منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 أدب الرحلة الصوفية في الغرب الإسلامي_عبد الرحيم علمي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7397
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أدب الرحلة الصوفية في الغرب الإسلامي_عبد الرحيم علمي Empty
مُساهمةموضوع: أدب الرحلة الصوفية في الغرب الإسلامي_عبد الرحيم علمي   أدب الرحلة الصوفية في الغرب الإسلامي_عبد الرحيم علمي Emptyالسبت ديسمبر 09, 2023 5:58 am

مدخل:
بدءا، لابد أن يلاحظ الباحث منذ الوهلة الأولى أن الفكر الصوفي في عمومه تحكمه ثنائية قطبية تتميز بالتلازم – حضورا أو غيابا – في مجمل قضاياه المطروحة، وفي اللحظة نفسها بالتضاد المطلق، سواء على مستوى الوجود، أو على مستوى وسائل الإدراك، التي يتم توظيفها الحصر هذا الوجود.
إنها ثنائية: الغيب / الشهود، اللاهوت / الناسوت، الوحدة / التعدد، القدم / الحدوث، إلى غير ذلك من الاصطلاحات التي تتعدد بتعدد المفاهيم والتصورات، ونوعية التجارب الذهنية والروحية المعيشة في هذا الإطار.
ومن بين القضايا التي ظلت خاضعة في كليتها لهذه الثنائية، "قضية السفر"، من حيث الدلالة، والأبعاد، والتجليات، والمرجعيات التي يؤسس عليها، وكانت الكتابة الصوفية عميقة في تناولها.
من قلب هذه العلاقة يجد الباحث نفسه مدعوا إلى تناول الموضوع من وجهتين محوريتين اثنتين.
أولاهما تدور: حول السفر في بعده الجغرافي، وأعني به: السفر، كفعل.
والثانية: حول السفر في بعده الروحي الذهني، أي: السفر كرمز.
أ‌- السفر / الفعل:
ب‌- أولا: ربما كان من الضروري الإشارة إلى أن السفر في حد ذاته، سلوك بشري إداري – مهما كانت مرجعيته – يفتح من الناحية الإنتروبولوجية آفاقا غير محدودة لانعكاسات المرئي المعيش – أثناء عملية السفر على الذات المسافرة، سواء على مستوى السلوك الاجتماعي، أو على مستوى الإدراك، أو على مستوى التصور الخاص، أي رؤية العالم.
ت‌- ولذلك ظل السفر – بهذا المعنى – محاطا في مختلف الثقافات بهالة من القداسة، قادرة على نقل الذات المسافرة بالدرجة الأولى من مستوى الإدراك السطحي الفيزيقي للأشياء إلى مستوى إبداع تصور عميق متميز، وأحيانا ميتافيزيقي لها؛ وهو أثر تتعرض له بالضرورة الذات
المتلقية "السامع / القارئ"، بصرف النظر عن منطق الرحلة، وهدفها المبدئي: "الحج، التجارة، طلب العلم، الاستكشاف، الجغرافيا، الزيارات...". (1)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7397
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أدب الرحلة الصوفية في الغرب الإسلامي_عبد الرحيم علمي Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدب الرحلة الصوفية في الغرب الإسلامي_عبد الرحيم علمي   أدب الرحلة الصوفية في الغرب الإسلامي_عبد الرحيم علمي Emptyالسبت ديسمبر 09, 2023 6:04 am

https://pbs.twimg.com/media/F_n2W_uXcAAssUq?format=jpg&name=small
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7397
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أدب الرحلة الصوفية في الغرب الإسلامي_عبد الرحيم علمي Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدب الرحلة الصوفية في الغرب الإسلامي_عبد الرحيم علمي   أدب الرحلة الصوفية في الغرب الإسلامي_عبد الرحيم علمي Emptyالسبت ديسمبر 09, 2023 6:09 am


بشكل عام، تتحدد المقاصد الإجرائية الأولى لهذا المستوى الفيزيقي الجغرافي من الرحلة الصوفية في معظمها، في ثلاثة:
أ- الحج إلى البقاع المقدسة.
ب- اللقاء بالصالحين، والأولياء، وأعلام هذا الشأن، تبركاتهم، واستمدادا من روحانيتهم.
ج- التفكر في عجائب صنع الله، ومصائر الخلق.
خامسا – أما على مستوى الكتابة، ففي إطار هذا المطلب التربوي الصوفي بشكل عام في الغرب الإسلامي مثل:
* أنس الفقير وعز الحقير: لابن قنفذ القسنطيني "ق 8 هـ"، وهي: رحلة دامت عشرين سنة، زار خلالها عددا جما من الأولياء بالمغرب الأقصى والأوسط ومصر، خصوصا منهم أصحاب "أبي مدين الغوث". (40)
* إدريسية الأمصار والقرى وبلاد العرب: لابن قنفذ القسنطيني (ق 11 هـ)، وهو غير ابن قنفذ السابق الذكر، وخصصها أيضا لزيارة الصلحاء والأولياء. (41)
* نسمة الآس في حجة سيدنا أبي العباس: لأحمد ابن عبد القادر الحسني القادري "ق 12 هـ"، وصف فيها رحلته إلى الحج مع شيخه أحمد بن عبد الله. (42)
* المقالة المرومة في الحلة إلى تلمسان وندرومة: لمحمد بن إدريس المضري المالكي السنانـــــي. (43)
* رحلة المنى والمنة، لأحمد المصطفى بن طوير الجنة، أحد مشايخ شنقيط "ق 13 هـ"، وهي: رحلة حجازية مفعمة بمناقب الأولياء، ووصف مشاهدهم (44)... إلخ.
إنه سفر ذو بعد تطهيري تربوي، أو شعائري، يؤطره في كثير من الأحيان "شيخ" الطائفة داخل رؤية صوفية محدد سلفا، حول التجربة الصوفية، ومنهجها وأدواتها.
يقول ابن عجيبة: "... ولابد للفقير من السياحة في بدايته، لأن السفر يسفر عن العيوب، ويطهر النفوس والقلوب، ويوسع الأخلاق، وبه تتسع الأخلاق، وبه تتسع معرفة الملك الخلاق، لأن المسافر كل يوم يشاهد تجليا جديدا، ويلقى وجوها لا يعرفها ولا يأنس بها، فتحشر معرفته بذلك، ويتسع معناه، وقد قالوا: الفقير كالماء، فإذا طال مكثه في موضع واحد تغير وانتن..."، (45) وجعل شيخه أبو الحسن علي العمراني أقل السياحة 14 سنة. (46)
وبالموازاة مع هذا النوع من الكتابة ظهر في الغرب الإسلامي نوع آخر من النصوص السفرية "كان قد تأسس في المشرق قبل ذلك مع المكي، والطوسي، والمحاسبي، والغزالي، والقشري"، انكب على التنظير للسفر على المستوى الفيزيقي والسلوكي بتقنينه، وضبط شروطه وآدابه... مثل:
* إرشاد المسافر للربح الوافر: لابن يجبش التازي. (47)
* الرحلة العامرية: لأبي عبد الله محمد بن الحاج المراكشي التازي. (48)
* مقدمة كتاب المقالة المرومة في الرحلة إلى تلمسان وندرومة، سابق الذكر... (49).
وغيرها.
هذا فيما يتعلق بعملية السفر في بعدها التربوي التطهيري داخل زمن التجربة الصوفية.
- سادسا – على أن هناك نمطا آخر من الرحلة يجري قبل زمن التجربة الصوفية بمعنى ما، نفضل أن نسميه ب: "الرحلة التأسيسية"، فتكون بهذا المعنى رحلة قبلية تسعى إلى تأسيس هذه التجربة من خلال البحث عن الشيخ المربي / القطب.
وفي إطار هذا النمط من الرحلة يمكن أن ندرج ثلاثة نماذج سفرية معروفة:
أولها: "رحلة أبي الحسن الشاذلي"، الذي خرج من بلاد المغرب بحثا عن "القطب"، ووصل إلى العراق حيث نبهه بعض أهل الطريق إلى أنه قطع كل تلك المسافة عبثا، وأنه خلف مطلبه – أي القطب – وراءه في المغرب.
فيرجع أبو الحسن / المسافر أدراجه ليلتقي بشيخه "عبد السلام بن مشيش" شمال المغرب الأقصى، حسبما هو معروف في كتب التاريخ والمناقب. (50)
وثانيهما: "رحلة أبي عبد الله محمد العربي الدرقاوي" من قبيلة بني زروال، إلى حين لقائه بالشيخ أبي الحسن علي بن عبد الرحمان الحسني العمراني الشهير بالجمال "ق 12 هـ" في حكاية مثيرة (51)... إلخ.
وثالثها: "رحلة الشيخ محمد الحافظ العلوي الشنقيطي" الذي شد الرحال إلى الحجاز بحثا عن الشيخ الكامل، حيث سيدله هاتف مجهول أثناء الطواف على أن مطلبه الذي يبحث عنه يوجد بفاس، وهو الشيخ التجاني. (52)
فرحلة الشاذلي والدرقاوي والشنقيطي... إلخ مثلا، هنا هي عبارة عن حركة سفرية يقصد منها أساس البحث عن نقطة البدء المؤسسة للتجربة الصوفية "الموجهة".
- سابعا – أما النوع الثالث من أنواع الرحلات الصوفية، فهو الرحلة الدعوية / التبليغية / التبشيرية، حيث يخرج الصوفي مسافرا، برسم الدعوة إلى الله، ونشر الطريقة، بعد أن يلمس من نفسه، أو يلمس منه – بمعنى ما – الوصول إلى الكمال المطلوب.
ولذلك تأتي عادة في المرحلة الأخيرة من المسار الزمني للتجربة الصوفية، أي بعد الفراغ من تطهير الذات وترتيبها، وهو نمط سفري قليل في تاريخ التصوف بشكل عام، بالمقارنة مع غيره من الأنماط.
وأبرز مثال على هذا النوع: رحلات ابن عجيبة المتتالية التي كان يقوم بها إلى القبائل، داعيا إلى طريقته، وسجل وقائعها بتفصيل في "فهرسته"... (53)
رسم أصناف الرحلة الصوفية باعتبار الغاية والمسار الزمني
- ثامنا – وقبل الانتقال إلى الحديث عن رمزية السفر، هناك ملاحظة لابد من الإشارة إليها هنا بإلحاح، وبإيجاز أيضا، وهي أن عددا غير قليل من الكتابات السفرية الكبرى في الغرب الإسلامي يتداخل فيها البعد الصوفي مع غيره بشكل قوي، بل إن مجموعة منها ترجع في حد ذاتها إلى جذور صوفية، إما باعتبار منطلق السفر، أو باعتبار الانتماء الطرقي للمسافر.
غير أن اهتمام المسافر / الكاتب في هذه الكتابات السفرية بتسجيل الوقائع التاريخية والسياسية، والظواهر الاجتماعية والطبيعية، قد يعطي انطباعا مجانيا للحقيقة لدى المتلقي / القارئ، الذي يفترض – بالبداهة – أن يكرس الصوفي كتابته لتسجيل ما يرضى ميوله وانتماءه الصوفي لا غير، "من خلال ذكر المناقب، ووصف المشاهد، والأضرحة، والزوايا، والإلماع إلى معاني القوم وأسرارهم".
هو أمر يفرض علينا في واقع الأمر التساؤل حول الإطار الحقيقي لهذه الكتابات، بصر النظر عن تصنيفاتها المألوفة لدى الباحثين.
بعبارة أخرى، إن احتواء هذا النوع من الكتابة السفرية الصوفية على معلومات غير صوفية، كثير ما يعرضه لعملية تكاد تكون أشبه بمصادرة تصنيفية تلقائية تقوم بها القراءة غير المتأنية للنص، "وهي مسألة تكررت بشكل مثير في تاريخ الفكر العربي عموما، لا في التصوف فحسب، بل في عدد كبير من مجالات الكتابة وأنماط التعبير"، فنحن نعلم على سبيل المثال أن:
* "ابن جبير" (ق 7 هـ) رحل ثلاث مرات، حيث أخذ عن شيوخ التصوف بالمشرق، ثم انقطع إلى سماع الحديث والتصوف بفاس. (54)
* و"أبا الحسن التمكروتي" "ق 10 هـ" سليل واحد من أكبر زوايا الطريقة الجزولية، وكان هو نفسه من شيوخ التصوف، وكانت له زاويته الخاصة بدرعة، ومنها انطلق في رحلته الكبرى إلى القسطنطينية. (55)
* و"ابن مليح" "ق 11 هـ" كان صوفيا أيضا، ولذلك جعل رحلته الحجازية مطية لزيارة الزوايا والأولياء، ابتداء من أغمات، وريكة، عبر الصحراء، حيث كان الركب ينزل في ضيافة الزوايا، بل إن الركب كان تحت إمرة شيخ صوفي. (56)
* و"أبا سالم العياشي" "ق 11 هـ" كن شيخا يترأس زاوية والده الدلائية في الأطلس المتوسط؛ ولذلك كانت رحلته من منطلق صوفي صرف. (57)
* و"الحضيكي محمد بن أحمد" "ق 12 هـ" رحل في طلب العلم، لكن من نفس المنطلق إذ كان: "صادق المكاشفات عجيب الأسرار ظاهر الأنوار والكوامات"، وكان: "خاتمة أهل التصوف في عصره"، "وكان... مع ما هو عليه من الاستمساك بطريق الصوفية، لا يدعيها، ولا يتزي في لباسه بزي الصوف من لبس المرقعات، بل يلبس ثيابا حسنة بيضاء"، كما يذكر الجشتيمي. (58) إلى غير ذلك.
- تاسعا – ولعل هذه المصادرة التلقائية هي بالذات ما تعرض له الرحالة الشهير "أبو عبد الله، بن بطوطة"، فقد كانت رحلته صوفية في مبدئها، وفي جميع مراحلها، ومظاهرها، وتفصيلاتها، وحيثياتها؛ إلا أن جنوحه إلى سرد الوقائع التاريخية، ووصف الظواهر الإنسانية والطبيعية التي شاهدها، صرف اهتمام الباحثين نحو قراءات متعددة للرحلة: "اجتماعية، سياسية، جغرافية، غرائبية،..."، (59) نتج عنها غياب شبه مطلق للقراءة الحقيقية لها من المنظور الصوفي، الذي ربما كان لها إطارا ممكنا للدراسة، وبمعنى ما، إطارها الأصح والأنسب. (60)
والواقع أن هذا الجنوح لدى ابن بطوطة يدخل في سياق التحولات التي عرفها التفكير الصوفي في القرن الثامن الهجري وما بعده، حيث خرج عن نمط الانعزالية والتجرد، وصار أكثر انفتاحا على مكونات المجتمع وأنشطته.
ولذلك وجدنا الصوفية يساهمون في عدد من الأنشطة العامة، ويتولون الوزارة، وكتابة السر، والقضاء، والحسبة... ويقومون بالسفارة لدى الملوك لإصلاح ذات البين، ويتصدرون للخطابة، والتدريس، والطب، وغير ذلك.
ب – السفر / الرمز:
ينبغي في بدء أن نعترف بصعوبة الحديث عن تجربة صوفية معبر عنها "مهما كانت مستويات عمقها"، دون الحديث عن وظيفة الرمز النشيطة داخل هذا التعبير بمختلف أنماطه.
وهكذا تبدو لنا ضرورة دراسة رمزية السفر عند الصوفية ملحة في إطار منهج تحليلي يكشف العلاقة القائمة بين الواقعي والتخييلي، بين الفعل والإيمان، بين سفر البدن وسفر القلب، بوصفه رمزا محملا بشحنات دلالية رحبة المجال، لم تخضع للدراسة بعمق، شأنها في ذلك شأن عدد غير قليل من الرموز الأخرى، خصوصا بالمقارنة مثلا مع رمزية: الخمرة، أو المرأة... وهو مطلب يحتاج في الحقيقة إلى أبحاث عديدة، وربما لم يكن المقام هنا سانحا للإحاطة به.
ولذلك فسنكتفي بمجموعة من الملاحظات نوجزها على النحو التالي:
* بنفس الطريقة التي اعتمدها أبو إسماعيل الأنصاري الهروي "تـ: 481 هـ"، (61) وأبو القاسم القشيري "تـ: 465 هـ"، (62) وعبد الرزاق القاشاني
"تـ 720 أو 730 أو 735 هـ"، (63) وغيرهم في الفصل بين أشكال السفر الصوفي، وبشكل يحيلنا على مجموعة من الثوابت الأساسية في المنظومة الفكرية الصوفية، تميز الكتابة الصوفية في الغرب الإسلامي في عمومها بين سفرين:
سفر بدني يقصد منه في غالبيته بعده التربوي في تأصيل مجموعة من القيم الأخلاقية والاعتقادية من جهة، ومن جهة أخرى وضع السالك / المريد على عتبة سفر من مستوى آخر، وجداني منفصل كليا عن حيثيات الواقع الحسي للمسافر وسلوكاته.
بعبارة أخرى، يكون المسافر في الحركة السفرية الأولى متوجها إلى تصحيح موقفه تجاه الله فيما يتعلق بالاعتقاد: "مقامات: الخوف، الرجاء، اليقين، الإخلاص، المراقبة، الذكر، التوبة، التقوى..."، ومن الخلق فيما يتعلق بالأخلاق والمعاملات "مقامات: الصدق، الحياء، السخاء، لفتوة، الرحمة، الصبر..." في آن واحد مع مراعاة التداخل أحيانا".
- أما في الحركة السفرية الثانية، فيتفرغ لسفر عرفاني مجرد، يترقى خلاله في مقامات لا ترتبط إلا بمستوى العمق في معرفة الذات الإلهية، وإدراك معانيها وأسراها؛ إنه سفر وجداني لا يتحدد مجال تحركه، في واقع الأمر إلا داخل ذات المسافر / السالك. (64)
يقول في "رسالة حكم الأشواق":
"الرحلة رحلتان: رحلة الأرواح ورحلة الأشباح، فرحلة الأرواح من الكثافة إلى اللطافة، ورحلة الأشباح من مسافة إلى مسافة". (65)
وفي خلال شرحه لحكمة ابن عطاء الله المعروفة: "لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين، إذ لا مسافة بينك وبينه حتى تطويها رحلتك، ولا قطيعة بينك وبينه حتى تمحوها وصلتك".
يرى ابن عباد الرندي في "غيث المواهب اللدنية" أن: "السير إلى الله تعالى هو قطع عقبات النفس، ومحو آثارها ودواعيها، وغلبة أحكام طبيعتها وجبلتها حتى تطهر من ذلك، وتحصل لها أهلية القرب من الله تعالى، وتصل إلى سعادة لقائه؛ ولولا معاناة هذه الأشياء لم يتحقق السير والسلوك". (66)
إن السفر بهذا المعنى يكون رمزا للمزيد من التطهر والقرب، والتحول الروحي، وهو رمز يتردد توظيفه كثيرا لدى معظم مصنفي التصوف على العلوم، كابن برجان، وابن الخطيب، وابن الزيات، وابن عجيبة،... وغيرهم، على اختلاف مدارسهم وتوجهاتهم.
ويستدعي الحديث عن العلاقة بين أشكال السفر الصوفي توقفا ولو في عجالة – عند مفهوم "الطي" باعتباره مجالا للتداخل بين الرحلتين: الفعلية الفيزيقية، والذهنية الوجدانية.
فهذه لكرامة تمنح الصوفي قوة خارقة تمكنه من قطع المسافات الطويلة جدا في طرفة عين، وهي كرامة تكون مادتها وموضوعها ومجال حصولها المسافة الأرضية، أو على الأقل هكذا تقدمها الكتابة الصوفية، رغم أنها في واقع الأمر ترتبط أساس بذات المسافر، التي ربما كانت المجال الأوحد لحصول عملية السفر هذه بمعنى ما.
وتمدنا كتب المناقب على وجه الخصوص بعدد كبير من تفصيلات حصول هذه الكرامة للأولياء، منذ الطبقة الأولى من صوفية المشرق، كـ:"الشلبي"، و"ذي النون المصري"، و"أبي يزيد البسطامي"، الذي كان مثلا يحكي عن دخوله ألف مدينة منها ذات العماد، والبيت، وتأويل، وباريس، وجايلق، وجابرس، ومسك، (67) وعن وصوله إلى جبل قاف، وجبل كاف، وجبل صاد، وجبل عين، والفلك الأسفل، والفلك العلوي... إلخ.
وفي الغرب الإسلامي كذلك تجسد هذا النوع من الكتابة السفرية متميز، في أدب المناقب على وجه الخصوص:
1- فأبو القاسم المريد الأندلسي على سبيل المثال، يحج كل عام، فيلقاه أهل بلده بمكة، ويجالسونه، ويحادثونه، رغم أنه لم يفارق مالقة (68) حسب رواية الساحلي.
2- وأبو الحسن التماسيني يزور شيخه بفاس بطريق "الخطوة"، فيزجره هذا الأخير، طالبا منه المشي على النعلين "أي: ممارسة المشي الحقيقي الفعلي بمعناه الفيزيقي على الأرض"، كي يذوق ما يذوقه الناس من متاعب الطريق الحسية. (69)
3- والشيخ أبو العباس التجاني يتولى مقام: "القطبانية" بجبل عرفات، رغم أنه لم يغادر فاس كما يقول الصطفاوي. (70) إلى غير ذلك من النماذج.
أما "ابن عربي"، فإذا كان قد خصص في "الفتوحات المكية" بابا سماه "الباب الحادي والتسعون ومائة في معرفة السفر والطريق"، (71) فصل فيه مسائل السفر القلبي، وشروطه، وأدواته، ومراحله، وغاياته، وما إلى ذلك، فإنه ذهب بعيدا في تعميق مفهوم هذا السفر عندما قام – ولعله أول من فعل ذلك – بتأسيس ما يسمى بـ"المعرج الصوفي" من خلال كتابه الممتع والمتميز: "الإسرا إلى المقام الأسرى"، (72) حيث يشرع في رحلة قلبية / ذهنية على نمط الرحلة النبوية "التي توجه فيها الرسول عليه السلام إلى بيت المقدس، ثم إلى عالم السماء"، يفتتحها ب: "باب سفر القلب".
في هذه الرحلة يتنقل المؤلف / المسافر بين السماوات "السماوات هنا تعبير عن المقامات" من الأولى إلى السابعة، ويجري في كل سماء حوارا مع النبي الذي يقيم فيها كل حسب مقامه: سماء الوزارة: نبيها آدم، سماء الكتابة: نبيها المسيح، سماء الشهادة: نبيها يوسف، سماء الإمارة: نبيها إدريس، سماء الشرطة: نبيها هارون، سماء القضاة: نبيها موسى، سماء الغاية: نبيها إبراهيم، فيستلهم منهم الإشارات والتعليم
ثم يرتقي إلى "سدرة المنتهى"، ثم إلى "الكرسي"، ثم إلى "الرفارف العلى"، ليصل إلى "مقامات المناجاة":
(مناجاة: قاب قوسين، مناجاة: أو أدنى، مناجاة: اللوح الأعلى، مناجاة: الرياح وصلصة الجرس، حضرة: أوحى، مناجاة: الإذن، مناجاة: التشريف والتنزيه، مناجاة: التقديس، مناجاة: المنة، مناجاة: التعليم، مناجاة: أسرار مبادئ السور، مناجاة: جوامع الكلم، مناجاة: الدرة البيضاء).
ويختمها بمناجاة موجهة إلى أرواح الأنبياء في شكل إشارات مخصصة لكل واحد منهم حسب مقامه:
منجاة: أنفاس النور، الإشارات الآدمية، الإشارات الموسوية، الإشارات العيسوية، الإشارات الإبراهيمية، الإشارات اليوسفية، الإشارات المحمدية.
وهي كلها عبارة عن رحلة روحية / ذهنية / رمزية، متكونة من محطات سفرية بقصد التأمل والحوار، والاستمداد من روحانية الأنبياء، أفرغها ابن عربي / الكاتب / المسافر في قالب فني ورمزي بالغ العمق في الدلالة والإيحاء، بنفس المستوى من الفنية والعمق – مع اختلاف في شكل التوظيف الأدبي للرمز طبعا – لكتاب "منطق الطير" لفريد الدين العطار في رحلته الرمزية نحو جبل "قاف".
أما على مستوى التعبير الشعري، فمما لا يخفى أن التجربتين: الصوفية والشعرية، تجربتان لا تختلفان كثيرا عن بعضهما، لا باعتبار ارتباطهما الوثيق معا بالوعي الداخلي للإنسان، وسعيهما إلى الحياة داخل مستوى معين من التجرد عن الواقع الفزيقي فحسب، بل أيضا في اعتمادهما معا على أدوات تعبيرية، وبناءات رمزية منسجمة في كثير من الأحياء.
ومن قلب هذه الحميمية تأسست التجربة الشعرية الصوفية كنمط تعبيري قادر على نقل المواجد والإحساسات، والمعاني الصوفية الدقيقة،التي قد تستعصي على الأنماط الأخرى، ووظفت لهذا الغرض جملة من الرموز: كالخمر، والمرأة، والحمامة، ومعاني العشق، ورموز الطبيعة، ورموز المرجعيات الدينية الأخرى: اليهودية، والمسيحية، وغيرها، كالكنيسة، والدير، والبيع، والصليب، والرهبان، والزنار، والنواقيس.. إلخ، والسفر بطبيعة الحال.
لقد كان السفر حاضرا بشكل قوي ومتميز على الخصوص في غرض النسيب "في المقدمات والقصائد الغزلية" لدى شعراء العشق كرمز للسير نحو الذات المعشوقة "الحق"، التي يكنى عنها عادة.
ومن أهم ما يلاحظ في هذا الباب أن الصوفية استفادوا من موروث أدبي كبير، ومن مجموعة من التقاليد الفنية الثابتة في القصيدة العربية، إذ يتم استحضار جميع العناصر المكونة لمشهد الرحلة العربية القديمة، من: ربوع أطلال، وفياف، وقفار، ومفاوز، وشيخ، وعرارة، وقيصوم، وخيام، وأظعان، و... إلخ.
وهذا النوع كثير في شعر التصوف، ويستدعي في واقع الأمر دراسة تحليلية مفصلة لمختلف أشكال هذا الرمز ومستوياته الذلالية، لا يتسع المجال هنا لمثلها، ولذلك، سنكتفي بهذه النماذج – لا على سبيل الحصر -:
يقول ابن الفارض:
بان العزاء وبان الصبر إذ بانوا
بانوا وهم في سويدا القلب سكان
سألتهم عن مقبل الركب قيل لنا
مقيلهم حيث فاح الشيح والبان
فقلت للريح سيري والحقي بهم
فإنهم عند ظل الأيك قطان (73)
ويقول:
خليلي عوجا بالكثيب وعرجا
على لعلع واطلبا مياه يلملم
فيا حاذي الأجمال إن جئت حاجرا
قف بالمطايا ساعة ثم سلم (74)
...إلخ.
وغير مقصود بهذا المبحث، حول رمزية السفر عند الصوفية، أن نضع وجود السفر الفعلي عندهم موضع التشكيك، وإنما القصد الإشارة إلى أهمية الكشف عن الأوجه الممكنة لقراءة العلاقة القائمة داخل الفكر الصوفي بين السفر القلبي، والسفر البدني:
هل هي علاقة تحفيز في الاتجاه أو في الاتجاه المعاكس؟
هل هي علاقة تلازم؟
أم هي علاقة إشراط؟
أم أن السفر على الأرض لا يتجاوز كونه سلوكا حركيا فيزيقيا يتوخى التفكر والرياضة، وزيارة القوم للتبرك والاستمداد في حدود ظاهرية مرسومة غير ذات علاقة بالرحلة الوجدانية الروحية؟
وفي الختام، أعود مرة أخرى لأؤكد ما سبقت الإشارة إليه عند مدخل هذا البحث.
فالتجربة الصوفية – على تفاوت في العمق الخيالي والرمزي – بدون استثناء تجربة فلسفية بالدرجة الأولى، حتى في تجلياتها البسيطة ذات الطابع السطحي، الحريصة على تفادي المواقف الفقهية المتشددة، أي ما اصطلح على تسميته ب: "التصوف السني"، أو "السلوكي".
والرجل الصوفي صاحب إحساس عميق بقصور قواه المعرفية، ومحدودية مجال تحركها، وانطلاقا من هذا الإحساس تتنامى لديه – عبر مراحل التجربة – رغبة جامحة في الانعتاق من ذلك القصور البشري، الشيء الذي يستدعي بالضرورة القيام برحلة تختلف مستوياتها، بغية استكشاف الغائب غير المدرك.
وبهذا المعنى تكون عملية السفر الصوفي – بجميع تجلياتها المذكورة: "سفر القلب، سفر البدن، الطي" – عبارة عن بحث ملح متواصل عن إمكانيات تجاوز حدود الإدراك البشري القاصر، وشكلا من أشكال التطلع البشري إلى تحقيق مفهوم: "الكلية" في المعرفة / والقدرة / والحضور.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
 
أدب الرحلة الصوفية في الغرب الإسلامي_عبد الرحيم علمي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الصوفية في الغرب الإفريقي..عودة الروح في واقع مضطرب
» علمني علمه وعلمته علمي
» الرحلة الحجازية_1327 هجريه
» على_خطى_العرب
» موقف الصوفية من شطحات الصوفية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة المنتديات :: المنتدى الصوفى العام-
انتقل الى: