بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
خلق الله العقل أول ما خلق, ابتداعا من غير مثال احتذاه, ونورا من عظمته عم بهدايته كل الأشياء, وقلما أعلى قبلت ذاته الأمر بالتسطير والتدوين, فكان أول العابدين, اصطفاه الله وقدمه وولاه على ديوان إيجاد العالم كله, وتجلى له بالتجلي العلمي الوهبي, الذي أخرجه من حكم المهيمين مع انه منهم لا انه اخرجه من الهيام في جمال الله, فمن جهة هيامه هو غير مفتقر الا للذات الاحدية وهو كسائر الملائكة الحافين حول العرش لو قسم نور أحدهم على أهل العالم لكفاهم, ومن جهة كونه عقلا, كانت به الهداية لما كان معمىً في علم الله الثابت قبل ظهور الأشياء, فظهر عنه ما كان وما يكون في هذا العالم الى يوم القيامة, فهوالسلطان الذي يمد الكل من نوره, متصلا بسريان ذلك النور الذاتي الذي نوّر العماء, فمن حيث حقيقته هو نور النبي الأعظم المتنزل الظاهر في الخلق, المشار اليه في حديث جابر بان أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر, ومن حيث إفضاء نون العلم – التي لا تحتجب في تفصيلها الاجمالي عن العليم - بمدادها المعماة فيه الحقائق وانغماس العقل في ذلك العلم وانطباعه به يسمى قلما لمناسبة الكتابة, إذ ينشق عن النفس, ليظهر عن لوحها عالم التسطير والتدوين والذي هو عين ما كان معمى في الدواة قد وجد حقه في الانبساط والظهور الوجودي في الألواح, وإذا علمنا ان الحق ما علم الا نفسه, لأنه في ظاهريته الأولى ماشهد الا نفسه بنفسه, ونفس ذلك الشهود هو سريان النور في العماء قبل ان يخلق الله الخلق الذي دهمه فنوره, علمنا ان القلم في الحقيقة هو كاتب الحق, وكاتب اسم فاعل, يشير الى ذات ومبدء, فذاته مهيمة على أصلها والمبدء فيه سريان ذلك النور وانسطاره, فما قبل القلم في الحقيقة الا نور الحق الظاهر, الذي نوّر السماوات والارض, المشار اليه بكل مراتبه في آية النور, فما ثم في الخلق أوسع من القلم, لأنه كاتب الحق في الحقيقة وقد وسع بما كتب الرحمة الالهية المنبسطة في هذا الوجود, وقد وسعت رحمته كل شئ, ومن ذلك نفهم معنى ان النبي بعثه الله رحمة للعالمين, فما ثم شئ في الوجود الا وهو يستمد من العقل, ويفتقر اليه, وهو قول النبي صلى الله عليه واله: ( أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ثم خلق منه كل خير), فما من عرش أو فرش, أو ذرة أو مجرة أو حركة في هذا الوجود أو سكنة, الا وهي قائمة بنور محمد صلى الله عليه وآله وسلم, وإمداده, وقد اهتدت بنوره في هذا الظهور, بالنسبة الاحاطية التي لقوله تعالى (الذي اعطى كل شئ خلقه ثم هدى) وتلك هداية عامة, يعني أعطى كل شئ ظهوره وهو ما له من الحق, اي ما يستحقه هذا المخلوق مما يناسبه وما تقتضيه عينه, فيعطي لكل مخلوق ما له من الحق, وهو الحق المخلوق به عند أهل المعرفة, المشار اليه بقوله تعالى: (مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ), وقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ), وبه نفهم ما ورد من ان (من رآك رآني, ومن أطاعك أطاعني, ومن عرفك عرفني), فبعد ان كان العالم مغيبا في ليل ثباته وسكونه غير ممتاز عن الذات الا بالامتياز النسبي لا الحقيقي, ظهر الله به في علمه بنفسه فكان عين علمه بنفسه عين ظهوره بهذا الهدى الشامل الذي نور كل شئ: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً), ولكن هذا الظهور لم تتفصل فيه الأشياء, بل هو ظهور جملي دفعي, انفجر بالأمر الواحد الذي هو كلمحة بالبصر, وقوله: (فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) ليس الأمر فيه على ظاهره, فان (لو) اداة امتناع لامتناع في حق الممكنات لافتقارها, واما بحق واجب الوجود من كل جهة, فتخرج من حكمها لنفوذ قدرته, فمعناه ان الله قد هدى الناس اجمعين, وليس هي الا تلك الهداية التي نورت السماوات والارض بالهداية الاجمالية الدفعية, النافذة في كل شئ, فالعقل أقرب الاشياء الى الواحد الذي ظهر عنه كل شئ, ويأتي هنا قوله تعالى في محمد صلى الله عليه وآله انه لا ينطق عن الهوى, لأنه لا يجري في ساحة العقل حكم للهوى, لان فيه جملة الإلقاء العلمي, فالهوى بكل سبله مطوي فيه, ولأنه منفي عنه تنازع الأسماء والصفات وتقابلها, والهوى إنما ظهر في ساحة هذا التنازع والتقابل, فظهوره انما يكون في دائرة النفس, وإليه الإشارة بقوله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى), وسيأتي الحديث عن ان التقابل الاسمائي لا يكون الا بعد الانبساط على الرق المنشور, وتفصيل ما في اللوح.
وأول منفصل عن العقل الأول هو النفس الكلية, وهي في أصلها مهيمة كالعقل, والمهيمون لا امتياز بينهم أصلا بل هم نور واحد, وإنما امتازوا بما ظهر من مثالهم في العقل لا في أنفسهم, فكان العقل والنفس نور واحد, ولما أراد الله إظهار ما ظهر, شطر ذلك النور الى شطرين فسمي أحدهما نفسا, وهي أقرب الموجودات الى العقل, وإليه الاشارة بما ورد من انشطار النور الاول, فالشطر على صورة الشطر, بل هو نفسه, الوارد في قوله (وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ).
وجعل في النفس, صفة القبول والافتقار وهو ما ظهر من تدلي القلم الى اللوح, حتى ظهر أثره فيه, فأودع فيه جميع ما يكون إلى يوم القيامة, في ليلة غيبية جرى فيها نكاح معنوي معقول, واليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وآله, يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة, قاله على التغليب فان العرب يقولون (الأبوان) ويقصدون الأب والأم.
والنفس لا تعرف الذي انبعثت عنه أصلا وهو العقل, لأنها تحت حيطته وهو المحيط بها وهي مفتقرة بوجودها إليه, وكل علم يأتيها في الخلق فإنما يأتيها من فتح العقل عليها, وهو قول النبي في علي (علمته علمي, واودعته سري), ولكن ما ثم علم يخرج من العقل الا وتلقته بالقبول فهي أقرب الموجودات للعقل وهي موضع سره وإلقاء علمه, وهو قول الشيخ ابن عربي عن حقيقة محمد الظاهرة صلى الله عليه وآله وسلم وانها هي العقل الأول, قال: (فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود ...... وعين العالم من تجليه, وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب)
ومن هنا نبدء, فانا قد رأينا ان النفس الكل انما هي منبعثة من العقل, فان قال علي عليه السلام (علمني علمه) فواضح جدا, لانه عنه تلقى كل ما فيه, ولكن يبقى الشق الثاني هو المحير, وهو قوله: (وعلمته علمي) فتأمل, فان النفس تعجز عن ان تحيط بالعقل, لانها لا تعلم منه الا ما علمته من نفسها.
والقلم برغم انه ألقي فيه كل ما في النون, الا انه علم إجمالي, ولكن مما يحويه العلم الإجمالي التفصيل, لانه من بعض علوم الإجمال, وهذا مثل (كن) فانها الكلمة التي ظهر عنها كل شئ, وهي ليست في زمان ولا بصوت يقرع ولكن مع ذلك ما من شئ, الا وقد ظهر بكن, فهي مع كل تفصيل لان التفصيل ظهر عنها, فهي تصحب كل حركة وسكنة في هذا الوجود, الذي هو ال(يكون), ومع ذلك فهي كلمة واحدة باقية على إجمالها, فاذا أراد الله ان يظهر في عالم التسطير والتدوين, أمر العقل أن يكتب في اللوح جميع ما شاء سبحانه أن يجريه في خلقه إلى يوم القيامة, فخصص له هذا القدر من العلوم المفصلة. وهو ما تشير إليه الاخبار من رؤوس العقل ومن أسنان القلم, وقد كتب العقل هذه العلوم كلها مسطرة في اللوح المحفوظ , ولكنها حين تسطرت في اللوح تفصلت وانفتحت منها علوما لا تحصى, بعد ان كانت مجملة بإلقاء القلم, فكانت الألواح, وظهر تقابل الأسماء الإلهية, وتفصلت الحقائق التي كانت مغيبة في العلم, فنطق كل شئ بحمد ربه, وتفصل إطلاق العالم من أفلاك وأكوار وأدوار وسنين وشهور وأيام وساعات ودقائق وثواني وثوالث وهكذا الى ما شاء الله, الى يوم القيامه, وظهر حكم الهوى, وقرع الاسماء بالاسماء, وظهر الفجور والتقوى ولم يكن العقل يعلم بكل ذلك مع انه كان مستورا في ضمن ما القاه, فلما رأى العقل ما ظهر من علوم لم يك يعرفها ورأى بعض الاناسي قد خرج عن رسومه وما سن له من السبل, ولم يقف عندها, التفت الى قول موجده (اكتب علمي في خلقي) وانه لا يعلم الا ما كتبه في الخلق, واما الوجه الخاص الذي للنفس مع الحق, فليس خلقا, فلا يعلمه, ونعني بالوجه الخاص انه لا يكون بينه وبين الحق واسطة, فكل موجود بهذا الوجه, لا يتلقى من العقل ولا من غيره بل يتلقى من الله من دون واسطة, فلا افتقار فيه للعقل, فنظر العقل الى ما تفصل في اللوح فعلم تفصيل ما كان عنده, بعد ان كان مجملا, فعلمته النفس علمها, فمن هذا الوجه يصح الافتقار بحق العقل مع ان الكل ظهر بحكم التبعية له في الخلق, وقد أشار الشيخ ابن عربي الى هذا الافتقار في عدة مواضع من كتبه, وفي كتاب المسائل ذكر ان الله سبحانه وتعالى دعا النفس من وجهها الخاص, ففقدها العقل, وانه رجع فقيرا الى موجده, فوجد الباب قد اغلق دونه من حيث الاسم الخاص به, فوجد الاسم القدوس, قد حكّمه الحق عليه, فدخل تحت سلطانه حتى أظهر اثره فيه, فلما أخلاه دخل وخدم بساط الحضرة وافتقر, وهذا كان المراد.
فتحصل انه من جهة الالقاء العلمي المُظهر للخلق, فان النفس قائمة بالقلم مفتقرة اليه بكل ما فيها من حيث انها خلق, ولكن لها أذن واعية فوعت عن العقل ما يلقيه اليها ورجعت الى الله بوجهها الخاص, فنظرت الى عين العلم, فصار لها وجهان , انفتحت من بينهما ألواح المحو والاثبات في اللوح المحفوظ, وصار للنفس الفجور والتقوى, في قوله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا), إذ لو لم يكن لها الوجه الخارج من تحجير الرسم لما نعتها بالفجور.
وأبدع ما رأيته من الأخبار التي تصف ما قلناه, ووجدته واضحا كفلق الصبح, قول علي ابن ابي طالب عليه السلام: (علمني رسول الله الف باب من العلم), يعني ما القاه القلم في النفس فتسطر في اللوح, وقوله الف باب لان الالف هو آخر الارقام عند العرب, حتى قالوا (وهل بعد الالف حساب), وهو نهاية أرواح الحروف, فيشير الألف من ضمن ما يشير الى اللا نهاية, ومثله قوله تعالى (ليلة القدر خير من الف شهر), ثم قال عليه السلام ( ينفتح لي من كل باب الف باب) فانظر لقوله (لي), ما ابلغه في الاشارة الى مقام النفس, فانه قال ينفتح لي أي من نفسي, في وجهها الخاص للحق الذي تفصلت فيه علوم القلم, فيكون مثل ما لو قلنا ان الالف شهر تتضمن ليال قدر لا شك في كل اثنا عشر شهرا ليلة قدر, وكل واحدة منها خير من الف شهر, فيتفصل الخير في الشهر الى ما لا نهاية والشهر هو الظهور مأخوذ من الشهرة.
فقد علّم العقل علمه للنفس فظهرت وقامت به, وقد علّمت النفس علمها للعقل فعرف نفسه بها, ولا يهولنك ذلك, فانها سنة أخذت عن الله, فان الحق لما اراد ان تتم مراتب المعرفة والوجود, ظهر بنا وقال (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ) يعني بالابتلاء والاختبار يكون الظهور المفصل فلم تتم مراتب المعرفة الا بهذا الظهور, ومثله أمر الله للنبي بقوله (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً) , فان الزيادة لا تتصور مع من هو حقيقة العلم, ولكن تكون الزيادة في ظهور الاحكام في تضارب الاسماء, مثل ما لو قلنا ان الشمس حارة محرقة, وهذا علم مجمل, ثم فصلنا الامر فنظرنا الى حكم كل جزء جزء منها, فقلنا ان هذا الجزء اكثر حرارة من هذا الجزء, وهذا اكثر اضاءة من هذا الجزء, فكل ما ظهر من التفصيل كان مطويا في الحكم المجمل الاول, ويعبر اهل المعرفة على ما يجري بين العقل والنفس بالمشاورة, وهو من وجوه قوله تعالى وشاورهم بالأمر, فالعقل يعطي النفس خلقها, والنفس تعطي للعقل علمه بها, مما هو عين العلم الذاتي الذي نظرت اليه, من تفصيل حقائق الاشياء بحسب ما كانت عليه في العلم الالهي الازلي, واليه الاشارة بقول بعض الاكابر ( فأوجد الله سبحانه العقل الأول من نسبة الحياة وأوجد النفس من نسبة العلم فكان العقل شرطا في وجود النفس كالحياة شرط في وجود العلم)
وقد طرح هذه المسألة أكابر اهل المعرفة في كتبهم, وطرح الشيخ ابن عربي السؤال الذي يتبادر للأذهان في هذا المقام, وهو انه قد تقدم ان العقل قد كتب علم الله في خلقه ما كان وما يكون الى يوم القيامه, فقد علم كل شئ, فكيف يعلم نفسه من جهة ما كتب هو في النفس, فيأتيه العلم من تفصيل النفس, وقد أجاب عن ذلك بوجهين:
الأول : ان العقل وإن علم ما يكون فمن جملة ما أعلمه به من الكون مشورته ومشاركة غيره له في تدبيره كما نعلم أن الله يعلم ما يكون من خلقه ولكنه قال ولنبلونكم حتى نعلم وأعلم من الله فلا يكون وقد جاء مثل هذا في حق الله.
الثاني: هو إنا قد علمنا إن لله في كل كائن وجها يخصه وذلك الوجه الإلهي لا يتصف بالخلق وقال للقلم اكتب علمي في خلقي وما قال له اكتب علمي في الوجه الذي مني لكل مخلوق على انفراده فهو سبحانه يعطي بسبب وهو الذي كتبه القلم من علم الله في خلقه ويعطي بغير سبب وهو ما يعطيه من ذلك الوجه فلا تعرف به الأسباب ولا الخلق , فوقعت المشورة ليظهر عنها أمر يمكن أن يكون من علم ذلك الوجه فيلقي إليه من شاوره في تدبيره علما قد حصل له من الله من حيث ذلك الوجه الذي لم يكتب علمه ولا حصل في خلقه ولهذا قال الله لرسوله فإذا عزمت فتوكل على الله يعني على إمضاء ما اتفقتم عليه في المشورة أو ما انفردت به دونهم وقوله فتوكل على الله في مثل هذا ما لم يقع الفعل فإن العزم يتقدم الفعل فقيل له توكل على الله فإنه ما يدرى ما لم يقع الفعل ما يلقي الله في نفسك من ذلك الوجه الخاص الإلهي الخارج عن الخلق وهو الأمر الإلهي فإن له الخلق والأمر فما كان من ذلك الوجه فهو الأمر وما كان من غير ذلك الوجه فهو الخلق .
وليتأمل أخوتي في قول الشيخ في الوجه الذي ذكر ان الله يعطي منه بغير سبب وهو الوجه الخاص الذي تقدم ذكره, فانه بهذا الوجه للانسان الكامل الى الله لا يعلمه العقل ولا النفس ولا أي مخلوق من المخلوقات كائنا ما كان, فيكون عنده من العلم ما ليس للعقل ولا النفس فتأمل, وقد ذكر الشيخ في فتوحاته ذلك فقال: ( لما خلق الله الإنسان الكامل أعطاه مرتبة العقل الأول وعلمه ما لم يعلمه العقل من الحقيقة الصورية التي هي الوجه الخاص له من جانب الحق وبها زاد على جميع المخلوقات وبها كان المقصود من العالم فلم تظهر صورة موجود إلا بالإنسان والعقل الأول على عظمه جزء من الصورة وكل موجود مما عدا الإنسان إنما هو في البعضية) .
ولا يغيب عن اخوتي ان الحديث كله في تنزلات نور الحبيب والا فان ذاته لا تحيث بحيثية, فان العقل انما انفتح في العماء, من سريان نور ذاته صلى الله عليه واله, فكان مبتدأ وجود العالم عقلا ونفسا منه, كما قال الشيخ ابن عربي, وهو قد كان نبيا وآدم معمى بين الماء والطين, ولم يك مثله شئ, لأنه عين الشيئية في فرديته, كل ذلك من كونه هو محض العلم, وله من وراء ذلك الوحدة البسيطة التي لا امتياز فيها عن الذات, وينكسر القلم عما وراء ذلك, وليس حديثنا عن الحقيقة العلوية وانها نفس الكل, هي حدها, كيف وولايته قائمة قبل التكوين, وحين أسري بالنبي فدنا فتدلى فكان قاب قوسين او أدنى, وجد عليا عليه السلام هنالك, فارتدى علي بحيائه وتقنع بالخجل, لحكم المرتبة التي لمحمد صلى الله عليه وآله, والتي يحذوها المحمديون على أثره, فظهر علي هنا بحكم الاجتهاد الذي سنه محمد صلوات الله وسلامه عليه في أمته, فكان له السبق على غيره من المجتهدين, وقول الشيخ الأكبر في أول فتوحاته: (وعلي عليه السلام يترجم عن الختم بلسانه) كاف لمن فهم الإشارة.
والله سبحانه في ذاته لا أسم له ولا رسم ولا إشارة, وان ثوبا حيك من نسج تسعة وعشرين حرفا عن معاليك قاصر.