وكعلمه بحكمة تأخير إجابة دعائه بل بوضعه كل شيء في مرتبته ( فمن تلا هذه ) الآية ( فهكذا يتلو وإلا ) ، أي وإن لم يتلها كذلك ( فالسكوت ) عنها ( أولى به ) من تلاوتها .
( فإذا وفق اللّه سبحانه عبدا ) متحققا بمقام العبودية بحيث لم يبق له شائبة ربوبية ( إلى النطق بأمر ما ) وطلب له الدعاء أو تمنيا أو ترجيا (فما فقه إليه إلا وقد أراد إجابته فيه وقضاء حاجته ) ، لأن ذلك النطق والطلب ليس منه لأنه لا تنبعث منه إرادة تسمى أصلا لتحققه العبودية ، وكل إرادة تظهر فيه فإنما هي من الحق سبحانه فلا يتخلف عنها المراد ( فلا يستبطىء ) على صيغة النهي ( أحد ) من العبيد المتحققين بالعبودية ( ما يتضمن )
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (هذه الآية في جميع أحواله حتى يسمع بأذنه أو بسمعه كيف شئت أو كيف أسمعك الله الاجابة.  فإن جازاك بسؤال اللسان أسمعك بأذنك، وإن جازاك بالمعنى أسمعك بسمعك.)
 
من الحاجات ( ما وفق له ) من النطق بأمر ما ( وليثابر مثابرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على هذه الآية في جميع أحواله ) فكلمة على متعلقة بمثابرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكلمة بقوله : وليثابر ( حتى يسمع ) ذلك الآخذ بالمثابرة ( بأذنه ) الجسماني ويكون المسموع من مقولة الصوت والحرف الحسي ( أو ) يسمع ( بسمعه ) الروحاني ويكون المسموع أمرا روحانيا ( كيف شئت أو كيف أسمعك اللّه الإجابة ) يعني سماع الإجابة بأمره بالإذن وتارة بالسمع ، إما مستند إلى مشيئتك بأن سبب السماع بالأذن أو السمع فأسمعك اللّه كما شئت ، وإما مستندا إلى إسماع اللّه ومشيئته سواء كان لك مشيئة ولم يسمعك كما شئت أو لم يكن له مشيئة أصلا .
( فإن جازاك بسؤال اللسان ) الذي هو من مقولة الحرف والصوت الصادر من اللسان الجسماني ( أسمعك ) اللّه الإجابة ( بأذنك ) الجسماني ليوافق الجزاء العمل ( وإن جازاك بالمعنى ) ، أي بمعنى ذلك السؤال وروحه ( أسمعك بسمعك ) الروحاني لتلك الموافقة ولا يخفى أن الظاهر أن يقال : كيف شاء أو كيف أسمعه اللّه ، فتغيير الأسلوب إما بالتفاوت من الغيبة إلى الخطاب أو بتقدير القول .
أي يسمع بأذنه مقولا معه كيف شئت الإجابة بسؤال اللسان لفظا أو بمعناه ، كيف شئت أسمعك اللّه الإجابة لا بد أن يكون مجازا به لك ، وإجابته إياك بما يناسب حالك .

فإن جازاك بسؤالك باللسان أسمعك بأذنك ، وإن جازاك بالمعنى أسمعك بسمعك .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالإثنين ديسمبر 30, 2019 7:22 pm

16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص السليماني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الأول
الفصّ السليماني
16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إِنَّهُ يعني الكتاب مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ أي مضمونه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ النمل:30 ]. فأخذ بعض النّاس في تقديم اسم سليمان على اسم اللّه ولم يكن كذلك .
وتكلّموا في ذلك بما لا ينبغي ممّا لا يليق بمعرفة سليمان بربّه . وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه :إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ[ النمل : 29 ] . أي مكرّم عليها وإنّما حملهم )
فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
إنما وصف الحكمة بالرحمانية لأن من جملتها بيان أسرار الرحمة الامتنانية الرحمانية والرحمة الوجوبية الرحيمية الداخلة فيها .
وخص الحكمة الرحمانية بالكلمة السليمانية لعموم حكمها ، فإن الكلمة السليمانية علوم سلطنة بالنسبة إلى الإنس والجن والوحش والطير .
كما أن الرحمن حكمه شامل للموجودات كلها ( إنه ) يعني الكتاب ( من سليمان ) فهذا بيان للمرسل ( وإنه ) ، أي مضمونه : ( بسم اللّه الرحمن الرحيم ) وهذا بيان لمضمون الكتاب ، فالكتاب مصدر باسم اللّه لا باسم سليمان كما توهمه بعض أهل الظاهر وإليه أشار بقوله :
( فأخذ بعض الناس في ) بيان جهة ( تقديم اسم سليمان على اسم اللّه ولم يكن ) الأمر ( كذلك ) ، أي لم يكن اسم سليمان مذكورا في الكتاب مقدما على اسم اللّه .
ولكنهم توهموا التقديم ( وتكلموا في ) بيان ( ذلك ) التقديم ( بما لا ينبغي ) فقالوا :
إنما قدم اسمه على اسم اللّه وقاية له من أن يقع الخرق عليه ، فإن اسمه لكمال مهابته في قلوب الناس كان مانعا عن الخرق ، وعلى تقدير أن يقع الخرق يقع على اسمه لا على اسم اللّه تعالى ( وهذا مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه ) وبوجوب تقدمه في الذكر لتقدمه في الوجود ( وكيف يليق ما قالوه ) في وجه تقديم اسم سليمان على اسم اللّه مع توهم الخرق ( وبلقيس تقول فيه ) ، أي في شأن ذلك الكتاب (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌأي مكرم عليها ) [ النمل : 29 ] ، فكيف يتوهم منها خرقه وسليمان أيضا كان عارفا بذلك فإنه لا بد لكل نبي راع أن يكون عارفا بمقادير استعدادات المدعوين .
والمراد أن بلقيس مع كمال فطانتها تقول في شأن كتابه :إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ، أي يكرم عليها ومتى لم يكرم عليها إذا كان مفتتحا بسوء أدب .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (على ذلك ربّما تمزيق كسرى كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؛ وما مزّقه حتّى قرأه كلّه وعرف مضمونه . فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفّق لما وفّقت له فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السّلام على اسم اللّه تعالى ولا تأخيره .
فأتى سليمان بالرّحمتين : رحمة الامتنان ورحمة الوجوب اللّتان هما الرّحمن الرّحيم . فامتنّ بالرّحمن وأوجب بالرّحيم . وهذا الوجوب من الامتنان . فدخل الرّحيم في الرّحمن دخول تضمّن. فإنّه كتب على نفسه الرّحمة سبحانه ليكون ذلك للعبد بما ذكره الحقّ من)
 
إلى منشأ خطابهم فقال : ( وإنما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه ) فتمزيقه إنما كان لعدم كونه موفقا للقبول لفقدان المناسبة لا بمجرد أنه رأى اسمه صلى اللّه عليه وسلم مقدما على اسمه فإنه كان صدر كتابه من محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى كسرى ، ( فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وفقت له ) من إكرام الكتاب وقبوله لاستعداداتي ( فلم تكن تحمي الكتاب عن الحرق لحرمة صاحبه ) ، أي بسبب حرمة صاحبه ( تقديم اسمه ) ، أي اسم صاحبه ( عليه السلام على اسم اللّه ولا تأخيره ) عنه وذكر التأخير للمبالغة .


ولما بين رضي اللّه عنه أن قوله : « أنه من سليمان » ليس من جملة كتاب سليمان بل كان مفتتح كتابه البسملة لا غير ، شرع فيما يتعلق بالبسملة من النكات فقال : ( فأتى سليمان ) في البسملة ( بالرحمتين ) وهما : ( رحمة الامتنان ) وهي الرحمة الصادرة من محض الوهب الإلهي لا في مقابلة استعداد كلي أو جزئي ( ورحمة الوجوب ) وهي التي أوجبها الحق سبحانه على نفسه في مقابلة أحد الاستعدادين ، ثم وصف الرحمتين بما يدل على أن كلا منهما من أي اسم يفهم من الاسمين المذكورين في البسملة فقال :
( اللتان هما الرحمن الرحيم ) ، أي الرحمتان المذكورتان اللتان يقتضيهما الاسم الرحمن والاسم الرحيم ( فامتن بالرحمن ) لا في مقابلة أمر بل بمحض الموهبة فتجلى بصور الاستعدادات فالرحمة الامتناهية هي الفيض الأقدس ( وأوجب بالرحيم ) ما يقتضيه الاستعدادات الحاصلة بالرحمة الرحمانية ( وهذا الوجوب ) أيضا ( من ) مقتضيات ( الامتنان ) إذ ليس ثمة من يوجب عليه سبحانه أمرا مّا .
بل هو أوجب على نفسه كما قال :
كتب على نفسه الرحمة وحيث كان ذلك الإيجاب من محض المنة من غير وجود مقتض كانت الرحمة المرتبة عليه راجعة إلى الامتنان كما أشار إليه بقوله : ( فدخل الرحيم في الرحمن دخول تضمن ) بحيث يندرج فيه فكلما اقتضاه الاسم الرحيم يكون بعضا من مقتضيات الاسم الرحمن وهذا المعنى هو المراد بالدخول الضمني وإنما قلنا : هذا الوجوب من الامتنان ( فإنه كتب على نفسه الرحمة ) لا غيره ( سبحانه ) عن أن يكتب عليه
 
 قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الأعمال الّتي يأتي بها هذا العبد ، حقّا على اللّه أوجبه له على نفسه يستحقّ بها هذه الرّحمة أعني رحمة الوجوب .
ومن كان من العبيد بهذه المثابة فإنّه يعلم من هو العامل منه . والعمل منقسم على ثمانية أعضاء من الإنسان .
وقد أخبر الحقّ أنّه تعالى هويّة كلّ عضو منها ، فلم يكن العامل غير الحقّ ، والصّورة للعبد ، والهويّة مندرجة فيه ، أي في اسمه لا غير .
لأنّه تعالى عين ما ظهر وسمّي خلقا وبه كان الاسم الظّاهر والآخر للعبد ؛ وبكونه لم يكن ثمّ كان .  وبتوقّف ظهوره عليه وصدور العمل منه كان الاسم الباطن والأوّل .)
 
غيره وإنما كتب ( ليكون ذلك ) المكتوب رحمة الوجوب ( للعبد ) ، أي بسبب ( بما ذكره الحق ) وعينه ( من الأعمال التي يأتي بها العبد حقا على اللّه أوجبه ) ، أي ذلك المكتوب أو ذلك الحق ( له ) ، أي للعبد ( على نفسه فيستحق ) العبد ( بها ) ، أي بتلك الأعمال .
( هذه الرحمة أعني رحمة الوجوب ومن كان من العبيد بهذه المثابة ) ، أي بمثابة أن يأتي بالأعمال التي كتب الحق على نفسه الرحمة في مقابلتها ( فإنه يعلم ) بأدنى التفات ( من هو العامل منه ) من الأعضاء فإن أعضاءه بعضها عاملة وبعضها غير عاملة وإنما قال : من العامل مع أن الظاهر ما العامل منه ، لأنه لما أسند العمل إليه فكأنه من ذوي العلم أو لأنها هوية الحق كما سيجيء ( والعمل مقسم على ثمانية أعضاء من الإنسان ) غالبا وهي اليدان والرجلان والسمع والبصر واللسان والجبهة .


( وقد أخبر الحق سبحانه ) في حديث قرب النوافل ( أنه هوية كل عضو منها فلم يكن العامل غير الحق والصورة ) ، التي يظهر منها العمل ( للعبد والهوية مندرجة فيه ) ، أي في العبد اندراج المطلق في المقيد ، لا أنه راج الحال في المحل ليلزم الحلول تعالى عن ذلك ولهذا فسره بقوله : ( أي في اسمه الحق ) ، فإن العبد المقيد اسم من أسماء الحق المطلق ( لا غير ) وإنما قلنا : الهوية مدرجة فيه ، ( لأنه تعالى عين ما ظهر ) فإن ما ظهر ليس إلا هويته المتعينة بالتعينات التي تقتضي الظهور وقوله : ( وسمي خلقا ) عطف على ما ظهر أي ما ظهر وسمي خلقا باعتبار هذا الظهور ( وبه ) ، أي بهذا الظهور المتأخر عن البطون .
(كان الاسم الظاهر والآخر للعبد وبكونه لم يكن ثم كان . وبتوقف ظهوره عليه وصدور العمل منه كان الاسم الباطن والأول ) لأنه مما يتوقف عليه ظهور الحق وصدور عمله ، ولا شك أن للموقوف عليه تقدما وأدلية بالنسبة إلى الموقوف ، فقوله : ( كان )
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإذا رأيت الخلق رأيت الأوّل والآخر والظّاهر والباطن .
وهذه معرفة لا يغيب عنها سليمان عليه السّلام ، بل هي من الملك الّذي لا ينبغي لأحد من بعده ، يعني الظّهور به في عالم الشّهادة .
فقد أوتي محمّد صلى اللّه عليه وسلم ما أوتيه سليمان ، وما ظهر به . فمكّنه اللّه تعالى تمكين قهر من العفريت الّذي جاءه باللّيل ليفتك به فهمّ بأخذه وربطه بسارية من سواري المسجد حتّى يصبح فتلعب به ولدان المدينة ، فذكر دعوة سليمان فردّه اللّه خاسئا . فلم يظهر عليه السّلام بما أقدر عليه وظهر بذلك سليمان . ثمّ قوله :مُلْكاً[ النساء : 54 ] فلم يعمّ ، فعلمنا أنّه يريد ملكا ما . ورأيناه قد)
 
( الاسم الباطن ) والأول نشر على ترتيب اللف ( فإذا رأيت الخلق رأيت الأول والآخر والظاهر والباطن ) ، أي رأيت الحق الموصوف بهذه الأسماء ولكن في المرتبة الخلقية الفرقية لا الحقية الجمعية ( وهذه ) المعرفة المتعلقة بالرحمتين الامتنانية والوجوبية وما انجر الكلام إليه في بيانهما ( معرفة لا يغيب عنها سليمان عليه السلام بل هي من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده ) ، فإنه لا ينحصر في الملك الصوري والمعنوي كيف وهو من الأنبياء الكاملين ، فمرتبة كماله تقتضي التحقق بأمثال هذه المعارف ، ولما كان الملك الذي أتاه اللّه سبحانه سليمان ولم يؤته أحدا غيره من بعده ، هو الظهور بعموم التصرف في عالم الشهادة لا التمكن منه ، فإن ذلك مما آتاه اللّه غيره من الكمل نبيا كان أو وليا فسر الملك بقوله : ( يعني الظهور به في عالم الشهادة ) ثم علله بقوله : ( فقد أوتي محمد صلى اللّه عليه وسلم ما أوتيه سليمان ) من الملك والتصرف ( و ) لكنه صلى اللّه عليه وسلم ( ما ظهر به ) كما ظهر سليمان ( فمكنه اللّه تعالى تمكين قهر من العفريت الذي جاءه بالليل ليفتك به فهم بأخذه وربطه بسارية من سواري المسجد حتى يصبح مربوطا بها ، فيلعب به ولدان المدينة فذكر ) رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( دعوة سليمان عليه السلام ) وأمسك حتى أخذه وربطه تأدبا . رواه ابن حبان
"" يشير إلى الحديث: « عن أبي هريرة يقول : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إنّ عفريتا من الجن جعل يأتي البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني اللّه منه فأردت أن آخذه فأربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا فتنظروا إليه كلكم قال ثم ذكرت قول أخي سليمان رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي قال فرده اللّه خاسئا ".أهـ ""


( فرده اللّه ) ، أي العفريت بتركه هذا التأدب ( خاسئا عن الظفر به فلم يظهر نبينا صلى اللّه عليه وسلم بما أقدر عليه ) من التصرف في العفريت ( وظهر بذلك سليمان ثم قوله ملكا ) ، من غير أداة تفيد الشمول والاستغراق ( فلم يعمّ ) كل ملك (فعلمنا أنه يريد ) في دعائه ( ملكا ما ) من الإملاك لا كل
  
قال الشيخ رضي الله عنه :  (شورك في كلّ جزء من الملك الّذي أعطاه اللّه ، فعلمنا أنّه ما اختصّ إلّا بالمجموع من ذلك ، وبحديث العفريت ، أنّه ما اختصّ إلّا بالظّهور ، وقد يختصّ بالمجموع والظّهور .
ولو لم يقل صلى اللّه عليه وسلم في حديث العفريت : « فأمكنني اللّه منه » لقلنا إنّه لمّا هم بأخذه ذكّره اللّه دعوة سليمان ليعلم أنّه لا يقدره اللّه على أخذه . فردّه اللّه خاسئا . فلمّا قال فأمكنني اللّه منه علمنا أنّ اللّه تعالى قد وهبه التّصرّف فيه . ثمّ إنّ اللّه ذكّره فتذكّر دعوة سليمان فتأدّب معه ، فعلمنا من هذا أنّ الّذي لا ينبغي لأحد من الخلق بعد سليمان الظّهور بذلك في العموم .
وليس غرضنا من هذه المسألة إلّا الكلام والتّنبيه على الرّحمتين اللّتين ذكرهما سليمان في الاسمين اللّذين تفسيرهما بلسان العرب الرّحمن الرّحيم .)
 
ملك فإنه لو كان يريد كل ملك لاختص به مجموع الأملاك وكل جزء جزء أيضا ، فإنه كما أن كل جزء جزء من الملك من أفراد الملك كذلك مجموع الأجزاء أيضا من أفراده ، فيلزم أن لا يشاركه أحد في ملك ما ، والأمر ليس كذلك كيف ( وقد رأيناه قد شورك في كل جزء من الملك الذي أعطاه اللّه فعلمنا أنه ) ، أي سليمان عليه السلام ( ما اختص بفرد ) من أفراد الملك ( إلا بالمجموع من أفراد ذلك ) الملك ، أي الانفراد وهو مجموع الأفراد لما عرفت أن مجموع الأفراد أيضا فرد من ذلك الملك ، فما اختص بكل فرد فرد من أجزاء ذلك المجموع ( وعلمنا بحديث العفريت أنه ما اختص إلا بالظهور وقد يختص بالمجموع وبالظهور ) به لا بالتمكن منه  وبالظهور ببعض .
( ولو لم يقل ) نبينا ( صلى اللّه عليه وسلم في حديث العفريت : فأمكنني اللّه منه ) ، أي من العفريت ( فعلمنا أنه لما هم بأخذه ذكره اللّه دعوة سليمان ليعلم أنه لا يقدره اللّه ) من الإقدار ( على أخذه فرده اللّه خاسئا ذليلا فلما قال : فأمكنني اللّه منه علمنا أن اللّه تعالى قد وهبه التصرف فيه ) ، بما شاء من الأخذ والربط وغيرهما .
( ثم إن اللّه ذكره فتذكر دعوة سليمان فتأدب معه ) كمال التأدب حيث لم يظهر بالتصرف في الخصوص فكيف في العموم ( فعلمنا من هذا ) الذي ذكر من تنكير الملك وحديث العفريت ( أن ) الملك ( الذي لا ينبغي لأحد من الخلق بعد سليمان الظهور بذلك في العموم ) لا التمكن منه في العموم ولا الظهور ببعض .
( وليس غرضنا ) المقصود بالإضافة في صدر هذا الفص وإن وقع كلام في البين ( إلا الكلام والتنبيه على الرحمتين اللتين ذكرهما سليمان عليه السلام في الاسمين اللذين تفسيرهما بلسان العرب : الرحمن الرحيم ) ، فإنه عليه السلام لم يكن ممن يتكلم بلسان
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فقيّد رحمة الوجوب وأطلق رحمة الامتنان في قوله :وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [ الأعراف : 156 ] حتّى الأسماء الإلهيّة ، أعني حقائق النّسب .
فأمتنّ عليها بنا . فنحن نتيجة رحمة الامتنان بالأسماء الإلهيّة والنّسب الرّبانيّة .
ثمّ أوجبها على نفسه بظهورنا لنا وأعلمنا أنّه هويّتنا لنعلم أنّه ما أوجبها على نفسه إلّا لنفسه . فما خرجت الرّحمة عنه . فعلى من امتنّ وما ثمّ إلّا هو ؟
إلّا أنّه لا بدّ من حكم لسان التّفضيل لما ظهر من تفاضل الخلق في العلوم ؛ حتّى يقال إنّ هذا أعلم من هذا مع أحديّة العين .
ومعناه معنى نقص تعلّق الإرادة عن تعلّق العلم ، فهذه مفاضلة في الصّفات)
العرب ( فقيد ) الحق سبحانه في كلامه ( رحمة الوجوب ) التي هي إحدى الرحمتين اللتين ذكرهما سليمان بالتقوى والإيمان حيث قال :" فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ " . يتقون
وقال :" بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ "  [ التوبة : 128 ] (وأطلق رحمة الامتنان ) التي هي الأخرى من تينك الرحمتين ( في قوله: " وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ "حتى وسعت الأسماء الإلهية ) [الأعراف:156 ] .


ولما كانت الأسماء عبارة عن الذات مع النسب وكانت سعة الرحمة إياها باعتبار النسب لا باعتبار الذات فسرها بقوله : ( أعني حقائق النسب ) ، يعني أن الأسماء لا تسعها الرحمة الامتنانية إلا باعتبار النسب لا باعتبار محض الذات .
( فامتن عليها بنا ) يعني نوع الإنسان فأوجدنا لتكون مظاهر آثارها ومجالي أنوارها .
( فنحن نتيجة رحمة الامتنان ) المتعلق ( بالأسماء الإلهية والنسب الربانية ) التي هي بعض الأسماء الإلهية فيكون من قبيل ذكر الخاص بعد العام لزيادة الاهتمام فإنها أقرب إلينا وأظهر علينا . ( ثم أوجبها ) ، أي الرحمة ( على نفسه ) .


وهذه الرحمة التي أوجبها هي ظهوره علينا ومعرفتنا فإنه تعالى قيده ( بظهورنا لنا ) ومعرفتنا بأنفسنا في قوله على لسان الكمل من عباده من عرف نفسه فقد عرف ربه .
( وأعلمنا أنه هويتنا ) في مثل قوله :"وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" ( لنعلم أنه ما أوجبها على نفسه إلا لنفسه فما خرجت الرحمة عنه ) إلى غيره بل إلى نفسه .
( فعلى من امتن وما ثمة إلا هو ) وهذا على لسان غلبه الوحدة والإجمال ، ولما كان هناك جهة كثرة وتفضيل أيضا نبه عليه بقوله : ( إلا أنه لا بد من حكم لسان ) الكثرة ( التفضيل ) أيضا ( لما ظهر من تفاضل الخلق في العلوم ) مثلا بحسب تفاوت الاستعدادات ( حتى يقال إن هذا ) الإنسان كزيد مثلا ( أعلم من هذا ) الإنسان الآخر كعمر مثلا ( مع أحدية العين ) الظاهرة فيها.
ولما كان التفاضل مع أحدية العين فيه نوع خفاء أوضحه بتفاضل الصفات الإلهية مع أحدية الذات فقال : ( ومعناه ) ، أي معنى تفاضل الخلق في العلوم مثل ( معنى ) تفاضل صفات الحق في النقص والكمال مثل ( نقص تعلق الإرادة عن تعلق العلم ) ، فإنه ليس كل
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (الإلهيّة ؛ وكمال تعلّق الإرادة وفضلها وزيادتها على تعلّق القدرة . وكذلك السّمع الإلهيّ والبصر وجميع الأسماء الإلهيّة على درجات في تفاضل بعضها على بعض .
كذلك تفاضل ما ظهر في الخلق من أن يقال هذا أعلم من هذا مع أحديّة العين .
وكما أن كلّ اسم إلهيّ إذا قدّمته سمّيته بجميع الأسماء ونعتّه بها ، كذلك فيما ظهر من الخلق فيه أهليّة كلّ ما فوضل به ، فكلّ جزء من العالم مجموع العالم ، أي هو قابل لحقائق متفرّقات العالم كلّه ؛ فلا يقدح قولنا إنّ زيدا دون عمرو في العلم أن)
 
ما يتعلق به العلم تتعلق به الإرادة ، ( فهذه مفاضلة في الصفات الإلهية . وكمال تعلق الإرادة وفضلها وزيادتها على تعلق القدرة ) ، فإن الإرادة قد تتعلق بإبقاء شيء على عدميته الأصلية ولا احتياج فيه إلى القدرة فإن القدرة إنما تتعلق بإيجاد شيء أو إعدامه بعد الوجود لا إبقائه على العدم الأصلي .
فإن قلت : يكفي في تخصيص الممكن بالعدم عدم إرادة الوجود ولا احتياج فيه إلى إرادة العدم فلا تتعلق بعدم الممكن الإرادة أيضا كالقدرة .
قلت : الإرادة عندهم في الجناب الإلهي عبارة عن معنى تخصيص الممكن بأحد الجائزين لا الانبعاث الذي يكون فينا قبلا .
يبعد أن يقال : عدم إرادة الوجود هو إرادة العدم ، فإن عدم تلك الإرادة تخصص الممكن بأحد الجائزين الذي هو عدمه ( وكذلك السمع الإلهي والبصر ) بينهما تفاضل فإن البصر له فضل على السمع لقوة الانكشاف في البصر وعدمها في السمع .
( وكذلك الأسماء الإلهية على درجات ) متفاوتة ( في تفاضل بعضها على بعض ) ولما كان المقصود من بيان التفاضل بين الصفات بيان التفاضل في الخلق ذكره ثانيا كالنتيجة .
فقال ( كذلك ) ، أي مثل تفاضل الصفات ( تفاضل ما ظهر في الخلق ) من الصفات حال كون ذلك التفاضل ظاهرا
( من أن يقال هذا أعلم من هذا مع أحدية العين . فكما أن كل اسم إلهي ) لمكان اشتماله على الذات وصفة ما ( إذا قدمته سميته ) لاشتماله على الذات ( بجميع الأسماء ونعته بها ) من غير تفاوت بين الأسماء المتبوعة والتابعة نفى كل اسم أهلية الاتصاف بكل اسم.
( كذلك الأمر فيما يظهر ) الحق أو الاسم الإلهي فيه ( من الخلق فيه أهلية كل ما فوضل به ) ، أي كل صفة فوضل بها ذلك المظهر بأن يفضل عليه بعض المظاهر الأخر لاشتمال ذلك البعض عليها دون ذلك المظهر ، ولا يخفى عليها دون ذلك المظهر.
ولا يخفى أن هذه الأهلية إنما هي باعتبار اشتمال الكل على الهوية السارية الصالحة لإنشاء الصفات منها وإن كانت تختلف بحسب القوابل لا باعتبار خصوصيات المظاهر ، لكن بالنظر إلى إدراك الكل فإنهم يدركون الصفات الكمالية كالحياة والعلم وغيرهما من جميع الموجودات وإن خفيت من أكثر الناس ( فكل جزء من العالم مجموع العالم ، أي هو قابل لحقائق متفرقات العالم ) ، أي حقائق
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (تكون هويّة الحقّ عين زيد وعمرو ، ويكون في عمرو أكمل وأعلم منه في زيد ، كما تفاضلت الأسماء الإلهيّة وليست غير الحقّ .
فهو تعالى من حيث هو عالم أعمّ في التّعلّق من حيث ما هو مريد وقادر ، وهو هو ليس غيره . فلا تعلمه يا وليّي هنا وتجهله هنا وتثبته هنا وتنفيه هنا .
إلّا أن أثبّته بالوجه الّذي أثبت نفسه ، ونفيته عن كذا بالوجه الّذي نفى نفسه كالآية الجامعة للنّفي والإثبات في حقّه . حين قال :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌفنفىوَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ الشورى : 11 ] فأثبت بصفة تعمّ كلّ سامع بصير من حيوان .
وما ثمّ إلّا حيوان إلّا أنّه بطن في الدّنيا عن إدراك بعض النّاس ، وظهر في الآخرة لكلّ النّاس ، فإنّها الدّار الحيوان ، وكذلك الدّنيا إلّا أنّ حياتها مستورة عن بعض العباد).
 
الصفات المتفرقة في أجزاء العالم ( كله ) فكل جزء منه لكمال اشتماله على الهوية قابل لكل صفة وإن لم تظهر منه لخصوصية تعينه ، أو هو موصوف بما توصف به الأجزاء الأخر . لكن هذا الاتصاف لا يظهر إلا للبعض كما قلنا وإذا كان حال المظاهر الخلقية مع الهوية السارية كحال الأسماء مع الذات .
( فلا يقدح قولنا ) في بيان المفاضلة بين المظاهر ( إن زيدا دون عمرو في العلم في أن يكون هوية الحق عين زيد وعمرو ويكون ) العلم ( في عمرو أكمل منه في زيد ) ، وإذا لم يقدح فيه ، تفاضلت المظاهر وهي ليست غير الهوية السارية .
( كما تفاضلت ) الأسماء الإلهية ( و ) هي ( ليست غير ) ذات ( الحق فهو تعالى من حيث هو عالم أعم في التعلق من حيث ما هو مريد وقادر وهو ) من حيث إحدى هاتين الحيثيتين ( هو ) من حيث الحيثية الأخرى ( ليس غيره فلا تعلمه ) ، أي الحق سبحانه بأحدية عينه ( يا ولي هنا ) ، أي في الأسماء ( وتجهله هنا ) ، أي في المظاهر ( وتنفيه هنا ) ، أي في الظاهر ( وتثبته هنا ) ، أي في الأسماء فلا ينبغي أن يقع منك الإثبات والنفي .
( إلا أن أثبته بالوجه الذي أثبت نفسه ونفيته عن كذا بالوجه الذي نفى نفسه كالآية الجامعة للنفي والإثبات في حقه حين قال :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء ٌفنفى ) نفسه عن أن يكون له مثل فإن المثلية إنما تكون بين غيرين وهو عين كل شيء .
(وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فأثبت ) نفسه متصفة ( بصفة تعم كل سامع بصير من حيوان ) على وجه يفيد انحصار السميع البصير فيه ( وما ثمة ) ، أي في نفس الأمر ( إلا حيوان ) فوجب أن يكون عين كل شيء وإلا لم ينحصر السميع البصير فيه .
( إلا أنه ) ، أي كون كل شيء حيوانا ( بطن في الدنيا عن إدراك بعض الناس ) وهم المحجوبون عن سريان سر الحياة في الكل ( وظهر في الآخرة لكل الناس فإنها ) ، أي الآخرة ( هي الدار الحيوان وكذلك الدنيا ) هي الدار الحيوان بسريان الحياة في الكل ( إلا أن حياتها مستورة عن بعض العباد ) مكشوفة عن بعضهم .
قال علي رضي اللّه عنه : كنا في سفر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما استقبلنا حجر ولا شجر
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ليظهر الاختصاص والمفاضلة بين عباد اللّه بما يدركونه من حقائق العالم .
فمن عمّ إدراكه كان الحقّ فيه أظهر في الحكم ممّن ليس له ذلك العموم .
فلا تحجب بالتّفاضل وتقول لا يصحّ كلام من يقول إنّ الخلق هويّة الحقّ بعدما أريتك التّفاضل في الأسماء الإلهيّة الّتي لا تشكّ أنت أنّها هي الحقّ ومدلولها المسمّى بها وليس إلّا اللّه تعالى .
ثمّ إنّه كيف يقدّم سليمان اسمه على اسم اللّه كما زعموا وهو من جملة من أوجدته الرّحمة .
فلا بدّ أن يتقدّم الرّحمن الرّحيم ليصحّ استناد المرحوم .)
 
إلا سلم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وذلك الستر والكشف إنما يكون ( ليظهر الاختصاص والمفاضلة بين عباد اللّه بما يدركونه من حقائق العالم ) ، أي الحقائق المستورة في العالم كحقيقة العلم والحياة المستورة في الجمادات.
 ( فمن عمّ إدراكه ) كمن أدرك حياة الكل في الدنيا ( كان الحق فيه أظهر في الحكم ) ، الذي هو العلم والإدراك ( ممن ليس له ذلك العموم ) في الإدراك فلمن عم إدراكه فضل عمن ليس له ذلك العموم مع أن الكل عين واحدة .

( فلا تحجب ) نهي على البناء للمفعول يعني شهود وحدة العين ( بالتفاضل ) الواقع بين القوابل ( و ) الحال أنك ( تقول ) حين الحجاب ( لا يصح كلام من يقول إن الخلق ) بحسب الحقيقة ( هوية الحق ) لما مرت وتفاضلت بحسب الظاهر ( بعدما أريتك التفاضل في الأسماء الإلهية التي لا تشك أنت ) في ( أنها ) ، أي تلك الأسماء ( هي الحق ومدلولها المسمى بها وليس إلا اللّه ) .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالإثنين ديسمبر 30, 2019 7:23 pm

16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص السليماني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الثاني
الفصّ السليماني
16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
فإذا لم يكن التفاضل في الأسماء مانعا عن أحدية العين فكذلك التفاضل في المظاهر لم يكن مانعا عنها كيف والمظاهر الخلقية أيضا أسماء جزئية تالية للأسماء الكلية الإلهية .
 
ولما فرغ عما وقع في البين رجع إلى مقصوده فقال : ( ثم إنه كيف يقدم سليمان اسمه ) في مكتوبه إلى بلقيس ( على "اسْمَ اللَّهِ " كما زعموا ) ، أي الظاهريون من أهل التفسير ( وهو ) ، أي والحال أن سليمان ( من جملة ما أوجدته الرحمة ) الرحمانية وخصصته الرحمة الرحيمية بكمالاته متأخر طبعا عن الرحيم الرحمن المتأخرين عن الاسم اللّه .
( فلا بد أن يتقدم الرحمن الرحيم ) ، عليه وضعا ليصح استناده المرحوم إليها على وجه يوافق فيه الوضع الطبع أو فلا بد أن يتقدما في نفس الأمر ويتحققا أولا لعلتهما ( ليصح استناد المرحوم ) المعلول إليهما وإذا كانا متقدمين في نفس الأمر فينبغي أن يقدما في الذكر أيضا .
  
قال الشيخ رضي الله عنه :  (هذا عكس الحقائق : تقديم من يستحقّ التّأخير وتأخير من يستحقّ التّقديم في الموضع الذي يستحقّه .
ومن حكمة بلقيس وعلوّ علمها كونها لم تذكر من ألقى إليها الكتاب ؛ وما عملت ذلك إلّا لتعلم أصحابها أنّ لها اتّصالا إلى أمور لا يعلمون طريقها ، وهذا من التّدبير الإلهيّ في الملك ، لأنّه إذا جهل طريق الإخبار الواصل للملك خاف أهل الدّولة على أنفسهم في تصرّفاتهم ، فلا يتصرّفون إلّا في أمر إذا وصل إلى سلطانهم عنهم يأمنون غائلة ذلك التّصرّف . فلو تعيّن لهم على يدي من تصل الأخبار إلى ملكهم لصانعوه وأعطوا له الرّشا حتّى يفعلوا ما يريدون ولا يصل ذلك إلى ملكهم .
فكان قولها :"أُلْقِيَ إِلَيَّ "[ النمل : 29 ] ولم تسمّ من ألقاه سياسة منها أورثت الحذر منها في أهل مملكتها وخواصّ مدبّريها وبهذا استحقّت التّقدّم عليهم . وأمّا فضل العالم من الصّنف الإنسانيّ على العالم من الجنّ بأسرار التّصريف)
 
(هذا ) ، أي ما زعمه الظاهريون ( عكس الحقائق ) التي ينبغي أن يكون الأمر عليها وما زعموه هو ( تقديم من يستحق التأخير ) يعني اسم سليمان ( وتأخير من يستحق التقديم ) يعني اللّه الرحمن الرحيم ولما كان من يستحق التأخير في حدّ ذاته قد يعرض له في بعض المواضع ما يقتضي تأخيره ولا شك أن هذا التقديم والتأخر عكس الحقائق فذلك قيده بقوله : ( في الموضع الذي يستحقه ) ، أي في الموضع الذي يستحق فيه من يستحق التأخير التأخير لا في الموضع الذي يستحق فيه التقديم وكذا الحال فيمن يستحق التقديم .
( ومن حكمة بلقيس وعلو ) مرتبة ( علمها كونها بحيث لم تذكر اسم من ألقى الكتاب ) ، حيث قالت :" أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ " [ النمل : 29 ] على صيغة المبني للمفعول .
( وما عملت ذلك إلا لتعلم أصحابها ) من الإعلام ( أن لها اتصالا إلى أمور ) من أحوال الملك والحوادث الذي تتجدد فيه ( لا يعلمون طريقها ) الذي منه وصل العلم بها إلى بلقيس .
( وهذا من التدبير الإلهي في الملك لأنه إذا جهل طريق الإخبار الواصل للملك ) ، أي إلى الملك .
 ( خاف أهل الدولة على أنفسهم في تصرفاتهم فلا يتصرفون إلا في أمر إذا وصل إلى سلطانهم عنهم يأمنون غائلة ذلك التصرف فلا تعين لهم ) أنه ( على يدي من تصل الإخبار إلى ملكهم لصانعوه ) ، أي عاملوه ( وأعظموا له الرشا ) جمع رشوة ( حتى يفعلوا ما يريدون ولا يصل ذلك إلى ملكهم فكان قولها :أُلْقِيَ إِلَيَّ) على صيغة البناء للمفعول .
( ولم تسم من ألقاه سياسة منها أورثت الحذر منها في أهل مملكتها وخواص مدبريها ، ولهذا استحقت ) بلقيس ( التقديم عليهم ) بالسلطنة .
( وأما فضل العالم من الصنف الإنساني ) وهو آصف بن برخيا ( على العالم من
 
 قال الشيخ رضي الله عنه :  (وخواصّ الأشياء ، فمعلوم بالقدر الزّمانيّ : فإنّ رجوع الطّرف إلى النّاظر به أسرع من قيام القائم من مجلسه ؛ لأنّ حركة البصر في الإدراك إلى ما يدركه أسرع من حركة الجسم فيما يتحرّك منه ، فإنّ الزّمان الّذي يتحرّك فيه البصر عين الزّمان الّذي يتعلّق بمبصره مع بعد المسافة بين النّاظر والمنظور فإنّ زمان فتح البصر زمان تعلّقه بفلك الكواكب الثّابتة وزمان رجوع طرفه إليه عين زمان عدم إدراكه . والقيام من مقام الإنسان ليس كذلك . أي ليس له هذه السّرعة . فكان آصف بن برخيا أتمّ في العمل من الجنّ ، فكان عين قول آصف بن برخيا عين الفعل في الزّمن الواحد .)
 
الجن ) ، الذي قال :" أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ " [ النمل : 39 ] .
وقوله : ( بأسرار التصريف وخواص الأشياء ) من قبيل التنازع بين العالمين ، أي العالم بأسرار يتمكن من العلم بها إلى التصرف في العالم وبخواص الأشياء التي يتوسل بها إلى ذلك التصرف ( فمعلوم بالقدر الزماني ) فمن كان زمان إتيانه بالعرش أقل فهو أفضل فالعالم الإنساني أفضل .
( فإن رجوع الطرف ) الإتيان في كلامه موقت بارتداد الطرف ورجوعه ( إلى الناظر به ) ، أي بالطرف ( أسرع ) مما وقت الجني الإتيان بالعرش به أعني ( من قيام القائم من مجلسه لأن حركة البصر ) يعني تعلق الإبصار بالمبصر سماه حركة بناء على توهم خروج النور من البصر إلى المبصر فإن جعلت حركة البصر عبارة عن انفتاح الجفنين ورجوعه عن انطباقهما فهي حركة حقيقة لكن كلامه في الأولى أظهر وعلى كل تقدير فحركة المبصر.
( في الإدراك إلى ما يدركه ) من المبصرات ( أسرع من حركة الجسم فيما يتحرك منه ) ، أي في مسافة يتحرك الجسم مبتدئة حركته منها ، أي من قطعها ( فإن الزمان الذي يتحرك فيه البصر ) إلى المبصر ( عين الزمان الذي يتعلق بمبصره ) ، أي أن حركة البصر نحو المبصر عين تعلقه بالمبصر فإنهما آنيان لا زمانيان إلا أن إطلاق الزمان على المعنى الأعم من الآن والزمان شائع فالحركة والمتعلق يقعان في آن واحد .
( مع بعد المسافة بين الناظر والمنظور فإن زمان فتح البصر وحركته ) نحو المبصر إذا أراد الناظر أن ينظر إلى فلك الكواكب الثابتة مثلا ( زمان تعلقه ) بعينه ( بفلك الكواكب الثابتة ) بل آنة آنة ( وزمان رجوع طرفه إليه عين زمان عدم إدراكه ) بل آنة آنة ( والقيام من مقام الإنسان ليس كذلك ، أي ليس له هذه السرعة ) فإنه زمان لا آني .
( فكان ) قول ( آصف بن برخيا ) أتم وأسرع ( في العمل من الجن ) حيث لم يتخلف عنه العمل بخلاف قول العفريت فإنه قد تخلف عنه العمل ( فكان عين قول آصف بن برخيا ) " أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ" [ النمل : 40 ] .
( عين الفعل ) الواقع ( في الزمان الواحد ) يعني الآن وهذا على سبيل المبالغة فإن قوله :
زماني وفعله آني والكون القول عين الفعل قال تعالى بعد قوله :" أَنَا آتِيكَ " من غير


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فرأى في ذلك الزّمان بعينه سليمان عليه السّلام عرش بلقيس مستقرّا عنده لئلا يتخيّل أنّه أدركه وهو في مكانه من غير انتقال .
ولم يكن عندنا باتّحاد الزّمان انتقال ، وإنّما كان إعدام وإيجاد من حيث لا يشعر بذلك إلّا من عرفه ، وهو قوله تعالى :بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ. ولا يمضي عليهم وقت لا يرون فيه ما هم راؤون له .
وإذا كان هذا كما ذكرناه ، فكان زمان عدمه - أعني عدم العرش - من مكانه عين وجوده عند سليمان من تجديد الخلق مع الأنفاس . ولا علم لأحد بهذا القدر بل الإنسان لا يشعر به من نفسه أنّه في كلّ نفس لا يكون ثمّ يكون .
ولا تقل « ثمّ » تقتضي المهلة ، فليس ذلك بصحيح ، وإنّما « ثمّ » تقتضي تقدّم)
 
تعرض لفعل آخر فلما رآه مستقرا ( فرآه في ذلك الزمان بعينه ) ، أي رأى ( سليمان عليه السلام عرش بلقيس مستقرا عنده ) وإنما قال مستقرا عنده ، ولم يقتصر على قوله : "فَلَمَّا رَآهُ " ( لئلا يتخيل ) على صيغة البناء للمفعول ( أنه أدركه وهو في مكانه ) برفع الحجاب بينهما ( من غير انتقال ولم يكن عندنا ) ، أي لم يتحقق عندنا يعني المكاشفين بالخلق الجديد .
 
( باتحاد الزمان ) ، أي بسبب وحدته وكونه آنا ( انتقال ) لأن الانتقال حركة والحركة زمانية ( وإنما كان إعدام إيجاد ) في آن واحد بأن إعدامه في سبأ ووجدانه عند سليمان عليه السلام ( بحيث لا يشعر أحد بذلك إلا من عرفه ) ، أي الخلق الجديد الحاصل في كل آن ( وهو ) .
 
أي عدم شعورهم بذلك ما يدل عليه ( قوله تعالى :"بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ " [ ق : 15 ] ولا يمضي عليهم وقت لا يرون فيه ) ، أي في ذلك الوقت مثل ( ما هم راؤون له ) في وقت قبله فيتوهمون أن المرئي في الوقتين واحد فلا يفهمون الخلق الجديد .


( وإذا كان هذا ) ، أي حصول العرش عند سليمان ( كما ذكرناه ) ، أي بطريق الإعدام والإيجاد ( فكان زمان عدمه أعني عدم العرش من مكانه عين وجوده ) ، أي عين زمان وجوده عند سليمان ( من ) قبيل ( تجديد الخلق مع الأنفاس ) بأن يكون في كل نفس بل في كل آن وجود مجدد شبيه بالوجود السابق على قدر خفي من التفاوت ( ولا علم لأحد بهذا القدر ) من التفاوت فيتوهم أن الوجود المتجدد بعينه هو الوجود الزائل ، فلا يشعر بتجديد الخلق مع الأنفاس ( بل الإنسان لا يشعر به من نفسه أنه في كل نفس لا يكون ) لزوال وجود ( ثم يكون ) لعرض وجود آخر ، لأن زمان الزوال والعروض واحد والوجودان يشبهان من غير تفاوت ( ولا تقل ) لفظة.
( ثم ) في قولك : لا يكونان ثم يكون ( تقتضي المهلة ) أو تخلل الزمان بين العدم والوجود فلا يكونان في زمان واحد ( فليس ذلك ) ، أي
  
قال الشيخ رضي الله عنه:  (الرّتبة العلّيّة عند العرب في مواضع مخصوصة كقول الشّاعر :
كهزّ الرّديني ثمّ اضطرب
وزمان الهزّ عين زمان اضطراب المهزوز بلا شكّ . وقد جاء بثمّ ولا مهلة .
كذلك تجديد الخلق مع الأنفاس : زمان العدم زمان وجود المثل كتجديد الأعراض في دليل الأشاعرة .
فإنّ مسألة حصول عرش بلقيس من أشكل المسائل إلّا من عرف ما ذكرناه آنفا في قصّته .
فلم يكن لآصف من الفضل في ذلك إلّا حصول التّجديد في مجلس سليمان عليه السّلام .
فما قطع العرش مسافة ، ولا زويت له أرض ولا خرقها لمن فهم ما ذكرناه .
وكان ذلك على يدي بعض أصحاب سليمان ليكون أعظم لسليمان في نفوس الحاضرين من بلقيس وأصحابها . وسبب ذلك كون سليمان هبة اللّه تعالى لداود)
 
القول باتحاد الزمان ( بصحيح وإنما ثمّ تقتضي الرتبة العلية ) من العلو ( عند العرب في مواضع مخصوصة كقول الشاعر" كهز الرديني ثم اضطرب " وزمان الهز متقدم على زمان اضطراب المهزوز بلا شك وقد جاء بثم ولا مهلة ) بناء على أن الهز مقدم بالذات على اضطراب المهزوز فجعل هذا التقدم بمنزلة التقدم الزماني .
واستعمل ثم فيه ( كذلك ) ، أي كما أن زمان الهز واضطراب المهزوز كذلك ( تجديد الخلق مع الأنفاس زمان العدم ) فيه ( زمان وجود المثل كتجديد الأعراض في دليل الأشاعرة ) حيث ذهبوا إلى تعاقب الأمثال على محل العرض من غير خلو آن من شخص من العرض مماثل للشخص الأول .
فيظن الناظر أنها شخص واحد مستمر وإنما ذهبنا إلى ما ذهبنا من تجديد الخلق مع الأنفاس ( فإن مسألة حصول عرش بلقيس من أشكل المسائل إلا عند من عرف ما ذكرناه آنفا في قضيته ) من الإيجاد والإعدام ( فلم يكن لآصف من الفضل ) على العالم من الجن بأسرار التصريف .
( في ذلك إلا حصول التجديد في مجلس سليمان عليه السلام فما قطع العرش مسافة ولا زويت ) ، أي طويت ( له أرض ولا خرقها ) ، أي العرش الأرض وذلك ظاهر ( لمن فهم ما ذكرناه ) من الإعدام والإيجاد ( و ) إنما ( كان ذلك ) الفعل العظيم والتصرف القوي ( على يدي بعض أصحاب سليمان ) لا على يديه .
( فيكون أعظم ) ، أي أشد إعظاما ( لسليمان في نفوس الحاضرين من بلقيس وأصحابها وسبب ذلك ) ، أي سبب ظهور سليمان بهذا التصرف الجاري على يدي
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (عليهما السّلام من قوله تعالى :وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ[ ص : 30 ] . والهبة عطاء الواهب بطريق الإنعام لا بطريق الجزاء الوفاق أو الاستحقاق .
فهو النّعمة السّابغة والحجّة البالغة والضّربة الدّامغة .
وأمّا علمه فقوله تعالى :فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ مع نقيض الحكموَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً[ الأنبياء : 79 ] . فكان علم داود علما مؤتى آتاه اللّه ، وعلم سليمان علم اللّه في المسألة إذ كان هو الحاكم بلا واسطة . فكان سليمان ترجمان حقّ في مقعد صدق . كما أنّ المجتهد المصيب لحكم اللّه الّذي يحكم به اللّه في المسألة أو تولّاها بنفسه أو بما يوحى به لرسوله له أجران ، والمخطيء لهذا)
 
بعض أصحابه ( كون سليمان عليه السلام هبة اللّه تعالى لداود ) من قوله تعالى :وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ[ ص : 30 ] ( والهبة عطاء الواهب بطريق الإنعام لا بطريق الجزاء الوفاق أو الاستحقاق ) ، أي الموافق لأعمال الموهوب له قد أستحقه بمحض استعداده له .
وكان المراد أن لا يكون أحد الأمرين ملحوظا للواهب باعثا له على الهبة وإلا فلا بد لها بحسب الواقع من الاستحقاق ( فهو ) ، أي سليمان ( النعمة السابغة ) على داود بل على العالمين أما على داود فلأن الخلافة الظاهرة الإلهية كملت لداود وظهرت أكمليتها في سليمان عليهما السلام وأما على العالمين فلما وصل منه إليهم من آثار اللطف والرحمة ( والحجة البالغة ) من حيث كان يبلغ المستبصرين بالبرهنة إلى مقاصدهم ( والضربة الدامغة ) للمنكرين الجاحدين بالسيف .
( وأما علمه فقوله ) ، أي لما يدل عليه قوله ( ففهمناها سليمان مع نقيض الحكم ) ، أي مع وجود نقيض حكمه من داود عليه السلام في مسألة الزرع وأكل الماشية إياها ( وكلا ) من داود وسليمان ( آتاه اللّه حكما وعلما فكان علم داود علما مؤتى آتاه اللّه ) من حيث اجتهاده فيما أوحي ( وعلم سليمان ) بعينه ( علم اللّه في المسألة ) المختلف فيها ( إذا كان هو ) ، أي اللّه العالم بها في مظهر سليمان ، لأنه فني عن نفسه بتجلي الاسم العليم المفهوم من قوله تعالى :فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ[ الأنبياء : 79 ] .
إذا الظاهر أنه لا يوحى إليه وحيا ظاهرا وإلا فالظاهر أن يقال :" فَأَوْحَيْنا إِلى سليمان" ( و ) كما أنه هو العالم في مظهر سليمان فلذلك هو ( الحاكم بلا واسطة ) فإن الحكم يترتب على العلم ( فكان سليمان ) الذي فهمه اللّه تلك المسألة له فضيلتان :
إحداهما : فضيلة التفهيم في العلم
وأخراهما : كونه ( ترجمان حق في مقعد صدق ) في الحكم ( كما أن المجتهد المصيب لحكم اللّه الذي يحكم به اللّه في المسألة أو تولّاها بنفسه أو بما يوحي به ) اللّه في المسألة لو تولاها نفسه أو بما يوحي به ( لرسوله له أجران ) : أجر الاجتهاد وأجر الإصابة
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الحكم له أجر مع كونه علما وحكما .
فأعطيت هذه الأمّة المحمّديّة رتبة سليمان - عليه السّلام - في الحكم ، ورتبة داود - عليه السّلام - . فما أفضلها من أمّة .
ولمّا رأت بلقيس عرشها مع علمها ببعد المسافة واستحالة انتقاله في تلك المدّة عندها قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ[ النمل : 42 ] وصدقت بما ذكرناه من تجديد الخلق بالأمثال ، وهو هو ، وصدق الأمر ، كما أنّك في زمان التّجديد عين ما أنت في الزّمن الماضي .
ثمّ إنّه كمال علم سليمان التّنبيه الّذي ذكره في الصّرح .قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَوكان صرحا أملس لا أمت فيه من زجاج . فلمّا رأته حسبته لجّة أي ماءوَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها[ النمل : 44 ] . حتّى لا يصيب الماء ثوبها . فنبّهها بذلك على أن عرشها الّذي رأته من هذا القبيل وهذا غاية الإنصاف . فإنّه أعلمها بذلك إصابتها في قولها :"كَأَنَّهُ هُوَ"[ النمل: 42 ] .)
 
(و ) المجتهد ( المخطىء لهذا الحكم له أجر ) واحد هو أجر الاجتهاد ( مع كونه ) ، أي كون ما أدى إليه اجتهاد المخطىء ( علما ) في الشرع ، أي أعطاه الشرع حكم العلم وهو وجوب العمل بموجبه ( وحكما ) يجب العمل به ما لم يظهر خطؤه ( فأعطيت هذه الأمة المحمدية رتبة سليمان ) بالإصابة ( في الحكم ورتبة داود عليهما السلام ) بالاجتهاد ( فما أفضلها مرتبة ) .
ثم أنه رضي اللّه عنه أشار بوجه آخر إلى كمال علم سليمان عليه السلام في قصة بلقيس .
فقال : ( ولما رأت بلقيس عرشها مع علمها ببعد المسافة واستحالة انتقاله في تلك المدة عندها قالت :كَأَنَّهُ هُوَ) حاكمة بالمشابهة والمغايرة ( وصدقت لما ذكرناه من تجديد الأمثال وهو هو ) في نفس الأمر ( وصدق الأمر ) في حكمه بالاتحاد ( كما أنك في زمان التجديد عين ما أنت في الزمان الماضي .
ثم إنه من كمال علم سليمان التنبيه الذي ذكره في الصرح فقيل لها :ادْخُلِي الصَّرْحَوكان صرحا أملس لا أمت ) ، أي لا عوج ولا بثق. " "
 ( فيه من زجاجفَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةًأي ماء ، فكشفت عن ساقيها حتى لا يصيب الماء ثوبها فنبهها بذلك على أن عرشها الذي رأته من هذا القبيل . وهذا غاية الإنصاف فإنه أعلمها بذلك ) ، أي بكون الصرح مماثلا للماء ( إصابتها في قولها "كَأَنَّهُ هُوَ") ، فإنه كما كان الصرح مماثلا للماء
  
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فقالت عند ذلك :" رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ" أي إسلام سليمان "لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ" [ النمل : 44 ] .
فما انقادت لسليمان وإنّما انقادت للّه ربّ العالمين ، وسليمان من العالمين .
فما تقيّدت في انقيادها كما لا تتقيّد الرّسل في اعتقادها في اللّه .
بخلاف فرعون فإنّه قال :"رَبِّ مُوسى وَهارُونَ"( 48 ) وإن كان يلحق بهذا الانقياد البلقيسي من وجة ، لكن لا يقوى قوّته فكانت أفقه من فرعون في الانقياد للّه .
وكان فرعون تحت حكم الوقت حيث قال :آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ[ يونس : 90 ] » فخصّص ، وإنّما خصص لما رأى السّحرة قالوا في إيمانهم باللّه :رَبِّ مُوسى وَهارُونَ( 48 ) [ الشعراء : 48 ] .
فكان إسلام بلقيس إسلام سليمان إذ قالت :مَعَ سُلَيْمانَ فتبعته .)
 
كذلك كان وجود العرش عند سليمان عليه السلام مماثلا لوجوده في سبأ وهذا تنبيه فعلي كالتنبيه القولي في سؤاله بقوله : أهكذا عرشك حيث لم يقل : هذا عرشك فتنبهت بهذين التنبيهين لتحديد الخلق مع الأنفاس وهو آية كاملة على قدرته تعالى باعثة على الإيمان به ( فقالت عند ذلك ) التنبيه (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) ، أي بالكفر والشرك إلى الإيمان (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ) ، أي إسلام سليمان ("لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ"[ النمل : 44 ] فما انقادت لسليمان وإنما انقادت للّه رب العالمين وسليمان من العالمين فما تقيدت في انقيادها ) برب سليمان .
( كما لا تتقيد الرسل في اعتقادها في اللّه ) برب دون رب بل بالرب المطلق ( بخلاف فرعون فإنه قال :رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) ( 122 ) [ الأعراف : 122 ] ، أي قال ما مؤداه ذلك فإنه قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ، ولا شك أن الذي آمنت بنو إسرائيل هو رب موسى وهذا الانقياد الفرعوني.


( وإن كان يلحق هذا الانقياد البلقيسي من وجه ) فإن رَبِّ مُوسى وَهارُونَ( 122 ) رب العالمين ( ولكن لا يقوى قوته ) لسراية أثر انقيادها إلى اللفظ والمعنى بخلاف أثر انقياده فإنه لم يتعد إلى اللفظ ( فكانت بلقيس أفقه من فرعون في ) بيان ( الانقياد للّه ) الرب المطلق ( وكان فرعون تحت حكم الوقت حيث قال :" آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ"[ يونس : 90 ] فخصص ) الرب الذي آمن به بالذي آمنت به بنو إسرائيل ( وإنما خصص لما رأى السحرة الذين هم أراذل الناس ) ، ولذلك جعلهم معارضين لموسى إهانة له ( قالوا في إيمانهم باللّهرَبِّ مُوسى وَهارُونَ) ( 122 ) ، فاستنكف عما يوهم تقليدهم لاحتشامه وعلوه في الأرض فغير العبادة وقال : آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل ولم يقل بـ "رَبِّ مُوسى وَهارُونَ"( 122 ) وإن كان مؤداهما واحدا ( فكان إسلام بلقيس إسلام سليمان ) ، أي مثل إسلامه غير مقيد برب
  
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فما يمرّ بشيء من العقائد إلّا مرّت به معتقدة ذلك . كما نحن على الصّراط المستقيم الّذي الرّبّ تعالى عليه لكون نواصينا في يده . ويستحيل مفارقتنا إيّاه.
فنحن معه بالتضمين وهو معنا بالتّصريح ، فإنّه قال :وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ[ الحديد : 4 ] ونحن معه بكونه آخذا بنواصينا .
فهو اللّه تعالى مع نفسه حيثما مشى بنا من صراطه ، فما أحد من العالم إلّا على صراط مستقيم وهو صراط الرّبّ تعالى . وكذلك علمت بلقيس من سليمان فقالت :لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ[ النمل : 44 ] وما )
 
مخصوص ( إذ قالت ) : أسلمت ( مع سليمان ) لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ( فتبعته فما يمر ) سليمان ( بشيء من العقائد إلا مرت به معتقدة ذلك كما كنا نحن على الصراط المستقيم الذي الرب تعالى عليه لكون نواصينا في يده وتستحيل مفارقتنا إياه ) ، فقوله ذلك إما مفعول لمعتقدة ، أي معتقدة بأمر سليمان به ، وإما مبتدأ خبره كما كنا والأول أظهر ، ولعله رضي اللّه عنه أراد بعموم اعتقادها لما مر به سليمان إحاطته به إجمالا لا تفصيلا فإن مساواة اعتقادها لاعتقاده كما وكيفا مستبعدة جدا .
( فنحن معه بالتضمين وهو معنا بالتصريح ) . وذلك لأن معيته الذاتية معنا عبارة عن قيوميته لنا بتجليه الوجود فينا أو معيتنا معه عبارة عن قيامنا به ضمن ذلك التجلي ومعنى به قيامنا ظهور ظلالنا وعكوسنا فيه .
فإن أعياننا الثابتة لا تزال على العدمية ما شمت رائحة الوجود فنحن معه وقائمون به في ضمن ظلالنا وعكوسنا فيه وهو معنا بالقيومية بصريح ذاته وظاهر وجوده فنحن معه بالتضمين وهو معنا بالتصريح .
وعلى هذا المنوال وقع في التنزيل بيان معيته ومعيتنا معه ( فإنه قال ) في بيان معيته معنا ( وهو معكم أينما كنتم ) ، فصرح بمعيته معنا ( ونحن معه بكونه ) ، أي بسبب كونه ( آخذا بنواصينا ) كما يدل عليه قوله تعالى :ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها[ هود : 56]
، ولا شك أن المأخوذ بناصيته يكون مع الآخذ بها ، فمعيتنا معه لا تفهم من صريح الآية بل هي مندرجة في ضمنها مفهومة بالتبعية ، وإن كان آخذا بنواصينا ( فهو تعالى مع نفسه حيث ما مشى بنا من صراطه ) ، فالصراط الذي مشى بنا عليه صراطه الذي هو عليه .
( فما أحد من العالم إلا على صراط مستقيم وهو صراط الرب تعالى ) الصراط ، الذي يمشي بناء عليه ( وكذا ) ، أي مثل ما قلنا من أنه ما أحد من العالم إلا على صراط مستقيم هو صراط الرب.
 (علمت بلقيس من ) حال ( سليمان ) فعلمت أنه ليس إلا على صراط مستقيم وهو صراط الرب فتبعته وهو تابع منقاد لربه الذي يمشي به فتبعت بلقيس مضاربه وانقادت له ( فقالت ) أسلمت (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، وأضافت الرب الذي
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( خصّصت عالما من عالم .
وأمّا التّسخير الّذي اختصّ به سليمان وفضّل به على غيره وجعله اللّه له من الملك الّذي لا ينبغي لأحد من بعده فهو كونه عن أمره . فقالفَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ[ ص : 36 ] . فما هو من كونه تسخيرا ، فإنّ اللّه يقول في حقّنا كلّنا من غير تخصيص :وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ[ الجاثية :13 ] . وقد ذكر تسخير الرّياح والنّجوم وغير ذلك ولكن لا عن أمرنا بل عن أمر اللّه . فما اختصّ سليمان - إن عقلت - إلّا بالأمر من غير جمعيّة ولا همّة ، بل بمجرّد الأمر . وإنّما قلنا ذلك لأنا نعرف أنّ أجرام العالم تنفعل لهمم النّفوس إذا أقيمت في مقام الجمعيّة .
وقد عاينّا ذلك في هذا الطّريق . فكان من سليمان مجرّد التّلفّظ بالأمر لمن أراد تسخيره من غير همّة ولا جمعيّة .
واعلم - أيّدنا اللّه وإيّاك بروح منه - أن مثل هذا العطاء إذا حصل للعبد أيّ عبد كان فإنّه لا ينقصه ذلك من ملك آخرته ، ولا يحسب عليه ، مع كون سليمان عليه السّلام طلبه من ربّه تعالى . فيقتضي ذوق الطّريق أن يكون قد عجّل له ما ادّخر لغيره)
 
أسلمت له إلى العالمين كلهم ( وما خصصت عالما من عالم ) بإضافة الرب إليه كما خصص بنو إسرائيل موسى وهارون بذلك ، فإن منشأ التخصيص اعتقاد أن ما عدا المضاف إليه ليس على صراط مستقيم والأمر بخلاف ذلك كما علمت .
( وأما التسخير الذي اختص به موسى عليه السلام وفضل غيره وجعله اللّه له من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده فهو كونه عن أمره ) ، أي وجود الشيء لمجرد أمره وقوله ( فقال : فسخرنا له الريح تجري بأمره ، فما هو من كونه تسخيرا فإن اللّه يقول في حقنا كلنا من غير تخصيص "وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ."


وقد ذكر تسخير الرياح والنجوم وغير ذلك ولكن لا عن أمرنا بل عن أمر اللّه ، فما اختص سليمان إن عقلت إلا بالأمر من غير جمعية ولا همة بل لمجرد الأمر ، وإنما قلنا ذلك لأنا نعلم أن أجرام العالم تنفعل لهممهم النفوس إذا أقيمت في عالم الجمعية ، وقد عاينا ذلك في هذا الطريق فكان من سليمان مجرد التلفظ بالأمر لمن أراد تسخيره من غير همة ولا جمعية ) .
(واعلم أيدنا اللّه وإياك بروح منه أن مثل هذا العطاء إذا حصل للعبد أي عبد كان فإنه لا ينقصه ذلك من ملك آخرته ولا يحسب عليه مع كون سليمان عليه السلام طلبه من ربه تعالى فيقتضي ذوق الطريق أن يكون قد عجل له ) ، أي لسليمان في الدنيا ( ما أدّخر لغيره
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ويحاسب به إذا أراده في الآخرة .
فقال اللّه له :هذا عَطاؤُنا ولم يقل لك ولا لغيرك "فَامْنُنْ" أيّ أعط "أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ" [ ص : 39 ] .
فعلمنا من ذوق الطّريق أنّ سؤاله ذلك كان عن أمر ربّه . والطّلب إذا وقع عن الأمر الإلهي كان الطّالب له الأجر التّامّ على طلبه . والباري تعالى إن شاء قضى حاجته فيما طلب منه وإن شاء أمسك ، فإنّ العبد قد وفّى ما أوجب اللّه عليه من امتثال أمره فيما سأل ربّه فيه ؛ فلو سأل ذلك من نفسه عن غير أمر ربّه له بذلك لحاسبه به .
وهذا سار في جميع ما يسأل فيه اللّه كما قال لنبيّه محمّد صلى اللّه عليه وسلم :" وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً" [ طه : 114 ] . فامتثل أمر ربّه فكان يطلب الزّيادة من العلم حتّى كان إذا سيق له لبن يتأوّله بالعلم كما تأوّل رؤياه لمّا رأى في النّوم أنّه أتي إليه بقدح لبن فشربه وأعطى فضله عمر بن الخطّاب . قالوا فما أوّلته قال العلم . وكذلك لمّا أسري به أتاه الملك بإناء فيه لبن وإناء فيه خمر فشرب اللّبن فقال له الملك أصبت الفطرة أصاب اللّه بك أمّتك . فاللّبن متى ظهر فهو صورة العلم ، فهو العلم تمثّل في صورة اللّبن كجبرئيل تمثّل في صورة بشر سويّ لمريم .)
 
ويحاسب به إذا أراده ) ، أي الحساب ( في الآخرة فقال اللّه له ) ، أي لسليمان (هذا عَطاؤُنا) ، فنسب العطاء إلى نفسه ( ولم يقل : لك ولا لغيرك ) مما يدل على نسبته إلى العبد (فَامْنُنْ، أي أعطأَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) [ ص : 39 ] ، فما نسب إلى العبد إلا الإعطاء أو الإمساك بما لا يحاسب عليه .
( فعلمنا من ذوق الطريق أن سؤاله ذلك كان عن أمر ربه . والطلب إذا وقع على الأمر الإلهي كان الطالب له الأجر التام ) من غير تبعة حساب ولا عقاب ( على طلبه ) ، فإن طلبه ذلك امتثال أمر وعبادة ( والباري تعالى إن شاء قضى حاجته فيما طلب منه وإن شاء أمسك فإن العبد قد وفى ما أوجب اللّه عليه من امتثال أمره فيما سأل ربه فيه ) حيث قال :"ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ"[ غافر : 60 ] .
( فلو سأل ذلك من نفسه من غير أمر ربه له لحاسبه به . وهذا سار في جميع ما يسأل فيه تعالى كما قال لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام :وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماًفامتثل أمر ربه فكان يطلب الزيادة من العلم حتى كان إذا سيق له لبن ولو في اليقظة يتأوله علما كما تأول رؤياه لما رأى في النوم أنه أتي بقدح لبن فشربه وأعطى فضله عمر به الخطاب قالوا : فما أولته ، قال : العلم . وكذلك لما أسري به أتاه الملك بإناء فيه لبن وإناء فيه خمر فشرب اللبن فقال الملك : أصبت الفطرة ) ، أي ما كنت مفطورا عليه من قابلية العلم والمعرفة .
( أصاب اللّه بك أمتك ، فاللبن متى ظهر فهو صورة العلم فهو العلم تمثل في صورة اللبن كجبريل تمثل في صورة بشر سوي لمريم .).
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الجزء الثالث .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالإثنين ديسمبر 30, 2019 7:24 pm

16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الجزء الثالث .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص السليماني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الثالث
الفصّ السليماني
16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ولمّا قال عليه السّلام : « النّاس نيام فإذا ماتوا انتبهوا » نبّه على أنّه كلّ ما يراه الإنسان في حياته الدّنيا إنّما هو بمنزلة الرّؤيا للنّائم خيال فلا بدّ من تأويله.
إنّما الكون خيال  ... وهو حقّ في الحقيقة
والّذي يفهم هذا  ... حاز أسرار الطّريقة
فكان صلى اللّه عليه وسلم إذا قدّم له لبن قال : " اللّهمّ بارك لنا فيه وزدنا منه " لأنّه كان يراه صورة العلم ، وقد أمر بطلب الزّيادة من العلم ؛ وإذا قدّم له غير اللّبن قال : « اللّهمّ بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه » .
فمن أعطاه اللّه ما أعطاه بسؤال عن أمر إلهي فإنّ اللّه لا يحاسبه به في الدّار الآخرة ، ومن أعطاه اللّه ما أعطاه بسؤال عن غير أمر إلهيّ فالأمر فيه إلى اللّه ، إن شاء حاسبه به ، وإن شاء لم يحاسبه . وأرجو من اللّه في العلم خاصّة أنّه لا يحاسبه به . فإنّ أمره لنبيّه بطلب الزّيادة من العلم عين أمره لأمّته فإنّ اللّه يقول :لَقَدْ).
 
ولما قال عليه الصلاة والسلام : « الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا » . رواه البيهقي
نبه على أن كل ما يراه الإنسان في حياته الدنيا إنما هو بمنزلة الرؤيا للنائم ).
 في أنه صور يعبر بها عن الأمور الواقعة والذي ينتفع فهو من هذه الحيثية ( خيال فلا بد من تأويله . إنما الكون ) ، أي عالم الصور والأشكال أو العالم كله لأنه ظل للغيب المطلق والأعيان الثابتة.
( خيال ) يتوهم أن له وجودا في نفسه ( و ) ليس كذلك بل ( هو حق في الحقيقة ) يعني عين الوجود الحق الذي يعني بهذه الصورة الخيالية ( كل من يفهم هذا ) المعنى الذي ذكرناه ( حاز ) ، أي جمع ( أسرار الطريقة ) الذي هي نتيجة سلوك الطريقة المسلوكة لأرباب السلوك .
( وكان صلى اللّه عليه وسلم إذا أتي بلبن قال : « اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه » لأنه كان يراه صورة العلم وقد أمر بطلب الزيادة من العلم وإذا أتي بغير لبن قال : « اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه » . رواه النسائي و أبو داود وغيرهما.
 فمن أعطاه اللّه ما أعطاه بسؤال عن أمر إلهي فإن اللّه لا يحاسبه به في الدار الآخرة ، ومن أعطاه اللّه ما أعطاه بسؤال من غير أمر إلهي فالأمر فيه إلى اللّه إن شاء حاسبه ، وإن شاء لم يحاسبه وأرجو من اللّه في العلم خاصة أنه لا يحاسبه ) ، أي طالبه به .
( فإن أمره لنبيه عليه الصلاة والسلام بطلب الزيادة من العلم عين أمره لأمته فإن اللّه يقول :لَقَدْ
  
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [ الأحزاب : 21 ] . وأيّ أسوة أعظم من هذا التّأسّي لمن عقل عن اللّه تعالى .
ولو نبّهنا على المقام السّليمانيّ على تمامه لرأيت أمرا يهولك الاطلاع عليه فإنّ أكثر علماء هذه الطّريقة جهلوا حالة سليمان عليه السّلام ومكانته وليس الأمر كما زعموا .)


كان"َ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " [ الأحزاب : 21 ] وأي أسوة أعظم من هذا التأسي لمن عقل عن اللّه .
ولو نبهنا على المقام السليماني على تمامه لرأيت أمرا يهولك الاطلاع عليه ) ، وإنما قلنا ذلك ( فإن أكثر علماء الطريقة جهلوا حالة سليمان ومكانته ) ، وزعموا أنه أحب ملك الدنيا وطلب أن لا يكون ذلك لغيره .
( وليس الأمر كما زعموا واللّه سبحانه أعلم بالحقائق ) .

تم الفص السليماني
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يناير 11, 2020 12:08 am

17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الجزء الأول
الفصّ الداودي
17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أنّه كانت النّبوّة والرّسالة اختصاصا إلهيّا ليس فيها شيء من الاكتساب أعني نبوّة التّشريع ، كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السّلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء ، ولا يطلب عليها جزاء فإعطاؤه إيّاهم على طريق الإنعام والإفضال .
فقال تعالى : "وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ"[ الأنعام : 84 ] يعني لإبراهيم الخليل عليه السّلام وقال في أيّوب عليه السّلام : وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ"[ ص : 43 ] ؛)
فص حكمة وجودية في كلمة داودية
إنما وصف الحكمة المودعة في الكلمة الداودية بالوجودية ، لأن المراد بالوجودية إما معناه المشهور أو بمعنى الوجدان وعلى كل من التقديرين فلوصف الحكم الداودية بالوجودية به نوع اختصاص ، أما على الأول فلأن المراد بالوجود الإنساني الكمالي لا مطلقا إذ لا اختصاص له بشيء ، وكمال الوجود الإنساني إنما هو بظهور حقائق الخلافة بتمامها ، وهي قد ظهرت فيما تقدم من الأنبياء بالتدريج حتى ظهرت بتمامها في داود عليه السلام كلمة ابنه الذي هو منه ، وأما على الثاني فلأن داود عليه السلام إنما وجد هذا الحكم بمجرد الوهب من غير تجشم كسب كما سيأتي فتكون حكمة وجدانية محضة لا دخل فيها للتعمل والكسب حتى لا يصح استنادها إليه إلا بأنه وجدها لا بأنه اكتسبها إلى غير ذلك من العبارات .
 
( اعلم ) أيها الطالب المسترشد ( أنه لما كانت النبوة والرسالة ) التي هي خصوص مرتبة في النبوة ( اختصاصا إلهيا ليس ) يجزي ( فيها شيء من الاكتساب أعني ) بالنبوة المحضة ببعض العمل اختصاصا إلهيا ( نبوة التشريع كانت عطاياه تعالى لهم ) ، أي للأنبياء ( عليهم السلام من هذا القبيل ) ، أي من قبيل الاختصاص والامتنان ( مواهب ليست جزاء ) لعمل من أعمالهم ( ولا يطلب عليها منهم جزاء فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال ) ، ولذلك عبر سبحانه عن هذا الإعطاء بالهبة التي لا يطلب عليها عوض ولا عرض ( فقال تعالى :وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ[ الأنعام : 84 ] ، يعني ( لإبراهيم الخليل عليه السلام وقال في أيوب عليه السلام :وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ[ ص : 43 ] ، وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) سورة ص
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقال في حقّ موسى عليه السّلام وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا( 53 ) [ مريم : 53 ] إلى مثل ذلك . فالّذي تولّاهم أوّلا هو الّذي تولّاهم [ آخرا ] في عموم أحوالهم أو أكثرها ، وليس إلّا اسمه الوهّاب .
وقال في حقّ داود - عليه السّلام -وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا [ سبأ : 10 ] فلم يقرن به جزاء يطلبه منه ، ولا أخبر أنّه أعطاه هذا الّذي ذكره جزاء . ولمّا طلب الشّكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ولم يتعرّض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود .
فهو في حقّ داود عطاء نعمة وإفضال ، وفي حقّ آله على غير ذلك لطلب المعاوضة فقال تعالى :اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ[ سبأ : 13 ] . وإن كانت الأنبياء عليهم السّلام قد شكروا للّه على ما أنعم به عليهم ووهبهم ، فلم يكن ذلك على طلب من اللّه ، بل تبرّعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتّى تورّمت قدماه شكرا لما غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر . فلمّا قيل له في ذلك )
 
وقال في حق موسى عليه السلام : "وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا"( 53 ) [ مريم : 53 ] ) ، متضمنا ذلك الوهب الإلهي المذكور في هؤلاء الأنبياء ( إلى مثل ذلك ) الوهب بالنسبة إلى من عداهم ( فالذي ) ، أي الاسم الذي ( تولاهم أولا ) حيث اختصهم بالنبوة والرسالة ( هو ) بعينه الاسم ( الذي تولاهم ) ثانيا بعد اختصاصهم بهما ( في عموم أحوالهم وأكثرها وليس ذلك ) الاسم المتولي ( إلا اسمه الوهاب ) .
ثم لما بين ذلك المعنى في بعض الأنبياء أراد أن ينتقل إلى داود عليه السلام الذي هو المقصود بالذكر ههنا فقال : ( وقال في حق داود :"وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا "فلم يقرن فيه ) ، أي بالفضل الذي آتاه داود ( جزاء يطلبه منه ) ، كالشكر مثلا ( ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره ) من الفضل ( جزاء ) العمل من أعماله ( ولما طلب الشكر على ذلك ) الفضل ( العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ) ،
وإنما طلب من آل داود ( ليشكره الآل على ما أنعم به على داود ، فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال وفي حق آله على غير ذلك ) ، أي على غير كونه عطاء نعمة وإفضال بل عطاء ( لطلب المعاوضة ) منهم ( فقال تعالى ) آمرا لهم طالبا منهم الشكر بالعمل (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [ سبأ : 10 و 13 ] ،
 
فداود عليه السلام ليس يطلب منه الشكر على ذلك العطاء ( وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكرو اللّه تعالى على ما أنعم به عليهم ووهبهم ) إياه ( فلم يكن ذلك ) الشكر الواقع منهم منبعثا ( عن طلب من اللّه تعالى بل تبرعوا بذلك من ) عند ( نفوسهم كما قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى تورمت قدماه ) ، من غير أن يكون مأمورا بالقيام على هذا الوجه ( شكرا لما غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخير.)
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( قال : « أفلا أكون عبدا شكورا » ؟ وقال في نوح :إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً[ الإسراء :3  ] .
والشّكور من عباد اللّه تعالى قليل . فأوّل نعمة أنعم اللّه بها على داود - عليه السّلام - أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتّصال .
فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرّد هذا الاسم ، وهي الدّال والألف والواو .
وسمّى اللّه محمّدا عليه الصّلاة والسّلام بحروف الاتّصال والانفصال ، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالتين . في اسمه كما جمع لداود بين الحالتين من طريق المعنى ، ولم يجعل ذلك في اسمه ، فكان ذلك اختصاصا لمحمّد صلوات اللّه عليهما أعني التّنبيه عليه باسمه . فتمّ له الأمر عليه الصلاة والسّلام من جميع جهاته ، وكذلك في اسمه « أحمد » فهذا من حكمة اللّه تعالى . ثمّ قال في حقّ داود )
 
قال رضي الله عنه :  (فلما قيل له في ذلك) قال : « أفلا أكون عبدا شكورا » وقال في نوحإِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً[ الأسراء : 3 ] والشكور من عباد اللّه قليل ، فأول نعمة أنعم اللّه بها على داود أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال ) ، وهي الحروف الذي من شأنها أن تتصل بما بعدها ، فالاتصال والانفصال إنما يعتبران بالنسبة إلى ما بعد ، وأما بالنسبة إلى ما قبل فكل الحروف تقبل الاتصال ( فقطعه ) ، أي نبه على قطعه
قال رضي الله عنه :  ( عن العالم بذلك ) ، أي بأن أعطاه حرفا ليس فيه حرف الاتصال ( إخبارا لنا عنه بمجرد هذا الاسم ) ، من غير نظر إلى شيء آخر .
( وهي الدال والألف ووالواو ) ، فإن المناسبة بين الاسم والمسمى مما يفهمها أهل الحقيقة.
قال رضي الله عنه :  ( وسمي محمدا صلى اللّه عليه وسلم بحرف من حروف الانفصال هي الدال وما عداها من حروف الاتصال ) فحروف الانفصال هي الدال وما عداها من حروف الاتصال ( فوصله ) ،
 
أي دل على وصوله ( به ) ، أي بالحق سبحانه بحروف الاتصال (وفصله عن العالم فجمع له) ، أي لمحمد عليه الصلاة والسلام ( بين الحالتين ) الاتصال بالحق والانفصال عن العالم ( في اسمه كما جمع لداود عليه السلام بين الحالتين من طريق المعنى ) ، فإنه لا بد لكل من الكمل من ذلك الاتصال والانفصال .
قال رضي الله عنه :  ( و ) لكن ( لم يجعل ذلك في اسمه ) كما جعل في اسم محمد صلى اللّه عليه وسلم ( فكان ذلك اختصاصا بمحمد وتفضيلا له على داود ) صلوات اللّه عليهما ( أعني ) باسم الإشارة المذكور في قوله فكان ذلك ( التنبيه عليه ) ، أي على الجمع بين الحالتين ( باسمه فتم له الأمر من جميع جهاته ) ، جهة الاسم وجهة المسمى .
قال رضي الله عنه :  ( وكذلك ) الأمر ( في اسمه أحمد ) جمع فيه بين الحالتين بحروف الاتصال وهي الحاء والميم وحروف الانفصال وهي الألف والدال ( فهذا من حكمة اللّه سبحانه ثم قال ) تعالى ( في حق داود ) عليه السلام :يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ[ سبأ : 10 ] ترك المقول لكونه معلوما في كتاب اللّه ولدلالة ما بعده عليه
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (عليه السّلام ، فيما أعطاه إيّاه على طريق الإنعام عليه ، ترجيع الجبال معه التّسبيح ، فتسبّح لتسبيحه ليكون له عملها ، وكذلك الطّير .
وأعطاه القوّة ونعته بها ، وأعطاه الحكمة وفصل الخطاب .
ثمّ المنّة الكبرى والمكانة الزّلفى الّتي خصّه اللّه تعالى بها التّنصيص على خلافته . ولم يفعل ذلك مع أحد من أبناء جنسه وإن كان فيهم خلفاء فقال :يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى أي ما يخطر لك في حكمك من غير وحي منّي فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي عن الطّريق الّذي أوحي به إلى رسلي .
ثمّ تأدّب سبحانه معه فقال :إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما)
 
 ( عليه السّلام فيما أعطاه ) ، أي في جملة ما أعطى داود ( على طريق الإنعام عليه ترجيع الجبال معه ) أو منصوب على أنه مفعول القول بتضمينه معنى الذكر ، أي ذكر أو منصوب على أنه المفعول الثاني لأعطاه وتكون ما مصدرية أو على أنه مفعول للإنعام ( التسبيح ) بالنصب على أنه مفعول للترجيع ( فتسبح ) الجبال ( لتسبيحه ليكون له ) ، أي لداود ( عملها ) ، أي عمل الجبال لأن تسبيحها لما كان لتسبيحه منشأ منه لا جرم يكون ثوابه عائدا إليه لا إليها لعدم استحقاقها لذلك ( وكذلك الطير ) ،
أي مثل الجبال الطير في الترجيع ، وإنما كان تسبيح الجبال والطير لتسبيحه لأنه لما قوى توجهه عليه السلام بروحه إلى معنى التسبيح والتحميد سرى ذلك إلى أعضائه وقواه ، فإنها مظاهر روحه ومنها إلى الجبال والطير ، فإنها صور أعضائه وقواه في الخارج ، فلا جرم يسبحن تسبيحه ويعود فائدة تسبيحها إليه (وأعطاه) أي داود ( القوة ونعته بها ) ،
حيث قال :وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ[ ص : 17 ] ، فإن الأيد هي القوة ( وأعطاه الحكمة ) ، أي العلم بالأشياء على ما هي عليه والعمل بمقتضاها إن كان متعلقا بكيفية العمل ( وفصل الخطاب ) لبيان تلك الحكمة على الوجه المفهم .
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم المنة الكبرى والمكانة ) ، أي المرتبة ( الزلفى التي خصه اللّه بها ) ، أي ميزه بها عمن سواه حيث أعطاه إياه ولم يعطهم ( التنصيص على خلافته ولم يفعل ذلك مع أحد من أبناء جنسه ) ، وهم الأنبياء عليهم السلام ( وإن كان فيهم خلفاء فقال :يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى، أي ما يخطر لك في حكمك من غير وحي مني فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أي عن الطريق الذي أوحى به ) .
على صيغة المتكلم الواحد ( إلى رسلي ) ، إنما كان التنصيص على الخلافة المنة الكبرى والمكانة الزلفى لأنها صورة المرتبة الإلهية أعطيت للخلفاء ( ثم تأدب سبحانه معه ) ، أي مع داود عليه السلام
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ[ ص : 26 ] ولم يقل : " فإن ضللت عن سبيلي فلك عذاب شديد " .
فإن قلت وآدم عليه السّلام قد نصّ على خلافته ، قلنا ما نصّ مثل التّنصيص على داود ، وإنّما قال للملائكة إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [ البقرة : 30 ] ولم يقل إنّي جاعل آدم خليفة في الأرض ولو قال أيضا مثل ذلك ، لم يكن مثل قوله :" إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً" [ ص : 26 ] في حقّ داود ، فإنّ هذا محقّق وذلك ليس كذلك . وما يدلّ ذكر آدم في القصّة بعد ذلك على أنّه عين ذلك الخليفة الّذي نصّ اللّه عليه فاجعل بالك لإخبارات الحقّ عن عباده إذا أخبر .
وكذلك في حقّ إبراهيم الخليل :"قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً"[ البقرة : 124 ] ولم )
 
قال رضي الله عنه :   ( فقال سبحانه إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا) ، أي بسبب نسيانهم (يَوْمَ الْحِسابِ) [ ص : 26 ] حيث لم يسند الضلال إليه ( ولم يقل له فإن ضللت عن سبيلي فلك عذاب شديد ) ، كما هو مقتضى الظاهر بل أسنده إلى الجماعة الغائبين الذين داود عليه السلام واحد منهم .
قال رضي الله عنه :  ( فإن قلت : وآدم عليه السلام ) أيضا ( قد نص ) ، أي اللّه سبحانه ( على خلافته ) فليس داود مخصوصا بالتنصيص على خلافته ( قلنا ما نص ) على خلافة آدم ( مثل التنصيص على ) خلافة ( داود وإنما قال سبحانه للملائكة ) في قصة آدم عليه السلام (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ولم يقل سبحانه ( إني جاعل آدم في الأرض خليفة ) فيحتمل أن يكون الخليفة الذي أراده اللّه سبحانه غير آدم بأن يكون بعض أولاده ( ولو قال ) أيضا : "إني جاعل آدم خليفة" .
 
قال رضي الله عنه :  ( لم يكن مثل قوله :إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً) بضمير الخطاب ( في حق داود فإن هذا أمر محقق ) ليس فيه احتمال غير المقصود ( وذلك ) ، أي قوله : إني جاعل آدم خليفة ( ليس كذلك ) ، أي مثل قوله :إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً، فضمير المخاطب لا يحتمل الغير بخلاف اسم الغائب .
 
ثم لما كان ههنا مظنة أن يقال : ذكر آدم في القصة قرينة دالة على أن المراد بالخليفة آدم عليه السلام ، فيكون التنصيص عليه مثل التنصيص على داود عليه السلام دفعه بقوله :
قال رضي الله عنه :  ( وما يدل ذكر آدم عليه السلام في القصة بعد ذلك ) دلالة تحتمل الغير ( على أنه ) ، أي آدم عليه السلام ( عين ذلك الخليفة الذي نص اللّه عليه ) لاحتمال أن يكون بعض أولاده كما قلنا ، مع أن التنصيص الحاصل بلا قرينة ليس مثل التنصيص الواقع بها كما لا يخفى.
قال رضي الله عنه :  ( فاجعل بالك لإخبارات الحق سبحانه عن عباده ) ، فاجتهد في إدراك خصوصيتها ( إذا أخبر ) عنهم حتى يفهم ما فضل به بعضهم على بعض ( وكذلك ) الحال ( في حق إبراهيم الخليل ) عليه السلام ليس التنصيص على خلافته مثل التنصيص على خلافة داود ، فإنه تعالى قال في حق الخليل عليه السلام : (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( يقل خليفة ، وإن كنّا نعلم أنّ الإمامة هنا خلافة ، ولكن ما هي مثلها ، لأنّه ما ذكرها بأخصّ أسمائها وهي الخلافة .
ثمّ في داود من الاختصاص بالخلافة أن جعله خليفة حكم ، وليس ذلك إلّا عن اللّه تعالى فقال له فاحكم بين النّاس بالحقّ ، وخلافة آدم قد لا تكون من هذه المرتبة فتكون خلافته أن يخلف من كان فيها قبل ذلك ، لا أنّه نائب عن اللّه في خلقه بالحكم الإلهيّ فيهم ، وإن كان الأمر كذلك وقع ، ولكن ليس كلامنا إلّا في التّنصيص عليه والتّصريح به .
وللّه في الأرض خلائف عن اللّه ، وهم الرّسل . وأمّا الخلافة اليوم فعن الرّسل لا عن اللّه .
فإنّهم ما يحكمون إلّا بما شرع لهم الرّسول لا يخرجون عن ذلك . غير أن ههنا دقيقة لا يعلمها إلّا أمثالنا . وذلك في أخذ ما يحكمون به ممّا هو شرّع للرّسول عليه السّلام .
فالخليفة عن الرّسول من يأخذ الحكم بالنّقل عنه صلى اللّه عليه وسلم أو بالاجتهاد الّذي أصله أيضا منقول عنه صلى اللّه عليه وسلم . وفينا من يأخذه عن اللّه بعين ذلك الحكم ، فتكون المادّة له من )
 
ولم يقل له خليفة ، وإن كنا نعلم أن الإمامة هنا خلافة ولكن ما هي مثلها لأنه ما ذكرها ) ، أي الخلافة ( بأخص أسمائها وهي الخلافة ) ، لأنها خصوص مرتبة في الإمامة .
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم في داود ) عليه السلام ( من الاختصاص بالخلافة أن جعله خليفة حكم ) بأن حكم بين الناس بدلا من المستخلف ( وليس ذلك ) المذكور من الخلافة في الحكم ( إلا عن اللّه ) تعالى ( فقال ) تعالى ( له "فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ " وخلافة آدم قد لا تكون من هذه المرتبة ) بحسب الاحتمال العقلي واللفظي .
قال رضي الله عنه :  ( فتكون خلافته أن يخلف من كان فيها ) ، أي في الأرض ( قبل ذلك ) من الملك والجن وغيرهما ( لا أنه نائب عن اللّه في خلقه بالحكم الإلهي فيهم وإن كان الأمر كذلك وقع ) فإن آدم عليه السلام خليفة في الحكم عن اللّه بحسب الواقع ( ولكن ليس كلامنا إلا في التنصيص عليه والتصريح به . وللّه في الأرض خلائف عن اللّه وهم الرسل ) صلوات الرحمن عليهم ، ( وأما الخلافة اليوم فعن الرسل لا عن اللّه . فإنهم لا يحكمون إلا بما شرع الرسول لا يخرجون عن ذلك غير أن هنا دقيقة لا يعلمها إلا أمثالنا وذلك ) المذكور من الدقيقة واقع .
 
قال رضي الله عنه :  ( في أخذ ما يحكمون به مما هو شرع ) على صيغة المصدر ( للرسول فالخليفة عن الرسول من يأخذ الحكم بالنقل عنه صلى اللّه عليه وسلم أو بالاجتهاد الذي أصله أيضا منقول عنه صلى اللّه عليه وسلم وفينا من يأخذه عن اللّه ) ، بلا واسطة وذلك
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (حيث كانت المادّة لرسوله صلى اللّه عليه وسلم ، فهو في الظّاهر متّبع لعدم مخالفته في الحكم كعيسى عليه السّلام إذا نزل فحكم ، وكالنّبيّ محمّد صلى اللّه عليه وسلم في قوله :أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ[ الأنعام : 90 ] .
وهو في حقّ ما يعرفه من صورة الأخذ مختصّ موافق ، هو فيه بمنزلة ما قرّره النّبيّ صلى اللّه عليه وسلم من شرع من تقدّم من الرّسل بكونه قرّره فاتبعناه من حيث تقريره لا من حيث إنّه شرع لغيره قبله .
وكذلك أخذ الخليفة عن اللّه عين ما أخذه منه الرّسول فنقول فيه بلسان الكشف خليفة اللّه وبلسان الظّاهر خليفة رسول اللّه . ولهذا مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما نصّ بخلافة عنه إلى أحد . ولا عيّنه لعلمه أنّ في أمّته من يأخذ الخلافة عن ربّه فيكون خليفة عن اللّه مع الموافقة في الحكم المشروع . فلمّا علم ذلك رسول)
 
لكمال متابعته للنبي صلى اللّه عليه وسلم فإنه وصل به إلى مقام يأخذ الحكم بلا واسطة كما أخذه صلى اللّه عليه وسلم بلا واسطة ( فيكون خليفة عن اللّه بعين ذلك الحكم ) لا بغيره ( فتكون المادة له من حيث كانت المادة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ) ، أي مأخذ حكمه مأخذ حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( فهو في الظاهر متبع ) له صلى اللّه عليه وسلم (لعدم مخالفته) له ( في الحكم ) ، وإن كان في الباطن مستقلا لأخذه عن اللّه بلا واسطة (كعيسى عليه السلام إذا نزل فحكم ) بما حكم به الرسول صلى اللّه عليه وسلم أخذا من اللّه كما أخذه صلى اللّه عليه وسلم.
 
قال رضي الله عنه :  ( وكالنبي محمد صلى اللّه عليه وسلم في قوله تعالى :أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [ الأنعام : 90 ] حيث أمر باتباع هداهم لاتباعهم ليكون أخذا من اللّه كما أخذوا منه ، والفرق بين أخذ النبي وعيسى عليهما السلام وبين أخذ التابع بغير واسطة أن التابع وصل إلى هذا المقام بواسطة المتابعة ، وهما عليهما السلام لم يصلا إليه بواسطة متابعة أحد .
 
قال رضي الله عنه :  ( وهو ) أي الخليفة منا الآخذ الحكم عن اللّه ( في حق ما يعرفه ) ويتحقق به (من صورة الأخذ) من اللّه ( مختص ) بهذا الأخذ باطنا ( موافق ) للنبي صلى اللّه عليه وسلم ظاهرا ( هو ) ، أي هذا الخليفة ( فيه ) ، أي في الحكم الذي اختص بأخذه عن اللّه ( بمنزلة ما قرره النبي صلى اللّه عليه وسلم ) ، أي بمنزلة النبي صلى اللّه عليه وسلم في الحكم الذي قرره ( من شرع من تقدم من الرسل بكونه قرره ) ، أي من حيث كونه قرره .
 
قال رضي الله عنه :  ( فاتبعناه من حيث تقريره لا من حيث أنه شرع لغيره قبله ، وكذلك أخذ الخليفة ) ، أي ما أخذه الخليفة ( عن اللّه عين ما أخذه منه الرسول ) ، فيتبعه الخليفة من حيث أنه أخذه عن اللّه لا من حيث أنه أخذه الرسول عن اللّه ( فنقول فيه بلسان الكشف : خليفة اللّه وبلسان الظاهر خليفة رسول اللّه ) لموافقته له في الظاهر ( ولهذا مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما نص بخلافة عنه إلى أحد ولا عينه ) بوجه غير التنصيص ( لعلمه أن في أمته ، يأخذ الخلافة عن ربه فيكون خليفة عن اللّه مع الموافقة ) له صلى اللّه عليه وسلم ( في الحكم المشروع فلما علم ذلك
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (صلى اللّه عليه وسلم لم يحجر الأمر .
فللّه خلفاء في خلقه يأخذون من معدن الرّسول ما أخذته الرّسل عليهم السّلام .
ويعرفون فضل المتقدّم هناك لأنّ الرّسول قابل للزّيادة : وهذا الخليفة ليس بقابل للزّيادة الّتي لو كان الرّسول قبلها .
فلا يعطى من العلم والحكم فيما شرع إلّا ما شرع للرّسول خاصّة ؛ فهو في الظّاهر متّبع غير مخالف ، بخلاف الرّسل .
ألا ترى عيسى عليه السّلام لمّا تخيّلت اليهود أنّه لا يزيد على موسى ، مثل ما قلناه في الخلافة اليوم مع الرّسول ، آمنوا به وأقرّوه ، فلمّا زاد حكما ونسخ حكما كان قد قرّره موسى - لكون عيسى رسولا - لم يحتملوا ذلك لأنّه خالف اعتقادهم فيه ؟
وجهلت اليهود الأمر على ما هو عليه .
فطلبت قتله ، فكان من قصّته ما أخبرنا اللّه تعالى في كتابه العزيز عنه)
 
صلى اللّه عليه وسلم لم يحجر الأمر ) ، أي أمر الخلافة ، لم يحصره في الخلافة عنه ( فللّه خلفاء في خلقه ) غير الرسل ( يأخذون من معدن الرسول ) أي رسولنا صلى اللّه عليه وسلم والرسل الذين تقدموا عليه بالزمان ( ما أخذته الرسل ) ، أي رسولنا وسائر الرسل ( عليهم الصلاة والسلام ، ويعرفون فضل ) الرسول ( المتقدم هناك لأن الرسول قابل للزيادة ) ، أي لأن يزيد في الأحكام ( وهذا الخليفة ليس بقابل للزيادة ، لو كان الرسول قبلها ) ، أي الرسول مرفوع وكان تامة وقبلها جواب لو ، أي الزيادة التي لو وجد الرسول ، أي في زمان ذلك الخليفة كان قابلا لتلك الزيادة أو ناقصة والخبر محذوف ، أي لو كان الرسول كائنا في زمان ذلك الخليفة لقبل تلك الزيادة واقتصر على الزيادة لأن النقصان أيضا زيادة .
قال رضي الله عنه :  ( فلا يعطى من الحكم والعلم فيما شرع إلا ما شرع للرسول خاصة فهو في الظاهر متبع غير مخالف بخلاف الرسل ) ، فإنه قد تقع بينهم المخالفة .
 
قال رضي الله عنه :  ( ألا ترى عيسى ) عليه السلام ( لما تخيلت اليهود أنه لا يزيد على موسى مثل ما قلناه في الخلافة اليوم مع الرسول آمنوا به وأقروا به فلما زاد حكما ونسخ حكما كان قد قرره موسى لكون عيسى رسولا لم يحتملوا ذلك ، لأنه خالف اعتقادهم فيه ) ، أي اعتقاد اليهود في شأن موسى عليه السلام أن شريعته لا تنسخ أو في شأن عيسى أن شريعته لا تنسخ شريعة موسى عليهما السلام .
 
قال رضي الله عنه :  ( وجهلت اليهود الأمر ) ، أي أمر الرسالة ( على ما هو عليه ) من اقتضائه الزيادة والنقصان بحكم الوقت واستعداد كل قوم أرسل الرسول إليهم ( فطلبت ) اليهود ( قتله فكان من قصته ما أخبرنا اللّه تعالى في كتابه العزيز عنه
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وعنهم . فلمّا كان رسولا قبل الزّيادة ، إمّا بنقص حكم قد تقرّر ، أو زيادة حكم ، على أنّ النّقص زيادة حكم بلا شكّ .
والخلافة اليوم ليس لها هذا المنصب وإنّما تزيد وتنقص على الشّرع الّذي قد تقرّر بالاجتهاد لا على الشّرع الّذي شوفه به محمّد صلى اللّه عليه وسلم .
فقد يظهر من الخليفة ما يخالف حديثا ما في الحكم فيخيّل أنّه من الاجتهاد وليس كذلك وإنّما هذا الإمام لم يثبت عنده من جهة الكشف ذلك الخبر عن النّبيّ ؛ ولو ثبت لحكم به . وإن كان الطّريق فيه العدل عن العدل فما هو معصوم من الوهم ولا من النّقل على المعنى . فمثل هذا يقع من الخليفة اليوم ، وكذلك يقع من عيسى عليه السّلام ، فإنّه إذا نزل يرفع كثيرا من شرع الاجتهاد المقرّر فيبيّن برفعه صورة الحقّ المشروع الّذي كان عليه السّلام عليه .
ولا سيّما إذا تعارضت أحكام الأئمّة في النّازلة الواحدة . فنعلم قطعا أنّه لو نزل)
 
وعنهم فلما كان ) عيسى عليه السلام ( رسولا قبل الزيادة ) ، على شريعة موسى بشيء ( إما بنقص حكم قد تقرر أو زيادة حكم على أن النقص ) ، أي نقص حكم ( زيادة حكم بلا شك ) فإن نقص حكم إباحة شيء مثلا عن الشريعة يستلزم زيادة الحكم ومنه عليها وبالعكس .
 
قال رضي الله عنه :  ( والخلافة اليوم ليس لها هذا المنصب ) ، أي منصب الزيادة والنقصان ( وإنما تنقص ) ، أي الخلافة ( أو تزيد على الشرع الذي قد تقرر بالاجتهاد ) ، أي على المجتهد أن التي لا نص فيها حقيقة سواء نقل فيها نص أو لم ينقل وإنما حكم المجتهد فيها بالرأي قياسا ( لا على الشرع الذي شوفه به محمد صلى اللّه عليه وسلم ) ، أي خوطب به مشافهة من اللّه أو من أوحى به إليه .
قال رضي الله عنه :  ( فقد يظهر من الخليفة ) الآخذ الحكم من اللّه ( ما يخالف حديثا مّا في الحكم فيتخيل أنه من الاجتهاد وليس الأمر كذلك وإنما هذا الإمام ) يعني الخليفة الآخذ من اللّه ( لم يثبت عنده من جهة الكشف ذلك الخبر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ولو ثبت لحكم به وإن كان الطريق ) ، أي طريق الإسناد ( فيه العدل عن العدل فما هو ) ، أي العدل ( معصوم ) بالرفع على لغة بني تميم ( من الوهم ) الذي هو مبدأ السهو والنسيان ( ولا من النقل على المعنى ) الذي هو مبدأ التبديلات والتحريفات .
 
قال رضي الله عنه :  (فمثل هذا يقع من الخليفة اليوم وكذلك يقع من عيسى فإنه إذا نزل يرفع كثيرا من شرع الاجتهاد المقرر ) بتقرير الأئمة المجتهدين ( فيبين برفعه صورة الحق المشروع الذي كان النبي عليه الصلاة والسلام ولا سيما إذا تعارضت أحكام الأئمة في النازلة الواحدة فنعلم قطعا أنه لو نزل
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وحي لنزل بأحد الوجوه فذلك هو الحكم الإلهيّ . وما عداه وإن قرّره الحقّ فهو شرع تقرير لرفع الحرج عن هذه الأمّة واتّساع الحكم فيها .
وأمّا قوله عليه السّلام إذا بويع لخلفتين فاقتلوا الآخر منهما فهذا في الخلافة الظّاهرة الّتي لها السّيف . وإن اتّفقا فلا بدّ من قتل أحدهما بخلاف الخلافة المعنويّة فإنّه لا قتل فيها .
وإنّما جاء القتل في الخلافة الظّاهرة وإن لم يكن لذلك الخليفة هذا المقام وهو خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن عدل .  فمن حكم الأصل الّذي به تخيّل وجود إلهين .)
 
وحي لنزل بأحد الوجوه فذلك هو الحكم الإلهي وما عداه وإن قرره الحق ) في صورة المجتهدين . حديث « إذا بويع لخليفتين » رواه مسلم والبيهقي وغيرهما
قال رضي الله عنه :  ( فهو شرع تقرير لرفع الحرج عن هذه الأمة واتساع الحكم فيها ) .
قال تعالى : "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [ البقرة : 185 ] .
وقال صلى اللّه عليه وسلم بعثت بالحنيفية السهلة السمحة ، وظاهر أنه لو لم يقع الاختلاف في الأحكام الاجتهادية ما كان يظهر فيها الوجوه المتكثرة التي هي صورة سعة الرحمة المجبول عليها نبينا صلى اللّه عليه وسلم ،
ولما كان لمتوهم أن يتوهم أن استصواب اختلافات الخلفاء والمجتهدين لرفع الحرج عن هذه الأمة واتساع الحكم فيها ينافي ما ثبت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما » .

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالسبت يناير 11, 2020 12:10 am

17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الجزء الثاني
الفصّ الداودي
17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية
ما دفعه بقوله : ( وأما قوله صلى اللّه عليه وسلم إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما فهذا في الخلافة ) .
وفي بعض النسخ : وهذا في الخلافة وهو يصلح أن يكون جواب إما ، يعني هذا الحكم إنما هو في الخلافة ( الظاهرة التي لها السيف وإن اتفقا فلا بد من قتل أحدهما ) ، وهو آخرهما ( بخلاف الخلافة المعنوية ) الغير المقرونة بالخلافة الظاهرة ( فإنه لا قتل فيها وإنما جاء القتل ) ، أي قتل الخليفة الآخر ( في الخلافة الظاهرة وإن لم يكن لذلك الخليفة ) الظاهري الآخر.

قال رضي الله عنه :   ( هذا المقام ) ، أي مقام الخلافة وأخذ الأحكام عن اللّه كالخليفة الظاهري الأول ( وهو ) ، أي الخليفة الآخر ( خليفة رسول اللّه إن عدل ) وحينئذ يكون بين الخليفتين تخالف في رتبة الخلافة ، فإن الأول خليفة اللّه والثاني خليفة رسول اللّه .
( فمن حكم الأصل ) ، أي وجوب القتل في الآخر مع هذا التفاوت القاضي بعدم تخالفهما في الحقيقة من حكم الأصل ( الذي به ) ، أي بهذا الحكم ( يخيل ) الأصل (وجود إلهين )

فالأصل هو برهان التمانع وحكمه ، أي نتيجته وحدة الواجب تعالى فبوجوب وحدة الواجب يحكم بوجوب وحدة الخليفة الذي هو ظله ونائبه وقتل الآخر من الخليفتين فقوله : فمن حكم الأصل جزاء لقوله : وإن لم يكن لذلك الخليفة هذا المقام ، ويجوز أن يكون جواب أما وتكون إن في قوله : وإن لم يكن ، وصلية .
ولما أشار رضي اللّه عنه إلى الأصل الذي هو برهان التمانع أخذ في تقريره .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [ الأنبياء : 22 ] .
وإن اتّفقا فنحن نعلم أنّهما لو اختلفا تقديرا لنفذ حكم أحدهما ، فالنّافذ الحكم هو اللّه على الحقيقة ، والّذي لم ينفذ حكمه ليس بإله .
ومن ههنا نعلم أنّ كلّ حكم ينفذ اليوم في العالم أنّه حكم اللّه عزّ وجلّ ، وإن خالف الحكم المقرّر في الظّاهر المسمّى شرعا إذ لا ينفذ حكم إلّا للّه في نفس الأمر ، لأنّ الأمر الواقع في العالم إنّما هو على حكم المشيئة الإلهيّة لا على حكم الشّرع المقرّر .
وإن كان تقريره من المشيئة . ولذلك نفذ تقريره خاصّة .
وأنّ المشيئة ليس لها فيه إلّا التّقرير ، لا العمل بما جاء به .)

فقال رضي الله عنه  : ( لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتا وإن اتفقا ) ، أي الإلهان فإن أقل مرتبة التعدد الاثنان ، وذلك لأنه على تقدير اتفاقهما إما أن ينفذ حكم كل منهما في الآخر فلا يكون واحد منهم إلها لنفوذ حكم الآخر فيه ، وإن لم ينفذ فكذلك أيضا لعدم القدرة والعجز ، وإن نفذ حكم أحدهما دون الآخر فالنافذ الحكم هو الإله ،
فلا يكون في الآلهة تعدد أصلا وأما إن اختلفا ( فنحن نعلم أنهما لو اختلفا تقديرا ) ، أي فرضا ( لنفذ حكم أحدهما ) فقط.

 قال رضي الله عنه :  ( فالنافذ الحكم هو الإله على الحقيقة والذي لم ينفذ حكمه ليس بإله ومن هنا ) ، أي من مقام نفاذ كون الحكم من خواص المرتبة الإلهية ( نعلم أن كل حكم ينفذ اليوم في العالم أنه حكم اللّه وإن خالف ) ذلك الحكم النافذ ( الحكم المقرر في الظاهر المسمى شرعا إذ لا ينفذ حكم إلا للّه في نفس الأمر ) .

هذا تعليل للحكم المتقدم بإعادته والاستدلال عليه . ففي الحقيقة هو تعليل بما استدل به عليه أعني قوله رضي الله عنه : ( لأن الأمر الواقع في العالم إنما هو على حكم المشيئة ) الإلهية ( لا على حكم الشرع المقرر ) بالمشيئة فما شاء الحق وقوعه يقع البتة ، وما لم يشأ لم يقع سواء كان الشرع قرره أو لا ( وإن كان تقريره ) ، أي تقرير الشرع المقرر أيضا ( من المشيئة ) الإلهية ،

قال رضي الله عنه :  ( ولذلك نفذ تقريره خاصة ) لا العمل به ( فإن المشيئة ) المتعلقة بتقرير الشرع ( ليس لها ) خاصة ( فيه ) ، أي في الشرع ( إلا التقرير لا العمل بما جاء به ) إلا إن تعلقت المشيئة به أيضا


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فالمشيئة سلطانها عظيم ، ولهذا جعلها أبو طالب عرش الذّات .
لأنّها لذاتها تقتضي الحكم . فلا يقع في الوجود شيء ولا يرتفع خارجا عن المشيئة فإنّ الأمر الإلهيّ إذا خولف هنا بالمسمّى معصية فليس إلّا الأمر بالواسطة لا الأمر التّكوينيّ .
فما خالف اللّه أحد قطّ في جميع ما يفعله من حيث أمر المشيئة ؛ فوقعت المخالفة من حيث أمر الواسطة فافهم .
وعلى الحقيقة فأمر المشيئة إنّما يتوجّه على إيجاد عين الفعل لا على من ظهر على يديه ، فيستحيل أن لا يكون ؛ولكن في هذا المحلّ الخاصّ.
فوقتا يسمّى به مخالفة لأمر اللّه ، ووقتا يسمّى موافقة وطاعة لأمر اللّه ، ويتبعه لسان الحمد والذّمّ على حسب ما يكون .)

 ( فالمشيئة سلطانها ) ، أي تأثيرها في الأشياء ( عظيم ) لا يتخلف عنها ما يتعلق به ( ولهذا ) ، أي لعظم شأنها ( جعلها أبو طالب عرش الذات ) ، فإنه إذا استقرت الذات واستوت عليها بالتجلي بها نفذت حكمها في أقطار الوجود ( لأنها لذاتها ) لا لغيرها ( تقتضي الحكم ) ونفوذها وما اقتضاه الذات لا يتخلف عنها ( فلا يقع في الوجود شيء ولا يرتفع خارجا عن المشيئة فإن الأمر الإلهي إذا خولف ههنا بالمسمى ).

أي بما يسمى ( معصية فليس إلا الأمر بالواسطة ) المسمى بالأمر التكليفي .
قال رضي الله عنه :  ( لا الأمر التكويني فما خالف اللّه أحد قط في جميع ما يفعله من حيث أمر المشيئة فوقعت المخالفة من حيث أمر الواسطة فافهم . وعلى الحقيقة فأمر المشيئة ) إذا تعلقت بأفعال العباد

 ( إنما يتوجه على إيجاد عين الفعل لا على من ظهر ذلك على يديه فيستحيل أن يكون ) ، أي فيستحيل من حالتي الفعل وجوده وعدمه إلا وجوده فإنه غير مستحيل بل واجب .
وفي بعض النسخ يستحيل أن لا يكون ومعناه ظاهر .

قال رضي الله عنه :  ( ولكن في هذا المحل الخاص فوقتا يسمى ) عين الفعل ( به ) ، أي بأمر المشيئة ( مخالفة لأمر اللّه ) ، إذا لم يكن موافقا للأمر التكليفي ( ووقتا يسمى موافقة وطاعة لأمر اللّه ) إذا كان موافقا له ( ويتبعه ) ، أي الفعل الذي تتعلق به المشيئة ( لسان الحمد أو الذم على حسب ما يكون ) موافقا أو مخالفا للأمر التكليفي فإن كان موافقا يحمد وإن كان مخالفا يذم .


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولمّا كان الأمر في نفسه على ما قرّرناه لذلك كان مآل الخلق إلى السّعادة على اختلاف أنواعها.
فعبّر عن هذا المقام بأنّ الرّحمة وسعت كلّ شيء ، وأنّها سبقت الغضب الإلهيّ .
والسّابق متقدّم ، فإذا لحقه هذا الّذي حكم عليه المتأخّر حكم عليه المتقدّم فنالته الرّحمة إذ لم يكن غيرها سبق .  فهذا معنى سبقت رحمته غضبه . لتحكم على ما وصل إليها فإنّها في الغاية وقفت .
والكلّ سالك إلى الغاية . فلا بدّ من الوصول إليها ، فلا بدّ من الوصول إلى الرّحمة ومفارقة الغضب .  فيكون الحكم لها في كلّ واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها . فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا  .... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنّا )

قال رضي الله عنه :  (ولما كان الأمر في نفسه على ما قررناه ) من أنه لا يقع شيء إلا بالمشيئة الإلهية ولا يرتفع شيء إلا بها ( لذلك كان مآل الخلق ) في الآخرة ( إلى السعادة على اختلاف أنواعها ) واشتراكها في رفع العذاب عنهم ( فعبر ) الحق سبحانه ( عن هذا المقام ) ،

أي مقام كون مآل الكل إلى السعادة ( بأن الرحمة وسعت كل شيء ) فكما أن الرحمة الوجودية وسعت كل الأشياء حتى الغضب ، كذلك الرحمة المقابلة للغضب أيضا وسعتها ( وأنها ) ، أي وعبر عن هذا المقام أيضا بأنها ، أي الرحمة ( سبقت الغضب الإلهي ) سبقا يعم جميع معاني السبق من التقدم في الوجود ومن التعدي عن الشيء بعد اللحوق به ومن الغلبة والاستيلاء.
 
 ( والسابق ) بهذه المعاني ( متقدم فإذا لحقه ) بالاستحقاق به ( هذا ) البعد ( الذي حكم عليه المتأخر ) يعني الغضب ( حكم عليه المتقدم ) يعني الرحمة ( فنالته الرحمة ) وأخذته من يد غضب المنتقم ( إذا لم يكن غيرها ) ، أي غير الرحمة .

قال رضي الله عنه :  ( سبق فهذا معنى سبقت رحمته غضبه ، لتحكم ) ، أي الرحمة ( على من وصل إليها فإنها في الغاية وقفت ، والكل سالك إلى الغاية فلا بد من الوصول إليها ) ، أي إلى الغاية ( فلا بد من الوصول إلى الرحمة ) ، التي هي الغاية ( ومفارقة الغضب ) الذي عليه الرحمة ( فيكون الحكم لها ) ، أي الرحمة ( في كل واصل إليها ) ، أي إلى الغاية ( بحسب ما يعطيه حال الواصل إليها ) ، أي بحسب درجاتهم وتفاوت طبقاتهم فيكون للبعض نعيم في عين الجحيم ولبعض آخر في الجنة ولآخر في الأعراف الذي بينهما .

قال رضي الله عنه :  ( فمن كان ذا فهم ) عظيم يورثه الذوق والكشف ( يشاهد ما قلنا ) ، شهود أعياننا

قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلناه ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد ... عليه وكن بالحال فيه كما كنا
فمنه إلينا ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا .
وأمّا تليين الحديد فقلوب قاسية يليّنها الزّجر والوعيد تليين النّار الحديد .
وإنّما الصّعب قلوب أشدّ قساوة من الحجارة ، فإنّ الحجارة تكسّرها وتكلّسها النّار ولا تليّنها :
وما ألان له الحديد إلّا لعمل الدّروع الواقية تنبيها من اللّه : أي لا يتّقى الشّيء إلّا بنفسه ، فإنّ الدّرع يتّقى بها السّنان والسّيف والسّكّين والنّصل ، فاتّقيت الحديد بالحديد .
فجاء الشّرع المحمّديّ بأعوذ بك منك . فافهم ، فهذا روح تليين الحديد فهو المنتقم الرّحيم . واللّه الموفّق .)

قال رضي الله عنه :  (وإن لم يكن ) له ( فهم فيأخذه عنا ) أخذا تقليديا وإيمانيا ( فما ثمة ) ، أي في نفس الأمر ( إلا ما ذكرناه فاعتمد . . عليه وكن بالحال فيه ) ، أي فيما ذكرناه يعني اجتهد حتى يصير حالك ولا تكتف بمجرد التقليد ( كما كنا ) الفعل منسلخ عن الزمان ، أي كما نحن بالحال فيه ( فمنه ) ، أي من الحق تعالى نزل ( إلينا ) وفاض علينا ( ما تلونا عليكم . . ومنا ) ، نزل ( إليكم ما وهبناكم منا ) فمنا ثانيا تأكيدا للأول أو متعلقا بوهبناكم من أحوالنا التي نزلت إلينا من الحق سبحانه .

قال رضي الله عنه :  ( وأما تليين الحديد فقلوب قاسية ) ، أي فتليين قلوب قاسية ( يلينها الزجر والوعيد مثل تليين النار ) ،أي مثل تليين النار ( الحديد وإنما الصعب قلوب أشد قسوة من الحجارة فإن الحجارة تكسرها أو تكلسها النار ) ، أي تجعلها كلسا ، وهي النورة .

قال رضي الله عنه :  ( ولا تلينها وما ألان ) ، أي الحق سبحانه ( له ) ، أي لداود عليه السلام ( الحديد إلا لعمل  الدروع يتقى به السنان والسيف والسكين والنصل ) ، وكلها حديد كالدرع .


قال رضي الله عنه :  ( فاتقيت الحديد بالحديد . فجاء الشرع المحمدي بـ "أعوذ بك منك" . فهذا روح تليين الحديد فهو المنتقم الرحيم ) ،
فينبغي أن يتقي من الاسم المنتقم بالرحيم ( واللّه الموفق ) الجواد المفضل الكريم .

 

تم الفص الداودي
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالأحد يناير 19, 2020 6:26 pm

18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص اليونسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفصّ اليونسي
18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أنّ هذه النّشأة الإنسانيّة بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها اللّه على صورته ، فلا يتولّى حلّ نظامها إلّا من خلقها ، إمّا بيده - وليس إلّا ذلك - أو بأمره .
ومن تولّاها بغير أمر اللّه فقد ظلم نفسه وتعدّى حدّ اللّه فيها وسعى في خراب ما أمره اللّه بعمارته .)
فص حكمة نفسية في كلمة يونسية

لما نفس اللّه سبحانه بنفسه الرحماني عن كرب يونس عليه السلام بتخليص نفسه القدسية عن توهم خراب صورته الجسمانية وعدم نشأته العنصرية المانعين لها عن الوصول بكمالها حين ألقاه من بطن الحوت إلى ساحل اليم ، وصف حكمته بالنفسية بسكون الفاء كما ذهب إليها أكثر الشارحين ، أو النفسية بفتحها كما تشهد بها النسخة المقروءة على الشيخ رضي اللّه عنه .
وظهر من ذلك وجه تصدير قصته عليه السلام بما يدل على وجوب المحافظة للنشأة الإنسانية عن هدمها وحل نظامها حيث قال :
و ( اعلم أن ) هذه ( النشأة الإنسانية بكمالها ) ، أي بتمامها ( روحا وجسما ونفسا خلقها اللّه على صورته ) الجامعة بين التنزيه الذي تدركه الروح والتشبيه الذي تحكم به القوى الجسمانية ، والجمع بينهما الذي ينكشف للطيفة القلبية الجامعة بين أحكام الروح والجسم المتوسط بينهما ، وكأنه رضي اللّه عنه أراد بهذه اللطيفة النفس وإن كانت مسماة القلب في عرفهم ،
وهي في الحقيقة غير الروح لكن باعتبار تفاعل واقع بين صفاته التجريدية الذاتية وبين أحوالها التعلقية العرضية واستقرارها على حالة متوسطة اعتدالية من غير غالبية فاحشة ولا مغلوبية كذلك كما تقول الحكماء في المزاج ( فلا يتأتى حل نظامها إلا من خالقها ) ، وهو اللّه سبحانه ( إما بيده ) ، أي بغير واسطة الأمر التشريعي التكليفي ( وليس ) في الحقيقة ( إلا ذلك ) لأن الكل بمشيئته ( أو بأمره ) التشريعي التكليفي ( ومن تولاها بغير أمر اللّه فقد ظلم نفسه وتعدى حدود اللّه فيها ) ، أي تعدى ما عين اللّه وأوجبه عليه في شأنها من حفظها ( وسعى في خراب ما أمره اللّه بعمارته .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (واعلم أنّ الشّفقة على عباد اللّه أحقّ بالرّعاية من الغيرة في اللّه.
أراد داود بنيان البيت المقدس فبناه مرارا ، فكلّما فرغ منه تهدّم ، فشكا ذلك إلى اللّه تعالى فأوحى اللّه تعالى إليه أنّ بيتي هذا لا يقوم على يدي من سفك الدّماء ، فقال داود يا ربّ ألم يكن ذلك في سبيلك ؟ قال : بلى ولكنّهم أليسوا عبادي ؟ فقال :
يا ربّ فأجعل بنيانه على يدي من هو منّي فأوحى اللّه تعالى إليه أنّ ابنك سليمان يبنيه . فالغرض من هذه الحكاية مراعاة هذه النّشأة الإنسانيّة ، وأنّ إقامتها أولى من هدمها . ألا ترى عدوّ الدّين قد فرض اللّه في حقّهم الجزية والصّلح إبقاء عليهم ، وقال :وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [ الأنفال : 61 ] ؟ .
ألا ترى من وجب عليه القصاص كيف شرّع لوليّ الدّم أخذ الفدية أو العفو ؟
فإن أبى فحينئذ يقتل ؟ ألا تراه سبحانه إذا كان أولياء الدّم جماعة فرضي واحد بالدّية أو عفاه ، وباقي الأولياء لا يريدون إلّا القتل ، فكيف يراعى من عفا ويرجّح على من لم يعف فلا يقتل قصاصا ؟ ألا تراه عليه السّلام يقول في صاحب النّسعة « إن قتله كان مثله » ؟)
 
واعلم أن الشفقة على خلق اللّه أحق بالرعاية من الغيرة في اللّه ) بإجراء الحد والمفضية إلى هلاكهم ( أراد داود عليه السلام بنيان البيت المقدس فبناه مرارا فكلما فرغ منه تهدم فشكا ذلك إلى اللّه فأوحى اللّه إليه أن بيتي هذا لا يقوم على يدي من سفك الدماء فقال داود : يا رب ألم يكن ذلك ) ، أي سفك الدماء.
( في سبيلك قال : بلى ولكنهم أليسوا عبادي فقال : يا رب فاجعل بنيانه على يدي من هو مني فأوحى اللّه إليه أن ابنك سليمان يبنيه . والغرض من هذه الحكاية مراعاة هذه النشأة الإنسانية وأن إقامتها أولى من هدمها . ألا ترى عدو الدين قد فرض اللّه في حقهم الجزية والصلح إبقاء عليهم .
وقال :وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [ الأنفال : 61 ] الجنوح الميل وضمير لها للسلم فإنه مؤنث سماعي .
( ألا ترى من وجب عليه القصاص كيف شرع لولي الدم أخذ الفدية أو العفو ؟ عنه فإن أبى فحينئذ يقتل . ألا تراه سبحانه إذا كان أولياء الدم جماعة فرضي واحد بالدية أو عفى وباقي الأولياء لا يريدون إلا القتل كيف يراعى من عفا ويرجح على من لم يعف فلا يقتل قصاصا ؟ ألا تراه عليه السلام يقول في صاحب النسعة إن قتله كان مثله ؟ ) .
النسعة بكسر النون حبل طويل عريض يشبه الحزام وقصبتهما ، إنها كانت لرجل وجد مقتولا فرأى وليه نسعته في يد رجل فأخذه بدم صاحبها فلما قصد قتله ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إن قتله كان
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ألا تراه تعالى يقول :وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فجعل القصاص سيّية ، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا .فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ[ الشورى : 40 ] لأنّه على صورته .
فمن عفا عنه ولم يقتله . فأجره على من هو على صورته لأنّه أحقّ به إذ أنشأه له .
وما ظهر بالاسم الظّاهر إلّا بوجوده فمن راعاه إنّما يراعي الحقّ وما يذمّ الإنسان لعينه وإنّما يذمّ الفعل منه، والفعل ليس عينه ، وكلامنا في عينه.
ولا فعل إلّا للّه ؛ ومع هذا ذمّ منها ما ذمّ وحمد ما حمد .
ولسان الذّمّ على جهة الغرض مذموم عند اللّه تعالى .
فلا مذموم إلا ما ذمّه الشّرع ، فإنّ الشّرع لحكمة يعلمها اللّه أو من أعلمه اللّه كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النّوع وإرداعا للمتعدّي حدود اللّه فيه)
مثله ". رواه أبو داود  : « عن وائل بن حجر قال كنت عند النبي صلى اللّه عليه وسلم إذ جيء برجل قاتل في عنقه النسعة قال فدعا ولي المقتول فقال أتعفو قال لا قال أفتأخذ الدية قال لا قال أفتقتل قال نعم قال اذهب به فلما ولى قال أتعفو قال لا قال أفتأخذ الدية قال لا قال أفتقتل قال نعم قال اذهب به فلما كان في الرابعة قال أما إنك إن عفوت عنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه قال فعفا عنه قال فأنا رأيته يجر النسعة " . والحديث رواه غير أبو داود .
 
، أي في الظلم إذ لا يثبت القصاص شرعا بمجرد وجدان النسعة في يد آخر وكلاهما هدم بنيان الرب ( ألا تراه تعالى يقول :وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فجعل القصاص سيئة أي لسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا ) ،
وما يقال : إنما يقع أمثال ذلك على سبيل المشاكلة فلا ينافي القصد من البلغاء إلى مثل تلك المعاني والخواص ( فمن عفى وأصلح فأجره على اللّه لأنه ) ، أي المعفو عنه ( على صورته ) ، أي صورة الحق ( فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو ) ، أي المعفو عنه ( على صورته ) ، وهو الحق سبحانه ( لأنه ) ، أي الحق سبحانه ( أحق به ) ، أي بالعبد المعفو عنه ( إذ أنشأه له ) ، أي لنفسه حتى يظهر به أسماءه وصفاته .


( وما ظهر الحق باسم الظاهر إلا بوجوده فمن راعاه ) ، بأن عفى عنه ولم يقتله ( فإنما يراعي الحق ) بإبقاء مظهره حتى يتمكن من الظهور ( وما يذم الإنسان لعينه وإنما يذم لفعله وفعله ليس عينه وكلامنا في عينه ولا فعل إلا للّه ومع هذا ذم منها ) ، أي من الأفعال .
( ما ذم وحمد منها ما حمد ، ولسان الذم على جهة الغرض ) بأن ذم أحد شيئا لا يوافق غرضه ( مذموم عند اللّه بخلاف ما ذمه الشرع ) ، وهذا صريح في أن حسن الأشياء وقبحها شرعي لا عقلي ( فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها اللّه أو من أعلمه اللّه كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمتعدي حدود اللّه فيه ) ، أي في هذا النوع .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ[ البقرة : 179 ] وهم أهل لبّ الشيء الذّين عثروا على سرّ النّواميس الإلهيّة والحكميّة .
وإذ علمت أنّ اللّه راعى هذه النّشأة وإقامتها وإدامتها فأنت أولى بمراعاتها إذ لك بذلك السّعادة ، فإنّه ما دام الإنسان حيّا ، يرجى له تحصيل صفة الكمال الّذي خلق له .
ومن سعى في هدمها فقد سعى في منع وصوله لما خلق له .
وما أحسن ما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : " ألا أنبئكم بما هو خير لكم وأفضل من أن تلقوا عدوّكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم ذكر اللّه " .)
 
وقيل : المعنى فيه أي في القصاص ورد به قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِوهم أهل لب الشيء الذين عثروا ) ، أي اطلعوا ( على أسرار النواميس الإلهية ) التي يحكم بها الشرع ( والحكمية ) التي يقتضيها العقل .
(وإذا علمت أن اللّه راعى هذه النشأة وإقامتها وإدامتها فأنت أولى بمراعاتها إذ لك بذلك ) ، أي بأن تراعيها ( السعادة ) ، من وجهين ( فإنه ما دام الإنسان حيا يرجى له تحصيل صفة الكمال الذي خلق له ) ، فإذا أعنته على ذلك رجع أثر الإعانة إليك فذلك سعادة وأمنت من غائلة ترك الإعانة وذلك سعادة أخرى ( ومن سعى في هدمها فقد سعى في منع وصوله لما خلق له ) ، بل في منع وصول نفسه أيضا إليه لأنه يجازى بمثل ما فعل إما بالقصاص أو بغيره .
 
( وما أحسن ما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ) ترغيبا للعبد فيما يوصله إلى ما خلق له وتفضيلا لهذا الموصل على هدم النشأة الإنسانية ، وإن كان بالأمر وكان للهادم رتبة إعلاء كلمة اللّه وثواب الشهادة .
( « ألا أنبئكم بما هو خير لكم وأفضل من أن تلقوا عدوّكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم ذكر اللّه »  ) ،
"" عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال : قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر اللّه تعالى فقال معاذ بن جبل رضي اللّه عنه ما شيء أنجى من عذاب اللّه من ذكر اللّه " . رواه الترمذي وابن ماجة  و غيرهما ""
أي ما هو خير لكم مما ذكر ، ذكر اللّه سبحانه
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وذلك أنّه لا يعلم قدر هذه النّشأة الإنسانيّة إلّا من ذكر اللّه الذّكر المطلوب منه ، فإنّه تعالى جليس من ذكره ، والجليس مشهود الذاكر ومتى لم يشاهد الذّاكر الحقّ الّذي هو جليسه فليس بذاكر .  فإنّ ذكر اللّه سار في جميع العبد .
لا من ذكره بلسانه خاصّة . فإنّ الحقّ لا يكون في ذلك الوقت إلّا جليس اللّسان خاصّة ، فيراه اللّسان من حيث لا يراه الإنسان بما هو راء .  فافهم هذا السّرّ في ذكر الغافلين .
فالذّاكر من الغافل حاضر بلا شكّ ، والمذكور جليسه فهو يشاهده والغافل من حيث غفلته ليس بذاكر فما هو جليس الغافل فإنّ الإنسان كثير ما هو أحديّ العين ، والحقّ أحديّ العين كثير بالأسماء الإلهيّة : كما أنّ الإنسان كثير بالأجزاء : وما يلزم من ذكر جزء ذكر جزء آخر .)
 
(وذلك ) ، أي حسن ما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم بحيث يقضي منه العجب ( أنه لا يعلم قدر هذه النشأة الإنسانية إلا من ذكر اللّه الذكر المطلوب منه ) ، فيحصل فيها ما لا سعادة فوقه وهو سعادة شهود الحق سبحانه ، فنبه صلى اللّه عليه وسلم على أن ما يحصل للذاكر في هذه النشأة أفضل مما يحصل في هدمها ، وإن كان واقعا بموجب الأمر مثمرا لسعادات عظيمة هي الفوز بالجنة والتلذذ بملاذها من الحور والقصور وغيرها ، فإبقاء هذه النشأة أفضل من هدمها وإن كان بالأمر .
ثم شرع رضي اللّه عنه في بيان ما يحصل للذاكر في هذه النشأة فقال : ( فإنه تعالى جليس من ذكره والجليس مشهود الذاكر ومتى لم يشاهد الذاكر ) ، فجمع أجزاء وجوده ( الحق الذي هو جليسه فليس بذاكر فإن ذكر اللّه سار في جميع ) أجزاء ( العبد ) ، فالذاكر له من ذكر بجميع أجزائه ( لا من ذكره بلسانه خاصة فإن الحق لا يكون في ذلك الوقت إلا جليس اللسان خاصة فيراه اللسان من حيث لا يراه الإنسان بما هو ) ، أي اللسان راء به وهو البصر وفيه إشارة إلى أن لكل شيء نصيبا من الصفات السبعة الكمالية ولكن لا على الوجه المعهود ، ولذلك قال بما هو ( راء ) . )فافهم هذا السر في ذكر الغافلين). 
 
(فالذاكر ) الذي هو اللسان ( من الغافل حاضر بلا شك والمذكور جليسه فهو ) ، أي الذاكر ( يشاهده ) ، أي المذكور ( والغافل من حيث غفلته ليس بذاكر فما هو ) ، أي الحق
( جليس الغافل فإن الإنسان ما هو أحدي العين والحق أحدي العين كثير بالأسماء الإلهية ، كما أن الإنسان كثير بالأجزاء ولا يلزم من ذكر جزء ما ذكر جزء آخر .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فالحقّ جليس الجزء الذاكر منه والآخر متّصف بالغفلة عن الذّكر . ولا بدّ أن يكون في الإنسان جزء يذكر به فيكون الحقّ جليس ذلك الجزء فيحفظ باقي الأجزاء بالعناية .
وما يتولّى الحقّ هدم هذه النّشأة بالمسمّى موتا وليس بإعدام كلّيّ وإنّما هو تفريق ، فيأخذه إليه ، وليس المراد إلا أن يأخذه الحقّ إليهوَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ [ هود : 123 ] فإذا أخذه إليه سوّى له مركبا غير هذا المركب من جنس الدّار الّتي ينتقل إليها ، وهي دار البقاء لوجود الاعتدال .  فلا يموت أبدا ، أي لا تفرّق أجزاؤه .
وأمّا أهل النّار فمآلهم إلى النّعيم ، ولكن في النّار إذ لا بدّ لصورة النّار بعد انتهاء مدّة العقاب أن تكون بردا وسلاما على من فيها ، وهذا نعيمهم .)
 
فالحق جليس الجزء الذاكر منه و ) الجزء ( الآخر متصف بالغفلة عن الذكر ولا بد أن يكون في الإنسان جزء يذكر الحق به فيكون الحق جليس ذلك الجزء فيحفظ باقي الأجزاء بالعناية ) الإلهية كما يحفظ العالم بوجود الكامل الذي يذكر اللّه في جميع أحيانه كما جاء في الحديث : « لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول : اللّه اللّه » .رواه مسلم وغيره
ولما ذكر أن العبد محفوظ ما دام جزء منه ذاكرا كان محال أن يقول : كيف يكون محفوظا وقد يطرأ عليه الموت فدفعه بقوله : ( وما يتولى الحق هدم هذه النشأة بالمسمى موتا فليس بإعدام ) له بالكلية ( وإنما هو ) أي الموت ( تفريق ) بين الجسم والروح ( فيأخذه ) ، أي العبد من حيث روحه ( إليه وليس المراد ) ، أي مراد العبد ( إلا أن يأخذه الحق ) ويخلصه من عالم الكون والفساد ( إليه ، وإليه يرجع الأمر كله فإذا أخذه ) الحق ( إليه ) ، أي إلى نفسه ( سوى له مركبا ) أي بدنا يكون له بمنزلة المركب ( غير هذا المركب ) الذي هو بدنه الصغرى ( من جنس الدار التي ينتقل إليها ) ، إما بدنا مثاليا كما في البرزخ أو بدنا أخرويا بعد الحشر شبيها بالبدن العنصري في دار الجزاء الجنة أو النار ( وهي دار البقاء لوجود الاعتدال ) الحقيقي الذي يحفظ الأجزاء عن الانفكاك ( فلا يموت أبدا أي لا تتفرق أجزاؤه ) ، كما قال تعالى :خالِدِينَ فِيها أَبَداً[ النساء : 57 ] .
( وأما أهل النار ) الخالدون فيها ( فمآلهم إلى النعيم ولكن في النار إذ لا بد لصورة النار بعد انتهاء مدة العقاب أن تكون بردا وسلاما على من فيها وهذا نعيمهم ) . وقد جاء
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فنعيم أهل النّار بعد استيفاء الحقوق نعيم خليل اللّه حين ألقي في النّار فإنّه عليه السّلام تعذّب برؤيتها وبما تعوّد في علمه وتقرّر من أنّها صورة تؤلم من جاورها من الحيوان وما علم مراد اللّه فيها ومنها في حقّه .
فبعد وجود هذه الآلام وجد بردا وسلاما مع شهود الصّورة اللّونيّة في حقّه وهي نار في عيون النّاس . فالشّيء الواحد يتنوّع في عيون النّاظرين : هكذا هو التّجلّي الإلهيّ .
فإن شئت قلت إنّ اللّه تجلّى مثل هذا الأمر ، وإن شئت قلت إنّ العالم في النّظر)
 
في الحديث : « سيأتي على جهنم زمان ينبت من قعرها الجرجير » ،
"" عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الحوك بقلة طيبة كأني أراها نابتة في الجنة، والجرجير بقلة خبيثة كأني أراها نابتة في النار".
إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة ابن حجر العسقلاني.
وأخرج البزار عن ابن عمرو قال: "يأتي على النار زمان تخفق الرياح أبوابها فليس فيها أحد من الموحدين".
قال القرطبي: المراد بالنار الطبقة العليا التي هي للعصاة من أهل التوحيد، وقد قيل إنه ينبت على شفيرها الجرجير. تحقيق كتاب البدور السافرة  للسيوطي""
( فنعيم أهل النار بعد استيفاء الحقوق ) ، أي بعد استيفاء الاسم المنتقم حقوق اللّه وحقوق الخلق منه ( كنعيم خليل اللّه عليه السلام حين ألقي في النار فإنه عليه السلام تعذب برؤيتها وبما تعود في علمه وتقرر من أنها صورة تؤلم من جاورها من الحيوان وما علم مراد اللّه فيها ومنها ) ومن راحته في صورة العذاب ونعيمه في عين الجحيم ( فبعد وجود هذه الآلام وجد بردا وسلاما مع شهود الصورة الكونية ) ، أي المرئية على كون النار دون أثرها ( في حقه) ، أي في حق خليل اللّه عليه السلام ( وهي نار في عيون الناس ) ، ونور وراحة له عليه السلام ( فالشيء الواحد يتنوع في عيون الناظرين هكذا هو التجلي الإلهي ) فإنه واحد في ذاته مختلف القوابل فيرى متنوعا ، وكما أن التجلي الإلهي واحد في ذاته بحسب القوابل ،
فيرى كذلك العالم الواحد في نفسه مختلف بحسب الناظرين فيرى متبوعا ، فإنه إذا تجلى الحق فيه على الناظر بأسمائه الحجابية ترى أعيانه صورا حجابية متباينة مباينة للحق سبحانه ويبقى الناظر فيه محجوبا عن مشاهدة الحق سبحانه ،
وإذا تجلى فيه على الناظر بكثرته الاسمائية يرى أعيانها مجالي أسمائه ويصير الناظر حينئذ مكاشفا بأسمائه وصفاته ، وإذا تجلى فيه عليه بوحدته الذاتية ترى أعيانه مع أعيانه مع كثرتها واحدة ، ويصير الناظر فيه مشاهدا للحق سبحانه بوحدته الذاتية إلى غير ذلك من صور التجليات ، إذا عرفت هذا ظهر عليك أن الأمر الواحد الذي هو النار في هذه الصورة يصلح أن تجعل مثالا للتجلي الوحداني الإلهي المتنوع بحسب القوابل ، وأن يجعل مثالا للعالم الواحد في نفسه المحتمل ، لأن يظهر على الناظر بالصور المذكورة وغيرها ، وإذا نظرت إلى هذين الاحتمالين ( فإن شئت ) جعلته مثالا للتجلي الوحداني الإلهي .
( قلت : إن اللّه سبحانه تجلى ) بصور متنوعة ( مثل هذا الأمر ) يعني النار التي هي في
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إليه وفيه مثل الحقّ في التّجلّي .  فيتنوّع في عين النّاظر بحسب مزاج النّاظر أو يتنوّع مزاج النّاظر لتنوّع التّجلّي وكلّ هذا سائغ في الحقائق .
فلو أنّ الميّت - والمقتول - أيّ ميّت كان ، أو أيّ ، مقتول كان - إذا مات أو قتل لا يرجع إلى اللّه ، لم يقض اللّه بموت أحد ولا شرّع قتله . فالكلّ في قبضته فلا فقدان في حقّه .
فشرع القتل وحكم بالموت لعلمه بأنّ عبده لا يفوته : فهو راجع إليه . على أنّ قوله :وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُأي فيه يقع التّصرّف ، وهو المتصرّف ، فما خرج عنه شيء لم يكن عينه ، بل هويّته هو عين ذلك الشّيء .
وهو الّذي يعطيه الكشف في قوله :وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ[ هود : 123 ] .)
 
عين الخليل عليه السلام نور . وفي أعين الناظرين نار ( وإن شئت ) جعلته مثالا للعالم و ( قلت إن العالم في النظر ) المنتهي ( إليه و ) النافذ ( فيه ) بملاحظة تفاصيل أحواله المستورة فيه ( مثل الحق في التجلي ) ، أي تجليه بحسب القوابل .
( فيتنوع ) ، أي العالم ( في عين الناظر بحسب مزاج الناظر ) ، واستعداده لظهوره عليه كما عرفت ، ولما كان مزاج الناظر بحسب استعداده الكلي أمرا واحدا يتنوع بحسب تنوع التجلي المتنوع بحسب استعداداته الجزئية يصلح أن تجعل النار في الصورة المذكورة مثالا له وإلى هذه الصلاحية أشار بقوله : ( أو يتنوع مزاج الناظرين لتنوع التجلي فكل ) واحد من ( هذا ) المذكور من التمثيلات الثلاثة سائغ في معرفة ( الحقائق ) وبيانها .
( فلو أن الميت أو المقتول ، أي ميت كان أو أي مقتول كان ) سعيدا أو شقيا ( إذا مات أو قتل لا يرجع إلى اللّه لم يقض اللّه بموت أحد ولا شرع قتله فالكل في قبضته ) ،
وتحت حكم إحاطته ( فلا فقد في حقه فشرع القتل ( ، على ألسنة أوليائه ( وحكم بالموت ) ، في سابق قضائه ( لعلمه بأن عبده لا يفوته فهو راجع إليه ) ، بزواله عن الظاهر وانتقاله إلى الباطن وهذا ، أي رجوعه إليه وهو الظاهر ذوقا وكشفا ( على أن هذا ) الرجوع منطو ( في قوله تعالى :وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ) [ هود : 123 ] ، أي أمر الوجود
كله . أي فيه يقع التصرف فهو المتصرف فيه ) ، يعني القابل . ( وهو المتصرف ) ، يعني الفاعل وأمر الوجود منحصر في القابل والفاعل ( فما خرج عنه شيء لم يكن عينه بل هويته عين ذلك الشيء وهو الذي يعطيه الكشف الصحيح في قوله تعالى :وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُكله ) .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (والتّوفيق من اللّه تعالى ) .
 
فالضمير في إليه إشارة إلى هويته الغيبية ،
والرجوع لغة هو : العود إلى ما كان منه البدء . فدلت هذه الآية على أن هويته العينية مبدأ الأشياء كلها ومرجعها .
ومبدئية شيء لشيء على أنواع :
أحدها : أن يتنزل المبدأ عن صرافة إطلاقه بظهور شؤونه المستجنة في غيب ذاته وتقيده بها فيصير أمرا مقيدا مغايرا بالتقييد والإطلاق ،
ورجوع هذا المقيد إلى المبدأ بانسلاخه عن الصفات التقييدية بعودها من الظاهر إلى الباطن ، فحمل المبدئية والمرجعية على هذا الاحتمال وجعل ضمير الغائب إشارة إلى الهوية الغيبية مما يعطيه الكشف.

فإن العقل لا يستقل به واللّه أعلم .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالإثنين يناير 27, 2020 4:23 pm

19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الأيوبي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفصّ الأيوبي
19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية الجزء الأول
قال الشيخ رضي الله عنه :  (إعلم أنّ سرّ الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان ، ولذلك جعل اللّهمِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [ الأنبياء : 30 ] وما ثمّ شيء إلّا وهو حيّ ، فإنّه ما من شيء إلّا وهو يسبّح بحمد اللّه ولكن لا تفقه تسبيحه إلّا بكشف إلهيّ . ولا يسبّح إلّا حيّ .
فكلّ شيء حيّ فكلّ شيء الماء أصله . ألا ترى العرش كيف كان على الماء)

فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية
لما كانت أحواله عليه السلام غالبا في زمان الابتلاء وقبله وبعده غيبية وصفت حكمته بالغيبية وأسندت إلى كلمته.
والمراد بكون أحواله غيبية إنما ظهر من الغيب بلا سبب معهود وموجب مشهود ، فلا يرد أن أحوال جميع الأنبياء بل أهل العالم كلهم ظهرت من الغيب ، فلا اختصاص حينئذ ، لأن أكثر أحوالهم منوطة بشروط معهودة ومربوطة بأسباب مشهودة ، وتفصيل أحواله التي ظهرت من الغيب بلا سبب ظاهر مذكور في شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي رحمه اللّه فمن أراده فليطالع ثمة .
 
( اعلم أن سر الحياة ) ، يعني السر الذي هو الحياة . وإنما جعلها سرا لأنها أمر مغيب مستور في الحي لا تعلم إلا في آثارها كالحس والحركة والعلم والإرادة وغيرها ( سرى في الماء ) بسريان الهوية الغيبية فيه منصبغة بصفة الحياة .
وكان المراد بهذا الماء النفس الرحماني الذي هو هيولى للعالم مطلقا ، لأن الشيء المذكور في نتيجة المقدمات الآتية أعني قوله :
فكل شيء الماء أصله يعم عالم الأجسام وغيره ، لا الماء المتعارف .
ولهذا فرع عليه قوله ( فهو ) ، أي الماء ( أصل العناصر ) التي واحد منها الماء المتعارف ، فيلزم من ذلك أن يكون أصلا للمولدات أيضا ، لأن أصل الأصل أصل .
ومنها السماوات السبع ، لأنها عنصرية على مذهب الشيخ رضي اللّه عنه ) والأركان الأربعة ) ، أي سائر أركان العالم من العرش والكرسي ( ولذلك ( ، أي السريان سر الحياة في الماء ( جعل اللّه من الماء كل شيء حي وما ثم ) في الوجود ( شيء إلا وهو حي فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد اللّه ولكن لا يفقه تسبيحه إلا بكشف إلهي ، ولا يسبح إلا حي . فكل شيء حي فكل شيء الماء أصله ) ، والماء الذي هو أصل كل شيء ليس
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( لأنّه منه تكوّن فطفا عليه فهو يحفظه من تحته ، كما أنّ الإنسان خلقه اللّه عبدا فتكبّر على ربّه وعلا عليه ، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنّظر إلى علوّ هذا العبد الجاهل بنفسه.
وهو قوله عليه السّلام : « لو دلّيتم بحبل لهبط على اللّه » فأشار إلى نسبة التّحت إليه كما أنّ نسبة الفوق إليه في قوله :يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [ النحل : 50 ] ، وَهُوَ )
 
إلا النفس الرحماني ، وإنما أطلق اسم الماء عليه للطف سريانه في الأشياء ، أو لأنه شبيه بالنفس الإنساني الذي هو أجزاء صغار مائية ممزوجة بأجزائية هوائية فيصح إطلاق الماء عليه ، فكذا على ما هو شبيه به ولكن على سبيل التجوز ( ألا ترى العرش ) وهو أول الأجسام ( كيف كان على الماء لأنه ) ، أي العرش ( منه ) ، أي الماء ( تكوّن فطفا ) ، أي علا وارتفع العرش ( عليه ) ، أي على الماء ، وذلك لأن العرش صورة ، والماء هيولاها وظاهر أن الصورة تعلو على الهيولى وتخفيها فيما تحتها ( فهو ) ، أي الماء ( يحفظه ) ، أي العرش ( من تحته ) ضرورة حفظ الهيولى للصورة ( كما أن الإنسان خلقه اللّه عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه فهو ) سبحانه ( مع هذا يحفظه من تحته ) تحتية علو متوهمة له سبحانه ( بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه ) عند نفسه لا في نفس الأمر ، وللعبد بوجه آخر علو على الحق سبحانه . وذلك أن للعبد صورة تعين للوجود الحق ، والتعين لا بد أن يعلو على المتعين به ويستره تحته فهو مستور بالتعين العبداني ، ولولا وجود الحق المتعين به إذ لا تحقق للتعين بدون المتعين ، فالحق يحفظ العبد من تحته .
( و ) ما يدل على كون الحق تحت العبد ( هو قوله عليه السلام : "لو دليتم بحبل لهبط على اللّه"  فأشار إلى أن نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوقية ).


"" الحديث : « عن أبي هريرة قال بينما نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب ، فقال نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم هل تدرون ما هذا ؟ فقالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : هذا العنان هذه زوايا الأرض يسوقه اللّه تبارك وتعالى إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ، قال : هل تدرون ما فوقكم ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف ؟ ثم قال هل تدرون كم بينكم وبينها ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : بين سنة ، ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإن فوق ذلك سماءين ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع سماوات ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد مثل ما بين السماءين ، ثم قال : هل تدرون ما الذي تحتكم ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإنها الأرض ، ثم قال : هل تدرون ما الذي تحت ذلك ؟
قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإن تحتها الأرض الأخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة ثم قال والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السلفي لهبط على اللّه ثم قرأ :هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.". رواه الترمذي والبيهقي وابن ابي عاصم في السنة والأصبهاني في العظمة و الهيتمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد والسيوطي في الجامع الكبير"".
، أي كنسبة الفوقية
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ [ الأنعام : 18 ] فله الفوق والتّحت .
ولهذا ما ظهرت الجهات السّتّ إلّا بالإنسان وهو على صورة الرّحمن .
ولا مطعم إلّا اللّه ، وقد قال في حقّ طائفة : وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ثمّ نكّر وعمّم فقال :وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ فدخل في قوله :وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ كلّ حكم منزل على لسان رسول أو ملهم ،"لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ " وهو المطعم من الفوقيّة الّتي نسبت إليه ،"وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ" [ المائدة : 66 ] وهو المطعم من التّحتيّة الّتي نسبها إلى نفسه على لسان رسوله المترجم عنه صلى اللّه عليه وسلم .)
 
(إليه ) فما زائدة كما في قوله فبما رحمة نسبت الفوقية إليه ( في قوله :يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [ النحل : 50 ] وقوله ) تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِفله الفوق والتحت ) وسائر الجهات ( ولهذا ) ، أي لإحاطته بجميع الجهات ( ما ظهرت الجهات الست إلا بالنسبة إلى الإنسان ) ، لا به تعالى لأنه إذا أحاط بجميع الجهات لم يكن فوق لا يكون هو فيه وإلا لم يكن محيط بها ، وكذا لو لم يكن تحت لا يكون هو فيه ، وكذا سائر الجهات ، فلم تظهر الجهات بالنسبة إليه ، بخلاف الإنسان فإن له فوقا ليس هو فيه وكذلك له تحت ليس هو فيه ، وعلى هذا القياس سائر الجهات ، فلعدم إحاطته بالجهات بخلاف الحق سبحانه لإحاطته بها كما عرفت ( وهو ) ، أي الإنسان ( على صورة الرحمن ) فلو كان للحق جهة تكون باعتبار صورته لا باعتبار حقيقته ولو كان الإنسان محيطا بالجهات يكون باعتبار من هو على صورته لا باعتبار نفسه .


( ولا مطعم ) بالغذاء الروحاني والجسماني ( إلا اللّه وقد قال في حق طائفة ) : وهم قوم موسى وعيسى عليهما السلام (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) [ المائدة : 66 ] بالانقياد لأحكامهم ( ثم نكر وعمم فقال :وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ فدخل في قوله :وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ كل حكم منزل منه على لسان رسول أو ملهم ) ، أي معلم بالإلهام الرباني لأرباب القلوب
(لَأَكَلُوا) الأرزاق الروحانية من العلوم والمعارف الوهبية ( من فوقهم وهو المطعم من الجهة الفوقية التي نسبت إليه و ) من الأحوال والمواجيد الكسبية الحاصلة لهم بسلوك الطريقة بالأرجل ( من تحت أرجلهم وهو المطعم من الجهة التحتية التي نسبها إلى نفسه على لسان رسوله المترجم عنه صلى اللّه عليه وسلم ) ،
وإنما قال رضي اللّه عنه في الجهة الفوقية " نسبت" على صيغة المجهول وفي الجهة التحتية " نسبها "  بإسناد نسبتها إليه سبحانه نظرا إلى حال المحجوبين فإنهم لا يتوحشون من نسبة الفوقية إليه تعالى كما يتوحشون من نسبة التحتية ، كيف وقد ذهب بعضهم إلى إثبات الجهة الفوقية له تعالى وأسند إليه سبحانه نسبة التحتية مع أنها وقعت على لسان رسوله صلى اللّه عليه وسلم دفعا لتوحشهم .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولو لم يكن العرش على الماء ما انحفظ وجوده ، فإنّه بالحياة ينحفظ وجود الحي.  ألا ترى أنّ الحيّ إذا مات الموت العرفيّ تنحلّ أجزاء نظامه وتنعدم قواه عن ذلك النّظم الخاصّ ؟
قال تعالى لأيّوب :ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ [ ص : 42]  يعني ماء بارد - وشراب لما كان عليه من إفراط حرارة الألم فسكّنه اللّه ببرد الماء .
ولهذا كان الطّبّ النّقص من الزّائد ، والزّيادة في النّاقص . والمقصود طلب الاعتدال ، ولا سبيل إليه إلّا أنّه يقاربه .
وإنّما قلنا ولا سبيل إليه أعني الاعتدال من أجل أنّ الحقائق والشّهود تعطي التّكوين مع الأنفاس على الدّوام ، ولا يكون التّكوين إلّا عن ميل يسمّى في الطبيعة)
 
 ( ولو لم يكن العرش على الماء ما انحفظ وجوده فإنه بالحياة ينحفظ وجود الحي ألا ترى الحي إذا مات الموت العرفي تنحل أجزاء نظامه وتنعدم قواه عن ذلك النظم الخاص )
ولما ظهر من أنه بالحياة ينحفظ وجود الحي ولا مادة للحياة إلا الماء
( قال تعالى : لأيوب ) حين أشرف على زوال الحياة لشدة الحرارة المفنية برودة الماء ورطوبتها (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ  [ ص : 42 ] يعني ماء باردا لما كان عليه من إفراط حرارة الألم فسكنه ) ، أي أيوب أو إفراط الحرارة ( اللّه ببرد الماء ) نقص عن حرارته الزائدة على ما ينبغي وزاد على برودته الناقصة عما ينبغي ( ولهذا كان الطب النقص من الزائد والزيادة في الناقص والمقصود من ذلك ) النقص والزيادة ( طلب الاعتدال ) ، أي تساوي الناقص والزائد.
( ولا سبيل إليه ) ، أعني إلى الاعتدال مطلقا سواء كان في الكيفيات المتضادة كما في المزاج ، أو في غيرها كما في الصور التي ذكرها الشيخ رضي اللّه عنه ( إلا أنه ) ، أي المقصود من النقص والزيادة ( يقاربه ) ، أي الاعتدال .
( وإنما قلنا ولا سبيل إليه ) ، أعني الاعتدال ( من أجل أن الحقائق والشهود ) ، أي معرفة الحقائق وشهودها على ما هي عليه ( تعطي التكوين مع الأنفاس على الدوام ) ، يعني يعطي العلم نار الأشياء تتكون في كل آن على الدوام ( ولا يكون التكوين ) مع الأنفاس إلا بعد انعدام المكون ( إلا عن ميل ) من الكون تارة إلى العدم وتارة إلى الوجود فلو اعتدل الميلان وتساويا يلزم إما خلوه من الوجود والعدم ، أو اتصافه بهما معا وكلاهما محال ، فلا سبيل إلى الاعتدال ( يسمى ) هذا الميل ( في الطبيعة ) ، أي في علم الطبيعة أو في الطبائع المتضادة المستقرة على حالة وحدانية معتدلة
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (انحرافا أو تعفينا ، وفي حقّ الحقّ إرادة وهي ميل إلى المراد الخاصّ دون غيره .
والاعتدال يؤذن بالسّواء في الجميع وهذا ليس بواقع فلهذا منعنا من حكم الاعتدال .
وقد ورد في العلم الإلهيّ النّبويّ اتّصاف الحقّ بالرّضا والغضب ، وبالصّفات .
والرّضا مزيل للغضب ، والغضب مزيل للرّضا عن المرضيّ عنه والاعتدال أن يتساوى الرّضا والغضب ؛ فما غضب الغاضب على من غضب عليه وهو عنه راض .
فقد اتّصف بأحد الحكمين في حقّه وهو ميل . وما رضي الحقّ عمّن رضي عنه وهو غاضب عليه ؛ فقد اتّصف بأحد الحكمين في حقّه وهو ميل .
وإنّما قلنا هذا من أجل من يرى أنّ أهل النّار لا يزال غضب اللّه عليهم دائما أبدا في زعمه فما لهم حكم الرّضا من اللّه فصحّ المقصود .
فإن كان كما قلنا مآل أهل النّار إلى إزالة الآلام وإن سكنوا النّار ، فذلك رضا .)
 
 ( انحرافا أو تعفينا ) ، إذا كان مبدأ فساد مزاج ( و ) يسمى هذا الميل ( في حق الحق إرادة وهي ) ، أي الإرادة ( ميل إلى ) وجود ( المراد الخاص ) أو عدمه ( دون غيره ) ، فإن استوت نسبته تعالى إلى وجوده وعدمه بخلوه عن إرادتهما أو لاتصافه بإرادتهما من غير ترجيح لزم إما خلو هذا المراد الخاص عن الوجود والعدم واتصافه بهما وذلك محال ،
( والاعتدال يؤذن بالسواء ) ، بين الأمور المتضادة ( في الجميع ) ، أي في جميع هذه الصور ( وهذا ) ، أي الاعتدال ( ليس بواقع ) في صورة منها لامتناعه كما بين ( فلهذا منعنا من حكم الاعتدال وقد ورد في العلم الإلهي ) الفائض من الحضرة الألوهية ( النبوي ) الجاري على لسان النبي صلى اللّه عليه وسلم ( اتصاف الحق بالرضا وبالغضب وبالصفات ) المتقابلة ( والرضا مزيل للغضب ) عن المغضوب عليه ( والغضب مزيل للرضا عن المرضي عنه والاعتدال أن يتساوى الرضا والغضب ) ، ولا سبيل إليه ( فما غضب الغاضب على من غضب عليه وهو عنه راض . فقد اتصف بأحد الحكمين في حقه ) ، يعني الغضب ( وهو ميل . وما رضي الحق عمن رضي عنه وهو غاضب عليه فقد اتصف بأحد الحكمين في حقه ) ، يعني الرضا ( وهو ميل . وإنما قلنا هذا ).


الكلام على وجه لا يدل على زوال غضب الحق عن العبد مطلقا بل قيدناه بشرط المرضي ووجود الشرط مسكوت عنه ( من أجل من يرى أهل النار لا يزال غضب اللّه عليهم دائما أبدا في زعمه فما لهم حكم الرضا من اللّه ) ، فما كان الأمر كما زعمه ( فصح المقصود ) يعني وجود الميل وعدم الاعتدال ( فإن كان كما قلنا ) مرارا وقررناه ( مآل أهل النار إلى إزالة الآلام وإن سكنوا النار ) وبقيت عليهم الصورة النارية (فذلك رضا ) اللّه عنهم لأنه زال تألمهم بها
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فزال الغضب لزوال الآلام، إذ عين الألم عين الغضب إن فهمت.
فمن غضب فقد تأذّى ، فلا يسعى في انتقام المغضوب عليه بإيلامه إلّا ليجد الغاضب الرّاحة بذلك ، فينتقل الألم الّذي كان عنده إلى المغضوب عليه .
والحقّ إذا أفردته عن العالم يتعالى علوا كبيرا عن هذه الصّفة على هذا الحدّ . وإذا كان الحقّ هويّة العالم ، فما ظهرت الأحكام كلّها إلّا منه وفيه .
وهو قوله تعالى :وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ حقيقة وكشفافَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ[ هود : 123 ] حجابا وسترا . فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم لأنّه على صورة الرّحمن .
أوجده اللّه أي ظهر وجوده تعالى بظهور العالم كما ظهر الإنسان بوجود )
 
 ( فزال الغضب لزوال الآلام إذ عين الألم عين الغضب ) ، أي عين ألم العبد عين غضب الحق إذ ليس عنده تعالى في مرتبة الجمعية شيء من الآلام حتى يكون زوال الغضب بزواله كما يكون عند العبد من التأذي من المغضوب عليه ، فلا يحكم بزوال غضب الرب إلا بزوال ألم العبد ، فعين الألم عين الغضب ( إن فهمت ) المقصود من هذه العينية .
ثم شرع في بيان ما يضاف إلى الحق من الغضب باعتبار مقامي جمعه وتفصيله فقال ( فمن غضب ) من الخلائق ( فقد تأذى ) من المغضوب عليه .
( فلا يسعى في انتقام المغضوب عليه بإيلامه إلا ليجد الغاضب الراحة بذلك فينتقل الألم الذي كان عنده إلى المغضوب عليه . والحق إذا أفردته عن العالم ) ، باعتبار غناه الذاتي عن العالمين ( تعالى ) علوا كبيرا عن هذه الصفة يعني الغضب ( على هذا الحد ) الذي تعارفه الخلق من أنفسهم فقوله : على هذا الحد لا بد منه وهو موجود في متن النسخة التي قوبلت بحضور الشيخ رضي اللّه عنه مع الأصل ،
فيسقط ما قاله بعض الشارحين من أن الكلام بدونه تمام ، والظاهر أنه كان من الحاشية فوقع في المتن ( وإذا كان الحق هوية العالم فما ظهرت الأحكام كلها إلا فيه ) ، باعتبار أنه محل لظهورها ( ومنه ) باعتبار أنه مبدأ لها فلا عليك إذا أسندتها إليه تعالى ( و ) ما يدل على ما ذكرناه من عدم ظهور الأحكام إلا فيه ومنه ( هو قوله : وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ) ، أي أمر الوجود ذاتا وصفة وفعلا ( كله حقيقة وكشفا ) ولا تمتنع من عبودته بانكشاف هذه الحقيقة عليك ( فاعبده وتوكل عليه حجابا وسترا ) ،
أي من حيث أن حجاب العبودية بينك وبينه مسدول ، وهو به عنك مستور . وإذا كان هويته تعالى هوية العالم وترجع جميع أمور العالم إليه ( فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم ، لأنه ) تفصيل ما تجمعه الحقيقة الإنسانية وهي مخلوقة ( على صورة الرحمن أوجده اللّه تعالى ، أي أظهر وجوده تعالى بظهور العالم كما
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الصّورة الطّبيعيّة .
فنحن صورته الظّاهرة وهويّته تعالى روح هذه الصّورة المدبّرة لها . فما كان التّدبير إلّا فيه كما لم يكن إلّا منه . فهو "الْأَوَّلُ" بالمعنى "وَالْآخِرُ" بالصّورة وهو "وَالظَّاهِرُ" بتغيّر الأحكام والأحوال "وَالْباطِنُ " بالتّدبير ،"وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "[ الحديد : 3 ]  فهو على كلّ شيء شهيد ، ليعلم عن شهود لا عن فكر .
فكذلك علم الأذواق لا عن فكر وهو العلم الصّحيح وما عداه فحدس وتخمين ليس بعلم أصلا.
ثمّ كان لأيّوب عليه السّلام ذلك الماء شرابا لإزالة ألم العطش الّذي هو من النّصب والعذاب الّذي مسّه به الشّيطان ، أي البعد عن الحقائق أن يدركها على ما هي عليه .
فيكون بإدراكها في محلّ القرب . فكلّ مشهود قريب من العين ولو كان بعيدا)
 
ظهر الإنسان بوجود الصورة الطبيعية ) العنصرية .
( فنحن ) يعني أعيان العالم كلها ( صورته الظاهرة وهويته تعالى روح هذه الصورة المدبر لها فما كان التدبير إلا فيه ) ، أي في الحق باعتبار ظهوره بصورة العالم ( كما لم يكن ) ، أي التدبير ( إلا منه ) باعتبار هويته ( فهو الأول بالمعنى ) ، المنطوي تحت الصورة يعني غيب هويته ( وهو الآخر بالصورة ) التي هي تجلي صورة (وهو الظاهر بتغيير الأحكام والأحوال) ، أي بهذه الصورة المتغيرة الأحكام والأحوال ( وهو الباطن بالتدبير ) والتصرف في هذه الصورة الظاهرة (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [ البقرة: 29]  من حيث أوليته وبطونه
( فهو على كل شيء شهيد ) من حيث آخريته وظهوره في الخلق شاهدا ومشهودا ( ليعلم ) على البناء للفاعل ، أي ليعلم بك ( عن شهود لا عن فكر ) كما كنت قبل الشهود أو على البناء للمفعول ومعناه ظاهر ( فكذلك علم الأذواق ) يكون عن ذوق وشهود لا عن فكر ( وهو العلم الصحيح وما عداه فحدس وتخمين ليس بعلم أصلا ) لإمكان تطرق الشبه من قوتي الوهم والخيال إليه .
 
( ثم كان لأيوب عليه السلام ذلك الماء ) المدلول عليه بقوله تعالى : هذا مغتسل بارد ( شرابا لإزالة ألم العطش الذي هو من النصب والعذاب الذي مسه به الشيطان أي البعد عن الحقائق أن يدركها على ما هي عليه ) وفسر الشيطان بالبعد على لسان الإشارة لأنه من شطن إذا بعد على رأي ( فيكون ) عطف على يدركها أي يدركها فيكون ( بإدراكها في محل القرب ) منها لأن كل مدرك قريب من المدرك ( فكل مشهود قريب من العين ولو كان بعيدا
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (بالمسافة ، فإنّ البصر يتّصل به من حيث شهوده ولولا ذلك لم يشهده أو يتّصل المشهود بالبصر . كيف كان . فهو قرب بين البصر والمبصر .
ولهذا كنّى أيّوب عليه السّلام في المسّ ، فأضافه إلى الشّيطان مع قرب المسّ فقال البعيد منّي قريب لحكمة فيّ .
وقد علمت أنّ القرب والبعد أمران إضافيان ، فهما نسبتان لا وجود لهما في العين مع ثبوت أحكامها في القريب والبعيد .
واعلم أنّ سرّ اللّه في أيّوب الّذي جعله عبرة لنا وكتابا مسطورا حاليّا تقرؤه هذه الأمّة )
 
بالمسافة فإن البصر ) ، أي نوره وشعاعه ( متصل به من حيث شهوده ) على رأي الذاهبين إلى خروج الشعاع ( ولولا ذلك ) الاتصال ( لم يشهده أو يتصل المشهود بالبصر ) ، على مذهب القائلين بالانطباع ( كيف كان ) الشهود بالشعاع أو بالانطباع ( فهو قرب بين البصر والمبصر ) فقد علم أن الشيطان هو البعد عن هذا القرب ، ولا شك من ابتلي بهذا البعد فهو قريب منه ( ولهذا كني أيوب ) ، أي أتى بالكناية ( في المس ) بأن جعله كناية عن القرب فإنه من لوازمه ضرورة أنه إذا مس شيء شيئا فقد قرب منه وقيل : معناه ، ولهذا كنى أيوب عن نفسه بضمير المتكلم في إيقاع المس فقال :"مَسَّنِيَ "
( فأضافه ) إضافة إسناد ( إلى الشيطان ) الذي هو البعد ( مع قرب المس ) ، أي مع أن المس هو القرب فأسند القرب إلى البعد ( فقال : البعيد مني قريب بحكمه في ) بان جعلني بعيدا فعلى هذا معنى قوله :
مسني الشيطان قرب مني البعد عن إدراك الحقائق على ما هي عليه ، وقرب هذا البعد مني بسبب ثبوت حكمه أي حكم البعد فيّ وهو كوني بعيدا عن ذلك الإدراك ،
وحاصله أنه عليه السلام كان يشكو من بعده عن إدراك الحقائق عما هي عليه بواسطة حجابية بعينه المانعة له عن إدراكها ،
ولما ذكر أن للبعد وقربه من أيوب حكما وأثرا فيه كان محال أن يقال : القرب والبعد أمران اعتباريان لا وجود لهما في الخارج فكيف يكون لهما حكم وأثر في الموجودات الخارجية دفع ذلك بقوله :
( وقد علمت أن القرب والبعد أمران إضافيان ) يحصلان من إضافة أحد الشيئين إلى آخر ( فهما نسبيان )  بين أطرافهم ( لا وجود لهما في العين مع ثبوت أحكامهما في البعيد والقريب ) فإن البعد وإن كان نسبة بين طرفيه غير موجودة في العين ، فإنه يثبت لكل واحد منهم البعد عن الآخر وكذلك القرب ، ولا شك أن ثبوت شيء لشيء في الخارج لا يستلزم إلا وجود المثبت له فيه لا وجود الثابت .
( واعلم أن سر اللّه ) المودع ( في أيوب ) عليه السلام هو السر ( الذي جعله عبرة لنا وكتابا مسطورا حاكيا أحواله تقرؤه هذه الأمة ) التي لها قابلية تعلم جميع ما حكي عن الأنبياء السالفة وأممهم والعمل بمقتضاه
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( المحمّديّة لتعلم ما فيه فتلحق بصاحبه تشريفا لها .
فأثنى اللّه عليه أعني على أيّوب بالصّبر مع دعائه في رفع الضّرّ عنه . فعلمنا أنّ العبد إذا دعا اللّه في كشف الضّرّ عنه لا يقدح في صبره .
وأنّه صابر وأنّه نعم العبد كما قال تعالى :" إِنَّهُ أَوَّابٌ " أي رجّاع إلى اللّه لا إلى الأسباب ، والحقّ يفعل عند ذلك بالسبب لأنّ العبد يستند إليه ، إذ الأسباب المزيلة لأمر ما كثيرة والمسبّب واحد العين . فرجوع العبد إلى الواحد العين المزيل بالسّبب ذلك الألم أولى من الرّجوع إلى سبب خاصّ ربّما لا يوافق علم اللّه فيه .
فيقول إنّ اللّه لم يستجب لي وهو ما دعاه ، وإنّما جنح إلى سبب خاصّ لم يقتضه الزّمان ولا الوقت .  فعمل أيّوب بحكمة اللّه تعالى إذ كان نبيّا .
لمّا علم أنّ الصّبر هو حبس النّفس عن الشّكوى عند طائفة وليس ذلك بحدّ)
 
 ( لتعلم ) ، أي هذه الأمة ( ما فيه ) ، أي في هذا الكتاب المسطور ( فتلحق بصاحبه ) يعني صاحب الكتاب ( تشريفا لها ) ، أي لهذه الأمة مفعول له لجعل . فمن جملة ما جعل عبرة لنا ما صدر منه من الصبر على الضر ( فأثنى اللّه عليه أعني على أيوب بالصبر مع دعائه في رفع الضر عنه فعلمنا أن العبد إذا دعا اللّه في كشف الضر عنه لا يقدح ) هذا الدعاء ( في صبره ) ، أي في تحققه بالصبر في نفس الأمر ( فإنه صابر ) ، أي وفي الحكم بأنه صابر ( وإنه نعم العبد كما ) حكم بتحققه بكمال العبودية حيث ( قال تعالى :"إِنَّهُ أَوَّابٌ ") ، أي ( رجاع إلى اللّه لا إلى الأسباب والحق يفعل عند ذلك ) ، أي عند الفعل الظاهر من الأسباب ( بالأسباب ) فهي آلاته والفاعل هو الحق تعالى لاقتضاء عمله بالأسباب والمسببات ذلك ( لا أن ) ، أي لا لأن ( العبد يستند إليه ) ، أي إلى هذا السبب الخاص ويصير به محجوبا عن المسبب ( إذ الأسباب المزيلة لأمر ما ) من الآلام ( كثيرة والمسبب واحد العين فرجوع العبد إلى الواحد المعين المزيل بالسبب ذلك الألم أولى من الرجوع إلى سبب خاص ربما لا يوافق ذلك ) السبب الخاص ( علم اللّه فيه ) ، أي في شأن العبد له مكان تعلق علمه بسبب آخر لإزالة ألمه
( فيقول : إن اللّه لم يستجب لي وهو ما دعاه ) ، أي والحال أن العبد لم يدع المسبب الواحد العين ( وإنما جنح إلى سبب خاص لم يقتضه الزمان ولا الوقت ) ، أي وقت الداعي وحاله ( فعمل أيوب ) في الدعاء لرفع الضر ( بحكمة اللّه إذ كان نبيا ) ، عارفا حكمه ومصالحه في جميع الأفعال والأحوال والمقامات ثم إنه ( لما علم ) على صيغة المبني للمفعول ( أن الصبر الذي هو حبس النفس عن الشكوى عند الطائفة ) ، الظاهرية من الصوفية
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (الصّبر عندنا ، وإنّما حدّه حبس النّفس عن الشّكوى لغير اللّه لا إلى اللّه .
فحجب الطّائفة نظرهم في أنّ الشّاكي يقدح بالشّكوى في الرّضا بالقضاء ، وليس كذلك ، فإنّ الرّضا بالقضاء لا تقدح فيه الشّكوى إلى اللّه ولا إلى غيره ، وإنّما تقدح في الرّضا بالمقضيّ ونحن ما خوطبنا بالرّضا بالمقضيّ . والضّرّ هو المقضيّ ما هو عين القضاء .
وعلم أيّوب عليه السّلام أنّ في حبس النّفس عن الشّكوى في دفع الضرّ إلى اللّه مقاومة القهر الإلهيّ وهو جهل بالشّخص إذ ابتلاه اللّه بما تتألّم منه نفسه ، فلا يدعو اللّه في إزالة ذلك الأمر المؤلم ، بل ينبغي له عند المحقّق أن يتضرّع ويسأل اللّه في إزالة ذلك عنه ، فإنّ ذلك إزالة عن جناب اللّه عند العارف وصاحب الكشف .
فإنّ اللّه تعالى قد وصف نفسه بأنّه يؤذى فقال :إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب: 57] . وأيّ أذى أعظم من أن يبتليك ببلاء عند غفلتك عنه أو عن مقام إلهيّ لا تعلمه لترجع إليه بالشّكوى فيرفعه ، فيصحّ الافتقار الّذي هو حقيقتك ، فيرتفع عن)
 
( ليس ذلك بحد للصبر عندنا وإنما حده حبس النفس عن الشكوى لغير اللّه لا إلى اللّه) ، لا ينافي الشكوى إلى اللّه فهذه الجملة مقدرة ههنا ليكون خبر إن، وإما جواب لقوله : (فحجب) ، أي فعلم أنه حجب ( الطائفة ) المشار إليها عن معرفتهم حقيقة الصبر وعدم منافاة الشكاية إلى اللّه ( نظرهم في أن الشاكي يقدح بالشكوى في الرضا بالقضاء وليس ) الأمر كذلك قال ( فإن الرضا بالقضاء لا تقدح فيه الشكوى إلى اللّه ولا إلى غيره وإنما يقدح في الرضا بالمقضي ونحن ما خوطبنا بالرضا بالمقضي والضر هو المقضي ما هو عين القضاء .
وعلم أيوب أن في حبس النفس عن الشكوى إلى اللّه في رفع الضر مقاومة القهر الإلهي وهو) أليس من آداب العبودية ومقتضيات المعرفة بأوصاف الربوبية بل ( جهل ) متلبس ( بالشخص إذا ابتلاه بما تتألم منه نفسه فلا يدعو اللّه في إزالة ذلك الأمر المؤلم )
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالإثنين يناير 27, 2020 4:24 pm

19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الأيوبي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفصّ الأيوبي
19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية الجزء الثانية
الجهل ههنا إما مقابل العلم أو فعل الشيء بخلاف ما ينبغي أن يفعل وعلى قوله تعالى :"أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ"[ البقرة : 67 ] فجعل فعل الهزء جهلا ( بل ينبغي عند المحققين أن يتضرع ويسأل اللّه في إزالة ذلك عنه فإن ذلك إزالة من جناب اللّه عند العارف صاحب الكشف ) ، فإن العبد مع العبودية ممحو الأثر عنده فمرجع اللذة والألم هو الوجود الحق وذلك غير ممنوع في الشرع ( فإن اللّه تعالى قد وصف نفسه بأنه يؤذى ) على البناء للمفعول .
( فقال : إن الذين يؤذون اللّه ورسوله وأي أذى أعظم من أن يبتليك ببلاء عند غفلتك عنه أو عن مقام إلهي لا تعلمه لترجع إليه بالشكوى فيرفعه عنك فيصح الافتقار الذي هو حقيقتك ) المميزة نسبة العبودية عن الربوبية
  
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الحقّ الأذى بسؤالك إيّاه في رفعه عنك .
إذ أنت صورته الظّاهرة ، كما جاع بعض العارفين فبكى فقال له في ذلك من لا ذوق له في هذا الفنّ معاتبا له ، فقال العارف : « إنّما جوّعني لأبكي » يقول إنّما ابتلاني بالضّرّ لأسأله في رفعه عنّي ، وذلك لا يقدح في كوني صابرا . فعلمنا أنّ الصّبر إنّما هو حبس النّفس عن الشّكوى لغير اللّه .
وأعني بالغير وجها خاصّا من وجوه اللّه . وقد عيّن الحق وجها خاصّا من وجوه اللّه وهو المسمّى وجه الهويّة فتدعوه من ذلك الوجه في رفع الضّرّ عنه لا من الوجوه الأخر المسمّاة أسبابا ، وليست إلّا هو من حيث تفصيل الأمر في نفسه .
فالعارف لا يحجبه سؤاله هويّة الحقّ في رفع الضّرّ عنه عن أن تكون جميع الأسباب عينه من حيثيّة خاصّة . وهذا لا يلزم طريقته إلّا الأدباء من عباد اللّه الأمناء على أسرار اللّه ، فإنّ للّه أمناء لا يعرفهم إلّا اللّه ؛ ويعرف بعضهم بعضا .)
 
(فيرتفع عن الحق الأذى بسؤالك إياه رفعه عنك إذ أنت صورته الظاهرة ) والصورة عين ذي الصورة من وجه فأذاها أذاه ، وزوال الأذى زوال الأذى عنه ( كما جاع بعض العارفين فبكى فقال له في ذلك من لا ذوق له في هذا الفن معاتبا له فقال العارف : إنما جوعني لأبكي .
يقول : إنما ابتلاني بالضر لأسأله في دفعه عني وذلك لا يقدح في كونه صابرا فعلمنا أن الصبر إنما هو حبس النفس عن الشكوى لغير اللّه ) .


ولما كان الغير معدوم العين عندهم قال : ( وأعني بالغير وجها خاصا من وجوه اللّه ) عينه الشاكي لرفع الضر عنه توهما منه أنه السبب في ذلك ( وقد عين الحق وجها خاصا من وجوه اللّه وهو المسمى وجه الهوية ) للدعاء وإزالة الشكوى كما قال تعالى :" فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " [ غافر : 14 ] .


( فيدعوه من ذلك الوجه في رفع الضر لا من الوجوه الأخر المسماة أسبابا و ) إن كانت هذه الوجوه ( ليست إلا هو ) ، أي الوجه الجامع لجميع الوجوه ( من حيث ) أنها ( تفصيل الأمر ) الجامع للوجوه ( في نفسه ) ، أي في نفس ذلك الأمر الجامع لا في الخارج عنه ولا شك أن للمفصل عين المجمل لا فرق بينهما إلا بالتفصيل والإجمال .
(فالعارف لا يحجبه سؤاله هوية الحق في رفع الضر عنه عن أن تكون جميع الأسباب ) ، أي كل واحد منهما ( عينه من حيثية خاصة ) هي عينية لاسم خاص هو عين الهوية المطلقة ( وهذا ) المعنى لا يعرف و ( لا يلزم طريقته إلا الأدباء من عباد اللّه ) المتأدبون بآداب العبودية و ( الأمناء على أسرار اللّه ) الذين لا يظهرون على غير أهله ( فإن للّه أمناء لا يعرفهم إلا اللّه وهم يعرف بعضهم ) من حيث فناؤه في اللّه ( بعضا ) فتكون معرفته معرفة اللّه ، فلا ينافي حصر المعرفة في اللّه أولا


قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقد نصحناك فاعمل وإياه سبحانه فاسأل .) 

( وقد نصحناك ) بلب الحقائق ( فاعمل ) عمل أولي الألباب ( وإياه سبحانه ) من حيث وجه هويته العينية الأحدية ( فاسأل ) لا وجوهه المسماة بالعلل والأسباب وهو الموفق .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالخميس فبراير 20, 2020 12:05 am

20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص اليحيوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفص اليحيوي
20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (هذه حكمة الأوّليّة في الأسماء ، فإنّ اللّه سمّاه يحيى أي يحيا به ذكر زكريّا ولم يجعل له من قبل سميّا .
فجمع بين حصول الصّفة الّتي فيمن غبر ممّن ترك ولدا يحيى به ذكره ، وبين اسمه).
فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية
اعلم أن الصفات تنقسم بنحو من القسمة إلى قسمين صفات ذاتية وصفات جلالية ، والصفات الذاتية كالحياة والعلم وغيرهما الصفات الحالية كالغضب والرضا والقبض والبسط ونحو ذلك ، وهذه الصفة الحالية في اصطلاح أهل طريق اللّه يرجع إلى ثلاثة أصول أحدها ، مقام الجلال ، والآخر مقام الجمال ، والآخر مقام الكمال ، فلمقام الجلال الهيبة والقبض والخشية والورع والتقى ونحو ذلك ، ولمقام الجمال الرجاء والبسط واللطف والرحمة والنعيم والإحسان ونحو ذلك ، ولمقام الكمال الحيطة والجمال والجلال وتوابعهما من الأحوال والجمع بين ذلك تفاوضا ، فقال يحيى لعيسى كالمعاتب له لبسطه كأنك قد أمنت مكر اللّه وعذابه .
وقال له عيسى عليه السلام : كأنك آيست من فضل اللّه ورحمته فأوحى إليهما أن أحبكما إلي أحسنكما ظنا بي ، ولما كان من شأن الجلال القهر لما يقال له الغير والسوى ونفي ما يشعر بالثبوتية ، وذلك يستلزم الأولية وعدم المسبوقية بالغير ، وسرى المعنى في يحيى الذي هو مظهر صفة الجلال بعدم مسبوقيته بالغير في هذا الاسم .


أشار رضي اللّه عنه إلى ذلك المعنى بقوله : ( هذه ) ، أي الحكمة الجلالية ( حكمة الأولية في الأسماء ) ، يعني هذه الحكمة الجلالية التي تقتضي في الجناب الإلهي عدم المسبوقية بالغير في الوجود هي بعينها الحكمة التي تقتضي في يحيى الذي هو مظهر صفات الجلال الأولية وعدم مسبوقيته بالغير فيه ( فإن اللّه سماه يحيى أي يحيى به ذكر زكريا ولم يجعل له من قبل سميا ) فلم يكن في هذا الاسم مسبوقا بالغير ( فجمع ) اللّه ( بين ) الدلالة على ( حصول الصفة التي ) هي كائنة ( فيمن غبر ) ، أي مضى ( ممن ترك ) بيان لمن غبر أي فيمن مضى وترك ( ولدا يحيى به ذكره وبين اسمه ) ، أي الولد والمراد
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( بذلك فسمّاه يحيى فكان اسمه يحيى كالعلم الذّوقيّ .
فإنّ آدم حيّي ذكره بشيث ، ونوحا حيّي ذكره بسام ، وكذلك الأنبياء ولكن ما جمع اللّه لأحد قبل يحيى بين الاسم العلم منه وبين الصّفة إلّا لزكريّا عناية منه .
إذ قال :فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا[ مريم : 5 ] فقدّم الحقّ على ذكر ولده كما قدّمت آسية ذكر الجار على الدّار في قولها :عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ[ التحريم : 11 ] .
فأكرمه اللّه بأن قضى حاجته وسمّاه بصفته حتّى يكون اسمه تذكارا لما طلب منه نبيّه زكريّا ، لأنّه عليه السّلام آثر بقاء ذكر اللّه في عقبه إذ الولد سرّ إبيه ، فقال :يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ[ مريم : 6 ] وليس ثمّة موروث في حقّ هؤلاء إلّا مقام ذكر اللّه).
 
بجمعها أن في انفهام حصول صفة حياة الذكر في ذكرنا لا يحتاج إلى غير اسم يحيى ، فإنه باعتبار وضعه المعنى المنقول عنه يدل على حصول هذه الصفة لزكريا ، وباعتبار وضعه للمعنى المنقول إليه على ولده وحصول هذه الجمعية إنما هو ( بذلك ) المذكور من التسمية فالباء في بذلك متعلق بجمع .
وذلك إشارة إلى التسمية المفهومة من سماه بيحيى ( فسماه يحيى فكان اسمه يحيى ) من حيث انفهام حصول صفة حياة الذكر في زكريا منه من غير حاجة إلى أمر آخر ( كالعلم الذوقي ) فكما أن انفهام حصول هذه الصفة لا يحتاج إلى أمر غير اسم يحيى كذلك العلم الذوقي لا يحتاج سوى المعلوم المذوق ، بخلاف العلوم الاستدلالية المحتاجة في حصولها إلى الدلائل والبراهين ، وما فعل سبحانه ذلك إلا بزكريا عليه السلام ( فإن آدم حيي ذكره بشيث عليهما السلام ونوحا حيي ذكره بسام وكذلك الأنبياء ) الباقون ( ولكن ما جمع اللّه لأحد ) من الأنبياء في ولده قبل ولادة يحيى ( بين الاسم العلم ) الواقع ( منه تعالى وبين الصفة ) له الحاصلة في ذلك النبي ( إلا لزكريا ) ، أي لكن جمع لزكريا بينهما بعد ولادة يحيى فالمستثنى منقطع كما لا يخفى ( عناية منه ) ، أي من اللّه وهذه العناية إنما تعلقت به ( إذ قال :فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا[ مريم : 5 ] فقدم الحق تعالى ) حيث كنى عنه بكاف الخطاب ( على ذكر ولده ) حين عبر عنه بالولي.
 
( كما قدمت آسية ذكر الجار على الدار في قولها : عندك بيتا في الجنة فأكرمه اللّه ) ، أي زكريا
( بأن قضى حاجته ) بأن وهبه وليا طلبه ( وسماه ) ، أي ولده ( بصفته ) ، أي بصفة زكريا يعني بما تدل على صفته وهي حياة ذكره ( حتى يكون اسمه تذكارا لما طلب منه نبيه زكريا لأنه عليه السلام آثر ) ، أي اختار على جميع المطالب ( بقاء ذكر اللّه في عقبه ) ، أي ولده ( إذ الولد سر أبيه ) ، فكما يتحقق أبوه يتحقق هو أيضا به ( فقال :يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وليس ثمة موروث في حق هؤلاء ) يعني زكريا وآل يعقوب ( إلا مقام ذكر اللّه ) وهو مقام الولاية
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (والدّعوة إليه . ثمّ إنّه بشّره بما قدّمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّا .
فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلم بسلامه عليه ، وكلامه صدق فهو مقطوع به .
وإن كان قول الرّوح :وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [ مريم : 33 ] أكمل في الاتّحاد ، فهذا أكمل في الاتّحاد والاعتقاد وأرفع للتّأويلات .
فإنّ الّذي انخرقت فيه العادة في حقّ عيسى إنّما هو النّطق ، فقد تمكّن عقله وتكمّل في ذلك الزّمان الّذي أنطقه اللّه فيه . ولا يلزم للمتمكّن من النّطق - على أيّ)
 ( والدعوة إليه ) ، وهو مقام النبوة ( ثم إنه ) أي الحق سبحانه كما أكرم زكريا بقضاء حاجته بتقديمه على ذكر ولده ( بشره بما قدمه ) ، أي بسبب تقديمه الحق على ذكر ولده ، فما في « قدمه » مصدرية و « من » في قوله ( من سلامه عليه ) للابتداء ، فإن التبشير هو الإخبار بما فيه مسرة ، وصيروته تبشيرا إنما نشأت من المسرة اللازمة للمخبر به والمخبر به ههنا سلام اللّه على يحيى ، فصيرورتها الإخبار به تبشير إنما نشأت مما فيه من المسرة أو المعنى ثم إنه ، أي الحق سبحانه بشر يحيى بما قدمه ،
أي بشيء قدمه ذلك الشيء وفضله على سائر الأنبياء وذلك الشيء سلام اللّه عليه في المواطن الثلاثة تفضيلا ، فإن ذلك لم يقع بالنسبة إلى نبي من الأنبياء ف « من » في " من سلامه عليه " بيانية (يَوْمَ وُلِدَ) من رحم أمه وأم الطبيعة ( ويوم يموت ) بالموت الطبيعي أو بالبقاء أو بالفناء عن مقتضيات الطبيعة في اللّه (وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) [ مريم : 15 ] يبعثه يوم القيامة أو بالبقاء بعد الفناء وإذا كان في هذه المرتبة يحيى به ذكر زكريا
( فجاء بصفة الحياة ) فيها (وهي) ، أي صفة الحياة ما أخذ منها ( اسمه ) الدال على ذكر حياة زكريا به .


( واعلم بسلامه عليه وكلامه صدق فهو مقطوع به وإن كان قول الروح ) ، يعني عيسى عليه السلام (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [ مريم : 33 ] أكمل في ) الدلالة على ( الاتحاد ) ، فإنه يدل على الاتحاد بين المسلم والمسلم عليه في نظر أهل الكشف ، فلأنهما الحق ولكن في حجابية عيسى وتعينه ( فهذا ) القول الذي وقع في شأن يحيى ( أكمل في الاتحاد والاعتقاد ) ، أي في معنى الجمع بينهما ، أما الاتحاد فلأن المسلم فيه هو الحق باعتبار هويته المتعينة ولا شك أن الهوية المطلقة في الظهور على الهوية المتعينة .
 
وأما الاعتقاد فلأن اعتقاد الصدق في كلام اللّه وخصوصا من أهل الحجاب أقوى من اعتقاده في كلام العبد ( و ) كما أنه لكل فيما ذكر فهو ( أرفع للتأويلات ) التي تصرفه عن ظاهره (فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنما هو النطق) في الزمان الغير المعتاد فيه النطق (فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه اللّه) على سبيل خرق العادة (فيه . ولا يلزم للمتمكن من النطق على)
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (حالة كان - الصّدق فيما به ينطق ، بخلاف المشهود له كيحيى .
فسلام الحقّ على يحيى من هذا الوجه أرفع للالتباس الواقع في العناية الإلهيّة به من سلام عيسى على نفسه ، وإن كانت قرائن الأحوال تدلّ على قربه من اللّه في ذلك وصدقه ، إذ نطق في معرض الدّلالة على براءة أمّه في المهد ، فهو أحد الشّاهدين ، والشّاهد الآخر هزّ الجذع اليابس فتساقط رطبا جنيا من غير فحل ولا تذكير ، كما ولدت مريم عيسى من غير فحل ولا ذكر ولا جماع معتاد .
لو قال نبيّ آيتي ومعجزتي أن ينطق هذا الحائط ، فنطق الحائط وقال في نطقه تكذب ما أنت رسول اللّه ، لصحّت الآية وثبت بها أنّه رسول اللّه ، ولم يلتفت إلى ما نطق به الحائط . فلمّا دخل هذا الاحتمال في كلام عيسى بإشارة أمّه إليه وهو في المهد، كان سلام اللّه على يحيى أرفع من هذا الوجه.
فموضع الدّلالة أنّه عبد اللّه من أجل ما قيل فيه إنّه ابن اللّه - وفرغت الدّلالة)
 
 (أي حالة كان ) ذلك المتمكن ( الصدق فيما به ينطق بخلاف المشهود له ) من الحق ( كيحيى ) عليه السلام .
 
( فسلام الحق على يحيى من هذا الوجه أرفع للالتباس الواقع في العناية الإلهية به من سلام عيسى على نفسه وإن كانت قرائن الأحوال تدل على قربه من اللّه في ذلك وصدقه إذ نطق ) إذ تحتمل التعليل والظرفية ، أي حين نطق ( في معرض الدلالة على براءة أمه في المهد فهو أحد الشاهدين ) ، على براءة أمه ( والشاهد الآخر هز الجذع اليابس فسقط رطبا جنيا من غير فحل ولا تذكير كما ولدت مريم عيسى من غير فحل ولا ذكر ولا جماع عرفي معتاد ) .
ثم فرض رضي اللّه عنه لبيان أن احتمال الكذب فيما ينطق به عيسى لا ينافي ما هو المقصود من نطقه من براءة أمه ، فقال : ( لو قال نبي : آيتي ومعجزتي أن ينطق هذا الحائط فنطق الحائط وقال في نطقه تكذب ما أنت برسول اللّه صحت الآية ) الدالة على نبوته ( وثبت بها أنه رسول اللّه ولم يلتفت إلى ما نطق به الحائط ) ، فإن الآية هي نفس المتكلم لا الكلام بمراده ، وكذلك حال نطق عيسى عليه السلام ( فلما دخل هذا الاحتمال )
أي احتمال الطائفة للواقع واحتمال عدمها بمجرد النطق العقلي ( في كلام عيسى ) الصادر عنه ( بإشارة أمه إليه وهو في المهد فموضع الدلالة ) المعتبرة المقبولة في كلامه ( أنه عبد اللّه ) فإن قوله :إِنِّي عَبْدُ اللَّهِيدل عليه فهو موضع الدلالة ومحل وقوعها عليه ، وهذه الدلالة معتبرة عقلا ( من أجل ) أن هذا الكلام إنما وقع في مقابلة ( ما قيل فيه إنه ابن اللّه ) ولا شك أن مرتبة العبدية دون مرتبة البنوة بتقديم الباء على النون فقوله :إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ إقرار بما هو عليه ، والعقل يتبادر إلى قبوله ( وفرغت ) ، أي تمت ( الدلالة ) على براءة أمه .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (بمجرّد النّطق - وأنّه عبد اللّه عند الطّائفة الأخرى القائلة بالنّبوّة .
وبقي ما زاد في حكم الاحتمال في النّظر العقليّ حتّى ظهر في المستقبل صدقه في جميع ما أخبر به في المهد فتحقّق ما أشرنا إليه .)
 
 ( بمجرد النطق ) من غير أن يكون المؤدى الكلام فيه ( و ) على ( أنه عبد اللّه ) بقوله :إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ، ولكن هذه الدلالة الثانية إنما اعتبرت ( عند الطائفة الأخرى القائلة بالنبوة ) ، أي نبوة عيسى ، فإن العبدية لا تنافي النبوة بتأخير الباء عن النون بخلاف الطائفة الأولى فإنها تنافي النبوة بتقديم الباء على النون ( وبقي ما زاد ) على ما ذكرنا من قوله :آتانِيَ الْكِتابَ والحكم والنبوة ومن قوله :وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ( في حكم الاحتمال بالنظر العقلي ) فإنه إقرار في حق نفسه بما له لا بما عليه ولا يتبادر للعقل إلا قبوله ( حتى يظهر في المستقبل صدقه في جميع ما أخبر به في المهد ) بعد البعثة وظهور الآيات والمعجزات وقد اتضح من تقرير كلامه رضي اللّه عنه على هذا الوجه .
أن قوله : فموضع الدلالة ، جواب لما في قوله : ولما دخل ، فلا حاجة إلى زيادة وقعت في بعض الشروح
قبل قوله : فموضع الدلالة ليكون جواب لما وهي قول فلأن سلام اللّه على يحيى أرفع من هذا الوجه ،
وليست هذه الزيادة في النسخة المقروءة على الشيخ رضي اللّه عنه ، ولا في النسخ الأخر التي رويناها ،
ولا يخفى على الفطن أن مقصود الشيخ من هذه الكلمات ليس تفضيل يحيى على عيسى عليهما السلام كما توهمه بعض القاصرين ،
بل ترجيح ما وقع في شأن يحيى على ما وقع في شأن عيسى عليه السلام من حيث التنصيص على المقصود ،
وأين أحدهما على الآخر وكأنه رضي اللّه عنه نظر إلى أمثال هذه التوهمات
فقال رضي الله عنه : ( فتحقق ما أشرنا إليه ) تهتد إلى فهم المراد واللّه الموفق للسداد والرشاد .
 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Empty
مُساهمةموضوع: 21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي Emptyالخميس فبراير 20, 2020 12:05 am

21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر  

الفص الزكرياوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفص الزكرياوي
21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية      الجزء الأول
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أنّ رحمة اللّه وسعت كلّ شيء وجودا وحكما ، وأنّ وجود الغضب من رحمة اللّه بالغضب . فسبقت رحمته غضبه أي سبقت نسبة الرّحمة إليه نسبة الغضب إليه .)
 
إنما وصف الشيخ رضي اللّه عنه حكمته بالمالكية لأن الغالب على أحواله كان حكم الاسم المالك ، لأن الملك الشدة والمليك الشديد ،
وأن اللّه ذو القوة المتين أيدته بقوة سرت في همته وتوجهه فأثمرت الإجابة وحصول المراد فليتذكر قصة :وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ [ الأنبياء : 90 ] بقوة غيبية ربانية خارجة عن الأسباب المعتادة ما صحلت زوجته ولا تيسر لها الحمل ،
ثم أنه كما سرت تلك القوة من الحق في زكريا وزوجته تعدت منهما إلى يحيى ، ولذلك قال له الحق :يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ[ مريم : 12 ]
ولما صدر الحق سبحانه قصته عليه السلام في سورة مريم بذكر الرحمة حيث قال :ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا( 2 ) [ مريم : 2 ]
وافقه الشيخ رضي اللّه عنه وصدر حكمته ههنا بذكر الرحمة ،
فقال : ( اعلم أن رحمة اللّه وسعت كل شيء رحمة وجودا وحكما ) رحمة اللّه التي هي الوجود الشامل كل الأشياء ، وسعت كل شيء من حيث وجوده الخاص به ، ومن حيث الأحكام التابعة لوجوده كالعلم والقدرة مثلا ، والمتبوعة المتوقف وجوده عليها كالقابلية والاستعداد للوجود التابعين لثبوت الأعيان في العلم السابقين على وجودها في العين
 
( وأن وجود الغضب ) الذي هو من الأحكام التابعة بوجود الغاضب ( من رحمة اللّه تعالى بالغضب ) فإنه بحسب استعداده للوجود طلب الوجود من اللّه سبحانه ، فرحمه وأعطاه الوجود ( فسبقت رحمته غضبه أي سبقت نسبة الرحمة ) على الغضب بإفاضة الوجود عليه ( إليه تعالى نسبة الغضب ) على المغضوب عليه ( إليه تعالى ) ، فإنه ما لم يتصف غضبه بالوجود الذي هو رحمته لم يتعلق بالمغضوب عليه .
 
اعلم أن الغضب في الجناب الإلهي ليس إلا إفاضة الوجود على حال غير ملائم للمغضوب عليه في المغضوب عليه ، بحيث يتضرر به ويتألم ، ولا شك أن تلك الإفاضة أمر وجودي يطلب الوجود الذي هو الرحمة ، فما لم يتعلق به الوجود الذي هو الرحمة لم يتحقق
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ولمّا كان لكلّ عين وجود يطلبه من اللّه ، لذلك عمّت رحمته كلّ عين .
فإنّه برحمته الّتي رحمه بها قبل رغبته في وجود عينه ، فأوجدها . فلذلك قلنا إنّ رحمة اللّه وسعت كلّ شيء وجودا وحكما .
والأسماء الإلهيّة من الأشياء ؛ وهي ترجع إلى عين واحدة . فأوّل ما وسعت رحمة اللّه شيئيّة تلك العين الموجدة للرّحمة بالرّحمة ، فأوّل شيء وسعته الرّحمة نفسها)
 
الغضب ، فهو مسبوق بالرحمانية ، وأيضا إفاضة الوجود مطلقا هي الرحمة ، لكنها قد تنصبغ باعتبار متعلقه بصبغ الغضب ، ولا شك أن انصباغها بهذا الصبغ متأخر عنها فهذا معنى آخر لسبق الرحمة على الغضب ، وقد يجعل السبق بمعنى الغلبة فسبق الرحمة الغضب باعتبار غلبتها عليه آخرا ( ولما كان لكل عين ) من الأعيان المتبوعة أو التابعة ( وجود ) ، أي حصة وجودية ( يطلبه ) ، أي يطلب ذلك العين الوجود يعني الحصة الوجودية ( من وجود اللّه لذلك عمت رحمته كل شيء فإنه ) ، أي الحق ( برحمته التي رحمه ) ،
 أي كل عين ( بها ) ، أي بتلك الرحمة في الفيض الأقدس بإعطائه الثبوت في العلم واستعداد الوجود في العين ( قبل ) فعل ماض من القبول ، أي بمقتضى تلك الرحمة الأزلية قبل الحق سبحانه ( رغبته ) ، أي رغبة كل عين ( في وجود عينه ) في الخارج ( فأوجدها ) في الفيض المقدس فيه ، وقيل : معناه ، فإنه أي كل عين برحمته ، أي برحمة اللّه التي رحمه ، أي كل عين بها في الفيض الأقدس لحصول الاستعداد قبل كل عين رغبته في وجود عينه ،
 
أي صار قابلا ، لأن يرغب في وجود عينه ويطلبه ، فأوجدها بالفيض المقدس ، فالمراد بقبول الحق رغبة كل عين في وجود عينه أن يعامل معه بمقتضى رغبته وطلبه ، ويفيض على غيبه الوجود بقبول العين الراغبة أن تظهر فيه الرغبة والطلب ( فلذلك ) ، أي لأجل ذلك الإيجاد لقبول رغبته في وجود عينه ( قلنا : إن رحمة اللّه وسعت كل شيء وجودا وحكما ) ، أما وجودا فظاهر ، وأما حكما فلإعطائه استعداد الوجود أولا وإفاضة الوجود على لوازم الوجود آخرا ( والأسماء الإلهية من الأشياء ) التي عمتها الرحمة الوجودية
 
( وهي ) من حيث أنها متمايزة بخصوصيات هي نسب لا وجود لها ( ترجع إلى عين واحدة ) لها الوجود ووجودها باعتبار تلك العين الواحدة وهذه العين الواحدة هي النفس الرحماني الذي هو الوجود الحق لا مطلقا بل من حيث عمومه وانبساطه
( فأول ما وسعت ) ، أي وسعته ( رحمة اللّه شيئية تلك العين ) والرحمة التي وسعت الرحمة الذاتية الحاصلة من التجلي الذاتي بصورة تلك العين التي هي النفس الرحماني ( الموجدة للرحمة ) ، أي للوجودات الخاصة المتعينة بحسب كل حقيقة حقيقة علما أو عينا ( بالرحمة ) التي هي نفس تلك العين أعني النفس الرحماني فإنها التي تقيدت بكل حقيقة حقيقة فصارت وجوداتها الخاصة .
وهذا المعنى هو المعنى بكونها موجودة لها ( فأول شيء وسعته الرحمة نفسها ) ،
 
قال الشيخ رضي الله عنه:  (ثمّ الشيئيّة المشار إليها ، ثمّ شيئيّة كلّ موجود يوجد إلى ما لا يتناهى دنيا وآخرة وعرضا وجوهرا ، ومركّبا وبسيطا.
ولا يعتبر فيها حصول غرض ولا ملاءمة طبع ، بل الملائم وغير الملائم كلّه وسعته الرّحمة الإلهيّة وجودا .
وقد ذكرنا في الفتوحات أنّ الأثر لا يكون إلّا للمعدوم لا للموجود ، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم : وهو علم غريب ومسألة نادرة ، ولا يعلم تحقيقها إلّا أصحاب الأوهام ، فذلك بالذّوق عندهم .)
 
يعني نفس الرحمة التي هي النفس الرحماني ، وقد عرفت الرحمة التي وسعتها ( ثم الشيئية ) الأسمائية ( المشار إليها ) بقوله : والأسماء الإلهية من الأشياء ، فإن أول ما يمر عليه هذا التجلي النفسي هو الأسماء الإلهية وبإزائها الأعيان الثابتة ، ولذلك التقى بها ، أو الأسماء أعم من الأسماء الفاعلة والقابلة ( ثم شيئية كل موجود يوجد ) بالوجود العيني في العوالم والمراتب الإمكانية ( إلى ما لا يتناهى دنيا وأخرى عرضا وجوهرا ومركبا وبسيطا ولا يعتبر فيها ) ،
أي في سعة الرحمة شيئية كل موجود
( حصول غرض ولا ملائمة طبع بل الملائم وغير الملائم كله وسعته الرحمة الإلهية وجودا ) ، وإنما اكتفى بذلك ولم يقل : وحكما اعتمادا على ما مر غير مرة . ولما كانت الرحمة الذاتية التي تعين بها النفس الرحماني وكذا النفس الرحماني الذي به تعين الأسماء الإلهية والأعيان الثابتة ، ثم الأعيان الوجودية من النسب الاعتبارية التي ليس لها عين موجودة في الخارج ، كان محل أن يشكل كيفية تأثيرها ،
 
دفع ذلك بقوله : ( وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر ) في أي مرتبة كان ( لا يكون إلا للمعدوم ) فيها ( لا للموجود فيها ) وإنما قيدناه بذلك لأن الأثر للمعدوم مطلقا ، وهذا يناسب ما تقوله أرباب النظر أن الغاية علة علية الفاعل ، وهي حينئذ معدومة ( وإن كان ) ذلك الأثر في بادىء النظر منه ( للموجود فبحكم المعدوم ) ، أي فهو في الحقيقة بانضمام أمر معدوم إلى ذلك الموجود والمركب من الموجود ، والمعدوم معدوم وقد مثلوا ذلك بالسلطان وتنفيذ أمره في رعاياه ، فإن ذاته ليس كافيا في ذلك بدون مرتبة السلطنة ،
 
وهي نسبة عدمية ( وهو علم غريب ومسألة نادرة ) ، لأنه خلاف ما يتبادر إليه العقل ( ولا يعرف تحقيقها ) معرفة ذوق وكشف ( إلا أصحاب الأوهام ) المؤثرة في وجودات الأشياء في بعض المراتب ( فذلك ) العلم ( بالذوق ) والكشف حاصل ( عندهم ) ، فإن ذلك التأثير منهم ، وإن كان من القوى بالوهمية التي هي من الموجودات العينية ، ولكن لا يكفي في ذلك مجرد ذواتها ما لم ينضم إليها نسبة عدمية كتوجهها نحو وجود الأمر المطلوب وجوده وتسليطها عليه .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأمّا من لا يؤثّر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة .فرحمة اللّه في الأكوان سارية  ... وفي الذّوات وفي الأعيان جارية مكانة الرّحمة المثلى إذا علمت ... من الشّهود مع الأفكار عالية . فكلّ من ذكرته الرّحمة فقد سعد ، وما ثمّة إلّا من ذكرته الرّحمة . وذكر الرّحمة الأشياء عين إيجادها إيّاها . فكلّ موجود مرحوم . ولا تحجب يا وليّ عن إدراك ما قلناه بما تراه من أصحاب البلاء وما تؤمن به من آلام الآخرة الّتي لا تفتر عمّن قامت به .
فاعلم أوّلا أنّ الرّحمة إنّما هي في الإيجاد عامّة . فبالرّحمة بالآلام أوجد الآلام .
ثمّ إنّ الرّحمة لها الأثر بوجهين : أثر بالذّات وهو إيجادها كلّ عين موجودة .)
 
(وأما من لا يؤثر الوهم ) ، أي القوى الوهمية الكائنة ( فيه ) في وجودات الأشياء ولا يتحقق به شيء في المراتب ( فهو بعيد عن ) إدراك ( هذه المسألة ) ذوقا وكشفا .
وحمل بعض الشارحين أصحاب الأوهام على الذين يتصرف فيهم الأمور الموهومة المعدومة ويتأثرون منها ، ونفي التوجيه الأول بناء على أن الوهم قوة موجودة في الخارج ، وقد عرفت وجهه .
شعر ( فرحمة اللّه ) الموجودية التي هي نسبة عدمية ( في الأكوان ) ، أي المكونات ( سارية ) سريان الأرواح في الأشباح ( وفي الذوات ) الموجودة في العين ( وفي الأعيان ) الثابتة في العلم ( جارية ) جريان الماء في مجاريها من الأجسام النامية ( مكانة الرحمة ) ، أي مرتبتها ( المثلى ) صفة للمكانة ، أي الفضلى ( إذا علمت ) علم الذوق ( من الشهود ) مقارنا ( مع الأفكار ) .
يعني كأنها علمت بالذوق والوجدان أنها عين الوجود الحق منضما إليه نسبة عدمية هي العموم والانبساط علمت ذلك بالبرهان والدليل أيضا ( عالية ) بالنسبة إلى مكانتها المعلومة بأحد الوجهين ( فكل ما ذكرته الرحمة ) الوجودية ( فقد سعد ) ، فأن الوجود منبع السعادات والخيرات ( وما ثم إلا ما ذكرته الرحمة ) ، فما ثم إلا ما سعد ( وذكر الرحمة الأشياء ) على أن يكون الذكر مصدرا مضافا إلى فاعله ( عين إيجادها إياها .
فكل موجود مرحوم ولا تحجب يا وليي عن إدراك ما قلناه ) من عموم الرحمة والسعادة ( بما تراه من أصحاب البلاء وبما تؤمن به من آلام الآخرة التي لا تفتر ) ، أي لا تسكن ( عمن قامت به ) .
فالمراد ما قلناه أن الوجود رحمة عامة يثمر السعادة أنه كذلك من حيث وجود ، وما ذكرتم من البلايا الدنيوية والآلام الأخروية إنما هي ناشئة من النسب العدمية التي تتبع الوجود بقدر قابلية واستعداد من الماهية المعروضة للوجود لا من نفس حقيقة الوجود ( فاعلم أولا أن الرحمة إنما هي ) بالتحقيق ( في ) ضمن ( الإيجاد عامة ) مستعدة للمرحوم كما عرفت ( فبالرحمة بالآلام أوجد الآلام ثم إن الرحمة لها الأثر بوجهين أثر بالذات ) ، أي بمقتضى ذاته من غير نظر إلى سؤال المرحومين .
 
والحاصل أن للرحمة اعتبارين :
أحدهما : اعتبارها من حيث النظر إلى محتدها أعني الذات الإلهية ، وهي بهذا الاعتبار واحدة لا تميز فيها بين شيء وشيء ، ويقال لها بهذا الاعتبار الرحمانية .
وثانيها : اعتبارها من حيث النظر إلى متعلقها الذي هو المرحوم وهو مختلف متعدد باختلاف استعداداته ، فهي أيضا مختلفة متعددة باختلاف استعدادات المرحوم وسؤالاته بلسان الحال والمقال ، ويقال لها بهذا الاعتبار الرحمة الرحيمية ، ولكل واحد من الاعتبارين أثر خاص وحكم متميز عن أثر الآخر وهو حكمه ( وهو ) ، أي أثرها بالذات ، أي بالنظر إلى محتدها لا إلى متعلقها ( إيجادها كل عين موجودة ) ، أي مراد وجودها
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ولا تنظر إلى غرض ولا إلى عدم غرض ؛ ولا إلى ملائم ولا إلى غير ملائم : فإنّها ناظرة في عين كلّ موجود قبل وجوده ، بل تنظره في عين ثبوته .
ولهذا رأت الحقّ المخلوق في الاعتقادات عينا ثابتة في العيون الثّابتة فرحمته بنفسها بالإيجاد.
ولذلك قلنا إنّ الحقّ المخلوق في الاعتقادات أوّل شيء مرحوم بعد رحمتها بنفسها في تعلّقها بإيجاد المرحومين .)
 
 ( ولا تنظر ) ، أي الرحمة ( إلى غرض ولا إلى عدم الغرض ) بالنسبة إلى الراحم ( ولا إلى ملائم ولا إلى غير ملائم ) ، بالنسبة إلى المرحوم ( فإنها ناظرة في عين كل موجود قبل وجوده ) ، في العين في أي مرتبة كان ( بل تنظر في عين ثبوته ) في العلم وهو أعلى مراتب وجوده .
 
( ولهذا ) ، أي لنظرها في كل عين في عين ثبوته ( رأت الحق المخلوق ) ، أي الإله المجعول ( في الاعتقادات ) يعني الصور المجعولة لكل واحد في خياله على أنه الحق إما مأخوذة من الاستدلال أو التقليد ( عينا ثابتة في العقول الثابتة ) أي فيما بينها قبل وجوده في الاعتقادات ( فرحمته ) ، أي الرحمة ( بنفسها بالإيجاد ) في الاعتقادات ( ولذلك ) ، أي لكون الرحمة رأت الحق المخلوق في الاعتقادات عينا ثابتة فرحمته بنفسها .
 
( قلنا : إن الحق المخلوق في الاعتقادات أول شيء مرحوم ) ، أي مشمول للرحمة ( بعد رحمتها بنفسها ) أولية كائنة ( في تعلقها بإيجاد المرحومين ) في العلم والعين ولا يذهب عليك أن القول بأولية الحق المخلوق ما وقع بخصوصه بل في ضمن أمر كلي هو بعض من أفراده.
 
حيث قال : ثم المشيئة المشار إليها فإنها كما عرفت شاملة لشيئية الأسماء الإلهية والأعيان الثابتة التي عين الحق المخلوق الثابتة في العلم واحدة منها ، فالرحمة شملتها في المرتبة الثابتة بعد رحمتها بنفسها شمولا أوليا بالنسبة إلى ما بعد المرتبة الثابتة .
ولما فرغ من بيان الأثر الأول للرحمة من حيث النظر إلى متعلقها فقال :
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولها أثر آخر بالسّؤال ، فيسأل المحجوبون الحقّ أن يرحمهم في اعتقادهم ، وأهل الكشف يسألون رحمة اللّه أن تقوم بهم ، فيسألونها باسم اللّه فيقولون يا اللّه ارحمنا ، ولا يرحمهم إلّا بقيام الرّحمة بهم .
فلها الحكم ، لأنّ الحكم إنّما هو في الحقيقة للمعنى القائم بالمحلّ . فهو الرّاحم على الحقيقة . فلا يرحم اللّه عباده المعنى بهم إلّا بالرّحمة .
فإذا قامت بهم الرّحمة وجدوا حكمها ذوقا . فمن ذكرته الرّحمة فقد رحم .)
 
 ( ولها أثر آخر ) لا بالذات ولا بالنظر إلى المجيد بل ( بالسؤال ) ، أي بالنظر إلى سؤال المرحومين وإلى اختلاف أحوالهم في هذا السؤال حالا ومقالا ( فيسأل المحجوبون ) عن انكشاف الحقائق على ما هي عليه ( الحق أن يرحمهم ) ، حال كونه مخلوقا ( في اعتقادهم ) ، فالمسؤول عنه في هذا السؤال الحق المخلوق ، والمسؤول الرحمة الواقعة منه عليهم بوصول أثرها إليهم ( وأهل الكشف ) المكاشفون بالحقائق على ما هي عليه ( يسألون رحمة اللّه أن تقوم بهم ) ، فالمسؤول عنه في سؤالهم رحمة اللّه والمسؤول قيامها بهم ليصيروا راحمين كما كانوا مرحومين ( فيسألونها ) ، أي الرحمة معبرين عنها ( باسم اللّه ) الوجود الحق الجامع لجميع الأسماء ،
 
وذلك لأنه تعالى عين الرحمة كما ستقع الإشارة إلى ذلك ( فيقولون : يا اللّه ارحمنا ) ، أي تجلّ علينا باسمك الرحيم ، واجعلنا راحمين كما أنك راحم ، فانظر الفرق بين السؤالين فإن المسؤول عنه في السؤال الأول الحق المخلوق الذي لا شعار له بنفسه ولا لغيره فكيف يتمكن من اتصال الرحمة إليه والمسؤول أثر الرحمة ،
 
والمسؤول عنه في السؤال الثاني اللّه الرحمن الرحيم ، والمسؤول تجليه عليهم بالاسم الرحيم قاصدين أيضا الرحمة إلى من سواهم إن كانوا من المتوسطين ، أو التمكن من ذلك الإيصال من غير ظهور به إن كانوا من المنتهين فإنهم لا يطلبون الظهور بالصفات الإلهية بل لا يتجاوزون مقام العبودية ( ولا يرحمهم إلا قيام الرحمة ) ، أي الرحمة القائمة ( بهم فلها ) ، أي للرحمة ( الحكم ) على المرحوم ( لأن الحكم ) بغير وسط
 
( إنما هو في الحقيقة للمعنى القائم بالمحل ) ، على المحل كما أن الحكم على العالم من غير وسط ، بالعالمية إنما هو للعلم القائم به ، فإن معنى العلم بجعل ذات العالم عالما بغير وسط ومفيض العلم يجعله عالما بواسطة العلم
 
( فهو ) ، أي المعنى القائم بمحل الرحمة أعني الرحمة هو ( الراحم ) ، أي الحاكم عليه براحميته ( على الحقيقة فلا يرحم اللّه عباده المعتنى بهم إلا بالرحمة ) ، بل لا يرحمهم إلا الرحمة ( فإذا قامت بهم الرحمة ) وجعلتهم راحمين ( وجدوا حكمها ) ، أي حكم الرحمة يعني الراحمية في أنفسهم (ذوقا . فمن ذكرته الرحمة) ، بإيصال أثرها إليهم كالمحجوبين (فقد رحم)،
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( واسم الفاعل هو الرّحيم والرّاحم .
والحكم لا يتّصف بالخلق لأنّه أمر توجبه المعاني لذواتها . فالأحوال لا موجودة ولا معدومة .
أي لا عين لها في الوجود لأنّها نسب ، ولا معدومة في الحكم لأنّ الّذي قام به العلم يسمّى عالما وهو الحال .
فعالم ذات موصوفة بالعلم ، ما هو عين الذّات ولا عين العلم ، وما ثمّ إلّا علم وذات قام بها هذا العلم . وكونه عالما حال لهذه الذّات باتّصافها بهذا المعنى فحدثت نسبة العلم إليه فهو المسمّى عالما .
والرّحمة على الحقيقة نسبة من الرّاحم ، وهي الموجبة للحكم ، فهي الرّاحمة .)
 
فالمذكور هو المرحوم اسم المفعول ومن ذكرته الرحمة بقيامها فقد رحم والمذكور اسم الفاعل ( واسم الفاعل هو الرحيم والراحم والحكم ) الذي توجبه الرحمة في المرحوم والراحم أعني المرحومية والراحمية .
 
( لا يتصف بالخلق لأنه ) ، أي الحكم ( أمر توجبه ) وتنسبه ( المعاني ) المعقولة الغير الموجودة ( لذواتها ) التي هي قائمة بها من غير أن يتعلق به جعل وخلق أو المعنى توجبه المعاني لذواتها من غير مدخلية شيء آخر ، ولا يتعلق به جعل وخلق وبعض الملبين يسمى هذا الحكم وأمثاله أحوالا
 
( فالأحوال لا موجودة ولا معدومة ) لا موجودة ( أي لا عين لها في الوجود لأنها نسب ) ، عدمية لا وجود لها في الخارج ( ولا معدومة في الحكم ) بها على الشيء من معنى الثبوت له ( لأن الذي قام به العلم ) مثلا ( يسمى عالما ) ، أي تثبت له العالمية ، وثبوت شيء لشيء وإن لم يستلزم وجود الثابت لكنه فيه وجود شائبة وجود للفرق البين بين ما لا وجود له في نفسه ولكن يكون موجودا ثابتا لغيره وبين ما لا يكون موجودا في نفسه ولا موجودا لغيره ( وهو ) ، أي كون الذي قام العلم به عالما هو ( الحال ) التي ليست لها عين موجودة ولكن فيها شائبة وجود .
 
( فعالم ذات موصوفة بالعلم ما هو ) ، أي كونه عالما ( عين الذات ) لاشتماله على معنى زائد على الذات ( ولا عين العلم ) لاعتبار الذات فيه ( وما ثم إلا علم وذات قام بهذا هذا العلم ) ويلزمها لقيام العلم بها العالمية ( و ) هي ( كونه ) ، أي كون العالم ( عالما حال لهذه الذات باتصافها ) ، أي بسبب اتصاف الذات
 
( بهذا المعنى ) الذي هو العلم ( فحدثت نسبة العلم ) ، أي إضافته ( إليه ) ، أي إلى الذي قام به ، ( فهو ) أي الذي قام به العلم هو ( المسمى عالما ) واتصف بالعالمية التي هي الحال ( والرحمة على الحقيقة نسبة ) ، أي نسبي ( من الراحم ) يوجده الراحم في المرحوم ويحكم به عليه ( و ) في الحقيقة تلك الرحمة ( هي النسبة الموجبة للحكم ) بالراحمة على المرحوم ( فهي الراحمة ) ، أي الموجبة لقيام الرحمة بالمرحوم وجعله راحما
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (والّذي أوجدها في المرحوم ما أوجدها ليرحمه بها وإنّما أوجدها ليرحم بها من قامت به .
وهو سبحانه ليس بمحلّ للحوادث ، فليس بمحلّ لإيجاد الرّحمة فيه . وهو الرّاحم ولا يكون الرّاحم راحما إلا بقيام الرّحمة به ، فثبت أنّه عين الرّحمة .
ومن لم يذق هذا الأمر ولا كان له فيه قدم ما اجترأ أن يقول إنّه عين الرّحمة أو عين الصّفة ، فقال ما هو عين الصّفة ولا غيرها . فصفات الحقّ عنده لا هي هو ولا هي غيره ، لأنّه لا يقدر على نفيها ولا يقدر على أن يجعلها عينه ، فعدل إلى هذه العبارة وهي عبارة حسنة ، وغيرها أحقّ بالأمر منها وأرفع للإشكال .
وهو القول بنفي أعيان الصّفات وجودا قائما بذات الموصوف وإنّما هي نسب وإضافات بين الموصوف بها وبين أعيانها المعقولة.) 
 
 ( والذي أوجدها ) ، أي الرحمة ( في المرحوم ما أوجدها ) فيه ( ليرحمه بها ) ، ويجعله مرحوما ( وإنما أوجدها ليرحم بها من قامت به ) تلك الرحمة ويصير بها راحما .
وجميع ما ذكرناه إنما يصح بالنسبة إلى الخلق وأما بالنسبة إلى الحق سبحانه فهو ما أشار إليه بقوله ( وهو سبحانه ليس بمحل للحوادث فليس بمحل لإيجاد الرحمة فيه وهو الراحم ولا يكون الراحم راحما إلا بقيام الرحمة به ) ، ووجوهها فيه أو بكونه عين الرحمة ، والأول يستلزم كونه محلا للحوادث أو الاستكمال بالغير
 
( فثبت أنه عين الرحمة ومن لم يذق هذا الأمر ) ، أي يعرفه معرفة ذوق ووجدان ( ولا كان له فيه قدم ) يسلك بها مسالك النظر والبرهان ( ما اجترأ أن يقول إنه عين الرحمة أو عين الصفة ) مطلقا كما ذهب إليه الحكماء والمعتزلة
( فقال ) : من لم يذق هذا الأمر ولا كان له قدمه يعني الأشعري ( ما هو عين الصفة ولا غيرها فصفات الحق عنده لا هي هو ولا هي غيره لأنه لا يقدر على نفيها ) ، كما سيصرح به الشيخ رضي اللّه عنه عن كثب ( ولا يقدر أن يجعلها عينه ) ، كما ذهب إليه الحكماء والمعتزلة ( فعدل إلى هذه العبارة وهي عبارة حسنة ) ، لأنه يدفع بها بحسب الظاهر ما يرد على كل من تقديري العينية والغيرية .
 
( وغيرها ) من العبارات ( أحق بالأمر ) ، أي بأمر الكشف على ما هو مطابق للواقع ( منها ) ، أي من تلك العبارة ( وأرفع للإشكال ) الوارد في هذا المقام على ما يفهم من تصفح كلامهم ( وهو ) ، أي ما يغاير تلك العبارة وأحق بالأمر وأرفع للإشكال ( القول بنفي أعيان الصفات وجودا قائما بذات الموصوف وإنما هي نسب وإضافات بين الموصوف بها وبين أعيانها المعقولة ) ، التي بها تتمايز تلك الصفات التي هي نسب بالعينية أنه ليس هنا أمر زائد على الذات وهذا بعينه القول بنفي الصفات ثم إنه
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإن كانت الرّحمة جامعة فإنّها بالنّسبة إلى كلّ اسم إلهي مختلفة . فلهذا يسأل سبحانه أن يرحم بكلّ اسم إلهيّ . فرحمة اللّه والكناية هي الّتي وسعت كلّ شيء .
ثمّ لها شعب كثيرة تتعدّد بتعدّد الأسماء الإلهيّة . فما تعمّ بالنّسبة إلى ذلك الاسم الخاصّ الإلهيّ في قول السّائل ربّ ارحم ، وغير ذلك من الأسماء حتّى المنتقم له أن يقول يا منتقم ارحمني .
وذلك لأنّ هذه الأسماء تدلّ على الذّات المسمّاة ، وتدلّ بحقائقها على معان مختلفة ، فيدعو بها في الرّحمة من حيث دلالتها على الذّات المسمّاة بذلك الاسم لا غير).
 
وإضافات ، وظاهر أن القول بنفي الصفات ينافي ما ذهب إليه رضي اللّه عنه آنفا من دعوى العينية وإحالة إلى الذوق والكشف ، ولا يبعد أن يقال مرجع القولين إلى معنى واحد ، فإن المراد ( وإن كانت الرحمة جامعة ) لأنواع الرحمة ( فإنها بالنسبة إلى كل اسم إلهي ) بل بالنسبة إلى جميع الأسماء ( مختلفة ) متنوعة بحسب اختلاف الأسماء وتنوعها ( فلهذا ) الاختلاف ( يسأل سبحانه أن يرحم بكل اسم إلهي ) رحمة خاصة تناسبه ( فرحمة اللّه ) التي هي عين الذات كما صرح به أولا ( و ) رحمة ( الكناية ) ، أي المضافة إلى ضمير المتكلم الذي هو كناية عن تلك الذات ( هي التي وسعت كل شيء ) من غير خصوصية اسم دون اسم في قوله تعالى :وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ[ الأعراف : 156 ] ،
 
( ثم لها ) ، أي للرحمة ( شعب كثيرة تتعدد بتعدد الأسماء الإلهية ) ، ولكل شعبة منها اختصاص باسم خاص ( فما تعم ) الرحمة جميع شعبها إذا اعتبرت ( بالنسبة إلى ذلك الاسم الخاص الإلهي ) .
 
( قوله ) : فرحمة اللّه مصدر مضاف إلى فاعله وحمله على صيغة الفعل تصحيف الذي هو الرب مثلا ( في قول السائل رب ارحم ) ، طالبا منه ترتيبه في مراتب الكمال ( وغير ذلك من الأسماء حتى المنتقم ) ، مع أن الانتقام يضاد الرحمة فإن ( له ) ، أي للسائل ( أن يقول : يا منتقم ارحمني ) طالبا منه الرحمة التي تناسبه وهي تخفيف العذاب ، أو تخليصه منه أو الانتقام من الذين ظلموه فإنه رحمة بالنسبة إلى السائل المظلوم .
 
( وذلك ) ، أي عدم عموم الرحمة جميع سعتها إذا اعتبرت بالنسبة إلى اسم خاص ( لأن هذه الأسماء تدل على الذات ) الإلهية ( المسماة ) بها بحسب تخصيص الشارع وإرادة الداعي فإنها بحسب اللغة موضوعة لذات مبهمة غاية الإبهام يحتمل الذات وغيرها ( وتدل بحقائقها ) ، أي بسبب مفهوماتها الكثيرة المتمايزة والدالة عليها ( على معان مختلفة فيدعو ) السائل ( بها ) ، أي بكل اسم من تلك الأسماء ( في ) طلب ( الرحمة من حيث دلالتها على الذات المسماة بذلك الاسم لا غير ) ، لأن قبلة الحاجات ووجه استجابة الدعوات إنما هي تلك الدعوات

.
يتبع 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي
» شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي
» شرح الشيخ عبد الرزاق القاشاني .على متن كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي
» شرح الشيخ عيد الغني النابلسى كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» شرح داود بن محمود بن محمد القَيْصَري فى كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم على فصوص الحكم الشيخ الأكبر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: