مدخل:
بدءا، لابد أن يلاحظ الباحث منذ الوهلة الأولى أن الفكر الصوفي في عمومه تحكمه ثنائية قطبية تتميز بالتلازم – حضورا أو غيابا – في مجمل قضاياه المطروحة، وفي اللحظة نفسها بالتضاد المطلق، سواء على مستوى الوجود، أو على مستوى وسائل الإدراك، التي يتم توظيفها الحصر هذا الوجود.
إنها ثنائية: الغيب / الشهود، اللاهوت / الناسوت، الوحدة / التعدد، القدم / الحدوث، إلى غير ذلك من الاصطلاحات التي تتعدد بتعدد المفاهيم والتصورات، ونوعية التجارب الذهنية والروحية المعيشة في هذا الإطار.
ومن بين القضايا التي ظلت خاضعة في كليتها لهذه الثنائية، "قضية السفر"، من حيث الدلالة، والأبعاد، والتجليات، والمرجعيات التي يؤسس عليها، وكانت الكتابة الصوفية عميقة في تناولها.
من قلب هذه العلاقة يجد الباحث نفسه مدعوا إلى تناول الموضوع من وجهتين محوريتين اثنتين.
أولاهما تدور: حول السفر في بعده الجغرافي، وأعني به: السفر، كفعل.
والثانية: حول السفر في بعده الروحي الذهني، أي: السفر كرمز.
أ- السفر / الفعل:
ب- أولا: ربما كان من الضروري الإشارة إلى أن السفر في حد ذاته، سلوك بشري إداري – مهما كانت مرجعيته – يفتح من الناحية الإنتروبولوجية آفاقا غير محدودة لانعكاسات المرئي المعيش – أثناء عملية السفر على الذات المسافرة، سواء على مستوى السلوك الاجتماعي، أو على مستوى الإدراك، أو على مستوى التصور الخاص، أي رؤية العالم.
ت- ولذلك ظل السفر – بهذا المعنى – محاطا في مختلف الثقافات بهالة من القداسة، قادرة على نقل الذات المسافرة بالدرجة الأولى من مستوى الإدراك السطحي الفيزيقي للأشياء إلى مستوى إبداع تصور عميق متميز، وأحيانا ميتافيزيقي لها؛ وهو أثر تتعرض له بالضرورة الذات
المتلقية "السامع / القارئ"، بصرف النظر عن منطق الرحلة، وهدفها المبدئي: "الحج، التجارة، طلب العلم، الاستكشاف، الجغرافيا، الزيارات...". (1)