طهارة نسب المصطفي
أثناء زيارة أحد المحبين إلي المملكة العربية السعودية كان مسافرا من جدة إلي ينبع وفي الطريق رأي مخرج يوصل إلي منطقة الأبواء وهي المنطقة التي توفيت ودفنت فيها السيدة آمنة رضي الله عنها وعلي بعد 23 كم فقصد زيارتها .
وهناك وجد رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليجروا معه تحقيق وأظهروا له الفتوي رقم 4/ 324 / 327 والتي تحكم بأن أبوي سيدنا محمد كافرين مشركين وخالدين في النار ولا يجوز زيارة قبرهما ولا الدعاء لهما لأنهما خالدين في جهنم بحجة حديث رواه مسلم عن رجل ( مجهول ) أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أباه فقال : أبي وأباك في النار وأن الرسول قد استأذن الله في زيارة قبر أمه فأذن له ثم استأذنه في الدعاء لها فلم يؤذن له .
ونحن نقول :- من هو الذي في الجنة إذا كان والدا رسول الله ليسا في الجنة وإذا كان رسول الله هو حبيب الله فلماذا يعذب والديه ويخلدهما في النار . ولماذا نقر ونصدق أن امرأة بغي من بني إسرائيل دخلت الجنة في هرة سقتها كما في البخاري وندعي أن الأم الحنون التي حملت سيد البشر في أحشائها الطاهرة وأرضعته ورعته لا تتسع لها الجنة كما اتسعت لرجل علي غير ملة الإسلام سقي كلبا فغفر الله له .
وحين نرجع إلي حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ورقة بن نوفل والذى لم ينطق بالشهادتين رغم موته بعد نزول الوحي وقابل رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فقد سئل النبي صلي الله عليه وسلم عن ورقة بن نوفل فقال : " يبعث يوم القيامة أمة وحده " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ورواه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد والحديث الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم :- " لا تسبوا ورقة بن نوفل فإني قد رأيت له جنة أو جنتين " والحديث في صحيح الجامع تحقيق الألباني حديث رقم 7320 فلماذا يعمد فقهاء الوهابية اليوم إلي أبوي سيدنا رسول الله فيكفروهما ويحكمان عليهما بالخلود في النار .
إن الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم ينبوع الرحمة وفيض الحنان كان كلما يزور قبر السيدة آمنة تدمع عيناه ويجش بالبكاء ليس لأنها في النار كما يدعي أصحاب القلوب المتحجرة ولكن لأنه يتذكر شفقتها به ورحمتها له ويذكر أمه وقد رحل عنها زوجها وما زال عطر العرس يفوح منها وخضاب العرس لم يغادر أطرافها ويذكر لوعة الفراق التي قاسته السيدة آمنة بعد فراق سيدنا عبد الله بن عبد المطلب .
رسول الله الرحمة المهداة صاحب القلب الفياض الذي يتألم لآلامنا ويشفق علينا يبكي ويبكي صحابته لبكائه فكيف يصدق مؤمن أن يتنكر لأمه ولا يدعوا لها بالرحمة ولا يخاطب الله الرحمن الرحيم أن يرحمها وهو الذي قال لنا في القرآن :- " وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا " .
إن الذين يدعون هذه القسوة علي السيدة آمنة يستندون إلي الحديث الذي أورده الحاكم عن سيدنا ابن مسعود وأخرجه أحمد من حديث بريدة وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس ، والحافظ بن حجر العسقلاني لا يرتاح إلي موضوع الحديث فيقول إن صحة السند لا تستلزم صحة المتن واستنتج أن من صحح الحديث في أحسن أحواله إنما ذهب إلي تصحيح السند فقط أما المتن فلا يصح لمعارضته للواقع ، رحم الله الحافظ بن حجر العسقلاني ورحم الله سيدنا الفضيل بن عياض الذي قال عند تفسير قوله تعالي " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا " . قال : إن من أعظم الأذي له صلي الله عليه وسلم أن يقال : إن أبوي النبي صلي الله عليه وسلم في النار . ولما عير الناس سيدنا عكرمة بن أبي جهل بأبيه استنكر ذلك رسول الله
وقال : "لا تعيروه بأبيه" رغم أن أبيه هذا هو فرعون الأمة
أما نحن فمع جماهير أمة الإسلام أهل السنة والجماعة الذين يقرون نجاة أبوى سيدنا رسول الله وتشرفهما بنقل نوره ونسمته المباركة الشريفة وأنهما من الساجدين الذين تقلب رسول الله بينهم حتى ظهر إلى الوجود المادى فولد خاتما للنبيين وهدى الله به العالم وأخرجه من الظلمات الى النور ، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله ووالديه آمين . والحمد لله رب العالمين .
ونحن فى ذلك نستدل بالقرآن وبسنة رسول الله صلى اللع عليه وآله وسلم ومن أدلتنا مايلى :
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :- " بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتي كنت من القرن الذي كنت منه " البخاري
" إن الله اصطفي كنانة من نسب إسماعيل واصطفي قريشا من كنانة واصطفي من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم " مسلم .
إن الله تعلي خلق الخلق فجعلني في خير قرنهم ثم تخير القبائل فجعلني في خير قبيلة ثم تخير البيوت فجعلني من خير بيوتهم فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا " الترمذي بسند حسن .
" إن الله اختار الخلق فاختار منهم بني آدم ثم اختار من بني آدم العرب ثم اختارني من العرب فلم أزل خيارا من خيار ، ألا من أحب العرب فبحبي أحبهم ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم " الطبراني
* ولنعلم أن آدم عليه الصلاة والسلام ولد من حواء أربعين ولدا في عشرين بطنا شيثا فإنه ولد منفردا إكرامة لكون نبينا من نسله وكان شيثا وصي آدم ، ثم لما توفي شيث وصي ابنه بوصية أبيه له أن لا يضع هذا النور- الذي كان بجبهة آدم ثم انتقل إلي شيث – إلا في المطهرات من النساء ، ولما نزلت هذه الوصيه معمولا بها في القرون إلي أن وصل ذلك النور إلي جبهة عبد المطلب ثم ولده عبد الله ، وطهر الله هذا النسب الشريف من سفاح الجاهلية كما ورد في سنن البيهقي .
وروي ابن سعد وابن عساكر عن محمد بن السائب بن الكلبي عن أبيه قال : كتبت للنبي صلي الله عليه وسلم مائة أم فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا مما كان من أمر الجاهلية .
وروي الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر عنه صلي الله عليه وسلم قال :- " خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلي أن ولدني أبي وأمي ولم يصبني من سفاح الجاهلية شيء " .
وروي أبو نعيم قوله صلي الله عليه وسلم :- " لم يلتق أبواي قط علي سفاح ولم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلي الأرحام الطاهرة مصفي مهذبا لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما "
وروي ابن مردويه أنه صلي الله عليه وسلم قرأ :- " لقد جاءكم رسول من أنفسكم " بفتح الفاء وقال :- " أنا أنفسكم نسبا وصهرا وحسبا ليس في آبائي من لدن آدم سفاح كلنا نكاح " .
- ومن هنا نعلم أن آباء النبي صلي الله عليه وسلم وأمهاته من عبد الله إلي آدم ليس فيهم كافر لأن الكافر لا يقال في حقه أنه مختار ولا كريم ولا طاهر بل يقال أن نجس كما في الآية " إنما المشركون نجس " والأحاديث السابقة تصرح أن آباء رسول الله وأمهاته مختارون كرام طاهرون .
- وآباء وأمهات رسول الله أيضا حتي نبي الله إسماعيل كانوا من أهل الفترة والذي عليه أكثر أهل السنة والجماعة أنه لا يجب توحيد ولا غيره إلا بعد إرسال الرسول بخلاف المعتزلة الذين قالوا أن أهل الفترة في النار .
- ويقول ربنا تعالي :- " وتقلبك في الساجدين " ففي أحد التفاسير لهذه الآيه أن المراد تنقل نوره صلي الله عليه وسلم من ساجد إلي ساجد .
- وحديث أن الله أحيا له أبواه فآمنا به رغم انه مطعون فيه عند المصنفين إلا انه مقبول كرامة له صلي الله عليه وسلم ، فما الفرق بين إحياء ميت وبين رد الشمس بعد مغيبها حتى يصلى الإمام علي رضى الله عنه العصر والحديث صحيح .
وليحذر كل مسلم كل الحذر من ذكر ولدي المصطفي بنقص فإن ذلك يؤذي رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي ذلك يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم كما في الطبراني :-" لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات " وقد ذكر ذلك الفضيل بن عياط عند تفسير آية " إن الذين يؤذون الله ورسوله ....." قال إن من أعظم الأذي له صلي الله عليه وسلم أن يقال إن أبوي النبي في النار .
يقول ربنا تبارك وتعالي :-" ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم " البقرة . والرسول هنا هو سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم بدليل إجماع المفسرين وبدليل حديث رسول الله :-" أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسي وبدليل عقلي هو أن نبي الله إبراهيم دعا ذلك بمكة لذريته الذين يكونون بها ومن حولها ولم يبعث بمكة رسول إلا سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم .
والنتيجة من هذه الآية أن بعثة رسول الله كانت معلومة معروفة لدي الأنبياء من لدن إبراهيم حتي بعثته صلي الله عليه وسلم عرفها الأنبياء والعباد والحواريين والعلماء وغيرهم وهذا دليل علي أن العناية كانت محاطة به وبسلالته الشريفة فهم الأخيار الأطهار .
- حديث بن عباس :- " قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :- " إن الله قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهم قسما فذلك قوله " وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرهم ثلثا وذلك قوله " فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خير قبيلة فذلك قوله " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا فأنا أتقي ولد آدم وأكرمهم علي الله ولا فخر ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا فذلك قوله إنما يرد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا "
والنتيجة أن بيت رسول الله ثم بيت سيدنا عبد الله ثم بيت سيدنا عبد المطلب ثم بيت سيدنا هاشم وهكذا حتي نصل إلي بيت سيدنا عدنان هم خير البيوت وخلاصة البشرية جمعاء .
وفي غزوة حنين قال النبي صلي الله عليه وسلم :- " أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب " رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي .
ولو كان عبد المطلب مشركا لما ذكره النبي في هذا الموضوع ولا بهذه المقولة فإنه كان يواجه الشرك والمشركين والهزيمة وكانت مقولته مقولة الاستعلاء والانتصار .
ما رأته السيدة آمنة حين الحمل برسول الله وحين ولادته يدل علي إيمانها واتصالها بالسماء ونورانية قلبها ." أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسي ولما ولدت خرج من أمي نور أضاء ما بين المشرق والمغرب " .
قال صلي الله عليه وسلم :- " بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتي كنت من القرن الذي كنت فيه " رواه البخاري .
يعني بعث من خير طبقات كل قرن من حيث أعمالهم وأحوالهم أي من خير عناصر البشر أبا فأبا حتي ظهر في القرن الذي وجد فيه
نقلا عن موقع نور النبي .