| تصديق الوعد واستمطار سُحُب الفضل | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
فقير الاسكندريه
عدد الرسائل : 76 تاريخ التسجيل : 08/01/2008
| موضوع: تصديق الوعد واستمطار سُحُب الفضل الإثنين أبريل 21, 2008 12:29 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُوَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾
وقال تعالى فيما نقله رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ"
والصلاة والسلام على النبي القائل: "يَدُ الله ملأى ، لا تَغِيضُها نفقةٌ ، سحَّاءُ الليلَ والنهارَ،أفرأيتم ما أنفقَ منذ خلق السماوات والأرض ؟ فإنَّه لم يَغِضْ ما فييَمينه"
ورضي الله عن شيخنا رزق السيد عبده الحامدي الشاذلي القائل: "العقيدة قوة تنفعل لهاالأشياء".
اللهم فصلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم صلاةً تؤيدُ لنا بها اليقين وتوسعُ بها علينا ما تخلفه ظاهراً وباطناً دنيا وأخرى، وتقوي بها تصديقنا في وعدك، وتقطع بها تعلق قلوبنا بالعطاء من غيرك، حتى لا نشهد عطاءً إلا منك ابتداءً وحقيقةً، وتُقويَ بها عقديتنا، وتتوب بها علينا من الالتفات إلى الأغيار، ومن صحبة الفجار، وتدركُ بها قلوبنا من آثارِ سمِ صحبة الغافلين ومنهم أنفسنا الغافلة فقد ابتلينا بصحبتها ضرورةً إلى حين، والضرورة تقدر بقدرها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم أما بعد...
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد...
فقد شاء المولى تعالى أن التقي بأحد الأساتذة الأجلاء الحاصلين على درجة الدكتوراه في علم التفسير وهو من مكة المكرمة زادها الله شرفاً، وأن يتطرق بنا الحديث إلى معانٍ من تفسير كتاب الله العزيز، وأنه كيف أن السياق له أثر كبير في ترجيح المعنى في التفسير، ومن ذلك ما ذكره لي في قوله تعالى:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىوَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُلِلْيُسْرَى﴾ وأن التفسير الذي يميل إليه هذا الأستاذ الدكتور هو ما جاء عند الكثيرين من المفسرين من أن الحسنى هناهي الخَلَف وهو ما يخلفه الله على المنفق.
ومنذ هذا الوقت وكأن أمر الخَلَف هذا قد شغلني فبدأت في البحث في هذا الأمر، وهو ما انتهى إلى هذه الرسالة اللطيفة التي أسميتها في أول الأمر: (تأييد اليقين للمتذبذب بين الوعدين) إشارة إلى الوعدين المذكورين في قوله تعالى:
﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُالْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُوَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
ثم عدت وسميتها (تصديق الوعد واستمطار سُحُب الفضل) وأسأل من قرأها أن يستمطر لنا من سحب الفضل والجود ما عجزت همتنا وضعف حالنا عن استمطاره فرُبَ حامل فقه وليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وقد أنزلت ضعفي بساحة الكرام ونزيل الكرام لا يُضام.
ولما أخبرت أخي في الله أحمد عرفة بما انتويته من كتابة هذه الوريقات قال لي: ولكن ابدأ بالحقائق وانتهِ بالحقائق، وأعطاني اشارة لطيفة إلى أن مادة (خلف) تدخل فيها الخلاف والخلافة فضلاً عن الخَلَف، ولما كانت الحقائق هي التي تفصح عن نفسها، فقد ابتدأت بما أشار من العودة إلى الأصل من المادة اللغوية.
فنقول وبالله التوفيق إن أمر الانفاق والخلف يدور حول مادتين لغويتين والأصل اللغوي يشير إلى الحقائق إذ العربية لسان الافصاح وعليه فهناك مادتين لهذا الأمر مادة (ن ف ق) ومادة (خ ل ف).
الانفاق لغة:
فاعلم يا مستمطر سُحُب المعاني أن النفقة من فعل (نفق) وله معانٍ ترجع كلها إلى الخروج والفناء منها: النَّفَقة لأنَّها تمضي لوجهها ونفقت الدابة ماتت وأنفق الرجل ذهب ما عنده ومنه اشتقاق النِّفاق، لأن صاحبَه يكتُم خلافَ ما يُظهِر، فكأن الإيمان يَخرُج منه، أو يخرج هو من الإيمانِ في خفاء، وكذلك النفق هو المَسلك النَّافذ الذي يُمكن الخروجُ منه
و الانفاق هو إخراج المال من الملك
ونفَقَ البيعُ ينْفُقُ نَفاقاً كسَحاب: رَاجَ وكذلك السِّلْعَةُ تنْفُق: إذا غلَت ورُغِبَ فيها ونفَق الدّرْهَمُ نَفاقاً كذلك وهذه عن اللّحياني كأنّه قَلّ فرُغِبَ فيه
والمقصود أن الإنفاق هو إخراج الشيءمن الملك وخروج التعلق به من القلب فكأنه فنى فإذا صدق المنفق في إنفاقه فإن الباقيصاحب خزائن الملك والجود التي لا تنفد يخلف عليه ويفيض عليه عوضاً عما أنفقه إمامالاً أو حالاً معجلاً أو أجراً مؤجلاً فيروج مال المنفق ويربى، والذي نرى واللهأعلم أن المنفق إذا صدق في نيته في الإنفاق لوجه الله وصدَّق الوعد الإلهي بالإخلافوهو الحسنى فإن الله يخلف عليه ما ذكرنا جميعاً حالاً ومالاً وأجراً لما ورد منقوله تعالى:﴿قُلْ إِنَّ رَبِّييَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَاأَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُالرَّازِقِينَ﴾
العلاقة الوثيقة بين الإنفاق والإخلاف:
وهنا يرد علينا أمر الخَلَف المعلق على أمر الإنفاق في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(مَا مِنْيَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُأَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا)
فانظر رحمك الله إلى الربط في الآية الشريفة بين قول الله تعالى (أَنْفَقْتُمْ) وقوله (يُخْلِفُهُ) وكذلك في الحديث بين قوله (منفقا) وقوله (خَلَفاً) تجد الارتباط الوثيق بين الانفاق وهو خروج المال من المِلْك وبين الخَلَف من الله للمنفق، وعليه كان لا بد من الرجوع إلى معنى الخَلَف لغة.
وقد أدرك هذا الارتباط الوثيق الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه ففيما أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب كرّمالله وجهه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن لكل يوم نحساً ، فادفعوانحس ذلك اليوم بالصدقة ، ثم قال : اقرأوا مواضع الخلف ، فإني سمعت الله يقول { وماأنفقتم من شيء فهو يخلفه } إذا لم تنفقوا كيف يخلف »
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى اللهعليه وسلم قال : « إن المعونة تنزل من السماء على قدر المؤونة »
وأخرج الحكيم الترمذي عن الزبير بن العوّام رضي الله عنه قال : جئت حتى جلست بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ بطرف عمامتي من ورائي . ثم قال : « يا زبير إني رسول الله إليك خاصة ، وإلى الناس عامة ، أتدرون ماذا قال ربكم؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : ربكم حين استوى على عرشه ، فنظر خلقه : عبادي أنتم خلقي وأنا ربكم أرزاقكم بيدي ، فلا تتعبوا فيما تكفلت لكم ، فاطلبوا مني أرزاقكم. أتدرون ماذا قال ربكم؟ قال الله تبارك وتعالى : أنفق أنفق عليك ، وأوسع أوسع عليك ، ولا تُضَيِّقَ أُضَيِّقُ عليك ، ولا تُصِرُّفأصِرُّ عليك ، ولا تخزن فأخزن عليك ، إن باب الرزق مفتوح من فوق سبع سموات ،متواصل إلى العرش ، لا يغلق ليلاً ولا نهاراً ، ينزل الله منه الرزق على كل امرىءبقدر نيته ، وعطيته ، وصدقته ، ونفقته ، فمن أكثر أكثر له ، ومن أقل أقل له ، ومنأمسك أمسك عليه ، يا زبير فكل ، واطعم ، ولا توك فيوكي عليك ، ولا تحص فيحصى عليك ،ولا تقتر فيقتر عليك ، ولا تعسر فيعسر عليك ، يا زبير إن الله يحب الانفاق ، ويبغضالاقتار ، وإن السخاء من اليقين ، والبخل من الشك ، فلا يدخل النار من أيقن ، ولايدخل الجنة من شك . يا زبير إن الله يحب السخاوة ولو بفلق تمرة ، والشجاعة ولو بقتل عقرب أو حيه . يا زبير إن الله يحب الصبر عند زلزلة الزلازل ، واليقين النافذ عند مجيء الشهوات ، والعقل الكامل عند نزول الشبهات ، والورع الصادق عند الحرام والخبيثات . يا زبير عظم الإِخوان ، وجلل الأبرار ، ووقر الأخيار ، وصل الجار ، ولا تماش الفجار. من فعل ذلك دخل الجنة بلا حساب ولا عذاب هذه وصية الله إليّ ووصيتي إليك »
الخَلَف لغة:
واعلم هداك الله أن لمادة (خلف) الخاء واللام والفاء أصولٌ ثلاثة: أحدُها أن يجيءَ شيءٌ بعدَ شيءٍ يقومُ مقامَه، والثاني خِلاف قُدَّام، والثالث التغيُّر.
فالأوّل الخَلَف. والخَلَف: ما جاء بعدُ. ويقولون: هو خَلَفُ صِدْقٍ من أبيه. وخَلَف سَوْءٍ من أبيه. فإذا لم يذكُروا صِدقاً ولا سَوْءاً قالوا للجيِّد خَلَف وللرديِّ خَلْف. قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [الأعراف 169، مريم 59]. ويقولون في الدعاء: "خَلَف اللهُ عليك" أي كانَ الله تعالى الخليفة عليك لمن فَقَدْتَ مِن أبٍ أو حميم. و"أَخْلَف الله لك" أي عوَّضك من الشيء الذاهب ما يكُونُ يقومُ بَعده ويخلُفه
والخَلْفُ: العِوَضُ والبدَل مما أخذ أو ذهب
ويقال لكل شيء كان بدلاً من شيء خِلْفة. قال الله جلّ وعزّ: " وهو الذي جعل الليل والنهار خِلْفَةً "
والخُلْفُ، بالضم: الاسمُ من الإخلاف، وهو في المستقبل كالكذِب في الماضي.
والخِلافُ: المُخالفَةُ، واخْتَلَفَ: ضِدُّ اتَّفَقَ.
والخِلْفَةُ، بالكسرِ: الاسمُ من الاخْتِلافِ، أو مَصْدَرُ الاخْتِلافِ، أي: التَّرَدُّدِ. و"جَعَلَ الليلَ والنهارَ خِلْفَةً " ، أي: هذا خَلَفٌ من هذا، أو هذا يأتِي خَلْفَ هذا، أو معناهُ: مَنْ فاتَهُ أمرٌ بالليلِ أدْرَكَهُ بالنهارِ، وبالعَكْسِ
وفي الفروق اللغوية : الفرق بين التفاوت والاختلاف: أن التفاوت كله مذموم ولهذا نفاه الله تعالى عن فعله فقال " ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت " ومن الاختلاف ما ليس بمذموم ألا ترى قوله تعالى " وله إختلاف الليل والنهار " فهذا الضرب من الاختلاف يكون على سنن واحد وهو دال على علم فاعله، والتفاوت هو الاختلاف الواقع على غير سنن وهو دال على جهل فاعله.
وفي تاج العروس : الخَلَفُ بِالتَّحْرِيكِ : الْوَلَدُ الصَّالِحُ يَبْقَى بعدَ أَبِيهِ فَإِذَا كَانَ الوَلَدُ فَاسِداً أُسْكِنَتْ الَّلامُ وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للرَّاجِزِ : إِنَّا وَجَدْنَا خَلَفاً بِئْسَ الْخَلَفْ ** عَبْداً إِذَا مَا نَاءَ بِالْحِمْلِ خَضَفْ
ورُبَّمَا اسْتُعْمِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَكَانَ الآخَرِ يُقَالُ : هو خَلَفُ صِدْقٍ مِن أَبِيهِ إِذَا قَامَ مَقَامَهُ وكذا خَلَفُ سَوْءٍ مِن أَبِيهِ بالتَّحْرِيكِ فيهما ويُقَال : في هؤلاءِ القَوْمِ خَلَفٌ مِمَّن مَضَى أَي : يَقُومُونَ مَقَامَهْم وفي فُلانٍ خَلْفٌ مِنْ فُلانٍ أَو الْخَلْفُ بالسكونِ وبِالتَّحْرِيكِ : سَوَاءٌ قَالَهُ ابنُ شُمَيْلٍ.
وقد صَحَّ الفَرْقُ بَيْنَهُمَا علَى ما بَيَّنَّاه . الخَلَفُ بالتَّحْرِيكِ : مَا اسْتَخَلَفْتَ مِن شَيءٍ كما في الصِّحاحِ أَي اسْتَعْوَضْتَهُ واسْتَبْدَلْتَهُ تقول : أَعْطَاكَ اللهُ خَلَفاً مِمَّا ذَهَبَ لك ولا يُقَالُ : خَلْفاً يُقَال : هو مِن أَبِيهِ خَلَفٌ أَي : بَدَلٌ والبَدَلُ مِن كُلِّ شَئٍ خَلَفٌ منه . وفي حديثٍ مَرْفُوعٍ : " يَحْمِلُ هذا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الغَالِينَ وانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ وتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ " قال القَعْنَبِيُّ : سمعتُ رَجُلاً يُحَدِّثُ مالكَ بنَ أَنَسٍ بهذا الحديثِ . قلتُ : وقد رُوِيَ هذا الحديثُ مِن طَرِيقِ خَمْسَةٍ مِن َ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم وقد خَرَّجْتُه في جُزْءٍ لَطِيفٍ وبَيَّنَتُ طُرُقَهُ ورِوَاياتِهِ فرَاجِعْهُ.انتهى.
قلنا: والمقصود هنا أنالخَلَف من الله هو أنيعوَّضك الله منالشيء الذاهب ما يكُونُ يقومُ بَعده ويخلُفه .------------------ (وما توفيقي إلا بالله) فقير الاسكندرية | |
|
| |
فقير الاسكندريه
عدد الرسائل : 76 تاريخ التسجيل : 08/01/2008
| موضوع: رد: تصديق الوعد واستمطار سُحُب الفضل الإثنين أبريل 21, 2008 12:30 pm | |
| بحث في حقيقتي الإنفاق والخَلَف :فلو دققنا النظرفيما استقصيناه من معاني مادة (نفق) ومادة (خلف) اللغوية لرمتنا أمواج الحقائق عندبعض المعاني ومن استزاد زاده الله، فمنها:
1- الإنفاق إفناء من العبد والخَلَف إبقاء من الله، فلو تحرى العبد استحضار حقيقة أن ما ينفقه هو من الله ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ وكان إنفاق العبد لله وبالله ومشاهداً فيه للحق بالحق، كان له من الله الإخلاف، فالإنفاق إفناء وإن شئت قلت فناء والخَلَف إبقاء وإن شئت قلت بقاء، فمن صح في الله فناؤه كان على الله بقاؤه، ومن كان في الله تلفه كان على الله خلفه. والإنفاق فقد والخَلَف وجد. 2- والإنفاق هو ما منكإليه والخَلَف هو ما منه إليك قال سيدي ابن عطاء الله السكندري في حكمه: (ألم تعلم أن التعرف هو مورده عليك والأعمال أنت مهديها إليه وأين ما تهديه إليه مما هو مورده عليك) فلو فنيت عن إنفاقك وكان إنفاقك به لا بك وهو أصلاً منه لا منك وله لا لك، كان إنفاقك هو مورده عليك والخَلَف هو مورده عليك، فكنت به لا بك فهنيئاً لك فيما خرج وهنيئاً لك فيما دخل ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾. 3- لاحظ العلاقة الوثيقة في مادة (خلف ) اللغوية بين (الخَلَف) و(الخليفة) فإنه إذا أنفق العبد من خزائن صدقه، وأنفق من همته مع صدق لجؤه إلى مولاه استحق الاستخلاف فخَلَف الله عليه واستخلفه (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النور/55]) فإذا تمت له الخلافة فكان خَلْف الاسم الإلهي (الله) الجامع لحقائق الأسماء الإلهية استحق أن يُقدم بوقوفه خلف الاسم (الله) فصار إماماًمأخوذ من التقدم، فهو المتقدم فيما يقتضي وجوب الاقتداء ، فينفق من خزائن مولاه كماقيل لسيدي أبي الحسن الشاذلي: (أنفق علي وأنا الملي إن شئت من الجيب وإن شئت منالغيب) ويطلب لمن استُخلِفَ فيهم الرحمات فإنه راعٍ وهو مسئول عن رعيته، فيتوجه ببرزخيته إلى حقائق من استخلفه الله عليهم، فتناديه حقائقهم بالإفتقار والمسكنة، فيعود بفقرهم ويصحبه افتقاره الذاتي وعجزه الأصيل وذله الحقيقي وضعفه المكين فيلجأ بفقره وفقرهم وذله وذلهم وعجزه وعجزهم وضعفه وضعفهم إلى مولاه الغني العزيز القادر القوي، ويستمطر سحائب الفضل لهم وله، ويتقدمهم في صلاة الاستسقاء الذاتي مستمطراً من الحق كما جاد عليه وعليهم بالإيجاد أنيواليهم بالإمداد الذي لو رفع عنهم طرفة للحقوا بالعدم، وينادي (يا مقلب القلوب ثبتقلوبنا على دينك)، وينادي في الثلث الأخير من الليل، وهو وقت النزول والتجلي، والوقت كله ثلث الليل إذ لا يخلو وقت في العالم من كونه ثلث الليل الأخير لما كانت المشارق والمغارب تختلف على أنحاء الأرض، فينادي في وقت التنزل الإلهي والوقت كله عنده تنزلاً إلهياً لما سبق، وينادي في الظلمات: ظلمة هذا الليل وظلمة فناء ما في يده بالإنفاق وظلمة ذله وعجزه وفقره وضعفه فيقول: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فيُكشف عنه ما به من غم، ويفاض عليه من خزائن الجود فيعود بها على من هم في رعايته، فينادي عليه فقرهم الأصيل (هل من مزيد)، فيتوجه إلى الله وينادي ويقول استخلفتني وأنا الفقير العاجز الضعيف الذليل على فقراء عاجزين ضعفاء أذلة وأنت أنت الغني الكريم القادر القدير القوي المتين العزيز المتعال والفقير يستسقيك في كل نفس لنفسه ولمن وليته عليهم بخلافته، ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم وأنت الغني صاحب خزائن الجود فإني اعترف بعجزي وفقري وضعفي واضطراري فتولني وتولهم وإني أفوض الأمر كله لك وأستخلفك على النفس والحال والمال لي ولهم فإنهم الأهل فأَهِلَ علينا هلال وصالٍ لا ينقطع وودادٍ لا يتعكر صفاؤه (أنت الصاحب في السفر والخليفة في المال والأهل). 4- هناك صلة وثيقة بين الخَلَف والخلافةوالإختلاف، والاختلاف هو التنوع ، والتنوع هو سر الأحدية الساري في الواحدية، فكل شيء واحد وواحديته هذه تقتضي اختلافه عن كل شيء حال كون مشتركاً مع كل شيء في الواحدية، وعليه فإن الخليفة الذي ينفق فيخلف الله عليه فيما ذكرنا آنفاً ينفق من خزائن الخَلَف على كل من استخلفه الله عليهم على إختلافهم وتنوعهم كلٌ بحسب استعداده وقابليته واضطراره الذي يستدعي الإجابة (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) فإذا ما نزل الوارد تنوع على الموجودات بحسب الاستعدادات والقابليات فيخلف الله على كل منهم ما يستحقه على إختلاف الأنواع (يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ [الرعد/4]). هذا ونظراً لطول هذا البحث فسنورده على أجزاء والحمد لله على ما منَّ به وتفضل والصلاة والسلام على خير الخلق وخاتم الرسل وآله وصحبه ومن بسلسلتهم اتصل. ------------------ (وما توفيقي إلا بالله) فقير الاسكندرية | |
|
| |
الدرويش
عدد الرسائل : 1213 العمر : 66 تاريخ التسجيل : 05/09/2007
| موضوع: رد: تصديق الوعد واستمطار سُحُب الفضل الإثنين أبريل 21, 2008 2:19 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله القائل: "وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" وقال تعالى فيما نقله رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ" والصلاة والسلام على النبي القائل ": يَدُ الله ملأى ، لا تَغِيضُها نفقةٌ ، سحَّاءُ الليلَ والنهارَ،أفرأيتم ما أنفقَ منذ خلق السماوات والأرض ؟ فإنَّه لم يَغِضْ ما في يَمينه" ورضي الله عن شيخنا رزق السيد عبده الحامدي الشاذلي القائل" : العقيدة قوة تنفعل لهاالأشياء". اللهم فصلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم صلاةً تؤيدُ لنا بها اليقين وتوسعُ بها علينا ما تخلفه ظاهراً وباطناً دنيا وأخرى، وتقوي بها تصديقنا في وعدك، وتقطع بها تعلق قلوبنا بالعطاء من غيرك، حتى لا نشهد عطاءً إلا منك ابتداءً وحقيقةً، وتُقويَ بها عقيدتنا، وتتوب بها علينا من الالتفات إلى الأغيار، ومن صحبة الفجار، وتدركُ بها قلوبنا من آثارِ سمِ صحبة الغافلين ومنهم أنفسنا الغافلة فقد ابتلينا بصحبتها ضرورةً إلى حين، والضرورة تقدر بقدرها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم أما بعد... سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد... فقد شاء المولى تعالى أن التقي بأحد الأساتذة الأجلاء الحاصلين على درجة الدكتوراه في علم التفسير وهو من مكة المكرمة زادها الله شرفاً، وأن يتطرق بنا الحديث إلى معانٍ من تفسير كتاب الله العزيز، وأنه كيف أن السياق له أثر كبير في ترجيح المعنى في التفسير، ومن ذلك ما ذكره لي في قوله تعالى: "فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى" وأن التفسير الذي يميل إليه هذا الأستاذ الدكتور هو ما جاء عند الكثيرين من المفسرين من أن الحسنى هناهي الخَلَف وهو ما يخلفه الله على المنفق. ومنذ هذا الوقت وكأن أمر الخَلَف هذا قد شغلني فبدأت في البحث في هذا الأمر، وهو ما انتهى إلى هذه الرسالة اللطيفة التي أسميتها في أول الأمر: "تأييد اليقين للمتذبذب بين الوعدين" إشارة إلى الوعدين المذكورين في قوله تعالى: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " ثم عدت وسميتها "تصديق الوعد واستمطار سُحُب الفضل" وأسأل من قراءها أن يستمطر لنا من سحب الفضل والجود ما عجزت همتنا وضعف حالنا عن استمطاره فرُبَ حامل فقه وليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وقد أنزلت ضعفي بساحة الكرام ونزيل الكرام لا يُضام. ولما أخبرت أخي في الله أحمد عرفة بما انتويته من كتابة هذه الوريقات قال لي: ولكن ابدأ بالحقائق وانتهِ بالحقائق، وأعطاني اشارة لطيفة إلى أن مادة "خلف" تدخل فيها الخلاف والخلافة فضلاً عن الخَلَف، ولما كانت الحقائق هي التي تفصح عن نفسها، فقد ابتدأت بما أشار من العودة إلى الأصل من المادة اللغوية. فنقول وبالله التوفيق إن أمر الانفاق والخلف يدور حول مادتين لغويتين والأصل اللغوي يشير إلى الحقائق إذ العربية لسان الافصاح وعليه فهناك مادتين لهذا الأمر مادة "ن ف ق" ومادة "خ ل ف". الانفاق لغة: فاعلم يا مستمطر سُحُب المعاني أن النفقة من فعل "نفق" وله معانٍ ترجع كلها إلى الخروج والفناء منها: النَّفَقة لأنَّها تمضي لوجهها ونفقت الدابة ماتت وأنفق الرجل ذهب ما عنده ومنه اشتقاق النِّفاق، لأن صاحبَه يكتُم خلافَ ما يُظهِر، فكأن الإيمان يَخرُج منه، أو يخرج هو من الإيمانِ في خفاء، وكذلك النفق هو المَسلك النَّافذ الذي يُمكن الخروجُ منه . و الانفاق هو إخراج المال من الملك ونفَقَ البيعُ ينْفُقُ نَفاقاً كسَحاب: رَاجَ وكذلك السِّلْعَةُ تنْفُق: إذا غلَت ورُغِبَ فيها ونفَق الدّرْهَمُ نَفاقاً كذلك وهذه عن اللّحياني كأنّه قَلّ فرُغِبَ فيه . والمقصود أن الإنفاق هو إخراج الشيءمن الملك وخروج التعلق به من القلب فكأنه فنى فإذا صدق المنفق في إنفاقه فإن الباقيصاحب خزائن الملك والجود التي لا تنفد يخلف عليه ويفيض عليه عوضاً عما أنفقه إمامالاً أو حالاً معجلاً أو أجراً مؤجلاً فيروج مال المنفق ويربى، والذي نرى واللهأعلم أن المنفق إذا صدق في نيته في الإنفاق لوجه الله وصدَّق الوعد الإلهي بالإخلافوهو الحسنى فإن الله يخلف عليه ما ذكرنا جميعاً حالاً ومالاً وأجراً لما ورد منقوله تعالى: "قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَاأَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" العلاقة الوثيقة بين الإنفاق والإخلاف: وهنا يرد علينا أمر الخَلَف المعلق على أمر الإنفاق في قوله تعالى: "وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ " وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا" فانظر رحمك الله إلى الربط في الآية الشريفة بين قول الله تعالى "أَنْفَقْتُمْ" وقوله "يُخْلِفُهُ" وكذلك في الحديث بين قوله "منفقا" وقوله "خَلَفاً" تجد الارتباط الوثيق بين الانفاق وهو خروج المال من المِلْك وبين الخَلَف من الله للمنفق، وعليه كان لا بد من الرجوع إلى معنى الخَلَف لغة. وقد أدرك هذا الارتباط الوثيق الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه ففيما أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب كرّمالله وجهه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن لكل يوم نحساً ، فادفعوانحس ذلك اليوم بالصدقة ، ثم قال : اقرأوا مواضع الخلف ، فإني سمعت الله يقول { وماأنفقتم من شيء فهو يخلفه } إذا لم تنفقوا كيف يخلف "
| |
|
| |
الدرويش
عدد الرسائل : 1213 العمر : 66 تاريخ التسجيل : 05/09/2007
| موضوع: رد: تصديق الوعد واستمطار سُحُب الفضل الإثنين أبريل 21, 2008 2:25 pm | |
| وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن المعونة تنزل من السماء على قدر المؤونة " وأخرج الحكيم الترمذي عن الزبير بن العوّام رضي الله عنه قال : جئت حتى جلست بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ بطرف عمامتي من ورائي . ثم قال : « يا زبير إني رسول الله إليكم خاصة ، وإلى الناس عامة ، أتدرون ماذا قال ربكم؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : ربكم حين استوى على عرشه ، فنظر خلقه : عبادي أنتم خلقي وأنا ربكم أرزاقكم بيدي ، فلا تتعبوا فيما تكفلت لكم ، فاطلبوا مني أرزاقكم. أتدرون ماذا قال ربكم؟ قال الله تبارك وتعالى : أنفق أنفق عليك ، وأوسع أوسع عليك ، ولا تُضَيِّقَ أُضَيِّقُ عليك ، ولا تُصِرُّ فأصِرُّ عليك ، ولا تخزن فأخزن عليك ، إن باب الرزق مفتوح من فوق سبع سموات ،متواصل إلى العرش ، لا يغلق ليلاً ولا نهاراً ، ينزل الله منه الرزق على كل امرىء بقدر نيته ، وعطيته ، وصدقته ، ونفقته ، فمن أكثر أكثر له ، ومن أقل أقل له ، ومن أمسك أُمسك عليه ، يا زبير فكل ، واطعم ، ولا توك فيوكي عليك ، ولا تحص فيحصى عليك ،ولا تقتر فيقتر عليك ، ولا تعسر فيعسر عليك ، يا زبير إن الله يحب الانفاق ، ويبغض الاقتار ، وإن السخاء من اليقين ، والبخل من الشك ، فلا يدخل النار من أيقن ، ولايدخل الجنة من شك . يا زبير إن الله يحب السخاوة ولو بفلق تمرة ، والشجاعة ولو بقتل عقرب أو حيه . يا زبير إن الله يحب الصبر عند زلزلة الزلازل ، واليقين النافذ عند مجيء الشهوات ، والعقل الكامل عند نزول الشبهات ، والورع الصادق عند الحرام والخبيثات . يا زبير عظم الإِخوان ، وجلل الأبرار ، ووقر الأخيار ، وصل الجار ، ولا تماش الفجار. من فعل ذلك دخل الجنة بلا حساب ولا عذاب هذه وصية الله إليّ ووصيتي إليك " الخَلَف لغة: واعلم هداك الله أن لمادة "خلف" الخاء واللام والفاء أصولٌ ثلاثة: أحدُها أن يجيءَ شيءٌ بعدَ شيءٍ يقومُ مقامَه، والثاني خِلاف قُدَّام، والثالث التغيُّر. فالأوّل الخَلَف. والخَلَف: ما جاء بعدُ. ويقولون: هو خَلَفُ صِدْقٍ من أبيه. وخَلَف سَوْءٍ من أبيه. فإذا لم يذكُروا صِدقاً ولا سَوْءاً قالوا للجيِّد خَلَف وللرديِّ خَلْف. قال الله تعالى: "فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ " [الأعراف 169، مريم 59]. ويقولون في الدعاء: " خَلَف اللهُ عليك " أي كانَ الله تعالى الخليفة عليك لمن فَقَدْتَ مِن أبٍ أو حميم. و"أَخْلَف الله لك" أي عوَّضك من الشيء الذاهب ما يكُونُ يقومُ بَعده ويخلُفه والخَلْفُ: العِوَضُ والبدَل مما أخذ أو ذهب ويقال لكل شيء كان بدلاً من شيء خِلْفة. قال الله جلّ وعزّ: " وهو الذي جعل الليل والنهار خِلْفَةً " والخُلْفُ، بالضم: الاسمُ من الإخلاف، وهو في المستقبل كالكذِب في الماضي. والخِلافُ: المُخالفَةُ، واخْتَلَفَ: ضِدُّ اتَّفَقَ. والخِلْفَةُ، بالكسرِ: الاسمُ من الاخْتِلافِ، أو مَصْدَرُ الاخْتِلافِ، أي: التَّرَدُّدِ. " وجَعَلَ الليلَ والنهارَ خِلْفَةً " ، أي: هذا خَلَفٌ من هذا، أو هذا يأتِي خَلْفَ هذا، أو معناهُ: مَنْ فاتَهُ أمرٌ بالليلِ أدْرَكَهُ بالنهارِ، وبالعَكْسِ وفي الفروق اللغوية : الفرق بين التفاوت والاختلاف: أن التفاوت كله مذموم ولهذا نفاه الله تعالى عن فعله فقال " ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت " ومن الاختلاف ما ليس بمذموم ألا ترى قوله تعالى " وله إختلاف الليل والنهار " فهذا الضرب من الاختلاف يكون على سنن واحد وهو دال على علم فاعله، والتفاوت هو الاختلاف الواقع على غير سنن وهو دال على جهل فاعله. وفي تاج العروس : الخَلَفُ بِالتَّحْرِيكِ : الْوَلَدُ الصَّالِحُ يَبْقَى بعدَ أَبِيهِ فَإِذَا كَانَ الوَلَدُ فَاسِداً أُسْكِنَتْ الَّلامُ وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للرَّاجِزِ :
إِنَّا وَجَدْنَا خَلَفاً بِئْسَ iiالْخَلَفْ | | عَبْداً إِذَا مَا نَاءَ بِالْحِمْلِ خَضَفْ |
ورُبَّمَا اسْتُعْمِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَكَانَ الآخَرِ يُقَالُ : هو خَلَفُ صِدْقٍ مِن أَبِيهِ إِذَا قَامَ مَقَامَهُ وكذا خَلَفُ سَوْءٍ مِن أَبِيهِ بالتَّحْرِيكِ فيهما ويُقَال : في هؤلاءِ القَوْمِ خَلَفٌ مِمَّن مَضَى أَي : يَقُومُونَ مَقَامَهْم وفي فُلانٍ خَلْفٌ مِنْ فُلانٍ أَو الْخَلْفُ بالسكونِ وبِالتَّحْرِيكِ : سَوَاءٌ قَالَهُ ابنُ شُمَيْلٍ. وقد صَحَّ الفَرْقُ بَيْنَهُمَا علَى ما بَيَّنَّاه . الخَلَفُ بالتَّحْرِيكِ : مَا اسْتَخَلَفْتَ مِن شَيءٍ كما في الصِّحاحِ أَي اسْتَعْوَضْتَهُ واسْتَبْدَلْتَهُ تقول : أَعْطَاكَ اللهُ خَلَفاً مِمَّا ذَهَبَ لك ولا يُقَالُ : خَلْفاً يُقَال : هو مِن أَبِيهِ خَلَفٌ أَي : بَدَلٌ والبَدَلُ مِن كُلِّ شَئٍ خَلَفٌ منه . وفي حديثٍ مَرْفُوعٍ : " يَحْمِلُ هذا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الغَالِينَ وانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ وتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ " . قال القَعْنَبِيُّ : سمعتُ رَجُلاً يُحَدِّثُ مالكَ بنَ أَنَسٍ بهذا الحديثِ . قلتُ : وقد رُوِيَ هذا الحديثُ مِن طَرِيقِ خَمْسَةٍ مِن َ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم وقد خَرَّجْتُه في جُزْءٍ لَطِيفٍ وبَيَّنَتُ طُرُقَهُ ورِوَاياتِهِ فرَاجِعْهُ.انتهى. قلنا: والمقصود هنا أن الخَلَف من الله هو أن يعوَّضك الله من الشيء الذاهب ما يكُونُ يقومُ بَعده ويخلُفه .
| |
|
| |
الدرويش
عدد الرسائل : 1213 العمر : 66 تاريخ التسجيل : 05/09/2007
| موضوع: رد: تصديق الوعد واستمطار سُحُب الفضل الإثنين أبريل 21, 2008 2:37 pm | |
| بحث في حقيقتي الإنفاق والخَلَف: فلو دققنا النظرفيما استقصيناه من معاني مادة (نفق) ومادة (خلف) اللغوية لرمتنا أمواج الحقائق عندبعض المعاني ومن استزاد زاده الله، فمنها: 1 ـ الإنفاق إفناء من العبد والخَلَف إبقاء من الله، فلو تحرى العبد استحضار حقيقة أن ما ينفقه هو من الله "وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ " وكان إنفاق العبد لله وبالله ومشاهداً فيه للحق بالحق، كان له من الله الإخلاف، فالإنفاق إفناء وإن شئت قلت فناء والخَلَف إبقاء وإن شئت قلت بقاء، فمن صح في الله فناؤه كان على الله بقاؤه، ومن كان في الله تلفه كان على الله خلفه. والإنفاق فقد والخَلَف وجد. 2 ـ والإنفاق هو ما منك إليه والخَلَف هو ما منه إليك قال سيدي ابن عطاء الله السكندري في حكمه: (ألم تعلم أن التعرف هو مورده عليك والأعمال أنت مهديها إليه وأين ما تهديه إليه مما هو مورده عليك) فلو فنيت عن إنفاقك وكان إنفاقك به لا بك وهو أصلاً منه لا منك وله لا لك، كان إنفاقك هو مورده عليك والخَلَف هو مورده عليك، فكنت به لا بك فهنيئاً لك فيما خرج وهنيئاً لك فيما دخل "وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾. 3 ـ لاحظ العلاقة الوثيقة في مادة (خلف ) اللغوية بين (الخَلَف) و(الخليفة) فإنه إذا أنفق العبد من خزائن صدقه، وأنفق من همته مع صدق لجؤه إلى مولاه استحق الاستخلاف فخَلَف الله عليه واستخلفه (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النور/55] فإذا تمت له الخلافة فكان خَلْف الاسم الإلهي (الله) الجامع لحقائق الأسماء الإلهية استحق أن يُقدم بوقوفه خلف الاسم (الله) فصار إماماً مأخوذ من التقدم، فهو المتقدم فيما يقتضي وجوب الاقتداء ، فينفق من خزائن مولاه كما قيل لسيدي أبي الحسن الشاذلي: (أنفق علي وأنا الملي إن شئت من الجيب وإن شئت من الغيب) ويطلب لمن استُخلِفَ فيهم الرحمات فإنه راعٍ وهو مسئول عن رعيته، فيتوجه ببرزخيته إلى حقائق من استخلفه الله عليهم، فتناديه حقائقهم بالإفتقار والمسكنة، فيعود بفقرهم ويصحبه افتقاره الذاتي وعجزه الأصيل وذله الحقيقي وضعفه المكين فيلجأ بفقره وفقرهم وذله وذلهم وعجزه وعجزهم وضعفه وضعفهم إلى مولاه الغني العزيز القادر القوي، ويستمطر سحائب الفضل لهم وله، ويتقدمهم في صلاة الاستسقاء الذاتي مستمطراً من الحق كما جاد عليه وعليهم بالإيجاد أن يواليهم بالإمداد الذي لو رفع عنهم طرفة للحقوا بالعدم، وينادي : ( يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ) . وينادي في الثلث الأخير من الليل، وهو وقت النزول والتجلي، والوقت كله ثلث الليل إذ لا يخلو وقت في العالم من كونه ثلث الليل الأخير لما كانت المشارق والمغارب تختلف على أنحاء الأرض، فينادي في وقت التنزل الإلهي والوقت كله عنده تنزلاً إلهياً لما سبق، وينادي في الظلمات: ظلمة هذا الليل وظلمة فناء ما في يده بالإنفاق وظلمة ذله وعجزه وفقره وضعفه فيقول: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فيُكشف عنه ما به من غم، ويفاض عليه من خزائن الجود فيعود بها على من هم في رعايته، فينادي عليه فقرهم الأصيل (هل من مزيد)، فيتوجه إلى الله وينادي ويقول استخلفتني وأنا الفقير العاجز الضعيف الذليل على فقراء عاجزين ضعفاء أذلة وأنت أنت الغني الكريم القادر القدير القوي المتين العزيز المتعال والفقير يستسقيك في كل نفس لنفسه ولمن وليته عليهم بخلافته، ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم وأنت الغني صاحب خزائن الجود فإني اعترف بعجزي وفقري وضعفي واضطراري فتولني وتولهم وإني أفوض الأمر كله لك وأستخلفك على النفس والحال والمال لي ولهم فإنهم الأهل فأَهِلَ علينا هلال وصالٍ لا ينقطع وودادٍ لا يتعكر صفاؤه (أنت الصاحب في السفر والخليفة في المال والأهل ). 4 ـ هناك صلة وثيقة بين الخَلَف والخلافة والإختلاف، والاختلاف هو التنوع ، والتنوع هو سر الأحدية الساري في الواحدية، فكل شيء واحد وواحديته هذه تقتضي اختلافه عن كل شيء حال كون مشتركاً مع كل شيء في الواحدية، وعليه فإن الخليفة الذي ينفق فيخلف الله عليه فيما ذكرنا آنفاً ينفق من خزائن الخَلَف على كل من استخلفه الله عليهم على إختلافهم وتنوعهم كلٌ بحسب استعداده وقابليته واضطراره الذي يستدعي الإجابة (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) فإذا ما نزل الوارد تنوع على الموجودات بحسب الاستعدادات والقابليات فيخلف الله على كل منهم ما يستحقه على إختلاف الأنواع (يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ [الرعد/4]). هذا ونظراً لطول هذا البحث فسنورده على أجزاء والحمد لله على ما منَّ به وتفضل والصلاة والسلام على خير الخلق وخاتم الرسل وآله وصحبه ومن بسلسلتهم اتصل. ------------------ (وما توفيقي إلا بالله) فقير الاسكندرية
| |
|
| |
فقير الاسكندريه
عدد الرسائل : 76 تاريخ التسجيل : 08/01/2008
| موضوع: رد: تصديق الوعد واستمطار سُحُب الفضل الثلاثاء أبريل 22, 2008 2:49 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد والصلاة والسلام على الخاتم وآله وصحبه.
سلام الله عليكم ورحمته وبعد...
ونستأنف ما ابتديناه في هذا المبحث فنقول:
أنواع الإنفاق المستحق للخلف:
من أنواع الإنفاق المستحق للخلف ما جمعه كلام من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم حيث قال في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم:
"دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ"
1- فأما الإنفاق في سبيل الله فقد ورد في قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة/261]. وروى الطبري عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة أو غيره "شكّ أبو جعفر" في حديث الإسراء والمعراج وفيه:"فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم ، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: يا جبْرَائيلُ ما هَذَا ؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله، تُضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين" انتهى من تفسير الطبري. وفي سنن الترمذي - عَنْ زَائِدَةَ عَنْ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يُسَيْرِ بْنِ عَمِيلَةَ عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُتِبَتْ لَهُ بِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ). قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ.
2- وأما الإنفاق في الرقبة فهو وإن كان قد اختفى حكمه في هذا الزمان لعدم وجود رقاب تعتق، إلا أنه دعنا نتدبر في أمر آخر وهو أنه إذا كان أمر عتق الرقاب في الدنيا بهذه الأهمية فما بالكم بعتق رقبة من النار فهو أولى، وفي ذلك يأتي حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: (فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) ، وهذه وظيفة المشايخ رضي الله عنهم، أما المبتدئين والسالكين فننصح أنفسنا وإياهم بتقليل مجالسة الغافلين ولا يفعلوها إلا اضطراراً انتباهاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّمَا مَثلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ ، كَحَامِلِ المِسْكِ ، وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ : إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ ، وَإمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحاً طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الكِيرِ : إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً مُنْتِنَةً )) حديث متفق عليه، ولأثر مجالسة الغافلين على قلوب الفقراء وأحوالهم والتي أوضحها إمام المحبين سيدي سلامة الراضي رضي الله عنه فقال: "مجالسةُ الغافل سمٌ قاتل"، وهذا والله أعلم زمان هذه الآية الكريمة : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ سورة المائدة آية 105. لما رواه أبو داود في سننه في كتاب الملاحم والترمذي في التفسير وابن ماجة في الفتن من حديث عبد الله بن المبارك أنا عتبة بن أبي حكيم ثنا عمرو ابن حارثة اللخمي عن أبي أمية الشعباني قال أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له كيف نصنع هذه الآية قال أية آية قلت قوله تعالى يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم قال أما والله لقد سألت عنها خبيرا سألت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال ائتمروا بالمعروف وتنتهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع العوام فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين رجلا منا أو منهم قال لا بل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم قال ابن المبارك وزادني غير عتبة قيل يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا أو منهم قال لا بل أجر خمسين رجلا منكم انتهى قال الترمذي حديث حسن غريب انتهى. وأورد السيوطي في الدر المنثور – قال: وأخرج عبد بن حميد ونعيم بن حماد في الفتن وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي العالية قال : كانوا عند عبدالله بن مسعود ، فوقع بين رجلين بعض ما يكون بين الناس ، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه فقال رجل من جلساء عبدالله : ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه : عليك نفسك ، فإن الله تعالى يقول (عليكم أنفسكم) فسمعها ابن مسعود فقال : مه! لم يجئ تأويل هذه الآية بعد ، إن القرآن أنزل حيث أنزل ، ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن ، ومنه ما وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنه آي يقع تأويلهن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنين ، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم ، ومنه آي يقع تأويلهن عند الساعة ما ذكر من أمر الساعة ، ومنه آي يقع تأويلهن عند الحساب ما ذكر من أمر الحساب والجنة والنار ، فما دامت قلوبكم واحدة ، وأهواؤكم واحدة ، ولم تلبسوا شيعاً ، فلم يذق بعضكم بأس بعض ، فمروا وانهوا ، فإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعاً وذاق بعضكم بأس بعض فكل امرئ ونفسه ، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية ".انتهى. وفي الدر المنثور أيضاً: قال: وأخرج ابن جرير عن جبير بن نفير قال : كنت في حلقة فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإني لأصغر القوم ، فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقلت : أليس الله يقول (عليكم أنفسكم) فأقبلوا علي بلسان واحد ، فقالوا : تنزع آية من القرآن لا تعرفها ولا تدري ما تأويلها؟ حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت ، ثم أقبلوا يتحدثون ، فلما حضر قيامهم قالوا : إنك غلام حدث السن ، وإنك نزعت أية لا تدري ماهي ، وعسى أن تدرك ذلك الزمان إذا رأيت شحاً مطاعاً ، وهوى متبعاً ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت . وفي تفسير حقي – قال: الاشارة { يا ايها الذين آمنوا } اى ايمان الطالبين الموقنين بان الوجدان فى الطلب كما قال تعالى « الا من طلبنى وجدنى » {عليكم انفسكم} فاشتغلوا بتزكيتها فانه قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها فلا تشتغلوا قبل تزكيتها بتزكية نفوس الخلق ولا تغتروا بارادة الخلق وبقولهم وحسن ظنهم فيكم وتقربهم اليكم فانها للطالب سم الساعة وان مثل السالك المحتاج الى المسلك والذى يدعى ارادته ويتمسك به كمثل غريق فى البحر محتاج الى سابح كامل فى صنعته لينجيه من الغرق فيتشبث به غريق آخر فى البحر وهو يأخذ بيده لينجيه فيهلكان جميعا فالواجب على الطالب المحق ان يتمسك بذيل ارادة صاحب دولة فى هذا الشأن مسلك كامل ويستسلم للاحكام ولا يلتفت الى كثرة الهالكين فانه لا يهلك على الله الا هالك" انتهى. قال شيخنا رزق السيد عبده الحامدي الشاذلي رحمه الله: "الأرواح لواقح"، كما تكلم في مجموعة "ويسألونني" عن هذا الأمر في إجابته لسؤال "ماالفرقبينالصحبةفىاللهوصحبةالمرءلأصحابهأوأهلهأوزملائه؟" فليراجع. ونختم هذه الفائدة بالإشارة إلى ما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم به من الصبر على صحبة أقوام وما نهاه عنه من إطاعة أقوام حيث يقول تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ سورة الكهف آية 28. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ) رواه البخاري وفي رواية لمسلم: مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ الله فِيهِ ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ الله فيه ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ.. فاحرص أيها السائر إلى الله على صحبة الأحياء وهم الذاكرون بنص الحديث وتجنب صحبة الأموات حتى لا تسري عدوى الموت إلى قلبك وهم الغافلون بنص الحديث والله يتولى هدانا وهداك.
3- من أوجه الإنفاق الذي يخلف الله لصاحبه ما تتصدق به على الفقراء والمساكين وأضرابهم.
4- ومن أوجه الإنفاق الذي يخلفه الله إنفاق المرء على أهله ومن هم في رعايته. وفي سنن ابن ماجه - عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا كَسَبَ الرَّجُلُ كَسْبًا أَطْيَبَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَمَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ وفي مسند أحمد - عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا بُنَيَّ أَلَا أُحَدِّثُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا أُمَّهْ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ أَنْفَقَ عَلَى ابْنَتَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ذَوَاتَيْ قَرَابَةٍ يَحْتَسِبُ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا حَتَّى يُغْنِيَهُمَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ يَكْفِيَهُمَا كَانَتَا لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ وفي تفسير القرطبي – قال: قوله تعالى: قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين قوله تعالى: (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له) كرر تأكيدا.(وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه) أي قل يا محمد لهؤلاء المغترين بالاموال والاولاد إن الله يوسع على من يشاء ويضيق على من يشاء، فلا تغتروا بالاموال والاولاد بل أنفقوها في طاعة الله، فإن ما أنفقتم في طاعة الله فهو يخلفه.وفيه إضمار، أي فهو يخلفه عليكم، يقال: أخلف له وأخلف عليه، أي يعطيكم خلفه وبدله، وذلك البدل إما في الدنيا وإما في الآخرة. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا).وفيه أيضا عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، (إن الله قال لي أنفق أنفق عليك...) الحديث. وهذه إشارة إلى الخلف في الدنيا بمثل المنفق فيها إذا كانت النفقة في طاعة الله. وقد لا يكون الخلف في الدنيا فيكون كالدعاء - كما تقدم - سواء في الاجابة أو التكفير أو الادخار، والادخار ها هنا مثله في الاجر. مسألة - روى الدارقطني وأبو أحمد بن عدي عن عبد الحميد الهلالي عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل معروف صدقة وما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة وما وقى به الرجل عرضه فهو صدقة وما أنفق الرجل من نفقة فعلى الله خلفها إلا ما كان من نفقة في بنيان أو معصية). قال عبد الحميد: قلت لابن المنكدر: " ما وقى الرجل عرضه " ؟ قال: يعطي الشاعر وذا اللسان. وعبد الحميد وثقه ابن معين. قلت: أما ما أنفق في معصية فلا خلاف أنه غير مثاب عليه ولا مخلوف له. وأما البنيان فما كان منه ضروريا يكن الانسان ويحفظه فذلك مخلوف عليه ومأجور ببنيانه. وكذلك كحفظ بنيته وستر عورته، قال صلى الله عليه وسلم: (ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال، بيت يسكنه وثوب يواري عورته وجلف الخبز والماء). قوله تعالى: (وهو خير الرازقين) لما كان يقال في الانسان: إنه يرزق عياله والامير جنده، قال: " وهو خير الرازقين " والرازق من الخلق يرزق، لكن ذلك من مال يملك عليهم ثم ينقطع، والله تعالى يرزق من خزائن لا تفنى ولا تتناهى. ومن أخرج من عدم إلى الوجود فهو الرازق على الحقيقة، كما قال: " إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " (2) [ الذاريات: 58 ]. انتهى من تفسير القرطبي باختصار يسير.
وللحديث بقية...
والحمد لله الكريم المتفضل، والصلاة والسلام على أشرف الرسل وآله وصحبه. | |
|
| |
فقير الاسكندريه
عدد الرسائل : 76 تاريخ التسجيل : 08/01/2008
| موضوع: رد: تصديق الوعد واستمطار سُحُب الفضل الأربعاء أبريل 23, 2008 8:20 am | |
| الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الحنان المنان قديم الإحسان عظيم الشان والصلاة والسلام على النبي العدنان وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان أخي الدرويش حفظه الله وزاده عشقاً وأدباً ومحبة كان من كريم أفعالكم مروركم بالموضوع وإعادتكم ضبط الخط رزقكم الله الحكمة وفصل الخطاب وللموضوع بقية يسيرة نضيفها إن شاء الله قريباً وكل عام وأنت بخير بمناسبة مولد ولي النعم سيدنا ومولانا الحسين وصلى الله على خير الورى وآله وصحبه والحمد لله رب العالمين _______ (وما توفيقي إلا بالله) فقير الإسكندرية | |
|
| |
فقير الاسكندريه
عدد الرسائل : 76 تاريخ التسجيل : 08/01/2008
| موضوع: رد: تصديق الوعد واستمطار سُحُب الفضل الخميس أبريل 24, 2008 10:51 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله جابر كل كسير والصلاة والسلام على البشير النذير وآله وصحبه.
سلام الله عليكم ورحمته وبعد...
فائدة
وفي شرح ابن بطال : في شرح حديث: « مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا » . قال المؤلف: معنى هذا الحديث: الحض على الإنفاق فى الواجبات، كالنفقة على الأهل وصلة الرحم، ويدخل فيه صدقة التطوع، والفرض، ومعلوم أن دعاء الملائكة مجاب، بدليل قوله: « فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه » ومصداق الحديث قوله تعالى: (وما أنفقتم من شىء فهو يخلفه) [سبأ: 39] يعنى ما أنفقتم فى طاعة الله، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « ابن آدم، أنفق أُنفق عليك » .
واختلف العلماء فى تأويل هذه الآية، فقال ابن عباس: قوله: (وصدق بالحسنى) [الليل: 6] صدق بالخلف من الله تعالى. انتهى المقصود نقله.
وقال الإمام النووي في شرحه على مسلم – في شرح الحديث السابق:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ يَوْم يُصْبِح الْعِبَاد فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُول أَحَدهمَا : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلْفًا ، وَيَقُول الْآخَر : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).
قَالَ الْعُلَمَاء : هَذَا فِي الْإِنْفَاق فِي الطَّاعَات وَمَكَارِم الْأَخْلَاق وَعَلَى الْعِيَال وَالضِّيفَان وَالصَّدَقَات وَنَحْو ذَلِكَ ، بِحَيْثُ لَا يُذَمُّ وَلَا يُسَمَّى سَرَفًا ، وَالْإِمْسَاك الْمَذْمُوم هُوَ الْإِمْسَاك عَنْ هَذَا. انتهى.
فائدة: (نبهني لها أخي أحمد حشيش)
وهي أن المتتبع لآيات الإنفاق يلاحظ في الكثير منها تأكيد الله على الخَلَف للمنفق فمن ذلك قوله تعالى:
(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ فانظر رحمك الله إلى قوله تعالى (أَنْبَتَتْ) وإلى قوله (يُضَاعِفُ).
ومنها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة/267، 268] فانظر كيف أتبع آية الإنفاق بآية فيها وعد الفضل من الله إبطالاً لوعد الفقر من الشيطان وما تقولون في كفة وعد ذُكِرَ فيها الاسم الأعظم (الله).
وانظر في قوله تعالى: (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد/10، 11] كيف أنه اتبع آية الإنفاق بآية المضاعفة فافهم!
ولنختم هذه الأمثلة بقوله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) [البقرة/270] فإن الله سبحانه هنا لم يعد بالخَلَف ولكن أخبر بعلمه بذلك، وماذا بعد أن يقول لكم من بيده خزائن السموات والأرض من أنه يعلم ما تنفقون؟
وذهب كثير من المفسرين إلى أن التصديق بالحسنى هو اليقين بالخلف ومن ذلك ما نقله ابن كثير قال: وقال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وأبو صالح، وزيد بن أسلم: ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) أي: بالخلف.
وقال السيوطي في الدر المنثور - وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله : ( فأما من أعطى ) من الفضل (واتقى) قال : اتقى ربه ( وصدق بالحسنى ) قال : صدق بالخلف من الله (فسنيسره لليسرى) قال : الخير من الله (وأما من بخل واستغنى) قال : بخل بماله واستغنى عن ربه (وكذب بالحسنى) قال : بالخلف من الله (فسنيسره للعسرى) قال : للشر من الله .انتهى.
وقال القرطبي: "وعن ابن عباس في قوله تعالى: "فأما من أعطى" أي بذل. "واتقى" أي محارم الله التي نهى عنها. "وصدق بالحسنى" أي بالخلف من الله تعالى على عطائه."فسنيسره لليسرى" انتهى من القرطبي.
وفي الدر المنثور للسيوطي قال: وأخرج البخاري في تاريخ والضياء المقدسي في المختارة ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أُلْهِمَ خمسة لم يحرم خمسة ، من ألهم الدعاء لم يحرم الاجابة؛ لأن الله يقول ( ادعوني استجب لكم ) ومن ألهم التوبة لم يحرم القبول؛ لأن الله يقول ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ) ومن ألهم الشكر لم يحرم الزيادة؛ لأن الله تعالى يقول ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ومن ألهم الاستغفار لم يحرم المغفرة؛ لأن الله تعالى يقول (استغفروا ربكم إنه كان غفاراً) ومن ألهم النفقة لم يحرم الخلف؛ لأن الله تعالى يقول (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه) » . انتهى.
وفى التأويلات النجمية (وما انفقتم من شيء) من الموجود او الوجود (فهو يخلفه) من الموجود الفانى بالموجود الباقى ومن الوجود المجازى بالوجود الحقيقى فمن الخلف فى الدنيا الرضى بالعدم والفقر صورة ومعنى وهم اتم من السرور بالموجود والوجود (وهو خير الرازقين) يشير الى انه خير المنفقين لان خيرية المنفق بقدر خيرية النفقة فما ينفق كل منفق فى النفقة فهو فان وما ينفق الله من نفقة ليخلفه بها فهى باقية والباقيات خير من الفانيات انتهى.
فائدة هامة:
قال الله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق/7]
قال سيدي ابن عجيبة في إيقاظ الهمم شرح متن الحكم :
اعلم أن متابعة العلم اختيارية ومتابعة الحال اضطرارية فما دام العبد معه بقية اختيار وجب عليه اتباع العلم وهو مقام السلوك فإن غل الحال وجب اتباعه وهو مقام الجذب ومثل ذلك قضية الصديق حين أتى بماله كله فقال له الرسول عليه السلام (ما تركت لأهلك) فقال تركت لهم الله ورسوله ولم يلتفت لقوله صلى الله عليه وسلم في حال التشريع (لأن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) ولما غلب الحال على العلم صار الحكم للحال فياله من مقام ما أعز شانه وأرفع قدره عند المحققين. انتهى
والحمد لله ذي المنن الجلية، والصلاة والسلام على خير البرية وآله وصحبه صلاةً زكية. | |
|
| |
أمير جاد
عدد الرسائل : 3071 تاريخ التسجيل : 25/07/2007
| موضوع: رد: تصديق الوعد واستمطار سُحُب الفضل الإثنين مارس 30, 2009 3:30 pm | |
| _________________ و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين
| |
|
| |
أمير جاد
عدد الرسائل : 3071 تاريخ التسجيل : 25/07/2007
| موضوع: رد: تصديق الوعد واستمطار سُحُب الفضل الإثنين مارس 30, 2009 3:31 pm | |
| _________________ و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين
| |
|
| |
أمير جاد
عدد الرسائل : 3071 تاريخ التسجيل : 25/07/2007
| موضوع: رد: تصديق الوعد واستمطار سُحُب الفضل الإثنين مارس 30, 2009 5:33 pm | |
| سيدي الحبيب فقير الإسكندرية
أري ان تعيد لنا هذه المشاركة في مشاركة جديدة خاصة قد تعبت الفقير و الدرويش في التنسيق و بالرغم من ذلك فالشكل يحتاج للتنسيق نظرا لضرورة المشاركة في الأحوال العالمية حاليا و الأزمة الإقتصادية الحالية رزقكم الله خلفا من علمه و نوره و السلام لكم سادتنا و لحضرة أحباب الإسكندرية _________________ و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين
| |
|
| |
| تصديق الوعد واستمطار سُحُب الفضل | |
|