منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب    كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يوليو 28, 2019 2:52 pm

مقدمة كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب

شرح أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

مقدمة الكتاب على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
مقدمة كتاب شرح كلمات فصوص الحكم ابن العربى الطائي الحاتمي 
الإهداء
إلى الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربى قدس الله سره العزيز،
الرجل الذي ملأ الدنيا وشغلها منذ أكثر من ثمانية قرون، وما احتلت الناس في أحد به النبوات مثل ما اختلفوا فيه، وكان هو في نفسه مرآة محمدية في غاية الصفاء والإستقامة ، فما رأى أحد فيه إلا نفسه , وما تكلم فیه تی متكلم إلا بما هو عليه المتكلم.
محمود محمود الغراب
دمشق
غرة جمادى الثاني  1405هـ
الموافق العشرين من شباط 1985 م

العلم بالله دینی إذ أدین به    ….. والجهل بالعین ایمانی وتوحيدي
                               محيي الدين ابن العربي
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله مؤتي الحكم ، سابغ النعم ، دافع النقم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المؤتی جوامع الكلم ، والهادي إلى الطريق الأمم ، وعلى آله وأصحابه وسلم ، أما بعد، فانه بعد صدور السلسلة الأولى من كتبنا التسعة عن الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي رضي الله عنه ، وهي :
الفقه عند الشيخ الأكبر .
الإنسان الكامل .
القطب الغوث الفرد .
شرح كلمات الصوفية .
الرد على ابن تيمية .
ترجمة حياة الشيخ الأكبر.
الحب والمحبة الإلهية .
الخيال عالم البرزخ والمثال .
الرؤيا والمبشرات .
والتي تعتبر مدخلا لقراءة كتب الشيخ، وتوجد بعض ما جاء من مفاهيم وعلومه ، في أبواب يسهل على القارىء استيعابها .
فإني أتقدم واسأل الله العون والتوفيق لشرح كتاب فصوص الحكم ، الذي أثار كثيرا من اعتراض بعض الأئمة وأهل العلم على الشيخ الأكبر قدس الله سره العزيز ، مثبتا في هذا الشرح ما صح نسبته إلى الشيخ ، ومحققا ما جاء في هذا الكتاب مما يخالف آراء الشيخ في كتبه الأخرى .
فأقول : الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
هو أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد العربي ، ولد عام 560 هـ بمدينة مرسية بشرق الأندلس ، خرج حاجا من الأندلس عام 489  هـ ثم استقر به المقام في دمشق بعد رحلة مذكورة في ترجمة حياته ، غرق أهل العلم في شرح و تفسير إشاراته ، فغابوا عن علو مقام الشيخ الفقهي وانه امام صاحب مذهب مستقل من مذاهب أهل السنة
والجماعة ، واختلف فيه أهل الظاهر بين قادح ومادح ، واعتبره فلاسفة الغرب والشرق من أكبر فلاسفة الإسلام، ولقبه الأولياء واهل العرفان بسلطان العارفين وشيخ المحققين، له من المؤلفات ما ينيف عن ستمائة مؤقف بين رسالة وكتاب ، فقد جلها ، ولم يبق بخط يده إلا اليسير منها أهمها الفتوحات المكية ، توفي عام 638 هـ بمدينة دمشق .

فصوص الحكم
سمي هذا الكتاب موضوع البحث بـ " فصوص الحكم " إشارة إلى أن الحكم الواردة فيه كاملة النشأة ، محكمة لا يفضل منها شيء فلا زيادة فيها ولا نقصان ، فيقدح ذلك في كونها حكمة.
فإن الفص من الخاتم لا يفضل عنه شيء ، بل يكون على قدر محله وشكله ، فإن محله من الخاتم يكون مثله لاغير.
فهو مثال لوضع الحكمة في محلها الذي تثبت فيه فلا تضيع ، إشارة إلى إتيان الدعية أهلية ، فلا تظلم ولا يظلمون .
لم يرد ذكر أسم هذا الكتاب في أي من كتب الشيخ رضي الله عنه ، إلا أنه جاء ذكره في إجازة الشيخ للملك أبي بكر بن أيوب ، ضمن ما أجازه من قراءة كتبه المذكورة في الإجازة ، وذاك في مدينة 632 هـ ، وفي ديوانه وإذا اعتبرنا ذلك دليلا على نسبة هذا الكتاب إلى الشيخ ، فيكون بذلك من أواخر الكتب التي ألفها ، حيث ذكر أنه الغه عام 627 هـ .
ولذلك نجد أنه قد أتى علی ذكر كتب التنزلات الموصلية والفتوحات المكية والتجليات في هذا الكتاب .
واشار : الرجوع إليها ، ولكن ما يجب أن يعلمه القارئ هو أن هذا الكتاب وإن كان من أواخر ما ألف الشيخ، إلا أنه ليس بآخرها كتابة .
فإنه ثابت أنه استمر في كتابة الفتوحات المكية حتى عام 935 هـ ، أي بعد ضمان سنوات من كتابة فصوص الحكم ، كما أن للشيخ على نسخة الفتوحات المكية المكتوبة بخط يده واحدة وخمسين سماعا من عام 633 هـ إلى عام 637 هـ ، وأقدم نسخة الفصوص هي المنسوبة إلى صدر الدين القونوي .
يوجد من الكتب المخطوطة بيد الشيخ رضي الله عنه في تركيا وبغداد ثمان وعشرون كتابا هي : الفتوحات المكية ، كتاب الأحدية ، كتاب الأزل ، كتاب ايام الشأن ، دیوان الشيخ الأكبر ، كتاب الجلالة ، كتاب حلية الأبدال ، كتاب مقام القربة ، كتاب التدبيرات الإلهية ، كتاب التراجم ، كتاب التجليات ، كتاب التنزلات الموصلية ، كتاب الياء ، كتاب جواب سؤال ابن سودكين ، كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل ، كتاب العظمة كتاب الحقائق الإلهية ، كتاب بحر الشكر ، كتاب الرد على اليهود ، كتاب الجواب المستقيم عما سأل عنه الترمذي الحكيم ، كتاب انخراق الجلود ، كتاب المحجة البيضاء في الأحكام الشرعية ، كتاب منازل المنازل الفهوانية ، رسالة القرار في نزول الأخبار ، كتاب نثر البياض في روضة الرياض ، كتاب شواهد الحق في القلب ، كتاب الوسائل في الأجوبة عن عيون المسائل ، تفسير جزئين من سورة البقرة من تفسيره إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن ، طبع من هذه الكتب الخمسة عشر كتابا الأولى ، ولا يوجد في هذه الكتب كلها أي تعارض مع ما هو موجود في كتابه الفتوحات المكية .
الذي يعتبر بحق أما لجميع كتب الشيخ ، نعم يوجد في الفتوحات المكية تعارض في بعض المسائل ، ولكن نجد ذلك عند شرح مدلول لفظة من الفاظ الأضداد تحتاج إلى تخريج المعنى مع ما يناسب كلا من الضدين .
او نجد رأيين متعارضين عندما يقرر الشيخ راي علماء الكلام أو النظر او الفلك.
أو الطبيعة مع اختلاف آرائهم في نفس الموضوع ، ولكن لا يوجد أي تعارض عندما يتكلم الشيخ عن الحقائق ، فإن الحقائق لا تتبدل ، ولا يصح تعارض فيما يأتي به الكشف إن كان الكشف محققا ولم يدخله التأويل ولا النظر .
ولما كان هذا الكتاب « فصوص الحكم » مبنية على الحقائق وعلوم الإلهيات ، فإنه لا يتصور فيه تناقض مع ما ثبت عن الشيخ في كتبه الأخرى.
ولكن عند تحقيق ما ورد في هذا الكتاب ، نجد أن فيه كثيرا من المخالفات والعبارات التي تناقض تماما مذهب الشيخ وأسلوبه .
ولا يوجد وجه جامع يجمع بين هذه المتناقضات ، لذلك نجد أنه من الصعب التسليم بصحة نسبة كل ما جاء في هذا الكتاب الذي بين أيدينا إلى الشيخ.
و خصوصا عندما نرى تدنية في أسلوب الكتابة والتعبير المعهودين عن الشيخ ، وكذا ضعف الاستدلال بالشواهد في هذا الكتاب مع قوة الشواهد في نفس المسائل ووضوحها في الفتوحات المكية والكتب الأخرى المكتوبة قبل هذا الكتاب .
كما إننا لا نجد أي ذكر او إشارة إلى هذا التعارض في كتاب نقش الفصوص الذي كتبه إسماعيل بن سودكين التلميذ المقرب إلى الشيخ رضي الله عنه .
لذلك فإنني أنحو في شرحي لهذا الكتاب طريق التحقيق العلمي المستند إلى المراجع التي صحت نسبتها إلى الشيخ الأكبر رضي الله عنه.
فأوضح ما أبهم في هذا الكتاب بنص كلام الشيخ كما إنني اثبت ما جاء مخالفة لما في هذا الكتاب مما لا يصح نسبته إلى الشيخ دون أن أتكلف تأويله كما سبق ممن تعرض لشرح هذا الكتاب.
وسيرى القارئ مدى تجني منتقدي الشيخ على هذه المسائل دون أن يحققوا نسبتها إليه ، في أمور لا تصح نسبتها إلى الشيخ ، وفي أمور قصروا عن إدراك معانيها ويوضحها الشيخ في كتب أخرى .
وعند تحقیق ودراسة هذا الكتاب نجد أن جميع العلوم الأساسية فيه لم يتناولها أي تحريف أو تصرف، ولذلك يعتبر من هذه الناحية مختصرة مكثفا لبعض علوم الشيخ الرئيسة .
ونجد أن هذا الكتاب من جهة حقائقه العلمية يقوم على الفردية ، كما أن الوجود الحادث مبني على الفردية .
فالثلاث علوم الرئيسة فيه :
أولها وحدة الوجود من حيث أنه سبحانه هو الظاهر في المظاهر ، وأقرب مثال له هو الظهور في المرايا .
معبرة عن فهم الشيخ في قوله تعالى « كل شيء هالك إلا وجهه » وقوله : كان الله ولا شيء معه .
والثاني كون العلم تابعا للمعلوم وهو إشارة إلى قوله تعالى « فلله الحجة البالغة »
والثالث شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب . وذلك بالنظر إلى قوله تعالی « الرحمن على العرش استوى » .
وقوله تعالى « ورحمتي وسعت كل شيء » وسيجد القاريء جدولا مفصلا يبين تكرار هذه العلوم في أكثر فصوص هذا الكتاب .
وما عدا ذلك من العلوم فهو من العلوم الفرعية ، كما نجد أن الشيخ يضمن الفصوص الأخيرة من هذا الكتاب رأيه في العقائد وعلوم التوحيد، وما يتعلق بها من التنزيه المطلق والتشبيه: لطلق، ويوضح مذهبه في الجمع بين التنزيه والتشبيه القائم على النصوص الشرعية والجمالية في قوله تعالى " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ".
ثم يشرح تجلي الحق في صور المعتقدات مستندا إلى قوله صلى الله عليه وسلم  في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه من تحول الحق في الصور يوم القيامة .
ويلاحظ في هذا الكتاب أن الشيخ يتكلم فيه عن الحقائق والعلوم الذوقية دون لغز او رمز مما لا يصعب فهمه او يعسر حله إلا في فص واحد هو فص الحكمة النوحية 
ولهذا أحال الشيخ رضي الله عنه القارىء على التنزلات الموصلية ، فإنها مبنية على اللغز والرمز والأسرار المختصة بأهلها ، فمن فهمها هناك فهمها في ذلك الفص ، وقد اشرت بعلامة (0) إلى كل موضوع وقع فيه خلاف بين ما هو مذكور في فصوص الحكم وبين ما هو ثابت عن الشيخ في كتبه الأخرى .
ليتضح للقارىء مدى إصابة أو خطأ كل من تعرض لشرح هذا الكتاب ، ولذلك فإني أثبت في شرحي المراجع والمصادر في أماكنها ليرجع إليها من طلب تحقیق المسألة 
وأما عن نسبة كل حكمة إلى نبي من الأنبياء ، فإني أقدم لها بما فتح الله تعالی على ، موضحا المناسبة والوجه الجامع بين الحكمة وبين النبي المسند إليه هذه الحكمة ما المسه من الشيخ في مراعانه علم المناسبة وإن دقت او بعدت ، فأرجو الله تعالی التوفيق لإصابة المقصود من الشيخ رضي الله عنه .

شرح فصوص الحكم لهذا الكتاب
عدة شروح تربو على المائة منها ستة شروح مطبوعة ، اناقش مسألتين فقط جاءنا في فصوص الحكم في ثلاث من أهم هذه الشروح وهي شرح الملا عبد الرحمن الجامي المتوفي عام 898 هـ ، وشرح خليفة الصوفية بالي أفندي المتوفي عام 960 هـ، وشرح الشيخ العارف بالله عبد الغني النابلسي المتوفى عام 1143 هـ ، ومن مناقشة هاتين المسألتين مع النصوص
الثابتة عن الشيخ الأكبر رضي الله عنه يتضح للقارىء مدى إصابة كل من تصدى لشرح الفصوص قصد الشيخ ام خطؤه ، وهاتان المسألتان نموذج أقدمه وما عداهما فهو متروك للقارىء يقف عليه بنفسه عند قراءة هذا الشرح.
أما نقد وتعليق المرحوم الدكتور أبو العلا عفيفي ، فإني لا أتعرض له حيث انه تناول بالنظر الفكري عن طريق الفلسفة نقد ما كتب عن طريق الكشف والذوق، فخالف شرط المؤلف الثابت في نفس الكتاب حيث يقول الشيخ الأكبر في الفص رقم (۱)
"هذا الفن من الادراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه" وينص بصريح عبارته « أن الأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيدة عن نتائج الأفكار » .
فكيف تناقش بالدليل والبرهان ما جاء بالذوق والوجدان ؟!
وقد أوضحت في كتابي شرح كلمات الصوفية ص 375
كیف شرح المرحوم الدكتور أبو العلا عفيفي في كتابه « التصوف الثورة الروحية في الإسلام»
قول الشيخ الأكبر :
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوی  …. ولولا الهوى في القلب ما عبد الهوى
فأفسد المعنى المقصود للشيخ بشعره ، وجانب جملة وتفصيلا ما نص عليه صاحب هذا البيت .
ولننظر إلى ما ذهب إليه هؤلاء الشراح الثلاثة في هاتين المسالتين .

مسالة استفادة خاتم الأنبياء العلم من خاتم الأولياء
اولا مسالة خاتم الأولياء :
وهي قوله في الحكمة الشيثية: « فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء ، فكيف من دونهم من الأولياء ، وإن كان خاتم الأولية تابعة للحكم ما جاء به خاتم الرسل من التشريع ، فذلك لا يقدح في مقامه ، ولا يناقض ما ذهبنا إليه ، فإنه من وجه يكون أنزل ، كما أنه من وجه يكون أعلا » .
الملا جامي :
يقول الشيخ الملا عبد الرحمن جامي ما يلي :
خاتم الاولياء مظهر احذية جمعه صلى الله عليه وسلم و لحقائق ولايته الباطنة ، فالاستمداد من مشكاة خاتم الأولياء بالحقيقة هو استمداد من مشكاة خاتم الأنبياء ، فإن مشكاته بعض من مشكاته ، فلا استمداد في الحقيقة إلا من مشكاة خاتم الأنبياء ، وإنما أضيف الاستمداد إلى خاتم الأولياء باعتبار حقيقته التي هي بعض من حقيقة خاتم الأنبياء ، ومعنى استمداد خاتم الأنبياء منه بحسب ولايته استعداده بحسب النشاة العنصرية من حقيقة هي بعض من حقيقته .
وذلك الولي الخاتم مظهره، فهلا بالحقيقة استمداد من نفسه لا من غيره . والله أعلم بالحقائق.

بالي أفندي :
لاينبغي أن يتوهم افضلية خاتم الأولياء على خاتم الرسل وغيره في ذلك الوجه الخاص وهو كونه متبوعا لخاتم الرسل في رتبة علم التجلي الذاتي .
لأن قوله « من وجه يكون اعلى » لا يدل إلا على تقدمه في ذلك العلم ولا يلزم منه الأفضلية في تلك المرتبة ۰۰۰
فكان المراد من قوله « من وجه يكون أعلى » بیان لزيادة مرتبة خاتم الأولياء من الوجه المذكور ، ولا يلزم منه الأفضلية من هذا الوجه عند الله . 

الشيخ عبد الغني النابلسي :
« فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء " من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام كما مر ، فإن ختم الولاية في زمان المرسلين الماضين عليهم
السلام لم يكن إلا في ولاية النبوة، كولاية الخضر عليه السلام وولاية الرسالة فقط، وأما ولاية الإيمان فحقها في هذه الأمة في كل زمان إلى يوم القيامة ، ومعلوم أن المرسلين ليسوا في هذه الأمة « فكيف من دونهم من الأولياء » ولاية نبوة أو ولاية إيمان .
فإنهم لا يرون ذلك المسلم إلا من مشكاة خاتم الولاية بالطريق الأولى ، فأصحاب الولاية النبوية لا يرونه إلا من خاتم الولاية النبوية ، و أصحاب الولاية الإيمانية يرونه من خاتم الولاية الإيمانية « وإن كان خاتم الأولياء » سواء كان ولاية نبوة او ولاية رسالة أو ولاية إيمان « تابعا في الحكم » العملي « لما جاء به » من عند الله تعالی « خاتم الرسل » في كل زمان من الأزمنة الماضية بالنسبة إلى الأنبياء والمرسلين.
والمستقبلة بالنسبة إلى أولياء الإيمان « من التشريع » أي البيان الإلهي ۰۰۰ والحاصل إن الرسالة والنبوة اللتين انقطعتا الآن ، لهما ولايتان ، ولكل ولاية منهما خاتم في كل زمان من تلك الأزمنة الماضية .
وكذلك ولاية الإيمان الباقية إلى يوم القيامة ، لها خاتم في كل زمان ، وهذا العلم مخصوص بخاتم الولاية من المرسلين أو الأنبياء أو المؤمنين ، ولا يراه أحد من المرسلين أو الأنبياء في زمن وجودهم إلا من مشكاة خاتم ولايتهم .
فكذلك لا يراه أحد من أولياء المؤمنين إلى يوم القيامة إلا من مشكاة خاتم ولايتهم  « فذلك » اي كون خاتم الأولياء من المرسلين او الأنبياء أو المؤمنين تابعا لخاتم الرسل في التشريع «لا يقدح في مقامه » الذي هو ختم الولاية.
فإنه مقام عال بالنسبة إلى من لم يكن خاتما من نوعه ، ذلك لحصوله على ذلك العلم بطريق الأصالة وغيره بالتبعية له.
« ولا يناقض ما ذهبنا إليه » من كون من لم يكن خانما لا يرى ذلك إلا من مشكاة الخاتم بطريق التبعية له في نوقه ذلك «فإنه» اي خاتم الأولياء المذكور «من وجه يكون أنزل» أي أدنى منزلة من تابعه « كما انه » اي خاتم الولاية « من وجه » آخر « يكون أعلى» من غيره .
نجد في هذه الشروح الثلاثة تكلف الشارح في تخريج معنى صريح اللفظ ، فيذهب منلا جامي إلى أنه استمداد لرسول الله صلى الله عليه من نفسه ، وهو تأويل يصعب على القارىء قبوله .
ونجد أن بالي افندی انبت الاختصاص الإلهي للشيخ بهذا العلم وأن هذا لا يعني أفضليته على خاتم الرسل .
فكان أقرب الثلاثة وضوحا مع ظاهر اللفظ ، أما الشيخ عبد الغني فقد تعني في التكلف في شرح المسالة واخرجها كلية عن المعنى الظاهر ، وجانب بهذا التكلف مفهوم ختم الولاية كما جاء في كتب الشيخ بأسلوب واضح سهل لا غموض فيه ولا يحتاج إلى تأويل .
فتكلف الشراح الثلاثة شرح ما لم يصح نسبته إلى الشيخ من ثابت كلامه ، كما سيراه القارئ في محله في فص الحكمة

مسألة إدريس والياس علیهما السلام وأنهما واحد
يقول كل من الملا جامي
كان الحكم بالاتحاد بينهما بناء على مشاهدته الأنبياء عليهم السلام في مشاهداته ۰۰۰
او مستفاد من روحانيته ، فإن هذا الكتاب بلا زيادة ولا نقصان مأخوذ منه صلى الله عليه وسلم ، كما صرح به في صدر الكتاب .
فما وقع به في بعض كتبه رضي الله عنه أن الموجود من الأنبياء بابدانهم العنصرية اربعة :
إثنان في السماء إدريس وعيسى عليهما السلام.
واثنان في الأرض الخضر وإلياس ، على ما اشتهر من اثنينيتهما ، وما وقع في هذا الكتاب بناء على ما استقر كشفه علیه آخرا ، فإن هذا الكتاب خاتم مصنفاتهم ، أو نقول الحكم بالإثنينية باعتبار البدنين السماوي والأرضي ، والحكم بالاتحاد باعتبار الروحانية .
بالي أفندي :
وكون إلياس هو إدريس عليه السلام معلوم له من الكشف الإلهي وما ذكر في كتب التفاسير من قصة إدريس وإلياس ، وإن دل على تغاير الأحوال ، لكن لا يقل قطعا على تغايرهما في المسمى. 
الشيخ عبد الغني النابلسي
نقل الشيخ عبد الغني رضي الله عنه تعارض الأقوال واختلاف المفسرين في هذه المسألة فمن قائل إن إلياس غير إدريس ومن قائل إن إلياس هو إدريس وأورد عن الشيخ العز بن عبد السلام قوله عن إلياس عليه السلام " وقيل إنه إدريس» ونقل من صحيح البخاري في كتاب الأنبياء عليهم السلام قول البخاري « ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم أن إلياس هو إدريس ».
ثم رجع الشيخ عبد الغني القول بان إدريس عليه السلام هو إلياس بقوله « وابن عباس رضي الله عنهما ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو ترجمان القرآن ، وقد دعا له ابن عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل أي تأويل القرآن ، فهو أدرى بالقرآن من غيره ، فقوله بإن إلياس هو إدريس عليه السلام أصح الأقوال ، خصوصا وقد وافقه ابن مسعود خادم رسول الله وغيره أيضا .
وجاء الكشف الصحيح المؤيد بالكتاب والسنة بذلك من حضرة المصنف قدس الله سره » اهـ
نجد أن الشراح الثلاثة قد نحوا إلى أن إلياس هو إدريس عليهما السلام .
واثبتوا ذلك ونسبوه إلى الشيخ كشفا ، غير أن الملا الجامي ، قد أثبت أن للشيخ رأيه مخالفا في كتبه.
ولكن ما جاء به في الفصوص هو ما استقر علیه كشفه .
كما نجد أن كلا من بالي افندي والشيخ عبد الغني لم يذكره راي الشيخ المخالف ولا أتيا عليه ، وما نحب أن نذكره هنا في هذه المسألة أن الراي المخالف لما في الفصوص من كون إلياس هو إدريس  عليهما السلام .
مذكور في الفتوحات المكية التي يقول عنها الشيخ ما هذا نصه (( هذا الكتاب مبني على الشرع وعلى ما يعطيه الكشف والشهود ، فإن العقول تقصر عن إدراك الأمر على ما يشهد به الشرع في حقه » ا هـ .
إلى غير ذلك مما تجده في كتابنا ترجمة حياة الشيخ ، فإذا اعتبرنا الشيخ قد اخطأ في كشفه الأول في الفتوحات المكية .
فلا يبعد أن يخطىء في كشفه الثاني في الفصوص ، وهذا هدم لكل ما جاء به الشيخ في مؤلفاته من علوم.
مع ثبوت الحقول المعارض بخط يد الشيخ في الفتوحات ، والقول الذي تكلف الشراح إثباته من النصوص منسوب إلى الشيخ غير محقق ، ويؤخذ على الشيخ عبد الغني في هذه المسالة ، ذهابه إلى ترجيح القول في الفصوص اعتمادا على ما جاء في صحيح البخاري غير مسند ولا مرفوع بكلمة « يذكر » وما جاء عن العز بن عبد السلام « قیل » ومعلوم لدى أهل العلم ضعف يذكر وقيل ، أما الترجيح بنسبة القول إلى ابن عباس وابن مسعود على ما جاء به الشيخ عبد الغني ، فكم من قول ثابت صحیح عنهما لم يأخذ به الفقهاء في ظاهر الشريعة .
ناهيك عن قول غير ثابت عنهما ، فإن قلت : 
ما حمل هؤلاء السادة الأفاضل على 
التكلف في شرح فصوص الحكم ؟
قلنا هو ما توهموه من صحة نسبة كل ما جاء في الفصوص إلى الشيخ ، والتسليم المطلق بذلك .
فإنه لم يكن يتوفر في ذلك الزمان التحقيق العلمي الذي يثبت كثرة النسخ التي تناولها التحريف والتصحيف .
أما مذهبنا في هذا الشرح فهو الاعتماد على ما يثبت بخط يد الشيخ رضي الله عنه في كتبه .
ورد كل ما سواه ، وإثبات ما صحت نسبته إلى الشيخ ولا شك أن كل من تعرض لشرح الفصوص أو نقدها قد اعتمد على صحة نسبة نسخة الصدر القونوي إلى الشيخ وهذا ما ننتقل لبحثه .
الصدر القونوي
هو محمد بن إسحاق بن محمد القونوي المتوفى عام 672 هـ لم يأت ذكر اسم الصدر القونوي المتوفى عام 672 هـ في أي من مؤلفات الشيخ رضي الله عنه على كثرتها ووفرتها.
كما أتي على ذكر خواص تلاميذه وأصحابه مثل بدر الحبشي المتوفى عام 625 ك وإسماعيل بن سودكين المتوفي عام 646 هـ ، ويلاحظ أن الفتوحات الملكية التي بخط يد الشيخ رضي الله عنه ، عليها سبع وخمسون سماعة عام 623 هـ في دمشق مسجلة داخل الفتوحات في الأجزاء والأبواب المختلفة ، حضر ولداه محمد سعد الدين ومحمد عماد الدين خمسة وعشرين سماعا عام 633 هـ ، وحضر ولده محمد سعد الدين سماعا واحدا عام 636 هـ ، وحضر تلميذه إسماعيل بن سودكين اثنا عشر سماعة عام 623 ك .
ولم يحضر الصدر القونوي إلا سماعا واحدا كتبه بخط يده لم يحدد فيه تاريخ السماع ولا الفقرة التي اسمعت.
وقد استمر الشيخ رضي الله عنه في إسماع فقرات من الفتوحات منذ عام 633 هـ حتى عام 637 هـ أي قبل وفاته بعام واحد .
وبعد ذلك سجل على الفتوحات بعد وفاة الشيخ اربعة عشر سماعا في حلب عامي 639 هـ و 640 هـ ، 
كان المسمع فيها إما إسماعيل بن سودكين أو صدر الدین القونوي ، ولم يدون الصدر أي مخالفة منها على نسخته من الفصوص ،ولا على هامش الفتوحات.
أما نسخة الفصوص المنسوبة الى الصدر القونوي فعليها سماع واحد مجهول المكان والفترة ، بل كتب على الغلاف ، كما لا يوجد سامعون ، فكان المسمع الشيخ رضي الله عنه و القارىء صدر الدين القونوي ، وذلك عام 630 هـ ، ومعلوم أن الشيخ كان في ذلك الوقت بدمشق .
وعدم وجود سامعين أثناء تلاوة مثل هذا الكتاب أمر يدعو إلى التوقف والتأمل مع كثرة السامعين المذكورين في الفتوحات من نساء ورجال .
كما أنه لا يعتمد السماع بوجوده على الغلاف دون تحديد الفقرة او الباب التي تلي في السماع ، فإذا أضفنا الى ان النسخة ليست بخط يد المؤلف مع اهميتها وأن ما كتبه بخط يده يعارض ما جاء فيها.
كان الأخذ بما جاء بخطة مقدما و أوثق مما جاء في الفصوص نقلا وعقلا وتحقيقا .

مخطوطات مكتبة الصدر القونوي
نسخة الفصوص الموجودة في متحف الأوقاف باستنبول نسخة خطية تحمل رقم 1933 ت وعليها سماع على الغلاف بتاریخ 630 هـ .
ولا يمكن استبعاد تزویر الكتب ونسبتها إلى المؤلفين في الزمان الغابر .
اما اذا صحت نسبة النسخة الى الصدر القونوي ، فلابد أن يكون قد كتبها من ذاكرته وليس إملاء من الشيخ أو نقلا عن نسخة الشيخ الخطية .
فإننا نجد ما أملاه الشيخ ابن العربي على تلميذه إسماعيل بن سودكين في كتابه المسمى « النجاة من حجب الاشتباه » في شرح كتابي الإسراء والمشاهد ، نجد اسلوب الشيخ واضحة متماسكا كما هو المعهود به ، ولا نجد في هذا الإملاء أي تناقض ما جاء في الكتب الأخرى.
في حين أننا نجد في نسخة الفصوص المنسوبة إلى الصدر القونوي كثرة المخالفات لأراء الشيخ واستشهاداته مما يدل على أنه قد وقع التصرف في أمور فرعية كثيرة من الكتاب وستجد ذلك في شرحنا للفصوص بعلامة (۰)۰
و لإثبات عدم الثقة بالمخطوطات المنسوبة إلى مكتبة الصدر القونوي اقدم القارىء هذا المثال عن كتاب « الخلوة المطلقة » وقد ذكره الشيخ فيما ذكر من كتبه مثل الفصوص ، وتوجد منه نسخة خطية للصدر القونوي بمكتبة فيانيدين بتركيا تحت رقم 1686 / 6 ب - 10 ب - وقد حصلنا على نسخة مكتبة برلين فوجدناها مطابقة تماما النسخة المكتبة الظاهرية بدمشق ، و اذا كانت النسختان متطابقتين للنسختين الموجودتين بتركيا ، فللننظر فيما يلي .
ذكر الشيخ هذا الكتاب في الفتوحات المكية الجزء الأول ص 391 ويقول عنه :
« وقد افردنا لهذه الطريقة خلوة مطلقة غير مقيدة في جزء ، يعمل عليها المؤمن فيزيد إيمانا ، ويعمل بها وعليها غير المؤمن من كافر ومعطل ومشرك ومنافق ، فإذا وفي العمل عليها وبها كما شرطناه وقررناه .
فإنه يحصل له العلم بما هو الأمر عليه في نفسه ، ويكون ذلك سبب إيمانه بوجود الله إن كان معطلا ، وبتوحيد الله إن كان مشركا ، وبحصول إيمانه إن كان كافرا ، و بإخلاصه إن كان منافقا أو مرتابا .
فمن دخل تلك الخلوة وعمل بتلك الشرائط كما قررنا اثمرت له ما ذكرنا ، وما سبقني إليها أحد في علمي إلا إن كان وما وصل إلي .
فإن الله لا تحجير عليه يؤتي الحكمة من يشاء ، فإني أعلم أن أحدا من أهل الطريق ما يجهلها إن كان صاحب كشف تام ، ولكن ما ذكروها ولا رأيت أحدا منهم نبه عليه ، إلا الخلوات المقيدة.
ولولا ما سالني فيها اخونا وولينا أبو العباس أحمد بن علي بن ميمون بن آب التوزري ثم المصري المعروف بالقسطلاني ، المجاور الآن بمكة ، ما خطر لنا الإبانة عنها ، فربما اتفق لمن تقدمنا مثل هذا فلم ينبهوا عليها لعدم السائل » اهـ.
فكيف تثبت مخطوطة مكتبة الصدر القونوي ونسبتها إلى الشيخ وهي في الخلوة المقيدة .
ويقول فيها « الأساس كله على التوجه الى الله تعالى بالتوحيد المطلق الذي لا يشوبه شرك خفي ولا جلي . ونحفظ من الشك والشرك والتعطيل » اهـ .
ويذكر فيها « إن الخيال لا حقيقة له في نفسه لأنه ليس بعالم مستقل » وكل كتب الشيخ من الفتوحات المكية و الإسراء والتنزلات الموصلية ، والتجليات إلى غير ذلك من الكتب تقوم على إثبات عالم الخيال ؟!!
(انظر كتابنا الخيال عالم البرزخ والمثال) وهل يوجد مثل ما جاء في هذا الكتاب من تناقض في كتب الشيخ رضي الله عنه حيث نجد في هذه النسخة قول الكاتب « ولو لم يكن له ( أي لصاحب الخلوة ) سوی ثوبین يتصدق بأحدهما ، أو ثوب واحد يمكن أن يباع بثوبين يستبدله بغيره ويتصدق بالفضل » اهـ .
ثم نجده يقول بعد ذلك « وتستعد ثيابا لطهرك تستبدلها في أكثر الأوقات » اهـ .
وهل يتصور عاقل له أدنى إلمام بكلام الشيخ وأسلوبه العلمي انه يقول لصاحب خلوة « وتستعمل في غذائك قلوب الهدهد تسحقها و تسفها سفا ، فإنك ترى عجایب ؟؟ » اهـ .
ولذلك تجد كل ما في هذا الكتاب « كتاب الخلوة » يناقض تماما ما جاء في كتاب مواقع النجوم الثابت للشيخ والذي يقول عنه في الفتوحات المكية ج4 ص 169 « هو كتاب شریف يقوم الطالب مقام الشيخ يأخذ بيده كلما عثر المريد ويهديه إلى المعرفة انا هو ضل وتاه » في ج4 ص 263 « وهو كتاب شريف يغني عن الشيخ في تربية المريد » اهـ .
هذا المثال اقدمه لكل طالب علم او محقق واجب عليه التحفظ من كل ما ينسب الى الشيخ الأكبر رضي الله عنه من كتب ولو دون عليها سماع أو نسبة الى احد تلاميذه حتى يرجع الى الأصل الذي كتبه الشيخ بخط يده ويكون صاحب إلمام بأسلوب الشيخ ونهجه في الكتابة والتأليف .

دمشق
غرة جمادى الثاني  1405هـ
الموافق العشرين من شباط 1985 م

محمود محمود الغراب
.
تعقيب الجامع على الشيخ أ.محمود محمود الغراب رحمه الله :
من هو الشيخ أبو المعالي صدر الدين القونوي ؟
(606 هـ ,1209م - 672 هـ /1274م)
صوفي تركي، وأحد تلاميذ الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي , له مؤلفات كثيرة أغلبها عن الشيخ محيي الدين ابن العربي وقد بقيت معظم مؤلفاته مازالت مخطوطات، من مؤلفاته:
تبصرة المبتدئ وتذكرة المنتهي، شرح الشجرة النعمانية للشيخ الأكبر ,فكوك النصوص في مستندات حكم الفصوص للشيخ الأكبر،
التجليات ، النفحات الإلهية وغيرها
نشأته :
هو محمد صدر الدين أبو المعالي بن إسحاق بن محمد بن يوسف بن على، الشهير بالقونوي، وكان أبوه اسحاق من أشراف السلاجقة، ولد القونوي في محافظة ملاطية في آناضول سنة 606 هـ - 1209م.
نشأ صدر الدين في أسرة غنية تبدو عليه آثار الثراء،وكانت وفاته 672 هـ 1274م.
وأوصى أن يدفن في الحارة الصالحية بجانب الشيخ محيي الدين ابن العربي في دمشق، ولكن لم يتمكن ذلك.

علاقته بالشيخ الأكبر ابن العربي
عندما توفي أبوه حوالى 615 هـ وهو صغير، تزوجت أمه بأستاذه الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي على ما يروى، وكان عمر القونوي يتراوح بين الحادية أو الثانية عشر حينما تتلمذ عليه وذهب معه إلى دمشق ولم يفارقه إلى أن توفى ابن العربي.
ظل القونوي بعده في دمشق وشكل حلقة تدريسية لفترة ثم انتقل منها إلى حلب سنة 640 هـ / 1242م، ومنها خرج مسافراً إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، ثم ذهب إلى مصر وظل بها مدة، والتقى بمصر بابن سبعين الذي كان يقول بوحدة الوجود.
وكان أبو المعالي صدر الدين القنوي أستاذا لكل من الشيخ مؤيد الدين الجندي والشيخ عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني من كبار شراح فصوص الحكم .
فحياة الشيخ صدر الدين القونوي ونشأته الفكرية في كنف أستاذه الشيخ الأكبر ابن العربی، وكذلك مشاركته شيوخ عصره في مجلس الشيخ الأكبر والأخذ عنه، ثم الدروس التي ألقاها عن مصنفات شيخه بعد وفاته ,وكذلك جلسات السماع على كتب شيخة بعد انتقاله ، وكذلك المصنفات التي عني بتصنيفها والتي بلورت أبعاد نظريته في الوحدة الوجودية التامة.
علاقته يمولانا جلال الدين الرومي  :
كانت تربطه بجلال الدين الرومي رابطة قوية، وأوصى الرومي بأن يصلى القونوي على جنازته بعد وفاته من بين علماء قونية.
لمحة من أهمية وقدر الشيخ أبو المعالي صدر الدين القنوي :
أبو المعالي صدر الدين القونوی وفلسفته الصوفية كان محل دراسة عشرات الآلآف الدرسات والحصول على الماجيستير والدكتوراة على مر القرون فى الغرب والشرق لمكانته ولكونه  مفتاح لفهم كلام الشيخ الأكبر ، وهو موضوع على درجة كبيرة من الأهمية إذ أن شخصية القونوي من الشخصيات التي لم يلق على حياتها أو مذهبها ضوء كان مع أهميتها في مجال التصوف "الفلسفي" طبقا للتصنيف الأكاديمي الغربي ودارسي الأدب والعلمانيين .
وهو أول من وضع كتاب فى فك أسرار فصوص الحكم وسماه "الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص". وهو إحدي كتب الموسوعة .
يضاف إلى ذلك أن هذا الصوفي تلميذ الشيخ الأكبر ابن العربی، تعمق في فهم مذهبه ، ومن ثم أصبحت شروحه على مصنفات أستاذه مفتاحا لفهم شيخه واستاذه ابن العربی ومذهبه في وحدة الوجود. ومن هنا كان تأثير القونوي على شارحی مصنفات ابن العربی بالغا.
لأنه ربيب الشيخ الأكبر، وتلميذه النابغة الذي لازمه إبتداء من عام 612 هـ. وحتى عام 638 هـ.
وهي فترة تمتد منذ طفولة القونوي وحتى وفاة ابن عربي في السنة المذكورة.
وعلى الرغم من المكانة التي تمنع بها القونوي بين اخوانه ومريديه وشيوخ عصره، إلا أن مذهبه ظل مجهولا أو شبه مجهول، وظلت مصنفاته بعيدة عن الضوء لإنغلاق أسلوبها، أو لأنها متفرقة هنا وهناك بين مكتبات الشرق والغرب.
ونظرا للأهمية البالغة لأفكار هذا الصوفي الشهير ولأنه يعد حلقة أساسية في تاريخ المذاهب الروحية في الإسلام، فقد نبه أستاذنا
الأستاذ الدكتور أبو الوفا التفتازاني إلى ضرورة دراسته، والعناية بمصنفاته لما لأفكاره من خطورة وتأثير على الحياتين العقلية والروحية في الإسلام.
ولقد عنى أستاذنا د أبو الوفا التفتازاني بتجديد الدعوة إلى دراسة هذا الصوفي المتفلسف في كتابه «المدخل إلى التصوف الإسلامي"، وكذلك في بحثه عن الطريقة الأكبرية، في الذكرى المئوية الثامنة لوفاة ابن العربی.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد يوليو 28, 2019 7:12 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: نقد تحقيق محمود محمود الغراب لفصوص الحكم د.محمد حاج يوسف   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يوليو 28, 2019 6:29 pm

نقد تحقيق محمود محمود الغراب لفصوص الحكم د.محمد حاج يوسف

كتب د.محمد حاج يوسف :
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وشفيع المذنبين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين...
لقد تصدى الأستاذ محمود غراب لتحقيق عدد من كتب الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي وبذل في سبيل ذلك جهوداً كبيرة، في محاولة منه للدفاع عن سيدنا الشيخ الأكبر، عن طريق نقض ما يرد في هذه الكتب، مما ينتقده بسببها أعداؤه على أنه يخالف فيها الشريعة الإسلامية.
إن هذا الأسلوب الذي يسلكه بعض أحباب الشيخ أخطر في رأيي من انتقادات من أساء فهم كتبه من أعدائه الذين يعتقدون أيضاً أنهم يدافعون عن الإسلام.
ومع أننا ندعو ونرجو من حضرة الله سبحانه وتعالى أن يجازي الطرفين على حسن نواياهم، ونعتقد أن ذلك تقديرٌ إلهي ولطف خفي بعباده المسلمين حين هيأ لهم من يصدهم عن التصدي لعلوم الشيخ الأكبر، التي لا يمكن لأغلب الناس أن يخوضوا في رحابها ويغوصوا في أعماقها، وذلك سواء لمن عادى الشيخ الأكبر وخطّأه أو كفّره، أو لمن اعتقد بنزاهته ولكنه لمّا يملك بعد لوازم دراسة جميع كتبه وفهم الكثير من مقاصده التي لا يمكن أن تجانب الحقيقة أو تخالف الشريعة.
من أجل ذلك رأيت أنه من الواجب علينا أن نظهر الأخطاء التي وقع بها الأستاذ محمود فأساء للشيخ الأكبر في الوقت الذي يظن أنه يدافع عنه، كما أخطأ أعداء الشيخ الأكبر في تكفيره في الوقت الذي يظنون فيه أنهم يدافعون عن الشريعة الإسلامية والعقيدة السماوية.
 (كتب هذا الكلام على النسخة القديمة من هذا الموقع، منذ أكثر من عشر سنوات، أي قبل 2010، وأعيد نشره الآن للفائدة)
لقد أرسل الأستاذ محمود تحقيقاته لفصوص الحكم، وكذلك للفهرس والإجازة، إلى شيخنا فضيلة الشيخ رمضان صبحي ديب الدمشقي لكي يفتيه فيها.
والشيخ رمضان من كبار الأولياء وهو معروف لأهل الشام وعلى مستوى العالم. ومع أن أغلب الناس يعرفونه من خلال دروسه العامة التي يلقيها صباح مساء على أيام الأسبوع في جوامع دمشق وضواحيها، ويعرفونه من خلال أفضاله التي لا تحصى وبركاته وكراماته التي لا تخفى، إذ إنّ همه وشغله الشاغل على مدى حياته -التي بلغت أكثر من تسعة عقود، أطال الله في عمره وبارك لنا في حياته- هو خدمة الناس ودعوتهم وهدايتهم إلى سبيل الله.
ولكن القليل من الناس يعرف مقدار تحققه في علوم الذوق، وخاصة فيما يخص الشيخ الأكبر، غير أنه لا يظهر ذلك للعامة خشية افتتان الناس بهذه العلوم التي قد لا تنفعهم كثيراً.
ويكفي للتدليل على ذلك أن الأستاذ علي عبد الله شودكيفيز، وهو شيخ الشيوخ بالنسبة للباحثين في مجال الشيخ الأكبر على مستوى العالم كأمثال وليام شيتيك وجيمس موريس وستيفن هرتنشتاين الذين تفرغوا لعشرات السنين لدراسة ابن العربي ولهم عشرات المؤلفات في هذا المجال على مستوى العالم، فأقول يكفي أن نعرف أن الشيخ علي عبد الله شودكيفيز يدعو فضيلة الشيخ رمضان في جميع مراسلاته معه بـ"شيخي ومرشدي"، وذلك منذ أكثر من أربعين عاماً ولا يزال حتى الآن كذلك!
----
لقد أذن لي شيخي ومرشدي فضيلة الشيخ رمضان، رضي الله عنه وأطال عمره وبارك لنا بحياته، بالرد على تحقيق الأستاذ محمود غراب لفصوص الحكم، فقمت، بعد نقاش مطول معه في هذا الخصوص، بكتابة بعض التعليقات على هذا التحقيق الذي نشر على هذا الموقع من قبل محمد أسامة (ويبدو أنه من تلاميذ الشيخ محمود غراب).
وقد وضعت هذه التعليقات في النص أدناه باللون الأحمر والأزرق على النص الأصلي باللون الأسود.
ومع أنني أقدر جهود الأستاذ محمود في تحقيق هذا الكتاب وغيره من الكتب وكذلك الكتب الكثيرة التي طبعها منذ سنوات طوال، غير أنني لم أر أية حقيقة في هذا التحقيق موضع النقاش (وكذلك في تحقيقه للفهرس والإجازة اللتان تثبتان صحة نسبة هذا الكتاب لابن العربي).
ولذلك وجب عليَّ أن أنتقده بشدة، حتى لا ينخدع به الكثير من طلاب الشيخ الأكبر فيعرضون عن قراءته ويفوتهم بذلك خير كثير.
وأرجو من حضرة الله سبحانه وتعالى أن يهدينا إلى صراطه الخاص بتوفيق وعناية ورفق... فهو الموفق لا رب غيره.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
الدكتور محمد حاج يوسف
فيما يلي كلام الشيخ محمود غراب كما نشرها على هذا الموقع السيد محمد أسامة، وتعليقاتي عليه باللون الأحمر والأزرق  .


كتب أ.محمود محمود الغراب :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.
تحقيق في كتاب فصوص الحكم
د.محمد حاج يوسف : (هذا التحقيق يشكك بنسبة كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي، وذلك من خلال إثارة بعض النقاط التي يظن الكاتب أنها تخالف المنطق أو تخالف ما ثبت من كتب الشيخ وخاصة كتاب الفتوحات المكية، فيستنتج أن هذا الكتاب مدسوس عليه وليس من جملة كتبه. إن هذه النتيجة غير صحيحة لأن جميع النقاط التي أثارها الكاتب ليست صحيحة ويمكن دحضها بسهولة.)

د.محمد حاج يوسف : (إن التشكيك بفصوص الحكم يعني التشكيك بمئات العلماء الكبار الذين شرحوه واقتبسوا منه، فله أكثر من مئة وخمسين شرحاً وترجمة، من علماء كبار أمثال: صدر الدين القونوي في كتاب "الفكوك على الفصوص".
وداود القيصري في كتاب "مطلع خصوص الكلم في شرح فصوص الحكم".
وعبد الرحمن جامي في "نقد النصوص في شرح نقش الفصوص".
وكذلك الشيخ عبد الغني النابلسي في "جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص".)
(وفيما يلي محاولة سريعة لنقض بعض النقاط التي أثارها الكاتب، بخط أحمر ضمن النص الأصلي. والله سبحانه وتعالى أعلم وهو علام الغيوب)
محمود محمود الغراب :  لم يرد ذكر كتاب "فصوص الحكم"في أي من الكتب التي ذكرها الشيخ لنفسه والبالغ عددها أربعة وسبعون كتاباً تقريباً، منها الفتوحات المكية التي استمر في كتابتها حتى عام 636هـ
د.محمد حاج يوسف : (إن الفتوحات المكية بشكل عام كتبت قبل فصوص الحكم، وصحيح أن الشيخ أعاد كتابتها مرة أخرى ما بين 632-636 ولكن هذه النسخة الثانية هي تكرار للنسخة الأولى وحتى وإن أقرّ الشيخ أنه حذف وأضاف وعدّل على النسخة الأولى غير أن ذلك كان على بعض العبارات وليس على المحتوى الكلي، فليس هناك من داع لذكر الفصوص وقد تمت معظم مواضيع الفتوحات قبل تأليفه.
أما النسخة الأولى من الفتوحات المكية فقد بدأها الشيخ سنة 598 وانتهى منها سنة 629، بعد تأليف الفصوص بسنتين، ولكن ذلك أيضاً لا يستلزم ذكر الفصوص فيها إذ لا شكّ أن معظم الكتاب كتب قبل 629 بل قبل 627 بكثير، وإنما أنهي سنة 629 حيث جمع وظهر نسخة كاملة)
محمود محمود الغراب :

والتي جاء بها ذكر حوالي سـتة وخمسين كتاباً من كتبه (التي كتبها قبل ذلك)، وورد ذكر الباقي في بعض هذه الكتب التي ورد ذكرها في كتاب الفتوحات المكية. وقد ورد ذكر كتاب "فصوص الحكم"في الفهرس الذي يقال أنه كتب للصدر القونوي عام 627هـ، كما أنه ورد في الإجازة المنسوبة إلى الشيخ الأكبر - مع اختلاف اسم المجاز من نسخة لأخرى (راجع تحقيق الإجازة) - والتي يقال أنها كتبت عام 632هـ، وقد ثبت بالبحث العلمي عدم صحة نسبة أي من الفهرس أو الإجازة إلى الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي، وإنما هما مزورتان عليه (راجع تحقيق الفهرس، وتحقيق الإجازة في كتابنا شرح فصوص الحكم)، فلا يصح الاستدلال بهما على وجود كتاب "فصوص الحكم".
توجد نسخة "الفصوص"في متحف الأوقاف باستنبول وهي من مخطوطات مكتبة الصدرالقونوي تحمل رقم 1933 ت، وهي ليست بخط يد المؤلف، وعليها سماع على الغلاف بتاريخ 630هـ، فكان المسمع الشيخ رضي الله عنه والقارئ صدر الدين القونوي، ولا يوجد سامعون، وبالتحقيق لا يصح اعتماد سماع وجد على الغلاف دون تحديد الفقرة أو الباب الذي تلي في السماع فهذا لا يستبعد تزويره، كما أنه لا يوجد سامعون في حين يوجد الكثير من السامعين المذكورين في سماعات الفتوحات المكية.
لهذا لا تصح نسبة هذا الكتاب إلى الشيخ الأكبر
د.محمد حاج يوسف : (ما ذكر أعلاه من الأدلة وإن صحت فلا تكفي لنفي نسبة الكتاب، لأن عدم ذكر الفصوص في الفتوحات أو غيرها ليس سبباً كافياً لنفي نسبة كتاب موجود منسوب للشيخ وقد شرح هذا الكتاب الكثير من أساطين العلماء في هذا المجال وأكثرهم من أهل الذوق)،
محمود محمود الغراب :  وكذلك لما يرد 

(وكله مدحوض في مكانه):
محمود محمود الغراب :

1-أسلوب الكتابة في "الفصوص" غير مترابط، مهوش، وبعيد عن طابع وأسلوب كتابة الشيخ في كتبه الثابتة النسبة إليه في نفس المسائل فهو في كتابته متماسك العبارة، جزيل اللفظ، متين الأسلوب، صريح البيان على عكس أسلوب عرض هذه المسائل في "الفصوص" .
د.محمد حاج يوسف : (هذا الكلام لا يختلف أديبان، مهما كان تخصصهما، على أنه افتراء لا يمت إلى الحقيقة بوجه من الوجوه، فالقارئ الذي يجد أن الفصوص غير مترابط عليه أن ينظر أين هو من أدب اللغة وفقهها، بل إن فصوص الحكم يكاد أن يكون من جوامع الكلم!).
محمود محمود الغراب :

2-ضعف الشواهد في المسائل الثابتة عن الشيخ الواردة في "الفصوص" مقارنة مع قوتها في كتب الشيخ الأخرى، في حين أن المفروض أن تكون الشواهد أقوى وأعظم دلالة حيث يُزعم أن "الفصوص" من آخر ما ألفه الشيخ، مثال ذلك شاهد حديث إبار النخل وقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، راجع فص 25، وهامش 32 ص 406 من كتابنا شرح فصوص الحكم.
د.محمد حاج يوسف : (لقد جاء الفصوص مختصراً موجزاً، وعلى القارئ أن يبحث عن وجوه دلالات الكلمات والإضافات بما في ذلك الشواهد والأمثلة؛ فمن لا يجد في ذلك دقة وبلاغة عليه أن يعيد القراءة مرات عديدة، ومن الواضح أن الكاتب الناقد هنا لم يحسن استنتاج الكثير من أوجه الدلالة فانتقدها بأقرب تأويل، كما سنرى أدناه.)
محمود محمود الغراب :

3-استخدام ألفاظ معربة في كتاب الفصوص مثل كلمة "ساذج"
د.محمد حاج يوسف : (وردت هذه الكلمة في الفتوحات المكية على الأقل أربع مرات) وكلمة "برنامج" (وهذه وردت في الفتوحات على الأقل ثلاث مرات)،
محمود محمود الغراب : في موطن يفسد المقصود ولا يدل على المعنى
د.محمد حاج يوسف : (كيف تقرر ذلك وقد استخدمها الشيخ بنفس الأسلوب في الفتوحات التي تقر بها، ففي الفصوص يقول: "ولذلك قال في خلق آدم الذي هو البرنامج الجامع لنعوت الحضرة الإلهية التي هي الذات"
وفي الفتوحات يقول: "ليس من المحال أن يمنع الإنسان عن العلم بالطبيعة مانع، وهو للعالم برنامج جامع" ومعلوم أن الإنسان على الصورة الإلهية، والعالم على الصورة الإنسانية.
وبالنسبة لكلمة ساذج يقول الشيخ في الفصوص: "فقلوبهم ساذجة من النظر العقلي لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري".
وفي الفتوحات يقول: "وذلك لأن العقل خلق ساذجاً ليس عنده من العلوم النظرية شيء" "وإن سعد صاحب النظر العقلي فإنه لا يكون أبداً في مرتبة الساذج الذي لم يكن عنده علم بالله إلا من حيث إيمانه وتقواه وهذا هو وارث الأنبياء"، فهذا في الحقيقة يؤكد بدل من أن ينفي نسبة الكتاب لابن العربي).
محمود محمود الغراب :

مع استخدام الشيخ في التعبير عن ذلك ألفاظاً عربية محكمة في غاية الدقة في كتبه الأخرى، ومعلوم أن الشيخ، وبشهادة أعدائه، واحد من آحاد أعلام اللغة العربية، فيستحيل عليه استخدام هذه الألفاظ أو الوقوع في مثل هذا الخطأ.
4-كيف يعقل أن تصح الرؤيا المذكورة في مقدمة "الفصوص" وفيها أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأعطاه الكتاب وقال له: "اخرج به إلى الناس ينتفعون به" فعمّ بقوله "الناس"، في حين أنه من الكتب المبنية على الرمز، والرمز يستخدمه الشيخ لخلاصة خاصة الخاصة وليس لخاصة الخاصة أو الخاصة فضلاً عن العامة، فكيف يمكن أن يكون هذا الكتاب موجه للناس لينتفعوا به في حين أن فهمه استعصى على أئمة علماء المسلمين، بل أدى إلى وقوعهم في الشيخ الأكبر والإنكار عليه، واتهامه بما اتهموه به من الكفر، والإلحاد، والقول بالحلول والإتحاد إلى غير ذلك مما هو معروف
د.محمد حاج يوسف : (كل من يقرأ الفصوص يصل إلى علم يناسب مستواه العلمي والإيماني).
محمود محمود الغراب :

5-التناقض بين مسائل وردت في الفصوص ومسائل ثابتة عن الشيخ جاءت في كتبه الأخرى كالفتوحات المكية والتي نسختها موجودة بخط يده، والتي استمر في كتابتها حتى عام 636هـ، وعليها سماعات حتى عام 637هـ، ولا يمكن الجمع بوجه بين ما هو مذكور فيها وما جاء في كتاب الفصوص، وقد جمعت حوالي مائة مسألة مذكورة في الفصوص وتخالف ما ثبت عن الشيخ، (راجع كتابنا شرح فصوص الحكم - المسائل التي أشير لها بعلامة: ●).
د.محمد حاج يوسف : (لننظر في بعض هذه المسائل)
محمود محمود الغراب :

· وأذكر من هذه المسائل مسألتين هامتين:
§ المسألة الأولى:
جاء في الفص الثاني (حكمة نفثية في كلمة شيثية) في أن العلم تابع للمعلوم ما نصه: ". . .حتى أن الرسل لا يرونه - متى رأوه - إلا من مشكاة خاتم الأولياء . . ."، هذا يخالف ما ورد عن الشيخ الأكبر رضي الله عنه عن الأنبياء والرسل حيث يقول في كتاب الفتوحات المكية ج2ص24: "إن شرط أهل الطريق فيما يخبرون عنه من المقامات والأحوال أن يكون عن ذوق، ولا ذوق لنا ولا لغيرنا ولا لمن ليس بنبي صاحب شريعة في نبوة التشريع ولا في الرسالة، فكيف نتكلم في مقام لم نصل إليه، وعلى حال لم نذقه لا أنا ولا غيري ممن ليس بنبي ذي شريعة من الله ولا رسول، حرام علينا الكلام فيه فما نتكلم إلا فيما لنا فيه ذوق، فما عدا هذين المقامين فلنا الكلام فيه عن ذوق لأن الله ما حجّره".وفي ف.ج2ص51، 84، 85: "لا ذوق لأحد في ذوق الرسل"، "إني لست بنبي فذوق الأنبياء لا يعلمه سواهم".وفي ف.ج4ص75: "لا ذوق لنا في مقامات الرسل عليهم السلام".
د.محمد حاج يوسف : (الكاتب -محمود غراب- يغفل هنا عن حقيقة أن خاتم الأولياء هو نبي ورسول وهو عيسى عليه السلام، أما خاتم الأولياء المحمديين فهو محي الدين ابن العربي كما هو معروف لدارسيه.
[راجع كتاب شمس المغرب: ص271] والشيخ الأكبر في النص المنقول أعلاه، حين ننقله بكمال العبارة (مع تعليقي عليها بين قوسين لتوضيح المعاني الغامضة): "...وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل (وهو محمد صلى الله عليه وسلم) وخاتم الأولياء (وهو عيسى عليه السلام)، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم (محمد صلى الله عليه وسلم)، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي الخاتم (وهو عيسى عليه السلام)، حتى أن الرسل (من كونهم أولياء) لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء (وهو الرسول عيسى عليه السلام): فإِن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً.فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟ وإِن كان خاتم الأولياء (الذي هو عيسى عليه السلام) تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل (الذي هو محمد صلى الله عليه وسلم) من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى." ... يقرر أن الرسل والأنبياء، من كونهم رسل وأنبياء، يستمدون من خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، في حين إن الأولياء بما فيهم الرسل والأنبياء، من كونهم أولياء، يستمدون من خاتم الأولياء عيسى عليه السلام، فلم يعد في هذا الكلام أي تناقض!)
محمود محمود الغراب : · ويقول عن خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم:
- في ف.ج1ص151: "أما القطب الواحد فهو روح محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الممد لجميع الأنبياء والرسل سلام الله عليهم أجمعين والأقطاب من حين النشء الإنساني إلى يوم القيامة".
- وفي ف.ج1ص143: "جاء الله سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بعلوم ما نالها أحد سواه"
- وفي ف.ج1ص144: "قوله صلى الله عليه وسلم: (علمت علم الأولين) وهم الذين تقدموه، (والآخرين) وهو علم ما لم يكن عند المتقدمين، وهو ما تعلمه أمته من بعده إلى يوم القيامة".
- وفي ف.ج1ص214: "دخل في هذا العلم علم الأولين والآخرين كل معلوم معقول ومحسوس مما يدركه المخلوق".
- وفي ف.ج1ص696: "تقرر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالله، والعلم بالله لا يحصل إلا من التجلي . . . محمد صلى الله عليه وسلم هو أكمل العلماء بالله".
- وفي ف.ج2ص171: "كان صلى الله عليه وسلم أعظم مجلى إلهي علم به علم الأولين والآخرين، ومن الأولين علم آدم بالأسماء، وأوتي محمد صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، وكلمات الله لا تنفد".
- وفي ف.ج3ص142: "وأما منزله (محمد صلى الله عليه وسلم) في العلم فالإحاطة بعلم كل عالم بالله من العلماء به تعالى متقدميهم ومتأخريهم فلا فلك أوسع من فلك محمد صلى الله عليه وسلم فإن له الإحاطة، وهي لمن خصه الله بها من أمته بحكم التبعية".
- وفي ف.ج3ص143: "أعطي هذا السيد منزلة الاختصاص بإعطائه مفاتيح الخزائن، والخصلة الثانية أوتي جوامع الكلم، والكلم جمع كلمة، وكلمات الله لا تنفد، فأعطي علم ما لا يتناهى، فعلم ما يتناهى بما حصره الوجود، وعلم ما لم يدخل في الوجود وهو غير متناه، فأحاط علماً بحقائق المعلومات وهي صفة إلهية لم تكن لغيره.
- وفي ف.ج3ص456: "كل شرع ظهر وكل علم إنما هو ميراث محمدي في كل زمان ورسول ونبي من آدم إلى يوم القيامة ولهذا أوتي جوامع الكلم ومنها علـَّم الله آدم الأسماء كلها.
- ويقول الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات ج3ص496 في تقسيم الرحمة الإلهية: "ما أدري لماذا ترك التعبير عنه أصحابنا، مع ظني بأن الله قد كشف لهم عن هذا، وأما النبوات فقد علمت أنهم وقفوا على ذلك وقوف عين، ومن نور مشكاتهم عرفناه".
فهل يصح نسبة ما جاء هنا في هذا الفص إلى الشيخ مع وضوح النصوص بكلمة "الإحاطة بعلم كل عالم بالله"، و"كل علم إنما هو ميراث محمدي"وهو نص في الاستغراق، وقول: "ومن نور مشكاتهم عرفناه"؟!!
- ويقول في ف.ج2ص613: "اعلم أن جميع ما يحويه هذا المنزل من العلوم لا يوصل إليها إلا بالتعريف الإلهي بوساطة روحانية الأنبياء لهذا المكاشف، وتلك الأرواح لا تعلمها من الله إلا بوسائط لغموضها ودقتها".
فأين إمداد روحانية خاتم الولاية المحمدية (لكن الشيخ محي الدين لم يكن يتكلم عن خاتم الولاية المحمدية، بل عن خاتم الأولياء على الإطلاق وهو عيسى عليه السلام وهو رسول ونبي وولي، ومن لا يستطيع أن يميز بينهما لا ينبغي عليه أن يقرأ كتب الشيخ إلا على سبيل التعلم لا التعليم!)هنا للأولياء فضلاً عن الأنبياء؟! ولو شاء الشيخ رضي الله عنه لنص على ذلك في مثل هذا الموطن، (راجع كتابنا الرد على ابن تيمية صفحة 77 حتى 84).


§ المسألة الثانية:
جاء في الفص 22: (فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية): "إلياس هو إدريس كان نبياً قبل نوح، ورفعه الله مكاناً علياً"،
هذا يخالف ما جاء عن الشيخ الأكبر في كتبه الثابتة حيث يقول:
- في ف.ج2ص5: "أبقى الله تعالى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرسل الأحياء بأجسامهم في هذه الدار الدنيا ثلاثة وهم: إدريس بقي حياً بجسده وأسكنه الله السماء الرابعة، وأبقى في الأرض أيضاً إلياس وعيسى (من حيث أن عيسى عليه السلام سينزل إلى الأرض في آخر الزمان) وكلاهما من المرسلين، وهما قائمان بالدين الحنيف الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء ثلاثة من الرسل المجمع عليهم أنهم رسل، وأما الخضر وهو الرابع فهو من المختلف فيه عند غيرنا لا عندنا، فهؤلاء باقون بأجسامهم في الدار الدنيا، فكلهم الأوتاد، وإثنان منهم الإمامان، وواحد منهم القطب الذي هو موضع نظر الحق من العالم، والواحد من هؤلاء الأربعة الذين هم: عيسى وإلياس وإدريس وخضر هو القطب، وإثنان منهم هما الإمامان وأربعتهم هم الأوتاد، والقطب من هؤلاء لا يموت أبداً أي لا يصعق.
- وفي ف.ج1ص254: "ممن حصّل علوم الوهب مما ليس بشرع جماعة من الأولياء منهم الخضر على التعيين فإنه قال: "من لدنه"، والذي عرفناه من الأنبياء عليهم السلام آدم وإلياس وزكريا ويحيى وعيسى وإدريس وإسماعيل، وإن كان قد حصله جميع الأنبياء عليهم السلام، ولكن ما ذكرنا منهم إلا من حصل لنا التعريف به وسموا لنا من الوجه الذي نأخذ عن الله تعالى منه، فلهذا سمينا هؤلاء ولم نذكر غيرهم".
- وفي ف. ج3ص39: "أما اليوم فإلياس والخضر (الموجودان الآن في الأرض حتى نزول عيسى عليه السلام) على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، إما بحكم الوفاق أو بحكم الاتباع، وعلى كل حال فلا يكون لهما ذلك إلا على طريق التعريف لا على طريق النبوة".
- وفي ف.ج3ص514: "الخضر وإلياس وعيسى (بعد نزوله) من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الظاهرة".
- وفي ف.ج3ص230: "يتميز على سائر الأنبياء من أدرك شريعة محمد صلى الله عليه وسلم الظاهرة، كعيسى (عند نزوله) وإلياس (الموجود الآن على قيد الحياة على الأرض) فهذان قد كمل لهم المقام المحمدي".
- وفي ف.ج3ص50: "إدريس عليه السلام كان نبياً، ولم يجئ له نص في القرآن برسالته، بل قيل فيه صديقاً نبياً، فكان عليه السلام من الأنبياء الذين بعثوا قبل نوح عليه السلام الذي هو أول رسول أرسل".
- وفي ف.ج2ص445: "اعلم أن الاسم النور توجه على إيجاد السماء الرابعة وهي قلب العالم وقلب السماوات، فأظهر عينها يوم الأحد، وأسكن فيها قطب الأرواح الإنسانية وهو إدريس عليه السلام، وسمى الله هذه السماء مكاناً علياً، لكونه قلباً، فإن الذي فوقها أعلى منها، فأراد علو مكانة المكان، فلهذا المكان من المكانة رتبة العلو".
- وفي ف.ج2ص455: "(السماء الرابعة) وأسكنها إدريس عليه السلام وهو القطب الذي لم يمت إلى الآن، والأقطاب فينا نوابه".
هذا هو الثابت عن الشيخ بخط يده، فلا يصح ما جاء في هذا الفص من أن إلياس هو إدريس عليهما السلام.
د.محمد حاج يوسف : (بالنسبة لإدريس وإلياس عليهما السلام، فهذا خلاف مشهور بين العلماء هل هما شخص واحد أم اثنان مختلفان، وتذهب بعض الآراء إلى أن إدريس هو إلياس ولكنه رجع في وقت آخر بعد أن رفعه الله تعالى مكاناً علياً، فهما شخص واحد بمسميين.
وذلك أن إلياس هو في العهد القديم إيليا وهو النبي المنتظر رجوعه، ولذلك نجد الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي يفرق بينهما أثناء الحديث عن المقامات في الفتوحات المكية في المواضع التي نقلها الكاتب مثلاً، في حين إنه يعدهما واحداً في الفصوص المتخصص في الحديث عن خصائص أعيان الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وهذا الكلام يؤكده ابن العربي نفسه في هذا الفص تحديداً حين يقول: "إلياس هو إدريس‏، كان نبياً قبل نوح، ورفعه الله مكاناً علياً، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.ثم بُعث إلى قرية بعلبك (أي بُعث من جديد).)
محمود محمود الغراب : · وأما المسألة الهامة التي خالف فيها كتاب الفصوص ما هو ثابت عند الشيخ وإجماع أئمة المسلمين هو ما ورد في خلق عيسى عليه السلام، وهذه المسألة لم ترد في كتابنا "شرح فصوص الحكم":
§ جاء في الفص العيسوي ما هذا نصه:
"لما قال (جبريل) لها (أي لمريم) "إنما أنا رسول ربك"جئت "لأهب لك غلاماً زكياً"انبسطت عن ذلك القبض(يعني قولها "أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً")وانشرح صدرها، فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى، فكان جبريل ناقل كلمة الله إلى مريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله تعالى "وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه"فسرت الشهوة في مريم، فخلق جسم عيسى عليه السلام من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل".اهـ !!
ما جاء هنا يخالف النص القرآني، فإن مريم عليها السلام لما قال لها جبريل عليه السلام: "إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً"لم تنبسط من القبض ولا انشرح صدرها، بل قالت مستنكرة: "أنـّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً"فقال لها جبريل عليه السلام: "كذلك قال ربك هو عليّ هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضياً"، "فحملته ... الآية " فالفاء في قوله فسرت الشهوة إن كانت للتعقيب
د.محمد حاج يوسف : (وماذا إن لم تكن الفاء للتعقيب؟)
محمود محمود الغراب :  بعد قول جبريل عليه السلام: "إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً"كما جاء في الفص (فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى) لا يصح، فإن الشهوة لا تسري مع الإنكار، بل كان النفخ عند قول جبريل عليه السلام: "وكان أمراً مقضياً" "فحملته ..."فلا مجال لسريان الشهوة
د.محمد حاج يوسف : (بل عكس ذلك دليله في نفس النص الذي ينقله الكاتب بعد قليل من الفتوحات ج2ص689، والذي يتطابق تماماً مع وصف ابن العربي في الفصوص الذي يعترض عليه هنا: "وأما خلق عيسى عليه السلام ... فتمثل لها بشرا سويا لما أراد الله، فسرت اللذة بالنظر إليه، بعدما استعاذت منه، وعرفها أنه رسول الحق ليهب لها غلاماً زكيا، فتأهبت لقبول الولد، فسرت فيها لذة النكاح بمجرد النظر، فنزل الماء منها إلى الرحم، فتكوّن جسم عيسى من ذلك الماء المتولد عن النفخ الموجب للذة فيها...").
محمود محمود الغراب :  ولكن سريان الشهوة يكون مجالها المناسب مثل ما جاء في نسوة يوسف: "فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن"، فإذا قيل أنه قد سرت فيهن الشهوة حينئذ فهو أمر مقبول وهناك مناسبة. هذا من مناقشة منطوق الفص ومخالفته.
أمـّا عن قوله (فسرت الشهوة في مريم) فهو كلام يعارض ما هو ثابت عن الشيخ في كتبه، حيث يقول الشيخ في تعريف الشهوة كما جاء في الفتوحات المكية ج2ص189، 191.
يقول: "الشهوة إرادة الالتذاذ بما ينبغي أن يلتذ به، فالشهوة هي إرادة الملذوذات، فهي لذة والتذاذ بملذوذ عندالمشتهي"اهـ. ولما كان هذا المفهوم لا يجوز نسبته إلى مريم عليها السلام ولا يتفق مع شرفها وإحصانها وتبتلها
د.محمد حاج يوسف : (هذا قصور فهم وإساءة تأويل، فالشهوة طبيعة خلقها الله في الإنسان، ولكن صرفها في غير مكانها هو الذي يناقض الشرف والإحصان والتبتل، وعلى كل حال فقد ذكر ابن العربي ذلك في الفصوص والفتوحات سواء، كما ورد في النص المنقول أعلاه والذي نقله الكاتب نفسه بعد قليل، غير أنه استشهد به في سياق آخر: "...فسرت اللذةبالنظر إليه، بعدما استعاذت منه، وعرفها أنه رسول الحق ليهب لها غلاماً زكيا، فتأهبت لقبول الولد، فسرت فيها لذة النكاح بمجرد النظر، فنزل الماء منها إلى الرحم..."الفتوحات: ج2ص689).

محمود محمود الغراب : نجد أن الشيخ ينفي عنها الشهوة كما جاء في كتاب الإسراء في الإشارات العيسوية عندما سأل في عروجه الروحي: لم أيد عيسى بالروح؟
فأجاب: ما رقمه قلم في لوح، فقذف في الرحم من غير شهوة
د.محمد حاج يوسف : (يقصد من غير شهوة من جهة من قذفه في الرحم فكلمة "فقذف في الرحم" مبنية للمجهول، وهو هنا النافخ الذي هو جبريل عليه السلام الذي تمثل لمريم بشراً سوياً)
محمود محمود الغراب : فلم يكن له عن طرح الأكوان سلوة.
ويؤكد ذلك في كتابه "ذخائر الأعلاق"فيقول: "اعلم أنه لما وجد عيسى من غير شهوة طبيعية
د.محمد حاج يوسف : (نفس الملاحظة السابقة).
محمود محمود الغراب :  فإنه كان من باب التمثيل في صورة البشر
د.محمد حاج يوسف : (وهذا يؤكد الملاحظة السابقة).
محمود محمود الغراب : فكان غالباً على الطبيعة".يفسر ذلك ما جاء في تفسير القرآن "إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن"حيث يقول الشيخ رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى "وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس"يقول: "فيه وجهان: الواحد أنـّا خلقناه مطهراً عن الشهوة الطبيعية التي تكون عن النكاح، فإنه لم يكن عن نكاح فليس للطبيعة فيه أثر".أين هذه النصوص مما جاء في هذا الفص (فسرت الشهوة في مريم) ؟!!
د.محمد حاج يوسف : (ولكن ورد نفس الكلام في الفتوحات كما نوهنا أعلاه!!!)
محمود محمود الغراب : · خلق عيسى عليه السلام:
ما جاء في هذا الفص من قوله (فخلق جسمه عليه السلام من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء، فتكوّن جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد).اهـ،
يعارض كلياً ما قاله الشيخ رضي الله عنه في كتبه الثابتة، فنجد هنا النص على أن عيسى خلق من ماءين تكرر مرتين على طريق التأكيد، وهذا فيه من السوء ما فيه لصاحب الوهم أو الخيال الضعيف .
د.محمد حاج يوسف : (صحيح!).
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:21 am عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: نقد تحقيق محمود محمود الغراب لفصوص الحكم د.محمد حاج يوسف   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يوليو 28, 2019 6:34 pm

نقد تحقيق محمود محمود الغراب لفصوص الحكم د.محمد حاج يوسف

الجزء الثاني
محمود محمود الغراب :  وينص على أن التكوين لا يقع في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد وهو اجتماع ماءين، نجد أن هذا الكلام يناقض تماماً ما نص عليه الشيخ في الفتوحات المكية ج1ص124 حيث يقول :
"الجسوم الإنسانية أربعة أنواع: جسم آدم، وجسم حواء، وجسم عيسى، وأجسام بني آدم، وكل جسم من هذه الأربعة نشؤه يخالف نشء الآخر في السببية، مع الاجتماع في الصورة الجسمانية والروحانية، وإنما نبهنا على هذا لئلا يتوهم ضعيف العقل أن القدرة الإلهية، أو أن الحقائق لا تعطي أن تكون هذه النشأة الإنسانية إلا عن سبب واحد يعطي بذاته هذا النشء
د.محمد حاج يوسف : (وهو ماجاء في هذا الفص بكلمة الحكم المعتاد)
محمود محمود الغراب : فردّ الله هذه الشبهة بأن أظهر هذا النشء الإنساني في آدم بطريق لم يظهر به جسم حواء، وأظهر جسم حواء بطريق لم يظهر به جسم ولد آدم، وأظهر أولاد آدم بطريق لم يظهر به جسم عيسى عليه السلام، وينطبق على كل واحد من هؤلاء اسم الإنسان بالحد والحقيقة، ذلك ليعلم أن الله بكل شيء عليم، وأنه على كل شيء قدير، فجمع الله هذه الأربعة الأنواع في الخلق في آية من القرآن فقال: "يا أيها الناس إنا خلقناكم"يريد آدم، "من ذكر"يريد حواء، فهي منفعلة عن آدم عليه السلام، "وأنثى"يريد عيسى عليه السلام، وهو منفعل عن مريم في مقابلة حواء من آدم
د.محمد حاج يوسف : (يهمل الكاتب هنا وفيما يلي أن الماء الثاني الذي يذكره ابن العربي في الفصوص هو ماء متوهم، وهذا هو الفارق).
محمود محمود الغراب : وبالمجموع: "من ذكر وأنثى"يريد بني آدم باقي الذرية بطريق النكاح والتوالد، فهذه الآية جامعة لخلق الناس، ومن جوامع الكلم وفصل الخطاب، وتبين أن الغرض: الإعلام بأن الأجسام الإنسانية وإن كانت واحدة في الحد والحقيقة والصورة الحسية والمعنوية، فإن أسباب تأليفها مختلفة، لئلا يتخيل بأن ذلك لذات السبب، تعالى الله"اهـ. وهو قوله تعالى: "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون"، آل عمران - آية 59، وقوله تعالى: ". . .وكلمته ألقاها إلى مريم . . ."، النساء - آية 171.
أما التعارض الثاني فهو:أن الشيخ يقول في موضوع خلق عيسى في معرض إنكاره على قول الطبيعيين أن ماء المرأة لا يخلق منه شيء، فيؤكد ما جاء في الفقرة السابقة بفرض أن خلق عيسى كان من ماء من مريم (وهو لا يقول به.
د.محمد حاج يوسف : (بل يقول بذلك، على أن الماء الثاني وهمي).
محمود محمود الغراب :  فيقول في الفتوحات المكية ج1ص125: "لما قال أهل الطبيعة أن ماء المرأة لا يتكون منه شيء وأن الجنين الكائن في الرحم إنما هو من ماء الرجل، لذلك جعلنا تكوين جسم عيسى تكويناً آخر، وإن كان تدبيره في الرحم تدبير أجسام البنين، فإن كان عن ماء المرأة إذ تمثل لها الروح بشراً سوياً أو كان عن نفخ بغير ماء، فعلى كل وجه هو جسم رابع مغاير في النشء غيره من أجسام النوع"اهـ. ويؤكد إنكاره على الطبيعيين بفرضية أنه خلق من ماء مريم في ف ج2ص689: "فتمثل لها بشراً سوياً"لما أراد الله فسرت اللذة بالنظر إليه بعدما استعاذت منه وعرّفها أنه رسول الحق ليهب لها غلاماً زكياً، فتأهبت لقبول الولد، فسرت فيها لذة النكاح لمجرد النظر.
د.محمد حاج يوسف : (يلاحظ هنا اتفاق هذا الكلام المنقول من الفتوحات التي يقر بها الكاتب مع ما يحاول الكاتب نقضه في كل هذه السفسطة السابقة التي ينفي فيها وجود الشهوة التي هي اللذة).
محمود محمود الغراب :  فنزل الماء منها إلى الرحم فتكون جسم عيسى من ذلك الماء المتولد عن النفخ الموجب للذة فيها فهو من ماء أمه وينكر ذلك الطبيعيون ويقولون أنه لا يتكون من ماء المرأة شيء وذلك ليس بصحيح".اهـ، أين هذا الكلام الصريح مما جاء في الفص العيسوي من أن عيسى خلق من ماءين (ماء محقق من مريم وماء متوهم من جبريل)؟
د.محمد حاج يوسف : (لا تنس أن الماء الثاني متوهم!!!)

محمود محمود الغراب : ومحاولة تعليل نسبة الماء إلى جبريل عليه السلام بقوله إنه الرطوبة السارية في النفخ، أين هذا الكلام من الاحتمال الذي أتى به الشيخ من أن خلق عيسى كان عن نفخ بغير ماء لا من مريم ولا من غيرها؟!
أما ما جاء في هذا الفص من أن الشيخ يقول أن عيسى خلق من "ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل"فنسبة الماء إلى جبريل وكونه متوهماً يستحيل صدوره عن الشيخ ابن العربي.
د.محمد حاج يوسف : (لماذا؟).
محمود محمود الغراب :  الذي لم يكتب مثله أحد في التمثل والتجسد في عالم الخيال المتصل والمنفصل (راجع كتابنا الخيال عند ابن العربي)، ولو أراد الشيخ أن عيسى خلق من ماءين لقال: من ماء تجسد
د.محمد حاج يوسف : (المتجسد يكون له حقيقة روحانية، ويظهر في صورة جسمانية، والأمر ليس كذلك)
محمود محمود الغراب : عن نفخ جبريل، أو لقال من ماء محقق من مريم ومن ماء متخيل أو متمثل عن نفخ جبريل، فإن قول أن الماء متوهم لا يخلق منه شيء وإنما يخلق من ماء متمثل أو متجسد
د.محمد حاج يوسف : (كيف يقول مثل هذا الكلام من له مؤلف تحت اسم "الخيال عند ابن العربي"؟
بل إن كلام ابن العربي في الفصوص هو في غاية الدقة والإحكام، وهو يعني تماما أن هذا الماء لم يكن له وجود في الخارج، وإنما كان وجوده من الوهم في خيال مريم والذي حدث لها من خلال رؤيتها صورة جبريل عليه السلام إذ تمثّل لها في صورة بشرية، ولو تابع الكاتب كلام ابن العربي بعد ذلك لوجد معنى كلامه السابق حيث يقول إن جبريل عليه السلام لو تمثل لمريم في صورة غير بشرية سواء حيوانية أو نورانية .
لما استطاع عيسى عليه السلام أن يحيي الموتى حتى يتمثل في مثل هذه الصورة، فلما تمثل جبريل عليه السلام لمريم في صورة البشر التي توهم وجود الماء الذي هو ماء الرجل المقابل لماء الأنثى وخلق عيسى عليه السلام من ذينك الماءين، عندئذ فقط أصبح عيسى عليه السلام يحيي وهو في صورته البشرية لما فيه من الروح الإلهي الذي تمثل لأمه بشراً سوياً، كما ظهرت فيه أيضاً صفات أمه كما فصلها ابن العربي في هذا الفص....
وأما الأمثلة التي يسوقها الكاتب فيما يلي فلا دلالة لها في هذا الموضوع والسياق)
محمود محمود الغراب : مثال ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه، فكان يأكل أكلاً متخيلاً لا متوهماً .
(بل يغذيه ربه غذاء حقيقياً بالعلم والمشاهدة، إذ من يبيت عند ربه لا يبيت بجسمه الذي يحتاج الطعام المعتاد).
محمود محمود الغراب : وعندما همّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقطف قطفاً من الجنة التي تمثلت له في عرض الحائط، لخرج به قطفاً متمثلاً لا متوهماً .
د.محمد حاج يوسف : (ولكن التوهم في النص موضع النقاش هو للماء وليس لصورة جبريل التي تمثلت لمريم، فتمثلت صورة بشرية لها أوهمتها وجود الماء...).
محمود محمود الغراب : ومثال آخر: الناظر إلى السراب، فقد رأى ماءً متوهماً ولذلك إذا جاءه لم يجده شيئاً
د.محمد حاج يوسف : (كلام صحيح).
ولو كان ما رآه ماءً متخيل لوجده ماءً
د.محمد حاج يوسف : (كيف يكون هذا؟ بل إن جاز أن يكون هناك ماء متخيل، فهو شيء ما تخيل في الصورة الماء، فلو جاءه لوجده كما هو في الأصل، لا في الصورة، كما أن جبريل عليه السلام تمثل (أو تخيل) لمريم هنا في صورة بشرية، ولكن لو جاءت إلى هذه الصورة البشرية لوجدت أنها في الحقيقة صورة نورانية هي صورة جبريل عليه السلام).
محمود محمود الغراب : فنسبة الماء إلى جبريل تعبير خطير لا يصدر عن الشيخ
د.محمد حاج يوسف : (ولو أردنا أن نتماشى مع الكاتب هنا ونقول أن ابن العربي كان أولى أن يقول "ماء متمثلاً" أو "متخيلاً" وأن هذا سيكون له حقيقة بعكس "الماء المتوهم" الذي ليس له حقيقة: عندئذ فقط نكون قد نسبنا الماء لجبريل عليه السلام، وهذا هو الأمر الخطير، ولكن قول ابن العربي أن الماء متوهما يعني أن لا وجود له في الخارج، بل فقط في خيال من توهمت وجوده وهي مريم عليها السلام، وهذا ليس).
محمود محمود الغراب : مخالف للحقيقة ويؤدي إلى شكوك وتأويلات فاسدة.
وهل يتصور أن يقول الشيخ الأكبر في إحياء عيسى للموتى: "فكان إحياء عيسى للأموات إحياءً محققاً من حيث ما ظهر عن نفخه"
د.محمد حاج يوسف : (لقد أسقط الكاتب هنا بقية النص، قبل ما اقتبسه وبعده، وتمام النص هو: "فخرج عيسى يُحْيِي الموتى لأنه روح إلهي، وكان الإحياء للَّه والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة للَّه.فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققاً من حيثما ظهر عن نفخه، كما ظهر هو عن صورة أُمه.وكان إحياؤه أيضاً متوهماً أنه منه وإنما كان للَّه."، فتسقط جميع النتائج التالية...).
محمود محمود الغراب : وهو الذي يقول في الفتوحات ج1ص727: "فالأفعال من المخلوقين مقدرة من الله ووجود أسبابها كلها بالأصالة من الله، وليس للعبد ولا لمخلوق فيها بالأصالة مدخل إلا من حيث هو مظهر لها"اهـ، ويقول في الفتوحات ج3ص386: "وكل خلق أضيف إلى خلقفمجاز وصورة حجابية ليعلم العالِم من الجاهل"اهـ، ويقول في الفتوحات ج4ص20: "وقد أخبر (أي الله تعالى) أن العمل الذي يظهر من الإنسان المضاف إليه أنه له خلق".فهل يعقل أن يقول الشيخ الأكبر: "فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققاً"وقد أخبر الله تعالى عن عيسى أنه قال في كتابه العزيز (آل عمران - آية 49): ". . .وأحيي الموتى بإذن الله . . ."ولم يقل: أحيي الموتى، فيتطرق إليه الاحتمال، فأين الإحياء المحقق؟!وهو عمل معجز لا عمل تكليفي الذي يقول فيه الشيخ الأكبر في الفتوحات ج4ص485:
"جعلت فيّ الذي جعلت *** وقلت لي أنت قد عملت
وأنت تدري بأن كوني *** ما فيه غير الذي جعلت
فـكـل فعـل تـراه مـنـي *** أنت إلهي الـذي فعلـتا"
هذا في التحقيق في أعمال التكليف المتعلق بها الثواب والعقاب، من ناحية التوحيد المطلق، وتـُحمل هذه الأبيات على الأفعال الصالحة من أدب اللفظ المأمور به شرعاً، راجع أيضاً قول الشيخ الأكبر في الفتوحات وجميع كتبه عن نسبة الأفعال، فلا تجد مثل هذه اللفظة الواردة في هذا الفص.
ألا يكفي هذا لنقض كل ما جاء في كتاب الفصوص، وفي نسبته إلى الشيخ رضي عنه؟!!
د.محمد حاج يوسف : (تسقط جميع هذه النتائج لما ذكر أعلاه).
محمود محمود الغراب : · مسألة أخرى مخالفة وردت في كتاب الفصوص وغير موجودة في كتابنا شرح فصوص الحكم هي استخدام كلمة "الوهم" بشكل لا يمكن أن يستخدمه به الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي:
§ جاء في فص الحكمة الإلياسية ما هذا نصه:
"هذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله، وحكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها، ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطاناً في هذه النشأة من العقول، لأن العاقل –ولو بلغ في عقله ما بلغ–لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل، فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، وبه جاءت الشرائع المنزلة، فشبهت ونزهت، شبهت في التنزيه بالوهم ونزهت في التشبيه بالعقل".اهـ ، إلى أن يقول: ثم قال (تعالى): "سبحان ربك رب العزة عما يصفون"وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم، فنزّه نفسه عن تنزيههم إذ حددوه بذلك التنزيه، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا، ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام (من تشبيه) فلم تخل الحق عن صفة يظهر فيها."اهـ.
د.محمد حاج يوسف : (هذا كلام جميل ليس فيه ما يناقض ما ينقله الكاتب من كتب ابن العربي أدناه).



محمود محمود الغراب : فلننظر فيما قاله الشيخ رضي الله عنه عن الوهم في كتبه الثابتة وبعض الكتب التي يصح نسبتها إليه، ونقارنه بما جاء في هذا الفص من أن الأوهام حكمت بالمعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع، وأن الشرائع كلها جاءت بما تحكم به الأوهام:
· يقول في الكتب الثابت نسبتها إليه عن الوهم:
- ف ج1ص275
الجزع في الإنسان أقوى منه في الحيوانات، إلا الصرصر، تقول العرب: أجبن من صرصر، وسبب قوته في الإنسان العقل والفكر الذي ميزه الله بهما على سائرالحيوان، وما يشجع الإنسان إلا القوة الوهمية، كما أنه أيضاً بهذه القوة يزيد جبناً وجزعاً في مواضع مخصوصة، فإن الوهم سلطان قوي ...فللوجود لذة وحلاوة، وهو الخير، ولتوهم العدم العيني ألم شديد عظيم في النفوس، لا يعرف قدر ذلك إلا العلماء، ولكن كل نفس تجزع من العدم أن تلحق به كما هو حالها فمهما رأت أمراً تتوهم فيه أنه يلحقها بعدم عينها، أو بما يقاربه، هربت منه وارتاعت وخافت.
- ف ج1ص415
يقول العبد في تكبيرة الإحرام في الصلاة: الله أكبر أن يقيد ربي حال من الأحوال، بل هو في كل الأحوال، لا بل هو كل الأحوال، بل الأحوال كلها بيده، لم يخرج عنه حال من الأحوال، فكبـَّّره عن مثل هذا لحكم الوهم لا لحكم العقل، فإن للوهم حكماً في الإنسان، كما للعقل حكماً فيه (ألا يخرج هذا الكلام، وكذلك الكلام الذي قبله، من نفس مشكاة النص موضع النقاش والمنقول من الفصوص أعلاه!... بل إن جميع النصوص الدقيقة التي يأتي بها الكاتب أدناه من غير التدليل على موضع الخلاف بينها وبين النص الذي يناقشه، ليس فيها أي تعارض معه، بل وبعضها ليس له علاقة فيه! بل وأحدها يسوقه الكاتب من كتاب هو نفسه يعده مزورا (وهو كتاب الإسفار)!).
- ف ج1ص711-712
وتميّز الحق بالحل أنه غير محجور عليه، فهو يفعل ما يريد، لما يتوهمه الوهم بدليل العقل أن الحق يحكم على الفعل منه علمه به، فما يبدل، وهذا نقيض الاختيار، فأشبه المحجور عليه، فيحصل له (للعبد) في عرفة في الحل – يعني في الحج – معرفة إزالة هذا التحجير الذي أثبته الوهم بدليل العقل، فإنه في هذا الموطن من العلم بالله ساوى الوهم العقل (في هذا الموطن)،فحجرا على الله وجعلاه تحت حكم علمه في الشيء، في مذهب من يرى أن العلم صفة زائدة على ذاته، قائمة به، تحكم على ذاته بحسب ما تعلقت به.
- ف ج1ص741
كان الإنسان من أكثر الحيوان غيرة لأن سلطان الشح والوهم فيه أقوى مما في سواه، والعقل ليس بينه وبين الغيرة مناسبة في الحقيقة (فماذا؟).
- ف ج2ص4
ما لا ينقسم لا يكون له جهتان مختلفتان في حكم العقل، وإن كان الوهم يتخيل ذلك (فماذا؟).
- ف ج2ص326
اتفق في الوجود أمر غريب، وذلك أن ثم أموراً يتحقق بها العقل ويثبت عليها ولا يتزلزل، وتتفلت من الوهم ولا يقدر يبقى على ضبطها مثل هذه المسألة (وهي أن الله ما أحب إلا نفسه في تجليه في الخلق) يثبتها العقل ولا يقدر يزول عنها، وتتفلت من الوهم ولا يقدر على ضبطها، وثم أمور أخر بالعكس، تتفلت من العقل وتثبت في الوهم، ويحكم عليها ويؤثر فيها، كمن يعطيه العقل بدليله أن رزقه لا بدّ أن يأتيه، سعى إليه أو لم يسع، فيتفلت هذا العلم عن العقل، ويحكم عليه الوهم بسلطانه.
د.محمد حاج يوسف : (أين هو التناقض مع ما نسخت من الفصوص؟).
محمود محمود الغراب : أنك إن لم تسع في طلبه تموت، فيغلب عليه، فيقوم يتعمل في تحصيله، فحقه من جهة عقله زائل، وباطله من جهة وهمه ثابت لا يتزلزل.
وكمن يرى حية أو أسداَ على صورة لا يتمكن فيما يعطيه العقل أن يصل ضرره إليه، فيغيب عن ذلك الدليل ويتوهم ضرره، فينفر منه ويتغير وجهه وباطنه بحكم الوهم وسلطانه، وهذا موجود، فللوهم سلطان في مواطن وللعقل سلطان في مواطن.
- ف ج3ص364-365
جعل الله في الخيال قوة مصورة تحت حكم العقل والوهم، يتصرف فيها العقل بالأمر، وكذلك الوهم أيضاً يتصرف فيها بالأمر، وقوّى في هذه النشأة سلطان الوهم على العقل فلم يجعل في قوة العقل أن يدرك أمراً من الأمور التي ليس من شأنها أن تكون عين مواد أو تكون لا تعقل من جهة ما إلا في غير مادة، كالصفات المنسوبة إلى الله المنزه عن أن يكون مادة أو في مادة، فعلمه المنسوب إليه ماهو مادة ولا ينسب إلى مادة، فلم يكن في قوة العقل مع علمه بهذا - إذا خاض فيه –أن يقبله إلا بتصور، وهذا التصور من حكم الوهم عليه لا من حكمه، فالحس يرفع إلى الخيال ما يدركه، وتركب القوة المصورة في الخيال ما شاءته مما لا وجود له في الحس من حيث جملته، لكن من حيث أجزاء تلك الجملة، فإن كانت القوة المصورة قد صورت ذلك عن أمر العقل بقوة الفكر فذلك لطلبه العلم بأمر ما، والعلم مقيد بلا شك، وإن كان ما صورته المصورة عن أمر الوهم لا من حيث ما تصرف به العقل من حكم الوهم بل من الوهم نفسه، فإن تلك الصورة لا تبقى، فإن الوهم سريع الزوال لإطلاقه، بخلاف العقل فإنه مقيد محبوس بما استفاده، ولما كان الغالب على الخلق حكم الأوهام لسلطنة الوهم على العقل، فإنه أثر فيه أنه لا يقبل معنى يعلم قطعاً أنه ليس بمادة ولا في مادة إلا بتصور، وذلك التصور ليس غير الصورة التي لا يحكم بها إلا الوهم، فصار العقل مقيداً بالوهم بلا شك فيما هو به عالم بالنظر، وأما علمه الضروري فليس للوهم عليه سلطان، وبه يعلم أن ثم معاني ليست بمواد ولا في أعيان مواد وإن لم يقبلها بالنظر إلا في مواد من خلف حجاب رقيق يعطيه الوهم.
- ف ج4ص210
الأمر الإلهي يساوق الخلق الإيجادي في الوجود، فعين قول كن عين قبول الكائن للتكوين فيكون، فالفاء في قوله "فيكون" (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) جواب أمره "كن"وهي فاء التعقيب، وليس الجواب والتعقيب إلا في المرتبة، كما يتوهم في الحق أنه لا يقول للشيء "كن"إلا إذا أراده، ورأيت الموجودات يتأخر وجود بعضها عن بعض، وكل موجود منها لا بد أن يكون مراداً بالوجود ولا يتكون إلا بالقول الإلهي على جهة الأمر، فيتوهم الإنسان أو ذو القوة الوهمية أوامر كثيرة لكل شيء كائن أمر إلهي لم يقله الحق إلا عند إرادته تكوين ذلك الشيء، فبهذا الوهم عينه يتقدم الأمر الإيجاد أي الوجود، لأن الخطاب الإلهي على لسان الرسول اقتضى ذلك، فلا بد من تصوره وإن كان الدليل العقلي لا يتصوره ولا يقول به، ولكن الوهم يحضره ويصوره كما يصور المحال ويتوهمه صورة وجودية وإن كانت لا تقع في الوجود الحسي أبداً، ولكن لها وقوع في الوهم ([1])
- ف ج4ص259
كل ما وقع به الرضى فقد علمت حكمته، فإنه يراها الراضي موافقة لغرضه، وإنما يقع النزاع والجهل فيما لا يوافق الغرض ولا الترتيب الوهمي، فإن العقل لا يعطي صاحبه في الواقع إلا الوقوف، فإنه يدري ممن صدر، وإنما الوهم الذي هو على صورة العقل له ذلك النظر المرجح، وحاشا العقل أن يرجح على الله مالم يرجحه الله، وما رجح الله إلا الواقع، فأوقع ما أوقع حكمة منه، وأمسك ما أمسك حكمة منه.
- ف ج4ص409
أثر الأوهام في النفوس البشرية أظهر وأقوى من أثر العقول، إلا من شاء الله.
- كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار ص18
قرن سبحانه التسبيح بهذا السفر الذي هو الإسراء، ينفي بذلك عن قلب صاحب الوهم، ومن تحكم عليه خياله من أهل التشبيه والتجسيم ما يتخيله في حق الحق من الجهة والحد والمكان. (كيف تستشهد بكتاب تقول في مكان آخر إنه مزور)
- كتاب الإسراء ص22
تولعت بالتبليغ لما تبينت *** أمور ترقيني عنالوهم واللبس
- كتاب الأنوار ص5
فإن كان وهمك حاكماً عليك فلا سبيل إلى الخلوة إلا على يدي شيخ مميز عارف، وإن كان وهمك تحت سلطانك فخذ الخلوة ولا تبالي.
- ذخائر الأعلاق ص168
إن سرت في الضمير يجرحه ذلك الوهم كيف بالبصر
المعنى في نسبة الجرح إليها عند سريانها في الضمير هو ما يتخيله الوهم في الجناب الأعز من التصور، فذلك جرح فيه، والوهم ألطف من الإدراك الحسي فهي منزهة عن إدراك الألطف، فكيف بالبصر الذي هو أكثف، ولهذا يقال في العقائد في جناب الحق "كل ما خطر في سرك أو تلجلج في صدرك أوحصره وهمك، فالله بخلاف ذلك".
- التدبيرات الإلهية ص160
تحفظ من الوهم فإن الوهم موجود، يبرز للنفس على صورة العقل، فقد يلتبس عليك، وهو وزير مطاع، له في الإنسان تأثير عظيم وهو المستولي على الناس، والباعث على الأفكار الرديئة، وهو يورث الوسوسة، فتحفظ منه.
د.محمد حاج يوسف : (أين هي وجوه الخلاف بين هذه النصوص الكثيرة والنص موضع النقاش!)
محمود محمود الغراب : · وورد في كتب تنسب إلى الشيخ عن الوهم:
- كتاب الشاهد ص12
الحق سبحانه لا يدخل تحت سلطان الوهم والخيال
د.محمد حاج يوسف : (صحيح، ولكن معرفتنا به سبحانه وتعالى لا تخرج عن سلطان الوهم والخيال، وليس للعقل حكم في معرفة الله إلا من حيث النفي: فحد العقل أن يعرف أنه سبحانه فوق ما يعلم وخلاف لما يتوهم).
محمود محمود الغراب : - رسالة ابن سودكين ص8
اعلم أن الله تعالى أن يحيط به بصر أو عقل، ولكن الوهم السخيف يقدره ويحده، والخيال الضعيف يمثله ويصوره.
أما عن الشرائع التي جاء في هذا الفص أنها جاءت كلها بما تحكم به الأوهام، فلننظر ما يقوله الشيخ في ذلك:
ما يقوله عن الشريعة وما جاءت به من الأحكام الخمسة (الفرض والمحظور والمندوب والمكروه والمباح)، يقول في الفتوحات ج3ص409: ما شرع (الله) لهم (للناس) من الأحكام إلا ما كانوا عليه، فمازادهم في ذلك إلا كونها من عند الله فيحكمون بها على طريق القربة إلى الله لتورثهم السعادة .
د.محمد حاج يوسف : (الشيخ في واد والكاتب في واد غيره: فالشيخ يتكلم في الفصوص، في النص المقتبس أعلاه، عن مجاراة الشريعة لما تحكم به الأوهام بطبيعتها من تشبيه على الحضرة الإلهية، فوصف الله سبحانه وتعالى نفسه بالنزول والضحك واليد واليدين وغير ذلك... والكاتب هنا يستشهد بنص من الفتوحات ليس له علاقة بما سبق).
محمود محمود الغراب : · أما عن العقائد والتنزيه والتشبيه فنراه يقول:
لما اقتضت الحكمة وبما يصلح الكون أن لا يكون آحاد العالم على مزاج واحد، فاختلفت الأمزجة، فكان في العالـَم العالـِمُ والأعلم، والفاضل والأفضل، فمنهم من عرف الله مطلقاً من غير تقييد، ومنهم من لا يقدر على تحصيل العلم بالله حتى يقيده بالصفات التي لا توهم الحدوث، وتقتضي كمال الموصوف، ومنهم من لا يقدر على العلم بالله حتى يقيده بصفات الحدوث فيدخله تحت حكم ظرفية الزمان وظرفية المكان والحد والمقدار، ولما كان الأمر في العلم بالله في العالم في أصل خلقه وعلى هذا المزاج الطبيعي المذكور أنزل الله الشرائع على هذه المراتب حتى يعم الفضل الإلهي جميع الخلق كله، فأنزل "ليس كمثله شيء"وهو لأهل العلم بالله مطلقاً من غير تقييد، وأنزل قوله تعالى "أحاط بكل شيء علماً"وهذا كله في حق من قيده بصفات الكمال، وأنزل تعالى من الشرائع قوله "الرحمن على العرش استوى" ...في حق من قيده بصفات الحدوث، فعمت الشرائع ما تطلبه أمزجة العالم ولا يخلو المعتقد من أحد هذه الأقسام، (فتوحات مكية ج2ص219).
- أين ما جاء في هذه النصوص من وصف الشيخ للوهم بإثبات الباطل، وبالسخف، وبأنه يزيد الإنسان جبناً وجزعاً، وبأنه يصور المحال ويتوهمه صورة وجودية، وكيف يقرن الشيخ الوهم مع اللبس ويحذر منه ويجعله الباعث على الأفكار الرديئة والوسوسة، أين كل هذا مما جاء في هذا الفص بأن الأوهام حكمت بالمعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع؟!!. 

د.محمد حاج يوسف : (ألا ترى من كلام الشيخ سواء في الفصوص أو في الفتوحات أن الوهم حامل للمتناقضات)
محمود محمود الغراب : - وكيف يصح نسبة ما جاء في هذا الفص إلى الشيخ من انتقاص قدر العقل مهما بلغ وقصوره عن الإدراك في هذه النشأة الإنسانية لقوة سلطان الوهم على العقل، مع استثناء الشيخ من شاء الله (وهم الخاصة من الرسل والأنبياء وكمل الأولياء) من أثر الوهم على نفوسهم، ف.ج4ص409.
- وكيف يصح أن ينسب إلى الشيخ أنه يقول في العقائد أن الشرائع جاءت كلها بما تحكم به الأوهام مع الثابت عنه بأن الشرائع عمت ما تطلبه أمزجة العالم لا الأوهام، ف.ج2ص219.
- وأين ما جاء في هذا من خلف الكلام "شبهت في التنزيه" و "نزهت في التشبيه"، كلام لا معنى له .
د.محمد حاج يوسف : (والفتوحات المكية تعج بمثل هذه العبارات، وهي أساس رؤية ابن العربي للأسماء والصفات!).
محمود محمود الغراب : يخالف ما نص عليه الشيخ في مراتب الناس فيما أخبر الله تعالى به عن نفسه،
د.محمد حاج يوسف : (راجع ف ج1ص89، ج4ص7).
محمود محمود الغراب : · مسائل أخرى مخالفة وردت في كتاب الفصوص وغير موجودة في كتابنا شرح فصوص الحكم:
· جاء في فص "حكمة إلهية في كلمة آدمية" قبل نهاية الفص وفي داخل الفص: "قال رضي الله عنه ..."، هذا يدل على أن كاتب الفصوص غير الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي، وإن كان هذا من الناسخ فكان لا بدّ أن يثبتها في أول الفصوص وليس داخل الفص.
د.محمد حاج يوسف : (مثل هذه الإضافة، التي قد تكون من الناسخ، كثيرة التكرار في كتب الشيخ محي الدين!)
محمود محمود الغراب : · كما جاء في هذا الفص "حكمة إلهية في كلمة آدمية" عند ذكر الوجود الحادث: "...الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح للحادث وإن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه"، لا يوجد هذا الكلام في كتب الشيخ الثابتة، ولا في تعريفه للواجب والممكن والمحال، وهي المعلومات الثلاث التي لا رابع لها، فإن كلمة "واجب الوجود" لا تطلق إلا على الله تعالى .
د.محمد حاج يوسف : (بل تُطلق كذلك على العنصر الأعظم وهو المقصود هنا، وهو حادث مخلوق ولكنه واجب الوجود بالله، وأما الله سبحانه وتعالى فهو واجب الوجود بنفسه لنفسه، وهذا الكلام تبنى عليه رؤية ابن العربي للخلق وعلاقته بالخالق، فمن لا يفهمه لا يفهم شيئاً من خصوصيات كتب ابن العربي أبداً، إلا على المستوى العام).
محمود محمود الغراب : وأما قوله: "وإن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه" يعني أن الله واجبٌ عليه خلقُ الخلق 
د.محمد حاج يوسف : (هذا فهم سقيم!) . 
محمود محمود الغراب : أي الوجود الحادث، ولا يقول بهذا أحد أبداً فإن الواجب على الله هو ما أوجبه الله على نفسه بالنص، مثل: [كتب ربكم على نفسه الرحمة]، وقوله في الحديث القدسي: (حرمت الظلم على نفسي).
· ويقول في فص "حكمة حقيّة في كلمة إسحاقية" في حق بقي بن مخلد ورؤياه: "فاستقاء فقاء لبناً . . . فحرمه الله علماً كثيراً على قدر ماشرب"، هل يعقل أن الشيخ يخطئ مثل هذا الخطأ فيكتب "على قدر ماشرب" بدل من "على قدر ما استقاء".
د.محمد حاج يوسف : (يبدو أن الكاتب يقرأ الكتاب وليس له هدف سوى البحث عن المعاني المخالفة لما وصل إليه من العلم، فيضيع بذلك إمكانية فهم النص الذي يعرف الجميع أنه من أعقد النصوص وأدقها. والشاهد هنا في هذا الفص يدور على "تصديق الرؤيا"، فتصديق الرؤيا عكس تعبيرها، فلما صدقها تقي واستقاء فقاء لبناً، فما شربه كان لبناً وما قاءه كان لبناً، وهذا ما كسبه، ما كسب غير اللبن. وأما لو عبرها بالعلم كما يجب، وما استقاء، لكان كسب قدر ذلك من العلم. وما أدق ابن العربي هنا في التعبير: فلو قال "على قدر ما قاء"، لبقي الذي في بطنه علماً! ولكنه لما علم أن ما شربه من اللبن خرج لبناً حين استقاء، فقاء إما بعضه أو كله، خسر قدر جميع ما شرب وليس فقط قدر ما قاء، لأنه حين قاءه لبناً بطل تأويله بالعلم....ملاحظة: ولو كان الكاتب دقيقا في انتقاده، لوجب أن يقول "على قدر ما قاء"لا "على قدر ما استقاء"، ولكن من الواضح أنه يتصدى لأمور شديدة الدقة في المعنى واللغة وهو لا يملك ذلك المعيار من الدقة.)
محمود محمود الغراب : · جاء في نسخة الفهرس المنسوب للشيخ الأكبر الموجودة في المكتبة الآصفية بحيدر آباد تحت رقم 140، وتاريخها 689هـ، والتي كتبها إبراهيم بن محمد بن مظهر الشيخي نقل عن نسخة أصلية كتبها الشيخ الأكبر سنة 632هـ، وهذا الفهرس فيه ما فيه، وهو يذكر 251 كتاباً جاء في القسم الثالث من هذه الكتب وهو الذي فيه ذكر الكتب التي أمره الحق بتأليفها ولم يأمره إلى الآن (632هـ) بإخراجها إلى الناس وبثها في الخلق، جاء تحت رقم (190) ذكر اسم كتاب "الفصوص"، المؤلف عام 627هـ، والذي جاء في مقدمته أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بالخروج به إلى الناس ينتفعون به؟؟!!، كما أن نسخة الفصوص المنسوبة إلى الصدر القونوي عليها سماع 630هـ، فكيف يكون حتى عام 632هـ لم يؤمر بالخروج به إلى الناس؟؟!! 
د.محمد حاج يوسف : (الفهرس كتب سنة 627 في نفس السنة التي كتب فيها الفصوص، وليس سنة 632، كما يقول الكاتب، ولكن يبدو أن ذلك سقط منه سهواً، لأنه يعرف هذه الحقيقة في تحقيقه للفهرس وللإجازة المؤرخة بسنة 632، فهو هنا يخلط بينهما!)
محمود محمود الغراب : من هذا التحقيق يتضح أن كتاب فصوص الحكم لا تصح نسبته إلى الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي لا من حيث الاسم، ولا من حيث الأقوال الواردة فيه، وما جاء فيه يخالف ويناقض الثابت عن الشيخ في كتبه الصحيحة، وهي أقوال مدسوسة على الشيخ رضي الله عنه.
د.محمد حاج يوسف : (هذه النتيجة الخاطئة مبنية على أسس فاسدة، وإن من يقرأ المسوغات الواهية التي يأتي بها هنا الأستاذ محمود غراب لنفي صحة نسبة كتاب فصوص الحكم لابن العربي، بالإسم والمضمون، يجد آلاف الأعذار لشيخ الإسلام ابن تيمية ومن نهج منهاجه من المسلمين الذين يغارون على الإسلام ولكن ليس لهم قدم في العلوم الذوقية. فكيف يصدر مثل هذا الكلام من شخص ينتقد ابن تيمية [مثلاً في كتابه: الرد على ابن تيمية] لعدم فهمه ابن العربي في الوقت الذي يسلك هو نفسه منهاج ابن تيمية في قراءته لابن العربي، وينتقد كذلك بعض الباحثين الكبار من أمثال عثمان يحيى وعلي عبد الله شودكيفيز!)
محمود محمود الغراب : والله يقول الحق وهو يهدي السبيل

والحمد لله رب العالمين

محمود محمود الغراب


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:22 am عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: نسبة كتاب فصوص الحكم (بقلم محمد بن علي حاج يوسف)   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يوليو 28, 2019 6:52 pm

نسبة كتاب فصوص الحكم

نسبة كتاب فصوص الحكم (بقلم محمد بن علي حاج يوسف)
إنَّ الإقرار بوجود الأخطاء الناتجة عن النسخ والتداول لكتب الشيخ يدفعنا إلى ضرورة دراسة المخطوطات المختلفة لهذه الكتب وتحقيقها تحقيقاً علمياً دقيقاً، ولا ينبغي أبداً أن يكون ذلك سبباً لرفض نسبة هذه الكتب إليه، طالما أنَّ الوثائق التاريخية والمخطوطات تثبت نسبتها. إن المنتقدين للشيخ محي الدين يجدون في العبارات المشكلة غايتهم ويتخذونها سبباً لنقده وربما تكفيره، دون بذل جهد كبير في محاولة فهمها وتأويلها، بل ربما يؤوِّلونها على أبعد الوجوه لكي يصلوا إلى غاياتهم ويُثبتوا وجهات نظرهم. لكن حينما نجد شيخاً ممن ينتمي لمدرسة الشيخ محي الدين، من الذين قضوا الكثير من سنوات عمرهم في دراسة كتبه وكتابة علومه وتدريسها، ثم نجده بعد ذلك ينتقد بعض كتبه المعروفة ويرفضها، يمكننا حينئذٍ أن نجد كلَّ الأعذار لمن لم يسلك طريق الشيخ ولم ينهل من معين مشاهداته ومكاشفاته ولم يقتنع أصلاً بذوقه ومشربه، ويمكننا أن ندرك السبب الذي منع الشيخ من إخراج الكثير من كتبه إلى مرحلة متأخرة من حياته.
لقد تصدى الأستاذ محمود غراب لتحقيق عدد من كتب الشيخ محي الدين وبذل في سبيل ذلك جهوداً كبيرة، ولكنه أخطأ حينما حاول نقض صحة نسبة بعض هذه الكتب إليه بسبب ما يرد فيها مما ينتقده بسببها بعض العلماء على أنه يخالف فيها الشريعة الإسلامية، وهو يعتقد في ذلك أنه يدافع عنه. ولكنَّ هذا يؤدي إلى نتائج قد تكون أسوأ من انتقادات من أساء فهم كتب الشيخ محي الدين فرفضوه وكفَّروه، وهم يعتقدون أيضاً أنهم يدافعون عن الإسلام. ولكن لعلَّ ذلك تقديرٌ إلهيٌّ ولطف خفيٌّ بالمسلمين حين هيَّأ الله لهم من يصدُّهم عن التصدي لعلوم الشيخ الأكبر، التي لا يمكن لأغلب الناس أن يخوضوا في رحابها ويغوصوا في أعماقها، وذلك سواء لمن عادى الشيخ وخطّأه أو كفّره، أو لمن اعتقد بنزاهته ولكنه لمّا يملك بعد لوازم دراسة جميع كتبه وفهم الكثير من مقاصده التي لا يمكن أن تجانب الحقيقة أو تخالف الشريعة.
إنَّ رفض بعض كتب الشيخ بسبب وجود بعض العبارات التي يصعب تلقيها وفق حدود الأسس العامة للعقل، وحدود مفهوماتنا الضيقة للشريعة، يؤدي إلى تشويه الصورة التي أراد هو أن يوصلها لنا، والتي ستزداد وضوحاً وتكاملاً كلّما أعدنا النظر وتمعَّنّا في هذه العبارات المشكلة، حتى تنفتح لنا أبواب جديدة من الفهم تدخلنا في فضاءات واسعة من المعارف لم نكن نعلم بوجودها. لذلك سنحاول فيما يلي شرح بعض الأخطاء التي وقع بها الأستاذ محمود غراب في نقده لكتاب فصوص الحكم (عي 150) في محاولته نفي صحة نسبته إلى الشيخ محي الدين.
لقد أرسل الأستاذ محمود بعض تعليقاته على فصوص الحكم، وكذلك الفهرس والإجازة،[1] إلى شيخنا فضيلة الشيخ رمضان صبحي ديب الدمشقي لكي يفتيه فيها. 
والشيخ رمضان من كبار الأولياء وهو معروف لأهل الشام وعلى مستوى العالم. ومع أن أغلب الناس يعرفونه من خلال دروسه العامة التي يلقيها صباح مساء على أيام الأسبوع في جوامع دمشق وضواحيها، ويعرفونه من خلال أفضاله التي لا تحصى وبركاته وكراماته التي لا تخفى، إذ إنّ همه وشغله الشاغل على مدى حياته -التي بلغت تسعة عقود، أطال الله في عمره وبارك لنا في حياته- هو خدمة الناس ودعوتهم وهدايتهم إلى سبيل الله. ولكن القليل من الناس يعرف مقدار تحققه في علوم الذوق، وخاصة فيما يخص الشيخ الأكبر، غير أنه لا يُظهر ذلك للعامة خشية افتتان الناس بهذه العلوم التي قد لا تنفعهم كثيراً. ويكفي للتدليل على ذلك أن الأستاذ علي عبد الله شودكيفيز، وهو شيخ الشيوخ بالنسبة للباحثين على مستوى العالم في مجال الشيخ الأكبر من الذين تفرغوا لعشرات السنين لدراسة كتبه ولهم عشرات المؤلفات في هذا المجال، فأقول يكفي أن نعرف أن الشيخ علي عبد الله شودكيفيز يدعو فضيلة الشيخ رمضان في جميع مراسلاته معه بـ"شيخي ومرشدي"، وذلك منذ أكثر من أربعين عاماً.[2] ولقد أذن لي شيخي ومرشدي فضيلة الشيخ رمضان، رضي الله عنه وأطال عمره وبارك لنا بحياته، بالرد على ما كتبه الأستاذ محمود فقمت بكتابة بعض التعليقات على هذا التحقيق ونُشرت على موقع (ibnalarabi.comمن قبل ونحن نعيدها نشرها الآن بمزيد من التفصيل لما لها من فائدة في سبيل ما نحن بصدد في هذا الكتاب من دراسة مؤلفات الشيخ محي الدين.
فالشيخ محمود غراب ينفي صحة نسبة فصوص الحكم للشيخ محي الدين، وينفي كذلك صحة نسبة فهرس المصنفات الذي كتبه الشيخ لتلميذه صدر الدين القونوي والإجازة اللتي كتبها للملك المظفر شهاب الدين غازي الأيوبي، وهما اللتان تنصان صراحة على صحة نسبة هذا الكتاب إليه، وسوف نؤجل نقاشهما للملحقات حيث نذكرهما بالتفصيل. ولكن التشكيك بكتاب فصوص الحكم يعني التشكيك بمئات العلماء الكبار الذين شرحوه واقتبسوا منه، فله أكثر من مئة وخمسين شرحاً وترجمة، من علماء كبار من الذين كانوا معاصرين له أو ممن أتوا بعده، من أمثال: إسماعيل بن سودكين (المتوفى سنة 646 هـ / 1248 م) في شرحه للفص الإدريسي، والشيخ صدر الدين القونوي (المتوفى سنة 672‍ هـ / 1274 م) في الفكوك، والشيخ عفيف الدين سليمان بن عبد اللّه التلمساني (المتوفى سنة 690 هـ / 1291 م)، والشيخ عبد الرزاق الكاشاني (المتوفى سنة 730 هـ / 1330 م)، والشيخ داود بن محمود القيصري (المتوفى سنة751 هـ / 1350 م) في مطلع خصوص الكلم، والشيخ حيدر بن علي الحسيني الآملي (المتوفى نحو سنة 786 هـ) في نص النصوص، والشيخ عبد الكريم الجيلي (المتوفى سنة 820 هـ / 1417 م)، والشيخ عبد الرحمن بن أحمد الجامي (المتوفى سنة 898‍ هـ / 1492 م)، والشيخ ابن كمال باشا (المتوفى سنة 940 هـ / 1533 م)، والشيخ عبد اللّه البسنوي (المتوفى سنة1054 هـ / 1644 م) في تجليات عرائس النصوص، والشيخ عبد الغنى النابلسى (المتوفى سنة1143 هـ / 1730 م) في جواهر النصوص، والشيخ خواجة محمد بارسا (المتوفى سنة822 ه‍). وغيرهم الكثير.
لا أحد من الشيوخ والعلماء والباحثين المهتمين بالشيخ محي الدين يشك أبداً بنسبة هذا الكتاب، لا شكلاً ولا مضموناً. وفي الحقيقة إنَّ الشيخ محمود غراب أوقع نفسه في مواجهة كبيرة مع الوقائع البديهية مما اضطرَّه في النهاية لطرح فرضيات بعيدة جداً عن الواقع. فهو بداية يسمي كتابه: "شرح فصوص الحكم" ثم يضيف تحت العنوان عبارة: "من كلام الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي" كما اعتاد أن يفعل في أغلب كتبه. ثم يضيف تحت العنوان واصفاً عمله على الكتاب بأنه "تحقيق وجمع وتأليف محمود محمود غراب". فهذا يعني بالضرورة أنه يقرُّ بنسبة الكتاب للشيخ محي الدين وهو إنما يريد مقابلة المخطوطات لاستخلاص النصِّ الصحيح واستبعاد الأخطاء الناتجة عن النسخ، لكننا لا نرى داخل الكتاب أيَّ نوع من التحقيق ولا مقابلة بين مخطوطات. ثم نراه تارة يشكك ببعض محتويات الكتاب ويحاول مناقضتها بما ثبت من كلام الشيخ محي الدين، وتارة يشكك بصحة نسبة الكتاب كلِّه. فإذا كان يقرُّ بنسبة الكتاب للشيخ محي الدين يمكنه أن يحققه ويثبت عدم صحة بعض عباراته، وهو لم يفعل هذا. وأما إذا كان ينفي صحة نسبة الكتاب للشيخ محي الدين، فما الداعي لكتابة كتاب اسمه "شرح فصوص الحكم من كلام الشيخ محي الدين ابن العربي"!
على كل حال؛ يثير الشيخ محمود غراب بعض النقاط التي يظن أنها تخالف المنطق أو تخالف ما ثبت من كتب الشيخ محي الدين، وخاصة كتاب الفتوحات المكية، فيستنتج أن هذا الكتاب مدسوس عليه وليس من جملة كتبه. ومع أنَّ جميع هذه النقاط يمكن دحضها، ولكنها في الحقيقة من بعض الإشكاليات الكثيرة الموجودة بالفعل في كتب الشيخ، وخاصة في الفصوص؛ ولعلَّ دراستها هنا تكون أنموذجاً لما يمكن أن يُثار حول بعض العبارات أو المفاهيم الموجودة في الفتوحات المكية:
لماذا لم يذكر الشيخ هذا الكتاب
يبدأ الشيخ محمود نقده بالقول أنّ الشيخ محي الدين لم يذكر كتاب فصوص الحكم في أي من الكتب التي ذكرها لنفسه، والبالغ عددها أربعة وسبعون كتاباً تقريباً، منها الفتوحات المكية التي استمرَّ في كتابتها حتى عام 636 هـ؟
والجواب هو أنَّ الكتب التي ثبت تاريخ تأليفها بعد الفصوص هي سبعة كتب، وهي:
رسالة الفهرس (عي 142) التي صنّفت بدمشق سنة 627 هـ، وقد ذكر فيها الفصوص. وكتاب الوصايا (عي 818) الذي صنّف بدمشق سنة 629 هـ، وهو الباب الأخير من الفتوحات المكية.
ونظم الفتح المكي (عي 542) الذي صنّف سنة 630 هـ، وهو يتضمن الأشعار التي في الفتوحات. وكتاب المعشرات (عي 484) الذي صنّف بدمشق قبل سنة 630 هـ، وهو ديوان شعري. ورسالة نسب الخرقة (عي 530) التي صنّفت بدمشق سنة 633 هـ. ورسالة الإجازة للملك المظفر (عي 269) التي صنّفت بدمشق سنة 632 هـ، وقد ذكر فيها الفصوص. والديوان الكبير (عي 102) الذي فرغ الشيخ من تصنيفه بدمشق سنة 634 هـ، وقد ذكر فيه الفصوص أيضاً.
فقد ذكر الشيخ كتاب الفصوص في الفهرس (فه 187) وفي الإجازة (جز 194) وفي الديوان (ص ؟؟؟). وأما نظم الفتح المكي فليس كتاباً جديداً، وإنما هو جمع لقصائد الفتوحات المكتوبة من قبل. وأما الوصايا فموضوعه بعيد تماماً عن موضوع الفصوص، وكذلك كتاب الخلوة.
فإذا كان الأستاذ محمود بنكر الفهرس والإجازة لأنهما يذكران الفصوص، فهل ينكر الديوان أيضاً، حيث يقول الشيخ:






صادَني مَنْ كان فِكري صَادَهُ
***
مَا لَهُ وَالله عَنْهُ مِنْ مَحِيصِ
صابِراً في كُلِّ سُوءٍ وَأَذَى
***
في كَيَانٍ مِنْ عُمُومٍ وَخُصُوصِ
صُرَّة ٌ أَوْدَعْتُ قَلْبي عِلْمَهَا
***
في كِتَابٍ وَسَمتْهُ بِالفُصُوصِ

وأما بالنسبة للفتوحات المكية فهي بشكل عام كتبت قبل فصوص الحكم، وصحيح أن الشيخ أعاد كتابتها مرة أخرى ما بين سنة 632 هـ إلى سنة 636 ه، ولكن هذه النسخة الثانية هي تكرار للنسخة الأولى، وحتى وإن أقرّ الشيخ أنه حذف وأضاف وعدّل على النسخة الأولى، غير أن ذلك كان على بعض العبارات وليس على المحتوى الكلي، فليس هناك من داع لذكر الفصوص في الفتوحات وقد تمت معظم موضوعاتها قبل تأليفه. أما النسخة الأولى من الفتوحات المكية فقد بدأها الشيخ سنة 598 هـ وانتهى منها سنة 629 ه، بعد تأليف الفصوص بسنتين، ولكن ذلك أيضاً لا يستلزم ذكر الفصوص فيها إذ لا شكّ أن معظم موضوعات الكتاب كُتبت قبل سنة 627 هـ بكثير لأن الربع الأخير منه تقريباً هما البابان الطويلان جداً؛ الباب التَّاسع والخمسون وخمسمائة وهو باب تلخيص أسرار أبواب الفتوحات، ويتضمن إشارات خاطفة لما ورد في الأبواب السابقة، والباب الستُّون وخمسمائة وهو باب الوصايا الذي يتضمن وصايا حكمية عامة موضوعها بعيد تماماً عن ما ورد في الفصوص.
يُضاف إلى ذلك كلِّه تصريح الشيخ في الفهرس الذي كتبه سنة 627 هـ بأن فصوص الحكم من بين الكتب التي لم يحن وقت إخراجها للناس بعد، في ذلك الوقت، فكيف يذكره في الفتوحات أو غيره وهو لم يخرجه بعد! ولا ندري حقيقة متى أخرجه للناس بعد تأليفه سنة 627 ه؛ فذكره في الفهرس الذي صنَّفه في نفس السنة لا يعني أنه كان قد أُخرج للناس لأنَّ الفهرس كتب لصدر الدين القونوي خاصة، ولو كان الفصوص منشوراً في ذلك الوقت ما كان سرده الشيخ ضمن الكتب التي لم يحن وقت إخراجها. غير أنه على الأغلب أُخرج قبل سنة 632 هـ لأنه في الإجازة يذكره مع غيره دون أن يقول إنه لم يحن وقت إخراجه.
وأما في الفصوص نفسه فيذكر الشيخ محي الدين بعض كتبه الأخرى على الأقل في ستة مواضع: كتاب التنزلات الموصلية (ج1: ص74 من طبعة عفيفي) وكتاب التجليات (ج1: ص125 من طبعة عفيفي) وكتاب الفتوحات (ج1: ص62، 177، 221، 224 من طبعة عفيفي).
مخطوطات الفصوص
هناك أكثر من مئة وعشرين مخطوطة لكتاب الفصوص في مكتبات العالم، منسوخة بتواريخ مختلفة، وأقدمها النسخة المحفوظة في متحف الأوقاف باستانبول، وهي من مخطوطات مكتبة صدر الدين القونوي وعليها سماع مسجل على الغلاف بتاريخ 630 هـ ومصدَّق عليه من الشيخ محي الدين وكان هو المسمع والقارئ والسامع هو صدر الدين القونوي. ولكن الشيخ محمود يشكك بهذه المخطوطة وهذا السماع ولا يستبعد تزويره لعدم وجود مستمعين آخرين كما هو الحال في سماعات الفتوحات المكية (انظر الفصل الخامس والفصل السابع من هذا الكتاب).
إنَّ فرضية التزوير هنا هي ادِّعاء واهٍ بحاجة إلى إثبات؛ فالشيخ محمود قد وقع كتابه "شرح فصوص الحكم" ونشر هذا الكتاب عدة مرات من قبل دور نشر مختلفة وهو الآن قيد التداول منذ ثلاثين سنة، وهناك أناس يعرفون مؤلفه ويتداولون كتابه ويتناقشون حوله ويعلقون عليه، فهل يمكنني أن أنكر نسبة هذا الكتاب إليه لأنني لم أراه يوقعه، وربما كان هذا التوقيع مزوراً! الجواب: نعم يمكنني أن أشكك بأي شيء، لكن أين الدليل؟
أسلوب الفصوص
يقول الشيخ محمود إنّ "أسلوب الكتابة في الفصوص غير مترابط، مهوش، وبعيد عن طابع وأسلوب كتابة الشيخ في كتبه الثابتة النسبة إليه في نفس المسائل، فهو في كتابته متماسك العبارة، جزيل اللفظ، متين الأسلوب، صريح البيان على عكس أسلوب عرض هذه المسائل في الفصوص".
فهذا الكلام بعيد عن الحقيقة كلَّ البعد، بل إن فصوص الحكم يكاد أن يكون من جوامع الكلم! بدليل وجود أكثر من مئة شرح عليه من قبل كبار أساطين العلماء، وهم لا يزالون يقلِّبون وجوه عباراته ويستخرجون دررها ومكنوناتها، ولم يشر أي واحد منهم إلى وجود أي خلل في الأسلوب أو في التعبير، كما يدعي الشيخ محمود!
ضعف الشواهد
ثم يتحدث الشيخ محمود عن ضعف الشواهد في المسائل الثابتة عن الشيخ الواردة في الفصوص مقارنة مع قوتها في كتب الشيخ الأخرى.
والحقيقة أن الفصوص جاء مختصراً وموجزاً، وعلى القارئ أن يبحث عن وجوه دلالات الكلمات والإضافات والعبارات وكلما أعاد القراءة عدة مرات سيكتشف مدى الدقة والبلاغة في التعبير. ولذلك كما قلنا لا زالت تكتب شروح كثيرة على هذا الكتاب البديع.
استخدام ألفاظ معربة
ثم يستشهد الأستاذ محمود باستخدام ألفاظ معربة في كتاب الفصوص مثل كلمة "ساذج" وكلمة "برنامج".
كلمة ساذج :

الباب الثاني  في معرفة مراتب الحروف والحركات
أوجدني الحق قطعة نور حوائي ساذجة وجعلني للكليات ممازجة.
الباب الثامن في معرفة الأرض التي خلقت من بقية خميرة طينة آدم عليه السلام
وذلك لأن العقل خلق ساذجا ليس عنده من العلوم النظرية شيء
الباب التاسع والستون وثلاثمائة في معرفة منزل مفاتيح خزائن الجود
وإن سعد صاحب النظر العقلي فإنه لا يكون أبدا في مرتبة الساذج الذي لم يكن عنده علم بالله إلا من حيث إيمانه

كلمة برنامج :
الباب السادس والأربعون وأربعمائة في معرفة منازلة في تعمير نواشئ الليل فوائد الخيرات
فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً فإنه المجموع الأتم والبرنامج الأكمل ولهذا قال في ناشئة الليل

الباب الأحد والعشرون وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله وتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى واتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ
هي التي اشتراها من النفوس الناطقة المكلفة بالإيمان وأَمْوالَهُمْ وهو شري البرنامج فالمشتري بالخيار عند حضور البضائع فإن وافقت ما في البرنامج مضى
الباب التاسع والخمسون وخمسمائة في معرفة أسرار وحقائق من منازل مختلفة
أن يمنع الإنسان عن العلم بالطبيعة مانع وهو للعالم برنامج جامع كيف يجهل الشيء نفسه ويزعم أنه يعرف أصل
والحقيقة أنّ الشيخ قد استخدم هذه الكلمات في الفتوحات المكية كثيراً (ج1: ص21، 126، ج3: ص402، ج4: ص61، 163، 339)، وبأسلوب مشابه تماماً لما ورد في الفصوص (ج1: ص133، 199 من طبعة عفيفي)، فهذا في الحقيقة يؤكد بدلاً من أن ينفي نسبة الكتاب للشيخ محي الدين.
مسألة الرؤيا في المقدمة
ثم يقول الشيخ محمود: "كيف يعقل أن تصح الرؤيا المذكورة في مقدمة الفصوص وفيها أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأعطاه الكتاب وقال له: اخرج به إلى الناس ينتفعون به، فعمّ بقوله الناس، في حين أنه من الكتب المبنية على الرمز، والرمز يستخدمه الشيخ لخلاصة خاصة الخاصة، وليس لخاصة الخاصة، أو الخاصة، فضلاً عن العامة، فكيف يمكن أن يكون هذا الكتاب موجه للناس لينتفعوا به في حين أن فهمه استعصى على أئمة علماء المسلمين، بل أدى إلى وقوعهم في الشيخ الأكبر والإنكار عليه، واتهامه بما اتهموه به من الكفر، والإلحاد، والقول بالحلول والإتحاد إلى غير ذلك مما هو معروف."[v]
فالجواب: هل يُعقل أن يخرج الكتاب إلى فئة معينة دون بقية الناس، وإلا فكيف وصل إلينا بعد ثمانية قرون!
ولكنَّ كلَّ من يقرأ الفصوص يصل إلى علم يناسب وعيه العلمي والإيماني.
فالله سبحانه وتعالى أنزل القرآن الكريم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بلغة العرب، في زمن البلاغة والفصاحة، وفيه من الإعجاز ما فيه؛ فأنكره بعضهم ورقت له قلوب أناس آخرين كانت قلوبهم كالحجارة قبل أن يسمعوه، كما كان حال سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه.
تناقضه مع كتب أخرى
ثم يبدأ الشيخ محمود بطرح مسائل يقول إنها تتعارض مع ما ثبت عن الشيخ محي الدين جاءت في كتبه الأخرى كالفتوحات المكية، ويقول إنه لا يمكن الجمع بوجه من الوجوه بين ما هو مذكور فيها وما جاء في كتاب الفصوص.
ويقول إنه قد جمع حوالي مائة مسألة وذكرها في كتابه شرح فصوص الحكم، وقد اختار بعض هذه المسائل وأرسلها لفضيلة الشيخ رمضان صبحي ديب الدمشقي، وسوف نناقش هنا أهمها:
خاتم الرسل وخاتم الأولياء
يقول إن هناك تعارض بين قول الشيخ محي الدين في الفص الثاني، حكمة نفثية في كلمة شيثية، حيث يقول: "... حتى أن الرسل لا يرونه - متى رأوه - إلا من مشكاة خاتم الأولياء ..."، وبين ما يقول في الفتوحات مثلاً: "ولا ذوق لنا في مقامات الرسل عليهم السلام" (ج4: ص75) وأمثالها كثير في كلام الشيخ.
فاعتراضه هنا هو كيف يستمد الرسول من مشكاة خاتم الأولياء في حين لا ذوق لأحد في مقامات الرسل والأنبياء.
ولكنه بكل بساطة يغفل عن حقيقة أنَّ خاتم الأولياء هو نبيٌّ ورسول، وهو عيسى عليه السلام، أما خاتم الأولياء المحمديين فهو محي الدين ابن العربي كما هو معروف لدارسيه،[3] كما أنَّ الرسول لا يكون رسولاً إلا أن يكون ولياً، فهو ولي ثم رسول، وكذلك النبي هو ولي ثم نبي، فيكون كلام الشيخ في الفصوص كما يلي:
"... وليس هذا العِلم إِلا لخاتم الرسل (وهو محمد صلى الله عليه وسلم) وخاتم الأولياء (وهو عيسى عليه السلام)، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم (محمد صلى الله عليه وسلم)، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي الخاتم (وهو عيسى عليه السلام)، حتى أن الرسل (من كونهم أولياء) لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء (وهو الرسول عيسى عليه السلام): فإِن الرسالة والنبوة - أعني نبوة التشريع، ورسالته - تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. 
فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء (الذين هم ليسوا أنبياء ولا رسل)؟ 
وإِن كان خاتم الأولياء (الذي هو عيسى عليه السلام) تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل (الذي هو محمد صلى الله عليه وسلم) من التشريع.

فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل، كما أنه من وجه يكون أعلى." (ج1: ص62 من طبعة عفيفي) .
فالشيخ هنا في الفصوص يقرر أن الرسل والأنبياء، من كونهم رسل وأنبياء، يستمدون من خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، في حين إن الأولياء بما فيهم الرسل والأنبياء، من كونهم أولياء، يستمدون من خاتم الأولياء عيسى عليه السلام (وهو نبي ورسول وولي)، فلم يعد في هذا الكلام أي تناقض!
لكن الشيخ محمود غراب يخلط هنا بين مفهوم خاتم الولاية ومفهوم خاتم الولاية المحمدية، فالأول هو عيسى عليه السلام والثاني هو الشيخ محي الدين، و الشيخ محي الدين لم يكن يتكلم، في النص المنقول أعلاه من الفصوص، عن خاتم الولاية المحمدية، بل عن خاتم الأولياء على الإطلاق وهو عيسى عليه السلام وهو رسول ونبي وولي.
إدريس وإلياس عليهما السلام
ويثير الشيخ محمود قضية الخلاف على إدريس وإلياس عليهما السلام، هل هما شخصان أو شخص واحد؟ ففي الفصوص يقول الشيخ محي الدين في الفص الثاني والعشرين، فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية، أن "إلياس هو إدريس كان نبياً قبل نوح، ورفعه الله مكاناً علياً"، فيعدُّهما شخصاً واحداً، في حين يقول في الفتوحات: "أبقى الله تعالى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرسل الأحياء بأجسامهم في هذه الدار الدنيا ثلاثة وهم: إدريس بقي حياً بجسده وأسكنه الله السماء الرابعة، وأبقى في الأرض أيضاً إلياس وعيسى وكلاهما من المرسلين" (ج2: ص5)، فيعدهما شخصان، وكذلك في (ج1: ص254، ج2: ص445، ج2ص455، ج3: ص39، ج3: ص50، ج3: ص230، ج3: ص514).
والجواب هو أن الخلاف على إدريس وإلياس عليهما السلام خلاف مشهور بين العلماء؛ هل هما شخص واحد أم اثنان، وتذهب بعض الآراء إلى أن إدريس هو إلياس ولكنه رجع في وقت آخر بعد أن رفعه الله تعالى مكاناً علياً، فهما شخص واحد بمسميين، وذلك أن إلياس هو في العهد القديم إيليا وهو النبي المنتظر رجوعه، ولذلك نجد الشيخ يفرق بينهما أثناء الحديث عن المقامات في الفتوحات المكية في المواضع التي نقلها الكاتب مثلاً، في حين إنه يعدهما واحداً في الفصوص المتخصص في الحديث عن خصائص أعيان الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وهذا الكلام يؤكده ابن العربي نفسه في هذا الفص تحديداً حين يقول: "إلياس هو إدريس‏، كان نبياً قبل نوح، ورفعه الله مكاناً علياً، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس. ثم بُعث إلى قرية بعلبك (أي بُعث من جديد)". فانظر إلى دقة كلامه حيث جمع بين القولين، فقال أنه هو هو ثم قال أنه كان نبياً ثم رفع ثم بعث باسم إلياس.
إحياء عيسى للموتى
ثم ينقل الشيخ محمود عبارة من الفصوص: "فكان إحياء عيسى للأموات إحياءً محققاً من حيثما ظهر عن نفخه"، ويقول: هل يُتصور أن يقول الشيخ الأكبر في إحياء عيسى للموتى أنه إحياء محقق من حيث ما ظهر عن نفخه؟
فإذا نقلنا العبارة كاملة: "فخرج عيسى يُحْيِي الموتى لأنه روح إلهي، وكان الإحياء للَّه والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة للَّه. فكان إحياء عيسى للأموات إحياءً محققاً من حيثما ظهر عن نفخه، كما ظهر هو عن صورة أُمه. وكان إحياؤه أيضاً متوهماً أنه منه وإنما كان للَّه." (ج1: ص139)، فليس هناك أي شيء غريب في هذا الكلام، وهو نفسه ما يقوله في الفتوحات: "فالأفعال من المخلوقين مقدرة من الله ووجود أسبابها كلها بالأصالة من الله، وليس للعبد ولا لمخلوق فيها بالأصالة مدخل إلا من حيث هو مظهر لها" (ج1: ص727)، وأمثال هذه العبارات.
تناقضه مع نفسه
ثم يدعي الأستاذ محمود وجود تناقض داخل الفصوص، فينقل من فص حكمة حقيّة في كلمة إسحاقية كلام الشيخ محي الدين في حق بقي بن مخلد[4] الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فسقاه النبي في هذه الرؤيا لبناً، فصدّق بقيُّ بن مخلد رؤياه "فاستقاء فقاء لبناً ... فحرمه الله علماً كثيراً على قدر ما شرب" (ج1: 86). فيقول الأستاذ محمود: هل يعقل أن الشيخ يخطئ مثل هذا الخطأ فيكتب "على قدر ما شرب" بدلا من "على قدر ما استقاء".
وهذا أفضل مثال رأيته مما يمنع الناس من فهم كتب الصوفية، وهو هنا من شخص ينتمي لمدرسة الشيخ محي الدين، ولكنه يقرأ الكتاب وليس له هدف سوى البحث عن المعاني المخالفة لما وصل إليه من العلم، فيضيع بذلك إمكانية فهم النص الذي يعرف الجميع أنه من أعقد النصوص وأدقها.
والشاهد هنا في هذا الفص يدور على "تصديق الرؤيا"، فتصديق الرؤيا عكس تعبيرها، فلما صدقها بقي واستقاء فقاء لبناً، فما شربه كان لبناً وما قاءه كان لبناً، وهذا ما كسبه، ما وجد غير اللبن.
وأما لو عبَّرها بالعلم كما يجب، وما استقاء، لكان كسب قدْرَ ذلك من العلم.
وكما يشرح الشيخ في نفس هذا الفص، لما رأى سيدنا إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ابنه، فصدَّق الرؤيا قال الله سبحانه وتعالى في سورة الصافات: (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ [104] قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [105] وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [107])، فأخذ بظاهر الرؤيا ولم يعبِّرها فأراد أن يذبح ابنه، ففداه الله بذبح عظيم. فلو عبَّر بقي اللبن بالعلم لحصل على العلم، ولكنه لما صدَّقها وأخذها على ظاهرها بطلت الرؤيا كلها وخسر من العلم "على قدر ما شرب".
فما أدق الشيخ محي الدين في التعبير هنا: فلو قال "على قدر ما قاء"، لبقي الذي في بطنه عِلماً! ولكنه لما علم أن ما شربه من اللبن خرج لبناً حين استقاء، فقاء إما بعضه أو كله، خسر قدر جميع ما شرب وليس فقط قدر ما قاء، لأنه حين قاءه لبناً بطل تأويله بالعلم.
__________________________
[1] وهي أيضاً منشورة في كتابه: شرح فصوص الحكم من كلام الشيخ محي الدين ابن العربي، تحقيق وجمع وتأليف محمود محمود غراب، مطبعة زيد بن ثابت – دمشق، 1985.
[2] للمزيد عن هذا الموضوع راجع سيرة فضيلة الشيخ رمضان صبحي ديب الدمشقي في كتاب إيجاز البيان في سيرة فضيلة الشيخ رمضان، جمع وإعداد محمد علي حاج يوسف، دار طيبة الغراء – دمشق، 2012.
[3] راجع كتاب شمس المغرب: ص271.
[4] هو عبد الرحمن بقي بن مخلد القرطبي (201 هـ / 276 ه)، فقيه وإمام ومفسر أندلسي له تفسير للقرآن وكتاب في الحديث رتبه على أسماء الصحابة، وكتاب عن فتاوي الصحابة والتابعين.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:23 am عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يوليو 28, 2019 6:57 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

شرح أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص الآدمي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية   الجزء الأول
قال الشيخ رضي الله عنه : (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها "2"، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه: فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته )

1-  المناسبة في تسمية الفص هو أن آدم عليه السلام خلق على صورة الحق
قال صلى الله عليه وسلم « خلق الله آدم على صورته.».
وقال تعالی: " وعلم آدم الأسماء كلها" , وهو الإنسان الكامل حضرة المضاهاة الإلهية ولذلك سميت حكمة إلهية في كلية آدمية .

2 - محاضرة الأسماء و تحاورها  
اجتماع الأسماء في حضرة المسمى وظهور أحكامها
إن الأسماء اجتمعت بحضرة المسمى ، ونظرت في حقائقها ومعانيها ، فطلبت ظهور أحكامها حتى تتميز أعيانها بآثارها.
فإن الخالق الذي هو المقدر والعالم والمدبر والمفصل والبارئ والمصور والرزاق والمحيني والميت والوارث والشكور .
وجميع الأسماء الإلهية نظروا في ذواتهم ولم يروا مخلوقا ولا مدبرا ولا مفصلا ، ولا مصورا ولا مرزوقا.
فقالوا كيف العمل حتى تظهر هذه الأعيان التي تظهر أحكامنا فيها فيظهر سلطاننا ؟ فلجأت الأسماء الإلهية التي تطلبها بعض حقائق العالم بعد ظهور عينه إلى الاسم البارئ فقالوا له : "عسى أن توجد هذه الأعيان لتظهر أحكامنا وينبت سلطاننا إذ الحضرة التي نحن فيها لا تقبل تأثيرنا".
فقال الباريء : « ذلك راجع إلى الاسم القادر فإني تحت حيطته ».
وكان أصل هذا أن الممكنات في حلل نعدمها سألت الأسماء الإلهية سؤال حال ذلة وافتقار .
وقالت لها : إن العدم قد أعمانا عن إدراك بعضنا بعضا وعن معرفة مايجب لكم من الحق علينا، فلو أنكم أظهرتم أعیاننا و كسوتمونا حلة الوجود أنعمتم علينا بذلك وقمنا بما ينبغي لكم من الجلال والتعظيم ، وأنتم أيضا كانت السلطنة تصح لكم في ظهورنا بالفعل ، واليوم .أتم علينا.
سلاطين بالقوة والصلاحية، فهذا الذي نطلبه منكم. هو في حقكم أكثر منه في حقنا.
فقالت الأسماء : إن هذا الذي ذكرته الممكنات صحیح فتحركوا في طلب ذلك ، فلما لجأوا إلى الاسم القادر .
قال القادر : أنا تحت حيطة المزيد فالا أوجد عينا منكم إلا باختصاصه ، ولا يمكنني الممكن من نفسه إلا أن يأتيه أمر الأمر من ربه ، فإذا أمره بالتكوين وقال له كن مكنني من نفسه و تعلقت بإيجاده فكونته من حينه.
فلجأوا إلى الاسم المريد ، فقالوا له : إن الاسم القادر سألناه في إيجاد أعيانبا فأوقف أمر ذلك عليك فما ترسم ؟
وقال المريد صدق القادر. ولكن ما عندي خبر ما حكم الأمم العالم فيكم ، هل سبق علمه بإيجادكم فنخصص أو لم يسبق؟
فأنا تحت حيطة الاسم العالم ، فسيروا إليه واذكروا له قضيتكم.
فساروا إلى الاسم العالم وذكروا ما قاله الأسم المريد .
فقال العالم : صدق المريد وقد سبق علمي بإيجادكم ؛ ولكن الأدب أولى :" فإن لنا حضرة مهيمنة علينا وهي الاسم الله .
فلابد من حضورنا عنده ، فإنها حضرة الجمع ، فاجتمعت الاسماء كلها في حضرة الله .
فقال : ما بالكم ؟
فذكروا له الخبر .
فقال : أنا اسم جامع لحقائقكم وإني دليل على مسمى وهو ذات مقدسة له نعوت الكمال والتنزيه، فقفوا حتى أدخل على مدلولي ، فدخل على مدلوله فقال له ما قالته الممكنات وما تحاورت فيه الأسماء.
فقال : اخرج وقل لكل واحد من الأسماء يتعلق بما تقتضيه حقیقته في الممكنات فإني الواحد لنفسي من حيث نفسي ، والممكنات إنما تطلب مرتبتي وتطلبها مرتبتي، والأسماء الإلهية كلها للمرتبة لا لي إلا الواحد خاصة فهو اسم خصيص بي لا يشاركني في حقيقته من كل وجه أحد. لا من الأسماء ولا من المراتب ولا من الممكنات.
فخرج الاسم الله ومعه الاسم المتكلم يترجم عنه للممكنات والأسماء، فذكر لهم ما ذكره المسمى ، فتعلق العالم والمريد والقائل والقادر .
فظهر الممكن الأول من الممكنات بتخصيص المريد وحكم العالم ، فلما ظهرت الأعيان والآثار في الأكوان ، وتسلط بعضها على بعض ، وقهر بعضها بعضا ، بحسب ما تستند إليه من الأسماء ، فادي إلى منازعة وخصام.
فقالوا : إنا نخاف علينا، أن يفسد نظامنا وتلحق بالعدم الذي كنا فيه .
فنبهت الممكنات الأسماء بما ألقى إليها الأسهم العلم والمدبر.
وقالوا : أنتم أيها الأسماء لو كان حكمكم على ميزان معلوم وحد مرسوم بإمام ترجعون إليه يحفظ علينا وجودا وتحفظ عليكم تأثيراتكم فينا ، لكان أصلح لنا ولكم ، فالجأوا إلى الله عسى يقدم من يحد لكم حدا تقفون عنده وإلا، هلكنا وتعطلتم .
فقالوا : هذا عين المصلحة وعين الرأي ، ففعلوا ذلك .
فقالوا : إن الاسم المدبر هو ينهي أمركم ، فأنهوا الى المدبر الأمر .
فقال : أنا لها ، فلخل وخرج بأمر الحق إلى الاسم الرب .
وقال له : افعل ما تقتضيه المصلحة في بقاء أعيان هذه الممكنات .
فاتخذ: وزیرین یعیناته على ما أمر به ، الوزير الواحد الاسم المدبر ،والوزير الآخر المفصل.
قال تعالى : يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون، الذي هو الإمام، فانظر ما أحكم كلام الله تعالى ، حيث جاء بلفظ مطابق للحال الذي ينبغي أن يكون الأمر عليه ، فحد الاسم الرب لهم الحدود ووضع لهم المراسم لإصلاح المملكة ليبلوكم أيهم أحسن عملا .
محاضرة الأسماء في حضرة الذات ... دليل على الماضي دليل على الآتي
أقول بها والكون يعطي وجودها ...   لوجدان آلام ووجدان لذات
فلولا وجود المحو ما صح عندنا ... ولا عند من يدري وجود لأثبات
ويقول في موطن آخر :
اعلم أن السدنة من الأسماء الإلهية لما كانت بأيديهم مقاليد السموات والأرض ، ولا سماء ولا أرض ، بقي كل سادن بمقلاده لا يجد ما يفتح .
فقالوا : يا للعجب خزان بمفاتيح مخازن لا تعرف مخزنا موجودا ، فما نصنع بهذه المقاليد ، فأجمعوا أمرهم وقالوا «لابد لنا من أئمتنا السبعة الذين أعطونا هذه المقاليد ولم يعرفونا المخازن التي تكون عليها ، فقاموا على أبواب الأمة ، على باب الإمام المخصص والإمام المنعم والإمام المقسط ، فأخبرهم الأمر ، فقالوا: صدقتم ، الخبر عندنا ، و سنعينها لكم إن شاء الله تعالى ، ولكن تعالوا نصل إلى من بقي من الأئمة ونجتمع على باب حضرة الإمام الإلهي إمام الأئمة ، فاجتمع الكل وهم بالإضافة إلى الإمام. المعروف « بالله » سدنة ، فوقف الجميع ببابه فبرز لهم.
وقال : ما الذي جاء بكم ؟
فذكروا له الأمر وأنهم طالبون وجود السموات والأرض حتى يضعوا كل مقلاد على بابه ، فقال : أين الإمام المخصص ؟
فبادر إليه المريد ، فقال له : أليس الخبر عندك وعند العليم ؟
فقال له نعم ، قال : فإن كان فأرح هؤلاء مما هم فيه من تعلق الخاطر وشغل البال ، فقال العليم والمريد : أيها الإمام الأكمل .
قل الإمام القادر يساعدنا والقائل ، فإنه لا تقوم به بأنفسنا إلا أربعتنا ، فنادى الله تعالى القادر والقائل ، وقال لهما : أعينا أخويكما فيما هما بسبيله.
فقالا « نعم » فدخلا حضرة الجواد .
فقالا للجواد : عزمنا على إيجاد الأكوان وعالم الحدثان ، وإخراجهم من العدم إلى الوجود، وهذا من حضرتك حضرة الجود.
فادفع لنا من الجود ما تبرزهم به ، فدفع لهم الجود المطلق ، فخرجوا به من عنده ، وتعلقوا بالعالم فأبرزوه على غاية الإحكام والإتقان ، فلم يبق في الإمكان أبدع منه ، فإنه ص در عن الجود المطلق .
ولو بقي أبدع منه لكان الجواد قد بخل بما لم يعط وأبقاه عنده من الكمال ، ولم يصح عليه إطلاق اسم الجواد وفيه شيء من البخل .
فليس اسم الجواد عليه فيما أعطى بأولى من اسم البخيل عليه فيما أمسك ، وبطلت الحقائق ، وقد ثبت أن اسم البخيل عليه محال ، فكونه أبقى عنده ما هو أكمل منه محال ، وما ظهر الإمام المقسط إلا بعد نزول الشرائع.
راجع فتوحات ج1 ۳۲۳ / ۱ج2 / 556 , كتاب إنشاء الجداول والدوائر.

قال الشيخ رضي الله عنه : (نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه )
(مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له."3" وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة. ومن شأن )
(ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال. وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس.  
فالأمر كله منه، ابتداؤه وانتهاؤه، «وإليه يرجع الأمر كله»، كما ابتدأ منه. 
فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك )

3 - الحب سبب وجود العالم
لما لم يكن علم الله تعالى بالعالم إلا علمه بنفسه إذ لم يكن في الوجود إلا هو.
فما ظهر في الكون إلا ما هو عليه في نفسه ، فلابد أن يكون العالم على صورته ، وصورة العالم على قدر الحضرة الإلهية الأسمائية ، فما في الحضرة الإلهية اسم إلهي إلا وهو على قدر أثره في نشء العالم من غير زيادة ولا نقصان ، فخلق الله العالم
في غاية الإحكام والإتقان كما قال الإمام أبو حامد الغزالي من أنه لم يبق في الإمكان أبدع من هذا العالم ..
فطابق العالم الأسماء الإلهية ، وكأنه تعالى كان باطنا فصار بالعالم ظاهرا ، فعرف نفسه شهودة بالظاهر بقوله : "فأحببت أن أعرف" الحديث.
ولما أظهر العالم في عينه كان مجلاه ، فما رأي فيه غير جماله ، فالعالم جمال الله، فهو تعالى الجميل المحب الجمال ، ورد في الخبر الصحيح في صحيح مسلم عن رسول الله مع أنه قال : "إن الله جميل يحب الجمال"، فأوجد الله العالم في غاية الجمال والكمال خلقا وإبداعا ، فإنه تعالى يحب الجمال ، وما ثم جميل إلا هو ، فأحب نفسه ثم أحب أن يرى نفسه في غيره ، فخلق العالم على صورة جماله ونظر إليه فأحبه حب من قيده النظر ، فما خلق الله العالم إلا على صورته ، فالعالم كله. جميل وهو سبحانه يحب الجمال.
كلمة الحضرة الإلهية وهي كلمة « كن » : لله تجل في صورة تقبل القول والكلام بترتيب الحروف ، « فكن » عين ما تكلم به فظهر عنه الذي قيل له كن ، فعين الأمر عين التكوين ، وما ثم أمر إلهي إلا كن ، فإذا نظرت إلى تكون العالم من النفس الرحماني الظاهر من محبة الله أن يعرفه خلقه ، علمت أن ما في العالم أو ما هو العالم سوی كلمات الله ، وكلمات الله أمره ، وأمره واحدة كلمح البصر أو هو أقرب .
وعلمت اختصاص كلمة الحضرة من الكلمات بكلمة كن لكل شيء مع اختلاف ما ظهره فليس الكون بزائد على كن بواوها الغيبية ، فظهر الكون على صورة كن ، وكن أمره وأمره كلامه وكلامه علمه ، وعلمه ذاته ، فظهر العالم على صورته ، فليس للحق منزه ولا مجلي إلا العالم.
راجع الفتوحات المكية  ج2 /111 , 345 , 399 , 401 , 402 , 403 .  ج3/ 151 , ج4/ 269

قال الشيخ رضي الله عنه : (الصورة "4" ، وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم «بالإنسان الكبير». فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية )
(التي في النشأة الإنسانية. فكل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها، وأن فيها، فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال ومنزلة رفيعة عند الله، لما عندها من الجمعية )

4 . خلق الله آدم على صورته
اعلم أنه لا يصح أن يكون شيء من العالم له وجود ليس هو على صورة الحق، فنسبة الحق إلى الخلق نسبة الإنسان إلى كل صنف من العالم ، والعالم عند الجماعة، هو إنسان كبير في المعنى والجرم.
يقول الله تعالى : "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون" .
فلذلك قلنا في المعنى ، وما في العلم عن الكل وإنما نقاه عن الأكثر ، والإنسان الكامل من العالم وهو له كالروح لجسم الحيوان ، وهو الإنسان الصغير ، وسمي صغيرا لأنه انفعل عن الكبير وهو، مختصر فالمطول العالم كله والمختصر الإنسان الكامل ، فالإنسان آخر موجود في العالم لأن المختصر لا يختصر إلا من مطول وإلا فليس بمختصر ، فالعالم مختصر الحق والإنسان مختصر العالم والحق ، فهو نقاوة المختصر.
فلما كان العالم على صورة الحق وكان الإنسان الكامل على صورة العالم وصورة الحق وهو قوله : " إن الله خلق آدم على صورته"، فليس في الإمكان أبدع ولا أكمل من هذا العالم إذ لو كان لكان في الإمكان ما هو أكمل من الله .
فإن آدم وهو من العالم قد خلقه الله على صورته ، وأكمل من صورة الحق فلا يكون ، وما كملت الصورة من العالم إلا بوجود الإنسان .
فمن كل شيء في الوجود زوجان الأن الإنسان الكامل والعالم بالإنسان الكامل على صورة الحق ، فامتاز الإنسان الكامل عن العالم مع كونه من كمال الصورة للعالم الكبير بكونه على الصورة بانفراده ، من غير حاجة إلى العالم .
فالإنسان الكامل وحده يقوم مقام الجماعة ، فإنه أكمل من عين مجموع العالم إذ كان نسخة من العالم حرفا بحرف (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ) ، ويزيد أنه على حقيقة لا تقبل التضاؤل « خلق الله آدم على صورته » .

فحاز الإنسان الكامل صورة العالم وصورة الحق ففضل بالمجموع فجعل الحق الإنسان الكامل نسخة من العالم كله ، فما من حقيقة في العالم إلا وهي في   الإنسان .
فهو الكلمة الجامعة وهو المختصر الشريف وجعل الحقائق الإلهية التي توجهت على إيجاد العالم بأسره متوجهة على إيجاد هذه النشأة الإنسانية الإمامية ، فخلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم ، وأبرزه نسخة كاملة جامعة لصورة حقائق الحدث وأسماء القديم ، أقامه سبحانه معنى رابطا للحقیقتين ، وأنشأه برزخا جامعا للطرفين والرقيقتين ، أحكم بيديه صنعته وحسن بعنايته صبغته ، وكانت مضاهاته للأسماء الإلهية بخالقه، ومضاهاته للأكوان العلوية والسفلية بخلقه، فتميز عن جميع الخلائق بالخلقة المستقيمة والخلائق ، عين سبحانه سره مثالا في حضرة الأسرار ، ومیز نوره من بين سائر الأنوار ، وقصب له كرسي العناية بين حضرتيه ، وصرف نظر الولاية والنيابة فيه وإليه .
فلم يخلق الله تعالى الإنسان عبثا بل خلقه ليكون وحده على صورته ، فكل من في العالم جاهل بالكل عالم بالبعض ، إلا الإنسان الكامل وحده ، فإن الله علمه الأسماء كلها وآتاه جوامع الكلم ، فكملت صورته ، فجمع بين صورة الحق وصورة العالم ، فكان برزخا بين الحق والعالم ، مرآة منصوبة ، يرى الحق صورته في مرآة الإنسان ، ويرى الخلق أيضا صورته فيه ، لأن الإنسان فيه مناسب من كل شيء في العالم ، فيضاف كل مناسب إلى مناسبه بأظهر وجوهه ، ويخصصه الحال والوقت والسماع بمناسب ما دون غيره من المناسب ، إذا كان له مناسبات كثيرة لوجوه كثيرة يطلبها بذاته، فمن حصل هذه المرتبة حصل رتبة الكمال الذي لاأكمل منه في الإمكان، ومعنى رؤية صورة الحق فيه ، إطلاق جميع الأسماء الإلهية عليه ، كما جاء في الخبر
"فبهم تنصرون" ، والله الناصر « وبهم ترزقون » والله الرازق « وبهم ترحمون ، والله الراحم ، وقد ورد في القران فيمن علمنا كماله صلى الله عليه وسلم واعتقدنا ذلك فيه أنه « بالمؤمنين رؤوف رحيم » ، « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » أي لترحمهم ، والتخلق بالأسماء يقول به جميع العلماء ، فالإنسان متصف يسمى بالحي والعالم المريد السميع البصير المتكلم القادر وجميع الأسماء الإلهية من أسماء تنزيه وأفعال .
ولذلك عبر عن الإنسان الكامل بمرآة الحق ، والحقيقة من قوله تعالی « ليس كمثله شيء " وهي مثلية لغوية ، وذلك عند بروز هذا الموجود في أصفى ما يمكن وأجلي ، ظهر فيه الحق بذاته وصفاته المعنوية لا النفسية ، وتجلى له من حضرة الجود ، وفي هذا الظهور الكريم قال تعالى : « لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم »
فالإنسان الكامل له الشرف على جميع من في السماء والأرض ، فإنه العين المقصودة للحق من الموجودات ، لأنه الذي اتخذه الله مجلي ، لأنه ما كمل إلا بصورة الحق ، كما أن المرآة وإن كانت تامة الخلق فلا تكمل إلا بتجلي صورة الناظر ، فتلك مرتبتها والمرتبة هي الغاية .
راجع فتوحات  ج3 /152, 315 ,331 , 398 , 409. ج4 / 21 , 132 , 230 , 231 , 409.  عقلة المستوفز ۔ ذخائر الأعلاق

قال الشيخ رضي الله عنه : (الإلهية مما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، وإلى جانب حقيقة الحقائق، و- في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف- إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله."5" وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن )

5 - محمد صلى الله عليه وسلم روح العالم لا آدم عليه السلام
اعلم أن مرتبة الإنسان الكامل من العالم مرتبة النفس الناطقة من الإنسان ، فهو الكامل الذي لا أكمل منه وهو محمد صلى الله عليه وسلم .
فهو الإنسان الكامل الذي ساد العالم في الكمال ، سيد الناس يوم القيامة ، ومرتبة الكامل من الأناسي النازلين عن درجة هذا الكمال الذي هو الغاية من العالم منزلة القوى الروحانية من الإنسان ، وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم .
ومنزلة من نزل من الكمال عن درجة هؤلاء من العالم منزلة القوى الحسية من الإنسان وهم الورثة رضي الله عنهم .
وما بقي ممن هو على صورة الإنسان في الشكل هو من جملة الحيوان فهم بمنزلة الروح الحيواني في الإنسان ، فإن العلم بالله المحدث الذي هو على صورة العلم بالله القديم لا يتمكن أن يكون إلا لمن هو في خلقه على الصورة ، وليس غير الإنسان الكامل ولهذا سمي كاملا ، وأنه روح العالم ، فإن الله لما أحب أن يعرف لم يكن أن يعرفه إلا من هو على صورته ، وما أوجد الله على صورته أحدا إلا الإنسان الكامل راجع فتوحات ج3 / 186, 266, 331  - أول هامش رقم 9 ص ۰32

قال الشيخ رضي الله عنه:  (من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي "6" منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.
فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته.
وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.
ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، )

6 -  العلم الصحيح
العلم الصحيح لا يعطيه الفكر ، ولا ما قررته العقلاء من حيث أفكارهم ، إنما هو ما يقذفه الله في قلب العالم ، وهو نور إلهي ، يختص به من يشاء من عباده ، من ملك ورسول و نبي وولي ومؤمن.
ومن لاكشف له لا علم له ، ولهذا جاءت الرسل والتعريف الإلهي بما تحيله العقول ، فتضطر إلى التأويل في بعضها لتقبله .
وتضطر إلى التسليم والعجز في أمور لا تقبل التأويل أصلا ، وغايته أن يقول له وجه لا يعلمه إلا الله لا تبلغه عقولنا ، وهذا كله تأنيس للنفس لا علم ، حتى لا ترد شيئا مما جاءت به النبوة ، وهذا حال المؤمن العاقل ، فالعلم من لا يقبل صاحبه شبهة ، وذلك ليس إلا علم الأذواق ، فذلك الذي تقول فيه إنه علم .
فتوحات ج1/218 , ج2 / 473


قال الشيخ رضي الله عنه:  (وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟"7"
فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه.
فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته، وليس للملائكة جمعية آدم، ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته، وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته تقديس آدم.  فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة:
«أتجعل فيها من يفسد فيها»؟  وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم.
فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون.
فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس.
وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت .)

7 - الإنسان الكامل عمد السماء
اعلم أن الإنسان الكامل عمد السماء الذي يمسك الله به وجود السماء أن تقع على الأرض ، فإذا زال الإنسان الكامل وانتقل إلى البرزخ هوت السماء .
وهو قوله تعالی « وانشقت السماء فهي يومئذ واهية » أي ساقطة على الأرض ، فلابد من فرش وعرش ، فهي المهاد وأنت السقف المرفوع ، بینكما عمد قائم ، عليه اعتماد السبع الشداد ، لكنه عن البصر محجوب ، فهو ملحق بالغيوب ، ألم تسمع قول من أوجد عينها ، فأقامها بغير عمد ترونها ، فما نفي العمد، لكن ما يراه كل أحد، فلابد لها من ماسك ، وما هو إلا المالك ، فمن أزالها بذهابه ، فهو عمدها المستور في إهابه ، وليس إلا الإنسان الكامل ، وهو الأمر الشامل ، الذي إذا قال «الله» ناب بذلك القول عن جميع الأفواه ، فهو المنظور إليه والمعول عليه.
راجع الفتوحات  ج3 /418 , ج4 /396


قال رضي الله عنه : (ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. "8"
فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟  فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.
ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني.
ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.
فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها. فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة.
وسواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة.
غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي. فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة، كما أن الحياة متميزة عنه.
ثم نقول في الحق تعالى إن له علما وحياة فهو الحي العالم.  ونقول في الملك إن له حياة وعلما فهو العالم والحي.
ونقول في الإنسان إن له حياة وعلما فهو الحي العالم.  وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة.
ونقول في علم الحق إنه قديم، وفي علم الإنسان إنه محدث. 
فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية.
فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم. )

8 - الملائكة جهات الإنسان الكامل ومرتبته
ان الله ما خلق أولا من هذا النوع إلا الكامل وهو آدم عليه السلام ، ثم أبان الحق عن مرتبة الكمال لهذا النوع ، فمن حازها منه فهو الإنسان الذي أريده ومن نزل عن تلك المرتبة فعنده من الإنسانية بحسب ما تبقى له .
وليس في الموجودات من وسع الحق سواه وما وسعه إلا بقبول الصورة ، فهي مجلى الحق والحق مجلى حقائق العالم بروحه الذي هو الإنسان .
الذي هو آخر نوع ظهر ، فأوليته حق وآخريته خلق ، فهو الأول من حيث الصورة الإلهية ، والآخر من حيث الصورة الكونية ، والظاهر بالصورتين ، والباطن عن الصورة الكونية بما عنده من الصورة الإلهية .
وقد ظهر حكم هذا في عدم علم الملائكة بمنزلته مع كون الله قد قال لهم إنه خليفة ، فكيف بهم لو لم يقل لهم ذلك ؟
فلم يكن ذلك إلا لبطونه عن الملائكة ، وهم من العالم الأعلى العالم بما في الآخرة وبعض الأولى ، فإنهم لو علموا ما يكون في الأولى ما جهلوا رتبة آدم عليه السلام مع التعريف، فلا الملك عرف الإنسان الكامل باعتراضه
"أتجعل فيها من يفسد فيها"، لأنه ما شاهده من جميع وجوهه ، ولا الإنسان الحيواني عرفه بعقله من جميع وجوهه ، فجهل الكل الانسان الكامل فجعلوا الحق ، فما عرف الحق إلا الإنسان الكامل .
أما قوله في هذه الفقرة عن الملائكة « ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية » فيفسره قوله : ما رأيت ولا سمعت عن أحد من المقربين أنه وقف مع ربه على قدم العبودة المحضة.
فالملأ الأعلى يقول « أتجعل فيها من يفسد فيها ».
والمصطفون من البشر يقولون "ربنا ظلمنا أنفسنا" ، لأن الملائكة غلب عليها الطبع ولم تحب الخير إلا لنفسها ، وما وافقت الحق فيما أراد أن يظهره في الكون من جعل آدم خليفة في الأرض.
فعرفهم بذلك فلم يوافقوه لحكم الطبع في الطمع في أعلى المراتب ، وقامت لهم صورة الغيرة على جناب الحق والإيثار لعظمته ، و ذهلوا عن تعظيمه ، إذ لو وقفوا مع ما ينبغي له من العظمة لوافقوه ، وما وافقوه ، وإن كانوا قصدوا الخير فقالوا "ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك" ، يعني نحن أولى من هذا ، فرجحوا نظرهم على علم الله في خلقه .
لذلك قال لهم «إني أعلم ما لا تعلمون» فوصفهم بنفي العلم الذي علم الحق من هذا الخليفة مما لم يعلموا ، وأثنوا على أنفسهم ، فمسألتهم جمعت ذلك .
حيث أثنوا على أنفسهم وعدلوها وجرحوا غيرهم ، وما ردوا العلم في ذلك الى الله ، فهذا من بخل الطبع بالمرتبة ، وهذا يؤيد أن الملائكة كما ذهبنا إليه تحت حكم الطبيعة ،وأن لها أثرا فيهم.
الفتوحات المكية  ج1 / 589 , ج2 / 93 , 468 , ج3 / 286   .

قال رضي الله عنه :  (فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه ومعلوم أن هذه الأمور الكلية  "9" وإن كانت معقولة فإنها معلومة العين موجودة الحكم ، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني . فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة. ولا تقبل التفصيل ولا التجزي فإن ذلك محال عليها ؛ فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص شخص من هذا هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة.
وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني قد ثبت، وهي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع- وهو الوجود العيني- وهناك فما ثم جامع. وقد وجد الارتباط بعدم ).
(الجامع فبالجامع أقوى وأحق. ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.  ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر).

9 -  الحقائق الكلية
يقول الشيخ في كتابه إنشاء الجداول والدوائر ص 3، 17، 18 ، 19 - ما يلي بعد الحمد لله والصلاة على النبي الجامع للمبادئ الأول، والمقابل حضرة الأزل، النور الساطع الذي ليس له فيء ، والمستور خلف حجاب ليس كمثله شيء ، ذلك حقيقة الحقائق ، والنشء الأول المبرز على صورة المخلوقات والخالق ، منه من باب الشكل ، ومنه من باب الحقيقة ، ومنه من باب الاسم والوصف ، ومنه من باب الخلائق ، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وشرف وكرم .
اعلم أن الأشياء على ثلاث مراتب لا رابع لها ، والعلم لا يتعلق بسواها .
وما عداها فعدم محض لا يعلم ولا يجهل ، ولا هو متعلق بشيء .
فإذا فهمت هذا فنقول إن هذه الأشياء الثلاثة منها:
ما يتصف بالوجود لذاته ، فهو موجود بذاته في عينه ، لا يصح أن يكون وجوده عن عدم ، بل هو مطلق الوجود ، لا عن شيء فكان يتقدم عليه ذلك الشيء ، بل هو الموجد لجميع الأشياء وخالقها ومقدارها ومفصلها ومديرها .
وهو الوجود المطلق الذي لا يتقيد سبحانه ، وهو الله الحي القيوم العليم المريد القدير ، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
ومنها موجود بالله تعالی وهو الوجود المقيد المعبر عنه بالعالم .
وأما الشيء الثالث فما لا يتصف بالوجود ولا بالعدم ، ولا بالحدوث ولا بالقدم ، وهو مقارن للأزلي الحق أزلا .
فيستحيل عليه أيضا التقدم الزماني على العالم والتأخر كما استحال على الحق وزيادة ، لأنه ليس بموجود ، فان الحدوث والقدم أمر إضافي ، يوصل إلى العقل حقيقة ما .
وهذا الشيء الثالث الذي لا يتصف بالوجود ولا بالعدم مثله في انتفاء الأولية والآخرية بانتفاء العالم ، كما كان الواجب الوجود سبحانه .
وكذلك لا يتصف بالكل ولا بالبعض ، ولا يقبل الزيادة والنقص ، وأما قولنا فيه كما استحال على الحق وزيادة  فتلك الزيادة كونه لا موجودا ولا معدوما ، فلا يقال فيه اول و آخر ، وكذلك لتعلم أيضا أن هذا الشيء الثالث ليس العالم يتأخر عنه أو يحاذيه بالمكان ،إذ المكان من العالم.
وهذا أصل العالم وأصل الجوهر الفرد وفلك الحياة والحق المخلوق به وعن هذا الشيء الثالث ظهر العالم ، فهذا الشيء هو حقيقة حقائق العالم الكلية المعقولة في الذهن ، الذي يظهر في القديم قديما وفي الحادث حادثة، .
فإن قلت هذا الشيء هو العالم صدقت وإن قلت إنه الحق القديم سبحانه صدقت ، وإن قلت إنه ليس العالم ولا الحق تعالی و به معنی زائد صدقت ، كل هذا يصح عليه ، وهو الكلية الأعم الجامع للحدوث والقدم .
وهو يتعدد بتعدد الموجودات ولا ينقسم بانقسام الموجودات ، وينقسم بانقسام المعلومات ، وهو لا موجود ولا معلوم ، ولا هو العالم وهو العالم ، وهو غير ولا هو غير.
هذا الشيء الثالث الذي نحن بسبيله لا يقدر أحد أن يقف على حقيقة عبارته.
فسمه إن شئت حقيقة الحقائق أو الهيولى أو المادة الأولى ، أو جنس الأجناس.
وسمى الحقائق التي يتضمنها هذا الشيء الثالث الحقائق الأول أو الأجناس العالية ، فهذا الشيء الثالث أزلا لا يفارق الواجب الوجود ، محاذيا له من غير وجود عيني.
فاتتفت الجهات والتلقاءات حتى لو فرضناه موجودا ولم نجعله متميزة لاتنفت عنه التلقاءات والإزاءات .
أما عن الحقائق فيقول عنها في الفتوحات الملكية
أما الحقائق فعلى أربعة :
1 - حقائق ترجع إلى الذات المقدسة.
2 - وحقائق ترجع إلى الصفات المنزهة وهي النسب.
3 - وحقائق ترجع إلى الأفعال وهي "كن" وأخواتها .
4 - وحقائق ترجع إلى المفعولات وهي الأكوان والمكونات.

.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:19 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يوليو 28, 2019 7:21 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

شرح أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص الآدمي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية   الجزء الثاني
وهذه الحقائق الكونية على ثلاث مراتب:
1- علوية وهي المعقولات.
2 - و سفلية وهي المحسوسات.
3 - و برزخية وهي المتخيلات
والعبودية لا تشرك الربوية في الحقائق التي بها يكون إلها ، كما أن بحقائقه يكون العبد مألوها ، ۰۰۰ فلو وقع الاشتراك في الحقائق لكان إلها واحدا أو عبدة واحدة أعني عينة واحدة .
وهذا لا يصح ، فلا بد أن تكون الحقائق متباينة ولو نسبت إلى عين واحدة ، ولهذا باينهم بقدمه كما باينوه بحدوثهم ، ولم يقل باينهم بعلمه كما باينوه بعلمهم .
فان فلك العلم واحد ، قديما في القديم محدثا في المحدث ، واجتمعت الحضرتان في أن كل واحد منهما معقولة من ثلاث حقائق - ذات وصفة ورابطة بين الصفة والموصوف .
والحقائق على قسمين :
 حقائق توجد مفردات في العقل كالحياة والعلم والنطق والحس.
وحقائق توجد بوجود التركيب كالسماء والعالم والإنسان والحجر.
الحقائق لا تبذل ،
فالموجودات ظهرت عن أربع حقائق:
 إلهية وهي الحياة
والعلم
والإرادة
والقدرة ،
والأجسام ظهرت عن أربع حقائق:
عن حرارة
وبرودة
ويبوسة
ورطوبة .

والمولدات ظهرت عن أربعة أركان:
 نار وهواء وماء وتراب .
وجسم الإنسان والحيوان ظهر عن أربعة أخلاط:
 صفراء وسوداء ودم و بلغم  
ففي العلم حقائق معقولات سماها معقولات من حيث أنه عقلها لما تميزت عنده فلم يكن لها أن يكون كل واحدة منها عين الأخرى .
 فهي للحق معلومات وللخلق ولأنفسها معقولات .
 ولا وجود لها في الوجود الوجودي ولا في الوجود الإمكاني ، فيظهر حكمها في الحق فتنسب إليه وتسمي أسماء إلهية فينسب إليها من نعوت الأزل ما ينسب إلى الحق.
وتنسب أيضا إلى الخلق بما يظهر من حيكمها، فيه فينسب إليها من النعوت الحدوث ما ينسب إلى الخلق ، فهي الحادثة القديمة والأبدية الأزلية .
الحقيقة هي روح كل حق ...
راجع فتوحات ج1/33 , 53 , 55 , 159 ,739 .  ج2 /162 , ج3/ 430.
. کتاب إنشاء الجداول والدوائر

قال رضي الله عنه : (وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه. "10"
ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به. ولما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شي ء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه.
ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه. "11" فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.
فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا.  وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه. ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع. "12"
وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد.
فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.
فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر.)

10 - (هذا يرد كل ما جاء في فتاوى الإمام ابن تيمية من أن الشيخ لا يفرق بين الحادث والقديم ، وهو يقول في فتاويه « كما يقول صاحب الفصوص » راجع كتابنا « الرد على ابن تيمية ")
11 - (يشير إلى قوله "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق").
12 - (أي حقيقة الخلق تميزت بالأجناس، وحقيقة الإنسانية تميزت بالأشخاص.).

قال رضي الله عنه : (فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.
وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته. ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن، فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا.
ووصف نفسه بالرضا والغضب، وأوجد العالم ذا خوف ورجاء فيخاف غضبه ويرجو رضاه.
ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس.
وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به. فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهنا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته.  فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان.
ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره.
ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.
فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك.
فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا. ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق. "13"
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية. ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها).

13 - قوله تعالى « ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي »
ما أضاف الحق آدم إلى يديه إلا على جهة التشريف والاختصاص على غيره والتنويه، لتعلم منزلته عند الله، فإنه لم يجمع سبحانه لشيء مما خلقه من أول موجود إلى آخر مولود وهو الحيوان بين يديه تعالى إلا الإنسان .
فلما جمع له في خلقه بين يديه ، علمنا أنه أعطاه صفة الكمال ، فخلقه كاملا جامعة ، ولهذا قبل الأسماء كلها ، وقد وردت الأخبار والآيات بتوحيد اليد الإلهية وتثنيتها وجمعها ، وما ثناها إلا في خلق آدم عليه السلام ، وهو الإنسان الكامل ، والتثنية لها درجة الكمال فهي برزخ بين الجمع والإفراد.
فلما أراد الله كمال هذه النشأة الإنسانية جمع لها بين يديه وأعطاها جميع حقائق العالم ، وتجلى لها في الأسماء كلها ، فحازت الصورة الإلهية والصورة الكونية ، وجعلها روحا للعالم .
فلو فارق العالم هذا الإنسان مات العالم ، كما تتعطل الدنيا بمفارقة الإنسان .
راجع الفتوحات ج2/ 4 , 67 , 498. - ج3 / 291.


قال رضي الله عنه : (لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم. "14"
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.
ولذلك قال فيه «كنت سمعه وبصره» ما قال كنت عينه وأذنه: ففرق بين الصورتين.
وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود.
ولكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع. "15"
ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.
و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني).  

14 - الإنسان الكامل والخلافة
لابد للخليفة أن يظهر بكل صورة يظهر بها من استخلفه فلابد من إحاطة الخليفة بجميع الأسماء والصفات الإلهية التي يطلبها العالم الذي ولاه عليه الحق سبحانه ، فجعل الله الإنسان الكامل في الدار الدنيا إماما وخليفة ، وأعطاه علم الأسماء لما تدل عليه من المعاني .
وسخر لهذا الإنسان وبنيه وما تناسل منه جميع ما في السموات وما في الأرض ، فما حصل الإنسان الكامل الإمامة حتى كان علامه ، وأعطي العلامة ، وكان الحق إمامه.
ولا يكون مثله حتى يكون موجها كله ، فكله أمام فهو الإمام ، لا خلفة يحده ، فقد انعدم ضده ، وما اختص آدم بالخلافة إلا بالمشيئة، ولو شاء جعلها فيمن جعلها من خلقه.
لذلك قلنا لا يصح أن تكون إلا في مسي الإنسان الكامل ، ولو جمعها في غير الإنسان من المخلوقات ، لكان ذلك الجامع عين الإنسان الكامل ، فهو الخليفة - بالصورة التي خلق عليها .
الفتوحات ج3/442 ز ج4/45 , 385 , 442.

15 - ظهور العالم على صورة الحق
راجع رقم 3 الحب سبب وجود العالم

قال رضي الله عنه : (فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة.
وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق.  "16"
وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة.
فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.
وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم،"17" واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم،
وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)

16 - الإنسان الكامل جامع لصورة الحق وصورة العالم
راجع رقم 4 خلق الله آدم على صورته

17 - التقوى والوقاية
لما كان المعنى في التقوى أن تتخذ وقاية مما ينسب إلى المتقي ، فإذا جاءت النسبة حالت الوقاية بينها وبين المتقي أن تصل إليه فتؤذيه ، فتلقتها الوقاية ، فلا أحد أصبر على أذى من الله .
وهي تحتاج إلى میزان قوي لأمور عوارض عرضت للنسبة تسمى مذمومة ، فيقبلها العبد ولا يجعل الله وقاية أديا ، فكل ما ينسب إلى المخلوق فهو فيه نائب عن الله .
فإذ وقع محمودا نسب إلى الله لأجل المدح ، فإن الله يحب أن يمدح ، كذا ورد في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإن تعلق به ذم أو لحق به عيب لم ينسبه إلى الله ، هذا هو الأدب الإلهي الذي أدب به الله رسوله صلى الله عليه وسلم .
وليس الأدب خاصة، بأحد دون أحد ، فمن قبله سعد وكان ممن أدبه الله وانتمي إلى الله في الأدب ، وهو أحسن الأدب ، لاسيما فيما ينسب إلى الجناب الإلهي .
فلا ينبغي للأديب أن يتكل على المعنى، بل الأدب مراعاة الألفاظ فمن أدب الشريعة أدب الإضافة.
وكذلك فعل العالم العدل الأديب خضر "العبد الصالح الخضر عليه السلام" ، فكنی عن نفسه في إرادة العيب فقال:
"فأردت أن أعيبها" ، تنزيها أن يضيف إلى الجناب العالي ما ظاهره ذم في العرف والعادة .
وقال في المحمود « فأراد ربك » في حق اليتيمين .
وقال في موضع الحمد والذم « فأردنا » بنون الجمع ، لما فيه من تضمن الذم من قتل الغلام بغير نفس ، ولما فيه من تضمن الحمد في حق ما عصم الله بقتله أبويه .
فقال « فأردنا » وما أفرد ولا عين ، فالعارف يلزمه الأدب أن يضيف إلى الله كل محمود عرفا وشرعا، ولا يضيف إليه ما هو مذموم عرفا وشرعا، إلا أن جمع مثل قوله: "قل كل من عند الله" وكل يقتضي العموم والإحاطة ، وقوله: «فألهمها فجورها وتقواها» فالكشف والدليل يضيف إليه كل محمود ومذموم ، فإن الذم لا يتعلق إلا بالفعل ، ولا فعل إلا الله لا لغيره ، فالعارف في بدل الغلط ، فإن عقله يخالف قوله ، فقوله في المذموم ما هو له (أي ليس للحق ) ويقول في عقده وقلبه هو له ( الله خالق كل شيء ) عند قوله بلسانه ما هو له .
ج1/ 205 ,  ج2 / 158 , 481. ج4 / 67,247,319.


قال رضي الله عنه : (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه:
القبضة الواحدة فيها العالم،والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه."18"
قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: )

18 - يدي الحق
يقول الشيخ رضي الله عنه في عروجه الروحاني واجتماعه بآدم عليه السلام : فالتفت فإذا أنا بين يديه وعن يمينه من نسم بنیه عینی ، فقلت له هذا أنا ، فضحك ، فقلت له فأنا بين يديك وعن يمينك.
قال نعم هكذا رأيت نفسي بين يدي الحق حين بسط يده ، فرأيتني وبني في اليد ورأيتني بين يديه. فقلت له فما كان في اليد الأخرى المقبوضة ،قال العالم.
قلت له فيمين الحق تقضي بتعيين السعادة .
قال نعم تقضي بالسعادة ، فقلت فقد فرق الحق لنا بين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال .
فقال لي يا ولدي ذلك يمين ابيك وشماله ، ألا ترى نسم بني على يميني وعلى شمالي ، وكلتا يدي ربي يمين مباركة ، فبني في يميني وفي شمالي ، وأنا وبني في يمين الحق ، وما سوانا من العالم في اليد الأخرى الإلهية .
الفتوحات ج3 / 345.
قال رضي الله عنه : (حكمة إلهية في كلمة أدمية ، وهو هذا الباب .
ثم حكمة نفثية في كلية شيئية .
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية .
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .
ثم حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .
ثم حكمة حقية في كلمة إسحاقية .
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية .
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية .
ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية .
ثم حكمة أحدية في كلية هودية .
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية .
ثم حكمة قلبية في لمة شعيبيئة .
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية .
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية .
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية.
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية .
ثم حكمة نفسية في كلمة بونسية .
تم حكمة غيبية في كلمة أيوبية .
ثم حكمة جلالية في كلمة يحياوية .
ثم حكمة مالكية في كلمة زكریاوية .
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .
ثم حكمة إحسانية كلمة لقمانية .
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية .
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية .
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية .
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية .
وفص كل حكمة الكلمة التي ننسب إليها . فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب . فامتثلت ما رسم لي ، ووقفت عند ما حدا لي ، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت ، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره . ومن ذلك :  ).
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:18 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يوليو 28, 2019 7:30 pm

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

شرح أ.محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص الشيثي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية    الجزء الأول

قال رضي الله عنه : (اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين:
منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معيَّن وعن سؤال غير معيّن.
ومنها ما لا يكون عن‏ سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعيَّن كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعيِّن أمراً ما لا يخطر له سواه وير المعيّن كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف.
والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
والصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال‏، فيقول: فلعل‏ ما نسأله فيه‏ سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم اللَّه ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمانٍ فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان.
ولو لا ما أعطاه الاستعدادُ السؤالَ ما سأل.
فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون‏ فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إِلا بالاستعداد. و هم صنفان: صنف يعلمون مِنْ قبولهم استعدادَهم.
وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتَمُّ ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.
ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإِمكان، وإِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ».
فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، وإِنما همته في امتثال أوامر سيِّده.
فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك )

1- وجه المناسبة في تسمية هذا الفص
هو الإفصاح عن كون العلم تابعا للمعلوم وهو من العلوم التي حصلها الشيخ عن طريق النفث في الروع وهذا العلم موروث من شيث عليه السلام .
فإنه أول نبي علم هذا العلم  
قال رضي الله عنه : (فرفعه اللَّه عنهم. و التعجيل بالمسئول‏ فيه‏ و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، و إِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا و إِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا."2"
وأما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال.
فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال.
وإِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء.
فهم‏ قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم‏.
ومن هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم‏ علم اللَّه به من أين حصل.
وما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر."3"
وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملًا، و منهم من يعلمه مُفَصَّلًا.
و الذي يعلمه مفصلًا أعلى و أتم من الذي )
قال رضي الله عنه : (يعلمه مجملًا، فإِنه يعلم ما في علم اللَّه فيه إِما بإِعْلام اللَّه إِياه بما أعطاه عينُه من العلم به، و إما أن يكشف له عن‏ عينه الثابتة و انتقالات الأحوال عليها إِلى‏ ما لا يتناهى‏ و هو أعلى. فإِنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم اللَّه به لأن الأخذ من معدن واحد إِلا أنه من جهة العبد عناية من اللَّه سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا).

2 - إجابة الحق
الدعاء نداء وهو تأيد بالله فأجابه هذا القدر الذي هو الدعوة وبه سمي داعية أن يلبيه الحق فيقول لبيك ، فهذا لابد منه من الله في حق كل سائل ، ثم ما يأتي بعد هذا النداء فهو خارج عن الدعاء ، وقد وقعت الإجابة كما قال
- راجع الفتوحات ج4 / 177.

3 - العلم تابع للمعلوم
ليس سر القدر الذي يخفى عن العالم عينه الا اتباع العلم المعلوم ، فلا شيء أبين منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه ، وهذه مسألة عظيمة دقيقة ما في علمي أن أحدا نبه عليها إلا إن كان وما وصل إلينا ، وما من أحد إذا تحققها يمكن له إنكارها ، وفرق يا أخي بين كون الشيء موجودا فيتقدم العلم وجوده ، وبين كونه على هذه الصورة في حال عدمه الأزلي ، فهو مساوق للعلم الإلهي به ومتقدم عليه بالرتبة .
لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فإن المعلوم متقدم بالرتبة على العلم وإن تساوقا في الذهن من كون المعلوم معلوما ، لا من كونه وجودا أو عدما ، فإنه المعطي العالم العلم .
فاعلم ما ذكرناه فإنه ينفعك ويقويك في باب التسليم والتفويض للقضاء والقدر الذي قضاه حالك ، فلو لم يكن في هذا الكتاب « الفتوحات المكية » إلا هذه المسألة لكانت كافية لكل صاحب نظر سدید و عقل سلیم .
واعلم أن الله تعالى ما كتب إلا ما علم ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هي عليه في أنفسها ما يتغير منها وما لا يتغير ، فيشهدها كلها في حال عدمها على تنوعات تغييراتها إلى ما لا يتناهی ، فلا يوجدها إلا كما هي عليه في نفسها ، فمن هنا تعلم علم الله بالأشياء معدومها وموجودها ، وواجبها وممكنها ومحالها ، ومن هنا إن عقلت وصف الحق نفسه بأن له الحجة البالغة لو توزع .
فإنه من المحال أن يتعلق العلم إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه ، فلو احتج أحد على الله بأن يقول له علمك سبق فيه بأن أكون على كذا فلم تواخذني ، يقول له الحق هل علمتك إلا بما أنت عليه ؟
فلو كنت على غير ذلك لعلمتك على ما تكون عليه ، ولذلك قال « حتى تعلم » فارجع إلى نفسك وأنصف في كلامه ، فإذا رجع العبد على نفسه ونظر في الأمر كما ذكرناه علم أنه محجوج، وأن الحجة لله تعالى عليه.
أما سمعته تعالى يقول: « وما ظلمهم الله" "وما ظلمناهم" .
وقال « ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، كما قال « ولكن كانوا هم الظالمين » يعني أنفسهم .
فإنهم ما ظهروا لنا حتى علمناهم وهم معدومون إلا بما ظهروا به في الوجود من الأحوال ، فعندنا ما كانت الحجة البالغة لله على عباده إلا من كون العلم تابعا للمعلوم ما هو حاكم على المعلوم.
فإن قال المعلوم شيئا كان الله الحجة البالغة عليه بأن يقول له ما علمت هذا منك إلا بكونك عليه في حال عدمك ، وما أبرزتك في الوجود إلا على قدر ما أعطيتني من ذاتك بقبولك ، فيعرف العبد أنه الحق فتندحض حجة الخلق ، فلا نزال نراقب حكم العلم فينا من الحق حتى تعلم ما كنا
فيه ، فإنه لا يحكم فينا إلا بنا.
فمن وقف في حضرة الحكم وهي القضاء على حقيقتها شهودا علم سر القدر ، وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء ، فما جاءها شيء من خارج ، "ولا ينكشف هذا السر حتى يكون الحق بصر العبد" ، فإذا كان بصر العبد بصر الحق نظر الأشياء ببصر الحق، حينئذ انكشف له علم ما جهله، إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء ، ومن وقف على سر القدر ،" وهو أن الإنسان مجبور في اختياره "، لم يعترض على الله في كل ما يقضيه و يجريه على عباده وفيهم ومنهم ، وهذا يشرح ما ذكره الشيخ في كتابه المشاهد القدسية من أن الحق قال له « أنت الأصل وأنا الفرع ".
وعلامة من يعلم سر القدر هو أن يعلم أنه مظهر ، وعلامة من يعلم أنه مظهر ، أن تكون له مظاهر حيث شاء من الكون كقضيب البان ، فإنه كان له مظاهر فيما شاء من الكون حيث شاء من الكون.
وإن من الرجال من يكون له الظهور فيما شاء من الكون لا حيث شاء ، ومن كان له الظهور حيث شاء من الكون كان له الظهور فيما شاء من الكون.
فتكون الصورة الواحدة تظهر في أماكن مختلفة ، وتكون الصور الكثيرة على التعاقب تلبس الذات الواحدة في عين المدرك لها ، ومن عرف هذا ذوقا .
كان متمكنا من الاتصاف بمثل هذه الصفة ، وهذا هو علم سر القدر الذي ينكشف لهم .
راجع الفتوحات ج2 / 2 , 13 .  ج4/ 16 , 70 , 74 , 182 , 235.


قال رضي الله عنه : (الكشف إِذا أطْلَعَه اللَّه على ذلك، أي أحوال عينه، فإِنه ليس في وسع المخلوق‏ إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نِسَب ذاتية لا صورة لها."4"
فبهذا القدْر نقول إِن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه‏ المساواة في إِفادة العلم.
ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب."5"
وغاية المنزه أن يجعل‏ ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى)  


4 - راجع فص (8) علم الافتقار إلى الله بالله .  وفص ( 14) هامش (7) تعلق القدرة بالمقدور
5 -  قوله تعالى « حتى نعلم » راجع هامش (3) .

قال رضي الله عنه : ( أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات. وبهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود.  ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية.
فأما المِنَح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا عن تجل إِلهي.
والتجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي‏ له وغير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه.
كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي‏ ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة. هذا أعظم ما قَدَرَ عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إِليه.
وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإِذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق.
فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في‏ أعلى من هذا الدرج‏ فما هو ثَمَّ أصلًا، وما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته‏ أسماءه وظهور أحكامها وليست سوى عينه. "6" فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه )

6 - وحدة الوجود - المرايا
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :
وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه .
والمعلوم الآخر العام المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا وهو المحال ،
والعلوم الثالث هو البرزخ الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممكن ، وسبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته .
وذلك أن العدم المطلق قام للوجود المطلق كالمرآة فرأي الوجود فيه صورته فكانت تلك الصورة عين الممكن ، فلهذا كان للممكن عين ثابتة وشيئية في حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .
ولهذا أيضا اتصف بعدم التناهي فقيل فيه إنه لا يتناهی ، وكان أيضا الوجود المطلق كالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق في مرآة الحق نفسه .
فكانت صورته التي رأي في هذه المرأة هو عين العدم الذي اتصف به هذا الممكن ، وهو موصوف بأنه لا يتناهی كما أن العدم المطلق لا يتناهی ، فاتصف الممكن بأنه معدوم ، فهو كالصورة الظاهرة بين الرائي والمرأة ، لا هي عين الرائي ولا غيره
وقد علمنا أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا ، كما تحدث صورة المرئي في المرآة ، ينظر الناظر فيها، فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها، ولا يدري ما يحدث فيها .
ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة .
ونظرك فيها مثل قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » وهو قصدك النظر « أن نقول له كن » وهو بمنزلة النظر « فیكون » وهو بمنزلة الصورة التي تدركها عند نظرك في المرآة ،.
ثم إن تلك الصورة ما هي عينك الحكم صفة المرآة فيها من الكبر والصغر والطول والعرض ، ولا حكم لصورة المرآة فيك فما هي عينك ولا عين ما ظهر ممن ليس أنت من الموجودات الموازية لنظرك في المرآة ، ولا تلك الصورة غيرك ، لما لك فيها من الحكم .
فإنك لا تشك أنك رأيت وجهك ، ورأيت كل ما في وجهك ظهر لك بنظرك في المرآة من حيث عين ذلك لا من حيث ما طرأ عليه من صفة المرآة ، فما هو المرئي غيرك ولا عينك ، كذلك الأمر في وجود العالم الحق .
أي شيء جعلت مرآة أعني حضرة الأعيان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تكون الأعيان الثابتة الله مظاهر ، فهو حكم المرآة في صورة الرائي ، فهو عينه وهو الموصوف بحكم المرآة ، فهو الظاهر في المظاهر بصورة المظاهر.
أو يكون الوجود الحق هو عين المرآة ، فترى الأعيان الثابتة من وجود الحق ما يقابلها منه ، فترى صورتها في تلك المرآة و يترائي بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حيث ما هي المرآة عليه ، وإنما ترى ما ترى من حيث ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان .
وكما لا يشك الناظر وجهه في المرآة أن وجهه رأي ، وبما للمرآة في ذلك من الحكم يعلم أن وجهه ما رأى .
فهكذا الأمر فانسب بعد ذلك ما شئت كيف شئت ، فإن الوجود للعين الممكنة كالصورة التي في المرآة ، ما هي عين الرائي ولا غير الرائي ، ولكن المحل المرئي فيه به و بالناظر المتجلي فيه ظهرت هذه الصورة ، فهي مرآة من حيث ذاتها والناظر ناظر من حيث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها .
كالمرأة إذا كانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه .
علمنا أن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة ، ولما لم يتأثر ولم تكن تلك الصورة هي عين المرأة ولا عين الناظر ، وإنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة ، علمنا الفرق بين الناظر وبين المراة وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها ، ولهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .
وإذا كانت في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى ، تعرفه إني وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أين اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن كلف .
وعلمت من أنت ومن ربك وأين منزلتك ، وأنك المفتقر إليه سبحانه وهو الغني عنك بذاته.
فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، وليس في الوجود إلا هو ، ولا يستفاد الوجود إلا منه، ولا يظهر الموجود عين إلا بتجليه.
فالمرأة حضرة الإمكان والحق الناظر فيها والصورة أنت بحسب إمكانيتك ، فإما ملك وإما فلك وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال .
كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان والتجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود والمرآة تكسبها الأشكال ، فيظهر الملك و الجوهر والجسم والعرض ، والإمكان هو هو لا يخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح ، فقل في العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفة وعلما .
راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.

قال رضي الله عنه :  ( "والعجز عن درك الإدراك إِدراك""7"، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه. )

7 - العجز عن درك الإدراك إدراك
لا يعلم الممكن من الحق إلا نفس الممكن
جعل الصديق العلم بالله هو لا دركه ، يقول رسول الله مع في دعائه وثنائه على ربه عز وجل « لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك » والحيرة من توالي التجليات باختلاف أحكامها إلى ما لا نهاية يوقف عندها ، فلا تعلم الإنية الإلهية ، ولا يصح أن تتجلى الهوية ، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في مقام الحيرة و كان من رجاله « العجز عن درك الإدراك إدراك » أي إذا علمت أن ثم من لا تعلم فذلك هو العلم بالله تعالی .
وأعلم الممكنات لا يعلم موجده إلا من حيث هو ، فنفسه علم و من هو موجود عنه ، غير ذلك لا يصح ، لأن العلم بالشيء يؤذن بالإحاطة به والفراغ منه ، وهذا في ذلك الجناب محال ، فالعلم به محال ، ولا يصح أن يعلم منه ، لأنه لا يتبعض ، فلم يق العلم إلا بما يكون منه ، وما يكون منه هو أنت، فأنت المعلوم ، فإن قيل عالمنا بليس هو كذا ( أي العلم بالسلوب ) علم به.
قلنا نعوتك جردته عنها لما يقتضيه الدليل من في المشاركة ، فتميزت أنت عندك عن ذات مجهولة لك من حيث ما هي معلومة لنفسها ، ما هي تميزت لك ، لعدم الصفات الثبوتية التي لها في نفسها .
فافهم ما علمت وقل رب زدني علما ، لو علمته لم يكن هو ولو جهلك لم تكن أنت ، فبعلمه أوجدك ، و بعجزك عبدته ، فهو هو لهو لا لك ، وأنت أنت لأنت وله ، فأنت مرتبط به ما هو مرتبط بك .
الدائرة مطلقة مرتبطة بالنقطة ، النقطة مطلقة ليست مرتبطة بالدائرة ، نقطة الدائرة مرتبطة بالدائرة ، كذلك الذات مطلقة ليست مرتبطة بك ، ألوهية الذات مرتبطة بالمألوه كنقطة الدائرة.
للزيادة راجع كتابنا شرح كلمات الصوفية من 127 الى 130.
الفتوحات ج1/ 46 , 51 , 94 , 271 . ج2/ 619 , 641 .  ج3/ 371 , 429 , 555 . ج4/ 283 .

قال رضي الله عنه : (وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي‏ الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء.
فإِن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً.
فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإِن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه و لا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى. وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إِليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم‏ فيهم، وفي تأبير النخل.
فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شي‏ء وفي كل مرتبة، وإِنما نظرُ الرجال إِلى التقدم في رتبة العلم باللَّه: هنالك مطلبهم. "8" .
قال رضي الله عنه : (وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.
و لمَّا مثّل النبي صلى اللَّه عليه و سلم . النبوة بالحائط من اللَّبِن و قد كَمُلَ سوى موضع لبنَة، فكان صلى اللَّه عليه و سلم تلك اللبنة. غير أنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يراها كما قال لبِنَةً واحدةً. وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه )
قال رضي الله عنه : (الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، و يرى في الحائط موضع لبنَتين‏، واللّبِنُ  من ذهب و فضة.فيرى اللبنتين اللتين‏ تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء)

8 ۔ كون الرسل لا يرون العلم تابعة لمعلوم إلا من مشكاة خاتم الأولياء *
هذه المسألة هي أم المشكلات في كتاب فصوص الحكم وكانت أساس إنكار كثير من العلماء على الشيخ الأكبر رضي الله عنه ، واضطر القليل منهم ممن يعتقدون الشيخ رضي الله عنه إلى تأويل ما جاء في هذه الفقرة ، ومنهجنا في هذه المسألة وجميع المعضلات هو الاعتماد والرجوع إلى ما قاله الشيخ فيها عسى أن يفسر بعضها بعضا .
ومعلوم أن الفتوحات المكية وهي السفر الأعظم والأم لجميع كتب الشيخ هي بخط يده فكل كلام في كتاب لا يكون بخط الشيخ مهما ثبتت نسبته إلى الشيخ فإن الأصول العلمية تثبت كلام الشيخ في الفتوحات وترد كل ما جاء في غيره من الكتب مما يخالفها وتثبت ما جاء في هذه الكتب مما يوافق ما جاء في الفتوحات ، ولتحقيق هذه المسألة نبدأ فنقول :
أخطأ كثير من منتقدي الشيخ مثل الإمام ابن تيمية وغيره حين قالوا ونسبوا إلى الشيخ أنه يقول « إنه أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم وأنه ممد لخاتم الأنبياء والرسل بالعلم بالله » ، فإطلاقهم لكلمة العلم لا أساس له من الصحة حتى إذا ثبت ما في الفصوص بهذا الخصوص ، فإنه قيد العلم هنا بمسألة معينة وهي كون العلم تابعا للمعلوم في الحادث والقديم.
ولهذا يعجزهم الدليل على ما قالوه أو نسبوه إلى الشيخ رضي الله عنه ، ولو أنصف العالم ونظر فيما جاء في قصة موسی كلیم الله تعالى عليه السلام والخضر ، وقول موسى عليه السلام للخضر و" هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا ".
وما جاء في الحديث الصحيح من قول الحق لموسى عليه السلام في حق الخضر "لي عبد هو أعلم منك" ، بأفعل التفضيل .
ولا يقول أحد من أهل الإيمان بأن الخضر أفضل من موسى عليه السلام كلیم الله وأحد الرسل الخمسة أولي العزم ، ولهذا قال العلماء إن الخصوصية لا تقتضي الأفضلية ، فكيف إذا ثبت أن الشيخ عين مسألة واحدة من العلوم التي لا حصر لها وأن الله تعالی خصه بها .
أما عن العلم الذي انفرد به الشيخ عن الأولياء خاصة فهو علم أنه « جميع العلوم باطنة في الإنسان بل في العالم كله » وفي ذلك يقول في الفتوحات ج2/ 686 .
"وهذا العلم خاصة انفردت به دون الجماعة في علمي ، فلا أدري هل عثر عليه غيري وكوشیف به أم لا من جنس المؤمنين أهل الولاية لا جنس الأنبياء ، فرحم الله عبدا بلغه أن أحدا قال بهذه المسألة عن نفسه كما فعلت أنا أو عن غيره فيلحقها بكتابي هذا في هذا الموضع استشهادا لي فيما ادعيته ، فإني أحب الموافقة وأن لا أتفرد بشيء دون أصحابي" .
أما عن مسألة كون « العلم تابعا للمعلوم » فيقول في الفتوحات ج4/ 235 , ج2/ 63.
« من وقف في حضرة الحكم وهي القضاء على حقيقتها شهودا ، علم سر القدر وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء فما جاءها شيء من خارج ، ولا ينكشف هذا السر حتى يكون الحق بصر العبد ، فإذا كان بصر العبد بصر الحق نظر الأشياء ببصر الحق ، حينئذ انكشف له علم ما جهله ، "إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء » اهـ.
لهذا لم يشر الشيخ أنه اختص بهذا العلم ولا ذكر كما ذكر في غيره من العلوم «أنه لم پر له ذائقا » من أهل الولاية ، فإنه يعلم أن مقام المحبوبية قد حصله كثير من الأولياء قبله وبعده .
فما بالك بالأنبياء والرسل عليهم السلام ، لذلك نراه رضي الله عنه يقول عن الأنبياء والرسل خاصة ما هذا نصه: الفتوحات ج2/ 24 .
« ان شرط أهل الطرق فيما يخبرون عنه من المقامات والأحوال أن يكون عن ذوق ، ولا ذوق لنا ولا لغيرنا ولا لمن ليس بنبي صاحب شريعة في نبوة التشريع ولا في الرسالة .
فكيف تتكلم في مقام لم نصل إليه ، وعلى حال لم نذقه لا أنا ولا غيري ممن ليس بنبي ذي شريعة من الله ولا رسول ، حرام علينا الكلام فيه فما تكلم إلا فيما لنا فيه ذوق ، فما عدا هذين المقامين فلنا الكلام فيه عن ذوق لأن الله ما حجره ».
الفتوحات ج2/ 51 ,84 , 85.
«لا ذوق لأحد في ذوق الرسل » "إني لست بنبي فذوق الأنبياء لا يعمله سواهم" الفتوحات ج4/ 75. "لا ذوق لنا في مقامات الرسل عليهم السلام".
ويقول في رسالة اليقين « المتبوع يزاحم المتبوع ، والتابع يزاحم التابع، لا التابع يزاحم المتبوع ۰۰. فيقابل النبي بالنبي والصاحب بالصاحب والصديق بالصديق ، ولا تخلط بين الحقائق فتكون من الجاهلين".
هذا ما ورد عن الشيخ رضي الله عنه في حق الأنبياء والرسل عامة وإليك ماكتبه بخط يده في هذه المسألة عن خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم الفتوحات ج1/ 151
أما القطب الواحد فهو روح محمد ، وهو الممد لجميع الأنبياء والرسل سلام الله عليهم أجمعين و الأقطاب من حين النشء الإنساني إلى يوم القيامة .
الفتوحات ج1/ 143.  - جاء الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بعلوم ما قالها أحد سواه .
الفتوحات ج1/ 144 .  - قوله صلى الله عليه وسلم " علمت علم الأولين" ، وهم الذين تقدموه د "والآخرين" ، وهو علم ما لم يكن عند المتقدمين ، وهو ما تعلمه أمته من بعده إلى يوم القيامة.
الفتوحات ج1/ 214.  - دخل في هذا العلم علم الأولين والآخرين كل معلوم معقول ومحسوس مما يدركه المخلوق .
الفتوحات ج1/ 696 – تقرر أنه صلى اللَّه عليه وسلم  أعلم الخلق بالله ، والعلم بالله لا يحصل إلا من التجلي ... محمد صلى اللَّه عليه وسلم هو أكمل العلماء بالله .
الفتوحات ج2/ 171  - كان صلى اللَّه عليه وسلم من أعظم مجلى إلهي علم به علم الأولين والآخرين ، ومن الأولين علم آدم بالأسماء ، وأوتي محمد صلى اللَّه عليه وسلم و جوامع الكلم ، وكلمات الله لا تنفد .
الفتوحات ج3/ 142 - وأما منزلته ( محمد صلى اللَّه عليه وسلم) في العلم فالإحاطة بعلم كل عالم بالله من العلماء به تعالی متقدميهم ومتأخريهم فلا فلك أوسع من فلك محمد صلى اللَّه عليه وسلم  فإن له الإحاطة ،وهي لمن خصه الله بها من أمته بحكم التبعية.
الفتوحات ج3/ 143 - أعطى هذا السيد منزلة الاختصاص بإعطائه مفاتيح الخزائن ، والخصلة الثانية أوتي جوامع الكلم ، والكلم جمع كلمة ، وكلمات الله لا تنفد ، فأعطى علم ما لا يتناهی ، فعلم ما يتناهی بما حصره الوجود ، وعلم ما لم يدخل في الوجود وهو غير متناه ، فأحاط علما بحقائق المعلومات وهي صفة إلهية لم تكن لغيره .
الفتوحات ج3/ 456  - كل شرع ظهر وكل علم إنما هو ميراث محمدي في كل زمان و رسول ونبي من آدم إلى يوم القيامة ولهذا أوتي جوامع الكلم ومنها علم الله آدم الأسماء كلها .
يقول الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات ج 3 ص 496 في تقسيم الرحمة الإلهية : ما أدري لماذا ترك التعبير عنه أصحابنا ، مع ظني بأن الله قد كشف لهم عن هذا ، وأما النبوات فقد علمت أنهم وقفوا على ذلك وقوف عين ،ومن نور مشكاتهم عرفناه.
فهل يصح نسبة ما جاء هنا في هذا الفص إلى الشيخ مع وضوح النصوص بكلمة « الإحاطة بعلم كل عالم بالله » و « كل علم إنما هو میراث محمدي » وهو نص في الاستغراق ، وقوله : « ومن نور مشكاتهم عرفناه » !!! . .
ويقول في الفتوحات ج2  ص 613 : اعلم أن جميع ما يحويه هذا المنزل من العلوم لا يوصل إليها إلا بالتعريف الإلهي بوساطة روحانية الأنبياء لهذا المكاشف .
وتلك الأرواح لا تعلمها من الله إلا بوسائط لغموضها ودقتها .
فأين إمداد روحانية خاتم الولاية المحمدية هنا للأولياء فضلا عن الأنبياء ؟!
ولو شاء الشيخ رضي الله عنه لنص على ذلك في مثل هذا الموطن.
أما عن مكانة ختم الولاية المحمدية التي ينص الشيخ رضي الله عنه أنها له ونسبة هذا الختم من رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم مع ففي ذلك يقول رضي الله عنه في الفتوحات ج3 ص 514 : علمت حديث هذا الختم المحمدي بفاس من بلاد المغرب سنة أربع وتسعين وخمسمائة ، عرفني به الحق وأعطاني علامته ولا أسميه ، ومنزلته من رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم منزلة شعرة واحدة من جسده ، ويؤكد الشيخ ذلك في خطبة كتاب الفتوحات في ج1 ص2
حيث يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في الرؤيا « قم یا محمد عليه ( الضمير يعود على المنبر ) فاثن على من أرسلني وعلي" ، فإن فيك شعرة مني لا صبر لها عني » (راجع كتابنا ترجمة حياة الشيخ ص243 ) .
فمن كان شعرة من رسول الله . فهل يعقل أن يمده بعلم ما ؟
أو ينسب إلى نفسه مثل ذلك ؟
وقد علم الشيخ ما يتعلق بهذا المقام عام 594 هـ وألف فيه كتاب عنقاء مغرب قبل عام 596 هـ. ثم جاء على ذكره مفصلا في الفتوحات المكية التي انتهى من تأليفها عام 635 هـ .
فلا يعقل أن يتجاهل مثل هذا الأمر في هذه الكتب كلها حتى يذكره في الفصوص عام 627 هـ. ولذا نراه يقول عن عروجه الروحي المعنوي إلى سدرة المنتهى في الفتوحات ج3/ 350 . « كانت لي بذلك البشري بأني محمدي المقام من ورثة جمعية محمد صلى الله عليه وسلم فإنه آخر مرسل وآخر من إليه تنزل ، آتاه جوامع الكلم وخص بست لم يخص بها رسول أمة من الأمم ، فعم برسالته لعموم ست جهاته ، فمن أي جهة جئت لم تجد إلا نور محمد ينفهق عليك . فما أخذ أحد إلا منه ولا أخبر رسول إلا عنه » اهـ.
ثم يقول فيما استفاده من علوم "ورأيت فيها علم ما يرى الإنسان إلا ما كان عليه" ، أي أن العلم تابع للمعلوم .
الفتوحات ج1/ 195 - يقول عن عيسى عليه السلام - خاتم الأولياء في آخر الزمان يحكم بشرع محمد صلى الله عليه وسلم  أمته وليس يختم إلا ولاية الرسل والأنبياء وختم الولاية المحمدي يختم ولاية الأولياء لتميز المراتب بين ولاية الولي وولاية الرسل .
الفتوحات ج4/ 282  - يقول عن الختم المحمدي - المحمدي ختم الله به ولاية الأولياء المحمديين ، أي الذين ورثوا محمدا صلى الله عليه وسلم ، وعلامته في نفسه أن يعلم قدر ما ورث كل ولي محمدي من محمد صلى الله عليه وسلم ، فيكون الجامع علم كل ولي محمدي الله تعالى ،وإذا لم يعلم هذا فليس بختم.
ما جاء في الفتوحات  ج1/ 151 ,195 . ج3/ 350 , ج4/ 282 . يعارض تماما ما جاء في هذا الفص من أن روح شيث هو الممد لهذا العلم وأن من روح الخاتم تكون المادة لجميع الأرواح ، كما لا يخفى هذا التناقض في العبارة من كون روح شیث وروح الخاتم هو الممد ولا يكون الممد إلا واحدا هو الأصل .
وكان النص على أن الخاتم الولي يجب أن يعلم قدر ما ورث كل ولي محمدي من محمد صلى الله عليه وسلم  مع لا أنه الممد.
كما فرق بين ولاية الأنبياء والرسل وولاية الأولياء ، وشتان بين من يعلم ومن يمد ، لذلك نراه رضي الله عنه يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه « عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب » المؤلف بعد عام 590 هـ.
في باب لؤلؤة امتداد الرقائق من الحقيقة المحمدية إلى جميع الحقائق : تراه يقول - فكانت رقيقته مع في دورة الملك إلى هلم جرا إلى الأبد أصلا لجميع الرقائق ، وحقيقته ممدة في كل زمان إلى جميع الحقائق ، فهو الممد و لجميع العالم من أول منشأه إلى أبد لا يتناهی ، مادة شريفة مكملة لا تضاهي .
- وهذا يوافق تماما ما ذكرناه من الفتوحات ج1/ 151.  المؤلف عام 599 هـ إلى 635 هـ. ويعارض تماما ما جاء في هذا الفص في هذه المسألة من كتاب فصوص الحكم المؤلف عام 627 هـ .
وكيف يصح نسبة قوله « ومن روح الخاتم تكون المادة لجميع الأرواح » وهو رضي الله عنه الذي يقول فيما لا يعلم «لا أعلم » ويطلب ممن يعلم أن يثبت ذلك في كتابه - راجع ترجمة حياة الشيخ لنا ص 194 - 195.

لذلك نجد أن الكلام في ص 49 من قوله [ حتى أن الرسل متى رأوه ] إلى قوله في ص 50 [ فتحقق ما ذكرناه ] غير موجود في كتاب المسائل لمؤلفه اسماعیل بن سودكين كما تلقاها من الشيخ في المسألة رقم 24 وهي تطابق قوله في ص 49 [ ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة (الخاتم للولاية)]
- بدلا مما ورد في هذا الفص ( الولي الخاتم ) . وهذا الذي جاء في كتاب المسائل يؤكد ما جاء في الفتوحات الملكية ج1/ 190.  
وقد أشرنا إليه ولذلك لا تجد إشارة إلى مسألة ختم الولاية في كتاب نقش الفصوص إسماعيل بن سودكين وفيه اختصار الفصوص مما يدل على أن الكلام في هذا الموضوع مدرج في الفص.
ونراه رضي الله عنه يقول في الفتوحات ج3/ 520 :
عن آدم وإدريس ونوح وإبراهيم ويوسف وهود وصالح وموسى وداود وسليمان ويحيى وهارون وعيسى ومحمد سلام الله عليهم وعلى المرسلين ، يقول لكل واحد ممن ذكرنا طريق يخصه وعلم ينصه وخبر يقصه ويرثه من ذكرناه ممن ليست له نبوة التشريع وإن كانت له النبوة العامة ، ولهم من الأسماء الإلهية الله والرب والهادي والرحيم والرحمن والشافي والقاهر والمميت والمحيي والجميل والقادر والخالق والجواد والمقسط ، كل اسم إلهي من هذه ينظر إلى قلب نبي ممن ذكرنا .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:16 am عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يوليو 28, 2019 7:41 pm

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

شرح أ.محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص الشيثي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية    الجزء الثاني

وكل نبي يفيض على كل وارث ، فالنبي كالبرزخ بين الأسماء والورثة ، وعين لهؤلاء الأنبياء من الأرواح النورية أربعة عشر روما من أمر الله ، ينزلون من الأسماء التي ذكرناها على قلوب الأنبياء ، وتلقيها.
حقائق الأنبياء عليهم السلام على قلوب من ذكرناه من الورثة ، ويحصل للفرد الواحد من الأفراد وراثة الجماعة المذكورة ، فياخذون علم الورث عن طريق المذكورين من الأرواح الملكية والأنبياء البشريين ، ويأخذون بالوجه الخاص من الأسماء الإلهية علوما لا يعلمها من ذكرناه سوی محمد صلى الله عليه وسلم فإن له هذا العلم كله لأنه أخبر أنه قد علم علم الأولين وعلم الآخرين.
هذا هو الثابت بخط يد الشيخ في المواطن المتعددة كلها وهو يخالف ما جاء في الفصوص ، ومع هذا فالوقوف بالأدب أولى في حضرة الإطلاق للحضرة الإلهية ، وأنه لا تحجي على فضل الله ، يختص برحمته من يشاء فإذا كان الذي ذكره الشيخ في الفصوص ثابت الصحة إلى الشيخ فيكون من هذا الباب ، وليس ذلك على الله بعزيز.
أما عن الشاهدين المذكورين في هذه المسألة وهما فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم ، وفي تأبير النخل ، استدلالا على أن الكامل لا يلزم أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة .
فلننظر ما قاله الشيخ في هذين الشاهدين ، في الفتوحات ج1/ 144 , 523 . ج3/ 139 .
وفي قبول الكامل ما يشير به الأنقص في المسألة التي هو أعلم بها : إن الإمام لا يقتني العلوم من فكره ، بل لو رجع إلى نظره الأخطاء فإنه نفسه ما اعتادت إلا الأخذ عن الله ، وما أراد الله لعنايته بهذا العبد أن يرزقه الأخذ من طريق فكره فيحجبه ذلك عن ربه .
فإنه في كل حال يريد الحق أنه يأخذ عنه ما هو فيه من الشؤون في كل نفس ، فلا فراغ له ولا نظر لغيره ، فكان ما حدث في هاتين الحادثتين، لأن ذلك كله لم يكن عن بوحي إلهي فإنه صلى الله عليه وسلم ما تعود أن يأخذ العلوم إلا من الله ، لا تنظر له إلى نفسه في ذلك .
وهو الشخص الأكمل الذي لا أكمل منه ، فما ظنك بمن هو دونه . اهـ.
وهل يغيب عن الشيخ رضي الله عنه أن هذه المسألة ليست من أمور الدنيا فلا يستقيم الاستشهاد ، كما أن ما أتي به الخضر عليه السلام لا يتعلق بالإلهيات ، بل هو من سر القدر المتعلق بأمور الدنيا .

التعقيب على الشيخ محمود محمود الغراب رحمه الله :
يقول العبد لله مستعينا بالله تعالى : لما كانت الفكرة المتسلطة على الشيخ محمد محمود الغراب رحمه الله وهو رجل مخلص محب للشيخ بذل عمره فى شرح وتفسير علوم الشيخ الأكبر ولكن لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة يتوقف أمامها متحيرا .
ان فصوص الحكم من كلام الشيخ الأكبر دونها أبو المعالي صدر الدين القنوي باسم "فصوص الحكم" والشيخ القنوي لم يشرح الفصوص وإنما فك بعض المصطلحات والمعاني و أول تفسير كامل شامل كان تلميذه المقرب الشيخ مؤيد الدين الجندي وكذلك أخيه في الطريقة ورفيقه في الصحبة والتعلم منه وقد التقيا الشيخ ابن سبعين في مصر سويا في رحلاتهم من مكة  ومن أوصى له بكتبه ومكتبة مخطوطاته من بعده الى الشيخ عفيف الدين التلمساني الذي تتلمذ على يد الشيخ الأكبر نفسه و مدون اسمه في السماع للفتوحات المكية وهو له شرح جميل على فصوص الحكم  لا يكتبه الا عارف مكاشف راسخ القدم في المعاني والمعارف.
فهل احد الآن يقتنع أن الشيخ صدر الدين القنوي والشيخ مؤيد الدين والشيخ عفيف تآمروا على الشيخ الأكبر كذبوا وزوروا و دلسوا أوراقا وأسموها فصوص الحكم ؟؟!!. مستحيل عقلا ونقلا.
كتاب فصوص الحكم شرحها المئات من أكابر الأولياء و العلماء المشهورين الراسخين والمشهود لهم بالولاية والرسوخ فى العلوم والمعارف في حياتهم وبعد إنتقالهم للرفيق الأعلى. فهل كل هؤلاء الأولياء والعلماء اصابتهم الغفلة والجهل لدرجة عدم التمييز بين الحقيقي والمزيف والأكاذيب ؟؟!! محال عقلا ومنطقأ.
وهو دائم الشك ويسر ليستشهد بصوص لا تتطابق مع ما يستشهد به بعرفها كل منصف يبحث هادئا وليس صاحب رأي مسبق غير صحيح .
"کون الرسل لا يرون العلم تابعا لمعلوم إلا من مشكاة خاتم الأولياء"
قال عنها : " هذه المسألة هي أم المشكلات في كتاب فصوص الحكم وكانت أساس إنكار كثير من العلماء على الشيخ الأكبر رضي الله عنه "
فالأمر واضح جلي لو صبر وأكمل القراءة لوجد إجابة الشيخ الأكبر تفسير هذا في الفقرات التي تليها .وبداية فك هذا اللغز "وإِن تأخر وجود طينته ".
"فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، وإِن تأخر وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود " صورته في السماء بروحه  منذ يوم ألست بربكم "، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين».
وغيره من الأنبياء ما كان نبياً إِلا حين بُعِثَ.
وكذلك خاتم الأولياء كان ولياً وآدم بين الماء والطين.
وغيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد».
فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته‏ مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي.
وخاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل "يقصد العلوم والإمداد من حضرة الحق تعالى مباشرة بدون أي واسطة " المشاهد للمراتب.
"وبالرغم من كل ماسبق إلا ان حقيقة ختم الأوليا في مقامه ومرتبته " وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم.
الخلاصة :
كل ما استدل به من الفتوحات وغيرها لا محل لها هنا في هذا المقام لأن الشيخ يتكلم تعين ومراتب إلهية اختص بها الله عباد مخصوصين من عباده الرسل والأنبياء والأولياء  كجنود لله ليكونوا خلفاء لله في وظائف عرفها لهم وأمدهم بها والأمثلة على الإختصاص لا تعد ولا تحصى في عطاءات الله تعالى الرسل والأنبياء والأولياء .
فختم الأولياء مصدر من مصادر الإمداد الإلهية بالتعيين المباشر من الله تعالى لانها إرادته سبحانه فهو جندي وعبد لله تعالى استعمله فى هذه الوظيفة .
فختم الأولياء مع كل ما أعطي وعلو مقامه إلا انه هو حسنة من حسنات خاتم المرسلين محمد صلى اللَّه عليه وسلم يعني رغم كل مصدره الأصلي مازال تابعا لرسول الله صلى اللَّه عليه وسلم منذ ألست بربكم إلى يوم يبعثون . فلا يساويه ولا يضاهيه ولا يملك إلا أن يكون تابعا الى رسول الله بالأصالة وليس بأدب التواضع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالأنبياء والأولياء الذين أمدهم الله من روح ختم الأولياء حتى ولو لم يكن جسمه "شبيحته الأرضية قد ولدت بعد " وهي التي ولدت وظهرت في مرسية سنة 560 هـ رضي الله عنه .
فإن أصله السماوي "صورته فى السماء وروحه" منذ ألست بربكم عينها الله تعالى فى هذه الوظيفة أو التكليف أو الخلافة وأمدها بما يلزمها لتؤديها وقد أدها وما زال يؤديها حتى الآن وعرفها لكل للناس بنشرها في فصوص الحكم كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم لينتفعوا بها يعلموا عظم قدر الله سبحانه وكيف نظم ملكه وسلطانه وعين جنودة وكيف يعملون في خلافاتهم في الملك والملكوت .
وكنا سمعنا كثير من كبار الأولياء قالوا لبعد تلاميذهم المتميزين أعرفك واتابعك منذ يوم ألست بربكم .. ومن كشف له الله عن حقيقته عرف ربه وفهم كل شيئ فرحم الخلق ولم يجري عليه الغضب إلا لله لأنه أصبح عارفا بالله .
ولا يمكن ان يختلف العارفين الراسخين المحققين بحقيقتهم من كلام الشيخ أبدا لأنه عاشها كلها لحظة بلحظة وذكره الله تعالى بها وكشف له الحقيقة منذ ألست بربكم وحتى يومه هذا ومنهم من يعرف غده أيضا وحتى يوم يبعثون منهم من يعرفها إجمالا بالنهايات ومنهم من يعلمها تفصيلا وهو الأعلى في هذا الكشف و العلم.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

قال رضي الله عنه :  (تينك اللبنتين. فيكمل الحائط. "9" والسبب الموجِب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة،وهو ظاهره وما يتبعه فيه)
قال رضي الله عنه :  (من الأحكام، كما هو آخذ عن‏ اللَّه في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر عَلَى ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإِنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إِلى الرسول.
فإِن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شي‏ء.
فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، وإِن تأخر وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين». وغيره من الأنبياء ما كان نبياً إِلا حين بُعِثَ.
وكذلك خاتم الأولياء كان ولياً وآدم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد».
فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته‏ مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي.
وخاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب.
وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة.  فعيّن حالًا خاصاً )


9 - مبشرة بخاتم الأولياء الخاص
رأيت رؤيا لنفسي وأخذتها بشرى من الله ، فإنها مطابقة لحديث نبوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين ضرب لنا مثله في الأنبياء عليهم السلام.
فقال صلى الله عليه وسلم : « مثلي في الأنبياء كمثل رجل بنى حائطا فأكمله إلا لبنة واحدة فكنت أنا تلك اللبنة فلا رسول بعدي ولا نبي » فشبه النبوة بالحائط والأنبياء باللبن التي قام بها هذا الحائط، وهو تشبيه في غاية الحسن فإن مسمى الحائط هنا المشار إليه لم يصح ظهوره إلا باللبن ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  خاتم النبيين، فكنت بمكة سنة تسع وتسعين وخمسمائة أری فیما یری النائم الكعبة مبنية بلبن فضة وذهب .

لبنة فضة ولبنة ذهب ، وقد كملت بالبناء وما بقي فيها شيء ، وأنا أنظر إليها وإلى حسنها ، فالتفت إلى الوجه الذي بين الركن اليماني والشامي ، هو إلى الركن الشامي أقرب ، فوجدت موضع لبنتين ، لبنة فضة ولبنة ذهب ، ينقص من الحائط في الصفين .

في الصف الأعلى ينقص لبنة ذهب وفي الصف الذي يليه ينقص لبنة فضة ، فرأيت نفسي قد انطبعت في موضع تلك اللبتين ، فكنت أنا عين تينك اللبنتين ، وكمل الحائط ولم يبق في الكعبة شيء ينقص ، وأنا واقف أنظر ، وأعلم أني واقف ، وأعلم أني تينك اللبتين ، لا أشك في ذلك وأنهما عين ذاتي واستيقظت.
فشكرت الله تعالى ، وقلت متأولا : إني في الأتباع في صنفي كرسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنبياء عليهم السلام ، وعسى أن أكون ممن ختم الله الولاية بي ، وما ذلك على الله بعزيز ، وذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ضربه المثل بالحائط وأنه كان تلك اللبنة ، فقصصت رؤياي على بعض علماء هذا الشأن، بمكة من أهل توزر ، فأخبرني في تأويلها بما وقع لي وما سميت الرائي من هو.
راجع الفتوحات ج1/ 318


قال رضي الله عنه : ما عمم."10" وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإِن الرحمن ما شفع‏ عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين.
ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام "11" الخاص. فمن فهم المراتب والمقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
وأما المنح الأسمائية فاعلم‏ أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني.
وإِما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكرِهِ الذي يعقب شربه الراحةُ، وهو عطاء إِلهي، فإِن العطاء الإلهي لا يتمكن إِطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء. 
فتارة يعطي اللَّه العبد على يدي الرحمن فيَخْلُصُ العطاء من الشوب الذي‏ لا يلائم الطبع في الوقت أوْ لا يُنِيلُ الغرض وما أشبه ذلك.
وتارة يعطي اللَّه‏ على يدي الواسع فيعم، أو على‏ يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب‏، فيعطي ليُنْعِمَ لا يكون مع الواهب‏ تكليف المعطَى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي‏ الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي‏ الغفار فينظر المحل وما هو عليه.
فإِن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوماً ومعتنى به ومحفوظاً وغير ذلك مما شاكل هذا النوع. و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه.
فما يخرجه‏ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ‏ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «ف أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ‏» على يدي العدل وإِخوانه‏.
وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. وعلى الحقيقة فما ثَمَّ إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النِّسَبِ والإضافات التي يكنَّى عنها بالأسماء الإلهية.
والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إِلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك‏ الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم‏ عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإِن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميُّز الأسماء. فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي‏ء يتكرر)

10 ۔ قوله : " فعين حالا خاصا ما عمم " .
يتناقض تماما ما جاء في الفتوحات الباب الثاني عشر عن دورة السيادة وهي فلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأن من سيادته صلى الله عليه وسلم علم الأولين والآخرين .
- راجع الفتوحات ج1/ 144. / 1 والباب بأكمله (۰)


""التعقيب على الشيخ محمد محمود الغراب رحمه الله :
الشيخ الأكبر يتحدث هنا عن إرادة الله سبحانه في الإختيار والتعين لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم للمقام المخصوص بالشفاعة ولا يتكلم عن العلم أو المعارف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الكلام هنا عن إرادة الحق بإختيار رسول الله لهذا المقام كإختار المولى عز وجل للمقام المحمود ولا علاقة له بالعلوم والمعارف هنا. فالإستلال بكلام الشيخ من الفتوحات لا محل له فى هذا المقام . ولا تعارض بين الفتوحات وفصوص الحكم .


11 - راجع هامش رقم 10
قال رضي الله عنه : ( أصلًا. هذا هو الحق الذي يعوَّل عليه. و هذا العلم كان علم شيث عليه السلام، و روحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روحَ الخاتم‏ فإِنه لا يأتيه المادة إِلا من اللَّه لا من روح من الأرواح "12"، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، و إِن كان لا يَعْقلُ ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري.
فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري.
فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قَبِلَ الأصلُ الاتصاف بذلك، كالجليل و الجميل‏ ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخِر و هو عينه ليس‏ غير.
فيعلَم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد. وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة اللَّه.
فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونِسَبِهَا، فإِن اللَّه وهبه لآدم أول ما وهبه: وما وهبه إِلا منه لأن الولد سرُّ أبيه. فمنه خرج وإِليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن اللَّه. وكل عطاء في الكون على هذا المجرى.
فما في أحد من اللَّه شي‏ء، وما في أحد من سوى نفسه شي‏ء وإِن تنوعت عليه الصور"13"وما كل )

12 - راجع هامش رقم 8 .


13 - جميع العلوم باطنة في الإنسان بل في العالم كله
اعلم أن الإنسان قد أودع الله فيه علم كل شيء ثم حال بينه وبين أن يدرك ما عنده مما أودع الله فيه ، وما هو الإنسان مخصوص بهذا وحده ، بل العالم كله .
فإن كل جوهر في العالم يجمع كل حقيقة في العالم ، كما أن كل اسم إلهي مسمی بجميع الأسماء الإلهية ، وهو سر من الأسرار الإلهية التي ينكرها العقل ويحيلها جملة واحدة.
وقربها من الذوات الجاهلة في حال علمها قرب الحق من عبده ، ومع هذا القرب لا يدرك ولا يعرف إلا تقليدا ولولا إخباره ما دل عليه عقل .
وهكذا جميع ما لا يتناهى من المعلومات التي يعلمها ، هي كلها في الإنسان وفي العالم بهذه المثابة من القرب ، وهو لا يعلم ما فيه حتى يكشف له عنه مع الآثات.
ولا يصح فيه الكشف دفعة واحدة لأنه يقتضي الحصر ، وقد قلنا إنه لا يتناهى فليس يعلم إلا شيئا بعد شيء إلى ما لا يتناهى ، وهذا من أعجب الأسرار الإلهية أن يدخل في وجود العبد ما لا يتناهی كما دخل في علم الحق ما لا يتناهی من المعلومات.
وعلمه عين ذاته، والفرق بین تعلق علم الحق بما لا يتناهى وبين أن يودع الحق في قلب العبد ما لا يتناهی ، أن الحق يعلم ما في نفسه وما في نفس عبده تعیینا وتفصيلا.
والعبد لا يعلم ذلك إلا مجملا ، وليس في علم الحق بالأشياء إجمال مع علمه بالإجمال من حيث أن الإجمال معلوم للعبد من نفسه ومن غيره ، فكل ما يعلمه الإنسان دائما .
وكل موجود فإنما هو تذكر على الحقيقة وتجديد ما نسيه ، فالعبد أقامه الحق في وقت ما مقام تعلق علمه بما لا يتناهی .
وليس بمحال عندنا ، وإنما المحال دخول ما لا يتناهى في الوجود لا تعلق العلم به ، ثم إن الخلق أنساهم الله ذلك كما أنساهم شهادتهم بالربوبية في أخذ الميثاق مع كونه قد وقع منهم ، وعرفنا ذلك بالإخبار الإلهي .
فعلم الإنسان دائما إنما هو تذكر ، فمنا من إذا ذكر تذكر أنه قد كان علم ذلك المعلوم و نسيه ، ومنا من لم يتذكر ذلك مع إيمانه به أنه قد كان يشهد بذلك ، ويكون في حقه ابتداء علم .

ولولا أنه عنده ما قبله من الذي أعلمه ولكن لا شعور له بذلك ، ولا يعلمه إلا من نور الله بصيرته ، وهو مخصوص بمن ماله الخشية مع الأنفاس ، وهو مقام عزيز لأنه لا يكون إلا لمن يستصحبه التجلي دائما ، وهذا العلم خاصة انفردت منه دون الجماعة في علمي ». الفتوحات ج2/ 686 .
وهذا النص يناقض ما جاء في هذا الفص مما نسب إلى الشيخ من أن العلم الذي اختص به هو كون العلم تابعا للمعلوم .



قال رضي الله عنه :(أحد "يعرف" هذا، وأَنَّ الأمر على ذلك، إِلا آحاد من أهل اللَّه.
فإِذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل اللَّه تعالى.
فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقِي إِليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه‏ ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره. فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه،)  "14"


14 - أما قول الشيخ في هذا الفص « فمن شجرة نفسه جني ثمرة علمه » فهو قوله في عروجه المعنوي إلى سدرة المنتهى الفتوحات ج2/ 686.
"ورأيت فيها ما يجني الإنسان إلا ثمرة غرسه لا غير" .
ولكن الذي يلاحظ هنا هو التعارض الواضح بين قول الشيخ
« وهذا "العلم" خاصة انفردت به دون الجماعة في علمي »
وبين ما ورد في الفص « وما كل أحد "يعرف" هذا وأن الأمر على ذلك إلا آحاد من أهل الله ».


""التعقيب على الشيخ محمد محمود الغراب رحمه الله :
الشيخ محمد محمود اختلط عليه الأمر في الفرق الكبير بين العلم و المعرفة .
فالعلم : هو تعلم كل ما لم تكن تعلم عنه شيئا أي صفر معلومة او يسبقه الجهل وخاصة اذا أشار الى العلم من الله او رسل الله.
" وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا " 31 البقرة , " قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا " 32 البقرة
" وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) " سورة البقرة
البقرة , " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) "  البقرة
" وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) " آل عمران
"وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ " 114 النساء  
" وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) " الأعراف
" قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) " الأعراف
" فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) " الكهف
" يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) " مريم
" الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ". سورة العلق

أما المعرفة : هو تذكر ما نسيت او كنت تعرفه من قبل او تتذكر ما حجب عنك اى لك به علم مسبق سواء كان علما تاما او جزئي مثل بوم "ألست بربكم" يوم الميثاق كلنا حضرناه وكلنا حجبه الله عنا والعارف من يذكره الله او يكشف له عنه فيتذكر ما كان يعلمه .
"فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ "89 سورة البقرة.
" وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ " سورة الأعراف
"وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)" سورة يوسف .
"اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ ..(62)" سورة يوسف.
" سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا " 93 سورة النمل.
"يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ .. (59)" سورة الأحزاب
" أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)" سورة المؤمنون
" وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) " سورة محمد
"وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) "سورة محمد  
"يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) " سورة الرحمن
"فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ..(3)" سورة التحريم
" تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) " سورة المطففين "

والشيخ فى الفصوص يتكلم عن المعرفة "وما كل أحد "يعرف" هذا وأن الأمر على ذلك إلا آحاد من أهل الله "
والشيخ فى الفتوحات يتكلم عن العلم "وهذا العلم خاصة انفردت به دون الجماعة في علمي " فالمقارنة خطأ والإستشهاد هنا غير جائز لعدم التطباق في الوجه المقارن فيما كتبة الشيخ ""


قال رضي الله عنه : (كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيرَه، إِلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إِليه تنقلب‏ من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيراً أو المستطيلة مستطيلًا، والمتحركة متحركاً.
وقد تعطيه‏ انتكاس صورته من حضرة خاصة، وقد تعطيه عينَ ما يظهر منها فتقابل اليمينُ منها اليمينَ من الرائي، وقد يقابل اليمينَ اليسارَ وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: وبخرق العادة يقابل اليمينُ اليمينَ ويَظهر الانتكاس. "15"
وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلَّى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا. فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إِلا بعد القبول، وإِن كان يعرفه مجملًا.
إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير.
والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة. و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني.
وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها.
ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب.
فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة.

15 - راجع هامش رقم 6

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:15 am عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يوليو 28, 2019 7:52 pm

03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

شرح أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص النوحي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية   الجزء الأول

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. و لكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق و الرسل صلوات الله عليهم و هو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت.
و هو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، و لا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان. فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل )

1 - المناسبة في تسمية هذه الحكمة
في أن الحكمة تبحث في العقائد بما فيها من التنزيه ونوح عليه السلام هو أول الرسل فهو أول مبلغ وموضح للعقائد ، قال الله تعالى " وإن من شيء إلا يسبح بحمده " والتسبيح تنزيه فناسب التنزيه الرسالة فنسبت الى نوح عليه السلام ، لمقام الأولية .
وأعلم أن هذه الحكمة لا يفهمها القارئ إلا أن علم ما يقصده الشيخ بالتفسير من باب الإشارة ، كما جاء في الجزء الأول من الفتوحات الملكية في الباب الخامس في ص 115:  لأهل الجمال وأهل الوصال ، ويوضح بذلك حظ الأولياء من إطلاق الذم كما جاء في:
الفتوحات ج1 ص 226 , 358 , 359 . ج2  ص 135 , 136 , 482 , 687. وقد أوضحنا ذلك كله في كتابنا شرح كلمات الصوفية من ص 392 إلى ص 418 - فليراجع هناك
يبدأ الشيخ رضي الله عنه هذه الحكمة ببحث في العقائد يتناول فيها ملخصا رأي المنزهة ورأي المشبهة والمجسمة .
وقد تناول رضي الله عنه هذا البحث في الفتوحات المكية بالتفصيل والإفاضة ، فذكر قولا جامعا مختصرا. في ج2  ص 219 ،
ثم توسع في ذكر العقيدة في الفتوحات المكية :
ج1 ص 34 , 36 , 88 , 89 , 90 91, 92 ,93 ,95 ,96 ,345 ,349 .
ج2 ص ,175 ,288 290, 292 ,306, 432 ,483,555, 665 .
ج3  ص 58 ,81 90, 483 ,484, 536 .
ج4  ص 3 ,7, 73, 175 ,209  , 319, 350 409 , 411 . 
ولقد غاب كل من حاول فك رموز هذا الفص عن نص الشيخ فيه وهو قوله « "والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الأفكار » فإذا أردت أن تعلم ما هي المشاهدة فيراجع كلام الشيخ في الفتوحات المكية :
ج1 ص 609 , 610 , 621 , 650 .   ج2 ص 48 , 132 , 496 , 567 .  ج3 ص 213 , 396 .     ج4 ص 192 , 396 .
وكتاب التدبيرات الإلهية .. وكتاب ذخائر الأعلاق ..   وكتاب مواقع النجوم .
والفرق بين الرؤية والمشاهدة في الفتوحات المكية ج 4 ص 369 ، 373.
وأختصر لك بعض ما جاء في هذه المعاني من قول الشيخ رضي الله عنه إذ يقول : إعلم أن المكاشفة متعلقها المعاني والمشاهدة متعلقها الذوات ، فالمشاهدة للمسمى والمكاشفة لحكم الأسماء ، فالمكاشفة تلطف الكثيف ، والمشاهدة تكثف اللطيف .
فما من أمر تشهده إلا وله حكم زائد على ما وقع عليه الشهود لا يدرك إلا بالكشف ، فإن أقيم لك ذلك الأمر في الشهود من حيث ذاته صحب ذلك المشهود حكم ولابد يدرك إلا بالكشف ، هكذا أبدا ، فالمكاشفة إدراك معنوي ، فهي مختصة بالمعاني ، فيدرك بالكشف ما لا يدرك بالشهود ، ويفصل الكشف ما هو مجمل في الشهود ، ولذلك فإن المكاشفة أتم من المشاهدة .
لذلك فان هذا الفص مختص بمشاهدة تجليات أسماء التنزيه والتشبيه في مجالي ممثلة في حضرة التمثيل .
وما يعقب ذلك من أثر في العقيدة عند الأولياء على اختلاف طبقاتهم وميراثهم من الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ومعلوم أن الشيخ يستخدم الرمز واللغز لأقرب مناسبة في الاعتبار ، فنجده يشير إلى هذه التجليات وأثرها من باب الإشارة والرمز في قول نوح عليه السلام لقومه ، فجعل دعوته إسرارا والليل لمجلى التنزيه في صورة مثالية ، وجعل دعوته قومه جهارا والنهار لمجلى التشبيه في صورة مثالية ، وجعل كلمة البيت من قوله عليه السلام د لمن دخل بيتي ». إشارة إلى القلب ، إلى غير ذلك من الرموز والألغاز التي لا يفهمها إلا أهلها ، وكذلك جعل حظ الأولياء من الصفات المذمومة في هذه الحكمة.
ولا يعرف هذا إلا من قرأ ما أورده الشيخ في مثل هذه الصفات:
للكافرين والظالمين الفتوحات المكية ج2 ص 136
والضالين الفتوحات المكية  ج2 ص 137 .
ثم أخذ الشيخ يقارن بين الأولياء ورثة الأنبياء من حيث التنزيه والتشبيه وبين الأولياء المحمديين الذين ورثوا محمدا مع من حيث التنزيه في عين التشبيه ، والتشبيه في عين التنزيه ، مستدلا على ذلك بقول الله تعالى فيما أنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم " ليس كمثله شيء".
وهي جزء من آية جمعت التنزيه والتشبيه في عين واحدة ، وإن شئت قلت في لفظة واحدة .
وقد ذكر شرحه مطولا في الفتوحات المكية في الجزء الأول في ثلاثة عشر موضعا وفي الجزء الثاني في أربعة عشر موضعا.
وفي الجزء الثالث في خمسة عشر موضعا .
وفي الجزء الرابع في ستة مواضع ، واختصر ذلك كله في هذا الفص . .
وزاد الشيخ في لغز هذا الفص بأن جعل وصف الأولياء وارثي الأنبياء متداخلا مع وصف الأولياء المحمديين ، مما زاد في تعقيد هذه الحكمة وغموضها ، ولو قرأ القارىء الفص مفصلا حظ كل واحد منهما كان الرمز واللغز أقل تعقيدا .
وقد أشرنا إلى ذلك بوضع ما للأولياء غير المحمديين بين قوسين ( ) وأشرنا إلى الجمل المعترضة ، فلو قرأها القاريء برفع ما بين الأقواس ، لاتضح له أسلوب الشيخ في الرمز مبسطا .
وعلاوة على ما نذكره في شرح هذا الفص فلكي يفهم ما رمزه الشيخ في هذا الفص يجب على الطالب أن يقرأ ما ذكره الشيخ من أمور تتعلق بهذا الفص :
مثل العلم بالإلهيات ( راجع كتابنا ترجمة حياة الشيخ ص 171)
وغرض الشيخ من مصنفاته ( نفس المصدر ص 201 )
ومعنى الحيرة عند الشيخ ( راجع كتابنا الرد على ابن تيمية من ص 50 الی ص 59 )۰
يقرأ القارىء ما بين ( ) القوسين ما يخص ورثة الأنبياء وما هو خارج عن القوسين متصلا للأولياء المحمديين .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
(وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته.
فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه.
ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».
وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك.
والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».
(وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك.
والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
(وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور. فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق. "2" ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثنى والمثنى عليه )


2 -  كل نطق في العالم ثناء على الله تعالی  
يقول الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات المكية ج3  ص 266 ، ج4 ص 221.
من حضرة الفتاح يعلم العبد أن كل نطق في العالم كان ذلك النطق ما كان ، مما يحمد أو يذم ، أنه تسبيح بوجه الله بحمده ، أي فيه ثناء على الله لا شك في ذلك ،
ومثل هذا العلم بحمد الله حصل لنا من هذه الحضرة ، ولكن ما يعرف صورة تنزيله علما بحمد الله والثناء عليه إلا من اختصه الله بوهب هذه الحضرة على الكمال ، فیسب إنسان إنسانا ، وهو عند هذا السامع صاحب هذا المقام تسبيح بحمد الله ، فيؤجر السامع ، ويأثم القائل والقول عينه.

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
(فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو"3": بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
(قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وقال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد.)

3 - « فما أنت هو » من حيث عينه وهويته « بل أنت هو » من حيث أنه خلقك على صورته - راجع فص (1) هامش (4)۔ « وتراه في عين الأمور مسرحا » وهو قوله تعالى : « ليس كمثله شيء » « فعال لما يريد » « ولو شاء » فهي حضرة الإطلاق « ومقيدا » يريد قوله تعالى : « كتب ربكم على نفسه الرحمة » « أوفوا بعهدي أوف بعهدكم » وما جاء من صفات التشبيه .
قال تعالى : « ليس كمثله شيء » فنزه وذلك باعتبار الكاف هنا زائدة ، أي ليس مثله شيء ، فنزه ، " وهو السميع البصير" فشبه ، فإن السمع والبصر معلوم لنا ، ومن وجه آخر "ليس كمثله شيء" ، فشبه وثني باعتبار الكاف هنا كان التشبيه، أي ليس مثل مثله شيء ، فشبه بالمثل وثني أيضا بالمثل .
هو قوله : "خلق الله آدم على صورته " « وهو السميع البصير » فنزه وأفرد ، أي لا سميع ولا بصير إلا هو، فنزهه عن سمع وبصر المحدثات ، وأفرد نفسه بالسمع والبصر ، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله .
راجع الفتوحات المكية :
ج1 ص  43 , 64 , 90  , 97 , 194 , 220 , 271 , 290 , 351 , 366  ,405 , 609 , 626 .
ج2 ص 141 , 167 , 174 , 211 , 219 , 290 , 291 , 470 , 618  ,537 , 588 , 661 , 662 , 692 .
ج3 ص 35 , 55 , 109 , 121 , 149 , 165 , 290 , 298 , 312 , 325  ,371 , 387 , 384 , 453 , 534 .
ج4 93 , 94 , 95 , 135 , 350 , 411 .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». وقال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
(فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن.
ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد.
فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.
(ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب.
«ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا.
ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم.
لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك.
ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم.
فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
(فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه  يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. "5" «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري. والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر. «إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين «و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا).

5 - العين واحدة والحكم مختلف
ما يعرف الله إلا الله فاعترفوا    …… العين واحدة والحكم مختلف
                                                    الفتوحات ج1 / 185 .
فالله والرب والرحمن والملك     ….. حقائق كلها في الذات تشترك
فالعين واحدة والحكم مختلف     …… لذا بدا الجسم والأرواح والفلك
                                              الفتوحات ج3 / 310.
فالعين واحدة والحكم مختلف       ….. وذاك سر لأهل العلم ينكشف
                                        الفتوحات ج3 / 430
والعين واحدة والحكم مختلف      ….. إذا تنوعت الأرواح والصور
                                               الفتوحات ج2 / 392
فالعين واحدة والحكم يختلف      ….. والقائلون بذا قوم لهم نظر
                                             الإسفار عن نتائج الأسفار ص 55
فالعين واحدة والحكم للنسب   …… والعين ظاهرة والكون للسبب
                                                 الفتوحات ج3 ص 525  
والعين واحدة والحكم مختلف    ….. والعبد يعبد الرحمن معبود
                                                الفتوحات ج2 ص 484
من الزوائد أن تعلم أن حكم الأعيان ليس نفس الأعيان ، وأن ظهور هذا الحكم في وجود الحق، وينسب إلى العبد بنسبة صحيحة، وينسب إلى الحق بنسبة صحيحة فزاد الحق من حيث الحكم حكما لم يكن عليه ، وزاد العين إضافة وجود إليه لم تكن يتصف به أزلا .
قال تعالى : « كل يوم هو في شأن » أحوال إلهية في أعيان كيانية بأسماء نسبية عينتها تغييرات كوئية ، فتجلى أحدي العين في أعيان مختلفة الكون ، فرات صورها فيه ، فشهد العالم بعضه بعضا ، في تلك العين ، فمنه المناسب وهو الموافق . ومنه غير المناسب وهو المخالف.    الفتوحات المكية ج2 ص 521 , 305 .
راجع وحدة الوجود - المرايا - فص 2 هامش رقم 4  .


يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه. فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف.) (وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله"6"
«ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله»)

6. ملك الملك
تسمية الحكيم الترمذي الحق « ملك الملك ، راجع « كتابتا شرح كلمات الصوفية من ص 359 - 362، واقتبس بعض ما قاله الشيخ في ذلك وهو قوله :
لا تصح هذه الإضافة إلا بتحقق العبد في كل نفس أنه ملكه الله تعالى من غير أن يتخلل هذا الحال دعوى تناقضه .
فإذا كان بهذه المثابة حينئذ يصدق عليه أنه ملك عنده، فإن شابته رائحة من الدعوى وذلك بأن يدعى لنفسه ملكا، عريا عن حضوره في تمليك الله إياه ذلك الأمر الذي سماه ملكا له وملكا .
لم يكن في هذا المقام ولا صح له أن يقول في الحق أنه ملك الملك .
وإن كان كذلك في نفس الأمر : فقد أخرج هذا نفسه بدعواه بجهله أنه ملك لله وغفلته في أمر ما ، فيحتاج صاحب هذا المقام إلى میزان عظيم لا یبرح بیده و نصب عينه
إذا خلص القلب من جهله       ….. فما هو إلا نزول الملك
تملكني     وتملكته       ….. فكل لصاحبه قد ملك
فكوني ملكا له بيتن       ….. وملكي له قوله هيت لك
تملكني من حيث أني مقید به ، وتملكته من حيث أنه ليس للأسماء ظهور إلا في الممكن .
فإني لو لم آخذها لم يظهر لها أثر إذ لا أثر في القدم ولا في القديم.


يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهذا عين المكر،«على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا".)
(فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين. "7"
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله. "8"  في المحمديين: «وقضى )

7 - حشر المتقين إلى الرحمن
سمع أبو يزيد البسطامي قارئا يقرأ هذه الآية «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فبكی حتی ضرب الدمع المنبر ، بل روى أنه طار الدم من عينيه حتى ضرب المنبر ، وصاح وقال د یا عجبا كيف يحشر إليه من هو جلیسه .
إن المتقي ما هو جليس الرحمن ، إنما هو جليس الجبار المريد العظيم المتكبر ، فيحشر المتقي إلى الرحمن ليكون جليسه ، فيزول عنه الإتقاء ، فإن الرحمن لا يتقى بل هو محل موضع الطمع والإدلال والأنس ، فليس العجب إلا من قول أبي يزيد ؛ لأن المتقي جليس الجبار فيتقي سطوته ، والإسم الرحمن ما له سطوة من كونه الرحمن .
إنما الرحمن يعطي اللين والعطف والعفو والمغفرة ، فلذلك يحشر إليه من الاسم الجبار الذي يعطي السطوة الإلهية ، فإنه جليس المتقين في الدنيا ، مع كونهم متقين ، فالمتقي ذاكر الله ذكر حذر ، فلما حشر الى الرحمن ، وهو مقام الأمان مما كان فيه من الحذر ، فرح بذلك واستبشر ، فكان دمع أبي يزيد دمع فرح ، كیف
حشر منه إليه ، حين حشر غيره إلى الحجاب.
الفتوحات ج1 ص 511 .  ج2 ص 212 , 213.

8 - مشاهدة الحق في كل اعتقاد
لله رجال أعطاهم الله الفهم والاتساع وحفظ الأمانة أن يفهموا عن الله جميع إشارات كل مشار إليه ، وهم الذين يعرفونه في تجلي الإنكار ، والشاهدون إياه في كل اعتقاد ، والحمد لله الذي جعلنا منهم إنه ولي ذلك
قال تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " أي حكم ، وقضاء الحق لا يرد . والعبادة ذلة في اللسان المنزل به هذا القرآن ، قال تعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" ، فإن العبادة ذاتية للمخلوق لا يحتاج فيها إلى تكليف .
فكما قال : « يا أيها الناس أتم الفقراء إلى الله » ولم يذكر افتقار مخلوق .لغير الله ، قضى أن لا يعبد غير الله ، فمن أجل حكم الله عبدت الآلهة ، فلم يكن المقصود بعبادة كل عابد إلا الله ، فما عبد شيء لعينه إلا الله .
وإنما أخطأ المشرك حيث نصب لنفسه عبادة بطريق خاص لم يشرع له من جانب الحق ، فشقي لذلك .
فإنهم قالوا في الشركاء « ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله » فاعترفوا به وأنزلوهم منزلة النواب الظاهرة بصورة من استنابهم .
وما ثم صورة إلا الألوهية فنسبوها إليهم ، فكان قوله تعالی : « وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه » من الغيرة الإلهية حتى لا يعبد إلا من له هذه الصفة .
فكان من قضائه أنهم اعتقدوا الإله ، وحينئذ عبدوا ما عبدوا ، مع أنهم ما عبدوا في الأرض من الحجارة والنبات والحيوان ، وفي السماء من الكواكب والملائكة ، إلا لاعتقادهم في كل معبود أنه إله لا لكونه حجرا ولا شجرة ولا غير ذلك .
وإن أخطأوا في النسبة فما أخطأوا في المعبود ، فعلى الحقيقة ما عبد المشرك إلا الله ، وهو المرتبة التي سماها إلها ،لأنه لو لم يعتقد الألوهية في الشريك ما عبده.
فإنه ما عبد من عبد إلا بتخيل الألوهية فيه ، ولولاها ما عبد.
ولذاك قال تعالى : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " فما عبد أحد سوى الله ، حتى المشركون ما عبدوه إلا في الهياكل المسماة شركاء ،فما عبدت إلا الألوهية في كل من عبد من دون الله.
لأنه ما عبد الحجر لعينه ، وإنما عبد من حيث نسبة الألوهة له ، فإن المشرك ما عبد شيئا إلا بعد ما نسب إليه الألوهة ، فما عبد إلا الله ..
فالكامل من عظمت حيرته و دامت حسرته ، ولم ينل مقصوده لما كان معبوده ، وذلك أنه رام تحصیل ما لا يمكن تحصيله ، وسلك سبيل من لا يعرف سبيله .
والأكمل من الكامل من اعتقد فيه كل اعتقاد ، وعرفه في الإيمان والدلائل وفي الإلحاد ، فإن الإلحاد ميل إلى اعتقاد معين، من اعتقاد ، فاشهدوه بكل عين إن أردتم إصابة العين ، فإنه عام التجلي ، له في كل صورة وجه ، وفي كل عالم حال .
الفتوحات ج1 ص  238 , 405 , 589 .  ج2 ص 92 , 212 , 326 , 498.  ج4 ص 100 , 101 , 415 .


يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم. فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.) "9"
(فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا.
و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر.
فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
(«و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
(و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما. و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله،وهو الحيرة."10"
9 - جملة معترضة - راجع رقم 8

10 - الحيرة
راجع الفرق بين فهم الشيخ الأكبر وبين ابن تيمية في الحيرة - كتابنا الرد على ابن تيمية من ص 50 إلى ص 59 - نقتبس من كلام الشيخ الأكبر ما يلي :
"رجال الحيرة هم الذين نظروا في هذه الدلائل (الدلائل المتعارضة للتنزيه والتشبيه) واستقصوها غاية الاستقصاء إلى أن أداهم ذلك النظر إلى العجز والحيرة فيه ، من نبي أو صديق .
قال : « اللهم زدني فيك تحيرا » فإنه كلما زاده الحق علما به ، زاده ذلك العلم حيرة "فيه ، من نبي أو صديق" .
""وقال الشيخ : "اللهم زدني فيك تحيرا " ، فإنه كلما زاده الحق علما به ، زاده ذلك العلم حيرة ، ولا سيما أهل الكشف لاختلاف الصور عليهم عند الشهود ، فهم أعظم حيرة من أصحاب النظر في الأدلة ، بما لا يتقارب.""
ويقول في كتاب التراجم - الحيرة لا تكون إلا فيمن لا يتكيف ، والحيرة قبل الوصول، والحيرة في الوصول ، والحيرة في الرجوع .
كيف لا تحار العقول والأسرار فيمن لا تقيده البصائر والأبصار ، لو جلى الحق نفسك لك لحرت.
ويقول في الفتوحات ج2  ص 661 - حيرة العارف في الجناب الإلهي أعظم الحيرات ، لأنه خارج عن الحصر والتقييد.
للزيادة راجع الفتوحات ج1 ص 270 , 420 .  ج2 ص 607 , 661 . ج3 ص 490 .
ج4 ص 196 , 197 , 245 , 28. , ديوان ص 71 .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : ( «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
("فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.  فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله.  «قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن. فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو.
«لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها. المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، «له ما في السماوات و ما في الأرض».)
(و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة. «إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب.
«و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره.
فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
(«رب اغفر لي» أي استرني واستر من أجلي فيجهل قدري و مقامي كما جهل قدرك في قولك: «و ما قدروا الله حق قدره».
«و لوالدي»: من كنت نتيجة عنهما و هما العقل و الطبيعة. «و لمن دخل بيتي» أي قلبي.
«مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية و هو ما حدثت به أنفسها. «و للمؤمنين» من العقول «و المؤمنات» من النفوس.
«و لا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية.
«إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا  وجهه» و التبار الهلاك.
و من أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح "نوح"، و هو في التنزلات الموصلية لنا "11". )


11 - يشير هنا إلى الباب السادس في اختصاص الإمام بيوم الأحد وما يظهر فيه من انفعالات.
فإن فلك يوح ، هو ذلك الشمس ، وهي السماء الرابعة ، وهذا يؤكد ما أشرت اليه في أول شرح هذه الحكمة من أن القارىء يجب عليه أن يعلم غرض الشيخ من مصنفاته ، نقتبس من ذلك قوله : متى ذكرت حادثا من حوادث الأكوان ، فانما غرضي أن أثبته في سمع السامع ، وأقابله بمثله في الإنسان .
فنصرف النظر فيه إلى ذاتنا الذي هو سبيل نجاتنا ، فأنشئه بكليته في هذه النشأة الإنسانية على حسب ما يعطيه المقام ،إما جسمانية وإما روحانية.
فإياك أن تتوهم أيها الأخ الشفيق أن غرضي من كتبي كلها الكلام فيما خرج عن ذاتي من غير أن تلحظ فيه سبيل نجاتي . (كتاب عنقاء مغرب).
وهذا ما نص عليه في ص (67) من الفص بقوله : « وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري »۰
ويشير الشيخ إلى ما جاء في التنزلات الموصلية في الباب المذكور إلى ما يتعلق بالتوحيد والعقيدة حيث يقول : الحمد لله الذي كان ولا شيء معه ، وهو على ما عليه كان ، ثم أبدع العالم واخترعه ولم يرجع إليه أثر من خلقه الكيان .
أوجد ما علم من ذاته لا من شيء ، وأخرجها من غير شيء كانت فيه ولا خښء ، وكان موصوفا بالوجود قبل كل موجود ، ولا قبل من حيث العبارة ، ولا كان إلا من حيث الإشارة .
والمنهج القويم ، في معرفة ارتباط المحدث بالقديم ، فليس بينهما بينية ولا قبلية ، إذ القبل مخلوق إضافي ، وامتداد زماني ، ولو حققتم مراتب الموجودات ، لاستحال عندكم وجود الأزمان والتقدم بالكان، وقضيتم فيها بالإحالة بعد الإمكان، فمن ثبت قدمه ، استحال عليه إطلاق صيغ الأزمان ، والإشارة بصيغ المكان ، إلا من طريق المجاز ، على الجواز .
لما في عالم العبارة من العجز والقصور ، في ذلك المقام من العلو والإعزاز ، فتطلقها عليه العقول المعقولة بأفكارها ، لتجوز منها إلى إدراك المعاني المقدسة المؤسسة في فطرها .
ولولا الإمداد لهذه العقول المتعطشة لمعرفة باريها الحائرة ، لما احتجنا إلى استعمال هذه العبارات القاصرة ، فله الصفات العلى ، والأسماء الحسنى ، والنبأ الأسنى ، وحجاب العزة الأحمی ، تجلى اسمه الحي فحييت الموجودات ، والقيوم فقامت به الأرض والسموات ، ومن فيهن من عوالم البقاء والاستحالات ، فعنت لحياته الوجوه، وسجدت لقيوميته الجباه ، وأقنعت لعظمته الرؤوس ، وتحركت بذكره الشفاه .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:15 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يوليو 28, 2019 7:59 pm

03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

شرح أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص النوحي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية   الجزء الثاني

أما الرمز واللغز في هذا الفص فهو ما جاء من باب الاشارة بكلام نوح عليه السلام لقومه ويعني به الشيخ رضي الله عنه حظ الأولياء من الصفات المذمومة.
 وذكر منهم ثلاثة أصناف:
وهم الكافرون ، وهم الساترون مقامهم مثل الملامية ، فالكافر من أهل الشقاء من ختم الله على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة .
والكافر من الأولياء  "الساتر من الأولياء والمختفي بين خلقه" من كان ختم الحق على قلبه لأنه اتخذه بيتا فقال «ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي» والله غيور فلا يريد أن يزاحمه .أحد من خلقه فيه .
فإن الله لا ينظر إلا إلى قلب العبد ، فلما ختم الله على قلب هذا العبد لم يدخل في قلبه سوى ربه.
وختم على سمعه فلا يصغي الى كلام أحد إلا إلى كلام ربه ، فهم عن اللغو معرضون .
وعلى بصره غشاوة ، وهي غطاء العناية ، فلا ينظرون إلى شيء إلا ولهم فيه آية تدل على الله.
فكان هذا الحفظ غشاوة تحول بين أعينهم وبين النظر في غير دلالة ولا اعتبار ، وحالت بينهم وبين ما لا ينبغي أن ينظر إليه ، فهي غشاوة محمودة .

الظالمون ، قال تعالى : «ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا» و المصطفی هو الولي ، ثم قال في المصطفين "فمنهم ظالم لنفسه" ، وهو أن يمنعها حقها من أجلها ، أي الحق الذي لك يا نفسي علي في الدنيا نؤخره لك إلى الآخرة ، وبادر هنا الى الكد والاجتهاد وأخذ بالعزائم واجتنب الميل إلى الرخص ، وهذا كله حق لها ،فهو ظالم لنفسه نفسه من أجل نفسه.

ولهذا قال فيمن اصطفاه "فمنهم ظالم لنفسه "و أي من أجل نفسه ليسعدها، فما ظلمها إلا لها .
الضالون : هم التائهون الحائرون في جلال الله وعظمته ، كلما أرادوا أن يسكنوا فتح لهم من العلم به ما حيرهم و أقلقهم ، فلا يزالون حيارى لا ينضبط لهم منه ما يسكنون عنده ، بل عقولهم حائرة ، فهؤلاء هم الضالون الذين حيرهم التجلي في الصور المختلفة .
الفتوحات ج2 ص 136 , 137 .

"" والضالون – قد تأتي بمعنى الضالة وهى الهدف أو الغرض الذي نبحث عنه أو نسافر اليه " وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى" إليك ودل عليك الناس التي تبحث عن الإيمان بالله يا رسول الله و يا ولي الله ""
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:10 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يوليو 28, 2019 8:07 pm

04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

شرح أ.محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص الإدريسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

4 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية 

قال الشيخ رضي الله عنه : ("1" العلو نسبتان، علو مكان و علو مكانة "2". فعلو المكان «و رفعناه مكانا عليا».
و أعلى الأمكنة المكان الذي تدور عليه رحى عالم الأفلاك وهو فلك الشمس، و فيه مقام روحانية إدريس عليه السلام.
و تحته سبعة أفلاك و فوقه سبعة أفلاك و هو الخامس عشر.
فالذي فوقه فلك الأحمر وفلك المشترى و فلك كيوان وفلك المنازل والفلك الأطلس فلك البروج وفلك الكرسي و فلك العرش.
والذي دونه فلك الزهرة وفلك الكاتب، وفلك القمر، وكرة الأثير، وكرة الهوى، وكرة الماء، وكرة التراب.
فمن حيث هو قطب الأفلاك هو رفيع المكان. وأما علو المكانة فهو لنا أعني المحمديين.
قال الله تعالى «وأنتم الأعلون والله معكم» في هذا العلو، وهو يتعالى عن المكان لا عن المكانة.
ولما خافت نفوس العمال منا أتبع المعية بقوله «و لن يتركم أعمالكم»: فالعمل يطلب المكان و العلم يطلب المكانة، فجمع لنا بين الرفعتين علو المكان بالعمل و علو المكانة بالعلم.
ثم قال تنزيها للاشتراك بالمعية «سبح اسم ربك الأعلى» عن هذا الاشتراك المعنوي.
ومن أعجب الأمور كون الإنسان أعلى الموجودات، أعني الإنسان الكامل، وما نسب إليه العلو إلا بالتبعية، إما إلى المكان و إما إلى المكانة وهي المنزلة. فما كان علوه لذاته. فهو العلي بعلو المكان وبعلو المكانة. فالعلو لهما. فعلو المكان.
وعلو المكانة «كل شي ء هالك إلا وجهه»، و«إليه يرجع الأمر كله »، «أإله مع الله» *.
ولما قال الله تعالى «ورفعناه مكانا عليا» فجعل «عليا» نعتا للمكان، «وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة»، فهذا علو المكانة.
وقال في الملائكة «أستكبرت أم كنت من العالين» فجعل العلو للملائكة.
فلو كان لكونهم ملائكة لدخل الملائكة كلهم في هذا العلو.
فلما لم يعم، مع اشتراكهم في حد الملائكة، عرفنا أن هذا علو المكانة عند الله «5».
وكذلك الخلفاء من الناس لو كان علوهم)

1 - المناسبة في تسمية هذه الحكمة
هو ما ذكر عن ادریس عليه السلام في القرآن العزيز بقوله تعالی "ورفعناه مكانا عليا" ، يراد به علو المكانة ، ولما كان الحق تعالی من أسمائه العلي فلهذه المشاركة اللفظية سميت الحكمة قدوسية أي تقدس علو الحق أن يشابه علو المخلوق .

ص 76


قال الشيخ رضي الله عنه : (بالخلافة علوا ذاتيا لكان لكل إنسان. فلما لم يعم عرفنا أن ذلك العلو للمكانة.
ومن أسمائه الحسنى العلي. على من وما ثم إلا هو؟ فهو العلي لذاته.
أو عن ماذا وما هو إلا هو؟ فعلوه لنفسه. وهو من حيث الوجود عين الموجودات.)

2 - علو المكان والمكانة (*)
ما جاء في هذا الفص في معنى « ورفعناه مكانا عليا » يخالف ما جاء في كتب الشيخ الأخرى تماما من حيث المعنى ، فهنا ينسب إلى الشيخ قوله : فعلو المكان « ورفعناه مكانا عليا ، وأعلى الأمكنة المكان الذي تدور عليه رحى عالم الأفلاك .
ونجد أن المعنى الذي يذهب إليه الشيخ في الثابت عنه أن المقصود بذلك على المكانة لا المكان حيث يقول « ورفعناه » أي إدريس « مكانا عليا ، وهي السماء الرابعة ، وسميت بذلك لكونها قلبا ، أي قلب الأفلاك ، فهي قلب السماوات وقطبها ، فهو مكان عال بالمكانة ، وما فوقه وإن كان دونه فهو أعلى بالمسافة و بالنسبة إلى رؤسنا ، فأراد الحق علو مكانة المكان ، فلهذا المكان من المكانة رتبة العلو ..
راجع فتوحات  ج2 / 170 , 445 , ج3/ 341 , 348 ,كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار

3 - الحق من حيث الوجود عين الموجودات
الموجودات على تفاصيلها ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر ، لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة .
فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسها ، فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان .
وما في العدم الشيء إلا أعيان الممكنات ، مهيأة للاتصاف بالوجود ، فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي، كما هو ولا هو .
لأنه الظاهر فهو، والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو.
فما ثم إلا الله والكون حادث      ….. وما ثم إلا الله والكون ظاهر
فما العلم إلا الجهل بالله فاعتصم   …. بقولي فإني عن قريب أسافر
وما لي مال غیر علمي ووارث   ….. سوى عين أولادي فذا المال حاضر
الفتوحات ج2 /  ص 160
راجع الظاهر في المظاهر فص 5  هامش 6 ص 84
ص 77
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليست إلا هو.
فهو العلي لا علو إضافة، لأن الأعيان التي لها العدم الثابتة فيه ما شمت رائحة من الموجود، فهي على حالها مع تعداد الصور في الموجودات. و العين واحدة من المجموع في المجموع. فوجود الكثرة في الأسماء، و هي النسب، و هي أمور عدمية. و ليس إلا العين الذي هو الذات "4" . فهو العلي لنفسه لا بالإضافة. فما في العالم من هذه الحيثية علو إضافة، لكن الوجوه الوجودية متفاضلة.
فعلو الإضافة موجود في العين الواحدة من حيث الوجود الكثيرة. لذلك نقول فيه هو لا هو، أنت لا أنت. قال الخراز رحمه الله تعالى، وهو وجه من وجوه الحق و لسان من ألسنته ينطق عن نفسه بأن الله تعالى لا يعرف إلا بجمعه بين الأضداد في الحكم عليه بها. فهو الأول والآخر والظاهر والباطن.
فهو عين ما ظهر، وهو عين ما بطن في حال ظهوره.
وما ثم من يراه غيره، وما ثم من يبطن عنه، فهو ظاهر لنفسه باطن عنه.
وهو المسمى أبا سعيد الخراز وغير ذلك من أسماء المحدثات.
فيقول الباطن لا إذا قال الظاهر أنا، و يقول الظاهر لا إذا قال الباطن أنا.
وهذا في كل ضد، و المتكلم واحد و هو عين السامع.
يقول النبي صلى الله عليه و سلم: «وما حدثت به أنفسها» فهي المحدثة السامعة حديثها، العالمة بما حدثت به أنفسها ، و العين واحدة و اختلفت الأحكام "5".
ولا سبيل إلى جهل مثل هذا فإنه يعلمه كل إنسان من نفسه و هو صورة الحق.
فاختلطت الأمور وظهرت الأعداد بالواحد في المراتب المعلومة.
فأوجد الواحد العدد، وفصل العدد الواحد، و ما ظهر حكم العدد إلا المعدود و المعدود منه عدم و منه وجود، فقد يعدم الشي ء من حيث الحس وهو موجود من حيث العقل. فلا بد من عدد و معدود، ولا بد من واحد ينشئ ذلك فينشأ بسببه.
فإن كل مرتبة من العدد حقيقة واحدة كالتسعة مثلا والعشرة إلى أدنى وإلى أكثر إلى غير نهاية، ما هي مجموع، ولا ينفك عنها اسم جمع الآحاد.
فإن الاثنين حقيقة واحدة والثلاثة حقيقة واحدة ، بالغا ما بلغت هذه المراتب، وإن كانت واحدة. فما عين واحدة منهن عين ما بقي.
فالجمع يأخذها فنقول بها منها، و نحكم بها عليها. قد ظهر في هذا القول عشرون مرتبة، فقد دخلها التركيب فما تنفك تثبت عين ما هو منفي عندك لذاته.
و من عرف ما قررناه في الأعداد، و أن نفيها عين إثباتها ، علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه، و إن كان قد تميز الخلق من الخالق. فالأمر الخالق المخلوق، والأمر المخلوق الخالق. كل ذلك من عين واحدة، لا، بل هو العين الواحد و هو العيون الكثيرة "6" . فانظر ما ذا ترى «قال يا أبت افعل ما تؤمر»، و الولد عين أبيه. فما )
 
4 - 5 - راجع ( العين واحدة والحكم مختلف) ص 68
6 - راجع فص 3 رقم 5 ص 68
ص 78

قال الشيخ رضي الله عنه : (فما رأى يذبح سوى نفسه. «و فداه بذبح عظيم»، فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان.
و ظهر بصورة ولد: لا، بل بحكم ولد من هو عين الوالد. «و خلق منها زوجها»: فما نكح سوى نفسه.
فمنه الصاحبة و الولد و الأمر واحد في العدد. فمن الطبيعة و من الظاهر منها ، و ما رأيناها نقصت بما ظهر منها و لا زادت بعدم ما ظهر؟
و ما الذي ظهر غيرها: و ما هي عين ما ظهر لاختلاف الصور بالحكم عليها: فهذا بارد يابس و هذا حار يابس: فجمع باليبس و أبان بغير ذلك. و الجامع الطبيعة ، لا، بل العين الطبيعية.
فعالم الطبيعة صور في مرآة واحدة، لا، بل صورة واحدة في مرايا مختلفة.
فما ثم إلا حيرة لتفرق النظر "7"و من عرف ما قلناه لم يحر.)
 
7 - الطبيعية
اعلم أن الطبيعة التي خلقها الله تعالى دون النفس وفوق الهباء ، توجه على خلقها الاسم الباطن ، وهي معقولة الوجود غير موجودة العين ، وقولنا مخلوقة أي مقدرة ، لأن الخلق التقدير ، وما يلزم من تقدير الشيء وجوده ، فقدر سبحانه مرتبة الطبيعة أنه لو كان لها وجود لكان دون النفس .
فهي وإن لم تكن موجودة العين فهي مشهودة للحق ، ولهذا ميزها وعين مرتبتها ، وهي للكائنات الطبيعية كالأسماء الإلهية ، تعلم وتعقل وتظهر آثارها ولا تجهل ولا عين لها جملة واحدة من خارج .
كذلك الطبيعة تعطي ما في قوتها من الصور الحسية المضافة إليها الوجودية ، ولا وجود لها من خارج ، فما أعجب مرتبتها وما أعلى أثرها ، فهي ذات معقولة ، مجموع أربع حقائق ، يسمى أثر هذه الأربع في الأجسام المخلوقة الطبيعية ، حرارة ويبوسة و برودة ورطوبة .
وهذه آثار الطبيعة في الأجسام لا عينها ، الحياة والعلم والإرادة والقول في النسب الإلهية ، فلما أراد الله إيجاد الأجسام الطبيعية .
وما ثم عندنا إلا جسم طبيعي أو عنصري ، والعناصر أجسام طبيعية وإن تولد عنها أجساد أخر .
فكان ذلك من آثار الله فيما خلق الله الطبيعة عليها ، فالطبيعة أمور أربعة ، إذا تألفت تألفا خاصا حدث عنه ما يناسب تلك الألفة بتقدير العزيز العليم .
فلذلك اختلفت أجسام العالم لاختلاف ذلك المزاج .
فأعطى كل جسم في العالم بحسب ما اقتضاه مزاجه ، وما زال الأمر ينزل إلى أن خلق الله العناصر وهي الأركان ، فضم الحرارة إلى اليبوسة على طريق خاص فكان من ذلك المزج ركن النار ، الذي يعبر عنه أيضا بعنصر النار ، ثم الهواء كذلك ، ثم الماء ، ثم التراب .
فالطبيعة معقول واحد ، عنها ظهر ركن النار وجميع الأركان .
فيقال ركن النار من الطبيعة ما هو عينها ، ولا يصح أن يكون المجموع الذي هو عين الأربعة ، فإن بعض الأركان منافر للآخر بالكلية ، وبعضها منافر لغيره بأمر واحد
فتوحات ح1/ 139 , ج2/ 236 ,430 .
ص 79

قال الشيخ رضي الله عنه : (وإن كان في مزيد علم فليس إلا من حكم المحل ، و المحل عين العين الثابتة: فيها يتنوع الحق في المجلى فتتنوع الأحكام عليه، فيقبل كل حكم، و ما يحكم عليه إلا عين ما تجلى فيه "8"، و ما ثم إلا هذا:
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا ... وليس خلقا بذاك الوجه فاذكروا من يدر ما قلت لم تخذل بصيرته ... وليس يدريه إلا من له بصر
جمع و فرق فإن العين واحدة ... وهي الكثيرة لا تبقى ولا تذر "9"
فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية و النسب العدمية بحيث لا يمكن أن يفوته نعت منها، و سواء كانت محمودة عرفا و عقلا و شرعا أو مذمومة عرفا و عقلا و شرعا. و ليس ذلك إلا لمسمى الله تعالى خاصة. و أما غير مسمى الله مما هو مجلى له أو صورة فيه، فإن كان مجلى له فيقع التفاضل لا بد من ذلك بين مجلى و مجلى، و إن كان صورة فيه فتلك الصورة عين الكمال الذاتي لأنها عين ما ظهرت فيه.
فالذي لمسمى الله هو الذي لتلك الصورة. ولا يقال هي هو ولا هي غيره. و قد أشار أبو القاسم بن قسي في خلعه إلى هذا بقوله: إن )


راجع فص 3 رقم 5 « والعين واحدة والحكم للنسب » ص 68.
8 - راجع فص 2 رقم 6 « وحدة الوجود المرايا » ص 45 .
9 - راجع فص 2 رقم 6 « وحدة الوجود المرايا » ص 45
   راجع  فص 3 رقم 5 " العين واحدة والحكم مختلف " ص 68

ص 80 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( كل اسم إلهي يتسمى بجميع الأسماء الإلهية وينعت بها. وذلك أن كل اسم يدل على الذات وعلى المعنى الذي سيق له و يطلبه.
فمن حيث دلالته على الذات له جميع الأسماء، ومن حيث دلالته على المعنى الذي ينفرد به، يتميز عن غيره كالرب والخالق والمصور إلى غير ذلك.
فالاسم المسمى من حيث الذات، والاسم غير المسمى من حيث ما يختص به من المعنى الذي سيق له.
فإذا فهمت أن العلي ما ذكرناه علمت أنه ليس علو المكان ولا علو المكانة، فإن علو المكانة يختص بولاة الأمر كالسلطان والحكام والوزراء والقضاة وكل ذي منصب سواء كانت فيه أهلية لذلك المنصب أو لم تكن، والعلو بالصفات ليس كذلك، فإنه قد يكون أعلم الناس يتحكم فيه من له منصب التحكم وإن كان أجهل الناس. فهذا علي بالمكانة بحكم التبع ما هو علي في نفسه. فإذا عزل زالت رفعته و العالم ليس كذلك.)
 
10 - كل اسم إلهي يتسمى بجميع الأسماء وينعت بها
سبب ذلك التوحيد العين ، وعدم التشبيه بالكون ، وهذا مشهد عزيز لا يناله إلا الأعز من عباده ، المتوحدين به الذين لانظر لأنفسهم إلا بعينه , والمغيب كونهم في كونه .
"يشير إلى الحديث :  فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها فإن سألني عبدي، أعطيته، وإن استعاذني، أعذته "
الموحد له لا لهم ، فلا يطلب بالعقول مالا يصح اليه الوصول فكل اسم إلهي يتضمن جميع الأسماء كلها .
ولتعلم وفقك الله أن كل اسم ينعت بجميع الأسماء في أفقه ، فكل اسم فهو حي قادر سميع بصير متكلم في أفقه وفي علمه ، وإلا فكيف يصح أن يكون ربا لعابده ؟
فكل اسم جامع لما جمعت الأسماء من الحقائق .

الفتوحات ج1/ 101 , ذخائر الأعلاق
راجع   "لكل عبد اسم هو ربه"   فص 7 هامش 2 ص 100 .
.

موسوعة شرح كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي الطائي الحاتمي



عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:10 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يوليو 28, 2019 8:14 pm

05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

شرح أ.محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص الإبراهيمي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية

قال الشيخ رضي الله عنه : ("1" إنما سمي الخليل خليلا لتخلله و حصره جميع ما اتصفت به الذات الإلهية. قال الشاعر:
قد تخللت مسلك الروح مني ... و به سمي الخليل خليلا "2"
كما يتخلل اللون المتلون، فيكون العرض بحيث جوهره ما هو كالمكان و المتمكن، أو لتخلل الحق وجود صورة إبراهيم عليه السلام.
وكل حكم يصح من ذلك، فإن لكل حكم موطنا يظهر به لا يتعداه.
ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات، وأخبر بذلك عن نفسه، وبصفات النقص وبصفات الذم؟ "3" . ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق من أولها إلى آخرها "4" وكلها حق له كما هي صفات المحدثات)
....
1 -  المناسبة
المناسبة في هذه الحكمة في قوله تعالى : « واتخذ الله إبراهيم خليلا » فجعل الخلة في هذا الفص هي المناسبة .
كما أوضح ذلك في آخر الفص بتوضيح المناسبة بين الخلة والغذاء الذي هو القوت فيقول : « فإذا تخلل الرزق ذات المرزوق بحيث لا يبقى فيه شيء إلا تخلله ، فإن الغذاء يسري في جميع أجزاء المتغذي كلها » فجعل الخلة الإبراهيمية المناسبة بينها وبين قوة الأسماء الإلهية في هذا الفص ، وجعلها مهيمية فإن الهيام من لوازم الخلة والمحبة.
2 - إذا تخللت المعرفة بالله أجزاء العارف من حيث ما هو مركب
فلا يبقى فيه جوهر فرد إلا وقد حلت فيه معرفة ربه ،فهو عارف به بكل جزء فيه.
ولولا ذلك ما انتظمت أجزاؤه ولا ظهر تركیبه ، ولا نظرت روحانيته طبيعته ، فبه تعالی انتظمت الأمور معنی وحسا وخيالا.
راجع الفتوحات ج2/ 362
3 - الحق يظهر بصفات المحدثات وأخبر بذلك عن نفسه
مثل قوله تعالى : « جعت فلم تطعمني .. مرضت فلم تعدني - الحديث ».
ومثل قوله تعالى « الله يستهزىء بهم » و « سخر الله منهم ».
4 - المخلوق يظهر بصفات الحق من أولها إلى آخرها
يعني العلم والإرادة والقدرة والكرم والرأفة والرحمة إلى غير ذلك .

ص 82

قال الشيخ رضي الله عنه :  (حق للحق. «الحمد لله»: "5" فرجعت إليه عواقب الثناء من كل حامد و محمود. «و إليه يرجع الأمر كله» فعم ما ذم و حمد، و ما ثم إلا محمود و مذموم.)
.......
5 -  كل الأسماء والصفات الله تعالى بالأصالة
لما رأيت ما ينبغي الله وما ينبغي للعبة، ورأيت ما حجب الله به عباده المنسوبين إليه من حيث أنه جعل لهم في قلوبهم أنهم يعتقدون أن لهم أسماء حقيقة .
وأن الحق تعالى قد زاحمهم فيها ، وحجبهم عن العلم بأن تلك الأسماء أسماؤه تعالی ، زاحموه بالتخلق بالأسماء الإلهية.
وقابلوا مزاحمة بمزاحمة ، وما تفطنوا لما لم يزاحمهم فيه من الذلة والافتقار الذي نبه لأبي يزيد عليها ولنا اعتناء من الله .
فهذه أسماؤهم إلا ما ادعوها ، فزاحموه فيما تخيلوا من الأسماء أنها لهم وهم لا يشعرون .
ولقد كنت مثلهم في ذلك قبل أن يمن الله علي بما من به علي من معرفته ، فعلمني أن الأسماء أسماؤه وأنه لابد من إطلاقها علينا فأطلقناها ضرورة لا اعتقادا.
وأطلقتها أنا ومن خصه الله بهذا العلم على الله اعتقادا .
وأطلقها غيرنا اضطرارا إيمانا لكون الشرع ورد بها لا اعتقادا .
فحفظنا عليه ما هو له حين لم يحفظه ومكر بعباده ، فمن حفظ على نفسه ذله وافتقاره وحفظ على الله أسماءه كلها التي وصف بها نفسه والتي أعطى في الكشف أنها له . فقد أنصف فاتصف بأنه على كل شيء حفيظ .
والكل أسماء الحق تعالى والعيد لا اسم له ، حتى إن اسم العبد ليس له وهو متخلق به كسائر الأسماء الحسنى .
فالسير إلى الله والدخول عليه والحضور عنده ليس إلا بأسمائه ، وإن أسماء الكون أسماؤه ، وهو مجلي عزيز في منصة عظمى .
كانت غاية أبي يزيد البسطامي دونها فإن غايته ما قاله عن نفسه ،" تقرب إلي بما ليس لي"، فهذا كان حظه من ربه ورآه غاية .
وكذلك هو فإنه غايته لا الغاية ، وهذه طريقة أخرى ما رأيتها الأحد من الأولياء ذوقا إلا للأنبياء والرسل خاصة.
فكل اسم للكون فأصله للحق حقيقة وهو للخلق لفظا دون معنى وهو به متخلق ، فكل وصف صفة كمال الله تعالی فهو موصوف بها كما تقتضيه ذاته ، وأنت موصوف بها كما تقتضيها ذاتك.
والعين واحدة والحكم مختلف    ….. و العبد يعبد و الرحمن معبود
الفتوحات ج2 / 350  , ج3 / 228 .

ص 83

قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم أنه ما تخلل شي ء شيئا إلا كان محمولا فيه. فالمتخلل - اسم فاعل- محجوب بالمتخلل- اسم مفعول. فاسم المفعول هو الظاهر، واسم الفاعل هو الباطن المستور. وهو غذاء له كالماء يتخلل الصوفة فتربو به وتتسع.
فإن كان الحق هو الظاهر فالخلق مستور فيه، فيكون الخلق جميع أسماء الحق سمعه و بصره و جميع نسبه و إدراكاته.
وإن كان الخلق هو الظاهر فالحق مستور باطن فيه، فالحق سمع الخلق و بصره و يده و رجله و جميع قواه كما ورد في الخبر الصحيح.
ثم إن الذات لو تعرت عن هذه النسب لم تكن إلها.
وهذه النسب أحدثتها أعياننا: فنحن جعلناه بمألوهيتنا إلها، فلا يعرف حتى نعرف.
قال عليه السلام: «من عرف نفسه عرف ربه» وهو أعلم الخلق بالله.
فإن بعض الحكماء وأبا حامد ادعوا أنه يعرف الله من غير نظر في العالم وهذا غلط. نعم تعرف ذات قديمة أزلية لا يعرف أنها إله حتى يعرف المألوه. فهو الدليل عليه.
ثم بعد هذا في ثاني حال يعطيك الكشف أن الحق نفسه كان عين الدليل على نفسه و على ألوهيته، و أن العالم ليس إلا تجليه في صور أعيانهم الثابتة التي يستحيل وجودها بدونه ، وأنه يتنوع و يتصور بحسب حقائق هذه الأعيان و أحوالها، "6" و هذا بعد العلم به منا أنه إله لنا.)
......
6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها

ص 84

قال الشيخ رضي الله عنه : (ثم يأتي الكشف الآخر فيظهر لك صورنا فيه، فيظهر بعضنا لبعض في الحق، فيعرف بعضنا بعضا، و يتميز بعضنا عن بعض.)
......
إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ،
ص 85

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فمنا من يعرف أن في الحق وقعت هذه المعرفة لنا بنا، و منا من يجهل الحضرة التي وقعت فيها هذه المعرفة بنا: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
و بالكشفين معا ما يحكم علينا إلا بنا، لا، بل نحن نحكم علينا بنا و لكن فيه، و لذلك قال «فلله الحجة البالغة»: يعني على المحجوبين إذ قالوا للحق لم فعلت بنا كذا و كذا مما لا يوافق أغراضهم، «فيكشف لهم عن ساق»: و هو الأمر الذي كشفه العارفون هنا، فيرون أن الحق ما فعل بهم ما ادعوه أنه فعله و أن ذلك منهم، فإنه ما علمهم إلا على ما هم عليه، فتدحض حجتهم و تبقى الحجة لله تعالى البالغة.
فإن قلت فما فائدة قوله تعالى: «فلو شاء لهداكم أجمعين» قلنا «لو شاء» لو حرف امتناع لامتناع: فما شاء إلا ما هو الأمر عليه.
و لكن عين الممكن قابل للشيء و نقيضه في حكم دليل العقل، و أي الحكمين المعقولين وقع، ذلك هو الذي كان عليه الممكن في حال ثبوته.
و معنى «لهداكم لبين لكم: و ما كل ممكن من العالم فتح الله عين بصيرته لإدراك الأمر في نفسه على ما هو عليه: فمنهم العالم و الجاهل. فما شاء ، فما هداهم أجمعين، و لا يشاء، و كذلك «إن يشأ»: فهل يشاء؟ هذا ما لا يكون. فمشيئته ).
.....
فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606
7 - راجع فص 2 رقم 4 ص   44
8 -  راجع فص 2 رقم 3 ص 42

ص 86

قال الشيخ رضي الله عنه : (أحدية التعلق "9" و هي نسبة تابعة للعلم و العلم نسبة تابعة للمعلوم و المعلوم أنت و أحوالك. فليس للعلم أثر في المعلوم، بل للمعلوم أثر في العلم فيعطيه من نفسه ما هو عليه في عينه.
و إنما ورد الخطاب الإلهي بحسب ما تواطأ عليه المخاطبون و ما أعطاه النظر العقلي، ما ورد الخطاب على ما يعطيه الكشف.
و لذلك كثر المؤمنون و قل العارفون أصحاب الكشوف.
«و ما منا إلا له مقام معلوم»: و هو ما كنت به في ثبوتك ظهرت به في وجودك، "10" هذا إن ثبت أن لك وجودا. فإن ثبت أن الوجود للحق لا لك، فالحكم لك بلا شك في وجود الحق. و إن ثبت أنك الموجود فالحكم لك بلا شك. و إن كان الحاكم الحق، فليس له إلا إفاضة الوجود عليك و الحكم لك عليك.)
.....
9 - أحدية المشيئة ونسبة الاختيار الى الله تعالى
اعلم أن الإمكان للممكن هو الحكم الذي أظهر الاختيار في المرجح ، والذي عند المرجح أمر واحد ، وهو أحد الأمرين لا غير ، فما ثم بالنظر إلى الحق إلا أحدية محضة لا يشوبها اختيار .
ألا تراه تعالى يقول « لو شاء » كذا لكان كذا، فما شاء فما كان ذلك ، فنفى عن نفسه تعلق هذه المشيئة ، فنفى الكون عن ذلك المذكور .
فالإختيار تعلق خاص للذات أثبته الممكن لإمكانه في القبول لأحد الأمرين على البدل ولولا معقولية هذين الأمرين، ومعقولية القبول من الممكن، ما ثبت للإرادة ولا للاختيار حكم .
إن المشيئة الإلهية ما عندها إلا أمر واحد في الأشياء ، ولا تزال الأشياء على حكم واحد معين من الحكمين .
فمشيئة الحق في الأمور عين ما هي الأمور عليه..
نزال الحكم ، فإن المشيئة إذ جعلتها خلاف عين الأمر فإما أن تتبع الأمر وهو محال ، وإما أن يتبعها الأمر.وهو محال.
وبيان ذلك أن الأمر لنفسه كان ما كان، فهو لا يقبل التبديل ، فهو غير مشاء بمشيئة ليست بعينه.
فالمشيئة عينه فلا تابع ولا متبوع.، فتحفظ من الوهم.
فمحال على الله الاختيار في المشيئة ، لأنه محال عليه الجواز , لأنه محال أن يكون الله مرجح يرجح له أمرا دون أمر ، فهو المرجح لذاته ، فالمشيئة أحدية التعلق لا اختيار فيها .

الفتوحات ج3/ 356 ,357  - ج4 / 30 , 201
10 -  راجع الظاهر في المظاهر رقم 6 وفص 2 رقم 3 .

ص 87

قال الشيخ رضي الله عنه : (فلا تحمد إلا نفسك و لا تذم إلا نفسك، و ما يبقى للحق إلا حمد إفاضة الوجود لأن ذلك له لا لك. فأنت غذاؤه بالأحكام، ... و هو غذاؤك بالوجود. "11" فنعين عليه )
.....
11 - الغذاء
كل غذاء أعلا من حياته المتولدة عنه ، فلا تزال من العالم الأدنۍ ترتقي في أطوار العوالم أغذية وحياة حتى تنتهي إلى الغذاء الأول الذي هو غذاء أغذية الأغذية.
وهي الذات المطلقة ، والأسماء الإلهية أقواتها أعيان آثارها في الممكنات .
فبالآثار تعقل أعيانها ، فلها البقاء بآثارها .
فقوت الاسم أثره، وتقديره مدة حكمه في الممكن أي ممكن كان ، ولما لم يكن في الكون إلا علة و معلول ، علمنا أن الأقوات العلوية والسفلية أدوية لإزالة أمراض ، ولا مرض إلا الافتقار .
فقوت القوت الذي يتقوت به هو استعماله .
فالمستعمل قوت له لأنه ما يصح أن يكون قوتا إلا إذا تقوت به ، فاعلم من قوتك ومن أنت قوته.
من قدر القوت فقد قدرا     …… والقوت ما اختص بحال الوری
بل حكمه سار فقد عمنا    …… ونفسه فانظر تری ما تری
كل تغذي فيه قام في       …… وجوده حقا بغير افتری
فأول رزق ظهر عن الرزاق ما تغذت به الأسماء من ظهور آثارها في العالم ، وكان فيه بقاؤها ونعيمها و فرحها وسرورها .
وأول مرزوق في الوجود الأسماء ، فتأثير الأسماء في الأكوان رزقها الذي به غذاؤها وبقاء الأسماء عليها .
وهذا معنى قولهم إن للربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية ، فإن الإضافة بقاء عينها في المتضايفين ، وبقاء المضافين من كونهما مضافين إنما هو بوجود الإضافة، فالإضافة رزق المتضایفین، و به غذاؤهما وبقاؤهما متضايفين .
فهذا من الرزق المعنوي الذي يهبة الاسم الرزاق ، وهو من جملة المرزوقين .
فهو أول من تغذى بما رزق ، فأول ما رزق نفسه .
ثم رزق الأسماء المتعلقة بالرزق الذي يصلح لكل اسم منها.
وهو أثره في العالم المعقول والمحسوس .

الفتوحات  ج2 / 462 , ج4 / 248 , 409

ص 88

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فتعين عليه ما تعين عليك. فالأمر منه إليك ومنك إليه.
غير أنك تسمى مكلفا و ما كلفك إلا بما قلت له كلفني بحالك و بما أنت عليه.
و لا يسمى مكلفا: اسم مفعول.
فيحمدني و أحمده ... و يعبدني و أعبده
ففي حال أقر به ... و في الأعيان أجحده
فيعرفني و أنكره ... و أعرفه فأشهده
فأنى بالغنى و أنا ... أساعده فأسعده؟ "12"
لذاك الحق أوجدني ... فأعلمه فأوجده
بذا جاء الحديث لنا ... و حقق في مقصده
و لما كان للخليل هذه المرتبة التي بها سمي خليلا لذلك سن القرى ، و جعله ابن مسرة مع ميكائيل للأرزاق ، و بالأرزاق يكون تغذي المرزوقين.
فإذا تخلل الرزق ذات المرزوق بحيث لا يبقى فيه شيء إلا تخلله، فإن الغذاء يسري في جميع أجزاء المغتذي كلها وما هنالك أجزاء فلا بد أن يتخلل جميع المقامات الإلهية المعبر عنها بالأسماء فتظهر بها ذاته جل وعلا "13" ).

....
12 -  یعنی بقبول الممكن أن يكون مظهرا للظاهر .
فلولاه لما كنا ..... ولو لا نحن ما كانا
فإن قلنا بأنا هو ..... يكون الحق إيانا
فأبدانا وأخفاه ..... وأبداه وأخفانا
فكان الحق أكوانا ..... وكنا نحن أعيانا
فيظهرنا لنظهره ..... سرارا ثم إعلانا
الأسماء الإلهية بنا ولنا ، ومدارها علينا ، وظهورها فينا ، وأحكامها عندنا ، وغاياتها إلينا ، وعباراتها عنا ، وبداياتها منا.
فلولاها لما كنا ..... ولولانا لما كانت
بها بنا وما بنا ..... كما بانت وما بانت
فإن خفيت لقد جلت ..... وإن ظهرت لقد زانت

الفتوحات ج2 / 45 , 70
13 - راجع الفقرة رقم 2 ص 82

ص 89
قال الشيخ رضي الله عنه : (
فنحن له كما ثبتت ... أدلتنا ونحن لنا
وليس له سوى كوني ... فنحن له كنحن بنا
فلي وجهان هو وأنا ... و ليس له أنا بأنا
ولكن في مظهره ... فنحن له كمثل إنا "14"
و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل. )

.....
14 - الظاهر في المظاهر
"فنحن له كما ثبتت أدلتنا" ، أي نحن له مجلی "ونحن لنا" ، من حيث أننا لا تظهر في الوجود إلا بما كنا عليه في الثبوت.
« وليس له سوی كوني » من حيث الظهور « فنحن له كندن بنا » أي لا يظهر إلا بما نحن عليه في الثبوت .
« فلي وجهان هو وأنا » أي لي مرتبة الوجود والإمكان « وليس له أنا بأنا » أي ليس له مرتبة الإمكان ولو ظهر بما أنا عليه « ولكن في مظهره » أي يظهر بما أنا عليه « فنحن له كمثل إنا » كلون الماء لون إنائه.

ص 90

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:09 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يوليو 28, 2019 9:04 pm

06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

شرح أ.محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص الإسحاقي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية
فداء  نبي ذبح  لقربان ...   وأين ثؤاج الكبش من نوس إنسان
وعظمه  الله العظيم  عناية ... بنا  أو به لا أدر من أي ميزان
_______________________________
1 ۔ المناسبة (*)
المناسبة في هذه الحكمة هي أنه عالم الخيال عالم حقيقي وهو حق كله وإنما يقع الخطأ في تأويل وتعبير الرؤيا التي هي جزء من عالم الخيال ، ولما كان الجمهور من العلماء يذهب إلى أن الذبيح هو إسحاق عليه السلام لذلك سميت الحكمة حقية لأنها جاءت في حق إسحاق عليه السلام .
أما مذهب الشيخ في هذا الموضوع فهو مخالف لما عليه الجمهور ويثبت أن إسماعيل عليه السلام هو الذبيح .
فيقول في كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار ، في سفر الهداية ، وهو سفر إبراهيم الخليل عليه السلام ، ما هذا نصه : لما بشر في إجابة دعائه في قوله « رب هب لي من الصالحين » ابتلى فيما بشر به لأنه سأل من الله سواه ، والله غيور ،فابتلاه بذبحه وهو أشد عليه من ابتلائه بنفسه.
وذلك أنه ليس له في نفسه منازع سوى نفسه.
فبادنی خاطر يردها ، فيقل جهاده ، وابتلاؤه بذبح ابنه ليس كذلك.
لكثرة المنازعين فيه ، فيكون جهاده أقوى ، ولما ابتلى بذبح ما سأله من ربه ، وتحقق نسبة الابتلاء وصار بحكم الواقعة، فكأنه قد ذبح وإن كان حيا.
بشر پاسحاق عليه السلام من غير سؤال.
فجمع له ( أي لإبراهيم عليه السلام) بين الفداء وبين البدل مع بقاء المبدل منه، فجمع له بين الكسب والوهب ، فالذبح مكسوب من جهة السؤال وموهوب من جهة الفداء .
فإن فداءه لم يكن مسؤولا ، وإسحاق موهوب، ولما كان إسماعيل قد جمع له بين الكسب والوهب في العطاء ، فكان مكسوبا موهوبا لأبيه ، فكانت حقيقة كاملة.
لذلك كان محمد صلى الله عليه وسلم في صلبه ، بل لكون، محمد صلى الله عليه وسلم في صلبه صح الكمال والتمام الإسماعيل ، فكانت في شريعتنا ضحايانا فداء لنا من النار.

ص 91

ولا شك أن البدن أعظم قيمة ... وقد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب ... وفاء لإرباح ونقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد وبعده ... نبات على قدر يكون وأوزان
وذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا وإيضاح برهان
وأما المسمى آدما فمقيد ... بعقل وفكر أو قلادة إيمان
___________________________________
2 - أربعة الأبيات الأولى موجودة في الفتوحات ج 1 ص 596
3  - شرف الجماد
قال تعالى : "لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله"، الآية ، وصف الحق الجبل بالخشية ، وعين وصفه بالخشية عين وصفه بالعلم بما أنزل عليه .
قال تعالى : "إنما يخشى الله من عباده العلماء" ، فهذه الآية تشير إلى شرف الجماد على الإنسان ، أترى خشوعه وتصدعه لجهله ما أنزل عليه ؟
لا والله إلا بقوة علمه بذلك وقدره ، ألا تراه عز وجل يقول في هذه الآية « وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون » .
فإنهم إذا تفكروا في ذلك علموا شرف غيرهم عليهم ، فإن شهادة الله بمقدار المشهود له بالتعظيم كالواقع منه ، لأنه قول حق .
قال تعالى: "وإن منها لما يهبط من خشية الله" ، فإن الحجارة عبيد محققون ، ما خرجوا عن أصولهم في نشأتهم ، فالحجر يهرب من مزاحمة الربوبية في العلو فيهبط من خشية الله ، ومن خشي فقد علم من يخشى .
ووصفها الله تعالى بالقساوة ، وذلك لقوتها في مقام العبودية فلا تتزلزل عن ذاتها ، لأنها لا تحب مفارقة موطنها لما لها فيه من العلم والحياة اللتين هما أشرف الصفات.
وهذه الآية تدل على أن الله أخذ بأكثر أبصار جنس الإنس والجان عن إدراك النفوس المديرة الناطقة التي تسمى جمادا ونباتا وحيوانا ، وكشف لبعض الناس عن ذلك ، فإن الخشبية المنعوت بها الأحجار هي التي أدتها إلى الهبوط ، وهو التواضع من الرفعة التي أعطاها الله .
ف ج 1  / 529 ، 710 -  ج 2 / 228 ، 552

ص 92

بذا قال سهل والمحقق مثلنا ... لأنا وإياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته ... يقول بقولي في خفاء وإعلان
ولا تلتفت قولا يخالف قولنا ... ولا تبذر السمراء في أرض عميان
هم الصم والبكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن
اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها.
وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر.
فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة.
ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبير الرؤيا:
«أصبت بعضا وأخطأت بعضا» فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل.
وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام حين ناداه:
«أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» وما قال له صدقت في الرؤيا أنه ابنك: لأنه ما عبرها، بل أخذ بظاهر ما رأى، والرؤيا تطلب التعبير.
ولذلك قال العزيز «إن كنتم للرؤيا تعبرون».
ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر.
فكانت البقر سنين في المحل والخصب.
فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه، وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ففداه
_______________________________________
4 -  لا أعلى في الإنسان من الصفة الجمادية
قال سهل بن عبد الله التستري ، لا أعلى في الإنسان من الصفة الجمادية ، فلا أعلى منها في الإنسان ثم بعدها النباتية ثم بعدها الحيوانية ، وهي أعظم تصريف في الجهات من النبات .
ف ح 1 / 710
5 ، 6  - المنام وحضرة الخيال
النوم جامع أمر ليس يجمعه   ..... غير المنام ففكر فيه واعتبر
أن الخيال له حكم وسلطنة   ..... على الوجودين من معنى ومن صور
وليس يدرك في غير المنام ولا   ..... تبدو له صور في حضرة السور
يختص بالصاد لا بالسين حضرته   ..... فهو المحيط بما في الغيب من صور
من لا يكيف يأبى النوم يحصره   ..... بالكيف والكم للتحديد بالعبر

ص 93

لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام: ما هو فداء في نفس الأمر عند الله.
فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام.
فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر.
ثم قال «إن هذا لهو البلاء المبين» أي الاختبار المبين أي الظاهر يعني الاختبار في العلم: هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟
لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير: فغفل فما وفى الموطن حقه، وصدق الرؤيا لهذا السبب كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي» فرآه تقي بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا.
ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما. فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب.
ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر».  قيل ما أولته يا رسول الله؟
_______________________________

فالنوم حالة تنقل العبد من مشاهدة عالم الحس إلى البرزخ ، فإذا نام الإنسان نظر بالبصر بالوجه الذي له إلى عالم الخيال ، وهو أكمل العالم فلا أكمل منه ، هو أصل مصدر العالم ، له الوجود الحقيقي والتحكم في الأمور كلها .
يجسد المعاني ويرد ما ليس قائما بنفسه قائما بنفسه ، وما لا صورة له يجعل له صورة ، ويرد المحال ممكنا ، ويتصرف في الأمور كيف يشاء ، فالخيال له قدرة على المحال .
واعلم أن مبدأ الوحي الرؤيا الصادقة ، وما هي أضغاث أحلام، وهي لا تكون إلا في حال النوم ، والرؤيا ثلاث :
منها بشری .
ورؤيا مما يحدث المرء به نفسه في اليقظة فيرتقم في خياله .
والرؤيا الثالثة من الشيطان ، فمن اعتبر الرؤيا يرى امرا هائلا ، وتبين له مالا يدركه من غير هذا الوجه .
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح في أصحابه سألهم :
هل رأى أحد منكم رؤيا ؟
لأنها نبوة ، فكان يحب أن يشهدها في أمته ، وكل رؤيا صادقة ولا تخطيء، فاذا أخطأت الرؤيا فالرؤيا ما أخطأت .
ولكن العابر الذي يعبرها هو المخطىء، حيث لم يعرف ما المراد بتلك الصورة ، ألا تراه مع ما قال لأبي بكر حين عبر رؤيا الشخص المذكور ، أصبت بعضا وأخطأت بعضا ،

ص  94 

قال العلم، وما تركه لبنا على  صورة ما رآه لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضيه من التعبير.
وقد علم أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس أنها في المدينة مدفونة، وأن صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه.
كل روح بهذه المثابة فتتجسد له روح النبي في المنام بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيء.
فهو محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصما من الله في حق الرائي.
ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان فإن أعصاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها.
وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم عليه السلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالعابر للرؤيا هو الذي له جزء من أجزاء النبوة ، حيث علم ما أريد بتلك الصورة ، فقد يكون الرائي هو الذي يراها لنفسه وقد يراها له غيره.
والعابر هو صاحب علم تعبير الرؤيا ، فلا يعلم مرتبة الخيال إلا الله ، ثم أهله من نبي أو ولي مختص، غير هذين فلا يعرف قدر.
هذه المرتبة ، والعلم بها أول مقامات النبوة ،ولهذا كان رسول الله لا إذا أصبح وجلس مجلسه بين أصحابه يقول لهم "هل فيكم من رأى رؤيا ؟".
وذلك ليرى ما أحدث الله البارحة في العالم ، أو ما يحدثه في المستقبل وقد أوحي به إلى هذا الرائي في منامه ، إما صریح وحي وما وهي في صورة يعلمها الرائي ولا بعلم ما أريد بها، فيعبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع لما أراد الله بها.
في ج 1/ 307  - ج 2 / 183 ، 375 ، 367 ، 380  - ج 3 / 38 ، 507.

7 -  رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام (*)
المبشرات إن جاءت إلى العبد من الله في رؤياه على يد رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن كان حكما تعبد نفسه به . ولابد، بشرط أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الصورة الجسدية التي كان عليها في الدنيا كما نقل إليه من الوجه الذي صح عنه .
حتى إنه إنه رأى رسول الله لا يراه مكسور الثنية العليا ، فإن لم يره بهذا الأثر فما هو ذاك ، وإن

ص 95

وبقي بن مخلد. ولما كان للرؤيا هذان الوجهان.
وعلمنا الله: فيما فعل بإبراهيم وما قال له: الأدب لما يعطيه مقام النبوة، علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع إما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أو هما معا.
وإن لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها كما نرى الحق في الآخرة سواء.
فللواحد الرحمن في كل موطن ... من الصور ما يخفي وما هو ظاهر
فإن قلت هذا الحق قد تك صادقا ... وإن قلت أمرا آخرا أنت عابر
وما حكمه في موطن دون موطن ... ولكنه بالحق للخلق سافر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحقق أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه شیخا أو شابا مغايرا للصورة التي كان عليها في الدنيا ومات عليها .
ورآه في حسن أزيد مما وصف له ، أو قبح صورة ، أو يرى الرائي إساءة أدب في نفسه معه ، فذلك كله الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما هو رسول الله .
فيكون ما رآه هذا الرائي عين الشرع ما في البقعة التي يراه فيها عند ولاة أمور الناس ، وإما أن يرجع ما يراه إلى حال الرائي ، أو إلى المجموع .
غير ذلك فلا يكون فيكون تغير صورته صلى الله عليه وسلم  مع عين إعلامه وخطابه إياه بما هو الأمر عليه في حقه أو حق ولاة العصر بالموضع الذي يراه فيه.
فإن جاءه بحكم في هذه الصورة فلا يأخذ به إن اقتضى ذلك نسخ حكم ثابت بالخبر المنقول الصحيح المعمول به ، وكل ما أتى به من العلوم والأسرار مما عدا التحليل والتحريم فلا تحجير عليه فيما يأخذه منها .
الا في العقائد ولا في غيرها ، وذلك بخلاف حكمه لو رآه صلى الله عليه وسلم  على صورته فيلزمه الأخذ به ولا يلزم غير ذلك ، فمن رآه صلى الله عليه وسلم في المنام فقد رآه في اليقظة ما لم تتغير عليه الصورة ، فإن الشيطان لا يتمثل على صورته أصلا .
فهو "صلى الله عليه وسلم " معصوم الصورة حيا وميتا ، فمن رآه فقد رآه في أي صورة رآه .
هذا يخالف ما جاء في هذه الفقرة من قوله : « لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصمة من الله في حق الرائي »،ف ج 4 / 27.

ص 96

إذا ما تجلى للعيون ترده ... عقول ببرهان عليه تثابر
ويقبل في مجلي العقول وفي الذي ... يسمى خيالا والصحيح النواظر
_____________________________
8 - رؤية الحق تعالى في صورة
ما أوسع حضرة الخيال ، فيها يظهر وجود المحال ، بل لا يظهر فيها على التحقيق إلا وجود المحال .
فإن الواجب الوجود وهو الله تعالى لا يقبل الصور وقد ظهر بالصور في هذه الحضرة ، فقد قبل المحال الوجود الوجود في هذه الحضرة .
فما قبل شيء من المحدثات صور الحق سوى الخيال ، فما أوجد الله أعظم من الخيال منزلة ولا أعم حكما ، يسري حكمه في جميع الموجودات والمعدومات ، من محال وغيره .
فليس للقدرة الإلهية فيما أوجدته أعظم وجودا من الخيال ، فيه ظهرت القدرة الإلهية والاقتدار الإلهي ، وهو حضرة المجلى الإلهي في القيامة وفي الاعتقادات .
فالخيال من جملة ما خلق الله ، وهو رحم يصور الله فيه ما يشاء ، فظهر لنا سبحانه فيه بأسمائه وصفاته صورة ، فإن المواطن تحكم بنفسها على كل ما ظهر فيها .
فمن مر على موطن انصبغ به ، والدليل الواضح في ذلك رؤيتك الله تعالى في النوم وهو موطن الخيال ، فلا ترى الحق فيه إلا صورة جسدية .
كانت تلك الصورة ما كانت ، فهذا حكم الوطن حكم عليك في الحق أنك لا تراه إلا كذا ، والحكم على الله أبدا بحسب الصورة التي يتجلى فيها .
فما يصح لتلك الصورة من الصفة التي تقبلها فإن الحق يوصف بها ويصف بها نفسه.
وهذا في العموم إذا رأى الحق أحد في المنام في صورة أي صورة كانت حصل عليه ما تستلزمه تلك الصورة التي رآه فيها من الصفات.
وهذا ما لا ينكره أحد في النوم ، واعلم أن للحق سبحانه في القلوب تجليين :
التجلي الأول في الكثائف وهو تجليه في الصور التي تدركها الأبصار والخيال ، مثل رؤية الحق في النوم ، ويعرف أنه الحق ولا يشك الرائي .
وكذلك في الكشف ، ويقول له عابر الرؤيا حقا رأيت ، وهو في الخيال المتصل ، فيظهر تجلي الحق في الصور التي ينكر فيها أو يرى في النوم ، فيرى الحق في صورة الخلق بسبب

ص 97

يقول أبو يزيد في هذا المقام لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها.
وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام. بل أقول لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه.
فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوى.
وقد قال ذلك أبو يزيد. ولقد نبهنا على هذا المقام بقولنا:
يا خالق الأشياء في نفسه ... أنت لما تخلقه جامع
تخلق ما لا ينتهي كونه فيه ... بك فأنت الضيق الواسع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حضرة الخيال ، فإن صاحب الرؤيا إذا رأى ربه تعالی كفاحا في منامه في أي صورة يراه ، فيقول رأيت ربي في صورة كذا وكذا .
ويصدق مع قوله « ليس كمثله شيء » فنفى عنه المماثلة في قبول التجلي في الصور كلها التي لا نهاية لها لنفسه ، فإن كل ما سواه تعالی ممن له التجلي في الصور لا يتجلى لشيء منها لنفسه .
وإنما يتجلى فيها بمشيئة خالقه وتكوينه ، وفي نسبة الصور لله يقال في أي صورة شاء ظهر من غير جعل جاعل .
والتجلي الآخر في حال التخيل في عبادتك ، فإنه صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى ، وقد صح عنه أنه قال لجبريل عليه السلام « الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه » ، فهذا تنزيل خيالي ، فأدخل سبحانه نفسه في التخيل من أجل كاف التشبيه ، فإن الإحسان عيان وفي منزلة كأنه عیان.
الفتوحات:  ج 1 / 383 ، 384  ج 2 / 124 ، 312 ، 472  ج 3 / 507 ، 508 ، 538 ج 4 / 19 ، 108 ، 200 .

9 -  وذلك أن قلبا وسع القديم كيف يحس بالمحدث موجودا ، فكان أبو يزيد في هذا القول تحت حكم الاسم الواسع ، فما فاض عنه شيء ، وذلك أنه تحقق .
بقوله « وسعني قلب عبدي » فلما وسع الحق قلبه ، وسع قلبه كل شيء ، إذ لا يكون شيء إلا عن الحق ، فلا تكون صورة شيء إلا في قلبه ، يعني في قلب ذلك العبد الذي وسع الحق .

ص 98

لو أن ما قد خلق الله ما لاح ... بقلبي فجره الساطع
من وسع الحق فما ضاق عن ... خلق فكيف الأمر يا سامع؟
بالوهم يخلق كل إنسان في قوة خياله ما لا وجود له إلا فيها، وهذا هو الأمر العام.
والعارف يخلق بالهمة ما يكون له وجود من خارج محل الهمة و لكن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
10 - الخيال هو الواسع الضيق
شرح الأبيات - قوله « يا خالق الأشياء » يعني به الخيال
لما كان الخيال يصور من يستحيل عليه بالدليل العقلي الصورة والتصور ، لهذا كان واسعا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اعبد الله كأنك تراه » « والله في قبلة المصلي » أي تخيله في قبلتك وأنت تواجهه لتراقبه وتستحي منه وتلزم الأدب معه.
وأما ما في الخيال من الضيق فإنه ليس في وسع الخيال أن يقبل أمرا من الأمور الحسية والمعنوية والنسب والإضافة وجلال الله وذاته إلا بالصورة .
ولو رام أن يدرك شيئا من غير صورة لم تعط حقيقته ذلك ، فمن هنا هو ضيق في غاية الضيق ، فإنه لا يجرد المعاني عن المواد أصلا .
ولهذا كان الحس أقرب شيء إليه ، فإنه من الحس أخذ الصور ، وفي الصور الحسية يجلي المعاني ، فهذا من ضيقه .
فالخيال أوسع المعلومات ومع هذه السعة العظيمة التي يحكم بها على كل شيء عجز أن يقبل المعاني مجردة عن المواد كما هي في ذاتها .
فيرى العلم في صورة لبن أو عسل ، ويرى الإسلام في صورة قبة وعمد ، ويرى القرآن في صورة سمن وعسل ، ويرى الدين في صورة قيد ، ویری الحق في صورة إنسان وفي صورة نور ، فهو الواسع الضيق.
أما قوله في البيت الأخير فهو عود إلى قول أبي يزيد ، فكيف الأمر يا سامع ؟!
الفتوحات : ج 1 / 36.
11 - ما لا قدرة للانسان ولا قوة له عليه أن يكون منه في الحس هنا في الدار الدنيا ، فإنه يقوى على إيجاده خيالا في نفسه .
ف ج 4 /  282

ص 99

لا تزال الهمة تحفظه. ولا يئودها حفظه، أي حفظ ما خلقته.
فمتى طرأ على العارف غفلة عن حفظ ما خلق عدم ذلك المخلوق، إلا أن يكون العارف قد ضبط جميع الحضرات وهو لا يغفل مطلقا، بل لا بد من حضرة يشهدها.
فإذا خلق العارف بهمته ما خلق وله هذه الإحاطة ظهر ذلك الخلق بصورته في كل حضرة، وصارت الصور يحفظ بعضها بعضا.
فإذا غفل العارف عن حضرة ما أو عن حضرات وهو شاهد حضرة ما من الحضرات، حافظ لما فيها من صورة خلقه، انحفظت جميع الصور بحفظه

_______________________________
12 - الفعل بالهمة والتحول في الصور
يشترك الإنسان الحيوان مع الكامل في الأدوات الصناعية التي بها يتوصل إلى مصنوع ما مما يفعل بالأيدي ، ويزيد الكامل عليه بالفعل بالهمة ، فأدواته همته ، وهي له بمنزلة الإرادة الإلهية إذا توجهت على إيجاد شيء .
فمن المحال أن لا يكون ذلك الشيء المراد ، وليس الفعل بالهمة محسوسة في الدنيا لكل أحد، وهو لغير الولي كصاحب الهمة والغرانية بإفريقية .
ولكن ما تكون بسرعة تكوين الشيء في الدار الآخرة ، وهذا في الدنيا نادر شاذ كقضيب البان وغيره ، وهو في الدار الآخرة للجميع ، ففي قوة الإنسان ما ليس في قوة عالم الغيب .
فإن في قوة الإنسان من حيث روحه التمثل في غير صورته في عالم الشهادة ، فيظهر الإنسان في أي صورة شاء من صور بني آدم أمثاله .
وفي صور الحيوانات والنبات والحجر ، فإن الإنسان في هذا الطريق يعطى من القوة ما يظهر به في هذه النشأة كما يظهر في النشأة الآخرة التي يظهر فيها على أي صورة شاء .
ولكن لا يصل كل واحد إلى معرفة هذا الأصل ، فقد أعلمنا الحق أن هذه النشأة تعطي القبول لأي صورة كانت ، فإذا علم الإنسان بالكشف الإلهي أنه على أصل وحقيقة تقبل الصور ، فيتعمل في تحصيل أمر يتوصل به إلى معرفة الأمر .
فإذا فتح له فيه ظهر في عالم الشهادة في أي صورة من عالم الشهادة شاء ، وظهر في عالم الغيب والملكوت في أي صورة من صوره شاء.
غير أن الفرق بيننا وبين عالم الغيب أن الإنسان إذا تروحن وظهر للروحانيين في عالم الغيب يعرفون أنه جسم تروحن ، والناس في عالم الشهادة إذا أبصروا روحا تجسد لا يعلمون أنه روح تجسد ابتداء حتى يعرفوا بذلك .

ص 100

تلك الصورة الواحدة في الحضرة التي ما غفل عنها، لأن الغفلة ما تعم قط لا في العموم ولا في الخصوص.
وقد أوضحت هنا سرا لم يزل أهل الله يغارون على مثل هذا أن يظهر لما فيه من رد دعواهم أنهم الحق، فإن الحق لا يغفل والعبد لا بد له أن يغفل عن شيء دون شيء.
فمن حيث الحفظ لما خلق له أن يقول «أنا الحق»، ولكن ما حفظه لها حفظ الحق: وقد بينا الفرق. ومن حيث ما غفل عن صورة ما وحضرتها فقد تميز العبد من الحق. ولا بد أن يتميز مع بقاء الحفظ لجميع الصور بحفظه صورة واحدة
_______________________________
واعلم أن النفس الناطقة التي هي روح الإنسان المسماة زيدا لا يستحيل عليها أن تدبر صورتين جسميتين فصاعدا إلى آلاف الصور الجسية ، وكل صورة هي زید عینها ، ليست غير زيد .
ولو اختلفت الصورة أو تشابهت لكان المرئي المشهود عين زبد، كما تقول في جسم زيد الواحد مع اختلاف أعضائه في الصورة من رأس وجبين وحاجب وعين ووجنة وخد وأنف وفم وعنق ويد ورجل وغير ذلك من جميع أعضائه.
أي شيء شاهدت منه تقول فيه رأيت زيدا ، وتصدق ، كذلك تلك الصور إذا رفعت ويدبرها روح واحد.
إلا أن الخلل وقع هنا عند الرؤية لعدم اتصال الصور اتصال الأعضاء في الجسم الواحد ، فلو شاهد الاتصال الذي بين الصور ، لقال في كل صورة شهدها هذا زيد ، كما يفعل المكاشف إذا شاهد نفسه في كل طبقة من طباق الأفلاك، لأن له في كل فلك صورة ، تدبر تلك الصور روح واحدة ، وهي روح زید مثلا .
فالروح الواحد يدبر أجساما متعددة إذا كان له الاقتدار على ذلك ، ويكون ذلك في الدنيا للولي بخرق العادة ، وفي الآخرة نشأة الإنسان تعطي ذلك ، وكان قضيب البان ممن له هذه القوة ولذي النون المصري كما يدبر الروح الواحد سائر أعضاء البدن من بد ورجل وسمع و بصر وغير ذلك .
وكما تؤاخذ النفس بأفعال الجوارح على ما يقع منها ، كذلك الأجساد الكثيرة التي يدبرها روح واحد ، أي شيء وقع منها يسأل عنه ذلك الروح الواحد، وإن كان عين ما يقع من هذا الجسم من الفعل متل ما يقع من الجسم الآخر .
فيكون ما يلزمه من المؤاخذة على فعل أحد الجسمين يلزمه على فعل الآخر وإن كان مثله ، وإنما سمي الأبدال أبدلا لكونهم إذا فارقوا

ص 101

منها في الحضرة التي ما غفل عنها. فهذا حفظ بالتضمن، وحفظ الحق ما خلق ليس كذلك بل حفظه لكل صورة على التعيين.
وهذه مسألة أخبرت أنه ما سطرها أحد في كتاب لا أنا ولا غيري إلا في هذا الكتاب:
فهي يتيمة الدهر وفريدته. فإياك أن تغفل عنها فإن تلك الحضرة التي يبقي لك الحضور فيها مع الصورة، مثلها مثل الكتاب الذي قال الله فيه «ما فرطنا في الكتاب من شيء» فهو الجامع للواقع وغير الواقع
________________________
موضعا ويريدون أن يخلقوا بدلا منهم في ذلك الموضع الأمر يرونه مصلحة وقربة . يتركون به شخصا على صورته .
لا يشك أحد ممن أدرك رؤية ذلك الشخص أنه عين ذلك الرجل وليس هو ، بل هو شخص روحاني بتركه بدله بالقصد على علم منه.
فكل من له هذه القوة فهو البدل ، فمن كان تتنوع عليه المقامات والأحوال ويظهر في كل صورة من صور العالم ، له التروحن إذا شاء والتحول في الصور .
وإذا كان البشر بهذه النشأة الترابية العنصرية له قوة التحول في الصور في عين الرائي وهو على صورته ، فهذا التحول في الأرواح أقربه.
واعلم أن أصل هذا الأمر الذي ذكرته ، إنما هو من العلم الإلهي في التجلي الإلهي ، فمن هناك ظهر هذا الأمر في عالم الغيب والشهادة ، إذ كان العالم بجملته والإنسان بنسخته والملك بقوته على صورة مقام التجلي في الصور المختلفة.
ولا يعرف حقيقة تلك الصور التي يقع التحول فيها على الحقيقة إلا من له مقام التحول في أي صورة شاء وإن لم يظهر بها.
وليس ذلك المقام إلا للعبد المحض الخالص، فإنه لا يعطيه مقام العبودية أن يتشبه بشيء من صفات سیده جملة واحدة.
حتى إنه يبلغ من قوته في التحقق بالعبودية أنه يفنی وینسی ويستهلك عن معرفة القوة التي هو عليها من التحول في الصور ، بحيث أن لا يعرف ذلك من نفسه.
تسليما لمقام سيده إذ وصف نفسه بذلك ، ولولا هذا الأصل الإلهي وأن الحق له هذا وهو في نفسه عليه ، ما صح أن تكون هذه الحقيقة في العالم.
إذ يستحيل أن يكون العالم في أمر لا يستند إلى حقيقة إلهية في صورته التي يكون عليها في ذلك الأمر .
الفتوحات : ج 1/ 182 ، 259 ، 621  - ج 2 / 7 ، 14 ، 333 ، 495 - ج 3 / 42 ، 43 ، 44 ، 298 .


ص 102

البيت الأول : « فوقتا يكون العبد ربا بلا شك » أي يكون سيدا قال يوسف عليه السلام لصاحبه في السجن " اذكرني عند ربك" .
البيت الثاني : الشطر الأول يشير إلى قول الحق في الحديث القدسي « ووسعني قلب عبدي المؤمن » .
ويشير الشطر الثاني إلى مسؤولية الخلافة من قوله تعالى : « وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا »
البيت الثالث : الشطر الأول يشير إلى تحقق العبد بمقام العبودية وهو قوله تعالى :" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " .
والشطر الثاني يشير إلى الحديث القدسي « عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد » وإلى قوله تعالى : « لهم ما يشاؤون عند ربهم » .
البيت الرابع : يشير إلى مسؤولية مقام الخلافة .
البيت الخامس : يؤكده ما روي عن سليمان عليه السلام أنه طلب من الحق أن يوكل إليه أرزاق خلقه فأجابه إلى طلبه ، فخرجت له دابة صغيرة من البحر فالتهمت جميع ما كان أعده على شاطىء البحر من مائدة لدواب البر والطير ، ثم قالت له ، أكمل لي رزقي .
البيت السادس : « فكن عبد رب » أي كن عبدا محضا للرب الحق، « لا تكن رب عبده » أي سيدا لعبده والضمير في عبده يعود على كلمة « الرب » الأولى وهو الإله الحق.

ص 103
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:07 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 07 - فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يوليو 28, 2019 9:06 pm

07 - فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

تعليقات أ.محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص الإسحاقي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

07 - فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية 

أعلم أن مسمى الله أحدي بالذات كل بالأسماء. وكل موجود فما له من الله إلا ربه خاصة يستحيل أن يكون له الكل. "2"  وأما الأحدية الإلهية فما لواحد فيها 
_________________________________________
1 - المناسبة
معلوم أن الشيخ رضي الله عنه يراعي أدنى مناسبة رابطة والمناسبة في هذا الفص هي في قوله تعالی عن إسماعيل عليه السلام "وكان عند ربه مرضيا" ، والمقصود من الفص هو توحيد الربوبية.
فيقول رضي الله عنه في الفتوحات « الرب، لا يعقل إلا مضافا ، ولذلك ما جاء في القرآن قط مطلقا من غير إضافة ، وإن اختلفت إضافاته ، فتارة يضاف إلى أسماء مضمرة وتارة يضاف إلى أعيان وتارة يضاف إلى أحوال ، وجاء مضافا لاحتياج العالم إليه أكثر من غيره من الأسماء لأنه اسم لجميع المصالح .
وهو من الأسماء الثلاثة الأمهات ، فجاء : ربكم ، ورب آبائكم ، ورب السموات والأرض ، ورب المشارق ، والمشرقين ، ورب المغرب ، والمغارب ، والمغربين ، وهو المتخذ وكيلا ، فهو رب العالمين ، أي : مربيهم ومغذيهم والعالمين عبارة عن كل ما سوى الله تعالی .
والمناسبة الثانية هي وصفه تعالى لإسماعيل عليه السلام بأنه صادق الوعد فكانت المناسبة هي صدق الوعد ونسبة ذلك إلى الحق بما يؤول إلى شمول الرحمة كما سنوضحه في شرح هذا الفص من كلام الشيخ ، فكان العلو في المناسبة الأولى بشرف الإضافة في قوله : « عند ربه ، وفي المناسبة الثانية بصدق الوعد ، وهي من أعلى وأشرف الصفات .
الفتوحات ج 1 / 133 ، ج 2 / 442 .

2 -  لكل عبد اسم هو ربه  
لولا العصر والمعاصر ، و الجاهل والخابر ، ما عرف أحد معنى اسمه الأول والآخر ، ولا الباطن والظاهر ، وإن كانت أسماؤه الحسنى ، على هذا الطريق الأسنى ،
ص 105

قدم، لأنه لا يقال لواحد منها شيء ولآخر منها شيء، لأنها لا تقبل التبعيض. فأحديته
______________________________
ولكن بينها تباين في المنازل ، يتبين ذلك عندما تتخذ وسائل لحلول النوازل ، فليس عبد الحليم هو عبد الكريم ، وليس عبد الغفور هو عبد الشكور ، فكل عبد له اسم هو ربه ، وهو جسم ذلك الاسم قلبه .
ويقول رضي الله عنه :
فقد أنشأ سبحانه الحقائق على عدد أسماء حقه ، وأظهر ملائكة التسخير على عدد خلقه ، فجعل لكل حقيقة اسما من أسمائه تعبده وتعلمه ، وجعل لكل سر حقيقة ملكا يخدمه ويلزمه .
فمن الحقائق من حجبته رؤية نفسه عن اسمه، فخرج عن تكليفه وحكمه ، فكان له من الجاحدين ، ومنهم من ثبت الله أقدامه واتخذ اسمه أمامه ، وحقق بينه وبينه العلامة وجعله إمامه ، فكان له من الساجدین .
اعلم علمك الله سرائر الحكم ووهبك من جوامع الكلم ، أن الأسماء الحسنى التي تبلغ فوق أسماء الإحصاء عددا ، وتنزل دون أسماء الإحصاء سعادة ، هي المؤثرة في هذه العالم ، وهي المفاتح الأولى التي لا يعلمها إلا هو ، وأن لكل حقيقة اسما ما يخصها من الأسماء ، وأعني بالحقيقة حقيقة تجمع جنسا من الحقائق ، رب تلك الحقيقة ذلك الاسم .
وتلك الحقيقة عابدته و تحت تكليفه ليس غير ذلك - وإن جمع لك شيء ما أشياء كثيرة فليس الأمر على ما توهمته ، فإنك إن نظرت إلى ذلك الشيء وجدت له من الوجوه ما يقابل به تلك الأسماء التي تدل عليها وهي الحقائق التي ذكرناها .
مثال ذلك ، ما ثبت لك في العلم الذي في ظاهر العقول وتحت حكمها في حق موجود ما فرد لا ينقسم ، مثل الجوهر الفرد الجزء الذي لا ينقسم ، فإن فيه حقائق متعددة تطلب أسماء إلهية على عددها ، فحقيقة إيجاده يطلب الاسم القادر ووجه أحكامه يطلب الاسم العالم .
ووجه اختصاصه يطلب الاسم المريد ، ووجه ظهوره يطلب الاسم البصير والرائي إلى غير ذلك ، فهذا وإن كان فردا فله هذه الوجوه وغيرها مما لم نذكرها.
ولكل وجه وجوه متعددة تطلب من الأسماء بحسبها ، وتلك الوجوه هي الحقائق عندنا الثواني والوقوف عليها عسير وتحصيلها من طريق

ص 106

مجموع كله بالقوة.  والسعيد من كان عند ربه مرضيا، وما ثم إلا من هو مرضي عند ربه لأنه الذي يبقي عليه ربوبيته، فهو عنده مرضي فهو سعيد. "3"  ولهذا قال
_________________________________
الكشف أعسر - واعلم وفقك الله أن كل اسم إلهي يتضمن جميع الأسماء كلها وأن كل اسم ينعت بجميع الأسماء في أفقه .
فكل اسم حي قادر سميع بصير متكلم في أفقه وفي علمه ، وإلا فكيف يصح أن يكون ربا لعابده ، هيهات هيهات.
فكل اسم جامع لما جمعت الأسماء من الحقائق ، ولكل عين من أعيان الممكنات اسم إلهي خاص ينظر إليه ، وهو يعطيه وجهه الخاص الذي يمتاز به عن غيره ، والممكنات غير متناهية فالأسماء غير متناهية ، لأنها تحدث النسب بحدوث الممكن ، ولذلك فالحضرات الإلهية تكاد لا تنحصر لأنها نسب ، ومعنی توجه اسم معين على إيجاد موجود معين هو كون ذلك الاسم هو الأغلب عليه وحكمه أمضى فيه ، مع أنه ما من ممكن يوجد إلا و للأسماء المتعلقة بالأكوان فيه أثر .
ولكن بعضها أقوى من بعض في ذلك الممكن المعين وأكثر حكما ، فلهذا ننسبه إليه ، فالحضرة الإلهية اسم لذات وصفات وأفعال ، وإن شئت قلت صفة فعل وصفة تنزيه ، وهذه الأفعال تكون عن الصفات والأفعال أسماء لا بد ، فالحضرات الإلهية كني عنها بالأسماء الحسنى ، وكل حضرة لها عبد كما لها اسم إلهي ، وكل متخلق باسم من الأسماء يسمى عبد كذا ، مثل عبد الرحمن ، وعبد الملك ، وعبد القدوس الفتوحات  ج 1 / 2 ،4 ، 99 ج 2 / 468 ج 4 / 196 ، 204 ، 208 ، 288 ، 318 .

3 - الاسم الرب
قال تعالى: " ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه" ، وهذا هو توحيد الرب بالاسم الخالق وهو توحيد الهوية ، فهذا توحید الوجود لا توحید التقدير ، فإنه أمر بالعبادة ولا يباء مثر بالعبادة إلا من هو موصوف بالوجود ، وجعل الوجود للرب ، فجعل ذلك الاسم بين الله وبين التهليل ، وجعله مضاف إلينا إضافة
خاصة الى الرب ، فهي إضافة خصوص لنوحده في سيادته ومجده وفي وجوب وجوده ، فلا يقبل العدم كیا يقبله الممكن ، فإنه الثابت وجوده لنفسه ، ويوجد أيضا
ص 107


في ملكه بإقرارنا بالرق له ، و لنوحده توحيد المنعم لما أنعم به علينا من تغذيته إيانا في ظلم الأرحام وفي الحياة الدنيا ، و لنوحده أيضا فيما أوجده من المصالح التي بها قوامنا من إقامة النواميس ووضع النواميس ومبايعة الأئمة القائمة بالدين ، وهذه الفصول كلها أعطاها الاسم الرب فوحدناه و نفينا ربوبية ما سواه .
وقال تعالى : « اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو » ففي التوحيد السابق الاسم الرب عم إضافة جميعنا إليه ، وهنا خصص به الداعي .
وقال تعالى : « فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم » - « فقل حسبي الله » أي في الله تعالى الكفاية «لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ، فإذا كان رب العرش ، والعرش محیط بعالم الأجسام ، وأنت من حيث جسميتك أقل الأجسام ، فاستكفي بالله الذي هو رب مثل هذا العرش ۰
وقال تعالى : « وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب » فهم لا ينكرون الرب ، ولما كان الرحمن له النفس ، وبالنفس حياتهم ، فسره بالرب ، لأنه المغذي و بالغذاء حياتهم ، فلا يتفرقون من الرب ويفرقون من الله ، فتلطف لهم بالعبارة بالاسم الرب ليرجعوا فهو أقرب مناسبة بالرحمن .
قوله تعالى : « فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم » ۰
لا إله إلا هو من نعت الحق ، فالأمر الذي ظهر فيه وجود العالم هو الحق ، وما ظهر إلا في نفس الرحمن وهو العماء ، فهو الحق رب العرش الذي أعطاه الشكل الإحاطي ، لكونه بكل شيء محيط ، فالأصل الذي ظهر فيه صور العالم بكل شيء من عالم الأجسام محيط ، وليس إلا الحق المخلوق به ، فكان لهذا القبول كالظرف يبرز منه وجود ما يحوي عليه ، طبقا عن طبق ، عينا بعد عين ، على الترتيب الحكمي ، فأبرز ما كان فيه غيبا ليشهده فيوحده مع صدوره عنه ، فيحار إن عدده فما ثم

ص 108

سهل إن للربوبية سرا وهو أنت: يخاطب كل عين- لو ظهر لبطلت الربوبية. "4"
فأدخل عليه «لو» و هو حرف امتناع لامتناع ، وهو لا يظهر فلا تبطل الربوبية لأنه  لا وجود لعين إلا بربه.
والعين موجودة دائما فالربوبية لا تبطل دائما. وكل مرضي محبوب، وكل ما يفعل المحبوب محبوب، فكله مرضي، لأنه لا فعل للعين، بل الفعل لربها فيها فاطمأنت العين أن يضاف إليها فعل، فكانت «راضية» بما يظهر فيها وعنها من أفعال ربها، «مرضية» تلك الأفعال لأن كل فاعل وصانع راض عن فعله وصنعته، فإن وفى فعله وصنعته حق ما عليه «أعطى كل شي ء خلقه ثم هدى» أي بين أنه أعطى كل شيء خلقه، فلا يقبل النقص ولا الزيادة. فكان إسماعيل بعثوره على ما ذكرناه عند ربه مرضيا. وكذا كل موجود عند ربه مرضي. "5"
ولا يلزم إذا
____________________________________________
غيره ، وإن وحده فيرى أن عينه ليس هو ، فأوجد طرفين وواسطة التميز الأعيان في العين الواحدة ، فتعددت الصور وهذه الصورة ما هي هذه الصورة ، وليس ثم شيء زائد ، فلا أقدر على إنكار التمييز ولا أقدر أثبت سوی عين واحدة ، فلا إله إلا هو رب العرش الكريم •
توحيد الربوبية / جاء في كتاب التجليات تحت رقم 66 فإن لكل أسم توحيدا وجمعا.
- راجع الفتوحات  ج 2 / 408 .

4 - قول سهل « إن الربوبية سرالو ظهر لبطلت الربوبية »
ظهر هنا بمعنی زال كما يقال ظهروا عن البلد أي ارتفعوا عنه ، والكون مرتبط بالله ارتباطا لا يمكن الانفكاك عنه لأنه وصف ذاتي للكون ، فلو تجلى الحق للعبد في هذا الارتباط ، وعرف من هذا التجلي وجوبه به وأنه لا تثبت المطلوبه وهو الحق هذه الرتبة إلا به .
وأنه سرها الذي لو بطل لبطلت الربوبية ، فأول رزق ظهر عن الرزاق ما تغذت به الأسماء الإلهية من ظهور آثارها في العالم ، فكان فيه بقاؤها ونعيمها وروحها وسرورها ، وأول مرزوق في الوجود الأسماء ، فتأثير الأسماء في الأكوان رزقها الذي به غذاؤها وبقاء الأسماء عليها ، وهذا معنى قولهم إن للربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية .
الفتوحات ج 2 / 154 ، 462 .
5 -  راجع هامش رقم 2

ص 109

كان كل موجود عند ربه مرضيا على ما بيناه أن يكون مرضيا عند رب عبد آخر لأنه ما أخذ الربوبية إلا من الكل لا من واحد. فما تعين له من الكل إلا ما يناسبه، فهو ربه.
ولا يأخذه أحد من حيث أحديته. و لهذا منع أهل الله التجلي في الأحدية ،"6" فإنك إن نظرته به فهو الناظر نفسه فما زال ناظرا نفسه بنفسه، و إن نظرته بك فزالت الأحدية بك، و إن نظرته به و بك فزالت الأحدية أيضا.
لأن ضمير التاء في «نظرته» ما هو عين المنظور، فلا بد من وجود نسبة ما اقتضت أمرين ناظرا ومنظورا، فزالت الأحدية وإن كان لم ير إلا نفسه بنفسه. ومعلوم أنه في هذا الوصف ناظر ومنظور.
فالمرضي لا يصح أن يكون مرضيا مطلقا إلا إذا كان جميع ما يظهر به من فعل الراضي فيه.
ففضل إسماعيل غيره من الأعيان بما نعته الحق به من كونه عند ربه مرضيا.
وكذلك كل نفس مطمئنة قيل لها «ارجعي إلى ربك» فما أمرها أن ترجع إلا إلى ربها الذي دعاها فعرفته من الكل، «راضية مرضية».
«فادخلي في عبادي» من حيث ما لهم هذا المقام. فالعباد المذكورون هنا كل عبد عرف ربه تعالى واقتصر عليه ولم ينظر إلى رب غيره مع أحدية العين: "7" لا بد من ذلك «وادخلي جنتي» التي بها ستري.
وليست جنتي سواك فأنت تسترني بذاتك. فلا أعرف إلا بك كما أنك لا تكون إلا بي. فمن عرفك عرفني وأنا لا أعرف فأنت لا تعرف. "8"
فإذا دخلت جنته دخلت
_______________________________________
6 - التجلي في الأحدية
لا يتجلى الحق في الاسم الأحد، ولا يصح التجلي فيه ، ولا في الاسم الله ، وما عدا هذين الاسمين من الأسماء المعلومات لنا فإن التجلي يقع فيها ، فإن التجلي الإلهي لا يكون إلا للإله وللرب ، لا يكون له أبدا ، فإن الله هو الغني .
الفتوحات ج 3 / 178 ، 180 .
7 -  راجع هامش رقم 2

8 - من عرف نفسه عرف ربه
جاء صلى الله عليه وسلم بمن وهي نكرة فعم كل عارف ، وعلق المعرفة بالربوبية ، فالعلم به تعالی موقوف على العلم بنا ، أي أن المعرفة بالله ما لها طريق لا المعرفة بالنفس ، فجعلك دليلا ، أي جعل معرفتك بك دليلا على معرفتك به ، أو جعلك دليلا عليه ، فعلمته فإما بطريقة ما وصفك بما وصف به نفسه من ذات وصفات ، وجعله إياك خليفة نائبا عنه في أرضه ، وإما بما أنت عليه من الافتقار إليه في وجودك ، وإما

ص 110

نفسك فتعرف نفسك معرفة أخرى غير المعرفة التي عرفتها حين عرفت ربك بمعرفتك إياها. ____________________________________
الأمران معا ، لابد من ذلك ، فإنك لو علمت نفسك علمت ربك كما أن ربك علمك وعلم العالم بعلمه بنفسه ، وأنت صورته ، فلا بد أن تشاركه في العلم ، فتعلمه من عليك بنفسك ، إذ كان الأمر في علم الحق بالعالم علمه بنفسه.
وكان قوله صلى الله عليه وسلم من عرف نفسه عرف ربه لما جعلنا دليلا عليه ، فقدم معرفة الإنسان نفسه لأنه عين الدليل، ولابد أن يكون العلم بالدليل مقدما على العلم بالمدلول ، فجعل صلى الله عليه وسلم  نفس العارف إذا عرفها العارف دليلا على معرفة الله .
فعلمنا به فرع عن علمنا بنا، إذ نحن عين الدليل ، فمن عرف نفسه خلقا موجودا عرف الحق خالقا موجدا ، فإن الحق تعالی اتنسب إلينا إيجادا وانتسبنا إليه وجودا ، ومن عرف نفسه أنه لم تزل عينه في إمكانها عرف ربه بأنه الموجود في الوجود، ومن عرف التغييرات الظاهرة في الوجود أنها أحكام استعداد الممكنات عرف ربه بأنه عين مظهرها ، ومن عرف نفسه بأنه لا يماثله الخق عرف ربه فإنه لا يماثله الخلق ، فيعرف نفسه معرفة ذوق فلا يجد في نفسه للألوهة مدخلا .
فيعلم بالضرورة أن الله لو أشبهه أو كان مثلا له لعرفه في نفسه ، وعلم بافتقاره أن ثم من يفتقر إليه ولا يمكن أن يشبهه فعرف ربه أنه ليس مثله ، وإن كان الله قد أقامه خليفة و أوجده على الصورة فيخاف ويرجى و يطاع ويعصي .
واعلم أن الله تعالى قال : « سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق » والنفس بحر لا ساحل له لا يتناهى النظر فيها دنيا وآخرة ، وهي الدليل الأغرب ، فكلما ازداد نظرا ازداد علما بها ،وكلما ازداد علما بها ازداد علما بربه. فما علمنا أن لنا امرأ يحركنا ويسكننا ويحكم فينا بما شاء فى نظرنا في نفوسنا ورأينا أن صورة الجسم مع بقائها تزول عنها أحكام كنا نشاهدها من الجسم وصورته، من إدراك المحسوسات والمعاني .
فعلمنا أن وراء الجسم معنى آخر هو الذي أعطى أحكام الإدراكات فيه ، فسمينا ذلك المعنى روحا لهذا الجسم ، فلما نظرنا هذا النظر في نفوسنا عرفنا ربنا ، وقد تكون المعرفة بالله الحاصلة بعد المعرفة بالنفس.
علما بالعجز

ص 111

عن البلوغ إلى ذلك ، فيحصل العلم بأنه ثم من لا يعلم ، وقد تكون المعرفة به من كونه إلها ، فيعلم ما تستحقه المرتبة ، فيجعل ذلك صفة لمن قامت به تلك المرتبة وظهر فيها .
فيكون العلم بما تقتضيه الرتبة علما بصاحبها ، إذ هو المنعوت بها ، فهو المنعوت بكل ما ينبغي لها أن توصف به ، وعلى الحقيقة يعلم أن هذا علم بالمرتبة لا به ، لكن يعلم أنه ما في وسع الممكن أكثر من هذا في باب النظر وإقامة الأدلة ، فعند العارفين الشرع أغلق في هذا القول باب العلم بالله.
لعلمه بأنه لا يصل أحد إلى معرفة نفسه ، فإن النفس لا تعقل مجردة عن علاقتها بهيكل تدبره ، منورا كان أو مظلما .
فلا تعقل إلا كونها مدبرة ، ماهيتها لا تعقل ولا تشهد مجردة عن هذه العلاقة ، ولذلك الله لا يعقل إلا إلها غير إله لا يعقل ، فلا يتمكن في العلم به تجريده عن العالم المربوب ، وإذ لم يعقل مجردة عن العالم فلم تعقل ذاته ولا شهدت من حيث هي ، فأشبه العلم به العلم بالنفس .
والجامع عدم التجريد وتخليص حقيقة ذاته من العلاقة التي بين الله وبين العالم والعلاقة التي بين نفسك وبين بدنها ، وكل من قال بتجريد النفس عن تدبير هيكل ما فما عنده خبر بماهية النفس ، فما أظن والله أعلم أنه أمرنا بمعرفته وأحالنا على نفوسنا في تحصيلها إلا لعلمه أنا لا ندرك ولا نعلم حقيقة نفوسنا ونعجز عن معرفتنا بنا، فنعلم أنا به أعجز .
فيكون ذلك معرفة به لا معرفة ، فمن عجز عن معرفة نفسه عجز عن معرفة ربه ، وقد تكون المعرفة بالشيء العجز عن المعرفة به ، فيعرف العارف أن هذا المطلوب لا يعرف ، والغرض من المعرفة بالشيء أن يميز عن غيره .
فإنك إذا أخذت تفصل حدود أعيان الموجودات وجدتها بالتفصيل فسبا و بالجموع أمرا وجوديا ، لا يمكن لمخلوق أن يعلم صورة الأمر فيها .
فلا علم لمخلوق مما سوى الله ولا العقل الأول أن يعقل كيفية اجتماع نسب يكون عن اجتماعها عين وجودية مستقلة في الظهور ، غير مستقلة في الغني ، مفتقرة بالإمكان المحكوم عليها به ، وهذا علم لا يعلمه إلا الله تعالى ، وليس في الإمكان أن

ص 112


فتكون صاحب معرفتين: معرفة به من حيث أنت"9"، ومعرفة به بك من حيث هو لا من حيث أنت."10"
فأنت عبد وأنت رب ... لمن له فيه أنت عبد
_________________________________
يعلمه غير الله تعالى ولا يقبل التعليم ، أعني أن يعلمه الله من شاء من عباده ، فأشبه العلم به العلم بذات الحق ، والعلم بذات الحق محال حصوله لغير الله ، فمن المحال حصول العلم بالعالم أو بالإنسان نفسه ، أو بنفس كل شيء لنفسه لغير الله ، فلما جل الله تعالى في نفسه أن يعرفه عبده واستحال ذلك.
فلم يبق لنا معلوم نطلبه إلا النسب خاصة أو أعيان الممكنات وما ينسب إليها ، فالمعرفة تتعلق بأعيان الذوات من الممكنات والعلوم تتعلق بما ينسب إليها ، فإن الإنسان المدرك لا يتمكن له أن يدرك شيئا أبدا إلا ومثله موجود فيه ، ولولا ذلك ما أدركه البتة.ولا عرفه.
فإذا لم يعرف شيئا إلا وفيه مثل ذلك الشيء المعروف ، فما عرف إلا ما يشبهه ویشاكله ، والباري تعالی لا يشبه شيئا ولا في شيء مثله فلا يعرف أبدا ، وليس من الله في أحد شيء ، ولا يجوز ذلك عليه بوجه من الوجوه ، فلا يعرفه أحد من نفسه وفكره .
الفتوحات:  ج1 / 63 ،95 ، 112 ، 331 ، 328 ، 347 ، 353 ، 399 ، 472 ، 591 ، 661 ، 695 .
ج 2 / 153 ، 176 ، 225 ، 243 ، 256 ، 298 ، 429 ، 470 ، 472 ، 479 ، 500 .
ج 3 / 44 ، 101 ، 189 ، 289 ، 301 ، 315 ، 363 ، 391 ، 401 ، 404 ، 412 ، 503 ، 536 ، 544 ، 553 ، 556 ، 557 .
ج 4 / 91 ، 147 ، 416 ، 423 ، 432 ، 455 .

9 ، 10  - " معرفة به من حيث أنت"  ، أي ما تعرف من الحق إلا ما أنت عليه  "ومعرفة به بك من حيث هو لا من حيث أنت " أي أنت لا تعرف على الحقيقة فهو لا يدرك على الحقيقة ، وهو ما سبق أن أشار إليه الشيخ في شرح « من عرف نفسه عرف ربه ».

ص 113

وأنت رب وأنت عبد ... لمن له في الخطاب عهد
فكل عقد عليه شخص ... يحله من سواه عقد "11"
فرضي الله عن عبيده، فهم مرضيون، ورضوا عنه فهو مرضي. فتقابلت الحضرتان  تقابل الأمثال و الأمثال أضداد لأن المثلين لا يجتمعان إذ لا يتميزان وما ثم إلا متميز فما ثم مثل، فما في الوجود مثل، فما في الوجود ضد"12"، فإن الوجود حقيقة واحدة و الشيء لا يضاد نفسه.
___________________________________
11 - شرح الأبيات
البيت الأول :
« فأنت عبد » للاسم الإلهي « عبد الرحمن » « عبد الغفار ، إلى غير ذلك من الأسماء « وأنت رب » بقبولك أثر هذا الاسم من حيث أنت غذاؤه فأنت المغذي له « لمن له فيه أنت عبد » إشارة للاسم المضاف إليه .
البيت الثاني :
« وأنت رب ، كما أنك رب من حيث أنك سيد ومصلح ومرب ومالك لمن هو تحت سلطانك « وأنت عبد » بالحال من حيث أنك مسخر له بالحال « لمن له في الخطاب عهد» وهو المخلوق •
البيت الثالث :
« فكل عقد عليه شخص » وهو كل شخص عرف الاسم الإلهي الذي هو ربه « يحله من سواه عقد » أي يخالفه اسم إلهي لشخص آخر ذلك الاسم هو ربه فإن الأسماء الإلهية متباينة المعني وإن دلت على ذات واحدة .

12 - تقابل الحضرتين
« فتقابلت الحضرتان » حضرة الخلق وحضرة الحق ، وإن شئت قلت حضرة الرب وحضرة العبد « تقابل الأمثال والأمثال أضداد لأن المثلين لا يجتمعان » في الحد والحقيقة من جميع الوجوه « إذ لا يتميزان » إذ لو اجتمعا من جميع الوجوه لما تميزا ولكانا أمرا واحدا « وما ثم إلا متميز فما ثم مثل » مثلية عقلية « فما في الوجود مثل فما في الوجود ضد » لأنه لا مثل من جميع الوجوه .

ص 114


فلم يبق إلا الحق لم يبق كائن ... فما ثم موصول و ما ثم بائن
بذا جاء برهان العيان فما أرى ... بعيني إلا عينه إذ أعاين  "13"
«ذلك لمن خشي ربه أن يكونه لعلمه بالتمييز.  دلنا على ذلك جهل أعيان في الوجود بما أتى به عالم.  فقد وقع التمييز بين العبيد، فقد وقع التمييز بين الأرباب. "14"
ولو لم يقع التمييز لفسر الاسم الواحد الإلهي من جميع وجوهه بما يفسر الآخر.
والمعز لا يفسر بتفسير المذل إلى مثل ذلك، لكنه هو من وجه الأحدية كما تقول في كل اسم إنه دليل على الذات وعلى حقيقته من حيث هو.
فالمسمى واحد: فالمعز هو المذل من حيث المسمى، والمعز ليس المذل من حيث نفسه وحقيقته، فإن المفهوم يختلف في الفهم في كل واحد منهم:
فلا تنظر إلى الحق ... وتعريه عن الخلق
ولا تنظر إلى الخلق ... وتكسوه سوى الحق
ونزهه وشبهه ..... وقم في مقعد الصدق
وكن في الجمع إن شئت ... وإن شئت ففي الفرق
تحز بالكل إن كل ... تبدى قصب السبق
فلا تفنى ولا تبقى ... ولا تفني ولا تبقي
ولا يلقى عليك الوحي ... في غير ولا تلقي "15"
__________________________________
13 - وحدة الوجود راجع فص 2 رقم 9 ص 45
وهو أنه الظاهر في المظاهر أو ما ظهر في الوجود إلا أحكام أعيان الممكنات.

14 - « ذلك لمن خشي ربه » أي الاسم الخاص به « ان يكونه » من حيث الوجود « لعلمه بالتمييز بين اسم واسم فإنما يخشى الله من عباده العلماء « دلنا على ذلك جهل أعيان في الوجود » أي دلنا جهلهم « بما أتی به عالم » فوقع التمييز بين الجاهل والعالم ، فقد وقع التمييز بين العبيد ، فليس عبد الغفور هو عبد الشكور.
« فقد وقع التمييز بين الأرباب » وهي الأسماء الإلهية .

15 - شرح الأبيات
البيت الأول معناه :
لا تنظر إلى الأسماء الإلهية معراة عن الارتباط بالخلق.
البيت الثاني :
إشارة إلى ما سبق شرحه من ظهور الخلق في مرآة الوجود الحق ، أو ظهور الحق بما هي عليه أحكام أعيان الممكنات .

ص 115


الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد، والحضرة الإلهية تطلب الثناء المحمود بالذات فيثني عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد، بل بالتجاوز."16" «فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله»
___________________________________
البيت الثالث :
نزهه عن الحدوث وشبهه بما أثبت لنفسه من صفات المحدثاته وقم في مقعد الصدق ، بالتصديق في الحالين أنه على ما أخبر به عن نفسه .
البيت الرابع :
يقصد بالجمع الجمع بين التنزه والتشبيه ، ويقصد بالفرق أحدهما
البيت الخامس :
يقصد بالكل الجمع بين التنزيه والتشبيه .
البيت السادس :
فلا تفنى نفسك عن نسبة العدم المطلق ، ولا تبقى في نسبة واجب الوجود ، ولا تفن الحق عن التشبيه الذي أثبته لنفسه ، ولا تبق الحق على التنزيه العقلي فقط .
البيت السابع :
أي خذ عن الله تعالی « واتقوا الله ويعلمكم الله » « وعلمناه من لدنا علما » « ولا تلق » شيئا مما تأخذه فهو حق كله .

16 - صدق الوعد
الفتوحات الجزء الثاني - الفصل السابع والأربعون ص 474
اعلم أن هذا الباب مما نفس الله به عن عباده ، وهو نفس الرحمن ، فإن الخبر الصدق إذا لم يكن حكما لا يدخله نسخ ، وقد ورد بطريق الخبر الوعد والوعيد ، فجاء نفس الرحمن بثبوت الوعد وتفوذه ، والتوقف في نفوذ الوعيد في حق شخص شخص ، وذلك لكون الشريعة نزلت بلسان قوم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فخاطبهم بحسب ما تواطؤوا عليه ، فمما تواطؤوا عليه في حق المنعوت بالكرم والكمال إنفاذ الوعد وإزالة حكم الوعيد ، فقال أهل اللسان في ذلك على طريق المدح:
وإني إذا أوعدته أو وعدته   ….. لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وقد ورد في الصحيح ليس شيء أحب إلى الله من أن يمدح ، والمدح بالتجاوز عن المسيء غاية المدح .
فالله أولى به تعالى ، والصدق في الوعد مما يمتدح به قال

ص 116


لم يقل و وعيده، بل قال «ونتجاوز عن سيئاتهم» مع أنه توعد على ذلك. فأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد. وقد زال الإمكان في حق الحق لما فيه من طلب المرجح.
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... و ما لوعيد الحق عين تعاين
و إن دخلوا دار الشقاء فإنهم ... على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد فالأمر واحد ... و بينهما عند التجلي تباين "17"
__________________________________________
تعالى : « فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ، فذكر الوعد ، وأخبر عن الإيعاد في تمام الآية بقوله : « إن الله عزيز ذو انتقام » .
وقال في الوعيد بالمشيئة وفي الوعد بنفوذه ولابد ولم يعلقه بالمشيئة في حق المحسن ، لكن في حق المسيء علق المشيئة بالمغفرة والعذاب ، فيعتمد على وعد الله ، فلا ظهور له إلا بوجود ما وعد به ، وهو بعد ما وجد، والاعتماد عليه لا بد منه لما يعطيه التواطؤ في اللسان وصدق الخبر الإلهي بالدليل ، والله عند ظن عبده به فليظن به خيرا ، والظن هنا ينبغي أن يخرج مخرج العلم .
قال أهل اللسان في ذلك « فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج » أي تيقنوا واعلموا ، والظن فيه ترجيح ولابد إما إلى جانب الخير وإما إلى جانب الشر ، والله عند ظن عبده به ، لكن ما وقف هنا لأن رحمته سبقت غضبه.
فقال معلما « فليظن بي خيرا » على جهة الأمر ، فمن لم يظن به خيرا فقد عصى أمر الله وجهل ما يقتضيه الكرم الإلهي ، والله يجعلنا من أهل العلم وإن قضي علينا بالظن ، فنظن الخير بالله ، والله أكرم أن ينسب إليه نفاذ الوعيد بل ينسب إليه المشيئة وترجيح الكرم .
الفتوحات ج 1 / 535  - ج 3 / 474

17 ۔ شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب
من اختصاص البسملة في أول كل سورة تويج الرحمة الإلهية في منشور تلك السورة أنها منه كعلامة السلطان على مناشيره، وسورة التوبة والأنفال سورة واحدة قسمها الحق على فصلين ، فإن فصلها وحكم بالفصل فقد سماها سورة التوبة ، أي سورة الرجعة الإلهية بالرحمة على من غضب عليه من العباد ، فما هو غضب أبد لكنه

ص 117
 
غضب أمد ، والله هو التواب ، فما قرن بالتواب إلا الرحيم ليؤول المغضوب عليه إلى الرحمة ، أو الحكيم لضرب المدة في الغضب وحكمها فيه إلى أجل ، فيرجع عليه بعد انقضاء المدة بالرحمة ، فانظر إلى الاسم الذي نعت به التواب تجد حكمه كما ذكرنا ، والقرآن جامع لذكر من رضي عنه وغضب عليه ، وتتويج منازله بالرحمن الرحيم ، والحكم للتتويج ، فإنه به يقع القبول ، وبه يعلم أنه من عند الله ، فثبت انتقال الناس في الدارين في أحوالهم من نعيم إلى نعيم ، ومن عذاب إلى عذاب ، ومن عذاب إلى نعيم ، من غير مدة معلومة لنا ، فإن الله ما عرفنا ، إلا أنا استروحنا من قوله « في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة » أن هذا القدر مدة إقامة الحدود .
خلق الله الخلق قبضتين فقال هؤلاء للنار ولا أبالي ، وهؤلاء إلى الجنة ولا أبالي .
فمن كرمه تعالی لم يقل هؤلاء للعذاب ولا أبالي وهؤلاء إلى النعيم ولا أبالي وإنما أضافهم إلى الدارين ليعمروها ، فإنه ورد في الخبر الصحيح أن الله لما خلق الجنة والنار قال لكل واحدة منهما لها علي" ملؤها ، أي أملؤها سكانا ، فيستروح من هذا عموم الرحمة في الدارين وشمولها حيث ذكرهما ولم يتعرض لذكر الآلام وقال بامتلائهما وما تعرض لشيء من ذلك .
فكان معنى « ولا أبالي » في الحالتين لأنهما في المال إلى الرحمة ، فلذلك لا يبالي فيهما ، ولو كان الأمر كما يتوهمه من لا علم له من عدم المبالاة.
ما وقع الأخذ بالجرائم ، ولا وصف الله نفسه بالغضب ، ولا كان البطش الشديد ، فهذا كله من المبالاة والتهمم بالمأخوذ ، إذ لو لم يكن له قدر ما عذب ولا استعد له ، وقد قيل في أهل التقوى إن الجنة أعدت للمتقين ، وقال في أهل التقاء « وأعد لهم عذابا أليما » فلولا المبالاة ما ظهر هذا الحكم .
فما أعظم رحمة الله بعباده وهم لا يشعرون ، فإن الرحمة الإلهية وسعت كل شيء ، فما ثم شيء لا يكون في هذه الرحمة « إن ربك واسع المغفرة » فلا تحجروا واسعا فإنه لا يقبل التحجير ، ولقد رأيت جماعة ممن ينازعون في اتساع رحمة الله وأنها مقصورة على طائفة خاصة ، فحجروا وضيقوا ما وسع الله ، فلو أن الله لا يرحم

ص 118

أحدا من خلقه لحرم رحمته من يقول بهذا ، ولكن أبي الله تعالى إلا شمول الرحمة ، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » ، وما خص مؤمنا من غيره ، والله أرحم الراحمين كما قال عن نفسه ، وقد وجدنا من نفوسنا ، وممن جبلهم الله على الرحمة انهم يرحمون جميع العباد ، حتى لو حكمهم الله في خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم ، بما تمكن حكم الرحمة من قلوبهم ، وصاحب هذه الصفة أنا وأمثالي مخلوقون أصحاب أهواء وأغراض ، وقد قال عن نفسه جل علاه أنه أرحم الراحمين ، فلا شك أنه أرحم منا بخلقه ، و نحن قد عرفنا من تفوسنا هذه المبالغة في الرحمة .
فكيف يتسرمد، عليهم العذاب وهو بهذه الصفة العامة من الرحمة ، إن الله أكرم من ذلك ، ولا سيما وقد قام الدليل العقلي على أن الباري لا تنفعه الطاعات، ولا تضره المخالفات، وان كل شيء جار بقضائه وقدره وحكمه.
وأن الخلق مجبورون في اختيارهم ، وقد قام الدليل السمعي أن الله يقول في الصحيح « يا عبادي » فأضافهم إلى نفسه ، وما أضاف الله قط العباد لنفسه إلا من سبقت له الرحمة ألا يؤبد عليهم الشقاء وإن دخلوا النار .
فقال : « يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا » .
وهذه مسألة المكاشف لها قليل ، والمؤمن بها أقل ، وهو سر عجيب ، ما رأينا أحدا نبه عليه من خلق الله ، وإن كانوا قد علموه بلا شك ، وما صانوه والله أعلم إلا صيانة لأنفسهم ورحمة بالخلق .
لأن الإنكار يسرع إليه من السامعين ، ووالله ما نبهت عليه هنا إلا لغلبة الرحمة عليه في هذا الوقت ، فمن فهم سعد ومن لم يفهم لم يشق بعدم فهمه وإن كان محروما ، فقد أظهرت أمرا في هذه المسألة لم يكن باختياري ، ولكن حق القول الإلهي بإظهاره ، فكنت فيه كالمجبور في اختياره ، والله ينفع به من يشاء لا إله إلا هو .
الفتوحات : ج2 / 148 ، 244 ، 674 - ج 3 / 25 ، 100 ، 101 ، 383 .
ج 4 / 163 .

ص 119


يسمى عذابا من عذوبة طعمه ... و ذاك له كالقشر و القشر صاين  "18"
_______________________________
18 - لم سمي العذاب عذابا
العذاب إنما سماه الله بهذا الاسم إيثارا للمؤمن ، فإنه يستعذب ما يقوم بأعداء الله من الآلام ، فهو عذاب بالنظر الى هؤلاء .
ومن وجه آخر سمي عذابا ما يقع به الآلام بشرى من الله لعباده أن الذي تألمون به لابد إذا شملتكم الرحمة أن تستعذبوه وأنتم في النار ، كما يستعذب المقرور حرارة النار ، والمحرور برودة الزمهرير .
ولهذا جمعت جهنم النار والزمهرير لاختلاف المزاج ، فما يقع به الألم المزاج مخصوص يقع به النعيم في مزاج آخر يضاده ، فلا تتعطل الحكمة، ويبقي الله على أهل جهنم الزمهرير على المحرورين ، والنار على المقرورين فينعمون في جهنم ، فهم على مزاج لو دخلوا به الجنة تعذبوا بها لاعتدالها ، فسمى العذاب عذابا لأن المال إلى استعذابه لمن قام به بعد شمول الرحمة.
كما يستحلي الجرب من يحكه ، فإذا حكه . من غير جرب أو حاجة من بوسة تطرأ على بعض بدنه تألم من حكه .
الفتوحات : ج 2 / 136 ، 207 - ج 3 / 463 .

ص 120
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:06 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالجمعة أغسطس 02, 2019 4:03 pm

08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

تعليقات أ.محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص اليعقوبي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية

الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. ودين عند الحق، وقد اعتبره الله.
فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه.
وجاء الدين بالألف واللام للتعريف والعهد، فهو دين معلوم معروف وهو قوله تعالى «إن الدين عند الله الإسلام» وهو الانقياد. فالدين عبارة عن انقيادك.
والذي من عند الله تعالى هو الشرع الذي انقدت أنت إليه.
فالدين الانقياد ، والناموس هو الشرع الذي شرعه الله تعالى.
فمن اتصف بالانقياد لما شرعه الله له فذلك الذي قام بالدين وأقامه، أي أنشأه كما يقيم الصلاة.
فالعبد هو المنشئ للدين والحق هو الواضع للأحكام. فالانقياد هو عين فعلك، فالدين من فعلك.
فما سعدت إلا بما كان منك. فكما أثبت للسعادة لك ما كان فعلك كذلك ما أثبت الأسماء الإلهية إلا أفعاله وهي أنت وهي المحدثات. فبآثاره سمي إلها وبآثارك سميت سعيدا.
فأنزلك الله تعالى منزلته إذا أقمت الدين وانقدت إلى ما شرعه لك.
وسأبسط في ذلك إن شاء الله ما تقع به الفائدة بعد أن نبين الدين الذي عند الخلق الذي اعتبره الله.  فالدين كله لله وكله منك لا منه إلا بحكم الأصالة.
قال الله تعالى «ورهبانية ابتدعوها» وهي النواميس الحكمية التي لم يجيء الرسول المعلوم بها في العامة من عند الله بالطريقة الخاصة المعلومة في العرف.
فلما وافقت الحكمة والمصلحة الظاهرة فيها الحكم الإلهي في المقصود بالوضع المشروع الإلهي، اعتبرها الله اعتبار ما شرعه من عنده تعالى، «و ما كتبها الله عليهم».
ولم فتح الله بينه وبين قلوبهم باب العناية والرحمة من حيث لا يشعرون جعل
_______________________
1 - المناسبة :
في هذه الحكمة هي قول يعقوب عليه السلام لبنيه « يا بني إن الله اصطفى لكم الدين » و من معاني الدين العادة من العود أي يعود عليكم بما كان من أعمالكم وسميت الحكمة « روحية ، من راح يروح روحا ورواها ، بمعنی الرجوع والعود .
فهو تعالى لا يعود على الخلق إلا بما كانوا عليه في ثبوتهم وهو يتعلق بكون العلم تابعة للمعلوم كما سيأتي بيانه

ص 121


في قلوبهم تعظيم ما شرعوه يطلبون بذلك رضوان الله على غير الطريقة النبوية المعروفة بالتعريف الإلهي.
فقال: «فما رعوها»: هؤلاء الذين شرعوها وشرعت لهم: «حق رعايتها» «إلا ابتغاء رضوان الله» وكذلك اعتقدوا،"2" «فآتينا الذين آمنوا» بها «منهم أجرهم» «وكثير منهم»:
أي من هؤلاء الذين شرع فيهم هذه العبادة «فاسقون» أي خارجون عن الانقياد إليها والقيام بحقها.  ومن لم ينقد إليها لم ينقد مشرعه بما يرضيه.
لكن الأمر يقتضي الانقياد: وبيانه أن المكلف إما منقاد بالموافقة وإما مخالف، فالموافق المطيع لا كلام فيه لبيانه، وأما المخالف فإنه يطلب بخلافه الحاكم عليه من الله أحد أمرين إما التجاوز والعفو، وإما الأخذ على ذلك، ولا بد من أحدهما لأن الأمر حق في نفسه.
فعلى كل حال قد صح انقياد الحق إلى عبده لأفعاله وما هو عليه من الحال. فالحال هو المؤثر."3"  فمن هنا كان الدين جزاء أي معاوضة بما
_____________________________________
2 - « فما رعوها حق رعايتها » نفس المعنى في الفتوحات المكية ج2 / 533

3- الحال هو المؤثر
الوجود كله حال لا يصح له الثبات على شأن واحد، لما تطلبه المحدثات من الزوائد ، فالأمر شؤون ، فلا يزال يقول لكل شيء كن فيكون .
الحال هو الحاكم فإن الوقت له ، وهو للنفس الناطقة كالمزاج للنفس الحيوانية ، فإن المزاج حاكم على الجسم والحال حاكم على النفس ، فقامت الأحوال من الخلق والمواطن للحق مقام المزاج للحيوان ، فيقال في الحق إنه يغضب إذا أغضبه عبده ، ويرضى إذا أرضاه العبد ، فحال العبد والموطن يرضي الحق ويغضبه ، كالمزاج للحيوان يلتذ بالأمر الذي كان بالمزاج الآخر يتألم به.
فهو بحسب المزاج كما هو الحق بحسب الحال . والموطن الا ترى في نزوله إلى السماء الدنيا ما يقول ؟
فإنه نزول رحمة يقتضيها الموطن ، وإذا جاء يوم القيامة يقتضي الوطن أن يجيء للفصل والقضاء بين العباد ، لأنه موطن يجمع الظالم والمظلوم وموطن الحكم والخصومات ، فالحكم للمواطن والأحوال في الحق ، والحكم في التألم والالتذاذ للمزاج.
فالإنسان مصرف تحت حكم الأسماء الإلهية ومحل لظهور آثار سلطانها فيه، ولكن يكون حكمها فيه بحسب ما يمكنها حال الإنسان أو زمانه أو مكانه .
فالأحوال والأزمان تولي الأسماء الإلهية عليها .
راجع الفتوحات  ج 1 / 588 ، 683 -  ج 3 / 20 - ج 4 / 257 ، 370 .



يسر وبما لا يسر: فبما يسر «رضي الله عنهم ورضوا عنه» هذا جزاء بما يسر، «ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا» هذا جزاء بما لا يسر. «ونتجاوز عن سيئاتهم» هذا جزاء.
فصح أن الدين هو الجزاء، وكما أن الدين هو الإسلام والإسلام عين الانقياد فقد انقاد إلى ما يسر وإلى ما لا يسر و هو الجزاء.
هذا لسان الظاهر في هذا الباب. وأما سره وباطنه فإنه تجلي في مرآة وجود الحق: فلا يعود على الممكنات من الحق إلا ما تعطيه ذواتهم في أحوالها، فإن لهم في كل حال صورة، فتختلف صورهم لاختلاف أحوالهم، فيختلف التجلي لاختلاف الحال، فيقع الأثر في العبد بحسب ما يكون.
فما أعطاه الخير سواه ولا أعطاه ضد الخير غيره، بل هو منعم ذاته ومعذبها. فلا يذمن إلا نفسه ولا يحمدن إلا نفسه.  «فلله الحجة البالغة» في علمه بهم إذ العلم يتبع المعلوم."4"
ثم السر الذي فوق هذا في مثل هذه المسألة أن الممكنات على أصلها من العدم، وليس وجود إلا وجود الحق بصور أحوال ما هي عليه الممكنات في أنفسها وأعيانها."5"
فقد علمت من يلتذ ومن يتألم وما يعقب كل حال من الأحوال وبه سمي عقوبة وعقابا وهو سائغ في الخير والشر غير أن العرف سماه في الخير ثوابا وفي الشر عقابا، وبهذا سمى أو شرح الدين بالعادة، لأنه عاد عليه ما يقتضيه ويطلبه حاله.
فالدين العادة قال الشاعر: كدينك من أم الحويرث قبلها أي عادتك.
ومعقول العادة أن يعود الأمر بعينه إلى حاله: وهذا ليس ثم فإن العادة تكرار.
لكن العادة حقيقة معقولة، والتشابه في الصور موجود: فنحن نعلم أن زيدا عين عمرو في الإنسانية وما عادت الإنسانية، إذ لو عادت تكثرت وهي حقيقة واحدة والواحد لا يتكثر في نفسه.
ونعلم أن زيدا ليس عين عمرو في الشخصية: فشخص زيد ليس شخص عمرو مع تحقيق وجود الشخصية بما هي شخصية في الاثنين.
فنقول في الحس عادت لهذا الشبه، ونقول في الحكم الصحيح لم تعد.
فما ثم عادة بوجه وثم عادة بوجه،"6" كما أن ثم جزاء بوجه وما ثم جزاء بوجه فإن
____________________________
4 - العلم تابع للمعلوم راجع فص 2 هامش 3 ص 42

5 - الظاهر في المظاهر راجع فص 5 هامش 6 ص 84

6 -  الإعادة
الإعادة تكرار الأمثال في الوجود ، لأن تكرار العين ليس بواقع للاتساع الإلهي، ولكن الإنسان في لبس من خلق جدید ، فهي أمثال يعسر الفصل فيها القوة الشبه ،

ص 123



الجزاء أيضا حال في الممكن من أحوال الممكن.
وهذه مسألة أغفلها علماء هذا الشأن، أي أغفلوا إيضاحها على ما ينبغي لا أنهم جهلوها فإنها من سر القدر المتحكم في الخلائق."7"
واعلم أنه كما يقال في الطبيب إنه خادم الطبيعة كذلك يقال في الرسل والورثة إنهم خادمو الأمر الإلهي في العموم، وهم في نفس الأمر خادمو أحوال الممكنات.
وخدمتهم من جملة أحوالهم التي هم عليها في حال ثبوت أعيانهم.
فانظر ما أعجب هذا! إلا أن الخادم المطلوب هنا إنما هو واقف عند مرسوم مخدومه إما بالحال أو بالقول، فإن الطبيب إنما يصح أن يقال فيه خادم الطبيعة لو مشى بحكم المساعدة لها، فإن الطبيعة قد أعطت في جسم المريض مزاجا خاصا به سمي مريضا، فلو ساعدها الطبيب خدمة لزاد في كمية المرض بها أيضا، وإنما يردعها طلبا الصحة والصحة من الطبيعة أيضا بإنشاء مزاج آخر يخالف هذا المزاج.
فإذن ليس الطبيب بخادم للطبيعة، وإنما هو خادم لها من حيث إنه لا يصلح جسم المريض ولا يغير ذلك المزاج إلا بالطبيعة أيضا.
ففي حقها يسعى من وجه خاص غير عام لأن العموم لا يصح في مثل هذه المسألة. فالطبيب خادم لا خادم أعني للطبيعة، وكذلك الرسل والورثة في خدمة الحق.
والحق على وجهين في الحكم في أحوال المكلفين، فيجري الأمر من العبد بحسب ما تقتضيه إرادة الحق، وتتعلق إرادة الحق به بحسب ما يقتضي به علم الحق، ويتعلق علم الحق به على حسب ما أعطاه المعلوم من ذاته: فما ظهر إلا بصورته. "8"
__________________________________
فالإعادة إنما هي في الحكم مثل السلطان بولي واليا ثم يعزله ثم يوليه بعد عزله ، فالإعادة في الولاية ، والولاية نسبة لا عين وجودي .
فالأعيان، التي هي الجواهر ما فقدت من الوجود حتى تعاد إليه بل لم تزل موجودة العين ، ولا إعادة في الوجود الموجود فإنه موجود ، وإنما هي هيئات وامتزاجات نسبية - والمقصود من الإعادة في هذا الفص إنما هو عودة الحال الذي في الثبوت إلى العين عند ظهورها في الوجود.
والحال إنما هو حكم ونسبة معينة ، فلا نزال نراقب حكم العلم فينا من الحق حتى تعلم ما كنا فيه ، فإنه لا يحكم فينا إلا بنا
الفتوحات ج 2 / 471 - ج 4 / 182 .

7 - العلم تابع للمعلوم راجع فص 2 هامش 3 ص 42.

8 - العلم تابع للمعلوم راجع فص 2 هامش 3 ص 42
ظهور الحق بأحكام أعيان الممكنات - وحدة الوجود - المرايا
راجع فص 2 هامش 9 ص 45

ص 124



فالرسول والوارث خادم الأمر الإلهي بالإرادة، لا خادم الإرادة.
فهو يرد عليه به طلبا لسعادة المكلف فلو خدم الإرادة الإلهية ما نصح وما نصح إلا بها أعني بالإرادة.
فالرسول والوارث طبيب أخروي للنفوس منقاد لأمر الله حين أمره، فينظر في أمره تعالى وينظر في إرادته تعالى، فيراه قد أمره بما يخالف إرادته ولا يكون إلا ما يريد، ولهذا كان الأمر.
فأراد الأمر فوقع، وما أراد وقوع ما أمر به بالمأمور فلم يقع من المأمور، فسمي مخالفة ومعصية.
فالرسول مبلغ "9": ولهذا قال شيبتني «هود» وأخواتها لما تحوي عليه من قوله «فاستقم كما أمرت» فشيبه «كما أمرت فإنه لا يدري هل أمرت بما يوافق الإرادة فيقع، أو بما يخالف الإرادة فلا يقع.
ولا يعرف أحد حكم الإرادة إلا بعد وقوع المراد إلا من كشف الله عن بصيرته "10" فأدرك أعيان الممكنات في حال ثبوتها على ما هي عليه، فيحكم
__________________________________________
9 ، 10 - الأمر والإرادة
أمر الإله من الإله تعلق     …. ما أمره في العالمين محقق
إلا بواسطة الرسول فإنه  …… أمر مطاع سره يتحقق
إن خالفت أمر الإله إرادة  ….. منه نكاد النفس منه تزهق
ولذاك شيبت النبي مقالة  ….. هي فاستقم فيما أمرت توفق
فإذا أراد نقيض ما أمرت به … نفس المكلف فالوقوع محقق.

لما كان أحد لا يعرف هل وافق أمر الله إرادة فيه أنه يمتثل أمره أو يخالفه ، لهذا صعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم  أمر الله واشتد.
فقال شيبتني هود فإنها السورة التي نزل فيها « فاستقم كما أمرت » ، وأخواتها مما فيه هذه الآية أو معناها ، فالناس من ذلك على خطر.

ألم تعلم بأن الله منا   ….. يرانا والوجود لنا شهيد
فيلزمنا الحياء فلا يرانا ……   بحيث نهي ونحن له شهود
وذا من أعجب الأشياء عندي ….. فيأمرنا ويفعل ما يريد
يقول لي استقم ويريد مني  …… مخالفة يؤيدها الوجود
فيا قوم اسمعوا ما قلت فيمن ….. هو المولى ونحن له عبيد
يريد الأمر لا المأمور فانظر …..   إلى حكم يشيب له الوليد

ص 125



عند ذلك بما يراه ) "11" وهذا قد يكون لآحاد الناس في اوقات لا يكون مستصحبا .
______________________________________
يقول العبد « يارب ما يبدل القول لديك ، ولا يكون عنك إلا ما سبق به علمك ، فمشيئتك واحدة ، والاختيار المنسوب الي منك ، فالذي تقبله ذاتي من الانقياد إليك أن أكون لك حيث تريد لا حيث تأمر ، إلا إن وافق أمرك إرادتك . فحينئذ أجمع بينهما.
وأكثر من هذا فما تعطي حقیقتي إذا نسبتها إليك ، أنت القائل « أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار ، وهو أكرم المكلفين عليك ، وهذا الحكم منك وعليك يعود ، فما كان انقیادك إلا إليك.
وأنا صورة مماثلة للمحجوبين الذين لا يعرفونك معرفتي ، فيقولون قد أجاب الحق سؤالنا وانقاد إلينا فيما نريده منه ، وأنت ما أجبت إلا نفسك ، وما تعلقت به إرادتك ، فانقيادي أنا النفسي ، فإنه لا يتمكن أن أطلبك لك ، وإنما أطلبك لنفسي ، فلنفسي كان انقيادي لما دعوتني ، وجعلت حجابا بيني وبين المحجوبين من خلقك الذين لا يعرفون.
فقالوا فلان أجاب أمر ربه حين دعاه ، وما علموا أن الانقياد مني كان لإرادتك لا لأمرك ، فإنه ما يبدل الحكم لدي ، فإني ما أقبل غير هذا ، قبول ذات ، وفيه سعادتي ، وأثنيت علي به ، وأنت تعلم كيف كان الأمر ، فظهرت بأمر تشهد الحقيقة بخلافه .
فقلت : ولا يعصون الله ما أمرهم ، والحقيقة من خلف هذا الثناء تنادي لا يعصون الله ما أراد منهم سوقرن الأمر منه بإرادته فذلك هو الأمر الذي لا يعصيه مخلوق ، وهو قوله « إذا أردناه أن تقول له كن » هذا هو الأمر الذي لا يمكن للممكن الأمور مخالفته ، لا الأمر بالأفعال والتروك .
يعرف ذلك العارفون من عبادك ذوقا وشهودا ، فإن أمرت الفعل المأمور به أن يتكون في هذا العبد المأمور بالفعل تكون ، فتقول هذا عبد طائع امتثل أمري وما بيده من ذلك شيء .
الفتوحات ج 2 / 218 ، 588 - ج 3 / 217 - ج 4 / 350 - ديوان .

11 - الممكنات في الثبوت والوجود
الممكنات بقاؤها في حالة العدم أحب إليها لو خيرت ، فإنها في مشاهدة ثبوتية حالية ، ملتذة بالتذاذ ثبوتي ، منعزلة كل حالة عن الحالة الأخرى ، لا تجمع الأحوال

ص 126

 
قال :« ما أدري ما يفعل بي ولا بكم » فصرح بالحجاب ، وليس المقصود إلا أن يطلع في أمر خاص لا غير .
_________________________
عين واحدة في حال الثبوت، فإنها تظهر في شيئية الوجود في عين واحدة وهي الحامل، والأحوال هي المحمول ، فالمحمول أبدا منزلته في الوجود مثل منزلته في الثبوت ، في نعيم دائم و الحامل ليس كذلك ، والعين الحاملة في ثبوتها تظهر فيما تكون عليه في وجودها إلى ما لا يتناهی .
فكل حال تكون عليها هو إلى جانبها ناظر إليها لا محمول فيها ، فالعين ملتذة بذاتها والحال ملتذ بذاته .
فحال الأحوال لا يتغير ذوقه بالوجود، وحال الحامل يتغير بالوجود ، وهو علم عزيز ، وما تعلم الأعيان ذلك في الثبوت إلا بنظر الحال إليها ، ولكن لا تعلم أنه إذا حملته تتألم به ، لأنها في حضرة لا تعرف فيها طعم الألم ، بل تتخذه صاحبا ، فلو علمت العين أنها تتألم بذلك الحال إذا اتصفت به لتألمت في حال ثبوتها بنظره إياها لعلمها أنها تتلبس به وتحمله في حال وجودها .
فتألفها به في الثبوت ننعم لها .
وهذا الفن من أكبر أسرار علم الله في الأشياء ، شاهدته ذوقا إلهيا ، لأن من عباد الله من بطلعه الله كشفا على الأعيان الثبوتية فيراها على صورة ما ذكرناه من المجاورة والنظر ، ما يرى فيها حالا ولا محلا.
فإذا فهمت الفرق بين الوجود والثبوت ، وما للأعيان في الوجود وما لها في الثبوت من الأحكام : علمت أن بعض الأعيان لا تريد ظهور الأثر فيها بالحال .
الفتوحات ج 4 / 81

ص 127
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:06 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الجزء الأول .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالثلاثاء أغسطس 13, 2019 9:59 am

09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الجزء الأول .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى  أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص اليوسيفي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية  الجزء الأول

قال الشيخ رضي الله عنه : ( هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال "2"  وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العنابة . يقول عائشة رضي الله عنها : « أول ما بديء )
___________________________________
1 - المناسبة :
بين هذه الحكمة وبين يوسف عليه السلام هو رؤيته عليه السلام أبويه وإخوته في الرؤيا على صورة الشمس والقمر والكواكب وهي أجسام نيرة والخيال نور فكان الجامع النورية .
فيقول الشيخ رضي الله عنه : اعلم وفقك الله أنه لولا النور ما أدرك البصر شيئا ، فجعل الله الخيال نورا يدرك به تصوير كل شيء أي أمر كان ، فنوره ينفذ في العدم المحض فیصوره وجودا .
فالخيال أحق باسم النور من جميع المخلوقات الموصوفة بالنورية، فنوره لا يشبه الأنوار، و به تدرك التجليات، وهو نور عين الخيال لا نور عين الحس .
والخيال لا يكون فاسدا قط ، فمن قال بفساده فإنه لا يعرف إدراك النور الخيالي ، فإن هذا القائل يخطئ الحس في بعض مدركاته وإدراكه صحيح والحكم لغيره لا إليه.
فالحاكم أخطأ لا الحس ، كذلك الخيال أدرك بنوره ما أدرك وما له حكم ، وإنما الحكم لغيره وهو العقل فلا ينسب إليه فلا ينسب إليه الخطأ ، فما ثم خیال فاسد قط بل هو صحيح كله ، فالخيال كله حق ما فيه شيء من الباطل.
ولما كان هذا الفص فيه ما يتعلق بتأويل بعض ما يرى في الخيال و كان يوسف عليه السلام قد خصه الله بالعلوم المتعلقة بصور التمثل والخيال فكانت المناسبة بين يوسف عليه السلام وبين الكلام على حضرة الخيال المقصودة بهذا الفص .
الفتوحات ج 1 /  306 - ج 2 / 103 ، 133 .

2 - حضرة الخيال
حضرة الإمكان في البرزخ بين الوجود والعدم ، وللممكنات فيه أعيان ثابتة من الوجه الذي ينظر إليها الوجود المطلق ( أي الحق سبحانه ) .
ومن هذا الوجه ينطلق عليها اسم الشيء الذي إذا أراد الحق إيجاده قال له « كن فیكون » وليس

ص 128

قال الشيخ رضي الله عنه : ( به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة . فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت منل على الصبح » نقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير .
وكانت المده له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك ، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال : « إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا »، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبل ، وإن اختلفت الأحوال . فمضى قولها ستة أشهر ، بل عمره كله في الدنيا بملك المثابة : إنما هو منام في منام .
وكل ما ورد من هذا القبيل فهو المسمى عالم الخيال ولهذا يعتبر ، أي الأمر الذي هو في نفسه على صورة كذا ظهر في صورة غيرها ، فيجور العابر من هذه الصوره التي أبصرها النائم إلى سورة ما هو الأمر عليه إن أصاب كظهور العلم في صورة اللبن . فعبر في التأويل من صورة اللبن إلى سورة العلم فأول أي قال : مال هذه الصورة اللبنية إلى صورة العلم . ثم إنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه أخذ عن المحسوسات المعتادة فسجي وغاب عن الحاضرين عنده : فإذا سري عنه رد .
فما ادركه إلا في حضرة الخيال ، إلا أنه لا يسمى نائما . وكذلك إذا تمثل له الملك رجلا فذلك من حضرة الخيال ، فإنه ليس برجل وإنما هو ملك ، فدخل في صورة إنسان .)
____________________________________
له أعيان موجودة من الوجه الذي ينظر إليه من العدم المطلق (أي المستحيل ) ولهذا يقال له « كن » وكن حرف وجودي ، فإنه لو أنه كائن ما قيل له كن، وهذه الممكنات في هذا البرزخ بما هي عليه وما تكون إذا كانت مما تتصف به من الأحوال والصفات والأعراض والأكوان .
ومن هذا البرزخ وجود الممكنات ، وبها يتعلق رؤية الحق للأشياء قبل كونها ، ويقال له الوجود الخيالي .
يقول له الحق كن في الوجود العيني ويكون هذا السامع هذا الأمر الإلهي وجودا عينيا يدركه الحس ، أي يتعلق به في الوجود المحسوس الحس كا تعلق به الخيال في الوجود الخيالي .
فإذا انتقلنا من برزخ البرازخ وهو حضرة الإمكان من حيث أن الصور بما هي صور هي المتخيلات ، والعماء الظاهرة فيه هو الخيال المطلق ، وأنها حضرة علمية معقولة ، إذا انتقلنا إلى الوجود الحادث قلنا :
إن العالم عالمان ، والحضرة حضرتان .
وإن كان قد تولد بينهما حضرة ثالثة من مجموعهما ، فالحضرة الواحدة حضرة الغيب ، ولها عالم يقال له عالم الغيب أو عالم الملكوت وهو عالم المعاني والغيب

ص 129

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فعبره الناظر العارف حتى وصل إلى صورته الحقيقية ، وقال هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم .
وقد قال لهم ردوا على الرجل فسماه بالرجل من أجل الصوره التي ظهر لهم فيها . نم قال هذا جبريل فاعتبر الصورة التي مال هذا الرجل المتخيل إليها . فهو سادق في المقالتين : صدق للعين في العين الحسية ، وصدق في أن هذا جبريل . فإنه جبريل بلا شك . وقال يوسف عليه السلام : « إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين » : برای إخوته في سورة الكواكب ورأى أباه وخالته في سورة الشمس والقمر .
هذا من جهة بوسف ولو كان من جهة المرئي لكان ظهور إخوته في صوره الكواكب وظهور أبيه وخالته في سورة الشمس والقمر مرادا لهم . فلما لم يكن لهم علم بما رآه بوسف كان الإدراك من يوسف في خزانة خياله . وعليم ذلك يعقوب حين قصها علبه فقال : « يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا » تم برا أبناءه عن ذلك الكبد وألحقه بالشيطان ، وليس إلا عين الكبد . فقال : « إن الشيطان للإنسان عدو مبين » أي ظاهر العداوة .
ثم قال بوسف بعد ذلك في آخر الأمر : « هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا » أي أظهرها في الحس بعدما كانت في صورة الخيال "3" .
فقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم  : « الناس نيام . فكان قول يوسف : « قد جعلها ربي حقا » بمنزلة من رأى في نومه أنه قد استيقظ من رؤيا رآها تم عبرها . ولم يعلم أنه في النوم عينه ما برح ؛ وإذا استيقظ يقول رأيت كذا)
________________________________________
وهو عالم العقل .
والحضرة الثانية حضرة الحس والشهادة ويقال لعالمها عالم الملك أو عالم الشهادة والحرف وهو عالم الحس والظهور
 ، ومدرك هذا العالم بالبصر ومدرك عالم الغيب بالبصيرة .
والمتولد من اجتماعهما حضرة وعالم ، فالحضرة الخيال أو البرزخ ، والعالم عالم الخيال ويسميه بعض أهل الطريق عالم الجبروت ، وهو الذي بين عالم الملك وعالم الملكوت ، وهكذا هو عندي.
وحضرة الخيال أوسع الحضرات جودا لأنها تجمع العالمين فهي مجمع البحرین، بحر المعاني وبحر المحسوسات.
وحضرة الخيال التي عبرنا عنه بمجمع البحرین ، هو يجسد المعاني ويلطف المحسوس ويقلب في عين الناظر عين كل معلوم فيجمع عالم الغيب وعالم الشهادة .
الفتوحات ج 1 / 395 - ج 2 / 129 ، 311 -  ج 3 / 42 ،46 ، 361 - ج 4 / 211.

٣ - نفس الشرح   فتوحات ج 3 / ص 373 .

ص 130

كذا ورأيت كانی استيقظت وأولتها بكذا . هذا مثل ذلك، فانظر كم بين إدراك محمد ا وبين إدراك يوسف عليه السلام في آخر أمره حين قال : « هذا تأويل رویای من قبل قد جعلها ربي حقا » . معناه حسا أي محسوسا ، وما كان إلا محسوسة ، وإن الخيال لا يعطي أبدا إلا المحسوسات ، غير ذلك ليس له . فانظر ما أشرف علم ورثه محمد صلى الله عليه وسلم "4" . وسأبسط من القول في هذه الحضرة بلسان يوسف المحمدي ما تقف عليه إن شاء الله فنقول : اعلم أن المقول عليه « سوى الحق » أو مسمى العالم هو بالنسبة
______________________________
4 - مقام الأنبياء وأذواقهم عليهم السلام  
يستحيل صدور ما جاء في هذه الفقرة عن الشيخ رضي الله عنه ، لأن ذلك يخالف تماما الأصول والقواعد التي أصلها في كتبه حيث يقول :
لا ذوق لأحد في ذوق الرسل ، لأن أذواق الرسل مخصوصة بالرسل ، وأذواق الأنبياء مخصوصة بالأنبياء ، وأذواق الأولياء مخصوصة بالأولياء ، فبعض الرسل عنده الأذواق الثلاثة لأنه ولي ونبي ورسول .
"" تعقيب الجامع : الشيخ لم يقل شيئا خارج القول والعلم والذوق المحمدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" . ومن هذه العبارة "خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله" تفهم الشيخ افضل باننا ناخذ من بحر رسالة وذوق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يأخذوا هم منه لأنه أتى بعدهم ونحن ورثته "".
حضرت في مجلس فيه جماعة من العارفين ، فسأل بعضهم بعضا :
من أي مقام سأل موسى الرؤية ؟
فقال له الآخر : من مقام الشوق ،
فقلت له : لا تفعل أصل الطريق أنها نهايات الأولياء بدايات الأنبياء ، فلا ذوق للولي في حال من أحوال أنبياء الشرائع، فلا ذوق لهم فيه .
ومن أصولنا أنا لا تتكلم إلا عن ذوق، ونحن لسنا برسل ولا أنبياء شريعة ، فبأي شيء تعرف من أي مقام سأل موسى الرؤية ربه ؟
نعم لو سألها ولي أمكنك الجواب ، فإن في الإمكان أن يكون لك ذلك الذوق ، وقد علمنا من باب الذوق أن ذوق مقام الرسل لغير الرسل ممنوع ، فالتحق وجوده بالمحال العقلي
ويقول : لا ذوق لنا في مقامات الرسل عليهم السلام ، وإنما أذواقنا في الوراثة خاصة ، فلا يتكلم في الرسل إلا رسول ، ولا في الأنبياء إلا نبي أو رسول ، ولا في الوارثين إلا رسول أو نبي أو ولي أو من هو منهم ، هذا هو الأدب الإلهي .
ويقول فيما يستفيده التابع في عروجه الروحي من يوسف عليه السلام :
التابع يتلقى من يوسف عليه السلام ما خصه الله به من العلوم المتعلقة بصور التمثل والخيال.

ص 131

قال الشيخ رضي الله عنه : ( إلى الحق كالظل للشخص ، وهو ظل الله "5" ، وهو عين نسبة الوجود إلى العالم لأن الظل موجود بلا سك في الحس .
ولكن إذا كان بم من يظهر فيه ذلك الظل : حتى لو قدرت عدم من يظهر فيه ذلك الفلل : كان الظل معقولا غير موجود في الحس ، بل تكون بالقوة في ذات الشخص المنسوب إليه الظل . فمحل ظهور هذا الظل الإلهي المسمى بالعالم إنما هو أعيان الممكنات : عليها امداد هذا الظل ، فتدرك من هذا الظل بحسب ما امتد علبة من وجود هذه الذات . ولكن باسمه النور رفع الإدراك وامتد هذا الخلل على أعيان الممكنات في صورة الغيب المجهول ألا يرى الظلال نضرب إلى السواد سير إلى ما فيها من الحفاء لبعد المناسبة بينها وبين أشخاص من هي ظل له ؟.
وإن كان الشخص ابيض فظله بهذه المثابة .
الا ترى الجبال إذا بعدت عن بصر الناظر تظهر سوداء وقد تكون في أعيانها على غير ما يدركها الحس من اللونية ، وليس ثم علة إلا البعد ؟.. و كزرقة السماء . فهذا ما أنتجه البعد في الحس في الأجسام غير النيرة .)
______________________
وعرفه بموازينها ومقاديرها و نسبها ونسبها ، وما زال يعلمه تجسد المعاني في النسب في صورة الحس والمحسوس ، وعرفه معنى التأويل في ذلك كله إلى غير ذلك من العلوم التي يزيد التابع على الناظر بما أعطاه الوجه الخاص من العلم الإلهي .
الفتوحات ج 2 / 51 ، 275 -  ح 4 / 75 .
راجع كتابنا « الرد على ابن تيمية » ص 25

5 - الوجود الحادث هو ظل الله من الاسم النور
الخيال المطلق هو المسمى بالعماء ، وهو الحضرة الجامعة والمرتبة الشاملة ، وانتشاء هذا العماء من نفس الرحمن الذي هو أول ظرف قبل كینونة الحق ، وهو الحق المخلوق به كل شيء ، وفتح الله في هذا العماء صور كل ما سواه من العالم واختلاف أعيان المسكنات في أنفسها في ثبوتها والحكم لها فيمن ظهر فيها .
ألا إن ذلك العماء هو الخيال المحقق ، ألا تراه يقبل صور الكائنات كلها و تصویر ما ليس بكائن، هذا لاتساعه ، فهو عين العماء لا غيره ، وفيه ظهرت جميع الممكنات، وهذه الموجودات الممكنات التي أوجدها الحق تعالى هي للأعيان التي يتضمنها هذا البرزخ بمنزلة الظلالات للأجسام .
الفتوحات ج 2 / 310 ، 312

ص 132



قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهذا تأثير آخر للبعد.
فلا يدركها الحس إلا صغيرة الحجم وهي في أعيانها كبيرة عن ذلك القدر وأكثر كميات، كما يعلم بالدليل أن الشمس مثل الأرض في الجرم مائة وستين مرة، و هي في الحس على قدر جرم الترس مثلا. فهذا أثر البعد أيضا. "6"
فما يعلم من العالم إلا قدر ما يعلم من الظلال، و يجهل من الحق على قدر ما يجهل من الشخص الذي عنه كان ذلك الظل.
فمن حيث هو ظل له يعلم، و من حيث ما يجهل ما في ذات ذلك الظل من صورة شخص من امتد عنه بجهل من الحق.
فلذلك نقول إن الحق معلوم لنا من وجه مجهول لنا من وجه: «أ لم تر إلى ربك كيف مد الظل و لو شاء لجعله ساكنا» أي يكون فيه بالقوة.
يقول ما كان الحق ليتجلى للممكنات حتى يظهر الظل فيكون كما بقي من الممكنات التي ما ظهر لها عين في الوجود. «ثم جعلنا الشمس عليه دليلا» وهو اسمه النور الذي قلناه، و يشهد له الحس: فإن الظلال لا يكون لها عين بعدم النور.
«ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا»: و إنما قبضه إليه لأنه ظله، فمنه ظهر و إليه يرجع الأمر كله. فهو هو لا غيره."7"  فكل ما ندركه)
_____________________________
6 - الألوان
إن الزرقة التي تنسبها إلى السماء ونصفها بها ، تلك اللونية لجرم السماء لبعدها عنك في الإدراك البصري ، كما ترى الجبال إذا بعدت عنك زرقا وليست الزرقة لها إلا لبعدها عن نظر العين ، كما ترى الجبل البعيد عن نظرك أسود ، فإذا جئته قد لا يكون كما أبصرته، فإن الألوان على قسمين ، لون يقوم بجسم المتلون ، ولون يحدث للبصر عند نظره إلى الجسم لأمر عارض يقوم بين الرائي والمرئي ، مثل هذا ومثل الألوان التي تحدث في المتلون باللون الحقيقي لهيئات تطرأ ، فيراها الناظر على غير لونها القائم بها الذي يعرفه .
الفتوحات ج 3 / ص 459

7 - ألم ترى إلى ربك كيف مد الظل ... الآية
اعلم أن الممكنات التي أوجدها الحق تعالی هي للأعيان التي تضمنها حضرة الإمكان ، وهي برزخ بين حضرة الوجود المطلق والعدم المطلق ، بمنزلة الظلالات للأجسام ، بل هي الظلالات الحقيقية ، وهي التي وصفها الحق سبحانه بالسجود له

ص 133



قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو وجود الحق في أعيان الممكنات. فمن حيث هوية الحق هو وجوده، و من حيث)
____________________________________
مع سجود أعيانها ، فما زالت تلك الأعيان ساجدة له قبل وجودها . فلما وجدت ظلالاتها وجدت ساجدة لله تعالی لسجود أعيانها التي وجدت عنها ، من سماء وأرض وشمس وقمر ونجم وجبال وشجر ودواب وكل موجود ، ثم لهذه الظلالات التي ظهرت عن تلك الأعيان الثابتة من حيث تكونت أجساما ظلالات أوجدها الحق لها .
دلالات على معرفة نفسها من أين صدرت ، ثم أنها تمتد مع ميل النور أكثر من حد الجسم الذي تظهر عنه إلى ما لا يدركه طولا ، ومع هذا ينسب إليه ، وهو تنبیه أن العين التي في البرزخ التي وجدت عنها لا نهاية لها مما تتصف به من الأحوال والأعراض والصفات والأكوان .
فهو عالم لا يتناهی وما له طرف ينتهي إليه ، فإنه الحضرة الفاصلة بين الوجود المطلق والعدم المطلق.
وأنت بين هذين الظلالين ذو مقدار ، فأنت موجود عن حضرة لا مقدار لها ، ويظهر عنك ظل لا مقدار له.
فامتداده يطلب تلك الحضرة البرزخية ، وتلك الحضرة البرزخية هي ظل الوجود المطلق من الاسم النور الذي ينطلق على وجوده ، فلهذا نسميها ظلا ، ووجود الأعيان ظل ذلك الظل .
والظلالات المحسوسة ظلالات هذه الموجودات في الحس .
ولما كان الظل في حكم الزوال لا في حكم الثبات ، وكانت الممكنات وإن وجدت في حكم العدم سمیت ظلالات ، ليفصل بينها وبين من له الثبات المطلق في الوجود ، وهو واجب الوجود .
وبين من له الثبات المطلق في العدم وهو المحال ، لتتميز المراتب ، فالأعيان الموجودات إذا ظهرت ففي هذا البرزخ هي ، فإنه ما ثم حضرة تخرج إليه ، ففيها تكتسب حالة الوجود ، والوجود فيها متناه ما حصل منه ، والإيجاد فيها لا ينتهي ، فهذا مثل ضربه الله على دوام الخلق والتكوين وعلى العين الثابتة ثم ظهورها للوجود .
ففي قبض الظل ومده من اللطف ما إذا فكر فيه الإنسان رأی عظیم أمر ، ولهذا نصبه الله دليلا على معرفته ، فلا يدرك البصر عين امتداده حالا بعد حال، فإنه لا يشهد له حركة مع شهود انتقاله ، فهو عنده متحرك لا متحرك ، وكذلك في فيئه وهو قوله « ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا » فسنه خرج ، فانه لا ينقبض إلا إلى ما منه خرج ،

ص 134



قال الشيخ رضي الله عنه : ( اختلاف الصور فيه هو أعيان الممكنات. "8" فكما لا يزول عنه باختلاف الصور اسم الظل، كذلك لا يزول باختلاف الصور اسم العالم أو اسم سوى الحق. فمن حيث أحدية كونه ظلا هو الحق، لأنه الواحد الأحد. و من حيث كثرة الصور هو العالم، فتفطن و تحقق ما أوضحته لك. و إذا كان الأمر على ما ذكرته لك فالعالم متوهم ما له وجود حقيقي، و هذا معنى الخيال .
أي خيل لك أنه أمر زائد قائم بنفسه خارج عن الحق وليس كذلك في نفس الأمر.
ألا تراه في الحس متصلا بالشخص الذي امتد عنه، ويستحيل عليه الانفكاك عن ذلك الاتصال لأنه يستحيل على الشي ء الانفكاك عن ذاته؟
فاعرف عينك ومن أنت و ما هويتك و ما نسبتك إلى الحق، و بما أنت حق و بما أنت عالم و سوى و غير و ما شاكل هذه الألفاظ.   وفي هذا يتفاضل العلماء، فعالم وأعلم. فالحق بالنسبة إلى ظل خاص صغير وكبير، وصاف وأصفى، كالنور بالنسبة إلى حجابه عن الناظر في الزجاج يتلون بلونه، وفي نفس الأمر لا لون له. ولكن هكذا تراه.
ضرب مثال لحقيقتك بربك. فإن قلت: إن النور أخضر لخضرة الزجاج صدقت وشاهدك الحس، وإن قلت إنه ليس بأخضر ولا ذي لون لما أعطاه لك الدليل، صدقت وشاهدك النظر العقلي الصحيح.
فهذا نور ممتد عن ظل وهو عين الزجاج فهو ظل نوري لصفائه.
كذلك المتحقق منا بالحق تظهر صورة الحق فيه أكثر مما تظهر في غيره. فمنا من يكون الحق سمعه وبصره وجميع قوة وجوارحه بعلامات قد أعطاها الشرع)
_______________________
كذلك تشهده العين.
وقد قال تعالى وهو الصادق إنه قبضه إليه ، فعلمنا أن عين ما خرج منه هو الحق ، ظهر بصورة خلق ، فيه ظل يبرزه إذا شاء ، ويقبضه إذا شاء .
وقوله تعالى « ثم جعلنا الشمس عليه دليلا » الضمير في عليه يطلب الظل لأنه أقرب مذكور ، ويطلب الاسم الرب وإعادته على الرب أوجه ، فإنه بالشمس ضرب الله المثل في رؤيته يوم القيامة.
انظر إلى نقص ظل الشخص فيه إذا ... ما الشمس تعلو فتفنى ظله فيه
ذاك الدليل على تحريكه أبدا ... بدأ وفيئا وهذا القدر يكفيه
لو كان يسكن وقتا ما بدا أثر ... في الكون من كن وذاك الحكم من فيه
فالكون من نفس الرحمن ليس له ... أصل سواه فحكم القول يبديه
خلاف ما يقتضيه العقل فارم به ... فإن حكمة شرع الله تقضيه
ما أن رأيت له عينا ولا أثرا ... ولو يكون لكان العقل يخفيه
الفتوحات ج 1 / 458 - ج 3 / 46 ، 47 ، 269 - ج 4 / 238 .

8 - راجع وحدة الوجود فص 2 ص 45 فص 5 ص 84
وحدة الوجود - المرايا
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :
وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والمعلوم الآخر العام المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا وهو المحال ،
والعلوم الثالث هو البرزخ الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممكن ، وسبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته .
وذلك أن العدم المطلق قام للوجود المطلق كالمرآة فرأي الوجود فيه صورته فكانت تلك الصورة عين الممكن ، فلهذا كان للممكن عين ثابتة وشيئية في حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .
ولهذا أيضا اتصف بعدم التناهي فقيل فيه إنه لا يتناهی ، وكان أيضا الوجود المطلق كالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق في مرآة الحق نفسه .
فكانت صورته التي رأي في هذه المرأة هو عين العدم الذي اتصف به هذا الممكن ، وهو موصوف بأنه لا يتناهی كما أن العدم المطلق لا يتناهی ، فاتصف الممكن بأنه معدوم ، فهو كالصورة الظاهرة بين الرائي والمرأة ، لا هي عين الرائي ولا غيره
وقد علمنا أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا ، كما تحدث صورة المرئي في المرآة ، ينظر الناظر فيها، فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها، ولا يدري ما يحدث فيها .
ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة .
ونظرك فيها مثل قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » وهو قصدك النظر « أن نقول له كن » وهو بمنزلة النظر « فیكون » وهو بمنزلة الصورة التي تدركها عند نظرك في المرآة ،.
ثم إن تلك الصورة ما هي عينك الحكم صفة المرآة فيها من الكبر والصغر والطول والعرض ، ولا حكم لصورة المرآة فيك فما هي عينك ولا عين ما ظهر ممن ليس أنت من الموجودات الموازية لنظرك في المرآة ، ولا تلك الصورة غيرك ، لما لك فيها من الحكم .
فإنك لا تشك أنك رأيت وجهك ، ورأيت كل ما في وجهك ظهر لك بنظرك في المرآة من حيث عين ذلك لا من حيث ما طرأ عليه من صفة المرآة ، فما هو المرئي غيرك ولا عينك ، كذلك الأمر في وجود العالم الحق .
أي شيء جعلت مرآة أعني حضرة الأعيان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تكون الأعيان الثابتة الله مظاهر ، فهو حكم المرآة في صورة الرائي ، فهو عينه وهو الموصوف بحكم المرآة ، فهو الظاهر في المظاهر بصورة المظاهر.
أو يكون الوجود الحق هو عين المرآة ، فترى الأعيان الثابتة من وجود الحق ما يقابلها منه ، فترى صورتها في تلك المرآة و يترائي بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حيث ما هي المرآة عليه ، وإنما ترى ما ترى من حيث ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان .
وكما لا يشك الناظر وجهه في المرآة أن وجهه رأي ، وبما للمرآة في ذلك من الحكم يعلم أن وجهه ما رأى .
فهكذا الأمر فانسب بعد ذلك ما شئت كيف شئت ، فإن الوجود للعين الممكنة كالصورة التي في المرآة ، ما هي عين الرائي ولا غير الرائي ، ولكن المحل المرئي فيه به و بالناظر المتجلي فيه ظهرت هذه الصورة ، فهي مرآة من حيث ذاتها والناظر ناظر من حيث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها .
كالمرأة إذا كانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه .
علمنا أن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة ، ولما لم يتأثر ولم تكن تلك الصورة هي عين المرأة ولا عين الناظر ، وإنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة ، علمنا الفرق بين الناظر وبين المراة وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها ، ولهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .
وإذا كانت في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى ، تعرفه إني وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أين اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن كلف .
وعلمت من أنت ومن ربك وأين منزلتك ، وأنك المفتقر إليه سبحانه وهو الغني عنك بذاته.
فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، وليس في الوجود إلا هو ، ولا يستفاد الوجود إلا منه، ولا يظهر الموجود عين إلا بتجليه.
فالمرأة حضرة الإمكان والحق الناظر فيها والصورة أنت بحسب إمكانيتك ، فإما ملك وإما فلك وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال .
كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان والتجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود والمرآة تكسبها الأشكال ، فيظهر الملك و الجوهر والجسم والعرض ، والإمكان هو هو لا يخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح ، فقل في العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفة وعلما .
راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.


وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ،
فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606



ص 135

قال الشيخ رضي الله عنه : ( الذي يخبر عن الحق. مع هذا عين الظل موجود. "9"
فإن الضمير من سمعه يعود عليه: وغيره من العبيد ليس كذلك. فنسبة هذا العبد أقرب إلى وجود الحق من نسبة غيره من العبيد.وإذا كان الأمر على ما قررناه فاعلم أنك خيال وجميع ما تدركه. )
_________________________________
9 - «كنت سمعه وبصره » الحديث
يقول تعالى : « ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ۰۰. الحديث »
اعلم أن العبد حادث فلا تنفي عنه حقیقته لأنه لو انتفت ، انتفت عينه ، وإذا انتفت عينه فمن يكون مكلفا بالعبادة .
ففي هذا الحديث أثبتك و نفاك ، فتكون أنت من حيث ذاتك ، ويكون هو من حيث تصرفاتك وإدراكاتك .
فأنت مكلف من حيث وجود عينك ومحل للخطاب ، وهو العامل بك من حيث أنه لا فعل لك .
إذ الحادث لا أثر له في عين الفعل ، ولكن له حكم في الفعل إذ كان ما كلفه الحق من حركة وسكون لا يعمله الحق إلا بوجود المتحرك والساكن .
إذ ليس إذا لم يكن العبد موجودا إلا الحق ، والحق تعالی عن الحركة والسكون أو يكون محلا لتأثيره في نفسه ، فلابد من حدوث العبد حتى يكون محلا لأثر الحق ، فإذا كان العبد ما عنده من ذاته سوى عينه بلا صفة ولا اسم سوى عينه ، حينئذ يكون عند الله من المقربين و بالضرورة يكون الحق جميع صفاته .
و يقول له : أنت عبدي حقا ، فما سمع سامع في نفس الأمر إلا بالحق ولا أبصر إلا به ولا علم إلا به ولا حيي ولا قدر ولا تحرك ولا سكن ولا أراد ولا قهر ولا أعطى ولا منع ولا ظهر عليه وعنه أمر ما هو عينه إلا وهو الحق لا العبد.
فما للعبد سوى عينه سواء علم ذلك أو جهله ، وما فاز العلماء إلا بعلمهم بهذا القدر في حق كل ما سوى الله لا أنهم صاروا كذا بعد أن لم يكونوا.
فالضمير في قوله «كنت سمعه» هو عين العبد . والسمع عين الحق في كل حال. فكشف له سبحانه عن ذلك فإن قوله « كنت » يدل على أنه كان الأمر على هذا وهو لا يشعر .
فكانت الكرامة التي أعطاها هذا التقرب الكشف والعلم بأن الله كان سمعه وبصره فهو يتخيل أنه يسمع بسمعه وهو يسمع بربه .
كما كان يسمع الإنسان في حال حياته بروحه في ظنه لجهله وفي نفس الأمر إنما يسمع بريه ، ألا ترى نبيه الصادق

ص 136


قال الشيخ رضي الله عنه : (  مما تقول فيه ليس أنا خيال.فالوجود كله خيال في خيال. "10"
، والوجود الحق إنما هو الله خاصة من حيث ذاته و عينه لا من حيث أسماؤه، لأن أسماءه لها مدلولان: المدلول الواحد عينه و هو عين المسمى، و المدلول الآخر ما يدل عليه مما ينفصل الاسم به من هذا الاسم الآخر و يتميز. فأين الغفور من الظاهر ومن الباطن، وأين الأول )
________________________________________
في أهل القليب كيف قال : ما أنتم بأسمع منهم ، فأثبت الله للعبد بالضمير عينه عبدا لا ربوبية له .
وجعل ما يظهر به وعليه ومنه أن ذلك هو الحق تعالى لا العبد .
فما ثم إلا حق لحق وحق لخلق ، فحق الحق ربوبيته وحق الخلق عبوديته .
الفتوحات ج 1 / 203 ، 305 ، 378 ، 397 ، 406 ، 407 ، 415 ، 434 ، 445 ، 468 ، 675 .
الفتوحات ج 2 / 65 ، 189 ، 323 ، 341 ، 479 ، 502 ، 513 ، 559.
إكمال فص 10 هامش 9

.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:03 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:00 am

09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

تعليقات أ.محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص اليوسيفي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية   الجزء الثاني

10 - الوجود الحادث خيال في خيال - الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا
من لا يعرف مرتبة الخيال فلا معرفة له جملة واحدة ، وهذا الركن من المعرفة إذا لم يحصل للعارفين فما عندهم من المعرفة رائحة .
فمن العلم الذي يختص به أهل الله تعالى معرفة الكشف الخيالي ، فإنك لا تشك أنك مدرك لما أدركته أنه حق محسوس لما تعلق به الحس.
وأن الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله « الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا »
فنبه أن ما أدركتموه في هذه الدار مثل إدراك النائم في النوم وهو خیال .
ولا تشك أن الناس في برزخ بين هذه الدار والدار الآخرة وهو مقام الخيال .
قال تعالی : «وما رمیت اذ رمیت ولکن الله رمی » ، أبان الله لنا فيما ذكره في هذه الآية أن الذي كنا نظنه حقيقة محسوسة إنما هي متخيلة يراها رأي العين والأمر في نفسه على خلاف ما تشهده العين .
فكل ما سوى ذات الحق فهو في مقام الاستحالة السريعة والبطيئة وهو خیال حائل وظل زائل .
فالعالم ما ظهر إلا في خيال فهو متخیل لنفسه ، وهو كله في صور مثل منصوبة ، فالحضرة الوجودية إنما هي حضرة الخيال ، والوجود المحدث خیال منصوب ، ثم تقسم ما تراه من الصور إلى محسوس و متخیل والكل متخیل .
وهذا لا قائل به إلا من أشهد هذا المشهد، والشهود عناية من الله أعطاها إيانا نور الإيمان الذي أنار الله به بصائرنا .

ص 137 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( من الآخر.؟
فقد بان لك بما هو كل اسم عين الاسم الآخر وبما هو غير الاسم الآخر.
فبما هو عينه هو الحق، وبما هو غيره هو الحق المتخيل الذي كنا بصدده.
فسبحان من لم يكن عليه دليل سوى نفسه ولا ثبت كونه إلا بعينه.
فما في الكون إلا ما دلت عليه الأحدية. وما في الخيال إلا ما دلت عليه الكثرة. فمن وقف مع الكثرة كان مع العالم ومع الأسماء الإلهية وأسماء العالم.
ومن وقف مع الأحدية كان مع الحق من حيث ذاته الغنية عن العالمين.
وإذا كانت غنية عن العالمين فهو عين غنائها عن نسبة الأسماء لها، لأن الأسماء لها كما تدل عليها تدل على مسميات أخر يحقق ذلك أثرها.  «قل هو )
____________________________
فما أعجب الأخبار النبوية ، لقد أبانت عن الحقائق على ما هي عليه ، وعظمت ما استهونه العقل القاصر .
فإنه ما صدر إلا من عظيم وهو الحق ، فإذا ارتقى الإنسان في درج المعرفة علم أنه نائم في حال اليقظة المعهودة .
وأن الأمر الذي هو فيه رؤیا إيمانا وكشفا ، ولهذا ذكر الله أمورا واقعة في ظاهر الحسن .
وقال « فاعتبروا » وقال « إن في ذلك لعبرة » أي جوزوا واعبروا مما ظهر لكم من ذلك إلى علم ما بطن به وما جاء له .
لذلك قال صلى الله عليه وسلم : « الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا » ولكن لا يشعرون ولهذا قلنا إيمانا .
فالوجود كله نوم ويقظته نوم، والحق هو الناطق والمحرك والمسكن والموجد والمذهب .
وجميع الصور بما ينسب إليها مما هو له خیال منصوب وأن حقيقة الوجود له تعالی.
الفتوحات ج 1 / 41 ، 116 ، 311 - ج 2 / 213 ، 313 ، 379 ، 380
ج 3 / 525.

11 - الله غني عن العالمين
اعلم أن الله ما هو غني عن العالم إلا لظهوره بنفسه للعالم ، فاستغنى أن يعرف بالعالم ، فلا يدل عليه الغير بل هو الدليل على نفسه بظهوره لخلقه ، فلا دليل عليه سواه .
فإنه لا شيء أدل من الشيء على نفسه ، فهو غني عن العالمين ، أي سواء ظهوركم وعدمكم ، فهو غني عن الدلالة .
كأنه يقول : ما أوجدت العالم ليدل علي . ولا أظهرته علامة على وجودي .
وإنما أظهرته ليظهر ح?م حقائق أسمائي ، وليست لي علامة على سوائي .
فإذا تجلیت عرفت بنفس التجلي ، والعالم علامة على حقائق الأسماء لا على. وعلامة أيضا على أني مستنده لا غير ، فإن كل حكم في العالم لابد

ص 138

قال الشيخ رضي الله عنه : (  الله أحد» من حيث عينه: «الله الصمد» من حيث استنادنا إليه: «لم يلد» من حيث هويته ونحن، «ولم يولد» كذلك، «ولم يكن له كفوا أحد» كذلك.
فهذا نعته فأفرد ذاته بقوله: «الله أحد» وظهرت الكثرة بنعوته المعلومة عندنا.
فنحن نلد ونولد ونحن نستند إليه ونحن أكفاء بعضنا لبعض.
وهذا الواحد منزه عن هذه النعوت فهو غني عنها كما هو غني عنا.
وما للحق نسب إلا هذه السورة، سورة الإخلاص، وفي ذلك نزلت. فأحدية الله من حيث الأسماء الإلهية التي تطلبنا أحدية الكثرة، و أحدية الله من حيث الغنى عنا و عن الأسماء أحدية العين، و كلاهما يطلق عليه الاسم الأحد، فاعلم ذلك. فما أوجد الحق الظلال وجعلها ساجدة متفيئة عن)
__________________________________________
أن يستند إلى نعت إلهي ، إلا النعت الذاتي الذي يستحقه الحق لذاته .
وبه كان غنيا عن العالمين ، والنعت الذاتي الذي للعالم بالاستحقاق ، وبه كان فقيرة بل عبدا .
فإنه أحق من نعت الفقر ، وإن كان الفقر والذلة على السواء ، فالحق تعالى هو المنزه عن أن تدل عليه علامة ، فهو المعروف بغير حد ، المجهول بالحد.
والعالمون هنا الدلالات على الله ، فهو غني عن الدلالات عليه ، فرفع أن يكون بينه وبين العالم نسبة ووجه يربطه بالعالم من حيث ذلك الوجه الذي هو منه غني عن العالمين .وهو الذي يسسيه أهل النظر وجه الدليل.
يقول الحق : ما ثم دليل علي فيكون له وجه يربطني به فأكون مقيدا به .
وأنا الغني العزيز الذي لا تقيدني الوجوه ولا تدل عليه أدلة المحدثات ، فالواجب الوجود غني على الإطلاق ، فلا شيء واجب الوجود لنفسه إلا هو .
فهو الغني بذاته على الإطلاق عن العالمين بالدليل العقلي والشرعي ، إذ لو أوجد العالم للدلالة عليه لما صح له الغني عنه ، فهو أظهر وأجلي من أن يستدل عليه بغير ، أو يتقيد تعالی بسوی .
إذ لو كان الأمر كذلك لكان للدليل بعض سلطنة وفخر على المدلول ، فكان يبطل الغني ، فما تصب الأدلة عليه وإنما تصبها على المرتبة ليعلم أنه لا إله إلا هو ، ولهذا لا يصح أن يكون عليه ، و إليه الدلالة بقوله صلى الله عليه وسلم « كان الله ولا شيء معه » فهو غني عن الدلالة .
واعلم أن معقولية كون الله ذاتا ما هي معقولية كونه إلها ، وهي مرتبة ، وليس في الوجود العيني سوى العين ، فهو من حيث هو غني عن العالمين ، ومن حيث الأسماء

ص 139



اليمين والشمال إلا دلائل لك عليك وعليه لتعرف من انت و ما نسبك إليه وما نسبه إليك "12" حتى تعلم من أين أو من أي حقيقة إلهة اتصف ما سوى الله بالفقر
___________________________________________
التي تطلب العالم لإمكانه لظهور آثارها فيه يطلب وجود العالم ، فلولا الممكن ما ظهر أثر للأسماء الإلهية ، فـ للأسماء الإلهية أو المرتبة التي هي مرتبة المسي إلها.
التصرف والحكم فيمن نعت بها ، فبها يتصرف ولها يتصرف ، وهو غني عن العالمين في حال تصرفه لابد منه ، فالله من حيث ذاته ووجوده غني عن العالمين . ومن كونه ربا يطلب المربوب بلا شك ، فهو من حيث العين لا يطلب ، ومن حيث الربوبية يطلب المربرب وجودا وتقديرا .
الفتوحات  ج 1 / 291 ، 439 - ج 2 / 227 ، 429 ، 474 ، 518 ، 541 - ج 3 / 316 ، 364 ، 405 ، 557 - ج 4 / 101 .

12 - تفيؤ الظلال
قال تعالى : « ألم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون » خاطب بذلك أهل الكشف : وهم عامة الإنس و كل عاقل فخاطبهم بالنعيم البصري ، - راجع هامش رقم 7
اعتبار ظلك على صورتك ، وأنت على الصورة ، فأنت ظل قام الدليل على أن التحريك للحق لا لك .
كذلك التحريك لك لا للظل ، غير أنك تعترض فلم تعرف قدرك ، وظلك لا يعترض.
يا من هو ظله أعلم بقدره منه متى تفلح ، ما مدت الظلال للاستظلال ، وإنما مدت لتكون سلما إلى معرفة الله معك.
فأنت الظل و سيقبضك إليه ، فمن نظر إلى ظله عرف أن حكمه في الحركة والسكون من أصله .
فأراد الحق منك أن تكون معه كظلك معك ، من عدم الاعتراض عليه فيما يجريه عليك ، والتسليم والتفويض إليه فيما تصرف فيك به.
وينبهك بذلك أن حركتك عين تحری?ه وأن س?ونك كذلك .
ما الظل يحرك الشخص ، كذلك فلتكن مع الله.
فإن الأمر كما شاهدته ، فهو المؤثر فيك .
- راجع كتاب التراجم .

ص 140



قال الشيخ رضي الله عنه : ( اليمين والشمال إلا دلائل لك عليك وعليه لتعرف من أنت وما نسبتك إليه وما نسبته إليك حتى تعلم من أين أو من أي حقيقة إلهية اتصف ما سوى الله بالفقر الكلي إلى الله، وبالفقر النسبي بافتقار بعضه إلى بعض.
وحتى تعلم من أين أو من أي حقيقة اتصف الحق بالغناء عن الناس والغناء عن العالمين، واتصف العالم بالغناء أي بغناء بعضه عن بعض من وجه ما هو عين ما افتقر إلى بعضه به. فإن العالم مفتقر إلى الأسباب بلا شك افتقارا ذاتيا.
وأعظم الأسباب له سببية الحق"13": ولا سببية للحق يفتقر العالم إليها سوى الأسماء الإلهية.
والأسماء الإلهية كل اسم يفتقر العالم إليه من عالم مثله أو عين الحق.
فهو الله لا غيره ولذلك قال: «يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد». ومعلوم أن لنا افتقارا من بعضنا لبعضنا.
فأسماؤنا أسماء الله تعالى إذ إليه الافتقار بلا شك "14"، و أعياننا في نفس )
___________________________________
13 - السبب الأول
اعلم أن الأول أفضل الأشياء وأعلاها ، لأنه لا يكون عن شيء بل تكون الأشياء عنه ، فلو كان عن شيء لم تصح له الأولية على الإطلاق ، والعبد من حين عينه عن أوليات كثيرة قبله .
وأعني بذلك الأسباب ، فهو سبحانه السبب الأول الذي لا سبب لأوليته ، والأسباب استرقت العالم حتى لا يعرفوا سواها ، وأعلاهم في الرق الذين استرقتهم الأسماء الإلهية.
وليس أعلى من هذا الاسترقاق لا استرقاق أحدية السبب الأول من كونه سببا لا من حيث ذاته .
ومع هذا فينبغي لهم أن لا تسترقهم الأسماء لغلبة نظرهم إلى أحدية الذات من كونه ذاتا لا من كونه إلها .
الفتوحات  ج 1 / 391 ، 563 .

14 - تجلي الحق في صور الأسباب " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله "
في هذا الخطاب تسمية الله بكل اسم هو لمن يفتقر إليه فيما يفتقر إليه ، وهو من باب الغيرة الإلهية حتى لا يفتقر إلى غيره ، والشرف فيه إلى العالم بذلك.
فإن من الناس من افتقر إلى الأسباب الموضوعة كلها ، وقد حجبتهم في العامة عن الله .
وهم على الحقيقة ما افتقروا في نفس الأمر إلا إلى من بيده قضاء حوائجهم وهو الله.
ولهذا قال بعض العلماء بأن الله قد تسمي بكل ما يفتقر إليه في الحقيقة ، ودليلهم هذه الآية ، فقد تسمى الله في هذه الآية بكل ما يفتقر إليه ، لما اتصف لعباده بالغيرة أظهر حكمها ، فأبان لهم أنه المتجلي في صورة كل شيء حتى لا يفتقر إلا إليه خاصة.

ص 141
قال الشيخ رضي الله عنه : (  الأمر ظله لا غيره. فهو هويتنا لا هويتنا،"15" و قد مهدنا لك السبيل فانظر.)
_________________________________
فقال عز وجل « يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله » فتحقق ركون الناس إلى صور الأسباب وافتقارهم إليها . وأثبت الله افتقار الناس إليه لا إلى غيره .
ليبين لهم أنه المتجلي في صور الأسباب ، وأن الأسباب التي هي صور حجاب عنه ، ليعلم ذلك العلماء لعلمهم بالمراتب .
فالحق عين السبب إذ لولاه ما كان العالم ، وكل ما يفتقر إليه فهو اسم الله تعالى إذ لا يفتقر إلا إليه ، وإن لم يطلق عليه لفظ من ذلك.
فنحن إنما تعتبر المعاني التي تفيد العلوم ، أما التحجير ورفع التحجير في الاطلاق عليه سبحانه فذلك إلى الله.
فما اقتصر عليه من الألفاظ في الإطلاق اقتصرنا عليه ، فإنا لا نسميه إلا بما سمى به نفسه ، وما منع من ذلك منعناه أدبا مع الله .
ففي هذه الآية تسمى الحق لنا باسم كل ما يفتقر إليه غيرة منه أن يفتقر إلى غيره ، وكان في هذا الخطاب هجاء للناس حيث لم يعرفوا ذلك إلا بعد التعريف الإلهي في الخطاب الشرعي على ألسنة الرسل عليهم السلام .
ومع هذا أنكر ذلك خلق كثير ، وخصوه بأمور معينة يفتقر إليه فيها ، ولا في كل الأمور من اللوازم التابعة للوجود التي تعرض مع الآفات للخلق .
و كان ينبغي لنا لو كنا متحققين بفهم هذه الآية أن نبكي بدل الدموع دما ، حيث جهلنا هذا الأمر من نفوسنا إلى أن وقع به التعريف الإلهي ، فكيف حال من أنكره وتأوله وخصصه .
الفتوحات  ۲۹۳ج 2 / 263 ، 469 ، 490 ، 601 - ج 3 / 35 - ج 4 / 196

15 - راجع وحدة الوجود ص 45 ، 84

ص 142 
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:02 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 10 - فص حكمة أحدية في كلمة هودية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالثلاثاء أغسطس 13, 2019 10:00 am

10 - فص حكمة أحدية في كلمة هودية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه
الفص الهودي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
10 - الفص العاشر حكمة أحدية في كلمة هودية
قال الشيخ رضي الله عنه : ( إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم
في صغير وكبير عينه ... وجهول بأمور وعليم
ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم "2"
«ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم».
فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم.
فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.
وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.)
..............................................................
 
1 - المناسبة في تسمية هذا الفص :
هو أن لكل دابة صراطا مستقيما تمشي عليه وهو قول هود عليه السلام « ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقیم » .
ولهذا كانت المناسبة مع الأحدية فإن الخط المستقيم الذي يصل بين البداية والنهاية واحد لا ثاني له .
ولذلك خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه السلام وسلم خطا ثم خط على جانبيه خطوطا ثم تلا « وأن هذا صراطي مستقیما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ».
 فإذا عرف الصراط بالألف واللام أو بالاضافة فهو صراط واحد وهو شرع الله تعالى المنزل من عنده ، وإذا نكر الصراط فهو أيضا واحد وهو ما يمشي عليه المكلف إما إلى سعادته أو شقاوته فإن الله آخذ بناصيته على هذا الصراط ، ومن هنا كان مذهب الشيخ رضي الله عنه عدم سرمدة العذاب وشمول الرحمة فإن المكلف مجبور في اختياره .
 
2- راجع هامش رقم 1  
 
ص 143
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (
إذا دان لك الخلق ... فقد دان لك الحق  "3"
و إن دان لك الحق ... فقد لا يتبع الخلق "4"
فحقق قولنا فيه ... فقولي كله الحق  "5"
فما في الكون موجود ... تراه ما له نطق  "6"
وما خلق تراه العين ... إلا عينه حق
ولكن مودع فيه ... لهذا صوره حق   "7"
اعلم أن العلوم الإلهية الذوقية الحاصلة لأهل الله مختلفة باختلاف القوى الحاصلة منها مع كونها ترجع إلى عين واحدة. "8"
فإن الله تعالى يقول : «كنت )
..............................................................
3 - « دان له » أي أطاعه يشير بذلك أن الخلق إذا تبعك وأطاعك فقد دان لك الحق فإنه هو الآخذ بناصية الخلق .
4 - « وإن دان لك الحق » من قوله تعالى في الحديث القدسي « عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد » ومن قوله تعالى « أجيب دعوة الداعي » « فقد لا يتبع الخلق ، فليس كل الخلق على الصراط المستقيم الذي تدعو إليه وإن كانوا على صراط مستقیم .
5 - وهو الفرق بين الصراط المستقيم و بين قوله تعالى «إن ربي على صراط مستقیم» فكله حق .
6 - هو قوله تعالی " وإن من شيء إلا يسبح بحمده".
7 - إشارة إلى أنه تعالى "هو الظاهر في المظاهر"  وإلى الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة وما يقوله العامة عنها "وحدة الوجود" .
8 - العلوم الإلهية الذوقية
علوم الأذواق لا سبيل إليها إلا بالذوق، فلا يقدر عاقل على أن يحدها ولا يقيم على معرفتها دليلا، كالعلم بحلاوة العسل ومرارة الصبر ولذة الجماع والعشق والوجد والشوق وما شاكل هذا النوع من العلوم.
فهذه علوم من المحال أن يعلمها أحد إلا بأن يتصف بها ويذوقها ، وبالذوق تتميز الأشياء عند العارفين .
والكلام على الأحوال لا يحتمل البسط وتكفي فيه الإشارة إلى المقصود ، ومهما بسطت القول
 
ص  144
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يسعى بها. فذكر أن هويته هي عين الجوارح التي هي عين العبد. فالهوية واحدة والجوارح )
..............................................................
 
فيه أفسدته ، فعلوم الأذواق لا تنقال ولا تنحكي ، ولا يعرفها إلا من ذاقها ، وليس في الإمكان أن يبلغها من ذاقها إلى من لم يذقها .
وبينهم في ذلك تفاضل لا يعرف ، ولا يمكن أن يعرف عين ما فضله به ، وما من أمر إلا وهو يقبل التعبير عنه ، ولا يلزم من ذلك فهم السامع الذي لا يفهم ذلك الاصطلاح ولا تلك العبارة ، فإن علوم الأذواق والكيفيات وإن قبلت لا تنقال ، ولكن لما كان القول بها والعبارة عنها لإفهام السامع .
لذلك قالوا ما ينقال ، ولا يلزم ما لا يفهم السامع - المدرك له أن لا يصطلح مع نفسه على لفظ بدل به على ما ذاقه ، ليكون ذلك اللفظ منبها ومذكرة له إذا نسي ذلك في وقت آخر ، وإن لم يفهم عنه من لا ذوق له فيه ، فالله يرزقنا الإصابة في النطق والإخبار عما أشهدناه وعلمناه من الحق علم کشف و شهود وذوق ، فإن العبارة عن ذلك فتح من الله تأتي بحكم المطابقة ، وكم من شخص لا يقدر أن يعبر عما في نفسه، وكم من شخص تفسد عبارته صحة ما في نفسه ، والصحيح أن كل علم لا يكون عن ذوق فليس بعلم أهل الله .
ولما كانت العلوم تعلو وتنضع بحسب المعلوم ، لذلك تعلقت الهمم بالعلوم الشريفة العالية التي إذا اتصف بها الإنسان زکت نفسه وعظمت مرتبته ، فأعلاها مرتبة العلم بالله .
وأعلى الطرق إلى العلم بالله علم التجليات ، ودونها علم النظر ، فالتجلي أشرف الطرق إلى تحصيل العلوم ، وهي علوم الأذواق .
ولما لم تر إلا التقليد ترجح عندنا تقلید هذا المسمى برسول والمسمى بکلام الله ، وعملنا عليه تقليدا حتى كان الحق سمعنا وبصرنا فعلمنا الأشياء بالله .
فرجال الله علموا الله بإعلام الله ، فكان هو علمهم كما كان بصرهم.
 فمثل هؤلاء لو تصور منهم نظر فکري لكان الحق عين فكرهم كما كان عين علمهم وعين بصرهم وسمعهم ، لكن لا يتصور من يكون مشهده هذا وذوقه أن يكون له فكر البتة في شيء إنما هو مع ما يوحي إليه على اختلاف ضروب الوحي ، وإنه من ضروب الوحي الفهم عن الله ابتداء من غير تعكر ، فإن
 
ص  145  


قال الشيخ رضي الله عنه : ( مختلفة. "9"
ولكل جارحة علم من علوم الأذواق يخصها من عين واحدة تختلف باختلاف الجوارح، كالماء حقيقة واحدة مختلف في الطعم باختلاف البقاع، فمنه عذب فرات ومنه ملح أجاج، وهو ماء في جميع الأحوال لا يتغير عن حقيقته وإن اختلفت )
..............................................................
 
أعطي الفهم عن تفكر فما هو ذلك الرجل فإن الفهم عن الفكر يصيب وقتا ويخطىء وقتا ، والفهم لا عن فكر وحي صحيح صريح من الله لعبده ، وذوق الأنبياء عليهم السلام في هذا الوحي يزيد على ذوق الأولياء .
وأهل الله من الأنبياء والأولياء ينسبون فيما يدركونه من العلوم على غير الطريق المعتادة ، فإذا أدركوها تسبوا إلى تلك الصفة التي أدركوا بها المعلومات ، فيقولون فلان صاحب نظر أي بالنظر يدرك جميع المعلومات .
وهذا ذقته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفلان صاحب سمع ، وفلان صاحب طعم ، وصاحب نفس وأنفاس يعني الشم ، وصاحب لمس.
فمن علوم الوهب العلم عن النظرة والضربة والرمية وكيف نقوم هذه الأمور مقام کلام العالم للمتعلم ، وذوقنا من هذا الفن ذوق النظرة فتستفاد علوم كثيرة من مجرد ضرب أو نظر ، قد رأينا هذا كله بحمد الله من نفوسنا فلا نشك فيه .
الفتوحات ج 1 / 31 ، 166 ، 214 ، 483 ، 551 - ج 2 / 298 ، 482 ، 608 ، 754 .
ج 3 / 60 - ج 4 / 38 .
 
9 -  فإذا أحببته كنت سمعه .. الحديث
اعلم أن القرب قربان:
قرب في قوله تعالى «ونحن أقرب إليه من حبل الوريد » وقوله تعالى «وهو معكم أينما كنتم».
وقرب هو القيام بالطاعات وهو المقصود في هذا الحديث ، فالقرب الذي هو القيام بالطاعات فذلك القرب من سعادة العبد من شقاوته ، وسعادة العبد في نيل جميع أغراضه كلها ، ولا يكون ذلك إلا في الجنة ، وأما في الدنيا فإنه لابد من ترك بعض أغراضه القادحة في سعادته .
فالقرب من السعادة بأن يطيع ليسعد ، وهذا هو الكسب في الولاية بالمبادرة لأوامر الله التي ندب إليها ، أما قوله « من أداء ما افترضته عليه » لأنها عبودية اضطرارية « ولا يزال
 
ص 146


قال الشيخ رضي الله عنه : ( طعومه.
وهذه الحكمة من علم الأرجل وهو قوله تعالى في الأكل لمن أقام كتبه: «ومن تحت أرجلهم». فإن الطريق الذي هو الصراط هو للسلوك عليه والمشي فيه، والسعي لا يكون إلا بالأرجل.
فلا ينتج هذا الشهود في أخذ النواصي بيد من هو على صراط )  
..............................................................
العبد يقترب إلي بالنوافل » وهي عبودية اختيار « حتى أحبه » .
إذ جعلها نوافل ، فإذا ثابرت على أداء الفرائض فإنك تقربت إلى الله بأحب الأمور المقربة إليه ، وإذا کنت صاحب هذه الصفة كنت سمع الحق و بصره .
وتكون يدك يد الحق « إن الذين بیا یعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم » وهذه هي المحبة العظمى التي ما ورد فيها نص جلي كما ورد في النوافل ، فإن للمثابرة على النوافل حبا إلهيا منصوصا عليه يكون الحق سمع العبد ونظره ، فانظر ما تنتجه محبة الله ، فثابر على أداء ما يصح به وجود هذه المحبة الإلهية .
ولا يصح نفل إلا بعد تكملة الفرض ، فالحق سبحانه روح العالم وسمعه وبصره ويده ، فبه يسمع العالم و به يبصر وبه يتكلم وبه يبطش و به يسعى ، إذ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ولا يعرف هذا إلا من تقرب إلى الله بنوافل الخيرات ، كما ورد في الحديث الصحيح ، فانتبه لقوله « كنت سمعه الذي يسمع به ولسانه الذي يتكلم به وما تكلم إلا القائل في الشاهد وهو الإنسان، وفي الإيمان الرحمن ، فمن كذب العيان كان قوي الإيمان ، ومن تردد في إيمانه تردد في عيانه ، فلا إيسان عنده ولا عيان ، فما هو صاحب مكان ولا إمكان .
ومن صدق العيان وسلم الإيمان كان في أمان ، فإن الله أثبت أن ذلك للعبد بالضمير عينه عبدا لا ربوبية له ، وجعل ما يظهر به وعليه ومنه أن ذلك هو الحق تعالى لا العبد فما ثم إلا حق لحق وحق لخلق ، فحق الحق ربوبيته ، وحق الخلق عبوديته.
فنحن عبيد وإن ظهرنا بنعوته ، وهو ربنا وإن ظهر بنعوتنا ، فإن التعوت عند المحققين لا أثر لها في العين المنعوتة.
ولهذا تزول بمقابلها إذا جاء ولا تذهب عينا .
فقوله تعالی « كنت سمعه وبصره » جعل کینوتنه سمع عبد منعوت بوصف خاص ، وهذا أعظم اتصال يكون من الله بالعبد حيث يزيل قواه من قواه ويقوم بکینوته في العبد مقام ما أزال على ما يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تكييف ولا حصر ولا إحاطة ولا حلول
 
ص 147
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (
مستقيم إلا هذا الفن الخاص من علوم الأذواق. "10"
«فيسوق المجرمين» وهم الذين استحقوا المقام الذي ساقهم إليه بريح الدبور التي أهلكهم عن نفوسهم بها، فهو يأخذ بنواصيهم والريح تسوقهم- وهو عين الأهواء التي كانوا عليها- إلى جهنم، وهي البعد الذي كانوا يتوهمونه.
فلما ساقهم إلى ذلك الموطن حصلوا في عين القرب "11" فزال البعد فزال مسمى جهنم في حقهم، ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق لأنهم مجرمون.
فما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة، وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها، وكانوا في السعي في أعمالهم على صراط الرب المستقيم لأن نواصيهم كانت بيد من له هذه الصفة.
فما مشوا بنفوسهم وإنما مشوا بحكم الجبر إلى أن وصلوا إلى عين القرب. "12"
«ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون»: وإنما هو يبصر فإنه مكشوف الغطاء «فبصره حديد». وما خص ميتا من ميت أي ما خص سعيدا في القرب من شقي. )
 
..............................................................
ولا بدليه ، فإنه أثبت عين الشخص بوجود الضمير في قوله « كنت سمعه » فهذه الهاء عينه ، والصفة عين الحق لا عينه ، فالشخص محل لأحكام هذه الصفات التي هي عين الحق لا غيره .
كما يليق بجلاله ، فنعته سبحانه بنفسه لا بصفته ، فهذا الشخص من حيث عينه هو ومن حيث صفته لا هو ، وهذا من ألطف ما يكون فظهور رب في صورة خلق عن إعلام إلهي لا تعرف له کيفية ولا تنفك عنه بينية .
والكرامة التي حصلت لهذا الشخص إنما هي الكشف والاطلاع لا أنه لم يكن الحق سمعه ثم كان ، والجاهل إذا سمع ذلك أداه إلى فهم محظور من حلول أو تحديد ، فبالوجه الذي يقول فيه الحق إنه سمع العبد به بعينه يقول إنه حياة العبد وعلمه وجميع صفاته .
فمثلا سر الحياة سري في الموجودات فحييت بحياة الحق ، فهي نسب وإضافات وشهود حقائق ، والله هو العلي الكبير عن الحلول والمحل.
الفتوحات ج 3 / 14 ، 63 ، 68 ، 184 ، 298 ، 356 ، 531 ، 557 .
ج 4 / 5 ، 362 ، 449 .
 
10 - هو قوله في أول الفص « ولهذا وسعت رحمته كل شيء » .
11 ، 12  - هو القرب الأول المشار إليه في رقم .9
 
ص 148


قال الشيخ رضي الله عنه : (
«ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» وما خص إنسانا من إنسان. فالقرب الإلهي من العبد لا خفاء به في الإخبار الإلهي.
فلا قرب أقرب من أن تكون هويته عين أعضاء العبد وقواه، وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى فهو حق مشهود في خلق متوهم.
فالخلق معقول والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود.
وما عدا هذين الصنفين فالحق عندهم معقول والخلق مشهود. "13"
فهم بمنزلة الماء الملح الأجاج، والطائفة الأولى بمنزلة الماء العذب الفرات السائغ لشاربه.
فالناس على قسمين: من الناس من يمشي على طريق يعرفها ويعرف غايتها، فهي في حقه صراط مستقيم.
ومن الناس من يمشي على طريق يجهلها ولا يعرف غايتها وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر.
فالعارف يدعو إلى الله على بصيرة، وغير العارف يدعو إلى الله على التقليد والجهالة.
فهذا علم خاص يأتي من أسفل سافلين، لأن الأرجل هي السفل من الشخص، وأسفل منها ما تحتها وليس إلا الطريق. فمن عرف أن الحق عين الطريق عرف الأمر على ما هو عليه، فإن فيه جل وعلا تسلك وتسافر إذ لا معلوم إلا هو، وهو عين الوجود والسالك والمسافر. "14"
فلا عالم إلا هو فمن أنت؟ فاعرف حقيقتك وطريقتك، فقد بان لك الأمر على لسان الترجمان إن فهمت.
وهو لسان حق فلا يفهمه إلا من فهمه حق: فإن للحق نسبا كثيرة و وجوها مختلفة: ألا ترى عادا قوم هود كيف «قالوا هذا عارض ممطرنا» فظنوا خيرا بالله تعالى وهو عند ظن عبده به.
فأضرب لهم الحق عن هذا القول فأخبرهم بما هو أتم وأعلى في القرب، فإنه إذا أمطرهم فذلك حظ الأرض وسقى الحبة فما يصلون إلى نتيجة ذلك المطر إلا عن بعد فقال لهم: «بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم»: فجعل الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة فإن بهذه الريح أراحهم من هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة والسدف المدلهمة، وفي هذه الريح عذاب أي أمر يستعذبونه إذا ذاقوه، إلا أنه يوجعهم لفرقة المألوف. فباشرهم العذاب فكان الأمر إليهم أقرب مما تخيلوه فدمرت كل شيء بأمر ربها، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم» وهي جثتهم التي عمرتها أرواحهم الحقية.
فزالت حقية هذه النسبة الخاصة وبقيت على هياكلهم الحياة الخاصة بهم من الحق التي تنطق بها الجلود والأيدي والأرجل وعذبات الأسواط والأفخاذ.
وقد ورد النص الإلهي بهذا كله،"15" إلا أنه تعالى وصف نفسه بالغيرة)
  
..............................................................
 
13 - هو القرب الثاني المشار إليه في رقم ۰9
14 - وحدة الوجود فص 5 هامش 6.
راجع الفقرة 
15 - إشارة إلى المآل للرحمة - راجع شمول الرحمة فص 7 رقم ۰17
"" 17 ۔ شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب  ص 117
من اختصاص البسملة في أول كل سورة تتويج الرحمة الإلهية في منشور تلك السورة أنها منه كعلامة السلطان على مناشيره، وسورة التوبة والأنفال سورة واحدة قسمها الحق على فصلين ، فإن فصلها وحكم بالفصل فقد سماها سورة التوبة ، أي سورة الرجعة الإلهية بالرحمة على من غضب عليه من العباد ، فما هو غضب أبد لكنه غضب أمد ، والله هو التواب .
 فما قرن بالتواب إلا الرحيم ليؤول المغضوب عليه إلى الرحمة ، أو الحكيم لضرب المدة في الغضب وحكمها فيه إلى أجل ، فيرجع عليه بعد انقضاء المدة بالرحمة ، فانظر إلى الاسم الذي نعت به التواب تجد حكمه کما ذكرنا ، والقرآن جامع لذكر من رضي عنه وغضب عليه ، وتتويج منازله بالرحمن الرحيم ، والحكم للتتويج ، فإنه به يقع القبول ، وبه يعلم أنه من عند الله ، فثبت انتقال الناس في الدارين في أحوالهم من نعيم إلى نعيم ، ومن عذاب إلى عذاب ، ومن عذاب إلى نعيم ، من غير مدة معلومة لنا ، فإن الله ما عرفنا ، إلا أنا استروحنا من قوله « في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة » أن هذا القدر مدة إقامة الحدود .
خلق الله الخلق قبضتين فقال هؤلاء للنار ولا أبالي ، وهؤلاء إلى الجنة ولا أبالي .
فمن كرمه تعالی لم يقل هؤلاء للعذاب ولا أبالي وهؤلاء إلى النعيم ولا أبالي وإنما أضافهم إلى الدارين ليعمروها ، فإنه ورد في الخبر الصحيح أن الله لما خلق الجنة والنار قال لكل واحدة منهما لها علي" ملؤها ، أي أملؤها سكانا ، فيستروح من هذا عموم الرحمة في الدارين وشمولها حيث ذكرهما ولم يتعرض لذكر الآلام وقال بامتلائهما وما تعرض لشيء من ذلك .
فكان معنى « ولا أبالي » في الحالتين لأنهما في المال إلى الرحمة ، فلذلك لا يبالي فيهما ، ولو كان الأمر كما يتوهمه من لا علم له من عدم المبالاة.
ما وقع الأخذ بالجرائم ، ولا وصف الله نفسه بالغضب ، ولا كان البطش الشديد ، فهذا كله من المبالاة والتهمم بالمأخوذ ، إذ لو لم يكن له قدر ما عذب ولا استعد له ، وقد قيل في أهل التقوى إن الجنة أعدت للمتقين ، وقال في أهل التقاء « وأعد لهم عذابا أليما » فلولا المبالاة ما ظهر هذا الحكم .
فما أعظم رحمة الله بعباده وهم لا يشعرون ، فإن الرحمة الإلهية وسعت كل شيء ، فما ثم شيء لا يكون في هذه الرحمة « إن ربك واسع المغفرة » فلا تحجروا واسعا فإنه لا يقبل التحجير ، ولقد رأيت جماعة ممن ينازعون في اتساع رحمة الله وأنها مقصورة على طائفة خاصة ، فحجروا وضيقوا ما وسع الله .
فلو أن الله لا يرحم أحدا من خلقه لحرم رحمته من يقول بهذا ، ولكن أبي الله تعالى إلا شمول الرحمة ، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » ، وما خص مؤمنا من غيره ، والله أرحم الراحمين كما قال عن نفسه .
وقد وجدنا من نفوسنا ، وممن جبلهم الله على الرحمة انهم يرحمون جميع العباد ، حتى لو حكمهم الله في خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم ، بما تمكن حكم الرحمة من قلوبهم .
وصاحب هذه الصفة أنا وأمثالي مخلوقون أصحاب أهواء وأغراض ، وقد قال عن نفسه جل علاه أنه أرحم الراحمين ، فلا شك أنه أرحم منا بخلقه ، و نحن قد عرفنا من تفوسنا هذه المبالغة في الرحمة .
فكيف يتسرمد، عليهم العذاب وهو بهذه الصفة العامة من الرحمة ، إن الله أكرم من ذلك ، ولا سيما وقد قام الدليل العقلي على أن الباريء لا تنفعه الطاعات، ولا تضره المخالفات، وان كل شيء جار بقضائه وقدره وحكمه.
وأن الخلق مجبورون في اختيارهم ، وقد قام الدليل السمعي أن الله يقول في الصحيح « يا عبادي » فأضافهم إلى نفسه ، وما أضاف الله قط العباد لنفسه إلا من سبقت له الرحمة ألا يؤبد عليهم الشقاء وإن دخلوا النار .
فقال : « يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا » .
وهذه مسألة المكاشف لها قليل ، والمؤمن بها أقل ، وهو سر عجيب ، ما رأينا أحدا نبه عليه من خلق الله ، وإن كانوا قد علموه بلا شك ، وما صانوه والله أعلم إلا صيانة لأنفسهم ورحمة بالخلق .
لأن الإنكار يسرع إليه من السامعين ، ووالله ما نبهت عليه هنا إلا لغلبة الرحمة عليه في هذا الوقت ، فمن فهم سعد ومن لم يفهم لم يشق بعدم فهمه وإن كان محروما ، فقد أظهرت أمرا في هذه المسألة لم يكن باختياري ، ولكن حق القول الإلهي بإظهاره ، فكنت فيه كالمجبور في اختياره ، والله ينفع به من يشاء لا إله إلا هو .
الفتوحات : ج 2 / 148 ، 244 ، 674 - ج 3 / 25 ، 100 ، 101 ، 383 .
 ج 4 / 163 .  ""
 
 
 
 
ص  149


قال الشيخ رضي الله عنه : (
ومن غيرته «حرم الفواحش» وليس الفحش إلا ما ظهر.
وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر له. فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير.
فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. "16" فما كل أحد عرف الحق:
فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.
واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها."17"
ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم»."18" وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟   ) 
 
..............................................................
16 - راجع رقم 9 « كنت سمعه » ، رقم 14 وحدة الوجود .
17 - ذكرت بالفتوحات المكية ج 4 / 77 .
18 - قول هود عليه السلام « ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقیم».
ما جاء في هذه الفقرة من قوله « ودليلي على كشفه لها » لا يصح صدوره عن الشيخ لأنه يناقض الثابت من قوله « ذوق الأنبياء عليهم السلام في هذا الوحي يزيد على ذوق الأولياء » .
وقوله «لا يتكلم في الرسل إلا رسول ولا في الأنبياء إلا نبي » وقوله « إني لست بنبي فذوق الأنبياء لا يعلمه سواهم » وقوله في هذه الآية بالذات « إن الرسل لا تقول على الله إلا ما تعلمه منه فهم أعلم الخلق بالله ».
فهل بعد هذا يحتاج الشيخ إلى دليل ؟!
"" تعقيب من الجامع : الحقيقة كل كلام قاله نبي الله هود عليه السلام فى الأيات قاله الله تعالى في القرآن بعد أن تم وانتهى فقد قاله هود عليه السلام في زمانه سابقا واصبح قصص للعبلاة تروى: "وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)سورة هود.
فما وجه الاستدلال هنا بـ «لا يتكلم في الرسل إلا رسول ولا في الأنبياء إلا نبي » وقوله « إني لست بنبي فذوق الأنبياء لا يعلمه سواهم » لأن المتكلم هنا هو الله عز وجل والعلم هنا من لله والقرآن كلام الله الى العالمين كافة وليس كلام الشيخ ابن العربي إلى العالمين كافة .
الأمر هنا آيات القرآن الكريم وليست تجلي خاص أو رؤيا او كشف خاص بالشيخ ابن العربي فلا محل هنا للمعارضة ونفي الأمر عن الشيخ ؟! ""
الفتوحات ج 2 / 85 ، 563 - ج 4 / 38 ، 85.
أما فهمه في هذه الآية فانظر إلى جمیل بیانه حيث يقول :
أتي بالصراط نكرة لأنه على كل صراط شهيد ، وجاء في فاتحة الكتاب في « اهدنا الصراط المستقيم » بالتعريف ، لأنه صراط مخصوص وهو المؤدي إلى السعادة ، ومع هذا فإن القول من الكلام القديم ، والقرآن الحكيم ، جاء به الرؤف
 
ص 150


قال الشيخ رضي الله عنه : (
ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي  )
..............................................................
الرحيم ، الخبير بما هناك العليم ، فمع الحق مشي من مشى ، وما تشاؤن إلا أن يشاء .
فالسعادة كاملة ، والرحمة شاملة ، فإن أهل الاستقامة في الاستقامة هم أهل السلامة في القيامة ، وأما الماشي في الاستقامة بغير استقامة فهو المنحاز من دار الكرامة ، وكما أنه سبحانه في قبلة المصلي فهو تعالى من ورائه محیط.
فهو السابق والهادي ، فهو سبحانه الذي نواصي الكل بيده ، الهادي إلى صراط مستقیم ، والذي يسوق المجرمين إلى جهنم وردا ، وإليه يرجع الأمر كله ، وإن كان الصراط المستقيم الذي عليه الرب الكريم يتضمن الخير والشر ، والنفع والضر ، والفاجر والبر « ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقیم » وهو البر الرحيم ، فلا ينفع الاحتجاج بما سبق ، وإن كان حقا ، فهي حجة لا تنفع قائلها ، ولا تعصم حاملها ، لما يؤدي إليه من درس الطريق الأمم ، الذي أجمع على صحته الأمم .
« ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها » دخل في حكم هذه الآية جميع ما دب علوا وسفلا ، دخول ذلة وعبودية لأنها أعطته بحقيقتها وقبولها التمكن من الأخذ بناصيتها إذلالا ، لأنها عبد، وكل من أخذ بناصيته فهو ذليل ، والكل عبيد الله تعالى .
فالكل أذلاء بالذات وهو العزيز الحكيم ، وإنما جعل يده بناصيتك ابتغاء عافيتك ، فأثبت أمرا هو عليه وما سواه فانظر من يصل إليه ، وهذا من كرمه وسابقة قدمه ، فما ثم إلا مستقیم ، وعلى منهج قويم ، لأنه بيد الكريم.
وتدل هذه الآية على أنه ما ثم إلا من الحق آخذ بناصيته ، ولا يمكن إزالة ناصيته من يد سيده ، وشكر لفظ دابة ، فعمه ، فهو مسلوك به ، سالك بحكم الجبر .
هكذا قال هود عليه السلام ، فلهذا كان المآل إلى الرحمة ، وإذا أدركه في الطريق النصب ، فتلك أعراض عرضت له ، فإنه أخبر بأنه تعالى على صراط مستقیم ، فما ثم إلا من هو مستقيم على صراط الرب ، فهذه الآية دليل لمن قال بالجبر، ويحتمل أن يكون قوله عليه السلام « إنه ربي على صراط مستقیم ، فيما شرع مع کونه آخذا بنواصي عباده إلى ما أراد وقوعه
 
ص 151


قال الشيخ رضي الله عنه : (
هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد. فترجم الحق لنا عن نبيه هود مقاتله لقومه بشرى لنا، وترجم )  


..............................................................
منهم ، وعقوبته إياهم مع هذا الجبر ، فاجعل بالك وتأدب واسلك سواء السبيل ، فهذه آية بشرى لنا ، فما في العالم إلا مستقیم ، لأن الآخذ بناصيته هو الماشي به .
وهو على صراط مستقیم ، فكل حركة وسكون في الوجود فهي إلهية ، لأنها بيد حق ، وصادرة عن حق ، موصوف بأنه على صراط مستقیم ، بإخبار الصادق .
فإن الرسل لا تقول على الله إلا ما تعلمه منه ، فهم أعلم الخلق بالله ، وليس للكون معذرة أقوى من هذه ، فمن رحمة الرسل بالخلق تنبيه الخلق على مثل هذا، فإن الله أخبر عن نبيه ورسوله هود عليه السلام قوله هذا .
وما خطا هذا الرسول في هذا القول ، ومعلوم أن تصرف كل دابة قد يتعلق به لسان حمد أو ذم لأمور عرضية في الطريق عينتها الأحوال وأحكام الأسماء .
والأصل محفوظ في نفس الأمر تشهده الرسل عليهم السلام والخاصة من عباد الله ، ومع هذا التحقيق فإن قوله « إن ربي على صراط مستقيم » من حيث ما يقود الماشي عليه إلى سعادته ، وعلى هذا الصراط كل دابة عسومة ما عدا الإنس والجن ، فإنه ما دخل من الثقلين إلا الصالحون منهم خاصة ، ولو دخل جميع الثقلين لكان جميعهم على طريق مستقیم.
نصيحة لا تجعل زمامك إلا بيد ربك فإن له كما قال يدين كما أنه قد أخبرك أن يده بناصيتك اضطرارا ، فاجعل زمامك بيده اختیارا ، فتجني ثمرة الاختيار والاضطرار بجمعك بين اليدين ، واعلم أن العباد في قبضة الحق .
قال تعالى « ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها » لما هي مصرفة فيه ، فالكل في قبضته من قضائه في قضائه .
ومع ذلك عليك بأمر الحق فاتبعه ، ولا تغتر بكونك لا ترى شيئا إلا تحت تصريفه وحكم إرادته ، هذا لا ينجيك والأخذ بأمر الحق ينجيك ، لكن انظر ذلك عقدا وتصرف بالأمر .
الفتوحات ج 1 / 406 ، 426  - ج 2 / 217 ، 478 ، 563 .
ج 3 / 410 ، 413  - ج 4 / 273 ، 364 ، 366 ، 384 ، 400.
 
ص 152
 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 11 - فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأربعاء أغسطس 21, 2019 6:24 pm

11 -  فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

شرح أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه
الفص الصالحي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الأول
11 - فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية 
قال الشيخ رضي الله عنه : (
من الآيات آيات الركائب ... و ذلك لاختلاف في المذاهب
فمنهم قائمون بها بحق ... و منهم قاطعون بها السباسب "2"
فأما القائمون فأهل عين ... و أما القاطعون هم الجنائب 
و كل منهم يأتيه منه ... فتوح غيوبه من كل جانب  "3"

1 - المناسبة في تسمية هذا الفص :
 هي أن صالحا عليه السلام آیاته الناقة ، والناقة من الأنعام وهي الركائب ، والشيخ يشير في مقدمة الفص بشعره إلى طبقة من الأولياء تسمى الركبان .
کما سيأتي في شرح الأبيات الشعرية ، وما يذكره بعد ذلك في الفص من فتوح الغيب على هذه الطبقة التحدث عن أن الإيجاد لا يكون إلا عن الفردية والأفراد أولها الثلاثة .
ولهذا ساها فتوحية والمناسبة بين الفردية وصالح عليه السلام هي أنه عليه السلام هو القائل لقومه « تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب » فأعقبت الثلاثة أيام الصيحة .
فذكره الثلاثة هو الرابط بينه عليه السلام وبين الفردية .
 2 - إشارة إلى قوله تعالی :
« الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون » غافر 79.
 وإلى قوله تعالی : « والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون » . الزخرف 12.

3 - يشير الشيخ بهذه الأبيات إلى طبقة من الأولياء ذكرهم في الباب الثلاثين من الفتوحات المكية ، حيث يقول :
في معرفة الطبقة الأولى والثانية من الأقطاب الركبان
إن لله عبادا ركبوا ... نجب الأعمال في الليل البهيم
وترقت همم الذل بهم ... لعزيز جل من فرد عليم
فاجتباهم وتجلى لهمو ... وتلقاهم بكاسات النديم
من يكن ذا رفعة في ذلة ... أنه يعرف مقدار العظيم
رتبة الحادث إن حققتها ... إنما يظهر فيها بالقديم
إن لله علوما جمة ... في رسول ونبي وقسيم
لطفت ذاتا فما يدركها ... عالم الأنفاس أنفاس النسيم
 
ص 162
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم وفقك الله أن الأمر مبني في نفسه على الفردية و لها التثليث، فهي من الثلاثة فصاعدا. فالثلاثة أول الأفراد.
و عن هذه الحضرة الإلهية وجد العالم فقال تعالى «إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون» و هذه ذات ذات إرادة و قول.
فلو لا هذه الذات و إرادتها و هي نسبة التوجه بالتخصيص لتكوين أمر ما، ثم لو لا قوله)
من يكن ذا رفعة في ذلة ... أنه يعرف مقدار العظيم
رتبة الحادث إن حققتها ... إنما يظهر فيها بالقديم
إن لله علوما جمة ... في رسول ونبي وقسيم
لطفت ذاتا فما يدركها ... عالم الأنفاس أنفاس النسيم
اعلم أيدك الله أن أصحاب النجب في العرف هم الركبان قال الشاعر
فليت لي بهمو قوما إذا ركبوا ..... شنوا الإغارة فرسانا وركبانا

الفرسان ركاب الخيل والركبان ركاب الإبل ، فالأفراس في المعروف تركبها جميع الطوائف من عجم وعرب ، والهجن لا يستعملها إلا العرب ."لهجن من الإبل البيض الكرام" 
والعرب أرباب الفصاحة والحماسة والكرم ، ولما كانت هذه الصفات غالبة على هذه الطائفة سيناهم بالركبان ، فمنهم من يركب نجب الهمم ، ومنهم من يركب نجب الأعمال ، فلذلك جعلناهم طبقتين أولى وثانية ، وهؤلاء أصحاب الركبان هم الأفراد في هذه الطريقة ، فإنهم رضي الله عنهم على طبقات .
فمنهم الأقطاب ومنهم الأئمة ومنهم الأبدال ومنهم النقباء ومنهم النجباء ومنهم الرجبيون ومنهم الأفراد .
وأول الأفراد الثلاثة . 
قال مع الثلاثة ركب ، فأول الركب الثلاثة إلى ما فوق ذلك ، ولهم من الحضرات الإلهية الحضرة الفردانية ، وفيها يتميزون ، ومن الأسماء الإلهية الفرد .
والمواد الواردة على قلوبهم من المقام الذي ترد منه على الأملاك المهيبة ولهذا يجهل مقامهم وما يأتون به ، مثل ما أنكر موسى عليه السلام على خضر ، مع شهادة الله فيه لموسى عليه السلام وتعريفه بمنزلته وتزكية الله إياه وأخذه العهد عليه إذ أراد صحبته .

ص 163


قال الشيخ رضي الله عنه : (عند هذا التوجه كن لذلك الشيء ما كان ذلك الشيء.
ثم ظهرت الفردية الثلاثية أيضا في ذلك الشيء، وبها من جهته صح تكوينه واتصافه بالوجود، و هي شيئيته و سماعه و امتثاله أمر مكونه بالإيجاد.
فقابل ثلاثة بثلاثة: ذاته الثابتة في حال عدمها في موازنة ذات موجدها، وسماعه في موازنة إرادة موجده، وقبوله بالامتثال لما أمر به من التكوين في موازنة قوله كن، فكان هو فنسب التكوين إليه فلولا أنه من قوته التكوين من نفسه عند هذا القول ما تكون.
فما أوجد هذا الشيء بعد أن لم يكن عند الأمر بالتكوين إلا نفسه
فأثبت الحق تعالى أن التكوين للشيء نفسه لا للحق، والذي للحق فيه أمره خاصة
وكذلك أخبر عن نفسه في قوله «إنما قولنا لشيء إذا أردناه)

واعلم أيدك الله أن الأصول التي اعتمد عليها الركبان كثيرة ، منها التبري من الحركة إذا أقيموا فيها ، فلهذا ركبوا ، فهم الساكنون على مراكبهم ، المتحركون بتحريك مراكبهم ، فهم يقطعون ما أمروا بقطعه بغيرهم لا بهم .
فیصلون مستريحين مما تعطيه مشقة الحركة ، متبرئين من الدعوى التي تعطيها الحركة ، حتى لو افتخروا بقطع المسافات البعيدة في الزمان القليل ، لكان ذلك الفخر راجعا للمركب الذي قطع بهم تلك المسافة لا لهم .
فلهم التبري ، وما لهم الدعوى ، فهجيرهم لا حول ولا قوة إلا بالله ، و آيتهم « وما رميت إذ رميت ولكن الله رمی » .
يقال لهم وما قطعتم هذه المسافات حين قطعتموها ولكن الركاب قطعتها ، فهم المحمولون ، فليس للعبد صوله إلا بسلطان سیده ، وله الذلة والعجز والمهانة والضعف من نفسه .
ولما رأوا أن الله قد نبه بقوله تعالى « وله ما سكن » فأخلصه له .
علموا أن الحركة فيها، الدعوى وأن السكون لا تشوبه دعوى ، فإنه في الحركة .
فقالوا إن الله قد أمرنا بقطع هذه المسافة المعنوية وجوب هذه المفاوز المهلكة إليه ، فإن نحن قطعناها بنفوسنا ، لم تأمن على نفوسنا من أن تنسدح بذلك في حضرة الاتصال .
فإنها مجبولة على الرعونة وطلب التقدم وحب الفخر ، فنكون من أهل النقص في ذلك المقام بقدر ما ينبغي أن نحترم به ذلك الجلال الأعظم .
فلنتخذ رکابا نقطع به ، فإن أرادت الافتخار يكون الافتخار للركاب لا للنفوس ، فاتخذت من « لا حول ولا قوة إلا بالله » نجبا .
 فتوحات ج 1 / 199 ، 202 

ص 164

قال الشيخ رضي الله عنه : ( أن نقول له كن فيكون» "4"
فنسب التكوين لنفس الشيء عن أمر الله وهو الصادق في قوله. و هذا هو المعقول في نفس الأمر.
كما يقول الآمر الذي يخاف فلا يعصى لعبده قم فيقوم العبد امتثالا لأمر سيده.
فليس للسيد في قيام هذا العبد سوى أمره له بالقيام، و القيام من فعل العبد لا من فعل السيد.
فقام أصل التكوين على التثليث أي من الثلاثة من الجانبين، من جانب الحق و من جانب الخلق. ثم سرى ذلك في إيجاد المعاني بالأدلة:
فلا بد من الدليل أن يكون مركبا من ثلاثة على نظام مخصوص و شرط مخصوص)
 
4 - الأعيان الثابتة والوجود العيني
في الآية قولنا لا أمرنا ، قال تعالى :" إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن تقول له کن فیکون » النحل 40 .
وقال تعالى « إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له کن فیکون» يس ( 82 ) .
قوله تعالى « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » الإرادة هنا التوجه الإلهي بالإيجاد ، فنفى الأثر فيه عن السبب إن كان أوجده عند سبب مخلوق ، ولما توقف حكم الإرادة على حكم العلم قال « إذا أردناه » .
فجاء بظرف الزمان المستقبل في تعليق الإرادة ، والإرادة واحدة العين ، فاتقل حكمها من ترجيح بقاء الممكن في شيئية ثبوته إلى حكمها بترجيح ظهوره في شيئية وجوده .
والشيء هو الممكن ، وأجناسه محصورة في جوهر متحيز وجوهر غير متحيز ، وأكوان وألوان ، وما لا ينحصر هو وجود الأنواع والأشخاص « أن تقول له کن فیکون » فجعل سبحانه نسبة التكوين إلى نفس المأمور به ، والقدرة من الممكن حتى يأتيه أمر الآمر من ربه .
فإذا أمره بالتكوين وقال له « کن » مكن القدرة من نفسه ، وتعلقت القدرة بإيجاده ، فكونته من حينه ، فالاسم المريد هو المرجح والمخصص جانب الوجود على جانب العدم .
واعلم أنه ما ورد في الشرع قط أن الله يشهد الغيوب ، وإنما ورد يعلم الغيوب،ولهذا وصف نفسه بالرؤية فقال «ألم يعلم بأن الله يرى» .
ووصف نفسه بالبصر وبالعلم ، ففرق بين النسب وميز بعضها عن بعض ، ليعلم ما بينها ، ولما لم يتصور أن يكون في حق الله غيب .
علمنا أن الغيب أمر إضافي لما غاب عنا ، وما يلزم من شهود الشيء العلم بحده وحقيقته ، ويلزم من العلم بالشيء العلم بحده وحقيقته ، عدما كان أو وجودا ، وإلا فما علمته ، وقد وصف الحق نفسه بأنه علام الغيوب ، والأشياء كلها مشهودة للحق في حال عدمها .

ص 165


قال الشيخ رضي الله عنه : (وحينئذ ينتج لا بد من ذلك، وهو أن يركب الناظر دليله من مقدمتين كل مقدمة تحوي على مفردين فتكون أربعة واحد من هذه الأربعة يتكرر في المقدمتين لتربط إحداهما بالأخرى كالنكاح فتكون ثلاثة لا غير لتكرار الواحد فيهما.
فيكون المطلوب إذا وقع هذا الترتيب على الوجه المخصوص و هو ربط إحدى المقدمتين بالأخرى بتكرار ذلك الواحد المفرد الذي به يصح التثليثوالشرط المخصوص )
 
ولو لم تكن كذلك لما خصص بعضها بالإيجاد عن بعض ، فكون العلم ميز الأشياء بعضها عن بعض ، وفصل بعضها عن بعض ، هو المعبر عنه بشهوده إياها وتعيينه لها .
أي هي بعينه يراها وإن كانت موصوفة بالعدم ، فما هي معدومة لله الحق من حيث علمه بها ، كما أن تصور الإنسان المخترع الأشياء صورة ما يريد اختراعها في نفسه ثم يبرزها ، فيظهر عينها لها.
فاتصفت بالوجود العيني ، وكانت في حال عدمها موصوفة بالوجود الذهني في حقنا ، والوجود العلي في حق الله ، فظهور الأشياء من وجود إلى وجود ، من وجود علمي إلى وجود عيني .
واعلم أن الطبيعة للأمر الإلهي محل ظهور أعيان الأجسام ، فيها تكونت وعنها ظهرت، فأمر بلا طبيعة لا يكون ، وطبيعة بلا أمر لا تكون ، فالكون متوقف على الأمرين .
ولا تقل إن الله قادر على إيجاد شيء من غير أن ينفعل أمر آخر ، فإن الله يرد عليك في ذلك بقوله « إنما قولنا لشيء إذا أردنا أن نقول له کن فیکون » فتلك الشيئية العامة لكل شيء خاص .
وهو الذي وقع فيها الاشتراك هي التي أثبتناها ، وأن الأمر الإلهي عليها يتوجه لظهور شيء خاص في تلك الشيئية المطلقة .
فإذا ظهرت الأجسام أو الأجساد ، ظهرت الصور والأشكال والأعراض وجميع القوى الروحانية والحسية وربما قیل هو المعبر عنه بلسان الشرع العماء ، الذي هو للحق قبل خلق الخلق . 
ما تحته هواء وما فوقه هواء ، فذكره وسماه باسم موجود يقبل الصور والأشكال وعلى ذلك فثبوت عين المسكن في العدم به يكون التهيؤ لقبول الآثار ، وثبوته في العدم کالبذر لشجرة الوجود . فهو في العدم بذرة ، وفي الوجود شجرة 
ثبوت العين في الإمكان بذر  …… ولولا البذر لم يك ثم نبت 
ظهوري عن ثبوتي دون أمر  …… إلهي محال حيث كنت

ص 166


قال الشيخ رضي الله عنه : (أن يكون الحكم أعم من العلة أو مساويا لها، و حينئذ يصدق، وإن لم يكن كذلك فإنه ينتج نتيجة غير صادقة. 
وهذا موجود في العالم مثل إضافة الأفعال إلى العبد معراة عن نسبتها إلى الله أو إضافة التكوين الذي نحن بصدده إلى الله مطلقا.
والحق ما أضافه الا إلى الشيء الذي قيل له كن
و مثاله إذا أردنا أن ندل أن وجود العالم عن سبب فنقول كل حادث فله سبب فمعنا الحادث و السبب
ثم نقول )
ويقول : 
فلولا ثبوت العين ما كان مشهودا   …. ولا قال كن كونا ولا كان مقصودا 
فما زال حكم العين لله عابدا    ….. وما زال كون الحق للعين معبودا 
فلما كساه الحق حلة  كونه ….. وقد کان قبل الكون في الكون مفقودا 
تكونت الأحكام فيه بكونه       ….. فما زال سجادا فقیدا و موجودا 
وحكم الثبوت بين الله والخلق خلاف حکم الوجود ، فبحكم الوجود يكون الخلق هو الذي ثني وجود الحق ، وليس لحكم الثبوت هذا المقام .
فإن الحق والخلق معا في الثبوت وليسا معا في الوجود ، وكي نشرح لك ذلك المعنى نقول :
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها ، وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد ، وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والعلوم الآخر العدم المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا .
وهو المحال ، وهو في مقابلة الوجود المطلق ، فكانا على السواء ، حتى لو اتصفا لحكم الوزن عليهما ، وما من نقيضين إلا وبينهما فاصل به يتميز كل واحد من الآخر ، وهو المانع أن يتصف الواحد بصفة الآخر.
وهو الفاصل الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق ، لو حكم الميزان عليه لكان على السواء في المقدار من غير زيادة ولا نقصان ، وهذا هو البرزخ الأعلى ، وهو برزخ البرازخ .
له وجه إلى الوجود ووجه إلى العدم ، فهو يقابل كل واحد من المعلومين بذاته وهو المعلوم الثالث وفيه جميع الممكنات وهي لا تتناهى كما أنه كل واحد من المعلومين لا يتناهی .
وللممكنات في هذا البرزخ أعيان ثابتة ، من الوجه الذي ينظر إليها الوجود المطلق ، ومن هذا الوجه ينطلق عليها اسم الشيء ، الذي إذا أراد الحق

ص 167

قال الشيخ رضي الله عنه : ( في المقدمة الأخرى والعالم حادث فتكرر الحادث في المقدمتين. 
والثالث قولنا العالم، فأنتج أن العالم له سبب، وظهر في النتيجة ما ذكر في المقدمة الواحدة وهو السبب
فالوجه الخاص هو تكرار الحادث، و الشرط الخاص عموم العلة لأن العلة في وجود الحادث السبب، وهو عام في حدوث العالم عن الله أعني الحكم.
فنحكم على كل حادث أن له سببا سواء كان ذلك السبب مساويا للحكم أو يكون الحكم أعم منه)
إيجاده قال له " کن" فیکون ، وليس له أعيان موجودة من الوجه الذي ينظر إليه من العدم المطلق .
ولهذا يقال له « کن » وكن حرف وجودي فإنه لو أنه كائن ما قيل له کن ، وهذه الممكنات في هذا البرزخ بما هي عليه ، وما تكون إذا كانت ، مما تتصف به من الأحوال والأعراض والصفات والأكوان.
وهذا هو العالم الذي لا يتناهى ، وما له طرف ينتهي إليه ، ومن هذا البرزخ وجود الممكنات ، وبها يتعلق رؤية الحق للأشياء قبل كونها .
وكل إنسان ذي خيال وتخيل إذا تخيل أمرا ما فإن نظره يمتد إلى هذا البرزخ وهو لا يدري أنه ناظر ذلك الشيء في هذه الحضرة .
وهذه الموجودات المسكنات التي أوجدها الحق تعالى هي للأعيان التي يتضمنها هذا البرزخ بمنزلة الظلالات للأجسام ، ولما كان الظل في حكم الزوال لا في حكم الثبات.
وكانت الممكنات وإن وجدت في حكم العدم سمیت ظلالات ، ليفصل بينها وبين من له الثبات المطلق في الوجود ، وهو واجب الوجود، وبين ما له الثبات المطلق في العدم وهو المحال .
لتتميز المراتب ، فالأعيان الموجودات إذا ظهرت ففي هذا البرزخ هي ، فإنه ما ثم حضرة تخرج إليها ، ففيها تكتسب حالة الوجود ، والوجود فيها متناه ما حصل منه ، والإيجاد فيها لا ينتهي .
فما من صورة موجودة إلا والعين الثابتة عينها ، والوجود كالثوب عليها ، والعجب من الأشاعرة كيف تنكر على من يقول إن المعدوم شيء في حال عدمه وله عين ثابتة ثم يطرأ على تلك العين الوجود ، وهي تثبت الأحوال .
اللهم منكر الأحوال لا يتمكن له هذا ، ثم إن هذا البرزخ الذي هو المسكن بين الوجود والعدم سبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم ، هو مقابلته للأمرين بذاته ، فالممكن ما هو من حيث ثبوته عين الحق ولا غيره ، ولا هو من حیث

ص 186

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فيدخل تحت حكمه، فتصدق النتيجة. 
فهذا أيضا قد ظهر حكم التثليث في إيجاد المعاني التي تقتنص بالأدلة.
فأصل الكون التثليث، و لهذا كانت حكمة صالح عليه السلام التي أظهر الله في تأخير أخذ قومه ثلاثة أيام وعدا غير مكذوب.
فأنتج صدقا و هو الصحيحة التي أهلكهم الله بها فأصبحوا في ديارهم جاثمين.
فأول يوم من الثلاثة )
عدمه عين المحال ولا غيره ، فكأنه أمر إضافي ، ولهذا نزعت طائفة إلى تفي الممكن وقالت ما ثم إلا واجب أو محال ، ولم يتعقل لها الإمكان .
فالممكنات على ما قررناه أعيان ثابتة من تجلي الحق ، معدومة من تجلي العدم ، ومن هذه الحضرة علم الحق نفسه فعلم العالم ، وعلمه له بنفسه أزلا .
فإن التجلي أزلا ، وتعلق علمه بالعالم أزلا على ما يكون العالم عليه أبدا مما ليس حاله الوجود، لا يزيد الحق به علما ولا يستفيد ولا رؤية ، تعالی الله عن الزيادة في نفسه والاستفادة .
وقوله تعالى « إذا أردناه » هنا الإرادة تعلق المشيئة بالمراد.
قال عليه السلام « ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن » فالممكن ما خرج عن حضرة الإمكان لا في حال وجوده ولا في حال عدمه .
والتجلي له مستصحب ، والأحوال عليه تتحول وتطرأ ، فهو بين حال عدمي وحال وجودي ، والعين هي تلك العين ، فما في الوجود إلا الله تعالى وأسمائه وأفعاله .
فهو الأول من الاسم الظاهر ، وهو الآخر من الاسم الباطن ، فالوجود كله حق ، فما فيه شيء من الباطل.
إذ كان المفهوم من إطلاق لفظ الباطل عدما فيما ادعى صاحبه أنه موجود ، ولو لم يكن الأمر كذلك لانفرد الخلق بالفعل ولم يكن الاقتدار الإلهي يعم جميع الكائنات ، بل كانت الإمكانات تزول عنه .
فسبحان الظاهر الذي لا يخفی وسبحان الخفي الذي لا يظهر ، حجب الخلق عن معرفته وأعماهم بشدة ظهوره ، فهم منكرون مقرون ، مترددون حائرون ، مصیبون مخطئون ، ومن أراد أن يعرف
حقيقة ما أومأت إليه في هذه المسألة ، فلينظر خيال الستارة وصوره ، ومن الناطق من تلك الصور عند الصبيان الصغار الذين بعدوا عن حجاب الستارة المضروبة بينهم وبين اللاعب بتلك الأشخاص والناطق فيها.
فالأمر كذلك في صور العالم ، والناس أكثرهم أولئك الصغار الذين فرضناهم ، فالصغار في المجلس يفرحون ويطربون ،

ص 169


قال الشيخ رضي الله عنه : ( اصفرت وجوه القوم، وفي الثاني احمرت و في الثالث اسودت.
فلما كملت الثلاثة صح الاستعداد فظهر كون الفساد فيهم فسمى ذلك الظهور هلاكا، فكان اصفرار وجوه الأشقياء في موازنة إسفار وجوه السعداء في قوله تعالى «وجوه يومئذ مسفرة» من السفور و هو الظهور.
 كما كان الاصفرار في أول يوم ظهور علامة الشقاء في قوم صالح. )
والغافلون يتخذونه لهوا ولعبا .
والعلماء يعتبرون ويعلمون أن الله ما نصب هذا إلا مثلا لعباده ليعتبروا وليعلموا أن أمر العالم مع الله مثل هذه الصور مع محركها . 
وأن هذه الستارة حجاب سر القدر الحكم في الخلائق .
ولما كان تقدم العدم للممکنات نعتا نفسيا لأن الممكن يستحيل عليه الوجود أزلا ، فلم يبق إلا أن يكون أزلي العدم ، فنقدم العدم له نعت نفسي . 
والمسكنات متميزة الحقائق والصور في ذاتها ، لأن الحقائق تعطي ذلك ، فلما أراد الله أن يلبسها حالة الوجود ، خاطبها من حيث حقائقها.
فقال « إنما قولنا » من كونه تعالی متکلما « لشيء » وهو المخاطب من الممكنات في شيئية ثبوتها ، فسماه شيئا في حال لم تكن فيه الشيئية المنفية.
بقوله « لم يكن شيئا » فهي الشيئية المتوجه عليها أمره بالتكوين إلى شيئية أخرى ، فإن الممكنات في حال عدمها بين يدي الحق ، ينظر إليها ويميز بعضها عن بعض بما هي عليه من الحقائق في شيئية ثبوتها .
ينظر إليها بعين أسمائه الحسنى ، وترتيب إيجاد الممکنات يقتضي بتقدم بعضها على بعض ، وهذا ما لا يقدر على إنكاره ، فإنه الواقع ، فالدخول في شيئية الوجود إنما وقع مرتبا ، بخلاف ما هي عليه في شيئية الثبوت .
فإنها كلها غير مرتبة ، لأن ثبوتها منعوت بالأزل لها والأزل لا ترتيب فيه ولا تقدم ولا تأخر ، فتوقف حكم الإرادة على حكم العلم .
ولهذا قال تعالى « إذا أردناه » فجاء بظرف الزمان المستقبل في تعليق الإرادة ، فأدخل الله تعلق إرادته تحت حكم الزمان ، فجاء بإذا وهي من صيغ الزمان ، والزمان قد يكون مرادا ولا يصح فيه إذا لأنه لم يكن بعد فيكون له حكم فقوله تعالى « إذا أردناه » هو التوجه الإلهي على الشيء في حال عدمه و أن نقول له » وهو قوله لكل شيء يريده وذلك من کون الحق متكلما .
وما يأمر إلا من يسمع بسمع ثبوتي أو

ص 170

قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم جاء في موازنة الاحمرار القائم بهم قوله تعالى في السعداء «ضاحكة»، فإن الضحك من الأسباب المولدة لاحمرار الوجوه، فهي في السعداء احمرار الوجنات.ثم جعل في موازنة تغير بشرة الأشقياء بالسواد قوله تعالى «مستبشرة» و هو ما أثره السرور )
وجودي ، يسمع الأمر الإلهي «کن» بالمعنى الذي يليق بجلاله ، وكن حرف وجودي أو إن شئت أمر وجودي ، فما ظهر عنها إلا ما يناسبها .
فلا يكون عن هذا الحرف إلا الوجود ، ما يكون عنه عدم ، لأن العدم لا يكون ، لأن الكون وجود، وكن كلمة وجودية من التكوين ، فكن عين ما تكلم به .
وهو الأمر الذي لا يمكن للمأمور به مخالفته ، لا الأمر بالأفعال والتروك ، فظهر عن هذا الأمر الذي قيل له « کن » فيكون ذلك الشيء في عينه ، فيتصف ذلك المسكون بالوجود بعد ما كان يوصف بأنه غير موجود .
فإذا ظهر عن قوله « کن » لبس شيئية الوجود ، وهي على الحقيقة شيئية الظهور لنفسه ، وإن كان في شيئية ثبوته ظاهرا متميزا عن غيره بحقيقته ولكن لربه لا لنفسه ، فما ظهر لنفسه إلا بعد تعلق الأمر الإلهي من قوله «کن» بظهوره ، فاكتسب ظهوره لنفسه ، فعرف نفسه وشاهد عينه .
فاستحال من شيئية ثبوته إلى شيئية وجوده ، وإن شئت قلت استحال في نفسه من كونه لم يكن ظاهرا لنفسه إلى حالة ظهر بها لنفسه ، فما ثم إلا الله والتوجه وقبول الممكنات لما أراد الله بذلك .
وأضاف الله التكوين إلى الذي يكون لا إلى الحق ولا إلى القدرة ، بل أمر فامتثل السامع في حال عدم شيئيته وثبوته أمر الحق بسمع ثبوتي ، فأمره قدرته ، وقبول المأمور بالتكوين استعداده .
فإن الممكنات لها الإدراكات في حال عدمها ، ولذا جاء في الشرع أن الله يأمر الممكن بالتكوين فيتكون ، فلولا أن له حقيقة السمع وأنه مدرك أمر الحق إذا توجه عليه لم يتكون ، ولا وصفه الله بالتكوين ، ولا وصف قفسه بالقول لذلك الشيء المنعوت بالعدم .
فتعلق الخطاب بالأمر لهذه العين المخصصة بأن تكون فامتثلت فكانت ، فلولا ما كان للممكن عين ولا وصف لها بالوجود يتوجه على تلك العين الأمر بالوجود لما وقع الوجود ، فالمأمور به إنما هو الوجود .
 ولذلك أعلمنا الله أنه خاطب الأشياء في حال عدمها وأنها امتثلت أمره عند توجه الخطاب ،


ص 171


قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم جاء في موازنة الاحمرار القائم بهم قوله تعالى في السعداء «ضاحكة»، فإن الضحك من الأسباب المولدة لاحمرار الوجوه، فهي في السعداء احمرار الوجنات.
ثم جعل في موازنة تغير بشرة الأشقياء بالسواد قوله تعالى «مستبشرة» و هو ما أثره السرور )
وجودي ، يسمع الأمر الإلهي «کن» بالمعنى الذي يليق بجلاله ، وكن حرف وجودي أو إن شئت أمر وجودي ، فما ظهر عنها إلا ما يناسبها .
فلا يكون عن هذا الحرف إلا الوجود ، ما يكون عنه عدم ، لأن العدم لا يكون ، لأن الكون وجود، وكن كلمة وجودية من التكوين ، فكن عين ما تكلم به .
وهو الأمر الذي لا يمكن للمأمور به مخالفته ، لا الأمر بالأفعال والتروك ، فظهر عن هذا الأمر الذي قيل له « کن » فيكون ذلك الشيء في عينه ، فيتصف ذلك المسكون بالوجود بعد ما كان يوصف بأنه غير موجود .

فإذا ظهر عن قوله « کن » لبس شيئية الوجود ، وهي على الحقيقة شيئية الظهور لنفسه ، وإن كان في شيئية ثبوته ظاهرا متميزا عن غيره بحقيقته ولكن لربه لا لنفسه ، فما ظهر لنفسه إلا بعد تعلق الأمر الإلهي من قوله «کن» بظهوره ، فاكتسب ظهوره لنفسه ، فعرف نفسه وشاهد عينه .
فاستحال من شيئية ثبوته إلى شيئية وجوده ، وإن شئت قلت استحال في نفسه من كونه لم يكن ظاهرا لنفسه إلى حالة ظهر بها لنفسه ، فما ثم إلا الله والتوجه وقبول الممكنات لما أراد الله بذلك .
وأضاف الله التكوين إلى الذي يكون لا إلى الحق ولا إلى القدرة ، بل أمر فامتثل السامع في حال عدم شيئيته وثبوته أمر الحق بسمع ثبوتي ، فأمره قدرته ، وقبول المأمور بالتكوين استعداده .
فإن الممكنات لها الإدراكات في حال عدمها ، ولذا جاء في الشرع أن الله يأمر الممكن بالتكوين فيتكون ، فلولا أن له حقيقة السمع وأنه مدرك أمر الحق إذا توجه عليه لم يتكون ، ولا وصفه الله بالتكوين ، ولا وصف قفسه بالقول لذلك الشيء المنعوت بالعدم .
فتعلق الخطاب بالأمر لهذه العين المخصصة بأن تكون فامتثلت فكانت ، فلولا ما كان للممكن عين ولا وصف لها بالوجود يتوجه على تلك العين الأمر بالوجود لما وقع الوجود ، فالمأمور به إنما هو الوجود .
 ولذلك أعلمنا الله أنه خاطب الأشياء في حال عدمها وأنها امتثلت أمره عند توجه الخطاب ،


ص 171

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 11 - فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأربعاء أغسطس 21, 2019 6:25 pm

11 -  فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

شرح أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه
الفص الصالحي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الثاني
11 - فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( بشرتهم كما أثر السواد في بشرة الأشقياء.
ولهذا قال في الفريقين بالبشرى، أي يقول لهم قولا يؤثر في بشرتهم فيعدل بها إلى لون لم تكن البشرة تتصف به قبل هذا.
فقال في حق السعداء «يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان» .
وقال في حق الأشقياء )

فبادرت إلى امتثال ما أمرها به ، فلولا أنها منعوتة في حال عدمها بالنعوت التي لها في حال وجودها ما وصفها الحق بما وصفها به من ذلك.
وهو الصادق المخبر بحقائق الأشياء على ما هي عليه ، فما ظهرت أعيان الموجودات إلا بالحال التي كانت عليه في حال العدم .
فما استفادت إلا الوجود من حيث أعيانها ومن حيث ما به بقاؤها، فكل ما هي عليه الأعيان القائمة بأنفسها ذاتي لها وإن تغيرت عليها الأعراض والأمثال والأضداد ، إلا أن حكمها في حال عدمها ليس حكمها في حال وجودها من حيث أمر ما.

وذلك لأن حكمها في حال عدمها ذاتي لها ليس للحق فيها حكم ، ولو كان لم يكن لها العدم صفة ذاتية ، فلا تزال الممكنات في حال عدمها ناظرة إلى الحق بما هي عليه من الأحوال لا يتبدل عليها حال حتى تتصف بالوجود ، فتتغير عليها الأحوال للعدم الذي يسرع إلى ما به بقاء العين وليست كذلك في حال العدم .
فإنه لا يتغير عليها شيء في حال العدم ، بل الأمر الذي هي عليه في نفسها ثابت ، إذ لو زال لم تزل إلا إلى الوجود ، ولا يزول إلى الوجود إلا إذا اتصفت العين القائم به هذا المسكن الخاص بالوجود .
فالأمر بين وجود و عدم في أعيان ثابتة على أحوال خاصة «فیکون» يعني حكم ما توجه عليه أمر كن ، كان ما كان ، فيعدم به ويوجد ، فليس متعلقه إلا الأثر ، فترى الكائنات ما ظهرت ولا تكونت من شيئيتها الثابتة إلا بالفهم ، لا بعدم الفهم ، لأنها فهمت معنی کن فتكونت .
ولهذا قال « فیکون » يعني ذلك الشيء لأنه فهم عند السماع ما أراد بقوله كن فبادر لفهمه دون غيره بالتكوين .

 وعندنا قوله تعالى « فیکون » ما هو قبول التكوين ، وإنما قبوله للتكوين أي يكون مظهرا للحق ، فهذا معنى قوله فیکون ، لا أنه استفاد وجودا ، وإنما استفاد حكم المظهرية. 
حيث أنه قبل السماع من حيث عينه الثابتة الموجودة ، فالحق عين كل شيء في الظهور ، وما هو عين الأشياء في ذواتها ، سبحانه وتعالى ، بل هو هو والأشياء أشياء


ص 172

قال الشيخ رضي الله عنه : ( «فبشرهم بعذاب أليم»  
فأثر في بشرة كل طائفة ما حصل في نفوسهم من أثر هذا الكلام
فما ظهر عليهم في ظاهرهم إلا حكم ما استقر في بواطنهم من المفهوم
فما أثر فيهم سواهم كما لم يكن التكوين إلا منهم. فلله الحجة البالغة. 
فمن فهم هذه الحكمة وقررها في نفسه وجعلها مشهودة له أراح نفسه من التعلق بغيره وعلم أنه )

فلولا الحق ما تميزت الموجودات بعضها عن بعض ولكان الأمر عينا واحدا ، فعين سمييز الحق لها وجودها ، وعين تمييز بعضها عن بعض فلا نفسها .
ولذلك لم ترد كلمة الحضرة في كل كائن عنها على كلمة « کن » شيئا آخر ، بل انسحب على كل كائن عين كن لا غير .
فلو وقفنا مع كن لم نر إلا عينا واحدة ، وإنما وقفنا مع أثر هذه الكلمة ، وهي المكونات ، فكثرت وتعددت وتميزت بأشخاصها ، والخلاصة هي أن الله سبحانه يرانا في حال عدمنا في شيئية ثبوتنا .
كما يرانا في حال وجودنا ، لأنه تعالی ما في حقه غيب ، فكل حال له شهادة ، فيتجلى تعالى للأشياء التي يريد إيجادها في حال عدمها من اسمه النور تعالى ، فينفهق على تلك الأعيان أنوار هذا التجلي ، فتستعد لقبول الإيجاد ، فيقول له عند هذا الاستعداد کن فیکون من حينه من غير تثبط .
الفتوحات ج 1 / 46 ، 260 ، 265 ، 323 ، 538 ، 732 .
ج 2 / 62 ، 190 ، 201 ، 259 ، 280 ، 302 ، 400 ، 4014 ، 402 ، 495 ، 672.
ج 3 / 46 ، 68 ، 90 ، 134 ، 217 ، 254 ، 255 ، 263 ، 282 ، 286 ، 289 ، 295 ، 525 .
ج  4 / 70 .

5 - البشارات في القرآن :
و من جملة الخطابات الإلهية البشارات ، وهي على قسمين بشارة بما يسوء مثل قوله « فبشرهم بعذاب أليم » .
وبشارة بما يسر مثل قوله تعالى « فبشره بمغفرة. وأجر کریم » فكل خبر يؤثر وروده في بشرة الإنسان الظاهرة فهو خبر بشرى.
 فالبشرى لا تختص بالسعداء في الظاهر ، وإن كانت مختصة بالخير ، والكلام على هذه البشرى لغة وعرفا ، فأما البشري من طريق العرف.
فالمفهوم منها الخير ولابد ، ولما كان هذا الشقي ينتظر البشري في زعمه لكونه يتخيل أنه على الحق ، قيل بشره لانتظاره


ص 173

قال الشيخ رضي الله عنه : ( لا يؤتى عليه بخير و لا بشر إلا منه. و أعني بالخير ما يوافق غرضه و يلائم طبعه و مزاجه، و أعني بالشر ما لا يوافق غرضه و لا يلائم طبعه و لا  مزاجه.
و يقيم صاحب هذا الشهود معاذير الموجودات كلها عنهم و إن لم يعتذروا، و يعلم أنه منه كان كل ما هو فيه كما ذكرناه أولا في أن العلم تابع للمعلوم. "6"
 فيقول لنفسه إذا جاءه ما لا يوافق غرضه : يداك أوكتا و فوك نفخ.
و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل. )

البشري ، ولكن كانت البشري له بعذاب أليم ، وأما من طريق اللغة .
فهو أن يقال له ما يؤثر في بشرته ، فإنه إذا قيل له خير أثر في بشرته بسط وجه وضحكا وفرحا واهتزازا وطربا .
وإذا قيل له شر أثر في بشرته قبضا و بكاء وحزنا وكندا واغبرارا وتعبيسا.
ولذلك قال تعالى : " وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ، ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة » فذكر ما أثر في بشرتهم .
فلهذا كانت البشرى تنطلق على الخير والشر لغة ، وأما في العرف فلا .
فقيل « بشرهم » لأثر ما بشر به في بشرة كل من بشر .
يقول تعالى :" وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا " 
فقيل : "فبشرهم بعذاب أليم" .
وقيل : « يبشرهم ربهم برحمة منه » لأن كل واحد أثر في بشرته ما بشر به.
الفتوحات  ج 3 / 5 ، 85  - ج 4 / 410


6 - العلم تابع للمعلوم راجع فص 2 هامش 3  ص 42
"" العلم تابع للمعلوم الفص 2 هامش 3 ص 42
ليس سر القدر الذي يخفى عن العالم عينه الا اتباع العلم المعلوم ، فلا شيء أبين منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه.
وهذه مسألة عظيمة دقيقة ما في علمي أن أحدا نبه عليها إلا إن كان وما وصل إلينا ، وما من أحد إذا تحققها يمكن له إنكارها ، وفرق يا أخي بين كون الشيء موجودا فيتقدم العلم وجوده ، وبين كونه على هذه الصورة في حال عدمه الأزلي ، فهو مساوق للعلم الإلهي به ومتقدم عليه بالرتبة .
لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فإن المعلوم متقدم بالرتبة على العلم وإن تساوقا في الذهن من كون المعلوم معلوما ، لا من کونه وجودا أو عدما ، فإنه المعطي العالم العلم .
فاعلم ما ذكرناه فإنه ينفعك ويقويك في باب التسليم والتفويض للقضاء والقدر الذي قضاه حالك ، فلو لم يكن في هذا الكتاب « الفتوحات المكية » إلا هذه المسألة لكانت كافية لكل صاحب نظر سدید و عقل سلیم .
واعلم أن الله تعالى ما كتب إلا ما علم ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هي عليه في أنفسها ما يتغير منها وما لا يتغير ، فيشهدها كلها في حال عدمها على تنوعات تغييراتها إلى ما لا يتناهی ، فلا يوجدها إلا كما هي عليه في نفسها ، فمن هنا تعلم علم الله بالأشياء معدومها وموجودها ، وواجبها وممكنها ومحالها ، ومن هنا إن عقلت وصف الحق نفسه بأن له الحجة البالغة لو توزع .
فإنه من المحال أن يتعلق العلم إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه ، فلو احتج أحد على الله بأن يقول له علمك سبق فيه بأن أكون على كذا فلم تواخذني .

يقول له الحق هل علمتك إلا بما أنت عليه ؟ فلو كنت على غير ذلك لعلمتك على ما تكون عليه.
ولذلك قال « حتى تعلم » فارجع إلى نفسك وأنصف في كلامه ، فإذا رجع العبد على نفسه ونظر في الأمر كما ذكرناه علم أنه محجوج، وأن الحجة لله تعالى عليه.
أما سمعته تعالى يقول: " وما ظلمهم الله" "وما ظلمناهم" .
وقال « ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، كما قال « ولكن كانوا هم الظالمين » يعني أنفسهم .
فإنهم ما ظهروا لنا حتى علمناهم وهم معدومون إلا بما ظهروا به في الوجود من الأحوال ، فعندنا ما كانت الحجة البالغة لله على عباده إلا من كون العلم تابعا للمعلوم ما هو حاكم على المعلوم.

فإن قال المعلوم شيئا كان الله الحجة البالغة عليه بأن يقول له ما علمت هذا منك إلا بكونك عليه في حال عدمك ، وما أبرزتك في الوجود إلا على قدر ما أعطيتني من ذاتك بقبولك ، فيعرف العبد أنه الحق فتندحض حجة الخلق ، فلا نزال نراقب حكم العلم فينا من الحق حتى تعلم ما كنا فيه ، فإنه لا يحكم فينا إلا بنا.
فمن وقف في حضرة الحكم وهي القضاء على حقيقتها شهودا علم سر القدر ، وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء ، فما جاءها شيء من خارج ، "ولا ينكشف هذا السر حتى يكون الحق بصر العبد" ، فإذا كان بصر العبد بصر الحق نظر الأشياء ببصر الحق، حينئذ انكشف له علم ما جهله، إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء ، ومن وقف على سر القدر ،" وهو أن الإنسان مجبور في اختياره "، لم يعترض على الله في كل ما يقضيه و يجريه على عباده وفيهم ومنهم ، وهذا يشرح ما ذكره الشيخ في كتابه المشاهد القدسية من أن الحق قال له : " أنت الأصل وأنا الفرع ".

وعلامة من يعلم سر القدر هو أن يعلم أنه مظهر ، وعلامة من يعلم أنه مظهر ، أن تكون له مظاهر حيث شاء من الكون كقضيب البان ، فإنه كان له مظاهر فيما شاء من الكون حيث شاء من الكون.
وإن من الرجال من يكون له الظهور فيما شاء من الكون لا حيث شاء ، ومن كان له الظهور حيث شاء من الكون كان له الظهور فيما شاء من الكون.
فتكون الصورة الواحدة تظهر في أماكن مختلفة ، وتكون الصور الكثيرة على التعاقب تلبس الذات الواحدة في عين المدرك لها ، ومن عرف هذا ذوقا .
كان متمكنا من الاتصاف بمثل هذه الصفة ، وهذا هو علم سر القدر الذي ينكشف لهم .
راجع الفتوحات ج2 / 2 , 13 .  ج4/ 16 , 70 , 74 , 182 , 235. ""

ص 174

.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2019 10:23 pm

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

شرح أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الجزء الأول
12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية
اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله ورحمته لا تسعه:
هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه.
وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس:
وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا.
والحق من حيث ذاته غني عن العالمين.
والربوبية ما لها هذا الحكم.
فبقي الأمر بين ما تطلبه الربوبية وبين ما تستحقه الذات من الغنى عن العالم.
وليست الربوبية على الحقيقة والاتصاف إلا عين هذه الذات.
فلما تعارض الأمر بحكم النسب ورد في الخبر ما وصف الحق به نفسه من الشفقة على عباده.
فأول ما نفس عن الربوبية بنفسه المنسوب إلى الرحمن بإيجاده العالم الذي تطلبه الربوبية بحقيقتها وجميع الأسماء الإلهية.
فيثبت من هذا الوجه أن رحمته وسعت كل شيء فوسعت
...........................................................
1- المناسبة في تسمية هذا الفص :
هي أن العارف يشهد الله في جميع الاعتقادات ولا ينكره وذلك راجع إلى تقلب القلب مع الحق في صور جميع الاعتقادات.
فهذه الحكمة لا تنحصر شعبها لأن كل اعتقاد شعبة ، فهي شعب كلها أعني الاعتقادات فناسبت هذه الحكمة اسم النبي والرسول شعيب عليه السلام لما فيها من التشعب.
وهذا الفص يدور حول علم التجليات الإلهية ويشير فيها إلى ما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن موقف يوم القيامة وفيه : "حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر ، أتاهم الله في أدنى صورة من التي رأوه فيها.
قال فما تنتظرون ؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد .
قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما کنا إليهم ولم نصاحبهم .
فيقول أنا ربكم ، فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك


ص 175
 
الحق، فهي أوسع من القلب أو مساوية له في السعة. "2"
هذا مضى، ثم لتعلم أن الحق تعالى كما ثبت في الصحيح يتحول في الصور عند التجلي، وأن الحق تعالى إذا وسعه القلب لا يسع معه غيره من المخلوقات فكأنه يملؤه.
ومعنى هذا أنه إذا نظر إلى الحق عند تجليه له لا يمكن أن ينظر معه إلى غيره.
وقلب العارف من السعة كما قال أبو يزيد البسطامي «لو أن العرش و ما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس به».
وقال الجنيد في هذا المعنى: إن المحدث إذا قرن بالقديم لم يبق له أثر، وقلب يسع القديم كيف يحس بالمحدث موجودا. "3"
 
................................................................
بالله شيئا ، مرتين أو ثلاثا ، حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب ، فيقول هل بينكم وبينه آية فتعرفوه بها ، فيقولون نعم ، فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ، ولا يقي من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة ، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ، ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول أنا ربكم ،فيقولون أنت ربنا .. الحديث بطوله.
فهذا الفص يبحث في التجلي الإلهي وتحول الحق في صور الاعتقادات وفي حضرة الشهود ، فجعلنا البحث هنا متكاملا في التجلي الإلهي .

2 - قلب العارف أوسع من رحمة الله
الفقرة الواردة في هذا الفص توضح ما أشار إليه الشيخ رضي الله تعالی عنه في الفتوحات الجزء الرابع ص 99  حيث يقول في هذه المسألة :
إلا أن في الأمر نكتة أوميء إليها ولا أنص عليها ، وذلك أن الله قد وصف نفسه بالغضب والبطش الشديد بالمغضوب عليه ، والبطش رحمة لما فيه من التنفيس وإزالة الغضب وهذا القدر من الإيماء كاف فيما تريد بيائه من ذلك .


3 - راجع فص رقم 6 هامش رقم 9 ص 98
قول أبي يزيد يراجع شرحه في كتابنا شرح كلمات الصوفية من 165 أو الفتوحات ج 4 ص 8
قول الجنيد يراجع شرحه في كتابنا شرح كلمات الصوفية ص 215 أو الفتوحات ج 1 ص 103 -ج 4 ص 8 / 92.
 
ص 176
 
 
وإذا كان الحق يتنوع تجليه في الصور فبالضرورة يتسع القلب ويضيق بحسب الصورة التي يقع فيها التجلي الإلهي، فإنه لا يفضل شيء عن صورة ما يقع فيها التجلي.
فإن القلب من العارف أو الإنسان الكامل بمنزلة محل فص الخاتم من الخاتم لا يفضل بل يكون على قدره وشكله من الاستدارة إن كان الفص مستديرا أو من التربيع والتسديس والتثمين وغير ذلك من الأشكال إن كان الفص مربعا أو مسدسا أو مثمنا أو ما كان من الأشكال، فإن محله من الخاتم يكون مثله لا غير.
وهذا عكس ما يشير إليه الطائفة من أن الحق يتجلى على قدر استعداد العبد.
وهذا ليس كذلك، فإن العبد يظهر للحق على قدر الصورة التي يتجلى له فيها الحق.
وتحرير هذه المسألة أن لله تجليين.
تجلي غيب وتجلي شهادة، فمن تجلي الغيب يعطي الاستعداد الذي يكون عليه القلب، وهو التجلي الذاتي الذي الغيب حقيقته، وهو الهوية التي يستحقها بقوله عن نفسه «هو».
فلا يزال «هو» له دائما أبدا.
فإذا حصل له- أعني للقلب هذا الاستعداد، تجلى له التجلي الشهودي في الشهادة فرآه فظهر بصورة ما تجلى له كما ذكرناه.
فهو تعالى أعطاه الاستعداد بقوله «أعطى كل شي ء خلقه»، ثم رفع الحجاب بينه وبين عبده فرآه في صورة معتقده ، فهو عين اعتقاده. فلا يشهد القلب ولا العين أبدا إلا صورة معتقده في الحق.
فالحق الذي في المعتقد هو الذي وسع القلب صورته، وهو الذي يتجلى له فيعرفه.
فلا ترى العين إلا الحق الاعتقادي.
ولا خفاء بتنوع الاعتقادات: فمن قيده أنكره في غير ما قيده به، وأقر به فيما قيده به إذا تجلى.
ومن أطلقه عن التقييد لم ينكره وأقر به في كل صورة يتحول فيها ويعطيه من نفسه قدر صورة ما تجلى له إلى ما لا يتناهى، فإن صور التجلي ما لها نهاية تقف عندها.
وكذلك العلم بالله ما له غاية في العارف يقف عندها، بل هو العارف في كل زمان يطلب الزيادة من العلم به.
«رب زدني علما» ، «رب زدني علما»، «رب زدني علما».
فالأمر لا يتناهى من الطرفين. هذا إذا قلت حق وخلق، فإذا نظرت في قوله : «كنت رجله التي  يسعى بها و يده التي يبطش بها و لسانه الذي يتكلم به» إلى غير ذلك من القوى، و محلها  الذي هو الأعضاء، لم تفرق فقلت الأمر حق كله أو خلق كله.
فهو خلق بنسبة وهو حق بنسبة والعين واحدة.
فعين صورة ما تجلى عين صورة من قبل ذلك التجلي، فهو المتجلي والمتجلي له.
فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى.
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
 
ص 177
 
 
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه
«إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب» لتقلبه في أنواع الصور والصفات ولم يقل لمن كان له عقل، فإن العقل قيد فيحصر الأمر في نعت واحد والحقيقة تأبى الحصر في نفس الأمر.
فما هو ذكرى لمن كان له عقل وهم أصحاب الاعتقادات الذين يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا وما لهم من ناصرين.
فإن إله المعتقد ما له حكم في إله المعتقد الآخر: فصاحب الاعتقاد يذب عنه أي عن الأمر الذي اعتقده في إلهه وينصره، وذلك في اعتقاده لا ينصره، فلهذا لا يكون له أثر في اعتقاد المنازع له.
وكذا المنازع ما له نصرة من إلهه الذي في اعتقاده، فما لهم من ناصرين، فنفى الحق النصرة عن آلهة الاعتقادات على انفراد كل معتقد على حدته، والمنصور المجموع، والناصر المجموع. فالحق عند العارف هو المعروف الذي لا ينكر.
فأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة.
فلهذا قال «لمن كان له قلب» فعلم
............................................................... 
4 - القلب والعقل
« إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب » يتقلب فيفهم قول الله ويعقل به عن الله العلم بالله من حيث المشاهدة ، ولم يقل تعالى غير ذلك فإن القلب معلوم بالتقليب في الأحوال دائما .
فهو لا يبقى على حالة واحدة ، وكذلك التجليات الإلهية .
فمن لم يشهد التجليات بقلبه ينكرها ، فإن العقل يقيده وغيره من القوي إلا القلب فإنه لا يتقيد ، وهو سريع التقلب في كل حال .
ولذا قال الشارع إن القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء ، فهو يتقلب بتقلب التجليات والعقل ليس كذلك .
فإن العقل تقیید من العقال ، فالقلب هو القوة التي وراء طور العقل ، فلو أراد الحق في هذه الآية بالقلب أنه العقل ما قال «لمن كان له قلب ».
فإن كل إنسان له عقل وما كل إنسان يعطي هذه القوة التي وراء طور العقل المسماة قلبا في هذه الآية ، فلا تكون معرفة الحق من الحق إلا بالقلب لا بالعقل ثم يقبلها العقل من القلب ، فإن القلب له التقليب من حال إلى حال وبه سمي قلبا .
فمن فسر القلب بالعقل فلا معرفة له بالحقائق .
فتوحات ج 1 / ۲۸۷ -  ج 3 /  198 ، 471 -  ج 4 / 85.
 
ص 178
 
 
تقلب الحق في الصور بتقليبه في الأشكال.
فمن نفسه عرف نفسه، وليست نفسه بغير لهوية الحق، ولا شيء من الكون مما هو كائن ويكون بغير لهوية الحق، بل هو عين الهوية. "5"
فهو العارف والعالم والمقر في هذه الصورة، وهو الذي لا عارف ولا عالم، وهو المنكر في هذه الصورة الأخرى.
هذا حظ من عرف الحق من التجلي والشهود في عين الجمع، فهو قوله «لمن كان له قلب» يتنوع في تقليبه.
وأما أهل الإيمان وهم المقلدة الذين قلدوا الأنبياء والرسل فيما أخبروا به عن الحق، لا من قلد أصحاب الأفكار والمتأولين الأخبار الواردة بحملها على أدلتهم العقلية، فهؤلاء الذين قلدوا الرسل صلوات الله عليهم وسلامه هم المرادون بقوله تعالى «أو ألقى السمع» لما وردت به الأخبار الإلهية على ألسنة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهو يعني هذا الذي ألقى السمع شهيد ينبه على حضرة الخيال واستعمالها، وهو قوله عليه السلام في الإحسان «أن تعبد الله كأنك تراه»، والله في قبلة المصلي، فلذلك هو شهيد. "6"
ومن قلد صاحب نظر فكري وتقيد به فليس هو الذي ألقى السمع،
.....................................................................
5 - راجع الحديث « كنت سمعه وبصره » فص 10 هامش 9 ص 146
 
""  9 -  فإذا أحببته كنت سمعه وبصره الحديث فص 10 هامش 9 ص 146
اعلم أن القرب قربان:
قرب في قوله تعالى «ونحن أقرب إليه من حبل الوريد » وقوله تعالى «وهو معكم أينما كنتم».
وقرب هو القيام بالطاعات وهو المقصود في هذا الحديث ، فالقرب الذي هو القيام بالطاعات فذلك القرب من سعادة العبد من شقاوته ، وسعادة العبد في نيل جميع أغراضه كلها ، ولا يكون ذلك إلا في الجنة ، وأما في الدنيا فإنه لابد من ترك بعض أغراضه القادحة في سعادته .
فالقرب من السعادة بأن يطيع ليسعد ، وهذا هو الكسب في الولاية بالمبادرة لأوامر الله التي ندب إليها ، أما قوله « من أداء ما افترضته عليه » لأنها عبودية اضطرارية « ولا يزال العبد يقترب إلي بالنوافل » وهي عبودية اختيار « حتى أحبه » .
إذ جعلها نوافل ، فإذا ثابرت على أداء الفرائض فإنك تقربت إلى الله بأحب الأمور المقربة إليه ، وإذا کنت صاحب هذه الصفة كنت سمع الحق و بصره .
وتكون يدك يد الحق « إن الذين بیا یعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم » وهذه هي المحبة العظمى التي ما ورد فيها نص جلي كما ورد في النوافل ، فإن للمثابرة على النوافل حبا إلهيا منصوصا عليه يكون الحق سمع العبد ونظره ، فانظر ما تنتجه محبة الله ، فثابر على أداء ما يصح به وجود هذه المحبة الإلهية .
ولا يصح نفل إلا بعد تكملة الفرض ، فالحق سبحانه روح العالم وسمعه وبصره ويده ، فبه يسمع العالم و به يبصر وبه يتكلم وبه يبطش و به يسعى ، إذ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ولا يعرف هذا إلا من تقرب إلى الله بنوافل الخيرات ، كما ورد في الحديث الصحيح ، فانتبه لقوله « كنت سمعه الذي يسمع به ولسانه الذي يتكلم به وما تكلم إلا القائل في الشاهد وهو الإنسان، وفي الإيمان الرحمن ، فمن كذب العيان كان قوي الإيمان ، ومن تردد في إيمانه تردد في عيانه ، فلا إيسان عنده ولا عيان ، فما هو صاحب مكان ولا إمكان .
ومن صدق العيان وسلم الإيمان كان في أمان ، فإن الله أثبت أن ذلك للعبد بالضمير عينه عبدا لا ربوبية له ، وجعل ما يظهر به وعليه ومنه أن ذلك هو الحق تعالى لا العبد فما ثم إلا حق لحق وحق لخلق ، فحق الحق ربوبيته ، وحق الخلق عبوديته.
فنحن عبيد وإن ظهرنا بنعوته ، وهو ربنا وإن ظهر بنعوتنا ، فإن التعوت عند المحققين لا أثر لها في العين المنعوتة.
ولهذا تزول بمقابلها إذا جاء ولا تذهب عينا .
فقوله تعالی « كنت سمعه وبصره » جعل کینوتنه سمع عبد منعوت بوصف خاص ، وهذا أعظم اتصال يكون من الله بالعبد حيث يزيل قواه من قواه ويقوم بکینوته في العبد مقام ما أزال على ما يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تكييف ولا حصر ولا إحاطة ولا حلول
ولا بدليه ، فإنه أثبت عين الشخص بوجود الضمير في قوله « كنت سمعه » فهذه الهاء عينه ، والصفة عين الحق لا عينه ، فالشخص محل لأحكام هذه الصفات التي هي عين الحق لا غيره .
كما يليق بجلاله ، فنعته سبحانه بنفسه لا بصفته ، فهذا الشخص من حيث عينه هو ومن حيث صفته لا هو ، وهذا من ألطف ما يكون فظهور رب في صورة خلق عن إعلام إلهي لا تعرف له کيفية ولا تنفك عنه بينية .
والكرامة التي حصلت لهذا الشخص إنما هي الكشف والاطلاع لا أنه لم يكن الحق سمعه ثم كان ، والجاهل إذا سمع ذلك أداه إلى فهم محظور من حلول أو تحديد ، فبالوجه الذي يقول فيه الحق إنه سمع العبد به بعينه يقول إنه حياة العبد وعلمه وجميع صفاته .
فمثلا سر الحياة سري في الموجودات فحييت بحياة الحق ، فهي نسب وإضافات وشهود حقائق ، والله هو العلي الكبير عن الحلول والمحل.
الفتوحات ج 3 / 14 ، 63 ، 68 ، 184 ، 298 ، 356 ، 531 ، 557 .
ج 4 / 5 ، 362 ، 449 .  ""
 
 
6 - الإحسان وهو قوله صلى الله عليه وسلم : " أن تعبد الله كأنك تراه "
في حديث الإسلام والإيمان والإحسان ثلث رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالإحسان ، وهو إنزال المعني الروحاني منزلة المحسوس في العيان ، وليس إلا عالم الخيال ، الحاكم بالوجوب والوجود في الممكن والمحال .
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم  لجبريل عليه السلام في معرض التعليم لعباد الله «اعبد الله كأنك تراه » فأمره بالاستحضار ، فإنه يعلم أنه لا يستحضر إلا من يقبل الحضور .
فأمره بتصوره في الخيال مرئيا وأن يتخيله ويحضره في خياله على قدر علمه به محصورا له ، فما حجر الله على العباد تنزيهه ولا تخيله ، وإنما حجر عليه أن يكون محسوسا له ، مع علمه بأن الخيال من حقيقته أن يجسد ويصور ما ليس بجسد ولا صورة .
فإن الخيال لا يدركه إلا كذلك : فهو حس باطن بين المعقول والمحسوس ، وبذلك تصبح عبادة الله بالغيب عین عبادته بالشهادة .
فإن الإنسان وكل عابد لا يصح أن يعبد معبوده إلا عن شهود ، أما بعقل أو ببصر ، أو ببصيرة .
فالبصيرة يشهده العابد بها فيعبده ، وإلا فلا تصح له عبادة .
فما عبد إلا مشهودا لا غائبا ، ومن هذا يعلم أن جميع العقائد كلها تحت حكم التخيل
 
ص 179
 
 
فإن هذا الذي ألقى السمع لا بد أن يكون شهيدا لما ذكرناه.
ومتى لم يكن شهيدا لما ذكرناه فما هو المراد بهذه الآية.
فهؤلاء هم الذين قال الله فيهم «إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا» والرسل لا يتبرءون من أتباعهم الذين اتبعوهم.
فحقق يا ولي ما ذكرته لك في هذه الحكمة القلبية.
وأما اختصاصها بشعيب، لما فيها من التشعب، أي شعبها لا تنحصر، لأن كل اعتقاد شعبة فهي شعب كلها، أعني الاعتقادات فإذا انكشف الغطاء انكشف لكل أحد بحسب معتقده، وقد ينكشف بخلاف معتقده في الحكم، وهو قوله «وبدا
......................................................................
ومحلها الخيال ، وإن قام الدليل على أن الذي اعتقده ليس بداخل ولا خارج ولا يشبه شيئا من المحدثات ، فإنه لا يسلم من الخيال أن يضبط أمرا .
لأن نشأة الإنسان تعطي ذلك ، والحكم تابع لذات الحاكم بقبول ما يعطيه المحكوم عليه ، وليس المحكوم عليه هنا إلا المتخيل وهو المعتقد، فأدخل الله تعالى نفسه في التخيل، وهذا تنزيل خيالي من أجل كاف التشبيه .
وانظر من كان السائل الذي هو جبريل عليه السلام ومن هو المسؤول وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومرتبتها من العلم بالله ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جاء بـ «كان» لأن الحق ليس بمحسوس لنا، ولا نعقل منه إلا وجوده حتى ندخله تحت قوة البصر ، فـ نلحقه بالوهم بالمحسوسات.
فإذا أضفنا إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : «إن الله في قبلة المصلي » وإلى قوله « وجعلت قرة عيني في الصلاة » .
علمنا أنه ما أراد صلى الله عليه وسلم المناجاة وإنما أراد شهود من ناجاه فيها ، ولهذا أخبر أن الله في قبلة المصلي فقال صلى الله عليه وسلم: «اعبد الله كأنك تراه» فإنه ما كان يراه في عبادته ، ما كان كأنه يراه، ولولا حصولها ما قرئها بالعبادة دون العمل ، فما قال « اعمل لله كأنك تراه » ، فإن العبادة من غير شهود صريح أو تخیل شهود صحيح لا تصح ، ولذلك ما ذكر صلى الله عليه وسلم العين في قوله: « وجعلت قرة عيني في الصلاة » إلا لأن متعلق الرؤية إدراك عين المرئي فإذا رآه قرت عينه بما رآه .
فكان رسول الله ما في حال صلاته صاحب رؤية وشهود ، ولذلك كانت الصلاة محل قرة عينه لأنه مناج.
ولما علم الحق ما ركب عليه العالم المكلف من قوة الخيال وسلطانها .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم  في حضرة الخيال مخبرا ليجمع الإنسان بين الطرفين ، بين المعاني
 
ص 180
 
 
لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون».
فأكثرها في الحكم كالمعتزلي يعتقد في الله نفوذ الوعيد في العاصي إذا مات على غير توبة.
فإذا مات وكان مرحوما عند الله قد سبقت له عناية بأنه لا يعاقب، وجد الله غفورا رحيما، فبدا له من الله ما لم يكن يحتسبه. "7"
وأما في الهوية فإن بعض العباد يجزم في اعتقاده أن الله كذا وكذا، فإذا انكشف الغطاء رأى صورة معتقده وهي حق فاعتقدها.
وانحلت العقدة فزال الاعتقاد وعاد علما بالمشاهدة.
وبعد احتداد البصر لا يرجع كليل النظر، فيبدو لبعض العبيد باختلاف التجلي في الصور عند الرؤية خلاف معتقده لأنه لا يتكرر، فيصدق عليه في الهوية
.....................................................................
والمحسوسات « اعبد الله كأنك تراه » فقال في الإحسان ذلك لما علم أن العبادة على الغيب تصعب على النفوس « فإن لم تكن تراه » لأن من الإحسان أن تراه ، فإن لم تكن محسنة « فإنه يراك » أي أحضر في نفسك أنه يراك وهو نوع آخر من الشهود من خلف حجاب .
تعلم أن معبودك يراك من حيث لا تراه ويسمعك ، فإن المكلف لابد أن يعلم أن الله يراه إما بعقله أو بقول الشارع ، فيلزم الحياء منه والوقوف عند ما كلفه .
فالإسلام صراط مستقيم، والإيمان خان کریم، والإحسان شهود القديم .
راجع الفتوحات ج 1/  ص 304،306 ، 366 ، 383 ، 397 ، 412 ، 444
483 ، 609 .
ج 2 / ص 124 ، 128 ، 282 ، 344 ، 455 .
ج 3 / ص 44 ، 309 ، 365 ، 376 ، 377 ، 395 ، 541 ، 542 ، 563.
ج 4 / ص 73 ، 265 ، 344 ، 360 ، 413 ، 420 .
 
7 - « وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون » الآية
عم الجميع ، فبدا لكل طائفة تعتقد أمرأ ما مما ليس عليه نفي ذلك المعتقد .
وما تعرض في الآية بما اتنفى ذلك ، هل بالعجز أو بمعرفة النقيض ؟
وكلا الأمرين كائن في الدار الآخرة ، وقوله تعالى : « وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون » شائعة في الشقي والسعيد ، ففي السعيد فيمن مات على غير توبة وهو يقول بإنفاذ الوعيد ، فيغفر له ، فكان الحكم للمشيئة فسبقت بسعادتهم ، فتبين لهم عند ذلك أنهم اعتقدوا في ذلك خلاف ما هو الأمر عليه .
راجع فتوحات ج 2 / 55 ، 619 - ج 3 /  278 .
 
ص 181

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2019 10:24 pm

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

شرح أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الجزء الثاني

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية

«وبدا لهم من الله» في هويته «ما لم يكونوا يحتسبون» فيها قبل كشف الغطاء.
وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم. "8"
ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب
..............................................

8 - الترقي في العلم دنيا وآخرة
إني على بينة من ترقي العالم علوه وسفله مع الأنفاس ، لاستحالة ثبوت الأعيان على حالة واحدة ، فإن الأصل الذي يرجع إليه جميع الموجودات ، وهو الله ، وصف نفسه أنه "كل يوم هو في شأن " فمن المحال أن يبقى شيء في العالم على حالة واحدة زمانين ، فتختلف الأحوال عليه لاختلاف التجليات بالشؤون الإلهية.
فالعارف في كل نفس يطلب الترقي ويقصر دائما عمره كله يتعرض للفتح فلا يفتح له ، فيجمع له إلى أن يموت ، فيرى عند موته ما أخفى له فيه من قرة أعين ، لكونه ما له في حياته الأولى ، ولا شاهد ما شاهد غيره من السائرين إلى الله .
فإنه إن كان العامل ممن قد أراد أن يفتح له في الدنيا في حصول هذه الأسرار ورد الإذن الإلهي بذلك ففتح على هذا العامل في باطنه بعلوم شتی .
فيقال فلان قد فتح عليه ، وإن كان الله يريد أن تخبأ له ذلك إلى الدار الآخرة لمصلحة يراه له في منع ذلك إلى أن ينقلب العامل إلى الدار الآخرة فيجدها مخبوءة له في أعماله، فيلبسها خلعا إلهية.
فيقال في هذا العامل في الدنيا إنه ما فتح له مع كثرة عمله، ويتعجب المتعجبون من ذلك لأنهم يتخيلون أن الفتح أمر لازم.
وكذلك هو أمر لازم تطلبه الأعمال وتناله، ولكن متى يكون ذلك صفة للعامل هل في الدنيا أو في الآخرة ؟
ذلك إلى الله ، فإذا رايت عامل صدق أو عرفت ذلك من نفسك ، ولم تر يفتح لك في باطنك مثل ما فتح لن تراه على صورتك في العمل فلا تتهم ، فإنه مؤخر لك ، واطرح عن نفسك التهمة في ذلك ، فلا تتهم ولا تجعل نفسك من أهل التهم ، فنحن في ارتقاء دائم و مزید علم دنیا و برزخا وآخرة ، والآلات مصاحبة لا تنفك في هذه المنازل والمواطن والحالات عن هذه اللطيفة الإنسانية .
فأهل الله أهل الحق لا يبالون بالمفارقة متى كانت الأنهم في مزید علم أبدأ دائما ، وهم ملوك أهل تدبير لمواد طبيعية وعنصرية دنيا وبرزخا وآخرة .
فتوحات ج 1 / 471 ، 700 - ج 2 / 504 ، 626 .
 
ص 182
 
 
ودقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها».
وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان، غيران ، وصاحب التحقيق يرى الكثرة في الواحد كما يعلم أن مدلول الأسماء الإلهية، وإن اختلفت حقائقها وكثرت، أنها عين واحدة.
فهذه كثرة معقولة في واحد العين.
فتكون في التجلي كثرة مشهودة في عين واحدة. "9"
 كما أن الهيولى تؤخذ في حد كل صورة، وهي مع كثرة الصور
................................................................. 
9 – أ -  التجلي الإلهي :
لما كان العلم الأول في المعرفة هو العلم بالحقائق وهو العلم بالأسماء الإلهية كان العلم الثاني من علوم المعرفة هو علم التجلي ، وهو أن التجلي الإلهي دائم لا حجاب عليه ، ولكن لا يعرف أنه هو ، فإن الحضرة الإلهية متجلية على الدوام لا يتصور في حقها حجاب عناء .
واعلم أن الحق له نسبتان في الوجود :
نسبة الوجود النفسي الواجب له .
ونسبة الوجود الصوري ، وهو الذي يتجلى فيه لخلقه .
إذ من المحال أن يتجلى في الوجود النفسي الواجب له ، فالتجلي الذاتي منوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر ، لأنه لا عين لنا ندر که بها، إذ نحن في حال عدمنا ووجودنا مرجحون ، لم يزل عنا حكم الإمكان ، فلا تراه إلا بنا من حيث ما تعطيه حقائقنا ، لأن التجلي على ما هو المتجلي عليه في نفسه محال حصوله لأحد ، فلا يقع التجلي إلا من دون ذلك مما يليق بمن يتجلى له .
فعلمنا قطعا أن الذات لا تتجلى أبدا من حيث هي ، وإنما تتجلى من حيث صفة ما معتلية ، والتجلي الإلهي لا يكون إلا للإله والرب، لا يكون الله أبدا فإن الله هو الغني .
كما لا يتجلى في الاسم الأحد ولا في الاسم الله ولا يصح النجلي فيه ، فإنه لا يعرف معناه ، ولا يسكن وقتا ما في معناه .
و بهذا السر تميز الإله من المألوه ، والرب من المربوب ، وما عدا هذين الأسمين من الأسماء المعلومات لنا فإن التجلي يقع فيها ، كما أن حضرة الجلال لها السبحات المحرقة، ولهذا لا يتجلى في جلاله أبدا ، ولكن يتجلى في جلال جماله لعباده ، فبه يقع التجلي .
 
ص 183
 
 
واختلافها ترجع في الحقيقة إلى جوهر واحد هو هيولاها . فمن عرف نفسه بهذه
................................................................
إذا علمت هذا فلابد أن يكون تجلي الحق في الوجود الصوري ، وهو التجلي في المظاهر ، وهو التجلي في صور المعتقدات كائنة بلا خلاف ، والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف ، وهما تجلي الاعتبارات ، لأن هذه المظاهر سواء كانت صورالمعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم.
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمر لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم ، وليس وراء ذلك العلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا، وأما التجلي في الأفعال أعني نسبة ظهور الكائنات والمظاهر عن الذات التي تتكون عنها الكائنات وتظهر عنها المظاهر ، فالحق سبحانه قرر في اعتقادات قوم وقوع ذلك ، وقرر في اعتقادات قوم منع وقوع ذلك .
فالتجلي الصوري هو الذي يقبل التحول والتبدل ، فتارة يوصف به الممكن الذي يختلع به ، وتارة يظهر به الحق في تجليه ، فإن للألوهية أحكاما وإن كانت حکما ، وفي صورة هذه الأحكام يقع التجلي في الدار الآخرة حيث كان ، فإنه قد اختلف في رؤية النبي مع ربه كما ذكر ، وقد جاء حديث النور الأعظم من رفرف الدر والياقوت وغير ذلك .
واعلم أن الله تجليين ، تجليا عاما إحاطيا ، وتجليا خاصا شخصيا، فالتجلي العام تجل رحماني ، وهو قوله تعالى « الرحمن على العرش استوى » والتجلي الخاص هو ما لكل شخص شخص من العلم بالله .
فتوحات ج 1 / 41 ، 91 - ج 2 / 303 ، 542 ، 606 - ج 3 / 101 ، 178 ، 180 ، 516.
ذخائر الأعلاق - التنزلات الموصلية .


9 - ب - حظ العارف من العلوم في التجلي:
لما كانت العلوم تعلو وتتضع بحسب المعلوم لذلك تعلقت الهمم بالعلوم الشريفة العالية التي إذا اتصف بها الإنسان زکت نفسه وعظمت مرتبته .
فأعلاها مرتبة العلم بالله ، وأعلى الطرق إلى العلم بالله علم التجليات ودونها علم النظر ، وليس دون النظر علم إلهي وإنما هي عقائد في عموم الخلق لا علوم، التجلي أشرف الطرق إلى تحصيل العلوم ، فأول مقام للعارف هو أن يتجلى له الحق في غير مادة ، لأن العارف أو العالم
 
ص 184
 
 
 المعرفة فقد عرف ربه وإنه على صورته خلقه، بل هو عين هويته وحقيقته. ولهذا ما عثر
................................................................
في حضرة الفكر والعقل ، فيعلم من الله على قدر ما كان ذلك التجلي ولا يقدر أحد على تعيين ما تجلى له من الحق ،إلا أنه تجلى في غير مادة لا غير.
وسبب ذلك أن الله يتجلى لكل عبد من العالم في حقيقة ما هي عين ما تجلى بها لعبد آخر ، ولا هي عين ما يتجلى له بها في مجلى آخر .
فلذلك لا يتعين ما تجلى فيه ولا ينقال ، فإذا رجع العبد من هذا المقام إلى عالم نفسه عالم المواد صحبه تجلي الحق ، فما من حضرة يدخلها من الحشرات لها حكم إلا ويرى الحق قد تحول بحكم تلك الحضرة ، والعبد قد ضبط منه أولا ما ضبط ، فيعلم أنه قد تحول في أمر آخر ، فلا يجهله بعد ذلك أبدا ولا ينحجب عنه .
فإن الله ما تجلى لأحد فاتحجب عنه بعد ذلك ، فإنه غير ممكن أصلا ، فإذا نزل العبد إلى عالم خیاله وقد عرف الأمور على ما هي عليه مشاهدة وقد كان قبل ذلك عرفها علما و إيمانا ، رأى الحق في حضرة الخيال صورة جسدية ، فلم ينكره وأنكره العابر والأجانب .
ثم نزل من عالم الخيال إلى عالم الحس والمحسوس فنزل الحق معه لنزوله فإنه لا يفارقه ، فيشاهده صورة كل ما شاهده من العالم ، لا يخص به صورة دون صورة من الأجسام والأعراض ، ويراه عين نفسه ، ويعلم أنه ما هو عين نفسه ولا عين العالم.
ولا يحار في ذلك لما حصل له من التحقيق بصحبة الحق في نزوله معه من المقام الذي يستحقه ، وهذا مشهد عزیز .
ما رأيت من يقول به من غير شهود إلا في عالم الأجسام و الأجساد ، وسبب ذلك عدم الصحبة مع الحق لما نزل من المقام الذي يستحقه ، وما رأيت واحدا من أهل هذا المقام ذوقا .
إلا أنه أخبرتني أهلي مريم بنت عبدون أنها أبصرت واحدا وصفت لي حاله ، فعلمت أنه من أهل هذا الشهود إلا أنها ذكرت عنه أحوالا تدل على عدم قوته فيه وضعفه مع تحققه بهذا الحال .
ورد في الخبر الصحيح في تجابه سبحانه في موطن التلبيس ، وهو تجليه في غير صور الاعتقادات من حضرة الاعتقادات ، فلا يبقى أحد يقبله ولا يقر به ، بل يقولون
 
ص 185


أحد من العلماء والحكماء على معرفة النفس وحقيقتها إلا الإلهيون من الرسل والصوفية.
.......................................................
إذا قال لهم « أنا ربكم » « نعوذ بالله منك » فالعارف في ذلك المقام يعرفه ، غير أنه قد علم منه بما أعلمه أنه لا يريد أن يعرفه في تلك الحضرة من كان هنا مقيد المعرفة بصورة خاصة يعبده فيها .
فمن أدب العارف أن يوافقهم في الإنكار ولكن لا يتلفظ بما تلفظوا به من الاستعاذة منه ، فإنه يعرفه ، فإذا قال لهم الحق في تلك الحضرة عند تلك النظرة « هل كان بينكم وبينه علامة تعرفونه بها» فيقولون « نعم » فيتحول لهم سبحانه في تلك العلامة ، مع اختلاف العلامات .
فإذا رأوها وهي الصورة التي كانوا يعبدونه فيها ، حينئذ اعترفوا به ، ووافقهم العارف بذلك في اعترافهم ، أدبا منه مع الله وحقيقة ، وأقر له بما أقرت الجماعة .
راجع كتابنا الخيال ص 15 ، 24، وكتابنا ترجمة حياة الشيخ ص 171.
فتوحات ج 1/ 166 - ج 2 / 609 - ج 3 / 234 ، 235.
 
9 - ج - التجلي الإلهي للحس والبواطن من الاسم الإلهي الظاهر
إن الله جعل لكل شيء ونفس الإنسان من جملة الأشياء ظاهرا وباطنا.
فهي تدرك بالظاهر أمورا تسمى عينا، وتدرك بالباطن أمورا تسمى علما، والحق سبحانه هو الظاهر والباطن، فبه يقع الإدراك.
فإنه ليس في قدرة كل ما سوى الله أن يدرك شيئا بنفسه ، وإنما أدر که بما جعل الله فيه (راجع « كنت سمعه و بصره » الفص 10  ص 146 ) .
و تجلي الحق لكل من تجلى له من أي عالم كان من عالم الغيب والشهادة إنما هو من الاسم الظاهر ، وأما الاسم الباطن فمن حقيقة هذه النسبة أنه لا يقع فيها تجل أبدا لا في الدنيا ولا في الآخرة . 
إذ كان التجلي عبارة عن ظهوره لمن تجلى له في ذلك المجلي ، وهو الاسم الظاهر ، فإن معقولية النسب لا تتبدل وإن لم يكن لها وجود عيني لكن لها الوجود العقلي ، فهي معقولة ، فإذا تجلى الحق إما منة أو إجابة لسؤال فيه ، فتجلى لظاهر النفس ، وقع الإدراك بالحس في الصورة في برزخ التمثل ، فوقعت الزيادة عند المتجلى له في علوم


ص 186
 
وأما أصحاب النطر وأرباب الفكر من القدماء والمتكلمين في كلامهم في النفس وماهیها :
.................................................
الأحكام إن كان من علماء السريعة، ومن علوم موازين المعاني إن كان منطقيا، ومن علم میزان الكلام إن كان نحويا.
وكذلك صاحب کل علم من علوم الأكوان وغير الأكوان تقع له الزيادة في نفسه من علمه الذي هو بصدده، فأهل هذه الطريقة يعلمون أن هذه الزيادة إنما كانت من ذلك التجلي الإلهي لهؤلاء الأصناف.
فإنهم لا يقدرون على إنكار ما کشف لهم، وغير العارفين يحسون بالزبادة وينسبون ذلك إلى أفكارهم، وغير هذين يجدون من الزيادة ولا يعلمون أنهم استزادوا شيئا فهم في المثل کمثل الحمار يحمل أسفارا.
وإذا وقع التجلي أيضا بالاسم الظاهر الباطن النفس وقع الإدراك بالبصيرة في عالم الحقائق والمعاني المجردة عن المواد، وهي المعبر عنها بالنصوص.
إذ النص ما لا إشكال فيه ولا احتمال بوجه من الوجوه، وليس ذلك إلا في المعاني، فيكون صاحب المعاني مستريحا من تعب الفكر، فتقع الزيادة عند التجلي في العلوم الإلهية وعلوم الأسرار وعلوم الباطن وما يتعلق بالآخرة، وهذا مخصوص بأهل طريقنا.
فتوحات ج 1 / 166 .
 
9 - د - التجلي لكل مخلوق من الوجه الخاص
اعلم أنه ما من موجود في العالم إلا وله وجه خاص إلى موجده إذا كان من عالم الخلق، وإن كان من عالم الأمر فما له سوى ذلك الوجه الخاص.
وأن الله يتجلى لكل موجود من ذلك الوجه الخاص فيعطيه من العلم به ما لا يعلمه منه إلا ذلك الموجود.
وسواء علم ذلك الموجود أو لم يعلمه، أعني أن له وجها خاصا، وأن له من الله علما من حيث ذلك الوجه، لا علم للعقل به، فإنه سر الله الذي بينه وبين كل مخلوق لا تعرف نسبته.
ولا يدخل تحت عبارة، ولا يقدر مخلوق على إنكار وجوده، فهو المعلوم المجهول وما فضل أهل الله إلا بعلمهم بذاك الوجه، ثم يتفاضل أهل الله في ذلك.
فمنهم من يعلم العلم الذي يحصل له من التجلي، ومنهم من لا يعلمه، أعني على التعيين .
وما أعني بالعلم إلا متعلق العلم هل هو كون أو هو الله من حيث أمر ما.
فتوحات ج 2 / 304 - ج 4 / 222 .
 
ص 187
 

فما منهم من عثر على حقيقتها، ولا يعطيها النظر الفكري أبدا. فمن طلب العلم بها من
.......................................................
9  - هـ - أنواع التجلي الإلهي
اعلم أن التجلي الإلهي لكل مخلوق من الوجه الخاص هو التجلي في الأشياء المبقي أعيانها .
وأما التجلي للاشياء فهو تجل يفني أحوالا ويعطي أحوالا في المتجلی له .
ومن هذا التجلي توجد الأعراض والأحوال في كل ما سوى الله ، ثم له تجل في مجموع الأسماء فيعطي في هذا التجلي في العالم المقادير والأوزان والأمكنة والأزمان والشرائع وما يليق بعالم الأجسام وعالم الأرواح والحروف اللفظية والرقمية وعالم الخيال .
ثم له تجل آخر من أسماء الإضافة خاصة ، كالخالق وما أشبهه من الأسماء ، فيظهر في العالم التوالد والتناسل والانفعالات والاستحالات والأنساب ، وهذه كلها حجب على أعيان الذوات الحاملات لهذه الحجب عن إدراك ذلك التجلي الذي لهذه الحجب الموجد أعيانها في أعيان الذوات .
 
و بهذا القدر تنسب الأفعال للأسباب .

ولولاها لكان الكشف فلا يجهل ، فـ بالتجلي تغير الحال على الأعيان الثابتة من الثبوت إلى الوجود ، وبه ظهر الانتقال من حال إلى حال في الموجودات، وهو خشوع تحت سلطان التجلي .
فله النقيضان يمحو ويثبت ، ويوجد ويعدم ، فالله متجلي على الدوام لأن التغييرات مشهودة على الدوام في الظواهر والبواطن ، والغيب والشهادة والمحسوس والمعقول ، فشأنه التجلي وشأن الموجودان التغيير بالانتقال من حال إلى حال ، فمنا من يعرفه ، ومنا من لا يعرفه .
فمن عرفه عبده في كل حال ومن لم يعرفه أنكره في كل حال.
 فتوحات ج 2 / 303 ، 304 .


9  - و - الموانع من إدراك التجلي
القلوب أبدا لا تزال مفطورة على الجلاء مصقولة صافية ، فكل قلب تجلت فيه الحضرة الإلهية من حيث هي ياقوت أحمر ، الذي هو التجلي الذاتي ( هذا اصطلاح ليس المقصود منه تجلي الذات على ما هي عليه ) .
فذلك قلب المشاهد المكمل العالم الذي لا أحد فوقه في تجلي من التجليات ، ودونه تجلي الصفات ، ودونهما تجلي
 
ص 188



طريق النظر الفكري فقد استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم. لا جرم أنهم من «الذين
.........................................................
الأفعال ، ولكن من كونها من الحضرة الإلهية .
ومن لم تتجلى له من كونها من الحضرة الإلهية فذلك هو القلب الغافل عن الله تعالى المطرود من قرب الله تعالى .
فانظر وفقك الله في القلب على حد ما ذكرناه ، وإن اشتغل القلب بعلم الأسباب عن العلم بالله ، كان تعلقه بغير الله صدأ على وجه القلب لأنه المانع من تجلي الحق إلى هذا القلب .
فما يجده عالم الطبيعة من الحجب المانعة عن إدراك الأنوار من العلوم والتجليات بکدورات الشهوات والشبهات الشرعية وعدم الورع في اللسان والنظر والسماع والمطعم والمشرب والملبس والمركب والمنكح ، و کدورات الشهوات بالانكباب عليها والاستفراغ فيها وإن كانت حلالا .
وإنما لم يمنع نيل الشهوات في الآخرة وهي أعظم من شهوات الدنيا من التجلي ، لأن التجلي هناك على الأبصار ، وليست الأبصار محل الشهوات .
والتجلي هنا في الدنيا إنما هو على البصائر والبواطن دون الظاهر ، والبواطن محل الشهوات .
ولا يجتمع التجلي والشهوة في محل واحد ، فلهذا جنح العارفون والزهاد في الدنيا إلى التقليل من نيل شهواتها والشغل بكسب حطامها .
ومن أحدث في نفسه ربوبية فقد انتقص من عبوديته بقدر ما أحدث ، وإذا انتقص من عبوديته بقدر ذلك ينتقص من تجلي الحق له ، وإذا انتقص من تجلي الحق له اتنقص علمه بربه ، وإذا انتقص علمه بربه جهل منه سبحانه وتعالى بقدر ما نقصه فتوحات ج 1 / 91 ، 154 ، 343.
 
 9 - ز - الإستعداد للتجلي
اعلم أن نور التجلي المنفهق يسري في زوايا الجسم فيبهت العقل وبهره ، فلا يظهر للمتجلي له تصريف ولا حركة لا ظاهرة ولا باطنة.
فإذا أراد الله أن يبقي العبد أرسل على القلب سحابة كون ما تحول بين النور المنفهق من التجلي وبين القلب .
فيتشر النور إليها منعکسا وتشرح الأرواح والجوارح ، وذلك هو التثبيت ، فيبقى العبد مشاهدا من وراء تلك السحابة ، لبقاء الرسم ، وبقي التجلي دائما لا يزول أبدا ، ولهذا يقول كثير إن الحق ما تجلى لشيء قط ثم انحجب عنه بعد ذلك ، ولكن تختلف الصفات .
 
ص 189
 
 
ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا». فمن طلب الأمر
..............................................................
واعلم أيدنا الله وإياك ، أن الأمر في التجلي قد يكون بخلاف ترتيب الحكمة التي عهدت ، وذلك أنا قد بينا استعداد القوابل .
وأن هناك ليس منع بل فيض دائم وعطاء غير محظور [ فلو لم يكن المتجلى له على استعداد ، أظهر له ذلك الاستعداد هذا المسمى تجليا ، ما صح أن يكون هذا التجلي ، فكان ينبغي له أن لا يقوم به دك ولا صعق ، هذا قول المعترض علينا ] .
قلنا له يا هذا :
الذي قلناه من الاستعداد ، نحن على ذلك ، الحق متجلي دائما والقابل لإدراك هذا التجلي لا يكون إلا باستعداد خاص ، وقد صح له ذلك الاستعداد فوقع التجلي في حقه ، فلا يخلو أن يكون له أيضا استعداد البقاء عند التجلي أو لا يكون له ذلك .
فإن كان له ذلك فلابد أن يبقى ، وإن لم يكن له فكان له استعداد قبول التجلي ولم يكن له استعداد البقاء .
ولا يصح أن يكون له فإنه لابد من اندكاك أو صعق أو فناء أو غيبة أو غنية ، فإنه لا يبقى له مع النهود غير ما شهد فلا تطمع في غير مطمع.
 
إذا تجلى لمن تجلى ... أصعقه ذلك التجلي
وإن تولى عمن تولى ... أهلكه ذلك التولي
وإن تدلى بمن تدلى ... نوره ذلك التدلي
قلت الذي قدسمعتموه ... بالله يا سيدي فقل لي
لما رأيت الذي تجلى ... اشهدني فيه عين ظلي
من لي إذا لم أكن سواه ... وليس عيني قل لي فمن لي
الله لا ظاهر سواه ... في كل ضد وكل مثل
وكل جنس وكل نوع ... وكل وصل وكل فصل
وكل حس وكل عقل ... وكل جسم وكل شكل
فليس التفاضل ولا الفضل في التجلي ، وإنما التفاضل والفضل فيما يعطي الله لهذا المتجلى له من الاستعداد .
وعين حصول التجلي عين حصول العلم لا يعقل بينهما بون ، کوجه الدليل في الدليل سواء ، بل هذا أتم وأسرع في الحكم ، ولا
 
ص 190


من غير طريقه فما ظفر بتحقيقه، وما أحسن ما قال الله تعالى في حق العالم وتبدله مع الأنفاس.
......................................................

يدل تعدد التجليات ولا كثرتها على الأشرفية، وإنما الأشرف من له المقام الأعم، وأما التجلي الذي يكون معه البقاء والعقل والالتذاذ والخطاب والقبول فذلك التجلي الصوري.
ولابد مع التجلي من تعريف إلهي، إما بصفاء الإلهام أو بما شاء الحق من أنواع التعريف، ومن لم ير غير التجلي الصوري ربما حكم على التجلي بذلك مطلقا من غير تقييد، والذي ذاق الأمرين فرق ولابد.
الفتوحات ج 1 / 295 - ج 2 / 541 - ج 4 / 191 ، 192 - کتاب التدبيرات الإلهية .
 
9 - ح - التجلي الإلهي في الصور في حضرة الخيال المطلق
الحقائق لا تنقلب فاللطف محال أن يرجع كثافة، ولكن اللطيف يرجع کنیفا کالحار يرجع باردا أو البارد حارا.
من هذا الباب يظهر تجلي الحق في الصور التي ينكر فيها أو يرى في النوم، فيرى الحق في صورة الخلق بسبب حضرة الخيال.
فإن الحضرات تحكم على النازل فيها وتكسوه من خلعها ما تشاء، أين هذا التجلي من « ليس كمثله شيء» ومن « سبحان ربك رب العزة عما يصفون » .
فالحكم للحضرة والموطن لأن الحكم للحقائق، والمعاني توجب أحكامها لمن قامت به ، فإن الله إذا تجلي في صورة البشر كما ورد فإنه يظهر بصورتها حسا ومعنی ، وهو اتصافه بالأوصاف الطبيعية من تغير الأحوال في الغضب والرضى والفرح والنزول والهرولة .
فإذا تجلى الحق للإنسان في المنام في صورته أو غيره في أي صورة تجلی، فلينظر فيما يلزم تلك الصورة المتجلي فيها من الأحكام فيحكم على الحق بها في ذاك الموطن ؛ فإن مراد الله فيها ذلك الحكم ولابد ، ولهذا نجلى فيها على الخصوص دون غيرها، ويتحول الحكم بتحول الصور .
فكما أن کل موجود هو إما محدث وهو الخلق وإما محدث اسم فاعل وهو الخالق فكذلك الصورة تقبل القدم والحدوث.
ولذلك يتجلى الحق لعباده على ما شاءه من صفاته، ولهذا ينكره قوم في الدار الآخرة لأنه تعالی تجلى لهم في غير الصورة والصفة التي عرفوها منه.
ويتجلى للعارفين على قلوبهم وعلى ذواتهم في الآخرة
 
ص 191
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الجزء الثالث .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2019 10:25 pm

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الجزء الثالث .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

شرح أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الجزء الثالث

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية

عموما ، وعلى التحقيق الذي لا خفاء به عندنا أن حقائق الذات هي المتجلية للصنفين في الدارين أن عقل أو فهم من الله تعالى ، المرئي في الدنيا بالقلوب والأبصار ، مع أنه سبحانه النبيء عن عجز العباد عن درك كنهه .
فقال « لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير » لطيف بعباده بتجليه لهم على قدر طاقتهم « خبير » ضعفهم عن حمل تجليه الأقدس على ما نعطيه الألوهية ، إذ لا طاقة للتحدث على حمل القديم.
الفتوحات ج 1 /  77 -  ج 2 / 472 - ج 3 / 280 ، 286 - ج 4 / 289 .
 
واعلم أن الله تعالی ما تجلى لك إلا في صورة علمه بك ولا كان عالما بك إلا منك. وأنت بذاتك أعطيته العلم بك، فإن الصورة تنقلب عليك إلى ما لا نهاية له، وتتقلب فيها أنت ، وتظهر بها إلى ما لا نهاية فيه .
ولكن حالا بعد حال ، انتقالا لا يزول؛ وقد علمك تعالى في هذه الصور على عدم تناهيها ، فيتجلى لك في صورة لم يبلغ وقت ظهورك بها .
لأنك مقيد وهو غير مقيد ، بل قيده إطلاقه ، وإنما يفعل هذا مع عباده ليظهر لهم في حال النكرة ، ولهذا ينكرون .
إلا العارفون بهذا المقام فإنهم لاينكرونه في أي صورة ظهر فإنهم قد حفظوا الأصل وهو أنه ما يتجلى لمخلوق إلا في صورة المخلوق ، إما التي هو عليها في الحال فيعرفه أو ما يكون عليه بعد ذلك فينكره.
حتى يرى تلك الصورة قد دخل فيها فحينئذ يعرفه ، فإن الله عليه وعام ما يؤول إليه ، والمخلوق لا يعلم من أحواله إلا ما هو عليه في الوقت ، و من عباد الله من يعلم ذلك إذا رأى الحق في صورة لا يعرفها .
علم بحكم الوطن وما عنده من القبول أنه ما تجلى له إلا في صورة هي له وما وصل وقتها ، فعلمها قبل أن يدخل فيها ، فهذا من الزيادة في العلم التي زادها الله ، فشكر الله الذي عرفه من موحان الإنكار .
الفتوحات ج 4 / 109 ، 110
وصاحب الرؤيا إذا رأى ربه تعالی کفاحة في منامه في أي صورة يراه يقول رأيت ربي في صورة كذا وكذا و يصدق ، ويصدق مع قوله تعالی «لیس کمثله شيء » .
 
 
ص 192
 
فنفى عنه المماثلة في قبوله التجلي في الصور كلها التي لا نهاية لها لنفسه .
فإن كل من سواه تعالی ممن له التجلي في الصور لا يتجلى في شيء منها لنفسه ، وإنما يتجلى فيها بمشيئة خالقه وتكوينه ، فيقول للصورة التي يدخل فيها من هذه صفته کن فتكون الصورة فيظهر بها من له هذا القبول إذا شاء الحق .
قال تعالى : " في أي صورة ما شاء ركبك "، فجعل التركيب الله لا له ، وفي نسبة الصورة لله تعالى يقال في أي صورة شاء ظهر من غير جعل جاعل ، فلا يلتبس عليك الأمر في ذلك .
ولما لم يكن له تعالی ظهور إلى خلقه إلا في صورة ، وصوره مختلفة في كل تجل ، لا تتكرر صورة ، فإنه سبحانه لا يتجلى في صورة مرتين ، ولا في صورة واحدة لشخصين.
فإن الآية من كتاب الله ترد واحدة العين على الأسماع ، فسامع يفهم منها أمرا وسامع آخر لا يفهم منها ذلك الأمر ويفهم منها أمرا آخر .
وآخر يفهم منها أمورا كثيرة ، ولهذا يستشهد كل واحد من الناظرين فيها بها لاختلاف استعداد الأفهام .
وهكذا في التجليات الإلهية ، فالمتجلي من حيث هو في نفسه واحد العين ، واختلفت التجليات أعني صورها بحسب استعدادات المتجلى لهم .
ولما كان الأمر كذلك لم ينضبط للعقل ولا للعين على ما هو الأمر عليه ، وهذا هو التوسع الإلهي الذي لا ينحصر ولا يدخل تحت الحد فیضبطه الفكر .
ولا يمكن للعقل تقييده بصورة ما من تلك الصور ، فإنه ينتقض له ذلك الأمر في التجلي الآخر بالصورة الأخرى ، وهو الله في ذلك كله .
لا يشك ولا يرتاب ، إلا إذا تجلى له في غير معتقده فإنه يتعوذ منه كما ورد في صحيح الأخبار .
فيعلم أن ثم في نفس الأمر عينا تقبل الظهور في هذه الصور المختلفة لا يعرف لها ماهية أصلا ولا كيفية ، وإذا حكم ولابد بكيفية فيقول : الكيفية ظهورها فيما شاء من الصور فتكون الصور مشاءة .
فالعارفون أهل الله علموا أن الله لا يتجلى في صورة واحدة لشخصين ولا في صورة واحدة مرتين.
فلم ينضبط لهم الأمر، لما كان لكل شخص تجلي يخصه ، ورآه
 
ص 193
 
الإنسان من نفسه ، فإنه إذا تجلى له في صورة ثم تجلى له في صورة غيرها ، فعلم من هذا التجلي ما لم يعلمه من هذا التجلي الآخر من الحق ، هكذا دائما في كل تجلي.
علم أن الأمر في نفسه كذلك في حقه وحق غيره ، فلا يقدر أن يعين في ذلك اصطلاحا تقع به الفائدة بين المتخاطبين ، فهم يعلمون ولا ينقال ما يعلمون .
ولا في قوة أصحاب هذا المقام الأبهج الذي لا مقام في الممكنات أعلى منه .
أن يضع عليه لفظا يدل على ما علمه منه ، إلا ما أوقعه تعالى وهو قوله تعالى: « ليس كمثله شيء » فنفى المماثلة .
فما صورة يتجلى فيها لأحد تماثل صورة أخرى .
فتوحات ج 1 / 287 - ج 3 / 384 - ج 4 / 19 - کتاب التنزلات الموصلية .
 
8 - ط۔ - خلاصة بحث التجلي:
يقول الشيخ في مشاهدة مشهد البيعة الإلهية على لسان الحق :
إني وإن احتجبت فهو تجل لا يعرفه كل عارف ، إلا من أحاط علما بما أحطت به من المعارف .
ألا تراني أتجلى لهم في القيامة في غير الصورة التي يعرفونها والعلامة فينكرون ربوبيتي ومنها يتعوذون و بها يتعوذون ، ولكن لا يشعرون .
ولكنهم يقولون لذلك المتجلي « نعوذ بالله منك وها نحن لربنا منتظرون » .
فحينئذ أخرج عليهم في الصورة التي لديهم ، فيقرون لي بالربوبية ، وعلى أنفسهم بالعبودية.
فهم لعلامتهم عابدون، وللصورة التي تقررت عندهم مشاهدون، فمن قال منهم انه عبدني فقوله زور وقد باهتني (يعني بقوله نعوذ بالله منك).
وكيف يصح منه ذلك وعندها تجلیت له أنكرني ، فمن قيدني بصورة دون صورة، فتخيله عبد وهو الحقيقة الممكنة في قلبه المستورة .
فهو يتخيل أنه يعبدني وهو يجحدني، والعارفون ليس في الإمكان خفائي عن أبصارهم ، لأنهم غابوا عن الخلق وعن أسرارهم ، فلا يظهر لهم عندهم سوائي، ولا يعقلون من الموجودات سوى أسمائي ، فكل شيء ظهر لهم وتجلى .
قالوا أنت المسبح الأعلى .
فتوحات ج 1 / 49
 
ص 194
 
 
مع الأنفاس.
«في خلق جديد» في عين واحدة، فقال في حق طائفة، بل أكثر العالم، «بل هم في لبس من خلق جديد». "10" 
فلا يعرفون تجديد الأمر مع الأنفاس.

...........................................

10 -  « بل هم في لبس من خلق جديد» الآية
هذا في مفهوم العموم النشأة الآخرة ، وقد يتناهى الأمر في نوع خاص كالإنسان فإن أشخاص هذا النوع متناهية ، لا أشخاص العالم ، ولا يتناهى أيضا في خلق أشخاص النوع الإنساني .
فعين كل شخص يتجدد في كل نفس لابد من ذلك ، ففي مفهوم الخصوص تجدد النشأة في كل نفس دنیا وآخرة ، فإن أدناه تغير الحال مع الأنفاس .
فلا يزال الحق فاعلا في الممكنات الوجود ، ولولا تبديل الخلق مع الأنفاس الوقع المال في الأعيان ، فالخلق جدید حيث كان دنیا و آخرة ، فدوام الإيجاد لله تعالی.
ومن المحال بقاء حال على عين تفسين أو زمانين ، للاتساع الإلهي ، ولبقاء الافتقار على العالم الى الله ، فالتغيير له واجب في كل نفس ، والله خالق فيه في كل نفس ، فالأحوال متجددة مع الأنفاس على الأعيان .
فنحن في خلق جدید بین وجود وانقضاء فأحوال تتجدد على عين لا تتعدد بأحكام لا تنفد، فهذا الخلق الجديد الذي أكثر الناس منه في لبس وشك، وما هو إلا الاستحالة، فإن العالم كله محصور في ثلاثة أسرار، جوهره وصوره والاستحالة.
وما ثم أمر رابع ، فلا يزال العالم يستحيل دائما من الدنيا إلى الآخرة ، والآخرة بعضها إلى بعض ، كما استحال منها ما استحال إلى الدنيا .
كما ورد في الخبر في النيل والفرات وسيحان وجيحان أنها من أنهار الجنة، ثم تستحيل إلى البرزخ ، وإذا استحلنا من البرزخ إلى الصور التي يكون فيها النشر والبعث ، سميت تلك الآخرة .
ولا يزال الأمر في الآخرة في خلق جديد، منها فيها، أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، إلى ما لا يتناهی، فلا نشاهد في الآخرة إلا خلقا جديدا في عين واحدة، فالعالم متناه لا متناه.
ومن ذلك تعلم أن العالم لا يخلو في كل نفس من الاستحالة، ولولا أن عين الجوهر من الذي يقبل هذه الاستحالة في نفسه واحد ثابت، لا يستحيل من جوهره.
ما علم حين يستحيل إلى أمر ما ما كان عليه من الحال قبل تلك الاستحالة، غير أن الاستحالات قد يخفى
 
ص 195
 
 
لكن قد عثرت عليه الأشاعرة في بعض الموجودات وهي الأعراض، وعثرت عليه
...............................................

بعضها ويدق ، وبعضها يكون ظاهرا تحس به النفس .
أمر الله تبارك وتعالى نبيه مع أن يقول « رب زدني علما » أي أرفع عني اللبس الذي يحول بيني وبين العلم بالخلق الجديد ، فيفوتني خير كثير حصل في الوجود لا أعلمه ، والحجاب ليس إلا التشابه والتماثل .
ولولا ذلك لما التبس على أحد الخلق الجديد الذي لله في العالم في كل نفس بكل شأن ، فقوله تعالی: " بل هم في لبس من خلق جدید" .
أي أنهم لا يعرفون أنهم في كل لحظة في خلق جدید ، فما يرونه في اللحظة الأولى ما هو عين ما يرونه في اللحظة الثانية، وهم في لبس من ذلك .
وبذلك يكون الافتقار للخلق دائما وأبدا ، ويكون الحق خالقا حافظا على هذا الوجود فانظر فديتك فيما قد أتيت به   .....   فالعلم يدرك ما لا يدرك البصر
فرجال العلم أولى بالعبر   .....   ورجال العين أولى بالنظر
فالذي يوصف بالعقل له   .....   قوة تخرجه عن البصر
والذي يوصف بالكشف له   .....   صورة تسمو على كل الصور
فتراه دائما في حاله   .....   ظاهرا من غير إلى غير
 
والخلق ما سمي خلقا إلا بما خلق منه ، فالخلق جديد، وفيه حقيقة اختلاق ، لأنها تنظر إليه من وجه فتقول هو حق ، وتنظر إليه من وجه فتقول هو خلق ، وهو في نفسه لا حق ولا غير حق .
فإطلاق الحق عليه والخلق كأنه اختلاق ، فغلب عليه هذا الحكم فسمي خلقا ، وانفرد الحق باسم الحق ، إذ كان له وجوب الوجود لنفسه .
وكان للخلق وجوب الوجود به ، فالحق للوجود المحض ، والخلق للإمكان المحض ، فما ينعدم من العالم ويذهب من صورته فيما يلي جانب العدم .
وما يبقى منه ولا يصح فيه عدم فما يلي جانب الوجود ، ولا يزال الأمران حاکمين على العالم دائما .
فالخلق جديد في كل نفس دنيا وآخرة ، ونفس الرحمن لا يزال متوجها والطبيعة لا تزال تتكون صورا لهذا النفس ، حتى لا يتعطل الأمر الإلهي .
 
ص 196
 
 
الحسبانية  في العالم كله. "11"
وجهلهم أهل النظر بأجمعهم.
ولكن أخطأ الفريقان: أما خطأ الحسبانية فبكونهم ما عثروا مع قولهم بالتبدل في العالم بأسره على أحدية عين الجوهر الذي قبل هذه الصورة ولا يوجد إلا بها كما لا تعقل إلا به.
فلو قالوا بذلك فازوا بدرجة التحقيق في الأمر.
وأما الأشاعرة فما علموا أن العالم كله مجموع أعراض فهو يتبدل في كل زمان إذ العرض لا يبقى زمانين.
ويظهر ذلك في الحدود للأشياء، فإنهم إذا حدوا الشيء تبين في حدهم كونه الأعراض، وأن هذه الأعراض المذكورة في حده عين هذا الجوهر وحقيقته القائم بنفسه.
ومن حيث هو عرض لا يقوم بنفسه.
فقد جاء من مجموع ما لا يقوم بنفسه من يقوم بنفسه كالتحيز في حد الجوهر القائم بنفسه الذاتي وقبوله للأعراض حد له ذاتي.
ولا شك أن القبول عرض إذ لا يكون إلا في قابل لأنه لا يقوم بنفسه: وهو ذاتي للجوهر.
والتحيز عرض لا يكون إلا في متحيز، فلا يقوم بنفسه.
وليس التحيز عرض لا يكون إلا في متحيز، فلا يقوم بنفسه.
وليس التحيز والقبول بأمر زائد على عين الجوهر المحدود لأن الحدود الذاتية هي عين المحدود و هويته، فقد صار ما لا يبقى زمانين يبقى زمانين وأزمنة وعاد ما لا يقوم بنفسه يقوم بنفسه.
ولا يشعرون لما هم عليه، وهؤلاء هم في لبس من خلق جديد.
وأما أهل الكشف فإنهم يرون أن الله يتجلى في كل نفس ولا يكرر التجلي، و يرون أيضا شهودا أن كل تجل يعطي خلقا جديدا و يذهب بخلق.
فذهابه هو عين الفناء عند التجلي و البقاء لما يعطيه التجلي الآخر فافهم. "12"
.........................................................


إذ لا يصح التعطيل ، فصور تحدث وصور تظهر بحسب الاستعدادات لقبول النفس الرحماني إلى ما لا يتناهی .
راجع فتوحات ج 1 / 461 - ج 2 / 427 - ج  3 / 253 ، 288 ، 362 ، 395 ، 506 - ج 4 / 22 ، 279 ، 280 .
 
11 - طائفة الحسبانية
طائفة الحسبانية تقول إن أولية العالم و آخريته أمر إضافي إن كان له آخر .
أما في الوجود فله آخر في كل زمان فرد ، وتقول بتجدد الأعيان والعالم في كل زمان فرد .
فتوحات  ج 1 / 189 - ج 2 / 398 - ج 4 / 22 ، 365 ، 379.
 
12 - راجع أنواع التجلي ص 188 والخلق الجديد ص 195
 
ص 197
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 13 - فص حكمة ملكية في كلمة لوطية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2019 10:26 pm

13 - فص حكمة ملكية في كلمة لوطية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الجزء الأول

13 - فص حكمة ملكية في كلمة لوطية

قال الشيخ رضي الله عنه : ( الملك الشدة والمليك الشديد: يقال ملكت العجين إذا شددت عجينه.  قال قيس بن الحطيم يصف طعنة:
ملكت بها كفي فانهرت فتقها ... يرى قائم من دونها ما وراءها)
.........................................................
1 -  هذا الفص يبحث في الهمة المؤثرة وهي التصرف ، وعدم إطلاقها من الرسل صلوات الله عليهم وسلامه ومن الأولياء الكمل ، وذلك لكمال المعرفة بأن العلم تابع للمعلوم، واستشهد الشيخ على ذلك بفعل لوط عليه السلام .
وبقول أبي السعود الشبلي لمحمد بن قائد الأواني ، وكذلك ما ذكره عن أبي مدين ، فتصرف الأولياء بالهية لا يكون إلا عن أمر إلهي وجبر لا اختيار .
وفي هذا يقول الشيخ رضي الله عنه « إن أكابر الرجال مع معرفتهم بما خلقوا له ، لو وقفوا مع التكوين قوبلوا ، ولكنهم تركوا الحق يتصرف في خلقه كما هو في نفس الأمر ، وأبوا أن يكونوا محلا الظهور التصريف ، وإن ظهر عليهم من ذلك شيء ، فما هو عن قصد منهم لذلك ، ولكن أجراه الله لهم وأظهره عليهم الحكمة علمها الحق ، وهؤلاء عن ذلك بمعزل .
وأما أن يقصدوا ذلك فلا يتصور منهم إلا أن يكونوا مأمورين کالرسل عليهم السلام، فذلك إلى الله، وهم لا يعصون الله ما أمرهم ، فإنهم معصومون مع إضافة الأفعال إليهم وإن ظهرت منهم ، فيقولون هي للظاهر من أسمائه في مظاهره ، فما لنا وللدعوى، ونحن لا شيء في حال كوننا مظاهر له ، وفي غير هذه الحال .
والمناسبة بين تسمية هذه الحكمة « بالملكية » وبين لوط عليه السلام هي قوله « أو آوي إلى ركن شدید » والشدة في اللغة الملك كما هو واضح في أول الفص ، ولا يمتنع من التصرف مع القدرة عليه إلا كل قوی شديد .
راجع فتوحات  ج 2 / 96 . 
 
ص 198
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (أي شددت بها كفي يعني الطعنة. فهو قول الله تعالى عن لوط عليه السلام: «لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد».
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله أخى لوطا: لقد كان يأوي إلى ركن شديد.
فنبه صلى الله عليه وسلم أنه كان مع الله من كونه شديدا.
والذي قصد لوط عليه السلام القبيلة بالركن الشديد: والمقاومة بقوله «لو أن لي بكم قوة» وهي الهمة هنا من البشر خاصة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه عليه السلام «أو آوي إلى ركن شديد» ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه، فكان يحميه قبيله كأبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقوله «لو أن لي بكم قوة» لكونه عليه السلام سمع الله تعالى يقول «الله الذي خلقكم من ضعف» بالأصالة، "ثم جعل من بعد ضعف قوة" فعرضت القوة بالجعل فهي قوة عرضية، «ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة» فالجعل تعلق بالشيبة، وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله خلقكم من ضعف، "2" فرده لما خلقه منه كما قال «يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا».
فذكر أنه رد إلى الضعف الأول فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف.
وما بعث نبي إلا بعد تمام الأربعين وهو زمان أخذه في النقص والضعف.
فلهذا قال «لو أن لي بكم قوة» )
.........................................................
2 -  قوله تعالى « الله الذي خلقكم من ضعف ... » الآية
خلقنا الله من ضعف وما خلقنا إلا عليه ، فما أنشأ العالم إلا منه وعليه ، فخلق الإنسان فقيرا إلى ربه مسکینا ظاهر الضعف والحاجة ، بلسان الحال والمقال . وهكذا الطفل عند ولادته لا يقدر على القيام ، فهو طريح قريب إلى أصله وهو الأرض ، وكذا المريض الذي لا يقدر على القيام والقعود ويبقى طريا لضعفه ، وهو رجوعه إلى أصله ، فالضعف أصل الإنسان لكونه مسکنا .
والممكن لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الترجيح على كل حال ، ثم جعل الله له قوة عارضة وهو قوله « ثم جعل من بعد ضعف قوة » لما نقلنا من حال الطفولة الى حال الشباب والتكليف ؛ فهي قوة الشباب ، وذلك حال الفترة وفيها يسمى فتى ، وما قرن معها شيئا من الضعف.
فإن الفتوة ليس فيها شيء من الضعف ، إذ هي حالة بين الطفولة والكهولة وهو عمر الإنسان من زمان بلوغه إلى تمام الأربعين من ولادته .
إلا أنه مع هذه القوة لا يستقل ، فأمر بطلب المعونة ، فالضعف هو أول العالم وآخره فإنا ما وجدنا
 
ص 199
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (مع كون ذلك يطلب همة مؤثرة.
فإن قلت وما يمنعه من الهمة المؤثرة وهي موجودة في السالكين من الاتباع، والرسل أولى بها؟
قلنا صدقت: ولكن نقصك علم آخر، وذلك أن المعرفة لا تترك للهمة تصرفا.
فكلما علت معرفته نقص تصرفه بالهمة، وذلك لوجهين:
الوجه الواحد لتحققه بمقام العبودية ونظره إلى أصل خلقه الطبيعي،
والوجه الآخر أحدية المتصرف والمتصرف فيه: فلا يرى على من يرسل همته فيمنعه ذلك.
وفي هذا المشهد يرى أن المنازع له ما عدل عن حقيقته التي هو عليها في حال ثبوت عينه وحال عدمه.
فما ظهر في الوجود إلا ما كان له في حال العدم في الثبوت، )
.........................................................
 
للقوة ذكرا في الأول ولا في الآخر ، بل جاءت في الوسط ، وهي محل الدعوى الواقعة من الإنسان .
وإذا نظرنا في معنى الضعف الذي خلقنا منه لوجدناه عدم الاستقلال بالإيجاد ، فشرع لنا الاستعانة به في الاقتدار ، ثم جعل لنا قوة غير مستقلة ، فإنه لولا أن للمكلف نسبة وأثرا في العمل ما صح التكليف .
ولا صح طلب المعونة من ذي القوة المتين ، فهو وإن خلقنا من ضعف فإنه جعل فينا قوة لولاها ما كلفنا بالعمل والترك .
لأن الترك منع النفس من التصرف في هواها ، وبهذا عمت القوة العمل والترك ، ثم رد الله تعالى الإنسان إلى أصله من الضعف ، فإن القوة لله جميعا ، والعبد موطنه الضعف والعبودية .
والضعف مرتبته ، فإنه خلق من ضعف ابتداء ورد إلى الضعف انتهاء ، فقال عز وجل « ثم جعل من بعد قوة » أي قوة الشباب « ضعفا » يعني ضعف الكهولة إلى آخر العمر .
وما هو ضعف ثان من أجل ما تكره ، فهو رجوع إلى الضعف الأول ، فكان الضعف الثاني رجوعا إلى الأصل فسمى هرما .
وهذا الضعف الأخير إنما أعده الله لإقامة النشأة الآخرة عليه، كما قامت النشأة الدنيا على الضعف ، وإنما كان هذا ليلازم الإنسان ذاته الذلة والافتقار وطلب المعونة والحاجة إلى خالقه .
ثم قال تعالى « وشيبة » الشيب للشيخوخة « وشيبة » يعني وقارة أي سكونا نضعفه عن الحركة ، فإن الوقار من الوقر وهو الثقل ، فقرن مع هذا الضعف الثاني الشيبة التي هي الوقار ، فإن الطفل وإن كان ضعيفا فإنه متحرك جدا.
 راجع الفتوحات ج 1 / 241 ، 275 - ج 2 / 29 - ج 3 / 379 - ج 4 / 11 ، 281 ، 282.
 
ص 200
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فما تعدى حقيقته ولا أخل بطريقته. فتسمية ذلك نزاعا إنما هو أمر عرضي أظهره الحجاب الذي على أعين الناس كما قال الله فيهم «ولكن أكثر الناس لا يعلمون: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون»: وهو من المقلوب فإنه من قولهم «قلوبنا غلف».
أي في غلاف وهو الكن الذي ستره عن إدراك الأمر على ما هو عليه. فهذا وأمثاله يمنع العارف من التصرف في العالم قال الشيخ ).
.........................................................
3 - الهمة 
الهمة وهي الصدق أن يريد الشيء فيمتثل المراد بين يديه على ما أراد من غير زيادة ولا نقصان ، فإذا أراد الإنسان أن يختبر نفسه فلينظر هل له فعل بالهمة المجردة فيما شأنه أن لا يفعل إلا بالكلام أم لا ؟ 
فإن أثر وحصل المقصود فهو صامت حقيقة ، مثل أن يريد أن يقول لخادمه « اسقني ماء » أو « آتني بطعام » أو « سر إلى فلان فقل له كذا وكذا ، ولا يشير إلى الخادم بشيء من هذا كله ، فيجد الخادم في نفسه ذلك كله ، بأن يخلق الله في سمع الخادم عن ذلك .
يقول فلان قال لي افعل كذا وكذا يسمع ذلك حسيا بأذنه ، ولكن يتخيل أنه صوت ذلك الصامت ، وليس كذلك ، فمن ليست له هذه الحالة ، فلا يدعى أنه صامت ، وهذا مما غلط فيه جماعة من أهل الطريق .
فسن نصح نفسه فقد أقمنا له میزان هذا المقام الذي يزنه به حتى لا يلتبس عليه الأمر ، وهذا لا يكون إلا للإلهيين المحسنين لا لغيرهم من المؤمنين والمسلمين الذين لم يحصل لهم مقام الإحسان .
وليس الفعل بالهمة في الدنيا لكل أحد، وقد كان ذلك في الدنيا لغير الولي کصاحب العين أو الغرانية بإفريقيا من تأثير الصدق فمشهود في أشخاص ما لهم المكانة من أسباب السعادة التي جاءت بها الشرائع ولكن لهم القدم الراسخ في الصدق، ولكن الفعل بالهمة ما يكون بسرعة تكوين الشيء بالهمة في الدار الآخرة .
وهذا في الدنيا نادر شاذ كقضيب البان وغيره ، وهو في الدار الآخرة للجميع ، فأصحاب الآثار قد يكونون أولياء ، وقد تكون تلك الآثار الكونية عن موازين معلومة عندنا ، وعند من يعرف همم النفوس وقدرتها وانفعال أجرام العالم لها.
ومن خالط الغرانية ورأى ما هم عليه من عدم التوفيق مع كونهم يقتلون بالهمة ويعزلون ويتحكمون لقوة
 
ص 201
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( أبو عبد الله بن قايد للشيخ أبي السعود بن الشبل لم لا تتصرف؟
فقال أبو السعود تركت الحق يتصرف لي كما يشاء: يريد قوله تعالى آمرا «فاتخذه وكيلا» فالوكيل هو المتصرف ولا سيما وقد سمع الله تعالى يقول: «وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه».
فعلم أبو السعود والعارفون أن الأمر الذي بيده ليس له وأنه مستخلف فيه.
ثم قال له الحق هذا الأمر الذي استخلفتك فيه وملكتك إياه: اجعلني واتخذني وكيلا فيه، فامتثل)
.........................................................
هممهم ، وأيضا لما في العالم من خواص الأسماء التي تكون عنها الآثار والتكوينات عند من يكون عنده علم ذلك مع كون ذلك الشخص مشرکا بالله .
فمن الناس من يكون عالما بخواص الأسماء ، فيظهر بها الآثار العجيبة والانفعالات الصحيحة ، ولا يقول إن ذلك عن أسماء عنده ، وإنما يظهر ذلك عند الحاضرين أنه من قوة الحال والمكانة عند الله والولاية الصادقة وهو كاذب ، فما هو من خصائص أولياء الله تعالی التأثير في الكون .
يقول لوط عليه السلام لقومه « لو أن لي بكم قوة » أي همة فعالة ، فمن كان الحق قواه فلا همة تفعل فعل من هذه صفته ، لكن الأمر لا يكون إلا ما سبق به الكتاب ، وهو عليه السلام من أعلم الناس بالله .
ويعلم أنه ما يكون إلا ما سبق به الكتاب، ولا كتب تعالى إلا ما هو المعلوم عليه، فلا تبديل لكلمات الله، وما يبدل القول لديه، وما هو بظلام للعبيد، فلا يقع إلا ما هو الأمر عليه، قال تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"، فإنه لما كان سبب الجهاد أفعالا تصدر من الذين أمرنا بقتالهم وجهادهم .
وتلك الأفعال أفعال الله خلقا وتقديرا ، فما جاهدنا إلا فيه ولكن بامتثال أمره .
قال « لنهدينهم سبلنا » التي قال فيها : " ولا تتبعوا السبل فتفرق بکم عن سبيله" ، يعني السبيل التي لكم فيها السعادة ، وسبيل السعادة هي المشروعة ، فبين لنا سبلها فندخلها ، فلا نرى مجاهدأ ولا مجاهدا فيه إلا الله .
فكان قوله تعالی « لنهدينهم سبلنا » أي تبين لهم حتى يعلموا فيمن جاهدوا ، ولذلك تسم الآية بقوله « وإن الله لمع المحسنين » والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإذا رأيته علمت أن الجهاد كان منه وفيه . 
راجع فتوحات ج 1 / 359 - ج 2 / 148 ، 180 ، 385 ، 388 ، 667 - ج 4 / 35
 
ص 202
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( أبو السعود أمر الله فاتخذه وكيلا.
فكيف يبقى لمن يشهد هذا الأمر همة يتصرف بها، والهمة لا تفعل إلا بالجمعية التي لا متسع لصاحبها إلى غير ما اجتمع عليه؟
وهذه المعرفة تفرقه عن هذه الجمعية. فيظهر العارف التام المعرفة بغاية العجز والضعف.
قال بعض الأبدال للشيخ عبد الرزاق رضي الله عنه : قل للشيخ أبي مدين بعد السلام عليه يا أبا مدين لم لا يعتاص علينا شيء وأنت تعتاص عليك الأشياء: ونحن نرغب في مقامك وأنت لا ترغب في مقامنا؟
وكذلك كان مع كون أبي مدين رضي الله عنه كان عنده ذلك المقام وغيره: ونحن أتم في مقام الضعف والعجز منه. )
.........................................................
4 - يروى أنه لما اجتمع محمد بن قائد الأواني و كان من الأفراد بأبي السعود 
قال له « يا أبا السعود إن الله قسم المملكة بيني وبينك ، فلم لا تتصرف فيها كما أتصرف أنا ؟ ".
فقال له أبو السعود: " يا ابن قائد وهبتك سهمی ، نحن تركنا الحق تصرف لنا"
 وهو قوله تعالى: « فاتخذه وكيلا » فامتثل أمر الله وأنصف سید الطائفة عاقل زمانه ، المنصف بحاله أبو السعود بن الشيلي .
في قوله : « نحن تركنا الحق يتصرف لنا » فلم يزاحم الحضرة الإلهية .
وكان يقول : «إني أعطيت التصرف في العالم منذ خمس عشرة سنة فتركته تطرفا، وما ظهر علي منه شيء » يريد لم يكن غرضنا المزاحمة بل الله الأمر من قبل ومن بعد، وشغلي بعبوديتي أولى من ظهوري بخلعته ، هي لمن تجب له لا لي ، فمن وقف مع الأصول كان أكمل في المعرفة ممن حجبته هذه الخلع الإلهية ، وما يتخذ الحق وكيلا إلا من كان الحق قواه وجوارحه ، إذ يستحيل تبدل الحقائق ، فالعبد عبد و الرب رب ، والحق حق ، والخلق خلق .
 
فكان أبو السعود من اللامية ، وهم أعظم طبقة في الرجال ما يظهر عليهم شيء من التصرف في الأسماء الإلهية ، فهم والعامة في ظهور العجز وظاهر العوائد سواء . 
فتوحات ج 1 / 187 ، 581 - ج 2 / 370 - ذخائر الأخلاق.
 
5 - هو قوله رضي الله عنه لأصحاب علم الحروف " لولا أني آليت عقدا أن لاظهر مني أثر عن حرف لأريتهم من ذلك عجبا " .
وقوله رضي الله عنه : « إني ما أعرف اليوم في علمي من تحقق بمقام العبودية أكثر مني ، وإن كان ثم فهو مثلي ، فإني بلغت من العبودية غايتها ، فأنا العبد المحض الخالص لا أعرف للربوبية طعما ».
فتوحات ج 1 / 349 - ج 2 / 300 .
 
ص 203 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ومع هذا قال له هذا البدل ما قال. وهذا من ذلك القبيل أيضا.
وقال صلى الله عليه وسلم في هذا المقام عن أمر الله له بذلك «ما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي».
فالرسول بحكم ما يوحى إليه به ما عنده غير ذلك.
فإن أوحي إليه بالتصرف بجزم تصرف: وإن منع امتنع، وإن خير اختار ترك «6» التصرف إلا أن يكون ناقص المعرفة.
قال أبو السعود لأصحابه المؤمنين به إن الله أعطاني التصرف منذ خمس عشرة سنة وتركناه تظرفا. هذا لسان إدلال.
وأما نحن فما تركناه تظرفا وهو تركه إيثارا وإنما تركناه لكمال المعرفة، فإن المعرفة لا تقتضيه بحكم الاختيار.
فمتى تصرف العارف بالهمة في العالم فعن أمر إلهي وجبر لا باختيار.
ولا نشك أن مقام الرسالة يطلب التصرف لقبول الرسالة التي جاء بها، فيظهر عليه ما يصدقه عند أمته وقومه ليظهر دين الله. والولي ليس كذلك.
ومع هذا فلا يطلبه الرسول في الظاهر )
.........................................................
6 -  مخالفة لأصول الشيخ *
ما جاء في هذه الفقرة يخالف ما أصله الشيخ فهو القائل : نهايات الأولياء بدايات الأنبياء ، فلا ذوق للولي في حال من أحوال أنبياء الشرائع ، وقوله : الرسل أعلم الخلق بالله .
فلا يصح أن يكون ما جاء في هذه الفقرة من كلام الشيخ رضي الله عنه فيحكم على رسول من الرسل في تصرفه بأنه ناقص المعرفة .

"" التعقيب على الإستاذ محمود محمود الغراب رحمه الله :
الإستاذ محمود فهم كلام الشيخ الأكبر ابن العربي من وجه دون الوجوه الآخرى وحصره في اتجاه واحد فقط وهو ما فهمه واعتقده دون غيره مع أنه أوضح وأكثر سطوعا من شمس الظهيرة  ومنه مثال واحد فقط يكفيك دليلا :
اين ذوق رسول الله موسى وهو من أولي العزم من الرسل ولا جدال من ذوق الخضر عليهما السلام ؟؟؟؟
فرسول الله موسى لم يكن على علم مطلق بما يعلمه الخضر ولا ذوق له فيه عليهما السلام  
في حين ان الخضر فيما يعلم ان رسول الله موسي لاذوق ولا علم له فيما يعلم  
لقوله تعالى : " قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا " سورة الكهف.

إيضاح لعبارة الشيخ ابن العربي رضي الله عنه  الله عنه :
"لا ذوق الأحد في ذوق الرسل. فلا ذوق للولي في حال من أحوال أنبياء الشرائع، ومن أصولنا أنا لا تتكلم إلا عن ذوق، ونحن لسنا برسل ولا أنبياء شريعة."
يقصد به الشيخ فيما ارسلوا به من شرائع لقومهم وهو أمر خاص لهم مع شرائع قومهم فهم أعلي ذوق فيما ارسلوا به من تجليات وامداد الله لهم.
اما فيما يعلمه الله تعالي ولم يعلمهم إياه وعلمه احد من عباده فهو اعلى من اى بشر آخر به والدليل شهادة الله تعالى على ذلك كما جاء بالآيات بعاليه.""

راجع فص 9 هامش 4 ص 131 – فص 10 هامش 18 ص 150

.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد نوفمبر 24, 2019 10:50 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 13 - فص حكمة ملكية في كلمة لوطية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2019 10:27 pm

13 - فص حكمة ملكية في كلمة لوطية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الجزء الثاني

13 - فص حكمة ملكية في كلمة لوطية

7 - الكرامات وخوارق العادات
ما ظهر من الحال على الرسل فهو على جهة الدلالة على صدقه ليشرع لأمنه ، والوارث داع لما قرره الرسول وليس بمشرع فلا يحتاج إلى ظهور الحال كما احتاج إليه المشرع .
فالوارث يحفظ بقاء الدعوة في الأمة عليها وما حظه إلا ذلك ، حتى إن الوارث لو أتي بشرع ، ولا يأتي به ، ولكن لو فرضناه ما قبلته منه الأمة ، فلا فائدة الظهور الحال إذا لم يكن القبول كما كان للرسول ، فخرق العوائد واجب سترها على الأولياء .
كما أن إظهارها واجب على الأنبياء لكونهم مشرعين ، وما أظهر الله على الأولياء من الأحوال فذلك إلى الله لا عن تعمل ولا قصد من العبد .
فإن المكر الإلهي في خصوص الخصوص هو في إظهار الآيات وخوارق العوائد من غير أمر ولا حد.
 
فتوحات ج 2 / 531 - ج 3 / 36 ، 458 
 
ص 204
قال الشيخ رضي الله عنه : ( لأن للرسول الشفقة على قومه، فلا يريد أن يبالغ في ظهور الحجة عليهم، فإن في ذلك هلاكهم:
فيبقي عليهم. وقد علم الرسول أيضا أن الأمر المعجز إذا ظهر للجماعة منهم من يؤمن عند ذلك ومنهم من يعرفه ويجحده ولا يظهر التصديق به ظلما وعلوا وحسدا، ومنهم من يلحق ذلك بالسحر والإبهام.
فلما رأت الرسل ذلك وأنه لا يؤمن إلا من أنار الله قلبه بنور الإيمان:
ومتى لم ينظر الشخص بذلك النور المسمى إيمانا فلا ينفع في حقه الأمر المعجز. فقصرت الهمم عن طلب الأمور المعجزة لما لم يعم أثرها في الناظرين ولا في قلوبهم كما قال في حق أكمل الرسل وأعلم الخلق وأصدقهم في الحال «إنك لا تهدي من أحببت "ولكن الله يهدي من يشاء".
ولو كان للهمة أثر ولا بد، لم يكن أحد أكمل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أعلى ولا أقوى همة منه، وما أثرت في إسلام أبي طالب عمه، وفيه نزلت الآية التي ذكرناها:
ولذلك قال في الرسول إنه ما عليه إلا البلاغ، وقال «ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء».
وزاد في سورة القصص «وهو أعلم بالمهتدين» أي بالذين أعطوه العلم بهدايتهم في حال عدمهم بأعيانهم الثابتة.
فأثبت أن العلم تابع للمعلوم. فمن كان مؤمنا في ثبوت عينه وحال عدمه ظهر بتلك الصورة في حال وجوده.
وقد علم الله ذلك منه أنه هكذا يكون، فلذلك قال «وهو أعلم بالمهتدين».
فلما قال مثل هذا قال أيضا «ما يبدل القول لدي» لأن قولي على حد علمي في خلقي، «وما أنا بظلام للعبيد» أي ما قدرت عليهم الكفر الذي يشقيهم ثم طلبتهم بما ليس في وسعهم أن يأتوا به.
بل ما عاملناهم إلا بحسب ما علمناهم، وما علمناهم إلا بما أعطونا من نفوسهم مما هم عليه، فإن كان ظلم فهم الظالمون.
ولذلك قال «ولكن كانوا أنفسهم يظلمون». فما ظلمهم الله. "8"
كذلك ما قلنا لهم إلا ما أعطته ذاتنا أن نقول لهم، وذاتنا معلومة لنا بما هي عليه من أن نقول كذا ولا نقول كذا.
فما قلنا إلا ما علمنا أنا نقول، فلنا القول منا، "9"
ولهم الامتثال وعدم الامتثال مع السماع منهم ) "10"
.........................................................
8 - العلم تابع للعلوم راجع فص 2 رقم 3 ص 42


"" العلم تابع للعلوم الفص 2 رقم 3 ص 42
3 - العلم تابع للمعلوم
ليس سر القدر الذي يخفى عن العالم عينه الا اتباع العلم المعلوم ، فلا شيء أبين منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه.
وهذه مسألة عظيمة دقيقة ما في علمي أن أحدا نبه عليها إلا إن كان وما وصل إلينا ، وما من أحد إذا تحققها يمكن له إنكارها ، وفرق يا أخي بين كون الشيء موجودا فيتقدم العلم وجوده ، وبين كونه على هذه الصورة في حال عدمه الأزلي ، فهو مساوق للعلم الإلهي به ومتقدم عليه بالرتبة .
لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فإن المعلوم متقدم بالرتبة على العلم وإن تساوقا في الذهن من كون المعلوم معلوما ، لا من  کونه وجودا أو عدما ، فإنه المعطي العالم العلم .
فاعلم ما ذكرناه فإنه ينفعك ويقويك في باب التسليم والتفويض للقضاء والقدر الذي قضاه حالك ، فلو لم يكن في هذا الكتاب « الفتوحات المكية » إلا هذه المسألة لكانت كافية لكل صاحب نظر سدید و عقل سلیم .
واعلم أن الله تعالى ما كتب إلا ما علم ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هي عليه في أنفسها ما يتغير منها وما لا يتغير ، فيشهدها كلها في حال عدمها على تنوعات تغييراتها إلى ما لا يتناهی ، فلا يوجدها إلا كما هي عليه في نفسها ، فمن هنا تعلم علم الله بالأشياء معدومها وموجودها ، وواجبها وممكنها ومحالها ، ومن هنا إن عقلت وصف الحق نفسه بأن له الحجة البالغة لو توزع .
فإنه من المحال أن يتعلق العلم إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه ، فلو احتج أحد على الله بأن يقول له علمك سبق فيه بأن أكون على كذا فلم تواخذني ، يقول له الحق هل علمتك إلا بما أنت عليه ؟
فلو كنت على غير ذلك لعلمتك على ما تكون عليه ، ولذلك قال « حتى تعلم » فارجع إلى نفسك وأنصف في كلامه ، فإذا رجع العبد على نفسه ونظر في الأمر كما ذكرناه علم أنه محجوج، وأن الحجة لله تعالى عليه.
أما سمعته تعالى يقول: « وما ظلمهم الله" "وما ظلمناهم" .
وقال « ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، كما قال « ولكن كانوا هم الظالمين » يعني أنفسهم .
فإنهم ما ظهروا لنا حتى علمناهم وهم معدومون إلا بما ظهروا به في الوجود من الأحوال ، فعندنا ما كانت الحجة البالغة لله على عباده إلا من كون العلم تابعا للمعلوم ما هو حاكم على المعلوم.
فإن قال المعلوم شيئا كان الله الحجة البالغة عليه بأن يقول له ما علمت هذا منك إلا بكونك عليه في حال عدمك ، وما أبرزتك في الوجود إلا على قدر ما أعطيتني من ذاتك بقبولك ، فيعرف العبد أنه الحق فتندحض حجة الخلق ، فلا نزال نراقب حكم العلم فينا من الحق حتى تعلم ما كنا
فيه ، فإنه لا يحكم فينا إلا بنا.
فمن وقف في حضرة الحكم وهي القضاء على حقيقتها شهودا علم سر القدر ، وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء ، فما جاءها شيء من خارج ، "ولا ينكشف هذا السر حتى يكون الحق بصر العبد" ، فإذا كان بصر العبد بصر الحق نظر الأشياء ببصر الحق، حينئذ انكشف له علم ما جهله، إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء ، ومن وقف على سر القدر ،" وهو أن الإنسان مجبور في اختياره "، لم يعترض على الله في كل ما يقضيه و يجريه على عباده وفيهم ومنهم ، وهذا يشرح ما ذكره الشيخ في كتابه المشاهد القدسية من أن الحق قال له « أنت الأصل وأنا الفرع ".
وعلامة من يعلم سر القدر هو أن يعلم أنه مظهر ، وعلامة من يعلم أنه مظهر ، أن تكون له مظاهر حيث شاء من الكون كقضيب البان ، فإنه كان له مظاهر فيما شاء من الكون حيث شاء من الكون.
وإن من الرجال من يكون له الظهور فيما شاء من الكون لا حيث شاء ، ومن كان له الظهور حيث شاء من الكون كان له الظهور فيما شاء من الكون.
فتكون الصورة الواحدة تظهر في أماكن مختلفة ، وتكون الصور الكثيرة على التعاقب تلبس الذات الواحدة في عين المدرك لها ، ومن عرف هذا ذوقا .
كان متمكنا من الاتصاف بمثل هذه الصفة ، وهذا هو علم سر القدر الذي ينكشف لهم .
 راجع الفتوحات ج2 / 2 , 13 .  ج4/ 16 , 70 , 74 , 182 , 235. أهـ. ""
 
9 - [ كذلك ما قلنا ۔ منا ] 
إذا كان الضمير يعود على الحق تعالى ، فهو التفات إلى القول المشروع، وإذا كان الضمير يعود على الشيخ رضي الله عنه ، فإنه يعني أنه ما قال في كتبه ولا كلامه إلا ما علمه من نفسه على ما كانت عليه في ثبوتها .
 
10 - [ ولهم الامتثال .. منهم ] 
الضمير في الحالة الأولى يعود على المكلفين فمنهم
 
ص 205
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (
فالكل منا ومنهم        …… والأخد عنا وعنهم
أن لا يكونون منا     ……. فنحن لا شك منهم 
 
فتحقق یا ولي هذه الحكمة الملكية في الكلمة اللوطية فإنها لباب المعرفة
فقد بان لك السر      …… وقد اتضح الأمر 
وقد أدرج في الشفع   …… الذي نسل هو الوتر )
 
.........................................................
من امتثل أمر الحق فأطاعه ومنهم من لم يمتثل فعصي.
وفي الحالة الثانية يعود الضمير على من قبل كلام الشيخ أو رفضه، وهذا كله عائد إلى ما كانت عليه الأعيان في الثبوت.
والوجه الثاني أرجح فإنه يتناسب مع سياق الكلام عن أن العلم تابع للمعلوم.
 
ص 206

 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد نوفمبر 24, 2019 10:52 am

14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص العزيري على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الأول
14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أن القضاء حكم الله في الأشياء، وحكم الله في الأشياء على حد علمه بها وفيها.
وعلم الله في الأشياء على ما أعطته المعلومات مما هي عليه في نفسها. "2"
والقدر توقيت ما هي عليه الأشياء في عينها من غير مزيد. فما حكم القضاء على الأشياء إلا بها.
وهذا هو عين سر القدر «لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد». «فلله الحجة البالغة».
فالحاكم في التحقيق تابع لعين المسألة التي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها.
فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك.
فكل حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه: كان الحاكم من كان.
فتحقق هذه المسألة فإن القدر ما جهل إلا لشدة ظهوره، فلم يعرف وكثر فيه الطلب والإلحاح. 
واعلم أن الرسل صلوات الله عليهم من حيث هم رسل لا من حيث هم أولياء وعارفون على مراتب ما هي عليه أممهم.
فما عندهم من العلم الذي أرسلوا به إلا قدر ما تحتاج إليه أمة ذلك الرسول: لا زائد ولا ناقص.
والأمم متفاضلة يزيد بعضها على بعض.
فتتفاضل الرسل في علم الإرسال بتفاضل أممها، وهو قوله تعالى «تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض» "3"
 كما هم أيضا فيما يرجع إلى ذواتهم عليهم السلام من العلوم والأحكام )
_______________________________
1 -  المناسبة في تسمية الحكمة :
هي أن العزير عليه السلام كان كثير السؤال عن القدر حتى نهاه الحق تعالی عن ذلك ، وهذا الفص يتعلق بعلم القدر وأنه محال علمه كما سيأتي في شرح الفص ، وان الذي يمكن أن يعلم هو سر القدر ، وهو أن العلم تابع للمعلوم ، واستطرد الشيخ في تفسير نهي الحق العزير بقوله تعالى له «لأمحون اسمك من ديوان النبوة » يعني النبوة الخاصة والرسالة ويبقى عليه اسم الولي وهذا من أشق ما يتجرع مخاضته عباد الله تعالى كما سيأتي ذلك في شرح الفص .
 
2 - العلم تابع للمعلوم يراجع فص 2 هامش 3 ص 42
 

 "" العلم تابع للعلوم - الفص 2 رقم 3 ص 42
3 - العلم تابع للمعلوم
ليس سر القدر الذي يخفى عن العالم عينه الا اتباع العلم المعلوم ، فلا شيء أبين منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه.
وهذه مسألة عظيمة دقيقة ما في علمي أن أحدا نبه عليها إلا إن كان وما وصل إلينا ، وما من أحد إذا تحققها يمكن له إنكارها ، وفرق يا أخي بين كون الشيء موجودا فيتقدم العلم وجوده ، وبين كونه على هذه الصورة في حال عدمه الأزلي ، فهو مساوق للعلم الإلهي به ومتقدم عليه بالرتبة .
لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فإن المعلوم متقدم بالرتبة على العلم وإن تساوقا في الذهن من كون المعلوم معلوما ، لا من  کونه وجودا أو عدما ، فإنه المعطي العالم العلم .
فاعلم ما ذكرناه فإنه ينفعك ويقويك في باب التسليم والتفويض للقضاء والقدر الذي قضاه حالك ، فلو لم يكن في هذا الكتاب « الفتوحات المكية » إلا هذه المسألة لكانت كافية لكل صاحب نظر سدید و عقل سلیم .
واعلم أن الله تعالى ما كتب إلا ما علم ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هي عليه في أنفسها ما يتغير منها وما لا يتغير ، فيشهدها كلها في حال عدمها على تنوعات تغييراتها إلى ما لا يتناهی ، فلا يوجدها إلا كما هي عليه في نفسها ، فمن هنا تعلم علم الله بالأشياء معدومها وموجودها ، وواجبها وممكنها ومحالها ، ومن هنا إن عقلت وصف الحق نفسه بأن له الحجة البالغة لو توزع .
فإنه من المحال أن يتعلق العلم إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه ، فلو احتج أحد على الله بأن يقول له علمك سبق فيه بأن أكون على كذا فلم تواخذني ، يقول له الحق هل علمتك إلا بما أنت عليه ؟
فلو كنت على غير ذلك لعلمتك على ما تكون عليه ، ولذلك قال « حتى تعلم » فارجع إلى نفسك وأنصف في كلامه ، فإذا رجع العبد على نفسه ونظر في الأمر كما ذكرناه علم أنه محجوج، وأن الحجة لله تعالى عليه.
أما سمعته تعالى يقول: « وما ظلمهم الله" "وما ظلمناهم" .
وقال « ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، كما قال « ولكن كانوا هم الظالمين » يعني أنفسهم .
فإنهم ما ظهروا لنا حتى علمناهم وهم معدومون إلا بما ظهروا به في الوجود من الأحوال ، فعندنا ما كانت الحجة البالغة لله على عباده إلا من كون العلم تابعا للمعلوم ما هو حاكم على المعلوم.
فإن قال المعلوم شيئا كان الله الحجة البالغة عليه بأن يقول له ما علمت هذا منك إلا بكونك عليه في حال عدمك ، وما أبرزتك في الوجود إلا على قدر ما أعطيتني من ذاتك بقبولك ، فيعرف العبد أنه الحق فتندحض حجة الخلق ، فلا نزال نراقب حكم العلم فينا من الحق حتى تعلم ما كنا
فيه ، فإنه لا يحكم فينا إلا بنا.
فمن وقف في حضرة الحكم وهي القضاء على حقيقتها شهودا علم سر القدر ، وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء ، فما جاءها شيء من خارج ، "ولا ينكشف هذا السر حتى يكون الحق بصر العبد" ، فإذا كان بصر العبد بصر الحق نظر الأشياء ببصر الحق، حينئذ انكشف له علم ما جهله، إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء ، ومن وقف على سر القدر ،" وهو أن الإنسان مجبور في اختياره "، لم يعترض على الله في كل ما يقضيه و يجريه على عباده وفيهم ومنهم ، وهذا يشرح ما ذكره الشيخ في كتابه المشاهد القدسية من أن الحق قال له « أنت الأصل وأنا الفرع ".
وعلامة من يعلم سر القدر هو أن يعلم أنه مظهر ، وعلامة من يعلم أنه مظهر ، أن تكون له مظاهر حيث شاء من الكون كقضيب البان ، فإنه كان له مظاهر فيما شاء من الكون حيث شاء من الكون.
وإن من الرجال من يكون له الظهور فيما شاء من الكون لا حيث شاء ، ومن كان له الظهور حيث شاء من الكون كان له الظهور فيما شاء من الكون.
فتكون الصورة الواحدة تظهر في أماكن مختلفة ، وتكون الصور الكثيرة على التعاقب تلبس الذات الواحدة في عين المدرك لها ، ومن عرف هذا ذوقا .
كان متمكنا من الاتصاف بمثل هذه الصفة ، وهذا هو علم سر القدر الذي ينكشف لهم .
 راجع الفتوحات ج2 / 2 , 13 .  ج4/ 16 , 70 , 74 , 182 , 235. أهـ. ""


3 - ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض » الآية.
الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولا منهم الفاضل والأفضل وإن سبح الكل في فلك الرسالة ، لأن كل مسف أشخاصه يفضل بعضهم بعضا، ولا تفاضل إلا بالعلم .
 
ص 207
 
 
متفاضلون بحسب استعداداتهم، وهو قوله «ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض». 
____________________________________________
فهؤلاء مع اجتماعهم في الرسالة والكمال يفضل بعضهم بعضا ، فيما لهم من الأخلاق الخاصة بهم ، وهي مائة وسبعة عشر خلقا ، وقد جمعها كلها محمد صلى الله عليه وسلم  ، جمعت له عناية أزلية ، فإن الله تعالى لما خلق الخلق خلقهم أصنافا ، وجعل في كل صنف خيارا . 
واختار من الخيار خواص وهم المؤمنون ، واختار من المؤمنين خواص وهم الأولياء، واختار من هؤلاء الخواص خلاصة وهم الأنبياء ، واختار من الخلاصة نقاوة وهم أنبياء الشرائع المقصورة عليهم ، واختار من النقاوة شرذمة "قلة من الناس" قليلة وهم صفاء النقاوة المروقة وهم الرسل أجمعهم .
واصطفى واحدة من خلقه هو منهم وليس منهم وهو المهيمن على جميع الخلائق ، جعله عمدا أقام عليه قبة الوجود ، جعله أعلى المظاهر وأسناها ، صح له المقام تعيينا وتعريفة ، فعليه قبل وجود طينة البشر ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم  ، لا يكاثر ولا يقاوم ، هو السيد ومن سواه سوقة "الرعية و العامة" .
قال عن نفسه : « أنا سيد الناس ولا فخر » بالراء والزاي ، روايتان ، أي أقولها غير متبجح بباطل ، وأقولها ولا أقصد الافتخار على من بقي من العالم وإن كنت أعلى المظاهر الإنسانية فأنا أشد الخلق تحققا بعيني .
« تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض » فمن حيث ما هي رسالة فلا فضل إذ الاسم يعم هذه الحالة ، ومن حيث ما هي رسالة بأمر ما يقع التفاضل ، فوقع التفاضل بين الرسل وهم الخلفاء لاختلاف الأزمان و اختلاف الأحوال ، ولهذا اختلفت آیات الأنبياء باختلاف الأعصار « منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات و آتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس » .
فاية كل خليفة ورسول من نسبة ما هو الظاهر والغالب على ذلك الزمان وأحوال علمائه ، أي شيء كان من طب أو سحر او فصاحة أو ما شاكل هذا، وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع ما فضلت به الرسل بعضهم على بعض ، ليتبين شرفه ، وما فضله الله به على غيره في الدنيا بما اختص به ، وفي
 
ص 208
 
بعض. » ."4" 
وقال تعالى في حق الخلق «والله فضل بعضكم على بعض في الرزق».
والرزق منه ما هو روحاني كالعلوم، وحسي كالأغذية، وما ينزله الحق إلا بقدر معلوم، وهو 
________________________________
البرزخ والقيامة والجنة والكثيب .
قال تعالى « کنتم خير أمة أخرجت للناس » لظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم  بصورته فيها .
وكذلك القرن الذي ظهر فيه خير القرون لظهوره فيه بنفسه ، فكانت الأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس عناية منه تعالى لحضوره صلى الله عليه وسلم وظهوره فيها ، وإن كان العالم الإنساني والناري كله أمنه ، فإنه المرسل إلى الناس كافة ، ولكن لهذه الأمة خصوص وصف ، فجعلهم تعالی خير أمة أخرجت للناس ، هذا الفضل أعطاه ظهوره صلى الله عليه وسلم  بنشأتيه ( الروحانية والجسدية ) . 
فتوحات  ج 1 / 522 - ج 2 / 68 ، 73 ، 135 - ج 3 / 53 ، 142 ، 145 ، 169 ، 442 - ج 4 / 75 - کتاب ذخائر الأعلاق .
 
* قارن بين ما جاء في هذا الشرح وبين ما جاء في هذه الفقرة من أن تفاضل الرسل في علم الإرسال بتفاضل أممها ، والعكس هو الصحيح ، فلا يصح نسبة ما جاء هنا إلى الشيخ رضي الله عنه ألبتة مع مقارنته بالثابت عنه في الشرح .
 
4 -  « ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض » الآية 
« ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض » مع أن النبوة موجودة ، فما زالوا في النبوة مع فضل بعضهم على بعض ، فتفضل منازلهم بتفاضالهم وإن اشتركوا في الدار. فقوله تعالی « ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض » بما يقتضيه الشرف مع اجتماعهم في درجة النبوة .
أي يزيد كل واحد على صاحبه برتبة تقتضي المجد والشرف ، أي جعلنا عند كل واحد من صفات المجد والشرف ما لم نجعل عند الآخر ، فقد زاد بعضهم على بعض في صفات الشرف والمراتب التي فضلوا بها بعضهم على بعض . 
أي أعطينا هذا ما لم نعط هذا ، وأعطينا هذا ما لم نعط من فضله ، ولكن من مراتب الشرف ، فمنهم من كلمه الله ، « وآتينا عيسى » البينات وأيدناه بروح القدس . ومنهم من فضله بأن خلقه بيديه وأسجد له الملائكة ، ومنهم من فضله بالكلام القديم
 
ص 209
 
 
الاستحقاق الذي يطلبه الخلق: فإن الله «أعطى كل شي ء خلقه» فينزل بقدر ما يشاء
____________________________________
الإلهي بارتفاع الوسائط ، ومنهم من فضله بالخلة ، ومنهم من فضله بالصفوة وهو إسرائيل « يعقوب » .
فهذه كلها صفات شرف ومجد ، ولا يقال إن خلته أشرف من كلامه ، ولا إن كلامه أفضل من خلقه بيديه ، بل كل ذلك راجع إلى ذات واحدة . 
لا تقبل الكثرة ولا المفاضلة ، ومذهب الجماعة أن كل واحد من الأنبياء فاضل مفضول ، فخص آدم بعلم الأسماء الإلهية ، وخص موسى بالكلام ، وخص رسول الله و بما ذكره عن نفسه ، وخص عيسى بكونه روحا ، ومع علمنا بأن الله فضل بعضهم على بعض ، فله سبحانه أن يفضل بين عباده بما شاء ، وليس لنا ذلك .
 فإنا لا نعلم ذلك إلا بإعلامه ، فإن ذلك راجع إلى ما في نفس الحق سبحانه منهم ، ولا يعلم أحد ما نفس الحق ، ولا دخول هنا للمراتب الظاهرة والتحكم ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفضل بين الأنبياء ، وأن تفضله صلى الله عليه وسلم عليهم إلا بإعلامه أيضا ، وعين يونس عليه السلام وغيره . 
فمن فضل من غير إعلام الله فقد خان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعدی ما حده له رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما الرسالة ونبوة الشرائع العامة أعني المتعدية إلى الأمم ، والخاصة بكل نبي فاختصاص إلهي في الأنبياء والرسل ، لا ينال بالاكتساب ولا بالتعمل ، فخطاب الحق قد ينال بالتعمل ، والذي يخاطب به إن كان شرعا يبلغه أو يخصه . 
ذلك هو الذي نقول فيه لا ينال بالتعسل ولا بالكسب ، وهو الاختصاص الإلهي المعلوم، وكل شرع ينال به عامله هذه المرتبة فإن نبي ذلك الشرع من أهل هذا المقام ، وهو زيادة على شريعة نبوته له ، فضلا من الله ونعمة ، وهو لمحمد صلى الله عليه وسلم  بالقطع ، وكل شرع لا ينال العامل به هذا المقام ، فإن نبي ذلك الشرع لم يحصل له هذا المقام الذي حصل لغيره من أنبياء الشرائع .
قال تعالى « ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض » وقال جل جلاله « تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض » في وجوه منها هذا .
الفتوحات  ج 1 / 522 - ج 2 / 19 ، 52 ، 61 - ج 3 / 422 - ج 4 / 139 
 
ص 210
 
 
(وما يشاء إلا ما علم فحكم به.
وما علم كما قلناه إلا بما أعطاه المعلوم. "5"
فالتوقيت في الأصل للمعلوم، والقضاء والعلم والإرادة والمشيئة تبع للقدر.
فسر القدر من أجل العلوم، وما يفهمه الله تعالى إلا لمن اختصه بالمعرفة التامة. فالعلم به يعطي الراحة الكلية للعالم به، ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا.
فهو يعطي النقيضين. "6"
وبه وصف الحق نفسه بالغضب والرضا، وبه تقابلت الأسماء الإلهية. )
_________________________________
*  قارن بين ما جاء في هذا الشرح الثابت عن الشيخ من أن التفاضل راجع إلى ما في نفس الحق ولا دخول هنا للمراتب الظاهرة والتحكم ، وبين ما نسب إلى الشيخ في هذه الفقرة من أن تفاضل الأنبياء بحسب استعدادهم .
 
5  - العلم تابع للمعلوم يراجع فص 2 هامش 3 ص 42
انظر البند رقم 2

6 - سر القدر
قد يعلم سر القدر وتحكمه في الخلائق . وقد أعلمنا به فعلمناه بحمد الله . 
وليس سر القدر الذي يخفي عن العالم عينه إلا اتباع العلم المعلوم ، فلا شيء أبين منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه. وهذه مسألة عظيمة دقيقة ما في علمي أن أحدا نبه عليها إلا إن كان وما وصل إلينا . وما من أحد تحققها يمكن له إنكارها ، وفرق يا أخي بين كون الشيء موجودا فيتقدم العلم وجوده ، وبين كونه على هذه الصورة في حال عدمه الأزلي ، فهو مساوق للعلم الإلهي به ومقدم عليه بالرتبة ، لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فاعلم ما ذكرناه فإنه يقويك في باب التسليم والتفويض للقضاء والقدر ، الذي قضاه حالك ، فلا نزال نراقب حكم العلم فينا من الحق حتى نعلم ما كنا فيه ، فإنه لا يحكم فينا إلا بنا . فمن وقف في حضرة الحكم وهي القضاء على حقيقتها شهودا ، علم سر القدر وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء فيما جاءها شيء من خارج ، ولا ينكشف هذا انسر حتى يكون الحق بصر العبد، فإذا كان العبد بصر الحق نظر الأشياء ببصر الحق ، حينئذ انكشف له علم ما جهله ، إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء .
ومن وقف على سر القدر وهو أن الإنسان مجبور في اختياره لم يعترض على الله في كل
 
ص 211
 
 
فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيد، لا يمكن أن يكون شيء أتم منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدي وغير المتعدي.
ولما كانت الأنبياء صلوات الله عليهم لا تأخذ علومها إلا من الوحي الخاص الإلهي، فقلوبهم ساذجة من النظر العقلي لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري، عن إدراك الأمور على ما هي عليه.
والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلا بالذوق.
فلم يبق العلم الكامل 
_______________________________
ما يقضيه ويجريه على عباده وفيهم ومنهم ، وقد ذكرنا في كتابنا المشاهد القدسية أنه فال لي «أنت الأصل وأنا الفرع »
وفي ذلك أقول:

إن الإله بجوده   ..... يعطي العبيد إذا افتقر
ما شاءه مما له   ..... ما ثم إلا ما ذكر
لما وقفت تحققا   ..... منه على سر القدر
وشهدته فرأيته   ..... سمع الحبيب مع البصر
فيه بدت أحكامه   ..... وله نهي وله أمر
ويقال هذا مؤمن   ..... ويقال هذا قد كفر
فلنا الحقائق كلها   ..... ولنا التحكم والأثر
ما الأمر إلا هكذا   ..... ما الأمر ما يعطي النظر
الحكم ليس لغيرنا   ..... في كل ما تعطي الصور
والأمر فيه فيصل   ..... في الكون من خير وشر
لم تستفد منه سوى   ..... أكواننا وكذا ظهر
وانظر بربك لا   ..... بعقلك في شئونك واعتبر
هذا هو الحق الصراح   ..... لمن تحقق وادكر
الحكم حكم ذواتنا   ..... لا حكمه فاعدل وسر
عنه إليه بما لنا   ..... تعثر على الأمر الخطر
لا تأتلي لا تأتني   ..... فإليك منك المستقر
إن الغني صفة له   ..... عنا فنستر ما ستر
لو لا افتقار المحدثات   ..... إليه ما جاء الخبر
هذا هو الميت الذي   ..... يوم القيامة قد نشر
 
 
ص 212
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (إلا في التجلي الإلهي ، "7" وما يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها، وعدمها ووجودها، ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها.
فلما كان مطلب العزير على الطريقة الخاصة، لذلك وقع العتب عليه كما ورد في الخبر.
فلو طلب الكشف الذي ذكرناه ربما كان لا يقع عليه عتب في ذلك.
والدليل على سذاجة قلبه قوله في بعض الوجوه «أنى يحيي هذه الله بعد موتها».
وأما عندنا فصورته عليه السلام في قوله هذا كصورة إبراهيم عليه السلام في قوله «رب أرني كيف تحي الموتى». "8"
ويقتضي ذلك الجواب بالفعل الذي أظهره الحق فيه في قوله تعالى «فأماته الله مائة عام ثم )
______________________________
إن هذا هو السر الذي أخفاه الله عمن شاء من عباده ، قد ظهر في حكم افتقارنا في غناه ، فأظهره الله لمن شاء أيضا ، فتأمل هذا الغني وهذا الفقر ، وانظر بنور بصيرتك في هذا الوجود والفقد.
وقل الله الأمر من قبل ومن بعد .
فلله الحجة البالغه على خلقه ، لأنهم المعلومون . والمعلوم بعطي العالم ما هو عليه في نفسه وهو العلم . ولا أثر للعلم في المعلوم ، فما حكم على المعلوم إلا به .
الفتوحات ج 1 / 405 - ج 2 / 63 - ج 4 / 16 ، 147 ، 182 ، 237 ، 245  
 
7 ۔ علم التجلي وهو علم الأذواق يراجع فص 12 هامش 9  
"" 9 - ح - التجلي الإلهي في الصور في حضرة الخيال المطلق فص 12 هامش 9  
الحقائق لا تنقلب فاللطف محال أن يرجع كثافة، ولكن اللطيف يرجع کنیفا کالحار يرجع باردا أو البارد حارا.
من هذا الباب يظهر تجلي الحق في الصور التي ينكر فيها أو يرى في النوم، فيرى الحق في صورة الخلق بسبب حضرة الخيال.
فإن الحضرات تحكم على النازل فيها وتكسوه من خلعها ما تشاء، أين هذا التجلي من « ليس كمثله شيء» ومن « سبحان ربك رب العزة عما يصفون » .
فالحكم للحضرة والموطن لأن الحكم للحقائق، والمعاني توجب أحكامها لمن قامت به ، فإن الله إذا تجلي في صورة البشر كما ورد فإنه يظهر بصورتها حسا ومعنی ، وهو اتصافه بالأوصاف الطبيعية من تغير الأحوال في الغضب والرضى والفرح والنزول والهرولة .
فإذا تجلى الحق للإنسان في المنام في صورته أو غيره في أي صورة تجلی، فلينظر فيما يلزم تلك الصورة المتجلي فيها من الأحكام فيحكم على الحق بها في ذاك الموطن ؛ فإن مراد الله فيها ذلك الحكم ولابد ، ولهذا نجلى فيها على الخصوص دون غيرها، ويتحول الحكم بتحول الصور .
فكما أن کل موجود هو إما محدث وهو الخلق وإما محدث اسم فاعل وهو الخالق فكذلك الصورة تقبل القدم والحدوث.
ولذلك يتجلى الحق لعباده على ما شاءه من صفاته، ولهذا ينكره قوم في الدار الآخرة لأنه تعالی تجلى لهم في غير الصورة والصفة التي عرفوها منه. 
ويتجلى للعارفين على قلوبهم وعلى ذواتهم في الآخرة عموما ، وعلى التحقيق الذي لا خفاء به عندنا أن حقائق الذات هي المتجلية للصنفين في الدارين أن عقل أو فهم من الله تعالى ، المرئي في الدنيا بالقلوب والأبصار ، مع أنه سبحانه النبيء عن عجز العباد عن درك كنهه .


فقال « لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير » لطيف بعباده بتجليه لهم على قدر طاقتهم « خبير » ضعفهم عن حمل تجليه الأقدس على ما نعطيه الألوهية ، إذ لا طاقة للتحدث على حمل القديم.
الفتوحات ج 1 /  77 - ج 2 / 472 - ج 3 / 280 ، 286 - ج 4 / 289 .
 
واعلم أن الله تعالی ما تجلى لك إلا في صورة علمه بك ولا كان عالما بك إلا منك. وأنت بذاتك أعطيته العلم بك، فإن الصورة تنقلب عليك إلى ما لا نهاية له، وتتقلب فيها أنت ، وتظهر بها إلى ما لا نهاية فيه .
ولكن حالا بعد حال ، انتقالا لا يزول؛ وقد علمك تعالى في هذه الصور على عدم تناهيها ، فيتجلى لك في صورة لم يبلغ وقت ظهورك بها .
لأنك مقيد وهو غير مقيد ، بل قيده إطلاقه ، وإنما يفعل هذا مع عباده ليظهر لهم في حال النكرة ، ولهذا ينكرون .
إلا العارفون بهذا المقام فإنهم لاينكرونه في أي صورة ظهر فإنهم قد حفظوا الأصل وهو أنه ما يتجلى لمخلوق إلا في صورة المخلوق ، إما التي هو عليها في الحال فيعرفه أو ما يكون عليه بعد ذلك فينكره.
حتى يرى تلك الصورة قد دخل فيها فحينئذ يعرفه ، فإن الله عليه وعام ما يؤول إليه ، والمخلوق لا يعلم من أحواله إلا ما هو عليه في الوقت ، و من عباد الله من يعلم ذلك إذا رأى الحق في صورة لا يعرفها .
علم بحكم الوطن وما عنده من القبول أنه ما تجلى له إلا في صورة هي له وما وصل وقتها ، فعلمها قبل أن يدخل فيها ، فهذا من الزيادة في العلم التي زادها الله ، فشكر الله الذي عرفه من موحان الإنكار . 
الفتوحات ج 4 / 109 ، 110 
وصاحب الرؤيا إذا رأى ربه تعالی کفاحة في منامه في أي صورة يراه يقول رأيت ربي في صورة كذا وكذا و يصدق ، ويصدق مع قوله تعالی «لیس کمثله شيء » .
فنفى عنه المماثلة في قبوله التجلي في الصور كلها التي لا نهاية لها لنفسه .
فإن كل من سواه تعالی ممن له التجلي في الصور لا يتجلى في شيء منها لنفسه ، وإنما يتجلى فيها بمشيئة خالقه وتكوينه ، فيقول للصورة التي يدخل فيها من هذه صفته کن فتكون الصورة فيظهر بها من له هذا القبول إذا شاء الحق .
قال تعالى : " في أي صورة ما شاء ركبك "، فجعل التركيب الله لا له ، وفي نسبة الصورة لله تعالى يقال في أي صورة شاء ظهر من غير جعل جاعل ، فلا يلتبس عليك الأمر في ذلك .
ولما لم يكن له تعالی ظهور إلى خلقه إلا في صورة ، وصوره مختلفة في كل تجل ، لا تتكرر صورة ، فإنه سبحانه لا يتجلى في صورة مرتين ، ولا في صورة واحدة لشخصين.
فإن الآية من كتاب الله ترد واحدة العين على الأسماع ، فسامع يفهم منها أمرا وسامع آخر لا يفهم منها ذلك الأمر ويفهم منها أمرا آخر .
وآخر يفهم منها أمورا كثيرة ، ولهذا يستشهد كل واحد من الناظرين فيها بها لاختلاف استعداد الأفهام .
وهكذا في التجليات الإلهية ، فالمتجلي من حيث هو في نفسه واحد العين ، واختلفت التجليات أعني صورها بحسب استعدادات المتجلى لهم .
ولما كان الأمر كذلك لم ينضبط للعقل ولا للعين على ما هو الأمر عليه ، وهذا هو التوسع الإلهي الذي لا ينحصر ولا يدخل تحت الحد فیضبطه الفكر .
ولا يمكن للعقل تقييده بصورة ما من تلك الصور ، فإنه ينتقض له ذلك الأمر في التجلي الآخر بالصورة الأخرى ، وهو الله في ذلك كله .
لا يشك ولا يرتاب ، إلا إذا تجلى له في غير معتقده فإنه يتعوذ منه كما ورد في صحيح الأخبار .
فيعلم أن ثم في نفس الأمر عينا تقبل الظهور في هذه الصور المختلفة لا يعرف لها ماهية أصلا ولا كيفية ، وإذا حكم ولابد بكيفية فيقول : الكيفية ظهورها فيما شاء من الصور فتكون الصور مشاءة .
فالعارفون أهل الله علموا أن الله لا يتجلى في صورة واحدة لشخصين ولا في صورة واحدة مرتين.
فلم ينضبط لهم الأمر، لما كان لكل شخص تجلي يخصه ، ورآه  الإنسان من نفسه ، فإنه إذا تجلى له في صورة ثم تجلى له في صورة غيرها ، فعلم من هذا التجلي ما لم يعلمه من هذا التجلي الآخر من الحق ، هكذا دائما في كل تجلي.
علم أن الأمر في نفسه كذلك في حقه وحق غيره ، فلا يقدر أن يعين في ذلك اصطلاحا تقع به الفائدة بين المتخاطبين ، فهم يعلمون ولا ينقال ما يعلمون .
ولا في قوة أصحاب هذا المقام الأبهج الذي لا مقام في الممكنات أعلى منه .
أن يضع عليه لفظا يدل على ما علمه منه ، إلا ما أوقعه تعالى وهو قوله تعالى: « ليس كمثله شيء » فنفى المماثلة .
فما صورة يتجلى فيها لأحد تماثل صورة أخرى . 
فتوحات ج 1 / 287 - ج 3 / 384 - ج 4 / 19 - کتاب التنزلات الموصلية .  ""


"كلمة ساذجة لا تفيد المعنى المقصود بخالية أو فارغة ، قال ابن سيده أراها معربة وعسى أن يكون أصلها سادة ، يقال حجة ساذجة أي غير بالغة ( لسان العرب )."؟؟!!
 
8 - قول إبراهيم عليه السلام « رب أرني كيف تحيي الموتى »  
قال تعالى « وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن . قال بلى ولكن ليطمئن قلبي . قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ، ثم اجعل على کل جبل منهن جزءا ، ثم ادعهن يأتينك سعيا ، واعلم أن الله عزيز حكيم » 
فطلب إبراهيم عليه السلام كيفية إحياء الموتى لاختلاف الوجوه في ذلك ، لا إنكار إحياء الموتى « قال أو لم تؤمن قال بلى » يقول بلى آمنت ولكن وجوه الإحياء كثيرة ، كما كان وجود الخلق ، فمن الخلق ما أوجدته عن كن ، ومنهم من أوجدته بيدك ، ومنهم من أوجدته بيديك ، ومنهم من أوجدته ابتداء ، ومنهم من أوجدته عن خلق آخر ،
 
ص 213
 
بعثه» فقال له «وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما» فعاين كيف تنبت الأجسام معاينة تحقيق، فأراه الكيفية.
فسأل عن القدر الذي لا يدرك إلا بالكشف للأشياء في حال ثبوتها في عدمها، فما أعطي ذلك فإن ذلك من خصائص الاطلاع الإلهي، فمن المحال أن يعلمه إلا هو فإنها المفاتح الأول، أعني مفاتح الغيب
 ________________________________
فتنوع وجوه الخلق ، وإحياء الخلق بعد الموت إنما هو وجود آخر في الآخرة ، فقد يتنوع وقد يتوحد ، فطلب العلم بكيفية الأمر ، هل هو متنوع أو واحد ، فإن كان واحدا فأي واحد من هذه الأنواع .
لذلك قال « ولكن ليطمئن قلبي » أي يسكن ، فإذا أعلمتني به اطمأن قلبي وسكن بحصول ذلك الوجه ، والزيادة من العلم مما أمرت به ، فيطمئن قلبي أي يسكن إلى الوجه الذي يحيى به الموتى ويتعين لي إذ الوجوه لذلك كثيرة ، فأحاله الله على الكيفية بالطيور الأربعة التي هي مثال الطبائع الأربع .
فقال « فخذ أربعة من الطير » إخبارا بأن وجود الآخرة طبيعي يعني حشر الأجساد الطبيعية .
وأما حشر الأرواح التي يريد أن يعقلها إبراهيم من هذه الدلالة انتي أحاله الحق عليها في الطيور الأربعة ، فهي في الإلهيات كون العالم يفتقر في ظهوره إلى إله قادر على إيجاده ، عالم بتفاصيل أمره ، مريد إظهار عينه ، حي لثبوت هذه النسب التي لا تكون إلا لحي ، فهذه أربعة لابد في الإلهيات منها ، فإن العالم الا بظهر إلا ممن له هذه الأربعة ، فهذه دلالة الطيور له عليه السلام في الإلهيات في العقول والأرواح وما ليس بجسم طبيعي ، كما هي دلالة على تربيع الطبيعة لإيجاد الأجسام الطبيعية والعنصرية « فصرهن إليك » أي ضمهن والضم جمع عن تفرقة ، وبضم بعضها إلى بعض ظهرت الأجسام « ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا » وهو ما ذكرناه من الصفات الأربع الإلهيات ، وهي أجبل لشموخها وثبوتها.
« ثم ادعهن يأتينك سعيا ، وما كان أذهب منهن شيئا إلا فساد عين التركيب ، وأما الأجزاء فهي باقية بأعيانها ، ولا يدعى إلا من يسمع ، وله عين ثابتة ، فأقام له الدعاء بها مقام قوله « کن » من قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن تقول له کن فیکون » فلما أشهد الله خليله إبراهيم عليه السلام الكيفية سكن عما كان يجده من القاق لتلك الجذبات

.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد نوفمبر 24, 2019 11:00 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد نوفمبر 24, 2019 10:53 am

14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص العزيري على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الثاني
14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية
ص 214
 
التي لا يعلمها إلا هو. "9"
وقد يطلع الله من شاء من عباده على بعض الأمور من ذلك.
واعلم أنها لا تسمى مفاتح إلا في حال الفتح، وحال الفتح هو حال تعلق التكوين بالأشياء
 ______________________

التي للوجوه المختلفة ، وسكن سكونا لا يشوبه تحير ، ولا تشويش في معرفة الكيفية ، وزاد يقينه طمأنينة بعامه بالوجه الخاص من الوجوه الإمكانية ، وهنا دقيقة وهي ان تعلق القدرة الأزلية بالإيجاد حارت فيها المشاهد والعقول وقد قال تعالى الإبراهيم عليه السلام حين قال « رب أرني كيف تحيي الموتى » لما أراه آثار القدرة لا تعلقها .
عرف كيفية الأشياء والتحام الأجزاء : حتى قام شخصا سويا ، ولا رأی تعلق قدرة ولا تحققها، قال له الخبير العليم « واعلم أن الله عزيز حكيم » لما تقدمه في صور الأطيار وتفريقه الأطوار . 
الفتوحات ج 2 / 36 ، 59 ، 520 ، 615 - ج 3 / 213 - عقلة المستوفز - عنقاء مغرب.
9 - القدر
كان العزير رسول الله عليه السلام كثير السؤال عن القدر إلى أن قال له الحق تعالی یا عزیر لئن سألت عنه لأمحون اسمك من ديوان النبوة ، فأفعال الحق لا ينبغي آن تعلل فإنه ما ثم علة موجبة لتكوين شيء إلا عين وجود الذات وقبول عين الممكن الظهور الوجود .
فالسبب الذي لأجله طوي علم القدر هو أن له نسبة إلى ذات الحق ونسبة إلى المقادير ،فعز أن يعلم عز الذات ، وعز أن يجهل لنسبة المقادير. 

فهو المعلوم المجهول ، ونهي العالم عن طلب العلم بالقدر ، فأولياء الله لا يطلبون علمه للنهي الوارد عن طلبه ، فمن عصى الله طلبه من الله ، وهو لا يعلم بالنظر الفكري . 
فلم يبق إلا أن يعلم بطريق الكشف الإلهي ، والحق لا يقرب من عصاه بمعصيته . وطالب هذا العلم قد عصاه في طلبه ، فلا ينال من طريق الكشف ، وما ثم طريق آخر يعلم به علم القدر ، فلهذا كان مطوية عن الرسل فمن دونهم ، فإن مرتبته بين الذات والمظاهر ، فمن علم الله علم القدر ، ومن جهل الله جهل القدر ، والله سبحانه مجهول فالقدر مجهول ، فمن المحال أن يعرف المألوه الله لأنه لا ذوق له في الألوهية .

ص 215

أو قل إن شئت حال تعلق القدرة بالمقدور ولا ذوق لغير الله في ذلك.
فلا يقع فيها تجل ولا كشف، إذ لا قدرة ولا فعل إلا لله خاصة، إذ له الوجود المطلق الذي لا يتقيد. "10"
فلما رأينا عتب الحق له عليه السلام في سؤاله في القدر علمنا أنه طلب هذا الاطلاع، فطلب أن يكون له قدرة تتعلق بالمقدور، وما يقتضي ذلك إلا من له
___________________________________

فما من وجه من المعلومات إلا وللقدر فيه حكم لا يعلمه إلا الله ، فلو علم القدر علمت أحكامه ، ولو علمه أحكامه لاستقل العبد في العلم بكل شيء وما احتاج إلى الحق في شيء وكان الغني له على الإطلاق ، فلما كان الأمر بعلم القدر يؤدي إلى هذا طواه الله عن عباده فلا يعلم ، ومن الأسباب التي لأجلها طوى علم القدر عن الإنسان ، لكون ذات الإنسان تقتضي البوح به ، لأنه أسنى ما يمدح به الإنسان، وأسنى ما يمدح به العبد العلم بالله ، وعلمه بالقدر علمه بالله .
مفاتح الغيب هي الأسماء الإلهية التي لا يعلمها إلا الله العالم بكل شيء، والأسماء نسب غيبية، إذ الغيب لا يكون مفتاحه إلا غيبا، و بالمشيئة ظهر أثر الطبيعة وهي غيب، فالمشيئة مفتاح ذلك الغيب والمشيئة نسبة إلهية لا عين لها فالمفتاح غيب ، وقد تكون مفاتح الغيب هي استعدادات القوابل وهي غير مكتسبة بل منحة إلهية، فلهذا لا يعلمها إلا الله ولا تعلم إلا بإعلام الله . 
فتوحات ج 2 / 64 - ج 3 / 397 ، 542 .


10 - تعلق القدرة بالمقدور
هو حال الفعل عند تعلق الفاعل بالمفعول وكيفية تعلق القدرة الأزلية بالإيجاد الذي حارت فيه المشاهد والعقول ، وكل من رام الوقوف نكص على عقبه ورجع إلى مذهبه.
وقد قال تعالى في أنفسهم وأقدسهم حين قال «رب أرني كيف تحيي الموتى » فلما أراه آثار القدرة لاتعلقها عرف كيفية الأشياء والتحام الأجزاء حتى قام شخصا سويا.
ولا رأی تعلق القدرة ولا تحققها ، فقد تفرد الحق بسر نشأة خلقه ونشره ، فإنه ليس في حقائق ما سوى الله ما يعطي ذلك ، فلا فعل لأحد سوى الله.
فقوله تعالی « ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم » هذه الآية دليل على عدم تجلي الحق في الأفعال، أعني نسبة ظهور الكائنات عن الذات التي تكون عنها،
 

ص 216 


قال الشيخ رضي الله عنه :  (الوجود المطلق.
فطلب ما لا يمكن وجوده في الخلق ذوقا، فإن الكيفيات لا تدرك إلا بالأذواق.
وأما ما رويناه مما أوحى الله به إليه لئن لم تنته لأمحون اسمك من ديوان النبوة، أي أرفع عنك طريق الخبر وأعطيك الأمور على التجلي، والتجلي لا يكون إلا بما أنت عليه من الاستعداد الذي به يقع الإدراك الذوقي، "11"
فتعلم أنك ما أدركت إلا بحسب استعدادك فتنظر في هذا الأمر الذي طلبت، فإذا لم تره تعلم أنه ليس عندك الاستعداد الذي تطلبه وأن ذلك من خصائص الذات الإلهية، وقد علمت أن الله أعطى كل شيء خلقه: ولم يعطك هذا الاستعداد الخاص، فما هو خلقك، ولو كان خلقك لأعطاكه الحق الذي أخبر أنه «أعطى كل شي ء خلقه».
فتكون أنت الذي تنتهي عن مثل هذا السؤال من نفسك، لا تحتاج فيه إلى نهي إلهي.
وهذه عناية من الله بالعزير عليه السلام علم ذلك من علمه وجهله من جهله.)
___________________________________
فما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم ،أي صدورها إلى الوجود.
أراد حالة الإيجاد ، فما شاهد أحد تعلق القدرة الإلهية بالأشياء عند إيجادها.
فإن الخلق يريد به المخلوق في موضع مثل قوله « هذا خلق الله » ويريد به الفعل في موضع مثل قوله : " ما أشهدتهم خلق السموات" فهنا يريد به الفعل بلا شك، لأنه ليس لمخلوق فعل أصلا.
فما فيه حقيقة من الله يشهد بها فعل الله، وما لمخلوق مما سوى الله ولا العقل الأول أن يعقل كيفية اجتماع نسب يكون عن اجتماعها عين وجودية مستقلة في الظهور وغير مستقلة في الغني . 
مفتقرة بالإمكان المحكوم عليها به ، وهذا علم لا يعلمه إلا الله تعالى ، وليس في الإمكان أن يعلمه غير الله تعالى .
ولا يقبل التعليم أعني أن يعلمه الله من شاء من عباده ، فأشبه العلم به العلم بذات الحق ، والعلم بذات الحق محال حصوله لغير الله .
فمن المحال حصول العلم بالعالم أو بالإنسان نفسه أو بنفس كل شيء لنفسه لغير الله.
فنفهم هذه المسألة فإني ما سمعت ولا علمت أن أحدا نبه عليها ، فإنها صعبة التصور . 
مع أن فحول العلماء يقولون بها ولا يعلمون أنها هي .
الفتوحات ج 1 / 195 - ج 2 / 70 ، 606 - ج 3 / 577 - ج 4 / 289 ، 296 - عنقاء مغرب - ذخائر الأعلاق .
 
.

11 - الإدراك الذوقي راجع فص 12 هامش 9 ص 189
""  9 -  الإستعداد للتجلي   فص 12 هامش 9 ص 189
اعلم أن نور التجلي المنفهق يسري في زوايا الجسم فيبهت العقل وبهره ، فلا يظهر للمتجلي له تصريف ولا حركة لا ظاهرة ولا باطنة.
فإذا أراد الله أن يبقي العبد أرسل على القلب سحابة كون ما تحول بين النور المنفهق من التجلي وبين القلب .
فيتشر النور إليها منعکسا وتشرح الأرواح والجوارح ، وذلك هو التثبيت ، فيبقى العبد مشاهدا من وراء تلك السحابة ، لبقاء الرسم ، وبقي التجلي دائما لا يزول أبدا ، ولهذا يقول كثير إن الحق ما تجلى لشيء قط ثم انحجب عنه بعد ذلك ، ولكن تختلف الصفات .
واعلم أيدنا الله وإياك ، أن الأمر في التجلي قد يكون بخلاف ترتيب الحكمة التي عهدت ، وذلك أنا قد بينا استعداد القوابل .
وأن هناك ليس منع بل فيض دائم وعطاء غير محظور [ فلو لم يكن المتجلى له على استعداد ، أظهر له ذلك الاستعداد هذا المسمى تجليا ، ما صح أن يكون هذا التجلي ، فكان ينبغي له أن لا يقوم به دك ولا صعق ، هذا قول المعترض علينا ] .
قلنا له يا هذا : 
الذي قلناه من الاستعداد ، نحن على ذلك ، الحق متجلي دائما والقابل لإدراك هذا التجلي لا يكون إلا باستعداد خاص ، وقد صح له ذلك الاستعداد فوقع التجلي في حقه ، فلا يخلو أن يكون له أيضا استعداد البقاء عند التجلي أو لا يكون له ذلك .
فإن كان له ذلك فلابد أن يبقى ، وإن لم يكن له فكان له استعداد قبول التجلي ولم يكن له استعداد البقاء .
ولا يصح أن يكون له فإنه لابد من اندكاك أو صعق أو فناء أو غيبة أو غنية ، فإنه لا يبقى له مع النهود غير ما شهد فلا تطمع في غير مطمع.
إذا تجلى لمن تجلى ... أصعقه ذلك التجلي
وإن تولى عمن تولى ... أهلكه ذلك التولي
وإن تدلى بمن تدلى ... نوره ذلك التدلي
قلت الذي قدسمعتموه ... بالله يا سيدي فقل لي
لما رأيت الذي تجلى ... اشهدني فيه عين ظلي
من لي إذا لم أكن سواه ... وليس عيني قل لي فمن لي
الله لا ظاهر سواه ... في كل ضد وكل مثل
وكل جنس وكل نوع ... وكل وصل وكل فصل
وكل حس وكل عقل ... وكل جسم وكل شكل
فليس التفاضل ولا الفضل في التجلي ، وإنما التفاضل والفضل فيما يعطي الله لهذا المتجلى له من الاستعداد .
وعين حصول التجلي عين حصول العلم لا يعقل بينهما بون ، کوجه الدليل في الدليل سواء ، بل هذا أتم وأسرع في الحكم ، ولا
يدل تعدد التجليات ولا كثرتها على الأشرفية، وإنما الأشرف من له المقام الأعم، وأما التجلي الذي يكون معه البقاء والعقل والالتذاذ والخطاب والقبول فذلك التجلي الصوري.
ولابد مع التجلي من تعريف إلهي، إما بصفاء الإلهام أو بما شاء الحق من أنواع التعريف، ومن لم ير غير التجلي الصوري ربما حكم على التجلي بذلك مطلقا من غير تقييد، والذي ذاق الأمرين فرق ولابد.
الفتوحات ج 1 / 295 - ج 2 / 541 - ج 4 / 191 ، 192 - کتاب التدبيرات الإلهية . 


التجلي الإلهي في الصور في حضرة الخيال المطلق
الحقائق لا تنقلب فاللطف محال أن يرجع كثافة، ولكن اللطيف يرجع کثیفا کالحار يرجع باردا أو البارد حارا.
من هذا الباب يظهر تجلي الحق في الصور التي ينكر فيها أو يرى في النوم، فيرى الحق في صورة الخلق بسبب حضرة الخيال.
فإن الحضرات تحكم على النازل فيها وتكسوه من خلعها ما تشاء، أين هذا التجلي من « ليس كمثله شيء» ومن « سبحان ربك رب العزة عما يصفون » .
فالحكم للحضرة والموطن لأن الحكم للحقائق، والمعاني توجب أحكامها لمن قامت به ، فإن الله إذا تجلي في صورة البشر كما ورد فإنه يظهر بصورتها حسا ومعنی ، وهو اتصافه بالأوصاف الطبيعية من تغير الأحوال في الغضب والرضى والفرح والنزول والهرولة .
فإذا تجلى الحق للإنسان في المنام في صورته أو غيره في أي صورة تجلی، فلينظر فيما يلزم تلك الصورة المتجلي فيها من الأحكام فيحكم على الحق بها في ذاك الموطن ؛ فإن مراد الله فيها ذلك الحكم ولابد ، ولهذا نجلى فيها على الخصوص دون غيرها، ويتحول الحكم بتحول الصور .
فكما أن کل موجود هو إما محدث وهو الخلق وإما محدث اسم فاعل وهو الخالق فكذلك الصورة تقبل القدم والحدوث.
ولذلك يتجلى الحق لعباده على ما شاءه من صفاته، ولهذا ينكره قوم في الدار الآخرة لأنه تعالی تجلى لهم في غير الصورة والصفة التي عرفوها منه. 
ويتجلى للعارفين على قلوبهم وعلى ذواتهم في الآخرة
عموما ، وعلى التحقيق الذي لا خفاء به عندنا أن حقائق الذات هي المتجلية للصنفين في الدارين أن عقل أو فهم من الله تعالى ، المرئي في الدنيا بالقلوب والأبصار ، مع أنه سبحانه النبيء عن عجز العباد عن درك كنهه .
فقال « لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير » لطيف بعباده بتجليه لهم على قدر طاقتهم « خبير » ضعفهم عن حمل تجليه الأقدس على ما نعطيه الألوهية ، إذ لا طاقة للتحدث على حمل القديم.
الفتوحات ج 1 /  77 - ج 2 / 472 - ج 3 / 280 ، 286 - ج 4 / 289 .
 
واعلم أن الله تعالی ما تجلى لك إلا في صورة علمه بك ولا كان عالما بك إلا منك. وأنت بذاتك أعطيته العلم بك، فإن الصورة تنقلب عليك إلى ما لا نهاية له، وتتقلب فيها أنت ، وتظهر بها إلى ما لا نهاية فيه .
ولكن حالا بعد حال ، انتقالا لا يزول؛ وقد علمك تعالى في هذه الصور على عدم تناهيها ، فيتجلى لك في صورة لم يبلغ وقت ظهورك بها .
لأنك مقيد وهو غير مقيد ، بل قيده إطلاقه ، وإنما يفعل هذا مع عباده ليظهر لهم في حال النكرة ، ولهذا ينكرون .
إلا العارفون بهذا المقام فإنهم لاينكرونه في أي صورة ظهر فإنهم قد حفظوا الأصل وهو أنه ما يتجلى لمخلوق إلا في صورة المخلوق ، إما التي هو عليها في الحال فيعرفه أو ما يكون عليه بعد ذلك فينكره.
حتى يرى تلك الصورة قد دخل فيها فحينئذ يعرفه ، فإن الله عليه وعام ما يؤول إليه ، والمخلوق لا يعلم من أحواله إلا ما هو عليه في الوقت ، و من عباد الله من يعلم ذلك إذا رأى الحق في صورة لا يعرفها .
علم بحكم الوطن وما عنده من القبول أنه ما تجلى له إلا في صورة هي له وما وصل وقتها ، فعلمها قبل أن يدخل فيها ، فهذا من الزيادة في العلم التي زادها الله ، فشكر الله الذي عرفه من موحان الإنكار . 
الفتوحات ج 4 / 109 ، 110 
وصاحب الرؤيا إذا رأى ربه تعالی کفاحا في منامه في أي صورة يراه يقول رأيت ربي في صورة كذا وكذا و يصدق ، ويصدق مع قوله تعالی «لیس کمثله شيء » .
 
فنفى عنه المماثلة في قبوله التجلي في الصور كلها التي لا نهاية لها لنفسه .
فإن كل من سواه تعالی ممن له التجلي في الصور لا يتجلى في شيء منها لنفسه ، وإنما يتجلى فيها بمشيئة خالقه وتكوينه ، فيقول للصورة التي يدخل فيها من هذه صفته کن فتكون الصورة فيظهر بها من له هذا القبول إذا شاء الحق .
قال تعالى : " في أي صورة ما شاء ركبك "، فجعل التركيب الله لا له ، وفي نسبة الصورة لله تعالى يقال في أي صورة شاء ظهر من غير جعل جاعل ، فلا يلتبس عليك الأمر في ذلك .
ولما لم يكن له تعالی ظهور إلى خلقه إلا في صورة ، وصوره مختلفة في كل تجل ، لا تتكرر صورة ، فإنه سبحانه لا يتجلى في صورة مرتين ، ولا في صورة واحدة لشخصين.
فإن الآية من كتاب الله ترد واحدة العين على الأسماع ، فسامع يفهم منها أمرا وسامع آخر لا يفهم منها ذلك الأمر ويفهم منها أمرا آخر .
وآخر يفهم منها أمورا كثيرة ، ولهذا يستشهد كل واحد من الناظرين فيها بها لاختلاف استعداد الأفهام .
وهكذا في التجليات الإلهية ، فالمتجلي من حيث هو في نفسه واحد العين ، واختلفت التجليات أعني صورها بحسب استعدادات المتجلى لهم .
ولما كان الأمر كذلك لم ينضبط للعقل ولا للعين على ما هو الأمر عليه ، وهذا هو التوسع الإلهي الذي لا ينحصر ولا يدخل تحت الحد فیضبطه الفكر .
ولا يمكن للعقل تقييده بصورة ما من تلك الصور ، فإنه ينتقض له ذلك الأمر في التجلي الآخر بالصورة الأخرى ، وهو الله في ذلك كله .
لا يشك ولا يرتاب ، إلا إذا تجلى له في غير معتقده فإنه يتعوذ منه كما ورد في صحيح الأخبار .
فيعلم أن ثم في نفس الأمر عينا تقبل الظهور في هذه الصور المختلفة لا يعرف لها ماهية أصلا ولا كيفية ، وإذا حكم ولابد بكيفية فيقول : الكيفية ظهورها فيما شاء من الصور فتكون الصور مشاءة .
فالعارفون أهل الله علموا أن الله لا يتجلى في صورة واحدة لشخصين ولا في صورة واحدة مرتين.
فلم ينضبط لهم الأمر، لما كان لكل شخص تجلي يخصه ، ورآه الإنسان من نفسه ، فإنه إذا تجلى له في صورة ثم تجلى له في صورة غيرها ، فعلم من هذا التجلي ما لم يعلمه من هذا التجلي الآخر من الحق ، هكذا دائما في كل تجلي.
علم أن الأمر في نفسه كذلك في حقه وحق غيره ، فلا يقدر أن يعين في ذلك اصطلاحا تقع به الفائدة بين المتخاطبين ، فهم يعلمون ولا ينقال ما يعلمون .
ولا في قوة أصحاب هذا المقام الأبهج الذي لا مقام في الممكنات أعلى منه .
أن يضع عليه لفظا يدل على ما علمه منه ، إلا ما أوقعه تعالى وهو قوله تعالى: « ليس كمثله شيء » فنفى المماثلة .
فما صورة يتجلى فيها لأحد تماثل صورة أخرى . 
فتوحات ج 1 / 287 - ج 3 / 384 - ج 4 / 19 - کتاب التنزلات الموصلية .
 
خلاصة بحث التجلي:
يقول الشيخ في مشاهدة مشهد البيعة الإلهية على لسان الحق :
إني وإن احتجبت فهو تجل لا يعرفه كل عارف ، إلا من أحاط علما بما أحطت به من المعارف .
ألا تراني أتجلى لهم في القيامة في غير الصورة التي يعرفونها والعلامة فينكرون ربوبيتي ومنها يتعوذون و بها يتعوذون ، ولكن لا يشعرون .
ولكنهم يقولون لذلك المتجلي « نعوذ بالله منك وها نحن لربنا منتظرون » .
فحينئذ أخرج عليهم في الصورة التي لديهم ، فيقرون لي بالربوبية ، وعلى أنفسهم بالعبودية.
فهم لعلامتهم عابدون، وللصورة التي تقررت عندهم مشاهدون، فمن قال منهم انه عبدني فقوله زور وقد باهتني (يعني بقوله نعوذ بالله منك).
وكيف يصح منه ذلك وعندها تجلیت له أنكرني ، فمن قيدني بصورة دون صورة، فتخيله عبد وهو الحقيقة الممكنة في قلبه المستورة .
فهو يتخيل أنه يعبدني وهو يجحدني، والعارفون ليس في الإمكان خفائي عن أبصارهم ، لأنهم غابوا عن الخلق وعن أسرارهم ، فلا يظهر لهم عندهم سوائي، ولا يعقلون من الموجودات سوى أسمائي ، فكل شيء ظهر لهم وتجلى 
قالوا أنت المسبح الأعلى .
الفتوحات ج 1 / 49    "" أهـ


ص 217
.
واعلم أن الولاية هي الفلك المحيط العام، ولهذا لم تنقطع ولها الإنباء العام. "12"
وأما نبوة التشريع والرسالة فمنقطعة.
وفي محمد صلى الله عليه وسلم قد انقطعت، فلا نبي بعده: يعني مشرعا أو مشرعا له، ولا رسول وهو المشرع.
وهذا الحديث 
______________________________
12 - مرتبة الولاية والنبوة والرسالة 
يقول الشيخ في كتابه « التنزلات الموصلية »: 
سماء النبوة في برزخ   …. دوين الولي وفوق الرسول 
ويقول في الفتوحات المكية ح 2 ص 23 : الولاية أعم فلك إحاطي
وهو قوله في التنزلات الموصلية في الباب الثالث :
سماء الولاية علوية   ..... تحيط بكل مقام جليل

ويقول في الفتوحات المكية في الجزء الأول ص 229 :
بين النبوة والولاية فارق   ..... لكن لها الشرف الأتم الأعظم
يعنو لها الفلك المحيط بسره  ..... وكذلك القلم العلي الأفخم
إن النبوة والرسالة كانتا  ..... وقد انتهت ولها السبيل الأقوم
وأقام بيتا للولاية محكما  ..... في ذاته فله البقاء الأدوم
لا تطلبنه نهاية يسعى لها  ..... فيكون عند بلوغه يتهدم
صفة الدوام كذاته نفسية  ..... فهو الولي فقهره متحكم
يأوي إليه نبيه ورسوله  ..... والعالم الأعلى ومن هو أقدم

ولهذا يقول رضي اللّه عنه في الفتوحات الجزء الثاني ص 246 :
الولاية نعت إلهي ، وهو للعبد خلق لا تخلق ، وتعلقه من الطرفين عام ، لكن لا يشعر بتعلقه عموما من الجناب الإلهي ، وعموم تعلقه من الكون أظهر عند الجميع ، فإن الولاية نصر الولي ، أي نصر الناصر ، فهو ذو النصر العام في كل منصور ، ولما كان نعتا إلهيا هذا النصر المعبر عنه بالولاية ، تسمى سبحانه به وهو اسمه الولي - وهذا معنى قوله في البيت الأخير - ومن هو أقدم - .
ثم يزيد رضي اللّه عنه شرحا لمقام الولاية ، في الفتوحات المكية في الجزء الثاني ص 256 فيقول . 

ص 218 

 
قصم ظهور أولياء الله لأنه يتضمن انقطاع ذوق العبودية الكاملة التامة.
فلا ينطلق عليه اسمها الخاص بها فإن العبد يريد ألا يشارك سيده- وهو الله في اسم، والله لم يتسم بنبي ولا رسول، وتسمى بالولي واتصف بهذا الاسم فقال «الله ولي الذين 
______________________________
اعلم أن الولاية هي المحيطة العامة ، وهي الدائرة الكبرى ، فمن حكمها أن يتولى اللّه من شاء من عباده بنبوة ، وهي من أحكام الولاية ، وقد يتولاه بالرسالة وهي من أحكام الولاية أيضا ، فكل رسول لابد أن يكون نبيا ، وكل نبي لابد أن يكون وليا ، فكل رسول لابد أن يكون وليا ، فالرسالة خصوص مقام في الولاية ، والرسالة في الملائكة دنيا وآخرة ، لأنهم سفراء الحق لبعضهم وصنفهم ، ولمن سواهم من البشر في الدنيا والآخرة ، والرسالة في البشر لا تكون إلا في الدنيا ، وينقطع حكمها في الآخرة ، وكذلك تنقطع في الآخرة بعد دخول الجنة والنار ، نبوة التشريع لا النبوة العامة ، وأصل الرسالة في الأسماء الإلهية ، وحقيقة الرسالة إبلاغ كلام من متكلم إلى سامع ، فهي حال لا مقام ، ولا بقاء لها بعد انقضاء التبليغ . إهـ.

هذا ما أشرنا إليه من كتاب القربة من قوله :
مرتبة الولاية والمعرفة ، ( أي النبوة العامة لا نبوة التشريع ) دائمة الوجود ، ومرتبة الرسالة منقطعة .
لذلك نرى الشيخ رضي اللّه عنه في التكلم عن الولاية والأولياء .

يقول في الفتوحات من الجزء الثاني ص 24 :
فمن الأولياء رضي اللّه عنهم الأنبياء صلوات اللّه عليهم ، تولاهم اللّه بالنبوة ، فالولاية نبوة عامة ، والنبوة التي بها التشريع نبوة خاصة .
ثم يقول : ومن الأولياء رضوان اللّه عليهم ، الرسل صلوات اللّه وسلامه عليهم تولاهم اللّه بالرسالة ، فهم النبيون المرسلون إلى طائفة من الناس ، أو يكون إرسالا عاما إلى الناس ، ولم يحصل ذلك إلا لمحمد صلى اللّه عليه وسلم .
ويقول في ص 26 : ومن الأولياء أيضا رضي اللّه عنهم المؤمنون والمؤمنات ، تولاهم اللّه بالإيمان الذي هو القول والعمل والاعتقاد . إهـ

ولذلك نراه يقول في كتاب القربة :
الرسل من كونهم أولياء عارفين أرفع من كونهم رسلا ، فإن الولاية والمعرفة تحصرهم في بساط المشاهدة في الحضرة المقدسة ، والرسالة تنزلهم إلى العالم الأضيق ومشاهدة الأضداد ومكابدة الأسماء الإلهية القائمة بالفراعنة والجبابرة ، فلا شيء أشد عليهم من مقارعة الأسماء بالأسماء ، ولهذا كان يقول صلى الله عليه وسلم  بعد استعاذاته من
 

ص 219 
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد نوفمبر 24, 2019 10:59 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية الجزء الثالث .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد نوفمبر 24, 2019 10:53 am

14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية الجزء الثالث .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص العزيري على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الثالث
14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية
آمنوا»: وقال «هو الولي الحميد».
وهذا الاسم باق جار على عباد الله دنيا وآخرة. فلم يبق اسم يختص به العبد دون الحق بانقطاع النبوة والرسالة: إلا أن الله لطف 
________________________
الأفعال والأحوال « أعوذ بك منك »لشدة سلطان هذا المقام ، فإذا سمعتم لفظة من عارف محقق مبهمة ، وهو أن يقول : إن الولاية هي النبوة الكبرى ، والولي العارف مرتبته فوق مرتبة الرسول ؛ فاعلموا أن الاعتبار بالشخص من حيث ما هو إنسان ، فلا فضل ولا شرف في الجنس بالحكم الذاتي ، وإنما يقع التفاضل بالمراتب ، فالأنبياء صلوات اللّه عليهم ما فضلوا الخلق إلا بالمراتب ، فالنبي صلى اللّه عليه وسلم له مرتبة الولاية والمعرفة والرسالة ، ومرتبة الولاية والمعرفة دائمة الوجود ، ومرتبة الرسالة منقطعة ، فإنها تنقطع بالتبليغ ، والفضل للدائم الباقي ، والولي العارف مقيم عنده ، والرسول خارج ، وحالة الإقامة أعلى من حالة الخروج ، فهو صلى اللّه عليه وسلم من كونه وليا عارفا ، أعلى وأشرف من كونه رسولا ، وهو الشخص بعينه ، واختلفت مراتبه ، لا أن الولي منا أرفع من الرسول ، نعوذ باللّه من الخذلان ، فعلى هذا الحد يقولها أصحاب الكشف والوجود ، إذ لا اعتبار عندنا إلا للمقامات ، ولا نتكلم إلا فيها لا في الأشخاص . إ هـ

ويقول في كتابه تلقيح الأذهان :
ففلك الولاية أعلا وأعم من فلك النبوة ، ولا تحجب فتقول الولي أفضل من النبي ، لا ، ولكن النبوة درجة في الولاية ، فالولي الذي ليس بنبي ناقص عن رتبة النبوة ، وإنما النبي من حيث ولايته اتم منه من حيث نبوته ، كالإنسان من حيث إنسانيته أتم منه من حيث حیوانيته ،
كما أن النبوة في حق ذات النبي أعم وأشرف من الرسالة ،فإنه يدخل فيها ما اختص به في نفسه وما أمر بتبليغه لأمته الذي هو منه رسول.فتوحات ج 1 / 429 .
 فالكلام في المراتب وتفاضلها من حيث المقام والرتبة والأصل والفرع وعلو الأصل على الفرع والأساس على البناء والمقام على الحال والمستند إليه على المستند ومقام النصرة على التبليغ ، فمن نظر إلى المراتب وسعتها وان مرتبة الولاية وسعت الأنبياء والرسل ، وأن مرتبة النبوة وسعت الرسل واقتصرت مرتبة الرسالة على الرسل فقط ، ونظر إلى أن الولاية هي الأساس وأنها هي الفلك المحيط الأوسع ،


ص 220
 

بعباده، فأبقى لهم النبوة العامة التي لا تشريع فيها، وأبقى لهم التشريع في الاجتهاد في ثبوت الأحكام، وأبقى لهم الوراثة في التشريع فقال «العلماء ورثة الأنبياء».  وما 
________________________
قال إن مرتبة الولاية أعلى وأشرف من مرتبة النبوة والرسالة ، ومن تنظر إلى أن مرتبة الولاية لها البقاء في الدنيا والآخرة ، وأن مرتبة النبوة والرسالة منقطعة بالدنيا والحشر ، قال بعلو مقام الرتبة التي لها البقاء والدوام على الرتبة المنقطعة ، و من نظر إلى الاستناد إلى الأسماء الإلهية وأن مرتبة الولاية مستندة إلى الاسم الإلهي الولي وأن النبوة والرسالة من أسماء العبودية قال بشرف المرتبة بشرف المستند إليه ، ومن نظر إلى المعنى قال إن الولاية نصرة ، ومقام النصرة له الشرف على مقام الإخبار ومقام التبليغ.
كان محمد صلى الله عليه وسلم أعظم خليفة وأكبر إمام ، وكانت أمته خير أمة أخرجت للناس وجعل الله ورثته في منازل الأنبياء والرسل . 

فأباح لهم الاجتهاد في الأحكام ، فهو تشريع عن خبر الشارع ، فكل مجتهد مصيب كما أنه كل نبي معصوم ، وتعبدهم الله بذلك ليحصل لهذه الأمة نصيب من التشريع وتثبت لهم فيه قدم ، فلم يتقدم عليهم سوى نبيهم صلى الله عليه وسلم ، فتحشر علماء هذه الأمة حفاظ الشريعة المحمدية في صفوف الأنبياء لا في صفوف الأمم ، فهم شهداء على الناس ، وهذا نص في عدالتهم ، ولولا أن الشارع قرر حكم المجتهد من علماء هذه الأمة ما ثبت له حكم ، فالمجتهدون من علماء الشريعة ورثة الرسل في التشريع ، وأدلتهم تقوم لهم مقام الوحي للأنبياء ، واختلاف الأحكام كاختلاف الأحكام ، إلا أنهم ليسوا مثل الرسل .

فاختص الله هذه الأمة أعني علماءها بأن شرع لهم الاجتهاد في الأحكام ، وقرر حكم ما أداه إليه اجتهادهم وتعبدهم به ، ونعبد من قلدهم به، كما كان حكم الشرائع للأنبياء ومقلديهم ، ولم يكن مثل هذا الأمة نبي ما لم يكن نبيا بوحي منزل ، فجعل الله وحي علماء هذه الأمة في اجتهادهم ، كما قال لنبيه عليه السلام " لتحكم بين الناس بما أراك الله » فالمجتهد ما حكم إلا بما أراه الله في اجتهاده.
 راجع الفتوحات ج 1 / 545 - ج 2 / 261 - ج 3 / 400 ، 401.  کتابنا « الفقه عند الشيخ الأكبر » ص 65

 
ص 221


ثم ميراث في ذلك إلا فيما اجتهدوا فيه من الأحكام فشرعوه. "13"
فإذا رأيت النبي 
_______________________________________
13 - حدیث «لا نبي بعدي ولا رسول »
" وقوله تعالى للعزير : لئن لم تنته .." - الحديث . 

يقول الشيخ في الفتوحات ج 1 / 229  : -
اعلم أنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال : إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي - الحديث بكماله - فهذا الحديث من أشد ما جرعت الأولياء مرارته ، فإنه قاطع للوصلة بين الإنسان وبين عبوديته ، وإذا انقطعت الوصلة بين الإنسان وبين عبوديته من أكمل الوجوه انقطعت الوصلة بين الإنسان وبين الله ، فإن العبد على قدر ما يخرج من عبوديته ، ينقصه من تقريبه من سيده ، لأنه يزاحمه في أسمائه ، وأقل المزاحمة الاسمية ، فأبقى علينا الاسم الولي وهو من أسمائه سبحانه ، وكان هذا الاسم قد نزعه من رسوله وخلع عليه وسماه بالعبد والرسول ،ولا يليق بالله أن يسمي بالرسول.

فهذا الاسم من خصائص العبودية التي لا تصح أن تكون للرب ، والرسالة قد انقطعت فارتفع حکم هذا الاسم بارتفاعها من حيث نسبتها بها من الله .

 ويقول في الفتوحات ج 2 / 253 :  -
اعلم أن الحق لم يطلق على نفسه من النبوة أو الرسالة اسما كما أطلق في الولاية فسمى قفسه وليا وما سمى نفسه نبيا مع كونه أخبرنا وسمع دعاءنا .

ويقول في الفتوحات ج 2 / 253 : -
فالنبي اسم خاص بالأنبياء والرسل ما هو لله ولا للأولياء بل هو اسم خاص للعبودية التي هي عين القرب من السيد وعدم مزاحمة السيد في رتبته ، بخلاف الولاية ، فإن العبد مزاحم له في اسم الولي تعالى ، ولهذا شق على المستخلصين من العبيد انقطاع اسم النبي واسم الرسول لما كان من خصائصها ولم يكن له في الأسماء الإلهية عين .

ولذلك يقول رضي الله عنه في الفتوحات ج 1 / 229 :  -
ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في أمته من يجرع مثل هذا الكأس ، وعلم ما يطرأ عليهم في نفوسهم من الألم ، لذلك رحمهم . فجعل لهم نصيبا ، فقال للصحابة « ليبلغ الشاهد الغائب » فأمرهم بالتبليغ كما أمره الله بالتبليغ لينطلق عليهم أسماء الرسل التي هي مخصوصة بالعبيد ، وقال صلى الله عليه وسلم « رحم الله امرأ سمع مقالتي
 

ص 222
 

يتكلم بكلام خارج عن التشريع فمن حيث هو ولي وعارف، "14"  ولهذا، مقامه من حيث هو عالم أتم وأكمل من حيث هو رسول أو ذو تشريع وشرع.
فإذا سمعت أحدا من أهل الله يقول أو ينقل إليك عنه أنه قال الولاية أعلى من النبوة، فليس يريد ذلك 
________________________________
فوعاها فأداها كما سمعها » یعنی حرفا حرفا ، ومن هنا تعرف شرف مقام العبودية وشرف المحدثين تقلة الوحي بالرواية ، فهذا القدر بقي من العبودية ، وهو خير عظیم امتن به عليهم ، ومهما لم ينقله الشخص بسنده متصلا غير منقطع فليس له هذا المقام ولا شم له رائحة . 
وكان من الأولياء المزاحمين الحق في الاسم الولي فنقصه من عبوديته بقدر هذا الاسم.


14 - علم الأسرار  
هو العلم الذي فوق طور العقل ، وهو علم نفث روح القدس في الروع، يختص به النبي والولي ، والعالم بعلم الأسرار يعلم العلوم كلها ويستغرقها كلها ، ولا علم أشرف من هذا العلم المحيط الحاوي على جميع المعلومات ، وما بقي إلا أن يكون المخبر به صادقا عند السامعين له معصوما . 

هذا شرطه عند العامة ، وأما العاقل اللبيب الناصح قفسه فلا يرمي به ولكن يقول هذا جائز عندي أن يكون صدقة أو كذبة ، وكذلك ينبغي لكل عاقل إذا أتاه بهذه العلوم غير المعصوم وإن كان صادقا في نفس الأمر فيما أخبر به ، ولكن كما لا يلزم هذا السامع صدقه لا يلزمه تكذيبه ولكن يتوقف ، وإن صدقه لم يضره لأنه أتي في خبره بما لا تحيله العقول بل تجوزه أو تقف عنده ، ولا يهد ركن من أركان الشريعة ولا يطل أصلا من أصولها ، فإذا أتي بأمر جوزه العقل وسكت عنه الشارع، فلا ينبغي لنا أن نرده أصلا ، ونحن مخيرون في قبوله ، فعلوم النبوة والولاية وراء طور العقل ، ليس للعقل فيها دخول بفكر ، لكن له القبول خاصة عند السليم العقل الذي لم يغاب عليه شبهة خيالية فكرية ، يكون من ذلك فساد نظره ،فإن العقل بين النظر والقبول.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله ، فإذا نطفوا به لم ينكره إلا أهل الغرة بالله » قال طبقة في هذا العلم إنه وراء طور العقل ،


ص 223

القائل إلا ما ذكرناه.
أو يقول إن الولي فوق النبي والرسول، فإنه يعني بذلك في شخص واحد: وهو أن الرسول عليه السلام من حيث هو 
_______________________________
ومنه ما يستحيل عند الفكر ويقبلها العقل من الفكر مستحيلة الوجود، لا يسكن أن يكون له تحت دليل الإمكان ، فيعلمها العقل من جانب الحق واقعة صحيحة غير مستحيلة . 
ولا يزول عنها اسم الاستحالة ولا حكم الاستحالة عقلا ، ومن هذا العلم ما يكون تحت النطق ، فما ظنك بما عند هؤلاء العلماء من العلم مما هو خارج عن الدخول تحت حكم النطق ، فما كل علم يدخل تحت العبارات ، مثل علوم الأذواق كلها ، وجعل الله هذا العلم كهيئة المكنون ما جعله مکنونا ، إذ لو كان مكنونا لاتفرد به تعالى ، فلما لم يعلمه إلا العلماء بالله ، علم أن العلم بالله يورث العلم بما يعلمه الله . فهو مستور عن العموم معلوم للخصوص ، ومعنى العلم بالله أنه لا بعلم ، فقد علمنا أن ثم ما لا يعلم على التعيين ، وما عداه فيسكن العلم به ، فآکنه قلوب العلماء بالله ، فإذا نطقوا به فيما بينهم إذ لا يصح النطق به إلا على هذا الحد، واتفق أن يكون في المجلس من ليس من أهله ولا من أهل الله، فإن أهل الله هم أهل الذكر وهم العلماء بالله ، أنكره عليهم أهل الغرة فأضاف أهليتهم إلى الغرة ، وهم الذين يزعمون أنهم عرفوا الله ، قال أبو هريرة « حملت عن النبي صلى الله عليه وسلم جرابين ، أما الواحد فبثثته فيكم ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم ».

يشير أبو هريرة رضي الله عنه إلى ما كان يقول فيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين يضرب بيده إلى صدره و يتنهد ويقول « إن ههنا لعلوما جمة لو وجدت لها حملة » .
وإلى ما كان يقوله عبد الله بن عباس البحر ، كان يلقب به لاتساع علمه ، فكان يقول في قوله عز وجل د الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن » : لو ذكرت تفسيره لرجمتموني ، وفي رواية ، لقلتم إني كافر ، وإلى هذا العلم كان يشير علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، زین العابدین ، عليهم الصلاة والسلام بقوله ، فلا أدري هل هما من قوله أو تسئل بهما
یا رب جوهر علم لو أبوح به    ….. لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا 
 ولا ستحل رجال مسلمون دمي   …. يرون أقبح ما يأتونه حسنا . 
الفتوحات  ج 1 / 200 ، 261 ، 483 - ج 2 / 114 - ج 3 / 244 

ص 224


قال الشيخ رضي الله عنه :  (القائل إلا ما ذكرناه.
أو يقول إن الولي فوق النبي والرسول، فإنه يعني بذلك في شخص واحد: وهو أن الرسول عليه السلام من حيث هو ولي أتم من حيث هو نبي رسول، لا أن الولي التابع له أعلى منه، فإن التابع لا يدرك المتبوع أبدا فيما هو تابع له فيه، إذ لو أدركه لم يكن تابعا له فافهم. "15"
فمرجع الرسول والنبي المشرع إلى الولاية والعلم.
ألا ترى الله تعالى قد أمره بطلب الزيادة من العلم لا من غيره فقال له آمرا «وقل رب زدني علما».
وذلك أنك تعلم أن الشرع تكليف بأعمال مخصوصة أو نهي عن أفعال مخصوصة ومحلها هذه الدار فهي منقطعة، والولاية ليست كذلك إذ لو انقطعت لانقطعت من حيث هي كما انقطعت الرسالة من حيث هي.
وإذا انقطعت من حيث هي لم يبق لها اسم.
والولي اسم باق لله تعالى، فهو لعبيده تخلقا وتحققا وتعلقا.
فقوله للعزير لئن لم تنته عن السؤال عن ماهية القدر لأمحون اسمك من ديوان النبوة فيأتيك الأمر على الكشف بالتجلي ويزول عنك اسم النبي والرسول، وتبقى له ولايته. "16"
إلا أنه لما دلت قرينة الحال أن هذا الخطاب جرى مجرى الوعيد علم من اقترنت عنده هذه الحالة مع الخطاب أنه وعيد بانقطاع خصوص بعض مراتب الولاية في هذه الدار، إذ النبوة والرسالة خصوص رتبة في الولاية على بعض ما تحوي عليه الولاية من المراتب.
فيعلم أنه أعلى من الولي الذي لا نبوة تشريع عنده ولا رسالة.
ومن اقترنت عنده حالة أخرى تقتضيها أيضا مرتبة النبوة، يثبت عنده أن هذا وعد لا وعيد.
فإن سؤاله عليه السلام مقبول إذ النبي هو الولي الخاص.
ويعرف بقرينة الحال أن النبي من حيث له في الولاية هذا الاختصاص محال أن يقدم على ما يعلم أن الله يكرهه منه، أو يقدم على ما يعلم أن حصوله محال.
فإذا اقترنت هذه الأحوال عند من اقترنت عنده وتقررت عنده، أخرج هذا الخطاب الإلهي عنده في قوله «لأمحون اسمك من ديوان النبوة» مخرج الوعد، وصار خبرا يدل على علو رتبة باقية، وهي المرتبة الباقية على الأنبياء والرسل في الدار الآخرة التي ليست بمحل لشرع يكون عليه أحد من خلق الله في جنة ولا نار بعد دخول الناس فيهما. "17"
وإنما قيدناه بالدخول في الدارين الجنة والنار لما شرع يوم القيامة )
__________________________
و الخلاف هنا في صحة العبارة الواردة في هذه الفقرة ، فلا يصح نسبتها بحال إلى الشيخ رضي الله عنه ، مع دقته في التعبير وانتقاء اللفظ كما يتضح من الشرح.

15 -  راجع هامش 12 ص 218
16 -  راجع هامش 13 ص 221
17  - راجع هامش 12 ص 218
 

ص 225


قال الشيخ رضي الله عنه :  (لأصحاب الفترات والأطفال الصغار والمجانين، فيحشر هؤلاء في صعيد واحد لإقامة العدل والمؤاخذة بالجريمة والثواب العملي في أصحاب الجنة.
فإذا حشروا في صعيد واحد بمعزل عن الناس بعث فيهم نبي من أفضلهم وتمثل لهم نار يأتي بها هذا النبي المبعوث في ذلك اليوم فيقول لهم أنا رسول الحق إليكم، فيقع عندهم التصديق به ويقع التكذيب عند بعضهم.
ويقول لهم اقتحموا هذه النار بأنفسكم، فمن أطاعني نجا ودخل الجنة، ومن عصاني وخالف أمري هلك وكان من أهل النار.
فمن امتثل أمره منهم ورمى بنفسه فيها سعد ونال الثواب العملي ووجد تلك النار بردا وسلاما.
ومن عصاه استحق العقوبة فدخل النار ونزل فيها بعمله المخالف ليقوم العدل من الله في عباده. "18"
وكذلك قوله تعالى «يوم يكشف عن ساق» أي أمر عظيم من أمور الآخرة، «ويدعون إلى السجود» وهذا تكليف وتشريع.
فمنهم من يستطيع ومنهم من لا يستطيع، وهم الذين قال الله فيهم «ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون» كما لم يستطع في الدنيا امتثال أمر الله بعض العباد كأبي جهل وغيره.
فهذا قدر ما يبقى )
___________________________________
18 - حديث الحميدي *
ما ورد في هذه الفقرة هو الحديث الذي أخرجه الحميدي ، في كتاب الموازنة ، ولم يثبت عند الشيخ ، لأنه يقول بخلاف ما جاء به ، فهو القائل في حكم أطفال الكفار : الذي أقول به إنه متى قدر المسلم على الصلاة على من مات من الأطفال الصغار الذين لم يحصل منهم التمييز ولا العقل أنه يصلى عليهم ، فإنهم على فطرة الإسلام ، فالطفل يصلي عليه إذا مات بكل وجه ، ولا معنى لترك الصلاة عليه ، فإن الذرية تابعة للاباء في الإيمان ولا يتبعونهم في الكفر إن كان الآباء كفارا.
أما في حق أهل الفترات فيقول : قبل التكليف لا يقيد الإنسان بل يجري بطبعه من غير مؤاخذة أصلا ، فوجد العذر لمن لم تبلغه الدعوة الإلهية ، وحكمه حكم من لم يبعث الله إليه رسولا ، وهو قوله تعالى:" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " وما كانت دعوة الرسل قبل رسول الله من عامة ، فيلزم أهل كل زمان الإيمان .
الفتوحات  ج 1 / 326 ، 519 ، 536 - ج 3 / 135 - ج 4 / 162

ص 226

من الشرع في الآخرة يوم القيامة قبل دخول الجنة والنار، فلهذا قيدناه. "19"
والحمد لله.
 _________________________________
19 - ما بقي من التكليف يوم القيامة 
يوم يكشف عن ساق الآخرة ، تقول العرب : كشفت الحرب عن ساقها ، وهي إذا حمي وطيسها ، واشتدت الحرب وعظم الخطب .
وكشف الساق كما يؤذن بالشدة ، كذلك يؤذن بسرعة انقضاء المدة ، فمع كل زعزع رخاء ، وعند انتهاء الشدائد يكون الرخاء ، يقال كشفت الحرب عن ساقها ، وعقدت عليها إزرة طوقها ، فاشتد اللزام ، وكانت نزال لما عظم القيام ، وجاء ربك في ظلل من الغمام ، والملائكة للفصل والقضاء والنقض والإبرام ، وعظم الخطب واشتد الكرب ، وماج الجميع بحكم الصدع ، ففي الموقف ترفع الحجب بين الله وبين عباده ، وهو كشف الساق ، ويأمرهم داعي الحق عن أمر الله بالسجود ، فلا يبقى أحد سجد لله خالصا على أي دین كان إلا سجد السجود المعهود ، ومن سجد اتقاء وریاء جعل الله ظهره طبقة نحاس ، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ، فهذا قوله « فلا يستطيعون » .
فقوله تعالی « يدعون إلى السجود » هو دعاء تمييز لا دعاء تكليف ، فإن الآخرة ليست بمحل تكليف إلا في يوم القيامة في موطن التمييز حين يدعون إلى السجود، إلا الحديث الذي أخرجه الحميدي في كتاب الموازنة ، ولم يثبت ، ولما اقترن به الأمر أشبه التكليف . 

فجوزوا بالسجود جزاء المكلفين ، فالتشريع لا يكون في الآخرة إلا في موطن واحد حين يدعون إلى السجود ، ليرجح بتلك السجدة میزان أصحاب الأعراف،لأنها سجدة تکلیف ، فيسعدون فينصرفون إلى الجنة بعد ما كان منزلهم في سور الأعراف ، ليس لهم ما يدخلهم النار ولا ما يدخلهم الجنة ، وإن شئت قلت سجود تسييز لا سجود ابتلاء ، فيتميز في دعاء الآخرة إلى السجود من سجد لله ممن سجد اتقاء ورياء ، وفي الدنيا لا يتميز لاختلاط الصور . 
الفتوحات ج 1 / 314 ، 509 ، 733 ، 751 - ج 2 / 211 - ج 3 / 439 - ج 4 / 367 

ص 227
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالإثنين ديسمبر 16, 2019 11:09 am

15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص العيسوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية 
الجزء الأول
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين "2"
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب "3" ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  .... روحا وصيره مثلا بتكوين  "4"
اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت الحياة فيه. "5"
ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل عليه السلام)
_________________
1 - المناسبة بين تسمية الحكمة :
وعيسى عليه السلام في قوله عليه السلام « إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا » فهو عليه السلام الوحيد الذي أخبر عن نفسه بالنبوة وهو في المهد ، فنسبت الحكمة النبوية إليه .
 
2 - يشير إلى أن عيسى عليه السلام لم يقتل :
وأنه لم يزل حيا في الدار الدنيا ، فإن السماء الثانية التي هي مسكنه الآن هي من الدار الدنيا ، وهو على زمن الشيخ قد جاوز عمره الألف سنة.
 
3 - يشير إلى تسمية عيسى عليه السلام « روح الله وكلته » فهذا هو نسبه.
4 - يشير إلى قوله عليه السلام « أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله » .
5 - قال ابن عباس رضي الله عنهما ، ما وطيء جبريل عليه السلام قط موضعا في الأرض إلا حيي ذلك الموضع:
 وما يطؤه الروح يعطي الحياة في أي صورة مركبة، فلما أبصر السامري جبريل عليه السلام حين جاء لموسى عليه السلام وعرفه وعلم أن روحه عين ذاته ، وأن حياته حياة ذاتية ، فلا يطأ موضعا إلا حيي ذلك الموضع بمباشرة
 
ص 228
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( وهو الروح.
وكان السامري عالما بهذا الأمر.
فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام.
فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.
فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه».
فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن)
_____________________________________
تلك الصورة الممثلة إياه ، وعلم أن وطأته يحيا بها ما وطئه من الأشياء ، فقبض قبضة من أثر الرسول ، فلما صاغ العجل وصوره نبذ فيه تلك القبضة فحيي ذلك العجل وخار.
راجع فتوحات ج 1 / 168 ، 337 - ج 3 / 346 
 
6 - تكوين جسم عیسی علیه السلام
لما قال أهل الطبيعة إن ماء المرأة لا يتكون منه شيء ، وإن الجنين الكائن في الرحم إنما هو من ماء الرجل ، لذلك جعلنا تکوین جسم عیسی تکوینا آخر ، وإن كان تدبيره في الرحم تدبير أجسام البنين ، فإن كان عن ماء المرأة إذ تمثل لها الروح بشرا سويا ، أو كان عن نفخ بغير ماء ، فعلى كل وجه هو جسم رابع مغاير في النشء غيره من أجسام النوع ( آدم ، وحواء ، والبنين ) 
ثم إن عيسي على ما قيل لم يلبث في بطن مريم لبث البنين المعتاد ، لأنه أسرع إليه التكوين لما أراد الله أن يجعله آية .
 
ص 229
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي "7"
 وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله.
فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمه.
وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله.
فجمع بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق"8"  ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهم من وجه، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى»،)
_____________________________________
ويرد به على الطبيعيين حيث حكموا على الطبيعة بما أعطتهم من العادة ، لا بما تقتضيه مما أودع الله فيها من الأسرار والتكوينات العجيبة ، ومن كان عن أم وأب متوهم مثالي ، أشبه جده لأمه ، إذ لا أب له ، مثل عيسى عليه السلام ، فصفته صفة جده آدم في صدوره عن الأمر ، بذا ورد التعريف الإلهي فقال « إن مثل عیسی عند الله کمثل آدم » أي الاسم الإلهي الذي وجد عنه آدم وجد عنه عيسی د خلقه من تراب » الضمير يعود على آدم ، فعيسى أخ لحواء وهو ابن ابنتها .
فتوحات ج 1 / 125 ، 679 .
 
7 - يفسره البيت الرابع من الشعر
سمي الذكر الذي هو نقيض الأنثي من الذكر ، فهو الفاعل ، والأنثى منفعلة کحواء من آدم عن ذکر بشري صوري إلهي ( خلق الله آدم على صورته ) 
وعیسی عن ذكر روحي ملكي في صورة بشر ( فتمثل لها بشرا سويا ) فحواء أتمر بسبب الصورة ، وعيسى أتم بالملكية المتجلية في الصورة البشرية المخلوقة على الحضرة الإلهية ، فجمع بين الصورة والروح ، فكان نشأة تمامية ، ظاهره بشر وباطنه ملك ، فهو روح الله وكلمته . 
فتوحات  ج 2 / 31 
 
8 - راجع هامش رقم 6
 
ص 230
 
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني» فالعامل في المجرور «يكون» لا قوله «تنفخ». 
ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ، فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسية. 
وكذلك «تبرئ الأكمه والأبرص» وجميع ما ينسب «إليه وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وبإذن الله.
فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله، فيكون العامل عند ذلك «يكون». 
فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك. 
وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه.
هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا. 
وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل )
___________________________________
9 - « أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله .. » الآية .
هذه الآية دالة على أنه ما من موجود خلقه الله عند سبب إلا بتجل إلهي خاص لذلك الموجود ، لا يعرفه السبب ، فيتكون هذا الموجود ، وهو قوله سبحانه وتعالى « فأنفخ فيه » فلم يكن للسبب غير النفخ « فيكون طيرا بإذن الله » 
فالطائر إنما كان تتوجه الأمر عليه بالكون وهو قوله تعالی «کن» بالأمر الذي يليق بجلاله ، فالعامل في قوله تعانی « بإذن الله » يتعلق بيكون طيرة ، وأما عند مثبتي الأسباب فيتعلق بقوله « أنفخ » فإنه نسب الخلق إلى عيسى عليه السلام ، وهو إيجاد صورة الطائر من الطين .
 ثم أمره أن ينفخ فيه فقامت تلك الصورة التي صورها عيسى عليه السلام طائرا حية ، وقوله « بإذن الله » يعني الأمر الذي أمره الله به في خلقه صورة الطائر والنفخ وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الميت ، فأخبر أن عيسى عليه السلام لم ينبعت إلى ذلك من نفسه وإنما كان عن أمر الله ، ليكون ذلك وإحياء الموتى من آیاته على ما يدعيه ، ويخرج عليه السلام ممن يدعي فيه الخلق.
 فتوحات ج 1 / 276 - ج 2 / 274 ، 675 - ج 3 / 149 
 
ص 231
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (  في صورة البشر. "10"
فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر.
ولم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيى إلا حتى يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها.
ولو أتى جبريل أيضا بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حتى يطهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه.
فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو، و تقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، و هو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي.
فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحيا به من الموتى، و لذلك نسبوا إلى الكفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى.
فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم،"11"
فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى)
__________________________________
10 - اعلم أنه لما وجد عيسى من غير شهوة طبيعية :
فإنه كان من باب التمثيل في صورة البشر ، فكان غالبا على الطبيعة بخلاف من نزل عن هذه الرتبة ، ولما كان الممثل به روحا في الأصل كانت في قوة عيسى إحياء الموتى ، ألا ترى السامري لمعرفته بأن جبريل معدن الحياة حيث سلك ، أخذ من أثره قبضة فرماها في العجل فخار وقام حيا .
ذخائر الأعلاق.
 
11 - « لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مریم ۰۰» الآية -
ما أجهل من قال بهذا القول من أمة عيسى عليه السلام ، فقد فاتهم علم كثير حيث قالوا ابن مریم وما شعروا ، ولهذا قال الله تعالى في إقامة الحجة على من هذه صفته « قل سموهم » فما يسمونهم إلا بما يعرفون به من الأسماء حتى يعقل عنهم ما يريدون ، فإذا سموهم تبين في 
نفس الاسم أنه ليس الذي طلب منهم الرسول المبعوث إليهم أن يعبدوه ، وادعى في عيسى عليه السلام الألوهية لأنه كان ظاهرا في العالم باسم الدهر في نهاره ، وباسم القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم في ليله ،


ص  232 


قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك.
فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي.
فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو؟
فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية فيقول هو ابن مريم، ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية فينسبه لجبريل، ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية، فيقول روح الله، أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه.
فتارة يكون الحق فيه متوهما- اسم مفعول وتارة يكون الملك فيه متوهما، وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة: فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه.
فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله "12"
 وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل )
______________________________
فكان يصوم الدهر ولا يفطر ويقوم الليل فلا ينام ، وما فيل ذلك في نبي قبله ، فإنه غاية ما قيل في العزير أنه ابن الله ، ما قیل هو الله ، فأثرت هذه الصفة من خلف حجاب الغيب في قلوب المحجوبين حتى قالوا « إن الله هو المسيح ابن مریم ، فنسبهم إلى الكفر في ذلك ، إقامة عذر لهم ، فإنهم ما أشركوا بل قالوا هو الله والمشرك يجعل مع الله إلها آخر ، فهذا كافر لا مشرك ، فوصفهم بالستر فإنهم انخذوا ناسوت عیسی مجلي .
فتوحات ج 1 / 652 ، 664 

12 - « يا أهل الكتاب لا نغلو في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عیسی ابن مریم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ۰۰» الآية .
من غلوهم في دينهم وتعظيمهم لرسلهم قالوا إن عيسى هو الله وقالت طائفة هو ابن الله وقال من لم يغل في دينه هو عبد الله وكلمه ، كما قال تعالى « وكلمته ألقاها إلى مريم » وليست غير عيسى عليه السلام ، لم يلق إليها غير ذلك ولا علمت غير ذلك، فلم تكن الكلية الإلهية التي ألقيت إليها إلا عين عیسی روح الله وكلمته وعبده « وروح منه ، وهو النفس الذي كانت به حياته ، وسمي عیسی علیه السلام بروح الله لأن جبريل عليه السلام وهو روح القدس هو الذي وهبه لأمه . 
فتوحات ج 2 / 331 ، 400 - ج 3 / 283 ، 398 

 
ص 233


قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية.
فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.
وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله.
فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، "13"  فإنها عن «كن» وكن كلمة الله. فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى  )
__________________________
13 - الموجودات هي كلمات الله
« قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا » أعيان الموجودات كلها كلمات الحق وهي لا تنفد ، فمخلوقاته لا تزال توجد ولا يزال خالقا ، فنفس الرحمن هو المعطي صور الممكنات الوجود كما أعطى النفس الحروف ، فالعالم كلمات الله من حيث هذا النفس ، 
كما قال تعالى « وكلمته ألقاها إلى مريم » وليست غير عيسى عليه السلام ، 

وقال تعالى: ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزیز حکیم » فالممكنات هي كلمات الله التي لا تنفد ، وهي تحدث أي تظهر دائما ، فالوجود والإيجاد لا يزال دائما ، فمخلوقاته لا تزال توجد ولا يزال خالقا ، وليست کلمات الله سوى صور الممكنات وهي لا تناهي ، وما لا يتناهى لا ينفد ولا يحصره الوجود والمادة التي ظهرت فيها كلمات الله وصدرت هذه الكلمات عن تركيب يعبر عنه في اللسان العربي لفظة كن ، فکلمات الله کاها عن كلمة الله « کن » وعنها تنشأ الكائنات ، وقد أخبر الله أنه ما من شيء يريد إيجاده إلا يقول له كن ، وجاء بلفظة کن لأنها لفظة وجودية فنابت مناب جميع الأوامر الإلهية ، فتظهر أعيان الكلمات وهو المعبر عنها بالعالم بكلمة كن ، فالكلمة ظهورها في النفس الرحماني ، والكون ظهورها في العماء ، فيما هو للنفس يسمى كلمة وأمر؟ ، وبما هو في العماء يسمی کونا وخلقا وظهور عين ، فکلمات الله لا تنفد وهي أعیان موجوداته ، والوجود كله كلمات الله التي لا تنفد أبدا . 
فتوحات ج 2 / 90 ، 390 ، 423 ، 459 - ج 3 / 525 - ج 4 / 65 

ص 234


قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها؟
فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري. "14"
وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد.
وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» "15"
فكل من )
________________________________________
14 - كلمة كن الإلهية
« إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له ، وهو قوله لكل شيء يريده وذلك من كون الحق متكاما «کن» بالمعنى الذي يليق بجلاله.
فتوحات ج 2 / 62 ، 201 ، 280 ، 401.


15 - «أو من كان ميتا فأحييناه ۰۰» الآية .
هذا ضرب مثل في الكفر والإيمان ، والعلم والجهل ، فالجهل موت والعلم حياة لذلك قال تعالى « أو من كان ميتا » أراد بالموت الجهل « فأحييناه ». بالعلم ، وهي الحياة العلمية التي نحيي بها القلوب ، فحياة العلم يقابلها موت الجهل ، وبالنور يقع حصوله ، كما بالظلمة يكون الجهل ، فسون النفس بعدم العلم ، فإن قلت إن العلم بالله طاريء الذي هو حياة النفوس والجهل ثابت لها قبل وجود العلم، فكيف يوصف الجاهل بالموت وما تقدمه علم ؟ 
قلنا إن العلم بالله سبق إلى نفس كل إنسان في الأخذ الميثاقي حين أشهدهم على أنفسهم ، فلما عسرت الأنفس الأجسام الطبيعية في الدنيا فارقها العلم بتوحيد الله ، فبقيت النفوس ميتة بالجهل بتوحيد الله ، ثم بعد ذلك أحيا الله بعض النفوس بالعلم بتوحيد الله .

وأحياها كلها بالعلم بوجود الله إذ كان من ضرورة العقل العلم بوجود الله ، فلهذا سميناه میتا فقال تعالى « أو من كان ميتا » يعني بما كان الله قد قبض منه روح العلم بالله ، فقال تعالى في معرض الامتنان « فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ».
فرد إليه علمه فحيي به كما ترد الأرواح إلى أجسامها في الدار الآخرة يوم البعث « كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها »


ص 235

قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله في الصورة.
فلولاه ولولانا ...  لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا   ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا "16"
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا "17"
فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا "18"
____________________________________
بريد مقابلة النور الذي يمتي به في الناس ، وما هو عين الحياة ، فالحياة الإقرار بالوجود أي بوجود الله لا بتوحيده ، ما تعرض للتوحيد في الإشهاد ، ولهذا أردف الله في الآية حين قال « فأحييناه » فلم يكتف حتى قال « وجعلنا له نورا يمشي به في الناس » يريد العلم بتوحيد الله لا غيره ، فإنه العلم الذي يقع به الشرف له والسعادة وما عدا هذا لا يقوم مكانه في هذه المنزلة . 
فتوحات ج 1 / 350 ، 558 - ج 2 / 274 ، 342 ، 618 - ج 3 / 100 - ج 4 / 312

16 - يشير إلى الظاهر في المظاهر راجع الفص رقم 5 هامش 6 ص 83 .

 "" 6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر الفص رقم 5 هامش 6 ص 83
إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ، فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606  .أهـ .""

17 - يشير إلى العلم تابع للمعلوم  راجع الفص رقم 2 هامش 3 ص 42.

"" 3 - العلم تابع للمعلوم  الفص رقم 2 هامش 3 ص 42
ليس سر القدر الذي يخفى عن العالم عينه الا اتباع العلم المعلوم ، فلا شيء أبين منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه.
وهذه مسألة عظيمة دقيقة ما في علمي أن أحدا نبه عليها إلا إن كان وما وصل إلينا ، وما من أحد إذا تحققها يمكن له إنكارها ، وفرق يا أخي بين كون الشيء موجودا فيتقدم العلم وجوده ، وبين كونه على هذه الصورة في حال عدمه الأزلي ، فهو مساوق للعلم الإلهي به ومتقدم عليه بالرتبة .
لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فإن المعلوم متقدم بالرتبة على العلم وإن تساوقا في الذهن من كون المعلوم معلوما ، لا من کونه وجودا أو عدما ، فإنه المعطي العالم العلم .
فاعلم ما ذكرناه فإنه ينفعك ويقويك في باب التسليم والتفويض للقضاء والقدر الذي قضاه حالك ، فلو لم يكن في هذا الكتاب « الفتوحات المكية » إلا هذه المسألة لكانت كافية لكل صاحب نظر سدید و عقل سلیم .
واعلم أن الله تعالى ما كتب إلا ما علم ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هي عليه في أنفسها ما يتغير منها وما لا يتغير ، فيشهدها كلها في حال عدمها على تنوعات تغييراتها إلى ما لا يتناهی ، فلا يوجدها إلا كما هي عليه في نفسها ، فمن هنا تعلم علم الله بالأشياء معدومها وموجودها ، وواجبها وممكنها ومحالها ، ومن هنا إن عقلت وصف الحق نفسه بأن له الحجة البالغة لو توزع .

فإنه من المحال أن يتعلق العلم إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه ، فلو احتج أحد على الله بأن يقول له علمك سبق فيه بأن أكون على كذا فلم تواخذني ، يقول له الحق هل علمتك إلا بما أنت عليه ؟
فلو كنت على غير ذلك لعلمتك على ما تكون عليه ، ولذلك قال « حتى تعلم » فارجع إلى نفسك وأنصف في كلامه ، فإذا رجع العبد على نفسه ونظر في الأمر كما ذكرناه علم أنه محجوج، وأن الحجة لله تعالى عليه.
أما سمعته تعالى يقول: « وما ظلمهم الله" "وما ظلمناهم" .
وقال « ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، كما قال « ولكن كانوا هم الظالمين » يعني أنفسهم .
فإنهم ما ظهروا لنا حتى علمناهم وهم معدومون إلا بما ظهروا به في الوجود من الأحوال ، فعندنا ما كانت الحجة البالغة لله على عباده إلا من كون العلم تابعا للمعلوم ما هو حاكم على المعلوم.
فإن قال المعلوم شيئا كان الله الحجة البالغة عليه بأن يقول له ما علمت هذا منك إلا بكونك عليه في حال عدمك ، وما أبرزتك في الوجود إلا على قدر ما أعطيتني من ذاتك بقبولك ، فيعرف العبد أنه الحق فتندحض حجة الخلق ، فلا نزال نراقب حكم العلم فينا من الحق حتى تعلم ما كنا
فيه ، فإنه لا يحكم فينا إلا بنا.
فمن وقف في حضرة الحكم وهي القضاء على حقيقتها شهودا علم سر القدر ، وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء ، فما جاءها شيء من خارج ، "ولا ينكشف هذا السر حتى يكون الحق بصر العبد" ، فإذا كان بصر العبد بصر الحق نظر الأشياء ببصر الحق، حينئذ انكشف له علم ما جهله، إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء ، ومن وقف على سر القدر ،" وهو أن الإنسان مجبور في اختياره "، لم يعترض على الله في كل ما يقضيه و يجريه على عباده وفيهم ومنهم ، وهذا يشرح ما ذكره الشيخ في كتابه المشاهد القدسية من أن الحق قال له « أنت الأصل وأنا الفرع ".
وعلامة من يعلم سر القدر هو أن يعلم أنه مظهر ، وعلامة من يعلم أنه مظهر ، أن تكون له مظاهر حيث شاء من الكون كقضيب البان ، فإنه كان له مظاهر فيما شاء من الكون حيث شاء من الكون.
وإن من الرجال من يكون له الظهور فيما شاء من الكون لا حيث شاء ، ومن كان له الظهور حيث شاء من الكون كان له الظهور فيما شاء من الكون.
فتكون الصورة الواحدة تظهر في أماكن مختلفة ، وتكون الصور الكثيرة على التعاقب تلبس الذات الواحدة في عين المدرك لها ، ومن عرف هذا ذوقا .
كان متمكنا من الاتصاف بمثل هذه الصفة ، وهذا هو علم سر القدر الذي ينكشف لهم .
 راجع الفتوحات ج2 / 2 , 13 .  ج4/ 16 , 70 , 74 , 182 , 235. أهـ ""

18 - يشير إلى أن هذا الشهود ليس بدائم

ص 236
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالإثنين ديسمبر 16, 2019 11:10 am

15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص العيسوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية 
الجزء الثاني
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة.
وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه.
فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم.
فهو لها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة. "19"
فالعناصر صورة من صور الطبيعة.
وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السماوات السبع. )
____________________________________________
10 - الطبيعة هي نفس الرحمن
اعلم أن الله وصف نفسه بأن له نفسا بفتح الفاء وأضافه إلى الاسم الرحمن ، لنعلم إذا ظهرت أعياننا وبلغتنا سفراؤه هذا الأمر شمول الرحمة وعمومها ومآل الناس والخلق إليها .
فإن الرحمن لا يظهر عنه إلا مرحوم ، فالنفس أول غيب فظهر لنفسه ، فكان فيه الحق من اسمه الرب ( إشارة إلى الحديث النبوي ) مثل العرش اليوم الذي استوى عليه بالاسم الرحمن ، وهو أول كثيف شفاف نوري ظهر.
فلما تمیز عمن ظهر عنه وليس غيره ، وجعله تعالی ظرفا له « إشارة إلى ما جاء في الحديث - كان الله في عماء - » لأنه لا يكون ظرفا له إلا عينه ، فظهر حكم الخلاء بظهور هذا النفس ، ثم أوجد من هذا العماء جميع صور العالم ، وفيه ظهرت الملائكة المهيمة والعقل والنفس والطبيعة ( البنت لا الأم) و الطبيعة (الأم) هي أحق نسبة بالحق مما سواها .
فإن كل ما سواها ما ظهر إلا فيما ظهر منها ، وهو النفس بفتح الفاء ، وهو الساري في العالم ، أعني في صور العالم ، وبهذا الحكم يكون نجلي الحق في الصور التي ذكرها عن نفسه لمن عقل عنه ما أخبر به عن نفسه تعالى .

فانظر في عموم حكم الطبيعة ، وانظر في قصور حكم العقل لأنه في الحقيقة صورة من صور الطبيعة، بل من صور العماء ، والعماء هو من الطبيعة ، وإنما جعل من جعل رنية الطبيعة دون النفس وفوق الهيولي لعدم شهوده الأشياء، وإن كان صاحب شهود ومشى هذه المقالة فإنه يعني بها الطبيعة ( البنت ) التي ظهرت بحكمها في الأجسام الشفافة من العرش فما حواه ، فهي بالنسبة إلى الطبيعة نسبة البنت إلى المرأة التي هي الأم ، فتلد کا .تلد أمها ، وإن كانت البنت مولودة عنها ، فلها ولادة على كل من يولد عنها ، وكذلك

 

ص 237


قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
وأما أرواح السموات السبع و أعيانها فهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون و من فوقهم طبيعيون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعني الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة. "20"
و التقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس. ألا ترى الذات )
___________________________________
العناصر عندنا القريبة إلينا ( الماء والهواء والتراب والنار ) هي طبيعة لما تولدت عنها ، فلهذا سميناها طبيعة ( أي البنت ) ، فالعماء هو الجسم الحقيقي العام الطبيعي الذي هو صورة من قوة الطبيعة ( الأم ) تجلى لما يظهر فيه من الصور ، وما فوقه رتبة إلا رتبة الربوبية التي طلبت صورة العماء من الاسم الرحمن ، فتنفس فكان العماء . 
فلو لم تكن الطبيعة - وهي موجود خامس هو أصل للأركان الأربع - نورا في أصلها لما وجدت بين النفس الكلية وبين الهيولي الكل ، فعن الطبيعة ظهر كل جسم وجسد وجسماني من عالم الأجسام العلوي والسفلي ، فتركيبها لا نهاية له في الدنيا والآخرة .

فالنشأة الطبيعية تحوي على الأسرار الإلهية ، وأنها من نفس الرحمن ظهرت في الكون ، فذمت وجهل قدرها فأول صورة قبل نفس الرحمن صورة العماء فهو بخار رحماني فيه الرحمة بل هو عين الرحمة ، فجوهر العالم في النفس الرحماني الذي ظهرت فيه صور العالم . 
فتوحات ج 1 / 56 ، 723 - ج 2 / 352 ، 551 - ج 3 / 420 ، 430 ، 452 


20 ۔ خصام الملائكة
قال الله تعالی « ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون »
المولد من الأضداد المتنافرة لابد فيه من المنازعة ، ولاسيما المولد من الأركان، فإنه مولد من مولد من مولد من مولد رکن عن فلك عن برج عن طبيعة عن نفس ، والأصل الأسماء الإلهية المتقابلة .
ومن هنالك سرى التقابل في العالم ، فنحن في آخر الدرجات، فالخلاف فيما علا عن رتبة المولد من الأركان أقل، وإن كان لا يخلو، الإ تړي إلى الملأ الأعلى كيف يختصمون .. وهذه الآية مما يدل على أن الملائكة من بعالم

ص 238


قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟.
فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، وليس إلا النفس الإلهي.
فبما فيه من الحرارة علا، وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.
ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح.
وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية.
ثم إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان و إن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان، و لو لم يكن إلا كونهما اثنين أعني يدين، لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها وهي متقابلة.
فجاء باليدين: ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه. "21"
وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى )
________________________________
الطبيعة ، مخلوقون مثل الأناسي غير أنهم ألطف ، كما أن الجن ألطف من الإنسان مع كونهم من ثار من مارجها ، والنار من عالم الطبيعة ، فكذلك الملائكة عليهم السلام من عالم الطبيعة ، وهم عمار الأفلاك والسموات ، فإنهم يختصمون والخصام من الطبيعة لأنها مجموع أضداد ، والمنازعة والمخالفة هي عين الخصام ، ولا يكون إلا بین ضدین ، فلولا أن الملائكة في نشأتها على صورة نشأتنا ، أي أن نشأتها عنصرية ، ما ذكر الله عنهم أنهم يختصمون ، والخصام لا يكون إلا مع الأضداد ، فالملائكة عليهم السلام لو لم تكن الأنوار التي خلقت منها موجودة من الطبيعة مثل السموات التي عمرتها هؤلاء الملائكة ، فإنها كانت دخانا ، فكانت السموات أجساما شفافة لأن كمية الحرارة واليبس فيها أكثر من الرطوبة ، وخلق الله عمار كل فلك من طبيعة فلکه ، فلذلك كانت الملائكة من عالم الطبيعة وإن كانت أجسامهم نورية فمن نور الطبيعة كنور السراج ، فأثر فيهم حكم الطبيعة الخصام لما فيها من التقابل والتضاد ، والضد والمقابل منازع لمقابله ، فهذه هي الحقيقة التي أورثتهم الخصومة.
ونعتوا بأنهم يختصمون لأن الخصام لا يكون إلا فيمن ركب من الطبائع لما فيها من التضاد ، فلا بد فيمن يتكون عنها أن يكون على حكم الأصل ، فالنور الذي خلقت منه الملائكة نور طبيعي ، فكانت فيها الموافقة من وجه و المخالفة من وجه .

21 - ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه
نفس المعنى في الفتوحات ج 2 / 70  - ج 4 / 410

"" أضاف الجامع :  لما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب    
ذكر الشيخ عن خلق آدم على الصورة وباليدين في الفتوحات الباب الثامن والأربعون :
"إنما صحت الصورة لآدم لخلقه باليدين فاجتمع فيه حقائق العالم بأسره والعالم يطلب الأسماء الإلهية فقد اجتمع فيه الأسماء الإلهية ولهذا خص آدم عليه السلام بعلم الأسماء كلها التي لها توجه إلى العالم ولم يكن ذلك العلم أعطاه الله للملائكة وهم العالم الأعلى الأشرف قال الله عز وجل وعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ولم يقل بعضها وقال عَرَضَهُمْ ولم يقل عرضها فدل على أنه عرض المسمين لا الأسماء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم غيبك". أهـ 

 
وقال الشيخ رضي الله عنه عن الكامل من يعطى بالحالتين ليجمع بين الحقيقتين الفتوحات الباب السبعون في معرفة أسرار الزكاة
"ورد من سن سنة حسنة الحديث وأما الكامل من أهل الله فهو الذي يعطي بالحالتين ليجمع بين المقامين ويحصل النتيجتين وينظر بالعينين ويسلك النجدين ويعطي باليدين فيعلن في وقت في الموضع الذي يرى أن الحق رجح فيه الإعلان ويسر بها في وقت الموضع الذي يرى أن الحق رجح فيه الأسرار وهذا هو الأولى بالكمل من أهل الله في طريق الله تعالى" أهـ.

 

قال الشيخ رضي الله عنه كن للشيء بالحرفين وخلق آدم باليدين في الفتوحات في الرد على السؤال الثالث والأربعون للحكيم الترمذي :
فقوله للشيء كن بالحرفين الكاف والنون بمنزلة اليدين في خلق آدم فأقام القول للشيء مقام المباشرة وأقام الكاف والنون مقام اليدين وأقام الواو المحذوفة لاجتماع الساكنين مقام الجامع بين اليدين في خلق آدم وأخفى ذكره كما خفيت الواو من كن غير أن خفاءها في كن لأمر عارض وخفاء الجامع بين اليدين لاقتضاء ما تعطيه حقيقة الفعل وهو قوله ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ والْأَرْضِ وهو حال الفعل لأنه ليس في حقائق ما سوى الله ما يعطي ذلك المشهد فلا فعل لأحد سوى الله ولا فعل عن اختيار واقع في الوجود فالاختيارات المعلومة في العالم من عين الجبر فهم المجبورون في اختيارهم والفعل الحقيقي لا جبر فيه ولا اختيار لأن الذات تقتضيه فتحقق ذلك " أهـ .
 

قال الشيخ رضي الله عنه عن ملك الآلاء في سورة الرحمن في الفتوحات في إجابة سؤال الحكيم الترمذي الحادي عشر ومائة ما صفة ملك الآلاء؟
"فمن أراد تحقيق ملك الآلاء فليتدبر سورة الرحمن من القرآن وينظر إلى تقديم الإنس على الجن في آيتها وقوله تعالى خَلَقَ الْإِنْسانَ أيضا فابتدأ به تقديرا ومرتبة نطقية تهمما به على الجن وإن كان الجن موجودا قبله يؤذن بأنه وإن تأخرت نشأته فهو المعتنى به في غيب ربه لأنه المقصود من العالم لما خصه به من كمال الصورة في خلقه باليدين وعلمه الأسماء والإفصاح عما علمه بقوله عَلَّمَهُ الْبَيانَ " أهـ.


قال الشيخ رضي الله عنه أن لعيسى عليه السلام من علم الكيمياء الطريقين الفتوحات الباب السابع والستون ومائة في معرفة كيمياء السعادة :
"فإن لعيسى "عليه السلام" من علم الكيمياء الطريقين الإنشاء وهو خلقه الطير من الطين والنفخ فظهر عنه الصورة باليدين والطيران بالنفخ الذي هو النفس فهذه طريقة الإنشاء في علم الكيمياء الذي قدمناه في أول الباب والطريق الثانية إزالة العلل الطارئة وهو في عيسى إبراء الأكمه والأبرص وهي العلل التي طرأت عليهما في الرحم الذي هو من وظيفة التكوين فمن هنا يحصل لهذا التابع علم المقدار والميزان الطبيعي والروحاني لجمع عيسى بين الأمرين ومن هذه السماء يحصل لنفس هذا التابع الحياة العلمية التي يحيي بها القلوب كقوله أَومن كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وهي حضرة جامعة فيها من كل شيء وفيها الملك الموكل بالنطفة في الشهر السادس ومن هذه الحضرة يكون الإمداد للخطباء والكتاب لا للشعراء ولما كان لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم جوامع الكلم خوطب من هذه الحضرة وقيل ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ لأنه أرسل مبينا مفصلا والشعر من الشعور فمحله الإجمال لا التفصيل وهو خلاف البيان ومن هنا تعلم تقليبات الأمور ومن هنا توهب الأحوال لأصحابها" أهـ.


قال الشيخ رضي الله عنه عن صورة الإنسان الأول المخلوق باليدين الفتوحات الباب الثامن والتسعون ومائة في معرفة النفس :
"والذات الحاملة لهاتين القوتين نفسا فإن كانت الصورة الإلهية فلا تخلو إما أن تكون جامعة فهي صورة الإنسان أو غير جامعة فهي صورة العقل فإذا سوى الرب الصورة العقلية بأمره وصور الصورة الإنسانية بيديه توجه عليهما الرحمن بنفسه فنفخ فيهما روحا من أمره فأما صورة العقل فحملت في تلك النفخة بجميع علوم الكون إلى يوم القيامة وجعلها أصلا لوجود العالم وأعطاه الأولية في الوجود الإمكانى وأما صورة الإنسان الأول المخلوق باليدين فحمل في تلك النفخة علم الأسماء الإلهية ولم يحملها صورة العقل فخرج على صورة الحق وفيه انتهى حكم النفس إذ لا أكمل من صورة الحق ودار العالم وظهر الوجود الإمكانى بين نور وظلمة وطبيعة وروح وغيب وشهادة وستر وكشف فما ولي من جميع ما ذكرناه الوجود المحض كان نورا وروحا وما ولي من جميع ما ذكرناه العدم المحض كان ظلمة وجسما وبالمجموع يكون صورة فإن نظرت العالم من نفس الرحمن قلت ليس إلا الله وإن نظرت في العالم من حيث ما هو مسوى ومعدل قلت المخلوقات وما رَمَيْتَ من كونك خلقا إِذْ رَمَيْتَ من كونك حقا ولكِنَّ الله رَمى لأنه الحق فبالنفس كان العالم كله متنفسا والنفس أظهره وهو للحق باطن وللخلق ظاهر فباطن الحق ظاهر الخلق وباطن الخلق ظاهر الحق وبالمجموع تحقق الكون وبترك المجموع قيل حق وخلق فالحق للوجود المحض والخلق للإمكان المحض"أهـ.

قال الشيخ رضي الله عنه عن تشريف آدم بخلقه باليدين الفتوحات الباب الأحد والستون وثلاثمائة في معرفة منزل الاشتراك مع الحق في التقدير وهو من الحضرة المحمدية:
"فإن الله ما ذكر أنه خاطب إلا الملائكة ولهذا قال فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ونصب إبليس على الاستثناء المنقطع لا المتصل وهذه الأرواح المهيمة في جلال الله لا تعلم أن الله خلق آدم ولا شيئا لشغلهم بالله يقول الله لإبليس أَمْ كُنْتَ من الْعالِينَ أي من هؤلاء الذين ذكرناهم فلم تؤمر بالسجود والسجود التطأطؤ في اللسان لأن آدم خلق من تراب وهو أسفل الأركان لا أسفل منه ومن هنا يعرف شرف نقطة الدائرة على محيطها فإن النقطة أصل وجود المحيط فالعالون ما أمروا بالسجود لأنهم ما جرى لهم ذكر في تعريف الله إيانا ولو لا ما ذكر الله إبليس بالإباءة ما عرفنا أنه أمر بالسجود فما أضاف آدم إلى يديه إلا على جهة التشريف على غيره والتنويه لتعلم منزلته عند الله ثم زاد في تشريفه بخلقه باليدين" أهـ.

 
قال الشيخ رضي الله عنه أن شجرة طوبى لجميع شجر الجنات كآدم لما ظهر منه من البنين الفتوحات الباب الأحد والسبعون وثلاثمائة في معرفة منزل سر :
" واعلم أن شجرة طوبى لجميع شجر الجنات كآدم لما ظهر منه من البنين فإن الله لما غرسها بيده وسواها نفخ فيها من روحه وكما فعل في مريم نفخ فيها من روحه فكان عيسى يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص فشرف آدم باليدين ونفخ الروح فيه فأورثه نفخ الروح فيه علم الأسماء لكونه مخلوقا باليدين فبالمجموع نال الأمر وكانت له الخلافة .
"الْمالُ والْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا " وتولى الحق غرس شجرة طوبى بيده ونفخ الروح فيها زينها بثمر الحلي والحلل الذين فيهما زينة للابسهما فنحن أرضها .
فإن الله جعل ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها وأعطت في ثمر الجنة كله من حقيقتها عين ما هي عليه كما أعطت النواة النخلة وما تحمله مع النوى الذي في ثمرها وكل من تولاه الحق بنفسه من وجهه الخاص بأمر ما من الأمور فإن له شفوفا وميزة على من ليس له هذا الاختصاص ولا هذا التوجه والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ " أهـ


قال الشيخ رضي الله عنه  لا يعرف قدر الحق إلا من عرف الإنسان الكامل الفتوحات  الباب السادس والتسعون وأربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ :
ما قدر الله غيره أبدا   .....   وليس غير فكلهم قدرا
ما حق قدر الآلة عندي سوى   ..... بأنه الله فاعرف الصورا
لو يعرف الخلق ما أفوه به   ..... في حق قدر الآلة ما اعتبرا
لو عبروا عن وجود ذاتهم   ..... ما عرفوا الحق لا ولا البشرا
"لا يعرف قدر الحق إلا من عرف الإنسان الكامل الذي خلقه الله على صورته وهي الخلافة .
ثم وصف الحق في الصورة الظاهرة نفسه باليدين والرجلين والأعين وشبه ذلك مما وردت به الأخبار مما يقتضيه الدليل العقلي من تنزيه حكم الظاهر من ذلك في المحدثات عن جناب الله فحق قدره إضافة ما أضافه إلى نفسه مما ينكر الدليل إضافته إليه تعالى إذ لو انفرد دون الشرع لم يضف شيئا من ذلك إليه فمن أضاف مثل هذا إليه عقلا فذلك هو الذي ما قدر الله حق قدره وما قال أخطأ المضيف ومن أضافه شرعا وشهودا وكان عَلى بَيِّنَةٍ من رَبِّهِ .
فذلك الذي قدر الله حق قدره فالإنسان الكامل الذي هو الخليفة قدر الحق ظاهرا وباطنا صورة ومنزلة ومعنى فمن كل شيء في الوجود زوجان لأن الإنسان الكامل والعالم بالإنسان الكامل على صورة الحق والزوجان الذكر والأنثى ففاعل ومنفعل فيه فالحق الفاعل والعالم منفعل فيه لأنه محل ظهور الانفعال بما يتناوب عليه من صور الأكوان من حركة وسكون واجتماع وافتراق ومن صور الألوان والصفات والنسب فالعالم قدر الحق وجودا وأما في الثبوت فهو أظهر لحكم الأزل الذي هو للممكنات.أهـ""

ص 239

قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك.
ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا.
فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة.
والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي. "22"
فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم)
___________________________________
22 - أفضلية الملائكة على الإطلاق *
هذا التقسيم المذكور هنا يخالف ما ذهب إليه الشيخ ونص عليه من أن الملائكة أفضل من البشر على الإطلاق إذ يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم  قام عندما رأى جنازة يهودي ، فقيل له إنها جنازة يهودي ، فقال : أليس معها الملك ؟ وقال مرة أخرى : إن الموت فزع ، وقال مرة أخرى : أليست نفسا ؟ 
ولكل قول وجه ، أرجى الأقوال أليست نفسا لمن عقل ، فكان قيامه مع الملك ، وفي هذا الحديث قيام المفضول للفاضل عندنا ، وعند من يرى أن الملائكة أفضل من البشر على الإطلاق .
هكذا قال لي رسول الله م في مبشرة أريتها في هذه المسألة الطفولية التي بين الناس ، واختلافهم في فضل الملائكة على البشر ، فإني سألت رسول الله و في الواقعة ، فقال لي : إن الملائكة أفضل .
فقلت له : يا رسول الله فإن سئات ما الدليل على ذلك فما أقول ؟
فأشار إلي أن قد علمتم أني أفضل الناس ، وقد صح عندكم وثبت وهو صحيح اني قلت عن الله تعالى أنه قال : من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وكم ذاكر لله تعالى ذكره في ملا أنا فيهم ، فذكره الله في ملأ خير من ذلك الذي أنا فيهم - فما سررت بشيء سروري بهذه المسألة ، فإنه كان على قلبي منها كثير ، فإن جماعة من أصحابنا غلطت في هذه المسألة لعدم الكشف ، فقالت بطريق القوة والفكر الفاسد إن الكامل من بني آدم أفضل من الملائكة عند الله مطلقا، ولم تقید صنفا ولا مرتبة من المراتب التي تقع عليها الفضلية لمن هو فيها على غيره، 

ص 240


قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد. "22"
_________________________________
وهم مسؤولون مؤاخذون بذلك عند الله ، والعالم بالله المكسل هو الذي يحمي نفسه أن يجعل الله عليه حجة بوجه من الوجوه ، ومن أراد أن يسلم من ذلك فليقف عند الأمر والنهي ، ولیر نقب الموت ويلزم الصمت إلا عن ذكر الله من القرآن خاصة ، فالملأ الأعلى عند الله أنعرف من آدم عليه السلام ، ومع هذا فكان عند آدم ما لم يكن عندهم من علم الأسماء وقد أوضحت دلیل تفضيل الملأ الأعلى من الملائكة على أعلى البشر ، أعطاني ذلك الدليل رسول الله صلى الله عليه وسلم في رؤية أريتها ، وقبل تلك الرؤية ماكنت أذهب إلى مذهب جملة واحدة .

قال تعالى « إن الله وملائكته يصلون على النبي » فلو لم يكن من شرف الملائكة على سائر المخلوقات إلا جمع الضمير في « يصلون» بينهم وبين الله لكفاهم وما احتيج بعد ذلك إلى دليل آخر ، فإن فضل آدم عليه السلام لم يعم ، هكذا أخبرني رسول الله ما في واقعة رأتها ، وهكذا أخبر الخليل إبراهيم عليه السلام شيخنا أبا مدين بأن فضل آدم لم يعم ، فالإنسان اکسل نشأة والملك أكمل منزلة ،كذا قال لي رسول الله من في الواقعة. 
الفتوحات ج 1 / 527 ، 640 - ج 2 / 61 ، 423 .


23 - محاضرة الأسماء ومحاوربها
يقول الشيخ في كتابه « عنقاء مغرب » في باب محاضرة أزلية على نشأة أبديه : اجتمعت الأسماء بحضرة المسمى اجتماعا كريما وتريا منزهة عن العدد ، من غير مادة الأمد ، فلما أخذ كل اسم فيها مرتبته ، ولم يتعد منزلته ، فتنازعوا الحدت دون محاورة ، وأشار كل اسم إلى الذي يجانبه دون ملاصقة ومجاورة ، وقالت . 
يا ليت شعرنا ، هل يتضمن الوجود غيرنا ، فما عرف أحد منهم ما يكون ، إلا اسان أحدهما العلم المكنون ، فرجعت الأسماء إلى الاسم العليم الفاضل : وقالوا أنت لنا


ص 241
 

قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس )
________________________________
الحكم العادل، فقال نعم " باسم الله"، وأشار إلى الاسم الجامع « الرحمن » وأشار إلى الاسم التابع «الرحيم»، وأشار إلى الاسم العظيم وصلى الله» ورجع إلى الاسم الجامع من جهة الرحمة « على النبي » وأشار إلى الاسم الخبير والعلي" ، بمحمد الكريم ، وأشار إلى الاسم الحميد « خاتم الأنبياء وأول الأمة، وصاحب لواء الحمد والنعمة » فنظر في الأسماء من لم يكن له فيما ذكره العليم حظ ، ولا جرى عليه من اسسه التكريم لفظ ، وقال العليم ، من ذا الذي صليت عليه ، وأثرت في كلامك إليه ، وقرنته بحضرة جمعنا (قرن الشهادة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) .
 وقرعت به باب سمعنا ، ثم خصصت بعضنا بالإشارة والتقييد، إلى اسمه الرحيم والحميد ، فقال لهم يا عجبا ، وهذا هو الذي سألتموني عنه أن أبينه لكم تحقيقا ، وأوضح لكم إلى معرفته طريقا ، هو موجود يضاهيكم في حضرتكم ، وتظهر عليه آثار نفحتكم، فلا يكون في هذه الحضرة شيء إلا ويكون فيه ، ويحصله ويستوفيه ، ويشارككم في أسمائكم ، ويعلم بي حقائق انبائكم ، وعن هذا الوجود المذكور الصادر من حضرتكم ، وأشار إلى بعض الأسماء منها الجود والنور يكون الكون ، والكيف والأين ، وفيه تظهر بالاسم الظاهر حقائقكم ، وإليه بالاسم المنان وأصحابه تستد رقائقكم ، فقالت تنبيها على أمر لم يكن به عليما ، وكان هذا الاسم - وأشارت إلى المفضل - علينا عظيما ، فمتى يكون هذا الأمر ، ويلوح هذا السر ؟ 

فقال سألتم الخبير ، واهتديتم بالبصير ، ولسنا في زمانه ، فيكون بيننا وبين هذا الكون مدة وأوان ، فغاية الزمان في حقنا ملاحظة المشيئة حضرة التقديم ، فتعالوا نسأل هذا الاسم الإحاطي في جنسه ، المنزه في نفسه ، وأشارت إلى المريد ، فقيل له متى يكون عالم التقييد في الوجود الذي يكون لنا فيه الحكم والصولة، ونجول بظهور آثارنا عليه في الكون على ما ذكره الاسم الحكيم جولة ؟ 
فقال المريد وكان به

ص 242
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس» )
_________________________________
قد كان ، ويوجد في الأعيان ، وقال الاسم العليم ویسی بالإنسان ، ويصطفية الاسم الرحمن ، ويفيض عليه الاسم المحسن وأصحابه سوابغ الإحسان ، فأطلق الاسم الرحمن محياه ، وحيا الاسم المحسن وبیاه ، وقال نعم الأخ ونعم الصاحب ، وكذلك الاسم الواهب ، فقام الاسم الوهاب ، فقال وأنا المعطي بحساب وبعير حساب . 

فقال الاسم الحسيب ، أقيد عليكم ما تهبونه ، وأحسب عليكم ما تعطونه ، بشهادة الاسم الشهيد ، فإنه صاحب الضبط والتقييد ، غير أن الاسم العليم قد يعرفی المعطى له ما يحصل له في وقت ، ويبهم عليه الاسم المريد في وقت إبهامه يعلمه ولا يمضيه ، ويأمر بالشيء ويريد ضده فلا يقضيه ، فلا زوال لي عنكما ، ولا فراق لي منكما ، فأنا لكم لزيم ، فنعم الجار والحميم ، فتوزعت الأسماء كلها مملكة العبد الإنساني، على هذا الحد الرباني وتفاخرت في الحضرة الإلهية الذائية بحقائقها . 

وبينت حكم مسالكها وطرائقها ، وتعجلت وجود هذا الكون ، رغبة في أن يظهر لهم عين ، فلجأوا إلى الاسم المريد ، الموقوف علیه تخصيص الوجود ، وقالوا سألناك بهذه الحضرة التي جمعتنا ، والذات التي شملتنا ، إلا ما علقت نفسك بهذا الوجود المنتظر فأردته ، وأنت يا قادر سألناك بذاك إلا ما أوجدته ، وأنت یا حکیم سألناك بذلك إلا ما أحكمته ، وأنت يا رحمن سألناك بذاك إلا ما رحمته ، ولم نزل الأساء تسأل كلها واحدة واحدة ، قائما وقاعدة ، فقال القادر يا إخواننا على المريد بالتعلق وعلي بالإيجاد ، وقال الحكيم على القادر بالوجود وعلي" بالإحكام . 

فقام الرحمن وقال علي بصلة الأرحام فإنه شجنة مني فلا صبر لها عني ، فقال له القادر كل ذلك تحت حكمي وقهري ، 
فقال له القاهر لا تفعل إن ذلك لي وأنت خادمي ، وإن كنت صاحبي وحميمي ، فقال العليم أما الذي قال تحت حكمي فليقدم علي . 
فتوقف الأمر على جميع الأسماء ، وأن بجملتها يصح وجود عالم الأرض والسماء ، وما بينهما إلى مقام
 

ص 243

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالإثنين ديسمبر 30, 2019 7:36 pm

16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص السليماني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الأول
16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية  
«إنه» يعني الكتاب «من سليمان، وإنه» أي مضمون الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم».
فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله تعالى ولم يكن كذلك.
وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه. "2"
وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه «ألقي إلي كتاب كريم» أي يكرم عليها.
وإنما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه.
فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وقفت له.
فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السلام على اسم الله عز

........................................................................

1 - المناسبة في تسمية هذا النص هو كتاب سليمان عليه السلام
وما جاء فيه من ذکر « بسم الله الرحمن الرحيم » فأتى سلیمان عليه السلام بالاسمين الرحمن والرحيم ، وهذا الفص يتناول بالبحث الرحمة الإلهية وتقسيمها وتعلق الأسماء الإلهية بها ، فلذلك أضيفت الحكمة الرحمانية إلى سليمان عليه السلام الذي جمع بين هذين الاسمين في كتابه إلى بلقيس.

2 - تقديم اسم سلیمان عليه السلام في كتابه إلى بلقیس.
يقول الشيخ في شرح كتاب الإسراء وكتاب النجاة عن حجب الاشتباه في شرح مشکل الفوائد من كتابي الإسراء والمشاهده
فعل سليمان ذلك لأنه أدب وقته وشرع وقته ، وهو شرحه لقوله : «قدم اسمك فهو الشرع المتبع وإن لم تفعل فلست بمتبع » أي بالنسبة إلى أهل ملتك وزمانك ،
وأما قوله : « لا تقدم اسمك على اسم مولاك فإنما كان ذلك لعلة هناك » فانظر كيف جاء في الستكة تقديم التهليل في شهادة التوحيد على ذكر الرسول عليه السلام ،
وقوله « إنما كان ذلك ، إشارة إلى سليمان عليه السلام ، اصطلاحهم في ذلك الزمان ، فلم تقتض الحكمة أن يخرج عن عادة أهل الزمان .
 

ص 253


وجل ولا تأخيره.
فأتى سليمان بالرحمتين: رحمة الامتنان ورحمة الوجوب اللتان هما الرحمن الرحيم.
فامتن بالرحمن وأوجب بالرحيم.
وذا الوجوب من الامتنان.
فدخل الرحيم في الرحمن دخول تضمن.
فإنه كتب على نفسه الرحمة سبحانه ليكون ذلك للعبد بما ذكره الحق من الأعمال التي يأتي بها هذا العبد، حقا على الله تعالى أوجبه له على نفسه يستحق بها هذه الرحمة- أعني رحمة الوجوب. "3"
........................................................................

3 - الرحمات الإلهية الثلاث
جعل الله في أم الكتاب أربع رحمات فضمن الآية الأولى من أم الكتاب وهي البسملة رحمتين وهي قوله « الرحمن الرحيم » وضمن الآية الثالثة منها أيضا رحمتين وهما قوله « الرحمن الرحيم » فهو رحمن بالرحمتين وهي رحمة الامتنان ، وهو رحيم بالرحمة الخاصة وهي الواجبة في قوله « فسأكتبها للذين يتقون » الآيات ، وقوله « كتب ربكم على نفسه الرحمة » وأما رحمة الامتنان فهي التي تنال من غير استحقاق بعمل ، وبرحمة الامتنان رحم الله من وفقه للعمل الصالح الذي أوجب له الرحمة الواجبة ، فيها (أي رحمة الامتنان ) ينال العاصي وأهل النار إزالة العذاب وإن كان مسكنهم ودارهم جهنم ، وهذه رحمة الامتنان ، فالرحمن في الدنيا والآخرة والرحيم اختصاص الرحمة بالآخرة .

واعلم أن الرحمة الإلهية التي أوجده الله في عباده ليتراحموا بها مخلوقة من الرحمة الذاتية التي أوجد الله بها العالم حين أحب أن يعرف وبها كتب على نفسه الرحمة ، والرحمة المكتوبة منفعلة عن الرحمة الذاتية ، والرحمة الامتنانية هي التي وسعت كل شيء ، فرحمة الشيء لنفسه تمدها الرحمة الذاتية وتنظر إليها ، وفيها يقع الشهود من كل رحيم بنفسه ، والرحمة التي كتبها على نفسه لا مشهد لها في الرحمة الذاتية ولا الامتنانية ، فإنها مكتوبة لأناس مخصوصين بصفات مخصوصة ، وأما رحمة الراحم بمن أساء إليه وما يقتضيه شمول الإنعام الإلهي والاتساع الجودي فلا مشهد لها إلا رحمة الامتنان ، وهي الرحمة التي يترجاها إبليس فمن دونه ، لا مشهد لهؤلاء في الرحمة المكتوبة ولا في الرحمة الذاتية ، وما رأيت أحدا من أهل


ص 254

…………...

........................................................................
الله نبه على تثليث الرحمة بهذا التقسيم ، فإنه تقسيم غريب كما هو في نفس الأمر ، فما علمناه إلا من الكشف ، وما أدري لماذا ترك التعبير عنه أصحابنا ، مع ظني بأن الله قد کشف لهم عن هذا . 
وأما النبوات فقد علمت أنهم وقفوا على ذلك وقوف عين ، ومن نور مشكاتهم عرفناه
الله أرحم الراحمين كما قال عن نفسه ، وقد وجدنا في نفوسنا ومن جبلهم الله على الرحمة أنهم يرحمون جمیع عباد الله ، حتى لو حكمهم الله في خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم بما تسكن حكم الرحمة من قلوبهم ، وصاحب هذه الصفة ، أنا وأمثالي ، ونحن مخلوقون أصحاب أهواء وأغراض ، وقد قال عن نفسه جل علاه إنه أرحم الراحمين ، فلا نشك أنه أرحم منا بخلقه ، و نحن قد عرفنا من نفوسنا هذه المبالغة في الرحمة ، فكيف يتسرمد عليهم العذاب وهو بهذه الصفة من الرحمة ، إن الله أكرم من ذلك ، ولاسيما وقد قام الدليل العقلي على أن الباري لا تنفعه الطاعات ولا تضره المخالفات ، وأن كل شيء جار بقضائه وقدره وحكمه ، وأن الخلق مجبورون في اختيارهم، وقد قام الدليل السمعي أن الله يقول في الصحيح إنه ما ينقص من ملكه شيء .

أخبرني الوارد- والشاهد يشهد له بصدقه مني - بعد أن جعلني في ذلك على بينة من ربي بشهودي إياه لما ألقاه من الوجود في قلبي ، أن اختصاص البسملة في أول كل سورة تتويج الرحمة الإلهية في منشور تلك السورة أنها تنال كل مذکور فيها ، فإنها علامة الله على كل سورة أنها منه ، كعلامة السلطان على مناشيره ، فقلت للوارد فسورة التوبة عندكم ؟ 

قال : هي والأنفال سورة واحدة قسمها الحق على فصلين ، فإن فصلها وحكم بفصلها سماها سورة التوبة أي سورة الرجعة الإلهية بالرحمة على من غضب عليه من العباد، فما هو غضب أبد لكنه غضب أمد ، 

والله هو التواب : فما قرن بالتواب إلا الرحيم ليؤول المغضوب عليه إلى الرحمة ، أو الحكيم الضرب المدة في الغضب وحكمها فيه إلى أجل ، فيرجع عليه بعد انقضاء المدة بالرحمة ، فانظر إلى الاسم الذي نعت به التواب تجد حكمه كما ذكرناه. والقرآن جامع لذكر
 

ص 255


ومن كان من العبيد بهذه المثابة فإنه يعلم من هو العامل منه. "4"
والعمل مقسم على ثمانية أعضاء من الإنسان.
وقد أخبر الحق أنه تعالى هوية كل عضو منها، فلم يكن العامل غير الحق، والصورة للعبد، و الهوية مدرجة فيه أي في اسمه لا غير لأنه تعالى عين ما ظهر.
وسمي خلقا وبه كان الاسم الظاهر والآخر للعبد، وبكونه لم يكن ثم كان."5"
وبتوقف ظهوره عليه وصدور العمل منه كان الاسم الباطن والأول.
فإذا رأيت الخلق رأيت الأول والآخر والظاهر والباطن. "6"

........................................................................
من رضي عنه وغضب عليه ، وتتويج منازله بالرحمن الرحيم ، والحكم للتتويج ، فإنه به يقع القبول ، وبه يعلم أنه من عند الله ، هذا إخبار الوارد لنا ونحن نشهد ونسمع ونعقل ، لله الحمد والمنة على ذلك ، ووالله ما قلت ولا حکمت إلا عن تفث في روع من روح الهي قدسي ، علمه الباطن حين احتجب عن الظاهر ، للفرق بين الولاية والرسالة . 

الفتوحات ج 3 / 25 ، 100 ، 101 ، 496 ، 505 ، 550


4 - راجع حديث « كنت سمعه وبصره » فص 9، هامش 9، ص 136
"" 9 - «كنت سمعه وبصره » الحديث فص 9، هامش 9، ص 136
يقول تعالى : « ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ۰۰. الحديث »
اعلم أن العبد حادث فلا تنفي عنه حقیقته لأنه لو انتفت ، انتفت عينه ، وإذا انتفت عينه فمن يكون مكلفا بالعبادة .
 ففي هذا الحديث أثبتك و نفاك ، فتكون أنت من حيث ذاتك ، ويكون هو من حيث تصرفاتك وإدراكاتك .
فأنت مكلف من حيث وجود عينك ومحل للخطاب ، وهو العامل بك من حيث أنه لا فعل لك .
إذ الحادث لا أثر له في عين الفعل ، ولكن له حكم في الفعل إذ كان ما كلفه الحق من حركة وسكون لا يعمله الحق إلا بوجود المتحرك والساكن .
إذ ليس إذا لم يكن العبد موجودا إلا الحق ، والحق تعالی عن الحركة والسكون أو يكون محلا لتأثيره في نفسه ، فلابد من حدوث العبد حتى يكون محلا لأثر الحق ، فإذا كان العبد ما عنده من ذاته سوى عينه بلا صفة ولا اسم سوى عينه ، حينئذ يكون عند الله من المقربين و بالضرورة يكون الحق جميع صفاته .
و يقول له : أنت عبدي حقا ، فما سمع سامع في نفس الأمر إلا بالحق ولا أبصر إلا به ولا علم إلا به ولا حيي ولا قدر ولا تحرك ولا سكن ولا أراد ولا قهر ولا أعطى ولا منع ولا ظهر عليه وعنه أمر ما هو عينه إلا وهو الحق لا العبد.
فما للعبد سوى عينه سواء علم ذلك أو جهله ، وما فاز العلماء إلا بعلمهم بهذا القدر في حق كل ما سوى الله لا أنهم صاروا كذا بعد أن لم يكونوا.
فالضمير في قوله «كنت سمعه» هو عين العبد . والسمع عين الحق في كل حال. فكشف له سبحانه عن ذلك فإن قوله « کنت » يدل على أنه كان الأمر على هذا وهو لا يشعر .
فكانت الكرامة التي أعطاها هذا التقرب الكشف والعلم بأن الله كان سمعه وبصره فهو يتخيل أنه يسمع بسمعه وهو يسمع بربه .
كما كان يسمع الإنسان في حال حياته بروحه في ظنه لجهله وفي نفس الأمر إنما يسمع بريه ، ألا ترى نبيه الصادق في أهل القليب كيف قال : ما أنتم بأسمع منهم ، فأثبت الله للعبد بالضمير عينه عبدا لا ربوبية له .
وجعل ما يظهر به وعليه ومنه أن ذلك هو الحق تعالى لا العبد .
فما ثم إلا حق لحق وحق لخلق ، فحق الحق ربوبيته وحق الخلق عبوديته .
الفتوحات ج 1 / 203 ، 305 ، 378 ، 397 ، 406 ، 407 ، 415 ، 434 ، 445 ، 468 ، 675 .
الفتوحات ج 2 / 65 ، 189 ، 323 ، 341 ، 479 ، 502 ، 513 ، 559. أهـ ""


5 - راجع الظاهر في المظاهر من حديث « كنت سمعه وبصره » فص 10 ، هامش 14 ، ص 149 
"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر   قفرة 6 ص 84
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله،فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ،من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ،
فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606  أهـ ""
 

6 -  قوله تعالى « هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم »
اعلم أن الذات الأزلية لا توصف بالأولية ، وإنما يوصف بها الله تعالى ، فقوله : و هو الأول » الضمير يعود على الله من « الله » في الآية السابقة ، والأول خبر الضمير الذي هو المبتدأ ، وهو في موضع الصفة لله ، ومسمى الله إنما هو من حيث المرتبة ، فهو الأول له منزلة الأولية الإلهية ، ومن هذه الأولية صدر ابتداء الكون ، ومنه تستمد كلها ، وهو الحاكم فيها ، وهي الجارية على حكمه وتفي السبب عنه ، فإن أولية الحق تمد أولية العبد، فإن الابتداء الأكوان شواهد فيها أنها لم تكن لأنفسها ثم كانت ، فمعقولية الأولية للواجب المطلق نسية وضعية لا يعقل لها العقل سوی استناد الممكن إليه ، فيكون أولا بهذا الاعتبار ، ولو قدر أن لا وجود لممكن


ص 256


وهذه معرفة لا يغيب عنها سليمان، بل هي من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، يعني الظهور به في عالم الشهادة.
فقد أوتي محمد صلى الله عليه وسلم ما أوتيه سليمان، وما ظهر به: فمكنه الله تعالى تمكين قهر من العفريت الذي جاءه بالليل ليفتك به فهم بأخذه وربطه بسارية من سواري المسجد حتى يصبح فتلعب به ولدان المدينة، فذكر دعوة سليمان عليه السلام فرده الله خاسئا.
فلم يظهر عليه السلام بما أقدر عليه وظهر بذلك سليمان.
ثم قوله «ملكا» فلم يعم، فعلمنا أنه يريد ملكا ما.

........................................................................
قوة وفعلا لاتفت النسبة الأولية إذ لا تجد متعلقا ، فلما كان أول مخلوق ظهر هو العقل أو القلم الإلهي كان الله الأول بالمرتبة فهو الأول بأولية الأجناس وأولية الأشخاص و « الآخر » فهو الآخر آخرية الأجناس لا آخرية الأشخاص ، فإليه يعود الأمر كله ، وقال « وإليه ترجعون » 
وقال « ألا إلى الله تصير الأمور » فهو الآخر كما هو الأول وكل مقام إلهي يتأخر عن مقام کوني فهو من الاسم الآخر مثل قوله تعالى : « فاذكروني أذكركم » 
وقوله : « من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم » وقوله : « من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا » 
وقوله صلى الله عليه وسلم  : « فاتبعوني يحببكم الله » فالأمر يتردد بين الاسمين الإلهيين الأول والآخر ، وعين العبد مظهر لحكم هذين الاسمين فهو تعالى « الأول » بالوجود « والآخر» في الشهود .
فالأول الحق بالوجود  …. والآخر الحق بالشهود 
إليه عادت أمور کونی ….  فإنما الرب بالعبيد
فكل ما أنت فيه  …. حق ولم تزل في مزيد 
وهو الإله الظاهر والباطن ، فإنه لما كان العالم له الظهور والبطون ، كان هو سبحانه الظاهر لنسبة ما ظهر منه ، والباطن لنسبة ما بطن منه ، وهو تعالى « الظاهر » لنفسه لا لخلقه فلا یدر که سواه أصلا ، وأما ما ظهر فإنما هو ظهور أحكام أسمائه الحسنی ، وظهور أحكام أعياننا في وجود الحق ، وهو من وراء ما ظهر ، فلا أعياننا تدرك رؤية ، ولا عين الحق تدرك رؤية ، ولا أعيان أسمائه تدرك رؤبة : ونحن


ص 257

ورأيناه قد شورك في كل جزء من الملك الذي أعطاه الله، فعلمنا أنه ما اختص إلا بالمجموع من ذلك، وبحديث العفريت، أنه ما اختص إلا بالظهور.
وقد يختص بالمجموع والظهور.
ولو لم يقل صلى الله عليه وسلم في حديث العفريت «فأمكنني الله منه» لقلنا إنه لما هم بأخذه ذكره الله دعوة سليمان ليعلم أنه لا يقدره الله على أخذه، فرده الله خاسئا.
فلما قال فأمكنني الله منه علمنا أن الله تعالى قد وهبه التصرف فيه.
ثم إن الله ذكره فتذكر

........................................................................
لا نشك أنا قد أدركنا أمرا ما رؤية ، وهو الذي تشهده الأبصار منا، فما ذلك إلا الأحكام التي لأعياننا ظهرت لنا في وجود الحق ، فكان مظهرا لها ، فظهرت أعياننا ظهور الصور في المرائي ، ما هي عين الرائي ، ولا هي عين المجلى ، « والباطن » البطون الذي يختص بنا كما يختص به الظهور ، وإن كان له البطون فليس هو باطن لنفسه ولا عن نفسه ، كما أنه ليس ظاهرا لنا ، فالبطون الذي وصف نفسه به إنما هو في حقنا ، فلا يزال باطنا عن إدراكنا إياه حسا ومعنى ، فإنه ليس كمثله شيء ، ولا تدرك إلا الأمثال ، ولما كان التجلي عبارة عن ظهوره لمن تجلى له في ذلك المجلى وهو الاسم الظاهر ، فالظاهر للصور والباطن للعين ، فالعين غيب أبدا ، والصورة شهادة أبدا ، وكل زيادة في العلم أي علم كان لا تكون إلا عن التجلي الإلهي ، فالتجلي الصوري يدرك بعالم الحس في برزخ التمثل الظاهر النفس ، وإذا وفع التجلي بالاسم الظاهر الباطن النفس وقع الإدراك بالبصيرة في عالم الحقائق والمعاني المجردة عن المواد ، وهو المعبر عنها بالنصوص ،
فالحق هو الظاهر الذي نشهده العيون والباطن الذي تشهده العقول ، فهو مشهود للبصائر والأبصار ، غير أنه لا يلزم من الشهود العلم بأنه هو ذلك المطلوب إلا بإعلام الله ،
فتجلي الحق لكل من تجلى له من أي عالم كان من عالم الغيب والشهادة إنما هو من الاسم الظاهر ،
وأما الاسم الباطن فمن حقيقة هذه النسبة أن لا يقع فيها تجل أبدا ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فأحوال العالم مع الله على ثلاث مراتب ، مرتبة يظهر فيها تعالى بالاسم الظاهر فلا يبطن عن العالم شيء من الأمر ، وذلك في موطن مخصوص ، وهو في العموم موطن القيامة ، ومرتبة يظهر فيها الحق في العالم في الباطن فتشهده القلوب


ص 258


دعوة سليمان فتأدب معه، فعلمنا من هذا أن الذي لا ينبغي لأحد من الخلق بعد سليمان الظهور بذلك في العموم. "7"
وليس غرضنا من هذه المسألة إلا الكلام والتنبيه على

........................................................................
دون الأبصار ، ولهذا يرجع الأمر إليه ، ويجد كل موجود في فطرته الاستناد إليه والإقرار به من غير علم به ولا نظر في دليل ، فهذا من حكم نجليه سبحانه في الباطن ومرتبة ثالثة له فيها تجل في الظاهر والباطن ، فيدرك منه في الظاهر قدر ما تجلى به ويدرك منه في الباطن قدر ما تجلى به ، فله تعالى التجلي الدائم العام في العالم على الدوام وتختلف مراتب العالم فيه لاختلاف مراتب العالم في نفسها فهو يتجلى بحسب استعدادهم ، فهو عند العارفين اليوم في الدنيا على حكم تجليه في القيامة ، فيشهده العارفون في صور الممكنات المحدثات الوجود . 
وينكره المحجوبون من علماء الرسوم ، ولهذا يسمى بالظاهر في حق هؤلاء العارفين والباطن في حق هؤلاء المحجوبين ، وليس إلا هو سبحانه : فأهل الله الذين هم أهله لم يزالوا ولا يزالود دنیا وآخرة في مشاهدة عينية دائمة وإن اختلفت الصور فلا يقدح ذلك عندهم .
راجع فتوحات ج 1 / 46 ، 166 ، 175 - ج 2 / 31 ، 56 ، 95 - ج 3 / 161 ، 178 ، 484 ، 541 - ج 4 / 299 ، 301 - ديوان.

 
7 ۔ قول سليمان عليه السلام « وهب لي ملكا لا بنبغي لأحد من بعدي »
يريد لا ينبغي ظهوره في الشاهد للناس لأحد ، وإن حصل بالقوة لبعض الناس - کمسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العفريت الذي فتك عليه فأراد أن يقبضه ويربطه بسارية من سواري المسجد حتى ينظر الناس إليه فتذكر دعوة أخيه سلیمان فرده الله خاسئا ، فعلمنا من ذلك أنه أراد الظهور في ذلك لأعين الناس، فأجاب الله سليمان عليه السلام إلى ما طلب 
منه بأن ذکر رسول الله صلى الله عليه وسلم  بدعوة أخيه سليمان حي لا يمضي ما فام بخاطره من إظهار ذلك ، ومن هذه الآية نعلم أن حب العارف للمال والدنيا لا يقدح في حبه لله وللآخرة ، فإنه ما يحبه منه لأمر ما إلا ما يناسب الأمر في الإلهيات ، أترى سلیمان عليه السلام سأل ما يحجبه عن الله ، أو سأل ما يبعده عن الله ، هيهات . 
بل هي صفة كمالية سليمانية لذلك قال « إنك أنت الوهاب » فما أليق هذا الاسم بهذا السؤال .
الفتوحات ج 1 / 584 ، 585 .

ص 259


الرحمتين اللتين ذكرهما سليمان في الاسمين اللذين تفسيرهما بلسان العرب الرحمن الرحيم.
فقيد رحمة الوجوب وأطلق رحمة الامتنان في قوله تعالى «ورحمتي وسعت كل شيء» حتى الأسماء الإلهية، أعني حقائق النسب.
فامتن عليها بنا. "8"
فنحن نتيجة رحمة الامتنان بالأسماء الإلهية والنسب الربانية.
ثم أوجبها على نفسه بظهورنا لنا وأعلمنا أنه هويتنا لنعلم أنه ما أوجبها على نفسه إلا لنفسه.
فما خرجت الرحمة عنه.
فعلى من امتن وما ثم إلا هو؟
إلا أنه لا بد من حكم لسان التفصيل لما ظهر من تفاضل الخلق في العلوم، حتى يقال إن هذا أعلم من هذا مع أحدية العين.
ومعناه معنى نقص تعلق الإرادة عن تعلق العلم، فهذه مفاضلة في الصفات الإلهية، كمال تعلق الإرادة وفضلها وزيادتها على تعلق القدرة.
وكذلك السمع والبصر الإلهي.

........................................................................
 8 -  افتقار الأسماء
حاجة الأسماء إلى التأثير في أعيان الممكنات أعظم من حاجة الممكنات إلى ظهور الأثر فيها ، وذلك أن الأسماء لها في ظهور آثارها السلطان والعزة ، والممكنات قد يحصل فيها أثر تضرر به وقد تنتفع وهي على خطر ، فتكون الأعيان أقل افتقارة من الأسماء ، والأسماء أشد افتقارا لما لها في ذلك من النعيم ، فإن الوجود لا يصح إلا من أصلين ، الواحد الاقتدار وهو الذي يلي جانب الحق ، والأصل الثاني القبول وهو الذي يلي جانب الممكن فلا استقلال لواحد من الأصلين بالوجود ولا بالإيجاد ، فالأمر المستفاد الوجود ما استفاده إلا من نفسه بقبوله وممن نفذ فيه اقتداره وهو الحق ، غير أنه لا يقول في نفسه إنه موجد نفسه بل يقول إن الله أوجده ، فالحق وإن ظهر بصور الممكنات واتصف بالغني ، فإن ذلك لا يخرجه عن عدم الاستقلال في وجود الحادث به ، إذ لابد من قبوله . 
الفتوحات ج 4 / 101 

راجع محاضرة الأسماء و تحاورها  .
فص 1، هامش 2، ص 20 - 
فص 15 ، هامش 23، ص 241 .
راجع قلب العبد أوسع من رحمة الله . فص 12 ، هامش 2، ص 176
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالإثنين ديسمبر 30, 2019 7:37 pm

16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص السليماني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
  الجزء الثاني
16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية 
"" 2 - محاضرة الأسماء و تحاورها فقرة 2 ص 20
اجتماع الأسماء في حضرة المسمى وظهور أحكامها
إن الأسماء اجتمعت بحضرة المسمى ، ونظرت في حقائقها ومعانيها ، فطلبت ظهور أحكامها حتى تتميز أعيانها بآثارها.
فإن الخالق الذي هو المقدر والعالم والمدبر والمفصل والبارئ والمصور والرزاق والمحيني والميت والوارث والشکور .
وجميع الأسماء الإلهية نظروا في ذواتهم ولم يروا مخلوقا ولا مدبرا ولا مفصلا ، ولا مصورا ولا مرزوقا.
فقالوا كيف العمل حتى تظهر هذه الأعيان التي تظهر أحكامنا فيها فيظهر سلطاننا ؟ فلجأت الأسماء الإلهية التي تطلبها بعض حقائق العالم بعد ظهور عينه إلى الاسم البارئ فقالوا له : " عسى أن توجد هذه الأعيان لتظهر أحكامنا وينبت سلطاننا إذ الحضرة التي نحن فيها لا تقبل تأثيرنا " .
فقال الباريء : « ذلك راجع إلى الاسم القادر فإني تحت حيطته ».
وكان أصل هذا أن الممكنات في حلل نعدمها سألت الأسماء الإلهية سؤال حال ذلة وافتقار .
وقالت لها : إن العدم قد أعمانا عن إدراك بعضنا بعضا وعن معرفة مايجب لكم من الحق علينا، فلو أنكم أظهرتم أعیاننا و کسوتمونا حلة الوجود أنعمتم علينا بذلك وقمنا بما ينبغي لكم من الجلال والتعظيم ، وأنتم أيضا كانت السلطنة تصح لكم في ظهورنا بالفعل ، واليوم .أتم علينا.
سلاطين بالقوة والصلاحية، فهذا الذي نطلبه منكم. هو في حقكم أكثر منه في حقنا.
فقالت الأسماء : إن هذا الذي ذكرته الممكنات صحیح فتحركوا في طلب ذلك ، فلما لجأوا إلى الاسم القادر .
قال القادر : أنا تحت حيطة المزيد فالا أوجد عينا منكم إلا باختصاصه ، ولا يمكنني الممكن من نفسه إلا أن يأتيه أمر الأمر من ربه ، فإذا أمره بالتكوين وقال له کن مکنني من نفسه و تعلقت بإيجاده فكونته من حينه.
فلجأوا إلى الاسم المريد ، فقالوا له : إن الاسم القادر سألناه في إيجاد أعيانبا فأوقف أمر ذلك عليك فما ترسم ؟
وقال المريد صدق القادر. ولكن ما عندي خبر ما حكم الأمم العالم فيكم ، هل سبق علمه بإيجادکم فنخصص أو لم يسبق؟
فأنا تحت حيطة الاسم العالم ، فسيروا إليه واذكروا له قضيتكم.
فساروا إلى الاسم العالم وذكروا ما قاله الأسم المريد .
فقال العالم : صدق المريد وقد سبق علمي بإيجادكم ؛ ولكن الأدب أولى :" فإن لنا حضرة مهيمنة علينا وهي الاسم الله .
فلابد من حضورنا عنده ، فإنها حضرة الجمع ، فاجتمعت الاسماء كلها في حضرة الله .
فقال : ما بالكم ؟ فذكروا له الخبر .
فقال : أنا اسم جامع لحقائقكم وإني دليل على مسمى وهو ذات مقدسة له نعوت الكمال والتنزيه، فقفوا حتى أدخل على مدلولي ، فدخل على مدلوله فقال له ما قالته الممكنات وما تحاورت فيه الأسماء.
 فقال : اخرج وقل لكل واحد من الأسماء يتعلق بما تقتضيه حقیقته في الممكنات فإني الواحد لنفسي من حيث نفسي ، والممكنات إنما تطلب مرتبتي وتطلبها مرتبتي، والأسماء الإلهية كلها للمرتبة لا لي إلا الواحد خاصة فهو اسم خصيص بي لا يشاركني في حقيقته من كل وجه أحد. لا من الأسماء ولا من المراتب ولا من الممكنات.
فخرج الاسم الله ومعه الاسم المتكلم يترجم عنه للممکنات والأسماء، فذكر لهم ما ذكره المسمى ، فتعلق العالم والمريد والقائل والقادر .
فظهر الممكن الأول من الممكنات بتخصيص المريد وحكم العالم ، فلما ظهرت الأعيان والآثار في الأكوان ، وتسلط بعضها على بعض ، وقهر بعضها بعضا ، بحسب ما تستند إليه من الأسماء ، فادي إلى منازعة وخصام.
فقالوا : إنا نخاف علينا، أن يفسد نظامنا وتلحق بالعدم الذي كنا فيه .
فنبهت الممكنات الأسماء بما ألقى إليها الأسم العلم والمدبر.
وقالوا : أنتم أيها الأسماء لو كان حكمكم على ميزان معلوم وحد مرسوم بإمام ترجعون إليه يحفظ علينا وجودا وتحفظ عليكم تأثيراتكم فينا ، لكان أصلح لنا ولكم ، فالجأوا إلى الله عسى يقدم من يحد لكم حدا تقفون عنده وإلا، هلكنا وتعطلتم .
فقالوا : هذا عين المصلحة وعين الرأي ، ففعلوا ذلك .
فقالوا : إن الاسم المدبر هو ينهي أمركم ، فأنهوا الى المدبر الأمر .
فقال : أنا لها ، فلخل وخرج بأمر الحق إلى الاسم الرب .
وقال له : افعل ما تقتضيه المصلحة في بقاء أعيان هذه الممكنات .
فاتخذ: وزیرین یعیناته على ما أمر به ، الوزير الواحد الاسم المدبر ،والوزير الآخر المفصل.
قال تعالى : يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربکم توقنون، الذي هو الإمام، فانظر ما أحكم کلام الله تعالى ، حيث جاء بلفظ مطابق للحال الذي ينبغي أن يكون الأمر عليه ، فحد الاسم الرب لهم الحدود ووضع لهم المراسم لإصلاح المملكة ليبلوكم أيهم أحسن عملا .
محاضرة الأسماء في حضرة الذات ... دليل على الماضي دليل على الآتي
أقول بها والكون يعطي وجودها ...   لوجدان آلام ووجدان لذات
فلولا وجود المحو ما صح عندنا ... ولا عند من يدري وجود لأثبات
ويقول في موطن آخر :
اعلم أن السدنة من الأسماء الإلهية لما كانت بأيديهم مقاليد السموات والأرض ، ولا سماء ولا أرض ، بقي كل سادن بمقلاده لا يجد ما يفتح .
فقالوا : يا للعجب خزان بمفاتيح مخازن لا تعرف مخزنا موجودا ، فما نصنع بهذه المقاليد ، فأجمعوا أمرهم وقالوا «لابد لنا من أئمتنا السبعة الذين أعطونا هذه المقاليد ولم يعرفونا المخازن التي تكون عليها ، فقاموا على أبواب الأمة ، على باب الإمام المخصص والإمام المنعم والإمام المقسط ، فأخبرهم الأمر ، فقالوا: صدقتم ، الخبر عندنا ، و سنعينها لكم إن شاء الله تعالى ، ولكن تعالوا نصل إلى من بقي من الأئمة ونجتمع على باب حضرة الإمام الإلهي إمام الأئمة ، فاجتمع الكل وهم بالإضافة إلى الإمام.
المعروف « بالله » سدنة ، فوقف الجميع ببابه فبرز لهم.
 وقال : ما الذي جاء بكم ؟
فذكروا له الأمر وأنهم طالبون وجود السموات والأرض حتى يضعوا كل مقلاد على بابه ، فقال : أين الإمام المخصص ؟
 فبادر إليه المريد ، فقال له : أليس الخبر عندك وعند العليم ؟
فقال له نعم ، قال : فإن كان فأرح هؤلاء مما هم فيه من تعلق الخاطر وشغل البال ، فقال العليم والمريد : أيها الإمام الأكمل .
 قل الإمام القادر يساعدنا والقائل ، فإنه لا تقوم به بأنفسنا إلا أربعتنا ، فنادى الله تعالى القادر والقائل ، وقال لهما : أعينا أخويكما فيما هما بسبيله.
فقالا « نعم » فدخلا حضرة الجواد .
فقالا للجواد : عزمنا على إيجاد الأكوان وعالم الحدثان ، وإخراجهم من العدم إلى الوجود، وهذا من حضرتك حضرة الجود.
فادفع لنا من الجود ما تبرزهم به ، فدفع لهم الجود المطلق ، فخرجوا به من عنده ، وتعلقوا بالعالم فأبرزوه على غاية الإحكام والإتقان ، فلم يبق في الإمكان أبدع منه ، فإنه ص در عن الجود المطلق .
ولو بقي أبدع منه لكان الجواد قد بخل بما لم يعط وأبقاه عنده من الكمال ، ولم يصح عليه إطلاق اسم الجواد وفيه شيء من البخل .
فليس اسم الجواد عليه فيما أعطى بأولى من اسم البخيل عليه فيما أمسك ، وبطلت الحقائق ، وقد ثبت أن اسم البخيل عليه محال ، فكونه أبقى عنده ما هو أكمل منه محال ، وما ظهر الإمام المقسط إلا بعد نزول الشرائع.
راجع فتوحات ج 1 / 323 – ج 2 / 556  , كتاب إنشاء الجداول والدوائر. أهـ



 23 - محاضرة الأسماء ومحاوريها فص 15 ص 241
يقول الشيخ في كتابه « عنقاء مغرب » في باب محاضرة أزلية على نشأة أبديه : اجتمعت الأسماء بحضرة المسمى اجتماعا كريما وتريا منزهة عن العدد ، من غير مادة الأمد ، فلما أخذ كل اسم فيها مرتبته ، ولم يتعد منزلته ، فتنازعوا الحدت دون محاورة ، وأشار كل اسم إلى الذي يجانبه دون ملاصقة ومجاورة ، وقالت . 
يا ليت شعرنا ، هل يتضمن الوجود غيرنا ، فما عرف أحد منهم ما يكون ، إلا اسان أحدهما العلم المكنون ، فرجعت الأسماء إلى الاسم العليم الفاضل :
وقالوا أنت لنا الحكم العادل، فقال نعم " باسم الله"، وأشار إلى الاسم الجامع « الرحمن » وأشار إلى الاسم التابع «الرحيم»، وأشار إلى الاسم العظيم وصلى الله» ورجع إلى الاسم الجامع من جهة الرحمة « على النبي » وأشار إلى الاسم الخبير والعلي" ، بمحمد الكريم ، وأشار إلى الاسم الحميد « خاتم الأنبياء وأول الأمة، وصاحب لواء الحمد والنعمة » ،
فنظر في الأسماء من لم يكن له فيما ذكره العليم حظ ، ولا جرى عليه من اسسه التكريم لفظ ، وقال العليم ، من ذا الذي صليت عليه ، وأثرت في كلامك إليه ، وقرنته بحضرة جمعنا (قرن الشهادة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) .
 
 وقرعت به باب سمعنا ، ثم خصصت بعضنا بالإشارة والتقييد، إلى اسمه الرحيم والحميد ، فقال لهم يا عجبا ، وهذا هو الذي سألتموني عنه أن أبينه لكم تحقيقا ، وأوضح لكم إلى معرفته طريقا ، هو موجود يضاهيكم في حضرتكم ، وتظهر عليه آثار نفحتكم، فلا يكون في هذه الحضرة شيء إلا ويكون فيه ، ويحصله ويستوفيه ، ويشارككم في أسمائكم ، ويعلم بي حقائق انبائكم ، وعن هذا الوجود المذكور الصادر من حضرتكم ، وأشار إلى بعض الأسماء منها الجود والنور يكون الكون ، والكيف والأين ، وفيه تظهر بالاسم الظاهر حقائقكم ، وإليه بالاسم المنان وأصحابه تستد رقائقكم ، فقالت تنبيها على أمر لم يكن به عليما ، وكان هذا الاسم - وأشارت إلى المفضل - علينا عظيما ، فمتى يكون هذا الأمر ، ويلوح هذا السر ؟ 
 
فقال سألتم الخبير ، واهتديتم بالبصير ، ولسنا في زمانه ، فيكون بيننا وبين هذا الكون مدة وأوان ، فغاية الزمان في حقنا ملاحظة المشيئة حضرة التقديم ، فتعالوا نسأل هذا الاسم الإحاطي في جنسه ، المنزه في نفسه ، وأشارت إلى المريد ، فقيل له متى يكون عالم التقييد في الوجود الذي يكون لنا فيه الحكم والصولة، ونجول بظهور آثارنا عليه في الكون على ما ذكره الاسم الحكيم جولة ؟ 
فقال المريد وكان به قد كان ، ويوجد في الأعيان ، وقال الاسم العليم ویسی بالإنسان ، ويصطفية الاسم الرحمن ، ويفيض عليه الاسم المحسن وأصحابه سوابغ الإحسان ، فأطلق الاسم الرحمن محياه ، وحيا الاسم المحسن وبیاه ، وقال نعم الأخ ونعم الصاحب ، وكذلك الاسم الواهب ، فقام الاسم الوهاب ، فقال وأنا المعطي بحساب وبعير حساب . 
 
فقال الاسم الحسيب ، أقيد عليكم ما تهبونه ، وأحسب عليكم ما تعطونه ، بشهادة الاسم الشهيد ، فإنه صاحب الضبط والتقييد ، غير أن الاسم العليم قد يعرفی المعطى له ما يحصل له في وقت ، ويبهم عليه الاسم المريد في وقت إبهامه يعلمه ولا يمضيه ، ويأمر بالشيء ويريد ضده فلا يقضيه ، فلا زوال لي عنكما ، ولا فراق لي منكما ، فأنا لكم لزيم ، فنعم الجار والحميم ، فتوزعت الأسماء كلها مملكة العبد الإنساني، على هذا الحد الرباني وتفاخرت في الحضرة الإلهية الذائية بحقائقها . 
وبينت حكم مسالكها وطرائقها ، وتعجلت وجود هذا الكون ، رغبة في أن يظهر لهم عين ، فلجأوا إلى الاسم المريد ، الموقوف علیه تخصيص الوجود ، وقالوا سألناك بهذه الحضرة التي جمعتنا ، والذات التي شملتنا ، إلا ما علقت نفسك بهذا الوجود المنتظر فأردته ، وأنت يا قادر سألناك بذاك إلا ما أوجدته ، وأنت یا حکیم سألناك بذلك إلا ما أحكمته ، وأنت يا رحمن سألناك بذاك إلا ما رحمته ، ولم نزل الأساء تسأل كلها واحدة واحدة ، قائما وقاعدة ، فقال القادر يا إخواننا على المريد بالتعلق وعلي بالإيجاد ، وقال الحكيم على القادر بالوجود وعلي" بالإحكام . 
 
فقام الرحمن وقال علي بصلة الأرحام فإنه شجنة مني فلا صبر لها عني ، فقال له القادر كل ذلك تحت حكمي وقهري ، 
فقال له القاهر لا تفعل إن ذلك لي وأنت خادمي ، وإن كنت صاحبي وحميمي ، فقال العليم أما الذي قال تحت حكمي فليقدم علي . 
فتوقف الأمر على جميع الأسماء ، وأن بجملتها يصح وجود عالم الأرض والسماء ، وما بينهما إلى مقام  الأستواء ، ولو فتحنا عليك باب توقفها والتجاء بعضها إلى بعض لرأيت أمرا يهولك منظره ، ويطيب لك خبره ، ولكن فيما ذكرناه ، تنبيه على ما سكتنا عنه وتركناه .
 
ولنرجع ونقول والله يقول الحق ويهدي السبيل ، فعندما وقع هذا الكلام الأنفس ، في هذا الجمع الكريم الأقدس ، تعطشت الأسماء إلى ظهور آثارها في الوجود ، ولاسيما الاسم المعبود ، ولذلك خلقهم سبحانه وتعالى ليعرفوه بما عرفهم ، ويصفوه بما وصفهم .
فقال « وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون » فلجأت الأسماء كلها إلى اسم الله الأعظم ، والركن القوي الأعصم .
 
فقال ما هذا اللجاء ولأي شيء هذا الالتجاء ، فقالت أيها الإمام الجامع ، لما نحن عليه من الحقائق والمنافع ، ألست العالم أن كل واحد منا في نفسه على حقيقة ، وعلى سنة وطريقة ، وقد علمت يقينا أن المانع من إدراك الشيء مع وجود النظر ، کونك فيه لا اكثر ، ولو تجرد عنك بمعزل لرأيته ، وتنزهت بظهوره وعرفته .
 
ونحن بحقائقنا متحدون لا نسمع لها خبرا ، ولا نرى لها أثرا، ولو برز هذا الوجود الكوني ، وظهر هذا العالم الذي يقال له العلوي والسفلي ، لامتدت إليه رقائقنا ، وظهرت فيه حقائقنا ، فكنا نراه مشاهدة عين ، لما كان منا في أین ، وفي حال فصل وبين ، ونحن باقون على تقديسنا من الأينية ، وتنزيهنا عن إحاطتهم بنا من جهة الماهية والكيفية ، فغايتهم أن يستدلوا برقائقها على حقائقنا استدلال مثال ، وطروق خیال ، وقد لجأنا إليك مضطرين ، ووصلنا إليك قاصدين ، فلجأ الاسم الأعظم إلى الذات ، كما لجأت إليه الأسماء والصفات ، وذكر الأمر ، وأخبر السر ، فأجاب نفسه المتكلم بنفسه العليم ، لك ذلك .
قد كان بالرحمن ، فقل للاسم المريد يقول للاسم القائل يأمر بكن ، والقادر يتعلق بإيجاد الأعيان فيظهر ما تمنيتم ، ويبرز لعیانكم ما اشتهيتم ، فتعلقت الإرادة والعلم والقول والقدرة ، فظهر أصل العدد والكثرة، وذلك من حضرة الرحمة وفيض النعمة .  أهـ  
 
2 - قلب العارف أوسع من رحمة الله    فص 12 ص 176
الفقرة الواردة في هذا الفص توضح ما أشار إليه الشيخ رضي الله تعالی عنه في الفتوحات الجزء الرابع ص 99  حيث يقول في هذه المسألة : 
إلا أن في الأمر نكتة أوميء إليها ولا أنص عليها ، وذلك أن الله قد وصف نفسه بالغضب والبطش الشديد بالمغضوب عليه ، والبطش رحمة لما فيه من التنفيس وإزالة الغضب وهذا القدر من الإيماء كاف فيما تريد بيائه من ذلك . أهـ ""

""أضاف الجامع :
قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب السبعون وأربعمائة في حال قطب كان منزله وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»
"بقوله  : ووسعني قلب عبدي"
فلما وسع قلبه الحق والأمور منه تخرج التي يقع فيها التفويض ممن وقع
فهو كالبحر وسائر القلوب كالجداول
وقال في هذا المقام : لو أن العرش يريد به ما سوى الله وما حواه مائة ألف ألف مرة يريد الكثرة بل يريد ما لا يتناهى في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس به
يعني لاتساعه حيث وسع الحق
ومن هنا قلنا إن قلب العارف أوسع من رحمة الله لأن رحمة الله لا تنال الله ولا تسعه وقلب العبد قد وسعه
إلا إن في الأمر نكتة أومئ إليها ولا أنص عليها وذلك أن الله قد وصف نفسه بالغضب والبطش الشديد بالمغضوب عليه والبطش رحمة لما فيه من التنفيس وإزالة الغضب
وهذا القدر من الإيماء كاف فيما نريد بيانه من ذلك فإن الرسل تقول ولن يغضب بعده مثله فالانتقام رحمة وشفاء ولو لا كونه رحمة ما وقع في الوجود وقد وقع
ولكن ينبغي لك أن تعلم بمن هو وقوع الانتقام رحمة فبان لك من هنا رتبة أبي يزيد من غيره من العارفين لأنه وأمثاله لا يتكلمون إلا عن أحوالهم وذوقهم فيها
ومن أسمائه تعالى الواسع كما ورد فباتساعه قبل الغضب فلو ضاق عنه ما ظهر للغضب حكم في الوجود لأنه لم يكن له حقيقة إلهية يستند إليها في وجوده وقد وجد فلا بد أن ينسب الغضب إلى الله كما يليق بجلاله
وقد وسع القلب الحق ومن صفاته الغضب فقد وسع الغضب فلا ينكر على العارف مع كونه ما يرى إلا الله أن يغضب ويرضى ويتصف بأنه يؤذي وإن لم يتأذ فما أذى من لا يتأذى غير أنه لا يقال ذلك في الجناب الإلهي
إلا أنه تسمى بالصبور وأعلمنا بالصبر ما هو وعلى ما ذا يكون ولا نقول هو في حق الحق حلم فإن الحليم كما ورد كذلك ورد الصبور
ولكل وارد معنى ما هو عين الآخر فتتغير الأحوال على العارفين تغير الصور على الحق ولو لا ذلك ما تغيرت الأحكام في العالم لأنها من الله تظهر في العالم وهو موجدها وخالقها
فلا بد من قيام الصفة به وحينئذ يصح وجودها منه
كان الموجد اسم فاعل ما كان وكان الموجد اسم مفعول ما كان
فإن لم تعلم التفويض كما ذكرته لك وإلا وقعت في إشكال لا ننحل منه أعني في العلم بالتفويض ما هو فهذا نسبته إلى المخلوق
وأما التفويض الإلهي وهو أن يكون هو المفوض أمره إلى عباده فيه فإنه كلفهم وأمرهم ونهاهم فهذا تفويض أمره إلى عباده فإنه فاض عما يجب للحق لأن التكليف لا يصح في حق الحق فلما فاض عنه لم يكن إفاضته إلا على الخلق وأراد منهم أن يقوموا به حين رده إليهم كما يقوم الحق به إذا فوض العبد أمره إلى الله
فمنهم من تخلق بأخلاق الله فقبل أمره ونهيه وهو المعصوم والمحفوظ
ومنهم من رده
ومنهم من قبله في وقت وفي حال ورده في وقت وفي حال وكذلك فوض إليهم أمره في القول فيه
فاختلفت مقالاتهم في الله
ثم أبان لهم على ألسنة رسله ما هو عليه في نفسه لتقوم له الحجة على من خالف قوله
فقال في الله ما يقابل ما قاله عن نفسه
فلما اختلفت المقالات تجلى لأهل كل مقالة بحسب أو بصورة مقالته
وسبب ذلك تفويضه أمره إليهم وإعطاؤه إياهم عقولا وأفكارا يتفكرون بها وأعطى لكل موف حقه في الاجتهاد بنظره نصيبا من الأجر أخطأ في اجتهاده أو أصاب
فإنه ما أخطأ إلا المقالة الواردة في الله بلسان الشرع خاصة فحاد عنها بتأويل فيها أداه إليه نظره وورد شرع أيضا يؤيده في ذلك
فما ترك المقالة من حيث عليها وإنما استند فيما ذهب إليه لأمر مشروع ودليل عقل وكونه أصاب أو أخطأ ذلك أمر آخر زائد على كونه اجتهد
فإنه ما يطلب باجتهاده إلا الدليل الذي يغلب على ظنه أنه يوصله إلى الحق والإصابة لا غير
فتكليفه عين تفويضه   ..... فنحن وإياه فيه سوا
فتسبيحنا عين تسبيحه   ..... وتسبيحه بلسان السوي
وكل امرئ إنما حظه   ..... من الذكر لله ما قد نوى
 
فتفويضه في قوله :" وأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ "
وتفويضنا إذ أمرنا أن نتخذه وكيلا فيما استخلفنا فيه " فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها ".
ولما كان العالم تحت حكم الأسماء الإلهية وهي أسماؤه فما تلقى تفويضه إلا هو لا نحن
فإنه بأسمائه تلقيناه فهو الباطن من حيث تفويضه وهو الظاهر من حيث قبوله
فكان الأمر بيننا كما تنزل الأمر بين السماء وهو العلى وبين الأرض وهي الذلول
فهكذا الأمر فلا تخفه   ..... فإنه أوضحه كونه
وشاهد الحق به ناطق   ..... فإنه في كونه عينه
وهو ما ذكرناه من أنه ما تلقى تفويض الحق إلا اسمه فهو المكلف والمكلف لأنه قال وإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فهو عين الموجودات إذ هو الوجود.
والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
والكلام في هذا الباب يطول ويتداخل وينعطف بعضه على بعض فيظهر ويخفى
فإنه الله الذي لا إله إلا هو لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. أهـ . ""
 
ص 260
 
وجميع الأسماء الإلهية على درجات في تفاضل بعضها على بعض. "9"
كذلك تفاضل
........................................................................
9 -  تفاضل الأسماء والصفات الإلهية والمراتب  *
للشيخ في هذه المسألة نظرتان :
الأولى من حيث دلالة الأسماء على الذات الإلهية الواحدة فلا تفاضل بينها ،
والأخرى من حيث دلالة كل اسم على معنی لیس للاسم الآخر في العموم والإحاطة وتعلقه بمتعلق أعم فالمراتب تتفاضل ، 
لذلك نراه يقول :
الحقائق والنسب الإلهية لا نهاية لها ولا يصح أن يكون في الإلهيات تفاضل لأن الشيء لا يفضل نفسه ، فكما هو الأول هو الآخر وكما هو الظاهر هو الباطن فالمراتب ما فيها تفاضل عندنا ، لارتباطها بالأسماء الإلهية والحقائق الربانية ، ولا تصح مفاضلة بين الأسماء الإلهية لوجهين ، الواحد أن الأسماء نسبتها إلى الدات نسبة واحدة فلا مفاضلة فيها ، فلو فضلت المراتب بعضها بعضا بحسب ما استندت إليه من الحقائق الإلهية لوقع الفضل في أسماء الله ، فيكون بعض الأسماء الإلهيه أفضل من بعض ، وهذا لا قائل به عقلا ولا شرعا ، ولا يدل عموم الاسم على فضله ، لأن الفضلية إنما تقع فيما من شأنه أن يقبل فلا يتعمل في القبول ، أو فيما يجوز أن يوصف به فلا يتصف به ؛ والوجه الآخر أن الأسماء الإلهية راجعة إلى ذاته والذات واحدة ، والمفاضلة تطلب الكثرة ، والشيء لا يفضل نفسه ، فإذا المفاضلة لا تصح ، ولا يقال إن خلة الحق أشرف من كلامه ، ولا إن كلامه أشرف من خلقه پیدیه ، بل كل ذلك راجع إلى ذات واحدة لا تقبل الكثرة ولا العدد ، فهي بالنسبة إلى كذا خالقة ، وبالنسبة إلى كذا مالكة وبالنسبة إلى كذا عالمة إلى ما نسبت من صفات الشرف والعين واحدة .
أما بالنسبة للتعلق کتسبة العلم الإلهي إلى القدرة الإلهية ، فإن القدرة وإن تعلقت بما لا يتناهي من الممكنات فلا نشك أن العلم أكثر إحاطة منها ، لأنه يتعلق بها وبالممكنات والواجبات والمستحيلات والكائنات وغير الكائنات ، مع ما يعطي الدليل أن ما لا يتناهى لا يفضل ما لا يتناهى ، والقدرة ما لها تعلق إلا بالإيجاد ، فإن القدرة للإيجاد وهو العمل ، وهو العليم سبحانه بما يوجد ، القدير على إيجاد ما يريد إيجاده.
 
ص 261
 
تفاضل ما ظهر في الخلق من أن يقال هذا أعلم من هذا مع أحدية العين.
وكما أن كل اسم إلهي إذا قدمته سميته بجميع الأسماء ونعته بها،. "10"
كذلك فيما يظهر من الخلق فيه أهلية كل ما فوضل به.
فكل جزء من العالم مجموع العالم، أي هو قابل للحقائق
........................................................................
لا مانع له ، وقال تعالى : « أحاط بكل شيء علما» ولا تعم الإحاطة كل شيء إلا إذا كان معنى ، ولا يعلم الشيء من جميع وجوهه إلا الله عز وجل ، الذي أحاط بكل شيء علما سواء كان الشيء ثابتا أو موجودا أو متناهيا أو غير متناه ، فالمعلوم لا يزال محصورا في العلم لهذا كان المعلوم محاطا به ، 
فقال تعالى « أحاط بكل شيء علما » من الواجبات والجائزات والمستحيلات ، وهو تعلق أعم فأنزل الله العالم بحسب المراتب التعمير المراتب ليتميز الكثير الاختصاص بالله الذي اصطنعه الله لنفسه من عباد الله عن غيره من العبيد ، فلو لم يقع التفاضل في العالم لكان بعض المراتب معطلا غير عامر ، وما في الوجود شيء معطل بل هو معمور كله ، فلابد لكل مرتبة من عامر يكون حكمه بحسب مرتبته ، 
ولذلك فضل العالم بعضه بعضا ، وأصله في الأسماء الإلهية ، أين إحاطة العالم من إحاطة المريد من إحاطة القادر ، فتميز العالم عن المريد ، والمريد عن القادر ، بمرتبة المتعاق ، فالعالم أعم إحاطة ، فقد زاد وفضل على المريد والقادر بشيء لا يكون للمريد ولا للقادر من حيث أنه مريد وقادر ، 
فإنه يعلم نفسه ولا يتصف بالقدرة على نفسه ولا بالإرادة لوجوده ، إذ من حقيقة الإرادة أن لا تعلق إلا بمعدوم والله موجود ، 
ومن شأن القدرة أن لا تتعلق إلا بممكن أو واجب بالغير ، وهو واجب الوجود لنفسه ، فمن هناك ظهر التفاضل في العالم لتفاضل المراتب ، فلابد من تفاضل العامرين لها ، فلابد من التفاضل في العالم ، إذ هو العامر لها الظاهر بها ، وهذا مما لايدرك کشفا بل ادراکه بصفاء الإلهام ، فیکشف المكاشف عمارة المراتب بكشفه للعامرين لها ، ولا يعلم التفاضل إلا بصفاء الإلهام الإلهي . 
الفتوحات ج 1 /  141 - ج 2 / 61 ، 326 ، 501 ، 527 - ج 3 / 382 - ج 4 / 317 
 
""و أضاف الجامع : 
قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب الأحد والسبعون وأربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله" :
قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في خطبته لما أثنى على ربه "فإنما نحن به وله"رواه ابو داود والبيهقي
فخاطب وسمع وهذا أمر لا يندفع فإنه عين الأمر غير إن الفضل بين الناس هو بما شاهده بعضهم وحرمه بعضهم
فيعلم العالم من غيره ما لا يعلمه الغير من نفسه مما هو عليه في نفسه
فظهر التفاضل ومع هذا الظهور لا يخرج المخلوق عن أن يكون الحق هويته بدليل تفاضل الأسماء الإلهية وهي الصفات وليست غيره
فلا يعلم الخلق إلا به   ..... ولا يعلم الحق إلا بها
وأما وصفه بالغنى عن العالم أنما هو لمن توهم إن الله تعالى ليس عين العالم
وفرق بين الدليل والمدلول ولم يتحقق بالنظر إذا كان الدليل على الشيء نفسه فلا يضاد نفسه
فالأمر واحد وإن اختلفت العبارات عليه
فهو العالم والعلم والمعلوم فهو الدليل والدال والمدلول
فبالعلم يعلم العلم ، فالعلم معلوم للعلم فهو المعلوم والعلم والعلم ذاتي للعالم وهو قول المتكلم ما هو غيره فقط
وأما قوله وما هو هو بعد هذا فهو لما يرى من أنه معقول زائد على ما هو
فبقي أن يكون هو وما قدر على أن يثبت هو من غير علم يصفه به  فقال ما هو غيره
فحار فنطق بما أعطاه فهمه
فقال إن صفة الحق ما هي هو ولا هي غيره
ولكن إذا قلنا نحن مثل هذا القول ما نقوله على حد ما يقوله المتكلم فإنه يعقل الزائد ولا بد ونحن لا نقول بالزائد
فما يزيد المتكلم على من يقول" إِنَّ الله فَقِيرٌ" إلا بحسن العبارة
ونعوذ بالله أن نكون من الجاهلين فهذا بعض نتائج هذا الهجير.
والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ . أهـ. ""

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الجزء الثالث .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالإثنين ديسمبر 30, 2019 7:38 pm

16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الجزء الثالث .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص السليماني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
  الجزء الثالث
16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية 
الفقرة الثالثة والعشرون :-   الجزء الثالث
10 -  كل اسم إلهي مسمى بجميع الأسماء الإلهية .
راجع فص 4، هامش 10، ص 81
 
"" 10 - كل اسم إلهي يتسمى بجميع الأسماء وينعت بها فص 4، هامش 10، ص 81
سبب ذلك التوحيد العين ، وعدم التشبيه بالكون ، وهذا مشهد عزيز لا يناله إلا الأعز من عباده ، المتوحدين به الذين لانظر لأنفسهم إلا بعينه , والمغيب كونهم في كونه .
"يشير إلى الحديث :  فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها فإن سألني عبدي، أعطيته، وإن استعاذني، أعذته "
 الموحد له لا لهم ، فلا يطلب بالعقول مالا يصح اليه الوصول فكل اسم إلهي يتضمن جميع الأسماء كلها .
ولتعلم وفقك الله أن كل اسم ينعت بجميع الأسماء في أفقه ، فكل اسم فهو حي قادر سميع بصير متكلم في أفقه وفي علمه ، وإلا فكيف يصح أن يكون ربا لعابده ؟
فكل اسم جامع لما جمعت الأسماء من الحقائق .
الفتوحات ج1/ 101 , ذخائر الأعلاق
راجع   "لكل عبد اسم هو ربه"   فص 7 هامش 2 ص 105
2 -  لكل عبد اسم هو ربه  فص 7 هامش 2 ص 105
لولا العصر والمعاصر ، و الجاهل والخابر ، ما عرف أحد معنى اسمه الأول والآخر ، ولا الباطن والظاهر ، وإن كانت أسماؤه الحسنى ، على هذا الطريق الأسنى ،
ولكن بينها تباين في المنازل ، يتبين ذلك عندما تتخذ وسائل لحلول النوازل ، فليس عبد الحليم هو عبد الكريم ، وليس عبد الغفور هو عبد الشکور ، فكل عبد له اسم هو ربه ، وهو جسم ذلك الاسم قلبه .
ويقول رضي الله عنه :
فقد أنشأ سبحانه الحقائق على عدد أسماء حقه ، وأظهر ملائكة التسخير على عدد خلقه ، فجعل لكل حقيقة اسما من أسمائه تعبده وتعلمه ، وجعل لكل سر حقيقة ملكا يخدمه ويلزمه .
فمن الحقائق من حجبته رؤية نفسه عن اسمه، فخرج عن تكليفه وحكمه ، فكان له من الجاحدين ، ومنهم من ثبت الله أقدامه واتخذ اسمه أمامه ، وحقق بينه وبينه العلامة وجعله إمامه ، فكان له من الساجدین .
اعلم علمك الله سرائر الحكم ووهبك من جوامع الكلم ، أن الأسماء الحسنى التي تبلغ فوق أسماء الإحصاء عددا ، وتنزل دون أسماء الإحصاء سعادة ، هي المؤثرة في هذه العالم ، وهي المفاتح الأولى التي لا يعلمها إلا هو ، وأن لكل حقيقة اسما ما يخصها من الأسماء ، وأعني بالحقيقة حقيقة تجمع جنسا من الحقائق ، رب تلك الحقيقة ذلك الاسم .
وتلك الحقيقة عابدته و تحت تكليفه ليس غير ذلك - وإن جمع لك شيء ما أشياء كثيرة فليس الأمر على ما توهمته ، فإنك إن نظرت إلى ذلك الشيء وجدت له من الوجوه ما يقابل به تلك الأسماء التي تدل عليها وهي الحقائق التي ذكرناها .
مثال ذلك ، ما ثبت لك في العلم الذي في ظاهر العقول وتحت حكمها في حق موجود ما فرد لا ينقسم ، مثل الجوهر الفرد الجزء الذي لا ينقسم ، فإن فيه حقائق متعددة تطلب أسماء إلهية على عددها ، فحقيقة إيجاده يطلب الاسم القادر ووجه أحكامه يطلب الاسم العالم .
ووجه اختصاصه يطلب الاسم المريد ، ووجه ظهوره يطلب الاسم البصير والرائي إلى غير ذلك ، فهذا وإن كان فردا فله هذه الوجوه وغيرها مما لم نذكرها.
ولكل وجه وجوه متعددة تطلب من الأسماء بحسبها ، وتلك الوجوه هي الحقائق عندنا الثواني والوقوف عليها عسير وتحصيلها من طريق الكشف أعسر - واعلم وفقك الله أن كل اسم إلهي يتضمن جميع الأسماء كلها وأن كل اسم ينعت بجميع الأسماء في أفقه .
فكل اسم حي قادر سميع بصير متكلم في أفقه وفي علمه ، وإلا فكيف يصح أن يكون ربا لعابده ، هيهات هيهات.
فكل اسم جامع لما جمعت الأسماء من الحقائق ، ولكل عين من أعيان الممكنات اسم إلهي خاص ينظر إليه ، وهو يعطيه وجهه الخاص الذي يمتاز به عن غيره ، والممكنات غير متناهية فالأسماء غير متناهية ، لأنها تحدث النسب بحدوث الممكن ، ولذلك فالحضرات الإلهية تكاد لا تنحصر لأنها نسب ، ومعنی توجه اسم معين على إيجاد موجود معين هو كون ذلك الاسم هو الأغلب عليه وحكمه أمضى فيه ، مع أنه ما من ممكن يوجد إلا و للأسماء المتعلقة بالأكوان فيه أثر .
ولكن بعضها أقوى من بعض في ذلك الممكن المعين وأكثر حكما ، فلهذا ننسبه إليه ، فالحضرة الإلهية اسم لذات وصفات وأفعال ، وإن شئت قلت صفة فعل وصفة تنزيه ، وهذه الأفعال تكون عن الصفات والأفعال أسماء لا بد ، فالحضرات الإلهية كني عنها بالأسماء الحسنى ، وكل حضرة لها عبد کما لها اسم إلهي ، وكل متخلق باسم من الأسماء يسمى عبد كذا ، مثل عبد الرحمن ، وعبد الملك ، وعبد القدوس الفتوحات  ج 1 / 2 ،4 ، 99 ج 2 / 468 ج 4 / 196 ، 204 ، 208 ، 288 ، 318 . أهـ ""



"" و أضاف الجامع :  قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات  الباب الثامن والتسعون ومائتان في معرفة منزل الذكر من العالم العلوي في الحضرة المحمدية : [إن الله قد أودع في الإنسان علم كل شيء]
ومما يتضمن هذا المنزل كون الإنسان قد أودع الله فيه علم كل شيء ثم حال بينه وبين أن يدرك ما عنده مما أودع الله فيه وما هو الإنسان مخصوص بهذا وحده بل العالم كله على هذا
وهو من الأسرار الإلهية التي ينكرها العقل ويحيلها جملة واحدة وقربها من الذوات الجاهلة في حال علمها قرب الحق من عبدهوهو قوله تعالى :" ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ ولكِنْ لا تُبْصِرُونَ " . وقوله : "ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِ "

ومع هذا القرب لا يدرك ولا يعرف إلا تقليدا ولو لا إخباره ما دل عليه عقل وهكذا جميع ما لا يتناهى من المعلومات التي يعلمها هي كلها في الإنسان
وفي العالم بهذه المثابة من القرب وهو لا يعلم ما فيه حتى يكشف له عنه مع الآنات ولا يصح فيه الكشف دفعة واحدة لأنه يقتضي الحصر

وقد قلنا إنه لا يتناهى فليس يعلم الأشياء بعد شيء إلى ما لا يتناهى وهذا من أعجب الأسرار الإلهية أن يدخل في وجود العبد ما لا يتناهى كما دخل في علم الحق ما لا يتناهى من المعلومات وعلمه عين ذاته والفرق بين تعلق علم الحق بما لا يتناهى وبين أن يودع الحق في قلب العبد ما لا يتناهى :
إن الحق يعلم ما في نفسه وما في نفس عبده تعيينا وتفصيلا والعبد لا يعلم ذلك إلا مجملا وليس في علم الحق بالأشياء إجمال مع علمه بالإجمال من حيث إن الإجمال معلوم للعبد من نفسه ومن غيره فكل ما يعلمه الإنسان دائما وكل موجود فإنما هو تذكر على الحقيقة وتجديد ما نسيه ويحكم هذا المنزل على إن العبد أقامه الحق في وقت ما في مقام تعلق علمه بما لا يتناهى وليس بمحال عندنا وإنما المحال دخول ما لا يتناهى في الوجود لا تعلق العلم به ثم إن الخلق أنساهم الله ذلك كما أنساهم شهادتهم بالربوبية في أخذ الميثاق مع كونه قد وقع وعرفنا ذلك بالأخبار الإلهي
فعلم الإنسان دائما إنما هو تذكر فمنا من إذا ذكر تذكر أنه قد كان علم ذلك المعلوم ونسيه كذي النون المصري ومنا من لا يتذكر ذلك مع إيمانه به
أنه قد كان يشهد بذلك ويكون في حقه ابتداء علم
ولو لا أنه عنده ما قبله من الذي أعلمه ولكن لا شعور له بذلك ولا يعلمه إلا من نور الله بصيرته وهو مخصوص بمن حاله الخشية مع الأنفاس وهو مقام عزيز لأنه لا يكون إلا لمن يستصحبه التجلي دائما
ويتضمن هذا المنزل مسائل ذي النون المشهورة وهي إيجاد المحال العقلي بالنسب الإلهية
ويتضمن علم المفاضلة بين المتنافرين من جميع الوجوه
ويتضمن أن كل جوهر في العالم يجمع كل حقيقة في العالم
كما إن كل اسم إلهي مسمى بجميع الأسماء الإلهية  وذلك قوله تعالى:  " قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى "
وهذا العلم خاصة انفردت به دون الجماعة في علمي فلا أدري هل عثر عليه غيري وكوشف به أم لا من جنس المؤمنين أهل الولاية لا جنس الأنبياء .
وأما في الأسماء الإلهية فقد قال به أبو القسم بن قسي في خلع النعلين له فرحم الله عبدا بلغه إن أحدا قال بهذه المسألة عن نفسه كما فعلت أنا أو عن غيره فيلحقها بكتابي هذا في هذا الموضع استشهاد إلي فيما ادعيته فإني أحب الموافقة وأن لا أنفرد بشيء دون أصحابي.
والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَأهـ

وقال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب الخامس في معرفة أسرار بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ والفاتحة من وجه ما لا من جميع الوجوه
"الأسماء الإلهية متحدة من حيث الذات مختلفة من حيث التعلقات"
وربما يقول القائل يا أيها المحقق وكيف ترى الأسماء هذا المثال ولا يراه إلا الاسم البصير خاصة لا غيره وكل اسم على حقيقة ليس الاسم الآخر عليها ؟
قلنا له لتعلم وفقك الله:  أن كل اسم إلهي يتضمن جميع الأسماء كلها وأن كل اسم ينعت بجميع الأسماء في أفقه فكل اسم فهو حي قادر سميع بصير متكلم في أفقه وفي علمه وإلا فكيف يصح أن يكون ربا لعابده هيهات غير إن ثم لطيفة لا يشعر بها وذلك أنك تعلم قطعا في حبوب البر وأمثاله إن كل برة فيها من الحقائق ما في أختها كما تعلم أيضا أن هذه الحبة ليست عين هذه الحبة الأخرى وإن كانتا تحويان على حقائق متماثلة فإنهما مثلان فابحث عن هذه الحقيقة التي تجعلك تفرق بين هاتين الحبتين وتقول إن هذه ليست عين هذه وهذا سار في جميع المتماثلات من حيث ما تماثلوا به  ،  كذلك الأسماء كل اسم جامع لما جمعت الأسماء من الحقائق
ثم تعلم على القطع أن هذا الاسم ليس هو هذا الآخر بتلك اللطيفة التي بها فرقت بين حبوب البر وكل متماثل فابحث عن هذا المعنى حتى تعرفه بالذكر لا بالفكر
غير أني أريد أن أوقفك على حقيقة ما ذكرها أحد من المتقدمين وربما ما أطلع عليها فربما خصصت بها ولا أدري هل تعطي لغيري بعدي أم لا من الحضرة التي أعطيتها فإن استقرأها أو فهمها من كتابي فأنا المعلم له
وأما المتقدمون فلم يجدوها وذلك أن كل اسم كما قررنا يجمع حقائق الأسماء ويحتوي عليها مع وجود اللطيفة التي وقع لك التمييز بها بين المثلين
وذلك أن الاسم المنعم والاسم المعذب اللذين هما الظاهر والباطن كل اسم من هذين الاسمين يتضمن ما تحويه سدنته من أولهم إلى آخرهم
غير إن أرباب الأسماء ومن سواهم من الأسماء على ثلاث مراتب منها ما يلحق بدرجات أرباب الأسماء ومنها ما ينفرد بدرجة فمنها ما ينفرد بدرجة المنعم وبدرجة المعذب فهذه أسماء العالم محصورة والله المستعان. أهـ ""
 

ص 262 

متفرقات العالم كله، . "11"
فلا يقدح قولنا إن زيدا دون عمرو في العلم أن تكون هوية الحق عين زيد وعمرو، وتكون في عمرو أكمل وأعلم منه في زيد، كما تفاضلت الأسماء الإلهية وليست غير الحق. "12"
فهو تعالى من حيث هو عالم أعم في التعلق من حيث ما هو مريد وقادر، وهو هو ليس غيره.
فلا تعلمه هنا يا ولي وتجهله هنا، وتثبته هنا وتنفيه هنا إلا إن أثبته بالوجه الذي أثبت نفسه، ونفيته عن كذا بالوجه الذي نفى نفسه كالآية الجامعة للنفي والإثبات في حقه حين قال «ليس كمثله شيء» فنفى، «وهو السميع البصير» فأثبت بصفة تعم كل سامع بصير من حيوان وما ثم إلا حيوان إلا أنه بطن في الدنيا عن إدراك بعض الناس،. "13"
وظهر في الآخرة لكل
........................................................................

11 - جميع العلوم باطنة في الإنسان بل في العالم كله . راجع فص 2 ، هامش 13 ، ص 59.

12 - كما تفاضلت الأسماء الإلهية وليست غير الحق راجع هامش 9 - راجع فص 2 ، هامش 11، ص 58 

"" 9 -  تفاضل الأسماء والصفات الإلهية والمراتب  فص 16 هامش 9 ص 261
 للشيخ في هذه المسألة نظرتان :

الأولى من حيث دلالة الأسماء على الذات الإلهية الواحدة فلا تفاضل بينها ،
والأخرى من حيث دلالة كل اسم على معنی لیس للاسم الآخر في العموم والإحاطة وتعلقه بمتعلق أعم فالمراتب تتفاضل ، 
لذلك نراه يقول :
الحقائق والنسب الإلهية لا نهاية لها ولا يصح أن يكون في الإلهيات تفاضل لأن الشيء لا يفضل نفسه .
فكما هو الأول هو الآخر وكما هو الظاهر هو الباطن فالمراتب ما فيها تفاضل عندنا ، لارتباطها بالأسماء الإلهية والحقائق الربانية ، ولا تصح مفاضلة بين الأسماء الإلهية لوجهين ، الواحد أن الأسماء نسبتها إلى الدات نسبة واحدة فلا مفاضلة فيها ، فلو فضلت المراتب بعضها بعضا بحسب ما استندت إليه من الحقائق الإلهية لوقع الفضل في أسماء الله ، فيكون بعض الأسماء الإلهيه أفضل من بعض.

وهذا لا قائل به عقلا ولا شرعا ، ولا يدل عموم الاسم على فضله ، لأن الفضلية إنما تقع فيما من شأنه أن يقبل فلا يتعمل في القبول ، أو فيما يجوز أن يوصف به فلا يتصف به ؛ والوجه الآخر أن الأسماء الإلهية راجعة إلى ذاته والذات واحدة ، والمفاضلة تطلب الكثرة ، والشيء لا يفضل نفسه ، فإذا المفاضلة لا تصح ، ولا يقال إن خلة الحق أشرف من كلامه ، ولا إن كلامه أشرف من خلقه پیدیه ، بل كل ذلك راجع إلى ذات واحدة لا تقبل الكثرة ولا العدد ، فهي بالنسبة إلى كذا خالقة ، وبالنسبة إلى كذا مالكة وبالنسبة إلى كذا عالمة إلى ما نسبت من صفات الشرف والعين واحدة .

أما بالنسبة للتعلق کتسبة العلم الإلهي إلى القدرة الإلهية ، فإن القدرة وإن تعلقت بما لا يتناهي من الممكنات فلا نشك أن العلم أكثر إحاطة منها ، لأنه يتعلق بها وبالممكنات والواجبات والمستحيلات والكائنات وغير الكائنات ، مع ما يعطي الدليل أن ما لا يتناهى لا يفضل ما لا يتناهى ، والقدرة ما لها تعلق إلا بالإيجاد ، فإن القدرة للإيجاد وهو العمل ، وهو العليم سبحانه بما يوجد ، القدير على إيجاد ما يريد إيجاده.

لا مانع له ، وقال تعالى : « أحاط بكل شيء علما» ولا تعم الإحاطة كل شيء إلا إذا كان معنى ، ولا يعلم الشيء من جميع وجوهه إلا الله عز وجل ، الذي أحاط بكل شيء علما سواء كان الشيء ثابتا أو موجودا أو متناهيا أو غير متناه ، فالمعلوم لا يزال محصورا في العلم لهذا كان المعلوم محاطا به ، 

فقال تعالى « أحاط بكل شيء علما » من الواجبات والجائزات والمستحيلات ، وهو تعلق أعم فأنزل الله العالم بحسب المراتب التعمير المراتب ليتميز الكثير الاختصاص بالله الذي اصطنعه الله لنفسه من عباد الله عن غيره من العبيد ، فلو لم يقع التفاضل في العالم لكان بعض المراتب معطلا غير عامر ، وما في الوجود شيء معطل بل هو معمور كله ، فلابد لكل مرتبة من عامر يكون حكمه بحسب مرتبته ، 

ولذلك فضل العالم بعضه بعضا ، وأصله في الأسماء الإلهية ، أين إحاطة العالم من إحاطة المريد من إحاطة القادر ، فتميز العالم عن المريد ، والمريد عن القادر ، بمرتبة المتعاق ، فالعالم أعم إحاطة ، فقد زاد وفضل على المريد والقادر بشيء لا يكون للمريد ولا للقادر من حيث أنه مريد وقادر ، فإنه يعلم نفسه ولا يتصف بالقدرة على نفسه ولا بالإرادة لوجوده ، إذ من حقيقة الإرادة أن لا تعلق إلا بمعدوم والله موجود ، 

ومن شأن القدرة أن لا تتعلق إلا بممكن أو واجب بالغير ، وهو واجب الوجود لنفسه ، فمن هناك ظهر التفاضل في العالم لتفاضل المراتب ، فلابد من تفاضل العامرين لها ، فلابد من التفاضل في العالم ، إذ هو العامر لها الظاهر بها ، وهذا مما لايدرك کشفا بل ادراکه بصفاء الإلهام ، فیکشف المكاشف عمارة المراتب بكشفه للعامرين لها ، ولا يعلم التفاضل إلا بصفاء الإلهام الإلهي . 

الفتوحات ج 1 /  141 - ج 2 / 61 ، 326 ، 501 ، 527 - ج 3 / 382 - ج 4 / 317 أهـ. ""


""و أضاف الجامع : قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب الأحد والسبعون وأربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله" :
قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في خطبته لما أثنى على ربه "فإنما نحن به وله". رواه ابو داود والبيهقي
فخاطب وسمع وهذا أمر لا يندفع فإنه عين الأمر غير إن الفضل بين الناس هو بما شاهده بعضهم وحرمه بعضهم
فيعلم العالم من غيره ما لا يعلمه الغير من نفسه مما هو عليه في نفسه
فظهر التفاضل ومع هذا الظهور لا يخرج المخلوق عن أن يكون الحق هويته بدليل تفاضل الأسماء الإلهية وهي الصفات وليست غيره
فلا يعلم الخلق إلا به   ..... ولا يعلم الحق إلا بها
وأما وصفه بالغنى عن العالم أنما هو لمن توهم إن الله تعالى ليس عين العالم
وفرق بين الدليل والمدلول ولم يتحقق بالنظر إذا كان الدليل على الشيء نفسه فلا يضاد نفسه فالأمر واحد وإن اختلفت العبارات عليه
فهو العالم والعلم والمعلوم فهو الدليل والدال والمدلول
فبالعلم يعلم العلم ، فالعلم معلوم للعلم فهو المعلوم والعلم والعلم ذاتي للعالم وهو قول المتكلم ما هو غيره فقط
وأما قوله وما هو هو بعد هذا فهو لما يرى من أنه معقول زائد على ما هو
فبقي أن يكون هو وما قدر على أن يثبت هو من غير علم يصفه به  فقال ما هو غيره فحار فنطق بما أعطاه فهمه
فقال إن صفة الحق ما هي هو ولا هي غيره ولكن إذا قلنا نحن مثل هذا القول ما نقوله على حد ما يقوله المتكلم فإنه يعقل الزائد ولا بد ونحن لا نقول بالزائد فما يزيد المتكلم على من يقول" إِنَّ الله فَقِيرٌ" إلا بحسن العبارة  ونعوذ بالله أن نكون من الجاهلين فهذا بعض نتائج هذا الهجير.
والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ . أهـ. ""

13 - حياة الوجود الحادث
قال تعالى " وإن من شيء إلا يسبح بحمده "  
الوجود كله حي ناطق بتعظيم الحق سبحانه ، ولكن الحياة منها ما ظهر للحس ومنها ما لم يظهر ، فما لم يظهر بالعادة ظهر بخرق العادة ، فالكل حي ناطق بتسبيح الله وحمده ، حي  في نفس الأمر ذو نفس ناطقة ، 
ولا يمكن أن يكون في العالم صورة لا نفس لها ولا حياة ولا عبادة ذاتية وأمرية ، سواء كانت تلك الصورة مما يحدثها الإنسان من الأشكال ، أو يحدثها الحيوان ، ومن أحدثها من الخلق عن قصد وعن غير قصد، 
فما هو إلا أن تتصور الصورة كيف تصورت وعلى يد من ظهرت ، إلا ويلبسها الله تعالی روحا من أمره ، ويتعرف إليها من حينه ، 
فتعرفه منها وتشهده فيهاء هكذا الأمر دنيا و آخرة ، 
فالتحقيق أن كل ما سوى الله حي  فإنه ما من شيء إلا يسبح بحمده ، 
ولا يكون التسبيح إلا من حي سواء كان ميتا أو غير ميت فإنه حي،
 لأن الحياة للأشياء فيض من حياة الحق عليها ، فهي حية في حال ثبوتها ، ولولا حياتها ما سمعت قوله « کن » بالكلام الذي يليق بجلاله فكانت ، والشيء أنكر النكرات ، وإن كان الله قد أخذ بأسماعنا عن تسبيح الجماد والنبات والحيوان الذي لا يعقل

ص 263


الناس، فإنها الدار الحيوان، وكذلك الدنيا إلا أن حياتها مستورة عن بعض العباد ليظهر الاختصاص والمفاضلة بين عباد الله بما يدركونه من حقائق العالم.
فمن عم إدراكه كان الحق فيه أظهر في الحكم ممن ليس له ذلك العموم.
فلا تحجب بالتفاضل وتقول لا يصح كلام من يقول إن الخلق هوية الحق بعد ما أريتك التفاضل في الأسماء الإلهية التي لا تشك أنت أنها هي الحق ومدلولها المسمى بها وليس إلا الله تعالى. "14"
ثم إنه كيف يقدم سليمان اسمه على اسم الله كما زعموا وهو من جملة من أوجدته الرحمة: فلا بد أن يتقدم الرحمن الرحيم ليصح استناد المرحوم.
هذا عكس الحقائق: تقديم من يستحق التأخير وتأخير من يستحق التقديم في الموضع الذي يستحقه.؟! "15"
ومن حكمة بلقيس وعلو علمها كونها لم تذكر من ألقى إليها الكتاب، وما عملت

........................................................................
كما أخذ بأبصارنا عن إدراك حياة الجماد و النبات إلا من خرق الله له العادة ، فمن هذه الآية تعلم أن سر الحياة الإلهية سري في جميع الموجودات فحييت بحياة الحق ، فمنها ما ظهرت حياتها لأبصارنا ، ومنها ما أخذ الله بأبصارنا عنها في الدنيا ، إلا الأنبياء وبعض الأولياء ، فإنه کشف لهم عن حياة كل شيء ، ولسريان هذه الحياة في أعيان الموجودات ، نطقت مسبحة بالثناء على موجدها ، وهذه الحياة وباقي الصفات نسب وإضافات وشهود حقائق ، 
فإن الله هو العلي الكبير عن الحلول والحل ، وعن ذلك نزهته الأشياء في تسبيحها فإن التسبيح تنزيه ، وأما الدار الآخرة فهي دار ناطقة ظاهرة الحياة ، ثابتة العين غير زائلة ، وما سماها الله بدار الحيوان إلا لأن الأمر ينكشف فيها للعموم ، فما ترى فيها شيئا إلا حيا ناطقا ، بخلاف حالك في الدنيا ، فالكل حيوان . 
الفتوحات ج 1 / 138 ، 147 - ج 3 / 244 ، 437 ، 557 - ج 4 / 299 .  کتاب المسائل - کتاب الشأن.
 
14 - راجع هامش 9 

15 - مخالفه لما نص عليه الشيخ في كتاب الإسراء * راجع هامش 2 من الفص
، وقوله : « فلابد أن يتقدم الرحمن الرحيم ليصح استناد المرحوم » جملة معترضة .
التعقيب : " هذا عكس الحقائق " على هيئة تعجب وسؤال للفت الإنتباه لمن لا يعلم "عن أدب الوقت وشرع الوقت " لقوله : «قدم اسمك فهو الشرع المتبع وإن لم تفعل فلست بمتبع » أي بالنسبة إلى أهل ملتك وزمانك.
"" 2 - تقديم اسم سلیمان عليه السلام في كتابه إلى بلقیس. ف 16  هامش 2 ص 253
يقول الشيخ في شرح كتاب الإسراء وكتاب النجاة عن حجب الاشتباه في شرح مشکل الفوائد من كتابي الإسراء والمشاهده
فعل سليمان ذلك لأنه أدب وقته وشرع وقته ، وهو شرحه لقوله : «قدم اسمك فهو الشرع المتبع وإن لم تفعل فلست بمتبع » أي بالنسبة إلى أهل ملتك وزمانك ،
وأما قوله : « لا تقدم اسمك على اسم مولاك فإنما كان ذلك لعلة هناك » فانظر كيف جاء في الستكة تقديم التهليل في شهادة التوحيد على ذكر الرسول عليه السلام ،
وقوله « إنما كان ذلك ، إشارة إلى سليمان عليه السلام ، اصطلاحهم في ذلك الزمان ، فلم تقتض الحكمة أن يخرج عن عادة أهل الزمان .  أهـ ""

ص 264

ذلك إلا لتعلم أصحابها أن لها اتصالا إلى أمور لا يعلمون طريقها، وهذا من التدبير الإلهي في الملك، لأنه إذا جهل طريق الإخبار الواصل للملك خاف أهل الدولة على أنفسهم في تصرفاتهم، فلا يتصرفون إلا في أمر إذا وصل إلى سلطانهم عنهم يأمنون غائلة ذلك التصرف.
فلو تعين لهم على يدي من تصل الأخبار إلى ملكهم لصانعوه وأعظموا له الرشا حتى يفعلوا ما يريدون ولا يصل ذلك إلى ملكهم.
فكان قولها «ألقي إلي» ولم تسم من ألقاه سياسة منها أورثت الحذر منها في أهل مملكتها وخواص مدبريها، وبهذا استحقت التقدم عليهم.
وأما فضل العالم من الصنف الإنساني على العالم من الجن بأسرار التصريف وخواص الأشياء، فمعلوم بالقدر الزماني: فإن رجوع الطرف إلى الناظر به أسرع من قيام القائم من مجلسه، لأن حركة البصر في الإدراك إلى ما يدركه أسرع من حركة الجسم فيما يتحرك منه، فإن الزمان الذي يتحرك فيه البصر عين الزمان الذي يتعلق بمبصره مع بعد المسافة بين الناظر والمنظور : فإن زمان فتح البصر زمان تعلقه بفلك الكواكب الثابتة، وزمان رجوع طرفه إليه هو عين زمان عدم إدراكه.
والقيام من مقام الإنسان ليس كذلك: أي ليس له هذه السرعة. "16"
فكان آصف ابن برخيا أتم في العمل من الجن، فكان عين قول آصف بن برخيا عين الفعل في الزمن الواحد.
فرأى في ذلك الزمان بعينه سليمان عليه السلام عرش بلقيس مستقرا عنده لئلا يتخيل أنه أدركه وهو في مكانه من غير انتقال،. "17" 
ولم يكن عندنا باتحاد

........................................................................

19 - سرعة البصر
إن البصر لا شيء أسرع منه ، فإن زمان لمحة العين أي زمان التحاظه عين زمان تعلقه بالملموح ، ولو كان البعد ما كان، فهو زمان التحاقه بغاية ما يمكن أن ينتهي إليه في التعلق ، وأبعد الأشياء في الحس الكواكب الثابتة التي في فلك المنازل ، وعندما تنظر إليها يتعلق اللمح بها ، فهذه سرعة الحس ، فإن اللمحة الواحدة م ن البصر تعم من أحكام المرئيات من حيث الرائي إلى الفلك الأطلس جميع ما يحوي
عليه في تلك اللمحة من الذوات والأعراض القائمة بها من الأكوان والألوان.
الفتوحات  ج 1 / 702 - ج 2 / 82 ، 402 


17 - آصف بن برخيا
آصف بن برخيا كان يعلم الاسم الأعظم الذي يفعل بالخاصية ، ولولا الكتاب ما علم ذلك ، فقال لسليمان عليه السلام : « أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك » فظهر بهذا الأمر تعظيما لقدر سلیمان عليه السلام عند أهل بلقيس وسائر أصحابه ،

ص 265

الزمان انتقال، وإنما كان إعدام وإيجاد من حيث لا يشعر أحد بذلك إلا من عرفه وهو قوله تعالى «بل هم في لبس من خلق جديد.
ولا يمضي عليهم وقت لا يرون فيه ما هم راءون له.
وإذا كان هذا كما ذكرناه، فكان زمان عدمه (أعني عدم العرش) من مكانه عين وجوده عند سليمان،"18"
من تجديد الخلق

........................................................................
وما طوي عن سليمان عليه السلام العلم بهذا الاسم ، وإنما طوي عنه الإذن في التصرف به ، تنزيها لمقامه فإنه رسول مصرف العين إلى من أرسل إليه ، فكان ذلك من آصف بن برخيا إعلام الغير بأن التلميذ التابع إذا كان أمره بهذه المثابه فما ظنك بالشيخ ! فيبقى قدر الشيخ مجهولا في غاية التعظيم ، فلو ظهر على سليمان هذا الفعل التوهم أن هذا غايته ، وظهور هذا الفعل على يد صاحبه أتم في حقه ، إذ كان هذا التابع مصدقا به وقائما في خدمته بين يديه تحت أمره ونهيه ، فيزيد المطلوب رغبه في هذا الرسول إذا رأی برکته قد عادت على تابعيه ، فيرجو هذا الداخل أن يكون له بالدخول في أمره ما كان لهذا التابع .
الفتوحات ج 2 / 120 - ج 4 / 73 


18 ۔ عرش بلقیس  *
قالت بلقيس " كأنه هو "، وما كان إلا هو ، ولكن حجبها بعد المسافة وحكم العادة ، وجهلها بقدر سليمان عليه السلام عند ربه ، فهذا حجبها أن تقول : هو هو 
فقالت « كأنه هو » وهو هو ، فجهلها ادخل كاف التنبيه ، فما شبهته إلا بنفسه وعينه لا بغيره ، وإنما شوش عليها بعد المسافة المعتاد ، ولو شاهدت الاقتدار الإلهي لعلمت إنه هو كما كان هو من غير زيادة ، 
فقولها « كأنه هو » حصل لها من وقوفها مع الحركة المعهودة في قطع المسافة البعيدة ، وعلمت بعد ذلك أنه هو لا غيره .
واعلم أن الله لا يرد ما أوجده إلى عدم ، بل هو يوجد على الدوام ولا يعدم . 
فالقدرة فعالة دائما ، فإنه ما شاء إلا الإيجاد ، 
ولهذا قال : « إن يشأ يذهبكم » والذهاب انتقالكم من الحال التي أتم فيها إلى حال تكونون فيها ، فيكسو الخلق الجديد عين هذه الأحوال التي كانت لکم ٹو شاء ، لكنه ما شاء ، فليس الأمر إلا كما هو فإنه لا يشاء إلا ما هي عليه ، لأن الإرادة لا تخالف العلم ، والعلم لا يخالف

 ص 266


.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الفقرة الثالثة والعشرون الجزء الرابع .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالجمعة يناير 10, 2020 1:12 pm

السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الفقرة الثالثة والعشرون الجزء الرابع .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الثالثة والعشرون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الثالثة والعشرون :-   الجزء الرابع
مع الأنفاس. "19"
ولا علم لأحد بهذا القدر، بل الإنسان لا يشعر به من نفسه أنه في كل نفس لا يكون ثم يكون.
ولا تقل «ثم» تقتضي المهلة، فليس ذلك بصحيح، وإنما «ثم» تقتضي تقدم الرتبة العلية عند العرب في مواضع مخصوصة كقول الشاعر :
 " كهز الرديني  ثم اضطرب "
........................................................................
المعلوم ، والمعلوم ما ظهر ووقع ، فلا تبديل لكلمات الله ، فإنها على ما هي عليه ، فقوله تعالى : « إن يشأ يذهبكم وبأت بخلق جديد » معناه إن يشأ يشهدكم في كل زمان فرد الخلق الجديد ، الذي أخذ الله بأبصاركم عنه ، فإن الأمر هكذا هو في نفسه ، والناس منه في لبس ، فبقاء الجوهر لیس لعينه ، وإنما بقاؤه للصور التي تحدث فيه، فلا يزال الافتقار منه إلى الله دائما، فالجوهر فقره إلى الله للبقاء ،والصور فقرها إلى الله لوجودها ، فالكل في عين الفقر إلى الله ، فالحق له الاقتدار ، والاقتدار لا يكون عنه إلا الوجود ، فأبى الاقتدار إلا الوجود ، وعلق الإرادة بالإعدام ، 
والله لا يعدم الأشياء القائمة بأنفسها بعد وجودها ، ولا يتصف بإعدام أحوالها ولا أعراضها بعد وجودها ، وإنما الأشياء تكون على أحوال ، فتزول تلك الأحوال عنها ، فيخلع الله عليها أحوالا غيرها ، أمثالا كانت أو أضدادا ، مع جواز إعدام الأشياء بمسكه الإمداد بما به بقاء أعيانها ، لكن قضى القضية أن لا يكون الأمر إلا هكذا ، ولذلك قال : « إن يشأ يذهبكم و يأت بخلق جديد » ولكن ما فعل .
ما جاء في هذه الفقرة يخالف تماما ما ذهب إليه الشيخ وثبت عنه فإنه لو كان إعداما وإيجادا ، لما كان هو .
فلابد من بقاء الجوهر الفرد ، وإذا بقي الجوهر الفرد فلابد من انتقاله من اليمن إلى بيت المقدس ، فهو انتقال كما أوضحه الشيخ لا إعدام وإيجاد . 
الفتوحات ج 1 / 496 ، 664 - ج 2 / 15 ، 483 ، 495 ، 539 ، 539 - ج 3 / 460 - ج 4 / 240 .
 
19 - بل هم في لبس من خلق جديد - الآية
هذا في مفهوم العموم النشأة الآخرة ، وفي مفهوم الخصوص تجدد النشأة في كل نفس دنیا وآخرة ، فعين كل شخص يتجدد في كل نفس لابد من ذلك ، فالخلق الجديد حيث كان دنیا وآخرة ، فدوام الإيجاد الله تعالى، ومن المحال بقاء حال على عين
 
ص 267
 
و زمان الهز عين زمان اضطراب المهزوز بلا شك. وقد جاء بـ "ثم" ولا مهلة.
كذلك تجديد الخلق مع الأنفاس: زمان العدم زمان وجود المثل كتجديد الأعراض في دليل الأشاعرة.
فإن مسألة حصول عرش بلقيس من أشكال المسائل إلا عند من عرف ما ذكرناه آنفا في قصته. فلم يكن لآصف من الفضل في ذلك إلا حصول التجديد في مجلس سليمان عليه السلام.
فما قطع العرش مسافة، ولا زويت له أرض ولا خرقها لمن فهم ما ذكرناه. "20"
وكان ذلك على يدي بعض أصحاب سليمان ليكون أعظم لسليمان عليه السلام في نفوس الحاضرين من بلقيس وأصحابها.
وسبب ذلك كون سليمان هبة الله تعالى لداود من قوله تعالى «ووهبنا لداود سليمان».
والهبة عطاء الواهب بطريق الإنعام لا بطريق الوفاق أو الاستحقاق.
فهو النعمة السابغة والحجة البالغة والضربة الدامغة.
وأما علمه فقوله تعالى «ففهمناها سليمان» مع نقيض الحكم، وكلا آتاه الله حكما وعلما.
فكان علم داود علما مؤتى آتاه الله، وعلم سليمان علم الله في المسألة إذ كان الحاكم بلا واسطة. فكان سليمان ترجمان حق في مقعد صدق.
كما أن المجتهد المصيب لحكم الله الذي يحكم به الله في المسألة لو تولاها بنفسه أو بما يوحي به لرسوله له أجران،
........................................................................
نفسين أو زمانين للاتساع الإلهي ، ولبقاء الافتقار على العالم إلى الله ، فالتغيير له واجب في كل نفس ، والله خالق فيه في كل نفس ، فنحن في خلق جديد بين وجود وانقضاء ، فأحوال تتجدد على عين لا تتعدد بأحكام لا تنفد ، فهذا هو الخلق الجديد الذي أكثر الناس منه في لبس وشك ، والحجاب ليس إلا التشابه والتماثل ولولا ذلك لما التبس على أحد الخلق الجديد الذي لله في العالم في كل نفس بكل شأن ، فالخلق الجديد في كل نفس دنیا وآخرة ، ونفس الرحمن لا يزال متوجها ، والطبيعة لا تزال تكون صورة لهذا النفس ، حتى لا يتعطل الأمر الإلهي ، إذ لا يصح التعطيل، فصور تحدث ، وصور تظهر بحسب الاستعدادات ، لقبول النفس الرحماني إلى ما لا يتناهی ، فالأول منها وإن كان صورة فهو المبدع ، والثاني ليس بمبدع فإنه على مثاله ولكنه مخلوق . 
الفتوحات ج 1 / 461 - ج 3 / 253 ، 395 ، 506 - ج 4 / 22 ، 280 ،    
439.
 
20 - راجع هامش 18  
 
ص 268
 
والمخطئ لهذا الحكم المعين له أجر مع كونه علما وحكما. "21"
فأعطيت هذه الأمة المحمدية رتبة سليمان عليه السلام في الحكم، ورتبة داود عليه السلام.
فما أفضلها من أمة.
ولما رأت بلقيس عرشها مع علمها ببعد المسافة واستحالة انتقاله في تلك المدة عندها، «قالت كأنه هو»، وصدقت بما ذكرناه من تجديد الخلق بالأمثال، وهو هو، وصدق الأمر،.  "22"
كما أنك في زمان التجديد عين ما أنت في الزمن الماضي.
ثم إنه من كمال علم سليمان التنبيه الذي ذكره في الصرح.
فقيل لها «ادخلي الصرح» وكان صرحا أملس لا أمت فيه من زجاج.
فلما رأته حسبته لجة أي ماء، «وكشفت عن ساقيها».
حتى لا يصيب الماء ثوبها.
فنبهها بذلك على أن عرشها الذي رأته من هذا القبيل، وهذا غاية الانصاف.
فإنه أعلمها بذلك إصابتها في قولها «كأنه هو».
فقالت عند ذلك «رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان»:
أي إسلام سليمان: «لله رب العالمين».
فما انقادت لسليمان وإنما انقادت لله رب العالمين، وسليمان من العالمين.
فما تقيدت في انقيادها كما لا تتقيد الرسل في اعتقادها في الله، بخلاف فرعون فإنه قال «رب موسى وهارون»،  "23"
وإن كان يلحق بهذا الانقياد البلقيسي من وجه، ولكن لا يقوى قوته فكانت أفقه من فرعون في الانقياد لله وكان فرعون تحت حكم الوقت حيث قال «آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل».
فخصص، وإنما خصص لما رأى السحرة قالوا في إيمانهم بالله «رب موسى وهارون».
فكان إسلام بلقيس إسلام سليمان إذ قالت «مع سليمان» فتبعته.
فما يمر بشيء من العقائد إلا مرت به معتقدة ذلك.
كما نحن على الصراط المستقيم الذي الرب عليه
........................................................................
21 - نفس المعنى في كتاب تلقيح الأذهان.
"" أضاف الجامع : قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب الثمانون ومائتان في معرفة منزل مالي وأسراره من المقام الموسوي :- 
ولا شك أن المجتهد الذي أخطأ في اجتهاده في الأصول يقطع أنه على برهان فيما أداه إليه نظره وإن كان ليس ببرهان في نفس الأمر، فقد يعذره الله تعالى لقطعه بذلك عن اجتهاده
كما قطع الصاحب أنه رأى دحية وكان المرئي جبريل فهذا قاطع على غير علم فاجتهد فأخطأ فإنه غير ذاكر لما نقصه من التقسيم فإنه لو قال إن لم يكن روحا تجسد وإلا فهو دحية بلا شك فتدبر ما قررناه في مثل هذا
فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في المجتهد" إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر" ولم يفصل بين الاجتهاد في الأصول والفروع وقال تعالى : "وما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا"،
ويلحق بهذا الباب طوائف ممن أوجب أكثر العلماء عليهم العذاب وحكموا عليهم بالشقاء من غير دليل واضح يفيد العلم
فأنزلوهم منازل الأشقياء بالظن والقطع على غير علم في نفس الأمر
فالإله لا يكون بالحسبان فثبت بما ذكرناه أنه من ظن لم ينج من عذاب في الإله
فإن قيل  يقول الله" أنا عند ظن عبدي بي"
قلنا له هو مذهبنا فإنه قال بـ ي" فقد أثبته "له تعالى"" .
وما قال أنا عند ظن العبد بمن جعله إلها
فمتعلق الظن كان عنده بالله فيما يظنه من سعادة أو شقاء
فإنه عالم بالله صاحب ظن في مؤاخذته على الذنب أو العفو عنه وبعد أن تقرر هذا
فلتعلم إن الجنة جنتان جنة حسية وجنة معنوية فالمحسوسة تتنعم بها الأرواح الحيوانية والنفوس الناطقة والجنة المعنوية تتنعم بها النفوس الناطقة لا غير وهي جنة العلوم والمعارف . أهـ. ""
 
22 - نفس المعنى ورد في نقش الفصوص وهو إسماعيل بن سودکین.
"" أضاف الجامع :  يقول الشيخ عبد الرحمن الجامي :
ولما قالت بلقيس في جواب السؤال عن عرشها، حيث قيل لها،  "أَهكَذا عَرْشُكِ"، قالت «كَأَنَّهُ هُوَ»، أي كأنّ العرش المشاهد المشار إليه هو العرش الذي خلّفته في سبا،
ففيه، أي فيما قالت بلقيس، عثور و اطّلاع منّا على علمها، أي على كونها عالمة، بتجديد الخلق بالأمثال في كل زمان.
بل في كل آن فأتت بلقيس بكاف التشبيه في قولها، «كَأَنَّهُ هُوَ»، و حكمت بالمغايرة و المشابهة، فإنّ التشبيه لا يكون إلّا بين متغايرين.
و صدقت فيما قالت لما ذكرنا من تجديد الخلق بالأمثال فانّ مثل الشي‏ء لا يكون عينه من حيث التعيّن، و هو هو من حيث الحقيقة.
وأراها، أي سليمان بلقيس، صرح‏ القوارير فحسبته كأنه لجة، أي ماء، فـ «كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها» حتّى لا يصيب الماء ثوبها.
وما كان لجة في نفس الأمر، كما أن العرش المرئي الموجد عند سليمان ليس عين العرش الذي  خلّفته في سبا من حيث الصورة، فانّه قد انخلع عن الصورة الأولى وتلبّس بصورة أخرى.
ولكنّ الجوهر الذي تعاقبت عليه الصورتان واحد، والصورتان متماثلتان.
فنبّهها بذلك على أنّ حال عرشها كحال الصرح في كون كل منهما مماثلا مشابها لآخر:
أمّا العرش، فلأنّه انعدم، و ما أوجده الموجد مماثل لما انعدم وأمّا الصرح، فلأنّه من غاية لطفه و صفائه صار شبيها بالماء الصافي، مماثلا له، وهو غيره.
فنبّهها بالفعل على أنّها صدقت في قولها، «كَأَنَّهُ هُوَ»، فإنّه ليس عينه، بل مثله. و هذا غاية الانصاف من سليمان عليه السلام، فانّه صوّبها في قولها، «كَأَنَّهُ هُوَ».
و هذا التنبيه الفعلى كالتنبيه القولى الذي في سؤاله، «أَهكَذا عَرْشُكِ»، حيث لم يقل، "أهذا عرشك». فافهم.
وهذا، أي تجديد الخلق مع الآنات، ليس مخصوصا بعرش بلقيس‏  بل هو ساري في العالم كله، علوّه و سفله، فانّ العالم بمجموعه متغيّر أبدا، و كل متغيّر يتبدّل تعيّنه  مع الآنات.
فيوجد في كل آن متعيّن غير المتعيّن الذي هو في الآن الآخر، مع أنّ العين الواحدة التي يطرأ عليها هذه التغيّرات بحالها، فالعين الواحدة هي حقيقة الحق المتعيّنة بالتعيّن الأوّل اللازم لعلمه بذاته.
و هي عين الجوهر المعقول الذي قبل هذه الصور المسمّاة «عالما»، و مجموع الصور أعراض طارية متبدّلة في كل آن. و المحجوبون لا يعرفون ذلك.
فهم في لبس من هذا التجدّد الدائم في الكل.
وأمّا أهل الكشف، فانّهم يرون أنّ الله تعالى يتجلّى في كل نفس، ولا يتكرّر التجلّى:
فانّ ما يوجب البقاء غير ما يوجب الفناء، وفي كل آن يحصل البقاء والفناء فالتجلّى غير مكرّر.
ويرون أيضا أنّ كل تجلّ يعطى خلقا جديدا و يذهب بخلق.  أهـ عبد الرحمن الجامي ""
 
23 - قول فرعون « آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل » الآية * 
قال فرعون ذلك وما سمى الله ليرفع اللبس والشك
، إذ قد علم الحاضرون أن بني إسرائيل ما آمنت إلا بالإله الذي جاء موسى وهارون من عنده إليهم ، فلو قال « آمنت بالله ، وهو قد قرر أنه ما علم من إله غيره ، لقالوا لنفسه شهد لا. للذي أرسل موسى إلينا ، كما شهد الله لنفسه ، فرفع اللبس بما قاله ، وجاء فرعون باسم الصلة وهو « الذي » ليرفع اللبس عند السامعين و لرفع الإشكال عند الأشكال .
الفتوحات ج 3 / 90 .
 
ص 269
 
لكون نواصينا في يده.
ويستحيل مفارقتنا إياه.
فنحن معه بالتضمين، وهو معنا بالتصريح، فإنه قال «وهو معكم أين ما كنتم».
ونحن معه بكونه آخذا بنواصينا.
فهو تعالى مع نفسه حيثما مشى بنا من صراطه.
فما أحد من العالم الا على صراط مستقيم، وهو صراط الرب تعالى.
وكذا علمت بلقيس من سليمان فقالت «لله رب العالمين» وما خصصت عالما من عالم.
وأما التسخير الذي اختص به سليمان وفضل به غيره وجعله الله له من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده فهو كونه عن أمره.
فقال «فسخرنا له الريح تجري بأمره».
فما هو من كونه تسخيرا، فإن الله يقول في حقنا كلنا من غير تخصيص «وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه».
وقد ذكر تسخير الرياح والنجوم وغير ذلك ولكن لا عن أمرنا بل عن أمر الله.
فما اختص سليمان إن عقلت إلا بالأمر.   "24"
من غير جمعية ولا همة، بل بمجرد الأمر.
وإنما قلنا ذلك لأنا نعرف أن أجرام العالم تنفعل لهمم النفوس إذا أقيمت في مقام الجمعية. "25"
وقد عاينا ذلك في هذا الطريق.
فكان من سليمان مجرد التلفظ بالأمر لمن أراد تسخيره من غير همة ولا جمعية.
واعلم أيدنا الله وإياك بروح منه، أن
........................................................................
25 - تسخير الريح لسليمان عليه السلام
ثم إن الله تمم النعمة لسليمان عليه السلام بدار التكليف فقال : « فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، فجعل الله الريح مأمورة ، يعلمنا أنها تعقل ، فالريح ذو روح تعقل كسائر أجسام العالم ، وهبوبه تسبيحه . 
الفتوحات ج 1 / 585 - ج 2 / 450.
 
25 - الهمة والجمعية
اعلم أن الهمة يطلقها. القوم بإزاء تجريد القلب للمني ، ويطلقونها إزاء صدق المريد، ويطلقونها بإزاء جمع الهمم بصفاء الإلهام ، فيقولون الهسة على ثلاث مراتب هية تنبه ، وهمة إرادة ، وهمة حقيقة ، فاعلم أن همة التنبه هي تيقظ القلب لما تعطيه حقيقة الإنسان مما يتعلق التمني س واء كان محالا او ممكنا ، فهي تجرد القلب للمني ، فتجعله هذه الهمة أن ينظر فيما يتمناه ما حكمه ، فيكون بحسب ما يعطيه العلم بحكمه ، وأما همة الإرادة وهي أول صدق المريد فهي همة جمعية ، لا يقوم
 
ص 270
مثل هذا العطاء إذا حصل للعبد أي عبد كان فإنه لا ينقصه ذلك من ملك آخرته، ولا يحسب عليه، مع كون سليمان عليه السلام طلبه من ربه تعالى.
فيقتضي ذوق الطريق أن يكون قد عجل له ما ادخر لغيره ويحاسب به إذا أراده في الآخرة.
فقال الله له «هذا عطاؤنا» ولم يقل لك ولا لغيرك، «فامنن» أي أعط «أو أمسك بغير
........................................................................
لها شيء ، فإنه إذا اجتمع الإنسان في نفسه حتى صار شيئا واحدا نفذت همته فيما يريد ، وهذا ذوق أجمع عليه أهل الله قاطبه فإن بد الله مع الجماعة فإنه بالمجموع ظهر العالم ، 
وهذه الهمة توجد كثيرة في قوم يسمون بإفريقيا الغرانية يقتلون بها من يشاؤون ، فإن النفس إذا اجتمعت أثرت في أجرام العالم وأحواله ولا يعتاص عليها شيء، حتى أدى من علم ذلك ممن ليس عنده کشف ولا قوة إيمان أن الآيات الظاهرة في العالم على أيدي بعض الناس إنما ذلك راجع إلى هذه الهمة ، 
ولها من القوة بحيث أن لها إذا قامت بالمريد أثرا في الشيوخ الكمال ، فيتصرفون فيهم بها ، وقد يفتح على الشيخ في علم ليس عنده ولا هو مراد به بهمة هذا المريد الذي يرى أن ذلك عند هذا الشيخ ، فيحصل ذلك العلم في الوقت للشيخ بحكم العرض ليوصله إلى هذا الطالب صاحب الهمة ، إذ لا يقبله إلا منه ، 
وذلك لأن هذا المريد جمع همته على هذا الشيخ في هذه المسألة ، ولذلك من جمع همته على ربه أنه لا يغفر الذنوب إلا هو وأن رحمته وسعت كل شيء كان مرحوما بلا شك ولا ريب ، 
وأما همة الحقيقة التي هي جمع الهمم بصفاء الإلهام ، فتلك همم الشيوخ الأكبر من أهل الله ، الذين جمعوا هممهم على الحق ، وصيروها واحدة لأحدية المتعلق ، هربا من الكثرة وطلبة التوحيد الكثرة أو التوحيد ، فإن العارفين أنفوا من الكثرة لا من أحديتها ، في الصفات كانت أو في النسب أو في الأساء ، وهم متميزون في ذلك ، وهم على طبقات مختلفة ، وإن الله يعاملهم بحسب ما هم عليه ، لا يردهم عن ذلك إذ لكل مقام وجه إلى الحق .
الفتوحات ج 2 / 526 - راجع فص 13 ، هامش 3، ص 201


"" 3 – الهمة فص 13 ، هامش 3، ص 201
الهمة وهي الصدق أن يريد الشيء فيمتثل المراد بين يديه على ما أراد من غير زيادة ولا نقصان ، فإذا أراد الإنسان أن يختبر نفسه فلينظر هل له فعل بالهمة المجردة فيما شأنه أن لا يفعل إلا بالكلام أم لا ؟ 
فإن أثر وحصل المقصود فهو صامت حقيقة ، مثل أن يريد أن يقول لخادمه « اسقني ماء » أو « آتني بطعام » أو « سر إلى فلان فقل له كذا وكذا ، ولا يشير إلى الخادم بشيء من هذا كله ، فيجد الخادم في نفسه ذلك كله ، بأن يخلق الله في سمع الخادم عن ذلك .
يقول فلان قال لي افعل كذا وكذا يسمع ذلك حسيا بأذنه ، ولكن يتخيل أنه صوت ذلك الصامت ، وليس كذلك ، فمن ليست له هذه الحالة ، فلا يدعى أنه صامت ، وهذا مما غلط فيه جماعة من أهل الطريق .
فسن نصح نفسه فقد أقمنا له میزان هذا المقام الذي يزنه به حتى لا يلتبس عليه الأمر ، وهذا لا يكون إلا للإلهيين المحسنين لا لغيرهم من المؤمنين والمسلمين الذين لم يحصل لهم مقام الإحسان .
وليس الفعل بالهمة في الدنيا لكل أحد، وقد كان ذلك في الدنيا لغير الولي کصاحب العين أو الغرانية بإفريقيا من تأثير الصدق فمشهود في أشخاص ما لهم المكانة من أسباب السعادة التي جاءت بها الشرائع ولكن لهم القدم الراسخ في الصدق، ولكن الفعل بالهمة ما يكون بسرعة تكوين الشيء بالهمة في الدار الآخرة .
وهذا في الدنيا نادر شاذ كقضيب البان وغيره ، وهو في الدار الآخرة للجميع ، فأصحاب الآثار قد يكونون أولياء ، وقد تكون تلك الآثار الكونية عن موازين معلومة عندنا ، وعند من يعرف همم النفوس وقدرتها وانفعال أجرام العالم لها.
ومن خالط الغرانية ورأى ما هم عليه من عدم التوفيق مع كونهم يقتلون بالهمة ويعزلون ويتحكمون لقوة هممهم ، وأيضا لما في العالم من خواص الأسماء التي تكون عنها الآثار والتكوينات عند من يكون عنده علم ذلك مع كون ذلك الشخص مشرکا بالله .
فمن الناس من يكون عالما بخواص الأسماء ، فيظهر بها الآثار العجيبة والانفعالات الصحيحة ، ولا يقول إن ذلك عن أسماء عنده ، وإنما يظهر ذلك عند الحاضرين أنه من قوة الحال والمكانة عند الله والولاية الصادقة وهو كاذب ، فما هو من خصائص أولياء الله تعالی التأثير في الكون .
يقول لوط عليه السلام لقومه « لو أن لي بكم قوة » أي همة فعالة ، فمن كان الحق قواه فلا همة تفعل فعل من هذه صفته ، لكن الأمر لا يكون إلا ما سبق به الكتاب ، وهو عليه السلام من أعلم الناس بالله .
ويعلم أنه ما يكون إلا ما سبق به الكتاب، ولا كتب تعالى إلا ما هو المعلوم عليه، فلا تبديل لكلمات الله، وما يبدل القول لديه، وما هو بظلام للعبيد، فلا يقع إلا ما هو الأمر عليه، قال تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"، فإنه لما كان سبب الجهاد أفعالا تصدر من الذين أمرنا بقتالهم وجهادهم .
وتلك الأفعال أفعال الله خلقا وتقديرا ، فما جاهدنا إلا فيه ولكن بامتثال أمره .
قال « لنهدينهم سبلنا » التي قال فيها : " ولا تتبعوا السبل فتفرق بکم عن سبيله" ، يعني السبيل التي لكم فيها السعادة ، وسبيل السعادة هي المشروعة ، فبين لنا سبلها فندخلها ، فلا نرى مجاهدأ ولا مجاهدا فيه إلا الله .
فكان قوله تعالی « لنهدينهم سبلنا » أي تبين لهم حتى يعلموا فيمن جاهدوا ، ولذلك تسم الآية بقوله « وإن الله لمع المحسنين » والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإذا رأيته علمت أن الجهاد كان منه وفيه . 
راجع فتوحات ج 1 / 359 - ج 2 / 148 ، 180 ، 385 ، 388 ، 667 - ج 4 / 35 أهـ.""
 
ص 271
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الفقرة الثالثة والعشرون الجزء الخامس .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالجمعة يناير 10, 2020 1:14 pm

السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الفقرة الثالثة والعشرون الجزء الخامس .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الثالثة والعشرون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الثالثة والعشرون :-   الجزء الخامس
حساب». "26"
فعلمنا من ذوق الطريق أن سؤاله ذلك كان عن أمر ربه. "27"
والطلب إذا وقع عن الأمر الإلهي كان الطالب له الأجر التام على طلبه.
والباري تعالى إن شاء قضى حاجته فيما طلب منه وإن شاء أمسك، فإن العبد قد وفى ما أوجب الله عليه من امتثال أمره فيما سأل ربه فيه، فلو سأل ذلك من نفسه عن غير أمر ربه له بذلك لحاسبه به.
وهذا سار في جميع ما يسأل فيه الله تعالى، كما قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم «قل رب زدني علما».
فامتثل أمر ربه فكان يطلب الزيادة من العلم حتى كان إذا
........................................................................
26 - عطاء الحق لسليمان عليه السلام
قال تعالی لسليمان عليه السلام إتماما لنعمته عليه « هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب » فرفع عنه الحجر في التصريف بالاسم المانع والمعطي ، وما حجب هذا الملك سليمان عليه السلام عن ربه عز وجل ، أما قوله تعالى « بغير حساب » يعني لست محاسبا عليه ، 
ولله عباد سليمانيون، وهم سبعون ألفا في هذه الأمة ، قد نعتهم النبي صلى الله عليه وسلم في الخبر الصحيح ، وعكاشة منهم بالنص عليه « وإن له عندنا » يعني في الآخرة « لزلفى وحسن مآب » أي ما ينقصه هذا الملك من ملك الآخرة شيء ، كما يفعله مع غيره حيث أنقصه من نعيم الآخرة على قدر ما تنعم به في الدنيا . 
الفتوحات ج 1 / 585 - ج 2 / 188 ، 207 .
 
27 ۔ مخالفة لأصول الشيخ  *
هذا يخالف ما نص عليه الشيخ حيث يقول :
شرط أهل الطريق فيما يخبرون عنه من المقامات والأحوال أن يكون عن ذوق، ولا ذوق لنا ولا لغيرنا ولا لمن ليس بنبي صاحب شريعة في نبوة التشريع ولا في الرسالة ، فكيف تتكلم في مقام لم نصل إليه ، وعلى حال لم نذقه ، لا أنا ولا غيري ممن ليس بنبي ذي شريعة من الله ولا رسول ، حرام علينا الكلام فيه ، فما تكلم إلا فيما لنا فيه ذوق فما عدا هذين المقامين فلنا الكلام فيه عن ذوق لأن الله ما حجره
الفتوحات ج 2 / 24 .
* فلا يصح نسبة ما جاء هنا إلى الشيخ الأكبر من أن سليمان عليه السلام سأل الحق عن أمر منه تعالى ،وأنه قد عرف ذلك من طريق الذوق.
 
التعقيب على أ. محمود محمود الغراب :
بل هذا لا يخالف ما نص عليه الشيخ ويصح نسبته للشيخ لانه موضوع آخر وباب آخر غير الذي قال به الشيخ فالقرآن الكريم لا يخطيء.
انه من نفس ذوق رسول الله موسى وذوق ولي الله الخضر فى علوم موسى عليهما السلام.
فكان موسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل وظن أنه أعلم أهل الأرض فأرسله الله تعالى لملاقاة وليه الخضر عليهما السلام للتعلم منه :
 "قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)  سورة الكهف" .
وكذوق ولى الله الخضر فى علوم رسول الله موسى عليهما السلام .فقال له  " قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)" سورة الكهف
وفى النهاية اعترف رسول الله موسي عليه السلام بذلك  : "قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) سورة الكهف ".
وكان ذوق ولي الله الخضر مع رسول الله موسى عليهما السلام "قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) سورة الكهف "


ص 272
 
سيق له لبن يتأوله علما كما تأول رؤياه لما رأى في النوم أنه أوتي بقدح لبن فشربه وأعطى فضله عمر بن الخطاب.
قالوا فما أولته قال العلم.
وكذلك لما أسري به أتاه الملك بإناء فيه لبن وإناء فيه خمر فشرب اللبن فقال له الملك أصبت الفطرة أصاب الله بك أمتك.
فاللبن متى ظهر فهو صورة العلم، فهو العلم تمثل في صورة اللبن كجبريل تمثل في صورة بشر سوي لمريم.
ولما قال عليه السلام "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا " نبه على أنه كل ما يراه الإنسان في حياته الدنيا إنما هو بمنزلة الرؤيا للنائم: خيال فلا بد من تأويله.
إنما الكون خيال ... وهو حق في الحقيقة
والذي يفهم هذا ... حاز أسرار الطريقة . "28"
........................................................................
28 - الوجود المحدث خیال منصوب
الخيال المطلق هو المسمى به العماء ، وقد فتح الله تعالى في ذلك العماء صور كل ما سواه من العالم ، وهو الخيال المحقق وهو من النفس وهو وجود ، وهو عين الحق المخلوق به ، وأجناس العالم مخلوقون من هذا العماء ، وأشخاص العالم مخلوقون منه أيضا ، فإذا فهمت هذا الأصل علمت أن الحق هو الناطق والمحرك والمسكن والموجد والمذهب ،فتعلم أن جميع هذه الصور مما ينسب إليها مما هو له.
خیال منصوب وأن حقيقة الوجود له تعالى ، ألا ترى واضع خيمة الستارة ما وضعه إلا ليتحقق الناظر فيه علم ما هو أمر الوجود عليه ، فيرى صورا متعددة حركاتها وتصرفاتها وأحكامها لعين واحدة ، ليس لها من ذلك شيء ، والموجد لها ومحرکها ومسكنها بيننا وبينه تلك الستارة المضروبة ، وهو الحد الفاصل بيننا وبينه ، به يقع التمييز فيقال فيه إله ، ويقال فينا عبيد وعالم أي لفظ شئت ، والحقائق لا تتبدل ، وحقيقة الخيال التبدل في كل حال ، والظهور في كل صورة ، فلا وجود حقيقي لا يقبل التبديل إلا الله ، فما في الوجود المحقق إلا الله ، وما سواه فهو الوجود الخيالي ، 
وإذا ظهر الحق في هذا الوجود الخيالي ما يظهر فيه إلا بحسب حقیقته ، لا بذاته التي لها الوجود الحقيقي ، 
فكل ما سوى ذات الحق خیال حائل وظل زائل ، فلا يیقی کون في الدنيا والآخرة وما بينهما ، ولا روح ولا نفس ، ولا شيء مما سوى الله ، أعني
 
ص 273
 
 
فكان صلى الله عليه وسلم إذا قدم له لبن قال «اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه» لأنه كان يراه صورة العلم، وقد أمر بطلب الزيادة من العلم، وإذا قدم له غير اللبن قال اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه.
فمن أعطاه الله ما أعطاه بسؤال عن أمر إلهي فإن الله لا يحاسبه به في الدار الآخرة، ومن أعطاه الله ما أعطاه بسؤال عن غير أمر إلهي فالأمر فيه إلى الله، إن شاء حاسبه وإن شاء لم يحاسبه.
وأرجو من الله في العلم خاصة أنه لا يحاسبه به.
فإن أمره لنبيه عليه السلام يطلب الزيادة من العلم عين أمره لأمته: فإن الله يقول «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة».
وأي أسوة أعظم من هذا التأسي لمن عقل عن الله تعالى.
ولو نبهنا على المقام السليماني على تمامه لرأيت أمرا يهولك الاطلاع عليه فإن أكثر علماء هذه الطريقة جهلوا حالة سليمان ومكانته .  "29"
وليس الأمر كما زعموا.
........................................................................
ذات الحق ، على حالة واحدة لا تبدل من صورة إلى صورة دائما أبدا، وليس الخيال إلا هذا ، فهذا هو عين معقولية الخيال وهو العماء جوهر العالم كله ، فالعالم ما ظهر إلا في خيال فهو متخیل لنفسه ، فهو هو وما هو هو.
مما يؤيد ما ذكرناه أنك لا تشك أنك مدرك لما أدركته أنه حق محسوس لما تعلق به الحس وأن الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم  في قوله « الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا » فنبه أن ما أدركتموه في هذه الدار مثل إدراك النائم بل هو إدراك النائم في النوم وهو خیال ، 
فما أعجب الأخبار النبوية ، لقد أبانت عن الحقائق على ما هي عليه ، وعظمت ما استهوته العقل الفاصر ، فإنه ما صدر إلا من عظيم وهو الحق ، فإذا ارتقى الإنسان في درج المعرفة علم أنه قائم في حال اليقظة المعهودة ، وأن الأمر الذي هو فيه رؤيا إيمانا وكشفا ، ولهذا ذكر الله أمورا وافعة في ظاهر الحس وقال « فاعتبروا » وقال « إن في ذلك لعبرة » أي جوزوا واعبروا مما ظهر لكم من ذلك إلى علم ما بطن به وما جاء له ، 
لذلك قال صلى الله عليه وسلم : « الناس نيام ، فإذا ماتوا انتبهوا » ولكن لا يشعرون ، ولهذا قلنا إيمانا ، فالوجود كله نوم ويقظته نوم . 
الفتوحات  ج 2 / 213 ، 310 ، 311 ، 313 ، 387 .
 
29 - أكثر علماء هذه الطريقة جهلوا حالة سليمان ومكانته  راجع هامش رقم 7، 26
 
"" 7 - قول سليمان عليه السلام "وهب لي ملكا لا بنبغي لأحد من بعدي" فص 16 هامش رقم 7 ص 259
يريد لا ينبغي ظهوره في الشاهد للناس لأحد ، وإن حصل بالقوة لبعض الناس - کمسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العفريت الذي فتك عليه فأراد أن يقبضه ويربطه بسارية من سواري المسجد حتى ينظر الناس إليه فتذكر دعوة أخيه سلیمان فرده الله خاسئا ، فعلمنا من ذلك أنه أراد الظهور في ذلك لأعين الناس، فأجاب الله سليمان عليه السلام إلى ما طلب منه بأن ذکر رسول الله صلى الله عليه وسلم  بدعوة أخيه سليمان حي لا يمضي ما فام بخاطره من إظهار ذلك ، ومن هذه الآية نعلم أن حب العارف للمال والدنيا لا يقدح في حبه لله وللآخرة ، فإنه ما يحبه منه لأمر ما إلا ما يناسب الأمر في الإلهيات ، أترى سلیمان عليه السلام سأل ما يحجبه عن الله ، أو سأل ما يبعده عن الله ، هيهات . 
بل هي صفة كمالية سليمانية لذلك قال « إنك أنت الوهاب » فما أليق هذا الاسم بهذا السؤال .
الفتوحات ج 1 / 584 ، 585 .
 
26 - عطاء الحق لسليمان عليه السلام  فص 16 هامش 26  ص 272
قال تعالی لسليمان عليه السلام إتماما لنعمته عليه « هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب » فرفع عنه الحجر في التصريف بالاسم المانع والمعطي ، وما حجب هذا الملك سليمان عليه السلام عن ربه عز وجل ، أما قوله تعالى « بغير حساب » يعني لست محاسبا عليه ، 
ولله عباد سليمانيون، وهم سبعون ألفا في هذه الأمة ، قد نعتهم النبي صلى الله عليه وسلم في الخبر الصحيح ، وعكاشة منهم بالنص عليه « وإن له عندنا » يعني في الآخرة « لزلفى وحسن مآب » أي ما ينقصه هذا الملك من ملك الآخرة شيء ، كما يفعله مع غيره حيث أنقصه من نعيم الآخرة على قدر ما تنعم به في الدنيا . 
الفتوحات ج 1 / 585 - ج 2 / 188 ، 207 . ""

ص 274
.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالجمعة يناير 10, 2020 11:55 pm

17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الجزء الأول

17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية
قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شيء من الاكتساب:
أعني نبوة التشريع، كما كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء: ولا يطلب عليها منهم جزاء.
فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال. فقال تعالى ووهبنا له إسحاق ويعقوب يعني لإبراهيم الخليل عليه السلام.
وقال في أيوب «ووهبنا له أهله ومثلهم معهم»، وقال في حق موسى «ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا» إلى مثل ذلك.
فالذي تولاهم أولا هو الذي تولاهم في عموم أحوالهم أو أكثرها، وليس إلا اسمه الوهاب"2"
وقال في حق داود «ولقد آتينا داود منا فضلا» فلم يقرن به جزاء يطلبه منه، ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء.
ولما طلب الشكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود.
فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال، وفي حق آله على غير ذلك لطلب المعاوضة فقال تعالى «اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور».
وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكروا الله على ما أنعم به عليهم ووهبهم، فلم يكن ذلك على طلب من الله، بل تبرعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه شكرا لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فلما قيل له في ذلك قال «أفلا أكون عبدا شكورا»؟
وقال في نوح «إنه كان عبدا شكورا».
فالشكور من عباد الله تعالى قليل.
فأول نعمة أنعم الله بها على داود عليه السلام أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه)
.............................................................................
1 -  المناسبة بين التسمية وداود عليه السلام :
هي أن اسم داود عليه السلام مكون من ثلاثة أحرف من غير تكرار ، والثلاثة هي أقل الفردية ، والوجود لا يكون إلا عن الفردية كما سبق أن ذكرناه فسميت حكمة وجودية في كلية داودية لمناسبة الفردية .
 
2 ۔ الاسم الوهاب
الله هو الوهاب بما أنعم من العطايا لينعم لا جزاء ولا ليشكر به ويذكر . 
فتوحات ج 4 / 322 . 
 
ص 275
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (بمجرد هذا الاسم، وهي الدال والألف والواو.
وسمى محمدا صلى الله عليه وسلم بحروف الاتصال والانفصال، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالين في اسمه كما جمع لداود بين الحالين من طريق المعنى، ولم يجعل ذلك في اسمه، فكان ذلك اختصاصا لمحمد على داود عليهما السلام، أعني التنبيه عليه باسمه.
فتم له الأمر عليه السلام من جميع جهاته، وكذلك في اسمه أحمد، فهذا من حكمة الله تعالى. "3"
ثم قال في حق داود- فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه- ترجيع الجبال معه التسبيح، فتسبح لتسبيحه ليكون له عملها. وكذلك الطير.
وأعطاه القوة ونعته بها، وأعطاه الحكمة وفصل الخطاب.
ثم المنة الكبرى والمكانة الزلفى التي خصه الله بها التنصيص على خلافته.
ولم يفعل ذلك مع أحد من أبناء جنسه وإن كان فيهم خلفاء فقال «يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى» أي ما يخطر لك)
.............................................................................
3 - حروف اسم داود عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم 
لما كان داود عليه السلام في دلالة اسمه عليه أشبه بني آدم با دم في دلالة اسمه عليه ، صرح الله بخلافته في القرآن في الأرض كما صرح بخلافة آدم في الأرض ، فإن حروف آدم غير متصلة بعضها ببعض ، وحروف داود كذلك ، إلا أن آدم فرق بينه وبين داود بحرف الميم ، الذي يقبل الاتصال القبلي والبعدي ، فأتى الله به آخرا حتى لا يتصل به حرف سواه ، وجعل قلبه واحدا من الحروف الستة التي لا تقبل الاتصال البعدي ، فأخذ داود من آدم ثلثي مرتبته في الأسماء ، وأخذ محمد صلى الله عليه وسلم  ثلثيه أيضا وهو الميم والدال ، غير أن محمدا متصل كله ، والحرف الذي لا يقبل الاتصال البعدي جعل آخرة ، حتى يتصل به ، ولا يتصل هو بشيء بعده .
فناسب محمد آدم عليهما الصلاة والسلام من وجهين : 
الأول مناسبة النقيض بالاتصال بادم و آدم له الانفصال كداود ، والميم من آدم کالدال من محمد فجاءتا آخرا لذلك ، أعني في آخر الاسم منهما . 
والثاني مناسبة النظير التي بين آدم ومحمد. في كون الحق علم آدم الأسماء كلها ، وأعطى محمدا من جوامع الكلم ، وعمت رسالته كما عم التناسل من آدم في ذريته.
 فالناس بنو آدم ، والناس أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، من تقدم منهم ومن تأخر.
فتوحات ج 4 / 100   
 
 
ص 267
 
في حكمك من غير وحي مني «فيضلك عن سبيل الله»"4"
أي عن الطريق الذي أوحي بها إلى رسلي.
ثم تأدب سبحانه معه فقال «إن الذين يضلون عن سبيل
.............................................................................
4 - خلافة آدم وداود عليهما السلام
صرح الحق بالخلافتين على التعيين في حق آدم وداود عليهما السلام 
فقال تعالى في خلافة آدم « إني جاعل في الأرض خليفة » پرید آدم و بنيه 
وقال تعالى في داود عليه السلام « يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض » ، 
ثم قال فيه ما لم يقل في آدم « ولا تتبع الهوى » وسبب ذلك لما لم يجعل في حروف اسمه حرف من حروف الاتصال جملة واحدة .
فما في اسمه حرف تصل بحرف آخر من حروف اسمه . 
فعلم أن أمره فيه تشتیت ، لما كان لكل إنسان من اسمه نصيب . 
فكان نصيبه من اسمه ما فيه من التشتيت ، فأوصاه تعالى أن لا يتبع الهوى ، لانفراد كل حرف من اسمه بنفسه ، 
ثم إن له إلى الفردية وجوها في حركاته ، فهي ثلاثة وحروفه خمسة فهو فرد من جميع الوجوه . فلولا أنه قابل لما وقعت فيه الوصية من الله ما وصاه . 
ولما علم ذلك داود بما أعلمه الله بطريق التنبيه في نهيه إياه أن لا يتبع الهوى ، ولم يقل هواك ، أي لا تتبع هوى أحد يشير عليك ، واحكم بما أوحيت به إليك من الحق ، فإن الهوى ما له حكم إلا بالاتصال ، وحروف اسم داود لا نقتضي الأتصال . فعصمه الله من وجه خاص .
واعلم أن آدم أعطى لداود من عمره ستين سنة ، حين رأى صورته بين إخوانه فأحبه، فقبل ذلك داود ، فجحد آدم بعد ذلك ما أعطاه، فانكسر قلب داود عند ذلك، فجبره الله بذكر لم يعطه آدم .
فقال في آدم « إني جاعل في الأرض خليفة » وما عينه باسمه ، ولا جمع له بين أداة المخاطب وبين ما شرفه به ، فلم يقل له  وعلمتك الأسماء كلها ، وقال في خلافة داود « يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض » فسماه ، 
فلما علم الله أن مثل هذا المقام والاعتناء يورثه النفاسة على أبيه آدم ، فإنه على كل حال بشر يكون منه ما يكون من البشر ، 
فلما أراد الله تأديب داود لما يعطيه الذكر الذي سماه الله به من النفاسة على أبيه ، ولاسيما وقد تقدم من أبيه في حقه ما تقدم من الجحد
 
ص  277
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب» ولم يقل له فإن ضللت عن سبيلي فلك عذاب شديد.  "5"
فإن قلت وآدم عليه السلام قد نص على خلافته.
قلنا ما نص مثل التنصيص على داود، وإنما قال للملائكة «إني جاعل في الأرض خليفة»، ولم)
.............................................................................
لما امتن به عليه ، لكون الإنسان إذا مسه الخير منوعا، غير أن آدم ما جحد ما جحده إلا لعلمه بمرتبته ، حيث جعله الله محلا لعلم الأسماء الإلهية التي ما أثنت الملائكة على الله بها ، ولم تعط بعده إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وهو العلم الذي كنى عنه بأنه جوامع الكلم ، 
فعلم آدم أن داود في تلك المدة التي أعطاه من عمره ، لا يمكن أن يعبد الله فيها إلا على قدر كماله ، وهو أنقص من آدم بلا شك لمجود الملائكة وما عليهم من الأسماء الإلهية ، 
فطلب آدم أن يكون له العمر الذي جاد به على ابنه داود عليه السلام ، ليقوم فيه بالعبادة لله ، على قدر علو مرتبته على ابنه داود وغيره ، مما لا يقوم بذلك داود ، فإذا قام بتلك العبادة في ذلك الزمان المعين ، وهب لابنه داود أجر ما تعطيه تلك العبادة من مثل آدم ، 
ولو ترك تلك المدة لداود لم تحصل له رتبة هذا الجزاء ، وحصل لآدم عليه السلام من الله على ذلك رتبة جزاء من آثر على نفسه ، فإنه يجزي بجزاء مثل هذا لم يكن يحصل له لو لم يكن ترك المدة لداود ، 
فكما أحبه في القبضة حين أعطاه من عمره ما أعطاه ، كذلك من حبه رجع في ذلك ، ليعطيه جزاء ما يقع في تلك المدة من آدم من العمل ، ولا علم لداود بذلك ، 
فلما جبره الله بذکر اسمه في الخلافة ، قال له من أجل ما ذكرناه من تطرق النفاسة التي في طبع هذه النشأة واليه " لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله" ، فحذره ، فشغله ذلك الحذر عن الفرح بما حصل له من تعيين الله له باسمه ، فأمره بمراقبة السبيل ، ثم تأدب الله معه حيث قال له « إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد » بما نسوا ، ولم يقل « فإنك إن ضللت عن سبيل الله لك عذاب شدید » . 
فتوحات ج 3 / 191 - ج 4 / 155 
 
5 - نفس العبارة بالنص واردة في الفتوحات ج 3 ص 191 
والأدب جماع الخير ، والحق هو الخير المحض
 
"" أضاف الجامع :  جاء فى تفسير روح البيان
فإن قلت : كيف يكون متابعة الهوى سببا للضلال؟.
قلت : لأن الهوى يدعو إلى الاستغراق في اللذات الجسمانية فيشغل عن طلب السعادات الروحانية التي هي الباقيات الصالحات .
فمن ضل عن سبيل الله الذي هو اتباع الدلائل المنصوبة على الحق أو اتباع الحق في الأمور وقع في سبيل الشيطان ، بل في حفرة النيران والحرمات.
"إن الذين يضلون عن سبيل الله" : تعليل لما قبله ببيان غائلته وإظهار في سبيل الله في موضع الإضمار للإيذان بكمال شناعة الضلال عنه.
"لهم عذاب شديد بما نسوا" ؛ أي : بسبب نسيانهم.
 ولما كان الضلال عن سبيل الله مستلزما لنسيان يوم الحساب كان كل منهما سببا وعلة لثبوت العذاب الشديد .
"تأدب" سبحانه وتعالى مع داود ، حيث لم يسند الضلال إليه ؛ 
بأن يقول : فلئن ضللت عن سبيلي فلك عذاب شديد لما هو مقتضى الظاهر بل أسنده إلى الجماعة الغائبين الذين داود عليه السلام واحد منهم.
واعلم أن الله تعالى خلق الهوى الباطل على صفة الضلالة مخالفا للحق تعالى ؛ فإن من صفته الهداية والحكمة في خليفته يكون هاديا إلى الحضرة بضدية طبعه ومخالفة أمره كما أن الحق تعالى كان هاديا إلى حضرته بنور ذاته وموافقة أمره ليسير السائر إلى الله على قدمي موافقته أمر الله ومخالفته هواه.
 ولهذا قال المشايخ : لولا الهوى ما سلك أحد طريقا إلى الله تعالى ، 
وأعظم جنايات العبد وأقبح خطاياه متابعة الهوى كما قال عليه السلام : "ما عبد إله في الأرض أبغض على الله من الهوى""" 
تفسير روح البيان ص 22

 
ص 278
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (يقل إني جاعل آدم خليفة في الأرض.
ولو قال، لم يكن مثل قوله «جعلناك خليفة» في حق داود، فإن هذا محقق وذلك ليس كذلك.
وما يدل ذكر آدم في القصة بعد ذلك على أنه عين ذلك الخليفة الذي نص الله عليه. فاجعل بالك لإخبارات الحق عن عباده إذا أخبر.
وكذلك في حق إبراهيم الخليل «إني جاعلك للناس إماما» ولم يقل خليفة، وإن كنا نعلم أن الإمامة هنا خلافة، ولكن ما هي مثلها، لأنه ما ذكرها بأخص أسمائها وهي الخلافة.
ثم في داود من الاختصاص بالخلافة أن جعله خليفة حكم، وليس ذلك إلا عن الله فقال له فاحكم بين الناس بالحق، وخلافة آدم قد لا تكون من هذه المرتبة: فتكون خلافته أن يخلف من كان فيها قبل ذلك، لا أنه نائب عن الله في خلقه بالحكم الإلهي فيهم،  "6"
وإن كان الأمر كذلك وقع، ولكن ليس كلامنا إلا في التنصيص عليه والتصريح به.
ولله في الأرض خلائف عن الله، وهم الرسل.
وأما الخلافة اليوم فعن الرسول لا عن الله، فإنهم ما يحكمون إلا بما شرع لهم الرسول لا يخرجون عن ذلك.
غير أن هنا دقيقة لا يعلمها إلا أمثالنا، وذلك في أخذ ما يحكمون به مما هو شرع للرسول عليه السلام.
فالخليفة عن الرسول من يأخذ الحكم بالنقل عنه صلى الله عليه و سلم أو بالاجتهاد الذي أصله أيضا منقول عنه صلى الله عليه وسلم.
وفينا من يأخذه عن الله فيكون خليفة عن الله بعين ذلك الحكم، فتكون المادة له من حيث كانت المادة لرسوله صلى الله عليه وسلم"7"
فهو في الظاهر متبع لعدم مخالفته في الحكم، كعيسى إذا نزل فحكم)
.............................................................................
6 - ۔ خلافة داود عليه السلام *
الاحتمال لم يزل واردة في النص الذي جاء في داود عليه السلام كما جاء في آدم عليه السلام ، 
وهو قول الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات ج 2 / ص 96 
" ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض" ، لمن تقدمك أو نيابة عنا . 
وهذا يخالف ما جاء في المتن في حق داود عليه السلام حيث يقول « فإن هذا محقق » وفيه حق آدم عليه السلام « وذلك ليس كذلك ».
 
7 -  أنبياء الأولياء
اعلم أن النبوة البشرية على قسمين :
قسم من الله إلى عبده من غير روح ملكي بين الله وبين عبده ، بل إخبارات إلهية ، يجدها في نفسه من الغيب أو في تجليات ، لا يتعلق بذلك الإخبار حکم تحليل ولا تحريم ، بل تعریف الهي ومزيد علم بالإله . 
أو تعریف بصدق حكم مشروع ثابت أنه من عند الله لهذا النبي الذي أرسل إلى من
 
ص 279
 
***
.............................................................................
أرسل إليه ، أو التعريف بفساد حكم قد ثبت بالنقل صحته عند علماء الرسوم ، فيطلع صاحب هذا المقام على صحة ما صح من ذلك ، 
وفساد ما فسد، مع وجود النقل بالطرق الضعيفة ، أو صحة ما فسد عند أرباب النقل ، أو فساد ما ص ح عندهم ، والإخبار بنتائج الأعمال وأسباب السعادات ، وحكم التكاليف في الظاهر والباطن ، ومعرفة الحد في ذلك والمطلع ، 
كل ذلك ببينة من الله وشاهد عدل الهي من نفسه ، غير أنه لا سبيل أن يكون على شرع يخالف شرع نبيه ورسوله الذي أرسل إليه وأمرنا باتباعه ، فيتبعه على علم صحیح وقدم صدق ثابت عند الله تعالى ، وهذا كله كان في الأمم السالفة ، 
وأما في هذه الأمة المحمدية فحكمهم ما ذكرناه وزيادة ، وهو أن لهم بحكم شرع محمد ع أن يسنوا سنة حسنة مما لا نحل حراما ولا تحرم حلالا ومما لها أصل في الأحكام المشروعة ، وتسنينه إياها أعطاه له مقامه ، وإنما حكم به الشرع وقرره بقوله « من سن سنة حسنة ۰۰۰ ( الحديث ) » 
والقسم الثاني من النبوة البشرية ، هم الذين يكونون مثل التلامذة بين يدي الملك ، ينزل عليهم الروح الأمين بشريعة من الله في حق نفوسهم يتعبدهم بها ، فيحل لهم ما شاء ، ويحرم عليهم ما شاء ، ولا يلزمهم اتباع الرسل ، وهذا كله كان قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، فأما اليوم فما بقي لهذا المقام أثر إلا ما ذكرنا .
وخلاصة هذا التعريف أن أنبياء الأولياء ، هم كل شخص أقامه الحق في تجل من تجلياته ، وأقام له مظهر محمد صلى الله عليه وسلم  ومظهر جبريل عليه السلام ، حتى إذا فرغ من خطابه وفزع عن قاب هذا الولي ، 
عقل صاحب هذا المشهد جميع ما تضمنه ذلك الخطاب من الأحكام المشروعة الظاهرة في هذه الأمة المحمدية ، فيأخذها هذا الولي كما أخذها المظهر المحمدي للحضور الذي حصل له في هذه الحضرة مما أمر به ذلك المظهر المحمدي من التبليغ لهذه الأمة ، 
فيرد إلى نفسه وقد وعى ما خاطب الروح به مظهر محمد صلى الله عليه وسلم  ، وعلم صحته علم يقين بل عين يقين ، فأخذ حكم هذا النبي وعمل به على بينة من ربه ، فرب حديث ضعيف قد ترك العمل به لضعف طريقه
 
ص 280
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (وكالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في قوله «أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده»،  "8"
وهو)
.............................................................................
من أجل وضاع كان في روايته ويكون صحيحة في نفس الأمر ، ويكون هذا الواضع مما صدق في هذا الحديث ولم يضعه ، وإنما رده المحدث لعدم الثقة بقوله في نقله ، وذلك إذا انفرد به ذلك الواضع وكان مدار الحديث عليه ، 
وأما إذا شاركه فيه ثقة سمعه معه قبل ذلك الحديث من طريق ذلك الثقة ، 
وهذا ولي سمعه من الروح يلقيه على حقيقة محمد صل کما سمع الصحابة في حديث جبريل عليه السلام مع محمد صلى الله عليه وسلم  في الإسلام والإيمان والإحسان في تصديقه إياه ، 
وإذا سمعه من الروح الملقي فهو فيه مثل الصاحب الذي سمعه من فم رسول الله ، علما لا يشك فيه ، بخلاف التابع فإنه يقبله على طريق غلبة الظن ، لارتفاع التهمة المؤثرة في الصدق ، 
ورب حديث يكون صحيحة من طریق رواته يحصل لهذا المكاشف الذي قد عاين هذا المظهر فسأل النبي ملغ عن هذا الحديث الصحيح فأنكره ، 
وقال له لم أقله ولا حکمت به فيترك العمل به على بينة من ربه وإن كان قد عمل به أهل النقل لصحة طريقه وهو في نفس الأمر ليس كذلك ، 
وقد ذكر مثل هذا مسلم في صدر كتابه الصحيح . 
وقد يعرف هذا المكاشف من وضع ذلك الحديث الصحيح طريقه في زعمهم ، إما أن سمي له أو تقام له صورته ، فهؤلاء هم أنبياء الأولياء . 
الفتوحات ج 1 / 150 - ج 2 / 254 .
للزيادة راجع کتابنا « الفقه عند الشيخ الأكبر » 
و رؤية النبي صلى الله عليه وسلم  ص 22 .
و نزول الملائكة على البشر والإلهام ص 29
و الكرامات ص 38
 
8 - « أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده » الآية *
الوجه الأول - هدى الأنبياء عليهم السلام هو ما كانوا عليه من الأمور المقربة إلى الله ، وفي الدعاء المأثور سئواله صلى الله عليه وسلم هدى الأنبياء وعيشة السعداء ، و بالهدى تعطي التوفيق ، وهو الأخذ والمشي بهدي الأنبياء ، وتعطى البيان ، 
وهو شرح ما جاء به الحق ، إذ الهدي هديان : ، 
هدي تبیاني وهو قوله تعالى : " وما كان الله
 
ص 281
 
في حق ما يعرفه من صورة الأخذ مختص موافق، هو فيه بمنزلة ما قرره النبي صلى الله عليه وسلم من شرع من تقدم من الرسل بكونه قرره فاتبعناه من حيث
.............................................................................
ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون » 
وهذا الهدی قد يعطي السعادة وفد لا يعطيها ، إلا أنه يعطي العلم ، كقوله تعالى « وأضله الله على علم » وهدى توفيقي ، وهو هدي الأنبياء عليهم السلام وهو الذي يعطي سعادة العباد " وما توفيقي إلا بالله " ، 
وإذا كان الرسول سید البشر يقال له : « أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده » فما ظنك بالتابع !!
الوجه الثاني - قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " اتبع ما أوحي إليك من ربك " ، فإني خلقتك متبعا اسم مفعول لا متبعا اسم فاعل ، ولذلك قال له عند ذكر الأنبياء « فبهداهم اقتده » لا بهم ، وهداهم ليس سوى شرع الله ، 
فقال : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا" ، وذكر من ذكر ، فكان الشارع لنا الله الذي شرع لهم ، فلو أخذ عنهم لكان تابعا .
الوجه الثالث - اعلم أن كل شرع بعث به نبي من الأنبياء فهو من شرع محمد صلى الله عليه وسلم من اسمه الباطن ، إذ كان نبيا و آدم بين الماء والطين ، 
فقوله تعالى له : « أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده » وما قال بهم ، إذ كان هداهم هداك الذي سرى إليهم ، فمعناه من حيث العلم ،
إذا اهتديت بهديهم فهو اهتداؤك بهديك ، لأن الأولية لك باطنا ، والأخرية لك باطنا ، والأولية لك في الآخرية ظاهرا وباطنا ، 
وعلمنا من ذلك أن محمدا صلى الله عليه وسلم  مساو لجميع من ذكره من الأنبياء ومن لم يذكره ، 
فإنه لكل نبي هدي كما ذكر « لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا » فهو سبحانه نصب الشرائع وأوضح المناهج ، 
وجمع ذلك كله في محمد صلى الله عليه وسلم  ، فمن رآه رأى جميع المقربين ، 
ومن اهتدى بهديه فقد اهتدى بهدى جميع النبيين ، ومن ذلك أن ما قرره النبي مع لنا مما كان شرعا للأنبياء عليهم السلام فعلتمناه على القطع فهو شرع لنا ، 
ومن هذه الآية علمنا أنه صلى الله عليه وسلم خص بعلم الشرائع كلها ، فأبان الله تعالى له عن شرائع المتقدمين ، وأمره أن يهتدي بهداهم ، وخص بشرع لم يكن لغيره . 
فتوحات ج 1 / 635 - ج 2 / 125 - ج 4 / 77 ، 82 ، 313 ، 408 
 
ص 282
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (تقريره لا من حيث إنه شرع لغيره قبله"9"
وكذلك أخذ الخليفة عن الله عين ما أخذه منه الرسول.
فنقول فيه بلسان الكشف خليفة الله وبلسان الظاهر خليفة رسول الله.
ولهذا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نص بخلافة عنه إلى أحد.
ولا عينه لعلمه أن في أمته من يأخذ الخلافة عن ربه فيكون خليفة عن الله مع الموافقة في الحكم المشروع.
فلما علم ذلك صلى الله عليه وسلم لم يحجر الأمر.
فلله خلفاء في خلقه يأخذون من معدن الرسول والرسل ما أخذته الرسل عليهم السلام،. "10"
ويعرفون فضل المتقدم هناك لأن الرسول قابل للزيادة: وهذا الخليفة ليس بقابل للزيادة التي لو كان الرسول قبلها"11"
فلا يعطي من العلم والحكم فيما شرع إلا ما شرع للرسول خاصة، فهو في الظاهر متبع غير مخالف، بخلاف الرسل.
ألا ترى عيسى عليه السلام لما تخيلت اليهود أنه لا يزيد على موسى، مثل ما قلناه في الخلافة اليوم مع الرسول، آمنوا به وأقروه:
فلما زاد حكما أو نسخ حكما قد قرره موسى لكون عيسى رسولا لم يحتملوا ذلك لأنه خالف اعتقادهم فيه؟
وجهلت اليهود الأمر على ما هو عليه فطلبت قتله، فكان من قصته ما أخبرنا الله في كتابه العزيز عنه وعنهم.
فلما كان رسولا قبل الزيادة، إما بنقص حكم قد تقرر، أو زيادة حكم.
على أن النقص زيادة حكم بلا شك.
والخلافة اليوم ليس لها هذا المنصب . "12"
وإنما تنقص أو تزيد على الشرع الذي تقرر بالاجتهاد)
.............................................................................
9 - شرع من قبلنا :
شرع من قبلنا ما يلزمنا اتباعه إلا ما قرر شرعنا منه ، مع كون ذلك شرعا حقا لمن خوطب به ، لا نقول فيه بالباطل ؛ بل تؤمن بالله ورسوله وما أنزل إليه وما أنزل من قبله من كتاب وشرع منزل ، فإن شرع محمد صلى الله عليه وسلم تضمن جميع الشرائع المتقدمة، وما بقي لها حكم في هذه الدنيا إلا ما قررته الشريعة المحمدية ، فبتقريرها ثبتت ، فتعبدنا بها نفوسنا من حيث أن محمدا قررها لا من حيث أن النبي الخصوص بها في وقتها قررها في ح 2 / 165 .
 
10 - ما هنا موصولة وليست بنافية .  
 
11 ، 12  - المعنى واحد وهو قول الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات ج 3 / 458.
الوارث يحفظ بقاء الدعوة في الأمة عليها ، وما حظه إلا ذلك ، حتى إن الوارث
 
ص 283
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (لا على الشرع الذي شوفه به محمد صلى الله عليه وسلم، فقد يظهر من الخليفة ما يخالف حديثا ما في الحكم فيتخيل أنه من الاجتهاد وليس كذلك: وإنما هذا الامام لم يثبت عنده من جهة الكشف ذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو ثبت لحكم به.
وإن كان الطريق فيه العدل عن العدل فما هو معصوم من الوهم ولا من النقل على المعنى.
فمثل هذا يقع من الخليفة اليوم، "13"
وكذلك يقع من عيسى عليه السلام، فإنه إذا نزل يرفع كثيرا من شرع الاجتهاد المقرر فيبين برفعه صورة الحق المشروع الذي كان عليه عليه السلام، ولا سيما إذا تعارضت أحكام الأئمة في النازلة الواحدةفنعلم قطعا أنه لو نزل وحي لنزل بأحد الوجوه، فذلك هو الحكم الإلهي.
وما عداه وإن قرره الحق فهو شرع تقرير لرفع الحرج عن هذه الأمة واتساع الحكم فيها.
وأما قوله عليه السلام إذا بويع الخليفتين فاقتلوا الآخر منهما هذا في الخلافة الظاهرة التي لها السيفوإن اتفقا فلا بد من قتل أحدهما.  بخلاف الخلافة المعنوية فإنه لا قتل فيها.
وإنما جاء القتل في الخلافة الظاهرة وإن لم يكن لذلك الخليفة هذا المقام، وهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عدل فمن حكم الأصل الذي به تخيل وجود إلهين، «لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا»، وان اتفقا: فنحن نعلم أنهما لو اختلفا تقديرا لنفذ حكم أحدهما، فالنافذ الحكم هو الإله على الحقيقة، والذي لم ينفذ حكمه ليس بإله"14" )
.............................................................................
لو أتي بشرع ، ولا يأتي به ، ولكن لو فرضناه ما قبلته منه الأمة ، فلا فائدة لظهور الحال إذا لم يكن القبول كما كان للرسول .
 
13 -  راجع أولياء الأنبياء - هامش رقم 7 ص 279
14 - لو كان فيهما الهة إلا الله لفسدتا « الآية »
اعلم أن العلم بتوحيد الألوهة لمسمى الله، لا توحيد الذات، فإن الذات لا يصح أن تعلم أصلا ، فالعلم بتوحيد الله علم دلیل فکري لا علم شهود کشفي ، 
فالعلم بالتوحيد لا يكون ذوقا أبدا ، ولا تعلق له إلا بالمراتب . 
قال تعالى "لو كان فيهما آلهة إلا الله" ، وهذا بطريق فرض المحال ، فوحد الإله وما تعرض لذات الله سبحانه ، لأن الفكر فيها ممنوع شرعا « لفسدتا ».
أي لم توجدا يعني العالم العلوي وهو السماء والسفلي وهو الأرض ، أي لو كان مع الله إله آخر لفسد النظام والأمر ، وقد وجد الصلاح وهو بقاء العالم ، فدل على أن الموجد له لو لم يكن واحدة ما صح

ص 284

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالجمعة يناير 10, 2020 11:57 pm

17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الجزء الثاني

17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية
قال الشيخ رضي الله عنه : (ومن هنا نعلم أن كل حكم ينفذ اليوم في العالم أنه حكم الله عز وجل، وإن خالف الحكم المقرر في الظاهر المسمى شرعا إذ لا ينفذ حكم إلا لله في نفس الأمر، لأن الأمر الواقع في العالم إنما هو على حكم المشيئة الإلهية لا علم حكم الشرع المقرر، وإن كان تقريره من المشيئة.
ولذلك نفذ تقريره خاصة فإن المشيئة ليست لها فيه إلا التقرير لا العمل)
.............................................................................
وجود العالم ، هذا دليل الحق على أحديته ، وطابق الدليل العقلي في ذلك ، ولو كان غير هذا من الأدلة أدل منه عليه العدل إليه وجاء به. 
وما عرفنا بهذا ولا بالطريق إليه في الدلالة عليه ، فقوله تعالى و لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ، هذه مقدمة. 
والمقدمة الأخرى السماء والأرض - وأعني بهما كل ما سوى الله - ما فسدتا ، وهذه هي المقدمة الأخرى ، والجامع بين المقدمتين وهو الرابط ، الفساد ، فأتجتا أحدية المخصص ، وهي المطلوب ، وإنما قلنا ذلك لأنه لو كان ثم إله زائد على الواحد ، لم يخل هذا الزائد إما أن يتفقا في الإرادة أو يختلفا ، ولو اتفقا فليس بمحال أن يفرض الخلاف ، النظر من تنفذ إرادته منهما ، فإن اختلفا حقيقة أو فرضا في الإرادة، فلا يخلو إما أن ينفذ في الممكن حكم إرادتيهما معا وهو محال ، 
لأن الممكن لا يقبل الضدين ، وإما أن لا ينفذا وإما أن ينفذ حكم إرادة أحدهما دون الآخر ، فإن لم ينفذ حكم إرادتيهما ، فليس واحد منهما بإله ، وقد وقع الترجيح ، فلابد أن يكون أحدهما نافذ الإرادة ، وقصر الآخر عن تنفيذ إرادته ، فحصل العجز ، والإله ليس بعاجز ، فالإله من نفذت إرادته، 
وهو الله الواحد لا شريك له، ولهذا الأصل، ما بعث رسول الله من بعثا قط ولو كان اثنين إلا قدم أحدهما وجعل الآخر تبعا ، وإن لم يكن كذلك فسد الأمر والنظام، فلا يصح إقامة ملك بين مدبرين وإن اتحدت إرادتهما، 
ولما كان لا يصح عقلا ولا شرعا تدبير ملك بين أميرين متناقضين في أحكامهما ، وإن فرض اتحاد الإرادة في حق المخلوقين ، فإن حكم العادة والشرع يأبى ذلك في حق هذين الأميرين ، فلم يرد الله تعالى أن يدبر هذا الملك إلا واحد وصرح بذلك على لسان رسوله ق : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما . 
جمع الأنام على إمام واحد  .... عين الدليل على الإله الواحد
 
ص 285
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (بما جاء به.
فالمشيئة سلطانها عظيم، ولهذا جعلها أبو طالب عرش الذات، لأنها لذاتها تقتضي الحكم.
فلا يقع في الوجود شيء ولا يرتفع خارجا عن المشيئة، "15"
فإن الأمر الإلهي إذا خولف هنا بالمسمى معصية، فليس إلا الأمر بالواسطة لا الأمر التكويني.
فما خالف الله أحد قط في جميع ما يفعله من حيث أمر المشيئة، فوقعت)
.............................................................................
فجعل الله للناس إماما في الظاهر واحدة ، يرجع إليه أمر الجميع لإقامة الدين ، وأمر عباده أن لا ينازعوه ، ومن ظهر عليه ونازعه أمرنا الله بقناله ، لما علم أن منازعته تؤدي إلى فساد في الدين الذي أمرنا الله إقامته ، 
وأصله قوله تعالى « لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا » فمن هناك ظهر اتخاذ الإمام وأن يكون واحدة في الزمان ظاهرة بالسيف . 
فتوحات ج 1 / 262 ، 680 - ج 2 / 289 ، 619 - ج 3 / 80 ، 173 - ج 4 / 13 - كتاب التدبيرات الإلهية .
 
15 - قول أبي طالب الملكي « مشيئته تعالی عرش ذاته »
اعلم أنه من شم رائحة من العلم بالله لم يقل لم فعل كذا وما فعل كذا ، وكيف يقول العالم بالله لم فعل كذا ؟ 
وهو يعلم أنه السبب الذي اقتضى كل ما ظهر وما يظهر وما قدم وما أخر ، وما رتب لذاته فهو عين السبب ، 
فلا يوجد لعلة سواه ولا يعدم ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، فمشيئته عرش ذاته أي ملكها ، أي بالمشيئة ظهر كون الذات ملكا ، لتعلق الاختيار بها ،
فالإختيار للذات من كونها إلها ، فإن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ، قال عليه السلام « ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن» فعلق النفي والإثبات بالمشيئة فظهر الاختيار مع المشيئة، 
فإنه لیں الإرادة اختيار ولا نطق بها كتاب ولا سنة ولا دل عليها عقل ، وإنما ذلك للمشيئة ، فإن شاء كان وإن شاء لم يكن ، وما ورد ما لم يرد لم يكن ، بل ورد لو أردنا أن يكون كذا لكان كذا ، 
فخرج من المفهوم الاختیار ، فالإرادة تعلق المشيئة بالمراد .
فتوحات ج 2 / 39 - ج 3 / 48 
 
ص 286
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (المخالفة من حيث أمر الواسطة فافهم. "16"
وعلى الحقيقة فأمر المشيئة إنما يتوجه على إيجاد عين الفعل لا على من ظهر على يديه، فيستحيل ألا يكون.
ولكن في هذا المحل الخاص، فوقتا يسمى به مخالفة لأمر الله، ووقتا يسمى موافقة وطاعة لأمر الله.
ويتبعه لسان الحمد أو الذم على حسب ما يكون.
ولما كان الأمر في نفسه )
.............................................................................
16 - الأمر الإرادي والأمر التكليفي
الأمر أمران ، أمر بواسطة وأمر برفع الوسائط ، فأمره سبحانه لا يتصور أن يعصى ، لأنه بكن ، إذ كن لا تقال إلا لمن هو موصوف بلم يكن ، وما هو موصوف لم يكن ما يتصور منه الإباية ، 
وإذا كان الأمر الإلهي بالواسطة فلا يكون بكن ، فإنها من خصائص الأمر العدمي الذي لا يكون بواسطة ، وإنما يكون الأمر بما يدل على الفعل ، فيؤمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، فيقال له « أقم الصلاة » « وآت الزكاة » 
فاشتق له من اسم الفعل اسم الأمر فيطيعه من يشاء منهم ويعصيه من شاء منهم ، والإنسان لا يقدر على دفع ما تكون في نفسه فإن كن إنما تعلقت بما تكون في نفس الإنسان ، فكان الحكم لما تكون فيمن تكون ، 
فآمن ولابد أو صلى ولابد أو صام ولابد ، على حسب ما تعطيه حقيقة الأمر الذي تعلق به کن ، وقد يرد الأمر بالواسطة ولا يرد الأمر الإلهي ، فلا يجد المخاطب آلة يفعل بها ، فيظهر كأنه عاص . 
وإنما هو عاجز فاقد في الحقيقة ، لأنه ما تكون فيه ما أمر به أن تكون عنه ، فلا أطوع من الخلق لأوامر الحق ، أي لقبول ما أمر الحق بتكوينه فيه ، ولكن لا يشعرون ، 
وليست الاوامر التي أوجبنا طاعتها إلا الأوامر الإلهية لا الأوامر الواردة على ألسنة الرسل ، 
فإن الأمر من الخلق طائع فيما أمر ، لأنه لو لم يؤمر بأن يأمر ما أمر ، فلو أن الذي أمره يستمع المأمور بذلك الأمر أمره لامتثل ، فإن أمر الله لا يعصى إذا ورد بغير الوسائط ، 
فالأمر الإلهي لا يخالف الإرادة الإلهية ، فإنها داخلة في حده وحقيقته ، وإنما وقع الالتباس من تسميتهم صيغة الأمر - وليست بأمر - أمرا ، والصيغة مرادة بلا شك ، فأوامر الحق إذا وردت على ألسنة المبلغين فهي صيغ الأوامر لا الأوامر ، فتعصى ، وقد يأمر الآمر بما لا يريد وقوع المأمور به ، فما عصى أحد قط أمر الله « إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون» .
فتوحات ج 2 / 588 - ج 4 / 424 ، 430
 
ص 287
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (على ما قررناه، لذلك كان مآل الخلق إلى السعادة على اختلاف أنواعها"17"
فعبر عن هذا المقام بأن الرحمة وسعت كل شيء، وأنها سبقت الغضب الإلهي.
والسابق متقدم، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر حكم عليه المتقدم فنالته الرحمة إذ لم يكن غيرها سبق.
فهذا معنى سبقت رحمته غضبه، لتحكم على ما وصل إليها فإنها في الغاية وقفت والكل سالك إلى الغاية.
فلا بد من الوصول إليها، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب، فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها"18" )
.............................................................................
17 - العبد مجبور في اختياره
قال تعالى " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله" ، أن تشاؤوا ، فتلك على الحقيقة مشيئة الله لا مشيئته ، وأنت تشاء بها ، ونحن نقول في النسبة الاختيارية إن الله خلق للعبد مشيئة شاء بها ، حكم هذه النسبة وتلك المشيئة الحادثة عن مشيئة الله ، 
فاثبت سبحانه المشيئة له ولنا ، وجعل مشيئتنا موقوفة على مشيئته ، هذا في الحركة الاختيارية ، وأما في الاضطرارية كحركة المرتعش فالأمر عندنا واحد، 
فالسبب الأول مشيئة الحق ، والسبب الثاني المشيئة التي وجدت عن مشيئة الحق ، فالله هو الشيء وإن وجد العبد في نفسه إرادة لذلك ، فالحق عين إرادته ، فحكم المشيئة التي يجدها في نفسه ليست سوى الحق ، 
فإذا شاء كان ما شاءه ، فهو عين مشيئة كل مشيء. 
فقوله تعالى : " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله " و عزاء أفاد علما ، ليثبت به العبد في القيامة حكما ، فهو تلقين حجة ، ورحمة من الله وفضل ، أي أن العبد مجبور في اختياره فعلم الجبر آخر ما ينتهي إليه المعاذر ، وهو سبب مال الخلق إلى الرحمة ، فإن الله يعذر خلقه بذلك فيما كان منهم 
فتوحات ج 3/ 84 ، 303 ، 351 ، 457 ، 464 . 
 
18 - قوله تعالی «رحمتي سبقت غضبي »
سبقت الرحمة الغضب لأنه بها كان الابتداء ، والغضب عرض ، والعرض زائل وأن الرحمة لما سبقت الغضب في الوجود عمت الكون كله ، ووسعت كل شيء ، فلما جاء الغضب في الوجود وجد الرحمة قد سبقته ، 
ولابد من وجوده ، فكان مع الرحمة ، لذلك لم يخلص الغضب الإلهي من الرحمة ، فحكمت على الغضب لأنها صاحبة المحل ، فإن الحكم للسابق ، واللاحق متأخر عنه، فينتهي غضب الله في
 
ص 288
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلناه ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد ... عليه وكن بالحال فيه كما كنا
فمنه إلينا ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا   "19" )
.............................................................................
المغضوب عليهم ، ورحمة الله لا تنتهي ، فإن غضب الله لا يخلص من رحمة إلهية تشوبه ، فغضبه في الدنيا ما نصبه من الحدود والتعزيرات . 
وغضبه في الآخرة ما يميم من الحدود على من يدخل النار . 
فهو وإن كان غضبا فهو تطهير لما شابه من الرحمة في الدنيا والآخرة ، فيريد الله بقوله : « رحمتي سبقت غضبي » أن حكمه برحمته عباده سبق غضبه عليهم فهي تحوز العالم في الدارين بكرم الله . 
وما ذلك على الله بعزيز ، وإن كانوا في النار فلهم فيها نعيم فإنهم ليسوا منها بمخرجين .
ومن حيث المسابقة نقول قد تجاری غضب الله ورحمته في هذا الشأو ، وهو آدم وذريته ، فسبقت رحمته غضبه، فحازتنا لأن السابق يحوز قصب السبق . 
وقصب السبق هنا آدم وذريته ، ثم لحق الغضب فوجدنا في قبضة الرحمة ، قد حازتنا بالسبق ، فلم ينفذ الغضب فينا حكم التأييد . 
بل تلبس بنا للمشاهده بعض تلبس ، لما جمعنا مجلس واحد أثر فينا بقدر الاستعداد منا لذلك ، فلما انفصلت الرحمة من الغضب من ذلك المجلس أخذتنا الرحمه بحيازتها إيانا : وفارقنا غضب الله ، فحكمه فينا أعني بني آدم غير مؤبد، وفي غيرنا من المخلوقين ما أدري حكمه فيهم من الشياطين
فرحمته تعالى لما سبقت غضبه لحق الغضب بالعدم فإنه وإن كان شيئا فهو تحت إحاطة الرحمة الإلهية الواسعة ، فكيف يتسرمد العذاب وهو بهذه الصفة العامة من الرحمة ، إن الله أكرم من ذلك ، 
ولاسيما وقد قام الدليل العقلي على أن الباري لا تنفعه الطاعات ولا تضره المخالفات ، وأن كل شيء جار بقضائه وقدره وحكمه . 
وأن الخلق مجبورون في اختيارهم .
فتوحات ج 1 / 4 ، 749 - ج 2 / 281 ، 535 ، 673 - ج 3 / 7 ، 25 ، 333 - ج 4 / 405 
راجع كتاب الخيال - اجتماع الشيخ بآدم عليه السلام ص 94
 
19 - البيت الأول والثاني يشيران إلى شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب بحسب ما تقدم الكلام قبله .
 
ص 289
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (وأما تليين الحديد فقلوب قاسية يلينها الزجر والوعيد تليين النار الحديد.
وإنما الصعب قلوب أشد قساوة من الحجارة، فإن الحجارة تكسرها وتكلسها النار ولا تلينها.
وما ألان له الحديد إلا لعمل الدروع الواقية تنبيها من الله: أي لا يتقى الشيء إلا بنفسه، لأن الدرع يتقى بها السنان والسيف والسكين والنصل، فاتقيت الحديد بالحديد.
فجاء الشرع المحمدي بأعوذ بك منك،  "20"
فافهم، فهذا روح تليين الحديد فهو المنتقم الرحيم والله الموفق. )
  
.............................................................................
البيت الثالث : الشطر الأول - أي أن هذا من العلم الإلهي « واتقوا الله ويعلمكم الله »۰ 
الشطر الثاني : معناه أنا وهبناكم هذا العلم لا نريد منكم جزاء ولا شكورا .
 
20 - قوله « أعوذ بك منك »
التعوذ يكون باسم إلهي من اسم إلهي ، وهو الذي نبه عليه صلى الله عليه وسلم  بقوله : "أعوذ بك منك" ، وهذا غاية ما يصل إليه تعظيم المحدث إذا عظم جناب الله ، 
فإنه اعلم أن الحق لا يقاوم إلا بالحق ، فيكون هو الذي يقاوم نفسه ، لأنه شتان بين مقام المعني ومقام الحرف ، فقال تعالى الحرف بالحرف قال مع « أعوذ برضاك من سخطك » ، 
وقابل المعني بالمعنى فقال صلى الله عليه وسلم  « وأعوذ بك منك » وهذا غاية المعرفة . 
ومن وجه آخر لما نطق من بالاستعاذة به بضمير الخطاب من غير تعيين اسم لم يجد له مقابلا ، لأنه ما عين اسما ، فلم يجد من يستعيذ منه ، فرأى نفسه على صورته ، 
فقال : منك ، فاستعاذ بالله من نفسه ، لأن النفس الذي هو المثل وردت في القرآن ، مثل قوله تعالى «ولا تزكوا أنفسكم» أي أمثالكم ، فيتوجه قوله « وأعوذ بك منك» أن الكافين واحدة على الوجه الأول ويتوجه أن يكون الكاف في منك تعود على المثل ، وهو نفس المستعيذ ، فإنه خليفة محصل للصورة على أتم الوجوه . 
 
فاستعاد بالله من نفسه ، لما يعلمه من المكر الخفي الإلهي ، فإنه ما أظهر الصورة المثلية في هذه النشأة على التشريف فقط ، بل هي شرف وابتلاء . 
 
فتوحات ج 1 / 108 - ج 3 / 183 - ج 4 / 190
 
ص 290
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يناير 19, 2020 6:34 pm

18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص اليونسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الجزء الأول

18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية
اعلم أن هذه النشأة الانسانية بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها الله على صورته، "2"
فلا يتولى حل نظامها إلا من خلقها، إما بيده وليس إلا ذلك أو بأمره.
ومن تولاها بغير أمر الله فقد ظلم نفسه وتعدى حد الله فيها وسعى في خراب من أمره الله بعمارته.
وأعلم أن الشفقة على عباد الله أحق بالرعاية من الغيرة في الله.
.....................................................................................
1 - هذا الفص يقوم على بحث شرف النفس الناطقة من الإنسان 
وإظهار اعتناء الحق بها وإكرامها ، فكانت المناسبة في تسمية هذا الفص هي إظهار اعتناء الحق بهذه النفس في حق قوم يونس لما كشف عنهم العذاب ومتعهم إلى حين ، وقال صلى الله عليه وسلم : «لا تفضلوني على أخي يونس بن متى » وخصه بالاسم لأنه صلى الله عليه وسلم عرج به إلى سدرة المنتهى وحبس يونس عليه السلام في بطن الحوت في ظلمات ثلاث ، فلا تفاضل من حيث النفس الناطقة وإنما التفاضل للمراتب .
 
2 ۔ شرف النفس الناطقة
اعلم اسعدنا الله وإياك بسعادة الأبد أن النفس الناطقة سعيدة في الدنيا والآخرة، لا حظ لها في الشقاء لأنها ليست من عالم الشقاء ، ألا ترى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد قام الجنازة يهودي ، فقيل له : إنها جنازة يهودي ، 
فقال صلى الله عليه وسلم : أليست نفسا ؟ 
فما علل بغير ذاتها ، فقام إجلالا لها وتعظيما لشرفها ومكانتها ، وكيف لا يكون لها الشرف وهي منفوخة من روح الله ، فهي من العالم الأشرف الملكي الروحاني ، عالم الطهارة . 
وليس العالم إنسانا كبيرة إلا بوجود الإنسان الكامل الذي هو نفسه الناطقه ، كما أن نشأة الإنسان لا تكون إنسانا إلا بنفسها الناطقة ، ولا تكون هذه النفس الناطقة من الإنسان إلا بالصورة الإلهية المنصوص عليها من الرسول صلى الله عليه وسلم  بقوله : « خلق الله آدم على صورته » .
 فتوحات ج 3 / 262 ، 263  - راجع فص 1. هامش 4 ، ص 25
 
ص 291
 
أراد داود بنيان البيت المقدس فبناه مرارا، فكلما فرغ منه تهدم، فشكا ذلك إلى الله فأوحى الله إليه أن بيتي هذا لا يقوم على يدي من سفك الدماء، فقال داود يا رب أ لم يكن ذلك في سبيلك؟ قال بلى! ولكنهم أ ليسوا عبادي؟
قال يا رب فاجعل بنيانه على يدي من هو مني، فأوحى الله إليه أن ابنك سليمان يبنيه.
فالغرض من هذه الحكاية مراعاة هذه النشأة الانسانية، وأن إقامتها أولى من هدمها.
ألا ترى عدو الدين قد فرض الله في حقهم الجزية والصلح إبقاء عليهم، وقال «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله»؟
ألا ترى من وجب عليه القصاص كيف شرع لولي الدم أخذ الفدية أو العفو، فإن أبى حينئذ يقتل؟
ألا تراه سبحانه إذا كان أولياء الدم جماعة فرضي واحد بالدية أو عفا، و باقي الأولياء لا يريدون إلا القتل، كيف يراعى من عفا و يرجح على من لم يعف فلا يقتل قصاصا؟
ألا تراه عليه السلام يقول في صاحب النسعة «إن قتله كان مثله»؟
ألا تراه يقول «وجزاء سيئة سيئة مثلها؟» فجعل القصاص سيئة، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا.
_______________________________________
3 - حدیث بناء بيت المقدس     ورد في الفتوحات ج 2 / 343
 
4 - الرحمة الإلهية بأعداء الله
لولا الرحمة الإلهية ما كان الله ليقول « وإن جنحوا للسلم فأجنح لها ، وما كان الله يقول « حتى يعطوا الجزية » أليس هذا كله إبقاء عليهم . 
فتوحات ج 2 / 363
 
5 - « وجزاء سيئة سيئة مثلها .. » الآية
السوء على نوعين سوء شرعي ، وسوء ما يسوءك وإن حمده الشرع ولم يذمه . فقد يكون هذا السوء من كونه يسوءك لا أن السوء فيه حكم الله ، كما قال تعالى : « وجزاء سيئة سيئة مثلها » فالسيئة الأولى شرعية . 
صاحبها مأثوم عند الله ، لأنه تعدى ، والسيئة الأخرى ما يسوء المجازي عليها ، فهي ليست بسيئة شرعا . 
وإنما هي سيئة من حيث أنها تسوء المجازی عليها كالقصاص ، فسمى الله الجزاء سيئة بالمثلية ، وليس الجزاء بسيئة مشروعة ، لأن الله لا يشرع السوء ، فنبه تعالى بقوله « وجزاء سيئة سيئة » على الزهد والترك للأخذ عليها ، بتسمية الجزاء سيئة. 
فأنزل المسيء منزلة السيئة ، وسمي بها ، فلم يقل وجزاء المسيء ، فإن المسيء هو الذي يجازی بما أساء لا السيئة ، فإن السيئة قد ذهب عينها ، وهي لا تقبل الجزاء ؛
 
ص 292
 
«فمن عفا وأصلح فأجره على الله» لأنه على صورته. 
فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو على صورته لأنه أحق به إذ أنشأه له، وما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده  "6" فمن راعاه إنما يراعي الحق. 
وما يذم الإنسان لعينه وإنما يذم الفعل منه، وفعله ليس عينه، وكلامنا في عينه.
ولا فعل إلا الله، ومع هذا ذم منها ما ذم وحمد منها ما حمد. 
ولسان الذم على جهة الغرض مذموم عند الله. 
فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع، فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها الله أو من أعلمه الله "7".
كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمعتدي حدود الله فيه. 
«ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب» وهم أهل لب الشيء الذين عثروا على سر
_______________________________
وأضيف الجزاء إلى السيئة ، فللمسيء حكم السيئة ، ولذلك نبه تعالى بقوله « مثلها » فأطلق على الجزاء اسم « سيئة ، ومن اتصف بشيء من ذلك فيقال فيه إنه مسېء . 
فحث تعالى على اختيار العفو على الجزاء بالمثل ، نفاسة وتقديس نفس من أن توصف بأنها محل للسيئة والسوء ، فقال فيمن لم يفعلها « فمن عفا» فنبه على أن ترك الجزاء على السيئة من مكارم الأخلاق ، 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  في الرجل الذي طلب القصاص من قاتل من هو وليه ، فطلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعفو عنه أو بقبل الدية ، فأبي ، فقال خذه ، فأخذه ، فلما قفي . 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أما إنه إن قناه كان مثله » يريد قوله « وجزاء سيئة سيئة مثلها » فسمي قاتلا ، فبلغ ذلك القول الرجل ، فرجع إلى النبي عل وخلى" عن قتله وترکه وعفا.  
فتوحات ج 1 / 379 - ج 4 / 104 ، 171
 
6 - يريد قوله صلى الله عليه وسلم  « خلق الله آدم على صورته » .
راجع فص 1، هامش 4 ، ص 25
""   4 . خلق الله آدم على صورته فص 1، هامش 4 ، ص 25
اعلم أنه لا يصح أن يكون شيء من العالم له وجود ليس هو على صورة الحق، فنسبة الحق إلى الخلق نسبة الإنسان إلى كل صنف من العالم ، والعالم عند الجماعة، هو إنسان كبير في المعنى والجرم.
يقول الله تعالى : "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون" .
فلذلك قلنا في المعنى ، وما في العلم عن الكل وإنما نقاه عن الأكثر ، والإنسان الكامل من العالم وهو له کالروح لجسم الحيوان ، وهو الإنسان الصغير ، وسمي صغيرا لأنه انفعل عن الكبير وهو، مختصر فالمطول العالم كله والمختصر الإنسان الكامل ، فالإنسان آخر موجود في العالم لأن المختصر لا يختصر إلا من مطول وإلا فليس بمختصر ، فالعالم مختصر الحق والإنسان مختصر العالم والحق ، فهو نقاوة المختصر.
فلما كان العالم على صورة الحق وكان الإنسان الكامل على صورة العالم وصورة الحق وهو قوله : " إن الله خلق آدم على صورته"، فليس في الإمكان أبدع ولا أكمل من هذا العالم إذ لو كان لكان في الإمكان ما هو أكمل من الله .
 فإن آدم وهو من العالم قد خلقه الله على صورته ، وأكمل من صورة الحق فلا يكون ، وما كملت الصورة من العالم إلا بوجود الإنسان .
فمن كل شيء في الوجود زوجان الأن الإنسان الكامل والعالم بالإنسان الكامل على صورة الحق ، فامتاز الإنسان الكامل عن العالم مع كونه من كمال الصورة للعالم الكبير بكونه على الصورة بانفراده ، من غير حاجة إلى العالم .
فالإنسان الكامل وحده يقوم مقام الجماعة ، فإنه أكمل من عين مجموع العالم إذ كان نسخة من العالم حرفا بحرف (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ) ، ويزيد أنه على حقيقة لا تقبل التضاؤل « خلق الله آدم على صورته » .
فحاز الإنسان الكامل صورة العالم وصورة الحق ففضل بالمجموع فجعل الحق الإنسان الكامل نسخة من العالم كله ، فما من حقيقة في العالم إلا وهي في   الإنسان .
 
فهو الكلمة الجامعة وهو المختصر الشريف وجعل الحقائق الإلهية التي توجهت على إيجاد العالم بأسره متوجهة على إيجاد هذه النشأة الإنسانية الإمامية ، فخلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم ، وأبرزه نسخة كاملة جامعة لصورة حقائق الحدث وأسماء القديم ، أقامه سبحانه معنى رابطا للحقیقتين ، وأنشأه برزخا جامعا للطرفين والرقيقتين ، أحكم بيديه صنعته وحسن بعنايته صبغته ، وكانت مضاهاته للأسماء الإلهية بخالقه، ومضاهاته للأكوان العلوية والسفلية بخلقه، فتميز عن جميع الخلائق بالخلقة المستقيمة والخلائق ، عين سبحانه سره مثالا في حضرة الأسرار ، ومیز نوره من بين سائر الأنوار ، وقصب له کرسي العناية بين حضرتيه ، وصرف نظر الولاية والنيابة فيه وإليه .


فلم يخلق الله تعالى الإنسان عبثا بل خلقه ليكون وحده على صورته ، فكل من في العالم جاهل بالکل عالم بالبعض ، إلا الإنسان الكامل وحده ، فإن الله علمه الأسماء كلها وآتاه جوامع الكلم ، فكملت صورته ، فجمع بين صورة الحق وصورة العالم ، فكان برزخا بين الحق والعالم ، مرآة منصوبة ، يرى الحق صورته في مرآة الإنسان ، ويرى الخلق أيضا صورته فيه ، لأن الإنسان فيه مناسب من كل شيء في العالم ، فيضاف كل مناسب إلى مناسبه بأظهر وجوهه ، ويخصصه الحال والوقت والسماع بمناسب ما دون غيره من المناسب ، إذا كان له مناسبات كثيرة لوجوه كثيرة يطلبها بذاته، فمن حصل هذه المرتبة حصل رتبة الكمال الذي لاأكمل منه في الإمكان، ومعنى رؤية صورة الحق فيه ، إطلاق جميع الأسماء الإلهية عليه ، كما جاء في الخبر
"فبهم تنصرون" ، والله الناصر « وبهم ترزقون » والله الرازق « وبهم ترحمون ، والله الراحم ، وقد ورد في القران فيمن علمنا كماله صلى الله عليه وسلم واعتقدنا ذلك فيه أنه « بالمؤمنين رؤوف رحيم » ، « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » أي لترحمهم ، والتخلق بالأسماء يقول به جميع العلماء ، فالإنسان متصف يسمى بالحي والعالم المريد السميع البصير المتكلم القادر وجميع الأسماء الإلهية من أسماء تنزيه وأفعال .

ولذلك عبر عن الإنسان الكامل بمرآة الحق ، والحقيقة من قوله تعالی « ليس كمثله شيء " وهي مثلية لغوية ، وذلك عند بروز هذا الموجود في أصفى ما يمكن وأجلي ، ظهر فيه الحق بذاته وصفاته المعنوية لا النفسية ، وتجلى له من حضرة الجود ، وفي هذا الظهور الكريم قال تعالى : « لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم »
فالإنسان الكامل له الشرف على جميع من في السماء والأرض ، فإنه العين المقصودة للحق من الموجودات ، لأنه الذي اتخذه الله مجلي ، لأنه ما كمل إلا بصورة الحق ، كما أن المرآة وإن كانت تامة الخلق فلا تكمل إلا بتجلي صورة الناظر ، فتلك مرتبتها والمرتبة هي الغاية .
راجع فتوحات  ج3 /152, 315 ,331 , 398 , 409.
 ج4 / 21 , 132 , 230 , 231 , 409.  عقلة المستوفز ۔ ذخائر الأعلاق ""
 
7 -  الحسن ما حسنه الشرع
إذا نظرنا إلى العالم الإنساني أين ظهر الحسن والقبح، قلنا لا حسن يقع به المنزلة عند الله ، ولا قبح يقع باجتنابه الخير من الله إلا ما حسنه الشرع وقبحه.
فتوحات ج 2 / 240  
 
ص 293
 

لنواميس الإلهية والحكمية. "8"
وإذا علمت أن الله راعى هذه النشأة وإقامتها فأنت أولى بمراعاتها إذ لك بذلك السعادة، فإنه ما دام الإنسان حيا، يرجى له تحصيل صفة الكمال الذي خلق له. 
ومن سعى في هدمه فقد سعى في منع وصوله لما خلق له. 
وما أحسن ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا أنبئكم بما هو خير لكم وأفضل من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربون رقابكم؟ ذكر الله»."9" 
وذلك أنه لا يعلم قدر هذه النشأة الإنسانية إلا من ذكر الله الذكر المطلوب منه، فإنه تعالى جليس من ذكره، والجليس مشهود للذاكر. 
ومتى لم يشاهد الذاكر الحق الذي هو جليسه فليس بذاكر. 
فإن ذكر الله سار في جميع العبد لا من ذكره بلسانه خاصة.
فان الحق لا يكون في ذلك الوقت إلا جليس اللسان خاصة، فيراه اللسان من حيث لا يراه الإنسان: بما هو راء وهو البصر. 
فافهم هذا السر في ذكر الغافلين. 
فالذاكر من الغافل حاضر بلا شك، والمذكور جليسه، فهو يشاهده. 
والغافل من حيث غفلته ليس بذاكر: فما هو جليس الغافل.
فالإنسان كثير ما هو أحدى العين، والحق أحدى العين كثير بالأسماء الإلهية:
كما أن الإنسان كثير بالأجزاء: وما يلزم من ذكر جزء ما ذكر جزء آخر.
فالحق جليس الجزء الذاكر منه والآخر متصف بالغفلة عن 
.................................................................................................
8 - « ولكم في القصاص حياة ۰۰» الآية
لما في ذلك من مصالح الدنيا فعلل « يا أولي الألباب » وهم الناظرون في اللب فعلموا أن القصاص إنما شرع لأن الجاهل لا يردعه مثل "الحجة" القول فيؤديه احتمال الكامل مع جهله إلى إهلاك أولي الألباب ، فإذا علم أن النفس بالنفس ولابد ارتدع ، فقتل الجاهل كقطع عضو لسعته الحية من الجسد إبقاء على باقي الجسد، فهو ينقصه إلا أن فيه مصلحته . 
فتوحات ج 2 / 408 - کتاب تلقيح الأذهان . 


9 - ضرب الرقاب هو الشهادة ، 
وثبت بهذا الحديث أن الذاكر حي وأن الذاكر أفضل من الشهيد الذي لا يذكر الله ، وحياة الذاكر خير من حياة الشهيد إذا لم يكن ذاكرة ربه عز وجل.
فتوحات ج 4 / 462 
 
ص 294

الذكر. 
ولا بد أن يكون في الإنسان جزء يذكر به يكون الحق جليس ذلك الجزء فيحفظ باقي الأجزاء بالعناية. "10"
وما يتولى الحق هدم هذه النشاة بالمسمى موتا، وليس بإعدام وإنما هو تفريق، فيأخذه إليه، وليس المراد إلا أن يأخذه الحق إليه، «وإليه يرجع الأمر كله» "11"
فإذا أخذه إليه سوى له مركبا غير هذا المركب من جنس الدار التي ينتقل إليها، وهي دار البقاء لوجود الاعتدال: فلا يموت أبدا، أي لا تفرق أجزاؤه. 
وأما أهل النار فمآلهم إلى النعيم، ولكن في النار إذ لا بد لصورة النار بعد انتهاء مدة العقاب أن تكون بردا وسلاما على من فيها. وهذا 
..............................................
10 - «انا جليس من ذكرني ۰۰۰ » الحديث
اتخذ الله جليسا بالذكر ، والذكر هو القرآن حتى تكون من أهل القرآن : وهم أهل الله وخاصته ، فمن كان الحق جليسه فهو أنيسه ، فلابد أن ينال من مکارم الأخلاق على قدر مدة مجالسته ، وإذا كان الحق يرحم من جلس إلى قوم يذكرونه لأنهم القوم لا يشقى جليسهم ، فكيف يشقى من كان الحق جلیسه . 
ولابد أن يكون الله مع الذاکرین بمعية اختصاص ، وإلا لم يكن بينهم وبين غيرهم فرقان ، فإنه تعالی معهم حيثما كانوا وأينما كانوا ، وما ثم إلا مزید علم به يظهر الفضل . 
وعلى قدر ذکر الذاكر يكون الحق دائم الجلوس معه ، فكل ذاكر لا يزيد علما في ذكره بمذكوره فليس بذاكر ، وإن ذكر بلسانه ، لأن الذاكر هو الذي يعمه الذكر ، فذلك هو جليس الحق ، فلابد من حصول الفائدة .
 فتوحات ج 1 / 407 - ج 2 / 151 - ج 3 / 457 - ج 4 / 441 ، 461 
 
11 - « وإليه يرجع الأمر كله » الآية
سمي رجوعا لكونه منه خرج وإليه يعود ، وفيما بين الخروج والعود وضعت الموازين ومد الصراط ووقعت الدعاوى وظهرت الآفات وكانت الرسل وجاءت الأدواء ، فمنهم المستعمل لها والآخذ بها والتارك لها ، فإنه لا تغرب الأمر عند المحجوبين عن موطنه بما ادعوه فيه لأنفسهم ، قيل لهم « وإليه يرجع الأمر كله » لو نظرتم من نسبتم إليه هذا الفعل منكم إنما هو الله لا أتم ، فأضاف الحق الأفعال إليه ، ليحصل للعبد الطمأنينة بأن الدعوى لا تصح فيها ، مع التمييز بين ما يستحقه
 
ص 295


نعيمهم. "13"
فنعيم أهل النار بعد استيفاء الحقوق نعيم خليل الله حين ألقي في النار فإنه عليه السلام تعذب برؤيتها وبما تعود في علمه وتقرر من أنها صورة تؤلم من جاورها من الحيوان. وما علم مراد الله فيها ومنها في حقه.
فبعد وجود هذه الآلام وجد بردا وسلاما مع شهود الصورة اللونية في حقه، وهي نار في عيون الناس. 
فالشيء الواحد يتنوع في عيون الناظرين: هكذا هو التجلي الإلهي. 
فإن شئت قلت إن الله تجلى مثل هذا الأمر، وإن شئت قلت إن العالم في النظر إليه وفيه مثل الحق في التجلي، فيتنوع في عين الناظر بحسب مزاج الناظر أو يتنوع مزاج الناظر لتنوع التجلي: وكل هذا سائغ في الحقائق. "13"
ولو أن الميت والمقتول أي ميت كان أو أي مقتول كان إذا مات أو قتل لا يرجع إلى الله، لم يقض الله بموت أحد ولا شرع قتله. 
فالكل في قبضته: فلا فقدان في حقه. 
فشرع القتل وحكم بالموت لعلمه بأن عبده لا يفوته: فهو راجع إليه على أن قوله «وإليه يرجع الأمر كله» أي فيه يقع التصرف، وهو المتصرف، فما خرج عنه شيء لم يكن عينه، بل هويته هو عين ذلك الشيء وهو الذي يعطيه الكشف في قوله «و إليه يرجع الأمر كله». "14"
......................................................
الحق عز وجل وما لا يستحقه ، فإذا بلغ العبد هذا الحد رد الأمور كلها لله ، ولما رجع الأمر كله لله مسا وقعت فيه الدعاوى الكاذبة ، لم يدل رجوعها إلى الله تعالى على أمر لم يكن عليه الله ، بل هويته هي هي في حال الدعاوى في المشاركة ، وفي حال رجوع الأمر إليه ، والمقام ليس إلا للتمييز . 
فتوحات  ج 1 / 418 - ج 2 / 144 - ج 4 / 28
 
12 - راجع شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب .
فص 7، هامش 17 ، ص 117
""  17 ۔ شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب فص 7، هامش 17 ، ص 117
من اختصاص البسملة في أول كل سورة تويج الرحمة الإلهية في منشور تلك السورة أنها منه كعلامة السلطان على مناشيره، وسورة التوبة والأنفال سورة واحدة قسمها الحق على فصلين ، فإن فصلها وحكم بالفصل فقد سماها سورة التوبة ، أي سورة الرجعة الإلهية بالرحمة على من غضب عليه من العباد ، فما هو غضب أبد لكنه غضب أمد ، والله هو التواب .

فما قرن بالتواب إلا الرحيم ليؤول المغضوب عليه إلى الرحمة ، أو الحكيم لضرب المدة في الغضب وحكمها فيه إلى أجل ، فيرجع عليه بعد انقضاء المدة بالرحمة ، فانظر إلى الاسم الذي نعت به التواب تجد حكمه کما ذكرنا ، والقرآن جامع لذكر من رضي عنه وغضب عليه ، وتتويج منازله بالرحمن الرحيم ، والحكم للتتويج ، فإنه به يقع القبول ، وبه يعلم أنه من عند الله ، فثبت انتقال الناس في الدارين في أحوالهم من نعيم إلى نعيم ، ومن عذاب إلى عذاب ، ومن عذاب إلى نعيم ، من غير مدة معلومة لنا ، فإن الله ما عرفنا ، إلا أنا استروحنا من قوله « في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة » أن هذا القدر مدة إقامة الحدود .
خلق الله الخلق قبضتين فقال هؤلاء للنار ولا أبالي ، وهؤلاء إلى الجنة ولا أبالي .
فمن كرمه تعالی لم يقل هؤلاء للعذاب ولا أبالي وهؤلاء إلى النعيم ولا أبالي وإنما أضافهم إلى الدارين ليعمروها ، فإنه ورد في الخبر الصحيح أن الله لما خلق الجنة والنار قال لكل واحدة منهما لها علي" ملؤها ، أي أملؤها سكانا ، فيستروح من هذا عموم الرحمة في الدارين وشمولها حيث ذكرهما ولم يتعرض لذكر الآلام وقال بامتلائهما وما تعرض لشيء من ذلك .
فكان معنى « ولا أبالي » في الحالتين لأنهما في المال إلى الرحمة ، فلذلك لا يبالي فيهما ، ولو كان الأمر كما يتوهمه من لا علم له من عدم المبالاة.
ما وقع الأخذ بالجرائم ، ولا وصف الله نفسه بالغضب ، ولا كان البطش الشديد ، فهذا كله من المبالاة والتهمم بالمأخوذ ، إذ لو لم يكن له قدر ما عذب ولا استعد له ، وقد قيل في أهل التقوى إن الجنة أعدت للمتقين ، وقال في أهل التقاء « وأعد لهم عذابا أليما » فلولا المبالاة ما ظهر هذا الحكم .
فما أعظم رحمة الله بعباده وهم لا يشعرون ، فإن الرحمة الإلهية وسعت كل شيء ، فما ثم شيء لا يكون في هذه الرحمة « إن ربك واسع المغفرة » فلا تحجروا واسعا فإنه لا يقبل التحجير ، ولقد رأيت جماعة ممن ينازعون في اتساع رحمة الله وأنها مقصورة على طائفة خاصة ، فحجروا وضيقوا ما وسع الله ، فلو أن الله لا يرحم أحدا من خلقه لحرم رحمته من يقول بهذا ، ولكن أبي الله تعالى إلا شمول الرحمة ،
قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » ، وما خص مؤمنا من غيره ، والله أرحم الراحمين كما قال عن نفسه ، وقد وجدنا من نفوسنا ، وممن جبلهم الله على الرحمة انهم يرحمون جميع العباد ، حتى لو حكمهم الله في خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم ، بما تمكن حكم الرحمة من قلوبهم ، وصاحب هذه الصفة أنا وأمثالي مخلوقون أصحاب أهواء وأغراض ، وقد قال عن نفسه جل علاه أنه أرحم الراحمين ، فلا شك أنه أرحم منا بخلقه ، و نحن قد عرفنا من تفوسنا هذه المبالغة في الرحمة .
فكيف يتسرمد، عليهم العذاب وهو بهذه الصفة العامة من الرحمة ، إن الله أكرم من ذلك ، ولا سيما وقد قام الدليل العقلي على أن الباري لا تنفعه الطاعات، ولا تضره المخالفات، وان كل شيء جار بقضائه وقدره وحكمه.
وأن الخلق مجبورون في اختيارهم ، وقد قام الدليل السمعي أن الله يقول في الصحيح « يا عبادي » فأضافهم إلى نفسه ، وما أضاف الله قط العباد لنفسه إلا من سبقت له الرحمة ألا يؤبد عليهم الشقاء وإن دخلوا النار .
فقال : « يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا » .
وهذه مسألة المكاشف لها قليل ، والمؤمن بها أقل ، وهو سر عجيب ، ما رأينا أحدا نبه عليه من خلق الله ، وإن كانوا قد علموه بلا شك ، وما صانوه والله أعلم إلا صيانة لأنفسهم ورحمة بالخلق .
لأن الإنكار يسرع إليه من السامعين ، ووالله ما نبهت عليه هنا إلا لغلبة الرحمة عليه في هذا الوقت ، فمن فهم سعد ومن لم يفهم لم يشق بعدم فهمه وإن كان محروما ، فقد أظهرت أمرا في هذه المسألة لم يكن باختياري ، ولكن حق القول الإلهي بإظهاره ، فكنت فيه كالمجبور في اختياره ، والله ينفع به من يشاء لا إله إلا هو .
الفتوحات : ج2 / 148 ، 244 ، 674 - ج 3 / 25 ، 100 ، 101 ، 383 . ج 4 / 163 .  ""
13 - راجع التجلي فص 12 ، هامش 9، ص 183
 
"" 9 – أ -  التجلي الإلهي :   فص 12 ، هامش 9، ص 183
لما كان العلم الأول في المعرفة هو العلم بالحقائق وهو العلم بالأسماء الإلهية كان العلم الثاني من علوم المعرفة هو علم التجلي ، وهو أن التجلي الإلهي دائم لا حجاب عليه ، ولكن لا يعرف أنه هو ، فإن الحضرة الإلهية متجلية على الدوام لا يتصور في حقها حجاب عناء .
واعلم أن الحق له نسبتان في الوجود :
نسبة الوجود النفسي الواجب له .
ونسبة الوجود الصوري ، وهو الذي يتجلى فيه لخلقه .
إذ من المحال أن يتجلى في الوجود النفسي الواجب له ، فالتجلي الذاتي منوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر ، لأنه لا عين لنا ندر که بها، إذ نحن في حال عدمنا ووجودنا مرجحون ، لم يزل عنا حكم الإمكان ، فلا تراه إلا بنا من حيث ما تعطيه حقائقنا ، لأن التجلي على ما هو المتجلي عليه في نفسه محال حصوله لأحد ، فلا يقع التجلي إلا من دون ذلك مما يليق بمن يتجلى له .
فعلمنا قطعا أن الذات لا تتجلى أبدا من حيث هي ، وإنما تتجلى من حيث صفة ما معتلية ، والتجلي الإلهي لا يكون إلا للإله والرب، لا يكون الله أبدا فإن الله هو الغني .
كما لا يتجلى في الاسم الأحد ولا في الاسم الله ولا يصح النجلي فيه ، فإنه لا يعرف معناه ، ولا يسكن وقتا ما في معناه .
و بهذا السر تميز الإله من المألوه ، والرب من المربوب ، وما عدا هذين الأسمين من الأسماء المعلومات لنا فإن التجلي يقع فيها ، كما أن حضرة الجلال لها السبحات المحرقة، ولهذا لا يتجلى في جلاله أبدا ، ولكن يتجلى في جلال جماله لعباده ، فبه يقع التجلي .
إذا علمت هذا فلابد أن يكون تجلي الحق في الوجود الصوري ، وهو التجلي في المظاهر ، وهو التجلي في صور المعتقدات كائنة بلا خلاف ، والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف ، وهما تجلي الاعتبارات ، لأن هذه المظاهر سواء كانت صورالمعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم.
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمر لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم ، وليس وراء ذلك العلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا، وأما التجلي في الأفعال أعني نسبة ظهور الكائنات والمظاهر عن الذات التي تتكون عنها الكائنات وتظهر عنها المظاهر ، فالحق سبحانه قرر في اعتقادات قوم وقوع ذلك ، وقرر في اعتقادات قوم منع وقوع ذلك .
فالتجلي الصوري هو الذي يقبل التحول والتبدل ، فتارة يوصف به الممكن الذي يختلع به ، وتارة يظهر به الحق في تجليه ، فإن للألوهية أحكاما وإن كانت حکما ، وفي صورة هذه الأحكام يقع التجلي في الدار الآخرة حيث كان ، فإنه قد اختلف في رؤية النبي مع ربه كما ذكر ، وقد جاء حديث النور الأعظم من رفرف الدر والياقوت وغير ذلك .
واعلم أن الله تجليين ، تجليا عاما إحاطيا ، وتجليا خاصا شخصيا، فالتجلي العام تجل رحماني ، وهو قوله تعالى « الرحمن على العرش استوى » والتجلي الخاص هو ما لكل شخص شخص من العلم بالله .
فتوحات ج 1 / 41 ، 91 - ج 2 / 303 ، 542 ، 606 - ج 3 / 101 ، 178 ، 180 ، 516.
ذخائر الأعلاق - التنزلات الموصلية .

.
يتبع 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يناير 19, 2020 6:35 pm

18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص اليونسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الجزء الثاني

18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية
9 - ب - حظ العارف من العلوم في التجلي:
لما كانت العلوم تعلو وتتضع بحسب المعلوم لذلك تعلقت الهمم بالعلوم الشريفة العالية التي إذا اتصف بها الإنسان زکت نفسه وعظمت مرتبته .
فأعلاها مرتبة العلم بالله ، وأعلى الطرق إلى العلم بالله علم التجليات ودونها علم النظر ، وليس دون النظر علم إلهي وإنما هي عقائد في عموم الخلق لا علوم، التجلي أشرف الطرق إلى تحصيل العلوم ، فأول مقام للعارف هو أن يتجلى له الحق في غير مادة ، لأن العارف أو العالم
في حضرة الفكر والعقل ، فيعلم من الله على قدر ما كان ذلك التجلي ولا يقدر أحد على تعيين ما تجلى له من الحق ، إلا أنه تجلى في غير مادة لا غير .
وسبب ذلك أن الله يتجلى لكل عبد من العالم في حقيقة ما هي عين ما تجلى بها لعبد آخر ، ولا هي عين ما يتجلى له بها في مجلى آخر .
فلذلك لا يتعين ما تجلى فيه ولا ينقال ، فإذا رجع العبد من هذا المقام إلى عالم نفسه عالم المواد صحبه تجلي الحق ، فما من حضرة يدخلها من الحشرات لها حكم إلا ويرى الحق قد تحول بحكم تلك الحضرة ، والعبد قد ضبط منه أولا ما ضبط ، فيعلم أنه قد تحول في أمر آخر ، فلا يجهله بعد ذلك أبدا ولا ينحجب عنه .
فإن الله ما تجلى لأحد فاتحجب عنه بعد ذلك ، فإنه غير ممكن أصلا ، فإذا نزل العبد إلى عالم خیاله وقد عرف الأمور على ما هي عليه مشاهدة وقد كان قبل ذلك عرفها علما و إيمانا ، رأى الحق في حضرة الخيال صورة جسدية ، فلم ينكره وأنكره العابر والأجانب .
ثم نزل من عالم الخيال إلى عالم الحس والمحسوس فنزل الحق معه لنزوله فإنه لا يفارقه ، فيشاهده صورة كل ما شاهده من العالم ، لا يخص به صورة دون صورة من الأجسام والأعراض ، ويراه عين نفسه ، ويعلم أنه ما هو عين نفسه ولا عين العالم.
ولا يحار في ذلك لما حصل له من التحقيق بصحبة الحق في نزوله معه من المقام الذي يستحقه ، وهذا مشهد عزیز .
ما رأيت من يقول به من غير شهود إلا في عالم الأجسام و الأجساد ، وسبب ذلك عدم الصحبة مع الحق لما نزل من المقام الذي يستحقه ، وما رأيت واحدا من أهل هذا المقام ذوقا .
إلا أنه أخبرتني أهلي مريم بنت عبدون أنها أبصرت واحدا وصفت لي حاله ، فعلمت أنه من أهل هذا الشهود إلا أنها ذكرت عنه أحوالا تدل على عدم قوته فيه وضعفه مع تحققه بهذا الحال .
ورد في الخبر الصحيح في تجابه سبحانه في موطن التلبيس ، وهو تجليه في غير صور الاعتقادات من حضرة الاعتقادات ، فلا يبقى أحد يقبله ولا يقر به ، بل يقولون
إذا قال لهم « أنا ربكم » « نعوذ بالله منك » فالعارف في ذلك المقام يعرفه ، غير أنه قد علم منه بما أعلمه أنه لا يريد أن يعرفه في تلك الحضرة من كان هنا مقيد المعرفة بصورة خاصة يعبده فيها .
فمن أدب العارف أن يوافقهم في الإنكار ولكن لا يتلفظ بما تلفظوا به من الاستعاذة منه ، فإنه يعرفه ، فإذا قال لهم الحق في تلك الحضرة عند تلك النظرة « هل كان بينكم وبينه علامة تعرفونه بها» فيقولون « نعم » فيتحول لهم سبحانه في تلك العلامة ، مع اختلاف العلامات .
فإذا رأوها وهي الصورة التي كانوا يعبدونه فيها ، حينئذ اعترفوا به ، ووافقهم العارف بذلك في اعترافهم ، أدبا منه مع الله وحقيقة ، وأقر له بما أقرت الجماعة .
راجع كتابنا الخيال ص 15 ، 24، وكتابنا ترجمة حياة الشيخ ص 171.
فتوحات ج 1/ 166 - ج 2 / 609 - ج 3 / 234 ، 235.

9 - ج - التجلي الإلهي للحس والبواطن من الاسم الإلهي الظاهر
إن الله جعل لكل شيء ونفس الإنسان من جملة الأشياء ظاهرا وباطنا.
فهي تدرك بالظاهر أمورا تسمى عينا، وتدرك بالباطن أمورا تسمى علما، والحق سبحانه هو الظاهر والباطن، فبه يقع الإدراك.
فإنه ليس في قدرة كل ما سوى الله أن يدرك شيئا بنفسه ، وإنما أدر که بما جعل الله فيه (راجع « كنت سمعه و بصره » (الفص 10  ص 146 ) .
و تجلي الحق لكل من تجلى له من أي عالم كان من عالم الغيب والشهادة إنما هو من الاسم الظاهر ، وأما الاسم الباطن فمن حقيقة هذه النسبة أنه لا يقع فيها تجل أبدا لا في الدنيا ولا في الآخرة . 
إذ كان التجلي عبارة عن ظهوره لمن تجلى له في ذلك المجلي ، وهو الاسم الظاهر ، فإن معقولية النسب لا تتبدل وإن لم يكن لها وجود عيني لكن لها الوجود العقلي ، فهي معقولة ، فإذا تجلى الحق إما منة أو إجابة لسؤال فيه ، فتجلى لظاهر النفس ، وقع الإدراك بالحس في الصورة في برزخ التمثل ، فوقعت الزيادة عند المتجلى له في علوم
الأحكام إن كان من علماء السريعة، ومن علوم موازين المعاني إن كان منطقيا، ومن علم میزان الكلام إن كان نحويا.
وكذلك صاحب کل علم من علوم الأكوان وغير الأكوان تقع له الزيادة في نفسه من علمه الذي هو بصدده، فأهل هذه الطريقة يعلمون أن هذه الزيادة إنما كانت من ذلك التجلي الإلهي لهؤلاء الأصناف.
فإنهم لا يقدرون على إنكار ما کشف لهم، وغير العارفين يحسون بالزبادة وينسبون ذلك إلى أفكارهم، وغير هذين يجدون من الزيادة ولا يعلمون أنهم استزادوا شيئا فهم في المثل کمثل الحمار يحمل أسفارا.
وإذا وقع التجلي أيضا بالاسم الظاهر الباطن النفس وقع الإدراك بالبصيرة في عالم الحقائق والمعاني المجردة عن المواد، وهي المعبر عنها بالنصوص. 
إذ النص ما لا إشكال فيه ولا احتمال بوجه من الوجوه، وليس ذلك إلا في المعاني، فيكون صاحب المعاني مستريحا من تعب الفكر، فتقع الزيادة عند التجلي في العلوم الإلهية وعلوم الأسرار وعلوم الباطن وما يتعلق بالآخرة، وهذا مخصوص بأهل طريقنا. 
فتوحات ج 1 / 166 . 

9 - د - التجلي لكل مخلوق من الوجه الخاص
اعلم أنه ما من موجود في العالم إلا وله وجه خاص إلى موجده إذا كان من عالم الخلق، وإن كان من عالم الأمر فما له سوى ذلك الوجه الخاص.
وأن الله يتجلى لكل موجود من ذلك الوجه الخاص فيعطيه من العلم به ما لا يعلمه منه إلا ذلك الموجود.
وسواء علم ذلك الموجود أو لم يعلمه، أعني أن له وجها خاصا، وأن له من الله علما من حيث ذلك الوجه، لا علم للعقل به، فإنه سر الله الذي بينه وبين كل مخلوق لا تعرف نسبته. 
ولا يدخل تحت عبارة، ولا يقدر مخلوق على إنكار وجوده، فهو المعلوم المجهول وما فضل أهل الله إلا بعلمهم بذاك الوجه، ثم يتفاضل أهل الله في ذلك.
فمنهم من يعلم العلم الذي يحصل له من التجلي، ومنهم من لا يعلمه، أعني على التعيين .
وما أعني بالعلم إلا متعلق العلم هل هو كون أو هو الله من حيث أمر ما.
فتوحات ج 2 / 304 - ج 4 / 222 .

9  - هـ - أنواع التجلي الإلهي
اعلم أن التجلي الإلهي لكل مخلوق من الوجه الخاص هو التجلي في الأشياء المبقي أعيانها .
وأما التجلي للاشياء فهو تجل يفني أحوالا ويعطي أحوالا في المتجلی له .
ومن هذا التجلي توجد الأعراض والأحوال في كل ما سوى الله ، ثم له تجل في مجموع الأسماء فيعطي في هذا التجلي في العالم المقادير والأوزان والأمكنة والأزمان والشرائع وما يليق بعالم الأجسام وعالم الأرواح والحروف اللفظية والرقمية وعالم الخيال .
ثم له تجل آخر من أسماء الإضافة خاصة ، كالخالق وما أشبهه من الأسماء ، فيظهر في العالم التوالد والتناسل والانفعالات والاستحالات والأنساب ، وهذه كلها حجب على أعيان الذوات الحاملات لهذه الحجب عن إدراك ذلك التجلي الذي لهذه الحجب الموجد أعيانها في أعيان الذوات . و بهذا القدر تنسب الأفعال للأسباب . 
ولولاها لكان الكشف فلا يجهل ، فـ بالتجلي تغير الحال على الأعيان الثابتة من الثبوت إلى الوجود ، وبه ظهر الانتقال من حال إلى حال في الموجودات، وهو خشوع تحت سلطان التجلي .
فله النقيضان يمحو ويثبت ، ويوجد ويعدم ، فالله متجلي على الدوام لأن التغييرات مشهودة على الدوام في الظواهر والبواطن ، والغيب والشهادة والمحسوس والمعقول ، فشأنه التجلي وشأن الموجودان التغيير بالانتقال من حال إلى حال ، فمنا من يعرفه ، ومنا من لا يعرفه . 
فمن عرفه عبده في كل حال ومن لم يعرفه أنكره في كل حال.
 فتوحات ج 2 / 303 ، 304 .

9  - و - الموانع من إدراك التجلي
القلوب أبدا لا تزال مفطورة على الجلاء مصقولة صافية ، فكل قلب تجلت فيه الحضرة الإلهية من حيث هي ياقوت أحمر ، الذي هو التجلي الذاتي ( هذا اصطلاح ليس المقصود منه تجلي الذات على ما هي عليه ) .
فذلك قلب المشاهد المكمل العالم الذي لا أحد فوقه في تجلي من التجليات ، ودونه تجلي الصفات ، ودونهما تجلي
الأفعال ، ولكن من كونها من الحضرة الإلهية .
ومن لم تتجلى له من كونها من الحضرة الإلهية فذلك هو القلب الغافل عن الله تعالى المطرود من قرب الله تعالى .
فانظر وفقك الله في القلب على حد ما ذكرناه ، وإن اشتغل القلب بعلم الأسباب عن العلم بالله ، كان تعلقه بغير الله صدأ على وجه القلب لأنه المانع من تجلي الحق إلى هذا القلب .
فما يجده عالم الطبيعة من الحجب المانعة عن إدراك الأنوار من العلوم والتجليات بکدورات الشهوات والشبهات الشرعية وعدم الورع في اللسان والنظر والسماع والمطعم والمشرب والملبس والمركب والمنكح، و کدورات الشهوات بالانكباب عليها والاستفراغ فيها وإن كانت حلالا.
وإنما لم يمنع نيل الشهوات في الآخرة وهي أعظم من شهوات الدنيا من التجلي ، لأن التجلي هناك على الأبصار ، وليست الأبصار محل الشهوات .
والتجلي هنا في الدنيا إنما هو على البصائر والبواطن دون الظاهر ، والبواطن محل الشهوات .
ولا يجتمع التجلي والشهوة في محل واحد ، فلهذا جنح العارفون والزهاد في الدنيا إلى التقليل من نيل شهواتها والشغل بكسب حطامها .
ومن أحدث في نفسه ربوبية فقد انتقص من عبوديته بقدر ما أحدث ، وإذا انتقص من عبوديته بقدر ذلك ينتقص من تجلي الحق له ، وإذا انتقص من تجلي الحق له اتنقص علمه بربه ، وإذا انتقص علمه بربه جهل منه سبحانه وتعالى بقدر ما نقصه
فتوحات ج 1 / 91 ، 154 ، 343.

 9 - ز - الإستعداد للتجلي
اعلم أن نور التجلي المنفهق يسري في زوايا الجسم فيبهت العقل وبهره ، فلا يظهر للمتجلي له تصريف ولا حركة لا ظاهرة ولا باطنة.
فإذا أراد الله أن يبقي العبد أرسل على القلب سحابة كون ما تحول بين النور المنفهق من التجلي وبين القلب .
فيتشر النور إليها منعکسا وتشرح الأرواح والجوارح ، وذلك هو التثبيت ، فيبقى العبد مشاهدا من وراء تلك السحابة ، لبقاء الرسم ، وبقي التجلي دائما لا يزول أبدا ، ولهذا يقول كثير إن الحق ما تجلى لشيء قط ثم انحجب عنه بعد ذلك ، ولكن تختلف الصفات .
واعلم أيدنا الله وإياك ، أن الأمر في التجلي قد يكون بخلاف ترتيب الحكمة التي عهدت ، وذلك أنا قد بينا استعداد القوابل .
وأن هناك ليس منع بل فيض دائم وعطاء غير محظور [ فلو لم يكن المتجلى له على استعداد ، أظهر له ذلك الاستعداد هذا المسمى تجليا ، ما صح أن يكون هذا التجلي ، فكان ينبغي له أن لا يقوم به دك ولا صعق ، هذا قول المعترض علينا ] .
قلنا له يا هذا : 
الذي قلناه من الاستعداد ، نحن على ذلك ، الحق متجلي دائما والقابل لإدراك هذا التجلي لا يكون إلا باستعداد خاص ، وقد صح له ذلك الاستعداد فوقع التجلي في حقه ، فلا يخلو أن يكون له أيضا استعداد البقاء عند التجلي أو لا يكون له ذلك .
فإن كان له ذلك فلابد أن يبقى ، وإن لم يكن له فكان له استعداد قبول التجلي ولم يكن له استعداد البقاء .
ولا يصح أن يكون له فإنه لابد من اندكاك أو صعق أو فناء أو غيبة أو غنية ، فإنه لا يبقى له مع النهود غير ما شهد فلا تطمع في غير مطمع.
إذا تجلى لمن تجلى ... أصعقه ذلك التجلي
وإن تولى عمن تولى ... أهلكه ذلك التولي
وإن تدلى بمن تدلى ... نوره ذلك التدلي
قلت الذي قدسمعتموه ... بالله يا سيدي فقل لي
لما رأيت الذي تجلى ... اشهدني فيه عين ظلي
من لي إذا لم أكن سواه ... وليس عيني قل لي فمن لي
الله لا ظاهر سواه ... في كل ضد وكل مثل
وكل جنس وكل نوع ... وكل وصل وكل فصل
وكلحس وكل عقل ... وكل جسم وكل شكل

فليس التفاضل ولا الفضل في التجلي ، وإنما التفاضل والفضل فيما يعطي الله لهذا المتجلى له من الاستعداد .
وعين حصول التجلي عين حصول العلم لا يعقل بينهما بون ، کوجه الدليل في الدليل سواء ، بل هذا أتم وأسرع في الحكم ، ولا يدل تعدد التجليات ولا كثرتها على الأشرفية،
وإنما الأشرف من له المقام الأعم، وأما التجلي الذي يكون معه البقاء والعقل والالتذاذ والخطاب والقبول فذلك التجلي الصوري.
ولابد مع التجلي من تعريف إلهي، إما بصفاء الإلهام أو بما شاء الحق من أنواع التعريف، ومن لم ير غير التجلي الصوري ربما حكم على التجلي بذلك مطلقا من غير تقييد، والذي ذاق الأمرين فرق ولابد.
الفتوحات ج 1 / 295 - ج 2 / 541 - ج 4 / 191 ، 192 - کتاب التدبيرات الإلهية . 

9 - ح - التجلي الإلهي في الصور في حضرة الخيال المطلق
الحقائق لا تنقلب فاللطف محال أن يرجع كثافة، ولكن اللطيف يرجع کثیفا کالحار يرجع باردا أو البارد حارا.
من هذا الباب يظهر تجلي الحق في الصور التي ينكر فيها أو يرى في النوم، فيرى الحق في صورة الخلق بسبب حضرة الخيال.
فإن الحضرات تحكم على النازل فيها وتكسوه من خلعها ما تشاء، أين هذا التجلي من « ليس كمثله شيء» ومن « سبحان ربك رب العزة عما يصفون » .
فالحكم للحضرة والموطن لأن الحكم للحقائق، والمعاني توجب أحكامها لمن قامت به ، فإن الله إذا تجلي في صورة البشر كما ورد فإنه يظهر بصورتها حسا ومعنی ، وهو اتصافه بالأوصاف الطبيعية من تغير الأحوال في الغضب والرضى والفرح والنزول والهرولة .
فإذا تجلى الحق للإنسان في المنام في صورته أو غيره في أي صورة تجلی، فلينظر فيما يلزم تلك الصورة المتجلي فيها من الأحكام فيحكم على الحق بها في ذاك الموطن ؛ فإن مراد الله فيها ذلك الحكم ولابد ، ولهذا نجلى فيها على الخصوص دون غيرها، ويتحول الحكم بتحول الصور .
فكما أن کل موجود هو إما محدث وهو الخلق وإما محدث اسم فاعل وهو الخالق فكذلك الصورة تقبل القدم والحدوث.
ولذلك يتجلى الحق لعباده على ما شاءه من صفاته، ولهذا ينكره قوم في الدار الآخرة لأنه تعالی تجلى لهم في غير الصورة والصفة التي عرفوها منه. 
ويتجلى للعارفين على قلوبهم وعلى ذواتهم في الآخرة
عموما ، وعلى التحقيق الذي لا خفاء به عندنا أن حقائق الذات هي المتجلية للصنفين في الدارين أن عقل أو فهم من الله تعالى ، المرئي في الدنيا بالقلوب والأبصار ، مع أنه سبحانه النبيء عن عجز العباد عن درك كنهه .
فقال « لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير » لطيف بعباده بتجليه لهم على قدر طاقتهم « خبير » ضعفهم عن حمل تجليه الأقدس على ما نعطيه الألوهية ، إذ لا طاقة للتحدث على حمل القديم.
الفتوحات ج 1 /  77 - ج 2 / 472 - ج 3 / 280 ، 286 - ج 4 / 289 .

واعلم أن الله تعالی ما تجلى لك إلا في صورة علمه بك ولا كان عالما بك إلا منك. وأنت بذاتك أعطيته العلم بك، فإن الصورة تنقلب عليك إلى ما لا نهاية له، وتتقلب فيها أنت ، وتظهر بها إلى ما لا نهاية فيه .
ولكن حالا بعد حال ، انتقالا لا يزول؛ وقد علمك تعالى في هذه الصور على عدم تناهيها ، فيتجلى لك في صورة لم يبلغ وقت ظهورك بها .
لأنك مقيد وهو غير مقيد ، بل قيده إطلاقه ، وإنما يفعل هذا مع عباده ليظهر لهم في حال النكرة ، ولهذا ينكرون .
إلا العارفون بهذا المقام فإنهم لاينكرونه في أي صورة ظهر فإنهم قد حفظوا الأصل وهو أنه ما يتجلى لمخلوق إلا في صورة المخلوق ، إما التي هو عليها في الحال فيعرفه أو ما يكون عليه بعد ذلك فينكره.
حتى يرى تلك الصورة قد دخل فيها فحينئذ يعرفه ، فإن الله عليه وعام ما يؤول إليه ، والمخلوق لا يعلم من أحواله إلا ما هو عليه في الوقت ، و من عباد الله من يعلم ذلك إذا رأى الحق في صورة لا يعرفها .
علم بحكم الوطن وما عنده من القبول أنه ما تجلى له إلا في صورة هي له وما وصل وقتها ، فعلمها قبل أن يدخل فيها ، فهذا من الزيادة في العلم التي زادها الله ، فشكر الله الذي عرفه من موحان الإنكار . 
الفتوحات ج 4 / 109 ، 110 

وصاحب الرؤيا إذا رأى ربه تعالی کفاحا في منامه في أي صورة يراه يقول رأيت ربي في صورة كذا وكذا و يصدق ، ويصدق مع قوله تعالی «لیس کمثله شيء » .
فنفى عنه المماثلة في قبوله التجلي في الصور كلها التي لا نهاية لها لنفسه .
فإن كل من سواه تعالی ممن له التجلي في الصور لا يتجلى في شيء منها لنفسه ، وإنما يتجلى فيها بمشيئة خالقه وتكوينه ، فيقول للصورة التي يدخل فيها من هذه صفته کن فتكون الصورة فيظهر بها من له هذا القبول إذا شاء الحق .
قال تعالى : " في أي صورة ما شاء ركبك "، فجعل التركيب الله لا له ، وفي نسبة الصورة لله تعالى يقال في أي صورة شاء ظهر من غير جعل جاعل ، فلا يلتبس عليك الأمر في ذلك .
ولما لم يكن له تعالی ظهور إلى خلقه إلا في صورة ، وصوره مختلفة في كل تجل ، لا تتكرر صورة ، فإنه سبحانه لا يتجلى في صورة مرتين ، ولا في صورة واحدة لشخصين.
فإن الآية من كتاب الله ترد واحدة العين على الأسماع ، فسامع يفهم منها أمرا وسامع آخر لا يفهم منها ذلك الأمر ويفهم منها أمرا آخر .
وآخر يفهم منها أمورا كثيرة ، ولهذا يستشهد كل واحد من الناظرين فيها بها لاختلاف استعداد الأفهام .
وهكذا في التجليات الإلهية ، فالمتجلي من حيث هو في نفسه واحد العين ، واختلفت التجليات أعني صورها بحسب استعدادات المتجلى لهم .
ولما كان الأمر كذلك لم ينضبط للعقل ولا للعين على ما هو الأمر عليه ، وهذا هو التوسع الإلهي الذي لا ينحصر ولا يدخل تحت الحد فیضبطه الفكر .
ولا يمكن للعقل تقييده بصورة ما من تلك الصور ، فإنه ينتقض له ذلك الأمر في التجلي الآخر بالصورة الأخرى ، وهو الله في ذلك كله .
لا يشك ولا يرتاب ، إلا إذا تجلى له في غير معتقده فإنه يتعوذ منه كما ورد في صحيح الأخبار .
فيعلم أن ثم في نفس الأمر عينا تقبل الظهور في هذه الصور المختلفة لا يعرف لها ماهية أصلا ولا كيفية ، وإذا حكم ولابد بكيفية فيقول : الكيفية ظهورها فيما شاء من الصور فتكون الصور مشاءة .
فالعارفون أهل الله علموا أن الله لا يتجلى في صورة واحدة لشخصين ولا في صورة واحدة مرتين.
فلم ينضبط لهم الأمر، لما كان لكل شخص تجلي يخصه ، ورآه
الإنسان من نفسه ، فإنه إذا تجلى له في صورة ثم تجلى له في صورة غيرها ، فعلم من هذا التجلي ما لم يعلمه من هذا التجلي الآخر من الحق ، هكذا دائما في كل تجلي.
علم أن الأمر في نفسه كذلك في حقه وحق غيره ، فلا يقدر أن يعين في ذلك اصطلاحا تقع به الفائدة بين المتخاطبين ، فهم يعلمون ولا ينقال ما يعلمون .
ولا في قوة أصحاب هذا المقام الأبهج الذي لا مقام في الممكنات أعلى منه .
أن يضع عليه لفظا يدل على ما علمه منه ، إلا ما أوقعه تعالى وهو قوله تعالى: « ليس كمثله شيء » فنفى المماثلة .
فما صورة يتجلى فيها لأحد تماثل صورة أخرى . 
فتوحات ج 1 / 287 - ج 3 / 384 - ج 4 / 19 - کتاب التنزلات الموصلية .

9 - ط۔ - خلاصة بحث التجلي:
يقول الشيخ في مشاهدة مشهد البيعة الإلهية على لسان الحق :

إني وإن احتجبت فهو تجل لا يعرفه كل عارف ، إلا من أحاط علما بما أحطت به من المعارف .
ألا تراني أتجلى لهم في القيامة في غير الصورة التي يعرفونها والعلامة فينكرون ربوبيتي ومنها يتعوذون و بها يتعوذون ، ولكن لا يشعرون .
ولكنهم يقولون لذلك المتجلي « نعوذ بالله منك وها نحن لربنا منتظرون » .
فحينئذ أخرج عليهم في الصورة التي لديهم ، فيقرون لي بالربوبية ، وعلى أنفسهم بالعبودية.
فهم لعلامتهم عابدون، وللصورة التي تقررت عندهم مشاهدون، فمن قال منهم انه عبدني فقوله زور وقد باهتني (يعني بقوله نعوذ بالله منك).
وكيف يصح منه ذلك وعندها تجلیت له أنكرني ، فمن قيدني بصورة دون صورة، فتخيله عبد وهو الحقيقة الممكنة في قلبه المستورة .
فهو يتخيل أنه يعبدني وهو يجحدني، والعارفون ليس في الإمكان خفائي عن أبصارهم ، لأنهم غابوا عن الخلق وعن أسرارهم ، فلا يظهر لهم عندهم سوائي، ولا يعقلون من الموجودات سوى أسمائي ، فكل شيء ظهر لهم وتجلى 
قالوا أنت المسبح الأعلى .
فتوحات ج 1 / 49 . أهـ  ""


14 - «كنت سمعه وبصره ۰۰۰» الحديث
لا نشك إيمانا وكشفا لا عقلا أن بهوية الحق أدرك المدرك جميع ما يدرك ، سواء أدرك جميع ما يدرك أو بعضه ، على أي حالة يكون استعداد المدرك اسم مفعول ، فالبصر من المدرك اسم فاعل هوية الحق لابد من ذلك ، وهكذا جميع


ص 296

ما ينسب إلى هذه الآلات من القوي ما هي سوى هوية الحق إذ يستحيل غير ذلك ، والعبد الذي لا يعرف أن الحق هو الظاهر في المظاهر الامكانية بأفعاله وأسمائه لا يؤاخذ بها من جهل ذلك ، حتى يتبين له الحق في ذلك فيكون على بصيرة من قوله « إذا أحببته كنت سمعه وبصره » فكان العبد مظهر الحق ، 
كذلك يحرم علی صاحب الشهود أن يعتقد أن ثم في الوجود غير الله فاعلا بل ولا مشهودا إذ كان قد عمم في الحديث القوى والجوارح وما ثم إلا هذان .
فتوحات ج 1 / 608 - ج 4 / 19 

راجع :
كنت سمعه وبصره - فص 9، هامش 9، ص 136
""   9 - «كنت سمعه وبصره » الحديث
يقول تعالى : « ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ۰۰. الحديث »
اعلم أن العبد حادث فلا تنفي عنه حقیقته لأنه لو انتفت ، انتفت عينه ، وإذا انتفت عينه فمن يكون مكلفا بالعبادة .
 ففي هذا الحديث أثبتك و نفاك ، فتكون أنت من حيث ذاتك ، ويكون هو من حيث تصرفاتك وإدراكاتك .
فأنت مكلف من حيث وجود عينك ومحل للخطاب ، وهو العامل بك من حيث أنه لا فعل لك .
إذ الحادث لا أثر له في عين الفعل ، ولكن له حكم في الفعل إذ كان ما كلفه الحق من حركة وسكون لا يعمله الحق إلا بوجود المتحرك والساكن .
إذ ليس إذا لم يكن العبد موجودا إلا الحق ، والحق تعالی عن الحركة والسكون أو يكون محلا لتأثيره في نفسه ، فلابد من حدوث العبد حتى يكون محلا لأثر الحق ، فإذا كان العبد ما عنده من ذاته سوى عينه بلا صفة ولا اسم سوى عينه ، حينئذ يكون عند الله من المقربين و بالضرورة يكون الحق جميع صفاته .
و يقول له : أنت عبدي حقا ، فما سمع سامع في نفس الأمر إلا بالحق ولا أبصر إلا به ولا علم إلا به ولا حيي ولا قدر ولا تحرك ولا سكن ولا أراد ولا قهر ولا أعطى ولا منع ولا ظهر عليه وعنه أمر ما هو عينه إلا وهو الحق لا العبد.
فما للعبد سوى عينه سواء علم ذلك أو جهله ، وما فاز العلماء إلا بعلمهم بهذا القدر في حق كل ما سوى الله لا أنهم صاروا كذا بعد أن لم يكونوا.
فالضمير في قوله «كنت سمعه» هو عين العبد . والسمع عين الحق في كل حال. فكشف له سبحانه عن ذلك فإن قوله « کنت » يدل على أنه كان الأمر على هذا وهو لا يشعر .
فكانت الكرامة التي أعطاها هذا التقرب الكشف والعلم بأن الله كان سمعه وبصره فهو يتخيل أنه يسمع بسمعه وهو يسمع بربه .
كما كان يسمع الإنسان في حال حياته بروحه في ظنه لجهله وفي نفس الأمر إنما يسمع بريه ، ألا ترى نبيه الصادق في أهل القليب كيف قال : ما أنتم بأسمع منهم ، فأثبت الله للعبد بالضمير عينه عبدا لا ربوبية له .
وجعل ما يظهر به وعليه ومنه أن ذلك هو الحق تعالى لا العبد .
فما ثم إلا حق لحق وحق لخلق ، فحق الحق ربوبيته وحق الخلق عبوديته .
الفتوحات ج 1 / 203 ، 305 ، 378 ، 397 ، 406 ، 407 ، 415 ، 434 ، 445 ، 468 ، 675 .
الفتوحات ج 2 / 65 ، 189 ، 323 ، 341 ، 479 ، 502 ، 513 ، 559.
إكماله فص 10 هامش 9  ص 137
اعلم أن القرب قربان:
قرب في قوله تعالى «ونحن أقرب إليه من حبل الوريد » وقوله تعالى «وهو معكم أينما كنتم».
وقرب هو القيام بالطاعات وهو المقصود في هذا الحديث ، فالقرب الذي هو القيام بالطاعات فذلك القرب من سعادة العبد من شقاوته ، وسعادة العبد في نيل جميع أغراضه كلها ، ولا يكون ذلك إلا في الجنة ، وأما في الدنيا فإنه لابد من ترك بعض أغراضه القادحة في سعادته .
فالقرب من السعادة بأن يطيع ليسعد ، وهذا هو الكسب في الولاية بالمبادرة لأوامر الله التي ندب إليها ، أما قوله « من أداء ما افترضته عليه » لأنها عبودية اضطرارية « ولا يزال
العبد يقترب إلي بالنوافل » وهي عبودية اختيار « حتى أحبه » .
إذ جعلها نوافل ، فإذا ثابرت على أداء الفرائض فإنك تقربت إلى الله بأحب الأمور المقربة إليه ، وإذا کنت صاحب هذه الصفة كنت سمع الحق و بصره .
وتكون يدك يد الحق « إن الذين بیا یعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم » وهذه هي المحبة العظمى التي ما ورد فيها نص جلي كما ورد في النوافل ، فإن للمثابرة على النوافل حبا إلهيا منصوصا عليه يكون الحق سمع العبد ونظره ، فانظر ما تنتجه محبة الله ، فثابر على أداء ما يصح به وجود هذه المحبة الإلهية .
ولا يصح نفل إلا بعد تكملة الفرض ، فالحق سبحانه روح العالم وسمعه وبصره ويده ، فبه يسمع العالم و به يبصر وبه يتكلم وبه يبطش و به يسعى ، إذ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ولا يعرف هذا إلا من تقرب إلى الله بنوافل الخيرات ، كما ورد في الحديث الصحيح ، فانتبه لقوله « كنت سمعه الذي يسمع به ولسانه الذي يتكلم به وما تكلم إلا القائل في الشاهد وهو الإنسان، وفي الإيمان الرحمن ، فمن كذب العيان كان قوي الإيمان ، ومن تردد في إيمانه تردد في عيانه ، فلا إيسان عنده ولا عيان ، فما هو صاحب مكان ولا إمكان .
ومن صدق العيان وسلم الإيمان كان في أمان ، فإن الله أثبت أن ذلك للعبد بالضمير عينه عبدا لا ربوبية له ، وجعل ما يظهر به وعليه ومنه أن ذلك هو الحق تعالى لا العبد فما ثم إلا حق لحق وحق لخلق ، فحق الحق ربوبيته ، وحق الخلق عبوديته.
فنحن عبيد وإن ظهرنا بنعوته ، وهو ربنا وإن ظهر بنعوتنا ، فإن التعوت عند المحققين لا أثر لها في العين المنعوتة.
ولهذا تزول بمقابلها إذا جاء ولا تذهب عينا .
فقوله تعالی « كنت سمعه وبصره » جعل کینوتنه سمع عبد منعوت بوصف خاص ، وهذا أعظم اتصال يكون من الله بالعبد حيث يزيل قواه من قواه ويقوم بکینوته في العبد مقام ما أزال على ما يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تكييف ولا حصر ولا إحاطة ولا حلول
ولا بدليه ، فإنه أثبت عين الشخص بوجود الضمير في قوله « كنت سمعه » فهذه الهاء عينه ، والصفة عين الحق لا عينه ، فالشخص محل لأحكام هذه الصفات التي هي عين الحق لا غيره .
كما يليق بجلاله ، فنعته سبحانه بنفسه لا بصفته ، فهذا الشخص من حيث عينه هو ومن حيث صفته لا هو ، وهذا من ألطف ما يكون فظهور رب في صورة خلق عن إعلام إلهي لا تعرف له کيفية ولا تنفك عنه بينية .
والكرامة التي حصلت لهذا الشخص إنما هي الكشف والاطلاع لا أنه لم يكن الحق سمعه ثم كان ، والجاهل إذا سمع ذلك أداه إلى فهم محظور من حلول أو تحديد ، فبالوجه الذي يقول فيه الحق إنه سمع العبد به بعينه يقول إنه حياة العبد وعلمه وجميع صفاته .
فمثلا سر الحياة سري في الموجودات فحييت بحياة الحق ، فهي نسب وإضافات وشهود حقائق ، والله هو العلي الكبير عن الحلول والمحل.
الفتوحات ج 3 / 14 ، 63 ، 68 ، 184 ، 298 ، 356 ، 531 ، 557 .ج 4 / 5 ، 362 ، 449 .أهـ . ""
 .
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية الجزء الثالث .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأحد يناير 19, 2020 6:36 pm

18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية الجزء الثالث .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص اليونسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الجزء الثالث

18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية
راجع :
الظاهر في المظاهر - فص 5 ، هامش 6، ص 84 
""  6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر فص 5 ، هامش 6، ص 84 
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها
إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ،
فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606  . إهـ ""
 
راجع :
وحدة الوجود      - فص 2 ، هامش 6 ، ص 45
""  6 - وحدة الوجود - المرايا فص 2 ، هامش 6 ، ص 45
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :
وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والمعلوم الآخر العام المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا وهو المحال ،
والعلوم الثالث هو البرزخ الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممكن ، وسبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته .
 وذلك أن العدم المطلق قام للوجود المطلق كالمرآة فرأي الوجود فيه صورته فكانت تلك الصورة عين الممكن ، فلهذا كان للممكن عين ثابتة وشيئية في حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .
ولهذا أيضا اتصف بعدم التناهي فقيل فيه إنه لا يتناهی ، وكان أيضا الوجود المطلق كالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق في مرآة الحق نفسه .
فكانت صورته التي رأي في هذه المرأة هو عين العدم الذي اتصف به هذا الممكن ،
وهو موصوف بأنه لا يتناهی كما أن العدم المطلق لا يتناهی ، فاتصف الممکن بأنه معدوم ، فهو كالصورة الظاهرة بين الرائي والمرأة ، لا هي عين الرائي ولا غيره
وقد علمنا أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا ، كما تحدث صورة المرئي في المرآة ، ينظر الناظر فيها، فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها، ولا يدري ما يحدث فيها .
ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة .
ونظرك فيها مثل قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » وهو قصدك النظر « أن نقول له کن » وهو بمنزلة النظر « فیکون » وهو بمنزلة الصورة التي تدركها عند نظرك في المرآة ،.
ثم إن تلك الصورة ما هي عينك الحكم صفة المرآة فيها من الكبر والصغر والطول والعرض ، ولا حكم لصورة المرآة فيك فما هي عينك ولا عين ما ظهر ممن ليس أنت من الموجودات الموازية لنظرك في المرآة ، ولا تلك الصورة غيرك ، لما لك فيها من الحكم .
فإنك لا تشك أنك رأيت وجهك ، ورأيت كل ما في وجهك ظهر لك بنظرك في المرآة من حيث عين ذلك لا من حيث ما طرأ عليه من صفة المرآة ، فما هو المرئي غيرك ولا عينك ، كذلك الأمر في وجود العالم الحق .
أي شيء جعلت مرآة أعني حضرة الأعيان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تكون الأعيان الثابتة الله مظاهر ، فهو حكم المرآة في صورة الرائي ، فهو عينه وهو الموصوف بحكم المرآة ، فهو الظاهر في المظاهر بصورة المظاهر.
أو يكون الوجود الحق هو عين المرآة ، فترى الأعيان الثابتة من وجود الحق ما يقابلها منه ، فترى صورتها في تلك المرآة و يترائي بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حيث ما هي المرآة عليه ، وإنما ترى ما ترى من حيث ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان .
وكما لا يشك الناظر وجهه في المرآة أن وجهه رأي ، وبما للمرآة في ذلك من الحكم يعلم أن وجهه ما رأى .
فهكذا الأمر فانسب بعد ذلك ما شئت كيف شئت ، فإن الوجود للعين الممكنة كالصورة التي في المرآة ، ما هي عين الرائي ولا غير الرائي ،
ولكن المحل المرئي فيه به و بالناظر المتجلي فيه ظهرت هذه الصورة ، فهي مرآة من حيث ذاتها والناظر ناظر من حيث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها .
کالمرأة إذا كانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه .
علمنا أن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة ، ولما لم يتأثر ولم تكن تلك الصورة هي عين المرأة ولا عين الناظر ، وإنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة ، علمنا الفرق بين الناظر وبين المراة وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها ، ولهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .
وإذا كانت في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى ، تعرفه إني وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أين اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن كلف .
وعلمت من أنت ومن ربك وأين منزلتك ، وأنك المفتقر إليه سبحانه وهو الغني عنك بذاته.
فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، وليس في الوجود إلا هو ، ولا يستفاد الوجود إلا منه، ولا يظهر الموجود عين إلا بتجليه.
فالمرأة حضرة الإمكان والحق الناظر فيها والصورة أنت بحسب إمكانيتك ، فإما ملك وإما فلك وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال .
كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان والتجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود والمرآة تكسبها الأشكال ، فيظهر الملك و الجوهر والجسم والعرض ، والإمكان هو هو لا يخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح ، فقل في العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفة وعلما .
راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.  أهـ ""
"" أضاف الجامع
يقول الدكتور أبو العلا عفيفي:
" وحدة الوجود التي يقول بها ابن العربي الطائي الحاتمي ليست وحدة وجود مادية تنكر الألوهية ولوازمها أو تنكر القيم الروحية ،
بل العكس هو الصحيح : أي أنها وحدة وجود تنكر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقيقي إلا لله - الحق . أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له في ذاته ".

تقول د. سعاد الحكيم في وحدة الوجود عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربي ، إذ أنها من ناحية لم ترد عنده مطلقا ،
ومن ناحية ثانية هي تشكل تيارا فكريا له جذوره البعيدة في تأريخ النظريات الفلسفية ،
ولكننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظريات شيخنا الأكبر بالنظر لأهميتها عنده ، إذ فيها تتبلور مصطلحاته وتتكشف ، ويتجلى وجه ابن العربي الطائي الحاتمي الحقيقي ، فنلمس فيه الفكر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".
 
إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسو ابن العربي الطائي الحاتمي ،
أو بالأحرى صنفوه في زمرة لقائلين بها . إذ أن الباحث لا يلتقط فكر مفكر إلا بتحليله إلى عناصره البسيطة ، وإعادة تركيبه تركيبا يتلاءم وينضبط مع التيارات الفكرية المعروفة . وبالتالي استدل الملتمس وجه ابن العربي الطائي الحاتمي من جمل أمثال :
الوجود كله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما في الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة الماديين بتغليب الجانب الإلهي فيها .
ولكن ما حقيقة موقف ابن العربي الطائي الحاتمي من الوحدة الوجودية ؟
وما نسبة التفكير النظري إلى الشهود الصوفي فيها ؟
وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟
كثيرا ما يتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربي الطائي الحاتمي متسائلا :
أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟
ثم لا يلبث ان يقرر انها وحدة وجود ، من حيث أنها لم تبرز في صيحة وجد ، بل كانت نتيجة باردة لتفكير نظري .
ويعود تردد الباحث بين الوحدتين إلى أنهما يتطابقان في النتيجة ، فكلتاهما ترى :
إن الوجود الحقيقي واحد وهو الله .
ولكن صاحب وحدة الشهود يقولها في غمرة الحال ، على حين يدافع عنها ابن العربي الطائي الحاتمي في صحو العلماء وبرود النظريين .
والحقيقة أن وحدة ابن العربي الطائي الحاتمي تختلف عن وحدة شهود غيره بسبب جوهري ، وهو أن الشيخ الاكبر لم يقطفها ثمرة فيض فناء في الحق ، فناء افناه عن رؤية كل ما سوى الحق .
ولم يقل بعدم كل ما سواه ، إن ابن العربي  يرى الكثرة ، وشهوده يعطيه الكثرة ، وبصره يقع على الكثرة . إذن الكثرة عنده موجودة .
وهنا نستطيع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقيض من وحدة الشهود ، تعطي : كثرة شهودية . فالنظر يقع على كثرة عنده . وهذا ما لا يمكن أن ينطبق على وحدة الشهود .
ولكن ابن العربي الطائي الحاتمي لا يقف مع الكثرة الشهودية أو بتعبير أدق المشهودة ، بل يجعلها ( كثرة معقولة ) لا وجود حقيقي لها .
وهي - إذا أمكن التعبير بلغتنا - خداع بصر . وبلغة ابن العربي الطائي الحاتمي : خيال . أهـ""
ص 297
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالإثنين يناير 27, 2020 3:51 pm

19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص الأيوبي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الأول
19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية 
اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان، ولذلك جعل الله «من الماء كل شيء حي»: وما ثم شيء إلا وهو حي، فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقة تسبيحه إلا بكشف إلهي.
ولا يسبح إلا حي. فكل شيء حي. فكل شيء الماء أصله. "2"
ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه
……………………………………….
1 -  المناسبة في تسمية الفص بحكمة غيبية في كلمة أيوبية ، 
هي أن سر الحياة غيب باطن في الماء ، كما أن الصبر والرضا غيبان بأطنان في الشكوى إلى الله ، فناسبت الغيبية بينهما بتسمية الفص ونسبته إلى أيوب عليه السلام ، وخاصة أن الحق قد جمع بين أيوب عليه السلام والماء في قوله « هذا مغتسل » فعم الاغتسال بالماء أيوب عليه السلام كما عم باطنه الصبر والرضا عن الله .


2 - سر الحياة سري في الماء
قال تعالى : "وجعلنا من الماء كل شيء حي " هذا الماء هو الماء الذي هو أصل في وجود كل شيء ، وبه حياته ، ولحياته وصف بالتسبيح ، وهو غير هذا الماء المركب البسيط المعهود ، فالماء أصل الحياة في الأشياء ، فهو سر الحياة ، 
حتى العرش لما خلقه الله ما كان إلا على الماء فسرت الحياة فيه منه ، فبالماء حياة الأحياء لما فيه من سر الحياة ، فكل شيء من الماء عينه ومن الهواء حياته ، 
وأما قوله " فهو أصل العناصر والأركان" ، فالمراد به ما أشار إليه بقوله « وهو غير هذا الماء المركب البسيط » .
لذلك نراه يقول : الأرواح كلها آباء والطبيعة أم لما كانت محل الاستحالات ، وتتوجه هذه الأرواح على هذه الأركان التي هي العناصر القابلة للتغيير والاستحالة ، تظهر فيها المولدات ، وهي المعادن والنبات والحيوان والجان ، والإنسان أكملها ، كذلك الأركان من عالم الطبيعة أربعة، وبنكاح العالم العلوي لهذه الأربعة يوجد الله ما يتولد فيها ، واختلفوا في ذلك على ستة مذاهب ، فطائفة زعمت أن كل واحد من

 
ص 298


 

تكون "3"
فطفا عليه فهو يحفظه من تحته، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه، "4"
فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو
……………………………………………………...
هذه الأربعة أصل في نفسه ، وقالت طائفة ركن النار هو الأصل فما كثف منه كان هواء وما كثف من الهواء كان ماء وما كثف من الماء كان ترابا ، وقالت طائفة ركن الهواء هو الأصل فما سخف منه كان تارا وما كثف منه كان ماء ، وقالت طائفة الأصل أمر خامس ليس واحدة من هذه الأربعة ، وهذا المذهب بالأصل الخامس هو الصحيح عندنا وهو المسمى بالطبيعة ، فإن الطبيعة معقول واحد عنها ظهر ركن النار وجميع الأركان . 
فتوحات ج 1 / 138 ، 293 ، 332 - ج 2 / 174 - ج 4 / 219 ، 356 .


3 - «وكان عرشه على الماء » الآية 
و على هنا بمعنى في . أي كان العرش في الماء ، كما أن الإنسان في الماء ، أي منه تكون ، فإن الماء أصل الموجودات كلها ، وهو عرش الحياة الإلهية ، 
ومن الماء خلق الله كل شيء حي ، وكل ما سوى الله سبح بحمد الله ، ولا يكون التسبيح إلا من حي ، فالعرش عبارة عن الملك ، و « کان » حرف وجودي، فمعناه أن الملك موجود في الماء ، أي الماء أصل ظهور عينه .
فتوحات ج 3 / 65.


4 - التكبر على الحق  *
عناية ربي أدركت كل كائن    …. من الناس في ختم القلوب وفي الطبع 
ومن أجل ذا لم يدخل الكبر قلبهم  …. على موجد الصنع الذي جل من صنع
قال تعالى : « كذلك يطبع الله على كل قلب متکبر جبار ، وهذا من رحمة الله الخفية ، فإنه طبع على قلب كل من ظهر في ظاهر لقومه بصفة الكبرياء والجبروت ، وما جعل ذلك في قلوبهم ، فهم عند أنفسهم بما يجدونه من العلم الضروري أذلاء صاغرون لذلك الطبع ، فما دخل الكبرياء على الله قلب مخلوق أصلا ، وإن ظهرت منه صفات الكبرياء فثوب ظاهر لا بطانة له منه ، فالله يطبع على قلب كل متكبر جبار أن يدخله كبرياء الهي أصلا ، إذ لا ينبغي ذلك الوصف إلا لمن لا يتقيد وهو الحق تعالى ، فلا يدخل القلب الكبرياء والجبروت وإن ظهر بهما ، فإن الإنسان يعرف في
 

"" القصيدة في وصف الحج وعرفات وتساوي الخلق في المشهد
لقد سحت في شرق البلاد وغربها…  ..... …وما حفيت نعلي ولا انقطعت شسعي 
وفي عرفات ما عرفت حقيقتي…  ..... …ولا عرفت حتى أتيت إلى جمع 
ولما شهدناها وجئت إلى منى…  ..... …بذلت له بالنحر ما كان في وسعي
حصبت ندوّى جمرة بعد جمرة…  ..... …ببضع من الأحجار بورك من بضع
ولما أتيت البيت طفت زيارة…  ..... …حنينا بها من فوق أرقعة سبع 
عناية ربي أدركت كلّ كائن…  ..... …من الناس في ختم القلوب وفي الطبع
ومن أجل ذا لم يدخل الكبر قلبهم…  ..... …على موجد الصنع الذي جل من صنع
ولولا وجود السمع في الناس ما اهتدوا…  ..... …وليس سوى علم الشريعة والوضع
فكم بين أهل النقل والعقل يا فتى…  ..... …وهل تبلغ الألباب منزلة السمع""
 

ص 229

هذا العبد الجاهل بنفسه، وهو قوله عليه السلام «لو دليتم بحبل لهبط على الله».
فأشار إلى نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله «يخافون ربهم من
………………………………………………………….
قلبه أنه لا فرق بالأصالة بينه وبين من نكبر عليهم وتجبر ، فلا يدخله كبر وإن ظهر به ، فإنه مجبول على الذلة والافتقار والحاجة بالأصالة ، لا يقدر أن ينكر هذا من قفسه ، وذلك يعني أن الطابع الإلهي يستع أن تدخل هذه الصفات الفاب . 
فيظهر المدعي في ظاهره الكبرياء والجبروت على من استحق من قومه ، إما في زعمه وتخيله وإما في نفس الأمر ، وهو في قلبه معصوم من ذلك الكبرياء والجبروت ، لأنه يعلم عجزه وذلته وفقره لجميع الموجودات ، وأن قرصة البرغون توله . 

والمرحاض يطلبه الدفع الم البول والخراء عنه ، ويفتقر إلى كسيرة خبز يدفع بها عن نفسه ألم الجوع؛ فمن صفته هذه كل يوم وليلة كيف يصح أن يكون في قلبه كبرياء وجبروت ، وهذا هو الطابع الإلهي على قلبه ، فلا يدخله شيء من ذلك . فإن الاسم الغيور ختم على كل قلب أن تدخله ربوبية الحق نعتا له ، فما من أحد يجد في قلبه أنه رب إله ، بل يعلم من نفسه أنه فقير محتاج ، وأما ظهور ذلك على ظاهره فسام . 

فالكبرياء والعظمة من النعوت التي غار الله عليها أن تكون لغير الله ، فحجرها ولذلك قال : «يطبع الله على كل قلب متکبر جبار» فلا يدخل مع هذا الطابع قلب کون من الأكوان تكبر على الله ولا جبروت لأجل هذا الطبع ، فعلم كل من أظهر من المخلوقين دعوی الألوهية كفرعون وغيره وتكبر وتجبر ، كل ذلك في ظاهر الكون ، وهذا الذي ظهرت منه صفة الكبرياء مطبوع على قلبه أن يدخل فيه الكبرياء على الله ، فإنه يعلم من نفسه افتقاره وحاجته وقيام الآلام به ، من ألم جوع وعطش وهواء ومرض ، التي لا تخلو هذه النشأة الحيوانية عنه في هذه الدار ، وتعذر بعض الأغراض أن تنال مرادها ، وتألمه لذلك ، ومن هذه صفته من المحال أن يتكبر في نفسه على ربه ، فهذا معنى الطابع الذي طبع الله على قلب المتكبر الذي يظهر لكم به الدعوى .
بالعلم يطبع رب العالمين على قلب العبيد فلا كبر يحل به لأنه يجد الأبواب مغلقة بفطرة هو فيها أو بمكسبه وكيف يدخل كبر من حقيقته فقر وعجز وموت عند منتبه


ص 300


فوقهم»، «وهو القاهر فوق عباده». فله الفوق والتحت. "5"
ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان، وهو على صورة الرحمن.
ولا مطعم إلا الله، وقد قال في حق طائفة «ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل»، ثم نكر وعم فقال «وما أنزل إليهم من ربهم»، فدخل في قوله «وما أنزل إليهم من ربهم» كل حكم منزل على لسان رسول أو ملهم، «لأكلوا من فوقهم» وهو المطعم من الفوقية التي نسبت إليه، «ومن تحت أرجلهم»، وهو المطعم من التحتية التي نسبها إلى نفسه على لسان رسوله المترجم عنه صلى الله عليه وسلم. "6"
ولو لم يكن العرش على الماء ما انحفظ وجوده، فإنه
………………………………………………...
ويقول : 
لقد طبع الله القلوب بطابع    ….. من الطبع حتى لا يداخلها الكبر
وكيف يكون الكبر في قلب عاجز ….   ذليل له من ذاته العجز والفقر 
فتوحات ج 1 / 436 - ج 2 / 244 ، 328 ، 342 - ج 3 / 220 ، 514 - ج 4 / 230 - ديوان / 152 ، 202 ، 461 .
 

5 - «لو دليتم بحبل لهبط على الله » الحديث
فإن نسبة العلو والسفل إلى الله واحدة ، فإن الله بكل شيء محيط ، وهو حفيظ للعلو والسفل ، فنبه صلى الله عليه وسلم بذلك الحديث أن نسبة التحت والفوق إليه سبحانه على السواء لا تحده الجهات ولا تحصره ، وفي الحديث إشارة بديعة في الاعتصام بحبل الله أنه يوصلنا إلى الله . 
فتوحات ج 1 / 506 ، 681 - ج 3 / 152 - ج 4 / 189 ، 431


" وهو القاهر فوق عباده "
لا يلزم من الإيمان القول بالجهة ، فلا يلزم الشبه ، الجهة ما وردت ، والفوقية الإلهية قد ثبتت .
فتوحات ج 4 / 374

 

6 - "لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم"  نفس المعنى في فتوحات ج 4 / 431 
حيث يقول : و «لأكلوا من فوقهم » پریده استواءه على العرش والسماء ، بل كل ما علا « ومن تحت أرجلهم » يريد نسبة التحت إلى الله من قوله صلى الله عليه وسلم  « لو دليتم بحبل لهبط على الله » مع أنه ليس كمثله شيء فالنسب إليه على السواء ، فلله الفوق والتحت .

 
ص 301


بالحياة ينحفظ وجود الحي.
ألا ترى الحي إذا مات الموت العرفي تنحل أجزاء نظامه وتنعدم قواه عن ذلك النظم الخاص؟
قال تعالى لأيوب «اركض برجلك هذا مغتسل»، يعني ماء، «بارد» لما كان عليه من إفراط حرارة الألم، فسكنه الله ببرد الماء.
ولهذا كان الطب النقص من الزائد والزيادة في الناقص.
والمقصود طلب الاعتدال ولا سبيل إليه إلا أنه يقاربه.  "7" 
وإنما قلنا ولا سبيل إليه- أعني الاعتدال- من أجل أن الحقائق والشهود تعطي التكوين مع الأنفاس على الدوام، ولا يكون التكوين إلا عن ميل في الطبيعة يسمى انحرافا أو تعفينا وفي حق الحق إرادة وهي ميل إلى المراد الخاص دون غيره.
والاعتدال يؤذن بالسواء في الجميع، وهذا ليس بواقع، فلهذا منعنا من حكم الاعتدال.
وقد ورد في العلم الإلهي النبوي اتصاف الحق بالرضا والغضب، وبالصفات.
والرضا مزيل للغضب، والغضب مزيل للرضا عن المرضي عنه والاعتدال أن يتساوى الرضا والغضب، فما غضب الغاضب على من غضب عليه وهو عنه راض. فقد اتصف بأحد الحكمين في حقه وهو ميل.
وما رضي الراضي عمن رضي عنه وهو غاضب عليه، فقد اتصف بأحد الحكمين في حقه وهو ميل.  "8"
وإنما قلنا هذا من أجل من يرى أن أهل النار لا يزال غضب الله عليهم
………………………………...

أما من حيث المعاني في تفسير الآية والإشارات فيها ، فمن أراد زيادة معان فليراجع فتوحات ج 1 / 192 ، 631 - ج 2 / 488 ، 594 ، 595 
أما قوله « ولو أنهم أقاموا التوراة » يعني امة موسى عليه السلام « والإنجيل » وهم أمة عيسى "وما أنزل إليهم من ربهم" ، وهم أهل القرآن وجميع كل من أنزلت عليه صحيفة • فتوحات ج 4 / 431


7 - نفس العبارة في  فتوحات ج 2 / 236
"" قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب الخامس عشر :-
"روينا عن مسلمة بن وضاح مسندا إليه وكان من أهل قرطبة فقال :-
قال الله في بعض ما أنزله على أنبياء بنى إسرائيل إني خلقت يعني آدم من تراب وماء ونفخت فيه نفسا وروحا
فسويت جسده من قبل التراب ورطوبته من الماء وحرارته من النفس وبرودته من الروح 
قال ثم جعلت في الجسد بعد هذا أربعة أنواع أخر لا تقوم واحدة منهن إلا بالأخرى وهي المرتان والدم والبلغم 
ثم أسكنت بعضهن في بعض فجعلت مسكن اليبوسة في المرة السوداء ومسكن الحرارة في المرة الصفراء ومسكن الرطوبة في الدم ومسكن البرودة في البلغم 
ثم قال جل ثناؤه فأي جسد اعتدلت فيه هذه الأخلاط كملت صحته واعتدلت بنيته فإن زادت واحدة منهن على الأخرى وقهرتهن دخل السقم على الجسد بقدر ما زادت وإذا كانت ناقصة ضعفت عن مقاومتهن فدخل السقم بغلبتهن إياها وضعفها عن مقاومتهن 
فعلم الطب أن يزيد في الناقص أو ينقص من الزائد طلب الاعتدال ".أهـ ""

 
8 ۔ الاعتدال لا يكون عنه شيء
اعلم أن الطبيعة حكمها في الصور لا يمكن أن يثبت على حالة واحدة فلا سكون عندها ، ولهذا الاعتدال في الأجسام الطبيعية العنصرية لا يوجد ، فهو معقول
لا موجود ، ولو كانت الطبيعة تقبل الميزان على السواء لما صح عنها وجود شيء ، ولا ظهرت عنها صورة ، ثم نشأة الصور الطبيعية دون العنصرية إذا ظهرت أيضا لا تظهر والطبيعة معتدلة أبدا ، بل لابد من ظهور بعض حقائقها على بعض الأجل الإيجاد ، ولولا ذلك ما تحرك فلك ولا سبح ملك ولا وصفت الجنة بأكل وشرب


ص 302


دائما أبدا في زعمه .
فما لهم حكم الرضا من الله، فصح المقصود.
فإن كان كما قلنا مآل أهل النار إلى إزالة الآلام وإن سكنوا النار، فذلك رضا "9"
فزال الغضب لزوال الآلام إذا عين الألم عين الغضب إن فهمت.
فمن غضب فقد تأذى، فلا يسعى في انتقام المغضوب عليه بإيلامه إلا ليجد الغاضب الراحة بذلك، فينتقل الألم الذي كان عنده إلى المغضوب عليه.
والحق إذا أفردته عن العالم يتعالى علوا كبيرا عن هذه الصفة على هذا الحد.
وإذا كان الحق هوية العالم، فما ظهرت الأحكام كلها إلا منه وفيه، وهو قوله «وإليه يرجع الأمر كله» حقيقة وكشفا "10"
«فاعبده و توكل عليه» حجابا وسترا .
فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم لأنه على صورة الرحمن، أوجده الله أي ظهر وجوده تعالى بظهور العالم ، "11"   
كما ظهر الإنسان
…………………………………………………….

وظهور في صور مختلفة ولا غيرت الأنفاس في العالم جملة واحدة ، فإن الطبيعة أظهرت حكمها في الجسم الكل فقبل الحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة ، بحکم التجاوز في النقيضين ، فتحرك بغلبة الحرارة عليه ، 
فإن الاعتدال لا يظهر عنه شيء أصلا ، ولهذا وصف الحق نفسه بالرضا والغضب ، والرحمة والانتقام . 
والحلم والقهر ، فالاعتدال لا يصح معه وجود ولا تكوين . 

الا ترى أنه لولا التوجه الإلهي على إيجاد کون ما ما وجد، ولولا ما قال له كن ما تكون، وأصل ذلك في العلم الإلهي کونه تعالى "كل يوم هو في شأن" ، واليوم الزمن الفرد ، والشأن ما يحدث الله فيه ، فمن أين يصح أن تكون الطبيعة معتدلة الحكم في الأشياء ، وليس لها مستند في الإلهيات ؟ 
فتوحات ج 2 / 431 ، 433 .
 

9 - شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب
راجع فص 7، هامش 17 ، ص 117
"" 17 ۔ شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب  فص 7 رقم ۰17ص 117
من اختصاص البسملة في أول كل سورة تتويج الرحمة الإلهية في منشور تلك السورة أنها منه كعلامة السلطان على مناشيره، وسورة التوبة والأنفال سورة واحدة قسمها الحق على فصلين ، فإن فصلها وحكم بالفصل فقد سماها سورة التوبة ، أي سورة الرجعة الإلهية بالرحمة على من غضب عليه من العباد ، فما هو غضب أبد لكنه غضب أمد ، والله هو التواب .
 فما قرن بالتواب إلا الرحيم ليؤول المغضوب عليه إلى الرحمة ، أو الحكيم لضرب المدة في الغضب وحكمها فيه إلى أجل ، فيرجع عليه بعد انقضاء المدة بالرحمة ، فانظر إلى الاسم الذي نعت به التواب تجد حكمه کما ذكرنا ، والقرآن جامع لذكر من رضي عنه وغضب عليه ، وتتويج منازله بالرحمن الرحيم ، والحكم للتتويج ، فإنه به يقع القبول ، وبه يعلم أنه من عند الله ، فثبت انتقال الناس في الدارين في أحوالهم من نعيم إلى نعيم ، ومن عذاب إلى عذاب ، ومن عذاب إلى نعيم ، من غير مدة معلومة لنا ، فإن الله ما عرفنا ، إلا أنا استروحنا من قوله « في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة » أن هذا القدر مدة إقامة الحدود .
خلق الله الخلق قبضتين فقال هؤلاء للنار ولا أبالي ، وهؤلاء إلى الجنة ولا أبالي .
فمن كرمه تعالی لم يقل هؤلاء للعذاب ولا أبالي وهؤلاء إلى النعيم ولا أبالي وإنما أضافهم إلى الدارين ليعمروها ، فإنه ورد في الخبر الصحيح أن الله لما خلق الجنة والنار قال لكل واحدة منهما لها علي" ملؤها ، أي أملؤها سكانا ، فيستروح من هذا عموم الرحمة في الدارين وشمولها حيث ذكرهما ولم يتعرض لذكر الآلام وقال بامتلائهما وما تعرض لشيء من ذلك .
فكان معنى « ولا أبالي » في الحالتين لأنهما في المال إلى الرحمة ، فلذلك لا يبالي فيهما ، ولو كان الأمر كما يتوهمه من لا علم له من عدم المبالاة.
ما وقع الأخذ بالجرائم ، ولا وصف الله نفسه بالغضب ، ولا كان البطش الشديد ، فهذا كله من المبالاة والتهمم بالمأخوذ ، إذ لو لم يكن له قدر ما عذب ولا استعد له ، وقد قيل في أهل التقوى إن الجنة أعدت للمتقين ، وقال في أهل التقاء « وأعد لهم عذابا أليما » فلولا المبالاة ما ظهر هذا الحكم .
فما أعظم رحمة الله بعباده وهم لا يشعرون ، فإن الرحمة الإلهية وسعت كل شيء ، فما ثم شيء لا يكون في هذه الرحمة « إن ربك واسع المغفرة » فلا تحجروا واسعا فإنه لا يقبل التحجير ، ولقد رأيت جماعة ممن ينازعون في اتساع رحمة الله وأنها مقصورة على طائفة خاصة ، فحجروا وضيقوا ما وسع الله .

فلو أن الله لا يرحم أحدا من خلقه لحرم رحمته من يقول بهذا ، ولكن أبي الله تعالى إلا شمول الرحمة ، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » ، وما خص مؤمنا من غيره ، والله أرحم الراحمين كما قال عن نفسه .

وقد وجدنا من نفوسنا ، وممن جبلهم الله على الرحمة انهم يرحمون جميع العباد ، حتى لو حكمهم الله في خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم ، بما تمكن حكم الرحمة من قلوبهم .

وصاحب هذه الصفة أنا وأمثالي مخلوقون أصحاب أهواء وأغراض ، وقد قال عن نفسه جل علاه أنه أرحم الراحمين ، فلا شك أنه أرحم منا بخلقه ، و نحن قد عرفنا من تفوسنا هذه المبالغة في الرحمة .

فكيف يتسرمد، عليهم العذاب وهو بهذه الصفة العامة من الرحمة ، إن الله أكرم من ذلك ، ولا سيما وقد قام الدليل العقلي على أن الباريء لا تنفعه الطاعات، ولا تضره المخالفات، وان كل شيء جار بقضائه وقدره وحكمه.

وأن الخلق مجبورون في اختيارهم ، وقد قام الدليل السمعي أن الله يقول في الصحيح « يا عبادي » فأضافهم إلى نفسه ، وما أضاف الله قط العباد لنفسه إلا من سبقت له الرحمة ألا يؤبد عليهم الشقاء وإن دخلوا النار .

فقال : « يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا » .

وهذه مسألة المكاشف لها قليل ، والمؤمن بها أقل ، وهو سر عجيب ، ما رأينا أحدا نبه عليه من خلق الله ، وإن كانوا قد علموه بلا شك ، وما صانوه والله أعلم إلا صيانة لأنفسهم ورحمة بالخلق .

لأن الإنكار يسرع إليه من السامعين ، ووالله ما نبهت عليه هنا إلا لغلبة الرحمة عليه في هذا الوقت ، فمن فهم سعد ومن لم يفهم لم يشق بعدم فهمه وإن كان محروما ، فقد أظهرت أمرا في هذه المسألة لم يكن باختياري ، ولكن حق القول الإلهي بإظهاره ، فكنت فيه كالمجبور في اختياره ، والله ينفع به من يشاء لا إله إلا هو .
الفتوحات : ج 2 / 148 ، 244 ، 674 - ج 3 / 25 ، 100 ، 101 ، 383 . - ج 4 / 163 .  ""

 
10 – "وإليه يرجع الأمر كله» حقيقة وكشفا 
راجع الظاهر في المظاهر - فص 5 ، هامش 1  ص 84 

"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر فص 5 ، هامش 1 ص 84
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم،
فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
 الفتوحات ج1 / 694  , ج 2 / 40 ، 42 ، 99 ، 160 ، 435 ، 606.  ""
راجع كنت سمعه وبصره - فص 9، هامش 9 ، ص 136

""   9 - «كنت سمعه وبصره » الحديث فص 9، هامش 9 ، ص 136
يقول تعالى : « ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ۰۰. الحديث »

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالإثنين يناير 27, 2020 3:52 pm

19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص الأيوبي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الثاني
19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية 
اعلم أن العبد حادث فلا تنفي عنه حقیقته لأنه لو انتفت ، انتفت عينه ، وإذا انتفت عينه فمن يكون مكلفا بالعبادة .
 ففي هذا الحديث أثبتك و نفاك ، فتكون أنت من حيث ذاتك ، ويكون هو من حيث تصرفاتك وإدراكاتك .
فأنت مكلف من حيث وجود عينك ومحل للخطاب ، وهو العامل بك من حيث أنه لا فعل لك .
إذ الحادث لا أثر له في عين الفعل ، ولكن له حكم في الفعل إذ كان ما كلفه الحق من حركة وسكون لا يعمله الحق إلا بوجود المتحرك والساكن .
إذ ليس إذا لم يكن العبد موجودا إلا الحق ، والحق تعالی عن الحركة والسكون أو يكون محلا لتأثيره في نفسه ، فلابد من حدوث العبد حتى يكون محلا لأثر الحق ، فإذا كان العبد ما عنده من ذاته سوى عينه بلا صفة ولا اسم سوى عينه ، حينئذ يكون عند الله من المقربين و بالضرورة يكون الحق جميع صفاته .
و يقول له : أنت عبدي حقا ، فما سمع سامع في نفس الأمر إلا بالحق ولا أبصر إلا به ولا علم إلا به ولا حيي ولا قدر ولا تحرك ولا سكن ولا أراد ولا قهر ولا أعطى ولا منع ولا ظهر عليه وعنه أمر ما هو عينه إلا وهو الحق لا العبد.
فما للعبد سوى عينه سواء علم ذلك أو جهله ، وما فاز العلماء إلا بعلمهم بهذا القدر في حق كل ما سوى الله لا أنهم صاروا كذا بعد أن لم يكونوا.
فالضمير في قوله «كنت سمعه» هو عين العبد . والسمع عين الحق في كل حال. فكشف له سبحانه عن ذلك فإن قوله « کنت » يدل على أنه كان الأمر على هذا وهو لا يشعر .
فكانت الكرامة التي أعطاها هذا التقرب الكشف والعلم بأن الله كان سمعه وبصره فهو يتخيل أنه يسمع بسمعه وهو يسمع بربه .
كما كان يسمع الإنسان في حال حياته بروحه في ظنه لجهله وفي نفس الأمر إنما يسمع بريه ، ألا ترى نبيه الصادق في أهل القليب كيف قال : ما أنتم بأسمع منهم ، فأثبت الله للعبد بالضمير عينه عبدا لا ربوبية له .
وجعل ما يظهر به وعليه ومنه أن ذلك هو الحق تعالى لا العبد .
فما ثم إلا حق لحق وحق لخلق ، فحق الحق ربوبيته وحق الخلق عبوديته .
الفتوحات ج 1 / 203 ، 305 ، 378 ، 397 ، 406 ، 407 ، 415 ، 434 ، 445 ، 468 ، 675 .
الفتوحات ج 2 / 65 ، 189 ، 323 ، 341 ، 479 ، 502 ، 513 ، 559.
إكماله فص 10 هامش 9  ص 137

اعلم أن القرب قربان:
قرب في قوله تعالى «ونحن أقرب إليه من حبل الوريد » وقوله تعالى «وهو معكم أينما كنتم».
وقرب هو القيام بالطاعات وهو المقصود في هذا الحديث ، فالقرب الذي هو القيام بالطاعات فذلك القرب من سعادة العبد من شقاوته ، وسعادة العبد في نيل جميع أغراضه كلها ، ولا يكون ذلك إلا في الجنة ، وأما في الدنيا فإنه لابد من ترك بعض أغراضه القادحة في سعادته .
فالقرب من السعادة بأن يطيع ليسعد ، وهذا هو الكسب في الولاية بالمبادرة لأوامر الله التي ندب إليها ، أما قوله « من أداء ما افترضته عليه » لأنها عبودية اضطرارية « ولا يزال
العبد يقترب إلي بالنوافل » وهي عبودية اختيار « حتى أحبه » .
إذ جعلها نوافل ، فإذا ثابرت على أداء الفرائض فإنك تقربت إلى الله بأحب الأمور المقربة إليه ، وإذا کنت صاحب هذه الصفة كنت سمع الحق و بصره .
وتكون يدك يد الحق « إن الذين بیا یعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم » وهذه هي المحبة العظمى التي ما ورد فيها نص جلي كما ورد في النوافل ، فإن للمثابرة على النوافل حبا إلهيا منصوصا عليه يكون الحق سمع العبد ونظره ، فانظر ما تنتجه محبة الله ، فثابر على أداء ما يصح به وجود هذه المحبة الإلهية .
ولا يصح نفل إلا بعد تكملة الفرض ، فالحق سبحانه روح العالم وسمعه وبصره ويده ، فبه يسمع العالم و به يبصر وبه يتكلم وبه يبطش و به يسعى ، إذ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ولا يعرف هذا إلا من تقرب إلى الله بنوافل الخيرات ، كما ورد في الحديث الصحيح ، فانتبه لقوله « كنت سمعه الذي يسمع به ولسانه الذي يتكلم به وما تكلم إلا القائل في الشاهد وهو الإنسان، وفي الإيمان الرحمن ، فمن كذب العيان كان قوي الإيمان ، ومن تردد في إيمانه تردد في عيانه ، فلا إيسان عنده ولا عيان ، فما هو صاحب مكان ولا إمكان .
ومن صدق العيان وسلم الإيمان كان في أمان ، فإن الله أثبت أن ذلك للعبد بالضمير عينه عبدا لا ربوبية له ، وجعل ما يظهر به وعليه ومنه أن ذلك هو الحق تعالى لا العبد فما ثم إلا حق لحق وحق لخلق ، فحق الحق ربوبيته ، وحق الخلق عبوديته.
فنحن عبيد وإن ظهرنا بنعوته ، وهو ربنا وإن ظهر بنعوتنا ، فإن التعوت عند المحققين لا أثر لها في العين المنعوتة.
ولهذا تزول بمقابلها إذا جاء ولا تذهب عينا .
فقوله تعالی « كنت سمعه وبصره » جعل کینوتنه سمع عبد منعوت بوصف خاص ، وهذا أعظم اتصال يكون من الله بالعبد حيث يزيل قواه من قواه ويقوم بکینوته في العبد مقام ما أزال على ما يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تكييف ولا حصر ولا إحاطة ولا حلول
ولا بدليه ، فإنه أثبت عين الشخص بوجود الضمير في قوله « كنت سمعه » فهذه الهاء عينه ، والصفة عين الحق لا عينه ، فالشخص محل لأحكام هذه الصفات التي هي عين الحق لا غيره .
كما يليق بجلاله ، فنعته سبحانه بنفسه لا بصفته ، فهذا الشخص من حيث عينه هو ومن حيث صفته لا هو ، وهذا من ألطف ما يكون فظهور رب في صورة خلق عن إعلام إلهي لا تعرف له کيفية ولا تنفك عنه بينية .
والكرامة التي حصلت لهذا الشخص إنما هي الكشف والاطلاع لا أنه لم يكن الحق سمعه ثم كان ، والجاهل إذا سمع ذلك أداه إلى فهم محظور من حلول أو تحديد ، فبالوجه الذي يقول فيه الحق إنه سمع العبد به بعينه يقول إنه حياة العبد وعلمه وجميع صفاته .
فمثلا سر الحياة سري في الموجودات فحييت بحياة الحق ، فهي نسب وإضافات وشهود حقائق ، والله هو العلي الكبير عن الحلول والمحل.
الفتوحات ج 3 / 14 ، 63 ، 68 ، 184 ، 298 ، 356 ، 531 ، 557 - ج 4 / 5 ، 362 ، 449 . أهـ . ""
 

11 - ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم
اعلم أن العالم خلقه الله في غاية الإحكام والإتقان ، كما قال الإمام أبو حامد الغزالي من أنه لم يبق في الإمكان أبدع من هذا العالم ، فصدق لأنه ليس أكمل من الصورة التي خلق عليها الإنسان الكامل ، فلو كان لكان في العالم ما هو أكمل
 

ص 303


بوجود الصورة الطبيعية.
فنحن صورته الظاهرة، وهويته روح هذه الصورة المدبرة لها. "12"
فما كان التدبير إلا فيه كما لم يكن إلا منه.
فـ هو «الأول» بالمعنى «والآخر» بالصورة وهو «الظاهر» بتغير الأحكام والأحوال، «والباطن» بالتدبير، "13"
«وهو بكل شيء عليم» فهو على كل شيء شهيد، ليعلم عن شهود لا عن فكر.
فكذلك علم الأذواق لا عن فكر وهو العلم الصحيح وما عداه فحدس وتخمين ليس بعلم أصلا. "14"
ثم كان لأيوب عليه السلام ذلك الماء شرابا لإزالة ألم العطش الذي هو من النصب والعذاب الذي مسه به الشيطان، أي البعد عن
………………………………………………………….
من الصورة التي هي الحضرة الإلهية ، وقد قال صلى الله عليه وسلم إنه تعالی خلق آدم على صورته. 
والإنسان مجموع العالم ، والعبد الكامل المخلوق على الصورة الجامع للحقائق الإمكانية الإلهية هو المظهر الأكمل الذي لا أكمل منه ، 
الذي قال فيه أبو حامد ما كان أبدع من هذا العالم لكمال وجود الحقائق كلها فيه : وهو العبد الذي ينبغي أن يسمي خليفة ونائبا . 
فتوحات ج 1 / 4 ، 259 - ج 2 / 103 ، 345 

وليس الكون بزائد عن كن بواوها الغيبة ، فظهر الكون على صورة کن ،
وكن أمره ، وأمره كلامه ، وكلامه علمه ، وعلمه ذاته ، 
فظهر العالم على صورته ، فالأمر في نفسه صعب تصوره من الوجه الذي يطلبه الفكر ، سهل في غاية السهولة من الوجه الذي قرره الشرع . 
فتوحات ج 2 / 402 ، 403 


12 -  هويته روح هذه الصورة المدبرة لها هو الظاهر في المظاهر

راجع الهامش 10 بالفص الحالي
 

13 - هو الأول في الوجود، والآخر في الشهود
فالأول الحق بالوجود     ….. والآخر الحق بالشهود 
ولما كان العالم له الظهور والبطون كان هو سبحانه الظاهر لنسبة ما ظهر منه والباطن لنسبة ما بطن منه . 
فتوحات ج 3 / 178 - دیوان 181


14 - علم الأذواق - راجع فص 10 ، هامش 8 ، ص 144
""  8 - العلوم الإلهية الذوقية فص 10 ، هامش 8 ، ص 144
علوم الأذواق لا سبيل إليها إلا بالذوق، فلا يقدر عاقل على أن يحدها ولا يقيم على معرفتها دليلا، كالعلم بحلاوة العسل ومرارة الصبر ولذة الجماع والعشق والوجد والشوق وما شاكل هذا النوع من العلوم.
فهذه علوم من المحال أن يعلمها أحد إلا بأن يتصف بها ويذوقها ، وبالذوق تتميز الأشياء عند العارفين .
والكلام على الأحوال لا يحتمل البسط وتكفي فيه الإشارة إلى المقصود ، ومهما بسطت القول
فيه أفسدته ، فعلوم الأذواق لا تنقال ولا تنحكي ، ولا يعرفها إلا من ذاقها ، وليس في الإمكان أن يبلغها من ذاقها إلى من لم يذقها .
وبينهم في ذلك تفاضل لا يعرف ، ولا يمكن أن يعرف عين ما فضله به ، وما من أمر إلا وهو يقبل التعبير عنه ، ولا يلزم من ذلك فهم السامع الذي لا يفهم ذلك الاصطلاح ولا تلك العبارة ، فإن علوم الأذواق والكيفيات وإن قبلت لا تنقال ، ولكن لما كان القول بها والعبارة عنها لإفهام السامع .

لذلك قالوا ما ينقال ، ولا يلزم ما لا يفهم السامع - المدرك له أن لا يصطلح مع نفسه على لفظ بدل به على ما ذاقه ، ليكون ذلك اللفظ منبها ومذكرة له إذا نسي ذلك في وقت آخر ، وإن لم يفهم عنه من لا ذوق له فيه ، فالله يرزقنا الإصابة في النطق والإخبار عما أشهدناه وعلمناه من الحق علم کشف و شهود وذوق ، فإن العبارة عن ذلك فتح من الله تأتي بحكم المطابقة ، وكم من شخص لا يقدر أن يعبر عما في نفسه، وكم من شخص تفسد عبارته صحة ما في نفسه ، والصحيح أن كل علم لا يكون عن ذوق فليس بعلم أهل الله .

ولما كانت العلوم تعلو وتنضع بحسب المعلوم ، لذلك تعلقت الهمم بالعلوم الشريفة العالية التي إذا اتصف بها الإنسان زکت نفسه وعظمت مرتبته ، فأعلاها مرتبة العلم بالله .
وأعلى الطرق إلى العلم بالله علم التجليات ، ودونها علم النظر ، فالتجلي أشرف الطرق إلى تحصيل العلوم ، وهي علوم الأذواق .
ولما لم تر إلا التقليد ترجح عندنا تقلید هذا المسمى برسول والمسمى بکلام الله ، وعملنا عليه تقليدا حتى كان الحق سمعنا وبصرنا فعلمنا الأشياء بالله .
فرجال الله علموا الله بإعلام الله ، فكان هو علمهم كما كان بصرهم.
 فمثل هؤلاء لو تصور منهم نظر فکري لكان الحق عين فكرهم كما كان عين علمهم وعين بصرهم وسمعهم ، لكن لا يتصور من يكون مشهده هذا وذوقه أن يكون له فكر البتة في شيء إنما هو مع ما يوحي إليه على اختلاف ضروب الوحي ، وإنه من ضروب الوحي الفهم عن الله ابتداء من غير تعكر ،

فإن أعطي الفهم عن تفكر فما هو ذلك الرجل فإن الفهم عن الفكر يصيب وقتا ويخطىء وقتا ، والفهم لا عن فكر وحي صحيح صريح من الله لعبده ، وذوق الأنبياء عليهم السلام في هذا الوحي يزيد على ذوق الأولياء .
وأهل الله من الأنبياء والأولياء ينسبون فيما يدركونه من العلوم على غير الطريق المعتادة ، فإذا أدركوها تسبوا إلى تلك الصفة التي أدركوا بها المعلومات ، فيقولون فلان صاحب نظر أي بالنظر يدرك جميع المعلومات .
وهذا ذقته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفلان صاحب سمع ، وفلان صاحب طعم ، وصاحب نفس وأنفاس يعني الشم ، وصاحب لمس.
فمن علوم الوهب العلم عن النظرة والضربة والرمية وكيف نقوم هذه الأمور مقام کلام العالم للمتعلم ، وذوقنا من هذا الفن ذوق النظرة فتستفاد علوم كثيرة من مجرد ضرب أو نظر ، قد رأينا هذا كله بحمد الله من نفوسنا فلا نشك فيه .
الفتوحات ج 1 / 31 ، 166 ، 214 ، 483 ، 551 - ج 2 / 298 ، 482 ، 608 ، 754 - ج 3 / 60 - ج 4 / 38 .  أهـ ""

ص 304


الحقائق أن يدركها على ما هي عليه فيكون بإدراكها في محل القرب. "15"
فكل مشهود قريب من العين ولو كان بعيدا بالمسافة.
فإن البصر يتصل به من حيث شهوده ولولا ذلك لم يشهده، أو يتصل المشهود بالبصر كيف كان.  فهو قرب بين البصر والمبصر.
ولهذا كنى أيوب في المس، فأضافه إلى الشيطان مع قرب المس فقال البعيد مني قريب لحكمه في.
وقد علمت أن البعد والقرب أمران إضافيان، فهما نسبتان لا وجود لهما في العين مع ثبوت أحكامها في البعيد والقريب.
واعلم أن سر الله في أيوب الذي جعله عبرة لنا وكتابا مسطورا حاليا تقرؤه هذه الأمة المحمدية لتعلم ما فيه فتلحق بصاحبه تشريفا لها.
فأثنى الله عليه- أعني على أيوب- بالصبر مع دعائه في رفع الضر عنه.
فعلمنا أن العبد إذا دعا الله في كشف الضر عنه لايقدح في صبره وأنه صابر "16"
وأنه نعم العبد كما قال تعالى «إنه أواب» أي رجاع إلى الله لا إلى
……………………………………………….

15 ۔ مخالفة لأصول الشيخ *
راجع فص 16، هامش 15، ص 263


16 - الشكوى إلى الله لا تقدح في الصبر
إن كنت صاحب غرض وتحس بسرض وألم فاحبس نفست عن الشكوى لغير من آلمك بحكمه عليك ، كما فعل أيوب عليه السلام . وهو الأدب الإلهي الذي علمه أنبياءه ورسله ، وإنه ما آلمت وحكم عليك بخلاف غرضك إلا لتسأله في رفع ذلك عنك ، فإن من لم يشك إلى الله مع الإحساس بالبلاء وعدم موافقة الغرض فقد قاوم القهر الإلهي ، فالأدب كل الأدب في الشكوى إلى الله في رفعه لا إلى غيره . 

ويبقى عليك اسم الصبر كما قال تعالى في رسوله أيوب عليه السلام « إنا وجدناه صابرا » في وقت الاضطراب والركون إلى الأسباب ، فلم يضطرب ولا ركن إلى شيء غير الله إلا إلينا لا إلى سبب من الأسباب ، فلا يرفع اسم الصبر عن العبد إذا حل به بلاء ، فسأل الله تعالى في رفع ذلك البلاء ، كما فعل أيوب عليه السلام . ولذلك إذا ابتلاك الحق بضر فاسأله رفعه عنك ولا تقاومه بالصبر عليه ، وما سماك صابرا إلا لكونت حبست نفسك عن سؤال غير الحق في كشف الضر الذي أنزله بك « إنه أواب » أي رجاع الينا فيما ابتليناه به ، وهذا يدل على أن الشكوى إلى الله لا تقدح في الصبر ؛ بل من آداب العبودية الشكوى إلى الله في رفع الضر والبلاء . 
فتوحات ج 2 / 29 ، 206 - ج 4 / 143 ، 408 .


ص 305

الأسباب، والحق يفعل عند ذلك بالسبب لأن العبد يستند إليه، إذ الأسباب المزيلة لأمر ما كثيرة والمسبب واحد العين.
فرجوع العبد إلى الواحد العين المزيل بالسبب ذلك الألم أولى من الرجوع إلى سبب خاص ربما لا يوافق علم الله فيه، فيقول إن الله لم.
فعمل أيوب بحكمة الله إذ كان نبيا، لما علم أن الصبر الذي هو حبس النفس عن الشكوى عند الطائفة، وليس ذلك بحد للصبر عندنا.
وإنما حده حبس النفس عن الشكوى لغير الله لا إلى الله.
فحجب الطائفة نظرهم في أن الشاكي يقدح بالشكوى في الرضا بالقضاء، وليس كذلك، فإن الرضا بالقضاء لا تقدح فيه الشكوى إلى الله ولا إلى غيره، وإنما تقدح في الرضا بالمقضي.
ونحن ما خوطبنا بالرضا بالمقضي.
والضر هو المقضي ما هو عين القضاء. "17"
وعلم أيوب أن في حبس النفس عن الشكوى إلى
……………………………………………………………...

17 - الرضا بالقضاء
اعلم أن الله تعالى قد أمرنا بالرضا قبل القضاء مطلقا ، فعلمنا أنه يريد الإجمال فإنه إذا فصله حال المقضى عليه بالمقضي به انقسم إلى ما يجوز الرضا به وإلى ما لا يجوز ، فلما أطلق الرضا به علمنا أنه أراد الإجمال ، والقدر توقيت الحكم ، 
فكل شيء بقضاء وقدر أي بحكم مؤقت ، فمن حيث التوقيت المطلق يجب الإيمان بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، 
ومن حيث التعيين يجب الإيمان به لا الرضا ببعضه ، وإنما قلنا يجب الإيمان به أنه شر كما يجب الإيمان بالخير أنه خير فتقول إنه يجب على الإيمان بالشر أنه شر ، وأنه ليس إلى الله من كونه شرا ، لا من كونه عين وجود . إن كان الشر أمرا وجودية ، 
فمن حيث وجوده أي وجود عينه هو إلى الله ، ومن كونه شرة ليس إلى الله قال له في دعائه ربه « والشر ليس إليك » فالمؤمن ينفي عن الحق ما نفاه عن نفسه وجناب الله أوسع من أن أرضي منه باليسير ، فإن متعلق الرضي اليسير ، 
ولكن أرضي عنه لا منه ، لأن الرضى منه يقطع همم الرجال ، فإن الله لا يعظم عليه شيء طلب منه ، لأن الرضى منه جهل و نقص ،
 ويكون الرضا بقضاء الله لا بكل مقضي ، فإنه لا ينبغي الرضا بكل مقضي ، 

فلا يلزم الراضي بالقضاء الرضى بالمقضي ، فالقضاء حكم الله ، وهو الذي أمرنا بالرضا به ، والمقضي المحكوم به ، فلا بلزمنا الرضى به.
فتوحات ج 1 / 45 - ج 2 / 213 - ج 4 / 18 


ص 306

الله في رفع الضر مقاومة القهر الإلهي، وهو جهل بالشخص إذ ابتلاه الله بما تتألم منه نفسه، فلا يدعو الله في إزالة ذلك الأمر المؤلم، بل ينبغي له عند المحقق أن يتضرع ويسأل الله في إزالة ذلك عنه، فإن ذلك إزالة عن جناب الله عند العارف صاحب الكشف: فإن الله قد وصف نفسه بأنه يؤذي فقال «إن الذين يؤذون الله ورسوله». "18"
وأي أذى أعظم من أن يبتليك ببلاء عند غفلتك عنه أو عن مقام إلهي لا تعلمه
………………………………………………………….
18 - « إن الذين يؤذون الله ورسوله ۰۰۰ » الآية *
إن الذين يؤذون الله بالتكلم فيه بما لا نبغي ، فوصف الله نفسه بأنه يؤذي . ولم يؤاخذ عن أذاه في الوقت من آذاه . فأمهلهم ولم يؤاخذهم ، وجعل له ذلك الأذى اسم الصبور . فوصف نفسه بالصبور ، وذكر لنا من يؤذيه و بما يؤذيه . 
وطلب من عباده رفع الأذى - مع قدرته على أن لا يخلق فيهم ما خلق - مع بقاء اسم الصبور عليه ، ليعلمنا أنا إذا شكونا إليه ما نزل بنا من البلاء أن تلك الشكوى إليه لا قدح في نسبة الصبر إلينا ، فنحن مع هذه الشكوى إليه في رفع البلاء عنا صابرون ، كما هو صابر مع تعريفنا وإعلامه إيانا بين يؤذيه : وبما يؤذيه ، لننتصر له وندفع عنه ذلك . 
وهو الصبور ، فمن كان عدوا لله فهو عدو للمؤمن ، وقد ورد في الخبر "ليس من أحد أصبر على أذى من الله" ، وقد كذب وشتم ، لكونه قادرا على الأخذ وما يأخذ. ويهل باسمه الحليم ، 
ورد في الصحيح « شتمني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك ، وكذبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له - الحديث - » رواه ابن حبان و أحمد و النسائي 
فقوله « ولم يكن ينبغي له ذلك » لما له عليه من فضل إخراجه من الشر الذي هو العدم ، إلى الخير الذي بيده تعالى وهو الوجود ، فكان التعريف بذلك ليرجع المكذب عن تكذيبه ، والشاتم عن شتمه ، فإن الدنيا موطن الرجوع والقبول منه . 

والآخرة وإن كانت موطن الرجوع ولكن ليست بموطن القبول ، واتصف الحق بالصبر على أذى العبد ، وعرف أهل الاعتناء من المؤمنين بذلك ، صورة الشاكي ، ليدفعوا عنه ذلك الأذى ، فيكون لهم من الله أعظم الجزاء ، فلا أرفع ممن يدفع عن الله أذى . 
ثم تمم فقال « لعنهم الله في الدنيا والآخرة » أي أبعدهم ، واللعنة البعد ، وسببه وقوع الأذى منهم ، فوجبت عليهم اللعنة ، « وأعد لهم عذابا مهينا » لو كان الأمر كما يتوهمه


ص 307

لترجع إليه بالشكوى فيرفعه عنك، فيصح الافتقار الذي هو حقيقتك، فيرتفع عن الحق الأذى بسؤالك إياه في رفعه عنك، إذ أنت صورته الظاهرة. "19"
كما جاع بعض العارفين فبكى فقال له في ذلك من لا ذوق له في هذا الفن معاتبا له، فقال العارف «إنما جوعني لأبكي». 
يقول إنما ابتلاني بالضر لأسأله في رفعه عني، وذلك لا يقدح في كوني صابرا. "20" 
فعلمنا أن الصبر إنما هو حبس النفس عن الشكوى لغير الله، وأعني بالغير وجها خاصا من وجوه الله. 
وقد عين الله الحق وجها خاصا من وجوه الله وهو المسمى وجه الهوية فتدعوه من ذلك الوجه في رفع الضر ، "21"  لا من الوجوه
……………………………………………….
من لا علم له من عدم مبالاة الحق بأهل الشقاء ، ما وقع الأخذ بالجرائم ولا وصف الله نفسه بالغضب ولا كان البطش الشديد ، فهذا كله من المبالاة والتهمم بالمأخوذ إذ لو لم يكن له قدر ما عذب ولا استعد له ، وقد قال في أهل الشقاء « وأعد لهم عذابا مهينا » فتوحات ج 1/ 356 ، 612 ، 680 ، 730 - ج 2 / 206 - ج 3 / 36 ، 463 - ج 4 / 317 ، 318


19 - إذ أنت صورته الظاهرة (لأنه الظاهر في المظاهر)
راجع هامش 10 "وإليه يرجع الأمر كله" حقيقة وكشفا   من هذا الفص
أو راجع فص 5 ، هامش 6 ، ص 84 

 

20 - هذه الكلمة لأبي يزيد البسطامي
فالعارف وإن وجد القوة الصبرية يفر إلى موطن الضعف والعبودية وحسن الأدب ، فإن القوة لله جميعا ، فيسأل ربه رفع هذا البلاء عنه ، وهذا لا يناقض الرضا بالقضاء ، فإن البلاء إنما هو عين المقضي لا القضاء ، فيرضى بالقضاء ويسأل الله في رفع المقضي عنه ، فيكون راضيا صابرا ، فهو يبكي له وعليه ، فإن الأكابر لا يحبسون نفوسهم عن الشكوى إلى الله . 
فتوحات ج 2 / 29 ، 208 


21 - الدعاء بالأسماء الإلهية لا بالهوية *
لما كان الاسم الله جامعا للنقيضين فهو وإن ظهر في اللفظ فليس المقصود إلا اسما خاصا منه تطلبه قرينة الحال ، فإذا قال طالب الرزق المحتاج إليه «یا الله ارزقني» والله هو المانع أيضا. 
فما يطلب بحاله إلا الاسم الرزاق، فما قال بالمعنى إلا « يا رزاق


ص 308


الأخر المسماة أسبابا، وليست إلا هو من حيث تفصيل الأمر في نفسه. 
فالعارف لا يحجبه سؤاله هوية الحق في رفع الضر عنه عن أن تكون جميع الأسباب عينه من حيثية خاصة.  "22"
وهذا لا يلزم طريقته إلا الأدباء من عباد الله الأمناء على أسرار
……………………………………………………..
ارزقني » فمن أراد الإجابة من الله فلا يسأله إلا بالاسم الخاص بذلك الأمر . 
ولا يسأل باسم يتضمن ما يريده و غیره . 
ولا يسأل بالاسم من حيث دلاله على داب المسي . 
ولكن يسأل من حسن المعنى الذي هو عليه . 
الذي لأجله جاء وتسبز عن غيره من الأسماء تميز معنى لا تسيز لفظ .
فتوحات ج 2 / 462 


22 - الأسباب مظاهر الحق وصور حجاب عن الحق
إثبات الأسباب أدل دليل على معرفة المثبت لها بربه . ومن رفعها رفع ما لا يصح رفعه ، وإنما ينبغي له أن يقف مع السبب الأول ، وهو الذي خلق هذه الأسباب ونصبها ، فتبارك الله رب العالمين وضع الأسباب ، وجعلها له كالحجاب . 
فهي توصل إليه تعالى من علمها حجابا ، وهي تصد عنه كل من اتخذها أربابا . 
فذكرت الأسباب في إنبائها أن الله من ورائها ، فإنه يستحيل أن يكون للأسباب أثر في المسببات فإن ذلك لسان الظاهر . 
يقول الحق ، جميع ما تراه من المحدثات : ما لأحد فيه أثر . 
ولا شيء من الخلق ، فأنا الذي أخلق الأشياء عند الأسباب لا بالأسباب .
واعلم أن الممكنات مفتقرة بالذات فلا يزال الفقر يصحبها دائما . 
لأن ذاتها دائمة ، فوضع لها الأسباب التي يحصل لها عندها ما افتقرت فيه .
 فافتقرت إلى الأسباب ، فجعل الله عين الأسباب أسماء له ، فأسماء الأسباب من أسمائه تعالى حتى لا يفتقر إلا إليه ، لأنه العلم الصحيح ، 
فلا فرق عند أهل الكشف بين الأسماء التي يقال في العرف والشرع إنها أسماء الله وبين أسماء الأسباب أنها أسماء الله ، فإنه قال "أنتم الفقراء إلى الله"، ونحن نرى الواقع الافتقار إلى الأسباب. 
فلابد أن تكون أسماء الأسباب أسماء الله تعالى ، فندعوه بها دعاء حال لا دعاء الفاظ ، ولذلك أمر بشکر الأسباب لأنه أمر بشكره فهو الثناء عليه بها ، فالملامية من الصوفية عبيد خالصون


ص 309

الله، فإن لله أمناء لا يعرفهم إلا الله ويعرف بعضهم بعضا. 
وقد نصحناك فاعمل وإياه سبحانه فاسأل.
………………………………………………..
مخلصون لسيدهم ، مشاهدون إياه على الدوام في أكلهم وشربهم و يقظتهم ونومهم وحديثهم مع الناس ، يضعون الأسباب مواضعها ، ويعرفون حكمتها ، حتى تراهم
كأنهم الذي خلق لهم كل شيء مما تراهم من إثباتهم الأسباب وتحضيضهم عليها ، يفتقرون إلى كل شيء ، لأن كل شيء عندهم هو مسمى الله ، 
ورأوا الناس قد افتقروا إلى الأسباب الموضوعة كلها وقد حجبتهم في العامة عن الله ، وهم على الحقيقة ما افتقروا في نفس الأمر إلا إلى من بيده قضاء حوائجهم وهو الله ، قالوا فهنا قد تسمى الله بكل ما يفتقر إليه في الحقيقة ، 
فمن رفع الأسباب في الموضع الذي وضعه فيه واضعه وهو الحق فقد سفه واضعه وجهل قدره ، ومن اعتمد عليه فقد أشرك وألحد وإلى أرض الطبيعة أخلد ، فالملامتية قررت الأسباب ولم تعتمد عليها ، فلا يرفع الأسباب إلا جاهل بالوضع الإلهي ، ولا يثبت الأسباب إلا عالم كبير أديب في العلم الإلهي . 
قال أبو بكر الصديق الطبيب أمرضني ، فالعلة إثبات السبب والحق عين السبب ، فإنه أثبت افتقار الناس إليه لا إلى غيره ، ليبين لهم أنه المتجلي في صور الأسباب وأن الأسباب التي هي صور حجاب عنه ، ليعلم العلماء لعلمهم بالمراتب . 
الفتوحات ج 2 / 16 ، 123 ، 204 ، 469 ، 490 - ج 3 / 35 ، 73 ، 208 ، 416 ، 558 .

ص  310


.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأربعاء فبراير 19, 2020 11:15 pm

20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص اليحيوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية
هذه حكمة الأولية في الأسماء، فإن الله سماه يحيى أي يحيا به ذكر زكريا.
و«لم نجعل له من قبل سميا» "2" فجمع بين حصول الصفة التي فيمن غبر ممن ترك ولدا يحيا به ذكره وبين اسمه بذلك.
فسماه يحيى فكان اسمه يحيى كالعلم الذوقي، فإن آدم حيي ذكره بشيث ونوحا حيي ذكره بسام، وكذلك الأنبياء.
ولكن ما جمع الله لأحد قبل يحيى بين الاسم العلم منه وبين الصفة إلا لزكريا عناية منه إذ قال «فهب لي من لدنك وليا» فقدم الحق على ذكر ولده كما قدمت آسية ذكر الجار على الدار في قولها «عندك بيتا في الجنة» "3" 
فأكرمه الله بأن قضى حاجته
……………………………………...
1- المناسبة في تسمية الفص بحكمة جلالية في كلمة يحيوية 
أن الحق جل جلاله من أسمائه الأول وخص يحيى عليه السلام برتبة الأولية في هذا الاسم فإنه لم يجعل له من قبل سيا ، فكانت الأولية هي المناسبة . 
وقيل إن يحيى عليه السلام كان يغاب عليه الجلال ، كما أن عيسى عليه السلام كان يغلب عليه الجمال . 
ويذكر عن يحيى عليه السلام أنه كان في خديه أخدودان من كثرة البكاء فقد يناسب الجلال عیسی عليه السلام من هذه الناحية.
 
2 - «لم نجعل له من قبل سميا » الآية
خص الله تعالى يحيى بأن لم يجعل له سميا من قبل من أنبياء الله . 
وهو وإن كان في العالم يحيى كثيرا إلا أن له مرتبة الأولية في هذا الاسم . 
فتوحات ج 2 / 417 - ج 3 / 364 
 
3 - «رب ابني لي عندك بيتا في الجنة » الآية
شهد رسول الله صلى  لآسية امرأة فرعون بالكمال ، فقالت العارفة المشهود لها بالكمال «رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ، دار المال . 
فقدمت الحق على البيت . 
وقدمت الجار على الدار ، لما علمت أن الدار يصح بالجوار ، وهو الذي جرى به
 
ص 311


وسماه بصفته حتى يكون اسمه تذكارا لما طلب منه نبيه زكريا، لأنه عليه السلام آثر بقاء ذكر الله في عقبه إذ الولد سر أبيه، فقال «يرثني ويرث من آل يعقوب» وليس ثم موروث في حق هؤلاء إلا مقام ذكر الله والدعوة إليه.
ثم إنه بشره بما قدمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلم بسلامه عليه، وكلامه صدق فهو مقطوع به، وإن كان قول الروح «والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا» أكمل في الاتحاد، فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد وأرفع للتأويلات.
فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنما هو النطق، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه.
ولا يلزم للمتمكن من النطق على أي حالة كان الصدق فيما به ينطق، بخلاف المشهود له كيحيى.
فسلام الحق على يحيى من هذا الوجه أرفع للالتباس الواقع في العناية الإلهية به من سلام عيسى على نفسه، "4" وإن كانت قرائن الأحوال تدل على قربه من الله في ذلك وصدقه،
………………………………..
المثل في قولهم « الجار قبل الدار » ولم تطلب مجاورة موسى ولا أحد من المخلوقين، بل قدمت الحق وطلبت جواره والعصمة من أيدي عداته 
فتوحات ج 3 / 11 ، 460 - ج 4 / 341 
 
4 - السلام على عيسى ويحيى عليهما السلام *
هذا يخالف ما جاء في الفتوحات المكية ج 3 / ص 346 في إسراء الشيخ رضي الله عنه واجتماعه يحيى عليه السلام وسؤاله عن هذه المسألة حيث يقول : قلت الحمد لله الذي جمعكما في سماء واحدة ، أعني روح الله عیسی ویحیی علیهما السلام، حتى أسألكما عن مسألة واحدة فيقع الجواب بحضور كل واحد منكما ، فإنكما خصصتما بسلام الحق ، فقيل في عيسى إنه قال في المهد "والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا " .
وقيل في يحيى « وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا » 
فأخبر عیسی عن نفسه بسلام الحق عليه ، والحق أخبر بسلامه علی یحیی ، 
فأي مقام أنتم ؟ 
فقال ( يعني يحيى عليه السلام) لي ألست من أهل القرآن؟ 
قلت له بلى أنا من أهل القرآن ، فقال أنظر فيما جمع الحق بيني وبين ابن خالتي ، أليس قد قال الله فيه « ونبيا من الصالحين » فعيني في النكرة ؟ 
فقلت له نعم ، قال ألم يقل في عيسى ابن خالتي "إنه من الصالحين" ، كما قال عني فعينه في النكرة ؟
 
ص 312
 
إذ نطق في معرض الدلالة على براءة أمه في المهد. فهذا أحد الشاهدين، والشاهد الآخر
………………………………………...
ثم قال : إن عيسى هذا لما كان كلامه في المهد دلالة على براءة خالتي مما نسب إليها - لم يترجم عن الله إلا هو بنفسه ، فقال « والسلام علي » يعني من الله ، قلت له صدقت ، قلت ولكن سلم بالتعريف وسلام الحق عليك بالتنكير والتنكير أعم ، فقيل لي ما هو تعريف عين بل هو تعريف جنس . 
فلا فرق بينه بالألف واللام وبين عدم هماه فأنا وإياه في السلام على السواء ، وفي الصلاح كذلك 
وجاء الصلاح لنا بالبشری في " وفي عيسى بالملائكة ، فقلت له أفدتني أفادك الله
وليس أدل على أن ما جاء في هذا الفص يخالف مذهب الشيخ الأكبر جملة وتفصيلا ويخالف القواعد التي أرساها في علمه وفي كتبه أن هذه المسألة تتعلق بذوق الأنبياء وفي ذلك يقول في الجزء الثاني ص 24 
- شرط أهل الطريق فيما يخبرون عنه من المقامات والأحوال أن يكون عن ذوق ولا ذوق لنا ولا لغيرنا ولا لمن ليس بنبي صاحب شريعة في نبوة التشريع ولا في الرسالة ، فكيف تتكلم في مقام لم نصل إليه ، وعلى حال لم نذقه ، لا أنا ولا غيري مسن بليس بنب ذي شريعة من الله ولا رسول ، حرام علينا الكلام فيه ، فما تتكلم إلا فيما لنا فيه ذوق ، فما عدا هذين المقامين فلنا الكلام فيه عن ذوق لأن الله ما حجره .
 
الجزء الثاني الصفحة 51 
- لا ذوق لأحد في ذوق الرسل ، لأن أذواق الرسل مخصوصة بالرسل ، وأذواق الأنبياء مخصوصة بالأنبياء، وأذواق الأولياء مخصوصة بالأولياء ، فبعض الرسل عنده الأذواق الثلاثة لأنه ولي ونبي ورسول ، حضرت في مجلس فيه جماعة من العارفين فسأل بعضهم بعضا ، من أي مقام سأل موسى الرؤية؟
فقال له الآخر « من مقام الشوق » 
فقلت له : لا تفعل أصل الطريق أنها نهايات الأولياء بدايات الأنبياء ، فلا ذوق للولي في حال من أحوال أنبياء التشريع ، فلا ذوق لهم فيه ، ومن أصولنا انا لا تتكلم إلا عن ذوق ، ونحن لسنا برسل ولا أنبياء شريعة ، فبأي شيء نعرف من أي مقام سأل موسى الرؤية ربه ؟. 
نعم لو سألها ولي أمكنك
 
ص 313
 
هو الجذع اليابس فسقط رطبا جنيا من غير فحل ولا تذكير، كما ولدت مريم عيسى من غير فحل ولا ذكر ولا جماع عرفي معتاد، "5"
لو قال نبي آيتي ومعجزتي أن
…………………………………………...
الجواب ، فإن الإمكان أن يكون لك ذلك الذوق ، وقد علمنا من باب الذوق أن ذوق مقام الرسل لغير الرسل ممنوع ، فالتحق وجوده بالمحال العقلي .
الجزء الثاني الصفحة 85 - ذوق الأنبياء لا يعلمه سواهم . .
الجزء الرابع الصفحة 70 - الرسل صلوات الله عليهم أجمعين لا سبيل لنا إلى الكلام على منازلهم ، فإن كلامنا عن ذوق ، ولا ذوق لنا في مقاماتهم عليهم السلام .
وإنما أذواقنا في الوراثة خاصة ، فلا يتكلم في الرسل إلا رسول ، ولا في الأنبياء إلا نبي أو رسول ، ولا في الوارثين إلا رسول أو نبي أو ولي أو من منهم . 
هذا هو الأدب الإلهي.
فإن قلت هذا الذي جاء في هذا الفص من باب النظر الفكري والعقلي. 
قلنا إن هذا الكتاب مبني على علوم الأذواق والكشف، والشيخ يذكر في الفص السابق أن علم الأذواق لا عن فكر وهو العلم الصحيح وما عداه فحدس وتخمين ليس بعلم أصلا.
 
5 - الشهود على براءة مريم عليها السلام
جاء هذا النص في كتاب النجاة عن حجب الاشتباه حيث يقول: وقام الشاهد الأول بهز الجزع للمناسبة الموجودة فإن النخل لا ينتج إلا بتذكير.،
 فلما هزت الجذع اليابس أتج من غير تذكير للحين، كما فعل الله بعيسى عليه السلام . 
وأما الشاهد الثاني فهو نطق عيسي في المهد، شاهد ثان على أهل الجحد.
ويقول في الفتوحات ج 2 / 417 - ج 4 / 166 
فكان ذلك شهادة مبرئة لمريم عليها السلام بما سقط من الثمر في هزها جذع النخلة اليابس ، ونطق ابنها في المهد بأنه عبد الله وهما شاهدان عدلان عند الله ، إذ أكثر الشرع في الحكومة بشاهدين عدلين ، ولا أعدل من هذين .
 
ص 314
 
ينطق هذا الحائط، فنطق الحائط وقال في نطقه تكذب ما أنت رسول الله، لصحت الآية وثبت بها أنه رسول الله، ولم يلتفت إلى ما نطق به الحائط. "6"
فلما دخل هذا الاحتمال في
……………………………….
6 - نطق الجماد على طريق الإعجاز *
لما كان الله تعالى هو الكبير بما نصبه المشركون من الآلهة لهذا قال الخليل في معرض الحجة على قومه، مع اعتقاده الصحيح أن الله هو الذي كسر الأصنام المتخذة آلهة حتى جعلها جذاذة مع دعوى عابديها بقولهم «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» فاعترفوا أن ثم إلها كبيرة اكبر من هؤلاء، ونسبوا الكبر لله تعالى على آلهتهم، فقال إبراهيم عليه السلام «بل فعله كبيرهم» فجاء بلفظ الكبير، لأنهم قائلون بكبرياء الحق على آلهتهم التي اتخذوها، فهذا الذي قاله إبراهيم عليه السلام صحيح في عقد إبراهيم عليه السلام، 
وإنما أخطأ المشركون حيث لم يفهموا عن إبراهيم ما أراد بقوله «بل فعله كبيرهم» فكان قصد إبراهيم عليه السلام بكبيرهم الله تعالى وإقامة الحجة عليهم، 
وهو موجود في الاعتقادين، وكونهم آلهة ذلك على زعمهم، والوقف عليه حسن تام، وابتدأ إبراهيم بقوله «هذا» إشارة ابتداء وخبره محذوف يدل عليه قوله «بل فعله كبيرهم» أو «هذا قولي» فالخبر محذوف يدل عليه مساق القصة «فاسألوهم إن كانوا ينطقون» إقامة الحجة عليهم منهم، فهم يخبرونكم، ولو نطقت الأصنام في ذلك الوقت. 
لاعترفوا بأنهم عبيد، وأن الله هو الكبير العلي العظيم، ولنسبت الفعل إلى الله لا إلى إبراهيم، فإنه مقرر أن الجماد والنبات والحيوان قد فطرهم الله على معرفته و تستبيحه بحمده، فلا يرون فاعلا إلا الله، ومن كان هذا فطرته كيف ينسب الفعل لغير الله ؟ 
فكان إبراهيم على بينة من ربه في الأصنام أنهم لو نطقوالأضافوا الفعل إلى الله، لأنه ما قال لهم سلوهم إلا في معرض الدلالة ، سواء نطقوا أو سكتوا ، فإن لم ينطقوا يقول لهم «لم تعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنكم من الله شيئا » ولا عن نفسه، ولو نطقوا لقالوا إن الله قطعنا قطعة ، لا يتمكن في الدلالة أن تقول الأصنام غير هذا ، فإنها لو قالت
 
ص 315
 
كلام عيسى بإشارة أمه إليه وهو في المهد، كان سلام الله على يحيى أرفع من هذا الوجه. "7"
فموضع الدلالة أنه عبد الله من أجل ما قيل فيه إنه ابن الله وفرغت الدلالة بمجرد النطق  "8" وأنه عبد الله عند الطائفة الاخرى القائلة بالنبوة.
وبقي ما زاد في حكم الاحتمال في النظر العقلي "9" حتى ظهر في المستقبل صدقه في جميع ما أخبر به في المهد فتحقق ما أشرنا إليه.
…………………………………...
الصنم الكبير فعل ذلك بنا لكذبت، ويكون تقريرا من الله بكفرهم.
وردا على ابراهيم عليه السلام، فإن الكبير ما قطعهم جذاذا، ولو قالوا في إبراهيم إنه قطعنا لصدقوا في الإضافة إلى إبراهيم، ولا تلزم الدلالة بنطقهم على وحدانية الله ، 
فيقال الكبير، فيبطل کون إبراهيم قصد الدلالة، فلم تقع ولم يصدق.
الفتوحات ج 1 / 243 - ج 3 / 350 - ج 4 / 323
 
7 -  راجع هامش 4
 
8 - نطق عیسی علیه السلام في المهد . 
نطق عليه السلام في المهد بالإقرار والجحد، وبدء عليه السلام في نطقه بالعبودية، فقال لقومه في براءة أمه ، لما علم من نور النبوة التي في استعداده أنه لابد أن يقال فيه إنه ابن الله ، فقال عن نفسه إخبارا بحاله مع الله « إني عبد الله » فبدأ في أول تعريفه وشهادته في الحال الذي لا ينطق مثله في العادة ، فما أنا ابن لأحد فأمي طاهرة بتول ، ولست بابن لله ، كما أنه لا يقبل الصاحبة لا يقبل الولد. ولكني عبد الله مثلكم.
الفتوحات ج 2 / 387 - ج 4 / 116
 
9 - أي قوله عليه السلام «أتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا ۰» الآية، هذا هو ما دخله الاحتمال في النظر العقلي وظهر صدقه عليه السلام في حينه.
 
ص 316 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأربعاء فبراير 19, 2020 11:16 pm

21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص الزكرياوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الأول
21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية
اعلم أن رحمة الله وسعت كل شيء وجودا وحكما، وأن وجود الغضب من رحمة الله بالغضب. 
فسبقت رحمته غضبه أي سبقت نسبة الرحمة إليه نسبة الغضب إليه. 
ولما كان لكل عين وجود يطلبه من الله، لذلك عمت رحمته كل عين، فإنه برحمته التي رحمه بها قبل رغبته في وجود عينه، فأوجدها.
فلذلك قلنا إن رحمة الله وسعت كل شيء وجودا وحكما. "2"
والأسماء الإلهية من الأشياء، وهي ترجع إلى عين واحدة. "3"
فأول ما وسعت رحمة الله شيئية تلك العين الموجدة للرحمة بالرحمة

………………………..

1 - المناسبة بين تسمية الحكمة بمالكية وزكريا عليه السلام 
هي أن الرحمة لما ذكرت زکریا علیه السلام قامت به وكانت لها الحكم فيه وعليه ، فكان راحما مرحوما فملكته ، والأسماء الإلهية جميعها ملكت الوجود فإنه عنها صدرت وخاصة الاسم الرحمن ، فكان مال العالم إلى الرحمة فإنها ملكته .

2 - شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب
راجع فص 7، هامش 17، ص 117

"" 17 ۔ شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب فص 7، هامش 17، ص 117
من اختصاص البسملة في أول كل سورة تويج الرحمة الإلهية في منشور تلك السورة أنها منه كعلامة السلطان على مناشيره، وسورة التوبة والأنفال سورة واحدة قسمها الحق على فصلين ، فإن فصلها وحكم بالفصل فقد سماها سورة التوبة ، أي سورة الرجعة الإلهية بالرحمة على من غضب عليه من العباد ، فما هو غضب أبد لكنه غضب أمد ، والله هو التواب .
فما قرن بالتواب إلا الرحيم ليؤول المغضوب عليه إلى الرحمة ، أو الحكيم لضرب المدة في الغضب وحكمها فيه إلى أجل ، فيرجع عليه بعد انقضاء المدة بالرحمة ، فانظر إلى الاسم الذي نعت به التواب تجد حكمه کما ذكرنا ، والقرآن جامع لذكر من رضي عنه وغضب عليه ، وتتويج منازله بالرحمن الرحيم ، والحكم للتتويج ، فإنه به يقع القبول ، وبه يعلم أنه من عند الله ، فثبت انتقال الناس في الدارين في أحوالهم من نعيم إلى نعيم ، ومن عذاب إلى عذاب ، ومن عذاب إلى نعيم ، من غير مدة معلومة لنا ، فإن الله ما عرفنا ، إلا أنا استروحنا من قوله « في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة » أن هذا القدر مدة إقامة الحدود .
خلق الله الخلق قبضتين فقال هؤلاء للنار ولا أبالي ، وهؤلاء إلى الجنة ولا أبالي .

فمن كرمه تعالی لم يقل هؤلاء للعذاب ولا أبالي وهؤلاء إلى النعيم ولا أبالي وإنما أضافهم إلى الدارين ليعمروها ، فإنه ورد في الخبر الصحيح أن الله لما خلق الجنة والنار قال لكل واحدة منهما لها علي" ملؤها ، أي أملؤها سكانا ، فيستروح من هذا عموم الرحمة في الدارين وشمولها حيث ذكرهما ولم يتعرض لذكر الآلام وقال بامتلائهما وما تعرض لشيء من ذلك .
فكان معنى « ولا أبالي » في الحالتين لأنهما في المال إلى الرحمة ، فلذلك لا يبالي فيهما ، ولو كان الأمر كما يتوهمه من لا علم له من عدم المبالاة.
ما وقع الأخذ بالجرائم ، ولا وصف الله نفسه بالغضب ، ولا كان البطش الشديد ، فهذا كله من المبالاة والتهمم بالمأخوذ ، إذ لو لم يكن له قدر ما عذب ولا استعد له ، وقد قيل في أهل التقوى إن الجنة أعدت للمتقين ، وقال في أهل التقاء « وأعد لهم عذابا أليما » فلولا المبالاة ما ظهر هذا الحكم .

فما أعظم رحمة الله بعباده وهم لا يشعرون ، فإن الرحمة الإلهية وسعت كل شيء ، فما ثم شيء لا يكون في هذه الرحمة « إن ربك واسع المغفرة » فلا تحجروا واسعا فإنه لا يقبل التحجير ، ولقد رأيت جماعة ممن ينازعون في اتساع رحمة الله وأنها مقصورة على طائفة خاصة ، فحجروا وضيقوا ما وسع الله ،

فلو أن الله لا يرحم أحدا من خلقه لحرم رحمته من يقول بهذا ، ولكن أبي الله تعالى إلا شمول الرحمة ، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » ،

وما خص مؤمنا من غيره ، والله أرحم الراحمين كما قال عن نفسه ، وقد وجدنا من نفوسنا ، وممن جبلهم الله على الرحمة انهم يرحمون جميع العباد ، حتى لو حكمهم الله في خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم ، بما تمكن حكم الرحمة من قلوبهم ، وصاحب هذه الصفة أنا وأمثالي مخلوقون أصحاب أهواء وأغراض ، وقد قال عن نفسه جل علاه أنه أرحم الراحمين ، فلا شك أنه أرحم منا بخلقه ، و نحن قد عرفنا من تفوسنا هذه المبالغة في الرحمة .
فكيف يتسرمد، عليهم العذاب وهو بهذه الصفة العامة من الرحمة ، إن الله أكرم من ذلك ، ولا سيما وقد قام الدليل العقلي على أن الباري لا تنفعه الطاعات، ولا تضره المخالفات، وان كل شيء جار بقضائه وقدره وحكمه.

وأن الخلق مجبورون في اختيارهم ، وقد قام الدليل السمعي أن الله يقول في الصحيح « يا عبادي » فأضافهم إلى نفسه ، وما أضاف الله قط العباد لنفسه إلا من سبقت له الرحمة ألا يؤبد عليهم الشقاء وإن دخلوا النار .
فقال : « يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا » .
وهذه مسألة المكاشف لها قليل ، والمؤمن بها أقل ، وهو سر عجيب ، ما رأينا أحدا نبه عليه من خلق الله ، وإن كانوا قد علموه بلا شك ، وما صانوه والله أعلم إلا صيانة لأنفسهم ورحمة بالخلق .
لأن الإنكار يسرع إليه من السامعين ، ووالله ما نبهت عليه هنا إلا لغلبة الرحمة عليه في هذا الوقت ، فمن فهم سعد ومن لم يفهم لم يشق بعدم فهمه وإن كان محروما ، فقد أظهرت أمرا في هذه المسألة لم يكن باختياري ، ولكن حق القول الإلهي بإظهاره ، فكنت فيه كالمجبور في اختياره ، والله ينفع به من يشاء لا إله إلا هو .
الفتوحات : ج2 / 148 ، 244 ، 674 - ج 3 / 25 ، 100 ، 101 ، 383 . ج 4 / 163 .  أهـ ""


3- الأسماء الإلهية نسب وإضافات *
« ولله الأسماء الحسنى » وليست سوى هذه النسب ، وهل لها أعيان وجودية أم لا ؟
ففيه خلاف بين أهل النظر ، وأما عندنا فما فيها خلاف أنها نسب وأسماء على
حقائق معقولة غير وجودية ، فالذات غير متكثرة بها ، لأن الشيء لا يتكثر إلا بالأعيان الوجودية لا بالأحكام والإضافات والنسب.
واعلم أنه لما كانت الأسماء الإلهية نسبا تطلبها الآثار، لذلك لا يلزم ما تعطل حكمه منها ما لم يتعطل ، وإنما يقدح ذلك لو اتفق أن تكون أمرا وجودية ، فالله إله


ص 317


 * * * * * 
……………………….
سواء وجد العالم أو لم يوجد ، فإن بعض المتوهمين تخيل أن الأسماء تدل على أعيان وجودية قائمة بذات الحق ، فإن لم يكن حكمها يعم وإلا بقي منها ما لا أثر له معطلا، فلما خلق الله العالم رأيناه ذا مراتب وحقائق مختلفة ، 
تطلب کل حقيقة منه من الحق نسبة خاصة ، فلما أرسل تعالى رسله كان مما أرسلهم به لأجل تلك النسبة أسماء تسی بها لخلقه ، يفهم منها دلالتها على ذاته تعالى وعلى أمر معقول لا عين له في الوجود ، له حكم هذا الأثر ، 
والحقيقة الظاهرة في العالم من خلق ورزق و نفع وضر وإيجاد و اختصاص وأحكام وغلبة وقهر ولطف وتنزل واستجلاب ومحبة وبغض وقرب وبعد وتعظیم وتحقير وكل صفة ظاهرة في العالم تستدعي نسبة خاصة . 

لها اسم معلوم عندنا من الشرع ، فمنها مشتركة وإن كان لكل واحد من المشتركة معنى إذا ظهر تبين أنها متباينة ، فالأصل في الأسماء التباين والاشتراك فيه لفظي . ومنها متباينة ، ومنها مترادفة ، ومع ترادفها فلابد أن يفهم من كل واحد معنى لا يكون في الآخر ، فعلمنا ما سمي به نفسه واقتصرنا عليها .
فالأسماء الإلهية نسب وإضافات ترجع إلى عين واحدة ، إذ لا يصح هناك كثرة بوجود أعيان فيه كما زعم من لا علم له بالله من بعض النظار ، 
ولو كانت الصفات أعيانا زائدة ، وما هو إله إلا بها ، لكانت الألوهية معلولة بها ، فكون الباريء عالما حيا قادرا إلى سائر الصفات ، نسب وإضافات له ، لا أعيان زائدة ، لما يؤدي إلى نعتها بالنقص ، 
إذ الكامل بالزائد ناقص بالذات عن كماله بالزائد ، وهو كامل بذاته ، فالزائد بالذات على الذات محال ، وبالنسب والإضافة ليس بمحال ، 
وأما قول القائل لا هي هو ولا هي أغيار له ، فكلام في غاية البعد . 
فإنه قد دل صاحب هذا المذهب على إثبات الزائد وهو الغير بلا شك ، إلا أنه أنكر هذا الإطلاق لا غير ، ثم تحكم في الحد بأن قال الغيران هما اللذان يجوز مفارقة أحدهما الآخر مكانا وزمانا ، وجودا وعدما ، وليس هذا بحد للغيرين عند جميع العلماء به ، فليس للأسماء أعيانا موجودة
 

ص 318


فأول شيء وسعته الرحمة نفسها ثم الشيئية المشار إليها، "4" 
ثم شيئية كل موجود يوجد إلى ما لا يتناهى دنيا وآخرة، وعرضا وجوهرا، ومركبا وبسيطا.
ولا يعتبر فيها حصول غرض ولا ملاءمة طبع، بل الملائم وغير الملائم كله وسعته الرحمة الإلهية وجودا.
وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم: وهو علم غريب ومسألة نادرة، "5"
ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام، فذلك بالذوق عندهم.
وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة.
فرحمة الله في الأكوان سارية ... وفي الذوات وفي الأعيان جارية
مكانة الرحمة المثلى إذا علمت ... من الشهود مع الأفكار عالية،  "6"
………………………….
وإنما هي نسب . فمستند الآثار إلى أمر عدمي والعالم كله موجود عند ذلك التوجه المختلف النسب
فتوحات ج 1 / 42 ، 163 -  ج 3 / 411 - ج 4 / 294 


4 - راجع قلب العارف أوسع من رحمة الله
فص 12 ، هامش رقم 2، ص 174 

"" 2 - قلب العارف أوسع من رحمة الله فص 12 ، هامش رقم 2، ص 174 
الفقرة الواردة في هذا الفص توضح ما أشار إليه الشيخ رضي الله تعالی عنه في الفتوحات الجزء الرابع ص 99  حيث يقول في هذه المسألة : 
إلا أن في الأمر نكتة أوميء إليها ولا أنص عليها ، وذلك أن الله قد وصف نفسه بالغضب والبطش الشديد بالمغضوب عليه ، والبطش رحمة لما فيه من التنفيس وإزالة الغضب وهذا القدر من الإيماء كاف فيما تريد بيائه من ذلك . ""


5 - هب الأثر لا يكون إلا لمعدوم
أعلم أن الحكمة كلها والأمور أجمعها إنما هي قلمراتب لا للأعيان ، وأعظم المراتب الألوهية ، وأنزل المراتب العبودية ، فما ثم إلا مرتبتان ، فما ثم إلا رب وعبد لكن للألوهية أحكام كل حكم منها يقتضي رتبة ، فإما يقوم ذلك الحكم بالإله فيكون. هو الذي حكم على نفسه ، وهو حكم المرتبة في المعنى ، ولا يحكم بذلك الحكم إلا صاحب المرتبة ، لأن المرتبة ليست وجود عين ، وإنما هي أمر معقول ونسبة معلومة محکوم بها ولها الأحكام ،
وهذا من أعجب الأمور ، تأثير المعدوم ، وإما أن يقوم ذلك الحكم بغيره في الموجود إما أمرا وجودیا وما نسبة ، فلا تؤثر إلا المراتب ، مثال ذلك تأثیر رتبة العبد في سيده ، فهو قيام السيد بمصالح عبده ليبقى علیه حکم

ص 319


فكل من ذكرته الرحمة فقد سعد،  "6" 
 وما ثم إلا من ذكرته الرحمة.
……………………………………..
السيادة ، ومن لم يقم بمصالح عبده فقد عزلته المرتبة ، فإن المراتب لها حكم التولية والعزل بالذات لا بالجمل كانت ما كانت . فتوحات ج 3 / 408 
يلاحظ ما جاء في الأسماء الإلهية أنها نسب وإضافات .
 

6 - ذكر الرحمة .
« ذكر رحمت ربك عبده زکریا » في هذه الآية ، الرحمة هي التي تذكر العبد ، ما هو يذكرها ، فتعطيه بذكره حقيقة ما فيها ، لأنها تطلب منه التعشق بها ، فإنه لا ظهور لها إلا به ، فهي حريصة على مثل هذا. 
وهذه الآية تعرف إلهي بوجوب حكم الرحمة فيمن تذكره من عباده سبحانه وتعالى ، وجاء زكريا لا لخصوص الذكر، وإنما ساقته عناية العبد ، فإنها ما ذكرته إلا لكونه عبدا له تعالى في جميع أحواله ، فأي شخص أقامه الله في هذا المقام فبرحمته به أقامه ، لتذكره رحمة ربه عنده تعالی فحال عبوديته هو عين رحمته الربانية التي ذكرته ، فأعلمت ربها أنها عند هذا العبد ، فأي شيء صدر من هذا الشخص فهو مقبول عند الله تعالى ، و من هذا المقام يحصل له من الله ما يختص به مما لا يكون لغيره ، وهو الأمر الذي يمتاز به ويخصه ، فإنه لابد لكل مقرب عند الله من أمر يختص به.

ولما كانت الصفات نسبا وإضافات ، والنسب أمور عدمية ، وما ثم إلا ذات واحدة من جميع الوجوه ، لذلك جاز أن يكون العباد مرحومين في آخر الأمر ، ولا پسرمد عليهم عدم الرحمة إلى ما لا نهاية له ، إذ لا مكره له على ذلك ، والأسماء والصفات ليست أعيانا توجب حكما عليه في الأشياء ، فلا مانع من شمول الرحمة للجميع ، ولا سيما وقد ورد سبقها للغضب ، فإذا انتهى الغضب إليها كان الحكم لها ، فكان الأمر على ما قلناه . 
فتوحات ج 1 / 163 - ج 4 / 153 
راجع شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب - فص 7 - هامش 17 - ص 117
موجودة هامش 2 بهذا الفص
 

ص 320


فكل من ذكرته الرحمة فقد سعد، وما ثم إلا من ذكرته الرحمة.
وذكر الرحمة الأشياء عين إيجادها إياها. "7"  فكل موجود مرحوم.
ولا تحجب يا ولي عن إدراك ما قلناه بما ترى من أصحاب البلاء وما تؤمن به من آلام الآخرة التي لا تفتر عمن قامت به.  
واعلم أولا أن الرحمة إنما هي في الإيجاد عامة. "8"
فبالرحمة بالآلام أوجد الآلام.
ثم إن الرحمة لها أثر بوجهين: أثر بالذات، وهو إيجادها كل عين موجودة. "9"
ولا تنظر إلى غرض ولا إلى عدم غرض، ولا إلى ملائم ولا إلى غير ملائم: فإنها ناظرة في عين كل موجود قبل وجوده. بل تنظره في عين ثبوته، ولهذا رأت الحق المخلوق في الاعتقادات عينا ثابتة في العيون الثابتة فرحمته بنفسها بالإيجاد.
ولذلك قلنا إن الحق المخلوق في الاعتقادات أول شيء مرحوم بعد رحمتها نفسها في تعلقها بإيجاد الموجودين.
ولها أثر آخر بالسؤال، فيسأل المحجوبون الحق أن يرحمهم في اعتقادهم، وأهل الكشف يسألون رحمة الله أن تقوم بهم، فيسألونها باسم الله فيقولون يا الله ارحمنا.
ولا يرحمهم إلا قيام الرحمة بهم، فلها الحكم، لأن الحكم إنما هو في الحقيقة للمعنى القائم بالمحل.
فهو الراحم على الحقيقة. فلا يرحم الله عباده المعتنى بهم إلا بالرحمة، فإذا قامت بهم وجدوا حكمها ذوقا. فمن
…………………………………...

7، 9 ، 8 - الرحمة والإيجاد
اعلم أن العالم إنما صدر من نفس الرحمن ، لأنه نفس به عن الأسماء لما كانت نجده من عدم تأثيرها ، والرحمن ما رحم إلا حبابة المحب وهو رقة الشوق إلى لقاء المحبوب . 
ورد في الحديث الصحيح کشفا غير الثابت نقلا عن رسول الله ما عن ربه عز وجل أنه قال «کنت کنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت الحلق وتعرف إليهم فعرفوني » وذكر الله نفس الرحمن ، فلما ذكر المحبه . 
علمنا من حقيقة الحب ولوازمه مما يجده المحب في نفسه ، وان الحب لا يتعلق إلا بمعدوم يصح وجوده . 
وهو غير موجود في الحال ، والعالم محدث والله كان ولا شيء معه . 
فكان الحب اصل سبب وجود العالم والسماع سبب تكوينه . 
وبهذا الحب وقع التنفس . 
وأظهر العالم تنفس الرحمن ، لإزالة حكم الحب وتنفس ما يجد الحب ، فكان العماء المسمى بالحق المخلوق به ، فكان ذلك العماء جوهر العالم ، فقبل صور العالم وأرواحه وطبائعه كلها ، وهو قابل لا يتناهی .  
فتوحات 2 / 123 ، 399 - ج 4 / 259

 

ص 321


ذكرته الرحمة فقد رحم.
واسم الفاعل هو الرحيم والراحم.
والحكم لا يتصف بالخلق لأنه أمر توجبه المعاني لذواتها.
فالأحوال لا موجودة ولا معدومة، أي لا عين لها في الوجود لأنها نسب، "11" ولا معدومة في الحكم لأن الذي قام به العلم يسمى عالما وهو الحال.
فعالم ذات موصوفة بالعلم، ما هو عين الذات ولا عين العلم، وما ثم إلا علم وذات قام بها هذا العلم.
وكونه عالما حال لهذه الذات باتصافها بهذا المعنى.
فحدثت نسبة العلم إليه، فهو المسمى عالما.
والرحمة على الحقيقة نسبة من الراحم، وهي الموجبة للحكم، وهي الراحمة.
والذي أوجدها في المرحوم ما أوجدها ليرحمه بها وإنما أوجدها ليرحم بها من قامت به.
وهو سبحانه ليس بمحل للحوادث، فليس بمحل لإيجاد الرحمة فيه.
وهو الراحم، ولا يكون الراحم راحما إلا بقيام الرحمة به. فثبت أنه عين الرحمة. "12"
ومن لم يذق هذا الأمر ولا كان له فيه قدم ما اجترأ أن يقول إنه عين الرحمة أو عين الصفة، فقال ما هو عين الصفة ولا غيرها.
فصفات الحق عنده لا هي هو ولا هي غيره، لأنه لا يقدر على نفيها ولا يقدر أن يجعلها عينه، فعدل إلى هذه العبارة وهي حسنة، وغيرها أحق بالأمر منها وأرفع للإشكال، "13" وهو القول بنفي أعيان الصفات وجودا قائما بذات الموصوف.

………………………………………...
10 - راجع هامش   6 ص 320


11 - النسبة أمر معقول غير موجود بين اثنين ،
فالنسب لا تقبل معنى الحدوث ولا القدم ، فإنه لا يقبل هذا الوصف إلا الوجود أو العدم ، فالنسب لا تصف بالوجود ولا بالعدم .
 فتوحات ج 1 / 253 - ج 2 / 56 ، 57

"" أضاف الجامع : 
قال الشيخ رضي الله عنه الفتوحات الباب الثالث والسبعون عن الذات والأسماء والنسب والمظاهر:-
فاعلم إن هذه الأسماء الإلهية التي بأيدينا هي أسماء الإلهية التي سمى بها نفسه من كونه متكلما فنضع الشرح الذي كنا نوضح به مدلول تلك الأسماء على هذه الأسماء التي بأيدينا
وهو المسمى بها من حيث الظاهر ومن حيث كلامه وكلامه علمه وعلمه ذاته
فهو مسمى بها من حيث ذاته والنسب لا تعقل للموصوف بالأحدية من جميع الوجوه
إذا فلا تعقل الأسماء إلا بأن تعقل النسب ولا تعقل النسب إلا بأن تعقل المظاهر المعبر عنها بالعالم
فالنسب على هذا تحدث بحدوث المظاهر لأن المظاهر من حيث هي أعيان لا تحدث ومن حيث هي مظاهر هي حادثة فالنسب حادثة فالأسماء تابعة لها ولا وجود لها مع كونها معقولة الحكم . أهـ ""


12 - راجع هامش 6  ص 320

13 - الصفة عين الموصوف بالنسبة للحق تعالی
اعلم أن وجود العالم من حيث ما هو موجود بغيره ، مرتبط بالواجب الوجود لنفسه ، وأن عين الممكن محل تأثير الواجب الوجود لنفسه بالإيجاد ، ولا يعقل إلا هكذا ،
فمشيئته تعالى وإرادته وعلمه وقدرته ذاته ، تعالى الله أن يتكثر في ذاته علوا كبيرة ، بل له الوحدة المطلقة وهو الواحد الأحد ، فعين العالم عين الحى عين المريد

ص 322

وإنما هي نسب وإضافات بين الموصوف بها وبين أعيانها المعقولة."14"
وإن كانت الرحمة جامعة فإنها بالنسبة إلى كل اسم إلهي مختلفة، فلهذا يسأل سبحانه أن يرحم بكل اسم إلهي. "15"
فرحمة الله والكناية هي التي وسعت كل شيء.
ثم لها شعب كثيرة تتعدد بتعدد الأسماء الإلهية.
فما تعم بالنسبة إلى ذلك الاسم الخاص الإلهي في قول السائل رب ارحم، وغير ذلك من الأسماء.
حتى المنتقم له أن يقول يا منتقم ارحمني، "16"
وذلك لأن هذه الأسماء تدل على الذات المسماة، وتدل بحقائقها على معان مختلفة.
فيدعو بها في الرحمة من حيث دلالتها على الذات المسماة بذلك
……………………………………………………..
عين القادر ، وعين الحياة هي عين العلم عين الإرادة عين القدرة . وعين الحياة هي عين الحي عين العالم عين المريد عين القادر ، وكذلك ما بقي ، فالنسب مختلفة والعين واحدة ، وهو قول القائل يسمع بما به يبصر بما به يتكلم ، فكلام الله عليه وعلمه دانه ، وليس يصح أن يكون كلامه ليس هو ، فإنه كان يوصف بأنه محكوم عليه بالزائد على ذاته ، وهو لا يحكم عليه عز وجل .

* يلاحظ التعارض بين قوله في هذه الفقرة عن قول القائل : 
إن صفاته تعالی « لا هي هو ولا هي غيره ، أن هذه عبارة حسنة . 
وبين ما جاء عن هذه العبارة في الهامش رقم (3) أن هذا كلام في غاية البعد . 
فتوحات ج 1 / 291 -  ج 2 / 400 ، 608 


14 - راجع هامش رقم 3 ، ص 317


15 ، 16 - هل سال الله سبحانه أن يرحم بكل اسم ؟ وهل للمنتقم له أن يقول یا منتقم ارحمني ؟ *
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم « قل هو الله أحد» وعرفه فقال : « ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه » يقول يمیلون عن أسمائه . 
لا بل يقول يميلون في أسمائه إلى غير الوجه الذي قصد بها « سيجزون ما كانوا يعملون » من ذلك ، فكل يجزى بما مال إليه فيما أوحينا ، يقول اتبع ما أوحي إليك من ربك. ولا تمل بميلهم. 
الفتوحات ج 4 / 77 


ص 323

الاسم لا غير، لا بما يعطيه مدلول ذلك الاسم الذي ينفصل به عن غيره ويتميز. "17"
فإنه لا يتميز عن غيره وهو عنده دليل الذات، وإنما يتميز بنفسه عن غيره لذاته، إذ المصطلح عليه بأي لفظ كان حقيقة متميزة بذاتها عن غيرها:
وإن كان الكل قد سيق ليدل على عين واحدة مسماة.
فلا خلاف في أنه لكل اسم حكم ليس للآخر، فذلك أيضا ينبغي أن يعتبر كما تعتبر دلالتها على الذات المسماة. "18"
ولهذا قال أبو القاسم

…………………………………………..

17 - قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى «الآية» *
« هل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن » من حيث المسمى فإنه قال « أيا ما تدعو » من حيث دلالته على عين المسمى « فله » أي لذلك المسمى « الأسماء الحسنى » والمسي هو المقصود في هذه الآية 
ولذلك قال « فله الأسماء الحسنى » ومن أسمائه الحسنى الله والرحمن إلى كل اسم سمى به نفسه ما تعلم وما لا تعلم ومما لا يصح أن يعلم أنه استأثر بأسماء في علم غیبه ، فالحكم للمدعو بالأسماء الإلهية لا للأسماء فإنها وإن تفرقت معانيها وتميزت ، فإن لها دلالة على ذات معينة في الجملة وفي نفس الأمر . 
وإن لم نعلم ولا يدركها حد، فإنه لا يقدح ذلك في إدراكنا وعلمنا أن ثم ذاتا ينطلق عليها هذه الأسماء
الحكم للمدعو بالأسماء     ….. ما الحكم للأسماء في الأشياء
لكن لها التحكيم في تصريفها    …. فيه كمثل الحكم للأنواء 

الفتوحات ج 1 / 611 - ج 3 / 126 - ج 4 / 118
ومن أراد زيادة المعنى فليراجع كتاب الجلال والجمال ، فتوحات ج 4 /196

راجع الدعاء بالأسماء لا بالهوية - فص 19، هامش 21 ص 308
 

""21 - الدعاء بالأسماء الإلهية لا بالهوية * فص 19، هامش 21 ص 308
لما كان الاسم الله جامعا للنقيضين فهو وإن ظهر في اللفظ فليس المقصود إلا اسما خاصا منه تطلبه قرينة الحال ، فإذا قال طالب الرزق المحتاج إليه «یا الله ارزقني» والله هو المانع أيضا. 
فما يطلب بحاله إلا الاسم الرزاق، فما قال بالمعنى إلا «يا رزاق ارزقني» فمن أراد الإجابة من الله فلا يسأله إلا بالاسم الخاص بذلك الأمر. 
ولا يسأل باسم يتضمن ما يريده و غیره . 
ولا يسأل بالاسم من حيث دلاله على داب المسي . 
ولكن يسأل من حسن المعنى الذي هو عليه . 
الذي لأجله جاء وتسبز عن غيره من الأسماء تميز معنى لا تسيز لفظ .
فتوحات ج 2 / 462  ""

18 - « ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها » *
« ولله الأسماء الحسنى » وإن كان له جميع الأسماء التي يفتقر كل فقير إلى مسماها ، ولا فقر إلا إلى الله ، ومع هذا فلا يطاق عليه من الأسماء إلا ما يعطي الحسن عرفا وشرعا ، ولذلك نعت أسماءه بالحسنى ، والحق هو الذي نصبه الشرع للعباد . وبما سمى به نفسه نسميه ، وبما وصف به ذاته نصفه ، لا تزيد على ما أوصل إلينا .
 
ص 324


.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأربعاء فبراير 19, 2020 11:17 pm

21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص الزكرياوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الثاني
21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية
بن قسي في الأسماء الإلهية إن كل اسم إلهي على انفراده مسمى بجميع الأسماء الإلهية كلها:
إذا قدمته في الذكر نعته بجميع الأسماء، وذلك لدلالتها على عين واحدة، وإن تكثرت الأسماء عليها واختلفت حقائقها، أي حقائق تلك الأسماء. "19"
ثم إن الرحمة تنال على طريقين، طريق الوجوب، وهو قوله «فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة» وما قيدهم به من الصفات العلمية والعملية.
والطريق الآخر الذي تنال به هذه الرحمة طريق الامتنان الإلهي الذي لا يقترن به عمل وهو قوله «ورحمتي وسعت كل شيء» ومنه قيل «ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر»، ومنها قوله «اعمل ما شئت فقد غفرت لك» فاعلم ذلك. "20"
………………………………...
ولا نخترع له اسما من عندنا . 
وقال لنا « فادعوه بها » فإذا دعوته باسم منها تجلی مجيبا لك في عيں ذلك الاسم . وإن الاسم الله وإن كان جامعا للنقبتیں . فهو وإن ظهر في اللفظ فليس المقصود إلا اسما خاصا منه . تطلبه قرينة الحال . 
فإذا قال مطالب الرزق المحتاج إليه با الله ارزقني ، والله هو المانع أيضا ، فما يطاب بحاله إلا الاسم الرزاق . 
فما قال بالمعنى الا يا رزاق ارزقني ، 
فمن أراد الإجابة من الله فلا يسأله إلا بالاسم الخاص بذلك الأمر . 
ولا يسأل باسم يتضمن ما يريده وغيره . 
ولا يسأل بالاسم من حيث دلالته على ذات المسمي ، ولكن يسأل من حيث المعنى الذي هو عليه الذي لأجله جاء وتمیز به عن غيره من الأسماء تميز معنى لا تميز لفظ . 
الفتوحات ج 2 / 462 - ج 3 / 498 - ج 4 / 171 ، 199


19 - قول أبي القاسم ابن قسي
راجع كل اسم إلهي يتسمى بجميع الأسماء - فص 4، هامش 10، ص 81

""  10 - كل اسم إلهي يتسمى بجميع الأسماء وينعت بها فص 4، هامش 10، ص 81
سبب ذلك التوحيد العين ، وعدم التشبيه بالكون ، وهذا مشهد عزيز لا يناله إلا الأعز من عباده ، المتوحدين به الذين لانظر لأنفسهم إلا بعينه , والمغيب كونهم في كونه .
"يشير إلى الحديث :  فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها فإن سألني عبدي، أعطيته، وإن استعاذني، أعذته "
 الموحد له لا لهم ، فلا يطلب بالعقول مالا يصح اليه الوصول فكل اسم إلهي يتضمن جميع الأسماء كلها .
ولتعلم وفقك الله أن كل اسم ينعت بجميع الأسماء في أفقه ، فكل اسم فهو حي قادر سميع بصير متكلم في أفقه وفي علمه ، وإلا فكيف يصح أن يكون ربا لعابده ؟
فكل اسم جامع لما جمعت الأسماء من الحقائق .
الفتوحات ج1/ 101 , ذخائر الأعلاق

راجع   "لكل عبد اسم هو ربه"   فص 7 هامش 2 ص 105

""  2 - لكل عبد اسم هو ربه   فص 7 هامش 2 ص 105
لولا العصر والمعاصر ، و الجاهل والخابر ، ما عرف أحد معنى اسمه الأول والآخر ، ولا الباطن والظاهر ، وإن كانت أسماؤه الحسنى ، على هذا الطريق الأسنى ،
ولكن بينها تباين في المنازل ، يتبين ذلك عندما تتخذ وسائل لحلول النوازل ، فليس عبد الحليم هو عبد الكريم ، وليس عبد الغفور هو عبد الشکور ، فكل عبد له اسم هو ربه ، وهو جسم ذلك الاسم قلبه .
ويقول رضي الله عنه :
فقد أنشأ سبحانه الحقائق على عدد أسماء حقه ، وأظهر ملائكة التسخير على عدد خلقه ، فجعل لكل حقيقة اسما من أسمائه تعبده وتعلمه ، وجعل لكل سر حقيقة ملكا يخدمه ويلزمه .
فمن الحقائق من حجبته رؤية نفسه عن اسمه، فخرج عن تكليفه وحكمه ، فكان له من الجاحدين ، ومنهم من ثبت الله أقدامه واتخذ اسمه أمامه ، وحقق بينه وبينه العلامة وجعله إمامه ، فكان له من الساجدین .
اعلم علمك الله سرائر الحكم ووهبك من جوامع الكلم ، أن الأسماء الحسنى التي تبلغ فوق أسماء الإحصاء عددا ، وتنزل دون أسماء الإحصاء سعادة ، هي المؤثرة في هذه العالم ، وهي المفاتح الأولى التي لا يعلمها إلا هو ، وأن لكل حقيقة اسما ما يخصها من الأسماء ، وأعني بالحقيقة حقيقة تجمع جنسا من الحقائق ، رب تلك الحقيقة ذلك الاسم .

وتلك الحقيقة عابدته و تحت تكليفه ليس غير ذلك - وإن جمع لك شيء ما أشياء كثيرة فليس الأمر على ما توهمته ، فإنك إن نظرت إلى ذلك الشيء وجدت له من الوجوه ما يقابل به تلك الأسماء التي تدل عليها وهي الحقائق التي ذكرناها .
مثال ذلك ، ما ثبت لك في العلم الذي في ظاهر العقول وتحت حكمها في حق موجود ما فرد لا ينقسم ، مثل الجوهر الفرد الجزء الذي لا ينقسم ، فإن فيه حقائق متعددة تطلب أسماء إلهية على عددها ، فحقيقة إيجاده يطلب الاسم القادر ووجه أحكامه يطلب الاسم العالم .
ووجه اختصاصه يطلب الاسم المريد ، ووجه ظهوره يطلب الاسم البصير والرائي إلى غير ذلك ، فهذا وإن كان فردا فله هذه الوجوه وغيرها مما لم نذكرها.

ولكل وجه وجوه متعددة تطلب من الأسماء بحسبها ، وتلك الوجوه هي الحقائق عندنا الثواني والوقوف عليها عسير وتحصيلها من طريق الكشف أعسر - واعلم وفقك الله أن كل اسم إلهي يتضمن جميع الأسماء كلها وأن كل اسم ينعت بجميع الأسماء في أفقه .
فكل اسم حي قادر سميع بصير متكلم في أفقه وفي علمه ، وإلا فكيف يصح أن يكون ربا لعابده ، هيهات هيهات.

فكل اسم جامع لما جمعت الأسماء من الحقائق ، ولكل عين من أعيان الممكنات اسم إلهي خاص ينظر إليه ، وهو يعطيه وجهه الخاص الذي يمتاز به عن غيره ، والممكنات غير متناهية فالأسماء غير متناهية ، لأنها تحدث النسب بحدوث الممكن ، ولذلك فالحضرات الإلهية تكاد لا تنحصر لأنها نسب ، ومعنی توجه اسم معين على إيجاد موجود معين هو كون ذلك الاسم هو الأغلب عليه وحكمه أمضى فيه ، مع أنه ما من ممكن يوجد إلا و للأسماء المتعلقة بالأكوان فيه أثر .
ولكن بعضها أقوى من بعض في ذلك الممكن المعين وأكثر حكما ، فلهذا ننسبه إليه ، فالحضرة الإلهية اسم لذات وصفات وأفعال ، وإن شئت قلت صفة فعل وصفة تنزيه ، وهذه الأفعال تكون عن الصفات والأفعال أسماء لا بد ، فالحضرات الإلهية كني عنها بالأسماء الحسنى ، وكل حضرة لها عبد کما لها اسم إلهي ، وكل متخلق باسم من الأسماء يسمى عبد كذا ، مثل عبد الرحمن ، وعبد الملك ، وعبد القدوس 
الفتوحات  ج 1 / 2 ،4 ، 99 ج 2 / 468 ج 4 / 196 ، 204 ، 208 ، 288 ، 318 . أهـ ""

 لابد من اسم إلهي حاكم في الوقت - فتوحات ج 1 / 683 

20 - الرحمات الثلاث 
راجع فص 16 - هامش 3 - ص 254

"" 3 - الرحمات الإلهية الثلاث فص 16 - هامش 3 - ص 254

جعل الله في أم الكتاب أربع رحمات فضمن الآية الأولى من أم الكتاب وهي البسملة رحمتين وهي قوله « الرحمن الرحيم » وضمن الآية الثالثة منها أيضا رحمتين وهما قوله « الرحمن الرحيم » فهو رحمن بالرحمتين وهي رحمة الامتنان ، وهو رحيم بالرحمة الخاصة وهي الواجبة في قوله « فسأكتبها للذين يتقون » الآيات ، وقوله « كتب ربكم على نفسه الرحمة » وأما رحمة الامتنان فهي التي تنال من غير استحقاق بعمل ، وبرحمة الامتنان رحم الله من وفقه للعمل الصالح الذي أوجب له الرحمة الواجبة ، فيها (أي رحمة الامتنان ) ينال العاصي وأهل النار إزالة العذاب وإن كان مسكنهم ودارهم جهنم ، وهذه رحمة الامتنان ،فالرحمن في الدنيا والآخرة والرحيم اختصاص الرحمة بالآخرة.

واعلم أن الرحمة الإلهية التي أوجده الله في عباده ليتراحموا بها مخلوقة من الرحمة الذاتية التي أوجد الله بها العالم حين أحب أن يعرف وبها كتب على نفسه الرحمة ، والرحمة المكتوبة منفعلة عن الرحمة الذاتية ، والرحمة الامتنانية هي التي وسعت كل شيء ، فرحمة الشيء لنفسه تمدها الرحمة الذاتية وتنظر إليها ، وفيها يقع الشهود من كل رحيم بنفسه ، والرحمة التي كتبها على نفسه لا مشهد لها في الرحمة الذاتية ولا الامتنانية ، فإنها مكتوبة لأناس مخصوصين بصفات مخصوصة ، وأما رحمة الراحم بمن أساء إليه وما يقتضيه شمول الإنعام الإلهي والاتساع الجودي فلا مشهد لها إلا رحمة الامتنان ، وهي الرحمة التي يترجاها إبليس فمن دونه ، لا مشهد لهؤلاء في الرحمة المكتوبة ولا في الرحمة الذاتية ، وما رأيت أحدا من أهل

الله نبه على تثليث الرحمة بهذا التقسيم ، فإنه تقسيم غريب كما هو في نفس الأمر ، فما علمناه إلا من الكشف ، وما أدري لماذا ترك التعبير عنه أصحابنا، مع ظني بأن الله قد کشف لهم عن هذا. 

وأما النبوات فقد علمت أنهم وقفوا على ذلك وقوف عين ، ومن نور مشكاتهم عرفناه
الله أرحم الراحمين كما قال عن نفسه ، وقد وجدنا في نفوسنا ومن جبلهم الله على الرحمة أنهم يرحمون جمیع عباد الله ، حتى لو حكمهم الله في خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم بما تسكن حكم الرحمة من قلوبهم ، وصاحب هذه الصفة ، أنا وأمثالي ، ونحن مخلوقون أصحاب أهواء وأغراض ، وقد قال عن نفسه جل علاه إنه أرحم الراحمين، فلا نشك أنه أرحم منا بخلقه، و نحن قد عرفنا من نفوسنا هذه المبالغة في الرحمة،
فكيف يتسرمد عليهم العذاب وهو بهذه الصفة من الرحمة ، إن الله أكرم من ذلك ، 
ولاسيما وقد قام الدليل العقلي على أن الباري لا تنفعه الطاعات ولا تضره المخالفات ، وأن كل شيء جار بقضائه وقدره وحكمه ، وأن الخلق مجبورون في اختيارهم، وقد قام الدليل السمعي أن الله يقول في الصحيح إنه ما ينقص من ملكه شيء .

أخبرني الوارد- والشاهد يشهد له بصدقه مني - بعد أن جعلني في ذلك على بينة من ربي بشهودي إياه لما ألقاه من الوجود في قلبي ، أن اختصاص البسملة في أول كل سورة تتويج الرحمة الإلهية في منشور تلك السورة أنها تنال كل مذکور فيها ، فإنها علامة الله على كل سورة أنها منه ، كعلامة السلطان على مناشيره ، فقلت للوارد فسورة التوبة عندكم ؟ 

قال : هي والأنفال سورة واحدة قسمها الحق على فصلين ، فإن فصلها وحكم بفصلها سماها سورة التوبة أي سورة الرجعة الإلهية بالرحمة على من غضب عليه من العباد، فما هو غضب أبد لكنه غضب أمد ، 
والله هو التواب : فما قرن بالتواب إلا الرحيم ليؤول المغضوب عليه إلى الرحمة ، أو الحكيم الضرب المدة في الغضب وحكمها فيه إلى أجل ، فيرجع عليه بعد انقضاء المدة بالرحمة ، فانظر إلى الاسم الذي نعت به التواب تجد حكمه كما ذكرناه.
والقرآن جامع لذكر من رضي عنه وغضب عليه ، وتتويج منازله بالرحمن الرحيم ، والحكم للتتويج ، فإنه به يقع القبول ، وبه يعلم أنه من عند الله ، هذا إخبار الوارد لنا ونحن نشهد ونسمع ونعقل ، لله الحمد والمنة على ذلك ، و والله ما قلت ولا حكمت إلا عن نفث في روع من روح الهي قدسي ، علمه الباطن حين احتجب عن الظاهر ، للفرق بين الولاية والرسالة . 
الفتوحات ج 3 / 25 ، 100 ، 101 ، 496 ، 505 ، 550 . أهـ ""
 

ص 325

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأربعاء فبراير 19, 2020 11:19 pm

22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص الإلياسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية                      الجزء الأول
إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية.
وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس  "2" قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة،
………………………………….
1 - المناسبة
يقول الشيخ رضي الله عنه : « اعلموا أن الله تعالى لما خلق القوة المسماة عقلا جعلها في النفس الناطقة ليقابل بها الشهوة الطبيعية إذا حكمت على النفس أن تصرفها في غير المصرف الذي عين لها الشارع ، وأودع الله في قوة العقل القبول لما يعطيه الحق ولما تعطيه القوة المفكرة ، فخلق الله تعالى العقل في الإنسان لدفع سلطان الشهوة  والهوى . 
وفطر الله تعالى الإنس والجن على العقل لا لاکتساب علم ، ولكن جعله الله آلة للإنس والجن ليردعوا به القهوة في هذه الدار خاصة لا في الدار الآخرة . 
ولولا ما حصر الشرع في الدنيا تصرف الشهوة ، ما كان للعقل جلوة » ، فناسب العقل إلياس عليه السلام الذي يقول عنه في أول هذا الفص إنه كان عقلا بلا شهوة . 
ولما كان هذا الفص يتكلم في العقائد وعن التنزيه والتشبيه وظه العقل من ذلك وقد قال إلياس عليه السلام لقومه « أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين » فخاطبهم بالدليل العقلي الذي هو تأنيس للعقل لأنه بين النظر والقبول ، فإن العام الصحيح هو ما كان عن كشف محقق ، لذلك سيت حكمة إيناسية .

2 - إدريس وإلياس عليهما السلام *
ذكر البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق قال : ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس ، ولم يرفع ذلك لا إلى النبي مع ولا إلى كل من ابن مسعود أو ابن عباس ، ومعلوم لدى أهل العلم ضعف قيل ويذكر ، وذكر الشيخ
 
ص 326

وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية.

……………………………………...
ابن العربي في كتابه مسامرة الأخيار نسبين مختلفين لكل من إدريس وإلياس عليهما السلام ثم قال وقيل إن إلياس هو إدريس . 
إشارة لما ذكره البخاري في صحيحه . 
أما تحقيق هذه المسألة فنراه مذكورة فيما كتبه الشيخ بخط يده حين يقول في الفتوحات المكية ما يلي : 

الفتوحات ج 2 / 5 - أبقى الله تعالی بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرسل الأحياء بأجسادهم في هذه الدار الدنيا ثلاثة وهم : 
إدريس بقي حيا بجسده وأسكنه الله السماء الرابعة . 

وأبقى في الأرض أيضا إلياس وعیسی ( من حيث أن عيسى عليه السلام سينزل إلى الأرض في آخر الزمان ) وكلاهما من المرسلين ، وهما قائمان بالدين الحنيف الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهؤلاء ثلاثة من الرسل المجمع عليهم أنهم رسل . وأما الخصر وهو الرابع فهو من المختلف فيه عند غيرنا لا عندنا . 

فهؤلاء باقون بأجسامهم في الدار الدنيا ، فكلهم الأوتاد . واثنان منهم الإمامان . وواحد منهم القطب الذي هو موضع نظر الحق من العالم . 
والواحد من هؤلاء الأربعة الذين هم : عيسى وإلياس وإدريس وخضر هو القطب . واثنان منهم هما الإمامان أربعتهم هم الأوتاد . 
والمطب میں هؤلاء لا يموت أبدا أي لا يصعق .

الفتوحات ج 1 / 254 - من حصل علوم الوهب مما ليس بسرع جماعة من الأولياء منهم الخضر على التعيين فإنه قال : من لدنه . 
والذي عرفناه من الأنبياء عليهم السلام آدم وإلياس و زکریا و یحیی و عیسی و ادریس وإسماعيل ، وإن كان قد حصله جميع الأنبياء عليهم السلام ، ولكن ما ذكرنا منهم إلا من حصل لنا التعريف به وأسسوا لنا من الوجه الذي نأخذ عن الله تعالى منه . 
فلهذا سمينا هؤلاء ولم نذكر غيرهم .

الفتوحات ج 3 / 39 - أما اليوم فإلياس والخضر ( الموجودان الآن في الأرض حتى نزول عيسى عليه السلام) على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، إما بحكم الوفاق أو بحكم الاتباع . 
وعلى كل حال فلا يكون لهما ذلك إلا على طريق التعريف لا على طريق النبوة .

الفتوحات ج 3 / 514  - الخضر وإلياس و عیسی ( بعد نزوله ) من أمة محمد صلى الله عليه وسلم  الظاهرة .


ص 327

فكان الحق فيه منزها، فكان على النصف من المعرفة بالله، "3"
فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته بالله على التنزيه لا على التشبيه.
وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله، فنزه في موضع و شبه في موضع، ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية.
وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها.
وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة

……………………………….
الفتوحات ج 3 / 230 - يتميز على سائر الأنبياء من أدرك شريعة محمد صلى الله عليه وسلم  الظاهرة ، كعیسی ( عند نزوله ) وإلياس ( الموجود الآن على قيد الحياة على الأرض) فهذان قد كسل لهم المقام المحمدي . 

الفتوحات ج 3 / 50 - إدريس عليه السلام كان نبيا .  ولم يجيء له نص في القرآن برسالته .  بل قيل فيه صديقا نبيا ، فكان عليه السلام من الأنبياء الذين بعثوا قبل نوح عليه السلام الذي هو أول رسول أرسل .

الفتوحات ج 2 / 445 - اعلم أن الاسم النور توجه على إيجاد السماء الرابعة وهي قلب العالم وقلب السموات . 
فأظهر عينها يوم الأحد، وأسكن فيها فطب الأرواح الإنسانية وهو إدريس عليه السلام ، وسمي الله هذه السماء مكانا عليا ، لكونه قلبا ، فإن الدي فوقها أعلى منها ، فأراد علو مكانة المكان ، فلهذا المكان من المكانة رتبة العلو .
 

الفتوحات ج 2 / 455 - ( السماء الرابعة ) وأسكنها ادریس عليه السلام وهو القطب الذي لم يمت إلى الآن. والأقطاب فينا نوابه.
هذا هو الثابت عن النسخ بخط يده ، فلا داعي للتعني بشرح ما هو مخالف له ما لم يثبت صحة نسبة إليه ، كما جاء في هذا النص من هذا الكتاب - راجع مقدمة الكتاب ص 12.

3 - ملاحظة *
هذا يخالف تماما القواعد التي أرساها الشيخ في التحدث عن علوم الأنبياء وأذواقهم ، وهو الذي يقول إن نهايات الأولياء بدايات الأنبياء . 
راجع ما جاء في خاتم الأولياء فص 2


ص 328


من عند الله،  "4"  و حكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها.
ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول، لأن العاقل ولو بلغ في عقله ما بلغ لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل.
فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، 
"5"
و به جاءت الشرائع المنزلة فشبهت و نزهت، شبهت في التنزيه بالوهم، و نزهت في التشبيه بالعقل. "6"
فارتبط الكل بالكل، فلم يتمكن
……………………………………..
4 - راجع الظاهر في المظاهر
- راجع وحدة الوجود       فص 2، هامش 6 ، ص 45 ، فص 5 ، هامش 6، ص 84

"" 6 - وحدة الوجود - المرايا   فص 2، هامش 6، ص 45 
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :
وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والمعلوم الآخر العام المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا وهو المحال ،
والعلوم الثالث هو البرزخ الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممكن ، وسبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته .
 وذلك أن العدم المطلق قام للوجود المطلق كالمرآة فرأي الوجود فيه صورته فكانت تلك الصورة عين الممكن ، فلهذا كان للممكن عين ثابتة وشيئية في حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .
ولهذا أيضا اتصف بعدم التناهي فقيل فيه إنه لا يتناهی ، وكان أيضا الوجود المطلق كالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق في مرآة الحق نفسه .
فكانت صورته التي رأي في هذه المرأة هو عين العدم الذي اتصف به هذا الممكن ، وهو موصوف بأنه لا يتناهی كما أن العدم
المطلق لا يتناهی ، فاتصف الممکن بأنه معدوم ، فهو كالصورة الظاهرة بين الرائي والمرأة ، لا هي عين الرائي ولا غيره
وقد علمنا أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا ، كما تحدث صورة المرئي في المرآة ، ينظر الناظر فيها، فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها، ولا يدري ما يحدث فيها .
ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة .
ونظرك فيها مثل قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » وهو قصدك النظر « أن نقول له کن » وهو بمنزلة النظر « فیکون » وهو بمنزلة الصورة التي تدركها عند نظرك في المرآة ،.
ثم إن تلك الصورة ما هي عينك الحكم صفة المرآة فيها من الكبر والصغر والطول والعرض ، ولا حكم لصورة المرآة فيك فما هي عينك ولا عين ما ظهر ممن ليس أنت من الموجودات الموازية لنظرك في المرآة ، ولا تلك الصورة غيرك ، لما لك فيها من الحكم .

فإنك لا تشك أنك رأيت وجهك ، ورأيت كل ما في وجهك ظهر لك بنظرك في المرآة من حيث عين ذلك لا من حيث ما طرأ عليه من صفة المرآة ، فما هو المرئي غيرك ولا عينك ، كذلك الأمر في وجود العالم الحق .
أي شيء جعلت مرآة أعني حضرة الأعيان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تكون الأعيان الثابتة الله مظاهر ، فهو حكم المرآة في صورة الرائي ، فهو عينه وهو الموصوف بحكم المرآة ، فهو الظاهر في المظاهر بصورة المظاهر.
أو يكون الوجود الحق هو عين المرآة ، فترى الأعيان الثابتة من وجود الحق ما يقابلها منه ، فترى صورتها في تلك المرآة و يترائي بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حيث ما هي المرآة عليه ، وإنما ترى ما ترى من حيث ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان .
وكما لا يشك الناظر وجهه في المرآة أن وجهه رأي ، وبما للمرآة في ذلك من الحكم يعلم أن وجهه ما رأى .

فهكذا الأمر فانسب بعد ذلك ما شئت كيف شئت ، فإن الوجود للعين الممكنة كالصورة التي في المرآة ، ما هي عين الرائي ولا غير الرائي ، ولكن المحل المرئي فيه به و بالناظر المتجلي فيه ظهرت هذه الصورة ، فهي مرآة من حيث ذاتها والناظر ناظر من حيث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها .
کالمرأة إذا كانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه .

علمنا أن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة ، ولما لم يتأثر ولم تكن تلك الصورة هي عين المرأة ولا عين الناظر ، وإنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة ، علمنا الفرق بين الناظر وبين المراة وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها ، ولهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .
وإذا كانت في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى ، تعرفه إني وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أين اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن كلف .
وعلمت من أنت ومن ربك وأين منزلتك ، وأنك المفتقر إليه سبحانه وهو الغني عنك بذاته.
فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، وليس في الوجود إلا هو ، ولا يستفاد الوجود إلا منه، ولا يظهر الموجود عين إلا بتجليه.

فالمرأة حضرة الإمكان والحق الناظر فيها والصورة أنت بحسب إمكانيتك ، فإما ملك وإما فلك وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال .
كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان والتجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود والمرآة تكسبها الأشكال ، فيظهر الملك و الجوهر والجسم والعرض ، والإمكان هو هو لا يخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح ، فقل في العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفة وعلما .
راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.


"" أضاف الجامع :
يقول الدكتور أبو العلا عفيفي:
" وحدة الوجود التي يقول بها ابن العربي الطائي الحاتمي ليست وحدة وجود مادية تنكر الألوهية ولوازمها أو تنكر القيم الروحية ،
بل العكس هو الصحيح : أي أنها وحدة وجود تنكر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقيقي إلا لله - الحق 

أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له في ذاته ".

تقول د. سعاد الحكيم في وحدة الوجود عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربي ، إذ أنها من ناحية لم ترد عنده مطلقا ،
ومن ناحية ثانية هي تشكل تيارا فكريا له جذوره البعيدة في تأريخ النظريات الفلسفية ،
ولكننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظريات شيخنا الأكبر بالنظر لأهميتها عنده ، إذ فيها تتبلور مصطلحاته وتتكشف ، ويتجلى وجه ابن العربي الطائي الحاتمي الحقيقي ، فنلمس فيه الفكر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".

إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسوا ابن العربي الطائي الحاتمي ،
أو بالأحرى صنفوه في زمرة لقائلين بها . إذ أن الباحث لا يلتقط فكر مفكر إلا بتحليله إلى عناصره البسيطة ، وإعادة تركيبه تركيبا يتلاءم وينضبط مع التيارات الفكرية المعروفة . وبالتالي استدل الملتمس وجه ابن العربي الطائي الحاتمي من جمل أمثال :
الوجود كله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما في الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة الماديين بتغليب الجانب الإلهي فيها .
ولكن ما حقيقة موقف ابن العربي الطائي الحاتمي من الوحدة الوجودية ؟
وما نسبة التفكير النظري إلى الشهود الصوفي فيها ؟

وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟
كثيرا ما يتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربي الطائي الحاتمي متسائلا :
أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟
ثم لا يلبث ان يقرر انها وحدة وجود ، من حيث أنها لم تبرز في صيحة وجد ، بل كانت نتيجة باردة لتفكير نظري .
ويعود تردد الباحث بين الوحدتين إلى أنهما يتطابقان في النتيجة ، فكلتاهما ترى :
إن الوجود الحقيقي واحد وهو الله .
ولكن صاحب وحدة الشهود يقولها في غمرة الحال ، على حين يدافع عنها ابن العربي الطائي الحاتمي في صحو العلماء وبرود النظريين .
والحقيقة أن وحدة ابن العربي الطائي الحاتمي تختلف عن وحدة شهود غيره بسبب جوهري ، وهو أن الشيخ الاكبر لم يقطفها ثمرة فيض فناء في الحق ، فناء افناه عن رؤية كل ما سوى الحق .
ولم يقل بعدم كل ما سواه ، إن ابن العربي  يرى الكثرة ، وشهوده يعطيه الكثرة ، وبصره يقع على الكثرة . إذن الكثرة عنده موجودة .
وهنا نستطيع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقيض من وحدة الشهود ، تعطي : كثرة شهودية . فالنظر يقع على كثرة عنده . وهذا ما لا يمكن أن ينطبق على وحدة الشهود .
ولكن ابن العربي الطائي الحاتمي لا يقف مع الكثرة الشهودية أو بتعبير أدق المشهودة ، بل يجعلها ( كثرة معقولة ) لا وجود حقيقي لها .
وهي - إذا امكن التعبير بلغتنا - خداع بصر . وبلغة ابن العربي الطائي الحاتمي : خيال . ""

"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر  فص 5 هامش 6، ص 84
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .

فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .

فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ،
فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606 . أهـ  ""

5 - الوهم
إن للوهم حكما في الإنسان كما للعقل حکما فيه ، فمن القوى التي خلقها الله في هذا الخليفة بل في الإنسان الكامل والحيوان وهو مطلق الإنسان قوة تسمى الوهم وقوة تسمى العقل وقوة تسمى الفكر ، وميز الحضرات الثلاث لهذا الخليفة ، وجعل فيه قوة مصورة تحت حكم العقل والوهم ، يتصرف فيها العقل بالأمر ، كذلك الوهم يتصرف فيها بالأمر ، وقوى في هذه النشأة سلطان الوهم على العقل ، والوهم سريع الزوال لإطلاقه بخلاف العقل ، فإنه مقيد محبوس بما استفاده ، فأثر الأوهام في النفوس البشرية أظهر وأقوى من أثر العقول إلا من شاء الله تعالى ، فالغالب على الخلق حكم الأوهام لسلطنة الوهم على العقل ۰
"العقل مشتق من العقال وهو القيد"
الفتوحات ج 1 / 415 - ج 3 / 364 - ج 4 / 409 


6 - التشبيه والتنزيه
لما أخذ الرسول يصف للناس مرسله الحق تعالی ليعرفهم به المعرفة التي ليست عندهم ، مما كانوا أحالوا مثل ذلك على الحق تعالی وسلبه عنه أهل الأدلة النظرية ، وأثبتوا تلك الصفات للمحدثات دلالة على حدوثها ، فلما سمعوا ما تنكره الأدلة العقلية النظرية وترده ، افترقوا عند ذلك على فرق ، فمنهم من ارتد على عقبه وشك في دليله الذي دله على صدقه وأقام له في ذلك الدليل شبهات قادحة فيه صرفته


ص 329

أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه: قال تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه و شبه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وهي أعظم آية تنزيه نزلت،  و مع

…………………………………...
عن الإيمان والعلم به فارتد على عقبه ، ومنهم من قال إن في جمعنا هذا من ليس عنده سوی نور الإيمان ولا يدري ما العلم ولا من طريقه ، وهذا الرسول لا نشك في صدقه وفي حكمته ، ومن الحكمة مراعاة الأضعف ، فخاطب هذا الرسول بهذه الصفات التي نسبها إلى ربه أنه عليها هذا الضعيف الذي لا تنظر له في الأدلة .
 وليس عنده سوی نور الإيمان رحمة به ، لأنه لا يثبت له الإيمان إلا بمثل هذا الوصف . 
وللحق أن يصف نفسه بما شاء على قدر عقل القابل ، وإن كان في نفسه على خلاف ذلك ، واتكل هذا المخبر بهذا الوصف والمراعي حق هذا الأضعف على ما يعرفه من علمنا به وتحققنا من صدقنا فيه ووقوفنا مع دليلنا، فلا يقدح شيء من هذا فيما عندنا ، إذ قد عرفنا مقصود هذا الرسول بالأمر، فثبتوا على إيمانهم مع كونهم أحالوا ما وصف الرسول به ربه في أنفسهم ، وأقروه حكمة واستجلابا للأضعف ، وفرقة أخرى من الحاضرين قالوا هذا الوصف يخالف الأدلة ، ونحن على يقين من صدق هذا المخبر . 
وغايتنا في معرفتنا بالله سلب ما نسبناه لحدوثها ، فهذا أعلم بالله منا في هذه النسبة . فنؤمن بها تصديقا له، ونكل علم ذلك إليه وإلى الله، فإن الإيمان بهذا اللفظ ما يضرنا. 

ونسبة هذا الوصف إليه تعالی مجهولة عندنا ، لأن ذاته مجهولة من طريق الصفات الثبوتية ، والسلب فما يعول عليه ، والجهل بالله هو الأصل ، فالجهل بنسبة ما وصف الحق نفسه به في كتابه أعظم ، فلنسلم ولنؤمن على علمه بما قاله في نفسه ، وفرقة أخرى من الحاضرين قالوا لا نشك في دلالتنا على صدق هذا الخبر .
وقد أتانا في نعت الله الذي أرسله إلينا بأمور إن وقفنا عند ظاهرها وحملناها عليه تعالی کما تحملها على نفوسنا أدى إلى حدوثه وزال كونه إلها ، وقد ثبت ، فننظر هل لها مصرف في اللسان الذي جاء به ، فإن الرسول ما أرسل إلا بلسان قومه .
 فنظروا أبوابا مما يؤول إليها ذلك الوصف مما يقتضي التنزيه وينفي التشبيه ، فحملوا تلك الألفاظ على ذلك التأويل ، فإذا قيل لهم في ذلك أي شيء دعاكم إلى ذلك ؟ قالوا
 
 ص 330

ذلك لم تخل عن التشبيه بالكاف. "7"
فهو أعلم العلماء بنفسه، وما عبر عن نفسه
………………………………………………...
أمران ، القدح في الأدلة ، فإنا بالأدلة العقلية أثبتنا صدق دعواه ولا نقبل ما يقدح في الأدلة العقلية فإن ذلك القدح في الأدلة على صدقه ، والأمر الآخر قد قال لنا هذا الصادق إن الله الذي أرسله ليس كمثله شيء ، و وافق الأدلة العقلية ، فتقوى صدقه عندنا بمثل هذا ، فإن قلنا ما قاله في الله على الوجه الذي يعطيه ظاهر اللفظ وتحمله عليه كما تحمله على المحدثات ضللنا ، فأخذنا في التأويل إثباتا للطريقين، وفرقة أخرى وهي أضعف الفرق لم يتعدوا حضرة الخيال ، وما عندهم علم بتجريد المعاني ولا بغوامض الأسرار ولا علموا معنى قوله « ليس كمثله شيء » ولا قوله « وما قدروا الله حق قدره » وهم واقفون في جميع أمورهم مع الخيال ، وفي قلوبهم نور الإيمان والتصديق ، وعندهم جهل باللسان ، فحملوا الأمر على ظاهره ، ولم يردوا علمه إلى الله فيه ، فاعتقدوا نسبة ذلك النعت إلى الله مثل نسبته إلى نفوسهم ، وما بعد هذه الطائفة طائفة في الضعف أكثر منها ، فإنهم على نصف الإيمان حيث قبلوا نعت التشبيه ولم يعقلوا نعوت التنزيه من ليس كمثله شيء ، والفرقة الناجية من هؤلاء الفرق المصيبة للحق ، هي التي آمنت بما جاء من عند الله على مراد الله وعلمه في ذلك مع نفي التشبيه بليس كمثله شيء .
فتوخات ج 2 / 306 - للاستزادة راجع كتابنا الفقه عند الشيخ الأكبر ص 114 - المشبهة والمجسمة ص 122 - مراتب الناس ص 135

7- «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) .. الآية
اعلم أنه لما اختلفت الأمزجة كان في العالم العالم والأعلم ، والفاضل والأفضل ، فمنهم من عرف الله مطلقا من غير تقييد ، ومنهم من لا يقدر على تحصيل العلم بالله حتى يقيده بالصفات التي لا توهم الحدوث وتقتضي كمال الموصوف ، ومنهم من لا يقدر على العلم بالله حتى يقيده بصفات الحدوث ، فيدخله تحت حكم ظرفية الزمان وظرفية المكان والحد والمقدار ، ولما كان الأمر في العلم بالله في العالم في أصل خلقه ، وعلى هذا المزاج الطبيعي أنزل الله الشرائع على هذه المراتب ، حتى يعم


ص 331


إلا بما ذكرناه.
ثم قال «سبحان ربك رب العزة عما يصفون» وما يصفونه إلا

…………………………………….
الفضل الإلهي جميع الخلق كله ، فأنزل « ليس كمثله شيء » وهو لأهل العلم بالله مطلقا من غير تقيد ، وأنزل قوله تعالى « أحاط بكل شيء علما » « وهو على كل شيء قدير » « فعال لما يريد » " وهو السميع البصير " « الله لا إله إلا هو الحي القيوم » « فأجره حتى يسمع كلام الله » « وهو بكل شيء عليم » وهذا كله في حق من قيده بصفات الكمال ، وأنزل تعالى من الشرائع « الرحمن على العرش استوى » « وهو معكم أينما كنتم » « وهو الله في السموات والأرض » « تجري بأعيننا » "ولو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا " وهذا في حق من قيده بصفات الحدوث ، فعمت الشرائع ما تطلبه أمزجة العالم ، ولا يخلو المعتقد من أحد هذه الأقسام ، والكامل المزاج هو الذي يعم جميع هذه الاعتقادات . ويعلم مصادرها ومواردها ، ولا يغيب عنه منها شيء ، فإن ذات الحق وإنيته مجهولة عند الكون . ولاسيما وقد أخبر جل جلاله عن نفسه بالنقيضين في الكتاب والسنة. فشبه في موضع ونزه في موضع بـ " ليس كمثله شيء " وشبه بقوله « وهو السميع البصير » فتفرقت خواطر التشبيه ، وتشتت خواطر التنزيه ، فإن المنزه على الحقيقة قد قيده وحصره في تنزيهه، وأخلى عنه التشبيه ، والمشبه أيضا قيده وحصره في التشبيه، وأخلى عنه التنزيه ، والحق في الجمع بالقول بحكم الطائفتين فلا ينزه تنزيها يخرج عن التشبيه ، ولا يشبه تشبيها يخرج عن التنزيه . فلا تطاق ولا تقيد، لتميزه عن التقييد ، ولو تمیز تقيد في إطلاقه ، ولو تقيد في إطلاقه لم يكن هو ، فهو المقيد بما قيد به نفسه من صفات الجلال ، وهو المطلق بما سي به نفسه من أسماء الكمال ، وهو الواحد الحق الجلي الخفي ، لا إله إلا هو العلي العظيم . يقول بعض علماء التوحيد إن الحق يعطي المناسبة من وجه ، ولا يعطي المناسبة من وجه ، ويقول جماعة من العلماء بنفي المناسبة جملة واحدة ، ومذهبنا أنا بحسب ما يلقي إلينا في حق نفسه ، فإن خاطبنا بالمناسبة قلنا بها حيث خاطبنا ، لا نتعدی ذلك الموضع ونقتصر عليه ، وإن خاطبنا برفع المناسبة رفعناها في ذلك الموطن الذي


ص 332


* * * * *
…………………………………...
رفعها فيه لا تتعداه ، فيكون الحكم له لا لنا ، هذا هو الذي نعتمد عليه ، فقوله « ليس كمثله شيء » على زيادة الكاف رفع للمناسبة الشيئية ، لأنه ما ثم موجود لا يغيب . 
له عين ، ولا يحصره این ، إلا الله ، وتمام الآية « وهو السميع البصير » إثبات للمناسبة ، والآية واحدة ، والكلمات مختلفة ، فلا نعدل عن هذه المحجة : فهي أقوى حجة ، وعلى ذلك نقول في هذه الآية « ليس كمثله شيء وهو السميع البصير » إنها أصل في النزيه لأهله ، وأصل في التشبيه لأهله ، ففي هذه الآية تفي التشبيه المفهوم منه على زيادة الكاف أو فرض المثل ، إذ كان لا يستحيل فرض المحال ، فإن بعض العلماء يرى أنه لو فرض له مثل لم يماثل ذلك المثل : 

فأحرى أن يماثل هو في نفسه ، فما حظ العقل من الشرع مما يستقل به دلیله إلا «لیس کمثله شيء » على زيادة الكاف لا على إثباتها صفة ، ومن وجه التشبيه فإن الكاف كاف الصفة ما هي زائدة كما يرى بعضهم ، وتدل عند بعضهم على نفي المثل عن المثل المحقق ، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم : « إن الله خلق آدم على صورته » في بعض وجوه محتملان ، فجعله متلائم نفي أن يماثل ذلك المثل فقال : « ليس كمثله شيء » أي ليس مثل مثله شيء ، فالكاف في « كمثله » على وجهين ، وقتا على زيادة الكاف ، ووقتا على كونها صفة لفرض المثل . 
وهو مذهبنا والحمد لله ، فارتفع بهذه الآية « ليس كمثله شيء » الأشكال والأمثال ، ولم يتقيد أمر الإله ولا انضبط، وجهل الأمر ، وتبين أنه لم يكن معلوما وقت الاعتقاد بأنه كان معلوما لنا ، ولم يحصل في العلم به أمر ثبوتي ، بل سلب محقق و نسبة معقولة . 

أعطتها الآثار الموجودة في الأعيان ، فلا كيف ولا أين ولا متى ولا وضع ولا إضافة ولا عرض ولا جوهر ولا كم وهو المقدار ، وما بقي من العشرة إلا انفعال محقق . وفاعل معين ، أو فعل ظاهر من فاعل مجهول ، يثرى أثره ولا نعرف خبره ولا يعلم عينه ولا يجهل كونه ، فالحق لا يضاهي لأنه ليس كمثله شيء ، أما صفات التشبيه فهي مضاهاة مشروعة ، فما أنت فاهيته ، فالعقل ينافي المضاهاة ، والشرع ثبت

ص  333


بما تعطيه عقولهم. فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حدوده بذلك التنزيه "8"
، وذلك
………………………………………..
وينفي ، والإيمان بما جاء به الشرع هو السعادة ، فلا يتعدى العاقل ما شرع الله له والعاقل من هجر عقله ، وتبع شرعه بعقله من كونه مؤمنا ، وأكمل العقول عقل ساوی إيمانه وهو عزیز.
الفتوحات ج 1 / 290 ، 351 - ج 2 / 174 ، 211 ، 219 ، 290 ، 291 ، 470 ، 661 ، 662 ، 692 - ج 3 / 534 - ج 4 / 411 


8 - «سبحان ربك رب العزة عما يصفون ».. الآية
« سبحان ربك رب العزة عما يصفون» هي حضرة لا تقبل التنزيه ولا التشبيه فيتنزه عن الحد بنفي التنزيه الذي كان يتخيله المنزه ، فإن التنزيه يحده ، ويشير إليه ويقيده ، ويتنزه عن المقدار بنفي التشبيه في « سبحان ربك رب العزة » أي هو الممتنع لنفسه أن يقبل ما وصفوه به في نظرهم وحكموا عليه بعقولهم ، وأن الحق لا يحكم عليه الخلق ، والعقل والعاقل خلق ، وإنما يعرف الحق من الحق بما أنزله إلينا وأطلعنا عليه کشفا وشهودا بوحي إلهي أو برسالة رسول ثبت صدقه وعصمته فيما يبلغه عن الله ،
فدخل تحت قوله تعالى في تنزيه نفسه « عما يصفون » ما يصفه به عباده مما تعطيهم أدلتهم في زعمهم بالنظر الفكري ، فالحق سبحانه لا يعرف في " ليس كمثله شيء" ، وفيما ذكره في سورة الإخلاص ، وفي عموم قوله بالتسبيح الذي هو التنزيه « رب العزة عما يصفون » والعزة تقتضي المنع أن يوصل إلى معرفته، وإن كان تعبدنا بما وصف به نفسه شرعا ، فنقرره في موضعه ، وتقوله كما أمرنا به على جهة القربة إليه ،

وما ظفر بالأمر إلا من جمع بين التنزيه و التشبيه ، فقال بالتنزيه من وجه عقلا و شرعا ، وقال بالتشبيه من وجه شرعا لا علا ، فقد قال تعالى « سبحان ربك رب العزة عما يصفون » فأوقف العالم في مقام الجهل والعجز والحيرة . 
لیعرف العارفون ما طلب منهم من العلم به ، وما لا يمكن أن يعلم ، فيتأدبون ولا يتجاوزون مقاديرهم ، كما قالت اليهود في الخبر النبوي المشهور ، من کون الحق يضع الأرض يوم القيامة على أصبع والسماوات على إصبع ۰۰۰ ( الحديث ) فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم 
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالأربعاء فبراير 19, 2020 11:21 pm

22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص الإلياسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية             الجزء الثاني

ص 334

لقصور العقول عن إدراك مثل هذا. "9"
ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام. فلم تخل عن صفة يظهر فيها.
كذا قالت، و بذا جاءت. فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل الله «الله أعلم حيث يجعل رسالته .
«فالله أعلم» موجه: له وجه بالخبرية إلى رسل الله، و له وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته .

و كلا الوجهين حقيقة فيه، "10"
ولذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه. "11"
وبعد أن تقرر هذا
………………………………...
« وما قدروا الله حق قدره » فصاحب علم النظر الواقف مع عقله المتحكم على الحق بدنیله هيهات أن يدرك الألوهية ، وأين الألوهية من الكون ، وأبن المحدث من حضرة العين ، كيف يدرك من له شبه من لا شبه له ، للعقل عقل مثله ، وليس للحق حق مثله ، محال وجود ذاتين وإلهين ، لا يشبه شيئا ولا يتقيد بشيء ولا يحكم عليه شيء ، بل ما يضاف إليه إلا بقدر ما تمس حاجة الممكن المقيد إليه ، فالعقل ما عرفه ، كيف يلتس بأمر هو خلقه عاجزا فقيرة مستمدة ؟! تعالى الله عن إدراك المدركين علوا كبيرا « سبحان ربك رب العزة عما يصفون » « ليس كمثله شيء وهو السميع البصير » فلا يطاب بالعقول ما لا يصح إليه الوصول . 
فتوحات ج 2 / 283 ، 580 - ج 3 / 536  - کتاب ذخائر الأعلاق .

9 - راجع حكم العقل هامش رقم (21)  بالفص الحالي

10 ۔ " وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى وتی مثل ما أوتي رسل الله ، الله أعلم حيث يجعل رسالته "۰

إذا قرأت « رسل الله الله » فإن انقطع نفسك على الجلالة الثانية كان ، وإلا فاقصد ذلك ثم ابتدئ " الله أعلم حيث يجعل رسالته "، قال تعالى في الذين يبايعون الرسول « إنما يبايعون الله » ، فأنزله منزلته . 
فتوحات ج 4 / 122 ، 405
هذا الذي جاء في الفتوحات هو أوضح وأدق تعبيرا عن المراد والمقصود بالاستشهاد بهذه الآية في هذا الوطن عن التعبير بقوله هنا « الله أعلم ». 

 11 - راجع هامش رقم 6


ص 335
 

فنرخي الستور و نسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق.
ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور، وأن المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها و لوازمها لا بد من ذلك:  "12"  مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم، ثم بعد ذلك يعبر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا.
فإن كان الذي يعبرها ذا كشف و إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط، بل يعطيها حقها في التنزيه و مما ظهرت فيه.
فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة. وروح هذه الحكمة و فصها أن الأمر

………………………………………………….
12 - التجلي في الصور
الخيال من جملة ما خلق الله ، وهو رحم يصور الله فيه ما يشاء . 
فظهر لنا سبحانه فيه بأسمائه وصفاته صورا ، فإن المواطن تحكم بنفسها في كل ما ظهر فيها . 
فمن مر على موطن انصبغ به ، والدليل الواضح في ذلك رؤيتك الله تعالى في النوم . وهو موطن الخيال ، فلا ترى الحق فيه إلا صورة جسدية ، كانت تلك الصورة ما کانت ، والحكم على الله أبدا بحسب الصورة التي يتجلى فيها ، فما يصح لتلك الصورة من الصفة التي تقبلها، فإن الحق يوصف بها ويصف بها نفسه ، وهذا في العموم إذا رأى الحق أحد في المنام في صورة ، أي صورة كانت . 

حمل عليه ما تستلزمه تلك الصورة التي رآه فيها من الصفات ، وهذا ما لا ينكره أحد في النوم ، ومن رجال الله من يدرك تلك الصورة في حال اليقظة ، ولكن هي في الحضرة الخيالية التي يراه فيها النائم لا غير، وهذه المرتبة يجتمع فيها الأنبياء والأولياء رضي الله عنهم ، فما ظهرت صورة في جوهر العالم لا ظهرت بجميع أحكامها سواء كانت الصورة محسوسة أو متخيلة ، فإن أحكامها تتبعها. 

كما قال الأعرابي لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف الحق جل جلاله بالضحك ، 
قال : لا نعدم خيرا من رب يضحك، إذ من شأن من يضحك أن يتوقع منه وجود الخير ، فكما أتبع الصورة الضحك أتبعها وجود الخير منها ، وهذا في الجناب الإلهي فكيف في جوهر العالم . 
فتوحات  ج 3 / 452 ، 507 ، 538 - ج 4 / 108 ، 200


ص 336


ينقسم إلى مؤثر و مؤثر فيه وهما عبارتان: فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة و هو الله.
والمؤثر فيه بكل وجه و على كل حال و في كل حضرة هو العالم فإذا ورد.
فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ، فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد .
فهذا أثر بين مؤثر و مؤثر فيه: و كما كان الحق سمع العبد وبصره و قواه عن هذه المحبة. فهذا أثر مقرر لا يقدر على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا.
وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه، وإن كان عين الداعي عين المجيب.
فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك. "13"
وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد: فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية، وأن يده ليست صورة رجله و لا رأسه
……………………………………………...
13 - المؤثر والمؤثر فيه
كل مؤثر فيه من العالم فمن الإجابة الإلهية ، وأما اسم الفاعل من ذلك فهو معلوم عند كل أحد، ومن علم أنه سبحانه علا في صفاته وعلی، وجل في ذاته وجلی۔ وأن حجاب العزة دون سبحانه مسدل ، وباب الوقوف على معرفة ذاته مقفل ، إن

خالب عبده فهو المسمع السميع ، وإن فعل ما أمر بفعله ، فهو المطاع المطيع : فهو سبحانه يطيع نفسه إذا شاء بخلقه . 
وينصف نفسه مما تعين عليه من واجب حقه . فليس إلا أشباح خالية ، على عروشها خاوية ، وفي ترجيع الصدى ، سر ما أشرنا إليه لمن اهتدى ، فهو فعل الحق في شرعك ، مع أصل وضعك ، ناداك في سرك . 
فأجابه الصدى من شرعك ، فاشكر شكر من نحقق أنه بالتكليف ظهر الاسم المعبود ، و بوجود حقيقة لا حول ولا قوة إلا بالله ظهرت حقيقة الجود، وحقيقة العبودية الوقوف عند أوامر السيد . 
وما مأمور إلا من يصح منه الفعل بما أمر به . والأفعال خلق الله .


ص 337


ولا عينه ولا حاجبه. فهو الكثير الواحد: الكثير بالصور ، الواحد بالعين.
وكالإنسان: واحد بالعين بلا شك. ولا نشك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا.
فهو و إن كان واحدا بالعين، فهو كثير بالصور والأشخاص .
وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف، ثم يتحول في صورة فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو المتجلي ليس غيره في كل صورة.
ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى: فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به.
وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره.
فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة، مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه: فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض، فلها أثر في المقادير، وذلك راجع إليها.
وإنما كانت هذه التغيرات منها لاختلاف مقادير المرائي: فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرايا، لا تنظر الجماعة، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا: فهو غني عن العالمين، ومن حيث الأسماء

……………………………………………..
فهو الآمر والمأمور ، فأين التصرف الحقيقي الذي به يسى العبد عبدا قائما بأوامر سیده ، أو منازعا له فيتصف بالإباق ، فبقى المسى عبدا على ظهور الاقتدار بجريان الفعل على ظاهره وباطنه ، إما بموافقة الأمر أو بمخالفته ، وإذا كان هذا الذي ذكرناه فلا عبودية تصريف ، فهو ( أعني العبد ) موجود بلا حكم ، وهذا مقام تحقيقه عند جميع علماء الذوق من أهل الله ، 

إلا طائفة من أصحابنا وغيرهم ممن ليسوا منا ، يرون خلاف ذلك ، وأن الممكن له فعل ، وأن الله قد فوض إلى عباده أن يفعلوا المسكنات من الأفعال ، فكلفهم فعلها ، فقال « أقيموا الصلاة » و « آتوا الزكاة » و « أتموا الحج والعمرة لله » و « جاهدوا في سبيل الله » وأمثال هذا ، فإذا أثبتوا أن للعبد فعلا فلا يصح ترك عبودية التصريف ،
وأما عبودية الإسكان فأجمعوا على كونها وأنه لا يتصور ترکها ، فإن ذلك ذاتي للسكن ، وبعض أصحابنا يلحظ في ترك العبودية ، کون الحق قوى العبد وجوارحه ، فإنه يغيب عن عبوديته في تلك الحال ، فهو ترك حال لا ترك حقيقة .


ص 338


الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرايا: فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر، فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم: فهكذا هو الأمر إن فهمت . "14"
فلا تجزع ولا تخف فإن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية، وليست الحية سوى نفسك. والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة.
والشيء لا يقتل عن نفسه. و إن أفسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها والخيال لا يزيلها. وإذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات والعزة والمنعة، فإنك لا تقدر على فساد الحدود.
وأي عزة أعظم من هذه العزة؟ فتتخيل بالوهم أنك قتلت، وبالعقل و الوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد . 
"15"
والدليل على ذلك «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى»
………………………………………….
فإذا سمعتم العبد يكلم فذلك تكوین الحق فيه . 
والعبد على أصله صامت واقف بين يديه تعالى ، فالسنة العالم كلها أقوال الله وتقسيمها لله ، فيضيف إلى نفسه منها ما يشاء ، ويترك منها ما يشاء، فانظر النطق من غير محل النطق نجده الحق،وانظر المستمع تجده مستمعا مسمعا ، مخاطبا مخاطبا، فإذا كان هو المتكلم والمكلم. 
المستسع المسع ، فأنت عدم وإن کنت موجودا ، كما أنت حاضر وإن کنت مفقودة . ولذلك أشار مع مخبرا عن ربه « ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ۰۰ » فمن كان الحق سمعه وبصره . 
فكيف يخفى عليه شيء ، ومن كان الحق لسانه كيف ينتهي كلامه.
فتوحات ج 1 / 2 - ج 2 / 216 - ج 3 / 211 ، 218 ، 260 . کتاب تاج الرسائل - کتاب التدبيرات الإلهية.
راجع وحدة الوجود الظاهر في المظاهر فص 5 ،هامش 6، ص 84

14 - راجع فص 2 ، هامش 4، ص 44

15 - الجهاد الأكبر
ما جاء في هذه الفقرة يشير إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى فإن نفسك لك حية ما دامت هي حية ، فهي عدو لك ، وقتلها قتل معنوي وهو الذي عبر عنه بقوله « فتتخيل بالوهم أنك قتلت » مع بقائها في الحد حقيقة موجودة ، 
وفي ذلك يقول الشيخ الأكبر رضي الله عنه :-
 

ص 339


والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية.
ولا بد من الإيمان بهذا. فانظر إلى هذا المؤثر حتى أنزل الحق في صورة محمدية.
وأخبر الحق نفسه عباده بذلك، فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه.
وخبره صدق والإيمان به واجب، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه: فإما عالم و إما مسلم مؤمن . "16"
ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره،
……………………………………..
الجهاد الأكبر هو جهاد الهوى فإنه أكبر الأعداء إليك الذين يلونك ، فإنه بين جنبيك ، ولا أكفر من النفوس بنعم الله ، فإنها في كل نفس تكفر نعمة الله عليها من بعد ما جاءتها ، ولا يلي الإنسان أقرب إليه من نفسه ، وجهاد النفس أعظم من جهاد العدو ، لذلك قال عليه السلام إن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر ، 

لأن الإنسان لا يخرج إلى جهاد العدو إلا بعد جهاد نفسه ، وجهاد العدو قد يقع من العبد للرياء والسمعة والحمية ، وجهاد النفس أمر باطن لا يطلع عليه إلا الله ، فحظ كل موفق أن ينظر إلى نفسه الأمارة بالسوء التي تحمله على كل محظور ومكروه ، وتعدل به عن كل واجب ومندوب ، للمخالفة التي جبلها الله عليها ، وهي أقرب الكفار والأعداء إليه ، 

فإذا جاهدها وقتلها أو أسرها حينئذ يصح له أن ينظر في الأغيار على حسب ما يقتضيه مقامه ، فإنك إذا جاهدت نفسك هذا الجهاد خلص لك الجهاد الآخر في الأعداء ، الذي إن قتلت فيه كنت من الشهداء الأحياء ، فالهوى هو أقرب الكفار إليك فاشتغل به وإلا اشتغل بك فيهدم دينك.
الفتوحات ج 1 / 467 - ج 4 / 462 . كتاب الوصية - كتاب مواقع النجوم - كتاب التدبيرات الإلهية .


16 - قوله تعالى «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى » .. الآية
في حضرة الأفعال ينسب الفعل بالعوائد إلى المخلوق والحق مبطون فيه . 
وينسب الفعل بخرق العادة إلى الله لا إلى المخلوق ، لأنه خارج عن قدرة المخلوق .
 فيظهر الحق وإن كان لا يظهر إلا في الخلق ، ومن هنا يتبين أن ما قام فيه الإنسان عين ما قام فيه الحق بين ظاهر و باطن ، فإذا ظهر من. ظهر بطن الآخر ، وذلك قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم  في رميه التراب في أعين المشركين « وما رميت إذ رميت » فالرمی 
 

ص 340


كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له : هذا حكم العقل لا خفاء به، وما في علم التجلي إلا هذا، وهو أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له.
والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر، وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري، إن العين بعد ثبت أنها واحدة في هذا الكثير،فمن حيث

………………………………………..
وقع منه صلى الله عليه وسلم  بقول الله . وإيصال الرمي إلى أعين الكفار حتى ما بقيت عين لمشرك خاص إلا وقع من التراب في عينه . فهذا ليس المخلوق . 
فقال تعالى « ولكن الله رمى » إثباتا للنفي في أول الآية . 
فإن الله محا رسول الله صلى الله عليه وسلم  في حكم رميه مع وجود الرمي عنه ، فقال « وما رمیت » فمحاه « إذ رميت » فأثبت السبب « ولكن الله رمى » وما رمى إلا بید رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
فقوله تعالی « وما رميت » نفي « إذ رميت » إثبات عين ما نفي « ولكن الله رمى » نفي عين ما أثبته . 

فصار إثبات الرمي بين طرفي نقي . 
فالنفي الأول عين النفي الآخر . فمن المحال أن يبت عين الوسط بين النفيين لأنه محصور . فيحكم عليه الحصر . 
ولاسيما أن النفي الآخر زاد على النفي الأول باتبان الرمي له لا للوسط ، فتبت الرمي في الشهود الحسي لمحمد صلى الله عليه وسلم  بثبوت محمد صلى الله عليه وسلم . 
فمحمد صلى الله عليه وسلم  رام لا رام ، وهذا لا يدرك إلا بعين البصيرة . فالبصيرة بها تدرك الأمر على ما هو عليه . 
لأنه علم محقق ، وإذا أدرك بالنور عين نسبة ما ظهر في الحس سمي بصرا. 
فاختلفت الألقاب باختلاف المواطن ، فأبان الله لنا فيما ذكره في هذه الآية ، الذي كنا نظنه حقيقة محسوسة ، إنما هي متخيلة يراها رأي العين . 
والأمر في نفسه على خلاف ما تشهده العين، وهذا سار في جميع القوى الجسمانية والروحانية. 
ولولا الاسم الباطن ما عرفنا أن الرامي هو الله في صورة محمدية ، فإنه ما رمى إلا محمد صلى الله عليه وسلم  ، وما وقع الحس إلا على رميه ، وما رمى إلا الله . 
فأين محمد صلى الله عليه وسلم ؟ 
محاه وأثبته ثم محاه ، فهو مثبت بين محوين ، كما ورد في الخبر كنت سمعه وبصره ، فأين الإنسانية هنا؟ 
فإنه نفى عين ما أثبته لك، وأثبته لنفسه فقال « ولكن الله رمى » وما رمى إلا العبد ، فأعطاه أسمه وسماه به ، وبقي الكلام في أنه هل حلاه به کما سماه به أم لا ؟ 
فإنا لا نشك أن العبد رمی ، ولا شك أن الله تعالی قال « ولكن الله رمی » وقد نفى الرمي عنه أولا ، والحق لا يباهت خلقه . 
فما بقول


ص 341 


هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما، فلا تكون معلولة لمعلولها، في حال كونها علة، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور، فتكون معلولة لمعلولها، فيصير معلولها علة لها .
هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه، و لم يقف مع نظره الفكرى.
وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة، فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق؟

…………………………………………………...
إلا ما هو الأمر عليه في نفسه ، فقوله « إذ رمیت » أثبت لك ما رأيت ، ودل قوله « ولكن الله رمى » على أمر يستوي فيه البصير والأعمى ، فيد الله يد الأكوان وإن اختلفت الأعيان ، وهذا عهد من الله تعالى إلينا أن الفعل الذي يشهد به الحس أنه العبد ، هو الله تعالى لا للعبد ، فإن أضفته لنفسي فإنما أضيفه بإضافة الله لا بإضافتي . فأنا أحكي وأترجم عن الله به وهو قوله « والله خلقكم وما تعملون » فرد الفعل الذي أضافه إلى نفسه وهو حقه الذي له قبلي بهذه الإضافة ، ولكن لابد من میزان إلهي نرده به إليه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم « اعبد الله كأنك تراه » فإن الوزن نعت إلهي . 
لا ينبغي لعبد من عباد الله أن يغفل عنه في كل فعل ظاهر في الكون من موجود ما من الموجودات ، فلا يزال مراقبا له في غيره ، فيحكم عليه بالميزان الموضوع عنده . 
وليس إلا الشرع ، وهذه الآية تشير إلى نفي الركون إلى الأسباب لا الأسباب ، فإن الله لا يعطل حكم الحكمة في الأشياء ، والأسباب حجب إلهية موضوعة لا ترفع .
فمن الحكمة إبقاء الأسباب مع محو العبد من الركون إليها ، على نفي أثرها في المسببات ، فالأسباب ستور وحجب ، وفي هذه الآية علم إضافة الأفعال ، هل تضاف إلى الله أو إلى العبد أو إلى الله وإلى العبد ؟ 
فإن وجودها محقق و نسبتها غير محققة . وهذا موضوع اختلف الناس فيه ، والخلاف لا يرتفع من العالم بقولي ، فمن الناس من نسب الأفعال إلى الخلق ، ومنهم من نسب الأفعال إلى الله ، ومنهم من نسب الفعل إلى الله بوجه و إلى العباد بوجه ، فعلق المحامد والحسن بما ينسب من الأفعال للحق . 
وعلق المذام والقبح بما ينسب من الأفعال العباد . لحكم الاشتراك العقلي . 
وكمال الوجود توقف على وجودها ، قال تعالى :" وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" فنفى الرمي عمن أثبته له، فأثبت بهذه الآية أعيان العالم، والفعل كله إنما يظهر صدوره من الصورة ، وهو القائل « ولكن الله رمى » فكان الحق عين الصورة التي

ص 342

 
فلا أعقل من الرسل صلوات الله عليهم وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه، وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي.
فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه

………………………………………….
نشاهد الأعمال منها . وهذا مقام الحيرة . فصدق الله الخواص في حيرتهم بقوله هذا الأخص خلفه علما و معرفة ، فنفى عين ما أثبت ، فما أثبت وما نفى ، فأين العامة من هذا الخطاب ؟ فالعلم بالله حيره. والعلم بالخلق حيرة . 
وقد حجر النظر في ذاته وأطلقه في خلقه ، فالهداف في النظر في خلقه لأنه الهادي وقد هدى . 
والعسي في النظر في الحق فإنه قد حجر وجعله سبیل الردي : وهذا خطاب خاطب به العقلاء فما زادهم إلا إيمانا بالحيرة و تسلیما لحكمها ، 
ولذلك قال تعالى في هذه الآية « وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا » فجاء بالخبرة بقوله تعالى « وليبلي » أي قلنا هذا اختبارا المؤمنين في إيمانهم لنا في ذلك من تناقض الأمور الذي يزلزل إنسان من في إيمانه نقص عما يستحقه الإيمان من مرتبة الكمال ، فإن الله خير المؤمنين وهو ابتلاؤه با ذکر من في الرمي وإثباته .
 وجعله بلاء حسنا . أي إن تفاه العبد عمه أصاب . وإن أنبه له أصاب ، وما بقي إلا أي الإصابتين أولى بالعبد ، وإن كان كله حسناء وهذا موضع الحيرة ، ولذلك سماه بلاء أي موضع اختبار ، فمن أصاب الحق وهو مراد الله أي الإصابتين أو أي الحكمين أراد . حكم النفي أو حكم الإنبات . كان أعظم عند الله من الذي لا يصيب لذلك قال : « إن الله واسع عليم » . 
فتوحات ج 1 / 731 - ج 2 / 69 ،147 ، 553 - ج 3 / 286 ، 411 ، 525 - ج 4 / 33، 213 ، 580 ، 335 ، 414


17 - الخيال والمحال
ما أوسع حضرة الخيال ، فيها يظهر وجود المحال ، بل لا يظهر فيها على التحقيق إلا وجود المحال ، فإن الواجب الوجود وهو الله تعالى لا يقبل الصور ، وقد ظهر بالصورة في هذه الحضرة ، فقد قبل المحال الوجود الوجود في هذه الحضرة ، فما قبل شيء من المحدثات صورة الحق سوى الخيال .
الفتوحات ج 2 / 312 
 راجع حكم العقل . هامش رقم 21


ص 343


 فإن كان عبد رب رد العقل إليه، و إن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه .
وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا.
فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيا لما يجري عليهم من أحكامها،  "18"  والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية، لا بد من ذلك.
فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك.
فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا و هو على النشأة الآخرة: قد حشر في دنياه و نشر في قبره ، فهو يرى ما لا ترون،

…………………………………...
18 - الملامية
الملامية هم رجال الله الذين حلوا من الولاية في أقصى درجاتها ، وما فوقهم إلا درجة النبوة . 
وهذا يسمى مقام القربة في الولاية ، و آيتهم من القرآن « حور مقصورات في الخيام » پنبه بنعوت نساء الجنة وحورها على نفوس رجال الله . 

الذين اقتطعهم إليه ، وصانهم وحبسهم في خيام صون الغيرة الإلهية في زوايا الكوں أن تستند إليهم عين فتشغلهم ، لا والله ما يشغلهم نظر الخلق إليهم ، حبس ظواهرهم في خيمات العادات والعبادات من الأعمال الظاهرة والمثابرة على الفرائض منها والنوافل ، فلا يعرفون بخرق عادة فلا يعظمون ، 
ولا يشار إليهم بالصلاح الذي في عرف العامة ، مع كونهم لا يكون منهم فساد ، فهم الأخفياء الأبرياء الأمناء في العالم . 
الغامضون في الناس ، فيهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل « إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة ، أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر والعلانية وكان غامضا في الناس » يريد أنهم لا يعرفون بين الناس بكبير عبادة ، ولا ينتهكون المحارم سرا وعلنا ، فهم المجهولون في الدنيا لأنهم لا يتميزون بأمر يخرجهم عن حكم ما يعطيه موطن الدنيا ، ومن هذا ظهر خواص الله الأكابر في الحكم بصورة العامة ، فجهلت مرتبتهم ، فلا يعرفهم سواهم ، وما لهم مزية في العالم . 
بخلاف أصحاب الأحوال فإنهم متميزون في العموم مشار إليهم بالأصابع ، لما ظهر عليهم بالحال خرق العوائد : وأهل الله أنفوا من ذلك الاشتراك غير الجنس معهم في ذلك ، فأهل الله معلومون بالمقام مجهولون بالشهود لا يعرفون .
الفتوحات ج 1 / 181 - ۲۹۹ج 2 / 269 - ج 3 / 457 .

ص 344

 
ويشهد ما لا تشهدون، عناية من الله ببعض عباده في ذلك. "19"
فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع و نزل رسولا بعد ذلك، فجمع الله له بين المنزلتين "20" فلينزل عن حكم عقله  "21" إلى شهوته، "22"  و يكون حيوانا مطلقا
………………………………………...
19 - العارف في باطنه على النشأة الآخرة
شهوة الجنة يقع لها اللذة بالمحسوس والمعقول على صورة ما يقع بالمحسوس من وجود الأثر البرزخي عند نيل المنتهى المعقول سواء ، ولا أعني بالجنة أن هذه الشهوة التي هذا حكمها لا توجد إلا في الجنة ، وإنما أضفناها إلى الجنة لأنها تكون فيها لكل أحد من أهل الجنة ، وفي الدنيا لا تقع إلا لآحاد من العارفين ، 

فإن لهم مقام الآخرة في الدنيا ، فلهم الكشف والمشاهدة ، وهما أمران يعطيهما عين اليقين ، وهو أتم مدارك العلم ، فالعلم الحاصل عن العين له أعظم اللذات في المعلومات المستلذة ، فهم في الآخرة حكما ، وفي الدنيا حسا ، وهم في الآخرة مكانة وفي الدنيا مكانا ، 
ثم يتصل لهم ذلك بالآخرة من القبر إلى الجنة وما بينهما من منازل الآخرة ، وهو قوله تعالى : « لهم البشرى في الحياة الدنيا ، وهي ما هم فيه من مشاهدة « وفي الآخرة » من القبر إلى الجنة ، فهو نعیم متصل ، فهذا نعیم العارفين ، وليس لغيرهم هذا النعيم الدائم . 
الفتوحات ج 2 / 193 ، 654


20 - راجع هامش رقم 2 *


21 - حكم العقل
اعلم أن العقل ما عنده شيء من حيث نفسه ، وأن الذي يكتسبه من العلوم إنما هو من كونه عنده صفة القبول، وهو بالنظر إلى ذاته لا علم عنده إلا بالضروریات التي فطر عليها ، فهو من جملة القوى يستفيد من جميع القوى ولا يفيد العقل سائر القوى شيئا ، وعنده فضول كثير ، أداه إليه حكم الفكر عليه وجميع القوى التي في الإنسان ، فلا شيء أكثر تقليدا من العقل ، وهو يتخيل أنه صاحب دليل إلهي ، وإنما هو صاحب دلیل فكري ، فإن دليل الفكر يمشي به حيث يريد، والعقل

ص 345



* * * *  
…………………………..
کالأعمى بل هو أعمى عن طريق الحق ، فإن الجن والإنس جعل الله لهم العقل ليردوا به الشهوة إلى الميزان الشرعي ، ويدفع عنهم به منازعة الشهوة في غير المحل المشروع لها. لم يوجد لهم العقل لاقتناء العلوم، والذي أعطاهم الله لاقتناء العلوم إنما هي القوة المفكرة ، فالعقل بين النظر والقبول ، 
فإن الأمر جله ومعظمه فوق طور العقل . فإن العقل لا يصح أن يدرك الحق ، فإن العقل لا يقبل إلا ما علمه بديهية أو ما أعطاه الفكر ، وقد بطل إدراك الفكر للحق ، فقد بطل إدراك العقل له من طريق الفكر . 

ولكن مما هو عقل ، إنما حده أن يعقل ويضبط ما حصل عنده ، فقد يهبه الحق المعرفة به فيعقلها لأنه عقل لا عن طريق الفكر ، هذا لا نمنعه ، فإن هذه المعرفة التي يهبها الحق تعالی لمن شاء من عباده لا يستقل العقل بإدراكها ولكن يقبلها ، فلا يقوم عليها دليل ولا برهان لأنها وراء طور مدارك العقل ، ولهذا يقال في علوم النبوة والولاية إنها وراء طور العقل ليس للعقل فيها دخول بفكر لكن له القبول خاصة عند السليم العقل الذي لم يغلب عليه شبهة خيالية فكرية، يكون في ذلك فساد نظره . 
الفتوحات ج 1 / 94 ، 261 ، 289 - ج 2 / 290 ، 358 ، 523 ، 644 - ج 3 / 99

 

22 - الشهوة

الشهوة آلة للنفس تعلو بعلو المشتهى وتسفل باستفال المشتهى ، 
والشهوة إرادة الالتذاذ بما ينبغي أن يلتذ به ، فالشهوة هي إرادة الملذوذات فهي لذة والتذاذ بملذوذ عند المشتهي ، فإنه لا يلزم أن يكون ذلك ملذوذا عند غيره ، ولا أن يكون موافقا لمزاجه ولا ملايمة طبعه ، وذلك أن الشهوة شهوتان . 
عرضية وهي التي يمنع من اتباعها فإنها كاذبة وإن تفعت يوما ما فلا ينبغي للعاقل أن يتبعها لئلا يرجع ذلك له عادة فتؤثر فيه العوارض ، 
وشهوة ذاتية فواجب عليه اتباعها فإن فيها صلاح مزاجه الملايمتها طبعه ، وفي صلاح مزاجه صلاح دينه ، وفي صلاح دينه سعادته ، ولكن يتبعها بالميزان الإلهي الموضوع من الشارع ، وهو حكم الشرع المقرر فيها ، وسواء كان
 

ص 346


الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته.
ولما أقامني الله في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا، فكنت أرى وأريد النطق
بما أشاهده فلا أستطيع، فكنت لا أفرق بيني و بين الخرس الذين لا يتكلمون.
فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية، فيشهد  أمورا هي أصول لما يظهر في

………………………………………..
بدرجة البهائم ، والدليل على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكر عنه في الصحيح أنه قال « إن للميت جؤارة وإن السعيد منهم يقول قدمونی قدموني ، يعني إلى قبره . 
وإن الشقي منهم يقول "إلى أين تذهبون بي " وأخبر صلى الله عليه وسلم أن كل شيء يسمع ذلك منه إلا الإنس والجن ، فدخل تحت قوله كل شيء مما يمر عليه ذلك الميت من جماد ونبات وحيوان ، 

وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان راكبا على بغلة فمر على فبر داثر ، فنفرت البغلة ، فقال إنها رأت صاحب هذا القبر يعذب في قبره ، فلذا نفرت ، 
وقال في ناقته لما هاجر ودخل المدينة ترك زمامها، فأراد بعض الصحابة أن يسسكها. 
فقال دعوها فإنها مأمورة، ولا يأمر إلا من يعقل الأمر، حتی برکت بفناء دار أبي أيوب الأنصاري. 
فنزل به ، وقال في الصحيح إن المؤذن يشهد له مدى صوته من رطب ويابس ، وهذا کله معاين لكل شيء ، ولا يشهد هذا من الإنس والجن إلا أفراد من أفراد هذين النوعين ، 

وقال تعالى : "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم" ، والأمثال هم الذين يشتركون في صفات النفس ، فكلهم حيوان ناطق يعرف ذلك أهل الكشف عينا ويسمعونه بأذائهم ، كما يسمعون كل صوت ، وما من حيوان إلا ويشهد ذلك ، ولذلك أخرسهم الله عن تبلیغ ما يشهدونه إلينا ، فهم أمناء بصورة الحال في حقنا ، ولا يكشف الله لأحد من النوع الإنساني ما يکشفه للبهائم ما ذكرناه إلا إذا رزقه الله الأمانة ، وهي أن يستر عن غيره ما يراه من ذلك إلا بوحي من الله بالتعريف ، فإن الله ما أخذ بأبصار الإنس وبأسماعهم في الأكثر . 
وبالفهم في أصوات هبوب الرياح وخرير المياه وكل مصوت إلا ليكون مستورا ، فإذا أفشاه هذا المكاشف فقد أبطل حكمة الوضع ، إلا أن يوحى إليه بالكشف عن بعض ذلك فحينئذ يعذر في الإفشاء بذلك القدر .
الفتوحات ج 3 / 490 ، 491 

 
ص 348


صور الطبيعة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صور الطبيعة علما ذوقيا.
فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا، "24"
وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله: فيلحق بالعارفين و يعرف عند ذلك ذوقا «فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم»: و ما قتلهم إلا الحديد و الضارب، و الذي خلف هذه الصور.
فبالمجموع وقع القتل و الرمي، فيشاهد الأمور بأصولها و صورها، فيكون تاما. فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا: فلا يرى إلا الله عين ما يرى.

فيرى الرائي عين المرئي . "25"  وهذا القدر كاف، والله الموفق الهادي.
…………………………………...

24 - الطبيعة نفس الرحمن
راجع فص 15 ، هامش 19 ، ص 237 

"" 19 - الطبيعة هي نفس الرحمن   فص 15 ، هامش 19 ، ص 237 
اعلم أن الله وصف نفسه بأن له نفسا بفتح الفاء وأضافه إلى الاسم الرحمن ، لنعلم إذا ظهرت أعياننا وبلغتنا سفراؤه هذا الأمر شمول الرحمة وعمومها ومآل الناس والخلق إليها .

فإن الرحمن لا يظهر عنه إلا مرحوم ، فالنفس أول غيب فظهر لنفسه ، فكان فيه الحق من اسمه الرب ( إشارة إلى الحديث النبوي ) مثل العرش اليوم الذي استوى عليه بالاسم الرحمن ، وهو أول كثيف شفاف نوري ظهر.

فلما تمیز عمن ظهر عنه وليس غيره ، وجعله تعالی ظرفا له « إشارة إلى ما جاء في الحديث - كان الله في عماء - » لأنه لا يكون ظرفا له إلا عينه ، فظهر حكم الخلاء بظهور هذا النفس ، ثم أوجد من هذا العماء جميع صور العالم ، وفيه ظهرت الملائكة المهيمة والعقل والنفس والطبيعة ( البنت لا الأم) و الطبيعة (الأم) هي أحق نسبة بالحق مما سواها .

فإن كل ما سواها ما ظهر إلا فيما ظهر منها ، وهو النفس بفتح الفاء ، وهو الساري في العالم ، أعني في صور العالم ، وبهذا الحكم يكون نجلي الحق في الصور التي ذكرها عن نفسه لمن عقل عنه ما أخبر به عن نفسه تعالى .

فانظر في عموم حكم الطبيعة ، وانظر في قصور حكم العقل لأنه في الحقيقة صورة من صور الطبيعة، بل من صور العماء ، والعماء هو من الطبيعة ، وإنما جعل من جعل رنية الطبيعة دون النفس وفوق الهيولي لعدم شهوده الأشياء، وإن كان صاحب شهود ومشى هذه المقالة فإنه يعني بها الطبيعة ( البنت ) التي ظهرت بحكمها في الأجسام الشفافة من العرش فما حواه ، فهي بالنسبة إلى الطبيعة نسبة البنت إلى المرأة التي هي الأم ، فتلد کا .تلد أمها ، وإن كانت البنت مولودة عنها ، فلها ولادة على كل من يولد عنها ،

وكذلك العناصر عندنا القريبة إلينا ( الماء والهواء والتراب والنار ) هي طبيعة لما تولدت عنها ، فلهذا سميناها طبيعة ( أي البنت ) ، فالعماء هو الجسم الحقيقي العام الطبيعي الذي هو صورة من قوة الطبيعة ( الأم ) تجلى لما يظهر فيه من الصور ، وما فوقه رتبة إلا رتبة الربوبية التي طلبت صورة العماء من الاسم الرحمن ، فتنفس فكان العماء . 

فلو لم تكن الطبيعة - وهي موجود خامس هو أصل للأركان الأربع - نورا في أصلها لما وجدت بين النفس الكلية وبين الهيولي الكل ، فعن الطبيعة ظهر كل جسم وجسد وجسماني من عالم الأجسام العلوي والسفلي ، فتركيبها لا نهاية له في الدنيا والآخرة .

فالنشأة الطبيعية تحوي على الأسرار الإلهية ، وأنها من نفس الرحمن ظهرت في الكون ، فذمت وجهل قدرها فأول صورة قبل نفس الرحمن صورة العماء فهو بخار رحماني فيه الرحمة بل هو عين الرحمة ، فجوهر العالم في النفس الرحماني الذي ظهرت فيه صور العالم . 
فتوحات ج 1 / 56 ، 723 - ج 2 / 352 ، 551 - ج 3 / 420 ، 430 ، 452 . أهـ ""

 

25 - راجع وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر - المرايا .
راجع فص 2، هامش 6، ص 45 
راجع فص 5 هامش 6، ص 84
موجود بالهامش 4


ص 349
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 23 - فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالخميس مارس 12, 2020 2:08 am

23 - فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص اللقماني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
23 - فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية            الجزء الأول 

إذ شاء الإله يريد رزقا ...  له فالكون أجمعه غذاء 
"2"
وإن شاء الإله يريد رزقا ... لنا فهو الغذاء كما يشاء   "3"
…………………..
1- المناسبة في تسمية هذا الفص :-
هي أن الحكمة هي الخير الكثير والاسم الحكيم ورد في القرآن مقرونا بالاسم العليم والخبير فالحكيم عليم عن خبر وهو علم الأذواق. 
ولما كان الإحسان ذوقيا قال صلى الله عليه وسلم فيه « أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك » فالإحسان إحسانان إحسان كأنك تراه ، وإحسان أعلى تضمنه الحدث بانك إن لم تكن تراه يعني أن هناك من يراه وهو الإحسان الأعلى ، وكلاهما من الذوق في هذا المقام ، فاجتمعت الحكمة ومقام الإحسان في الذوقية ، 
ولما كان لقمان قد نص الحق عليه بأنه أتاه الحكمة فوقعت المناسبة بينه وبين مقام الإحسان فسميت حكمة إحسانية في كلمة لقمانية . 
شرح الأبيات :-

2  - يشير إلى غذاء الأسماء الإلهية

راجع فص 5 ، هامش 11، ص 88


"" 11 – الغذاء الأسماء الإلهية  فص 5 ، هامش 11، ص 88
كل غذاء أعلا من حياته المتولدة عنه ، فلا تزال من العالم الأدنۍ ترتقي في أطوار العوالم أغذية وحياة حتى تنتهي إلى الغذاء الأول الذي هو غذاء أغذية الأغذية.
وهي الذات المطلقة ، والأسماء الإلهية أقواتها أعيان آثارها في الممكنات .
فبالآثار تعقل أعيانها ، فلها البقاء بآثارها .
فقوت الاسم أثره، وتقديره مدة حكمه في الممكن أي ممكن كان ، ولما لم يكن في الكون إلا علة و معلول ، علمنا أن الأقوات العلوية والسفلية أدوية لإزالة أمراض ، ولا مرض إلا الافتقار .
فقوت القوت الذي يتقوت به هو استعماله .
 فالمستعمل قوت له لأنه ما يصح أن يكون قوتا إلا إذا تقوت به ، فاعلم من قوتك ومن أنت قوته.
من قدر القوت فقد قدرا     …… والقوت ما اختص بحال الوری
 بل حكمه سار فقد عمنا    …… ونفسه فانظر تری ما تری
 کل تغذي فيه قام في       …… وجوده حقا بغير افتری
فأول رزق ظهر عن الرزاق ما تغذت به الأسماء من ظهور آثارها في العالم ، وكان فيه بقاؤها ونعيمها و فرحها وسرورها .
وأول مرزوق في الوجود الأسماء ، فتأثير الأسماء في الأكوان رزقها الذي به غذاؤها وبقاء الأسماء عليها .
وهذا معنى قولهم إن للربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية ، فإن الإضافة بقاء عينها في المتضايفين ، وبقاء المضافين من كونهما مضافين إنما هو بوجود الإضافة، فالإضافة رزق المتضایفین، و به غذاؤهما وبقاؤهما متضايفين .
فهذا من الرزق المعنوي الذي يهبة الاسم الرزاق ، وهو من جملة المرزوقين .
فهو أول من تغذى بما رزق ، فأول ما رزق نفسه .
ثم رزق الأسماء المتعلقة بالرزق الذي يصلح لكل اسم منها.
وهو أثره في العالم المعقول والمحسوس .
الفتوحات  ج2 / 462 , ج4 / 248 , 409 ""


3 - يشير إلى قول سهل بن عبد الله عندما سئل عن القوت فقال « الله »
إذا كان قوت الخلق کونا  …. محققا فإله الحق للعبد قوته
إن المحبين من رجال الله العارفين شغلوا نفوسهم بما أمرهم به محبوبهم فهم ناظرون إليه حبا وهيمانة ، قد تيمهم بحبه وهيمهم بين بعده وقربه ، فمن هنا نعتوا بأنهم آثروه على كل مصحوب ، فلما قيل لسهل « ما القوت » قال « الله » 
قال تعالى « فأما إن كان من المقربين فروح » لما هو عليه من الراحة حيث رآه عين كل شيء " وريحان" ، لما رآه عين الرزق الذي يحیی بتناوله ، كما قال سهل :

 

ص 350


مشيئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهي المشاء   "4"
يريد زيادة و يريد نقصا ... وليس مشاءه إلا المشاء  "5"
فهذا الفرق بينهما فحقق ... ومن وجه فعينهما سواء  "6"
…………………………………………..
وما قوت النفوس سوى قواها    …. وإن العين عين كل قوت 
وسهل  ما له  قوت سواه   …. و أین الحق من خبز وحوت 
جميع الخلق في الأقوات تاهوا  …. وسهل ما يراه سوى المقيت
والحياه تنتهي إلى الغذاء الأول الذي هو غذاء الأغذية وهى الذات المطلقة . 
فليكن قوتك في معاشك الله ، وریاشك زينة الله ، فالعارف يقول في هذا الغذا : ألغ ذا  
الفتوحات ج 2 / 355 - ج 3 / 544 - ج 4 / 248 ، 409 - الديوان.


4 - البيت الثالث
مشيئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهي المشاء
مشيئته سبحانه إرادته وعلمه وقدرته ذاته ، فان قلت هذا النوع ما تعلفه ؟ 
هل متعلقه الإرادة ؟ قلنا لا ، فإنه ليس للإرادة اختيار . 
ولا نطق بها كتاب ولا سنة ولا دل عليها عقل ، وإنما ذلك للمشيئة ، فإن شاء كان ، وإن شاء لم يكن . 
قال عليه السلام ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فعلق النفي والإثبات بالمشيئة ، وما ورد « ما لم يرد لم يكن » بل ورد لو أردنا أن يكون كذا لكان كذا ، فخرج من المفهوم الاختيار ، فالإرادة تعلق المشيئة بالمراد ، وهو قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » هذا تعلق المشيئة ، فالحكم للمشيئة ، وليست مشيئته غير ذاته ، فأسماؤه عينه وأحكامها أحكامه . 
الفتوحات ج 1 / 291 - ج 3 / 48 ، 317 
راجع فص 21 - توحيد الصفة عين الموصوف هامش 13 ص 

5 - البيت الرابع
بريد قوله تعالى «وما تشاؤون إلا أن يشاء الله » وقوله صلى الله عليه وسلم : « ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن » .


6 - البيت الخامس
يريد ما جاء في البيت الثالث أن الفرق بين المشيئة والإرادة في تعلق كل منهما ومن وجه التوحيد فهما سواء من حيث أن الصفة عين الموصوف .

ص 351

 


قال تعالى «ولقد آتينا لقمان الحكمة: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا».
فلقمان بالنص ذو الخير الكثير بشهادة الله تعالى له بذلك.
والحكمة قد تكون متلفظا بها و مسكوتا عنها مثل قول لقمان لابنه «يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله».
فهذه حكمة منطوق بها، وهي أن جعل الله هو الآتي بها، "7"
وقرر ذلك الله في كتابه، ولم يرد هذا 
…………………………………..

7 - الرزق مضمون مكفول
پنبه الحق بهذه الآية على أن الرزق مضمون ، لابد أن يوصله للعبد. 
فإن رزقه ورزق عياله لابد أن يأتي به الله ، فيقول لقمان لابنه « يا بني إنها إن تكن مثقال حبة من خردل » أي أينما كان مثقال هذه الحبة من الخردل لقلتها بل خفائها « فتكن في صخرة » أي عند ذي قلب قاس لا شفقة له على خلق الله ، 

قال تعالى « ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة » روي في النبوة الأولى أن له تعالی تحت الأرض صخرة صماء ، في جوف تلك الصخرة حيوان لا منفذ له في الصخرة ، وأن الله قد جعل له فيها غذاء ، وهو يسبح الله ويقول « سبحان من لا ينساني على بعد مكاني » 

يعني من الموضع الذي تأتي منه الأرزاق لا على بعد مكانها من الله « أو في السموات » بما أودع الله في سباحة الكواكب في أفلاكها من التأثيرات في الأركان لخلق أرزاق العالم ، أو الأمطار أيضا فإن السماء في لسان العرب المطر ، قال الشاعر « إذا سقط السماء بأرض قوم » يعني بالسماء هنا المطر .

أو في الأرض ، بما فيها من القبول والتكوين للأرزاق ، فإنها محل ظهور الأرزاق. كذلك الكوكب يسبح في الفلك ، وعن سباحته يكون ما يكون في الأركان الأمهات من الأمور الموجبة للولادة ، فأينما كان مثقال هذه الحبة « يأت بها الله » ولم يقل يأت إليها، فهو تعالى الأتي برزقك إليك حيث كت و كان رزقك ، فهو يعلم موضعك ومقرات، ويعلم عين رزقك « إن الله لطيف» أي هو أخفى أن يتعلم ويوصل إليه ، أي العلم به ، من حبة الخردل « خبير » للطفه بمكان من يطلب تلك الخردلة منه لما له من الحرص على دفع ألم الفقر عنه ، فإن الحيوان ما يطلب الرزق إلا لدفع الآلام لا غير . 
الفتوحات ج 1 / 506 - ج 4 / 114.


ص 352


القول على قائله.
وأما الحكمة المسكوت عنها و علمت بقرينة الحال، فكونه سكت عن المؤتى إليه بتلك الحبة، فما ذكره، و ما قال لابنه يأت بها الله إليك ولا إلى غيرك.
فأرسل الإتيان  "8" عاما وجعل المؤتى به في السموات إن كان أو في الأرض تنبيها لينظر الناظر في قوله «و هو الله في السماوات و في الأرض».
فنبه لقمان بما تكلم و بما سكت عنه أن الحق عين كل معلوم، "9"
لأن المعلوم أعم من الشيء فهو أنكر النكرات .
ثم تمم الحكمة واستوفاها لتكون النشأة كاملة فيها فقال "إن الله لطيف 
"10"
فمن لطفه ولطافته أنه في الشيء المسمى كذا المحدود بكذا عين 
…………………………….

8 - الرزق من أكله لا لمن جمعه
قوله تعالى : « يأت بها » ولم يقل « يأت إليها » من هذا يستدل أن صاحب الرزق من يأكله لا من يجمعه . الفتوحات ج 3 / 359

 
9 - وحدة الوجود الظاهر في المظاهر
راجع فص 5 ، هامش 06 ص 84 
 

""  6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر  فص 5 ، هامش 06 ص 84 
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم،
فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.

فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606

"" أضاف الجامع :
يقول الدكتور أبو العلا عفيفي:
" وحدة الوجود التي يقول بها ابن العربي الطائي الحاتمي ليست وحدة وجود مادية تنكر الألوهية ولوازمها أو تنكر القيم الروحية ،
بل العكس هو الصحيح : أي أنها وحدة وجود تنكر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقيقي إلا لله - الحق . أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له في ذاته ".
 
تقول د. سعاد الحكيم في وحدة الوجود عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربي ، 
إذ أنها من ناحية لم ترد عنده مطلقا ،
ومن ناحية ثانية هي تشكل تيارا فكريا له جذوره البعيدة في تأريخ النظريات الفلسفية ،
ولكننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظريات شيخنا الأكبر بالنظر لأهميتها عنده ، إذ فيها تتبلور مصطلحاته وتتكشف ، ويتجلى وجه ابن العربي الطائي الحاتمي الحقيقي ، فنلمس فيه الفكر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".
إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسو ابن العربي الطائي الحاتمي ،
أو بالأحرى صنفوه في زمرة لقائلين بها . إذ أن الباحث لا يلتقط فكر مفكر إلا بتحليله إلى عناصره البسيطة ، وإعادة تركيبه تركيبا يتلاءم وينضبط مع التيارات الفكرية المعروفة . وبالتالي استدل الملتمس وجه ابن العربي الطائي الحاتمي من جمل أمثال :
الوجود كله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما في الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة الماديين بتغليب الجانب الإلهي فيها .

ولكن ما حقيقة موقف ابن العربي الطائي الحاتمي من الوحدة الوجودية ؟
وما نسبة التفكير النظري إلى الشهود الصوفي فيها ؟

وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟
كثيرا ما يتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربي الطائي الحاتمي متسائلا :
أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟
ثم لا يلبث ان يقرر انها وحدة وجود ، من حيث أنها لم تبرز في صيحة وجد ، بل كانت نتيجة باردة لتفكير نظري .
ويعود تردد الباحث بين الوحدتين إلى أنهما يتطابقان في النتيجة ، فكلتاهما ترى :
إن الوجود الحقيقي واحد وهو الله .
ولكن صاحب وحدة الشهود يقولها في غمرة الحال ، على حين يدافع عنها ابن العربي الطائي الحاتمي في صحو العلماء وبرود النظريين .
والحقيقة أن وحدة ابن العربي الطائي الحاتمي تختلف عن وحدة شهود غيره بسبب جوهري ، وهو أن الشيخ الاكبر لم يقطفها ثمرة فيض فناء في الحق ، فناء افناه عن رؤية كل ما سوى الحق .
ولم يقل بعدم كل ما سواه ، إن ابن العربي  يرى الكثرة ، وشهوده يعطيه الكثرة ، وبصره يقع على الكثرة . إذن الكثرة عنده موجودة .
وهنا نستطيع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقيض من وحدة الشهود ، تعطي : كثرة شهودية . فالنظر يقع على كثرة عنده . وهذا ما لا يمكن أن ينطبق على وحدة الشهود .
ولكن ابن العربي الطائي الحاتمي لا يقف مع الكثرة الشهودية أو بتعبير أدق المشهودة ، بل يجعلها ( كثرة معقولة ) لا وجود حقيقي لها .
وهي - إذا امكن التعبير بلغتنا - خداع بصر . وبلغة ابن العربي الطائي الحاتمي : خيال .أهـ ""

 

10 - الاسم اللطيف *
هذا المراد لا يستقيم بالاستدلال وشاهد اسم اللطيف في هذه الآية ضعيف بل المراد به هو ما جاء في شرح الهامش رقم 7، ويؤيده بمناسبة ذكر الرزق ما جاء في معنى الاسم اللطيف حيث ذكر في قوله تعالى « الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز » فإن اللطف الإلهي هو الذي يدرج الراحة من حيث لا يعرف من لطف به ، ومن لطفه أنه الذي يأتيهم بكل ما هم فيه ، ولا تقع أبصار العباد إلا على الأسباب التي يشهدونها فيضيفون ما هم فيه إليها .


أما المعنى المقصود هنا من أنه سبحانه هو الظاهر في المظاهر من حيث الاسم اللطيف فيتضمنه قوله تعالى « لا ندركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير » البصر من العبد هوية الحق ، فعينك غطاء على بصر الحق ، فبصر الحق أدرك الحق ورآه لا أنت، فإن الله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، ففي مدلول هذه الآية أنه يدرك تعالى نفسه بنفسه ، لأنه إذا كان بهويته بصر العبد ، ولا نفع


ص 353


ذلك الشيء، حتى لا يقال فيه إلا ما يدل عليه اسمه بالتواطؤ والاصطلاح.
فيقال هذا سماء ورض و صخرة وشجر وحيوان و ملك ورزق وطعام. "11"
والعين واحدة من كل شيء و فيه. "12"
كما تقول الأشاعرة إن العالم كله متماثل بالجوهر: فهو جوهر واحد، فهو عين قولنا العين واحدة.
ثم قالت ويختلف بالأعراض، وهو قولنا ويختلف ويتكثر بالصور والنسب حتى يتميز فيقال هذا ليس هذا من حيث صورته أو عرضه أو مزاجه كيف شئت فقل.
وهذا عين هذا من حيث جوهره، ولهذا  يؤخذ عين الجوهر في كل حد صورة و مزاج: فنقول نحن إنه ليس سوى الحق، ويظن المتكلم أن مسمى الجوهر وإن كان حقا، ما هو عين الحق الذي يطلقه أهل الكشف والتجلي.
فهذا حكمة كونه لطيفا. "13"

ثم نعت فقال «خبيرا» أي عالما عن اختبار وهو قوله «ولنبلونكم حتى نعلم» وهذا هو علم الأذواق. 
………………………...

الإدراك البصري إلا بالبصر ، وهو عين البصر المضاف إلى العبد ، وقال إنه يدرك الأبصار وهو عين الأبصار ، فقد أدرك نفسه . 
لذلك قال « وهو اللطيف » ولا الطف من هوية تكون عين بصر العبد ، وبصر العبد لا يدرك الله ، وليس في القوة أن يفصل بين البصرین ، اللطيف من حيث أنه لا تدركه الأبصار ، واللطيف المعني من حيث أنه يدرك الأبصار ، أي درکه للأبصار درکه لنفسه ، وهذا غاية اللطف والرقة ، فما لطفه وأخفاه إلا شدة ظهوره ، فإنه البصر لكل عين تبصر « الخبير » يشير إلى علم ذلك ذوقا ، فهو العليم خبرة أنه بصر العبد في بصر العبد ، و کذا هو الأمر في نفسه . 
فتوحات ج 2 / 542 ، 547 - ج 4 / 2 ، 238 ، 301

 ملاحظة هذا ما أشرنا إليه في مقدمة الكتاب من ضعف الاستدلال والشاهد مع ذكر الشيخ لما هو أقوى وأصح في الكتب الأخرى ( راجع ص 7).



11 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر - كل الأسماء والصفات الله تعالی بالأصالة .
فص 5 ، هامش 5 و 6، ص 83 ، 84 
انظر هامش  9


12 - العين واحدة والحكم مختلف
راجع فص 4 ، هامش 5، ص 78

""  5 - العين واحدة والحكم مختلف فص 4 ، هامش 5، ص 78  ، فص 3 هامش 5 ص 68
ما يعرف الله إلا الله فاعترفوا    …… العين واحدة والحكم مختلف
                                                     الفتوحات ج1 / 185 .
فالله والرب والرحمن والملك     ….. حقائق كلها في الذات تشترك
فالعين واحدة والحكم مختلف     …… لذا بدا الجسم والأرواح والفلك
                                               الفتوحات  ج3 / 310.
فالعين واحدة والحكم مختلف       ….. وذاك سر لأهل العلم ينكشف
                                            الفتوحات ج3 / 430
والعين واحدة والحكم مختلف      ….. إذا تنوعت الأرواح والصور
                                                الفتوحات  ج2 / 392
فالعين واحدة والحكم يختلف      ….. والقائلون بذا قوم لهم نظر
                                              الإسفار عن نتائج الأسفار ص 55
فالعين واحدة والحكم للنسب   …… والعين ظاهرة والكون للسبب
                                                  الفتوحات ج3 ص 525  
والعين واحدة والحكم مختلف    ….. والعبد يعبد الرحمن معبود
                                                 الفتوحات  ج2 ص 484
من الزوائد أن تعلم أن حكم الأعيان ليس نفس الأعيان ، وأن ظهور هذا الحكم في وجود الحق، وينسب إلى العبد بنسبة صحيحة، وينسب إلى الحق بنسبة صحيحة فزاد الحق من حيث الحكم حكما لم يكن عليه ، وزاد العين إضافة وجود إليه لم تكن يتصف به أزلا .

قال تعالى : « كل يوم هو في شأن » أحوال إلهية في أعيان کيانية بأسماء نسبية عينتها تغييرات كوئية ، فتجلى أحدي العين في أعيان مختلفة الكون ، فرات صورها فيه ، فشهد العالم بعضه بعضا ، في تلك العين ، فمنه المناسب وهو الموافق . ومنه غير المناسب وهو المخالف.    الفتوحات المكية ج2 ص 521 , 305 .
راجع وحدة الوجود - المرايا - فص 2 هامش رقم 6  ص 45

"" 6- وحدة الوجود – المرايا فص 2 هامش رقم 6  ص 45
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :
وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، 
والمعلوم الآخر العام المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا وهو المحال ،
والعلوم الثالث هو البرزخ الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممكن ، وسبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته .
 وذلك أن العدم المطلق قام للوجود المطلق كالمرآة فرأي الوجود فيه صورته فكانت تلك الصورة عين الممكن ، فلهذا كان للممكن عين ثابتة وشيئية في حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .
ولهذا أيضا اتصف بعدم التناهي فقيل فيه إنه لا يتناهی ، وكان أيضا الوجود المطلق كالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق في مرآة الحق نفسه .

فكانت صورته التي رأي في هذه المرأة هو عين العدم الذي اتصف به هذا الممكن ، وهو موصوف بأنه لا يتناهی كما أن العدم المطلق لا يتناهی ، فاتصف الممکن بأنه معدوم ، فهو كالصورة الظاهرة بين الرائي والمرأة ، لا هي عين الرائي ولا غيره
وقد علمنا أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا ، كما تحدث صورة المرئي في المرآة ، ينظر الناظر فيها، فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها، ولا يدري ما يحدث فيها .
ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة .

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 23 - فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالخميس مارس 12, 2020 2:10 am

23 - فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص اللقماني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
23 - فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية            الجزء الثاني 

ونظرك فيها مثل قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » وهو قصدك النظر « أن نقول له کن » وهو بمنزلة النظر « فیکون » وهو بمنزلة الصورة التي تدركها عند نظرك في المرآة ،.

ثم إن تلك الصورة ما هي عينك الحكم صفة المرآة فيها من الكبر والصغر والطول والعرض ، ولا حكم لصورة المرآة فيك فما هي عينك ولا عين ما ظهر ممن ليس أنت من الموجودات الموازية لنظرك في المرآة ، ولا تلك الصورة غيرك ، لما لك فيها من الحكم .

فإنك لا تشك أنك رأيت وجهك ، ورأيت كل ما في وجهك ظهر لك بنظرك في المرآة من حيث عين ذلك لا من حيث ما طرأ عليه من صفة المرآة ، فما هو المرئي غيرك ولا عينك ، كذلك الأمر في وجود العالم الحق .

أي شيء جعلت مرآة أعني حضرة الأعيان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تكون الأعيان الثابتة الله مظاهر ، فهو حكم المرآة في صورة الرائي ، فهو عينه وهو الموصوف بحكم المرآة ، فهو الظاهر في المظاهر بصورة المظاهر.

أو يكون الوجود الحق هو عين المرآة ، فترى الأعيان الثابتة من وجود الحق ما يقابلها منه ، فترى صورتها في تلك المرآة و يترائي بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حيث ما هي المرآة عليه ، وإنما ترى ما ترى من حيث ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان .

وكما لا يشك الناظر وجهه في المرآة أن وجهه رأي ، وبما للمرآة في ذلك من الحكم يعلم أن وجهه ما رأى .

فهكذا الأمر فانسب بعد ذلك ما شئت كيف شئت ، فإن الوجود للعين الممكنة كالصورة التي في المرآة ، ما هي عين الرائي ولا غير الرائي ، ولكن المحل

المرئي فيه به و بالناظر المتجلي فيه ظهرت هذه الصورة ، فهي مرآة من حيث ذاتها والناظر ناظر من حيث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها .

کالمرأة إذا كانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه .

علمنا أن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة ، ولما لم يتأثر ولم تكن تلك الصورة هي عين المرأة ولا عين الناظر ، وإنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة ، علمنا الفرق بين الناظر وبين المراة وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها ، ولهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .

وإذا كانت في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى ، تعرفه إني وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أين اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن كلف .

وعلمت من أنت ومن ربك وأين منزلتك ، وأنك المفتقر إليه سبحانه وهو الغني عنك بذاته.

فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، وليس في الوجود إلا هو ، ولا يستفاد الوجود إلا منه، ولا يظهر الموجود عين إلا بتجليه.

فالمرأة حضرة الإمكان والحق الناظر فيها والصورة أنت بحسب إمكانيتك ، فإما ملك وإما فلك وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال .

كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان والتجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود والمرآة تكسبها الأشكال ، فيظهر الملك و الجوهر والجسم والعرض ، والإمكان هو هو لا يخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح ، فقل في العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفة وعلما .
راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.   ""


13 - راجع هامش رقم 10
 

ص 358

 
فجعل الحق نفسه مع علمه بما هو الأمر عليه مستفيدا علما.
ولا نقدر على إنكار ما نص الحق عليه في حق نفسه: ففرق تعالى ما بين علم الذوق والعلم المطلق،
 "14"  فعلم الذوق مقيد بالقوى.
وقد قال عن نفسه إنه عين قوى عبده في قوله «كنت سمعه»، وهو قوة من قوى العبد، «وبصره» وهو قوة من قوى العبد، «ولسانه» وهو عضو من أعضاء العبد، «ورجله ويده».
 "15"
فما اقتصر في التعريف على القوى فحسب حتى ذكر الأعضاء: وليس العبد بغير لهذه الأعضاء والقوى.
فعين مسمى العبد هو الحق، لا عين العبد هو السيد، فإن النسب متميزة لذاتها، و ليس المنسوب إليه متميزا، فإنه ليس ثم سوى عينه في جميع النسب.
فهو عين واحدة ذات نسب 

………………………………………...
14 - الاسم الخير *
وقع في هذه الفقرة خلط بين قوله تعالى « ولنبلونكم حتى نعلم » أي لنختبركم حتى نعلم ، من الاختبار ، فيقول الشيخ في ذلك : حكم الحق على نفسه
بما حكم لخلقه من حدوث تعلق العلم ، وهذا غاية اللطف في الحكم والتنزل الإلهي . فنزل مع خلقه في العلم المستفاد ، إذ كان علمهم مستفادة ، كما شرك نفسه تعالى مع خلقه في الأحكام الخمسة ، فمع علمه بما يكون من خلقه قال « حتى نعلم » وأعلم من الله لا يكون ، ومع ذلك أنزل نفسه في هذا الإخبار منزلة من يستفيد بذلك علما ، وهو سبحانه العالم بما يكون منهم في ذلك قبل كونه - 

الفتوحات ج 3 / 111، ج 2 / 423 

ويكون هذا الخبير كما جاء في شرح الأسماء الحسني 
الفتوحات ج 4 / 322 

حيث يقول : الخبير بما اختبر به عباده ، ومن اختباره قوله « حتى نعلم » فيرى هل ننسب إليه حدوث العلم أم لا ؟ 
فانظر أيضا هذا اللطف ، ولذلك قرن الخبير باللطيف فقال اللطيف الخبير ، فاختلط المعني هنا في هذه الآية « ولنبلونكم » من الاختبار وهو متعلق بالاسم الخبير بمعنى العليم خبرة وهو أيضا متعلق بالاسم الخبير في آية « يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار وهو اللطيف الخبير » 

- راجع هامش رقم  7 ، 10 .


15 - راجع « كنت سمعه وبصره ۰۰» الحديث
هامش 10 ، 14 وفص 10 ، هامش 9 ، ص 146

""  9 - فإذا أحببته كنت سمعه .. الحديث  فص 10 ، هامش 9 ، ص 146

اعلم أن القرب قربان:
قرب في قوله تعالى «ونحن أقرب إليه من حبل الوريد » وقوله تعالى «وهو معكم أينما كنتم».
وقرب هو القيام بالطاعات وهو المقصود في هذا الحديث ، فالقرب الذي هو القيام بالطاعات فذلك القرب من سعادة العبد من شقاوته ، وسعادة العبد في نيل جميع أغراضه كلها ، ولا يكون ذلك إلا في الجنة ، وأما في الدنيا فإنه لابد من ترك بعض أغراضه القادحة في سعادته .
فالقرب من السعادة بأن يطيع ليسعد ، وهذا هو الكسب في الولاية بالمبادرة لأوامر الله التي ندب إليها ، أما قوله « من أداء ما افترضته عليه » لأنها عبودية اضطرارية « ولا يزال
العبد يقترب إلي بالنوافل » وهي عبودية اختيار « حتى أحبه » .
إذ جعلها نوافل ، فإذا ثابرت على أداء الفرائض فإنك تقربت إلى الله بأحب الأمور المقربة إليه ، وإذا کنت صاحب هذه الصفة كنت سمع الحق و بصره .
وتكون يدك يد الحق « إن الذين بیا یعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم » وهذه هي المحبة العظمى التي ما ورد فيها نص جلي كما ورد في النوافل ، فإن للمثابرة على النوافل حبا إلهيا منصوصا عليه يكون الحق سمع العبد ونظره ، فانظر ما تنتجه محبة الله ، فثابر على أداء ما يصح به وجود هذه المحبة الإلهية .

ولا يصح نفل إلا بعد تكملة الفرض ، فالحق سبحانه روح العالم وسمعه وبصره ويده ، فبه يسمع العالم و به يبصر وبه يتكلم وبه يبطش و به يسعى ، إذ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

ولا يعرف هذا إلا من تقرب إلى الله بنوافل الخيرات ، كما ورد في الحديث الصحيح ، فانتبه لقوله « كنت سمعه الذي يسمع به ولسانه الذي يتكلم به وما تكلم إلا القائل في الشاهد وهو الإنسان، وفي الإيمان الرحمن ، فمن كذب العيان كان قوي الإيمان ، ومن تردد في إيمانه تردد في عيانه ، فلا إيسان عنده ولا عيان ، فما هو صاحب مكان ولا إمكان .
ومن صدق العيان وسلم الإيمان كان في أمان ، فإن الله أثبت أن ذلك للعبد بالضمير عينه عبدا لا ربوبية له ، وجعل ما يظهر به وعليه ومنه أن ذلك هو الحق تعالى لا العبد فما ثم إلا حق لحق وحق لخلق ، فحق الحق ربوبيته ، وحق الخلق عبوديته.

فنحن عبيد وإن ظهرنا بنعوته ، وهو ربنا وإن ظهر بنعوتنا ، فإن التعوت عند المحققين لا أثر لها في العين المنعوتة.
ولهذا تزول بمقابلها إذا جاء ولا تذهب عينا .
فقوله تعالی « كنت سمعه وبصره » جعل کینوتنه سمع عبد منعوت بوصف خاص ، وهذا أعظم اتصال يكون من الله بالعبد حيث يزيل قواه من قواه ويقوم بکینوته في العبد مقام ما أزال على ما يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تكييف ولا حصر ولا إحاطة ولا حلول

ولا بدليه ، فإنه أثبت عين الشخص بوجود الضمير في قوله « كنت سمعه » فهذه الهاء عينه ، والصفة عين الحق لا عينه ، فالشخص محل لأحكام هذه الصفات التي هي عين الحق لا غيره .
كما يليق بجلاله ، فنعته سبحانه بنفسه لا بصفته ، فهذا الشخص من حيث عينه هو ومن حيث صفته لا هو ، وهذا من ألطف ما يكون فظهور رب في صورة خلق عن إعلام إلهي لا تعرف له کيفية ولا تنفك عنه بينية .

والكرامة التي حصلت لهذا الشخص إنما هي الكشف والاطلاع لا أنه لم يكن الحق سمعه ثم كان ، والجاهل إذا سمع ذلك أداه إلى فهم محظور من حلول أو تحديد ، فبالوجه الذي يقول فيه الحق إنه سمع العبد به بعينه يقول إنه حياة العبد وعلمه وجميع صفاته .
فمثلا سر الحياة سري في الموجودات فحييت بحياة الحق ، فهي نسب وإضافات وشهود حقائق ، والله هو العلي الكبير عن الحلول والمحل.

الفتوحات ج 3 / 14 ، 63 ، 68 ، 184 ، 298 ، 356 ، 531 ، 557 . ج 4 / 5 ، 362 ، 449 . ""

 

ص 355

 

وإضافات وصفات. "16"
فمن تمام حكمة لقمان في تعليمه ابنه ما جاء به في هذه الآية من هذين الاسمين الإلهيين «لطيفا خبيرا»، سمى بهما الله تعالى.
فلو جعل ذلك في الكون وهو الوجود فقال «كان» لكان أتم في الحكمة و أبلغ.
فحكى الله قول لقمان على المعنى كما قال: لم يزد عليه شيئا وإن كان قوله إن الله لطيف خبير من قول الله لما علم الله من لقمان أنه لو نطق متمما لتمم بهذا. "17"
وأما قوله «إن تك مثقال حبة من خردل» لمن هي له غذاء، وليس إلا الذرة المذكورة في قوله «فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره».
فهي أصغر متغذ و الحبة من الخردل أصغر غذاء.
و لو كان ثم أصغر لجاء به  "18"  كما جاء بقوله تعالى «إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها».
ثم لما علم أنه ثم ما هو أصغر من البعوضة قال «فما فوقها» يعني في الصغر.
وهذا قول الله و التي في «الزلزلة» قول الله أيضا.
فاعلم ذلك فنحن نعلم أن الله تعالى ما اقتصر على وزن الذرة وثم ما هو أصغر منها، فإنه جاء بذلك على المبالغة والله أعلم. "20"
وأما تصغيره اسم ابنه فتصغير رحمة

…………………………………...
16 - راجع هامش 12 



17 -  ملاحظة *
قال تعالى في سورة الحج « ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير ) .
نورد هذه الآية ليقف القاريء أنه لا دخل في أن يكون لقمان أتم في الحكمة لو قال « إن الله كان لطيفا خبيرة » فإن هذا لا يغيب عن الشيخ وهو الحافظ صاحب التفاسير والقراءات ، وقد ورد عن الأنبياء « والله واسع عليم » ۰
فيبعد أن يكون هذا من كلام الشيخ رضي الله عنه .


18 - راجع المعنى الثابت صحته عن الشيخ في هامش رقم 7
 

19 - نفس المعنى جاء في الفتوحات ج 2 / 223 ، 226 وفي تفسير القرآن 
للشيخ رضي الله عنه « إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن ».
 

20 - ملاحظة *
يستبعد أن يكون هذا من كلام الشيخ الذي له اكثر من تفسير للقرآن وهو جامع للقراءات ويعلم أن الله تعالى قال في سورة سبأ- 3 « عالم الغيب لا يعزب عنه


ص 356


و لهذا أوصاه بما فيه سعادته إذا عمل بذلك.
وأما حكمة وصيته في نهيه إياه أن لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ، والمظلوم المقام حيث نعته بالانقسام وهو عين واحدة، فإنه لا يشرك معه إلا عينه وهذا غاية الجهل.
وسبب ذلك أن الشخص الذي لا معرفة له بالأمر على ما هو عليه، ولا بحقيقة الشيء إذا اختلفت عليه الصور في العين الواحدة، وهو لا يعرف أن ذلك الاختلاف في عين واحدة، جعل الصورة مشاركة للأخرى في ذلك المقام فجعل لكل صورة جزءا من ذلك المقام.
ومعلوم في الشريك أن الأمر الذي يخصه مما وقعت فيه المشاركة ليس عين الآخر الذي شاركه، إذ هو للآخر ».
فإذن ما ثم شريك على الحقيقة، فإن كل واحد على حظه مما قيل فيه إن بينهما مشاركة فيه.
وسبب ذلك الشركة المشاعة، وإن كانت مشاعة فإن التصريف من أحدهما يزيل الإشاعة.
«قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن» هذا روح المسألة. "21"
……………………………………...
مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ، ولا أصغر من داك ولا أكبر إلا في كاب مبين » فقد أثبت الحق مثقالا لأصغر من الذرة في كتاب مبين.


21 - الشرك بحق
قال تعالى : « إن الله لا يغفر أن يشرك به، وكذا هو لأنه لو ستر لم يشرك به. 
وهذا الاسم الله هو الذي وقع عليه الشرك فيما يتضمنه . فشارکه الاسم الرحمن . 
قال تعالى :" قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسني » فجعل للاسم الله شريكا في المعنى وهو الاسم الرحمن ، فالمشرکون هم الذين رفعوا على الشركة في الأسماء الإلهية لأنها اشتركت في الدلالة على الذات ، وسيزب بأعيانها بما تدل عليه من رحمة ومغفرة وانتقام وحياة وعلم وغير ذلك ، وإذ كان للشرك مثل هذا الوجه فقد قرب عليك مأخذ كل صفة يمكن أن نغفر ، فلا تجزع من أجل الشريك الذي شقي صاحبه ، فإن ذلك ليس بشرك على الحقيقة وأنت هو المشرك على الحقيقة ، لأن من شأن الشركة اتحاد العين المشترك فيه. 
فيكون لكل واحد الحكم فيه على السواء وإلا فليس بشريك مطلق ، وهذا الشريك الذي أثبته الشقي لم يتوارد مع الله على أمر يقع فيه الاشتراك ، فليس بشرك على الحقيقة ، بخلاف السعيد فإنه أشرك الاسم الرحمن بالاسم الله وبالأسماء كلها


ص 357


* * * * *
...........................

في الدلالة على الذات ، فهو أقوى في الشرك من هذا ، فإن الأول شريك دعوی كاذبة ، وهذا أثبت شريكا بدعوی صادقة ، فغفر لهذا المشرك بصدقه فيه ، ولم يغفر لذلك المشرك لكذبه في دعواه ، فهذا أولى باسم المشرك من الآخر .
راجع كتابنا شرح كلمات الصوفية « حظ الأولياء من الصفات المذمومة » ص 392 ۰
أو راجع فتوحات ج 1 / 115 ، 138 ، 226 ، 358
ج 2 / 135 ، 136 ، 138 ، 363 ، 482 ، 616 ، 617 ، 678



""  حظ الأولياء من الصفات المذمومة: من كتاب شرح كلمات الصوفية
قال صلى اللّه عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
فاعلم أن جميع مذام الأخلاق وسفسافها، صفات مخزية عند اللّه وفي العرف، وجميع مكارم الأخلاق، صفات شريفة في حق وخلق،
ألا ترى إلى قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق؛
فإنه نقص منها المسمى سفسافا، فعيّن لها مصارف فعادت مكارم أخلاق، فهي إذا اتصف بها العبد في المواطن المعينة لها، لم يلحقه خزي ولا كان ذا صفة مخزية،
فما ثمّ إلا خلق كريم مهما زال حكم الغرض النفسي، المخالف للأمر الإلهي والحد الزماني النبوي، فإن مكارم الأخلاق أعمال وأحوال إضافية، لأن الناس الذين هم محل مكارم الأخلاق على حالتين، كما أن الأخلاق محمودة وهي التي تسمى مكارم الأخلاق، ومذمومة وهي التي تسمى سفساف الأخلاق، والذين تصرف معهم مكارم الأخلاق وسفسافها،
اثنان وواحد: فالواحد هو اللّه، والاثنان نفسك - إذا جعلتها منك بمنزلة الأجنبي - وغيرك وهو كل ما سوى اللّه، وكل ما سوى اللّه على قسمين وأنت داخل فيهم: عنصري وغير عنصري،
فالعنصري تصريف الخلق معه حسي، وغير العنصري تصريف الخلق معه معنوي، والأعمال المعبر عنها بالأخلاق على قسمين:
صالح وهو مكارمها، وغير صالح وهو سفسافها، ولتعلم أن المخاطبين بها كما ذكرنا حر وعبد، فللعبد منها شرب وللحر منها شرب، فإذا أضفت الخلق إلى اللّه تعالى،
فكل ما سوى اللّه عبد للّه، وإذا أضفت الخلق بعضه إلى بعض، فهو بين حر وعبد، فأما حظ العبد من الأخلاق، فاعلم أن السيد على الإطلاق قد أوجب وحرم، فأمر ونهى،

وقد أباح فخير، وقد رجح فندب وكره، وما ثمّ قسم سادس، فكل عمل يتعلق به الوجوب - من أمر من السيد الذي هو اللّه - بعمل أو ندب إلى عمل،
فإن العمل به من مكارم الأخلاق - مع اللّه ومع نفسك - إن كان واجبا، وإن كان مندوبا إليه فهو من مكارم الأخلاق مع نفسك، فإن تضمن منفعة إلى الغير ذلك العمل،
كان أيضا من مكارم الأخلاق مع غيرك، وترك هذا العمل - إذا كان على هذا الحكم - من سفساف الأخلاق، وكل عمل يتعلق به التحريم أو الكراهة،
فالتقسيم فيه كالتقسيم في الواجب والمندوب إليه على ذلك الحد،

فترك ذلك العمل لاتصافه بالتحريم أو الكراهة من مكارم الأخلاق، وعمله من سفساف الأخلاق، وترك العمل فيه عمل روحاني لا جسماني، لأنه ترك لا وجود له في العين،
وأما العمل الذي تعلق به التخيير وهو المباح، فعمله من مكارم الأخلاق مع نفسك دنيا لا آخرة، فإن اقترن مع العمل كونه عملته لكونه مباحا مشروعا، كان من مكارم الأخلاق مع اللّه ومع نفسك دنيا وآخرة، وكذلك حكمه في ترك المباح على هذا التقسيم سواء،

فجميع الأقسام تتعلق بالعبد، وقسم المباح يتعلق بالحر، وقسم المكروه والمندوب إليه يتعلق بالحر، وفيه من روائح العبودية شمة لا حقيقة، والشرع قد عين لك مكارم الأخلاق،
ولما كان من المحال أن يقوم الإنسان في خلق كريم يرضي جميع الخلائق، فإنه إن أرضى زيدا أسخط عدوه عمرا، لابد من ذلك، فلما رأينا الأمر على هذا الحد،
قلنا: لا نصرف مكارم الأخلاق إلا في صحبة اللّه خاصة، فكل ما يرضي اللّه نأتيه، وكل ما لا يرضيه نجتنبه، وسواء كانت المعاملة والخلق مما يخص جانب الحق أو تتعدى إلى الغير، وإنها وإن تعدت إلى الغير فإنها مما يرضي اللّه، وسواء عندك سخط ذلك الغير أو رضي، فإنه إن كان مؤمنا رضي بما يرضي اللّه،
وإن كان عدوا للّه فلا اعتبار له، فحسن الخلق إنما هو فيما يرضي اللّه، فلا تصرفه إلا مع اللّه، سواء كان ذلك في الخلق أو فيما يختص بجناب اللّه .أهـ  (فتوحات ج 2/ 616) ""


ص 358

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Empty
مُساهمةموضوع: 24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  Emptyالخميس مارس 12, 2020 2:11 am

24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه  

الفص الهاروني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
 الجزء الأول
24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية
اعلم أن وجود هارون عليه السلام كان من حضرة الرحموت بقوله تعالى «ووهبنا له من رحمتنا» يعني لموسى «أخاه هارون نبيا». "2"
فكانت نبوته من حضرة الرحموت فإنه أكبر من موسى سنا، وكان موسى أكبر منه نبوة.  ولما كانت 
……………………….
1 - المناسبة بين تسمية الفص بحكمة إمامية هي أن هارون عليه السلام كان إماما ولم يكن خليفة بل كان خليفة الخليفة وهو موسى عليه السلام فلم يكن عمد هارون عليه السلام قوة الإرداع التي للخليفة.

2 - موسى وهارون عليهما السلام *
إن موسى عليه السلام أسبق من هارون عليه السلام . فإنه أرسل قبله . فال هارون عليه السلام للشيخ « أما أنا فنبي بحكم الأصل ، وما أخذت الرسالة إلا بسؤال أخي ، فكان يوحى إلي بما کنت عليه » . الفتوحات ج 3/ 349.
على هذا يحمل كلمة «أکبر » هنا ، لا بمعنى المفاضلة فإن ذلك يخالف مذهب الشيخ فهو القائل « لا ذوق لنا ولا لغيرنا ولا لمن ليس بنبي صاحب شريعة في نبود التشريع ولا في الرسالة ، فكيف تكلم في مقام لم نصل إليه ، وعلى حال لم نذقه . لا أنا ولا غيري ممن ليس بنبي ذي شريعة من الله ولا رسول . حرام علينا الكلام فيه »
 ويقول «لا ذوق لأحد في ذوق الرسل ، لأن أذواق الرسل مخصوصة بالرسل. وأذواق الأنبياء مخصوصة بالأنبياء ، وأذواق الأولياء مخصوصة بالأولياء .. فلا ذوق للولي في حال من أحوال أنبياء الشرائع ، فلا ذوق لهم فيه ، ومن أصولنا أنا لا تتكلم إلا عن ذوق ، ونحن لسنا برسل ولا أنبیاء شريعة ، فبأي شيء نعرف من أي مقام سأل موسى الرؤية ربه ۰۰۰ » 
ويؤكد الشيخ فيقول : « إني لست بنبي فذوق الأنبياء لا يعلمه سواهم » . الفتوحات ج 2 / 24 ، 51 ، 85.
 
ص 359

نبوة هارون من حضرة الرحمة، لذلك قال لأخيه موسى عليهما السلام «يا بن أم» فناداه بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم. ولو لا تلك الرحمة ما صبرت على مباشرة التربية.
ثم قال «لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي وفلا تشمت بي الأعداء». "3"
فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة.
و سبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه.
فلو نظر فيها نظر تثبت لوجد فيها الهدى و الرحمة.
فالهدى بيان ما وقع من الأمر الذي أغضبه مما هو هارون بري ء منه.
والرحمة بأخيه، "4"
فكان لا يأخذ بلحيته بمرأى من قومه مع كبره وأنه أسن منه.
فكان ذلك من هارون شفقة على موسى لأن نبوة هارون من رحمة الله، فلا يصدر منه إلا مثل هذا.
ثم قال هارون لموسى عليهما السلام «إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل» فتجعلني سببا في تفريقهم فإن عبادة العجل فرقت بينهم، فكان منهم من عبده اتباعا للسامري وتقليدا له، ومنهم من توقف عن عبادته حتى يرجع موسى إليهم فيسألونه في ذلك.
فخشي هارون أن ينسب ذلك الفرقان بينهم إليه، فكان موسى أعلم بالأمر من هارون لأنه علم ما عبده أصحاب العجل، لعلمه بأن الله قد قضى ألا يعبد إلا إياه: و ما حكم الله بشيء إلا وقع.
فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه."5"
فإن العارف 
…………………………………..
3 - لما ظهر موسى عليه السلام على أخيه هارون عليه السلام بصفة القهر بأن أخذ برأسه يجره إليه . ناداه بأشفق الأبوين فقال : « يا ابن أم » فناداه بالرحم . 
الفتوحات ج 2 / 277

4 ۔ أخذ الألواح *
لو لم يلق موسى عليه السلام الألواح ما أخذ برأس أخيه، فإن في نسختها الهدى والرحمة ، تذكرة لموسى فكان يرحم أخاه بالرحمة ، وتنبين مسألته مع قومه ، ولما سكت عن موسى الغضب ، قبل عذر أخيه وأخذ الألواح ، فما وقعت عيناه ما كتب فيها إلا على الهدى والرحمة ، فقال « رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين » . الفتوحات ج 2 / 277

5 ۔ ملاحظة *
هذا الكلام لا تصح نسبته إلى الشيخ لما هو ثابت عنه كما جاء في الهامش "2"
راجع كتابنا الرد على ابن تيمية ص 25

""   كلام الشيخ الأكبر عن مقام الأنبياء عليهم السلام :
وأما عن مقام الأنبياء فيقول في:
الفتوحات الجزء الأول من الصفحة 465:
إن اللّه اصطفى من كل جنس نوعا، ومن كل نوع شخصا، واختاره عناية منه بذلك المختار، أو عناية بالغير بسببه، وقد يختار من الجنس النوعين والثلاثة، وقد يختار من النوع الشخصين والثلاثة والأكثر، فاختار من النوع الإنساني المؤمنين، واختار من المؤمنين الأولياء، واختار من الأولياء الأنبياء، واختار من الأنبياء الرسل، وفضّل الرسل بعضهم على بعض، ولولا ورود النهي من الرسول صلى اللّه عليه وسلم في قوله: لا تفضلوا بين الأنبياء؛ لعينت من هو أفضل الرسل، ولكن أعلمنا اللّه أنه فضل بعضهم على بعض، فمن وجد نصا متواترا فليقف عنده أو كشفا محققا عنده.


ويقول في الفتوحات الجزء الثاني الصفحة 5:
هذا النوع الإنساني للّه فيه خصائص وصفوة، وأعلى الخواص فيه من العباد الرسل عليهم السلام، ولهم مقام النبوة والولاية والإيمان، فهم أركان بيت هذا النوع، والرسول أفضلهم مقاما وأعلاهم حالا، أي المقام الذي يرسل منه أعلى منزلة عند اللّه من سائر المقامات، وهم الأقطاب والأئمة والأوتاد، الذين يحفظ اللّه بهم العالم، كما يحفظ البيت بأركانه، فلو زال ركن منها زال كون البيت بيتا، ألا إن البيت هو الدين، ألا إن أركانه هي الرسالة والنبوة والولاية والإيمان، ألا إن الرسالة هي الركن الجامع للبيت وأركانه، ألا إنها هي المقصودة من هذا النوع، فلا يخلو هذا النوع أن يكون فيه رسول من رسل اللّه، كما لا يزال الشرع الذي هو دين اللّه فيه، ألا إن ذلك الرسول هو القطب المشار إليه، الذي ينظر الحق إليه، فيبقى به هذا النوع في هذه الدار ولو كفر الجميع، ألا إن الإنسان لا يصح عليه هذا الاسم، إلا أن يكون ذا جسم طبيعي وروح، ويكون موجودا في هذه الدار الدنيا بجسده وحقيقته، فلا بد أن يكون الرسول الذي يحفظ به هذا النوع الإنساني، موجودا في هذه الدار بجسده وروحه يتغذى، وهو مجلى الحق من آدم إلى يوم القيامة، ولما كان الأمر على ما ذكرناه، ومات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد ما قرر الدين الذي لا ينسخ، والشرع الذي لا يبدّل، ودخلت الرسل كلهم في هذه الشريعة يقومون بها، والأرض لا تخلو من رسول حي بجسمه، فإنه قطب العالم الإنساني، ولو كانوا ألف رسول، لابد أن يكون الواحد من هؤلاء هو الإمام المقصود، فأبقى اللّه تعالى بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الرسل الأحياء بأجسادهم في هذه الدار الدنيا ثلاثة، وهم: إدريس عليه السلام بقي حيا بجسده، وأسكنه اللّه السماء الرابعة، والسماوات السبع هن من عالم الدنيا، وتبقى ببقائها وتفنى صورتها بفنائها، فهي جزء من الدار الدنيا، وأبقى في الأرض أيضا إلياس وعيسى "( لأن عيسى عليه السلام ينزل إلى الأرض أما إدريس عليه السلام فيبقى في السماء الرابعة إلى نفخة الصعق.)"
وكلاهما من المرسلين، وهما قائمان بالدين الحنيفي الذي جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم، فهؤلاء ثلاثة من الرسل المجمع عليهم أنهم رسل، وأما الخضر وهو الرابع فهو من المختلف فيه عند غيرنا لا عندنا، فهؤلاء باقون بأجسامهم في الدار الدنيا، فكلهم الأوتاد، واثنان منهم الإمامان، وواحد منهم القطب، الذي هو موضع نظر الحق من العالم، فما زال المرسلون ولا يزالون في هذه الدار إلى يوم القيامة، وإن لم يبعثوا بشرع ناسخ، ولا هم على غير شرع محمد صلى اللّه عليه وسلم، لكن أكثر الناس لا يعلمون.

ويقول في كتاب «التراجم» في باب ترجمة الاستواء:
الرسل خلفاء اللّه في الأرض، فهم موضع نظر الحق، ومحل المعرفة، وأصحاب الولاية، فاعرف قدرك. كلام الشيخ الأكبر عن علوم الأنبياء وأذواقهم
أما عن علوم الأنبياء وأذواقهم، فيقول الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي رضي اللّه عنه في الجزء الثاني من الفتوحات الصفحة 24: ما توقفنا عن الكلام في مقام الرسول والنبي صاحب الشرع، إلا أن شرط أهل الطريق فيما يخبرون عنه من المقامات والأحوال، أن يكون عن ذوق، ولا ذوق لنا ولا لغيرنا ولا لمن ليس بنبي صاحب شريعة، في نبوة التشريع ولا في الرسالة، فكيف نتكلم في مقام لم نصل إليه، وعلى حال لم نذقه، لا أنا ولا غيري، ممن ليس بنبي ذي شريعة من اللّه ولا رسول، حرام علينا الكلام فيه، فما نتكلم إلا فيما لنا فيه ذوق، فما عدا هذين المقامين فلنا الكلام فيه عن ذوق، لأن اللّه ما حجّره.


الفتوحات الجزء الثاني الصفحة 51:
لا ذوق لأحد في ذوق الرسل، لأن أذواق الرسل مخصوصة بالرسل، وأذواق الأنبياء مخصوصة بالأنبياء، وأذواق الأولياء مخصوصة بالأولياء، فبعض الرسل عنده الأذواق الثلاثة، لأنه ولي ونبي ورسول، حضرت في مجلس فيه جماعة من العارفين، فسأل بعضهم بعضا: من أي مقام سأل موسى الرؤية؟

فقال له الآخر: من مقام الشوق، فقلت له: لا تفعل، أصل الطريق أنها نهايات الأولياء بدايات الأنبياء، فلا ذوق للولي في حال من أحوال أنبياء الشرائع، فلا ذوق لهم فيه، ومن أصولنا أنا لا نتكلم إلا عن ذوق، ونحن لسنا برسل ولا أنبياء شريعة، فبأي شيء نعرف من أي مقام سأل موسى الرؤية ربه؟
نعم لو سألها ولي أمكنك الجواب، فإن في الإمكان أن يكون لك ذلك الذوق، وقد علمنا من باب الذوق، أن ذوق مقام الرسل لغير الرسل ممنوع، فالتحق وجوده بالمحال العقلي.

الفتوحات الجزء الثاني الصفحة 84: 
كلام اللّه للرسل لا يعرفه إلا الرسل، ولا ذوق لنا فيه، ولو عرّفنا به ما عرفناه، ولو عرفناه لكنا رسلا مثلهم، ولاحظ لنا في رسالتهم ولا في نبوتهم، وكلامنا لا يكون إلا عن ذوق، فاعلموا من أين نتكلم؟ وفيمن أتكلم؟ وعمن نبين؟
هذا هو أدب الشيخ الأكبر مع الأنبياء، أهـ . ""

 
ص 360


من يرى الحق في كل شيء، بل يراه كل شيء. "6"
فكان موسى يربي هارون تربية علم و إن كان أصغر منه في السن.
ولذا لما قال له هارون ما قال، رجع إلى السامري فقال له «فما خطبك يا سامري» يعني فيما صنعت من عدو لك إلى صورة العجل على الاختصاص، و صنعك هذا الشبح من حلي القوم حتى أخذت بقلوبهم من أجل أموالهم.
فإن عيسى يقول لبني إسرائيل «يا بني إسرائيل قلب كل إنسان حيث ماله، فاجعلوا أموالكم في السماء تكن قلوبكم في السماء».
وما سمي المال مالا إلا لكونه بالذات تميل القلوب إليه بالعبادة.
فهو المقصود الأعظم المعظم في القلوب لما فيها من الافتقار إليه.
وليس للصور بقاء، فلا بد من ذهاب صورة العجل لو لم يستعجل موسى بحرقه. فغلبت عليه الغيرة فحرقه ثم نسف رماد تلك الصورة في اليم نسفا. "7"
وقال له «انظر إلى إلهك» فسماه إلها بطريق التنبيه للتعليم، 
……………………………………...
أما المعنى الذي يذهب إليه الشيخ في قوله تعالى :" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه معنى : "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه "
فراجع فص 3 هامش 8 ص 70


""8 - مشاهدة الحق في كل اعتقاد "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه" فص 3 هامش 8 ص 70
لله رجال أعطاهم الله الفهم والاتساع وحفظ الأمانة أن يفهموا عن الله جميع إشارات كل مشار إليه ، وهم الذين يعرفونه في تجلي الإنكار ، والشاهدون إياه في كل اعتقاد ، والحمد لله الذي جعلنا منهم إنه ولي ذلك.
قال تعالى : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " أي حكم ، وقضاء الحق لا يرد . والعبادة ذلة في اللسان المنزل به هذا القرآن ، قال تعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" ، فإن العبادة ذاتية للمخلوق لا يحتاج فيها إلى تكليف .
فكما قال : « يا أيها الناس أتم الفقراء إلى الله » ولم يذكر افتقار مخلوق .لغير الله ، قضى أن لا يعبد غير الله ، فمن أجل حكم الله عبدت الآلهة ، فلم يكن المقصود بعبادة كل عابد إلا الله ، فما عبد شيء لعينه إلا الله .
وإنما أخطأ المشرك حيث نصب لنفسه عبادة بطريق خاص لم يشرع له من جانب الحق ، فشقي لذلك .
فإنهم قالوا في الشركاء « ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله » فاعترفوا به وأنزلوهم منزلة النواب الظاهرة بصورة من استنابهم .
وما ثم صورة إلا الألوهية فنسبوها إليهم ، فكان قوله تعالی : « وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه » من الغيرة الإلهية حتى لا يعبد إلا من له هذه الصفة .
فكان من قضائه أنهم اعتقدوا الإله ، وحينئذ عبدوا ما عبدوا ، مع أنهم ما عبدوا في الأرض من الحجارة والنبات والحيوان ، وفي السماء من الكواكب والملائكة ، إلا لاعتقادهم في كل معبود أنه إله لا لكونه حجرا ولا شجرة ولا غير ذلك .
وإن أخطأوا في النسبة فما أخطأوا في المعبود ، فعلى الحقيقة ما عبد المشرك إلا الله ، وهو المرتبة التي سماها إلها ، لأنه لو لم يعتقد الألوهية في الشريك ما عبده .
فإنه ما عبد من عبد إلا بتخيل الألوهية فيه ، ولولاها ما عبد.


ولذاك قال تعالى : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " فما عبد أحد سوى الله ، حتى المشركون ما عبدوه إلا في الهياكل المسماة شركاء ،فما عبدت إلا الألوهية في كل من عبد من دون الله.
لأنه ما عبد الحجر لعينه ، وإنما عبد من حيث نسبة الألوهة له ، فإن المشرك ما عبد شيئا إلا بعد ما نسب إليه الألوهة ، فما عبد إلا الله ..
فالكامل من عظمت حيرته و دامت حسرته ، ولم ينل مقصوده لما كان معبوده ، وذلك أنه رام تحصیل ما لا يمكن تحصيله ، وسلك سبيل من لا يعرف سبيله .
والأكمل من الكامل من اعتقد فيه كل اعتقاد ، وعرفه في الإيمان والدلائل وفي الإلحاد ، فإن الإلحاد ميل إلى اعتقاد معين، من اعتقاد ، فاشهدوه بكل عين إن أردتم إصابة العين ، فإنه عام التجلي ، له في كل صورة وجه ، وفي كل عالم حال .
الفتوحات ج1 ص  238 , 405 , 589 .  ج2 ص 92 , 212 , 326 , 498.  ج4 ص 100 , 101 , 415 . ""

6 - راجع وحدة الوجود  فص 1 هامش  ص


7 - قصة السامري *
إنما كان عجلا لأن السامري لما مشى مع موسى عليه السلام في السبعين الذين مشوا معه ، کشف الله عنه غطاء بصره ، فما وقعت عينه إلا على الملك الذي على صورة الثور ، وهو من حملة العرش ، لأنهم أربعة وأحد على صورة أسد، وآخر على صورة نسر ، وآخر على صورة ثور ، ورابع على صورة إنسان ، 
فلما أبصر السامري العجل تخيل أنه إله موسى الذي يكلمه ، فصور لهم العجل وصاغه من حليهم ، ليتبع قلوبهم أموالهم ، لعلمه أن المال حبه منوط بالقلب ، وعلم أن حب المال يحجبهم أن ينظروا فيه هل يضر أو ينفع أو يرد عليهم قولا إذا سألوه ، وكان قد عرف جبريل حين جاءه وأنه لا يمر بشيء إلا حيى بمروره فقبض قبضة من أثر فرس جبريل ورمى بها في العجل ، فحيى العجل وخار لأنه عجل ، والخوار صوت البقر « فقالوا » وقال لهم « هذا إلهكم وإله موسى فنسي » أي ونسي السامري إذا سأله عابدوه «انه لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا تفعا » ، فقال تعالى


ص 361


* * * * *
…………………………………..
« أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ، أي إذا سئل لا ينطق، والله يكون متصفا بالقول « ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ، أي لا ينتفعون به ، ومن لا يدفع الضر عن نفسه كيف يدفع الضر عن غيره . 
ولقد قال لهم هارون من قبل یا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ، 
قوله « إنما فتنتم به » أي اختبرتم به لتقوم الحجة الله عليكم إذا سئلتم « وإن ربكم الرحمن » ومن رحمته به أن أمهلكم ورزقكم مع كونكم اتخذتم إلها تعبدونه غيره سبحانه ، 
ثم قال لهم « فاتبعوني » لما علم أن في اتباعهم إياه الخير « وأطيعوا أمري » لكون موسى عليه السلام أقامه فيهم نائبا عنه « قالوا لن نبرح عليه » « یریدون عبادة العجل » عاكفين « أي ملازمين » حتى يرجع إلينا موسى الذي بعث إلينا وأمرنا بالإيمان به ، فحجبهم هذا النظر أن ينظروا فيما أمرهم هارون عليه السلام . فلما رجع موسى إلى قومه ، وجدهم قد فعلوا ما فعلوا ، 
فألقى الألواح من يده و « قال یا هارون ما منعك إذا رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري » وأخذ برأس أخيه يجره عقوبة له بتأنيه في قومه 

فناداه هارون عليه السلام بأمه فإنها محل الشفقة والحنان « قال يا بنتوم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي » يقول « إني خشيت » لما وقع ما وقع من قومت أن تلومني على ذلك وتقول « فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب » أي تلزم « قولي » « الذي أوصيتك به » 
ولما سكت عن موسى الغضب قبل عذر أخيه ، وأخذ الألواح ، فما وقعت عيناه مما كتب فيها إلا على الهدى والرحمة ، 
فقال « رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين ، 
وأما الذين عبدوا العجل فما أعطوا النظر الفكري حقه للاحتمال الداخل في القصة ، فما عذرهم الحق ، ولا وفي عابدوه النظر في ذلك ، 
ثم رد موسي وجهه إلى السامري « قال ما خطبك يا سامري » أي
*  راجع ما تحته خط من المتن وهامش 5 ، ص 360


ص 362


* * * * *
…………………………………….
ما حدثك يا سامري " قال " له السامري " بصرت بما لم يبصروا به "، وهو ما رآه من صورة الثور الذي هو أحد حملة العرش ، فظن أنه إله موسى الذي يكلمه ، فلذلك صنعت لهم العجل ، وعلمت أن جبريل ما يسر بوضع إلا حيي به لأنه روح لذلك « فقبضت قبضة من أثر الرسول » جبريل لعلمي بتلك القبضة « فنبذتها » في العجل فخار « وكذلك سولت لي نفسي » فما فعله السامري إلا عن تأوبل  فضل وأضل . 

قال ابن عباس : ما وطيء جبريل عليه السلام قط موضعة من الأرض إلا حيى ذلك الموضع - فلما أبصر السامري جبريل عليه السلام حين جاء لموسى عليه السلام ، وعرفه وعلم أن روحه عين ذاته وأن حياته حياة ذاتية فلا يطأ موضعا إلا حيى ذلك الموضع بمباشرة تلك الصورة الممثلة إياه ، وعلم أن وطأته يحيا بها ما وطئه من الأشياء ، فقبض قبضة من أثر الرسول ، فلما صاغ. العجل وصوره نبذ فيه تلك القبضة فحيي ذلك العجل وخار ، وكان ذلك من إلقاء الشيطان في نفس السامري ، لأن الشيطان، يعلم منزلة الأرواح ، 

فوجد السامري في نفسه هذه القوة ، وما علم أنها من إلقاء إبليس من حرصه على إضلاله بما يعتقده من الشريك الله تعالى « قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس ، وإن لك موعدا لن تخلفه ، وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا » 

وإذا حرقه ونسفه لم ينتفع به ، فإنه لو أبقاه دخلت عليهم الشبهة، بما يوجد في ذلك الحيوان من الضرر والنفع « إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ، وسع كل شيء علما » 
هذا التوحيد هو الثامن عشر في القرآن وهو توحيد السعة من توحید الهوية ، وهو توحيد تنزيه لئلا يتخيل في سعته الظرفية للعالم ، 
فقال إن سعته علمه بكل شيء لا أنه ظرف لشيء ، وسبب هذا التوحيد لما جاء في قصة السامري 
وقوله عن العجل لما نبذ فيه ما قبضه من أثر الرسول ، فكان العجل ظرفا لما تبذ فيه ، فلما


ص 36

لما علم أنه بعض المجالي الإلهية:  "8" «لنحرقنه» فإن حيوانية الإنسان لها التصرف في حيوانية الحيوان لكون الله سخرها للإنسان، ولا سيما و أصله ليس من حيوان، فكان أعظم في التسخير لأن غير الحيوان ما له إرادة بل هو بحكم من يتصرف فيه من غير إبائه.
وأما الحيوان فهو ذو إرادة وغرض فقد يقع منه الإباءة في بعض التصريف: فإن كان فيه قوة إظهار ذلك ظهر منه الجموح لما يريده منه الإنسان وإن لم يكن له هذه القوة أو يصادف غرض الحيوان انقاد مذللا لما يريده منه، ، كما ينقاد مثله لأمر 
………………………………...
خار العجل .
قال «هذا إلهكم وإله موسى» فقال الله «إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو» لا ترکيب فيه " وسع كل شيء علما "، أي هو عالم بكل شيء أكذب السامري في قوله ، ثم نصب لهم الأدلة على كذب السامري مع كون العجل خار .

"يتضح للقارىء مما أثبتناه مما صح نسبته للشيخ هنا من تفسير مدى التزام الشيخ الأدب مع حضرة النبوة ، فلا يتصور منه أن يتكلم بما وقع في هذا الفص مما جرى بين موسى وهارون عليهما السلام وهو الذي يرفض أن يتكلم أحد عن أي مقام سأل فيه موسى الرؤيه فكيف يصح ما ذكر هنا من قوله إن موسى عليه السلام اکبر نبوة من هارون ، وأنه أعلم بالأمر من هارون ، وأن موسى عليه السلام عتب اخاه هارون على إنكاره على قومه عبادة العجل وعدم اتساع هارون عليه السلام وأن موسى كان يربي هارون تربية علم كل هذا لا يصح إطلاقا نسبته إلى الشيخ مع تقريره المبادىء التي أوردناها "
في الهامش رقم 2 ومع ثبت ما أوردناه عنه في هذا الهامش . 
الفتوحات ج 1 / 168 ، 327 ، 584 - ج 2 / 277 ، 413 - ج 3 / 346 - كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار.


8 -  ملاحظة "لما علم أنه بعض المجالي الإلهية" *
هذا الشاهد لا يتناسب إطلاقا مع المقصود من إثباته في هذا النص وهو أن الحق عام التجلي ، له في كل وجه صورة ، وفي كل عالم حال ، فإن ما أورده في هذا العني في شرح تفسيره لقوله تعالى :" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " أکثر مناسبة ووضوحا ودلالة من تكلف هذا الشاهد، وهو ما أشرنا إليه في مقدمتنا ص 7

 
ص 364


فيما رفعه الله به من أجل المال الذي يرجوه منه المعبر عنه في بعض الأحوال بالأجرة في قوله «ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا».
فما يسخر له من هو مثله إلا من حيوانيته لا من إنسانيته: فإن المثلين ضدان، فيسخره الأرفع في المنزلة بالمال أو بالجاه بإنسانيته ويتسخر له ذلك الآخر إما خوفا أو طمعا من حيوانيته لا من إنسانيته: فما تسخر له من هو مثله أ لا ترى ما بين البهائم من التحريش لأنها أمثال؟
فالمثلان ضدان، ولذلك قال ورفع بعضكم فوق بعض درجات: فما هو معه في درجته.
فوقع التسخير من أجل الدرجات.
والتسخير على قسمين: تسخير مراد للمسخر، اسم فاعل قاهر في تسخيره لهذا الشخص المسخر كتسخير السيد لعبده وإن كان مثله في الإنسانية، وكتسخير السلطان لرعاياه، وإن كانوا أمثالا له فيسخرهم بالدرجة.
والقسم الآخر تسخير بالحال كتسخير الرعايا للملك القائم بأمرهم في الذب عنهم وحمايتهم و قتال من عاداهم و حفظه أموالهم و أنفسهم عليهم.
وهذا كله تسخير بالحال من الرعايا يسخرون في ذلك مليكهم، و يسمى على الحقيقة تسخير المرتبة. فالمرتبة حكمت عليه بذلك.
فمن الملوك من سعى لنفسه، و منهم من عرف الأمر فعلم أنه بالمرتبة في تسخير رعاياه، فعلم قدرهم و حقهم، فآجره الله على ذلك أجر العلماء بالأمر على ما هو عليه وأجر مثل هذا يكون على الله في كون الله في شئون عباده. "9"
فالعالم كله مسخر بالحال من لا يمكن أن يطلق عليه 
…………………………………………….
9 - التسخير
قال تعالى « ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا» الآية
ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات " يعني الخلق" ، فدخل فيه جميع بني آدم دنیا و آخرة ، فجعل تعالى العالم فاضلا مفضولا ، ومن وجه آخر ، « ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات » بإعطاء كمال الإنسانية بالصورة الإلهية التي خلق عليها بعضهم « ليتخذ بعضهم ، وهم الذين رفعهم الله " بعضا"،

وهم الأناسي الحيوانيون « سخريا » فجعل تعالی علة التسخير رفعة بعضنا على بعض بالدرجة التي يحتاج إليها المسخر له ، 
فإن الله قد جعل العالم على مراتب ودرجات مفتقرا بعضه إلى بعض ، وأعلم أن التسخير قد يكون إذلالا وقد يكون القيام بما يحتاج إليه ذلك المسخر له بالحال ، وهذا الفرقان بين التسخيرين بما تعطيه حقيقة المسخر والمسخر له،

 
ص 365

أنه مسخر. قال تعالى «كل يوم هو في شأن».  "10"
فكان عدم قوة إرداع هارون 
……………………………..
فالعبد الذي هو الإنسان مسخر لفرسه ودابته فينظر منها في سقيها و علفها وتفقد أحوالها مما فيه صلاحها وصحتها وحياتها ، وهي مسخرة له بطريق الإذلال لحمل أثقاله ورکوبه واستخدامه إياها في مصالحه ، وهكذا في النوع الإنساني برفع الدرجات بينهم فبالدرجة يسخر بعضهم بعضا ، 
فتقضي درجة الملك أن يسخر رعيته فيما يريده بطريق الإذلال للقيام بمصالحه لافتقاره إلى ذلك ، وتقتضي درجة الرعايا والسوقه أن تسخر الملك في حفظها والذب عنها وقتال عدوها والحكم فيما يقع بينها من المخاصمات وطلب الحقوق ، فهذه سخرية قيام لا سخرية إذلال اقتضتها درجة السوقة ودرجة الملك ، 


وبذلك يكون الخلق مسخرا اسم فاعل ومسخرة اسم مفعول، ففي رفع الدرجات جعل الله التسخير بحسب الدرجة التي يكون فيها العبد أو الكائن فيها ، كان من كان ، فيقتضي الكائن فيها أن يسخر له من هو في غيرها ، ويسخره أيضا من هو في درجة أخرى ، وقد تكون درجة المسخر اسم مفعول أعلى من درجة المسخر اسم فاعل ولكن في حال تسخير الأرفع بما سخره فيه ، شفاعة المحسن في المسيء إذا سأل المسيء الشفاعة فيه ، وفي حديث النزول في الثلث الباقي من الليل غنية وكفاية وشفاء لما في الصدور من عقل (1) ، 
ولما كانت الدرجة حاكمة اقتضى أن يكون الأرفع مسخرا اسم مفعول ، وتكون أبدأ تلك الدرجة أنزل من درجة المسخر اسم فاعل ، والحكم للأحوال ، 
كدرجة الملك في ذبة عن رعيته وقتاله عنهم وقيامه بمصالحهم ، والدرجة تقتضي له ذلك ، والتسخير يعطيه النزول في الدرجة عن درجة المسخر له اسم مفعول . 
الفتوحات  ج 3 / 287 ، 405 ، 442 - ج 4 / 227


10 - "يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن " الآية
« يسأله من في السموات والأرض » بلسان حال ولسان مقال ، وهكذا ينبغي أن يكون الملك يستشرف كل يوم على أحوال أهل ملکه ، فما له شغل إلا بها، فيقول تعالى « كل يوم هو في شأن » اليوم هنا قدر نفس المتنفس في الزمان الفرد ،

(1) إشارة لما تحته خط في المتن ص 365 مع اختلاف في انتقاء اللفظ .



ص  366


بالفعل أن ينفذ في أصحاب العجل بالتسليط على العجل كما سلط موسى عليه، حكمة 
……………………………………………………...
فإن الأيام كثيرة ، منها كبير وصغير ، وأصغر الأيام الزمن الفرد الذي لا يقبل القسمة ، فسمي الزمان الفرد يوما لأن الشأن يحدث فيه ، فهو أصغر الأزمان وأدقها ولا حد لأكبرها يوقف عنده ، وبينهما أيام متوسطة ، 
أولها اليوم المعلوم في العرف وتفصله الساعات ، فاليوم في هذه الآية هو الزمن الفرد في كل شيء الذي لا ينقسم ، وأنشأن هو ما يحدثه الله من التغييرات في الأكوان ، وهو ما نحن فيه ، وهو بخلقه . 
فالشأن ليس إلا الفعل ، وهو ما يوجده الله في كل يوم من أصغر الأيام ، فوصف الحق نفسه أنه « كل يوم في شأن ، يعني أنه هو في شؤون ، وليست التصريفات والتقليبات والعالم سوى هذه الشؤون التي الحق فيها ، 

وذلك راجع إلى التحول الإلهي في الصور الوارد في الصحيح، فمن هناك ظهر التغيير في الأكوان أبد الآبدين إلى غير نهاية لتغير الأصل ، ومن هذه الحقيقة ظهر حكم الاستحالة في العالم وهو الشؤون المختلفة ، لأنه ما ثم إلا الله والتوجه وقبول الممكنات لما أراد الله بذلك ، 

فالحق في شؤون على عدد ما في الوجود من أجزاء العالم الذي لا ينقسم ، كل جزء منه بهذا الشرط ، فهو في شأن مع كل جزء من العالم ، بأن يخلق فيه ما يقيه سوی ما يحدثه مما هو قائم بنفسه في كل زمان فرد ، 
وتلك الشؤون أحوال المخلوفين وهم المكحال لوجودها ، فإنه فيهم يخلق تلك الشؤون دائمة ، وهي الأحوال ، فهي أعراض تعرض للكائنات يخلقها فيهم . 


عبر عنها بالشأن الذي هو فيه ، دنیا وآخرة ، فلا يزال العالم من خلقه الله إلى غير نهاية في الآخرة والوجود في أحوال توالى عليه ، الله خالقها دائما ، بتوجهات إرادية ، فشؤون الحق لا تظهر إلا في أعيان الممكنات ، وشؤون الحق هي عين استعدادك ، فلا يظهر فيك من شؤون الحق التي هو عليها إلا ما يطلبه استعدادك فإن حكم استعداد الممكن بالإمكان أدى إلى أن يكون شأن الحق فيه الإيجاد ، ألا ترى أن المحال لا يقبله ، فشؤون الحق هي أحوال خلقه يجددها لهم في كل يوم ، أي زمان فرد .
فلا يتمكن للعالم استقرار على حالة واحدة وشان واحد ، لأنها أعراض والأعراض لا تبقى زمانين مطلقا ، فلا وجود لها إلا زمان

ص 367
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
» شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي
» شرح الشيخ عبد الرزاق القاشاني .على متن كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي
» شرح الشيخ عيد الغني النابلسى كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» شرح داود بن محمود بن محمد القَيْصَري فى كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم على فصوص الحكم الشيخ الأكبر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: